الفرق بين الجهل والغرور:
قال الغزاليّ: الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل، إذ الجهل هو أن يعتقد الشّيء ويراه على خلاف ما هو به، ولكن ليس كلّ جهل غرورا.
إذ الغرور يستدعي مغرورا فيه ومغرورا به، وهو الّذي يغرّه، ومهما كان المجتهد المعتقد شيئا يوافق الهوى، وكان السّبب الموجب للجهل شبهة ومخيلة فاسدة يظنّ أنّها دليل، ولا تكون دليلا سمّي الجهل الحاصل به غرورا، فالغرور- كما سبق- هو سكون النّفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطّبع عن شبهة وخدعة من الشّيطان، فمن اعتقد أنّه خير إمّا في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور، وأكثر النّاس يظنّون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه، فأكثر النّاس على ذلك مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم واختلفت درجاتهم (فيه) حتّى كان غرور بعضهم أظهر وأشدّ من بعض «1» .
أنواع الغرور:
قال الغزاليّ: أظهر أنواع الغرور وأشدّها غرور الكفّار وغرور العصاة والفسّاد وأورد- رحمه الله تعالى- لهذين النّوعين وكشف عن كيفيّة معالجتهما على النّحو الّذي نلخّصه فيما يلي:
المثال الأوّل: غرور الكفّار، فمنهم من غرّته الحياة الدّنيا، ومنهم من غرّه بالله الغرور، أمّا الّذين غرّتهم الحياة الدّنيا: فهم الّذين قالوا: النّقد خير من النّسيئة «2» ، والدّنيا نقد والآخرة نسيئة، فهي إذن خير (منها) فلابدّ من إيثارها، وقالوا أيضا: اليقين خير من الشّكّ ولذّات الدّنيا يقين ولذّات الآخرة شكّ فلا نترك اليقين بالشّكّ.
وعلاج هذا الغرور إمّا بتصديق الإيمان وإمّا بالبرهان: فأمّا التّصديق بالإيمان فهو أن يصدّق الله تعالى في قوله ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ (النحل: 96) . وقوله عزّ وجلّ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (الضحى/ 4) ، وأمّا المعرفة بالبيان والبرهان، فهو أن يعرف وجه فساد هذا القياس الّذي نظمه في قلبه الشّيطان. وهذا القياس الّذي نظمه الشّيطان فيه أصلان: أوّلا: أنّ النّقد خير من النّسيئة وأنّ الدّنيا نقد والآخرة نسيئة.. فهذا محلّ التلبيس لأنّ الأمر ليس كذلك، بل إن كان النّقد مثل النّسيئة في المقدار والمقصود فهو خير، وإن كان أقلّ منها فالنّسيئة خير، ولذلك فإنّ الكافر المغرور يبذل في تجارته درهما ليأخذ عشرة نسيئة.. ولا يقول النّقد خير من النّسيئة فلا أتركه، والإنسان إذا حذّره الطّبيب الفواكه ولذائذ الأطعمة ترك ذلك في الحال خوفا من ألم المرض في المستقبل. ثانيا: أنّ اليقين خير من الشّكّ، فهذا القياس أكثر فسادا من الأوّل، إذ اليقين خير من الشّكّ إذا كان مثله، وإلّا فالتّاجر في تعبه علي يقين، وفي ربحه على شكّ، والمتفقّة في جهاده على يقين وفي إدراكه رتبة العلم على شكّ، والصيّاد في تردّده في
__________
(1) إحياء علوم الدين 3 (400) .
(2) المراد بالنقد البيع المعجل، أما النسيئة فهي البيع الآجل.(11/5049)
المقتنص على يقين، وفي الظّفر بالصّيد على شكّ.
وهذا القياس الخاطىء يتيقّن منه المؤمن وليقينه مدركان. أحدهما: الإيمان والتّصديق وتقليدا للأنبياء والعلماء، وذلك أيضا يزيل الغرور وهو مدرك يقين العوامّ وأكثر الخواصّ، ومثالهم مثال مريض لا يعرف دواء علّته وقد اتّفق الأطبّاء على أنّ دواءه النّبت الفلانيّ، فإنّ المريض تطمئنّ نفسه إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين الطّيّبة، بل يثق بقولهم ويعمل به. والخلاصة: أنّ غرور الشّيطان بأنّ الآخرة شكّ، يدفع إمّا بيقين تقليديّ، وإمّا ببصيرة ومشاهدة من جهة الباطن، والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيّعوا أوامر الله تعالى وهجروا الأعمال الصّالحة ولا بسوا الشّهوات والمعاصي فهم مشاركون للكفّار في هذا الغرور لأنّهم آثروا الحياة الدّنيا على الآخرة، إلّا أنّ أمرهم أخفّ لأنّ أهل الإيمان يعصمهم من عقاب الأبد فيخرجون من النّار ولو بعد حين. ولكنّهم أيضا من المغرورين الّذين آثروا الحياة الدّنيا، ومجرّد الإيمان لا يكفي للفوز، قال تعالى:
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (طه 28) .
المثال الثّاني: غرور العصاة من المؤمنين..
بقولهم: إنّ الله كريم وإنّا نرجو عفوه، واتّكالهم على ذلك وإهمالهم الأعمال، وتحسين ذلك بتسمية تمنّيهم واغترارهم رجاء وظنّهم أنّ الرّجاء مقام محمود في الدّين، وأنّ نعمة الله واسعة ورحمته شاملة ويرجونه بوسيلة الإيمان. فإن قلت فأين الغلط في قولهم هذا، وقد قال المولى أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي خيرا فهذا كلام صحيح مقبول في الظّاهر ولكن اعلم أنّ الشّيطان لا يغوي الإنسان إلّا بمثل هذا ولولا حسن الظّاهر لما انخدع به القلب، ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كشف عن ذلك فقال: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ، وهذا التّمنّي على الله غيّر الشّيطان اسمه فسمّاه رجاء حتّى خدع به الجهّال، وقد شرح الله الرّجاء فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ (البقرة/ 218) يعني أنّ الرّجاء بهم أليق، لأنّ ثواب الآخرة أجر وجزاء على الأعمال فقد قال تعالى: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران 185) ، فلو أنّ شخصا استؤجر لإصلاح شيء وشرط له أجرة، وكان الشّارط كريما بما يفي بالوعد ويزيد عليه، فجاء الأجير وأخذ هذا الشّيء ثمّ جلس ينتظر الأجر بزعم أنّ المستأجر كريم، أفيرى العامل ذلك تمنّيا وغرورا أم رجاء؟
وهذا للجهل بالفرق بين الرّجاء والغرّة، وقد قيل للحسن: قوم يقولون نرجو الله ويضيّعون العمل، فقال: هيهات هيهات تلك أمانيّهم يترجّحون فيها، من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه.
فإن قلت فأين مظنّة الرّجاء وموضعه المحمود:
فاعلم أنّه محمود في موضعين:
أحدهما في حقّ العاصي المنهك إذا خطرت له التّوبة فيقنّطه الشّيطان، هنا يقمع القنوط بالرّجاء، ويتذكّر قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً(11/5050)
(الزمر/ 53) فإذا توقّع المغفرة مع التّوبة فهو راج.
ثانيهما: في حقّ من تغترّ نفسه عن فضائل الأعمال ويقتصر على الفرائض، فيرجّي نفسه نعيم الله تعالى وما وعد به الصّالحين حتّى ينبعث من رجائه نشاط العبادة فيقبل على الفضائل ويتذكّر قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.. إلى قوله تعالى: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (المؤمنون من 1- 11) .
المثال الثّالث: غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلّا أنّ معاصيهم أكثر، وهم يتوقّعون المغفرة ويظنّون أنّهم بذلك تترجّح كفّة حسناتهم، مع أنّ ما في كفّة السّيّئات أكثر، وهذا غاية الجهل، فترى الواحد يتصدّق بدراهم من الحلال والحرام، وما يتناوله من أموال المسلمين أضعاف ذلك ويظنّ أنّ إنفاق عشرة في الصّدقة يكفّر عن مائة من مشبوه المال، وذلك غاية في الجهل والاغترار «1» .
أصناف المغترّين:
الصّنف الأوّل: أهل العلم والمغترّون منهم فرق:
ففرقة: أحكموا العلوم الشّرعيّة والعقليّة، وتعمّقوا فيها، واشتغلوا بها، وأهملوا تفقّد الجوارح وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطّاعات واغترّوا بعلمهم، وظنّوا أنّهم عند الله بمكان، وأنّهم بلغوا من العلم مبلغا لا يعذّب الله مثلهم، بل يقبل في الخلق شفاعتهم، وأنّه لا يطالبهم بذنوبهم وخطاياهم لكرامتهم على الله وهم مغرورون «2» .
وفرقة أخرى: أحكموا العلم والعمل، فواظبوا على الطّاعات الظّاهرة وتركوا المعاصي، إلّا أنّهم لم يتفقّدوا قلوبهم ليمحوا الصّفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد والرّياء، وطلب الرّئاسة والعلاء وإرادة السّوء للأقران.. ومثال هؤلاء كرجل قصد الملك ضيافته إلى داره فجصّص باب داره، وترك المزابل في صدرها، ولا يخفى أنّ ذلك غرور.
وفرقة أخرى: علموا أنّ هذه الأخلاق الباطنة مذمومة من جهة الشّرع إلّا أنّهم لعجبهم بأنفسهم يظنّون أنّهم منفكّون عنها، وأنّهم أرفع عند الله من أن يبتليهم «3» .
الصّنف الثّاني: أرباب العبادة والعمل، والمغرور منهم فرق كثيرة، فمنهم من غروره في الصّلاة ومنهم من غروره في تلاوة القرآن ومنهم في الحجّ، ومنهم في الغزو، ومنهم في الزّهد، وكذلك كلّ مشغول بمنهج من مناهج العمل، فليس خاليا عن غرور إلّا الأكياس وقليل ما هم «4» .
__________
(1) إحياء علوم الدين ج 3 ص 400- 408 (بتصرف) .
(2) الإحياء 3/ 409، 410.
(3) الإحياء 3/ 412، وقد اكتفينا بذكر هذه الفرق الثلاث خوف الإطالة، وقد ذكر- رحمه الله- فرقا أخرى يرجع إليها من شاء في الموضع المذكور.
(4) الإحياء 3/ 422.(11/5051)
الصّنف الثّالث: وهم المتصوّفة، وما أغلب الغرور عليهم والمغترّون منهم فرق كثيرة فمنهم من اغترّ بالزّيّ والهيئة والمنطق، ومنهم من رفضوا الأحكام وسوّوا بين الحلال والحرام وغير ذلك «1» .
الصّنف الرّابع: أرباب الأموال، والمغترّون منهم فرق كثيرة، ومجمل القول فيهم أنّ الرّياء قائدهم في كثير من أعمالهم وأنّ الشّيطان يزيّن لهم أعمالهم فيغترّون بها «2» .
الفرق بين الثّقة بالله والغرور والعجز:
قال ابن القيّم: الفرق بينها: أنّ الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشّجرة وباذر الأرض، والمغترّ العاجز قد فرّط فيما أمر به، وزعم أنّه واثق بالله، والثّقة إنّما تصحّ بعد بذل المجهود «3» .
وقال رحمه الله: إنّ الثّقة سكون يستند إلى أدّلة وأمارات يسكن القلب إليها فكلّما قويت تلك الأمارات قويت الثّقة واستحكمت ولا سيّما على كثرة التّجارب وصدق الفراسة.
وأمّا الغرّة فهي حال المغترّ الّذي غرّته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربّه حتّى أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والغرور ثقتك بمن لا يوثق به وسكونك إلى من لا يسكن إليه ورجاؤك النّفع من المحلّ الّذي لا يأتي بخير كحال المغترّ بالسراب.
ومن أعظم الغرّة أن ترى المولى عزّ وجلّ يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره، فالشّيطان وكلّ بالغرور، وطبع النّفس الأمّارة الاغترار، فإذا اجتمع الرّأي والبغي والشّيطان الغرور والنّفس المغترّة لم يقع هناك خلاف (في حدوث الغرّة) فالشّياطين غرّوا المغترّين بالله وأطمعوهم- مع إقامتهم على ما يسخط الله ويبغضه- في عفوه وتجاوزه وحدّثوهم بالتّوبة لتسكن قلوبهم ثمّ دافعوهم بالتّسويف حتّى هجم الأجل فأخذوا على أسوء أحوالهم وقال تعالى في هؤلاء: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (الحديد/ 14) . وأعظم النّاس غرورا بربّه من إذآ مسّه الله برحمة منه وفضل، قال: هذا لِي (فصلت/ 50) أي أنا أهله وجدير به ومستحق له ثمّ قال وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً (فصلت/ 50) فظنّ أنّه أهل لما أولاه من النّعم مع كفره بالله، ثمّ زاد في غروره فقال وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى (فصلت/ 50) يعني الجنّة والكرامة وهكذا تكون الغرّة بالله، فالمغترّ بالشّيطان مغترّ بوعوده وأمانيه وقد ساعده اغتراره بدنياه ونفسه فلا يزال كذلك حتّى يتردّى في آبار الهلاك «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الكبر والعجب- العتو- الطغيان- التكاثر- اتباع الهوى- الطيش.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التواضع- الإنابة- الإخبات- الخشية- الخوف- التقوى] .
__________
(1) الإحياء 3/ 426، 427 بتصرف واختصار.
(2) الإحياء 3/ 429- 435 بتصرف واختصار.
(3) مدارج السالكين 2/ 129.
(4) الروح لابن القيم، ص 220- 221 (بتصرف واختصار) .(11/5052)
الآيات الواردة في «الغرور»
أولا: الغرور بالحياة الدنيا:
1- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) «1»
2- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «2»
3-يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
(130) «3»
4- الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «4»
5- ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) «5»
6- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «6»
ثانيا: الغرور من عمل الشيطان:
7- إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117)
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118)
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119)
__________
(1) آل عمران: 185 مدنية
(2) الأنعام: 70 مدنية
(3) الأنعام: 130 مدنية
(4) الأعراف: 51 مكية
(5) الجاثية: 35 مكية
(6) الحديد: 20 مدنية(11/5053)
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) «1»
8- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) «2»
9- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20)
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) «3»
10- وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) «4»
11- يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) «5»
ثالثا: النهي عن الغرور:
12- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) «6»
13- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (23) «7»
14- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) «8»
15- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) «9»
16- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) «10»
رابعا: اغترار الكفار:
17- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا
__________
(1) النساء: 117- 121 مدنية
(2) الأنعام: 112 مكية
(3) الأعراف: 20- 22 مكية
(4) الإسراء: 64 مكية
(5) الحديد: 14 مدنية
(6) آل عمران: 196 مدنية
(7) لقمان: 33 مكية
(8) فاطر: 5 مكية
(9) غافر: 4 مكية
(10) الانفطار: 6 مكية(11/5054)
يَفْتَرُونَ (24) «1»
خامسا: اتهام المنافقين للمسلمين بالغرور:
18- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «2»
19- وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) «3»
سادسا: الغرور من شأن الظالمين والكفار:
20- قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) «4»
21- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) «5»
الآيات الواردة في «الغرور» معنى
22- وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) «6»
23- وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) «7»
24- فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) «8»
25- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) «9»
26- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) «10»
27- وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ
__________
(1) آل عمران: 24 مدنية
(2) الأنفال: 49 مدنية
(3) الأحزاب: 12 مدنية
(4) فاطر: 40 مكية
(5) الملك: 20 مكية
(6) القصص: 87 مكية
(7) سبأ: 35 مكية
(8) الزمر: 49 مكية
(9) غافر: 83 مكية
(10) فصلت: 15 مكية(11/5055)
غَلِيظٍ (50) «1»
28- وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) «2»
29- وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) «3»
30- أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) «4»
31- ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) «5»
32- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) «6»
33- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)
وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12)
وَبَنِينَ شُهُوداً (13)
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) «7»
34- أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) «8»
35- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2)
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) «9»
36- تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2)
سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) «10»
__________
(1) فصلت: 50 مكية
(2) الشورى: 14 مكية
(3) الزخرف: 51 مكية
(4) القمر: 43- 45 مكية
(5) الحاقة: 28- 29 مكية
(6) نوح: 21 مكية
(7) المدثر: 11- 16 مكية
(8) البلد: 5- 6 مكية
(9) الهمزة: 1- 4 مكية
(10) المسد: 1- 5 مكية(11/5056)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغرور) والنهي عنه
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
لمّا أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا» . قالوا:
يا محمّد لا يغرّنّك من نفسك أنّك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا «1» لا يعرفون القتال إنّك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس وإنّك لم تلق مثلنا، فأنزل الله- عزّ وجلّ- في ذلك قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ (آل عمران/ 12)) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج في آخر الزّمان رجال يختلون «3» الدّنيا بالدّين يلبسون للنّاس جلود الضّأن من اللّين، ألسنتهم أحلى من السّكّر وقلوبهم قلوب الذّئاب. يقول الله- عزّ وجلّ- أبي يغترّون. أم عليّ يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران» ) * «4» .
3-* (عن ابن أبان- رضي الله عنه- قال:
أتيت عثمان بن عفّان بطهور وهو جالس على المقاعد فتوضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم توضّأ وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثمّ قال: من توضّأ مثل هذا الوضوء ثمّ أتى المسجد فركع ركعتين، ثمّ جلس غفر له ما تقدّم من ذنبه قال: وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لا تغترّوا» ) * «5» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يحدّث أنّه قال: «مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتّى خرج حاجّا فخرجت معه، فلمّا رجعت وكنّا ببعض الطّريق. عدل إلى الأراك لحاجة له، قال فوقفت له حتّى فرغ، ثمّ سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللّتان تظاهرتا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال فلا تفعل؛ ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبّرتك به، قال ثمّ قال عمر: والله إن كنّا في الجاهليّة ما نعدّ للنّساء أمرا، حتّى أنزل الله فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال فقلت لها:
مالك ولما ها هنا، فيما تكلّفك في أمر أريده؟ فقالت لي
__________
(1) أغمارا: الغمر: هو الجاهل الذي لم يجرب الأمور.
(2) سنن أبي داود 3 (3001) ، والطبري (6666) ورجاله ثقات غير محمد بن أبي محمد ووثقه ابن حبان.
(3) يختلون: يطلبون الدنيا بعمل الآخرة.
(4) سنن الترمذي 4 (2402) ، ويشهد له حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- رقم (2405) ، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
(5) البخاري- الفتح 11 (4633) .(11/5057)
عجبا لك يا ابن الخطّاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإنّ ابنتك لتراجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان.
فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتّى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنيّة إنّك لتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنّا لنراجعه.
فقلت: تعلمين أنّي أحذّرك عقوبة الله وغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم يا بنيّة لا يغرّنّك هذه الّتي أعجبها حسنها حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاها- يريد عائشة- قال ثمّ خرجت حتّى دخلت على أمّ سلمة لقرابتي منها فكلّمتها، فقالت أمّ سلمة: عجبا لك يابن الخطّاب دخلت في كلّ شيء حتّى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوّف ملكا من ملوك غسّان ذكر لنا أنّه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاريّ يدقّ الباب، فقال افتح افتح فقلت جاء الغسّانيّ فقال: بل أشدّ من ذلك، اعتزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزواجه. فقلت رغم أنف حفصة وعائشة. فأخذت ثوبي فأخرج حتّى جئت، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مشربة «1» له يرقى عليها بعجلة، وغلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسود على رأس الدّرجة، فقلت له: قل هذا عمر بن الخطّاب. فأذن لي. قال عمر:
فقصصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الحديث، فلمّا بلغت حديث أمّ سلمة تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنّه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإنّ عند رجليه قرظا مصبورا «2» ، وعند رأسه أهب معلّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إنّ كسرى وقيصر. فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة؟» ) * «3» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) . حتّى حجّ عمر وحججت معه. فلمّا كنّا ببعض الطّريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة «4» . فتبرّز، ثمّ أتاني فسكبت على يديه. فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين! من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ قال عمر: واعجبا لك يا ابن عبّاس! (قال الزّهريّ: كره، والله! ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة. ثمّ أخذ
__________
(1) مشربة: غرفة.
(2) قرظا مصبورا: مجموعا مثل الصبرة.
(3) البخاري- الفتح 8 (4913) .
(4) الإداوة: إناء صغير من جلد يتّخذ للماء كالسطيحة ونحوها، وجمعها أدواى.(11/5058)
يسوق الحديث. قال: كنّا، معشر قريش، قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم.
فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أميّة بن زيد، بالعوالي. فتغضّبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إن أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه. وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل، فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى اللّيل؟
قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر، أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «1» هي أوسم «2» وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال: وكان لي جار من الأنصار. فكنّا نتناوب النّزول إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فينزل يوما وأنزل يوما. فيأتيني بخبر الوحي وغيره.
وآتيه بمثل ذلك. وكنّا نتحدّث؛ أنّ غسّان تنعل «3» الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي. ثمّ ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، قلت: ماذا؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول. طلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساءه.
فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا. حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي. ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي. فقلت:
أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: لا أدري. هاهو ذا معتزل في هذه المشربة «4» . فأتيت غلاما له أسود.
فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت. فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست. فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم.
فجلست قليلا. ثمّ غلبني ما أجد. ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا. فإذا الغلام يدعوني.
فقال: ادخل. فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هو متّكيء على رمل حصير «5» .
قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت- يا رسول الله- نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر! لو رأيتنا، يا رسول الله! وكنّا، معشر قريش، قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم.
فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. فتغضّبت على امرأتي يوما. فإذا هي تراجعني. فأنكرت أن تراجعني.
فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إنّ أزواج النّبيّ
__________
(1) جارتك: ضرتك.
(2) أوسم: أحسن وأجمل.
(3) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيولهم نعالا لغزونا، يعني يتهيأون لغزونا.
(4) المشربة: الغرفة.
(5) رمل حصير: يقال: رملت الحصير وأرملته إذا نسجته.(11/5059)
صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر، أفتأمن إحداهنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت:
يا رسول الله! قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك فتبسّم أخرى فقلت: أستأنس «1» يا رسول الله! قال: «نعم» فجلست. فرفعت رأسي في البيت.
فو الله! ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر، إلّا أهبا «2» ثلاثة.
فقلت: ادع الله يا رسول الله! أن يوسّع على أمّتك. فقد وسّع على فارس والرّوم. وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالسا ثمّ قال: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب؟! أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» ، فقلت: استغفر لي، يا رسول الله! وكان أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرا من شدّة موجدته «3» عليهنّ.
حتّى عاتبه الله عزّ وجلّ) * «4» .
6-* (عن أبي أسماء الرّحبيّ أنّ ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي يدها فتخ (أي خواتيم ضخام) فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضرب يدها فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشكو إليها الّذي صنع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إليّ أبو حسن «5» فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والسّلسلة في يدها، فقال: «يا فاطمة أيغرّك أن يقول النّاس: ابنة رسول الله، وفي يدها سلسلة من نار، ثمّ خرج ولم يقعد فأرسلت فاطمة بالسّلسلة إلى السّوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وقال مرّة: عبدا وذكر كلمة معناها فأعتقته فحدّث بذلك فقال:
«الحمد لله الّذي أنجى فاطمة من النّار» ) * «6» .
7-* (عن شيخ من بني مالك بن كنانة قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسوق ذي المجاز يتخلّلها.
يقول «يا أيّها النّاس قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا» قال:
وأبو جهل يحثي عليه التّراب، ويقول: أيّها النّاس لا يغرّنّكم هذا عن دينكم، فإنّما يريد لتتركوا آلهتكم، ولتتركوا اللّات والعزّى، قال: وما يلتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث» ) * «7» .
__________
(1) أستأنس: الظاهر من إجابته صلّى الله عليه وسلّم أن الاستنئاس هنا هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: فجلست.
(2) أهبا ثلاثة: جمع إهاب وهو الجلد غير المدبوغ.
(3) من شدة موجدته: أي غضبه.
(4) مسلم 2 (1479) .
(5) أبو حسن هو عليّ- رضي الله عنه- وهو زوج السيدة فاطمة- رضي الله عنها-.
(6) سنن النسائي 8/ 116 رقم (5140) ، وأحمد في المسند (5/ 278) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 728) : وإسناده صحيح.
(7) المسند (5/ 376) برقم (23254) ، وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 22، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.(11/5060)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغرور)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة «1» فتمّت، فغضب عمر ثمّ قال: إنّي إن شاء الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الّذين يريدون أن يغصبوهم «2» أمورهم. قال عبد الرّحمن:
فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس وغوغاءهم «3» ، فإنّهم هم الّذين يغلبون على قربك حين تقوم في النّاس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها «4» عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتّى تقدم المدينة فإنّها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف النّاس، فتقول ما قلت متمكّنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله- إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أوّل مقام أقومه بالمدينة قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة، في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجّلت الرّواح حين زاغت الشّمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطّاب فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف.
فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلمّا سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرّجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا ثمّ
__________
(1) فلتة: فجأة.
(2) يغصبوهم: يغلبوهم على الأمر.
(3) غوغاءهم: السفلة المسرعين إلى الشر.
(4) يطيرها: يطلقها.(11/5061)
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله. ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه «1» مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا «2» ، وإنّه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزّبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبابكر، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم، فلمّا دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا:
أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا؛ نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينّهم. فانطلقنا حتّى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ماله؟ قالوا: يوعك. فلمّا جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم- معشر المهاجرين- رهط، وقد دفّت دافّة من قومكم «3» ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا «4» من أصلنا وأن يحضنونا «5» من الأمر. فلمّا سكت أردت أن أتكلّم- وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحدّ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلّم أبو بكر، فكان هو أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا.
وقد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين فبايعوا أيّهما شئتم- فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بيننا- فلم أكره ممّا قال غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر، اللهمّ إلّا أن تسوّل إليّ نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكّك «6» ، وعذيقها المرجّب.
__________
(1) تقطع الأعناق إليه: أي أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر.
(2) تغرّة أن يقتلا: أي من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل.
(3) دفت دافة من قومكم: أي أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا، ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا.
(4) يختزلونا: يعوقوننا عنها.
(5) يحضنونا: يحبسوه عنا.
(6) أنا جذيلها المحكّك: وعذيقها المرجّب: أي قد جربتني الأمور، ولي رأي وعلم يشتفى بهما كما تشتفي هذه الإبل الجربى بهذا الجذل، وصغره على جهة المدح.(11/5062)
منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللّغط، وارتفعت الأصوات، حتّى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على مالا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا» ) * «1» .
2-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: تقوى الله مفتاح سداد «2» وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا «3» ، أو مرضا حابسا «4» ، أو موتا خالسا «5» ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم «6» ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم «7» غوائله، وأقصدتكم معابله «8» ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس «9» غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة «10» مذاقه فأسكت نجيّكم «11» ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها «12» ، وأصابوا غرّتها، وأفنوا عدّتها وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة «13» خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها) * «14» .
3-* (وعن عليّ- رضي الله عنه- أنّه صاح بغلام له مرّات، فلم يلبّه، فنظر، فإذا هو بالباب، فقال: مالك لم تجبني؟ قال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن ذلك فأعتقه) * «15» .
4-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا) * «16» .
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6830) .
(2) السداد: بالكسر: ما يسد به الشيء ومنه سداد الثغر.
(3) الناكس: الراجع.
(4) الحابس: الذي يمنع صاحبه من العمل.
(5) الموت الخالس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة.
(6) الطيات: النيات.
(7) التكنف: الحلول بالأكناف وهي الضواحي.
(8) المعابل: نصل عريض طويل.
(9) الحنادس: الظلم.
(10) الجشوبة: خشونة المذاق.
(11) النجي: القوم يتناجون.
(12) الدرة: اللبن.
(13) الغرارة: فعالة من الغرور.
(14) منال الطالب لابن الأثير 364.
(15) تفسير القرطبي (10/ 161) .
(16) الإحياء (3/ 411) .(11/5063)
5-* (وقال ابن مسعود- رضي الله عنه- ما منكم من أحد إلّا وسيخلو الله به يوم القيامة، فيقول له: يابن آدم ماذا غرّك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟) * «1» .
6-* (دخل أبو الدّرداء- رضي الله عنه- الشّام فقال: يا أهل الشّام، اسمعوا قول أخ ناصح فاجتمعوا عليه، فقال؛ مالي أراكم تبنون مالا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون؟ إنّ الّذين كانوا قبلكم بنوا مشيدا وأمّلوا بعيدا وجمعوا كثيرا، فأصبح أملهم غرورا وجمعهم ثبورا ومساكنهم قبورا) * «2» .
7-* (قال مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (فاطر/ 5) : الغرور:
الشّيطان) * «3» .
8-* (عن عكرمة في قوله تعالى يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) . قال:
الإنسان: أبيّ بن خلف) * «4» .
9-* (قال وهب بن منبّه- رحمه الله- قال الله لموسى انطلق برسالتي فإنّك بسمعي وعيني وإنّ معك يدي وبصري وإنّي قد ألبستك جنّة من سلطاني لتستكمل بها القوّة في أمري فأنت جند عظيم من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي وأمن مكري وغرّته الدّنيا عنّي، جحد حقّي وأنكر ربوبيّتي) * «5» .
10-* (عن قتادة: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ما غرّ ابن آدم غير هذا العدوّ والشّيطان) * «6» .
11-* (عن الزّهريّ- رحمه الله- قال: من استطاع ألّا يغترّ فلا يغترّ) * «7» .
12-* (عن أبي حازم قال: لمّا حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة، قال: ائتوني بكفني الّذي أكفّن فيه، أنظر إليه. فلمّا وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي كثير ما أخلف من الدّنيا إلّا هذا، ثمّ ولّى ظهره وبكى وقال: أفّ لك من دار إن كان كثيرك لقليل وإن كان قليلك لكثير وإن كنّا منك لفي غرور) * «8» .
13-* (قال أبو بكر الورّاق: لو قال لي أحد:
ما غرّك بربّك الكريم؟ لقلت غرّني كرم الكريم، وقال بعض أهل الإشارة: إنّما قال: بربّك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنّه لقّنه الإجابة؛ وهذا الّذي تخيّله
__________
(1) تفسير القرطبي (10/ 161) .
(2) أدب الدنيا والدين ص 128.
(3) البخاري- الفتح 11 (254) .
(4) الدرّ المنثور (6/ 534) .
(5) تفسير ابن كثير (3/ 146) .
(6) تفسير ابن كثير (4/ 481) .
(7) مسلم ج 1 ص 456، وقد ذكر الزهري ذلك تعقيبا على ما جاء في حديث عتبان من قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله قد حرّم على النّار من قال: لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» انظر الحديث تامّا في مسلم 1 (33) ص 455.
(8) الدر المنثور (3/ 429) .(11/5064)
هذا القائل ليس بطائل لأنّه إنّما أتى باسمه الكريم ينبّه على أنّه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور) * «1» .
14-* (روى الدّارميّ في سننه عن بعض الفقهاء أنّه قال: يا صاحب العلم اعمل بعلمك، وأعط فضل مالك، واحبس الفضل من قولك إلّا بشيء من الحديث ينفعك عند ربّك، يا صاحب العلم إنّ الّذي علمت ثمّ لم تعمل به قاطع حجّتك ومعذرتك عند ربّك إذا لقيته، يا صاحب العلم إنّ الّذي أمرت به من طاعة الله ليشغلك عمّا نهيت عنه من معصية الله، يا صاحب العلم لا تكوننّ قويّا في عمل غيرك ضعيفا في عمل نفسك، يا صاحب العلم لا يشغلنّك الّذي لغيرك عن الّذي لك، يا صاحب العلم عظّم العلماء، وزاحمهم، واستمع منهم، ودع منازعتهم، يا صاحب العلم عظّم العلماء لعلمهم، وصغّر الجهّال لجهلهم، ولا تباعدهم وقرّبهم وعلّمهم، يا صاحب العلم لا تحدّث بحديث في مجلس حتّى تفهمه، ولا تجب امرأ في قوله حتّى تعلم ما قال لك، يا صاحب العلم لا تغترّ بالله، ولا تغترّ بالنّاس فإنّ الغرّة بالله ترك أمره، والغرّة بالنّاس اتّباع هواهم، واحذر من الله ما حذّرك من نفسه، واحذر من النّاس فتنتهم، يا صاحب العلم إنّه لا يكمل ضوء النّهار إلّا بالشّمس كذلك لا تكمل الحكمة إلّا بطاعة الله، يا صاحب العلم إنّه لا يصلح الزّرع إلّا بالماء والتّراب، كذلك لا يصلح الإيمان إلّا بالعلم والعمل، يا صاحب العلم كلّ مسافر متزوّد وسيجد إذا احتاج إلى زاده ما تزّود، وكذلك سيجد كلّ عامل إذا احتاج إلى عمله في الآخرة ما عمل في الدّنيا، يا صاحب العلم إذا أراد الله أن يحضّك على عبادته فاعلم أنّه إنّما أراد أن يبيّن لك كرامتك عليه، فلا تحوّلنّ إلى غيره فترجع من كرامته إلى هوانه، يا صاحب العلم إنّك إن تنقل الحجارة والحديد أهون عليك من أن تحدّث من لا يقبل حديثك، ومثل الّذي يحدّث من لا يقبل حديثه كمثل الّذي ينادي الميّت ويضع المائدة لأهل القبور) * «2» .
15-* (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-:
وكان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدّنيا حزنوا، وقالوا: ذنب عجّلت عقوبته، ورأوا ذلك علامة المقت والإهمال، وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصّالحين، والمغرور إذا أقبلت عليه الدّنيا ظنّ أنّها كرامة من عند الله، وإذا احترفت عنه ظنّ أنّها هوان) * «3» .
16-* (قال عون بن عبد الله: إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحببت، ولا يغرّنّك ثناء من جهل أمرك) * «4» .
__________
(1) تفسير الطبري (19/ 161) .
(2) سنن الدارمي ج 1 ص 158- 159.
(3) إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (3/ 404) .
(4) أدب الدنيا والدين ص 230.(11/5065)
17-* (قيل للفضيل بن عياض: لو أقامك الله- تعالى- يوم القيامة بين يديه. فقال لك: ما غرّك بربّك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول:
غرّني ستورك المرخاة لأنّ الكريم هو السّتّار. نظمه ابن السّمّاك فقال:
يا كاتم الذّنب أما تستحي ... والله في الخلوة ثانيكا
غرّك من ربّك إمهاله ... وستره طول مساويكا) * «1» .
18-* (وقال ذو النّون المصريّ: كم من مغرور تحت السّتر وهو لا يشعر) * «2» .
19-* (وقال ابن طاهر الأبهريّ:
يا من غلا في العجب والتّيه ... وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غبّ معاصيه) * «3» .
20-* (يقول ابن كثير في الآية الكريمة:
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) هذا تهديد، لا كما يتوهّمه بعض النّاس من أنّه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتّى يقول قائلهم غرّه كرمه بل المعنى في هذه الآية: ما غرّك يابن آدم بربّك الكريم أي العظيم حتّى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء فى الحديث «يقول الله تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم ما غرّك بي؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟» ) * «4» .
21-* (قال مسعر: كم من مستقبل يوما وليس يستكمله ومنتظر غدا وليس من أجله ولو رأيتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره) * «5» .
22-* (روى الماورديّ عن بعض البلغاء:
الهوى مطيّة الفتنة، والدّنيا دار المحنة، فاترك الهوى تسلم، وأعرض عن الدّنيا تغنم، ولا يغرّنّك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتننّك دنياك بحسن العواري، فمدّة اللهو تنقطع وعاريّة الدّهر ترتجع ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم؛ وتكتسبه من المآثم) * «6» .
23-* (نقل الماورديّ عن بعض الحكماء:
الدّنيا إمّا مصيبة موجعة، وإمّا منيّة مفجعة. وقال الشّاعر:
خلّ دنياك إنّها ... يعقب الخير شرّها
هي أمّ تعقّ من ... نسلها من يبرّها
كلّ نفس فإنّها ... تبتغي ما يسرّها
والمنايا تسوقها ... والأماني تغرّها
فإذا استحلت الجنى ... أعقب الحلو مرّها
__________
(1) تفسير القرطبي (10/ 161) .
(2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(4) تفسير ابن كثير (4/ 451) .
(5) أدب الدنيا والدين للماوردي ص 123.
(6) المرجع السابق، ص 38، 39.(11/5066)
يستوي في ضريحه ... عبد أرض وحرّها
فإذا رضت نفسك من هذه الحالة بما وصفت.
اعتضت منها بثلاث خلال إحداهنّ: أن تكفى إشفاق المحبّ وحذر الواثق فليس لمشفق ثقة ولا لحاذر راحة.
والثّانية: أن تأمن الاغترار بملاهيها. فتسلم من عادية دواهيها فإنّ اللّاهي بها مغرور والمغرور فيها مذعور.
الثّالثة: أن تستريح من تعب السّعي لها ووهن الكدّ فيها) * «1» .
24-* (روى الماورديّ عن بعض الحكماء قوله: إنّ للباقي بالماضي معتبرا وللآخر بالأوّل مزدجرا والسّعيد لا يركن إلى الخدع ولا يغترّ بالطّمع) * «2» .
25-* (وقال ابن الجوزيّ: من النّاس من يغرّه تأخير العقوبة ومنهم من كان يقطع بالعفو، وأكثرهم متزلزل الإيمان فنسأل الله أن يميتنا مسلمين) * «3» .
26-* (قال ابن الجوزيّ: أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسّلامة وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حدّ) * «4» .
27-* (قيل لبشير: لم لم تتزوّج؟ فقال: على ماذا أغرّ مسلمة وقد قال الله- عزّ وجلّ- وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228)) * «5» .
28-* (قال ابن الجوزيّ في الاغترار بالظّواهر: كيف غرّك زخرف تعلم بعقلك باطنه، وترى بعين فكرك مآله؟ كيف آثرت فانيا على باق؟
كيف بعت بوكس؟ كيف اخترت لذّة رقدة على انتباه معاملة) * «6» .
29-* (قال ابن الجوزيّ: من تفكّر في عواقب الدّنيا أخذ الحذر، ومن أيقن الطّريق تأهّب للسّفر، ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثمّ ينساه ويتحقّق ضرر حال ثمّ يغشاه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (الأحزاب/ 37) ، تغلبك نفسك على ما تظنّ ولا تغلبها على ما تستيقن، أعجب العجائب سرورك بغرورك، وسهوك فى لهوك عمّا قد خبّيء لك، تغترّ بصحّتك وتنسى دنوّ السّقم وتفرح بعافيتك غافلا عن قرب الألم، لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك- قبل الممات- مضجعك، وقد شغلك نيل لذّاتك عن ذكر خراب ذاتك) * «7» .
__________
(1) أدب الدنيا والدين ص 116، 117.
(2) أدب الدنيا والدين ص 123.
(3) صيد الخاطر لابن الجوزي 484.
(4) صيد الخاطر 393.
(5) صيد الخاطر 392.
(6) صيد الخاطر 146.
(7) صيد الخاطر ص 4.(11/5067)
من مضار (الغرور)
(1) غرور الكفّار والفسّاد والعصاة من أشدّ أنواع الغرور إلحاقا للأذى.
(2) الغرور دليل فساد النّفس وخبث الطّويّة.
(3) الغرور بعفو الله يوقع في الهلاك.
(4) غرور العلماء بعلمهم يلهيهم عن العمل.
(5) غرور العبّاد يفسد ثواب عملهم.
(6) الغرور يؤدّي إلى الطّغيان والكفر أو الفسق والفجور.
(7) الغرور فيه جرأة عظيمة على الله سبحانه وتعالى.
(8) هو خسران فى الدّنيا وعذاب في الآخرة.
(9) فيه جهالة بحقيقة النّفس وأنّ الإنسان قد خلق من صلصال من حمأ مسنون.
(10) الغرور يتنافى مع العبوديّة الحقّة لله تعالى.
(11) الغرور يهلك الأمم ويصيب الأفراد بالأمراض النّفسيّة الخطيرة.
(12) الغرور يورث الكبر والعجب وغيرهما من أمراض القلب.(11/5068)
الغش
الغش لغة:
الغشّ اسم من قولهم غشّه يغشّه غشّا- بالكسر- وهو مأخوذ من مادّة (غ ش ش) يقول ابن فارس: «الغين والشّين أصول تدلّ على ضعف في الشّيء واستعجال فيه. من ذلك الغشّ، ويقولون:
الغشّ ألّا تمحض النّصيحة «1» . واستغشّه خلاف استنصحه «2» .
ويقول الفيّوميّ: «غشّه غشّا من باب قتل، والاسم غشّ- بالكسر- لم ينصحه وزيّن له غير المصلحة، ولبن مغشوش، مخلوط بالماء «3» .
وغشّه يغشّه غشّا لم يمحضه النّصح، وأظهر له خلاف ما أضمره، وهو بعينه، عدم الإمحاض في النّصيحة كغشّشه تغشيشا، وهو مبالغة في الغشّ.
والغشّ: الغلّ والحقد، وقد غشّ صدره يغشّ إذا غلّ «4» .
وقال ابن منظور: الغشّ نقيض النّصح، وهو مأخوذ من الغشش وهو المشرب الكدر.
ومن هذا الغشّ في البياعات. وفي الحديث: أنّ
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من غشّنا» .
قال أبو عبيدة: وقد غشّه يغشّه غشّا: لم يمحضه النّصيحة، وشيء مغشوش، ورجل غشّ:
غاشّ، والجمع: غشّون، قال أوس بن حجر:
مخلّفون، ويقضي النّاس أمرهم ... غشّوا الأمانة صنبور لصنبور
واستغشّه واغتشّه: ظنّ به الغشّ، وهو خلاف استنصحه.
واغتششت فلانا: أي عددته غاشّا، قال الشّاعر:
أيا ربّ من تغتشّه لك ناصح ... ومنتصح بالغيب غير أمين «5» .
الغش اصطلاحا:
قال المناويّ: الغشّ ما يخلط من الرّديء بالجيّد «6» .
وقال ابن حجر: الغشّ (المحرّم) أن يعلم ذو السّلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئا لو اطّلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل «7» .
__________
(1) المقاييس (4/ 383) .
(2) الصحاح (3/ 1013) .
(3) المصباح المنير (170) .
(4) التاج (9/ 154) .
(5) لسان العرب (6/ 323) .
(6) التوقيف (252) .
(7) الزواجر (323) .(11/5069)
وقال الكفويّ: الغشّ: سواد القلب وعبوس الوجه «1» .
أنواع الغش:
للغشّ أنواع عديدة أهمّها:
1- الغشّ في البيوع وغيرها من المعاملات وهو ما أشار إليه المناويّ وابن حجر في تعريفهما للغشّ.
2- الغشّ في النّصح، وهو ما أشار إليه الكفويّ، ويراد به عدم الإخلاص في النّصح، ومنه قول أبي عبيدة: «غشّه غشّا» لم يمحضه النّصيحة.
3- الغشّ للرّعيّة، وهو ما أشار إليه الإمام الذّهبيّ في حديثه عن الكبيرة السّادسة عشرة، وعليه قوله صلّى الله عليه وسلّم «أيّما راع غشّ رعيّته فهو في النّار» «2» .
حكم الغش:
عدّ الإمام ابن حجر النّوع الأوّل من الغشّ:
وهو غشّ البيوع ونحوها من الكبائر، فقال: عدّ هذا كبيرة هو ظاهر ما في بعض الأحاديث من نفي الإسلام عن الغاشّ مع كونه لم يزل في مقت الله، أو كون الملائكة تلعنه، وما ذكره بعضهم من أنّه صغيرة فيه نظر لما ذكر من الوعيد الشّديد فيه «3» .
أمّا النّوع الثّاني: وهو الغشّ في النّصيحة فهو أيضا من الكبائر الباطنة، لأنّ مرجعها سواد القلب، وينطبق عليها ما ينطبق على سائر الكبائر الباطنة الّتي يذمّ العبد عليها أكثر ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وشرب الخمر «4» .
أمّا النّوع الثّالث: وهو غشّ الإمام للرّعيّة. فقد عدّه الإمام الذّهبيّ من الكبائر أيضا. فقال: الكبيرة السّادسة عشرة هي غشّ الإمام للرّعيّة وظلمه لهم، وقد استدلّ على ذلك بآيات عديدة وأحاديث مختلفة منها الحديث رقم (3) « ... وهو غاشّ لرعيّته إلّا حرّم الله عليه الجنّة» «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: التطفيف- الخيانة التناجش- النفاق- أكل الحرام- سوء المعاملة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمانة- حسن المعاملة- النصيحة] .
الآيات الواردة في «الغش» معنى
1- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) «6»
__________
(1) الكليات (672) .
(2) الكبائر (73) .
(3) الزواجر (320) .
(4) المرجع السابق (98) ، وقد عد هذا الغش الكبيرة الخامسة.
(5) انظر ذلك مفصلا في الكبائر (72، 76) .
(6) المطففين: 1- 3 مكية.(11/5070)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغش)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يطلع عليكم الآن من هذا الفجّ رجل من أهل الجنّة ... »
الحديث وفيه-: فما بلغ بك ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فقال: ما هو إلّا ما رأيت. قال: فانصرفت عنه، فلمّا ولّيت دعاني فقال: ما هو إلّا ما رأيت غير أنّي لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشّا، ولا أحسده على خير أعطاه الله إيّاه. فقال عبد الله: فهذه الّتي بلغت بك، وهي الّتي لا نطيق) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا. فقال: «ما هذا يا صاحب الطّعام؟» قال: أصابته السّماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطّعام كي يراه النّاس؟ من غشّ فليس منّي» ) * «2» .
3-* (عن معقل بن يسار المزنيّ- رضي الله عنه- في مرضه الّذي مات فيه قال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلّا حرّم الله عليه الجنّة» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغش) معنى
4-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ (ثلاثا) : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وشهادة الزّور (أو قول الزّور) » وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّكئا فجلس. فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت) * «4» .
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة) * «5» .
6-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني
__________
(1) أحمد في المسند (3/ 166) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (13/ 113، 114) ، وقال: محققه إسناده صحيح.
(2) مسلم (102) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7150) ، ومسلم (142) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 5 (2654) ، ومسلم (87) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 10 (5937) ، ومسلم (2124) واللفظ له.(11/5071)
يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «1» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «2» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «4» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «5» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «6» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «7» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «8» فيدعوه خبزة.
قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «9» .
وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله.
وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «10» له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «11» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «12» . وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «13» «والشّنظير «14» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في
__________
(1) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته: أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(2) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(3) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقيل: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(4) فمقتهم: المقت أشد البغض.
(5) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(6) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك اليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق.
(7) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان.
(8) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(9) نغزك: أي نعينك.
(10) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(11) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(12) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء اذا أظهرته. وأخفيته اذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(13) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(14) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق.(11/5072)
حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «1» .
7-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نهى أن تتلقّى السّلع «2» حتّى تبلغ الأسواق) * «3» .
8-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا ذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه يخدع في البيوع. فقال:
لا خلابة «4» » ) * «5» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السّبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنيا. فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف» ) * «6» .
10-* (عن أسماء- رضي الله عنها- جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ لي ضرّة، فهل عليّ جناح أن أتشبّع من مال زوجي بما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور) * «7» .
11-* (عن سعيد بن المسيّب؛ قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبّة من شعر. فقال: ما كنت أرى أحدا يفعله إلّا اليهود، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلغه فسمّاه الزّور) * «8» .
12-* (عن أبي الطّفيل، عامر بن واثلة.
قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئا يكتمه النّاس. غير أنّه قد حدّثني بكلمات أربع. قال: فقال: ما هنّ؟ يا أمير المؤمنين، قال: قال: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا. ولعن الله من غيّر منار الأرض» ) * «9» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يتلقّى الرّكبان لبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم. فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النّظرين، بعد أن يحلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر» ) * «10» .
__________
(1) مسلم 4 (2865) .
(2) السلع: جمع سلعة، كسدرة وسدر وهو المتاع وما يتجر به.
(3) البخاري- الفتح 4 (2165) ، ومسلم (1517) واللفظ له.
(4) لا خلابة: لا تخلبوني أي لا تخدعوني.
(5) البخاري- الفتح 12 (6964) واللفظ له، ومسلم (1533) .
(6) مسلم (108) واللفظ له، وبعضه عند البخاري الفتح 5 (2353) .
(7) البخاري- الفتح 9 (5219) ، ومسلم (2130) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 10 (5938) ، ومسلم (2127) واللفظ له، والكبة شعر ملفوف بعضه على بعض.
(9) مسلم (1978) .
(10) البخاري- الفتح 4 (2150) ، ومسلم (1515) واللفظ له.(11/5073)
14-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجمع بين مفترق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصّدقة» ) * «1» .
15-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المحلّل والمحلّل له» ) * «2» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «3» كريم، والفاجر خبّ «4» لئيم» ) * «5» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر «6» ) * «7» .
18-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّجش «8» ) * «9» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الغش)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهليّة، وما أحسن الكهانة، إلّا أنّي خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الّذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه) * «10» .
2-* (قال ابن أبي أوفى: «النّاجش «11» آكل ربا خائن» ) * «12» .
3-* (قال الشّاعر:
لقد أباحك غشّا في معاملة ... من كنت منه بغير الصّدق تنتفع
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6955) ، وأبو داود (1567) واللفظ له.
(2) الترمذي (1120) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي رقم (893) . (1/ 326) .
(3) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له، إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس. فكأنه لم يجرب بواطن الأمور.
(4) الخب: الخداع المكار الخبيث.
(5) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) واللفظ له، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 187) برقم (1599) وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن.
(6) الغرر: ما له ظاهر تؤثره وباطن تكرهه.
(7) مسلم (1513) .
(8) النجش: الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها.
(9) البخاري- الفتح 4 (2142) واللفظ له، ومسلم (1516) .
(10) البخاري- الفتح 7 (3842) .
(11) الناجش: هو أن يمدح السّلعة لينفّقها يروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها.
(12) البخاري- الفتح 4 (417) .(11/5074)
من مضار (الغش)
(1) الغشّ طريق موصل إلى النّار.
(2) دليل على دناءة النّفس وخبثها.
(3) البعد عن الله والبعد عن النّاس.
(4) حرمان إجابة الدّعاء.
(5) حرمان البركة من المال والعمر.
(6) دليل على نقص الإيمان.
(7) يورث سخط النّاس ومقتهم.(11/5075)
الغضب
الغضب لغة:
الغضب نقيض الرّضا، وهو مصدر غضب يغضب غضبا، يقول ابن فارس: الغين والضّاد والباء أصل صحيح يدلّ على شدّة وقوّة. يقال: إنّ الغضبة:
الصّخرة الصّلبة. قالوا: ومنه اشتقّ الغضب، لأنّه اشتداد السّخط.
وغضب عليه غضبا، ومغضبة، وأغضبته أنا فتغضّب، ورجل غضبان وامرأة غضبى ولغة بني أسد غضبانة وملآنة وأشباههما، وقوم غضبى وغضابى، مثل سكرى وسكارى.
وغضب من لا شيء، أي من غير شيء يوجبه، وتغضّب عليه مثل غضب.
وقال ابن منظور: يقال: غضب له: أي غضب على غيره من أجله وذلك إذا كان حيّا، فإن كان ميّتا قلت: غضب به (أي بسببه) .
وقال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين، شيء يداخل قلوبهم ومنه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان في غير الحقّ، والمحمود ما كان في جانب الدّين والحقّ، وأمّا غضب الله تعالى فهو من صفات الأفعال لله- عزّ
وجلّ- حقيقة على ما يليق بجلاله، وأمّا لازم الغضب فهو إنكاره على من عصاه ومعاقبته إيّاه، (والوصف من ذلك) : غضب وغضوب، وغضبان أي يغضب سريعا، وغاضبت الرّجل أغضبته وأغضبني، وغاضبه: راغمه وفي التّنزيل العزيز: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً (الأنبياء/ 87) قيل مغاضبا لربّه، وقيل: مغاضبا لقومه، قال ابن سيده: والأوّل أصحّ لأنّ العقوبة لم تحلّ به إلّا لمغاضبته ربّه، وقيل المعنى:
ذهب مراغما لقومه، وقال القرطبيّ: المعنى مغاضبا من أجل ربّه كما تقول: غضبت لك أي من أجلك، والمؤمن يغضب لله تعالى إذا عصي، وروى عن الأخفش أنّه خرج مغاضبا للملك الّذي كان على قومه «1» ، وقولهم امرأة غضوب أي عبوس، والغضوب أيضا الحيّة الخبيثة، وغضب بصر فلان، إذا انتفخ من داء يصيبه يقال له: الغضاب والغضاب، والغضبة:
الصّخرة الصّلبه المركّبة في الجبل، المخالفة له، وقيل الأكمة، وقيل: الصّخرة الرّقيقة، وغضبى اسم للمائة من الإبل «2» .
__________
(1) في الآية تفسيرات أخرى عديدة. انظر: تفسير القرطبي (11/ 218، 219) .
(2) انظر مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 428) ، والصحاح (1/ 194) ، لسان العرب (5/ 3262- 3264) ، المصباح المنير (448) .(11/5076)
الغضب اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الغضب: تغيّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفّي في الصّدر «1» .
وقال الرّاغب: هو ثوران دم القلب إرادة الانتقام «2» .
وقال التّهانويّ: الغضب هو حركة للنّفس مبدؤها الانتقام، وقيل: هو كيفيّة نفسانيّة تقتضي حركة الرّوح إلى خارج البدن طلبا للانتقام «3» .
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الغضب:
غليان دم القلب بطلب الانتقام.
درجات الغضب:
قال الغزاليّ: يتفاوت النّاس في قوّة الغضب على درجات ثلاث وهي: التّفريط، والإفراط، والاعتدال.
أوّلا: التّفريط ويكون إمّا بفقد قوّة الغضب بالكلّية أو بضعفها، وحينئذ يقال للإنسان: إنّه لا حميّة له ويذمّ جدّا، ومن هنا قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: من استغضب فلم يغضب فهو حمار. وهذا يثمر ثمرات مرّة، كقلّة الأنفة ممّا يؤنف منه من التّعرّض للحرم والزّوجة والأمة واحتمال الذّلّ من الأخسّاء وصغر النّفس.
ثانيا: الإفراط: ويكون بغلبة هذه الصّفة حتّى تخرج عن سياسة العقل والدّين والطّاعة ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر وفكرة ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطرّ، وسبب غلبته أمور غريزيّة، وأمور اعتياديّة، فربّ إنسان هو بالفطرة مستعدّ لسرعة الغضب حتّى كأنّ صورته في الفطرة صورة غضبان ويعيش على ذلك حرارة مزاج القلب.
وأمّا الأسباب الاعتياديّة: فهو أن يخالط قوما يتبجّحون بتشفّي الغيظ وطاعة الغضب ويسمّون ذلك شجاعة ورجوليّة.
ثالثا: الاعتدال: وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدّين فينبعث حيث تجب الحميّة وينطفيء حيث يحسن الحلم وحفظه على حدّ الاعتدال هو الاستقامة الّتي كلّف الله بها عباده وهو الوسط. فمن مال غضبه إلى الفتور حتّى أحسّ من نفسه بضعف الغيرة وخسّة النّفس في احتمال الذّلّ والضّيم في غير محلّه فينبغي أن يعالج نفسه، ومن مال غضبه إلى الإفراط حتّى جرّه إلى التّهوّر واقتحام الفواحش ينبغي أن يعالج نفسه لينقص سورة غضبه ويقف على الوسط الحقّ بين الطّرفين وهذا هو الصّراط المستقيم وهو أرقّ من الشّعرة وأدقّ من السّيف فإن عجز عنه فليطلب القرب منه «4» .
أسباب الغضب:
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى- مبيّنا أسباب الغضب: من أسباب الغضب: الزّهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتّعيير والمماراة، والمضادّة (العناد) والغدر، وشدّة الحرص على فضول المال والجاه ومن أشدّ البواعث عليه عند أكثر الجهّال تسميتهم الغضب
__________
(1) التعريفات (168) .
(2) المفردات (374) .
(3) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1089) .
(4) إحياء علوم الدين (3/ 179- 180) بتصرف.(11/5077)
شجاعة ورجوليّة وعزّة نفس وكبر همّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتّى تميل النّفس إليه وتستحسنه، وقد يتأكّد ذلك بحكاية شدّة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشّجاعة والنّفس مائلة إلى التّشبّه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه.
علاج الغضب وتسكينه:
يعالج الغضب إذا هاج بأمور منها:
1- أن يذكر الله- عزّ وجلّ- فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ويبعثه الخوف منه على الطّاعة له فعند ذلك يزول الغضب، قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ (الكهف/ 24) ، قال عكرمة، يعني إذا غضبت.
2- أن يتفكّر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم والاحتمال فيرغب في ثواب ذلك، فتمنعه شدّة الحرص على ثواب هذه الفضائل عن التّشفّي والانتقام وينطفيء عنه غيظه.
3- أن يخوّف نفسه بعقاب الله تعالى، وهو أن يقول: قدرة الله عليّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبي، لم آمن أن يمضي الله- عزّ وجلّ- غضبه عليّ يوم القيامة فأنا أحوج ما أكون إلى العفو.
4- أن يحذّر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وتشمير العدوّ في هدم أغراضه والشّماتة بمصائبه، فإنّ الإنسان لا يخلو من المصائب وهذا ما يعرف بتسليط شهوة على غضب، ولا ثواب عليه إلّا أن يكون خائفا من أن يتغيّر عليه أمر يعينه على الآخرة، فيثاب على ذلك.
5- أن يتفكّر في قبح صورته عند الغضب وأنّه يشبه حينئذ الكلب الضّاري والسّبع العادي وأنّه أبعد ما يكون مجانبة لأخلاق الأنبياء والعلماء الفضلاء في أخلاقهم.
6- أن يعلم أنّ غضبه إنّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى لا على وفق مراده هو فكيف يكون مراد نفسه أولى من مراد الله تعالى.
7- أن يتذكّر ما يئول إليه الغضب من النّدم ومذمّة الانتقام.
8- أن يتذكّر أنّ القلوب تنحرف عنه وتحذر القرب منه فيبتعد الخلق عنه فيبقى وحيدا فريدا، فإنّ ذلك جدير بأن يصرف الغضب عنه.
9- أن يتحوّل عن الحال الّتي كان عليها فإن كان قائما جلس وإن كان جالسا اضطجع وعليه أن يتوضّأ أو يستنشق بالماء.
10- أن يستعيذ بالله من الشّيطان الرّجيم.
11- أن يذكر ثواب العفو وحسن الصّفح فيقهر نفسه على الغضب.
12- أن يذكر انعطاف القلوب عليه وميل النّفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتنفير النّاس منه ويكفّ عن متابعة الغضب «1» .
بين الحزن والغضب:
قال الماورديّ: سبب الغضب هجوم ما تكرهه النّفس ممّن دونها، وسبب الحزن هجوم ما تكرهه النّفس
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (250، 252) ، إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 175173) ، مختصر منهاج القاصدين (180- 181) .(11/5078)
ممّن فوقها، والغضب يتحرّك من داخل الجسد إلى خارجه والحزن يتحرّك من خارج الجسد إلى داخله، فلذلك قتل الحزن، ولم يقتل الغضب؛ لكمون الحزن وبروز الغضب، وصار الحادث عن الغضب السّطوة والانتقام لبروزه، والحادث عن الحزن المرض والأسقام لكمونه، وكذلك أفضى الحزن إلى الموت، ولم يفض إليه الغضب «1» .
من الغضب ما هو محمود:
من الغضب ما يكون محمودا وذلك إذا صدر الغضب من الله- عزّ وجلّ- وليس مثل غضبه شيء، ومن ذلك غضبه تعالى على أعدائه لله من اليهود ومن كان على شاكلتهم من الكفّار والمنافقين والطّغاة والمتجبّرين (انظر الآيات 1- 11) و (الحديث 28) ، كما يكون الغضب محمودا إذا كان لله- عزّ وجلّ- عند ما تنتهك حرماته، وقد أثبت القرآن ذلك للرّسل الكرام في مواضع عديدة (انظر الآيات 12- 14) ، كما في الحديث الشّريف أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يغضب في بعض الأحيان لله- عزّ وجلّ- لا لنفسه، (انظر الأحاديث 17، 20، 24، 25، 27) .
وقد ذكر الغزاليّ أنّ النّوع الثّالث من أنواع الغضب وهو الّذي يوصف بالاعتدال غضب محمود وأنّ النّوعين الآخرين وهما نوعا الإفراط والتّفريط مذمومان «2» ، وقال الماورديّ بعد أن ذكر الأسباب الّتي تؤدّي إلى الحلم: الأولى بالإنسان أن تدعوه إلى الحلم أفضل أسبابه، وإن كان الحلم كلّه فضلا وإن عرا عن هذه الأسباب كان ذلّا، والحلم ضبط النّفس عند هيجان الغضب فإن فقد الغضب لسماع ما يغضب كان ذلك من ذلّ النّفس وقلّة الحميّة، وأنشد النّابغة الجعديّ بحضرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فلم ينكر صلّى الله عليه وسلّم قوله عليه، ومن فقد الغضب في الأشياء المغضبة حتّى استوت حالتاه قبل الإغضاب وبعده فقد عدم من فضائل النّفس الشّجاعة والأنفة والحميّة والغيرة والدّفاع والأخذ بالثّأر لأنّها خصال مركّبة من الغضب، فإذا عدمها الإنسان هان بها، وليس هذا القول إغراء بتحكّم الغضب، ولكن إذا ثار به الغضب عند وجود ما يغضبه، كفّ سورته بغضبه وأطفأ ثائرته بحلمه، ... ولو عزب عنه الحلم حتّى انقاد لغضبه ضلّ عنه وجه الصّواب «3» ، والخلاصة أنّ الغضب الّذي يتحكّم فيه صاحبه بالحلم هو غضب محمود، ولا يكون كذلك إلّا إذا بعد عن الإفراط والتّفريط، لأنّه في هذه الحالة «يتلقّى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل عوادي شرّته بحزمه فيردّها، وحينئذ يحظى بانجلاء الحيرة ويسعد بحميد العاقبة» «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحقد- السخط- الطيش- النقمة- العجلة- الحمق- الغل- الانتقام- سوء المعاملة- سوء الخلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحلم- الرضا- السكينة- كظم الغيظ- الوقار- الصبر والمصابرة- الصمت وحفظ اللسان- العفو] .
__________
(1) أدب الدنيا والدين (250، 252) .
(2) انظر أنواع الغضب.
(3) باختصار عن أدب الدنيا والدين (250- 268) .
(4) المرجع السابق (250) .(11/5079)
الآيات الواردة في «الغضب»
آيات حل فيها غضب الله- عز وجل- على اليهود:
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1»
2-* وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «2»
3- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «3»
4- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا
__________
(1) الفاتحة: 2- 7 مكية
(2) البقرة: 60- 61 مدنية
(3) البقرة: 87- 90 مدنية(11/5080)
وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «1»
5- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) «2»
6- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) * وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) «3»
آيات حل فيها غضب الله على الكفار أو المنافقين:
7-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «4»
8- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ
__________
(1) آل عمران: 110- 112 مدنية
(2) المائدة: 59- 60 مدنية
(3) طه: 80- 85 مكية
(4) الأعراف: 65- 72 مكية(11/5081)
الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «1»
9- وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) «2»
10- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «3»
11-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19) «4»
آيات الغضب فيها في سياق كونه صفة لنبي أثاره سلوك قومه:
12- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ
__________
(1) النحل: 106- 110 مكية
(2) الشورى: 16 مكية
(3) الفتح: 1- 6 مدنية
(4) المجادلة: 14- 19 مدنية(11/5082)
مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا
يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
(154) «1»
13- فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) «2»
14- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) * وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «3»
آيات الغضب فيها في سياق التحذير منه:
15- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
__________
(1) الأعراف: 148- 154 مكية
(2) طه: 86- 87 مكية
(3) الأنبياء: 82- 88 مكية(11/5083)
وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) «1»
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (12) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «2»
17- وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «3»
18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «4»
آيات الغضب فيها في سياق تكذيب صادق:
19- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «5»
__________
(1) النساء: 92- 93 مدنية
(2) الأنفال: 15- 18 مدنية
(3) الشورى: 37- 43 مكية
(4) الممتحنة: 13 مدنية
(5) النور: 4- 10 مدنية(11/5084)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغضب)
1-* (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- أنّه قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبا قد احمرّ وجهه فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» .
فقالوا للرّجل: ألا تسمع ما يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّي لست بمجنون) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّ غضب الله على قوم فعلوا بنبيّه،- يشير إلى رباعيته «2» - اشتدّ غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله» ) * «3» .
3-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عديّ بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب. فلمّا دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك إنّي لأرجو أن يجعل الله يده في يدي، قال: فقام فلقيته امرأة وصبيّ معها. فقالا: إنّ لنا إليك حاجة.
فقام معهما حتّى قضى حاجتهما، ثمّ أخذ بيدي حتّى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «ما يفرّك «4» أن تقول لا إله إلّا الله. فهل تعلم من إله سوى الله؟» . قال: قلت: لا. قال: ثمّ تكلّم ساعة ثمّ قال: «إنّما تفرّ أن تقول: الله أكبر، وتعلم أنّ شيئا أكبر من الله؟» . قال: قلت: لا، قال: «فإنّ اليهود مغضوب عليهم وإنّ النّصارى ضلّال» ، قال: قلت: فإنّي جئت مسلما، قال: فرأيت وجهه تبسّط فرحا، قال: ثمّ أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه (آتيه) طرفي النّهار، قال: فبينا أنا عنده عشيّة إذ جاءه قوم في ثياب من الصّوف من هذه النّمار «5» قال: فصلّى وقام فحثّ عليهم ثمّ قال: «ولو بصاع، ولو بنصف صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حرّ جهنّم أو النّار ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة، فإنّ أحدكم لاقي «6» الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالا وولدا؟، فيقول: بلى. فيقول: أين ما قدّمت لنفسك؟
فينظر قدّامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثمّ لا يجد شيئا يقي به وجهه حرّ جهنّم. ليق أحدكم وجهه النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّي لا أخاف عليكم الفاقة، فإنّ الله ناصركم ومعطيكم حتّى تسير الظّعينة «7» فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما تخاف على
__________
(1) البخاري- الفتح 01 (6115) واللفظ له، ومسلم (2610) .
(2) الرّباعية: السّنّ بين الثّنيّة والنّاب.
(3) البخاري- الفتح 7 (4073) واللفظ له، ومسلم (1793) .
(4) ما يفرّك: أي ما يحملك على الفرار.
(5) النمار: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر.
(6) هكذا وردت في النص، ولعل صوابها لاق بالتنوين.
(7) الظعينة: المرأة في الهودج.(11/5085)
مطيّتها السّرق» ، قال: فجعلت أقول في نفسي: فأين لصوص طيّيء؟) * «1» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فأبت. فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتّى تصبح» ) * «2» .
5-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» ) * «3» .
6-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسأله لهم الحملان «4» ، إذ هم معه في جيش العسرة (وهي غزوة تبوك) فقلت: يا نبيّ الله. إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم. فقال: «والله لا أحملكم على شيء» ووافقته وهو غضبان ولا أشعر. فرجعت حزينا من منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن مخافة أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وجد في نفسه عليّ. فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الّذي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم ألبث إلّا سويعة إذ سمعت بلا لا ينادي: أي عبد الله بن قيس! فأجبته. فقال: أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك. فلمّا أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «خذ هذين القرينين «5» وهذين القرينين، وهذين القرينين (لستّة أبعرة ابتاعهنّ حينئذ من سعد) فانطلق بهنّ إلى أصحابك، فقل: إنّ الله- أو قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملكم على هؤلاء فاركبوهنّ» . قال أبو موسى: فانطلقت إلى أصحابي بهنّ، فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتّى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حين سألته لكم، ومنعه في أوّل مرّة ثمّ إعطاءه إيّاي بعد ذلك، لا تظنّوا أنّي حدّثتكم شيئا لم يقله. فقالوا لي: والله إنّك عندنا لمصدّق. ولنفعلنّ ما أحببت. فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتّى أتوا الّذين سمعوا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنعه إيّاهم، ثمّ إعطاء هم بعد. فحدّثوهم بما حدّثهم به أبو موسى سواء) * «6» .
7-* (عن عائذ بن عمرو- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر. فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها. قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره.
فقال: «يا أبا بكر. لعلّك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك» . فأتاهم أبو بكر فقال:
__________
(1) الترمذي (2953) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب.
(2) البخاري- الفتح 6 (3237) واللفظ له، ومسلم (1436) .
(3) أبو داود (4782) واللفظ له، أحمد (5/ 152) ، وقال مخرج جامع الأصول: إسناده حسن (8/ 440) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب. وعزاه كذلك لابن حبان (3/ 450) .
(4) الحملان: أي الحمل.
(5) هذين القرينين: أي البعيرين المقرون أحدهما بصاحبه.
(6) البخاري- الفتح 7 (4415) ، ومسلم (1649) واللفظ له.(11/5086)
يا إخوتاه، أغضبتكم؟. قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخيّ) * «1» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي في غائط مضبّة «2» وإنّه عامّة طعام أهلي قال: فلم يجبه.
فقلنا: عاوده. فعاوده فلم يجبه ثلاثا ثمّ ناداه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في الثّالثة فقال: «يا أعرابيّ. إنّ الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل. فمسخهم دوابّ يدبّون في الأرض فلا أدري لعلّ هذا منها. فلست آكلها ولا أنهى عنها» ) * «3» .
9-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اللّقطة. فقال: «عرّفها سنة، ثمّ اعرف وكاءها وعفاصها، ثمّ استنفق بها، فإن جاء ربّها فأدّها إليه» .
قال: يا رسول الله. فضالّة الغنم؟. قال: «خذها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذّئب» . قال: يا رسول الله، فضالّة الإبل؟. قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى احمرّت وجنتاه- أو احمرّ وجهه- ثمّ قال: «مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتّى يلقاها ربّها» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوصني. قال: «لا تغضب» .
فردّد مرارا. قال: «لا تغضب» ) * «5» .
11-* (عن عمر- رضي الله عنه- أنّه قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سمع صوت الرّعد والصّواعق قال: «اللهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» ) * «6» .
12-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ عليّا خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسمعته حين تشهّد، يقول: «أمّا بعد، أنكحت أبا العاص بن الرّبيع فحدّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» فترك عليّ الخطبة» ) * «7» .
13-* (عن عطيّة (وهو ابن سعد القرظيّ) رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغضب من الشّيطان، وإنّ الشّيطان خلق من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ» ) * «8» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) مسلم (2504) .
(2) إني في غائط مضبّة: أي في أرض ذات ضباب كثيرة.
(3) مسلم (1951) .
(4) البخاري الفتح 10 (6112) .
(5) البخاري الفتح 10 (1616) .
(6) الترمذي (3450) واللفظ له، أحمد (2/ 100) رقم (5765) وقال شاكر: إسناده صحيح (8/ 127) برقم (5763) ، البخاري في الأدب المفرد (251) رقم (721) .
(7) البخاري- الفتح 7 (3729) واللفظ له، ومسلم (2449) .
(8) أبو داود (4784) واللفظ له، وفيه قصة وقال مخرج جامع الأصول: حسن (8/ 439) ، وأحمد (4/ 226) .(11/5087)
قال: بينما يهوديّ يعرض سلعة له أعطي بها شيئا، كرهه أو لم يرضه، قال: لا: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه. قال: تقول: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام-، على البشر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟
قال: فذهب اليهوديّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
يا أبا القاسم،. إنّ لي ذمّة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم لطمت وجهه؟» قال: قال: (يا رسول الله) : والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر وأنت بين أظهرنا؛ قال:
فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى عرف الغضب في وجهه.
ثمّ قال: «لا تفضّلوا بين أنبياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّموات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى. فأكون أوّل من بعث: أو في أوّل من بعث. فإذا موسى- عليه السّلام- آخذ بالعرش. فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور. أو بعث قبلي. ولا أقول: إنّ أحدا أفضل من يونس بن متّى عليه السّلام-» ) * «1» .
15-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يجد عليّا في البيت فقال: أين ابن عمّك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقّه وأصابه تراب فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» ) * «2» .
16-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: رجل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: كيف تصوم؟
فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه غضبه. قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه. فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدّهر كلّه؟ قال: «لا صام ولا أفطر (أو قال) «لم يصم ولم يفطر» . قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟. قال: «ويطيق ذلك أحد؟» قال:
كيف من يصوم يوما ويفطر يومين. قال: «وددت أنّي طوّقت ذلك» ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كلّ شهر. ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدّهر كلّه.
صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله. والسّنة الّتي بعده. وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله» ) * «3» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمر فتنزّه عنه ناس من النّاس. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب حتّى بان
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3414) ، ومسلم (2373) واللفظ له.
(2) البخاري الفتح 1 (441) واللفظ له، مسلم (2409) .
(3) مسلم (1162) .(11/5088)
الغضب في وجهه. ثمّ قال: «ما بال أقوام يرغبون عمّا رخّص لي فيه. فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «1» .
18-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما صلاة العصر بنهار. ثمّ قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام السّاعة إلّا أخبرنا به. حفظه من حفظه. ونسيه من نسيه، وكان فيما قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتّقوا الدّنيا «2» واتّقوا النّساء» ، وكان فيما قال: «ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة النّاس أن يقول بحقّ إذا علمه» قال:
فبكى أبو سعيد. فقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا، فكان فيما قال: «ألا إنّه ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامّة يركز لواؤه عند استه» ، فكان فيما حفظنا يومئذ:
«ألا إنّ بني آدم خلقوا على طبقات شتّى، فمنهم من يولد مؤمنا، ويحيا مؤمنا، ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا. ألا وإنّ منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرّهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإنّ منهم حسن القضاء حسن الطّلب، ومنهم سيّء القضاء حسن الطّلب، ومنهم حسن القضاء سيّء الطّلب فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم السّيّء القضاء السّيّء الطّلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطّلب، ألا وشرّهم سيّء القضاء سيّء الطّلب، ألا وإنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحسّ بشيء من ذلك فليلصق بالأرض. قال: وجعلنا نلتفت إلى الشّمس هل بقي منها شيء؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّه لم يبق من الدّنيا فيما مضى منها إلّا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه» ) * «3» .
19-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت» ) * «4» .
20-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله. إنّي لأتأخّر عن الصّلاة في الفجر ممّا يطيل بنا فلان فيها. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما رأيته غضب في موضع كان أشدّ غضبا منه
__________
(1) البخاري الفتح 10 (6101) ، ومسلم (2356) واللفظ له.
(2) اتقوا الدنيا: اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها.
(3) الترمذي (2191) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4) أحمد (1/ 239) وفي رقم (2136) قال شاكر: إسناده صحيح (4/ 12) ، وجاء بلفظ أطول من هذا كما في (4/ 191) رقم (2556) وهذا لفظه: «علموا ويسروا ولا تعسروا وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت» وقال: صحيح أيضا.(11/5089)
يومئذ. ثمّ قال: «يا أيّها النّاس إنّ منكم منفّرين فمن أمّ النّاس فليتجوّز «1» ، فإنّ خلفه الضّعيف والكبير وذا الحاجة» ) * «2» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية وإذا كنت عليّ غضبى» . قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: «أمّا إذا كنت عنّي راضية فإنّك تقولين: لا وربّ محمّد، وإذا كنت غضبى قلت:
لا وربّ إبراهيم» . قالت: قلت: أجل: والله يا رسول الله ما أهجر إلّا اسمك) * «3» .
22-* (عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رجل: يا رسول الله: أوصني. قال: «لا تغضب» . قال الرّجل: ففكّرت حين قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قال. فإذا الغضب يجمع الشّرّ كلّه) * «4» .
23-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه أنّه قال: قتل رجل من حمير رجلا من العدوّ فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عوف بن مالك. فأخبره فقال لخالد:
«ما منعك أن تعطيه سلبه؟» قال: استكثرته يا رسول الله. قال: «ادفعه إليه» . فمرّ خالد بعوف فجرّ بردائه ثمّ قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فاستغضب «5» . فقال:
«لا تعطه يا خالد! لا تعطه يا خالد! هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنّما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي «6» إبلا أو غنما فرعاها ثمّ تحيّن سقيها «7» فأوردها حوضا.
فشرعت فيه. فشربت صفوه وتركت كدره، فصفوه لكم وكدره عليهم» ) * «8» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس فدخل عليّ وهو غضبان. فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النّار؟ قال: «أو ما شعرت أنّي أمرت النّاس بأمر فإذاهم يتردّدون.
(قال الحكم: كأنّهم يتردّدون أحسب) ولو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت، ما سقت الهدي معي حتّى أشتريه ثمّ أحلّ كما حلّوا» ) * «9» .
25-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه مغضبا فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبوبكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبو الدّرداء: ونحن
__________
(1) في رواية مسلم «فليوجز» والمراد تخفيفها.
(2) البخاري- الفتح 2 (704) واللفظ له، ومسلم (466) .
(3) البخاري- الفتح 9 (5228) ، ومسلم (2439) واللفظ له.
(4) أحمد (5/ 373) واللفظ له، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه لأحمد وقال: رواته محتجّ بهم في الصحيح (3/ 445) .
(5) فاستغضب: أي صار- عليه السلام- مغضبا.
(6) استرعى إبلا: أي طولب برعيها.
(7) ثم تحين سقيها: أي طلب ذلك الراعي وقت سقيها حتى يسقيها في وقت معين.
(8) مسلم (1753) .
(9) البخاري الفتح 3 في مواضع منها (1757، 1758، 1759، 1762، 1771، 1772) ، ومسلم (1211) واللفظ له.(11/5090)
عنده، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّا صاحبكم فقد غامر «1» .
وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقصّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخبر. قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي، هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إنّي قلت: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً فقلتم: كذبت» ، وقال أبو بكر:
صدقت) * «2» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كانت عند أمّ سليم يتيمة. فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليتيمة فقال: «آنت هيه» . لقد كبرت لاكبر سنّك» . فرجعت اليتيمة إلى أمّ سليم تبكي. فقالت أمّ سليم: ما لك يا بنيّة؟. قالت الجارية: دعا عليّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكبر سنّي فالآن لا يكبر سنّي أبدا.
فخرجت أمّ سليم مستعجلة تلوث خمارها حتّى لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لك يا أمّ سليم؟» . فقالت: يا نبيّ الله أدعوت على يتيمتي؟
قال: «وما ذاك يا أمّ سليم؟» . قالت: زعمت أنّك دعوت أن لا يكبر سنّها ولا يكبر قرنها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا أمّ سليم! أما تعلمين أنّ شرطي على ربّي، أنّي اشترطت على ربّي. فقلت: إنّما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر. فأيّما أحد دعوت عليه من أمّتي دعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقرّبه بها منه يوم القيامة» ) * «3» .
27-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه حتّى كأنّه منذر جيش يقول: «صبّحكم ومسّاكم» . ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة» ، ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا «4» فإليّ وعليّ» ) * «5» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دعوة، فرفعت إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهس «6» منها نهسة وقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. هل تدرون بمن يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد. فيبصرهم النّاظر، ويسمعهم الدّاعي، وتدنو منهم الشّمس، فيقول بعض النّاس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟
ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض
__________
(1) غامر: سبق بالخير.
(2) البخاري الفتح 8 (4640) والآية قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (الأعراف/ 158) ..
(3) مسلم (2603) .
(4) الضياع: العيال وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا فسمّي العيال بالمصدر. انظر: النهاية لابن الأثير (3/ 107) .
(5) مسلم (867) .
(6) فنهس: أي أخذ منها بأطراف أسنانه.(11/5091)
النّاس: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنّة. ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربّي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشّجرة فعصيت. نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدا شكورا. أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ فيقول: ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. نفسي نفسي، ائتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فيأتوني.
فأسجد تحت العرش، فيقال: يا محمّد ارفع رأسك، واشفع تشفّع، وسل تعطه ... الحديث» ) * «1» .
29-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه لقي ابن صائد في بعض طرق المدينة. فقال له قولا أغضبه. فانتفخ حتّى ملأ السّكّة فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها. فقالت له: رحمك الله! ما أردت من ابن صائد؟ أما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما يخرج من غضبة يغضبها» ) * «2» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي» ) * «3» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «4» .
32-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما غرت على نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا على خديجة، وإنّي لم أدركها. قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ذبح الشّاة فيقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» قالت:
فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّي قد رزقت حبّها» ) * «5» .
33-* (عن الشّريد بن سويد- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا جالس هكذا. وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتّكأت على ألية يدي. فقال: «أتقعد قعدة المغضوب عليهم» ) * «6» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان. وقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك. كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني. فقدّمته إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألك بيّنة؟ قلت: لا. قال: فقال لليهوديّ:
«احلف» . قال: قلت: يا رسول الله: إذن يحلف
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3340) واللفظ له، ومسلم (194) .
(2) مسلم (2932) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7404) واللفظ له، ومسلم (2751) .
(4) البخاري- الفتح 10 (6114) ، ومسلم (2609) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3818) ، ومسلم (2435) واللفظ له.
(6) أبو داود (4848) ، وأحمد (4/ 388) ، والبيهقي (3/ 236) ، وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (3/ 919) .(11/5092)
ويذهب بمالي. فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ... إلى آخر الآية (آل عمران/ 77)) * «1» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع الله سبحانه غضب عليه» ) * «2» .
36-* (كتب أبو بكرة- رضي الله عنه- إلى ابنه وكان بسجستان: بأن لا تقض بين اثنين وأنت غضبان. فإنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ) * «3» .
37-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في شراج الحرّة «4» الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ فأبى عليهم.
فاختصموا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير،. ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاريّ. فقال: يا رسول الله: أن كان ابن عمّتك «5» فتلوّن وجه نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر «6» » فقال الزّبير:
والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً (النساء/ 65)) * «7» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغضب) معنى
38-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
«إنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنّ في البيوت. فسأل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ... (البقرة/ 222) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كلّ شيء إلّا النّكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقالا: يا رسول الله: إنّ اليهود تقول: كذا وكذا فلا نجامعهنّ، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل في
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2416، 2417) واللفظ له، ومسلم (138) .
(2) ابن ماجة (3827) واللفظ له، أحمد (2/ 443) وقال الشيخ أحمد شاكر (19/ 13) : إسناده صحيح.
(3) البخاري- الفتح 13 (7158) واللفظ له، ومسلم (1717) .
(4) شراج الحرة: هي مسابل الماء وواحدها شرجه والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود.
(5) أن كان ابن عمتك: بفتح الهمزة، أي فعلت هذا لكونه ابن عمتك.
(6) يرجع إلى الجدر: بفتح الجيم وكسره. وهو الجدار، ومعنى يرجع إلى الجدر، أي يصير إليه.
(7) البخاري الفتح 8 (4585) ، ومسلم (2357) واللفظ له.(11/5093)
آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما) * «1» .
39-* (عن عبد الله بن مسعود وعبد الله ابن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبغض البليغ من الرّجال الّذي يتخلّل بلسانه تخلّل البقرة بلسانها» ) * «2» .
40-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا متستّرة بقرام «3» فيه صورة. فتلوّن وجهه. ثمّ تناول السّتر فهتكه. ثمّ قال: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة الّذين يشبّهون بخلق الله» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغضب)
1-* (قال يحيى لعيسى- عليهما السّلام- لا تغضب، قال: لا أستطيع أن لا أغضب إنّما أنا بشر، قال: لا تقتن مالا، قال: هذا عسى) * «5» .
2-* (عن ذي القرنين- رحمه الله تعالى-، وقد نقل عنه: أنّه لقي ملكا من الملائكة فقال: علّمني علما أزدد به إيمانا ويقينا، قال: لا تغضب فإنّ الشّيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فردّ الغضب بالكظم، وسكّنه بالتّؤدة، وإيّاك والعجلة فإنّك إذا عجلت أخطأت حظّك وكن سهلا ليّنا للقريب والبعيد، ولا تكن جبّارا عنيدا» ) * «6» .
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (فصلت/ 34) قال: الصّبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم» ) * «7» .
4-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «انظروا إلى حلم الرّجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب، وما علمك بأمانته إذا لم يطمع؟» ) * «8» .
5-* (قال زيد بن عمرو بن نفيل- رضي الله عنه- لمّا خرج إلى الشّام يسأل عن الدّين ويتّبعه، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال: إنّي لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من غضب الله. قال زيد: ما أفرّ إلّا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئا وأنا أستطيعه، فهل تدلّني على غيره؟ قال: لا أعلمه إلّا
__________
(1) مسلم (302)
(2) أبو داود (5005) واللفظ له، الترمذي (2853) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(3) بقرام: هو الستر الرقيق.
(4) البخاري- الفتح 10 (5954) ، ومسلم (2107) واللفظ له.
(5) الإحياء (3/ 162) .
(6) المرجع السابق (3/ 177) .
(7) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: ذكره البخاري تعليقا (3/ 449) .
(8) الإحياء (3/ 177) .(11/5094)
أن يكون حنيفا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ولا يعبد إلّا الله.
فخرج زيد فلقي عالما من النّصارى. فذكر مثله فقال:
لن تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من لعنة الله.
قال: ما أفرّ إلّا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا، أبدا وأنّي أستطيع؟ فهل تدلّني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلّا أن يكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ولا يعبد إلّا الله. فلمّا رأى زيد قولهم في إبراهيم- عليه السّلام- خرج فلمّا برز رفع يديه فقال: اللهمّ إنّي أشهد أنّي على دين إبراهيم» ) * «1» .
6-* (قال عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما-:
«مكتوب في الحكم: يا داود إيّاك وشدّة الغضب، فإنّ شدّة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم» ) * «2» .
7-* (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «قال إبليس لعنه الله: ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا، وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم، ونبخّله بما في يديه ونمنّيه بما لا يقدر عليه» ) * «3» .
8-* (كتب عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- إلى عامله: «ألّا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا» ) * «4» .
9-* (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى-:
«ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) ووجّه العلماء كلامه بقولهم: إنّ الأخلاق ثلاثة بحسب القوى الإنسانيّة: عقليّة، وشهويّة، وغضبيّة. فالعقليّة: الحكمة ومنها الأمر بالمعروف، والشّهويّة العفّة ومنها أخذ العفو، والغضبيّة:
الشّجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين» ) * «5» .
10-* (وقال أيضا: «الغضب مفتاح كلّ شرّ» ) * «6» .
11-* (قال عمران بن موسى المؤدّب- رحمه الله تعالى-: «قال بعض الحكماء: كما أنّ الأجسام تعظم في العين يوم الضّباب. كذلك يعظم الذّنب عند الغضب» ) * «7» .
12-* (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-:
«كان بعض الملوك إذا غضب ألقي عنده مفاتيح ترب الملوك فيزول غضبه» ) * «8» .
13-* (وقال: «مكتوب في التّوراة: يابن آدم، اذكرني حين تغضب. أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق» ) * «9» .
14-* (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «ممّا
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3827) .
(2) مساوىء الأخلاق للخرائطي (131) ، دار السوادي.
(3) الإحياء (3/ 177) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) فتح الباري (3/ 156) .
(6) الإحياء (3/ 177) .
(7) مساوىء الأخلاق للخرائطي (131) .
(8) أدب الدنيا والدين (251) .
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5095)
يدلّ على أنّ الغضب من أخلاق النّاقصين: أنّ المريض أسرع غضبا من الصّحيح، والمرأة أسرع غضبا من الرّجل، والصّبيّ أسرع غضبا من الرّجل الكبير، والشّيخ الضّعيف أسرع غضبا من الكهل، وذا الخلق السّيّء والرّذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل، فالرّذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللّقمة، ولبخله إذا فاتته الحبّة، حتّى إنّه يغضب على أهله وولده وأصحابه. بل القويّ من يملك نفسه عند الغضب» ) * «1» .
15-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «حال القلب عند الغضب في الاضطراب أشدّ من حال السّفينة عند اضطراب الأمواج في لجّة البحر، إذ في السّفينة من يحتال لتسكينها وتدبيرها وسياستها أمّا القلب فهو صاحب السّفينة وقد سقطت حيلته بعد أن أعماه الغضب وأصمّه. ويظهر ذلك على أعضائه وكلامه وفعاله، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته، وقبح الباطن أعظم من قبح الظّاهر فإنّ الظّاهر عنوان الباطن، وإنّما قبحت صورة الباطن أوّلا ثمّ انتشر قبحها إلى الظّاهر ثانيا، وأمّا في اللّسان فأثره بالشّتم والفحش الّذي يستحي منه قائله عند سكون الغضب فضلا عن تخبّط النّظم واضطراب اللّفظ، وأمّا أثره على الأعضاء فالضّرب والتّهجّم والتّمزيق والقتل للمغضوب عليه وإذا فلت منه بسبب عجز أو غيره فقد يرجع إلى صاحبه فربّما مزّق ثوب نفسه أو لطم وجهه وربّما ضرب بيده على الأرض. وأمّا أثره في القلب على المغضوب عليه فالحقد والحسد واضحا والسّوء والشّماتة بالمساءات» ) * «2» .
16-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«دخل النّاس النّار من ثلاثة أبواب: «باب شبهة أورثت شكّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته وباب غضب أورث العدوان على خلقه» ) * «3» .
17-* (قال بعض الحكماء لابنه: «يا بنيّ لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحيّ في التّنانير المسجورة، فأقلّ النّاس غضبا أعقلهم، فإن كان لدنيا كان دهاء ومكرا وإن كان للآخرة كان حلما وعلما، فقد قيل: الغضب عدوّ العقل والغضب غول العقل» ) * «4» .
18-* (وقال آخر: «من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النّار» ) * «5» .
19-* (قال بعض الحكماء: «الغضب على من لا تملك عجز، وعلى من تملك لؤم» ) * «6» .
20-* (وقال آخر: «إيّاك وعزّة الغضب فإنّها تفضي إلى ذلّ الاعتذار» ) * «7» .
__________
(1) مستفاد من الإحياء (3/ 184) .
(2) المرجع السابق (179) بتصرف.
(3) الفوائد (59) .
(4) الإحياء (177) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) أدب الدنيا والدين (251) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5096)
21-* (وقال الشّاعر:
وإذا ما اعتراك في الغضب العزّ ... ة فاذكر تذلّل الاعتذار) * «1» .
22-* (وقال بعضهم: «ما أملك فلانا لنفسه، قال: إذا لا تذلّه الشّهوة، ولا يصرعه الهوى، ولا يغلبه الغضب» ) * «2» .
23-* (وقال آخر: «إيّاك والغضب فإنّه يصيّرك إلى ذلّة الاعتذار» ) * «3» .
24-* (وقال آخر: «اتّقوا الغضب فإنّه يفسد الإيمان كما يفسد الصّبر العسل» ) * 4.
25-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «من علامات المسلم قوّة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وعلم في حلم وكيس في رفق وإعطاء في حقّ وقصد في غنى وتجمّل في فاقة وإحسان في قدرة وصبر في شدّة، لا يغلبه الغضب ولا تجمح به الحميّة ولا تغلبه شهوة، ولا تفضحه بطنه ولا يستخفّه حرصه، ولا تقصر به نيّته، فينصر المظلوم ويرحم الضّعيف ولا يبخل ولا يبذّر ولا يسرف ولا يقتر، يغفر إذا ظلم، ويعفو عن الجاهل، نفسه منه في عناء والنّاس منه في رخاء) * 5.
26-* (قال بعض الأنصار: «رأس الحمق الحدّة، وقائده الغضب، ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم، والحلم زين ومنفعه، والجهل شين ومضرّة، والسّكوت عن جواب الأحمق جوابه» ) * 6.
من مضار (الغضب)
(1) يغضب الرّحمن الرّحيم ويرضي الشّيطان الرّجيم.
(2) الصّبر عليه أشدّ وأصعب من مجاهدة العدوّ.
(3) يؤول إلى التّقاطع وإفساد ذات البين.
(4) يتولّد منه الحقد والحسد وهذا نقص في العقل والدّين.
(5) كثيرا ما يعقبه الاعتذار والنّدم، وقد يكون بعد فوات الأوان.
(6) يجعل صاحبه لا يستفيد من الموعظة والعبرة.
(7) قد يؤثّر على البدن حتّى يعمي البصر ويصمّ الآذان، ويخرس اللّسان، ويعجز الإنسان، بل قد يموت الإنسان وتزهق نفسه بالكلّيّة.
(8) نفرة الخلق عنه وخوفهم من القرب منه.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (251) .
(2) الإحياء (177) .
3، 4، 5، 6 المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5097)
الغفلة
الغفلة لغة:
الغفلة: السّهو عن الشّيء. وهو مصدر غفل يغفل غفلة وغفولا، يقول ابن فارس: الغين والفاء واللّام أصل صحيح يدلّ على ترك الشّيء سهوا، وربّما كان عن عمد. والغفلة: غيبة الشّيء عن بال الإنسان، وعدم تذكّره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالا، وإعراضا، كما في قوله تعالى: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (الأنبياء/ 1) يقال منه: غفلت عن الشّيء غفولا، من باب قعد، وله ثلاثة مصادر، غفول، وهو أعمّها، وغفلة وزان تمرة. وغفل وزان سبب، وغفّلته تغفيلا، صيّرته كذلك، فهو مغفّل، أي ليست له فطنة، وأغفلت الشّيء إغفالا، تركته إهمالا من غير نسيان، وتغفّلت الرّجل، ترقّبت غفلته، وتغافل، أرى من نفسه ذلك، وليس به.
والأغفال: الموات، يقال أرض غفل، لا علم بها، ولا أثر عمارة، وقال الكسائيّ: أرض غفل، لم تمطر، ودابّة غفل، لا سمة عليها، وقد أغفلتها، إذا لم تسمها ورجل غفل، لم يجرّب الأمور.
ويقول سيبويه: «غفلت: صرت غافلا، وأغفلته وغفلت عنه: وصّلت غفلي إليه، أو تركته على ذكر، قال اللّيث: أغفلت الشّيء، تركته غفلا، وأنت له
ذاكر، والتّغفّل: ختل في غفلة، والغفول من الإبل، البلهاء الّتي لا تمتنع من فصيل يرضعها، ولا تبالي من حلبها، والغفل: المقيّد الّذي أغفل، فلا يرجى خيره، ولا يخشى شرّه، والجمع أغفال.
وقال ابن منظور: يقال غفل عنه يغفل غفولا وغفلة وأغفله عنه غيره. وأغفل الشّيء: تركه وسها عنه.
وأغفلت الرّجل: أصبته غافلا، وعلى ذلك فسّر بعضهم قوله عزّ وجلّ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (الكهف/ 28) قال: ولو كان على الظّاهر لوجب أن يكون قوله واتّبع هواه، بالفاء دون الواو.
وسئل أبو العبّاس عن هذه الآية فقال: من جعلناه غافلا. وكلام العرب أكثره أغفلته سمّيته غافلا، وأحلمته سمّيته حليما.
قال ابن سيده: وقوله تعالى: وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (الأعراف/ 136) يصلح أن يكون- والله أعلم- كانوا في تركهم الإيمان بالله والنّظر فيه والتّدبّر له بمنزلة الغافلين. قال: ويجوز أن يكون: وكانوا عمّا يراد بهم من الإثابة عليه غافلين، والاسم الغفلة والغفل، والغفلان.
وفي الحديث: «من اتّبع الصّيد غفل»(11/5098)
والتّغافل: تعمّد الغفلة. والتّغفيل: أن يكفيك صاحبك وأنت غافل لا تعنى بشيء.
والمغفّل: الّذي لا فطنة له «1» .
الغفلة اصطلاحا:
قال المناويّ: الغفلة: فقد الشّعور بما حقّه أن يشعر به «2» .
وقال الرّاغب: سهو يعتري الإنسان من قلّة التّحفّظ والتّيقّظ «3» .
وقيل: متابعة النّفس على ما تشتهيه.
وقال الجرجانيّ: الغفلة عن الشّيء هي أن لا يخطر ذلك بباله، وقيل: إبطال الوقت بالبطالة «4» .
وقال الكفويّ: الغفلة عدم إدراك الشّيء مع وجود ما يقتضيه «5» .
الفرق بين السهو والغفلة والنسيان:
قال الكفويّ: السّهو: غفلة القلب عن الشّيء بحيث يتنبّه بأدنى تنبّه، والنّسيان غيبة الشّيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد.
وقيل: النّسيان زوال الصورة عن القوّة المدركة مع بقائها فى الحافظة، والسّهو زوالها عنهما معا.
والغفلة تشمل الأمرين، إذ الغفلة عمّا أنت عليه لتفقّده سهو، وعمّا أنت عليه لتفقّد غيره نسيان «6» .
الغفلة قد تحمد أحيانا:
قال الشّيخ العزّ بن عبد السّلام: الغفلة عن القبائح مانعة من فعلها، إذ لا يتأتّى فعلها إلّا بالعزم عليها، ولا عزم عليها مع عدم الشّعور بها، وتحصل هذه الغفلة بالأسباب الشّاغلة «7» ، وقد جعلها من المأمورات الباطنة، أمّا الغفلة عن ذكر الله فهي من المنهيّات الباطنة «8» ، والأولى محمودة والثّانية مذمومة.
[للاستزادة: انظر صفات: الإعراض- الأمن من المكر- التفريط والإفراط- التهاون- طول الأمل اللهو واللعب- اتباع الهوى] .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التذكر- تذكر الموت- التدبر- التأمل- النظر والتبصر- الوعظ- التفكر- البصيرة- الإرشاد- الذكر] .
__________
(1) لسان العرب: (11/ 497- 499) ، والنهاية في غريب الحديث: (3/ 375) ، ومقاييس اللغة (4/ 386) ، الصحاح (5/ 1773) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (540) .
(3) المفردات (375) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 140- 141) .
(4) التعريفات للجرجاني (162) .
(5) الكليات (506) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) شجرة المعارف والأصول (95) .
(8) المرجع السابق (115) .(11/5099)
الآيات الواردة في «الغفلة»
الغفلة في سياق التعلل بها لدفع اللائمة:
1- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «1»
2- وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «2»
3- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) «3»
4- حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) «4»
__________
(1) الأنعام: 154- 157 مكية
(2) الأعراف: 134- 137 مكية
(3) يونس: 28- 30 مكية
(4) الأنبياء: 96- 97 مكية(11/5100)
الغفلة في سياق سبب في عقوبة:
5- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «1»
6- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) «2»
7- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «3»
8- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) «4»
9- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107)
أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108)
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) «5»
10- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17)
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «6»
__________
(1) الأعراف: 146 مكية
(2) الأعراف: 172- 174 مكية
(3) الأعراف: 179 مكية
(4) يونس: 7- 8 مكية
(5) النحل: 106- 109 مكية
(6) ق: 16- 22 مكية(11/5101)
الغفلة في سياق التحذير منها أو ممن اتصف بها:
11- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) «1»
12- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «2»
الغفلة في سياق وصم قوم بها:
13-* وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92)
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «3»
14- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) «4»
15- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «5»
16- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) «6»
__________
(1) الأعراف: 205 مكية
(2) الكهف: 28 مكية
(3) يونس: 90- 93 مكية
(4) مريم: 37- 39 مكية
(5) الأنبياء: 1- 4 مكية
(6) الروم: 7 مكية(11/5102)
17- يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) «1»
الغفلة في سياق تمنيها أو انتهاز فرصة حدوثها:
18- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) «2»
19- قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11)
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) «3»
20- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «4»
الغفلة صفة جماد لا يعقل:
21- وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) «5»
الغفلة في سياق النهي عن ظنها لا حقة بالله:
22- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42)
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) «6»
__________
(1) يس: 1- 7 مكية
(2) النساء: 102 مدنية
(3) يوسف: 11- 13 مكية
(4) القصص: 15- 16 مكية
(5) الأحقاف: 5 مكية
(6) إبراهيم: 42- 43 مكية(11/5103)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغفلة)
1-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله- عزّ وجلّ- أيّها النّاس، فسلوه وأنتم
موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» ) * «1» .
2-* (عن يسيرة- رضي الله عنها- وكانت من المهاجرات؛ قالت: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكنّ بالتّسبيح والتّهليل والتّقديس، واعقدن بالأنامل، فإنهنّ مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن، فتنسين الرّحمة» ) * «2» .
وفي رواية أبي داود: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمرهنّ أن يراعين بالتّكبير والتّقديس والتّهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنّهنّ مسؤولات مستنطقات» ) * «3» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قالت: كان النّاس يصلّون في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رمضان أوزاعا يكون مع الرّجل شيء من القرآن فيكون معه النّفر الخمسة أو السّتّة أو أقلّ من ذلك أو أكثر فيصلّون بصلاته. قالت: فأمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيرا أعلى باب حجرتي ففعلت. فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن صلّى العشاء الآخرة. قالت: فاجتمع إليه من في المسجد فصلّى بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلا طويلا ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخل وترك الحصير على حاله فلمّا أصبح النّاس تحدّثوا بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن كان معه في المسجد تلك اللّيلة. قالت وأمسى المسجد راجّا بالنّاس فصلّى بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة ثمّ دخل بيته وثبت النّاس. قالت: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما شأن النّاس يا عائشة؟» . فقلت له:
يا رسول الله، سمع النّاس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلّي بهم. قالت فقال:
«اطوي عنّا حصيرك يا عائشة» ففعلت. وبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير غافل وثبت النّاس مكانهم حتّى خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّبح فقالت: فقال: «أيّها النّاس، أما والله ما بتّ والحمد لله ليلتي هذه غافلا وما خفي علىّ مكانكم ولكنّي تخوّفت أن يفترض عليكم فاكلفوا من العمل ما تطيقون» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة- رضي الله عنهم- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على أعواد
__________
(1) رواه أحمد (2/ 177) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريج المسند (10/ 140) : إسناده صحيح. وقال الهيثمي (10/ 148) : إسناده حسن.
(2) أخرجه الترمذي (3583) . وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (2835) .
(3) أبو داود (1501) وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 385) : حسن، وكذلك النووي وابن حجر وصححه الحاكم (1/ 547) ووافقه الذهبي.
(4) أحمد (6/ 267) واللفظ له، وأبو داود (1374) وقال الألباني (1/ 258) : حسن.(11/5104)
منبره: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم. ثمّ ليكوننّ من الغافلين» ) * «1» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سكن البادية جفا، ومن اتّبع الصّيد غفل، ومن أتى السّلطان افتتن» ) * «2» .
6-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين» ) * «3» .
7-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بالموت يوم القيامة كأنّه كبش أملح «4» (زاد أبو كريب) فيوقف بين الجنّة والنّار (واتّفقا في باقي الحديث) فيقال: يا أهل الجنّة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون «5» وينظرون ويقولون:
نعم، هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النّار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت.
قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، خلود فلا موت. ويا أهل النّار خلود فلا موت» . ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (مريم/ 39) وأشار بيده إلى الدّنيا) * «6» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغفلة) معنى
8-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أرسلت كلبك وسمّيت فأمسك وقتل فكل وإن أكل فلا تأكل، فإنّما أمسك على نفسه. وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل، فإنّك لا تدري أيّها قتل.
وإن رميت الصّيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلّا أثر سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل» ) * «7» .
9-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا دخل الرّجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشّيطان:
لا مبيت لكم ولا عشاء. وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشّيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء» ) * «8» .
__________
(1) مسلم (865) .
(2) الترمذي (2256) وقال: حسن صحيح غريب، وأبو داود (2859) ، وقال الألباني (2/ 552) : صحيح.
(3) الدارمي (2/ 555) . والحاكم في المستدرك (1/ 556) واللفظ له وورد فى (1/ 555) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4) كبش أملح: الأملح، قيل: هو الأبيض الخالص. قاله ابن الأعرابي. وقال الكسائي: هو الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر.
(5) فيشرئبون: أي يرفعون رؤوسهم إلى المنادي.
(6) البخاري- الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 9 (5484) واللفظ له، ومسلم (2018) .
(8) مسلم (2018) .(11/5105)
10-* (عن العلاء بن عبد الرّحمن؛ أنّه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة. حين انصرف من الظّهر. وداره بجنب المسجد. فلمّا دخلنا عليه قال:
أصلّيتم العصر؟ فقلنا له: إنّما انصرفنا، السّاعة من الظّهر. قال: فصلّوا العصر. فقمنا فصلّينا. فلمّا انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشّمس. حتّى إذا كانت بين قرني الشّيطان. قام فنقرها «1» أربعا لا يذكر الله فيها إلّا قليلا» ) * «2» .
11-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
كنّا إذا حضرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طعاما لم نضع أيدينا، حتّى يبدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيضع يده. وإنّا حضرنا معه، مرّة، طعاما. فجاءت جارية كأنّها تدفع.
فذهبت لتضع يدها في الطّعام، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدها. ثمّ جاء أعرابيّ كأنّما يدفع. فأخذ بيده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان يستحلّ الطّعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنّه جاء بهذه الجارية ليستحلّ بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابيّ ليستحلّ به.
فأخذت بيده. والّذي نفسي بيده إنّ يده في يدي مع يدها» ) * «3» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما اجتمع قوم فتفرّقوا عن غير ذكر الله إلّا كأنّما تفرّقوا عن جيفة حمار وكان ذلك المجلس عليهم حسرة» ) * «4» .
13-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الّذي يذكر ربّه والّذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت» ) * «5» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة» ) * «6» .
15-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظّهر، كتب له كأنّما قرأه من اللّيل» ) * «7» .
__________
(1) فنقرها: المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر.
(2) مسلم (622) .
(3) مسلم (2017) .
(4) أحمد (2/ 389) واللفظ له، أبو داود (4855) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 920) : صحيح، وهو في الصحيحة (77) ، والحاكم في المستدرك (1/ 492) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) البخاري- الفتح 11 (6407) واللفظ له، ومسلم (779) .
(6) أبو داود (4856) ، وقال الألباني (3: 920) : حسن صحيح. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (4/ 472) : إسناده حسن.
(7) أبو داود (1313) وقال الألباني (1/ 244) : صحيح وهو عند مسلم. وهذا لفظ أبي داود.(11/5106)
من الآثار وأقوال العلماء. الواردة في ذمّ (الغفلة)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من قرأ في ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين» ) * «1» .
2-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
«من قرأ بمائة آية في ليلة لم يكتب من الغافلين» ) «2» .
والمراد بهذين الأثرين كثرة الذّكر وتعاهد القرآن حتّى لا يكون من الغافلين.
3-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقولنّ أحدكم صمت رمضان كلّه ولا قمته كلّه» . قال الحسن: قال أبي وقال يزيد مرّة قال قتادة: الله أعلم أخاف على أمّته التّزكية أو لا بدّ من راقد أو غافل؟) * «3» .
4-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: «ليس تحسّر أهل الجنّة إلّا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله- عزّ وجلّ- فيها» ) * «4» .
5-* (عن أيوب بن سلمان، رجل من أهل صنعاء؛ قال: كنّا بمكّة فجلسنا إلى عطاء الخراسانيّ، إلى جنب جدار المسجد، فلم نسأله، ولم يحدّثنا، قال:
ثمّ جلسنا إلى ابن عمر مثل مجلسكم هذا، فلم نسأله، ولم يحدّثنا، قال: فقال: ما بالكم لا تتكلّمون ولا تذكرون الله؟ قولوا: الله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله وبحمده بواحدة عشرا، وبعشر مائة، من زاد زاده الله، ومن سكت غفر له. ألا أخبركم بخمس سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: بلى، قال: من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فهو مضادّ الله في أمره، ومن أعان على خصومة بغير حقّ فهو مستظلّ في سخط الله حتّى يترك، ومن قفا مؤمنا أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال، عصارة أهل النّار، ومن مات وعليه دين أخذ لصاحبه من حسناته، لا دينار ثمّ ولا درهم، وركعتا الفجر حافظوا عليهما، فإنّهما من الفضائل) * «5» .
6-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- «لا سبيل للغافل عن الذّكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت» ) * «6» .
7-* (وقال أيضا: على قدر غفلة العبد عن الذّكر يكون بعده عن الله) * «7» .
8- وقال أيضا: إنّ حجاب الهيبة لله- عزّ وجلّ- رقيق في قلب الغافل) * «8» .
9-* (وقال أيضا: إنّ الغافل بينه وبين الله- عزّ وجلّ- وحشة لا تزول إلّا بالذّكر) * «9» .
__________
(1) الدارمي (2/ 555) .
(2) المرجع السابق (2/ 556) .
(3) أحمد (5/ 40) .
(4) الوابل الصيب من الكلم الطيب (59) .
(5) أحمد (2/ 82) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 254) : إسناده صحيح، والهيثمي في المجمع (2/ 218) .
(6) الوابل الصيب (62) .
(7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5107)
10-* (وقال أيضا: إنّ مجالس الذّكر مجالس الملائكة ومجالس اللّغو والغفلة مجالس الشّياطين فليتخيّر العبد أعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع أهله في الدّنيا والآخرة) * «1» .
11-* (وقال أيضا: إنّ كلّ مجلس لا يذكر العبد فيه ربّه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة) * «2» .
من مضار (الغفلة) عن ذكر الله
(1) أنّها تجلب الشّيطان وتسخط الرّحمن.
(2) تنزّل الهمّ والغمّ في القلب وتبعد عنه الفرح والسّرور (تميت القلب) .
(3) مدعاة للوسوسة والشّكوك.
(4) تورث العداوة والبغضاء وتذهب الحياء والوقار بين النّاس.
(5) تبلّد الذّهن وتسدّ أبواب المعرفة.
(6) تبعد العبد عن الله- عزّ وجلّ- وتجرّه إلى المعاصي.
__________
(1) الوابل الصيب (65) .
(2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5108)
الغل
الغل لغة:
الغلّ- بالكسر- مصدر غلّ يغلّ بمعنى غشّ وحقد، وهو مأخوذ من مادّة (غ ل ل) الّتي تدلّ على تخلّل شيء وثبات شيء، يقول ابن فارس: الغين واللّام أصل صحيح يدلّ على تخلّل شيء، وثبات شيء كالشّيء يغرز، من ذلك قول العرب: غللت الشّيء في الشّيء، إذا أثبتّه فيه، كأنّك غرزته. ومن الباب الغلّ وهو الضّغن، ينغلّ في الصّدر، والغلّ في قوله تعالى:
وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا (الحشر/ 10) قال: القرطبيّ في تفسيره، الغلّ هو الحقد والحسد «1» .
والغليل: الحقد والحسد كالغلّ، بالكسر، وأيضا الضّغن والغشّ، والعداوة. قال تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الأعراف/ 43) . الغلّ هو الحقد الكامن في الصّدر. وقيل: ألّا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم «2» .
وقال ابن منظور: الغلّ بالكسر، والغليل:
الغشّ والعداوة والضّغن والحقد والحسد. وفي التّنزيل العزيز: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قال
الزّجّاج: حقيقته، والله أعلم، أنّه لا يحسد بعض أهل الجنّة بعضا في علوّ المرتبة لأنّ الحسد غلّ وهو أيضا كدر، والجنّة مبرّأة من ذلك.
ويقال: غلّ صدره يغلّ بالكسر، غلّا إذا كان ذا غشّ أو ضغن، ورجل مغلّ، مضبّ على حقد وغلّ. ويقال: غلّ الرّجل وأغلّ: خان «3» .
وقال الرّاغب: غلّ يغلّ إذا صار ذا غلّ أي ضغن، وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة، وغلّ يغلّ إذا خان وأغللت فلانا إذا نسبته إلى الغلول. قال:
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (آل عمران/ 161) وقريء أَنْ يَغُلَّ أي ينسب إلى الخيانة من أغللته.
قال: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ وروي «لا إغلال ولا إسلال» أي لا خيانة ولا سرقة. وقوله عليه الصّلاة والسّلام:
«ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب المؤمن» أي لا يضطغن.
وروي «لا يغلّ» أي لا يصير ذا خيانة. وأغلّ الجازر والسّالخ إذا ترك في الإهاب من اللّحم شيئا وهو من الإغلال «4» .
__________
(1) تفسير القرطبي (18/ 23) .
(2) المرجع السابق (7/ 133) .
(3) لسان العرب (11/ 499) ، ومقاييس اللغة (4/ 376) ، تاج العروس (15/ 550) .
(4) المفردات للراغب (363) مادة (غل) ، والصحاح (5/ 1784) .(11/5109)
الغل اصطلاحا:
قال الكفويّ: الغلّ: أخذ الخيانة في القلب على الخلق «1» . وقال أيضا: الغلّ: هو بمعنى الخيانة من باب دخل (غلّ يغلّ) وهو الضّغن إذا كان من باب ضرب (غلّ يغلّ) قلت: المصدر واحد ويختلف المعنى باختلاف الفعل المضارع. أمّا الغلول فهو الخيانة في بيت مال أو زكاة، أو غنيمة وقيّده بعضهم بالغنيمة.
وقال القرطبيّ: الغلّ: هو الحقد الكامن في الصّدر «2» .
حكم الغل:
عدّ العزّ بن عبد السّلام الغلّ من المنهيّات الباطنة مستدلّا بقوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا (الحشر/ 10) «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحسد- السخط النقمة- الحقد- الغضب- الحمق- البغض.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: المحبة- الإخاء- الطهارة- الصبر والمصابرة- الحلم] .
الآيات الواردة في ذمّ «الغل»
1- وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(43) «4»
2- وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) «5»
3- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «6»
__________
(1) الكليات (672) ، وانظر تفسير القرطبي (7/ 133) .
(2) تفسير القرطبي (7/ 133) .
(3) شجرة المعارف والأحوال (115) .
(4) الأعراف: 43 مكية.
(5) الحجر: 47 مكية.
(6) الحشر: 10 مدنية.(11/5110)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغل)
1-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللّسان» قالوا: صدوق اللّسان نعرفه. فما مخموم القلب؟ قال:
«هو التّقيّ النّقيّ. لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغل) معنى
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والرّوم أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرّحمن ابن عوف: نقول كما أمرنا الله «2» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أو غير ذلك تتنافسون. ثمّ تتحاسدون. ثمّ تتدابرون.
ثمّ تتباغضون. أو نحو ذلك. ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض «3» » ) * «4» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «5» .
4-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دبّ «6» إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشّعر ولكن تحلق الدّين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أفلا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السّلام بينكم» ) * «7» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ،
__________
(1) ابن ماجة (4216) ، وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.
(2) نقول كما أمرنا: أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله.
(3) ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض: أي ضعفائهم. فتجعلون بعضهم أمراء على بعض.
(4) مسلم (2962) .
(5) مسلم (2565) .
(6) دب: سار، وقال الحفني: أي سرى إليكم.
(7) الترمذي (2510) واللفظ له، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 548) ، وقال: رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما.(11/5111)
ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، وسدّد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري «1» » ) * «2» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله «3» ولا يحقره، التّقوى ههنا «4» ويشير إلى صدره ثلاث مرّات بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «5» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لينزلنّ ابن مريم حكما عادلا. فليكسرنّ الصّليب. وليقتلنّ الخنزير. وليضعنّ الجزية. ولتتركنّ القلاص «6» فلا يسعى عليها.
ولتذهبنّ الشّحناء والتّباغض والتّحاسد وليدعونّ (وليدعونّ) إلى المال فلا يقبله أحد» ) * «7» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الأعراف/ 43) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النّار «8» ، فيحبسون على قنطرة بين الجنّة والنّار، فيقصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا هذّبوا ونقّوا «9» ، أذن لهم في دخول الجنّة. فو الّذي نفس محمّد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا» ) * «10» .
__________
(1) سخيمة صدري: غشه وحقده وغله.
(2) الترمذي (3551) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (3830) .
(3) ولا يخذله: قال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر.
(4) التقوى ههنا: معناه أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته.
(5) مسلم (2564) .
(6) القلاص: هي من الإبل وذكرت هنا لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب.
(7) مسلم (155) .
(8) يخلص المؤمنون من النار: أي نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط.
(9) حتى إذا هذبوا ونقّوا: بضم الهاء وبضم النون، وهما بمعنى التمييز والتخليص من التبعات.
(10) البخاري- الفتح 11 (6535) .(11/5112)
من أقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغل)
1-* (قال قتادة- رحمه الله- قال عليّ رضي الله عنه-: «إنّي لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزّبير من الّذين قال تعالى فيهم: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ (الأعراف/ 43) » ) *) «1» .
2-* (قال السّدّيّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ قال: «إنّ أهل الجنّة إذا سيقوا إلى الجنّة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غلّ فهو الشّراب الطّهور، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النّعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا «2» بعدها أبدا» ) * «3» .
3-* (قال الحسن- رحمه الله-: «قال عليّ رضي الله عنه-: فينا والله أهل بدر نزلت:
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» ) * «4» .
4-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «اعلم أنّ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه، والغضب أصل أصله» ) * «5» .
من مضار (الغل)
(1) دليل دناءة النّفس وخبثها.
(2) يورث مقت الله وسخطه.
(3) ينقص الإيمان وقد يذهب بالإسلام.
(4) معول هدم وخراب في المجتمع.
(5) ينبأ عن سوء النّيّة وفساد الطّويّة.
__________
(1) تفسير ابن كثير (2/ 216) .
(2) فلم يشعثوا ولم يشحبوا: الشعث: التفرق، والشاحب: المتغير اللون والجسم لعارض من سفر أو مرض ونحوهما.
(3) تفسير ابن كثير (2/ 216) .
(4) المرجع السابق نفسه.
(5) إحياء علوم الدين (3/ 198) .(11/5113)
الغلو
الغلو لغة:
الغلوّ: مصدر قولهم: غلا في الأمر يغلو غلوّا، أي جاوز فيه الحدّ، يقول ابن فارس الغين واللّام والحرف المعتلّ أصل صحيح في الأمر يدلّ على ارتفاع ومجاوزة قدر. يقال: غلا السّعر يغلو غلاء، وذلك ارتفاعه، وغلا الرّجل في الأمر غلوّا إذا جاوز حدّه، وقيل: مجاوزة الحدّ إذا كانت في السّعر فهي غلاء، وإذا كانت في القدر والمنزلة فهي غلوّ، وفي السّهم غلو، وأفعالها جميعا غلا يغلو، قال تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ (النساء/ 171) قال القرطبيّ: المراد غلوّ اليهود في عيسى حتّي قذفوا مريم، وغلوّ النّصارى فيه حتّى جعلوه إلها «1» .
وفي الحديث: «إيّاكم والغلوّ في الدّين» أي التّشدّد فيه ومجاوزة الحدّ، ومنه الحديث: «وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه» ، إنّما قال ذلك لأنّ من آدابه وأخلاقه الّتي أمر بها القصد في الأمور، وخير الأمور، أوساطها.
والغلواء بالضّمّ وفتح اللّام، ويسكّن: الغلوّ،
وهو التّجاوز، يقال: خفّف من غلوائك. وغلا في الدّين غلوّا من باب قعد، تصلّب وشدّد حتّى جاوز الحدّ ... وغالى في أمره مغالاة، بالغ «2» .
وقال ابن منظور: يقال غلا يغلو غلوّا وغلواء وغلانية وغلانيا. والغلاء: الارتفاع ومجاوزة القدر في كلّ شيء والإفراط فيه. فيقال للشّيء إذا ارتفع قد غلا.
قال ذو الرّمّة:
فما زال يغلو حبّ ميّة عندنا ... ويزداد حتّى لم نجد ما نزيدها
ويقال: غلا النّبت: إذا ارتفع وعظم والتفّ «3» .
واصطلاحا:
قال المناويّ: الغلوّ: مجاوزة الحدّ، والغلوّ في الدّين التّصلّب والتّشدّد فيه حتّى مجاوزة الحدّ «4» .
وقال القرطبيّ: الغلوّ في الدّين: الإفراط فيه كما أفرطت اليهود والنّصارى في عيسى، غلوّ اليهود في عيسى قولهم: ليس ولد رشدة، وغلوّ النّصارى قولهم:
إنّه إله «5» .
__________
(1) تفسير القرطبي (6/ 16) .
(2) الصحاح (6/ 2448) ، المقاييس (4/ 388) ، المفردات (365) ، اللسان (5/ 3290، 3291) ، التاج (20، 22) ، المصباح (172) .
(3) لسان العرب (6/ 3290) .
(4) التوقيف (253) بتصرف.
(5) تفسير القرطبي (6/ 77) .(11/5114)
أنواع الغلو:
من يتأمّل الآيات والأحاديث الواردة في الغلوّ يجد أنّ الغلوّ علي ثلاثة أنواع:
الأوّل: الغلوّ في الدّين وذلك بالاعتقادات الباطلة كما فعل بعض أهل الكتاب الّذين قالوا على الله غير الحقّ كقولهم: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكقول اليهود والنّصارى في عيسى: إنّه ابن الله أو إنّه إله، وقول اليهود: إنّه ليس ابن رشدة.
وعند المسلمين نجد كثيرا من الفرق الضّالّة الّتي غلت في دينها كالرّافضة والمرجئة.
الثّاني: الغلوّ في القرآن الكريم، وذلك بمجاوزة الحدّ في قراءته بالتّطويل والتّطريح والتّشدّق، والخروج والتّأويل المبالغ فيه.
الثّالث: الغلوّ في العلم، وذلك الّذي يؤدّي إلى تحريف الكلم عن مواضعه، كما فعل أهل الكتاب قديما، وكما يفعل كثير من الجهّال في هذه الأيّام.
الإيغال في الدين برفق:
قال ابن المنيّر- رحمه الله-: رأينا ورأى النّاس قبلنا أنّ كلّ متنطّع في الدّين ينقطع. وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنّه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدّي إلى الملال، أو المبالغة في التّطوّع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلّي اللّيل كلّه ويغالب النّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللّيل فنام عن صلاة الصّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار. أو إلى أن طلعت الشّمس فخرج وقت الفريضة «1» .
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- مبيّنا أنّ الغلوّ سبب لتشديد الله على العبد وعلى الأمّة: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن التّشديد في الدّين بالزّيادة على المشروع، وأخبر صلّى الله عليه وسلّم أنّ تشديد العبد، على نفسه هو السّبب لتشديد الله عليه إمّا بالقدر وإمّا بالشّرع. فبالقدر كفعل أهل الوسواس فإنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد عليهم حتّى استحكم وصار صفة لازمة لهم.
وأمّا التّشديد بالشّرع: كمن شدّد على نفسه بالنّذر، فشدّد الله عليه فألزمه الوفاء به «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- التكلف- التعسير- التنفير- الطغيان- الكفر- التفريط والإفراط- اتباع الهوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الاتباع- التيسير- الرفق- العبادة- الطاعة] .
__________
(1) الفتح (1/ 117) .
(2) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 132) بتصرف يسير.(11/5115)
الآيات الواردة في «الغلو»
1- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «1»
2- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77) «2»
الآيات الواردة في «الغلو» معنى
3- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «3»
4- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) «4»
5- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «5»
__________
(1) النساء: 171 مدنية
(2) المائدة: 77 مدنية
(3) المائدة: 72- 73 مدنية
(4) التوبة: 30 مدنية
(5) الكهف: 28 مكية(11/5116)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغلو)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات القط لي فلقطت له حصيات هنّ حصى الخذف فلمّا وضعتهنّ في يده، قال: «بأمثال هؤلاء وإيّاكم والغلوّ في الدّين، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة؛ وعبد الله بن عمر- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ) * «2» .
3-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أمّتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم، وغال في الدّين، يشهد عليهم، ويتبرّأ منهم» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغلو) معنى
4-* (عن أبي جحيفة السّوائيّ وهب بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما. فقال له: كل. قال: فإنّي صائم، قال:
ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال: فأكل، فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نم، فنام. ثمّ ذهب يقوم.
فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال
__________
(1) النسائي (5/ 268) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 640) رقم (2863) ، وابن ماجه (3029) ، وأحمد (1/ 215) وقال فيه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 257) ، (1851) وأخرجه أيضا في (1/ 347) وقال شاكر: إسناده صحيح (5/ 85) ، رقم (3248) وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 278) رقم (1283) ، وعزاه كذلك لابن خزيمة وابن حبان. وصحّح إسناده الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (3/ 278) .
(2) البزار (1/ 86) حديث (143) ، وهو في المشكاة (1/ 82) حديث (248) وقال: رواه البيهقي، وقال الألباني في تخريجه: ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ونقل هناك تصحيح الإمام أحمد للحديث.
(3) السنة لابن أبي عاصم، وقال الألباني: صحيح (1/ 23) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 185) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وكذا الهيثمي في المجمع (5/ 236) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات، وهو في الصحيحة للألباني (1/ 762) برقم (470) .(11/5117)
له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» * «1» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: أقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يعطي النّاس، قال: يا محمّد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل، فكيف رأيت؟» قال: لم أرك عدلت، قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟» . فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: «لا. دعوه، فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدّين، حتّى يخرجوا منه، كما يخرج السّهم من الرّميّة «2» ، ينظر في النّصل فلا يوجد شيء، ثمّ في القدح فلا يوجد شيء، ثمّ في الفوق «3» فلا يوجد شيء سبق الفرث «4» والدّم» ) * «5» .
6-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين، فحرّم عليهم من أجل مسألته» ) * «6» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أمّ حبيبة وأمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم «7» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولئك، إذا كان فيهم الرّجل الصّالح فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوّروا فيه تلك الصّور. أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» ) * «8» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه. فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «9» .
9-* (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء عن غير نسيان فلا تبحثوا عنها» ) * «10» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1968) .
(2) الرمية: هي الصيد الذي ترميه فتقصده وينفذ فيها سهمك وقيل هي كل دابة مرمية.
(3) الفوق: موضع الوتر من السهم.
(4) وسبق الفرث والدم: الفرث: ما يوجد بالكرش يعني أن السهم مر سريعا في الرمية وخرج منها لم يعلق فيها بشيء من فرثها ودمها.
(5) هذا لفظ أحمد (2/ 219) ، وأصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد وقال شاكر: إسناده صحيح (12/ 3) رقم (7038) ، وذكره الهيثمي في المجمع (6/ 227- 228) وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجال أحمد ثقات.
(6) البخاري- الفتح 13 (7289) ، ومسلم (2358) واللفظ له
(7) قوله لرسول الله متعلق بقوله (ذكرتا) وليس متعلقا بقوله (تصاوير) أي ذكرتا لرسول الله كنيسة.. الخ.
(8) البخاري- الفتح 1 (427) ، مسلم (528) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 1 (39) .
(10) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 59) وعزاه محققه إلى الحاكم في مستدركه، والبزار وغيرهما ونقل تحسين أبي بكر السمعاني في أماليه، والنووي في أربعينه وكذلك الحافظ ابن حجر في الفتح، وانظر جامع العلوم والحكم (261) ، وروى الحاكم نحوه (2/ 375) وصححه ووافقه الذهبي والبزار كما في كشف الأستار (1/ 78) ، وقال: إسناده صالح، وفي (3/ 325) روياه من حديث أبي الدرداء.(11/5118)
قالت: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة.
قال: «من هذه؟» قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» ) * «1» .
11-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال: «ما بال هذا؟» قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إنّ الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيّ. وأمره أن يركب» ) * «2» .
12-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا. فقال: تلك ضراوة «3» الإسلام وشرّته، ولكلّ ضراوة شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنّة فلأمّ «4» ما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك» ) * «5» .
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء.
وقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد لله وأثنى عليه، فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا. ولكنّي أصلّي وأنام. وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «6» .
14-* (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ، سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطّهور والدّعاء» ) * «7» .
15-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغّض إلى نفسك عبادة الله. فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (43) واللفظ له، مسلم (785) .
(2) البخاري- الفتح 4 (1865) ، ومسلم (1642) .
(3) ضراوة الإسلام: من قولهم (ضرى بالشيء ضرى وضراوة) إذا اعتاده ولزمه وأولع به.
(4) فلأم ما هو: أي هو على طريق ينبغي أن يقصد.
(5) أحمد (2/ 165) واللفظ له وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 50) برقم (6539) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير وأحمد بنحوه، ورجال أحمد ثقات (2/ 259 260) ، والسنة لابن أبي عاصم، وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وعزاه لابن حبان والطحاوي (28) برقم (51)
(6) البخاري- الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) واللفظ له.
(7) أبو داود (96) واللفظ له وقال الألباني (1/ 21) : صحيح، وابن ماجه (3864) ، وأحمد (4/ 86) ، والحاكم (1/ 540) وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في الدعاء (2/ 811) رقم (59) وقال مخرجه: إسناده حسن، وكذا في الكبير (2/ 811) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(8) البيهقي في السنن الكبرى (3/ 18) . وذكره الألباني في صحيح الجامع وقال: حسن (1/ 256) رقم (2242) .(11/5119)
16-* (عن جندب بن جنادة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إنّي أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإنّ الله تعالى قد اتّخذني خليلا، كما اتّخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبابكر خليلا. ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد. إنّي أنهاكم عن ذلك» ) * «1» .
17-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظلّ ولا يتكلّم ويصوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: مره فليتكلّم، وليستظلّ، وليقعد، وليتمّ صومه» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أيّها النّاس قد فرض عليكم الله الحجّ فحجّوا» ، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟! فسكت. حتّى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قلت: نعم. لوجبت. ولما استطعتم» ، ثمّ قال: «ذروني ما تركتكم. فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» ) * «3» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا حبل ممدود بين السّاريتين.
فقال: ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلّقت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) «4» .
20-* (قالت عائشة- رضي الله عنها- صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فحمد لله وأثنى عليه ثمّ قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه؟ فو الله إنّي أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «5» .
21-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس به» ) * «6» .
22-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في سفر، فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه. وقد ظلّل عليه، فقال: «ما له؟» قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «7» .
23-* (عن عائشة وابن عبّاس- رضي الله
__________
(1) مسلم (532) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6704) .
(3) مسلم (1337) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1150) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7301) واللفظ له، ومعناه في الصحيحين من حديث عائشة. البخاري الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401)
(6) أحمد (1: 160) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (2/ 354) رقم (1376) .
(7) البخاري- الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له. وهذا يختلف باختلاف القدرة والتحمل.(11/5120)
عنهم- قالا: لمّا نزل «1» برسول الله صلّى الله عليه وسلّم طفق يطرح خميصة «2» له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنّصارى.
اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذّر ما صنعوا) * «3» .
24-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرّحمن: إنّي أقوى على الصّيام في السّفر. فقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة» ) * «4» .
25-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لتمش ولتركب» ) * «5» .
26-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلك المتنطّعون «6» قالها ثلاثا» ) * «7» .
27-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
واصل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم آخر الشّهر وواصل أناس من النّاس فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لو مدّ بي الشّهر لواصلت وصالا يدع المتعمّقون تعمّقهم. إنّي لست مثلكم، إنّي أظلّ يطعمني ربّي ويسقيني» ) * «8» .
28-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- سمع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول على المنبر سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تطروني «9» كما أطرت النّصارى ابن مريم، فإنّما أنا عبده، فقولوا:
عبد الله ورسوله» ) * «10» .
29-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يا عبد الله ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك «11» عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة عشر أمثالها، فإذن «12» ذلك صيام
__________
(1) نزل: حضره الموت.
(2) خميصة: كساء له أعلام.
(3) البخاري- الفتح 1 (435) . ومسلم (531) واللفظ له. والنسائي (2/ 40، 41) ، وذلك أن الغلو في الصالحين سبب لعبادتهم من هنا حذر النبي صلّى الله عليه وسلّم من التشبه بهم وفي هذا سد للذرائع.
(4) أحمد (2/ 71) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 207) برقم (5392) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 162) . رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناد أحمد حسن.
(5) البخاري- الفتح 4 (1866) واللفظ له، ومسلم (1644) .
(6) المتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
(7) مسلم (2670) .
(8) البخاري- الفتح 13 (7241) واللفظ له، ومسلم (1104) .
(9) الإطراء: مجاوزة الحد في المدح.
(10) البخاري- الفتح 6 (3445) .
(11) لزورك: أي لضيفك، وهو مصدر وضع موضع الاسم ويطلق على الواحد والجمع، والذكر والأنثى.
(12) فإذن: هي التي يجاب بها وهي واقعة في جواب شرط مقدر كأنه قال: إن صمتها فإذن ذلك صيام الدهر.(11/5121)
الدّهر كلّه، فشدّدت فشدّد عليّ، قلت: يا رسول الله إنّي أجد قوّة. قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام ولا تزد عليه» قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السّلام، قال: «نصف الدّهر» ) * «1» .
30-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن ومعاذ ابن جبل قال لهما: «يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا» . قال أبو موسى: يا رسول الله، إنّا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع «2» وشراب من الشّعير يقال له المزر «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغلو)
1-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «لن تزالوا بخير ما عجّلتم الفطر، ولم تتنطّعوا تنطّع أهل العراق» ) * «5» .
2-* (وقال- رضي الله عنه- لرجل سأله عن معنى الأبّ لمّا قرأ وَفاكِهَةً وَأَبًّا قال: نهينا عن التّعمّق والتّكلّف) * «6» .
3-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- في خطبة له: «ألا لا تغالوا بصدق النّساء، فإنّها لو كانت مكرمة في الدّنيا، أو تقوى عند لله، لكان أولاكم بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ما أصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقيّة» ) * «7» .
4-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «لا تغال لي في كفن» ) * «8» .
5-* (وقال- رضي الله عنه-: «يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني» ) * «9» .
6-* (عن أبي وائل قال: كان أبو موسى يشدّد في البول، ويبول في قارورة ويقول: إنّ بني
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له، ومسلم (1159) .
(2) البتع: نبيذ العسل.
(3) المزر: نبيذ الذرة.
(4) البخاري الفتح 10 (6124) واللفظ له، ومسلم (1732) .
(5) لسان العرب (7/ 4461) .
(6) وروى هذا عن أبي بكر رضي الله عنه أيضا. فتح الباري (13/ 271) .
(7) أبو داود (2106) واللفظ له. والنسائي (6/ 117) وقال الألباني: صحيح (2/ 705) رقم (3141) ، والترمذي (114) 1 وقال: حسن صحيح، ابن ماجه (1887) ، الدارمي (2/ 190) رقم (2200) ، أحمد (1/ 40- 41) رقم (287) بأطول من هذا السياق، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح (1/ 276- 277) برقم (285) .
(8) أبو داود (3154) .
(9) أحمد (1/ 160) وقال شاكر: إسناده حسن (2/ 354) . والشنآن: الكره، والبهت: أشد الكذب.(11/5122)
إسرائيل كانوا إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة لهم: «لوددت أنّ صاحبكم لا يشدّد هذا التّشديد» ) * «1» .
7-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- في دعاء طويل: «اللهمّ يسّرنا لليسرى، وجنّبنا العسرى» ) * «2» .
8-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في وصف بني إسرائيل لمّا طلب منهم موسى- عليه السّلام- أن يذبحوا بقرة: «لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنّهم شدّدوا فشدّد عليهم» ) * «3» .
9-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- في معنى قوله تعالى فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (البقرة/ 71) : كادوا أن لا يفعلوا، ولم يكن ذلك الّذي أرادوا، لأنّهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنّهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلّا بعد الجهد، وفي هذا ذمّ لهم، وذلك أنّه لم يكن غرضهم إلّا التّعنّت» ) * «4» .
10-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أمّا ودّ. فكانت لكلب بدومة الجندل، وأمّا سواع. فكانت لهذيل، وأمّا يغوث. فكانت لمراد ثمّ لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأمّا يعوق فكانت لهمدان، وأمّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلمّا هلكوا.
أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت «5» » ) * «6» .
11-* (قال عبادة بن نسيّ- رضي الله عنه لجماعة «أدركت أقواما ما كانوا يشدّدون تشديدكم، ولا يسألون مسائلكم» ) * «7» .
12-* (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السّنّة؛ فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتّعمّق، فارض لنفسك
__________
(1) مسلم (273) .
(2) الأذكار النووية، وقال مخرجه: قال الحافظ في تخريج الأذكار: هذا موقوف صحيح (324) .
(3) تفسير ابن كثير (1/ 110) وقال: إسناده صحيح.
(4) المرجع السابق (1/ 111) .
(5) قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ تعليقا على هذا الأثر: هذا يفيد الحذر من الغلو ووسائل الشرك، فإن الشيطان أدخل أولئك في الشرك من باب الغلو في الصالحين والإفراط في محبتهم. فتح المجيد (219- 220) بتصرف.
(6) البخاري- الفتح 8 (4920) .
(7) الدارمي (1/ 63) رقم (127) بتصرف.(11/5123)
ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: «إنّما حدث بعدهم» . ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وأنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال: كذا؟ لقد قرأوا منه ما قرأتم وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «1» .
13-* (قال عبّاد بن عبّاد الخوّاص الشّاميّ رحمه الله تعالى-: «اعقلوا، فالعقل نعمة، فربّ ذي عقل قد شغل قلبه بالتّعمّق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتّى صار عن ذلك ساهيا، ومن فضل عقل المرء، ترك النّظر فيما لا نظر فيه. حتّى يكون فضل عقله وبالا عليه في ترك مناقشة من هو دونه في الأعمال الصّالحة، أو رجل شغل قلبه ببدعة قلّد فيها دينه رجالا
دون أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو اكتفى برأيه فيما لا يرى الهدى إلّا فيها، ولا يرى الضّلالة إلّا تركها بزعم أنّه أخذها من القرآن، وهو يدعو إلى فراق القرآن، أفما كان للقرآن حملة قبله وقبل أصحابه يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه؟ وكانوا منه على منار أوضح الطّريق وكان القرآن إمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إماما لأصحابه، وكان أصحابه أئمّة لمن بعدهم، رجال معروفون، منسوبون في البلدان، متّفقون في الرّد على أصحاب الأهواء مع ما كان بينهم من الاختلاف، وتسكّع أصحاب الأهواء برأيهم في سبل مختلفة، جائرة عن القصد، مفارقة للصّراط المستقيم، فتوّهت بهم أدلّاؤهم في مهامه مضلّة، فأمعنوا فيها متعسّفين في هيآتهم، كلّما أحدث لهم الشّيطان بدعة في ضلالتهم انتقلوا منها إلى غيرها، لأنّهم لم يطلبوا أثر السّالفين، ولم يقتدوا
__________
(1) أبو داود (4612) ، وقال الألباني: صحيح الإسناد (3/ 873) .(11/5124)
بالمهاجرين، وقد ذكر عن عمر أنّه قال لزياد: هل تدري ما يهدم الإسلام؟ زلّة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمّة مضلّون، اتّقوا الله وما حدث في قرّائكم وأهل مساجدكم من الغيبة والنّميمة والمشي بين النّاس بوجهين ولسانين، وقد ذكر أنّ من كان ذا وجهين في الدّنيا كان ذا وجهين في النّار، يلقاك صاحب الغيبة فيغتاب عندك من يرى أنّك تحبّ غيبته، ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله، فإذا هو قد أصاب عند كلّ واحد منكما حاجته، وخفي على كلّ واحد منكما ما يأتي عند صاحبه. حضوره عند من حضره حضور الإخوان، وغيبته عن من غاب عنه غيبة الأعداء، من حضر منهم كانت له الأثرة، ومن غاب منهم لم تكن له حرمة، يغبن من حضره بالتّزكية، ويغتاب من غاب عنه بالغيبة، فيالعباد الله أما في القوم من رشيد ولا مصلح؟ به يقمع هذا عن مكيدته، ويردّه عن عرض أخيه المسلم، بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم، فاستمكن منهم وأمكنوه من حاجته، فأكل بدينه مع أديانهم، فالله الله، ذبّوا عن حرم أعيانكم، وكفّوا ألسنتكم عنهم إلّا من خير، وناصحوا الله في أمّتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسّنّة، فإنّ الكتاب لا ينطق حتّى ينطق به، وإنّ السّنّة لا تعمل حتّى يعمل بها، فمتى يتعلّم الجاهل إذا سكت العالم؟ فلم ينكر ما ظهر، ولم يأمر بما ترك، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، اتّقوا الله فإنّكم في زمان رقّ فيه الورع، وقلّ فيه الخشوع، وحمل العلم مفسدوه، فأحبّوا أن يعرفوا بحمله، وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته، فنطقوا فيه بالهوى لما أدخلوا فيه من الخطأ، وحرّفوا الكلم عمّا تركوا من الحقّ إلى ما عملوا به من باطل، فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها، وتقصيرهم تقصير لا يعترف به، كيف يهتدي المستدلّ المسترشد إذا كان الدّليل حائرا، أحبّوا الدّنيا وكرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم، فلم يتبرّؤوا ممّا انتفوا منه، ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم، لأنّ العامل بالحقّ متكلّم وإن سكت، وقد ذكر أنّ الله تعالى يقول: إنّي لست كلّ كلام الحكيم أتقبّل، ولكنّي أنظر إلى همّه وهواه. فإن كان همّه وهواه لي جعلت صمته حمدا ووقارا، وإن لم يتكلّم. وقال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها (الجمعة/ 5) لم يعملوا بها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتبا. وقال خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ (البقرة/ 63) قال: العمل بما فيه، ولا تكتفوا من السّنّة بانتحالها بالقول دون العمل بها فإنّ انتحال السّنّة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزيّنا بعيبها، فإنّ فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم، ولا تعيبوها بغيا على أهلها، فإنّ البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي للمطبّب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه، فإنّه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصّحّة ليقوى بها على علاج المرضى، فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربّكم، وشفقة(11/5125)
منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم، وأن يستفطم بعضكم بعضا النّصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم، وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه-: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي، تحبّون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل لكم مثل الّذي قلتم غضبتم، تجدون على النّاس فيما تنكرون من أمورهم وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبّون أن يؤخذ عليكم؟
اتّهموا رأيكم ورأي أهل زمانكم، وتثبّتوا قبل أن تكلّموا، وتعلّموا قبل أن تعملوا، فإنّه يأتي زمان يشتبه فيه الحقّ والباطل، ويكون المعروف فيه منكرا، والمنكر فيه معروفا، فكم من متقرّب إلى الله بما يباعده، ومتحبّب إليه بما يبغضه عليه، قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً (فاطر/ 8) الآية.
فعليكم بالوقوف عند الشّبهات حتّى يبرز لكم واضح الحقّ بالبيّنة، فإنّ الدّاخل فيما لا يعلم بغير علم آثم، ومن نظر لله نظر الله له، عليكم بالقرآن فأتمّوا به وأمّوا به، وعليكم بطلب أثر الماضين فيه، ولو أنّ الأحبار والرّهبان لم يتّقوا زوال مراتبهم، وفساد منزلتهم بإقامة الكتاب وتبيانه، ما حرّفوه ولا كتموه، ولكنّهم لمّا خالفوا الكتاب بأعمالهم التمسوا أن يخدعوا قومهم عمّا صنعوا مخافة أن تفسد منازلهم، وأن يتبيّن للنّاس فسادهم، فحرّفوا الكتاب بالتّفسير، وما لم يستطيعوا تحريفه كتموه، فسكتوا عن صنيع أنفسهم إبقاء على منازلهم، وسكتوا عمّا صنع قومهم مصانعة لهم، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه، بل مالوا عليه ورفقوا لهم فيه» ) * «1» .
14-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ (الملك/ 5) «خلق هذه النّجوم لثلاث:
جعلها زينة للسّماء، ورجوما للشّياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأوّل فيها بغير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلّف مالا علم له به» ) * «2» .
15-* (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: «ودين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس» ) * «3» .
16-* (قال ابن عقيل- رحمه الله-: قال لي رجل: أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشكّ: هل صحّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟ فقلت له: يا شيخ اذهب، فقد سقطت عنك الصّلاة. قال: وكيف؟ قال:
لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتّى يفيق، والنّائم حتّى يستيقظ، والصّبيّ حتّى يبلغ» ، ومن ينغمس في الماء مرارا ويشكّ هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون) * «4» .
__________
(1) الدارمي (1/ 166- 169) رقم.
(2) تفسير ابن كثير (4/ 396) .
(3) شرح الطحاوية، لابن العز، نسخة الألباني (585) .
(4) إغاثة اللهفان (1/ 154) .(11/5126)
17-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «نهى الشّارع عن الغلوّ والتّشديد نهيا عامّا في الاعتقادات والأعمال» ) * «1» .
18-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «من كيد الشّيطان العجيب أنّه يشامّ النّفس، حتّى يعلم أيّ القوّتين تغلب عليها: قوّة الإقدام والشّجاعة، أم قوّة الانكفاف والإحجام والمهانة؟ وقد اقتطع أكثر النّاس إلّا أقلّ القليل في هذين الواديين، وادي التّقصير، ووادى المجاوزة والتّعدّي، والقليل منهم جدّا الثّابت على الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (وهو الوسط) » ) * «2» .
19-* (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-:
«لا يتعمّق أحد في الأعمال الدّينيّة ويترك الرّفق إلّا عجز وانقطع فيغلب» ) * «3» .
20-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- «الأخذ بالعزيمة في موضع الرّخصة تنطّع، كمن يترك التّيمّم عند العجز عن استعمال الماء فيفضى به استعماله إلى حصول الضّرر» ) * «4» .
من مضار (الغلو)
(1) مبعد عن الله، وموجب للنّار.
(2) الانقطاع عن العمل، وعدم المداومة عليه.
(3) دليل ضعف العقل، ومدخل لتسلّط الشّيطان.
(4) دليل الجهل، وقلّة الفهم.
(5) يورث الوسواس.
(6) ضيق النّفس ودوام الحزن.
__________
(1) فتح المجيد (227) بتصرف.
(2) إغاثة اللهفان (1/ 136) .
(3) فتح الباري (1/ 117) .
(4) المرجع السابق نفسه.(11/5127)
الغلول
الغلول لغة:
مصدر قولهم: غلّ يغلّ إذا خان في الفيء أو الغنيمة أو غيرهما، وهو مأخوذ من مادّة (غ ل ل) الّتي تدلّ على «تخلّل شيء وثباته، كالشّيء يغرز، من ذلك قول العرب: غللت الشّيء في الشّيء إذا أثبتّه فيه كأنّك غرزته، ومن الباب الغلول في المغنم، وهو أن يخفى الشّيء فلا يردّ إلى القسم، كأنّ صاحبه قد غلّه بين ثيابه» «1» .
وقال الرّاغب: أصل الغلل تدرّع الشّيء وتوسّطه، ومن ذلك الغلل للماء الجاري بين الشّجر، والغلول وهو تدرّع الخيانة، والغلّ: العداوة يقال منه:
غلّ يغلّ إذا صار ذا غلّ أي ضغن (وعداوة) ، وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة، وغلّ يغلّ إذا خان، وأغللت فلانا: نسبته «2» إلى الغلول «3» ، وقال الفيروزآباديّ: يقال: غلّ غلولا وأغلّ إغلالا إذا
خان «4» ، وقيل: خان في الفيء خاصّة، وقول الله تعالى:
وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 161) قرأها بعضهم «5» : أن يغلّ (بفتح الياء وضمّ الغين) وقرأها الآخرون «أن يغلّ» (بضمّ الياء وفتح الغين) «6» ، والمعنى على القراءة الأولى «يغلّ» : يخون، والمعنى على القراءة الثّانية يحتمل أمرين، الأوّل: يخان يعني أن يؤخذ من غنيمته، والثّاني: يخوّن أي ينسب إلى الغلول «7» ، وقال ابن منظور في توضيح معنى القراءة الأولى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال: أي يخون أمّته. وتفسير ذلك أنّ الغنائم جمعها سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فجاء جماعة من المسلمين فقالوا: ألا تقسم غنائمنا، فقال عليه الصّلاة والسّلام: «لو أفاء الله عليّ مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما، أترونني أغلّكم مغنمكم؟» قال ابن منظور: وكان أبو عمرو (بن العلاء) ، ويونس يختاران
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 376) .
(2) المفردات للراغب ص 363 (ت: محمد سيد كيلاني) .
(3) يشير الراغب بذلك إلى أن صيغة أفعل من الغلول لها معنيان: الأول: الصيرورة، والآخر: النسبة إلى الشيء، وإلى أن الصيغة الأولى لازمة (أغلّ أي صار ذا غل) ، والأخرى متعدية (أغل فلانا أي نسبه إلى الغلول) .
(4) يشير الفيروزآبادي بذلك إلى أن صيغة فعل وأفعل بمعنى واحد إذا اشتقتا من الغلول.
(5) قرأها كذلك أبو عمرو وابن كثير وعاصم.
(6) قرأها كذلك باقي السبعة (حمزة والكسائي ونافع وابن عامر) . انظر في ذلك: كتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني (ت: أوتو برتزل) ص 91، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري (2/ 243) .
(7) بصائر ذوي التمييز (4/ 144- 145) بتصرف يسير.(11/5128)
هذه القراءة، وكان يونس يقول: كيف لا يغلّ؟ بلى ويقتل «1» . وقال ابن برّيّ مرجّحا هذه القراءة أيضا:
قلّ أن تجد في كلام العرب: ما كان لفلان أن يضرب، على أن يكون الفعل مبنيّا للمفعول، وإنّما تجده مبنيّا للفاعل، كقولك: ما كان لمؤمن أن يكذب، وما كان لنبيّ أن يخون، وما كان لمحرم أن يلبس، وبهذا (الدّليل اللّغويّ) يعلم صحّة قراءة من قرأ «يغلّ» على إسناد الفعل للفاعل دون المفعول «2» ، وقال أبو عليّ الفارسيّ: والحجّة لمن قرأ «يغلّ» أنّ ما جاء من التّنزيل من هذا النّحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو قوله سبحانه ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ (يوسف/ 38) ، وقوله وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (آل عمران/
145) . ولا يكاد يجيء منه نحو «ما كان زيد ليضرب» ، وقد روي أنّ عبد الله بن عبّاس قيل له: إنّ ابن مسعود يقرأ «يغلّ» فقال: بلى والله ويقتل. وعنه أيضا: قد كان النّبيّ يقتل فكيف لا يخوّن. وقد احتجّ للقراءة الثّانية أيضا «يغلّ» بأنّ المعنى إمّا: أن ينسب إلى ذلك أي لا يقال له غللت، وذلك كقولهم: أكفرت فلانا أي نسبته إلى الكفر، كما في قول الشّاعر:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم
أي نسبتني إلى الكفر، قال أبو عليّ: ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحد أن يغلّه فيأخذ من الغنيمة الّتي حازها.. لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، فالغلول وإن كان كبيرا فهو بحضرته صلّى الله عليه وسلّم أعظم (إثما) «3» .
وقال الخليل: رجل مغلّ أي مضبّ على غلّ، والمغلّ أيضا: الخائن. والغلول: خيانة الفيء، ومن ذلك ما جاء في الحديث: «لا إسلال ولا إغلال» أي لا خيانة ولا سرقة «4» ، قال الجوهريّ:
ويقال: لا رشوة «5» ، وقال ابن الأثير: الإغلال:
الخيانة أو السّرقة الخفيّة، (فأمّا الإغلال فهو من قولهم أغلّ الرّجل إغلالا إذا خان، قال النّمر بن تولب:
جزى الله عنّا جمرة ابنة تولب ... جزاء مغلّ بالخيانة كاذب) «6» .
وأمّا الإسلال فهو من قولهم: سلّ البعير وغيره في جوف اللّيل إذا انتزعه من بين الإبل، وأمّا الغلول:
فهو الخيانة في المغنم والسّرقة من الغنيمة قبل
__________
(1) يعني كلام يونس (وهو من أئمة نحاة البصرة) أنّ سبب ترجيحه لهذه القراءة هو ضعف المعنى في القراءة الأخرى لأنه يجوز للسفهاء أن يخوّنوا أنبياءهم بل ويقتلوهم كما حدث مع أنبياء بني إسرائيل.
(2) لسان العرب «غلل» (3286) ط. دار المعارف.
(3) الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي، ت: علي النجدي ناصف، وعبد الفتاح شلبي (2/ 396) ، وقد سبق ليونس تعليل أشبه بهذا، وما ذكره ابن بري راجع أيضا إلى ما ذكره أبو علي، بيد أن أبا علي احتج بأسلوب القرآن وابن بري بكلام العرب، وكلاهما مصيب إن شاء الله.
(4) كتاب العين (4/ 348) .
(5) الصحاح (5/ 1784) .
(6) ما بين القوسين من كلام الجوهري في الصحاح (5/ 1784) .(11/5129)
القسمة، وكلّ من خان في شيء خفية فقد غلّ، وسمّي ذلك غلولا لأنّ الأيدي فيها مغلولة، أي ممنوعة مجعول فيها غلّ (أي قيد) وهو الحديدة الّتي تجمع يد الأسير إلى عنقه «1» ، وقد ذهب ابن حجر إلى أنّ الغلول مأخوذ من معنى الإخفاء فقال: سمّي الغلول غلولا لأنّ صاحبه يغلّه في متاعه أي يخفيه فيه «2» ، وربّما ترجّح ذلك بما ذكره القرطبيّ من أنّ الغلول هو أن يأخذ الغالّ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه وذكر من ذلك (المعنى) تغلغل الماء في الشّجر إذا تخلّلها، والغلل وهو الماء الجاري في أصول الشّجر لأنّه مستتر بين الأشجار، والغلالة للثّوب الّذي يلبس تحت الثّياب «3» ، ثمّ أطلق لفظ الغلول على الخيانة في كلّ شيء، ومن ذلك الحديث الشّريف: ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن «4» قال ابن الأثير: الغلول هنا الخيانة: في كلّ شيء، وقال أبو عبيد «5» : يروى الحديث:
لا يغلّ (بضمّ الياء وكسر الغين) ، ويروى «لا يغلّ» (بفتح الياء وكسر الغين) فمن قال يغلّ بالفتح فإنّه يجعله من الغلّ وهو الضّغن والشّحناء، ومن قال يغلّ (بضمّ الياء) جعله من الخيانة من الإغلال، وأمّا الغلول فإنّه من المغنم خاصّة، يقال منه: غلّ يغلّ غلولا ولا نراه من الأوّل ولا من الثّاني، وممّا يبيّن ذلك أنّه يقال من الخيانة أغلّ يغلّ، ويقال من الغلّ: غلّ يغلّ، ويقال من الغلول: غلّ يغلّ (بضمّ الغين) فهذه الوجوه مختلفة «6» . وقال ابن الأثير وروي الحديث يغل بالتّخفيف من الوغول وهو الدّخول في الشّرّ. قال:
والمعنى أنّ هذه الخلال الثّلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسّك بها طهر قلبه من الخيانة والدّغل والشّرّ «7» .
الغلول اصطلاحا:
قال الكفويّ: الغلول الخيانة في بيت مال أو زكاة أو غنيمة وقيّده أبو عبيدة بالغنيمة فقط «8» .
وقال ابن حجر: الغلول (في الغنيمة) هو اختصاص أحد الغزاة، سواء الأمير أو غيره بشيء من مال الغنيمة قبل القسمة من غير أن يحضره إلى أمير الجيوش ليخمّسه، وإن قلّ المأخوذ «9» .
أنواع الغلول:
للغلول أنواع عديدة منها:
__________
(1) النهاية (3/ 380) .
(2) فتح الباري (6/ 165) .
(3) تفسير القرطبي (4/ 165) .
(4) انظر الحديث كاملا في قسم الأحاديث رقم (21) .
(5) أبو عبيد هو القاسم بن سلّام الهروي، له مؤلفات عديدة منها الغريب المصنف، وغريب الحديث، ويعد غريب الحديث لأبي عبيد أقدم ما وصلنا من كتب الغريب.
(6) غريب الحديث لأبي عبيد، ت: حسين شرف (1/ 253) ، وقد نقل كلامه ابن الأثير في النهاية (3/ 381) ، والفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (4/ 145) ، وابن منظور في لسان العرب (غلل) (3286) .
(7) النهاية لابن الأثير (3/ 381) .
(8) الكليات (671) ت: عدنان درويش، ومحمد المصري، وقد نقل الكفوي معنى «الغنيمة» خاصة عن أبي عبيدة، والصواب أبو عبيد القاسم بن سلام، انظر غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 253) .
(9) الزواجر لابن حجر (2/ 293- 294) .(11/5130)
1- الغلول في الفيء أو الغنائم، وهذا هو المشهور الّذي ينصرف إليه اللّفظ عند الإطلاق.
2- الغلول في الزّكاة، بدليل ما رواه أبو مسعود الأنصاريّ من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ألفينّك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصّدقة قد غللته..» «1» .
3- ومن الغلول أيضا ما ذكره القرطبيّ من هدايا العمّال (الموظّفين) قال: وحكمه في الفضيحة في الآخرة حكم الغالّ «2» .
4- ومن الغلول: حبس الكتب عن أصحابها، ويدخل غيرها في معناها، وسيأتي في الآثار قول الزّهريّ: إيّاك وغلول الكتب، فقيل له: وما غلول الكتب؟ قال: حبسها عن أصحابها «3» .
5- الاختلاس من الأموال العامّة، بدليل ما رواه أبو داود عن المستورد بن شدّاد من قوله: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا، قال أبو بكر: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من اتّخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق» «4» .
6- ومن الغلول أيضا اغتصاب الأرض أو العقار أو ما أشبه ذلك، بل إنّ ذلك من أعظم الغلول كما جاء في حديث الأشجعيّ الّذي رواه أحمد «5» .
حكم الغلول:
قال ابن حجر: نقل النوويّ الإجماع على أنّ الغلول من الكبائر «6» ، وقال الذّهبيّ: الغلول من الغنيمة أو من بيت المال، أو من الزّكاة من الكبائر، لما جاء فى حديث مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- من قوله صلّى الله عليه وسلّم «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ... الحديث» «7» ، قال الذّهبيّ: فمن أخذ شيئا من هذه الأنواع المذكورة في الحديث من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين، أو من بيت المال بغير إذن الإمام، أو من الزّكاة الّتي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حاملا له على رقبته، كما ذكر الله تعالى وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 161) «8» . وقال ابن حجر: من الكبائر «9» :
الغلول من الغنيمة والسّتر عليه، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الدّالّة على ذلك، قال: عدّ الغلول من الكبائر هو ما صرّحوا به، وكالغنيمة في ذلك، الغلول من الأموال المشتركة بين المسلمين، ومن بيت المال والزّكاة، ولا فرق في غالّ الزّكاة بين أن يكون من مستحقّيها أو لا «10» .
__________
(1) انظر الحديث رقم (22) .
(2) تفسير القرطبي (4/ 168) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) انظر الحديث رقم (22) .
(5) انظر الحديث رقم (27) .
(6) فتح الباري (6/ 215) ، وقد ذكر القرطبي في تفسيره (4/ 166) أنه من الكبائر.
(7) انظر الحديث رقم (2) ، وقد أوردناه هناك كاملا فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
(8) الكبائر للذهبي (104) .
(9) انظر الكبيرة الأربعمائة، والحادية والأربعمائة، (2/ 291) ، وقد عدّ السّتر على الغالّ أيضا من الكبائر.
(10) الزواجر (2/ 293) ت: أحمد عبد الشافي.(11/5131)
حكم الغالّ في الدنيا:
قال القرطبيّ: إذا غلّ الرّجل في المغنم ووجد (ما غلّه) أخذ منه وأدّب وعوقب بالتّعزير، واختلف الفقهاء في حرق متاعه فذهب مالك والشّافعيّ وأبو حنيفة واللّيث إلى أنّ متاعه لا يحرق وقال الأوزاعيّ: يحرق متاع الغالّ كلّه إلّا سلاحه وثيابه الّتي عليه وسرجه ولا يحرق الشّيء الّذي غلّه «1» ، وهذا قول أحمد وإسحاق، وقاله الحسن أيضا «2» ، واستدلّ أصحاب الرّأي الأوّل بأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يحرق متاع الرّجل الّذي أخذ الشّملة، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات الّذي ترك الصّلاة عليه، ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث، واحتجّ أصحاب الرّأي الثّاني بما روي من أنّ أبابكر وعمر رضي الله عنهما- ضربا الغالّ وأحرقا متاعه، وبما رواه أبو داود والتّرمذيّ عن صالح بن محمّد بن زائدة يرفعه إلى عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه» «3» ، وقد أجاب أصحاب الرّأي الأوّل بأنّ ما روي عن عمر- رضي الله عنه- لا يحتجّ به لأنّ من رواته صالح بن محمّد وهو ضعيف لا يحتجّ بما يرويه، وقد قال عنه الإمام البخاريّ: هو منكر الحديث، قال القرطبيّ: وهو عندنا (أي ما رواه صالح) حديث لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم، لما يعارضه من الآثار (والأحاديث) الّتي هي أقوى منه، وما ذهب إليه مالك (وأصحاب الفريق الأوّل) أصحّ من جهة النّظر وصحيح الأثر «4» ، هذا ولا يصحّ أيضا ما رواه بعضهم عن قتله (أي الغالّ) لأنّ دم المسلم لا يحلّ إلّا بإحدى ثلاث ليس منها الغلول، وبما رواه جابر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع» وإذا انتفى عنه القطع فالقتل أولى (بأن ينتفي) «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- الخيانة- السرقة- الغش- التطفيف- التناجش.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الطيبات- الأمانة- العفة- النزاهة- القناعة- التقوى] .
الآيات الواردة في «الغلول»
1- وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) «6»
__________
(1) ولا تحرق دابّته ولا مصحفه، انظر القرطبي (4/ 167) .
(2) قال بذلك أيضا مكحول وسعيد بن عبد العزيز، انظر القرطبي (4/ 167) .
(3) لفظ الترمذي 4 (1461) ، «من وجدتموه غلّ في سبيل الله فاحرقوا متاعه» .
(4) بتلخيص وتصرف عن تفسير القرطبي 4/ 166- 167.
(5) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(6) آل عمران: 161 مدنية.(11/5132)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغلول)
1-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه أخبر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استعمل عاملا فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله، هذا لكم وهذا أهدي لي. فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمّك فنظرت أيهدى لك أم لا؟» ثمّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشيّة بعد الصّلاة فتشهّد وأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: «أمّا بعد فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي إليّ، أفلا قعد في بيت أبيه وأمّه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فو الّذي نفس محمّد بيده، لا يغلّ أحدكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار «1» ، وإن كانت شاة جاء بها تيعر «2» . فقد بلّغت» فقال أبو حميد: ثمّ رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده حتّى إنّا لننظر إلى عفرة إبطيه. قال أبو حميد: وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلوه) * «3» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره، قال: «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء «4» يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة «5» فيقول:
يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء «6» يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس «7» لها صياح فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع «8» تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت «9» فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» ) * «10» .
3-* (عن عديّ بن عميرة الكنديّ قال:
__________
(1) الخوار: صوت البقر.
(2) تيعر: مضارع يعر، يقال يعرت الشّاة تيعر أي صاحت، النهاية (5/ 297) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6636) ، ومسلم (1832) .
(4) رغاء: صوت البعير.
(5) حمحمة: صوت الفرس عند العلف دون الصهيل.
(6) الثغاء: صوت الشاة يقال ثغت تثغو.
(7) نفس: أراد بالنفس ما يغله من الرقيق من امرأة أو صبي.
(8) رقاع تخفق: أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح، وقيل معناه تلمع والمراد بها الثياب.
(9) الصامت: الذهب والفضة، وقيل ما لا روح فيه من أصناف المال.
(10) البخاري- الفتح 6 (3073) ، ومسلم (1831) واللفظ له.(11/5133)
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «من استعملناه «1» منكم على عمل فكتمنا مخيطا «2» فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» ) * «3» .
4-* (عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا» . ثمّ قال: «اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدا ... »
الحديث) * «4» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «غزا نبيّ من الأنبياء فقال لقومه:
لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها «5» ولمّا يبن، ولا آخر قد بنى بنيانا، ولمّا يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات «6» ، وهو منتظر ولادها، قال: فغزا. فأدنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريبا من ذلك. فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهمّ احبسها عليّ شيئا، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النّار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته، قال: فلصقت «7» بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم. قال:
فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه فى المال وهو بالصّعيد «8» ، فأقبلت النّار فأكلته، فلم تحلّ الغنائم لأحد من قبلنا «9» ، ذلك بأنّ الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيّبها لنا» ) * «10» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» وزاد أبو هريرة «ولا ينتهب نهبة «11» ذات شرف يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» وزاد همّام «12» «ولا يغلّ أحدكم حين يغلّ وهو مؤمن فإيّاكم إيّاكم» ) * «13» .
7-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد. حتّى مرّوا
__________
(1) استعملناه: أي وليناه عملا.
(2) مخيطا فما فوقه: المخيط: الإبرة يخاط بها الثوب، وضرب بها المثل في القلة.
(3) مسلم (1833) .
(4) مسلم (1731) .
(5) يبني بها: أي يدخل دخول الرجل على زوجته.
(6) الخلفات: الحوامل.
(7) لصقت: المراد لصقت يد النّبيّ بيد رجلين أو ثلاثة.
(8) الصعيد: أي وجه الأرض.
(9) هذا من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
(10) البخاري- الفتح 6 (3124) ، ومسلم (1747) واللفظ له، والمسند (8258) .
(11) نهبة ذات شرف: النّهبة من النّهب وهو الغارة والسّلب، والشرف هو القدر العظيم، والمعنى لا يختلس شيئا له قيمة غالية (النهاية 5/ 133) .
(12) همّام: هو همّام بن منبه، وهو أحد رواة الحديث.
(13) البخاري- الفتح 5 (2475) ، مسلم (57) .(11/5134)
على رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كلّا إنّي رأيته في النّار في بردة غلّها أو عباءة «1» » ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن الخطّاب: «اذهب فناد في النّاس أنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون» . قال فخرجت فناديت: ألا إنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون) * «2» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله: قد استشهد مولاك فلان. قال:
«كلّا، إنّي رأيت عليه عباءة غلّها يوم كذا وكذا» ) * «3» .
9-* (عن عامر بن أبي عامر الأشعريّ عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم الحيّ: الأسد، والأشعريّون «4» ، لا يفرّون في القتال، ولا يغلّون، هم منّي، وأنا منهم» . قال: فحدّثت بذلك معاوية، فقال: ليس هكذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «هم منّي وإليّ» ، فقلت: ليس هكذا حدّثني أبي ولكنّه حدّثني، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«هم منّي وأنا منهم» ، قال: فأنت أعلم بحديث أبيك) * «5» .
10-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو بريء من ثلاث:
الكبر والغلول والدّين دخل الجنّة» ) * «6» .
11-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن فلمّا سرت أرسل في أثري فرددت فقال: «أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبنّ شيئا بغير إذني فإنّه غلول ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة، لهذا دعوتك فامض لعملك» ) * «7» .
12-* (عن أبي المليح عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله عزّ وجلّ لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول» ) * «8» .
13-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أيّها النّاس أدّوا الخياط والمخيط فإنّ الغلول يكون على أهله عارا وشنارا «9» يوم القيامة» ) * «10» .
__________
(1) في بردة غلها أو عباءة: البردة هى الشّملة المخطّطة، وقيل كساء مربع فيه صور تلبسه الأعراب وجمعها برد.
(2) مسلم (114) .
(3) أحمد في المسند (3/ 221) ، والترمذي (1574) وأصل هذا الحديث عند البخاري (7/ 374 و375) في غزوة خيبر، ومسلم رقم (115) ، وغيرهما.
(4) الأسد والأشعريون: قبائل من العرب، ويقال للأسد «أزد» .
(5) الترمذي (3947) ، وقال: حسن غريب، وأحمد (4/ 129) ، وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 138) ، وصححه ووافقه الذهبي.
(6) الترمذي (1572) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 310) وقال: رواه ابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (أي على شرط الشيخين) . وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (10/ 491) : وصحّحه ابن حبان.
(7) الترمذي (1335) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(8) مسلم (224) .
(9) الشنار: هو العيب الذي يلحق صاحبه الخزي.
(10) النسائي (3688) ، وأحمد في المسند (4/ 158) ، وقال محقق الموطأ (2/ 458) : قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله، ووصله النسائي في (38) كتاب قسم الفيء، حديث رقم (7) . وهو حسن بشواهده.(11/5135)
14-* (عن عبد الله بن حبشيّ الخثعميّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجّة مبرورة» قيل: فأيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قيل:
فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال: «جهد المقلّ» . قيل: فأيّ الهجرة أفضل. قال: «من هجر ما حرّم الله عزّ وجلّ» .
قيل: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه» . قيل: فأيّ القتل أشرف؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده» ) * «1» .
15-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: كان على ثقل «2» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل يقال له كركرة فمات فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هو في النّار» فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلّها» ) * «3» .
16-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال «توفّي رجل من أشجع بخيبر فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلّوا على صاحبكم» فأنكر النّاس ذلك وتغيّرت له وجوههم، فلمّا رأى ذلك قال: «إنّ صاحبكم غلّ في سبيل الله» . قال زيد فالتمسوا في متاعه، فإذا خرزات من خرز يهود ما تساوي درهمين» ) * «4» .
17-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم، ثمّ تناول شيئا من البعير فأخذ منه قردة (يعني وبرة) فجعل بين إصبعيه، ثمّ قال «يا أيّها النّاس إنّ هذا من غنائمكم، أدّوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإنّ الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار» ) * «5» .
18-* (عن عبد الله بن أنيس أنّه تذاكر هو وعمر بن الخطّاب يوما الصّدقة فقال عمر: ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين يذكر غلول الصّدقة «6» «أنّه من غلّ منها بعيرا أو شاة أتي به «7» يوم القيامة يحمله» ؟
قال: فقال عبد الله بن أنيس: بلى» ) * «8» .
19-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ، زاد فيه عليّ بن محمّد «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب «9» امريء مسلم: «إخلاص العمل لله، والنّصح لأئمّة المسلمين، ولزوم
__________
(1) النسائي (2526) ، وأحمد (3/ 411- 412) ، وفي جامع الأصول (9/ 553) ، قال محققه: إسناده حسن.
(2) الثّقل: العيال وما يثقل حمله من الأمتعة.
(3) البخاري- الفتح 6 (3074) .
(4) أبو داود (2710) ، وابن ماجة (2848) واللفظ له، أحمد (5/ 195) والحاكم (2/ 127) ، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي، وفي سنده عندهم أبو عمرة مولى زيد بن خالد الجهني: مقبول (التقريب 661) ..
(5) ابن ماجة (2850) واللفظ له، وأحمد في المسند (5/ 372) رقم (22765) ، وقال: في الزوائد في إسناده عيسى ابن سنان مختلف فيه، قيل: ضعيف وقيل: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقت،، فهو حسن بشواهده.
(6) غلول الصدقة: هي الخيانة في خفية والمراد مطلق الخيانة.
(7) أتي به: أي أتي بما غلّ.
(8) ابن ماجة (1810) ، وقال في الزوائد: في إسناده مقال ملخصه أنه حديث حسن بشواهده.
(9) لا يغل عليهن قلب: أي لا يخون بل يأتي بها بتمامها من غير نقصان في حق من حقوقها.(11/5136)
جماعتهم» ) * «1» .
20- عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما- قالا: إنّهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهنّ النّاس، وعلى أنّ بيننا عيبة «2» مكفوفة وأنّه لا إسلال ولا إغلال» ) * «3» .
21-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: بعثني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ساعيا، ثمّ قال «انطلق أبا مسعود لا ألفينّك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصّدقة له رغاء قد غللته» قال: إذا لا أنطلق، قال: «إذا لا أكرهك» ) * «4» .
22-* (عن المستورد بن شدّاد، قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا» قال: قال أبو بكر: أخبرت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اتّخذ غير ذلك فهو غالّ أو سارق» ) * «5» .
23-* (عن عبد الله بن شقيق أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بوادي القرى، وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك أو قال: غلامك فلان، قال: بل يجرّ إلى النّار في عباءة غلّها» ) * «6» .
24-* (عن أبي مالك الأشجعيّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعظم الغلول عند الله عزّ وجلّ ذراع من الأرض، تجدون الرّجلين جارين في الأرض أو في الدّار فيقتطع أحدهما من حظّ صاحبه ذراعا، فإذا اقتطعه طوّق من سبع أرضين إلى يوم القيامة» ) * «7» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ للمنافقين علامات يعرفون بها:
تحيّتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلّا هجرا «8» ، ولا يأتون الصّلاة إلّا دبرا «9» مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خشب «10» باللّيل، صخب «11» بالنّهار» وقال يزيد مرّة «سخب بالنّهار» ) * «12» .
__________
(1) أخرجه أحمد في الزهد (42) ، والطبراني (4891) ، وابن حبان (680) ، وابن ماجة (230، والدارمي (1/ 74) ، وذكره الحاكم في المستدرك (1/ 87- 88) وصححه ووافقه الذهبي في قوله: وفي الباب عن جماعة من الصحابة وذكر هذا الحديث حديث النعمان.
(2) عيبة مكفوفة: أي بينهم صدر نقي من الغش والخيانة مطوي على الوفاء والصلح، النهاية (327) .
(3) أبو داود (2766) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 532) : حسن.
(4) أبو داود (2947) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 569) : حسن.
(5) أبو داود (2945) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 574) : إسناده صحيح.
(6) أحمد في المسند، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 306) ، قال: رواه أحمد بإسناد صحيح، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 338) ، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(7) أحمد في المسند (4/ 172) حديث رقم (17260) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن (مجمع الزوائد (4/ 174) .
(8) الهجر هنا بمعنى الترك للشيء والإعراض عنه.
(9) دبرا: أي في آخر الوقت منها.
(10) الخشب: أي الذين ينامون بالليل كالخشب المطرّقة.
(11) صخب: من الصخب وهو إحداث جلبة وضحة واضطراب.
(12) أحمد في المسند (2/ 392) ، وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر في المسند حديث رقم (7913) .(11/5137)
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الإيمان عند الله عزّ وجلّ إيمان لا شكّ فيه، وغزوة ليس فيها غلول وحجّة مبرورة» ) * «1» .
27-* (عن أبي حميد السّاعديّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هدايا العمّال غلول» ) * «2» .
28-* (عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلّوا، وضمّوا غنائمكم وأصلحوا، وأحسنوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغلول)
1-* (عن يحيى بن سعيد، أنّ أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بعث جيوشا إلى الشّام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إمّا أن تركب وإمّا أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب. إنّي أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، ثمّ قال له: إنّك ستجد قوما زعموا أنّهم حبّسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنّهم حبّسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسّيف. وإنّي موصيك بعشر: لا تقتلنّ امرأة، ولا صبيّا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنّ شجرا مثمرا، ولا تخرّبنّ عامرا، ولا تعقرنّ شاة، ولا بعيرا، إلّا لمأكلة، ولا تحرقنّ نخلا، ولا تفرّقنّه، ولا تغلل، ولا تجبن) * «4» .
2-* (عن يحيي بن سعيد، أنّه بلغه عن عبد الله ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: ما ظهر الغلول في قوم قطّ إلّا ألقي في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنا في قوم قطّ إلّا كثر فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير الحقّ إلّا فشا فيهم الدّم، ولا ختر قوم «5» بالعهد إلّا سلّط الله عليهم العدوّ) * «6» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) أحمد في المسند (2/ 264) ، وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر في المسند حديث رقم (7502) .
(2) أحمد في المسند (5/ 495) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وأحمد من طريق اسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز وهي ضعيفة. وللحديث شواهد منها عن جابر رواه الطبراني وإسناده حسن. ينظر مجمع الزوائد (4/ 150، 151، 200) .
(3) أبو داود (2614) ، ويشهد له حديث بريدة السابق رقم 4، وهو عند مسلم برقم 1731.
(4) الموطأ (2/ 447- 448) .
(5) ختر قوم: نقضه.
(6) الموطأ (2/ 460) .(11/5138)
رجلا قال له: أرأيت قول الله تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ هذا يغلّ ألف درهم وألفي درهم يأتي بها، أرأيت من يغلّ مائة بعير ومائتي بعير، كيف يصنع بها؟ قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل ودقان، وساقه مثل بيضاء، ومجلسه ما بين الرّبذة إلى المدينة، ألا يحمل مثل هذا؟) * «1» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لو كنت مستحلّا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير، ما من أحد يغلّ غلولا إلّا كلّف أن يأتي به من أسفل درك جهنّم) * «2» .
5-* (عن عمرو بن سالم قال: كان أصحابنا يقولون: عقوبة صاحب الغلول أن يحرق فسطاطه ومتاعه) * «3» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (آل عمران/ 161) ، قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض النّاس: لعلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذها، فأنزل الله الآية) * «4» .
7-* (وعنه أيضا- رضي الله عنه- في تفسير الآية نفسها قال: المعنى: أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة، ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، ويحكم فيه بما أنزل الله، يقول: ما كان الله ليجعل نبيّا يغلّ من أصحابه فإذا فعل ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استسنّوا به) * «5» .
8-* (عن ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- في الآية الكريمة نفسها وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال: أن يترك بعض ما أنزل إليه فلا يبلّغ أمّته) * «6» .
9-* (قال الضّحّاك: السّبب في نزول الآية الكريمة السّابقة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث طلائع في بعض غزواته، ثمّ غنم قبل مجيئهم، فقسم للنّاس ولم يقسم للطّلائع، فأنزل الله عليه عتابا وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي يقسم لبعض ويترك بعضا) * «7» .
10-* (وقال ابن عطيّة: كانت هذه المقالة (أي غلّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) من مؤمنين لم يظنّوا أنّ في ذلك حرجا، وقيل: كانت من المنافقين) * «8» .
11-* (وقال القرطبيّ في تفسير الآية الكريمة: لمّا أخلّ الرّماة يوم أحد بمراكزهم خوفا من أن يستولي المسلمون على الغنيمة فلا يصرف إليهم شيء، بيّن الله سبحانه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يجور في القسمة، والمعنى ما كان من حقّكم «أيّها الرّماة» أن تتّهموه «بالخيانة» ) * «9» .
12-* (وقال في قوله تعالى وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ
__________
(1) الدر المنثور (1/ 164) .
(2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (1/ 163) .
(4) تفسير الطبري (4/ 102) ، وروى مثل ذلك الأثر عن سعيد بن جبير، انظر الدر المنثور (2/ 161) .
(5) الدر المنثور (2/ 162) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) تفسير ابن كثير (1/ 423) ، وتفسير القرطبي (4/ 164) .
(8) تفسير القرطبي (4/ 164) ، وانظر الدر المنثور (1/ 162) .
(9) تفسير القرطبي (4/ 164) .(11/5139)
بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ المعنى: يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته معذّبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته، وموبّخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، وهذه الفضيحة الّتي يوقعها الله تعالى بالغالّ نظير الفضيحة الّتي توقع بالغادر في أن ينصب له لواء عند استه بقدر غدرته وجعل الله تعالى هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه) * «1» .
13-* (عن خمير بن مالك قال: لمّا أمر بالمصاحف أن تغيّر فقال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغلّ مصحفه فليغلّه فإنّه من غلّ شيئا جاء به يوم القيامة، ونعم الغلّ المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة* «2» .
14-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- في قوله أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ (آل عمران/ 162) يعني رضا الله فلم يغلل في الغنيمة كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ يعني كمن استوجب سخطا من الله في الغلول فليسا هما بسواء، ثمّ بيّن مستقرّها فقال للّذي يغلّ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يعني مصير أهل الغلول، ثمّ ذكر مستقرّ من لا يغلّ فقال هُمْ دَرَجاتٌ يعني فضائل عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ يعني بصير بمن غلّ منكم ومن لم يغلّ) * «3» .
15-* (عن الضّحّاك في قوله في الآية نفسها أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ قال: من لم يغلّ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ كمن غلّ) * «4» .
16-* (عن الحسن في قوله تعالى أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ يقول أخذ الحلال خير له ممّن أخذ الحرام وهذا في الغلول، وفي المظالم كلّها) * «5» .
17-* (قال الإمام البخاريّ: لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا يقبل إلّا من كسب طيّب لقوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) * «6» .
18-* (ذكر ابن كثير- رحمه الله في تفسيره:
«غزا النّاس في زمن معاوية- رضي الله عنه- وعليهم عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، فغلّ رجل من المسلمين مائة دينار روميّة. فلمّا قفل الجيش ندم وأتى الأمير فأبى أن يقبلها منه وقال: قد تفرّق النّاس، ولن أقبلها منك حتّى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل الرّجل يستقري الصّحابة فيقولون له مثل ذلك، فلمّا قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى عليه، فخرج من عنده يبكي، وبينما هو يبكي ويسترجع فمرّ بعبد الله بن الشّاعر السّكسكيّ فقال له: ما يبكيك؟
فذكر له أمره. فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم.
فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل منّي خمسك فادفع إليه عشرين دينارا وانظر إلى الثّمانين الباقية فتصدّق بها عن ذلك الجيش، فإنّ الله يقبل التّوبة عن
__________
(1) تفسير القرطبي (4/ 164) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) الدر المنثور (156) .
(4) المرجع السابق (164) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق (165) .(11/5140)
عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرّجل، فقال معاوية- رضي الله عنه-: لأن أكون أفتيته بها أحبّ إليّ من كلّ شيء أملكه. أحسن الرّجل» ) * «1» .
من مضار (الغلول)
(1) الغلول من الكبائر الّتي يعاقب عليها في الآخرة أشدّ عقاب حتّى ليجيء الغالّ يحمل ما غلّه على ظهره يوم القيامة.
(2) الغالّ عقوبته الفضيحة في الدّنيا والآخرة.
(3) المداراة على الغلول يعاقب عليها بعقوبة الغلول نفسه.
(4) الغلول عار وشنار على صاحبه يوم القيامة.
(5) الغلول يفقد الثّقة بأصحابه، وقد حذّرنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من السّريّة الّتي تكون هذه صفتها.
(6) صدقة الغلول مرفوضة لا يقبلها الله عزّ وجلّ.
(7) الغلول يبعد صاحبه من الجنّة.
(8) الغلول علامة من علامات النّفاق.
(9) الغلول يورث الكراهية ويضيع الحقوق.
(10) الغلول من بيت المال وأموال الزّكاة يعطّل المصالح العامّة ويفقد الفقراء والمساكين جزءا من حقوقهم الّتي كفلها الشّارع الحكيم.
__________
(1) فتح الباري (3/ 326) .(11/5141)
الغي والإغواء
الإغواء لغة:
مصدر قولهم: أغواه يغويه، وهو مأخوذ من مادّة (غ وى) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل يدلّ على خلاف الرّشد وإظلام الأمر، والآخر على فساد في شيء، فمن الأوّل: الغيّ وهو خلاف الرّشد، والجهل بالأمر، والانهماك في الباطل، قال المرقّش:
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
قال ابن فارس: وذلك عندنا مشتقّ من الغياية وهي الغبرة والظّلمة تغشيان، كأنّ ذا الغيّ قد غشيه ما لا يرى معه سبيل حقّ ... ، ومن الثّاني قولهم: غوي الفصيل، إذا أكثر من شرب اللّبن ففسد جوفه، والمصدر الغوى، قال لبيد:
معطّفة الأثناء ليس فصيلها ... برازئها درّا، ولا ميّت غوى «1» .
وقال الجوهريّ: الغيّ: الضّلال والخيبة، يقال:
قد غوى (بالفتح) يغوي غيّا وغواية، فهو غاو وغو، وأغواه غيره فهو غويّ، على وزن (فعيل)
قال دريد بن الصّمّة:
وهل أنا إلّا من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزيّة أرشد
والتّغاوي: التّجمّع والتّعاون على الشّرّ من الغواية أو الغيّ، ومن ذلك قول من قال: تغاووا على عثمان- رضي الله عنه- فقتلوه «2» .
وفي القاموس: يقال: غوى يغوي غيّا، وغوي غواية فهو غاو وغويّ وغيّان: أي ضلّ وغواه غيره وأغواه وغوّاه بمعنى «3» .
واستشهد ابن منظور على معنى (الضّلال) بما جاء في الحديث الشّريف: «سيكون عليكم أئمّة إن أطعتموهم غويتم» ، أي إن أطعتموهم فيما يأمرون به من الظّلم والمعاصي غويتم أي ضللتم، وعلى معنى الخيبة بما جاء في حديث آدم وموسى عليهما السّلام «أغويت النّاس» أي خيّبتهم، وعلى معنى الفساد بما جاء في قول الله عزّ وجلّ: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) ، المعنى فسد عليه عيشه «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 399- 400) .
(2) الصحاح (6/ 2450) .
(3) القاموس المحيط للفيروزابادي (1701) ط. بيروت.
(4) لسان العرب «غوى» (3320) ط. دار المعارف.(11/5142)
وقيل: «غوى» أي ترك النّهي وأكل من الشّجرة فعوقب بأن طرد من الجنّة «1» .
وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية الكريمة:
فساد عيشه بنزوله إلى الدّنيا، وهذا التّفسير أولى من تأويل من يقول: معناه ضلّ آخذا له من الغيّ الّذي هو ضدّ الرّشد. وقيل معناه: جهل موضع رشده أي جهل أنّ تلك الشّجرة هي الّتي نهي عنها، واستحسن القرطبيّ قول من قال: إنّ هذا كان من آدم قبل النّبوّة «2» .
وقال الخليل بن أحمد: مصدر غوى: الغيّ، والغواية: الانهماك في الغيّ، والتّغاوي: التّجمّع، والمغوّاة: حفرة الصّيّاد «3» ، والإغواء: الإضلال أو جعل الإنسان غاويا، وعلى هذين فسّر قوله تعالى:
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) .
فقد قيل في تفسيره قولان: قال بعضهم فبما أضللتني، وقال بعضهم: فبما دعوتني إلى شيء غويت به أي غويت من أجل آدم- عليه السّلام- «4» .
وأضاف الطّبريّ إلى ذلك قول من قال: فبما أغويتني أي بما أهلكتني من قولهم غوي الفصيل يغوى غوى وذلك إذا فقد اللّبن فمات، وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنّه بمعنى القسم كأنّ معناه عنده فبإغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم، وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة كأنّ معناه عنده فلأنّك أغويتني «5» ، وقال القرطبيّ: المعنى فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعناد والاستكبار، وذلك لأنّ كفر إبليس ليس كفر جهل، بل كفر عناد واستكبار «6» ، وأمّا قوله عزّ وجلّ: إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (هود/ 34) فقد قيل: معناه: أن يعاقبكم على غيّكم، وقيل يحكم عليكم بغيّكم «7» .
الغيّ والإغواء اصطلاحا:
أولا: الغيّ:
قال الرّاغب: الغيّ جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أنّ الجهل قد يكون في كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا فاسدا ولا صالحا، وقد يكون من اعتقاد فاسد، وهذا النّحو الثّاني يقال له غيّ، قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 2) «8» .
وقال المناويّ (نقلا عن الحراليّ) : الغيّ: سوء التّصرّف في الشّيء وإجراؤه على ما تسوء عاقبته «9» .
وقال ابن الأثير: الغيّ: هو الضّلال والانهماك
__________
(1) المرجع السابق، والصفحة نفسها، وقد ذكر الراغب في المفردات معان أخرى، انظرها في صفحة (369) .
(2) تفسير القرطبي (11/ 170) باختصار وتصرف يسير.
(3) كتاب العين (4/ 456) ، وقد نقل ابن منظور أنه يقال في مثل لهم: من حفر مغوّاة أوشك أن يقع فيها. انظر اللسان «غوى» (3320) ط. دار المعارف.
(4) لسان العرب «غوى» (3320) ط. دار المعارف.
(5) تفسير القرطبي (8/ 100) .
(6) تفسير القرطبي (7/ 112) .
(7) المفردات (369) ، والبصائر (4/ 156) .
(8) المفردات في غريب القرآن للراغب (369) ت. كيلاني.
(9) التوقيف على مهمات التعاريف (255) ، وقد ذكر أيضا ما ذكرناه عن الراغب.(11/5143)
في الباطل «1» .
وقد يستعمل بعض علماء المصطلحات لفظ الغواية في معنى الغيّ، ومن ثمّ يكون ما ذكروه عن الغواية اصطلاحا صالحا لتعريف الغيّ أيضا، فمن ذلك:
ما ذكره أبو البقاء الكفويّ من أنّ الغواية هي ألّا يكون (للغاوي) إلى المقصد طريق مستقيم «2» .
ما ذكره التّهانويّ من أنّ الغواية: هي سلوك طريق لا يوصّل إلى المطلوب، وقيل هي حالة تحصل للسّالك في سلوكه وهي كونه فاقدا لما يوصّله إلى المطلوب مخطئا فيه، فإنّها بمعنى الضّلالة وهي مقابلة للهدى بمعنى الاهتداء «3» .
ثانيا: الإغواء اصطلاحا:
لم تذكر كتب الاصطلاحات الّتي وقفنا عليها تعريفا للإغواء ومن ثمّ يكون باقيا على أصل معناه في اللّغة، وقد نصّ على ذلك الإمام الطّبريّ عندما قال:
أصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرّجل للّرجل الشّيء حتّى يحسّنه عنده غارّا له به «4» ، وقال القرطبيّ:
الإغواء: إيقاع الغيّ في القلب «5» .
ونستطيع في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون أن نسوق تعريفا للإغواء، فنقول: الإغواء: هو أن يزيّن شياطين الإنس أو الجنّ للمرء الشّيء الفاسد (عملا أو اعتقادا) حتّى يحسن عنده فيعتقد فيه اعتقادا باطلا بأنّه صحيح حسن، ويتصرّف تبعا لذلك.
الفرق بين الغي والضلال:
قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: الضّالّ: هو الّذي يسلك على غير طريق بغير علم، والغاوي: هو العالم بالحقّ العادل عنه قصدا إلى غيره «6» .
تدرّج الشيطان في الإغواء:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- ما خلاصته:
على الإنسان أن ينظر فيمن يأمره بالمعصية ويحضّه عليها ويزيّنها له، وهو شيطانه الموكّل به، ويفيده هذا النّظر أن يتّخذه عدوّا، وأن يحترز منه، والانتباه لما يريده عدوّه وهو لا يشعر، لأنّ هذا الشّيطان يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض، وهو لا ينزل من العقبة الشّاقّة إلى ما دونها إلّا إذا عجز عن الظّفر به فيها، وهذه العقبات هي:
العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله تعالى وبدينه ولقائه، وبصفات كماله وبما أخبرت به رسله عنه، فإن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح، وإن نجا الإنسان منها ببصيرة الهداية ونور اليقين طلبه في العقبة الّتي تليها وهي:
العقبة الثّانية: وهي عقبة البدعة، إمّا باعتقاد خلاف الحقّ، وإمّا بالتّعمّد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرّسوم المحدثة في الدّين وهي الّتي لا يقبل الله منها شيئا، والبدعة الأولى (اعتقاد الباطل) والثّانية
__________
(1) النهاية (3/ 397) .
(2) الكليات للكفوي (576) .
(3) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1101) .
(4) تفسير الطبري (8/ 99) .
(5) تفسير القرطبي (7/ 112) .
(6) تفسير ابن كثير (4/ 264) .(11/5144)
(التعبّد بما لم يأذن به الله) متلازمان، قلّ أن تنفكّ إحداهما عن الأخرى. فإذا قطع الإنسان هذه البدعة بنور السّنّة طلبه الشّيطان في العقبة التّالية وهي:
العقبة الثّالثة: وهي عقبة الكبائر، يزيّنها له ويحسّنها في عينه، ويقول له: الإيمان هو نفس التّصديق فلا تقدح فيه الأعمال «1» . وربّما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق، وهي قوله:
«لا يضرّ مع التّوحيد ذنب، كما لا ينفع مع الشّرك حسنة» فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها طلبه في العقبة التّالية وهي:
العقبة الرّابعة: وهي عقبة الصّغائر، يكيل له منها بالقفزان «2» ويقول له: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللّمم «3» فهذه تكفّر باجتناب الكبائر وبالحسنات، ولا يزال يهوّن عليه أمرها حتّى يصرّ عليها، والإصرار على الذّنب أقبح منه إذ لا كبيرة مع التّوبة ولا صغيرة مع الإصرار، فإن نجا من هذه العقبة بالتّحرّز والتّحفّظ ودوام التّوبة والاستغفار وإتباع السّيّئة الحسنة، طلبه في العقبة التّالية وهي:
العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات الّتي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطّاعات، ويستدرجه من ذلك إلى ترك السّنن ثمّ من ترك السّنن إلى ترك الواجبات، فإن نجا من هذه ببصيرة تامّة ونور هاد، ومعرفة بقدر الطّاعات والاستكثار منها طلبه في العقبة التّالية، وهي:
العقبة السّادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطّاعات، يأمره بها ويحسّنها في عينه ويغريه بها ليشغله عمّا هو أفضل منها، وأعظم كسبا وربحا، وأصحاب هذه العقبة قليلون والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات السّابقة، فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، والتّمييز بين عاليها وسافلها، لأنّه من أهل البصائر والصّدق من ذوي العلم السّائرين على جادّة التّوفيق، فإن كان من النّاجين من هذه طلبه في العقبة الّتي تليها وهي:
العقبة السّابعة: وهي عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى باليد واللّسان والقلب على حسب مرتبته في الخير، إذ كلّما علت مرتبته أجلب عليه الشّيطان بخيله ورجله، وسلّط عليه حزبه بأنواع التّسليط، ولا نجاة من هذه العقبة إلّا بعبوديّة المراغمة ولا ينتبه لها إلّا أولو البصائر، ولا شيء أحبّ إلى الله من مراغمة وليّه لعدوّه، ومن تعبّده سبحانه بمراغمة عدوّه فقد أخذ من الصّدّيقيّة بسهم وافر «4» .
من معاني الغيّ والإغواء في القرآن الكريم:
1- الإغواء بمعنى إيقاع الغيّ في القلب، ومنه قوله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ
__________
(1) انظر ما ذكرناه عن العلاقة بين الإيمان والتصديق نقلا عن ابن تيمية في صفة الإيمان.
(2) القفزان جمع قفيز وهو وعاء كبير يكال به.
(3) اللّمم: يراد به صغائر الذنوب.
(4) بتصرف واختصار عن مدارج السالكين (1/ 244- 249) .(11/5145)
الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) «1» .
2- الإغواء بمعنى الإهلاك، وذلك في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 5) . قال القرطبيّ: غيّا أي هلاكا «2» .
3- الإضلال والإبعاد، قاله ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى (في الأعراف/ 16) : فَبِما أَغْوَيْتَنِي «3» .
4- الغيّ بمعنى الجهل والسّفه، وذلك كما في قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 202) «4» . ومنه أيضا قوله سبحانه: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 2) أي وما جهل «5» .
5- الغيّ بمعنى الفساد ومنه قوله تعالى:
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) أي فسد عيشه فى الجنّة «6» .
6- الغيّ واد في جهنّم، قاله ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، قال القرطبيّ: والأظهر أنّ الغيّ اسم للوادي سمّي به لأنّ الغاوين يصيرون إليه «7» .
7- الغيّ هو الشّرّ والخسران، نقل ذلك ابن كثير عن ابن عبّاس وقتادة في تفسير الآية السّابقة «8» .
إنّه لمّا كان القرآن الكريم حمّالا ذا وجوه فإنّ الآية الواحدة قد يكون لها أكثر من معنى وتحمل أكثر من وجه، وسنحاول تصنيف الآيات وفقا لأشهر ما قيل فيها.
[للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الفتنة- الضلال- الفجور- اتباع الهوى- التفريط والإفراط- التبرج.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإرشاد- الإنذار- التذكير- الدعوة إلى الله- الهدى- الوعظ- غض البصر- حفظ الفرج] .
__________
(1) قال القرطبي: المعنى بما أوقعت في قلبي من الغيّ، انظر تفسير القرطبي (7/ 174) .
(2) السابق، الصفحة نفسها، وقال الفيروزآبادي: الغيّ هنا العذاب، وقيل المعنى: أثر الغيّ، (وهذه المعاني متقاربة) ، انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 156) .
(3) تفسير القرطبي (7/ 174) .
(4) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: المعنى يزيدونهم في الغيّ، يعني الجهل والسّفه، انظر تفسير ابن كثير (2/ 291) .
(5) بصائر ذوي التمييز (4/ 156) .
(6) قال القرطبي: هذا المعنى مأخوذ من قولهم: غوى الرجل غيّا: إذا فسد عليه أمره، أو فسد هو في نفسه. وهذا أحد المعاني التي قيلت في الآية، وقيل أيضا: المعنى: ضلّ من الغيّ الذي هو ضدّ الرشد، وقيل معناه: جهل موضع رشده، وقيل: بشم من كثرة الأكل، والرأي الأول أولى. انظر تفسير القرطبي (11/ 257) .
(7) انظر آراء أخرى في تفسير الغيّ في هذا الموضع في تفسير القرطبي 1/ 125.
(8) انظر تفسير ابن كثير (3/ 135) .(11/5146)
الآيات الواردة في «الغي والإغواء»
أولا: الغي بمعنى العدول عن الحق مع العلم به:
1- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1»
2- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «2»
3- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)
وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) «4»
5- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42)
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) «5»
6- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «6»
7- فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) «7»
ثانيا: الغي بمعنى الهلاك (أو واد في جهنم) :
8- وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ
__________
(1) البقرة: 256 مدنية
(2) الأعراف: 146 مكية
(3) الأعراف: 175- 176 مكية
(4) الأعراف: 201- 202 مكية
(5) الحجر: 42- 43 مكية
(6) الشعراء: 224- 227 مكية
(7) القصص: 18 مكية(11/5147)
إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) «1»
9- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) «2»
ثالثا: الإغواء الإضلال (مصحوبا بعلم) :
10- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) «3»
11- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) «4»
12- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) «5»
13- فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31)
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32)
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33) «6»
14- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) «7»
رابعا: الغي بمعنى الجهل أو الفساد:
15- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120)
فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121)
ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) «8»
خامسا: جزاء الغي:
16- وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91)
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92)
مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) «9»
سادسا: نفي الغي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:
17- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1)
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «10»
__________
(1) هود: 34 مكية
(2) مريم: 59 مكية
(3) الأعراف: 16 مكية
(4) الحجر: 39- 40 مكية
(5) القصص: 63 مكية
(6) الصافات: 31- 33 مكية
(7) ص: 82- 85 مكية
(8) طه: 120- 122 مكية
(9) الشعراء: 91- 94 مكية
(10) النجم: 1- 4 مكية(11/5148)
الآيات الواردة في «الغي والإغواء» معنى
18- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36) «1»
19- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) «2»
20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) «3»
21- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «4»
22- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «5»
23- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275)
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) «6»
24- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «7»
25- إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) «8»
__________
(1) البقرة: 35- 36 مدنية
(2) البقرة: 166- 168 مدنية
(3) البقرة: 208 مدنية
(4) البقرة: 257 مدنية
(5) البقرة: 268 مدنية
(6) البقرة: 275- 276 مدنية
(7) آل عمران: 155 مدنية
(8) آل عمران: 175 مدنية(11/5149)
26- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) «1»
27- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) «2»
28- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117)
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121) «3»
29- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «4»
30- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) «5»
__________
(1) النساء: 37- 38 مدنية
(2) النساء: 60- 61 مدنية
(3) النساء: 115- 121 مدنية
(4) المائدة: 90- 91 مدنية
(5) الأنعام: 43- 44 مكية(11/5150)
31- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) «1»
32- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) «2»
33- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «3»
34- وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) «4»
35- ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) «5»
36- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) «6»
37-* وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) «7»
38- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) «8»
وانظر أيضا الآيات الواردة في صفة الضلال
__________
(1) الأنعام: 68 مكية
(2) الأنعام: 112- 113 مكية
(3) الأنعام: 121 مكية
(4) الأنعام: 142 مكية
(5) الأعراف: 17- 21 مكية
(6) الأعراف: 27- 28 مكية
(7) فصلت: 25 مكية
(8) الزخرف: 36- 37 مكية(11/5151)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغي والإغواء)
1-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ إبليس قال لربّه عزّ وجلّ: وعزّتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال له ربّه عزّ وجلّ:
فبعزّتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني» ) * «1» .
2-* (وعنه أيضا- رضي الله عنه- في رواية أخرى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «قال إبليس: أي ربّ، لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، قال: فقال الرّبّ عزّ وجل: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ) * «2» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يكون خلف من بعد ستّين سنة أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا، ثمّ يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق وفاجر» ، قال بشير: فقلت للوليد «3» : ما هؤلاء الثّلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكّل به، والمؤمن يؤمن به» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليلة أسري بي رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب «5» رجل «6» كأنّه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر كأنّه خرج من ديماس «7» ، وأنا أشبه ولد إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم به، ثمّ أتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقال: اشرب أيّهما شئت، فأخذت اللّبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك» ) * «8» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّ آدم وموسى عليهما السّلام عند ربّهما فحجّ آدم موسى «9» . قال موسى: أنت آدم الّذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثمّ أهبطت النّاس بخطيئتك إلى الأرض، فقال آدم: أنت موسى الّذي
__________
(1) أحمد في المسند (3/ 41) ، وقال الهيثمي (4/ 207) : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه، والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح.
(2) المرجع السابق (3/ 76) .
(3) بشير هو بشير بن أبي عمرو الخولاني، والوليد هو الوليد بن قيس الذي روى عن أبي سعيد هذا الحديث، وسلسلة الرواية كما أثبتها عبد الله بن أحمد في المسند: «حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول ... » .
(4) أحمد في المسند (3/ 38، 39) ، ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 274) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) رجل ضرب: أي نحيف.
(6) رجل الشعر: أي دهين الشعر مسترسله.
(7) الديماس: بفتح الدال وكسرها الكنّ أي كأنه مخدّر لم ير شمسا، وقيل: هو السّرب المظلم.
(8) البخاري- الفتح 6 (3394) ، واللفظ له، ومسلم (2168) .
(9) حج آدم موسى: أي غلبه في الحجة.(11/5152)
اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كلّ شيء، وقرّبك نجيّا، فبكم وجدت الله كتب التّوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) ، قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فحجّ آدم موسى» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تحاجّ آدم وموسى، فحجّ آدم موسى، فقال له موسى: أنت آدم «2» الّذي أغويت النّاس وأخرجتهم من الجنّة؟، فقال آدم: أنت الّذي أعطاه الله علم كلّ شيء واصطفاه على النّاس برسالته؟، قال: نعم. قال: فتلومني على أمر قدّر عليّ قبل أن أخلق؟» ) * «3» .
7-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله» . قال ابن نمير: فقد غوي «4» ) * «5» .
8-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ ممّا أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم، ومضلّات الهوى» ، وفي رواية أخرى «ومضلّات الفتن» ) * «6» .
9-* (عن بهز بن حكيم- رضي الله عنه- عن أبيه عن جدّه، أنّ أباه أو عمّه قام إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
جيراني بم أخذوا «7» ؟ فأعرض عنه، ثمّ قال: أخبرني بم أخذوا؟ فأعرض عنه، فقال: لئن قلت ذاك، إنّهم يزعمون أنّك تنهى عن الغيّ وتستخلي به «8» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قال «9» . فقام أخوه أو ابن أخيه فقال:
يا رسول الله إنّه قال (كذا) ، فقال: «لقد قلتموها- أو قائلها منكم- ولئن كنت أفعل ذلك، إنّه لعليّ، وما هو عليكم، خلّوا له عن جيرانه» ) * «10» .
10-* (عن ربيعة بن عبّاد الدّيليّ- رضي الله عنه- قال: رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتّبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقول: إنّ هذا قد غوى فلا يغوينّكم «11»
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3409) ، ومسلم (2652) ، واللفظ له.
(2) المعنى أأنت آدم على الاستفهام المحذوف أداته، وقد حذفت أداة الاستفهام أيضا في الموضعين التالين وهما: أنت الذي أعطاه ... ، وقوله: فتلومني، والمعنى: أفتلومني.
(3) مسلم (2652) ، واللفظ له، وأحمد في المسند (2/ 314) .
(4) ورد الفعل غوي بكسر الواو وفتحها، قال المحقق (محمد فؤاد عبد الباقي) والصواب الفتح لأنه من الغيّ وهو الانغماس في الشّرّ.
(5) مسلم (870) ، واللفظ له، والنسائي 6 (3279) .
(6) أحمد في المسند (4/ 420، 423) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح.
(7) سياق هذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان قد أخذ ناسا في تهمة فحبسهم فجاءه رجل وهو يخطب فسأله عن سبب هذا الحبس وقد جاء هذا بعد الحديث المستشهد به في المسند (5/ 2) .
(8) تستخلي به: أي تفعله خاليا بينك وبين نفسك.
(9) أي في الخطبة التي كان قد ابتدأها قبل مجيئه.
(10) أحمد في المسند (5/ 2، 4) وقد ورد في بعض الروايات الشر بدل الغي.
(11) الغيّ والإغواء هنا إنما هما من وجهة نظر أبي لهب لأن الإسلام وما يدعو إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم كان كذلك عنده.(11/5153)
عن آلهة آبائكم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفرّ منه وهو على أثره ونحن نتّبعه ... الحديث) * «1» .
11-* (عن نضلة بن طريف- رضي الله عنه- أنّ رجلا منهم يقال له: الأعشى، واسمه عبد الله ابن الأعور، كانت عنده امرأة يقال لها معاذة، خرج في رجب يمير أهله «2» من هجر، فهربت امرأته بعده، ناشزا عليه «3» ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرّف بن بهصل (الحرمازيّ) ، فجعلها خلف ظهره، فلمّا قدم ولم يجدها في بيته، وأخبر أنّها نشزت عليه، وأنّها عاذت بمطرّف بن بهصل، أتاه، فقال: يابن عمّ، أعندك امرأتي معاذة؟ فادفعها إليّ، قال: ليست عندي، ولو كانت عندي لم أدفعها إليك، قال: وكان مطرّف أعزّ منه، فخرج حتّى أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعاذ به وأنشأ يقول:
يا سيّد النّاس وديّان العرب «4» ... إليك أشكوا ذربة من الذّرب «5»
كالذّئبة الغبشاء في ظلّ السّرب «6» ... خرجت أبغيها الطّعام في رجب
فخلّفتني «7» بنزاع وهرب ... أخلفت العهد ولطّت بالذّنب «8»
وقذفتني بين عيص مؤتشب «9» ... وهنّ شرّ غالب لمن غلب
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وهنّ شرّ غالب لمن غلب» .
فشكا إليه امرأته وما صنعت به، وأنّها عند رجل منهم اسمه مطرّف بن بهصل، فكتب له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى مطرّف، انظر امرأة هذا (معاذة) ، فادفعها إليه» ، فأتاه كتاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقرىء عليه، فقال لها: يا معاذة، هذا كتاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيك، فأنا دافعك إليه، قالت:
خذ لي عليه العهد والميثاق وذمّة نبيّه: لا يعاقبني فيما صنعت، فأخذ لها ذاك عليه، ودفعها مطرّف إليه، فأنشأ يقول:
لعمرك ما حبّي معاذة بالّذي ... يغيّره الواشي ولا قدم العهد
ولا سوء ما جاءت به إذ أزالها ... غواة الرّجال، إذ يناجونها بعدي) * «10» .
__________
(1) أحمد في المسند (3/ 492) ، وقال الهيثمي في المجمع (6/ 22) : رواه أحمد وابنه والطبراني في الكبير بنحوه والأوسط باختصار أسانيد عبد الله بن أحمد ثقات.
(2) يمير أهله: يطب لهم الميرة، وهي الطعام، وهجر قرية من قرى المدينة.
(3) نشزت عليه أي خرجت عن طاعته وعصته.
(4) ديان اعرب: الديّان هو من يقهر الناس على طاعته.
(5) الذرية: يراد بها المرأة السيئة كني بذلك عن خيانتها وفسادها، وقيل أزاد سلاطة لسانها.
(6) الغبشاء من الغبش وهو كلمة يخالطها بياض، والسّرب جحر الثعلب والأسد ونحوهما.
(7) خلفتني: أي بقيت بعد، وتركتني بنزاع إليها وشدّة حال من الصبوة إليها.
(8) لطت بالذّنب: من قولهم لطت الناقة بذنبها إذا ألزقته بحيائها، وهو كناية عن النشوز.
(9) عيص مؤتشب: العيص: الشجر الكثيف الملتف، والمؤتشب: الملتبس، ضربه مثلا لالتباس أمره.
(10) أحمد في المسند (11/ 6886) الشيخ أحمد شاكر، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 330- 332) وقال: رواه عبد الله بن أحمد ورجاله ثقات.(11/5154)
من الأحاديث الواردة في ذمّ (الغي والإغواء) معنى
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتّى يقول له: من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نودي بالصّلاة أدبر الشّيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل، فإذا ثوّب بها «2» أدبر، فإذا قضي أقبل، حتّى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا، حتّى لا يدري أثلاثا صلّى أم أربعا، فإذا لم يدر أثلاثا صلّى أو أربعا سجد سجدتي السّهو) * «3» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الملائكة تتحدّث في العنان (والعنان:
الغمام) بالأمر يكون في الأرض، فتستمع الشّياطين الكلمة فتقرّها «4» في أذن الكاهن كما تقرّ القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة) * «5» .
15-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «شبه العمد مغلّظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه» ، قال: وزادنا خليل عن ابن راشد: وذلك أنّ الشّيطان ينزو بين النّاس فتكون دماء في عميّا «6» . في غير ضغينة ولا حمل سلاح) * «7» .
16-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثمّ يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت» ) * «8» .
17-* (وعن جابر أيضا، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب ولكن في التّحريش «9» بينهم» ) * «10» .
18-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3270) واللفظ له، ومسلم (134) .
(2) ثوّب بها: أي أقيمت.
(3) البخاري- الفتح 6 (3285) .
(4) تقرّها: أي ترددها في أذن المخاطب حتى يفهمها.
(5) البخاري- الفتح 6 (3288) .
(6) عميّا: أي يوجد بينهم قتلى يعمى أمرهم ولا يتبيّن قاتلهم (انظر النهاية لابن الأثير 3/ 305) .
(7) أبو داود (4565) واللفظ له، وأحمد (2/ 183) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 864) / 3819: حسن.
(8) مسلم (2813) .
(9) التحريش: هي السعي بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.
(10) مسلم (2812) .(11/5155)
الدّنيا فتبرّجت بعده، فلا تسأل عنهم» ) * «1» .
19-* (عن عليّ بن حسين- رضي الله عنهما- عن صفيّة بنت حييّ قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثته، ثمّ قمت لأنقلب «2» فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما «3» ، إنّها صفيّة بنت حييّ» فقالا: سبحان الله! يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا، أو قال: شيئا «4» » ) * «5» .
20-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبايعه على الإسلام فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى» ) * «6» .
21-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «7» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء «8» كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «9» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «10» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «11» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «12» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «13» رأسي
__________
(1) أحمد (6/ 19) ، والحاكم (1/ 119) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، واللفظ له. وقال الألباني في حجاب المرأة المسلمة (54) : سنده صحيح، ونقل تصحيح ابن عساكر له في «مدح التواضع» .
(2) أنقلب: أي أرجع إلى البيت.
(3) على رسلكما: أي على هينتكما في المشي، فما هنا هشيء تكرهانه.
(4) الشك هنا من الراوي.
(5) البخاري- الفتح 4 (2039) ، ومسلم (2175) ، واللفظ له.
(6) رواه أحمد (2/ 196) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحجيح (11/ 75) / 6850، وقال الهيثمي في المجمع (6/ 37) : رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال الألباني: حسن: حجاب المرأة المسلمة (55) .
(7) في الكلام حذف أي قال الله تعالى: كل مال ... إلخ، ومعنى نحلته: أعطيته.
(8) حنفاء: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي.
(9) اجتالتهم: أي استخفّوهم فذهبوا بهم عن الحق إلى الباطل.
(10) المقت: أشد البغض، والمراد بهذا ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(11) المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل.
(12) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب.
(13) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.(11/5156)
فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك.
واغزهم نغزك «1» ، وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك.
قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «2» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع. وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، «والشّنظير «3» الفحّاش» ) * «4» .
22-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «5» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا «6» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب، فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل، فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد، فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «7» .
فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «8» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال:
ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك.
وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت.
قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه، فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «9» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل
__________
(1) نغزك: أى نعينك.
(2) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي.
(3) الشنظير: وهو السيء الخلق.
(4) مسلم (2865) .
(5) الجهد: بفتح الجيم، الجوع والمشقة.
(6) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلّين ليس عندهم شيء يواسون به.
(7) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره. والفعل منه جرعت.
(8) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.
(9) حافلة: الحفل في الأصل الاجتماع. قال في القاموس: الحفل والحفول والحفيل الاجتماع. يقال: حفل الماء واللبن حفلا وحفولا وحفيلا، إذا اجتمع. وكذلك يقال: حفله إذا جمه. ويقال للضرع المملوء باللبن: ضرع حافل وجمعه حفل ويطلق على الحيوان كثير اللبن، حافلة، بالتأنيث.(11/5157)
محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال:
فحلبت فيه حتّى علته رغوة «1» فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله؛ اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت:
يا رسول الله؛ اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت «2» أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوءاتك «3» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «4» . أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك من أصابها من النّاس» «5» .
وفي رواية أحمد «فأتاني الشّيطان ذات ليلة فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة فاشربها، قال (المقداد) فما زال يزيّن لي حتّى شربتها ... الحديث) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغي والإغواء)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أمّا ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأمّا سواع فكانت لهذيل، وأمّا يغوث فكانت لمراد، ثمّ لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأمّا يعوق فكانت لهمدان، وأمّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الطّلاع «7» . أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون أنصابا، وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ «8» العلم عبدت) * «9» .
__________
(1) رغوة: هي زبد اللبن الذي يعلوه. وهي بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات. ورغاوة بكسر الراء، وحكى ضمها. ورغاية بالضم، وحتي بالكسر. وارتغيت شربت الرغوة.
(2) فلما عرفت ... إلخ: معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكونه أذهب نصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتعرض لأذاه. فلما علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه: سرورا بشرب النبي صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة.
(3) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي.
(4) ما هذه إلا رحمة من الله: أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله.
(5) مسلم (2055) .
(6) السابق، نفسه.
(7) كلب وهذيل ومراد وبني غطيف وهمذان وحمير، أسماء قبائل عربية وآل ذي الطلاع بطن من حمير.
(8) تنسخ العلم: أي زال ونسي.
(9) البخاري- الفتح 8 (4920) .(11/5158)
2-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق، والرّجل والمرأة، والصّغير والكبير، والحرّ والعبد، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم) * «1» .
3-* (قال ابن زيد في تفسير قوله تعالى: فَبِما أَغْوَيْتَنِي (الأعراف/ 16) المعنى: فبما أضللتني) * «2» .
4-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 202) هم الجنّ يوحون لأوليائهم من الإنس ثمّ لا يسأمون) * «3» .
5-* (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (الأعراف/ 201- 202) هذا خبر من الله تعالى عن فريقي الإيمان والكفر بأنّ فريق الإيمان وأهل تقوى الله إذا استزلّهم الشّيطان تذكّروا عظمة الله وعقابه فكفّتهم رهبته عن معاصيه، وأنّ فريق الكافرين يزيدهم الشّيطان غيّا إلى غيّهم إذا ركبوا معصية من معاصي الله تعالى، ولا يحجزهم تقوى الله وخوف المعاد منه عن التّمادي فيها والزّيادة منها، فهم أبدا في زيادة من ركوب الإثم والشّيطان يزيدهم أبدا، لا يقصر الإنسيّ عن شيء من ركوب الفواحش، ولا الشّيطان من مدّه منه) * «4» .
6-* (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى:
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (الأعراف/ 175) قوله تعالى: فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ يقول: فكان من الهالكين لضلاله وخلافه أمر ربّه وطاعة الشّيطان) * «5» .
7-* (عن ابن زيد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم/ 59) يعني: شرّا أو ضلالا أو خيبة. ومن ذلك قول الشّاعر:
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما) * «6» .
8-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- غيّ واد في جهنّم وإنّ أودية جهنّم لتستعيذ من حرّه أعدّه الله للزّاني المصرّ على الزّنا، ولشارب الخمر المدمن عليه، ولآكل الرّبا الّذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق، ولشاهد الزّور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا ليس منه) * «7» .
9-* (وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله
__________
(1) أبو داود 4 (4611) .
(2) تفسير الطبري (8/ 98) .
(3) المرجع السابق (9/ 108) .
(4) تفسير الطبري (9/ 108) .
(5) المرجع السابق (9/ 84، 85) .
(6) تفسير القرطبي (11/ 125) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5159)
عنه- الغيّ (في الآية السّابقة) واد في جهنّم بعيد القعر خبيث الطّعم) * «1» .
10-* (وعن كعب- رضي الله عنه- قال (في الآية نفسها) : غيّ: واد في جهنّم أبعدها قعرا، وأشدّها حرّا، فيه بئر يسمّى البهيم، كلّما خبت نار جهنّم فتح الله تعالى تلك البئر فتسعر بها جهنّم) * «2» .
11-* (حكى النّقّاش- واختاره القشيريّ- في قوله تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) أي فسد عليه أمره أي فسد عيشه بنزوله إلى الحياة الدّنيا، قال القرطبيّ: وهو تأويل حسن، وقيل معناه جهل موضع رشده، أي جهل أنّ تلك الشّجرة هي الّتي نهي عنها «3» ، وقال القشيريّ: يقال عصى آدم وغوى ولا يقال له عاص ولا غاو كما أنّ من خاط مرّة يقال له (خاط) ولا يقال له خيّاط ما لم تتكرّر منه الخياطة، قال القرطبيّ: وما أضيف من هذا إلى الأنبياء فإمّا أن تكون صغائر، أو ترك الأولى، أو قبل النبوّة) * «4» .
12-* (عن قتادة والحسن والضّحّاك في تفسير قوله تعالى: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ (الأعراف/ 202) المعنى وإخوان الشّياطين وهم الفجّار من ضلّال الإنس، تمدّهم الشّياطين في الغيّ، وقيل للفجّار إخوان الشّياطين لأنّهم يقبلون منهم، قال القرطبيّ، وهذا أحسن ما قيل في الآية) * «5» .
13-* (روي أنّ طاووسا جاءه رجل في المسجد الحرام، وكان متّهما بالقدر، وكان من الفقهاء الكبار، فجلس إليه، فقال له طاووس: تقوم أو تقام؟
فقيل لطاووس: تقول هذا لرجل فقيه؟ فقال: إبليس أفقه منه، يقول إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي (الحجر/ 39) ويقول هذا: أنا أغوي نفسي) * «6» .
14-* (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى:
فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ 16) : المعنى: فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعناد والاستكبار، وهذا لأنّ كفر إبليس- لعنه الله- ليس كفر جهل، بل هو كفر عناد واستكبار «7» ، وقيل معنى الكلام هو القسم أي (فبحقّ) إغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم على صراطك أو في صراطك «8» ، ودليل هذا القول قوله عزّ وجلّ في سورة (ص/ 82) فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص/ 82) وكأنّ إبليس أعظم قدر إغواء الله إيّاه لما فيه من التّسليط على العباد، فأقسم به إعظاما لقدره عنده «9» ، وقيل الباء بمعنى اللّام «10» كأنّه قال:
__________
(1) تفسير القرطبي (11/ 125) . وتفسير ابن كثير (3/ 135) .
(2) تفسير ابن كثير (3/ 135) .
(3) تفسير القرطبي (11/ 257) .
(4) تفسير القرطبي (11/ 257) .
(5) تفسير القرطبي (7/ 351) .
(6) تفسير القرطبي (7/ 175) .
(7) وعلى هذا تكون الباء للسببية.
(8) المراد أن هنا حرف جر محذوف تقديره «على» أو «في» .
(9) وعلى ذلك تكون الباء للقسم.
(10) أي اللام التعليلية، وهذا يرجع إلى المعنى الأول لأن التعليل والسببية متقاربان.(11/5160)
فلأغوائك إيّاي «1» ، وقيل غير ذلك.
15-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 2) شهادة للرّسول صلّى الله عليه وسلّم بأنّه راشد تابع للحقّ ليس بضالّ ولا غاو، والغاوي هو العالم بالحقّ العادل عنه قصدا إلى غيره، فنزّه الله رسوله وشرعه عن المشابهة كالنّصارى، وأهل الغيّ كاليهود لأنّهم كانوا يعلمون الشّيء ويكتمونه ويعملون بخلافه. وإنّما كان صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك ما بعثه الله به من الشّرع الحكيم في غاية الاستقامة والاعتدال والسّداد) * «2» .
من مضار (الغي والإغواء)
(1) الغيّ مهلك للإنسان مغضب للرّحمن.
(2) الغيّ يجعل صاحبه من أعوان الشّيطان وجنوده المخلصين.
(3) جهنّم- والعياذ بالله تعالى- موعد الغاوين، ولا يجدون عنها محيصا.
(4) الغواة والمغوون والشّياطين قرناء في الدّنيا والآخرة.
(5) الّذين يغوون النّاس ويزيّنون لهم المعاصي يفسدون المجتمع ويشيعون فيه الفوضى والاضطراب.
(6) من الإغواء الشّيطانيّ ما يهدم الأسر المستقرّة ويفرّق بين الرّجل وزوجه (الحديث رقم 16) .
(7) النّساء اللّاتي يغوين الرّجال بالملابس الخليعة ونحو ذلك يفقدن بهاء الإيمان ويبعثن يوم القيامة ولا نور لهنّ (الحديث رقم 20) .
(8) الإغواء يجعل صاحبه من أهل جهنّم وساءت مصيرا.
(9) الغاوي يضلّ النّاس عن دينهم ويحسّن لأهل البدع والأهواء أهواءهم، فيحسبون أنّهم يحسنون صنعا، وهم الأخسرون أعمالا.
(10) الغيّ والإغواء تضييع للفرد وللأسرة وللمجتمع كلّه لما فيه من صرف الهمم عن صالح الأعمال إلى سيّئها، ومن البناء إلى الهدم.
(11) الإغواء أقوى أسلحة المفسدين من شياطين الإنس والجنّ الّتي يجيدون استخدامها ضدّ الأفرد والجماعات والأمم فينهكون قواها ويدمّرون استقرارها ويعبثون بمقدّراتها.
__________
(1) تفسير القرطبي (7/ 174) .
(2) باختصار وتصرف عن تفسير ابن كثير (4/ 264) .(11/5161)
الغيبة
الغيبة لغة:
الغيبة هي الاسم من الاغتياب وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ب) الّتي تدلّ على السّتر، يقول ابن فارس:
«الغين والياء والباء» أصل صحيح يدلّ على تستّر الشّيء عن العيون ثمّ يقاس من ذلك الغيب: ما غاب ممّا لا يعلمه إلّا الله. ويقال: غابت الشّمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرّجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها ... والغيبة: الوقيعة في النّاس من هذا، لأنّها لا تقال إلّا في غيبة، وتغيّب مثل غاب، ويتعدّى بالتّضعيف فيقال غيّبته، وهو التّواري في المغيب، واغتابه اغتيابا إذا ذكره بما يكره من العيوب، والاسم الغيبة، فإن كان باطلا فهو الغيبة في بهت.
وجعل الرّاغب أصل المادّة الاستتار عن العين فيقول:
«والغيب مصدر غابت الشّمس وغيرها إذا استترت عن العين، يقال: غاب عنّي كذا، قال تعالى: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (النمل/ 20) واستعمل في كلّ غائب عن الحاسّة، وعمّا يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، والغيب في قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (البقرة/ 3) ما لا يقع تحت الحواسّ، ولا تقتضيه بداية
العقول «وإنّما يعلم بخبر الأنبياء- عليهم السّلام- وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد «1» » والغيب:
الشّكّ، وجمعه غياب وغيوب، والغيب أيضا ما غاب عن العيون، وإن كان محصّلا في القلوب ... وكلّ مكان لا يدرى ما فيه، فهو غيب، وكذلك الموضع الّذي لا يدرى ما وراءه، وجمعه غيوب. والمغايبة خلاف المخاطبة، يقال: اغتاب الرّجل صاحبه اغتيابا إذا وقع فيه، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بسوء، أو بما يغمّه لو سمعه وإن كان فيه، فإن كان صادقا، فهو غيبة، وإن كان كاذبا فهو البهت والبهتان، كذلك جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يكون ذلك إلّا من ورائه.
والاسم: الغيبة، وفي التّنزيل العزيز: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (الحجرات/ 12) . أي لا يتناول رجلا بظهر الغيب بما يسوؤه ممّا هو فيه. وروي عن بعضهم أنّه سمع: غابه يغيبه إذا عابه، وذكر منه ما يسوؤه.
قال ابن الأعرابيّ: غاب إذا اغتاب. وغاب إذا ذكر إنسانا بخير أو شرّ، والغيبة: فعلة منه، تكون حسنة وقبيحة «2» .
__________
(1) التعريفات (169) .
(2) الصحاح للجوهري (1/ 196) ، ولسان العرب (1/ 656) ، ومقاييس اللغة (4/ 403) ، والمصباح المنير (164) ، والمفردات (367) .(11/5162)
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الغيبة: ذكر مساوىء الإنسان في غيبته وهي فيه «1» .
وقال المناويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه فقد اغتبته ... ، قال: ومن أحسن تعاريفها «ذكر العيب بظهر الغيب» «2» .
وقال الكفويّ: أن يتكلّم خلف إنسان مستور بكلام هو فيه «3» .
وقال التّهانويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرت نقصانا في بدنه أو في لبسه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه، أو في ولده، أو في ثوبه، أو في داره، أو في دابّته.
قال: ولا تقتصر الغيبة على القول، بل تجري أيضا في الفعل كالحركة والإشارة والكناية، لما ورد عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها أشارت بيدها إلى امرأة أنّها قصيرة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «اغتبتها» والتّصديق بالغيبة غيبة «4» .
قال ابن حجر: هي ذكر المرء بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدن الشّخص أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خلقه أو ماله. وقال الرّاغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك.
وقال ابن الأثير: الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه.
وقال ابن التّين: الغيبة ذكر المرء ما يكرهه بظهر الغيب «5» .
أسباب الغيبة وبواعثها:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: للغيبة أسباب وبواعث، وفيما يلي خلاصتها:
1- شفاء المغتاب غيظه بذكر مساوىء من يغتابه.
2- مجاملة الأقران والرّفاق ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة.
3- ظنّ المغتاب في غيره ظنّا سيّئا مدعاة إلى الغيبة.
4- أن يبرّىء المغتاب نفسه من شيء وينسبه إلى غيره أو يذكر غيره بأنّه مشارك له.
5- رفع النّفس وتزكيتها بتنقيص الغير.
6- حسد من يثني عليه النّاس ويذكرونه بخير.
7- الاستهزاء والسّخرية وتحقير الآخرين «6» .
الفرق بين الغيبة والبهتان والشتم:
قال الجرجانيّ: الغيبة ذكر مساوىء الإنسان الّتي فيه في غيبة.
والبهتان ذكر مساوىء للإنسان، وهي ليست فيه «7» .
والشّتم: ذكر المساوىء في مواجهة المقول فيه. وإلى هذا ذهب كلّ من المناويّ والكفويّ «8» .
حكم الغيبة:
عدّ الإمام ابن حجر الغيبة من الكبائر وقال:
الّذي دلّت عليه الدّلائل الكثيرة الصّحيحة الظّاهرة
__________
(1) التعريفات (169) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (254) .
(3) الكليات (669) .
(4) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1091) .
(5) انظر فتح الباري (10/ 484) .
(6) إحياء علوم الدين (155- 156) بتصرف.
(7) التعريفات (169) بتصرف.
(8) انظر التوقيف (254) ، والكفوي فى الكليات (669) .(11/5163)
أنّها كبيرة: لكنّها تختلف عظما وضدّه بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النّفس بقوله صلّى الله عليه وسلّم «كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» والغصب والقتل كبيرتان إجماعا، فكذا ثلم العرض «1» .
علاج الغيبة:
إنّ الغيبة مرض خطير، وداء فتّاك، ومعول هدّام، وسلوك يفرّق بين الأحباب، وبهتان يغطّي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورا بين المجتمع المسلم، وتقلب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلّا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنّه تعرّض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله وإعطاء حسناته من يغتابه أو يحمل عنه أوزاره، وأنّه يتعرّض لهجوم من يغتابه في الدّنيا، وقد يسلّطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير فقد وفّق للعلاج.
هل تحل الغيبة في بعض الأحيان؟
قال النّوويّ- رحمه الله-:
اعلم أنّ الغيبة تباح لغرض صحيح شرعيّ لا يمكن الوصول إليه إلّا بها، وهو ستّة أسباب:
الأوّل: المتظلّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلّم إلى السّلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
الثّاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التّوصّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
الثّالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟
وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقّي، ودفع الظّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكنّ الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنّه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتّعيين جائز.
الرّابع: تحذير المسلمين من الشّرّ ونصيحتهم.
وذلك من وجوه:
منها: جرح المجروحين من الرّواة والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوىء الّتي فيه بنيّة النّصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقّها يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرّر المتفقّه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النّصيحة، وهذا ممّا يغلط فيه. وقد يحمل المتكلّم بذلك الحسد، ويلبّس الشّيطان عليه ذلك، ويخيّل إليه
__________
(1) الزواجر (371) .(11/5164)
أنّه نصيحة فليفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إمّا بأن لا يكون صالحا لها، وإمّا بأن يكون فاسقا، أو مغفّلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن عليه ولاية عامّة ليزيله، ويولّي من يصلح، أو يعلم ذلك منه، ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثّه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة النّاس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلّا أن يكون لجوازه سبب آخر ممّا ذكرناه.
السّادس: التّعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب؛ كالأعمش والأعرج والأصمّ، والأعمى؛ والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك؛ ويحرم إطلاقه على جهة النّقص؛ ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
فهذه ستّة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه؛ ودلائلها من الأحاديث الصّحيحة مشهورة «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- الإفك- البهتان- الفضح- النميمة- الأذى- الإساءة- الهجاء- الغي والإغواء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الثناء- الحمد- الصمت وحفظ اللسان- المحبة- الكلم الطيب- الستر- المداراة- الحياء] .
__________
(1) انظر رياض الصالحين (450- 451) ، والزواجر لابن حجر الهيثمي (383- 384) .(11/5165)
الآيات الواردة في «الغيبة»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «1»
الآيات الواردة في «الغيبة» معنى
2- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «2»
3- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «3»
4- قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) «4»
__________
(1) الحجرات: 12 مدنية.
(2) النساء: 148 مدنية.
(3) يوسف: 30 مكية.
(4) يوسف: 77 مكية.(11/5166)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغيبة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل:
أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه فقد بهتّه «1» » ) * «2» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتفعت ريح منتنة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما هذه الرّيح؟ هذه ريح الّذين يغتابون المؤمنين» ) * «3» .
3-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «4» .
4-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقبرين فقال: «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير. أمّا أحدهما فيعذّب في البول وأمّا الآخر فيعذّب في الغيبة» ) * «5» .
5-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّهم ذكروا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا فقالوا: لا يأكل حتّى يطعم «6» ولا يرحل حتّى يرحل له، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اغتبتموه» . فقالوا: يا رسول الله إنّما حدّثنا بما فيه. قال: «حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه «7» » ) * «8» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغيبة) معنى
6-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا:
بلى، يا رسول الله قال ثلاثا «9» : «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متّكئا فجلس فقال: ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور» ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور، فما زال يقولها حتّى قلت لا يسكت «10» .» ) * «11» .
__________
(1) بهته: أي قلت فيه البهتان وهو الباطل.
(2) مسلم (2589) .
(3) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 515) واللفظ له، وقال: رواه أحمد وابن أبي الدنيا ورواة أحمد ثقات، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 484) : سنده صحيح.
(4) أبو داود 4 (4880) واللفظ له وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 104) : سنده جيد.
(5) أحمد في المسند (5/ 35- 36) ، وابن ماجة (1/ 349) واللفظ له وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 485) : أخرجه أحمد والطبراني بإسناد صحيح.
(6) أي أنه ضعيف إلى درجة احتياجه إلى مساعد يطعمه، وخادم يوكله، وساق يسقيه، ولا يسافر إلا إذا حمله آخر أو ركب على دابة.
(7) أي كافيك بتعداد أوصاف ثابتة فيه، ولكن يكره ذكرها ويجب سترها، ففيه الترهيب عن ذكر أخيك بما يكره مطلقا.
(8) قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 506) : رواه الأصبهاني بإسناد حسن.
(9) أي ثلاث مرات.
(10) عند مسلم، من رواية بشر بن المفضّل «حتى قلنا ليته سكت» .
(11) البخاري- الفتح 10 (5976) واللفظ له، ومسلم (87) .(11/5167)
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه- كان يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال فتجوّز رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يا معاذ، أفتّان أنت؟» (ثلاثا) . «اقرأ وَالشَّمْسِ وَضُحاها وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ونحوهما» ) * «1» .
8-* (عن أبي وائل عن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه ارتقى الصّفا فأخذ بلسانه، فقال: يالسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم، من قبل أن تندم، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أكثر خطأ ابن آدم في لسانه» ) * «2» .
9-* (عن اللّجلاج- رضي الله عنه- أنّه كان قاعدا يعتمل في السّوق فمرّت امرأة تحمل صبيّا فثار النّاس معها وثرت فيمن ثار، فانتهت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أبو هذا معك» ؟ فسكتت، فقال شابّ حذوها: أنا أبوه يا رسول الله، فأقبل عليها فقال: «من أبو هذا معك؟» ؟ قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بعض من حوله يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلّا خيرا، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أحصنت» ؟ قال: نعم، فأمر به فرجم، قال: فخرجنا به فحفرنا له حتّى أمكنّا ثمّ رميناه بالحجارة حتّى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعنّاه على غسله وتكفينه ودفنه) * «3» .
10-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» ) * «4» .
11-* (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «5» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس يوم النّحر، فقال: «يا أيّها النّاس، أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم حرام. قال: «فأيّ بلد هذا؟» قالوا: بلد حرام. قال: «فأيّ شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465) ، والنسائي (2/ 102) وأبو داود (600) مختصرا.
(2) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 534) وقال: رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.
(3) أبو داود (4435) ، وحسنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3728- 3729) .
(4) أبو داود (4888) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (4088) .
(5) رواه أحمد في المسند (1/ 190) واللفظ له، وأبو داود (4876) وقال الألباني: صحيح، وهو في الصحيحة رقم (1433) . وصحّح إسناده المرفوع من الحديث أيضا الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «المسند» (3/ 190) .(11/5168)
بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا. ثمّ رفع رأسه، فقال: «اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلّغت؟» .
قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «فو الّذي نفسي بيده، إنّها لوصيّته إلى أمّته فليبلّغ الشّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «1» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «2» على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل.
قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «3» . إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره «4» .
قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «5» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.
قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «6» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إذا دخل فهد «7» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد.
قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «8» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.
قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «9» طباقاء، كلّ داء له داء «10» شجّك «11» أو فلّك أو جمع كلّا لك ... الحديث) * «12» .
14-* (عن علىّ- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فيك مثل من عيسي. أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1739) واللفظ له، ومسلم (66) .
(2) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول.
(3) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(4) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(5) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(6) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة.
(7) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد.
(8) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء.
(9) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح، وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي إلى مسك. وقيل هو الغبي الأحمق الفدم.
(10) كل داء له داء: أي جميع أمراض الناس فيه.
(11) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد.
(12) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له.(11/5169)
الّتي ليس به، ثمّ قال: «يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني» ) * «1» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حسبك من صفيّة كذا وكذا- تعني قصيرة- فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» . قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: «ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» ) * «2» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، وآذن بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «3» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا.
لم يهبّلن «4» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «5» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «6» من وراء الجيش فأدلج «7» فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه.
حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة. حتّى أتينا الجيش. موغرين في نحر الظّهيرة «8» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره. عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة.
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 160) وقال محققه الشيخ أحمد (2/ 354، 355) : إسناده حسن.
(2) أبو داود (4875) واللفظ له، والترمذي (2502- 2503) وقال: حديث صحيح.
(3) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.
(4) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(5) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(6) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(7) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل.
(8) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.(11/5170)
فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني. ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «1» وهو متبرّزنا. وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا.
فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطّلب بن عبد مناف. وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي.
حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «2» قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة هوّني عليك. فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «3» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت قلت: سبحان الله وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت، فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «4» لي دمع ولا أكتحل بنوم «5» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «6» يستشيرهما في فراق أهله. قالت فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «7» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «8» فتأكله. قالت فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر.
فاستعذر «9» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت فقال
__________
(1) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.
(2) في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره.
(3) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(4) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(5) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(6) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل.
(7) أغمصه: أي أعيبها به.
(8) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(9) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.(11/5171)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «1» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه.
فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «2» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي.
فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.
وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد.
يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب. فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي:
أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي.
قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها.
قالت: فو الله ما رام «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «4» عند
__________
(1) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل.
(2) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.
(3) ما رام: أي ما فارق.
(4) البرحاء: هي الشدة.(11/5172)
الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «1» من العرق، في اليوم الشّاتى، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت، فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه.
فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي.
قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك:
هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟
فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «2» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «3» فهلكت فيمن هلك) * «4» .
17-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتّد النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «5» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟» .
__________
(1) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(2) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(3) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(4) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له.
(5) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.(11/5173)
فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «1» .
18-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة.
فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «2» ، واستقبل عدوّا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجههم الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عزّ وجلّ- وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «3» . فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت.
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا.
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «4» . فهممت أن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت.
ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النّفاق «5» . أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا فقال، وهو جالس في القوم بتبوك «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا ... الحديث) * «7» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم،
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) .
(2) ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.
(3) أصعر: أميل.
(4) تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.
(5) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به.
(6) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(7) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له.(11/5174)
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس ويقعون في أعراضهم» ) * «1» .
20-* (عن المستورد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة» ) * «2» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا: «من أكل لحم أخيه في الدّنيا قرّب له يوم القيامة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيّا فيأكله ويكلح ويصيح» ) * «3» .
22-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النّار يوم القيامة» ) * «4» .
23-* (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ذبّ «5» عن عرض أخيه بالغيبة كان حقّا على الله أن يعتقه من النّار» ) * «6» .
24-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنّم حتّى يأتي بنفاد ما قال فيه» ) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغيبة)
1-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «عليكم بذكر الله تعالى؛ فإنّه شفاء. وإيّاكم وذكر النّاس فإنّه داء» ) * «8» .
2-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه مرّ على بغل ميّت فقال لبعض أصحابه: «لأن يأكل الرّجل من هذا حتّى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم «9» » ) * «10» .
3-* (وعنه أيضا: في قوله- عزّ وجلّ-:
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند (3/ 224) ، وأبو داود (4878) واللفظ له وقال مراجع رياض الصالحين (578) : إسناده صحيح.
(2) أحمد في المسند (4/ 229) ، وأبو داود (4881) واللفظ له وصححه الألباني: صحيح سنن أبي داود (4084) ، والحاكم في المستدرك (4/ 127- 128) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 485) : سنده حسن
(4) الترمذي (1931) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وقال مراجع رياض الصالحين (579) حديث حسن.
(5) أي من دفع كلام السوء عن أخيه المسلم أبعده الله من جهنم.
(6) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 517) وقال: رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم.
(7) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 515) وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد.
(8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 152) .
(9) أي أن الأكل من هذه الجيفة النتنة أسهل من اغتياب المسلم.
(10) رواه أبو الشيخ بن حبان وغيره موقوفا، الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 509) .(11/5175)
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ. قال: لا يطعن بعضكم على بعض» ) * «1» .
4-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله وكنّا نغزو مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما لنا طعام إلّا ورق الشّجر حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة، ماله خلط «2» ، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني «3» على الإسلام، لقد خبت إذا وضلّ عملي وكانوا وشوا به إلى عمر. قالوا: لا يحسن يصلّي» ) * «4» .
5-* (قال الحسن- رحمه الله-: «ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكلّ في كتاب الله- عزّ وجلّ- فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك» ) * «5» .
6-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«والله للغيبة أسرع في دين الرّجل من الأكلة في الجسد» ) * «6» .
7-* (وقال أيضا- رحمه الله-: «يا بن آدم إنّك لن تصيب حقيقة الإيمان حتّى لا تعيب النّاس بعيب هو فيك، وحتّى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصّة نفسك. وأحبّ العباد إلى الله من كان هكذا» ) * «7» .
8-* (روي عن الحسن- رضي الله عنه-:
أنّ رجلا قال له: إنّ فلانا قد اغتابك فبعث إليه رطبا على طبق وقال: «قد بلغني أنّك أهديت إليّ من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإنّي لا أقدر أن أكافئك على التّمام» ) * «8» .
9-* (عن ابن سيرين؛ قال: «إنّه ذكر الغيبة فقال: «ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة» ) * «9» .
10-* (عن الشّعبيّ- رحمه الله- أنّ العبّاس بن عبد المطّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منّي خصالا ثلاثا: لا تغتب من له سرّ، ولا يسمعنّ منك كذبا، ولا تغتابنّ عنده أحدا» ) * «10» .
11-* (عن مجاهد في قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال: «الّذي يأكل لحوم النّاس، واللّمزة:
الطّعّان) * «11» .
12-* (عن عبد الله بن المبارك رحمه الله- قال:
«قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن تكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت» ) * «12» .
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/ 212) لا تلمزوا أنفسكم: أي لا تعيبوا فتعابوا.
(2) ما له خلط: أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته.
(3) تعزرني: تؤدبني، والمعنى تعلمني الصلاة، أو تعيرني بأني لا أحسنها.
(4) البخاري- الفتح 7 (3728) .
(5) الإحياء (3/ 153) .
(6) المرجع السابق (3/ 152) .
(7) المرجع السابق (3/ 152) .
(8) المرجع السابق (3/ 164) .
(9) الزهد لوكيع بن الجراح (3/ 747) .
(10) مكارم الأخلاق للخرائطي برقم (750) .
(11) الزهد لوكيع بن الجراح (3/ 753) .
(12) انظر الصمت لابن أبي الدنيا (241) .(11/5176)
13-* (قال الرّاغب في قوله تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ همز الإنسان: اغتيابه، والنّمّ إظهار الحديث بالوشاية» ) * «1» .
14-* (قال بشّار بن برد:
خير إخوانك المشارك في المرّ ... وأين الشّريك في المرّ أينا
الّذي إن شهدت سرّك في الحيّ ... وإن غبت كان أذنا وعينا
مثل سّر الياقوت إن مسّه نا ... ر جلاه البلاء فازداد زينا
أنت في معشر إذا غبت عنهم ... بدّلوا كلّ ما يزينك شينا
وإذا مارأوك قالوا جميعا ... أنت من أكرم البرايا علينا) * «2» .
15-* (قال النّوويّ- رحمه الله-: «اعلم أنّه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردّها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللّسان، فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كان من أهل الفضل والصّلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر» ) * «3» .
16-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كان الصّحابة- رضي الله عنهم- يتلاقون بالبشر ولا يغتابون عند الغيبة ويرون ذلك أفضل الأعمال ويرون خلافه عادة المنافقين» ) * «4» .
17-* (قال بعضهم: «أدركنا السّلف وهم لا يرون العبادة في الصّوم ولا في الصّلاة، ولكن في الكفّ عن أعراض النّاس» ) * «5» .
من مضار (الغيبة)
(1) صاحب الغيبة يعذّب في النّار بأكل النّتن القذر.
(2) ينال عقاب الله في قبره.
(3) تذهب أنوار إيمانه وآثار إسلامه.
(4) لا يغفر له حتّى يعفو عنه المغتاب.
(5) الغيبة معول هدّام وشرّ مستطير.
(6) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور.
(7) مرض اجتماعيّ يقطع أواصر المحبّة بين المسلمين.
(8) دليل على خسّة المغتاب ودناءة نفسه.
__________
(1) فتح الباري (10/ 487) .
(2) انظر القصيدة في ديوان بشار.
(3) الأذكار للنووي (304) .
(4) إحياء علوم الدين (3/ 152) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5177)
[حرف الفاء]
الفتنة
الفتنة لغة:
مصدر كالفتن والفتون، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ف ت ن) الّتي تدلّ على «الابتلاء والاختبار» يقال: فتنت الذّهب بالنّار إذا امتحنته، «1» وقال الخليل: الفتن: إحراق الشّيء بالنّار كالورق الفتين أي المحترق، وقوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات/ 13) أي يحرقون، قال: وكان أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفتنون بدينهم، أي يعذّبون ليردّوا عن دينهم، ومنه أيضا قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) الفتنة (هنا) العذاب، والفتنة (أيضا) أن يفتن الله قوما أي يبتليهم، والفتن: ما يقع بين النّاس من الحروب، ويقال في أمر العشق: فتن بها وافتتن بها أي عشقها، والفتّان: الشّيطان، وفتن وأفتن واحد قال الشّاعر (أعشى همدان) :
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم «2»
وقال الرّاغب: أصل الفتن إدخال الذّهب النّار لتظهر جودته من رداءته واستعمل في إدخال الإنسان النّار، والفتنة: العذاب كما في قوله تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (الذاريات/ 14) ، وتارة يسمّون (بها) ما
يحصل عنه العذاب نحو قوله تعالى: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة/ 49) ، وتارة يستعملونها في الاختبار نحو: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً (طه/ 40) ، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنّهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وهما في الشّدّة أظهر معنى وأكثر استعمالا قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (الأنبياء/ 35) ، وقال في الشّدّة: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ (البقرة/ 102) ، وقول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (التوبة/ 49) المعنى: لا تبلني ولا تعذّبني وهم بقولهم هذا وقعوا في البليّة والعذاب، وقد سمّى الله- عزّ وجلّ- الأموال والأولاد فتنة في قوله عزّ من قائل: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(التغابن/ 15) اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وذلك كقوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي لا يختبرون فيميّز خبيثهم من طيّبهم «3» .
وقال الفيروزآباديّ: والفتنة أيضا: إعجابك بالشّيء، والجمع فتن، قال الشّاعر:
وفيك لنا فتن أربع ... تسلّ علينا سيوف الخوارج
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 472) .
(2) كتاب العين (8/ 128) .
(3) المفردات للراغب (372) تحقيق: سيد كيلاني.(11/5178)
لحاظ الظّباء وطوق الحمام ... ومشي القباج وزيّ التّدارج «1» ، «2»
وقال الجوهريّ: يقال: افتتن الرّجل وفتن فهو مفتون، إذا أصابته فتنة فذهب ماله أو عقله، وكذلك إذا اختبر، والفتون أيضا: الافتتان، يقال: فتنته المرأة، إذا ولّهته، وافتتنته أيضا، والفاتن: المضلّ عن الحقّ، قال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: فاتنين (اسم فاعل من فتن) وبنو تميم يقولون: مفتنين (اسم فاعل من أفتن) «3» ، وأمّا قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (القلم/ 6) ، والمفتون معناه الفتنة وهو مصدر كالمعقول والمجلود والمحلوف «4» ، وفتّنته تفتينا فهو مفتنّ أي مفتون جدّا «5» .
وقال ابن منظور: قال الأزهريّ وغيره: جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك فتنت الفضّة والذّهب إذا أذبتهما بالنّار لتميّز الرّديء من الجيّد، وقال ابن الأعرابيّ:
الفتنة: الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة: الكفر، والفتنة: اختلاف النّاس بالآراء، والفتنة: الإحراق بالنّار، وقيل (أيضا) الفتنة: الظّلم، وقولهم: فلان مفتون في طلب الدّنيا أي غلا في طلبها، وقيل (أيضا) الفتنة الخبرة وذلك كما في قول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (الصافات/ 63) أي خبرة، ومعناه: أنّهم أفتنوا بشجرة الزّقّوم وكذّبوا بكونها، وذلك أنّهم لمّا سمعوا أنّها تخرج في أصل الجحيم، قالوا: الشّجر يحترق في النّار فكيف ينبت الشّجر في النّار؟ فصارت فتنة لهم، وقول الله عزّ وجلّ: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (يونس/ 85) .. المعنى لا تظهرهم علينا فيعجبوا ويظنّوا أنّهم خير منّا، فالفتنة هنا: إعجاب الكفّار بكفرهم «6» ، وقال القرطبيّ المعنى: لا تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدّين، أولا تمتحنّا بأن تعذّبنا على أيديهم «7» ، وفي حديث قيلة: «المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشّجر ويتعاونان على الفتّان» (بفتح الفاء وضمّها) ، الفتّان (بفتح الفاء) ، الشيطان الّذي يفتن النّاس بخداعه وغروره وتزيينه للمعاصي، فإذا نهى الإنسان أخاه عن ذلك (أي عن الفتنة) فقد أعانه على الشّيطان، وقيل: الفتّان: اللّصّ الّذي يعرض للرّفقة في طريقهم فينبغي لهم أن يتعاونوا عليه، وأمّا رواية الضّمّ (الفتّان) فهو جمع فاتن، والمعنى حينئذ، يعاون أحدهما الآخر على الّذين يضلّون
__________
(1) القباج جمع قبجة وهو الحجلة (طائر في حجم الحمام) ، والتدارج جمع تدرج وهو طائر حسن الصورة طويل الذنب.
(2) بصائر ذو التمييز (4/ 167، 168) .
(3) أنكر الأصمعي صيغة أفعل من الفتنة، وقد أثبت ذلك الفراء زاعما أنها لهجة بني تميم، ومن ثم يتأوّل إنكار الأصمعي على أنه خاص بلهجة الحجاز، وإذا كانت الصيغتان ترجعان إلى لهجتين مختلفتين فإن معناهما يكون واحدا.
(4) أي أن المعقول مصدر مثل الغفل والمجلود مصدر كالجلد والمحلوف مصدر كالحلف.
(5) يشير الجوهري بذلك الى أن التفعيل هنا يفيد الكثرة والمبالغة، انظر الصحاح (6/ 2176) .
(6) لسان العرب «فتن» (3344) ط، دار المعارف.
(7) تفسير القرطبي (8/ 236) .(11/5179)
النّاس عن الحقّ ويفتنونهم، وفتّان من صيغ المبالغة «1» ، وقال ابن الأثير: المراد بالفتّان شياطين الإنس والجنّ الّذين يظلمون النّاس ويفتنونهم ويضلّونهم عن الحقّ، أمّا التّعاون على الشيطان فالمراد به ترك أتباعه والافتتان بخدعه «2» ، وقال ابن منظور: والفتنة تأتي بمعنى الإثم، وعلى ذلك قول الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي (التوبة 49) أي لا تؤثمني بأمرك إيّاي بالخروج، وذلك غير متيسّر لي فآثم، وقال الزّجّاج: إنّ المنافقين هزئوا بالمسلمين في غزوة تبوك، فقالوا: يريدون بنات بني الأصفر، فقال (قائلهم) ، لا تفتنّي ببنات الأصفر (أي الرّوميّات) فأعلم الله سبحانه أنّهم سقطوا في الفتنة أي الإثم، ويقال: فتن الرّجل الرّجل: أي أزالة عمّا كان عليه، ومن ذلك قوله سبحانه: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (الإسراء/ 73) أي يميلونك ويزيلونك، أمّا قولهم: فتنت فلانة فلانا فالمعنى أمالته عن القصد، والفتنة (أيضا) الفضيحة، ومن ذلك قوله تعالى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ (المائدة/ 41) قيل معناه:
فضيحته وقيل: كفره، وقال بعضهم: يجوز أن يكون المراد اختباره بما يظهر به أمره، والفتنة ما يقع بين النّاس من القتال، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّي أرى الفتن خلال بيوتكم» «3» ، فإنّ المراد القتل والحروب والاختلاف الّذي يكون بين فرق المسلمين إذا تحزّبوا، ويكون ما يبلون به من زينة الدّنيا وشهواتها فيفتنون بذلك عن الآخرة والعمل لها. وإذا أضيف لفظ الفتنة فإنّ معناه يختلف باختلاف ما يضمّ إليه، ففتنة الصّدر: الوسواس، وفتنة المحيا: العدول عن الطّريق، وفتنة الممات: سؤال القبر وفتّانا القبر منكر ونكير «4» .
وقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «المؤمن خلق مفتّنا» المعنى ممتحنا يمتحنه الله بالذّنب، ثمّ يتوب، ثمّ يعود، ثمّ يتوب، وقال ابن الأثير: كثر استعمال الفتنة فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثمّ كثر (هذا الاستعمال) حتّى استعمل بمعنى الإثم، والكفر، والقتال والإحراق، والإزالة، والصّرف عن الشّيء، وفي حديث عمر رضي الله عنه- أنّه سمع رجلا يتعوّذ من الفتن، فقال: أتسأل ربّك أن لا يرزقك أهلا ولا مالا» تأوّل قول الله تعالى نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(التغابن/ 15) ولم يرد فتن القتال والاختلاف «5» .
الفتنة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الفتنة: هي ما يبيّن به حال الإنسان من الخير والشّرّ «6» .
وقال المناويّ: الفتنة: البليّة وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة «7» .
وقال ابن حجر: الفتنة: ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحقّ من المبطل «8» .
__________
(1) لسان العرب «فتن» (3344) ط. دار المعارف.
(2) منال الطالب، شرح طوال الغرائب (99) .
(3) انظر الحديث في مسلم 4 (2885) .
(4) لسان العرب «فتن» (3346) .
(5) النهاية لابن الأثير (3/ 411) .
(6) التعريفات (171) ، وانظر أيضا المفردات للراغب ص (371) .
(7) التوقيف على مهمات التعريف (257) .
(8) فتح الباري (13/ 34) .(11/5180)
الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار:
قال أبو هلال: الفرق بين الفتنة والاختبار:
هو أنّ الفتنة أشدّ الاختبار وأبلغه وأصله عرض الذّهب على النّار لتبيّن صلاحه من فساده ومنه قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات/ 13) ويكون في الخير والشّرّ ألا تسمع قوله تعالى:
َّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(التغابن/ 15) وقال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ (الجن/ 16- 17) فجعل النّعمة فتنة لأنّه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذّهب إذا أريد المبالغة في تعرّف حاله أدخل النّار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشّرّ وإنّما المراد بذلك شدّة التّكليف.
أمّا الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أنّ الابتلاء لا يكون إلّا بتحميل المكاره والمشاقّ.
والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنّه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنّعمة كما قد يقال إنّه مختبر بها ويجوز أن يقال: إنّ الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطّاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الّذي يقع بكنه الشّيء وحقيقته فالفرق بينهما بيّن «1» .
الفتنة تكون من الله ومن الإنسان:
قال الرّاغب: الفتنة من الأفعال الّتي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبليّة والمصيبة والقتل والعذاب، وغير ذلك من الأفعال الكريهة ومتى كان ذلك من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضدّ ذلك، ولهذا يذمّ الله الإنسان بأنواع الفتنة في كلّ مكان كما في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) ، وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج/ 10) ، وقوله تعالى: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (الصافات/ 162) أي بمصلّين «2» .
لفظ الفتنة في القرآن الكريم:
قال يحيى بن سلّام: تفسير الفتنة في القرآن الكريم على أحد عشر وجها:
الأوّل: الفتنة تعني الشّرك، كما في قوله تعالى:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة/ 193) .
الثّاني: الفتنة تعني الكفر كما في قوله تعالى:
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ (آل عمران/ 7) .
الثّالث: الفتنة بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت/ 1- 2) .
الرّابع: الفتنة بمعنى العذاب في الدّنيا وذلك في قوله تعالى: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ (العنكبوت/ 10) .
الخامس: الفتنة تعني الحرق بالنّار وذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج/ 10) .
__________
(1) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (210، 211) .
(2) المفردات (372) .(11/5181)
السّادس: الفتنة بمعنى القتل كما في قوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ (النساء/ 101) .
السّابع: الفتنة بمعنى الصّدود كما في قوله تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ (المائدة/ 49) .
الثّامن: الفتنة بمعنى الضّلالة كما في قوله تعالى: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ* ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (الصافات/ 161- 162) .
التّاسع: الفتنة بمعنى المعذرة كما في قوله تعالى:
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام/ 23) .
العاشر: الفتنة بمعنى التّسليط كما في قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (يونس/ 85) .
الحادي عشر: الفتنة بمعنى المفتون المجنون كما في قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (القلم/ 6) .
وزاد الفيروزاباديّ: «1» .
الثّاني عشر: بمعنى الإثم كما في قوله تعالى:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ (النور/ 63) .
وزاد الكفويّ المعاني الآتية:
الثّالث عشر: الفتنة: المرض كما في قوله تعالى:
يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ (التوبة/ 126) .
الرّابع عشر: الفتنة: القضاء، وذلك كما في قوله تعالى إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ (الأعراف/ 55) .
الخامس عشر: الفتنة: العفو كما في قوله تعالى:
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور/ 63) .
السّادس عشر: الفتنة: النّفي عن البلد، وذلك كما يحتمله قول الله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) «2» .
أنواع الفتن وعلاج كل نوع:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى:
1- الفتنة نوعان: فتنة الشّبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشّهوات. وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما.
ففتنة الشّبهات من ضعف البصيرة، وقلّة العلم، ولا سيّما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيّء القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى مع ضعف بصيرته، وقلّة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الّذين قال الله تعالى فيهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ (النجم/ 23) .
2- هذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنّفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنّما ابتدعوا من فتنة الشّبهات الّتي اشتبه عليهم فيها الحقّ بالباطل، والهدى بالضّلال.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي (4/ 167) .
(2) الكليات للكفوي (692) .(11/5182)
3- وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حقّ ثابت خفيّ على الرّجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متّبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة.
4- لا ينجّى من هذه الفتنة إلّا تجريد اتّباع الرّسول، وتحكيمه في دقّ الدّين وجلّه ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه فيتلّقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.
أمّا النّوع الثّاني من الفتنة ففتنة الشّهوات. وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ (التوبة/ 69) . أي تمتّعوا بنصيبهم من الدّنيا وشهواتها، والخلاق هو النّصيب المقدّر ثمّ قال وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا (التوبة/ 69) فهذا الخوض بالباطل، وهو الشّبهات. فأشار- سبحانه- في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأنّ فساد الدّين إمّا أن يكون باعتقاد الباطل والتّكلّم به أو بالعمل بخلاف العلم الصّحيح. فالأوّل: هو البدع وما والاها، والثّاني: فسق العمل. فالأوّل: فساد من جهة الشّبهات والثّاني: من جهة الشّهوات ولهذا كان السّلف يقولون «احذروا من النّاس صنفين: صاحب هوى قد فتنة هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه» .
وكانوا يقولون «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإنّ فتنتهما فتنة لكلّ مفتون» . وأصل كلّ فتنة إنّما هو من تقديم الرّأي على الشّرع، والهوى على العقل.
فالأوّل: أصل فتنة الشّبهة، والثّاني: أصل فتنة الشّهوة ففتنة الشّبهات تدفع باليقين، وفتنة الشّهوات تدفع بالصّبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدّين منوطة بهذين الأمرين، فقال: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) فدلّ على أنّه بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين.
وبكمال العقل والصّبر تدفع فتنة الشّهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشّبهة والله المستعان «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الضلال- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الغي والإغواء- انتهاك الحرمات- الكذب- الافتراء- الإفك- التبرج.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الهدى- الإرشاد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإصلاح- الأمانة- تعظيم الحرمات- الحجاب- الاستقامة] .
__________
(1) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 160- 162) .(11/5183)
الآيات الواردة في «الفتنة»
أولا: الفتنة بمعنى الابتلاء والاختبار:
1- وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) «1»
2- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) «2»
3- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
(28) «4»
5- وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) «5»
6- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) «6»
7- قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً
__________
(1) البقرة: 102 مدنية
(2) المائدة: 70- 71 مدنية
(3) الأنعام: 52- 53 مكية
(4) الأنفال: 27- 28 مدنية
(5) الإسراء: 60 مكية
(6) طه: 40- 41 مكية(11/5184)
أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) «1»
8- وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) «2»
9- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) «3»
10- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111)
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «4»
11- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «5»
12- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) «6»
13- الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) «7»
14- فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) «8»
__________
(1) طه: 85- 90 مكية
(2) طه: 131 مكية
(3) الأنبياء: 35 مكية
(4) الأنبياء: 110- 112 مكية
(5) الحج: 52- 53 مدنية
(6) الفرقان: 20 مكية
(7) العنكبوت: 1- 3 مكية
(8) الزمر: 49- 50 مكية(11/5185)
15-* وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) «1»
16- إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) «2»
17- إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «3»
18- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «4»
ثانيا: الفتنة بمعنى العذاب أو القتل:
19- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) «5»
20- فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) «6»
21- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «7»
22- قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) «8»
23- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) «9»
24- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) «10»
25- يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) «11»
26- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) «12»
__________
(1) الدخان: 17- 18 مكية
(2) القمر: 27 مكية
(3) التغابن: 15- 16 مدنية
(4) الجن: 16- 17 مكية
(5) النساء: 101 مدنية
(6) يونس: 83 مكية
(7) النحل: 110 مكية
(8) النمل: 46- 47 مكية
(9) العنكبوت: 10 مكية
(10) الصافات: 62- 63 مكية
(11) الذاريات: 13- 14 مكية
(12) البروج: 10 مكية(11/5186)
ثالثا: الفتنة بمعنى الشرك أو الكفر:
27- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) «1»
28- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «2»
29- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «3»
30- سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91) «4»
31- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) «5»
32- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «6»
33- وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً (14) «7»
__________
(1) البقرة: 191- 193 مدنية
(2) البقرة: 217 مدنية
(3) آل عمران: 7 مدنية
(4) النساء: 91 مدنية
(5) الأنفال: 39 مدنية
(6) التوبة: 47- 49 مدنية
(7) الأحزاب: 14 مدنية(11/5187)
34- يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) «1»
رابعا: الفتنة بمعنى الضلال:
35- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) «2»
36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «3»
37- فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) «4»
38- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «5»
خامسا: الفتنة بمعنى الإثم:
39- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «6»
40- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «7»
سادسا: الفتنة بمعنى العبرة:
41- فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) «8»
__________
(1) الحديد: 14 مدنية
(2) المائدة: 41 مدنية
(3) الأنفال: 24- 25 مدنية
(4) الصافات: 161- 163 مكية
(5) المدثر: 31 مكية
(6) التوبة: 49 مدنية
(7) النور: 63 مدنية
(8) يونس: 85 مكية(11/5188)
42- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «1»
سابعا: الفتنة بمعنى الصد عن الصراط المستقيم (أو الوقوع في البلية) :
43- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (4) «2»
44- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) «3»
ثامنا: الفتنة بمعنى العقوبة والابتلاء:
45- قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «4»
46- وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) «5»
تاسعا: الفتنة بمعنى القضاء:
47- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «6»
عاشرا: الفتنة بمعنى المعذرة:
48- ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) «7»
حادي عشر: الفتنة بمعنى الشر:
49- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) «8»
ثاني عشر: الفتنة بمعنى المحنة بالحرب أو الابتلاء بالمرض:
50- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) «9»
51- أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) «10»
__________
(1) الممتحنة: 5 مدنية
(2) المائدة: 49 مدنية
(3) الإسراء: 73 مكية
(4) ص: 24 مكية
(5) ص: 34 مكية
(6) الأعراف: 155 مكية
(7) الأنعام: 23 مكية
(8) الحج: 11 مدنية
(9) الأنفال: 73 مدنية
(10) التوبة: 126 مدنية(11/5189)
ثالث عشر: الفتنة بمعنى الاستهواء والغلبة:
52- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) «1»
رابع عشر: الفتنة بمعنى الجنون والغفلة:
53- بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) «2»
الآيات الواردة في «الفتنة» معنى
54- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «3»
55- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) «4»
56- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) «5»
57- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) «6»
58- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) «7»
59- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «8»
__________
(1) الأعراف: 27 مكية
(2) القلم: 6 مكية
(3) البقرة: 212 مدنية
(4) آل عمران: 14 مدنية
(5) الأنعام: 43 مكية
(6) الأنعام: 122 مكية
(7) الأنعام: 137 مكية
(8) الأنفال: 48 مدنية(11/5190)
60- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «1»
61- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «2»
62- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) «3»
63- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «4»
64- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) «5»
65- تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «6»
66- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «7»
67- الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) «8»
68- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) «9»
69- وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) «10»
70- وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60) «11»
71- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) «12»
__________
(1) التوبة: 37 مدنية
(2) يونس: 12 مكية
(3) هود: 15 مكية
(4) الرعد: 33 مدنية
(5) الحجر: 39 مكية
(6) النحل: 63 مكية
(7) الكهف: 28 مكية
(8) الكهف: 46 مكية
(9) النمل: 4 مكية
(10) النمل: 24 مكية
(11) القصص: 60 مكية
(12) القصص: 79 مكية(11/5191)
72- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) «1»
73- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) «2»
74- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «3»
75- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36)
أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «4»
76- وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) «5»
77- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) «6»
78- بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «7»
79- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «8»
__________
(1) العنكبوت: 38 مكية
(2) الأحزاب: 28 مدنية
(3) فاطر: 8 مكية
(4) غافر: 36- 37 مكية
(5) فصلت: 25 مكية
(6) محمد: 14 مدنية
(7) الفتح: 12 مدنية
(8) الحديد: 20 مدنية(11/5192)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفتنة)
1-* (قال حذيفة- رضي الله عنه-: كنّا جلوسا عند عمر- رضي الله عنه- فقال أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت: أنا كما قاله، قال: إنّك عليه- أو عليها- لجريء. قلت:
فتنة الرّجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّوم والصّدقة والأمر والنّهي. قال:
ليس هذا أريد، ولكن الفتنة الّتي تموج كما يموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إنّ بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أيكسر أم يفتح؟
قال: يكسر. قال: إذن لا يغلق أبدا. قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم. كما أنّ دون الغد اللّيلة. إنّي حدّثته بحديث ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأل حذيفة. فأمرنا مسروقا فسأله. فقال:
الباب عمر) * «1» .
2-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- قال: لقد حذّرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنة لم نر أنّا نخلق لها، ثمّ قرأ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فقرأناها زمانا فإذا نحن المعنيّون بها) * «2» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- وكان تبع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وخدمه وصحبه- أنّ أبا بكر كان يصلّي لهم في وجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي توفّي فيه، حتّى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصّلاة، فكشف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم، كأنّ وجهه ورقة مصحف، ثمّ تبسّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ، وظنّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج إلى الصّلاة، فأشار إلينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن أتمّوا صلاتكم، وأرخى السّتر فتوفّي من يومه) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي. من تشرّف لها تستشرفه. فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به» ) * «4» .
__________
(1) البخاري (525) ، (1435) ، ومسلم (2218) .
(2) أحمد (1/ 165) ، وقال شاكر (3/ 23) : إسناده صحيح، ورواه البزار كما في كشف الأستار (4/ 91) ، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 27) : رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.
(3) البخاري- الفتح 2 (680) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7081) واللفظ له، ومسلم (2886) ، وأحمد في المسند (2/ 282) ، (1/ 169) من حديث سعد بن أبي وقاص، (4/ 110) من حديث خرشة- رضي الله عنه-.(11/5193)
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إنّ الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشّيطان» ) * «1» .
6-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول:
«لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزل السّكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا» ) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج» قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ فقال:
«هكذا» بيده فحرّفها، كأنّه يريد القتل) * «3» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحفوه بالمسألة، فصعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم المنبر فقال: «لا تسألوني عن شيء إلّا بيّنت لكم» ، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كلّ رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبيّ الله، من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة» . ثمّ أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا. نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، إنّه صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط» وقال قتادة:
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (المائدة/ 101)) * «4» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف «5» الجبال ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن» ) * «6» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما صلّيت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة ولا أتمّ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإن كان ليسمع بكاء الصّبيّ فيخفّف مخافة أن تفتن أمّه) * «7» .
11-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّه قال ذات يوم: إنّكم لتجاوزوني إلى رجال،
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7093) ، ومسلم (2905) متفق عليه.
(2) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له، ومسلم (1803) .
(3) البخاري- الفتح 1 (85) واللفظ له، مسلم 4 (157) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7089) .
(5) شعف الجبال: رؤوس الجبال والمراعي.
(6) البخاري- الفتح 13 (7088) واللفظ له والنسائي 8 (5036) وأبو داود 4 (4267) .
(7) البخاري- الفتح 2 (708) واللفظ له، والترمذي (376) .(11/5194)
ما كانوا بأحضر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أعلم بحديثه منّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام السّاعة خلق أكبر من الدّجّال» ) * «1» .
12-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص «2» الغنم، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «3» .
13-* (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اثنان يكرههما ابن آدم، يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلّة المال، وقلّة المال أقلّ للحساب» ) * «4» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك.
فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك،
__________
(1) مسلم (2946) ، والحديث رواه أبو عمر والبراني في كتاب السنن الواردة في الفتن وغوائلها بلفظ: «ما بين خلق آدم إلى قيام السّاعة فتنة أكبر من الدّجّال، قد أكل الطّعام، ومشى في الأسواق» (1/ 226) / 25.
(2) كعقاص الغنم: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. كذا قاله ابن حجر بتقديم العين مضمومة علي القاف، قال المحقق: والذي في نسخ البخاري بتقديم القاف علي العين. انظر هامش 1 من فتح الباري (6/ 321) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3176) .
(4) أحمد (5/ 427- 428) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 267) / 4066، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 151) ، وأورده الألباني في الصحيحة (2/ 471) / 813، وقال: إسناده جيد، ورجاله ثقات رجال الشيخين.(11/5195)
ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف «1» عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة، فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبابكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك «2» ، ولسنا مقرّين الاستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبابكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا أن تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر:
فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين «3» ، وهما الحرّتان» ، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهّز أبوبكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك- بأبي أنت-، قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «4» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى في خميصة «5» لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلمّا انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيّة «6» أبي جهم، فإنّها ألهتني آنفا عن صلاتي» وعن عائشة: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصّلاة فأخاف أن تفتنني» ) * «7» .
16-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) فيتقصف عليه النساء: أي يزدحمن.
(2) نخفرك: أن نغدر بك.
(3) لابتين: اللابة الحرة ذات الحجارة السود.
(4) البخاري- الفتح 4 (2297) .
(5) خميصة: كساء مربع له علمان.
(6) أنبجانية: كساء غليظ لا علم له.
(7) البخاري- الفتح 1 (373) واللفظ له، والموطأ (1/ 97) .(11/5196)
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لم يبق من الدّنيا إلّا بلاء وفتنة فأعدّوا للبلاء صبرا) * «1» .
17-* (عن نافع «أنّ رجلا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحجّ عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ وقد علمت ما رغّب الله فيه؟ قال: يا بن أخي، بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصّلوات الخمس، وصيام رمضان وأداء الزّكاة وحجّ البيت.
قال: يا أبا عبد الرّحمن. ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* قال: فعلنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان الإسلام قليلا فكان الرّجل يفتن في دينه: إمّا قتلوه، وإمّا يعذّبونه حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنة) * «2» .
18-* (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: والله إنّي لأعلم النّاس بكلّ فتنة هي كائنة فيما بيني وبين السّاعة. وما بي إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسرّ إليّ في ذلك شيئا، لم يحدّثه غيري، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يحدّث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يعدّ الفتن: «منهنّ ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهنّ فتن كرياح الصّيف، منها صغار ومنها كبار» ) * «3» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» ) * «4» .
20-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها ستكون فتن: ألا ثمّ تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها. والماشي فيها خير من السّاعي إليها. ألا. فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله. ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه. ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه» قال:
__________
(1) ابن ماجه (4035) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات (2/ 305) / 1422، وأحمد (4/ 94) ، والطبراني في الكبير (19/ 368) ، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 443) : حديث صالح الإسناد.
(2) البخاري- الفتح 8 (4514) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6604) ، ومسلم (2891) واللفظ له، أبو داود 4 (4240) .
(4) البخاري- الفتح 2 (832) واللفظ له، ومسلم (589) .(11/5197)
فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: «يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحجر «1» ثمّ لينج إن استطاع النّجاء. اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلغت اللهمّ هل بلّغت» قال: فقال رجل: يا رسول الله: أرأيت إن أكرهت حتّى ينطلق بي إلى أحد الصّفّين، أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني، قال «يبوء بإثمه «2» وإثمك- ويكون من أصحاب النّار» ) * «3» .
21-* (عن المستورد- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لئن قلت ذلك: إنّ فيهم لخصالا أربعا: إنّهم لأحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك) * «4» .
22-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون. فاتّقوا الدّنيا، واتّقوا النّساء. فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء» ) * «5» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا تشهّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع- يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ فتنة المسيح الدّجّال» ) * «6» .
24-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلّا الله وحده لا شريك له،. اللهمّ إنّي أسألك من خير هذه اللّيلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، وفتنة الدّنيا وعذاب القبر» ) * «7» .
25-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) فيدق على حدّه بحجر: المراد كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث ليسد على نفسه باب هذا القتال وقيل: هو مجاهد والمراد ترك القتال والأول أصح.
(2) يبوء بإثمه: أي يبوء الذي أكرهك بإثمه في اكراهك وفي دخوله في الفتنة.
(3) مسلم (2887) واللفظ له وأبو داود 4 (4256) .
(4) مسلم (2898) .
(5) مسلم (2742) واللفظ له، الترمذي (2191) ، وابن ماجة 2 (4000) .
(6) البخاري- الفتح- 13 (7129) ، ومسلم (588) . واللفظ له، وأبو داود (983) والنسائي (3/ 58) وابن ماجة (909) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6365، 6370، 6374، 6390) ، ومسلم (2723) واللفظ له.(11/5198)
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعلّمهم هذا الدّعاء كما يعلّمهم السّورة من القرآن. يقول «قولوا: اللهمّ إنّا نعوذ بك من عذاب جهنّم، ونعوذ بك من عذاب القبر ونعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات» ) * «1» .
26-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كان معاذ يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يأتي فيؤمّ قومه. فصلّى ليلة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم العشاء. ثمّ أتى قومه فأمّهم. فافتتح بسورة البقرة. فانحرف رجل. فسلّم. ثمّ صلّى وحده وانصرف. فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! قال: لا والله! لآتينّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأخبرنّه. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا أصحاب نواضح. نعمل بالنّهار. وإنّ معاذا صلّى معك العشاء، ثمّ أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على معاذ فقال «يا معاذ أفتّان أنت؟! اقرأ بكذا واقرأ بكذا» ) * «2» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «3» .
28-* (عن أسامة (بن زيد) - رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرف «4» على أطم «5» من آطام المدينة، ثمّ قال: «هل ترون ما أرى؟ إنّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» ) * «6» .
29-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تركت بعدي فتنة هي أضرّ على الرّجال من النّساء» ) * «7» .
30-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثمّ يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا،
قال: ثمّ يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتّى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول:
نعم أنت» ) * «8» .
__________
(1) مسلم 2 (590) واللفظ له، وأبو داود 2 (1542) ، والترمذي 5 (3494) والنسائي (4/ 104) .
(2) مسلم (465) واللفظ له وأبو داود 1 (600) ، البخاري- الفتح (701) ، (705) .
(3) مسلم (118) واللفظ له، الترمذي 4 (2195) .
(4) أشرف: أي نظر من مكان مرتفع.
(5) الأطم: هي الحصون المبنية بالحجارة.
(6) البخاري- الفتح 4 (1878) ، ومسلم (2885) ، واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 9 (5096) ، ومسلم 4 (2740) واللفظ له، والترمذي 5 (2780) ، وابن ماجة 2 (3998) .
(8) مسلم (2813) .(11/5199)
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان جريج يتعبّد في صومعته. فجاءت أمّه. قال حميد «1» : فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّه حين دعته. كيف جعلت كفّها فوق حاجبها، ثمّ رفعت رأسها إليه تدعوه. فقالت يا جريج، أنا أمّك، كلّمني فصادفته يصلّي. فقال اللهمّ أمّي وصلاتي، فاختار صلاته، فرجعت ثمّ عادت في الثّانية، فقالت يا جريج أنا أمّك، فكلّمني. قال:
اللهمّ أمّي وصلاتي، فاختار صلاته فقالت اللهمّ إنّ هذا جريج وهو ابني وإنّي كلّمته فأبى أن يكلّمني.
اللهمّ فلا تمته حتّى تريه المومسات، قال: لو دعت عليه أن يفتن لفتن قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الرّاعي. فحملت فولدت غلاما. فقيل لها: ما هذا؟
قالت: من صاحب هذا الدّير قال فجاءوا بفؤوسهم ومساحيهم. فنادوه فصادفوه يصلّي فلم يكلّمهم قال:
فأخذوا يهدمون ديره. فلمّا رأى ذلك نزل إليهم. فقالوا له: سل هذه. قال فتبسّم ثمّ مسح رأس الصّبيّ فقال:
من أبوك؟ قال: أبي راعي الضّأن فلمّا سمعوا ذلك منه قالوا. نبني ما هدمنا من ديرك بالذّهب والفضّة. قال:
لا. ولكن أعيدوه ترابا كما كان ثمّ علاه) * «2» .
32-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
كنّا عند عمر. فقال: أيّكم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلّكم تعنون فتنة الرّجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل قال: تلك تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة. ولكن أيّكم سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن الّتي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت «3» القوم. فقلت: أنا قال أنت. لله أبوك «4» قال حذيفة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا «5» عودا فأيّ قلب أشربها «6» نكت «7» فيه نكتة سوداء. وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء- حتّى تصير على قلبين على أبيض مثل الصّفا فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض والآخر أسود مربادّا «8» كالكوز
__________
(1) حميد هو ابن هلال بن أبي رافع أحد رواة هذا الحديث.
(2) البخاري- الفتح 5 (2482) ، ومسلم (2550) واللفظ له.
(3) أسكت: سكت وأسكت لغتان بمعنى صمت أو سكت بمعنى صمت وأسكت بمعنى أطرق.
(4) لله أبوك: كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها.
(5) كالحصير عودا عودا: أي أنها تلصق بعرض القلوب كما يلصق الحصر بجنب النائم ويؤثر فيه شدة التصاقها به وعودا عودا أي تكرر شيئا بعد شيء.
(6) أشربها: أي دخلت فيه دخولا تاما وحلت منه محل الشراب.
(7) نكت: كل نقطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت.
(8) أسود مرباد: أي شديد البياض في سواد.(11/5200)
مجخّيا «1» لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلّا ما أشرب من هواه» ) * «2» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى ينزل الرّوم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا قالت الرّوم:
خلّوا بيننا وبين الّذين سبوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله! لا نخلّي بينكم وبين إخواننا.
فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشّهداء عند الله، ويفتتح الثّلث، لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينيّة، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علّقوا سيوفهم بالزّيتون، إذ صاح فيهم الشّيطان: إنّ المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل. فإذا جاءوا الشّأم خرج. فبينما هم يعدّون للقتال، يسوّون الصّفوف، إذ أقيمت الصّلاة فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم. فأمّهم.
فإذا رآه عدوّ الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه لانذاب حتّى يهلك. ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته» ) * «3» .
34-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة (قال: كذا كان يقول الجريريّ) فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل:
أنا. قال «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك.
فقال «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار.
فقال «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» قالوا:
نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «4» .
35-* (عن عليّ بن حسين أنّ المسور بن مخرمة أخبره، أنّ عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- خطب بنت أبي جهل. وعنده فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا سمعت بذلك فاطمة أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: إنّ قومك يتحدّثون أنّك لا تغضب لبناتك. وهذا عليّ ناكحا ابنة أبي جهل قال المسور: فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) مجخيا: أي منكوسا.
(2) مسلم (144) .
(3) مسلم (2897) .
(4) مسلم (2867) .(11/5201)
فسمعته حين تشهّد. ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّي أنكحت أبا العاص بن الرّبيع. فحدّثني فصدّقني وإنّ فاطمة بنت محمّد مضغة منّي وإنّما أكره أن يفتنوها وإنّها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبدا» قال: فترك عليّ الخطبة) * «1» .
36-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة، قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه.
ومنّا من ينتضل، ومنّا من هو في جشره «2» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقّق «3» بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثمّ تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له:
أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «النساء/ 29» . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) * «4» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج في آخر الزّمان رجال يختلون الدّنيا بالدّين يلبسون للّناس جلود الضّأن من اللّين ألسنتهم أحلى من السّكّر وقلوبهم قلوب الذّئاب يقول الله- عزّ وجلّ-: أبي يغترّون أم عليّ يجترئون؟
فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا» ) *.
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5230) ، ومسلم (2449) واللفظ له، والترمذي 5 (3867) ، وابن ماجة 1 (1998) .
(2) جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت في مكانها.
(3) فيرقق: أي يخفف لعظم ما بعده.
(4) مسلم (1844) .(11/5202)
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إنّ الله تعالى قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، فبي حلفت لأتيحنّهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترّون أم عليّ يجترئون) * «1» .
38-* (عن كعب بن عياض قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ لكلّ أمّة فتنة وفتنة أمّتي المال) * «2» .
39-* (عن ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
من سكن البادية جفا ومن اتّبع الصّيد غفل. ومن أتى أبواب السّلطان افتتن) * «3» .
40-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنة، فقال: يقتل فيها هذا مظلوما لعثمان) * «4» .
41-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني اللّيلة ربّي- تبارك وتعالى- في أحسن صورة. قال أحسبه في المنام فقال:
يا محمّد. هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال:
قلت: لا. قال: فوضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت بردها بين ثدييّ- أو قال في نحري- فعلمت ما في السّموات وما في الأرض. قال: يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم. قال: في الكفّارات، والكفّارات المكث في المساجد بعد الصّلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمّه. وقال: يا محمّد إذا صلّيت فقل: اللهمّ إنّي أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحبّ المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. قال: والدّرجات إفشاء السّلام وإطعام الطّعام. والصّلاة باللّيل والنّاس نيام» ) * «5» .
42-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) أخرجهما الترمذي (2404، 2405) ثم قال: حديث حسن غريب من حديث ابن عمر لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. وفي سند حديث أبي هريرة: يحيى بن عبيد الله ابن عبد الله ابن موهب وهو متروك (التقريب (594) ، ومن ثم أتبعه الترمذي بقوله: وفي الباب عن ابن عمر- وفي سنده أيضا حمزة بن أبي محمد المدني وهو ضعيف (التهذيب (3/ 33) ولهذا حسنه.
(2) سنن الترمذي 4 (2336) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي وحسّن إسناده محقق جامع الأصول (1/ 610) .
(3) سنن الترمذي 4 (2256) ، ورواه أحمد وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني (6172) .
(4) سنن الترمذي 5 (3708) ، وحسن إسناده محقق جامع الأصول (8/ 645) .
(5) سنن الترمذي 5 (3234) واللفظ له، وقال: حسن غريب ثم روى بعده من حديث معاذ وقال: حسن صحيح وسياقه أطول، والموطأ (1/ 218) .(11/5203)
ما من أحد من النّاس تدركه الفتنة إلّا أنا أخافها عليه، إلّا محمّد بن مسلمة، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «لا تضرّك الفتنة» ) * «1» .
43-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من فتنة الدّجّال» ) * «2» .
44-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: بينما نحن حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ ذكر الفتنة فقال: «إذا رأيتم النّاس قد مرجت عهودهم وخفّت أماناتهم وكانوا هكذا» وشبّك بين أصابعه قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال «الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصّة نفسك ودع عنك أمر العامّة» ) * «3» .
45-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير شرّ؟ قال «فتنة وشرّ» قال: قلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الشّرّ خير؟ قال «يا حذيفة، تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه» ثلاث مرّات قال: قلت: يا رسول الله هل بعد هذا الشّرّ خير؟ قال «هدنة «4» على دخن، وجماعة على أقذاء، فيها أو فيهم» قلت يا رسول الله الهدنة على الدّخن ما هي؟ قال «لا ترجع قلوب أقوام على الّذي كانت عليه» قلت يا رسول الله أبعد هذا الخير شرّ؟
قال «فتنة عمياء صمّاء عليها دعاة على أبواب النّار فإن تمت يا حذيفة وأنت عاضّ على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم» ) * «5» .
46-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا قعودا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتّى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال هي هرب وحرب، ثمّ فتنة السّرّاء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنّه منّي وليس منّي وإنّما أوليائي المتّقون ثمّ يصطلح النّاس على رجل كورك على ضلع ثمّ فتنة الدّهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلّا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرّجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، حتّى يصير النّاس إلى فسطاطين
__________
(1) أبو داود 4 (4663) ، وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/ 17) .
(2) رواه مسلم (5455) ، وأبو داود 4 (4323) ، والحاكم في المستدرك (2/ 368) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) أبو داود 4 (4343) .
(4) الهدنة: الصلح والموادعة بين المسلمين والكفار وبين كل متحاربين.
(5) أبو داود 4 (4246) ، والحديث في الصحيحين البخاري (7084) ، ومسلم (1847) واللفظ لأبي داود.(11/5204)
فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدّجّال من يومه أو (من) غده» ) * «1» .
47-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: آيم الله لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها» ) * «2» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ستكون فتنة صمّاء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللّسان فيها كوقوع السّيف» ) * «3» .
49-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أمّتي هذه أمّة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدّنيا: الفتن والزّلازل والقتل» ) * «4» .
50-* (عن راشد بن سعد، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رجلا قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلّا الشّهيد، قال «كفى ببارقة السّيوف على رأسه فتنة» ) * «5» .
51-* (عن قيس بن عباد- رضي الله عنه- قال: صلّى عمّار بن ياسر بالقوم صلاة فأخفّها فكأنّهم أنكروها فقال: ألم أتمّ الرّكوع والسّجود قالوا: بلى قال:
أما إنّي دعوت فيها بدعاء كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو به «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وكلمة الإخلاص في الرّضا والغضب، وأسألك نعيما لا ينفد وقرّة عين لا تنقطع وأسألك الرّضا بالقضاء وبرد العيش بعد الموت، ولذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضرّاء مضرّة وفتنة مضلّة اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة
__________
(1) أبو داود 4 (4242) ، وصحح إسناده محقق جامع الأصول (10/ 24) .
(2) أبو داود 4 (4263) ، وصحح إسناده الشيخ الألباني- صحيح أبي داور (3/ 801) وانظر الصحيحة (973) .
(3) أبو داود 4 (4265) ، وفي سنده عبد الرحمن بن العيلماني ويشهد له الحديث الذي بعده (4265) عن عبد الله بن عمرو وكلاهما يتقوى بالآخر.
(4) أبو داود 4 (4278) ، وأحمد (4/ 410، 418) ، والحاكم (4/ 444) ، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في بذل الماعون، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 806) / 3597: صحيح.
(5) النسائي 4 (2053) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (4358) وانظر الترغيب (3/ 82) .(11/5205)
مهتدين» ) * «1» .
52-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: إنّكم تفتنون في القبور. فارتاع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّما تفتن يهود» وقالت عائشة فلبثنا ليالي ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّه أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور» قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد يستعيذ من عذاب القبر) * «2» .
53-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدته (تعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا هو بالبقيع فقال «السّلام عليكم دار قوم مؤمنين. أنتم لنا فرط وإنّا بكم لاحقون، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم» ) * «3» .
54-* (عن عبد الله بن بريدة أنّ أباه حدّثه، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فأقبل حسن وحسين، عليهما قميصان أحمران. يعثران ويقومان.
فنزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخذهما فوضعهما في حجره فقال:
«صدق الله ورسوله وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(الأنفال/ 28) رأيت هذين فلم أصبر» ثمّ أخذ في خطبته) * «4» .
55-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تكون فتنة تستنطف العرب، قتلاها في النّار. اللّسان فيها أشدّ من وقع السّيف» ) * «5» .
56-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «لم يبق من الدّنيا إلّا بلاء وفتنة» ) * «6» .
57-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال وحذّرناه، فكان من قوله أن قال «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم أعظم من فتنة الدّجّال، وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر
__________
(1) النسائي 3 (1306) ، نرواه الحاكم في المستدرك وصححه والسيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (1312) .
(2) البخاري- الفتح 1 (33) ، ومسلم (32) .
(3) مسلم (974) ، والنسائي (4/ 91- 94) ، وابن ماجه (1564) ومالك في الموطأ (1/ 242) .
(4) ابن ماجه 2 (3600) ، وأبو داود (1109) ، وصححه الألباني في مجمع أبي داود (1/ 206) / 981.
(5) أبو داود (4265) - وهو شاهد لحديث أبي هريرة الذي قبله، والترمذي (2178) ، وابن ماجة 2 (3967) واللفظ له، وأحمد (2/ 212) ، وصححه الشيخ أحمد شاكر (6980) .
(6) ابن ماجه 2 (4035) ، وقال في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات.(11/5206)
أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة» ) * «1» .
58-* (عن عديسة بنت أهبان- رضي الله عنها- قالت: لمّا جاء عليّ بن أبي طالب ها هنا البصرة دخل على أبي. فقال: يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى. قال: فدعا جارية له. فقال: يا جارية أخرجي سيفي، قال: فأخرجته. فسلّ منه قدر شبر فإذا هو خشب، فقال: إنّ خليلي وابن عمّك صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ إذا كانت الفتنة بين المسلمين فأتّخذ سيفا من خشب فإن شئت خرجت معك. قال: لا حاجة لي فيك ولا في سيفك) * «2» .
59-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقال: سبحان الله! ماذا أنزل اللّيلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟
أيقظوا صواحبات الحجر، فربّ كاسية في الدّنيا عارية في الآخرة» ) * «3» .
60-* (عن الزّبير بن العوّام أن مولاه أخبره أنّه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسلّم عليه، فقالت: إنّي أردت الخروج يا أبا عبد الرّحمن، اشتدّ علينا الزّمان، فقال لها عبد الله بن عمر: اقعدي لكع، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«لا يصبر على لأوائها وشدّتها أحد إلّا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» ) * «4» .
__________
(1) ابن ماجه 2 (4077) ، وأصل الحديث عند أبي داود بسند جيد وله شاهد. انظر الأحاديث (4315، 4322) .
(2) ابن ماجه 2 (3960) واللفظ له، والترمذي 4 (2204) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(3) البخاري- الفتح 1 (315) ، والموطأ (2/ 913) .
(4) الموطأ (2/ 3) ، وأصل الحديث عند مسلم (482) ، والترمذي (3924) ، وأحمد (2/ 397) .(11/5207)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفتنة) معنى
61-* (عن أبي إدريس الخولانيّ- رضي الله عنه- أنّه سمع حذيفة- رضي الله عنه- قال: «كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشّرّ من خير قال نعم. وفيه دخن. قلت. وما دخنه؟
قال: قوم يستنّون بغير سنّتي ويهدون بغير هديي.
تعرف منهم وتنكر. فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: نعم. دعاة على أبواب جهنّم. من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا.
قال: هم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله: فما ترى- إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم؟ قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلّها ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك) * «1» .
62-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا فتحت عليكم خزائن فارس والرّوم أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرّحمن بن عوف: نكون كما أمرنا الله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تتنافسون ثمّ تتحاسدون ثمّ تتدابرون ثمّ تتباغضون. أو غير ذلك ثمّ تنطلقون إلى مساكين المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض» ) * «2» .
63-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل حتّى إن كان منهم من أتى أمّه علانية ليكوننّ في أمّتي من يصنع ذلك وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة وستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة.
فكلّها في النّار إلّا ملّة واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما كان على ما أنا عليه وأصحابي» ) * «3» .
64-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا مشت أمّتي بالمطيطاء، وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والرّوم
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7084) ، ومسلم (1847) واللفظ له.
(2) مسلم (2962) .
(3) الترمذي (2641) ، وقال مخرج جامع الأصول: حسن بشواهده (10/ 34) .(11/5208)
سلّط شرارها على خيارها» ) * «1» .
65-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: العبادة في الهرج كهجرة إليّ» ) * «2» .
66-* (عن عرفجة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه ستكون هنات «3» وهنات. فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة وهي جميع فاضربوه بالسّيف كائنا من كان» ) * «4» .
67-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين. فإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ولا تقوم السّاعة حتّى تلتحق قبائل من أمّتي بالمشركين وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان وإنّه ليكون في أمّتي ثلاثون كذّابون. كلّهم يزعم أنّه نبيّ وأنا خاتم النّبيّين لا نبيّ بعدي. ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك» ) * «5» .
68-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل الفدّادين أهل الوبر.
والسّكينة في أهل الغنم» ) * «6» .
69-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «7» .
70-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «ويل للعرب من شرّ قد اقترب. أفلح من كفّ يده» ) * «8» .
71-* (عن سعيد بن العاص قال: أخبرني جدّي. قال كنت مع مروان وأبي هريرة في مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمعت أبا هريرة يقول. سمعت الصّادق المصدوق يقول: «هلاك أمّتي على يدي أغيلمة من قريش فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة قال أبو هريرة: إن شئت أن أسمّيهم بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدّي إلى بني مروان حين ملّكوا بالشّام فإذا رآهم غلمانا أحداثا. قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا
__________
(1) الترمذي 4 (2261) وذكره الألباني في الصحيحة (956) ، وذكر له شواهد منها المشاهد حسن عند الطبراني.
(2) مسلم 4 (2948) واللفظ له، الترمذي 4 (2201) ، وابن ماجه 2 (3985) ، وجامع الأصول 10 (18) .
(3) هنات: المراد بها هنا: الفتن والأمور الحادثة.
(4) مسلم (1852) واللفظ له.
(5) مسلم رقم (1920) .
(6) مسلم (52) واللفظ له، البخاري- الفتح 7 (4388) .
(7) مسلم (65) .
(8) أبو داود 4 (4249) ، وجامع الأصول 10 (19) .، وقال محققه: إسناده صحيح.(11/5209)
أنت أعلم» ) * «1» .
72-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على النّاس زمان لا يدري القاتل في أيّ شيء قتل ولا يدري المقتول في أيّ شيء قتل» قيل: وكيف؟ قال: «الهرج القاتل والمقتول في النّار» ) * «2» .
73-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يذهب اللّيل والنّهار. حتّى تعبد اللّات والعزّى. قلت: يا رسول الله إن كنت لأظنّ حين أنزل الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* أنّ ذلك تامّ. قال: إنّه سيكون من ذلك ما شاء الله. ثمّ يبعث الله ريحا طيّبة فيتوفّى كلّ من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم» ) * «3» .
74-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطّائفتين بالحقّ» ) * «4» .
75-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا أبا ذرّ. قلت: لبّيك يا رسول الله وسعديك» فذكر الحديث. كذا قال أبو داود، ولم يذكر لفظه. وقال فيه كيف أنت إذا أصاب النّاس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟ قلت: الله ورسوله أعلم- أو قال: ما خار الله لي ورسوله- قال:
«عليك بالصّبر» - أو قال تصبر- ثمّ قال لي: «يا أبا ذرّ» . قلت: لبّيك وسعديك. قال: «كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: «عليك بمن أنت منه» . قلت: يا رسول الله: أفلا آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال:
«شاركت القوم إذا» . قلت: فما تأمرني؟ قال: «تلزم بيتك؟» قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال: «فإن خشيت أن يبهرك شعاع السّيف. فألق ثوبك على وجهك، يبوء بإثمك وإثمه» ) * «5» .
76-* (عن أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«سيكون في أمّتي اختلاف وفرقة وقوم يحسنون القيل
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7058) .
(2) مسلم رقم (2908) .
(3) مسلم رقم (2907) .
(4) مسلم رقم (1065) .
(5) أبو داود 4 (4261) واللفظ له، وجامع الأصول (10/ 7) ، وقال محققه: وهو حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3583) .(11/5210)
ويسيئون الفعل. يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، ثمّ لا يرجعون حتّى يرتدّ على فوقه. هم شرّ الخلق والخليقة.
طوبى لمن قتلهم وقتلوه. يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء. من قاتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التّحليق» ) * «1» .
77-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال قائل من قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثيرون ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفنّ في قلوبكم الوهن» قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الفتنة)
1-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال يصف الدّنيا: أوّلها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صحّ فيها أمن، ومن حرص ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها «3» فتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن نظر بها «4» بصّرته) * «5» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
خرج الرّجّال «6» مع مسيلمة وشهد له بالنّبوة، فكانت فتنة الرّجّال أعظم من فتنة مسيلمة) * «7» .
3-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: دخلت على حفصة ونوساتها تنطف «8» - قلت: قد كان من أمر النّاس ما ترين. فلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت: الحق. فإنّهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه
__________
(1) أبو داود (4765) ، وأصل الحديث في البخاري- الفتح 10 (7562) ، وقال محقق «جامع الأصول (10/ 89) : وهو حديث صحيح.
(2) أبو داود 4 (4297) ، وأحمد في «المسند» (5/ 278) من طريق آخر وإسناده قوي، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3610) : صحيح، وانظر الصحيحة (958) .
(3) ساعاها أي سعى إليها وسابقها وجاراها.
(4) نظر بها: أي اعتبر بها.
(5) أدب الدنيا والدين للماوردي (115) .
(6) الرّجّال: هو أحد المرتدين الذين تابعوا مسيلمة الكذاب وهو الرّجّال بن عنفوة. (الطبري 3/ 282) .
(7) البداية والنهاية (6/ 365) .
(8) نوساتها تنطف: أي قرون رأسها تقطر الماء.(11/5211)
حتّى ذهب. فلمّا تفرّق النّاس خطب معاوية. وقال:
من كان يريد أن يتكلّم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحقّ به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة:
فهلّا أجبته قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحقّ بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرّق بين الجمع وتسفك الدّم ويحمل عنّي غير ذلك فذكرت ما أعدّ الله تعالى في الجنان قال حبيب: حفظت وعصمت) * «1» .
4-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟
والله ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدّنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلّا قد سمّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته) * «2» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال رجل عنده: ما أحبّ أن أكون من أصحاب اليمين، أحبّ أن أكون من المقرّبين فقال عبد الله لكن ههنا رجل ودّ أنّه إذا مات لم يبعث يعني نفسه. وخرج ذات يوم فأتبعه ناس فقال لهم ألكم حاجة؟ قالوا لا ولكن أردنا أن نمشي معك قال: ارجعوا فإنّه ذلّة للتّابع وفتنة للمتبوع) * «3» .
6-* (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ ابن عمر أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا: إنّ النّاس صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فما يمنعك أن تخرج فقال:
يمنعني أنّ الله حرّم عليّ دم أخي المسلم فقالا: ألم يقل الله تعالى وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة/ 193) قال: قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنة وكان الدّين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة ويكون الدّين لغير الله) * «4» .
7-* (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا أتى ابن عمر فقال «يا أبا عبد الرّحمن ما حملك على أن تحجّ عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله وقد علمت ما رغّب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله والصّلاة الخمس وصيام رمضان وأداء الزّكاة وحجّ البيت فقال يا أبا عبد الرّحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا- إلى قوله- إِلى أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات/ 9) وقال: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (البقرة 193) قال فعلنا على عهد
__________
(1) البخاري رقم (4108) وجامع الأصول (10/ 93) .
(2) أبو داود 4 (4243) .
(3) الفوائد لابن القيم (199) .
(4) البخاري رقم (4514) وجامع الأصول (10/ 95) .(11/5212)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان الإسلام قليلا. فكان الرّجل يفتن في دينه إمّا قتلوه وإمّا عذّبوه حتّى كثر الإسلام. فلم تكن فتنة قال. فما قولك في عليّ وعثمان قال أمّا عثمان:
فكان الله عفا عنه وأمّا أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه وأمّا عليّ: فابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وختنه «1» ) * «2» .
8-* (عن عبد الله بن زياد- رضي الله عنه- قال «لمّا سار طلحة والزّبير وعائشة- رضي الله عنهم- إلى البصرة بعث عليّ عمّار بن ياسر وحسنا. فقدما علينا الكوفة. فصعدا المنبر وكان حسن بن عليّ في أعلاه وعمّار أسفل منه فاجتمعنا إليهما فسمعت عمّارا يقول:
إنّ عائشة قد صارت إلى البصرة والله إنّها لزوجة نبيّكم في الدّنيا والآخرة ولكنّ الله ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي) * «3» .
9-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
أوّل الفتن قتل عثمان وآخر الفتن الدّجّال) * «4» .
10-* (عن ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ 191) يقول: الشّرك أشدّ. وقال أيضا: الفتنة الّتي أنتم مقيمون عليها أكبر من القتل) * «5» .
11-* (وعن مجاهد في الآية السّابقة قال:
ارتداد المؤمن إلى الوثن أشدّ عليه من أن يقتل محقا «6» ) * «7» .
12-* (عن مجاهد في قوله تعالى ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ (آل عمران/ 7) قال: الشّبهات) * «8» .
13-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ (المائدة/ 41) قال أي ضلالته في الدّنيا وعقوبته في الآخرة) * «9» .
14-* (عن مجاهد في قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ (المائدة/ 71) قال: يهود، وعن جرير والحسن فيها قالوا: بلاء.
وعن قتادة في نفس الآية قال: حسب القوم ألّا يكون بلاء فَعَمُوا وَصَمُّوا قال: كلّما عرض لهم بلاء ابتلوا به هلكوا فيه. وأخرج ابن جرير عن السّدّيّ في الآية قال: حسبوا ألّا يبتلوا فعموا عن الحقّ) * «10» .
__________
(1) الختن: زوج البنت ويطلق عليه الصهر أيضا.
(2) البخاري رقم (4650) وجامع الأصول (10/ 73) .
(3) البخاري رقم (7100) وجامع الأصول (10/ 74) .
(4) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 211) .
(5) الدر المنثور (1/ 371) .
(6) محقا: المحق هو النقص والمحو والابطال (النهاية لابن الأثير (4/ 303) .
(7) الدر المنثور للسيوطي (1/ 371) .
(8) الدر المنثور للسيوطي (2/ 7) .
(9) القرطبي (6/ 118) .
(10) الدر المنثور للسيوطي (2/ 531) .(11/5213)
15-* (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (يونس/ 85) قال: المعنى لا تهلكنا بأيدي أعدائنا ولا تعذّبنا بعذاب من عندك فيقول أعداؤنا: لو كانوا على حقّ لم نسلّط عليهم فيفتنوا) * «1» .
16-* (عن عكرمة في قوله تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً (الفرقان/ 20) قال: هو التّفاضل في الدّنيا، والقدرة، والقهر.
وقال جريج: يمسك على هذا أو يوسّع على هذا فيقول: لم يعطني ربّي ما أعطى فلانا، ويبتلى بالوجع فيقول: لم يجعلني ربّي صحيحا مثل فلان. في أشباه ذلك من البلاء ليعلم من يصبر ممّن يجزع وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً بمن يصبر ومن يجزع) * «2» .
17-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ (الذاريات/ 14) : أي عذابكم، وقال مجاهد:
حريقكم. وقال ابن عبّاس: أي تكذيبكم يعني جزاءكم. وقال الفرّاء: أي عذابكم) * «3» .
18-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (الممتحنة/ 9) : أي لا تظهر عدوّنا علينا فيظنّوا أنّهم على حقّ فيفتنوا بذلك، وقيل لا تسلّطهم علينا فيفتنونا ويعذّبونا) * «4» .
19-* (وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله تعالى: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال: لا تسلّطهم علينا فيفتنونا) * «5» .
20-* (قال النّوويّ: في قوله: صلّى الله عليه وسلّم «لا تقوم السّاعة حتّى تقتتل فئتان عظيمتان» : واعلم أنّ الدّماء الّتي جرت بين الصحابة- رضي الله عنهم- ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السّنّة والحقّ:
إحسان الظّنّ بهم، والإمساك عمّا شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنّهم مجتهدون متأوّلون لم يقصدوا معصية ولا محض الدّنيا، بل اعتقد كلّ منهم أنّه المحقّ، ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله، ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبا، وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ، لأنّه الاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان عليّ- رضي الله عنه- هو المحقّ المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السّنّة، وكانت القضايا مشتبهة حتّى إنّ جماعة من الصحابة تحيّروا فيها، فاعتزلوا الطّائفتين، ولم يقاتلوا، ولم يتيقّنوا الصّواب، ثمّ تأخّروا عن مساعدة أيّ منهم) * «6» .
21-* (قال النّوويّ: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا
__________
(1) تفسير القرطبي (8/ 237) .
(2) الدر المنثور للسيوطي (5/ 120) .
(3) تفسير القرطبي (17/ 24) .
(4) القرطبي (18/ 39) .
(5) الدر المنثور للسيوطي (6/ 305) .
(6) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 239) .(11/5214)
تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار» ، وفي غيره من الأحاديث الّتي في معناه. وقد اختلف العلماء في قتال الفتنة، فقالت طائفة: لا يقاتل الرّجل في فتن المسلمين، وإن دخلوا عليه بيته، وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه لأنّ الطّالب متأوّل، وهذا مذهب أبي بكرة الصّحابيّ- رضي الله عنه- وغيره، وقال ابن عمر وعمران بن الحصين- رضي الله عنهم- وغيرهما:
لا يدخل فيها، لكن إن قصد دفع عن نفسه فهذان المذهبان متّفقان على ترك الدّخول في جميع فتن علماء الإسلام وقال معظم الصّحابة والتّابعين وعامّة علماء الإسلام: يجب نصر المحقّ في الفتن، والقيام معه بمقاتلة الباغين، كما قال تعالى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (الحجرات/ 9) وهذا هو الصّحيح، وتتأوّل الأحاديث على من لم يظهر له المحقّ، أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما، ولو كان كما قال الأوّلون لظهر الفساد، واستطال أهل البغي والمبطلون) * «1» .
22-* (قال النّوويّ في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «ما تركت بعدي فتنة أضرّ ... فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء» ، ومعناه: تجنّبوا الافتتان بها وبالنّساء، وتدخل في النّساء الزّوجات، لدوام فتنتهنّ، وابتلاء أكثر النّاس بهنّ) * «2» .
23-* (قال النّوويّ في حديث: «بادروا بالأعمال فتنا..» : معنى الحديث: الحثّ على المبادرة إلى الأعمال الصّالحة قبل تعذّرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشّاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام اللّيل المظلم لا المقمر ووصف صلّى الله عليه وسلّم نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أنّه يمسي مؤمنا ثمّ يصبح كافرا أو عكسه، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب) * «3» .
24-* (قال ابن حجر في حديث: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرّجال من النّساء» : الفتنة بالنّساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ (آل عمران/ 14) فجعلهنّ من حبّ الشّهوات، وبدأ بهنّ قبل بقيّة الأنواع إشارة إلى أنّهنّ الأضلّ في ذلك، ويقع في المشاهدة حبّ الرّجل ولده من امرأته الّتي هي عنده أكثر من حبّه ولده من غيرها، ومن أمثلة ذلك قصّة النّعمان بن بشير في الهبة، وقد قال بعض الحكماء:
النّساء شرّ كلّهنّ، وأشرّ ما فيهنّ عدم الاستغناء عنهنّ لأنّها ناقصة العقل والدّين تحمل الرّجل على تعاطي ما
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 237) .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 65) .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 410) .(11/5215)
فيه نقص العقل والدّين كشغله عن طلب أمور الدّين وحمله على التّهالك على طلب الدّنيا، وذلك أشدّ الفساد) * «1» .
25-* (قال ابن حجر: فإن وقعت الفتنة ترجّحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة، فتعمّ من ليس من أهلها كما قال الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) * «2» .
26-* (قال ابن حجر: في المرد من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم، ولأنّه يمكن في حقّه من الشّرّ ما لا يمكن في حقّ النّساء ويسهل في حقّه من طرق الرّيبة والشّرّ، ما لا يسهل في حقّ المرأة فهو بالتّحريم أولى) * «3» .
27-* (قال ابن حجر في حديث: «كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه..» : أشارت عائشة إلى بيان مشروعيّة الهجرة، وأنّ سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علّته، فمقتضاه أنّ من قدر على عبادة الله في أيّ موضع اتّفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلّا وجبت، ومن ثمّ قال الماورديّ: إذا قدر على إظهار الدّين في بلد من بلاد الكفر، فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرّحلة منها لما يترجّى من دخول غيره في الإسلام) * «4» .
28-* (وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى- في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن، القائم فيها خير من القاعد..
إلى قوله فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به» «5» في الحديث التّحذير من الفتنة والحثّ على اجتناب الدّخول فيها وأنّ شرّها يكون بحسب التّعلّق بها، وقد اختلف السّلف في ذلك فحمله بعضهم على العموم وهم من قعد عن الدّخول في القتال بين المسلمين كابن عمر- رضي الله عنهما- ومن كان على شاكلته وقد لزمت منهم طائفة البيوت وارتحلت طائفة عن بلد الفتنة «6» ، ورأي جمهور الفقهاء أنّه إذا بغت طائفة على الإمام وجب قتالها، وكذلك لو تحاربت طائفتان من المؤمنين وجب على كلّ قادر الأخذ على يد المخطىء ونصر المصيب ذلك أنّ إنكار المنكر «7» واجب على كلّ من قدر عليه، فمن أعان المحقّ أصاب، ومن أعان المخطىء أخطأ، وإن أشكل الأمر (بحيث لا يتبيّن المخطىء من المصيب) فهي الحالة الّتي ورد النّهي عن
__________
(1) فتح الباري (9/ 41) .
(2) فتح الباري (13/ 46، 47) .
(3) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 7) .
(4) فتح الباري (7/ 270) وانظر الحديث في البخاري- الفتح 7 (3900) .
(5) انظر الحديث في البخاري- الفتح 13 (7082) .
(6) المراد بالفتنة هنا ما ينشأ عن الخلاف في طلب الحكم.
(7) نقل ابن حجر هذا الرأي عن الطبري.(11/5216)
القتال فيها) * «1» .
29-* (قال الحسن بن ذكوان: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإنّ لهم صورا كصور العذارى، وهم أشدّ فتنة من النّساء) * «2» .
30-* (قال ابن القيّم لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا، فإن آمن آمن وإن كفر كفر، وإن كنتم لابدّ مقتدين فاقتدوا بالميّت، وإنّ الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة) * «3» .
31-* (عن ابن شبرمة قال: قال طلحة لأهل الكوفة: في النّبيذ فتنة يربو فيها الصّغير ويهرم فيها الكبير قال: وكان إذا كان فيهم عرس كان طلحة وزبير يسقيان اللّبن والعسل فقيل لطلحة: ألا نسقيهم النّبيذ قال: إنّي أكره أن يسكر مسلم في سببي) * «4» .
32-* (قال الماورديّ: قال بعض البلغاء:
الدّنيا لا تصفوا لشارب ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة، ولا تخلي من محنة، فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك) * «5» .
33-* (عن عطاء بن أبي رباح قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير اللّيثيّ، فسألناها عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء ولكن جهاد ونيّة) * «6» .
34-* (عن وبرة قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما-: أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحجّ؟ فقال: وما يمنعك؟ قال: إنّي رأيت ابن فلان نكرهه وأنت أحبّ إلينا منه. رأيناه قد فتنته الدّنيا.
فقال: وأيّنا أو أيّكم، لم تفتنه الدّنيا؟ ثمّ قال: رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحرم بالحجّ وطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة، فسنّة الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أحقّ أن تتّبع من سنّة فلان إن كنت صادقا) * «7» .
35-* (عن أبي سنان قال: إنّ راهبا لقي سعيد بن جبير فقال: يا سعيد في الفتنة يتبيّن من يعبد الله ممّن يعبد الطّاغوت) * «8» .
36-* (قال أبو موسى- رضي الله عنه- لمّا قتل عثمان- رضي الله عنه-: إنّما هذه حيصة من
__________
(1) فتح الباري (13/ 34- 35) بتصرف واختصار.
(2) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 7) .
(3) الفوائد (204) .
(4) النسائى 8 (5757) .
(5) أدب الدنيا والدين (115) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3900) .
(7) مسلم (1233) .
(8) السنن الواردة في الفتن وغوائلها (1/ 235) .(11/5217)
حيصات الفتن، وبقيت الرّداح المطبقة «1» الّتي من ماج بها ماجت به، ومن أشرف لها استشرفت له) * «2» .
37-* (قال يزيد بن صهيب (الفقير) : من تقلّد سيفه في هذه الفتن، لم يزل الله ساخطا عليه حتّى يضعه عنه) * «3» .
من مضار (الفتنة)
(1) ضررها أشدّ من ضرر القتل.
(2) هي من أكبر أسباب كثرة إراقة الدّماء.
(3) خسران في الدّنيا وفي الآخرة.
(4) أنّها تعمي عن الحقّ وعن الصّراط المستقيم.
(5) الفتنة والشّيطان قرينان، ومن ثمّ فليس لأهل الفتنة سوى النّار.
(6) تلقي بالشّبهات في دين المؤمن.
(7) فتنة الرّجل في أهله قد تصرفه عن الدّين.
(8) من أشدّ ما يقلّب قلب المؤمن.
(9) الفتنة بمعنى الاقتتال على الحكم من أهمّ عوامل خراب المجتمعات.
(10) الاقتتال في الفتنة يحقّق غرض أعداء الدّين وينهك المسلمين اقتصاديّا واجتماعيّا وصحّيّا.
(11) الفتنة تفقد المجتمع عزّته وتجعل المقتتلين يتسوّلون الإحسان من أعداء الدّين.
(12) الفتن من أهمّ عوامل تخلّف المجتمعات الإسلاميّة وتجعل مقاديرهم في غير أيديهم.
__________
(1) وبقيت الرداح المطبقة: يعني (الثقيلة العظيمة) .
(2) المصنف لابن أبي شيبة (15/ 184) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (15/ 25) .(11/5218)
الفجور
الفجور لغة:
الفجر والفجور: الانبعاث في المعاصي، وهو مأخوذ من مادّة «ف ج ر» الّتي تدلّ على التّفتّح في الشّيء، يقول ابن فارس: الفاء والجيم والرّاء أصل واحد، وهو التّفتّح في الشّيء، من ذلك الفجر: انفجار الظّلمة عن الصّبح، ومنه انفجر الماء انفجارا: تفتّح..
ثمّ كثر هذا حتّى صار الانبعاث والتّفتّح في المعاصي فجورا، ولذلك سمّي الكذب فجورا. ثمّ كثر هذا حتّى سمّي كلّ مائل عن الحقّ فاجرا، وكلّ مائل عندهم: فاجر «1» .
وجعل الرّاغب أصل المادّة الشّقّ فقال: الفجر شقّ الشّيء شقّا واسعا، يقال: فجرته فانفجر، يقال:
فجر فجورا فهو فاجر، وجمعه فجّار وفجرة، قال تعالى:
كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (المطففين/ 7) وقال- عزّ وجلّ- أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (عبس/ 42) ، وسمّي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور «2» .
ويقول الزّبيديّ: وأصل الفجر الشّقّ، ثمّ استعمل كالفجورة في الانبعاث في المعاصي والمحارم
والزّنى وركوب كلّ أمر قبيح من يمين كاذبة أو كذب ونحو ذلك، يقال: فجر الرّجل بالمرأة يفجر فجورا، زنى، والمرأة زنت فهي فجور كصبور من قوم فجر ويقال للمرأة يا فجار كقطام، وهو اسم معدول عن الفاجرة، يريد يا فاجرة. وفجر فجورا عصى وخالف، وبه فسّر ثعلب قولهم في الدّعاء: «ونخلع ونترك من يفجرك» فقال: من يعصيك ومن يخالفك ... ويقال:
أفجر الرّجل، إذا كذب، وأفجر إذا زنى، وأفجر إذا كفر، وأفجر إذا عصى بفرجه، وأفجر إذا مال عن الحقّ «3» .
وقال ابن منظور: الفجور: الرّيبة والكذب. وأصله الميل عن الحقّ.
والفاجر: المائل، وقال الشّاعر:
قتلتم فتى لا يفجر الله عامدا ... ولا يحتويه جاره حين يمحل
أي لا يفجر أمر الله أي لا يميل عنه ولا يتركه.
وفجر الإنسان يفجر فجرا وفجورا: انبعث في المعاصي. وفي الحديث: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله» . الفجّار: جمع فاجر وهو
__________
(1) المقاييس (4/ 475) .
(2) المفردات (373) .
(3) التاج (7/ 338، 339، 340) . والمصباح (176) .(11/5219)
المنبعث في المعاصي والمحارم.
وفجر فجورا أي فسق. وفجر إذا كذب.
وفجر الرّجل بالمرأة يفجر فجورا: زنى، وفجرت المرأة: زنت «1» .
وقال الخطّابيّ فيما يروى عن أبي ذرّ قال: «كنّا نتحدّث أنّ التّاجر فاجر» ... وعنه: التّاجر عندهم الخمّار، اسم يخصّونه به من بين التّجّار.
وأصل الفجور: الميل والعدول. وإنّما قيل للكذب الفجور، وللكاذب الفاجر لميله عن الصّدق وعدوله عنه. ومنه قول مطرّف: «المعاذر متاجر» يريد أنّ العذر يشوبه الكذب. ومن هذا قول الأعرابيّ في عمر ... يستحمله. فقال: إنّ أهلي بعيد وإنّي على ناقة دبراء عجفاء نقباء. وسأله أن يحمله على بعير فظنّ أنّه كذب فلم يحمله، فانطلق الأعرابيّ فحمّل بعيره، ثمّ استقبل البطحاء فجعل يقول وهو يمشي خلف بعيره:
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما إن بها من نقب ولا دبر
اغفر له اللهمّ إن كان فجر
وعمر مقبل من أعلى الوادي يمشي فجعل إذ قال: اغفر له اللهمّ إن كان فجر. قال: اللهمّ صدق.
حتّى التقيا. فأخذ عمر بيده فقال: ضع عن راحلتك، فوضع فإذا هي نقبة عجفاء دبرة، فانطلق فحمله على بعير وزوّده وكساه وخلّى عنه، يريد إن كان فجر أي مال عن الصّدق «2» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: هو هيئة حاصلة للنّفس، بها يباشر أمورا على خلاف الشّرع والمروءة «3» .
وقال الرّاغب: الفجور: شقّ ستر الدّيانة «4» .
وقال الجاحظ: الفجور هو الانهماك في الشّهوات، والاستكثار منها، والتّوفّر على اللّذّات، والإدمان عليها، وارتكاب الفواحش، والمجاهرة بها، وبالجملة هو السّرف في جميع الشّهوات «5» .
حكم الفجور:
الفجور بكلّ أنواعه من كفر ومعصية وكذب وزنى وعدول عن الحقّ من الكبائر، وقد نهينا ليس فقط عن الفجور، وإنّما عن معاملة الفجّار والجلوس معهم، قال الإمام العزّ: فراق الفجرة من شيم البررة؛ لأنّ جليس السّوء كنافخ الكير «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسراف- الزنا- شرب الخمر- العصيان- الفسوق- المجاهرة بالمعصية- الكذب- اتباع الهوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الطاعة- حفظ الفرج- الإيمان- العبادة- الحجاب البر] .
__________
(1) لسان العرب (5/ 4746) .
(2) غريب الحديث للخطابي (2/ 277، 279) ، تحقيق عبد الكريم العزباوي جامعة أمّ القرى ط سنة 1402 هـ.
(3) التعريفات (171) .
(4) المفردات (273) ، وقد جمع ابن المناوي بين ما ذكره الجرجاني والراغب في تعريفه للفجور، انظر التوقيف (257) .
(5) تهذيب الأخلاق (28) .
(6) شجرة المعارف والأحوال (287) .(11/5220)
الآيات الواردة في «الفجور»
1- أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (2) «1»
2- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) «2»
3- لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1)
وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3)
بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5)
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) «3»
4- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40)
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41)
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «4»
5- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) «5»
6- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8)
كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) «6»
7- وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1)
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2)
وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3)
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (5)
وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6)
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7)
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) «7»
__________
(1) ص: 28 مكية
(2) نوح: 26- 27 مكية
(3) القيامة: 1- 6 مكية
(4) عبس: 33- 42 مكية
(5) الانفطار: 13- 14 مكية
(6) المطففين: 7- 9 مكية
(7) الشمس: 1- 8 مكية(11/5221)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفجور)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيد عبد الرّحمن بن عوف. فانطلق به إلى ابنه إبراهيم. فوجده يجود بنفسه، فأخذه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضعه في حجره فبكى. فقال له عبد الرّحمن: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟
قال: «لا. ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين:
صوت عند مصيبة، خمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع خلال من كنّ فيه كان منافقا خالصا: من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.
ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها» ) * «2» .
3-* (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- أنّ امرأة يعني من غامد أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت:
إنّي قد فجرت. فقال: «ارجعي» فرجعت. فلمّا كان الغد أتته فقالت: لعلّك أن تردّني كما رددت ما عز بن مالك، فو الله إنّي حبلى. فقال لها: «ارجعي» فرجعت.
فلمّا كان الغد أتته، فقال لها: «ارجعي حتّى تلدي» فرجعت، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: «ارجعي فأرضعيه حتّى تفطميه» .
فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله فأمر بالصّبيّ فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها؛ وأمر بها فرجمت، وكان خالد فيمن يرجمها فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته، فسبّها.
فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مهلا يا خالد. فو الّذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» وأمر بها فصلّي عليها ودفنت) * «3» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم» قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» قالوا: لا.
يا رسول الله. قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «4» .
إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن: ليتّبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله- سبحانه- من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «5» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟
__________
(1) الترمذي (1005) وقال: هذا حديث حسن، والحديث أصله في الصحيحين.
(2) البخاري- الفتح 6 (3178) واللفظ له، ومسلم (58) .
(3) مسلم (1695) ، وأبو داود (4442) واللفظ له.
(4) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.
(5) وغير أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر.(11/5222)
قالوا: كنّا نعبد عزير بن الله. فيقال: كذبتم ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد ... » الحديث) * «1» .
5-* (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فرأى النّاس يتبايعون، فقال:
«يا معشر التّجّار» . فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «2» .
6-* (عن أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاريّ رضي الله عنه- أنّه كان يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مرّ عليه بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه» . قالوا:
يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه، قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدّنيا وأذاها إلى رحمة الله عزّ وجلّ- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشّجر والدّوابّ» ) * «3» .
7-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة: المنّان الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره» ) * «4» .
8-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال الحضرميّ: يا رسول الله إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: فلك يمينه. قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي عن ما حلف عليه وليس يتورّع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا أدبر- «أما لئن حلف على مال ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «5» .
9-* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين ... » الحديث وفيه: «فلمّا رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» . فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم. فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7439) ، ومسلم (183) واللفظ له.
(2) الترمذي (1210) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة (2146) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6512) ، ومسلم (950) متفق عليه.
(4) مسلم (106) .
(5) مسلم (139) واللفظ له وابن ماجة (2322) ، أبو داود (3245) .(11/5223)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب:
باسمك اللهمّ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا «بسم الله الرّحمن الرّحيم» ...
الحديث» ) * «1» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت ليلة أسري بي عفريتا من الجنّ يطلبني بشعلة من نار، كلّما التفتّ إليه رأيته» . فقال جبريل: ألا أعلّمك كلمات تقولهنّ، فتنطفىء شعلته ويخرّ لفيه؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«بلى» . فقال جبريل: قل: «أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض ومن شرّ ما يخرج منها، ومن فتن اللّيل والنّهار، ومن طوارق اللّيل «2» ، إلّا طارقا بخير يا رحمن» ) * «3» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام هذا من أهل النّار. فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل:
يا رسول الله، الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قد قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكنّ به جراحا شديدا «4» فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك. ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: «إنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «5» .
12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ «6» . وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب. فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار. وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «7» .
13-* (عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها ... الحديث وفيه: «قال:
ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «8» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) .
(2) طوارق الليل: الطوارق جمع طارق، وهي ما ينزل من المصائب في الليل.
(3) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 950) ، وأحمد في المسند (3/ 419) وقال محقق جامع الأصول (4/ 367) : حديث حسن.
(4) ورد هكذا في الأصل والمراد جراحا شديدة.
(5) البخاري- الفتح 6 (3062) واللفظ له، ومسلم (111) .
(6) البر: اسم جامع للخير كله. وقيل: البر الجنة.
(7) البخاري- الفتح 10 (6094) ، ومسلم (2607) واللفظ له، وأبو داود (4989) والترمذي (1971) .
(8) الذي فيه عيناه: يريد رأسه.(11/5224)
برجل من العبلات «1» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «2» . في سبعين من المشركين.
فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «3» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح: 24) الآية كلّها) * «4» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات «5» : ثنتين في ذات الله.
قوله: إنّي سقيم. وقوله: بل فعله كبيرهم هذا. وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة. وكانت أحسن النّاس. فقال لها: إنّ هذا الجبّار، إن يعلم أنّك امرأتي، يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي.
فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار. أتاه، فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم- عليه السّلام- إلى الصّلاة. فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها. فقبضت يده قبضة شديدة. فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك.
ففعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى. فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي.
فلك الله أن لا أضرّك. ففعلت وأطلقت يده. ودعا الّذي جاء بها فقال له: إنّك إنّما أتيتني بشيطان. ولم تأتني بإنسان. فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر.
قال: فأقبلت تمشي. فلمّا رآها إبراهيم- عليه السّلام- انصرف. فقال لها مهيم؟ «6» ؟ قالت: خيرا. كفّ الله يد الفاجر. وأخدم خادما «7» » ) * «8» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعل الّذي يدهده «9» الخرء بأنفه، إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة «10» الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم وآدم خلق من
__________
(1) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
(2) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(3) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين.
(4) مسلم 3 (1807) .
(5) قال أبو البقاء: الجيّد أن يقال بفتح الذال في الجمع.
(6) مهيم: أي ما شأنك؟ وما خبرك؟.
(7) وأخدم خادما: أي وهبني خادما وهي هاجر. ويقال: آجر. والخادم يقع على الذكر والأنثى.
(8) البخاري- الفتح 6 (3358) ، ومسلم (2371) واللفظ له.
(9) يدهده الخرء: أي يدحرجه أمامه وهذه طبيعة الجعل وهو المسمى عند العامة بالجعران.
(10) عبّيّة الجاهلية: أي تخونها وكبرها وأصلها من العب وهو الثقل، العبّيّة: بضم العين وكسر الباء الموحدة وتشديدها وفتح الياء المثناة وتشديدها.(11/5225)
تراب» ) * «1» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الخامة «2» من الزّرع: من حيث أتتها الرّيح كفأتها، فإذا اعتدلت تكفّأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة صمّاء معتدلة، حتّى يقصمها الله إذا شاء» ) * «3» .
17-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن كالأترجّة طعمها طيّب، وريحها طيّب، والّذي لا يقرأ كالتّمرة طعمها طيّب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الّذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ.
ومثل الفاجر الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ ولا ريح لها» ) * «4» .
18-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف يمين صبر «5» ليقتطع بها مال امرىء مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان» فأنزل الله تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلى آخر الآية. قال: فدخل الأشعث ابن قيس، وقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: فيّ أنزلت. كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بيّنتك أو يمينه» ، فقلت: إذا يحلف يا رسول الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم، وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان» ) * «6» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «7» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «8» ، يغضب لعصبة «9» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «10» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه» ) * «11» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) أبو داود (5116) وحسنه الألباني صحيح أبي داود (4269) ، والترمذي (3955) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب.
(2) الخامة: هي الطاقة الطرية اللينة.
(3) البخاري- الفتح 10 (5644) واللفظ له، ومسلم (2809) . والترمذي (2866) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7560) واللفظ له. ومسلم (797) .
(5) يمين صبر: يمين الصبر هي التي يحبس الحالف نفسه عليها.
(6) البخاري- الفتح 8 (4549، 4550) واللفظ له، ومسلم (138) .
(7) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم
(8) عمية: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه
(9) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه.
(10) ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته.
(11) مسلم (1848) .(11/5226)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «1» كريم، والفاجر خبّ «2» لئيم» ) * «3» .
21-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
وافقت ربّي في ثلاث: فقلت يا رسول الله، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلّى. فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنّه يكلّمهنّ البرّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغيرة عليه فقلت لهنّ: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ. فنزلت هذه الآية» ) * «4» .
22-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي، إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي، كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي، كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفجور) معنى
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ «6» الخصم «7» » ) * «8» .
24-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال
__________
(1) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرا نسبة له، إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس. فكأنه لم يجرب بواطن الأمور.
(2) الخب: الخداع المكار الخبيث.
(3) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4006) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 1 (402) واللفظ له، ومسلم (2399) .
(5) مسلم (2577) .
(6) الألد: شديد الخصومة والمجادلة.
(7) الخصم: الحاذق بالخصومة.
(8) البخاري- الفتح 5 (2457) ، ومسلم (2668) متفق عليه.(11/5227)
عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا. فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة:
عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج. فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر وجوه المومسات «2» . فتذكّر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها «3» ، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها فحملت فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا:
زنيت بهذه البغيّ. فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟
فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا.
أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة «4» وشارة «5» حسنة فقالت أمّه: اللهمّ، اجعل ابني مثل هذا، فترك ثديه وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال:
فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ اجعلني مثلها، فهناك تراجعا
__________
(1) الترمذي (2325) وقال: حديث حسن صحيح.
(2) المومسات: أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك. والواحدة مومسة وتجمع مياميس أيضا.
(3) يتمثل بحسنها: أي يضرب به المثل لانفرادها به.
(4) فارهة: الفارهة النشيطة الحادة القوية. وقد فرهت فراهة وفراهية.
(5) وشارة: الشارة الهيئة واللباس.(11/5228)
الحديث «1» . فقالت: حلقى «2» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها «3» . قال: إنّ ذلك الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «4» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج عنق من النّار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الفجور)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «لا تصحب الفجّار، لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله، وتخشّع عند القبور. وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية واستشر الّذين يخشون الله» ) * «6» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا. قال أبو شهاب بيده فوق أنفه ... الحديث» ) * «7» .
3-* (قال كعب الأحبار: «لولا كلمات أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا. فقيل له: وما هنّ؟. قال:
أعوذ بوجه الله العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ» ) * «8» .
4-* (عن إبراهيم بن يزيد التّيميّ؛ قال:
«المؤمن إذا أراد أن يتكلّم نظر، فإن كان كلامه له تكلّم، وإن كان عليه أمسك عنه. والفاجر إنّما لسانه رسلا رسلا» ) * «9» .
5-* (عن خلف بن تميم قال: قلت لعليّ بن
__________
(1) تراجعا الحديث: معناه أقبلت على الرضيع تحدثه. وكانت، أولا لا تراه أهلا للكلام. فلما تكرر منه الكلام، علمت أنه أهل له فسألته وراجعته.
(2) حلقى: أي أصابه الله تعالى بوجع في حلقه.
(3) مثلها: أي سالما من المعاصي كما هي سالمة.
(4) البخاري. الفتح 6 (3436) ، ومسلم (2550) واللفظ له.
(5) سنن الترمذي (2574) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 22) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6308) .
(8) جامع الأصول (4/ 372) .
(9) كتاب الصمت لابن أبي الدنيا (247) .(11/5229)
بكّار: «ما حسن الظّنّ بالله؟. قال: «ألّا يجمعك والفجّار في دار واحدة» ) * «1» .
6-* (قال أحمد بن يوسف- رحمه الله-:
وعامل بالفجور يأمر بالب ... رّ كهاد يخوض في الظّلم
أو كطبيب قد شفّه سقم ... وهو يداوي من ذلك السّقم
يا واعظ النّاس غير متّعظ ... ثوبك طهّر أو لا فلا تلم) * «2» .
7-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «سبحان الله، في النّفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتوّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السّبت، وفجور الوليد، وجهل أبي جهل» ) * «3» .
8-* (قال ابن القيّم: اقشعرّت الأرض وأظلمت السّماء وظهر الفساد في البرّ والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات، وقلّت الخيرات وهزلت الوجوه، وتكدّرت الحياة من فسق الظّلمة» ) * «4» .
من مضار (الفجور)
(1) طريق موصل إلى النّار.
(2) عنوان للدّناءة والخسّة.
(3) مزيل لكلّ محبّة ومبعد عن كلّ مودّة.
(4) ينبىء عن سوء الخاتمة ووخيم العاقبة.
(5) سبب لهلاك الإنسان في الدّين والدّنيا.
__________
(1) حسن الظن لابن أبي الدنيا (25) ، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 318) .
(2) أدب الدنيا والدين للماوردي (86) .
(3) الفوائد لابن القيم (98) .
(4) الفوائد (88) .(11/5230)
الفحش
الفحش لغة:
الفحش والفحشاء والفاحشة، القبح وفحش الشّيء فحشا مثل قبح وزنا ومعنى وفي لغة من باب قتل، وهو فاحش، وكلّ شيء جاوز الحدّ فهو فاحش «1» .
يقول ابن فارس: الفاء: والحاء والشّين كلمة تدلّ على قبح في شيء وشناعة، من ذلك الفحش والفحشاء والفاحشة ... وأفحش الرّجل.. قال الفحش، وفحش، وهو فحّاش، ويقولون الفاحش:
البخيل، هذا على الاتّساع، والبخل: أقبح خصال المرء «2» .
وفحش فلان صار فاحشا. والمتفحّش، الّذي يأتي بالفحش «3» .
وقال الجوهريّ: الفحشاء: الفاحشة ... وقد فحش الأمر بالضّمّ فحشا، وتفاحش، وأفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، فهو فحّاش، وتفحّش في كلامه «4» .
والفاحش: البخيل جدّا، ورجل فاحش، ذو فحش وخنا من قول أو فعل. وفحّاش كشدّاد: كثير
الفحش.
وفحش الأمر ككرم فحشا بالضّمّ وتفاحش، وقد يكون الفحش بمعنى عدوان الجواب، أي التّعدّي فيه، وفي القول ومنه الحديث «لا تكوني فاحشة» .
والمتفحّش الّذي يتكلّف سبّ النّاس ويتعمّده والّذي يأتي بالفاحشة المنهيّ عنها، وتفحّش في كلامه، وتفحّش عليهم بلسانه، إذا بذا، وتفحّش بالشّيء تفحّشا: شنّع، والفاحش السّيّء الخلق: وفحشت المرأة: قبحت وكبرت. والفحش كلّ ما يشتدّ قبحه من الذّنوب والمعاصي وقيل كلّ ما نهى الله- عزّ وجلّ- عنه، وقيل كلّ خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال، وقيل: كلّ أمر لا يكون موافقا للحقّ والقدر «5» .
وقال ابن منظور: الفحش والفحشاء والفاحشة:
القبيح من القول والفعل، وجمعهما الفواحش، وأفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، والفحشاء اسم الفاحشة، وقد فحش وفحش، وأفحش وفحش علينا وأفحش إفحاشا وفحشا، والصّحيح أنّ الإفحاش
__________
(1) المصباح المنير (176) .
(2) المقاييس (4/ 478) .
(3) المفردات (373، 374) .
(4) الصحاح (3/ 1014) .
(5) التاج (9/ 157، 158) .(11/5231)
والفحش الاسم. ورجل فاحش: ذو فحش. وفي الحديث: «إنّ الله يبغض الفاحش المتفحّش» ، فالفاحش ذو الفحش والخنا من قول، أو فعل، والمتفحّش الّذي يتكلّف سبّ النّاس ويتعمّده، وقد تكرّر الفحش والفاحشة والفاحش في الحديث. وهو كلّ ما يشتدّ قبحه من الذّنوب والمعاصي، قال ابن الأثير: وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزّنا، ويسمّى الزّنا فاحشة. قال الله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (النساء/ 19) .
قيل: الفاحشة المبيّنة أن تزني فتخرج للحدّ، وقيل:
الفاحشة خروجها من بيتها بغير إذن زوجها، وقال الشّافعيّ: أن تبذو على أحمائها بذرابة لسانها فتؤذيهم وتلوك ذلك، وكلّ خصلة قبيحة، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال، وكلّ شيء جاوز قدره وحدّه فهو فاحش حتّى وإن لم تكن هذه المجاوزة فيما هو شرّ «1» .
واصطلاحا:
ما ينفر عنه الطّبع السّليم ويستنقصه العقل المستقيم «2» .
وقال الحراليّ: ما يكرهه الطّبع من رذائل الأعمال الظّاهرة، كما ينكره العقل ويستخبثه الشّرع فيتّفق في حكمه: آيات الله الثّلاث من الشّرع والعقل والطّبع «3» .
وقال الرّاغب: الفحش والفحشاء: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال «4» .
وقال الكفويّ: الفاحش كلّ شيء تجاوز قدره فهو فاحش، وكلّ أمر لا يكون موافقا للحقّ فهو فاحش «5» وقال أيضا الفحش: هو عدوان الجواب وعليه قوله لعائشة: «لا تكوني فاحشة» «6» . وقال: كلّ فحشاء ذكرت في القرآن فالمراد الزّنا إلّا في قوله تعالى:
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ (البقرة/ 268) فإنّ المراد البخل في أداء الزّكاة «7» .
حكم الفحش:
ذكر ابن حجر: أنّ ملازمة الشّرّ والفحش من الكبائر مستدلّا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من ودعه (تركه) النّاس اتّقاء فحشه (الحديث رقم 1) ، وبما روي عن أحمد بن حنبل من أنّ الفحش والتّفحّش ليس من الإسلام في شيء، وأنّ أحسن النّاس إسلاما أحسنهم خلقا «8» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- البذاءة الزنا- سوء الخلق- الفجور- العصيان- العدوان- إطلاق البصر- القذف- الفسوق- انتهاك الحرمات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- حسن الخلق- العفة- حفظ الفرج- النزاهة- الكلم الطيب- التقوى- الاستقامة- غض البصر- تعظيم الحرمات- الطاعة] .
__________
(1) لسان العرب (6/ 325- 326) .
(2) التعريفات للجرجانى (171) .
(3) التوقيف (257) .
(4) المفردات (373) ، وأخذ ابن المناوي عنه هذا التعريف.
(5) الكليات (675) .
(6) المرجع السابق (697) .
(7) المرجع السابق (674) .
(8) الزواجر (152، 153) .(11/5232)
الآيات الواردة في «الفحش»
1-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(151) «1»
2- وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28)
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)
* يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «2»
3- وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) «3»
4- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) «4»
__________
(1) الأنعام: 151 مدنية
(2) الأعراف: 28- 33 مكية
(3) الشورى: 37 مكية
(4) النجم: 31- 32 مكية(11/5233)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفحش)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» ، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم، فقالت عائشة:
عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم. قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش» قالت: أو لم تسمع ما قالوا. قال: «أو لم تسمعي ما قلت، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ» ) * «2» .
3-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما أنّ أباه توفّي وعليه دين، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه. فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء. فمشى حول بيدر من بيادر «3» التّمر، فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه فقال:
«انزعوه» ، فأوفاهم الّذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإيّاكم والشّحّ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ... الحديث) * «5» .
5-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسما، فقلت: والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحقّ به منهم، قال: «إنّهم خيّروني أن يسألوني بالفحش أو يبخّلوني، فلست بباخل» ) * «6» .
6-* (عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ليس أحد أحبّ إليه المدح من الله- عزّ وجلّ-، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ... الحديث» ) * «7» .
7-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6054) واللفظ له، مسلم (2591) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له، مسلم (2593) .
(3) البيدر: هو كالجرن للحب.
(4) البخاري- الفتح 6 (3580) .
(5) أبو داود (1698) ، وأحمد (2/ 159، 160) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (9/ 251) برقم (6487) : إسناده صحيح. ورواه بنحوه باختصار مسلم رقم (2578) من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-
(6) مسلم (1056) .
(7) البخاري- الفتح 9 (5220) ، مسلم (2760) واللفظ له.(11/5234)
بالطّعّان، ولا اللّعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء) * «1» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء إلّا شانه، وما كان الحياء في شيء إلّا زانه» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفحش) معنى
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء «3» من الجفاء، والجفاء في النّار» ) * «4»
10-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من منزله قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «5» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الفحش)
1-* (قال الشّاعر:
أحبّ مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب النّاس حلما ... وشرّ النّاس من يهوى السّبابا) * «6»
من مضار (الفحش)
(1) البعد من الله ومن النّاس.
(2) يوجب سخط الله وغضبه.
(3) استحقاق الوعيد في الآخرة.
(4) معول هدم في المجتمع.
(5) دليل على سوء الخاتمة.
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 405) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح 5/ 322 برقم (3839) ، والترمذي (1977) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب.
(2) الترمذى (1974) واللفظ له وقال حديث حسن، وابن ماجة (4185) وقال محقق جامع الأصول إسناده حسن
(3) البذاء: الفحش في الكلام.
(4) الترمذي (2009) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (3194) .
(5) ابن ماجه (3884) واللفظ له، والنسائي (8/ 268) ، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5061) .
(6) الترغيب والترهيب ص (469) .(11/5235)
الفساد
الفساد لغة:
الفساد: مصدر فسد يفسد فسادا وهو ضدّ الصّلاح، يقول ابن فارس: «الفاء والسّين والدّال كلمة واحدة، فسد الشّيء يفسد فسادا، وهو فاسد وفسيد «1» ، قال اللّيث: الفساد: نقيض الصّلاح، والفعل فسد يفسد فسادا، قلت ولغة أخرى: فسد فسودا، واستفسد السّلطان قائده إذا أساء إليه حتّى استعصى عليه «2» » ، وقيل الفساد (في الأرض) مأخوذ من فسد اللّحم. يقول ابن جرير الطّبريّ في معنى قوله تعالى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 205) اختلف أهل التّأويل في معنى الإفساد الّذي أضافه الله- عزّ وجلّ- إلي هذا المنافق: فقال: تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطّريق، وإخافته السّبيل كما حدث من الأخنس بن شريق. وقال بعضهم: بل معنى ذلك قطع الرّحم وسفك دماء المسلمين ... وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أنّ العمل بالمعاصي إفساد في الأرض، فلم يخصّص الله وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعض «3» .
وقال القرطبيّ في قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ قال العبّاس بن الفضيل: الفساد هو الخراب. وقال سعيد بن المسيّب: قطع الدّراهم من الفساد في الأرض. قلت: والآية بعمومها تضمّ كلّ فساد في أرض أو مال أو دين، وهو الصّحيح إن شاء الله تعالى. قيل: معنى لا يحبّ الفساد: أي لا يحبّه من أهل الصّلاح، أو لا يحبّه دينا، ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به، والله أعلم «4» ، والفساد في قوله تعالى:
لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) فمعناه أخذ المال ظلما بغير حقّ. أمّا قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الروم/ 41) الفساد هنا الجدب في البرّ، والقحط في البحر «5» .
قال ابن منظور: وفسد يفسد ويفسد وفسد فسادا وفسودا فهو فاسد وفسيد فيهما. ولا يقال انفسد. وأفسدته أنا. وقوله تعالى: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً (المائدة/ 33) نصب فسادا لأنّه مفعول له، أراد يسعون في الأرض للفساد.
وتفاسد القوم: تدابروا وقطعوا الأرحام.
__________
(1) المقاييس (4/ 503) .
(2) تهذيب اللغة للأزهري (12/ 369- 370) . ولسان العرب «فسد» .
(3) جامع البيان للطبري (2/ 330- 331) .
(4) القرطبي (2/ 14) .
(5) تاج العروس (5/ 164- 165) .(11/5236)
والمفسدة: خلاف المصلحة.
والاستفساد: خلاف الاستصلاح. وقالوا:
هذا الأمر مفسدة لكذا: أي فيه فساد. قال الشّاعر:
إنّ الشّباب والفراغ والجده ... مفسدة للعقل أيّ مفسده «1»
الفساد اصطلاحا:
قال الرّاغب: الفساد خروج الشّيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عليه أو كثيرا، ويستعمل في النّفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة «2» .
وقال المناويّ: الفساد: هو انتقاض صورة الشّيء «3» ، وفساد (البيوع) عند الفقهاء ما كان مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه، وهو يرادف البطلان عند الشّافعيّة، وضدّه الصّحّة، ويشكّل قسما قائما برأسه عند الأحناف: فالشّيء عندهم إمّا صحيح، وإمّا باطل، وإمّا فاسد «4» .
وقال ابن الجوزيّ: والفساد: تغيّر الشّيء عمّا كان عليه من الصّلاح، وقد يقال في الشّيء مع قيام ذاته، ويقال فيه مع انتقاضها، ويقال فيه إذا بطل وزال.
ويذكر الفساد في الدّين كما يذكر في الذّات.
فتارة يكون بالعصيان، وتارة بالكفر، ويقال في الأقوال إنّها فاسدة إذا كانت غير منتظمة، وفي الأفعال إذا لم يعتدّ بها «5» .
الفساد في الأرض:
من الفساد في الأرض ما أشارت إليه الآية الكريمة وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها (البقرة/ 205) ويكون هذا الفساد بقطع الطّريق وإخافتها، وقيل بقطع الرّحم وسفك دماء المسلمين، وقد يدخل في هذا ارتكاب جميع المعاصي «6» .
الإفساد اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإفساد هو جعل الشّيء فاسدا خارجا عمّا ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعا به، وهو في الحقيقة: إخراج الشّيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح «7» .
حكم الفساد (أو الإفساد في الأرض) :
يقول ابن حجر بعد أن ذكر الآية الكريمة إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً (المائدة/ 33) : كما ذكر الله تعالى تغليظ الإثم في قتل النّفس بغير حقّ، والإفساد في الأرض أتبعه ببيان نوع من أنواع الفساد في الأرض وذكر أنّ عدّ هذا الفساد كبيرة هو ما صرّح به جمع، وصرّح بعضهم أنّه بمجرّد قطع الطّريق وإخافة
__________
(1) لسان العرب مادة «فسد» وبصائر ذوي التمييز (4/ 192) .
(2) المفردات (397) .
(3) التوقيف (260) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، وقد نقل المناوي والجرجاني تعريف «الفساد» عند الحكماء (الفلاسفة) ، وهو خارج عن المعنى المراد هنا. انظر التعريفات للجرجاني (173) .
(5) نزهة الأعين النواظر (470) .
(6) انظر تفسير القرطبي (2/ 330) ، وراجع المقدمة اللغوية.
(7) الكليات للكفوي (154) .(11/5237)
السّبيل ترتكب الكبيرة، فكيف إذا أخذ المال، أو جرح، أو قتل، أو فعل كبائر «1» .
الفرق بين الفساد والظلم:
قال الكفويّ: الفساد أعمّ من الظّلم؛ لأنّ الظّلم النّقص، فإنّ من سرق مال الغير مثلا فقد نقص حقّ الغير، أمّا الفساد فيقع على ذلك وعلى غيره كالابتداع واللهو واللّعب «2» .
الفرق بين الفاسد والباطل:
وقال رحمه الله: الفاسد ما أمكن الانتفاع به رغما عن رداءته، من قولهم فسد اللّحم إذا أنتن، والباطل ما لا يمكن أن ينتفع به، من قولهم بطل اللّحم إذا دوّد وسوّس بحيث لا يمكن الانتفاع به «3» .
من معاني كلمة «الفساد» في القرآن الكريم:
أحدها: المعصية. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 11) : وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
والثّاني: الهلاك، ومنه قوله تعالى في (الأنبياء/ 22) : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.
الثّالث: الخراب، ومنه قوله تعالى في (النّمل/ 34) : إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها.
الرّابع: المنكر، ومنه قوله تعالى في (هود/ 116) : أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ.
الخامس: السّحر، ومنه قوله تعالى في (يونس/ 81) : إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ.
قال ابن القيّم رحمه الله في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 56) :
قال أكثر المفسّرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة الله، فإنّ عبادة غير الله والدّعوة إلى غيره والشّرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره، فالشّرك والدّعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره، ومطاع متّبع غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع، والدّعوة له لا لغيره، والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا، وغيره إنّما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم. فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة. ومن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله، والدّعوة إلى غير الله ورسوله «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- السحر السرقة- الظلم- العصيان- القتل- الطغيان- العتو- الغدر- نقض العهد- الفتنة- البغي.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصلاح- الاستقامة- التقوى- الطاعة- تعظيم الحرمات- تكريم الإنسان] .
__________
(1) الزواجر (565، 568) ، وانظر أيضا الكبائر للذهبي (100) .
(2) الكليات (692) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) فتح المجيد (395) .(11/5238)
الآيات الواردة في «الفساد»
الفساد بمعنى العصيان:
1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) «1»
2-* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26)
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) «2»
3-* وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) «3»
4-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «4»
5- إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) «5»
6- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «6»
__________
(1) البقرة: 8- 12 مدنية
(2) البقرة: 26- 27 مدنية
(3) البقرة: 60 مدنية
(4) البقرة: 219- 220 مدنية
(5) آل عمران: 62- 63 مدنية
(6) الأعراف: 55- 56 مكية(11/5239)
7- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) «1»
8- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «2»
9-* وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) «3»
10- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (27)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) «4»
11-* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
__________
(1) الأعراف: 74 مكية
(2) الأعراف: 85- 87 مكية
(3) الأعراف: 142 مكية
(4) يونس: 37- 41 (40 مدنية؛ 37- 41 مكية)(11/5240)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «1»
12- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) «2»
13- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «3»
14-* أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) «4»
15- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «5»
16-* إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) «6»
17- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «7»
__________
(1) هود: 84- 86 مكية
(2) النحل: 88 مكية
(3) الشعراء: 141- 152 مكية
(4) الشعراء: 181- 184 مكية
(5) النمل: 13- 14 مكية
(6) القصص: 76- 78 مكية
(7) القصص: 83- 84 مكية(11/5241)
18- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (28)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) «1»
19- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37) «2»
20- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «3»
الفساد بمعنى الهلاك:
21- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251)
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) «4»
22- وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5)
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) «5»
__________
(1) العنكبوت: 28- 30 مكية
(2) العنكبوت: 36- 37 مكية
(3) ص: 27- 28 مكية
(4) البقرة: 251- 252 مدنية
(5) الإسراء: 4- 8 مكية(11/5242)
23- أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) «1»
24- أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) «2»
الفساد بمعنى القتل:
25- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) «3»
26- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «4»
27-* وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «5»
28- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96)
__________
(1) الأنبياء: 21- 24 مكية
(2) المؤمنون: 68- 71 مكية
(3) الأعراف: 103 مكية
(4) الأعراف: 127- 128 مكية
(5) يونس: 90- 92 مكية(11/5243)
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) «1»
29- وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) «2»
30- طسم (1)
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2)
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) «3»
31- وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10)
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11)
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13)
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) «4»
الفساد بمعنى التخريب والتدمير:
32- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) «5»
33- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204)
وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205)
وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) «6»
34-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28)
__________
(1) الكهف: 94- 98 مكية
(2) النمل: 48- 50 مكية
(3) القصص: 1- 4 مكية
(4) الفجر: 10- 14 مكية
(5) البقرة: 30 مدنية
(6) البقرة: 204- 206 مدنية(11/5244)
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29)
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) «1»
35- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «2»
36- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) «3»
37- وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) «4»
38- وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (69)
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70)
__________
(1) المائدة: 27- 33 مدنية
(2) المائدة: 64 مدنية
(3) الأنفال: 73- 74 مدنية
(4) هود: 115- 117 مكية(11/5245)
قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71)
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) «1»
39- وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «2»
40- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) «3»
41- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) «4»
الفساد بمعنى القحط:
42- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) «5»
الفساد بمعنى السحر:
43- قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)
قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78)
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79)
فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)
فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) «6»
__________
(1) يوسف: 69- 73 مكية
(2) الرعد: 25 مدنية
(3) النمل: 29- 34 مكية
(4) محمد: 22- 23 مدنية
(5) الروم: 41 مكية
(6) يونس: 77- 83 مكية(11/5246)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفساد)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ قطرة من الزّقّوم «1» قطرت في دار الدّنيا لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟» ) * «2» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتيت على راع فناد ثلاث مرّات، فإن أجابك وإلّا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرّات. فإن أجابك وإلّا فكل من غير أن تفسد» ) * «3» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك. لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» ) * «5» .
5-* (عن قرّة بن إياس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا فسد أهل الشّام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمّتي منصورين، لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم السّاعة» . قال محمّد بن إسماعيل: قال عليّ بن المدينيّ: هم أصحاب الحديث» ) * «6» .
6-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة» قالوا: بلى. قال: «صلاح ذات البين فإنّ فساد ذات البين؛ هي الحالقة» ) * «7» .
7-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال
__________
(1) الزقوم: هو ما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (الصافات/ 64) .
(2) الترمذي (2585) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (10/ 516) مثله.
(3) أحمد (3/ 85- 86) ، والحاكم في المستدرك (4/ 132) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(4) البخاري- الفتح 3 (1437) ، ومسلم (1024) واللفظ له.
(5) الترمذي (1084) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (11/ 465) : حديث حسن.
(6) الترمذي (2192) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن حبان رقم (7303) ؛ باختصار.
(7) الترمذي (2509) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، أبو داود (4919) وقال الألباني (3/ 929) : صحيح.(11/5247)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسكوا عليكم أموالكم «1» ولا تفسدوها. فإنّه من أعمر عمرى «2» فهي للّذي أعمرها. حيّا وميّتا. ولعقبه» ) * «3» .
8-* (عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم» ) * «4» .
9-* (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين ليأرز «5» إلى الحجاز كما تأرز الحيّة إلى جحرها، وليعقلنّ «6» الدّين من الحجاز معقل
الأروية «7» من رأس الجبل، إنّ الدّين بدأ غريبا، ويرجع غريبا، فطوبى «8» للغرباء الّذين يصلحون ما أفسد النّاس من بعدي من سنّتي» ) * «9» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكره عشرا، الصفرة «10» ، وتغيير الشّيب، وجرّ الإزار. وخاتم الذّهب، أو قال:
حلقة الذّهب، والضّرب بالكعاب «11» ، والتّبرّج بالزّينة في غير محلّها، والرّقى إلّا بالمعوّذات، والتّمائم، وعزل الماء، وإفساد الصّبيّ «12» من غير أن يحرّمه» ) * «13» .
11-* (عن أبي الأحوص أنّ عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يرفع الحديث إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ شرار الرّوايا روايا الكذب، ولا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل، ولا يعد الرّجل ابنه ثمّ لا ينجز له، إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة.
وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّه يقال للصّادق صدق وبرّ، ويقال للكاذب كذب وفجر، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا، ويكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا، وإنّه قال
__________
(1) أمسكوا عليكم أموالكم: المراد به إعلامهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية يملكها الموهوب له ملكا تاما. لا يعود إلى الواهب أبدا. فإذا علموا ذلك، فمن شاء أعمر ودخل على بصيرة. ومن شاء ترك. لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية، ويرجع فيها.
(2) العمرى: قوله: أعمرتك هذه الدار- مثلا- أو جعلتها لك عمرك أو حياتك، أو ما عشت.
(3) مسلم (1625) باب العمرى والرقبى.
(4) أبو داود (4889) وقال الألباني (3/ 924) : صحيح بما قبله. انظر الرقم (4089) في صحيح سنن أبي داود للألباني. وأحمد (6/ 4) .
(5) يأرز: أي يجتمع وينضم.
(6) ليعقلن: أي ليعتصم ويلتجىء ويحتمي.
(7) الأروية: الشاة الواحدة من شياه الجبل، وجمعها: أروى. وهي أنثى الوعول.
(8) طوبى: اسم الجنة، أي: فالجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا غرباء في أول الإسلام، والذين يصيرون غرباء بين الكفار في آخره لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا، أو لزومهم دين الإسلام.
(9) الترمذي (2630) وقال: حديث حسن صحيح ولأوله وآخره شواهد صحيحة.
(10) الصفرة: نوع من الطيب فيه صفرة ويسمى خلوقا.
(11) الضرب بالكعاب: أي اللعب بفصوص النرد.
(12) إفساد الصبي: هو إتيان المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان من ذلك فساد الصبي، ويسمى الغيلة.
(13) أحمد (1/ 380، 397، 439) واللفظ في الرقم الأخير وقال الشيخ أحمد شاكر (6/ 103) : إسناده صحيح.(11/5248)
لنا: هل أنبّئكم ما العضه «1» ؟ وإنّ العضه هي النّميمة الّتي تفسد بين النّاس» ) * «2» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه حدّث مروان بن الحكم قال: حدّثني حبّي أبو القاسم الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فساد أمّتي على يدي غلمة سفهاء من قريش» ) * «3» .
13-* (عن عبد الله بن بريدة قال: شكّ عبيد الله بن زياد في الحوض فقال له أبو سبرة- رجل من صحابة عبيد الله بن زياد- فإنّ أباك حين انطلق وافدا إلى معاوية انطلقت معه فلقيت عبد الله بن عمرو فحدّثني من فيه إلى فيّ حديثا سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأملاه عليّ، وكتبته قال: فإنّي أقسمت عليك لما أعرقت هذا البرذون حتّى تأتيني بالكتاب قال: فركبت البرذون، فركضته حتّى عرق، فأتيته بالكتاب، فإذا فيه:
حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يبغض الفحش والتّفحّش، والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن حتّى يظهر الفحش والتّفحّش، وقطيعة الأرحام، وسوء الجوار، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن كمثل القطعة من الذّهب نفخ عليها صاحبها فلم تغيّر ولم تنقص، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا، ووضعت طيّبا، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد، قال: وقال: ألا إنّ لي حوضا ما بين ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكة، أو قال:
صنعاء إلى المدينة، وإنّ فيه من الأباريق مثل الكواكب، هو أشدّ بياضا من اللّبن، وأحلى من العسل، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا» ، قال أبو سبرة: فأخذ عبيد الله ابن زياد الكتاب، فجزعت عليه، فلقيني يحيى بن يعمر، فشكوت ذلك إليه، فقال: والله لأنا أحفظ له منّي لسورة من القرآن، فحدّثني به كما كان في الكتاب سواء» ) «4» .
14-* (عن محيصة- رضي الله عنه- أنّ ناقة للبراء بن عازب- رضي الله عنهما- دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أهل الأموال حفظها بالنّهار، وعلى أهل المواشي حفظها باللّيل» ) * «5» .
15-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» ) * «6» .
فقال أبو الدّرداء: كلمة سمعها معاوية من
__________
(1) والعضه: البهتان والكذب الذي لا حقيقة له.
(2) الدارمي (2715) ، وأصله عند مسلم (2602) .
(3) المسند (2/ 88) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (14/ 255) برقم (7858) إسناده صحيح، والحاكم في المستدرك (4/ 470) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. وقد شهد حذيفة بن اليمان بصحة هذا الحديث: ووافقه الذهبي.
(4) أحمد (2/ 199) وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 90) برقم (6872) : إسناده صحيح.
(5) أبو داود (3569) وقال الألباني (2/ 681) : صحيح.
(6) أبو داود (4888) واللفظ له وقال الألباني (3/ 924) : صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 654) : وإسناده حسن ورواه ابن حبان في صحيحه.(11/5249)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفعه الله تعالى بها.
16-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله، طاب أعلاه وإذا فسد أسفله فسد أعلاه» ) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفنّدا «2» ، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ» ) * «3» .
18-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «4» .
19-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه، وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف» ) * «5» .
20-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا أنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
الأنعام/ 152) وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً (النساء/ 10) الآية.
انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد. فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله- عزّ وجلّ-:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ (البقرة/ 220) فخلطوا طعامهم بطعامه، وشرابهم بشرابه» ) * «6» .
21-* (عن كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماذئبان
__________
(1) ابن ماجه (4199) وقال في الزوائد: في إسناده عثمان بن إسماعيل، لم أر من تكلم فيه. وباقي رجال الإسناد موثقون.
(2) مفندا: الفند ضعف العقل والفهم والتخليط في الكلام من الهرم.
(3) الترمذي (2306) واللفظ له وقال: هذا حديث غريب، وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 13، 14) : وهو صحيح بشواهده.
(4) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له، ومسلم (1599) .
(5) أبو داود (2515) واللفظ له وقال الألباني (2/ 478) : حسن، والنسائي (7/ 155) ، وأحمد (5/ 234) ، والموطأ (2/ 43 الجهاد) .
(6) أحمد (1/ 325، 326) ، أبو داود (2871) واللفظ له، وقال الألباني (2/ 555) : حسن.(11/5250)
جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» ) * «1» .
22-* (عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من خبّب «2» زوجة امرىء أو مملوكه فليس منّا» ) * «3» .
23-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله هل لك في حصن حصين «4» ومنعة «5» ؟ (قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للّذي ذخر الله للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه.
فاجتووا المدينة «6» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «7» له، فقطع بها براجمه «8» ، فشخبت يداه «9» حتّى مات.
فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة.
ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال:
غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت.
فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ وليديه فاغفر» ) * «10» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفساد) معنى
24-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه-: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟ فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضرب يده على صدري حتّى رأيت أثر يده في صدري، وقال: «اللهمّ ثبّته، واجعله
__________
(1) الترمذي (2376) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (3/ 628) : وهو حديث صحيح.
(2) خبب: من التخبيب وهو الخداع للإفساد. من قولهم خبّب فلان غلامي خدعه وأفسده.
(3) أبو داود (5170) واللفظ له وقال الألباني (3/ 971) : صحيح وهو في الصحيحة (324) ، الهيثمي في المجمع (5/ 77) بسند آخر وقال: رواه الطبراني في الصغير والكبير. وفيه أبو طيبة يخطيء وبقية رجاله ثقات. ورواه ابن حبان رقم (568) وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1319) : إسناده قوي.
(4) هل لك في حصن حصين: قال ابن حجر: يعني أرض دوس
(5) ومنعة: بفتح النون واسكانها، وهي العزة والامتناع. وقيل: منعة جمع مانع كظلمة وظالم أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه.
(6) فاجتووا المدينة: معناه كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم. قال أبو عبيد والجوهري وغيرهما: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة. قال الخطابي: وأصله من الجوى، وهو داء يصيب الجوف.
(7) مشاقص: جمع مشقص. قال الخليل وابن فارس وغيرهما: هو سهم فيه نصل عريض. وقال آخرون: سهم طويل، ليس بالعريض. وقال الجوهري: المشقص ما طال وعرض. وهذا هو الظاهر هنا لقوله: فقطع بها براجمه. ولا يحصل ذلك إلا بالعريض.
(8) براجمه: البراجم مفاصل الأصابع، واحدتها برجمة.
(9) فشخبت يداه: أي سال دمها: وقيل: سال بقوة.
(10) مسلم (116) .(11/5251)
هاديا مهديّا، قال: فما وقعت عن فرس بعد. قال: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة فيه نصب تعبد، يقال له الكعبة. قال: فأتاها فحرّقها بالنّار وكسرها.
قال: ولمّا قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له: إنّ رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنّها ولتشهدنّ أن لا إله إلّا الله أو لأضربنّ عنقك. قال: فكسرها وشهد ثمّ بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبشّره بذلك. فلمّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ ما جئت حتّى تركتها كأنّها جمل أجرب. قال فبرّك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خيل أحمس ورجالها خمس مرّات» ) * «1» .
25-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشراط السّاعة: الفحش، والتّفحّش، وسوء الجوار، وقطع الأرحام، وأن يؤتمن الخائن، ويخوّن الأمين، ومثل المؤمن كمثل النّحلة أكلت طيّبا، ووضعت طيّبا، ألا إنّ أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، ألا إنّ حوضي طوله كعرضه، أبيض من اللّبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد النّجوم، من أقداح الذّهب والفضّة، من شرب منه شربة لم يظمأ آخر ما عليها أبدا» ) * «2» .
26-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» .
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟
قال: الحمو الموت» ) * «3» .
27-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم أعظم من فتنة الدّجّال، وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال، وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكلّ مسلم، وإن يخرج من بعدي فكلّ امرىء حجيج نفسه- والله خليفتي على كلّ مسلم، وإنّه يخرج من خلّة بين الشّام والعراق.
فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا؛ فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ، ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم- ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا- وإنّه أعور، وإنّ ربّكم ليس بأعور، وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر.
يقرؤه كلّ مؤمن كاتب أو غير كاتب، وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة، وجنّته نار، فمن ابتلي بناره
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4357) واللفظ له، ومسلم (2476) .
(2) أخرجه أبو الشيخ (142) في التوبيخ وقال محقق كتاب الخرائطي (118) : الحديث صحيح وإسناده حسن وأورد له شواهد من حديث أنس وأبي هريرة في مجمع الزوائد والبزار.
(3) البخاري- الفتح 9 (5232) ، ومسلم (2172) واللفظ متفق عليه.(11/5252)
فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النّار على إبراهيم. وإنّ من فتنته أن يقول لأعرابيّ: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمّك أتشهد أنّي ربّك؟ فيقول: نعم. فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه وأمّه فيقولان: يا بنيّ اتّبعه فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلّط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار حتّى يلقى شقّتين. ثمّ يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإنّي أبعثه الآن، ثمّ يزعم أنّ له ربّا غيري. فيبعثه الله ويقول له الخبيث: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، وأنت عدوّ الله. أنت الدّجّال. والله ما كنت بعد أشدّ بصيرة بك منّي اليوم» قال أبو الحسن الطّنافسيّ:
فحدّثنا المحاربيّ. حدّثنا عبيد الله بن الوليد الوصافيّ عن عطيّة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ذلك الرّجل أرفع أمّتي درجة في الجنّة» قال: قال أبو سعيد: والله ما كنّا نرى ذلك الرّجل إلّا عمر بن الخطّاب. حتّى مضى لسبيله. قال المحاربيّ: ثمّ رجعنا إلى حديث أبي رافع. قال: وإنّ من فتنته أن يأمر السّماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وإنّ من فتنته أن يمرّ بالحيّ فيكذّبونه فلا تبقى لهم سائمة إلّا هلكت وإنّ من فتنته أن يمرّ بالحيّ فيصدّقونه فيأمر السّماء أن تمطر فتمطر. ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت.
حتّى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمدّه خواصر، وأدرّه ضروعا وإنّه لا يبقى شيء من الأرض إلّا وطئه وظهر عليه إلّا مكّة والمدينة.
لا يأتيهما من نقب «1» من نقابهما إلّا لقيته الملائكة بالسّيوف صلتة «2» حتّى ينزل عند الظّريب «3» الأحمر عند منقطع السّبخة «4» . فترجف «5» المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلّا خرج إليه. فتنفى الخبث «6» منها كما ينفي الكير خبث الحديد.
ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص» . فقالت أمّ شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟
قال: «هم يومئذ قليل. وجلّهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح. فبينما إمامهم قد تقدّم يصلّى بهم الصّبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصّبح. فرجع ذلك الإمام ينكص «7» يمشى القهقرى ليتقدّم عيسى يصلّي بالنّاس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثمّ يقول له:
تقدّم فصلّ، فإنّها لك أقيمت. فيصلّي بهم إمامهم.
فإذا انصرف قال عيسى- عليه السّلام-: افتحوا الباب فيفتح، ووراءه الدّجّال. معه سبعون ألف يهوديّ كلّهم ذو سيف محلّى وساج «8» . فإذا نظر إليه
__________
(1) نقب: هو طريق بين جبلين.
(2) صلته: أي مجردة. يقال: أصلت السيف، إذا جرده من غمده. وضربه بالسيف صلتا.
(3) الظريب: تصغير ظرب، بوزن كتف، والظراب: الجبال الصغار.
(4) السبخة: هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلّا بعض الشجر.
(5) ترجف: أصل الرجف الحركة والاضطراب. أي تتزلزل وتضطرب.
(6) الخبث: هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا.
(7) ينكص: النكوص الرجوع إلى الوراء. وهو القهقرى.
(8) وساج: الساج هو الطيلسان الأخضر. وقيل: الطيلسان المقور، ينسج كذلك.(11/5253)
الدّجّال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا. ويقول عيسى- عليه السّلام-: إنّ لي فيك ضربة لن تسبقني بها «1» . فيدركه عند باب اللّدّ «2» الشّرقيّ فيقتله. فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء ممّا خلق الله يتوارى به يهوديّ إلّا أنطق الله ذلك الشّيء: لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابّة (إلّا الغرقدة «3» فإنّها من شجرهم لا تنطق) إلّا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهوديّ فتعال اقتله» .
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّ أيّامه أربعون سنة:
السّنة كنصف السّنة، والسّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة.
وآخر أيّامه كالشّررة «4» . يصبح أحدكم على باب المدينة.
فلا يبلغ بابها الآخر حتّى يمسي» فقيل له: يا رسول الله كيف نصلّى في تلك الأيّام القصار؟ قال: «تقدرون فيها الصّلاة كما تقدرونها في هذه الأيّام الطّوال، ثمّ صلّوا» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيكون عيسى ابن مريم- عليه السّلام في أمّتي حكما «5» عدلا، وإماما مقسطا «6» .
يدقّ الصّليب «7» ، ويذبح الخنزير «8» ويضع الجزية «9» .
ويترك الصّدقة «10» ، فلا يسعى «11» على شاة ولا بعير.
وترفع الشّحناء والتّباغض، وتنزع حمة كلّ ذات حمة حتّى يدخل الوليد يده في الحيّة فلا تضرّه، وتفرّ «12» الوليدة الأسد فلا يضرّها، ويكون الذّئب في الغنم كأنّه كلبها، وتملأ الأرض من السّلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلّا الله وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها وتكون الأرض كفاثور الفضّة «13» تنبت نباتها بعهد آدم حتّى يجتمع النّفر على القطف «14» من العنب فيشبعهم ويجتمع النّفر على الرّمّانة فتشبعهم ويكون الثّور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدّريهمات» قالوا: يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟
قال: «لا تركب لحرب أبدا» قيل له: فما يغلي الثّور؟
قال: «تحرث الأرض كلّها. وإنّ قبل خروج الدّجّال ثلاث سنوات شداد يصيب النّاس فيها جوع شديد يأمر الله السّماء في السّنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها. ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها. ثمّ يأمر السّماء في الثّانية، فتحبس ثلثي مطرها. ويأمر الأرض فتحبس ثلثي
__________
(1) لن تسبقني بها: أي لن تفوتها علي.
(2) بباب اللد: في النهاية: لد موضع بالشام، وقيل: بفلسطين.
(3) الغرقدة: هو ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك.
(4) كالشررة: واحدة الشرر. وهو ما يتطاير من النار.
(5) حكما: أي حاكما بين الناس.
(6) مقسطا: أي عادلا في الحكم.
(7) يدق الصليب: أي يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شيء.
(8) ويذبح الخنزير: أي يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد. والحاصل أنه يبطل دين النصارى.
(9) ويضع الجزية: أي لا يقبلها من أحد من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام.
(10) ويترك الصدقة: أي الزكاة، لكثرة الأموال.
(11) فلا يسعى: قال في النهاية: أن يترك زكاتها فلا يكون لها ساع.
(12) تفر: أي تحمله على الفرار.
(13) كفاثور الفضة: الفاثور: الخوان. وقيل: هو طست أو جام من فضة أو ذهب.
(14) القطف: العنقود. وهو اسم لكل ما يقطف. كالذبح والطحن.(11/5254)
نباتها، ثمّ يأمر الله السّماء في السّنة الثّالثة فتحبس مطرها كلّه. فلا تقطر قطرة «1» ، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كلّه، فلا تنبت خضراء. فلا تبقى ذات ظلف «2» إلّا هلكت إلّا ما شاء الله» . قيل: فما يعيش النّاس في ذلك الزّمان؟ قال: «التّهليل والتّكبير والتّسبيح والتّحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطّعام» قال أبو عبد الله:
سمعت أبا الحسن الطّنافسيّ يقول: سمعت عبد الرّحمن المحاربيّ يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدّب حتّى يعلّمه الصّبيان في الكتّاب» ) * «3» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينس من صلاته شيئا فقال:
«مجالسكم» «4» ، ثمّ حمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثمّ قال:
«أمّا بعد «5» : «هل منكم الرّجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟» قالوا:
نعم، قال. «ثمّ يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا فعلت كذا» قال: فسكتوا قال: فأقبل على النّساء فقال:
«هل منكنّ من تحدّث؟» فسكتن، فجثت فتاة على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليراها.
ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله: إنّهم ليتحدّثون، وإنّهنّ ليتحدّثنه، فقال: «هل تدرون ما مثل ذلك؟» فقال: «إنّما ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السّكّة فقضى منها حاجته والنّاس ينظرون إليه. ألا وإنّ طيب الرّجال ما ظهر ريحه، ولم يظهر لونه، ألا إنّ طيب النّساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه ألا لا يفضينّ رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة إلّا إلى ولد أو والد» ) * «6» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان «7» من أهل النّار لم أرهما.
قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات «8» مميلات «9» مائلات «10» رؤوسهنّ كأسنمة البخت «11» المائلة. لا يدخلن الجنّة،
__________
(1) فلا تقطر قطرة: في المصباح: يتعدى ولا يتعدى. هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدى بنفسه بل بالألف.
(2) الظلف: في المنجد: هو لما اجتر من الحيوانات كالبقرة والظبي، بمنزلة الحافر للفرس.
(3) أخرجه البخاري- الفتح مقطعا رقم (7122- 7123) ومن (7132- 7134) ، وعند مسلم (2940) نحوه، واللفظ لابن ماجه (4077) .
(4) مجالسكم: أي الزموا مجالسكم ولا تبرحوها.
(5) ذكر أبو داود لفظ «مجالسكم) مرتين، قال: وزاد موسى (أحد الرواة) ههنا، كما زاد قوله «ثمّ اتّفقوا» (أي الرجال والنساء أو الرواة.
(6) أبو داود (2174) واللفظ له، أحمد (2/ 541) ، والبيهقي (10/ 194) في السنن من حديث أبي سعيد وقال محقق كتاب مساوىء الأخلاق للخرائطي (164) : إسناده صحيح.
(7) صنفان ... الخ: هذا الحديث من معجزات النبوة. فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين.
(8) كاسيات عاريات: قيل: معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه. وقيل: معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها.
(9) مميلات: قيل يعلمن غيرهن الميل. وقيل: مميلات لأكتافهن.
(10) مائلات: أي يمشين متبخترات. وقيل: مائلات يمشين المشية المائلة وهي مشية البغايا. ومميلات يمشين غيرهن تلك المشية.
(11) البخت: قال في اللسان: البخت والبختيه دخيل في العربية. أعجمي معرب. وهي الإبل الخراسانية. تنتج من بين عربية وفالج، (والفالج: البعير ذو السنامين. وهو الذي بين البختي والعربي. سمي بذلك لأن سنامه نصفان) . الواحد بختي. جمل بختي وناقة بختية. ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت، أي يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.(11/5255)
ولا يجدن ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ) * «1» .
30-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قدم رهط من عكل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كانوا في الصّفّة، فاجتووا المدينة فقالوا: يا رسول الله أبغنا «2» رسلا «3» فقال: «ما أجد لكم إلّا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتّى صحّوا وسمنوا، وقتلوا الرّاعي، واستاقوا الذّود، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّريخ، فبعث الطّلب في آثارهم، فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكحّلهم وقطّع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم «4» ، ثمّ ألقوا في الحرّة يستسقون، فما سقوا حتّى ماتوا» ) * «5» . قال أبو قلابة:
سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله.
31-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال:
فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «6» فيتدهده «7» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر «8» شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال:
وربّما قال أبو رجاء فيشقّ- قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى.
قال: قلت: سبحان الله. ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور. قال: وأحسب أنّه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «9» قال:
قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. قال:
فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنّه كان يقول أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «10» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه
__________
(1) مسلم (2128) .
(2) أبغنا: اطلب لنا.
(3) رسلا: لبنا.
(4) حسمهم: الحسم كي العرق بالنار لينقطع الدم.
(5) البخاري الفتح 12 (6804) واللفظ له، ومسلم (1671) ، وأبو داود (4364) ، والنسائي (7/ 95) ابن ماجه (2578) .
(6) يثلغ: يشدخ.
(7) فيتدهده الحجر: المراد أنه دفعه من علو إلى أسفل.
(8) فيشرشر شدقه إلى قفاه: أي يقطعه شقا.
(9) ضوضوا: رفعوا أصواتهم.
(10) فيفغر: يفتح.(11/5256)
حجرا. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق.
انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها «1» ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي:
انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما:
ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق.
قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء. قال:
قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض «2» من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فساروا في أحسن صورة. قال: قالا لي:
هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال: قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا. وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا. فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم، وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم» ) * «3» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللّحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها» ) * «4» .
33-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المدهن في حدود
__________
(1) يحشها: يوقدها.
(2) المحض: اللبن الخالص من الماء.
(3) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، مسلم (2275) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3330) .(11/5257)
الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الّذين في أسفلها يمرّون بالماء على الّذين في أعلاها، فتأذّوا به، فأخذ فأسا، فجعل ينقر أسفل السّفينة، فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذّيتم بي ولا بدّ لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم» ) * «1» .
34-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «2» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين «3» من الحبشة» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الفساد)
1-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «وإنّا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإمّا بايعناهم على مالا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فسادا، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الّذي بايعه تغرّة أن يقتلا» ) * «5» .
2-* (عن عبد الله بن سبيع؛ قال: «سمعت عليّا يقول: لتخضبنّ هذه من هذا، فما ينتظر بي الأشقى؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا به نبير «6» عترته. قال: إذن تالله- تقتلون بي غير قاتلي. قالوا:
فاستخلف علينا. قال: لا. ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: فما تقول لربّك إذا أتيته، وقال وكيع مرّة: إذا لقيته؟ قال: أقول: اللهمّ تركتني فيهم ما بدا لك، ثمّ قبضتني إليك وأنت فيهم، فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم» ) * «7» .
3-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: «لا تفسدوا علينا سنّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
عدّة أمّ الولد أربعة أشهر وعشرا» ) * «8» .
4-* (عن أبي نوفل قال: رأيت عبد الله بن الزّبير على عقبة المدينة «9» . قال فجعلت قريش تمرّ عليه والنّاس. حتّى مرّ عليه عبد الله بن عمر. فوقف
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2686) .
(2) أبو داود (4880) وقال الألباني (3/ 923) : حسن صحيح.
(3) ذو السويقتين: هما تصغير ساقي الإنسان لرقتهما وهي صفة سوق السودان غالبا.
(4) البخاري- الفتح 3 (1591) ، ومسلم (2909) متفق عليه.
(5) البخاري- الفتح 12 (6830) .
(6) نبير: نهلك.
(7) أحمد (1/ 130) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 242) برقم (1078) إسناده صحيح.
(8) ابن ماجه (2083) .
(9) عقبة المدينة: هي عقبة بمكة.(11/5258)
عليه. فقال: السّلام عليك أبا خبيب «1» ، السّلام عليك أبا خبيب، السّلام عليك أبا خبيب. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله إن كنت ما علمت صوّاما. قوّاما. وصولا للرّحم. أما والله لأمّة أنت أشرّها لأمّة خير. ثمّ نفذ «2» عبد الله بن عمر. فبلغ الحجّاج موقف عبد الله وقوله. فأرسل إليه «3» . فأنزل عن جذعه. فألقي في قبور اليهود. ثمّ أرسل إلى أمّه أسماء بنت أبي بكر. فأبت أن تأتيه.
فأعاد عليها الرّسول: لتأتينّي أو لأبعثنّ إليك من يسحبك بقرونك «4» . قال فأبت وقالت: والله لا آتيك حتّى تبعث إليّ من يسحبني بقروني. قال فقال: أروني سبتيّ «5» . فأخذ نعليه. ثمّ انطلق يتوذّف «6» . حتّى دخل عليها. فقال: كيف رأيتني صنعت بعدوّ الله؟
قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنّك تقول له: يابن ذات النّطاقين «7» ، أنا والله ذات النّطاقين. أمّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وطعام أبي بكر من الدّوابّ.
وأمّا الآخر فنطاق المرأة الّتي لا تستغني عنه. أما إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثنا: «أنّ في ثقيف كذّابا ومبيرا» .
فأمّا الكذّاب فرأيناه. وأمّا المبير فلا إخالك إلّا إيّاه.
قال: فقام عنها ولم يراجعها» ) * «8» .
5-* (عن أبي المنهال قال: «لمّا كان ابن زياد ومروان بالشّام وثب ابن الزّبير بمكّة، ووثب القرّاء بالبصرة، فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلميّ حتّى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظلّ علّيّة له من قصب فجلسنا إليه، فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه النّاس؟ فأوّل شيء سمعته تكلّم به: إنّي احتسبت عند الله أنّي أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنّكم يا معشر العرب، كنتم على الحال الّذي علمتم من الذّلّة والقلّة والضّلالة، وإنّ الله أنقذكم بالإسلام وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ بكم ما ترون، وهذه الدّنيا الّتي أفسدت بينكم. إنّ ذاك الّذي بالشّام والله إن يقاتل إلّا على دنيا، وإنّ هؤلاء الّذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلّا على دنيا، وإنّ ذاك الّذي بمكّة والله إن يقاتل إلّا على الدّنيا» ) * «9» .
6-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: «خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى. قبل موت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعام. ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة- وكانا شهدا بدرا- وكان نعيمان على الزّاد. وكان سويبط رجلا مزّاحا. فقال لنعيمان: أطعمني. قال:
حتّى يجيء أبو بكر. قال: فلأغيظنّك. قال، فمرّوا
__________
(1) أبا خبيب: كنية ابن الزبير، كني بابنه خبيب، وكان أكبر أولاده.
(2) ثم نفذ: أي انصرف.
(3) أرسل إليه: أي إلى عبد الله بن الزبير.
(4) من يسحبك بقرونك: أي يجرك بضفائر شعرك.
(5) سبتي: النعلين اللتين لا شعر عليهما.
(6) يتوذف: يسرع.
(7) ذات النطاقين: النطاق: ما تشد به المرأة وسطها.
(8) مسلم (2545) .
(9) البخاري- الفتح 13 (7112) .(11/5259)
بقوم. فقال لهم سويبط: تشترون منّي عبدا لي؟ قالوا:
نعم. قال: إنّه عبد له كلام. وهو قائل لكم: إنّي حرّ.
فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا عليّ عبدي. قالوا: لا. بل نشتريه منك. فاشتروه منه بعشر قلائص. ثمّ أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلا. فقال نعيمان: إنّ هذا يستهزىء بكم. وإنّي حرّ، لست بعبد. فقالوا: قد أخبرنا خبرك. فانطلقوا به.
فجاء أبو بكر. فأخبروه بذلك. قال: فاتّبع القوم. وردّ عليهم القلائص. وأخذ نعيمان. قال، فلمّا قدموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه. قال: فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه منه حولا» ) * «1» .
7-* (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: «قطع الذّهب والورق «2» من الفساد في الأرض» ) * «3» .
من مضار (الفساد)
(1) أعظم درجات الفساد الشّرك بالله تعالى.
(2) المنافقون واليهود والنّصارى والمجوس والمشركون ومن شايعهم وماثلهم من ملل الكفر كلّهم فاسدون في معتقداتهم، ومفسدون في مجتمعاتهم.
(3) الفساد في الأرض كقتل النّفس، أو أشدّ ولذا جعل الله جزاء الّذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا، أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. وقد يجمع الحاكم بينها إذا عظم الفساد.
وإنّ عظم الجزاء مع عظم الذّنب.
(4) إذا كثرت مظاهر الفساد في مجتمع من المجتمعات فقد دنا ما ينتظرهم من سخط الله وأليم عقابه.
(5) المفسد معول هدم في المجتمع.
(6) تطبيق القوانين الوضعيّة من أعظم الفساد في الأرض.
__________
(1) أحمد (6/ 316) ، ابن ماجه (3719) واللفظ له وقال في الزوائد: في إسناده زمعة بن صالح، أخرج له مسلم، مقرونا بغيره.
(2) أي انقاص وزن المسكوك من الذهب والفضة كعملة نقدية.
(3) تنوير الحوالك (2/ 136- 137) .(11/5260)
الفسوق
الفسوق لغة:
الفسق والفسوق: الخروج عن طريق الحقّ يقول ابن فارس: «الفاء والسّين والقاف كلمة واحدة، وهي الفسق، وهو الخروج عن الطّاعة «1» ، وفسق فلان:
خرج عن حجر الشّرع، وذلك من قولهم: فسق الرّطب، إذا خرج عن قشره، وهو أعمّ من الكفر. والفسق يقع بالقليل من الذّنوب، وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشّرع، وأقرّ به ثمّ أخلّ بجميع أحكامه، أو ببعضه، وإذا قيل للكافر الأصليّ فاسق فلأنّه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل، واقتضته الفطرة «2» .
يقال: فسق عن أمر ربّه، أي خرج، والفسّيق:
الدّائم الفسق، ويقال في النّداء: يا فسق، ويا خبث، يريد: يا أيّها الفاسق، ويا أيّها الخبيث. وتقول للمرأة:
يا فساق مثل قطام «3» .
يقول الزّبيديّ: «فسق كنصر، وضرب، وكرم فسقا وفسوقا، أي فجر فجورا، وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ (الأنعام/ 121) أي خروج عن الحقّ، قال
أبو الهيثم: ويكون الفسوق شركا، ويكون إثما، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ أي لمعصية، والفسق: الخروج «4» .
وفسق، جار ومال عن طاعة الله- عزّ وجلّ- والتّفسيق ضدّ التّعديل، يقال: فسّقه الحاكم أي حكم بفسقه ... وفسق في الدّنيا فسقا: إذا اتّسع فيها وهوّن على نفسه، واتّسع بركوبه لها، ولم يضيّقها عليه «5» .
وقال ابن منظور: الفسق: العصيان والتّرك لأمر الله- عزّ وجلّ-، والخروج عن طريق الحقّ، يقال:
فسق يفسق ويفسق فسقا وفسوقا وفسق: أي فجر.
وقيل: الفسوق، الخروج عن الدّين، وكذلك الميل إلى المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربّه. أي جار ومال عن طاعته، قال الشّاعر:
فواسقا عن أمره جوائرا.
والعرب تقول إذا خرجت الرّطبة من قشرها:
قد فسقت الرّطبة من قشرها، وكأنّ الفأرة إنّما سمّيت فويسقة لخروجها من جحرها على النّاس.
وفسق فلان ماله إذا أهلكه وأنفقه.
__________
(1) المقاييس (4/ 502) .
(2) المفردات (380) .
(3) الصحاح (4/ 1543) .
(4) تفسير القرطبي (7/ 51) .
(5) التاج (402، 403) .(11/5261)
ورجل فاسق وفسّيق وفسق: دائم الفسق.
وفسّقه: نسبه إلى الفسق. والفواسق من النّساء:
الفواجر «1» .
الفسوق اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الفاسق: من شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق «2» ، ومن ثمّ يكون الفسوق: هو عدم العمل بأحكام الشّريعة مع الإقرار بالشّهادتين والاعتقاد بالوحدانيّة (أي الإيمان القلبيّ) .
وقال المناويّ: الخروج عن الطّاعة بارتكاب الذّنب، وإن قلّ، ولكن تعورف فيما إذا كان كبيرة.
وأكثر ما يقال عن الفاسق لمن التزم حكم الشّرع وأخلّ بأحكامه.
والفاسق أعمّ من الكافر، والظّالم أعمّ من الفاسق «3» .
وقال الكفويّ: الفسق: التّرك لأمر الله تعالى والعصيان والخروج عن طريق الحقّ، والفجور «4» .
أنواع الفسوق:
الفسوق في كتاب الله نوعان. مفرد مطلق، ومقرون بالعصيان.
والمفرد نوعان أيضا: فسوق كفر يخرج عن الإسلام، وفسوق لا يخرج عن الإسلام، فالمقرون، كقوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (الحجرات/ 7) .
والمفرد- الّذي هو فسوق كفر- كقوله تعالى:
يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ (البقرة/ 26- 27) الآية. وقوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (البقرة/ 99) وقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها (السجدة/ 20) الآية. فهذا كلّه فسوق كفر.
وأمّا الفسوق الّذي لا يخرج عن الإسلام فكقوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (البقرة/ 282) الآية وقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ (الحجرات/ 6) الآية. وههنا
فائدة لطيفة. وهي أنّه سبحانه لم يأمر بردّ خبر الفاسق وتكذيبه وردّ شهادته جملة، وإنّما أمر بالتّبيّن، فإن قامت قرائن وأدلّة من خارج تدلّ على صدقه عمل بدليل الصّدق. ولو أخبر به من أخبر، فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته، وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثير منهم يتحرّى الصّدق غاية التّحرّي، وفسقه من جهات أخر. فمثل هذا لا يردّ خبره ولا شهادته، ولو ردّت شهادة مثل هذا وروايته لتعطّلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصّحيحة، ولا سيّما من فسقه من
__________
(1) لسان العرب (10/ 308) .
(2) التعريفات (41، 170) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (557) .
(4) المرجع السابق (2) .(11/5262)
جهة الاعتقاد والرّأي، وهو متحرّ للصّدق فهذا لا يردّ خبره ولا شهادته.
وأمّا من فسقه من جهة الكذب، فإن كثر منه وتكرّر بحيث يغلب كذبه على صدقه، فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته، وإن ندر منه مرّة أو مرّتين، ففي ردّ شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد- رحمه الله-.
والفسوق الّذي تجب التّوبة منه أعمّ من الفسوق الّذي تردّ به الرّواية والشّهادة.
وكلامنا الآن فيما تجب التّوبة منه وهو قسمان:
فسق من جهة العمل، وفسق من جهة الاعتقاد.
ففسق العمل نوعان: مقرون بالعصيان، ومفرد.
فالمقرون بالعصيان: هو ارتكاب ما نهى الله عنه، والعصيان: هو عصيان أمره. كما قال الله تعالى:
لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ (التحريم/ 6) ، وقال موسى لأخيه هارون- عليهما السّلام-: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (طه/ 92- 93) ، وقال الشّاعر:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فالفسق أخصّ بارتكاب النّهي، ولهذا يطلق عليه كثيرا. كقوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (الحجرات/ 6) ، والمعصية أخصّ بمخالفة الأمر كما تقدّم.
ويطلق كلّ منهما على صاحبه كقوله تعالى:
إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (الكهف/ 50) ، فسمّى مخالفته للأمر فسقا، وقال:
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) ، فسمّى ارتكابه للنّهي معصية، فهذا عند الإفراد، فإذا اقترنا كان أحدهما لمخالفة الأمر والآخر لمخالفة النّهي.
والتّقوى اتّقاء مجموع الأمرين، وبتحقيقها تصحّ التّوبة من الفسوق والعصيان بأن يعمل العبد بطاعة الله على نور من الله، ويرجو ثواب الله، ويترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله.
وفسق الاعتقاد: كفسق أهل البدع الّذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويحرّمون ما حرّم الله، ويوجبون ما أوجب الله، ولكن ينفون كثيرا ممّا أثبت الله ورسوله، جهلا وتأويلا، وتقليدا للشّيوخ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك.
وهؤلاء كالخوارج المارقة، وكثير من الرّوافض، والقدريّة، والمعتزلة، وكثير من الجهميّة الّذين ليسوا غلاة في التّجهّم.
وأمّا غالية الجهميّة فكغلاة الرّافضة، ليس للطّائفتين في الإسلام نصيب «1» .
الفسوق في القرآن الكريم:
ورد لفظ الفسوق في القرآن الكريم على وجوه:
1- بمعنى الكفر: ومنه قوله تعالى في سورة السّجدة/ 18- 20: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 389- 393) .(11/5263)
فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ وفيها وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ.
2- بمعنى المعصية من غير شرك: ومنه قوله تعالى في سورة المائدة/ 25: فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ.
3- بمعنى الكذب: ومنه قوله تعالى في الحجرات/ 6: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.
4- السّبّ: ومنه قوله في البقرة/ 197: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ «1» .
وقد ذكر الكفويّ هذا الوجه إلّا أنّه قال «وبمعنى السّيّئات» مستدلّا «2» بنفس الآية.
5- بمعنى الإثم: نحو قوله تعالى في البقرة/ 282: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ «3» .
6- بمعنى مخالفة أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومنه قوله تعالى في التّوبة/ 67) : إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الضلال- العصيان الكفر- النفاق- الفساد- اتباع الهوى- إطلاق البصر- الزنا- البغي- الإسراف- انتهاك الحرمات- ترك الصلاة- الغفلة- العصيان- الكبر والعجب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان- الطاعة- العبادة- تعظيم الحرمات- التقوى- الصلاة- الخوف- تكريم الإنسان- مجاهدة النفس- حسن الخلق- التواضع] .
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (465) .
(2) الكليات للكفوي (693) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) نزهة الأعين النواظر (465) .(11/5264)
الآيات الواردة في «الفسوق»
أولا: الفسوق المخرج من الملة:
1- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) «1»
2- وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (99) «2»
3- وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) «3»
4- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «4»
5- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «5»
6- وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102) «6»
7- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) «7»
__________
(1) البقرة: 59 مدنية
(2) البقرة: 99 مدنية
(3) المائدة: 47 مدنية
(4) الأنعام: 49 مكية
(5) الأنعام: 121 مكية
(6) الأعراف: 102 مكية
(7) التوبة: 79- 84 مدنية(11/5265)
8- يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95)
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96) «1»
9- كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33) «2»
10- وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) «3»
11- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) «4»
12- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «5»
13-* أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «6»
14- ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5) «7»
15- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) «8»
__________
(1) التوبة: 94- 96 مدنية
(2) يونس: 33 مكية
(3) النمل: 12 مكية
(4) السجدة: 18- 20 مكية
(5) الأحقاف: 20 مكية
(6) الحديد: 16 مدنية
(7) الحشر: 5 مدنية
(8) المنافقون: 5- 6 مدنية(11/5266)
ثانيا: الفسوق غير المخرج من الملة:
16- وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
(16) «1»
17- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) «2»
18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «3»
ثالثا: النهي والتنفير عن الفسوق:
19- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «4»
20- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «5»
21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) «6»
22- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19) «7»
__________
(1) الإسراء: 16 مكية
(2) النور: 4 مدنية
(3) الحجرات: 6- 7 مدنية
(4) البقرة: 197 مدنية
(5) المائدة: 3 نزلت في عرفات في حجة الوداع
(6) الحجرات: 11 مكية
(7) الحشر: 19 مدنية(11/5267)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفسوق)
1-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أربع كلّهنّ فاسق يقتلن في الحلّ والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور «1» » ) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «3» .
3-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلّا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» ) * «4» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
لمّا توفّي عبد الله بن أبيّ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفّنه فيه، ثمّ قام يصلّي عليه فأخذ عمر بن الخطّاب بثوبه فقال: أتصلّي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟. قال: «إنّما خيّرني الله- أو أخبرني الله- فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (التوبة/ 80) فقال:
سأزيده على سبعين. قال: فصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصلّينا معه، ثمّ أنزل الله عليه: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ
(التوبة/ 84)) * «5» .
5-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟. قال: «إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم» ، قلنا: يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا؟. قال: «الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم «6» » ) * «7» .
__________
(1) الكلب العقور: قال جمهور العلماء ليس المراد به تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد كل عاد مفترس، كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها، ومعنى العقور: العاقر الجارح.
(2) مسلم (1198) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7076) ، ومسلم (64) متفق عليه.
(4) البخاري- الفتح 10 (6045) واللفظ له، ومسلم (61) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4672) .
(6) قال زيد في تفسير معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «العلم في رذالتكم» إذا كان العلم في الفساق.
(7) ابن ماجة (4015) ، وفي الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات.(11/5268)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الفسوق)
1-* (عن زيد بن وهب قال: كنّا عند حذيفة رضي الله عنه- فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ (التوبة/ 12) إلّا ثلاثة، ولا من المنافقين إلّا أربعة، فقال أعرابيّ:
إنّكم أصحاب محمّد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفسّاق، أجل، لم يبق منهم إلّا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد ما وجد برده) * «1» .
2-* (عن عمرو بن مصعب- رضي الله عنهما- قال: سألت أبي: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (الكهف/ 103) هم الحروريّة؟ قال: لا. هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى كفروا بالجنّة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة الّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه- وكان سعد يسمّيهم الفاسقين) * «2» .
3-* (عن بلال بن سعد الأشعريّ أنّ معاوية كتب إلى أبي الدّرداء: اكتب إلى فسّاق دمشق. فقال:
مالي وفسّاق دمشق؟ ومن أين أعرفهم؟ فقال ابنه بلال:
أنا أكتبهم، فكتبهم. قال: من أين علمت؟ ما عرفت أنّهم فسّاق إلّا وأنت منهم. ابدأ بنفسك، ولم يرسل بأسمائهم) * «3» .
4-* (عن السّائب بن يزيد قال: كنّا نؤتى بالشّارب على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإمرة أبي بكر فصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتّى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين، حتّى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين) * «4» .
5-* (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لفظ المعصية والفسوق والكفر، إذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق كقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (الجن/ 23) ، وقال تعالى: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (هود/ 59)) * «5» .
من مضار (الفسوق)
(1) يجلب غضب الله ورسوله والمؤمنين.
(2) قد يخرج عن الملّة.
(3) الفاسق إنسان ضارّ في المجتمع.
(4) يلحق بالنّفاق. والمنافقون في النّار.
(5) يجلب الدّمار للمجتمع.
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4658) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4728) .
(3) شرح الأدب المفرد، فضل الله الصمد 2 (1290) .
(4) البخاري- الفتح 12 (6779) .
(5) الإيمان لابن تيمية (56) .(11/5269)
الفضح
الفضح لغة:
الفضح مصدر فضحه يفضحه فضحا إذا كشفه ولم يستره. يقول ابن فارس: الفاء والضّاد والحاء كلمتان متقاربتان: تدلّ إحداهما على انكشاف شيء ولا يكاد يقال إلّا في قبيح، والأخرى على لون غير حسن أيضا. فالأوّل قولهم أفضح الصّبح وفضّح إذا بدا، ثمّ يقولون في التّهتّك: الفضوح «1» .
والفضيحة: العيب والجمع فضائح، وفضحته فضحا من باب نفع: كشفته، وفي الدّعاء: «لا تفضحنا بين خلقك» أي استر عيوبنا ولا تكشفها «2» .
قال ابن منظور: ويقال للمفتضح: يا فضوح، قال الرّاجز:
قوم إذا ما رهبوا الفضائحا ... على النّساء لبسوا الصّفائحا
ويقال: افتضح الرّجل يفتضح افتضاحا إذا ركب أمرا سيّئا فاشتهر «3» به. وفضح الشّيء يفضحه فضحا فافتضح إذا انكشفت مساويه، والاسم الفضاحة والفضوح والفضوحة والفضيحة، ورجل
فضّاح وفضوح: يفضح النّاس. وسئل بعض الفقهاء عن فضيح البسر فقال: ليس بالفضيح ولكنّه الفضوح. أراد أنّه يسكر فيفضح شاربه إذا سكر منه.
والفضيحة: اسم من هذا لكلّ أمر سيّىء يشهر صاحبه بما يسوء «4» .
الفضح اصطلاحا:
قال المناويّ: الفضيحة: انكشاف مساوىء الإنسان «5» ومن ثمّ يكون الفضح: أن يكشف المرء عن مساوىء أخيه (ليعرف بها) ، وهذا المعنى قريب من التّشهير وكشف العورات.
الموت أهون من الافتضاح:
عقد الشّيخ العزّ بن عبد السّلام فصلا في بعض كتبه وجعل ترجمته: تمنّي الهلاك دون الافتضاح، وذكر قول الله تعالى حكاية عن مريم عليها وعلى ابنها وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (مريم/ 23) «6» ، ويؤخد من هذا عظم أمر الفضح عند ذوي النّفوس الأبيّة.
__________
(1) المقاييس (4/ 509) .
(2) المصباح المنير (475) .
(3) وفي (اشتهر) لغة أخرى بضم التاء وكسر الهاء.
(4) لسان العرب (2/ 545) .
(5) التوقيف على مهمات التعاريف (262) .
(6) شجرة المعارف والأحوال (390) .(11/5270)
حكم فضح المسلم:
عدّ ابن حجر، هتك المسلم أو تتبّع عوراته حتّى يفضحه ويذلّه بها النّاس من الكبائر مستدلّا بقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتّى يفضحه بها في بيته» وعلّل لذلك بقوله: لأنّ كشف العورة، والافتضاح، فيه من الوعيد ما لا يخفى «1» .
للاستزادة: انظر صفات: الأذى- إفشاء السر الإفك- البغض- الغيبة- النميمة- سوء الخلق الإساءة- اتباع الهوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان الستر- كتمان السر- الكلم الطيب- حسن العشرة- حسن الخلق- الإحسان- العفو] .
__________
(1) الزواجر (537) .(11/5271)
الآيات الواردة في «الفضح»
1- فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) «1»
الآيات الواردة في «الفضح» معنى
2- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) «2»
3- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) «3»
4- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) «4»
__________
(1) الحجر: 61- 75 مكية
(2) التوبة: 63- 64 مدنية
(3) التوبة: 127 مدنية
(4) هود: 77- 81 مكية(11/5272)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفضح)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشريك ابن سحماء فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «البيّنة أو حدّ في ظهرك» .
فقال: يا رسول الله. إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البيّنة؟ فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «البيّنة وإلّا حدّ في ظهرك» . فقال هلال: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادق، فلينزلنّ الله ما يبرّىء ظهري من الحدّ.
فنزل جبريل وأنزل عليه وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6) فقرأ حتّى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (النور/ 9) ، فانصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد،
والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب. فهل منكما تائب؟» ثمّ قامت فشهدت فلمّا كانت عند الخامسة وقّفوها وقالوا: إنّها موجبة. قال ابن عبّاس: فتلكّأت ونكصت «1» حتّى ظننّا أنّها ترجع، ثمّ قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أبصروها، فإن جاءت به «2» أكحل العينين سابغ الأليتين خدلّج السّاقين «3» فهو لشريك بن سحماء. فجاءت به كذلك، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» ) * «4» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول حين نزلت آية المتلاعنين:
«أيّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنّته، وأيّما رجل جحد ولده- وهو ينظر إليه- احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الأوّلين والآخرين) * «5» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم (وهي جدّة إسحاق) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت له- وعائشة عنده-: يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرّجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرّجل من نفسه. فقالت عائشة: يا أمّ سليم فضحت النّساء «6» . تربت يمينك «7» . فقال لعائشة:
«بل أنت. فتربت يمينك. نعم. فلتغتسل يا أمّ سليم إذا رأت ذاك» ) * «8» .
4-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبة حتّى أسمع العواتق
__________
(1) نكصت: أي أحجمت.
(2) فإن جاءت به: أي بالولد.
(3) خدلج الساقين: عظيمهما.
(4) البخاري- الفتح 8 (4747) .
(5) أبو داود (2263) واللفظ له، والنسائي (6/ 179) . والدارمي (2/ 204) . والحاكم (2/ 203) وصححه ووافقه الذهبي.
(6) فضحت النساء: أي حكيت عنهن أمرا يستحيا من وصفهن به ويكتمنه.
(7) تربت يمينك مثل تربت يداك يقال للرجل: إذا قل ماله وافتقر وهي كلمة جارية على ألسن العرب يقولونها وهم لا يريدون بها الدعاء على المخاطب.
(8) مسلم (310) .(11/5273)
في خدورهنّ فقال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه. لا تؤذوا المؤمنين، ولا تتبّعوا عوراتهم؛ فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم هتك الله ستره، ومن يتّبع عورته يفضحه ولو في جوف بيته» ) * «1» .
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من انتفى من ولده ليفضحه في الدّنيا فضحه الله تبارك وتعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، قصاص بقصاص» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الفضح) معنى
6-* (أخبرنا ثابت عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمّي.
فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنّها سرّ.
قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا» ) * قال أنس: والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت «3» .
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّث رجل رجلا بحديث ثمّ التفت فهو أمانة» ) * «4» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا زوّج أحدكم عبده أمته، فلا ينظر إلى عورتها» ) * «5» .
9-* (وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أظلّكم شهركم هذا- بمحلوف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ما مرّ بالمسلمين شهر قطّ خير لهم منه، وما مرّ بالمنافقين شهر أشرّ لهم منه.
بمحلوف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّ الله ليكتب أجره ونوافله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله؛ وذلك أنّ المؤمن يعدّ فيه القوّة من النّفقة للعبادة، ويعدّ فيه المنافق ابتغاء غفلات المؤمنين، وعوراتهم، فهو غنم للمؤمن يغتنمه الفاجر» ) * «6» .
__________
(1) أبو داود في سننه رقم (4880) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 94) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(2) أحمد (2/ 26) وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 16) إسناده صحيح. وعند الهيثمي (5/ 15) بلفظه وقال:: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد وهو ثقة إمام.
(3) البخاري- الفتح (11/ 6289) ، ومسلم (2482) واللفظ له.
(4) أبو داود رقم (4868) وقال الألباني (2/ 922) : حسن. وهو في الصحيحة (1089) وفي صحيح الجامع (486) . والترمذي (1959) وقال: حديث حسن. وكذلك الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 132) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 545) : حديث حسن.
(5) أبو داود (4113) وقال الألباني (2/ 775) : حسن
(6) أحمد (2/ 524) واللفظ له والمنذري في الترغيب (2/ 96) وقال: رواه ابن خزيمة في صحيحه. وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 158) : إسناده صحيح.(11/5274)
10-* (عن عمرو بن سلمة قال: «قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه «1» فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته فقال: كنّا بما ممرّ «2» النّاس، وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم: ما للنّاس؟ ما للنّاس؟ ما هذا الرّجل؟ فيقولون: يزعم أنّ الله أرسله. أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنّما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوّم «3» بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه؛ فإنّه إن ظهر عليهم فهو نبيّ صادق. فلمّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كلّ قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم. فلمّا قدم قال: جئتكم والله من عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقّا. فقال: «صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن أحدكم، وليؤمّكم أكثركم قرآنا» فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا منّي؛ لما كنت أتلقّى من الرّكبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ستّ أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلّصت عنّي «4» ، فقالت امرأة من الحيّ:
ألا تغطّون عنّا است «5» قارئكم، فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص» ) * «6» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا اطّلع من بعض حجر «7» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام إليه بمشقص أو مشاقص «8» . فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يختله «9» ليطعنه» ) * «10» .
12-* (عن سهل بن سعد الأنصاريّ رضي الله عنه- أنّ رجلا اطّلع من جحر في باب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدرى «11» يرجّل به رأسه «12» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أعلم أنّك تنظر طعنت به في عينك. إنّما جعل الله الإذن من أجل البصر» ) * «13» .
13-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جمع له أبويه يوم أحد. قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين «14» فقال له
__________
(1) ألا تلقاه: أي النبي صلّى الله عليه وسلّم كما يفهم مما يأتي.
(2) المعنى يمرّ بنا الناس إذا أتو النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(3) تلوم أصلها تتلوّم- بفتح أوله وتشديد اللام- أي تنتظر.
(4) تقلصت عني: أي انجمعت وارتفعت.
(5) الاست: العجز وقيل: حلقة الدبر والجمع أستاه، وأصله: سته حذفت الهاء واجتلبت له همزة الوصل في أوله.
(6) البخاري- الفتح 7 (4302) .
(7) حجر: جمع حجرة هي ناحية البيت.
(8) المشقص: نصل السهم اذا كان طويلا غير عريض، فاذا كان عريضا فهو المعبلة.
(9) يختله الرجل: يلتمس غفلته ليطعنه وهو غافل.
(10) البخاري الفتح 11 (6242) ومسلم (2157) واللفظ له.
(11) مدرى: حديدة يسوى بها شعر الرأس. وقيل: هو شبه المشط. وقيل: هي أعواد تحدد تجعل شبه المشط. وقيل: هو عود تسوي به المرأة شعرها. وجمعه مدارى. ويقال في الواحد مدراة ومدراية. ويقال: تدريت بالمدرى.
(12) يرجل به رأسه. هذا يدل لمن قال: إنه مشط أو يشبه المشط. وترجيل الشعر تسريحه ومشطه.
(13) البخاري- الفتح 11 (6241) ومسلم (2156) واللفظ له
(14) أحرق المسلمين: أشتد عليهم في القتال، وعمل فيهم عمل النار.(11/5275)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ارم. فداك أبي وأمّي» قال: فنزعت له بسهم «1» ليس فيه نصل «2» . فأصبت جنبه فسقط.
فانكشفت عورته. فضحك «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى نظرت إلى نواجذه «4» » ) * «5» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا أراد حاجة «6» لا يرفع ثوبه حتّى يدنو من الأرض» ) * «7» .
15-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات النّاس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» فقال أبو الدّرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفعه الله تعالى بها) * «8» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النّحر نؤذّن بمنى: ألا لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرّحمن: ثمّ أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّا فأمره أن يؤذّن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النّحر: لا يحجّ بعد العام مشرك، لا يطوف بالبيت عريان» ) * «9» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة «10» . فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «11» على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل «12» . قالت الثّانية:
زوجي لا أبثّ خبره «13» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «14» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «15» . إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.
قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «16» . لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن
__________
(1) فنزعت له بسهم: أي رميته بسهم.
(2) ليس فيه نصل: أي ليس فيه حديدة.
(3) فضحك: أي فرحا بقتل عدو الله لا لانكشافه.
(4) نواجذه: أي أنيابه وقيل أضراسه.
(5) مسلم (2412) .
(6) أراد حاجة: أي يقضي حاجته من بول أو غائط.
(7) أبو داود (14) وقال الألباني (1/ 6) : صحيح
(8) أبو داود (4888) واللفظ له وقال الألباني (3/ 923) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 654) : إسناده حسن ورواه ابن حبان في صحيحه
(9) البخاري الفتح 1 (369) واللفظ له. ومسلم (1347) .
(10) جلس إحدى عشرة امرأة: التقدير: جلس جماعة إحدى عشرة على حد قوله تعالى: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ؟ وفي رواية أبي عوانه: جلست.
(11) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول.
(12) هكذا في فتح الباري، وفي المزهر للسيوطي (2/ 532) : فينتقى ولعله الصواب.
(13) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(14) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(15) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(16) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة.(11/5276)
دخل فهد «1» وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد.
قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «2» ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ. ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «3» طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك «4» أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «5» والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «6» طويل النّجاد. عظيم الرّماد. قريب البيت من النّادي. قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «7» ؟
مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك. قليلات المسارح. إذا سمعن صوت المزهر «8» أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبوزرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «9» وملأ من شحم عضديّ.
وبجّحني فبجحت إلىّ نفسي «10» وجدني في أهل غنيمة بشقّ. فجعلني في أهل صهيل وأطيط «11» ، ودائس ومنقّ «12» . فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح،
__________
(1) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه اذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد.
(2) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء.
(3) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعيبه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدى إلى مسلك. وقيل هو الغبي الأحمق الفدم.
(4) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد.
(5) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس.
(6) زوجي رفيع العماد: قيل ان بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد.
(7) زوجي مالك وما مالك؟: استفهام يقصد به تعظيم زوجها ورفع مكانته ثم بينت سر عظمته وهو أن له إبلا كثيرة. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها.
(8) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك.
(9) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسرها: لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل. فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها.
(10) وبجحني فبجحت إليّ نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها: لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر.
(11) الصهيل: صوت الخيل، والأطيط: صوت الإبل. فاكتفى بدلالة الصوت على صاحبه على طريق الكناية.
(12) ودائس: الذي يدوس الطعام أرادت أنهم أصحاب زرع وأن عندهم طعاما منتقى. ومنقّ: من نقيق أصوات المواشي تصف كثرة ماله.(11/5277)
وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «1» ، وبيتها فساح. ابن أبي زرع. فما ابن أبي زرع؟
مضجعه كمسلّ شطبة «2» ، ويشبعه ذراع الجفرة «3» .
بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «4» ، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «5» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «6» . فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين. يلعبان من تحت خصرها برمّانتين. فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا ركب شريّا «7» ، وأخذ خطيّا، وأراح علىّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا. قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك. فلو جمعت كلّ شيء أعطاني، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «8» .
18-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: أقبلت بحجر أحمله ثقيل- وعليّ إزار خفيف- قال: فانحلّ إزاري ومعي الحجر ولم أستطع أن أضعه حتّى بلغت به إلى موضعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة» ) * «9» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد فقال: «من أحسّ الفتى الدّوسيّ؟ من أحسّ الفتّى الدّوسيّ؟» فقال له قائل: هو ذاك يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء فوضع يده عليّ، وقال لي معروفا فقمت فانطلق حتّى قام في مقامه الّذي يصلّي فيه- ومعه يومئذ صفّان من رجال، وصفّ من نساء، أوصفّان من نساء وصفّ من رجال- فأقبل عليهم فقال: «إن نسّاني الشّيطان شيئا من صلاتي فليسبّح القوم وليصفّق النّساء» فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينس من صلاته شيئا فلمّا سلمّ أقبل عليهم بوجهه فقال: مجالسكم هل منكم إذا أتى أهله أغلق بابه، وأرخى ستره ثمّ يخرج فيحدّث فيقول فعلت بأهلي كذا؟» فسكتوا. فأقبل على النّساء فقال:
__________
(1) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة.
(2) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة.
(3) وتشبعه ذراع الجفرة": الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من ولد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه: أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به.
(4) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(5) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه: لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(6) والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن، تمخض: أي يستخرج منها الزبد تريد أنه انطوى في خبرها كثرة خير داره وأن عندهم من اللبن ما يكفيهم ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده.
(7) شريّا: أي فرسا خيارا فائقا.
(8) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له.
(9) مسلم (341) .(11/5278)
هل منكنّ من تحدّث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويسمع كلامها فقالت: إي والله إنّهم ليحدّثون، وإنّهنّ ليحدّثن فقال: «هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إنّ مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسّكّة قضى حاجته منها والنّاس ينظرون إليه» ... الحديث» ) * «1» .
20-* (عن أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشّام على عائشة- رضي الله عنها- فقالت: ممّن أنتنّ؟ قلن: من أهل الشّام، قالت: لعلّكنّ من الكورة الّتي تدخل نساؤها الحمّامات؟ قلن: نعم.
قالت: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلّا هتكت ما بينها وبين الله تعالى» ) * «2» .
21-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: كان النّاس يصلّون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم عاقدو أزرهم من الصّغر على رقابهم. فقيل للنّساء: لا ترفعن رؤوسكنّ حتّى يستوي الرّجال جلوسا) * «3» .
22-* (عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: لمّا بني البيت كان النّاس ينقلون الحجارة والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل معهم فأخذ الثّوب فوضعه على عاتقه فنودي: لا تكشف عورتك، فألقى الحجر ولبس ثوبه» ) * «4» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ موسى كان رجلا حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل. فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة «5» وإمّا آفة، وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل، فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه «6» فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر. ثوبي حجر «7» حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممّا يقولون. وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إنّ بالحجر لندبا «8» من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) * «9» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
__________
(1) أبو داود (2174) . وأحمد (2/ 541) واللفظ له وقال محقق مساويء الأخلاق (164) : إسناده صحيح.
(2) أبو داود (4010) وقال الألباني (2/ 758) : صحيح.
(3) أي مخافة أن تنكشف عورة أحدهم- البخاري الفتح 2 (814) .
(4) أحمد (5/ 454) واللفظ له والحاكم (4/ 179) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(5) الأدرة: انتفاخ الخصية.
(6) عدا بثوبه: أي مضى مسرعا به.
(7) أي أعطني ثوبي يا حجر.
(8) ندبا أي أثرا من ضربه إياه- والنّدب- بالتحريك- أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.
(9) البخاري- الفتح 6 (3404) .(11/5279)
كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده. لم يغادر منهنّ واحدة.
فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطىء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا. فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه- أو عن شماله-. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية، فضحكت. فقلت لها: خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين؟ فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحقّ لما حدّثتني. ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: أمّا الآن، فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين «1» ، وإنّه عارضه الآن مرّتين، وإنّي لا أرى «2» الأجل إلّا قد اقترب. فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف «3» أنا لك» . قالت:
فبكيت بكائي الّذي رأيت. فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: «يا فاطمة أما ترضي «4» أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت: فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «5» .
25-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يخرج الرّجلان يضربان الغائط كاشفين عورتهما يتحدّثان فإنّ الله يمقت على ذلك» ) * «6» .
26-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد. ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد» ) * «7» .
27-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتّى يفضحه بها في بيته» ) * «8» .
28-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن لبستين وعن بيعتين: نهى عن الملامسة، والمنابذة في البيع، والملامسة لمس الرّجل ثوب الآخر بيده باللّيل أو بالنّهار ولا يقلّبه إلّا بذاك، والمنابذة أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض.
واللّبستان: اشتمال الصّمّاء- والصّمّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه ليس عليه ثوب- واللّبسة
__________
(1) مرة أو مرتين: هكذا وقع في هذه الرواية. وذكر المرتين شك من بعض الرواة. والصواب حذفها كما في باقي الروايات.
(2) لا أرى: أي لا أظن.
(3) نعم السلف: السلف المتقدم. ومعناه أنا متقدم قدامك فستردين علي.
(4) أما ترضي: هكذا هو في النسخ: ترضي. وهو لغة. والمشهور: ترضين.
(5) البخاري الفتح 6 (3623) . ومسلم (0245) واللفظ له
(6) أحمد (3/ 36) واللفظ له. وأبو داود (15) . والحاكم في المستدرك (1/ 157- 158) وصححه ووافقه الذهبي.
(7) مسلم (338) .
(8) ابن ماجة (2546) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 239) وقال: إسناده حسن. الجزء الأول من الحديث عند أبي داود (4893) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- وبعض الحديث عند مسلم (2699) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-.(11/5280)
الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء» ) * «1» .
29-* (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينّها أحد فلا يرينّها» . قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «الله أحقّ أن يستحيا منه من النّاس» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الفضح)
1-* (كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: «ما أفشيت سرّي إلى أحد قطّ فأفشاه فلمته، إذ كان صدري به أضيق» ) * «3» .
2-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «سرّك أسيرك، فإذا تكلّمت به صرت أسيره» ) * «4» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج حين زاغت الشّمس فصلّى لهم صلاة الظّهر. فلمّا سلّم قام على المنبر فذكر السّاعة، وذكر أنّ قبلها أمورا عظاما ثمّ قال: «من أحبّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه. فو الله لا تسألونني عن شيء إلّا أخبرتكم به مادمت في مقامي هذا» . قال أنس بن مالك: فأكثر النّاس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: «سلوني» فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟ يا رسول الله قال: «أبوك حذافة» فلمّا أكثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أن يقول: «سلوني» برك عمر فقال: رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا. قال فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال عمر ذلك. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أولى «5» . والّذي نفس محمّد بيده لقد عرضت عليّ الجنّة والنّار آنفا «6» في عرض «7» هذا الحائط. فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ» . قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أمّ عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قطّ أعقّ منك؟ أأمنت أن تكون أمّك قد قارفت «8» بعض ما
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5820) .
(2) أبو داود (4017) . وقال الألباني (2/ 759) : حسن.
(3) المستطرف (1/ 297) .
(4) المستطرف (1/ 296) .
(5) أولى: هي كلمة تهديد ووعيد وقيل: كلمة تلهف. فعلى هذا يستعملها من نجا من أمر عظيم. والصحيح المشهور أنها للتهديد. ومعناها. قرب منكم ما تكرهونه. ومنه قوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى *. أي قاربك ما تكره فاحذره. مأخوذ من الولي وهو القرب.
(6) آنفا: معناه قريبا، الساعة. والمشهور فيه المد، ويقال بالقصر. وقرىء بهما في السبع الأكثرون بالمد.
(7) عرض: عرض الحائط جانبه.
(8) قارفت: معناه عملت سوءا. والمراد الزنى.(11/5281)
تقارف نساء أهل الجاهليّة «1» فتفضحها «2» على أعين النّاس؟ قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته» ) * «3» .
4-* (عن دخين أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال: قلت لعقبة بن عامر: إنّ لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشّرط ليأخذوهم. قال: لا تفعل، وعظهم، وهدّدهم. قال: إنّي نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داع لهم الشّرط «4» ليأخذوهم، فقال عقبة: ويحك لا تفعل؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من ستر عورة فكأنّما استحيا موءودة في قبرها» ) * «5» .
5-* (يروى أنّ معاوية- رضي الله عنه- أسرّ إلى الوليد بن عتبة حديثه فقال لأبيه: يا أبت إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. فقال: فلا تحدّثني به؛ فإنّ من كتم سرّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه.
قال: فقلت يا أبت وإنّ هذا ليدخل بين الرّجل وبين ابنه؟ فقال: لا. والله يا بنيّ ولكن أحبّ أن لا تذلّل لسانك بأحاديث السّرّ. قال: فأتيت معاوية فأخبرته فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رقّ الخطأ. فإفشاء السّرّ خيانة» ) * «6» .
6-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-:
«القلوب أوعية والشّفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلّ إنسان مفتاح سرّه. ومن عجائب الأمور أنّ الأمور كلّما كثرت خزانها كان أوثق لها، وأمّا الأسرار فإنّها كلّما كثرت خزانها كان أضيع لها، وكم من إظهار سرّ أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ مآربه، ولو كتمه أمن من سطوته» ) * «7» .
7-* (قال الحسن: «إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك» ) * «8» .
8-* (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-:
«إفشاء السّرّ منهيّ عنه لما فيه من الإيذاء، والتّهاون بحقّ المعارف والأصدقاء. وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم وإن لم يكن فيه إضرار» ) * «9» .
9-* (أنشد ثعلب:
ثلاث خصال للصّديق جعلتها ... مضارعة للصّوم والصّلوات
__________
(1) الجاهلية: هم من قبل النبوة. سموا به لكثرة جهالاتهم.
(2) فتفضحها: معناه لو كنت من زنى فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني.
(3) مسلم (2359) واللفظ له. وأورده البخاري مقطعا الفتح 7 (4621- 4622)
(4) الشرط: بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شرطى بضم الشين وسكون الراء.
(5) أبو داود رقم (4892) ، والمنذري في الترغيب (3/ 238) واللفظ له وقال: رواه أبو داود (4892) والنسائي بذكر القصة وبدونها، وابن حبان في صحيحه، وقال: صحيح الإسناد وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (1/ 134) . قال الحافظ: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافا كثيرا، ذكرت بعضه في مختصر السنن. الشرط: بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، والواحد منه شرطي بضم الشين وسكون الراء.
(6) الإحياء (3/ 132) .
(7) المستطرف (1/ 296) .
(8) إحياء علوم الدين (3/ 132) .
(9) إحياء علوم الدين (3/ 132) .(11/5282)
مواساته، والصّفح عن عثراته ... وترك ابتذال السّرّ في الخلوات) * «1» .
10-* (قال الأبشيهيّ: «اعلم أنّ أمناء الأسرار أقلّ وجودا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛ لأنّ أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة، يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق، وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال» ) * «2» .
11-* (وكان يقال: «أحزم النّاس من لا يفشي سرّه إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شرّ فيفشيه عليه» ) * «3» .
12-* (قيل: أفشى رجل لصديق له سرّا من أسراره، فلمّا فرغ قال له: حفظته؟ قال: لا. بل نسيته» ) * «4» .
13-* (ولبعضهم:
ليس الكريم الّذي إن زلّ صاحبه ... بثّ الّذي كان من أسراره علما
إنّ الكريم الّذي تبقى مودّته ... ويحفظ السّرّ إن صافى وإن صرما) * «5» .
14- قال الشّاعر:
إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق) * «6» .
15-* (وقال آخر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... وأفشته الرّجال فمن تلوم؟
وإن عاتبت من أفشى حديثي ... وسرّي عنده فأنا الملوم) * «7» .
16-* (وقال آخر:
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ... ولا أدع الأسرار تعلو على قلبي
وإنّ قليل العقل من بات ليلة ... تقلّبه الأسرار جنبا إلى جنب) * «8» .
من مضار (الفضح)
(1) فضح الأسرار والأعراض اعتداء، والاعتداء محظور شرعا.
(2) من فضح سرّ أخيه أو عورته فضحه الله في الدّنيا والآخرة على رؤوس الأشهاد.
(3) الفاضح ممقوت، يتجنّب النّاس مجالسته ومخالطته.
(4) إذا وجد المجتمع قد نبذه ازداد حقدا على النّاس وانعكس ذلك قلقا واضطرابا في نفسه.
(5) إذا كثرت الفضائح في مجتمع ما فليتودّع منه؛ إذ إنّه أصبح مجتمعا منحلّا لا قيمة له.
__________
(1) آداب العشرة (38) .
(2) المستطرف (1/ 296) .
(3) المصدر السابق (1/ 298) .
(4) آداب العشرة (23) .
(5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المستطرف (1/ 298) .
(7) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.(11/5283)
[حرف القاف]
القتل
القتل لغة:
إزهاق الرّوح. وهو مأخوذ من مادّة (ق ت ل) الّتي تدلّ على إذلال وإماتة، يقال: قتلته قتلا، والقتلة:
الحال يقتل عليها يقال: قتله قتلة سوء، والقتلة: المرّة الواحدة «1» .
يقول الجوهريّ: القتل: معروف، وقتله قتلا، وتقتالا، ومقاتل الإنسان المواضع الّتي إذا أصيبت قتلته: يقال: مقتل الرّجل بين فكّيه «2» ، وقتلته قتلا، أزهقت روحه، فهو قتيل، والمرأة قتيل أيضا إذا كان وصفا فإذا حذف الموصوف جعل اسما، ودخلت الهاء نحو رأيت قتيلة بني فلان والجمع فيها قتلى «3» والقتل بالكسر- العدوّ المقاتل ... والقتل بالضّمّ وبضمّتين:
جمع قتول كصبور لكثير القتل، من أبنية المبالغة.
وأقتله عرّضه للقتل، وأصبره عليه ... واستقتل.
استسلم للقتل مثل استمات ... ورجل قتيل، وامرأة قتيل، مقتول ومقتولة. وامرأة قتول، أي قاتلة ...
وتقاتلوا واقتتلوا بمعنى واحد ... والمقاتلة، بكسر التّاء الّذين يلون القتال، وقيل: الّذين يصلحون للقتال.
وقتل الله فلانا، فإنّه كذا وكذا، أي دفع الله شرّه «4» ،
وقوله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ لفظ قتل: دعاء عليهم، وهو من الله تعالى إيجاد ذلك، وقوله تعالى:
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قيل: معناه ليقتل بعضكم بعضا.
وقيل: عني بقتل النّفس إماطة الشّهوات، وعنه استعير على سبيل المبالغة: قتلت الخمر بالماء إذا مزجتها، وقتلت فلانا وقتّلته إذا ذلّلته ... والمقاتلة: المحاربة وتحرّي القتل، قال: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* وقول الله تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ* قيل: معناه لعنهم الله، وقيل: معناه قتلهم، والصّحيح أنّ ذلك هو المفاعلة، والمعنى صار بحيث يتصدّى لمحاربة الله، فإنّ من قاتل الله فهو مقتول ومن غالبه فهو مغلوب «5» .
وقال ابن منظور: يقال: رجل قتيل أي مقتول والجمع قتلاء وقتلى وقتالى، ولا يجمع جمع السلامة لأنّ مؤنّثه لا تدخله الهاء (إلّا إذا حذف الموصوف) فقلت:
قتيلة بني فلان، وكذلك مررت بقتيلة، لأنّك تسلك طريق الاسم. ويقال: قتل الرّجل، فإن كان قتله العشق قيل تقتّل والقتل بالكسر: العدوّ، قال الشّاعر (ابن قيس الرّقيّات) :
__________
(1) المقاييس (5/ 56) .
(2) الصحاح (5/ 1797) .
(3) المصباح المنير (187) .
(4) التاج (15/ 607، 608، 609) .
(5) المفردات (393) .(11/5284)
واغترابي عن عامر بن لؤيّ ... في بلاد كثيرة الأقتال
الأقتال: الأعداء، والقتل أيضا: القرن في قتال وغيره، وهما قتلان أي مثلان، وقتل الرّجل: نظيره وابن عمّه، وإنّه لقتل شرّ أي عالم به، ورجل مقتّل أي مجرّب للأمور «1» .
القتل اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: القتل: فعل يحصل به زهوق الرّوح «2» .
وقال الرّاغب: أصل القتل: إزالة الرّوح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولّي لذلك، يقال قتل، وإذا اعتبر بفوت الحياة قيل: موت (وفوت) «3» .
وقال الكفويّ: القتل: إزالة الرّوح عن الجسد اعتبارا بفعل المتولّي لذلك «4» .
القتل في القرآن الكريم:
ورد لفظ القتل في القرآن الكريم على سبعة أوجه:
1- الفعل المميت للنّفس. ومنه قوله تعالى: في آل عمران: الآية (146) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وفي سورة النّساء: الآية (93) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ.
2- القتال. ومنه قوله تعالى في البقرة: الآية (191) فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ.
3- اللّعن. ومنه قوله تعالى في الذّاريات: الآية (10) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ وفي «المدّثّر» الآية (19، 20) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ وفي البروج:
الآية (4) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ.
4- التّعذيب. ومنه قوله تعالى في الأحزاب:
الآية (61) أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا.
5- الدّفن للحيّ. ومنه قوله تعالى في الأنعام:
الآية (151) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ.
6- القصاص. ومنه قوله تعالى في بني إسرائيل (الإسراء) الآية (33) فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً.
7- الذّبح. ومنه قوله تعالى في الأعراف الآية (141) يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ «5» .
حكم القتل:
قال ابن حجر: قتل المسلم أو الذّمّيّ المعصوم عمدا أو شبه عمد من الكبائر.. وللقتل أحكام كالقود والدّية وقد ذكر في سورة البقرة (آية 178) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى..) «6» ،
وعدّ من الكبائر أيضا قتل الإنسان لنفسه، مستدلّا بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قال: وعدّ ذلك
__________
(1) لسان العرب (5/ 3527- 3530) .
(2) التعريفات (179) .
(3) المفردات (293) ، وعنه أخذ المناوي، انظر التوقيف (268) .
(4) الكليات (729) .
(5) نزهة الأعين النواظر (495- 497) .
(6) الزواجر (482) .(11/5285)
كبيرة هو صريح الآية، ويدخل فيه وفيما يترتّب عليه من الوعيد قتل المهدر لنفسه كالزّاني المحصن، وقاطع الطّريق المتحتّم قتله «1» ، أمّا الإمام الذّهبيّ فقد ذكر القتل باعتباره الكبيرة الثّانية بعد الشّرك، وقد أدخل في ذلك قتل الذّمّيّ المعاهد «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإجرام- الإرهاب الحرب والمحاربة- العدوان- البغي- الانتقام- الطغيان- الفساد- نقض العهد- الغدر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان السلم- العفو- السماحة- الصفح- الصلح- الإصلاح] .
__________
(1) الزواجر (492) .
(2) الكبائر (13، 14) .(11/5286)
الآيات الواردة في «القتل»
قتل الكفار إذا قاتلوا المؤمنين:
1- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) «1»
2- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «2»
3- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «3»
4- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «4»
5- وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) «5»
النهي عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق:
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «6»
7- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ
__________
(1) البقرة: 190- 192 مدنية
(2) البقرة: 251 مدنية
(3) الأنفال: 17- 18 مدنية
(4) التوبة: 5 مدنية
(5) الأحزاب: 26 مدنية
(6) النساء: 29 مدنية(11/5287)
وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92)
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) «1»
8- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) «2»
9-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «3»
10- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «4»
11- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) «5»
12- وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) «6»
قتل المستضعفين:
13- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «7»
14- وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) «8»
15- وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) «9»
16- فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «10»
17- قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) «11»
__________
(1) النساء: 92- 93 مدنية
(2) الأنعام: 140 مكية
(3) الأنعام: 151 مكية
(4) الإسراء: 31- 33 مكية
(5) الفرقان: 68 مكية
(6) التكوير: 8- 9 مكية
(7) الأعراف: 141 مكية
(8) الشعراء: 14 مكية
(9) القصص: 9 مكية
(10) القصص: 19 مكية
(11) البروج: 4 مكية(11/5288)
قتل الأنبياء بغير حق:
18- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1»
19- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) «2»
20- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) «3»
21- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «4»
22- الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) «5»
23- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) «6»
24- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(150) «7»
25- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) «8»
قتل بني إسرائيل أنبيائهم بغير حق:
26- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) «9»
__________
(1) البقرة: 61 مدنية
(2) البقرة: 91 مدنية
(3) آل عمران: 21 مدنية
(4) آل عمران: 112 مدنية
(5) آل عمران: 183 مدنية
(6) النساء: 155 مدنية
(7) الأعراف: 150 مكية
(8) العنكبوت: 24 مكية
(9) البقرة: 72 مدنية(11/5289)
27- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «1»
28- اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9)
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) «2»
29- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) «3»
30- فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «4»
31- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «5»
الدعاء على الكفار في حكمهم بالقتل:
32- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) «6»
33-* لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا (60)
__________
(1) البقرة: 84- 87 مدنية
(2) يوسف: 9- 10 مكية
(3) القصص: 15 مكية
(4) القصص: 19 مكية
(5) غافر: 28 مكية
(6) التوبة: 30 مكية(11/5290)
مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) «1»
34- قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) «2»
35- إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) «3»
36- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) «4»
محاولة المشركين قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
37- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «5»
جزاء القتل:
38- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «6»
أول قتل في الأرض:
39-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) «7»
__________
(1) الأحزاب: 60- 61 مدنية
(2) الذاريات: 10- 11 مكية
(3) المدثر: 18- 20 مكية
(4) عبس: 17 مكية
(5) الأنفال: 30 مكية
(6) البقرة: 178 مدنية
(7) المائدة: 27- 33 مدنية(11/5291)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القتل)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين، وقول الزّور- أو قال وشهادة الزّور-) * «1» .
2-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلمّا مال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عسكره. ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل لا يدع لهم شاذّة إلّا اتّبعها يضربها بسيفه ...
الحديث، وفيه «فخرج الرّجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشهد أنّك رسول الله. قال: «وما ذاك؟» قال:
الرّجل الّذي ذكرت آنفا أنّه من أهل النّار. فأعظم النّاس ذلك. فقلت: أنا لكم به. فخرجت في طلبه حتّى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه «2» بين ثدييه، ثمّ تحامل عليه فقتل نفسه، ... الحديث) * «3» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فاجتووها «4» ، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصّدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا. فصحّوا. ثمّ مالوا على الرّعاة فقتلوهم، وارتدّوا عن الإسلام. وساقوا ذود رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» .
فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبعث في إثرهم فأتى بهم.
فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم «6» وتركهم في الحرّة «7» حتّى ماتوا) * «8» .
4-* (عن وائل- رضي الله عنه- قال: إنّي لقاعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة «9» فقال: يا رسول الله هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» (فقال: إنّه لو لم يعترف، أقمت عليه البيّنة) قال: نعم قتلته. قال: كيف قتلته؟ ...
الحديث) * «10» .
5-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6871) واللفظ له. ومسلم (88) .
(2) ذباب السيف: حد طرفه الذي بين شفرتيه، وقيل: طرفه المتطرف الذي يضرب به، وقيل: حده.
(3) البخاري- الفتح 11 (6607) . ومسلم (112) واللفظ له.
(4) اجتووها: أي كرهوا المقام فيها وإن كانوا في نعمة، وقيل: أصابهم الجوى وهو المرض.
(5) الذود: تقال للقطيع من الإبل الثلاث إلى التسع.
(6) سمل أعينهم: أي فقأها، وإنما فعل ذلك بهم لأنهم فعلوا بالرعاة مثله وقتلوهم، وقيل: إن هذا قبل أن تنزل الحدود فلما نزلت نهي عن المثلة
(7) الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء- أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كبيرة كانت بها وقعة.
(8) البخاري- الفتح 12 (6802) . ومسلم (1671) واللفظ له.
(9) نسعة: بكسر أوله وسكون ثانيه- هو سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره والجمع نسع ونسع وأنساع.
(10) مسلم (1680) .(11/5292)
عنه- قال: إنّي لمن النّقباء الّذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النّفس الّتي حرّم الله، ولا ننهب، ولا نعصي فالجنّة إن فعلنا ذلك، فإن غشينا «1» من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله» ) * «2» .
6-* (عن أسامة بن زيد بن حارثة- رضي الله عنهما- يحدّث قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبّحنا القوم فهزمناهم، قال:
ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلمّا غشيناه «3» قال: لا إله إلّا الله، قال: فكفّ عنه الأنصاريّ، فطعنته برمحي حتّى قتلته، قال: فلمّا قدمنا بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: فقال لي: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّه إنّما كان متعوّذا، قال: قتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟
قال: فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» ) * «4» .
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خرجت جارية عليها أوضاح «5» بالمدينة، قال:
فرماها يهوديّ بحجر. قال: فجيء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبها رمق. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها فأعاد عليها. قال: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها. فقال لها في الثّالثة: «فلان قتلك؟» فخفضت رأسها. فدعا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله بين الحجرين» ) * «6» .
8-* (عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرّجل، فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟
قلت: أنصر هذا الرّجل. قال: ارجع، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار» . قلت: يا رسول الله، هذا القاتل. فما بال المقتول؟ قال: «إنّه كان حريصا على قتل صاحبه» ) * «7» .
9-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «8» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر. فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النّار» . فلمّا حضرنا القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة.
فقيل: يا رسول الله، الّذي قلت: «إنّه من أهل النّار» .
فإنّه قد قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . فكاد بعض النّاس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنّه لم يمت ولكنّ به جراحا
__________
(1) غشينا: بفتح أوله وكسر ثاينه أي أصبنا أو لحقنا.
(2) البخاري- الفتح 12 (6873) واللفظ له ومسلم (1709) .
(3) غشيناه: أي لحقنا به.
(4) البخاري- الفتح 12 (6872) . ومسلم (96) .
(5) أوضاح جمع وضح: حلى من فضة سميت بذلك لبياضها.
(6) البخاري- الفتح 12 (6877) واللفظ له. ومسلم (1672) .
(7) البخاري- الفتح 12 (6875) واللفظ له. ومسلم (1888) .
(8) البخاري- الفتح 13 (7076) . ومسلم (64) متفق عليه.(11/5293)
شديدا، فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه. فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك ... الحديث) * «1» .
11-* (عن جندب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنّة» ) * «2» .
12-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، واليمين الغموس «3» » ) * «4» .
13-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره، إلّا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمّدا» ) * «5» .
14-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا الرّجل يقتل المؤمن متعمّدا أو الرّجل يموت كافرا» ) * «6» .
15-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تقتل نفس إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل «7» منها» ) * «8» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لزوال الدّنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) * «9» .
17-* (عن رفاعة بن شدّاد القتبانيّ، قال:
لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعيّ، لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده. سمعته يقول:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أمّن رجلا على دمه فقتله، فإنّه يحمل لواء غدر يوم القيامة» ) * «10» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «من قتل نفسا معاهدا «11» لم يرح رائحة الجنّة. وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «12» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قتل نفسه بحديدة
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6606) . ومسلم (111) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 3 (1364) واللفظ له. مسلم (113) .
(3) الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار.
(4) البخاري- الفتح 11 (6675) .
(5) أبو داود (4/ 4270) واللفظ له. والحاكم في مستدركه (4/ 351) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ورواه النسائي (7/ 81) بإسناد حسن من حديث معاوية- رضي الله عنه-.
(6) النسائي (7/ 81) وقال محقق جامع الأصول (10/ 208) : حديث حسن.
(7) الكفل: الحظ والنصيب.
(8) البخاري- الفتح 12 (6867) واللفظ له. ومسلم (1677) .
(9) النسائي (7/ 82) وقال محقق جامع الأصول (10/ 208) : حديث حسن.
(10) ابن ماجه (2688) . وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(11) المعاهد: من له عهد مع المسلمين. سواء أكان بعقد جزية أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم.
(12) البخاري- الفتح 12 (6914) .(11/5294)
فحديدته في يده يتوجّأ «1» بها في بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا. ومن شرب سمّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا. ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا» ) * «2» .
20-* (عن المقداد بن عمرو الكنديّ- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: يا رسول الله، إن لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسّيف فقطعها ثمّ لاذ بشجرة وقال: أسلمت لله، آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» .
قال: يا رسول الله، فإنّه طرح إحدى يديّ ثمّ قال ذلك بعد ما قطعها آقتله؟ قال: «لا، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «3» .
21-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندّا وهو خلقك» . قال:
ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» . قال ثمّ أيّ؟ قال «ثمّ أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله- عزّ وجلّ- تصديقها وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان/ 68) » ) * «4» .
22-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجىء الرّجل آخذا بيد الرّجل فيقول: يا ربّ هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزّة لك. فيقول: فإنّها لي، ويجىء الرّجل آخذا بيد الرّجل فيقول: إنّ هذا قتلني فيقول الله له: لم قتلته؟. فيقول: لتكون العزّة لفلان. فيقول إنّها ليست لفلان فيبوء بإثمه» ) * «5» .
23-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده. وأوداجه تشخب دما يقول: يا ربّ قتلني هذا حتّى يدنيه من العرش» ) * «6» .
__________
(1) يتوجأ: أي يطعن وهي رواية مسلم، وعبارة البخاري يجأ بها أي يطعن أيضا والأصل في يجأ يوجأ.
(2) البخاري- الفتح 10 (5778) . ومسلم (109) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 12 (6865) واللفظ له ومسلم (95) .
(4) البخاري- الفتح 12 (6861) واللفظ له ومسلم (86) .
(5) النسائي (7/ 84) وقال محقق جامع الأصول (10/ 210) : إسناده حسن.
(6) المسند (1/ 240) وأحمد (4/ 14، 15) . والترمذي (3029) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (2/ 98) : إسناده قوي.(11/5295)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القتل) معنى
24-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة:
ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امرىء بغير حقّ ليهريق دمه» ) * «1» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي يخنق نفسه يخنقها في النّار، والّذي يطعنها يطعنها في النّار» ) * «2» .
26-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين «3» ومنعة «4» ؟
(قال حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، للّذي ذخر الله للأنصار، فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. هاجر إليه الطّفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «5» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «6» له. فقطع بها براجمه «7» ، فشخبت يداه «8» حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه.
فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ وليديه فاغفر» ) * «9» .
27-* (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم.
وكان له ساحر ... الحديث وفيه: «حتّى دلّ على الرّاهب. فجيء بالرّاهب. فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى. فدعا بالمئشار فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه ... الحديث» ) * «10» .
28-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء» ) * «11» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التّقوى هاهنا.
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6882) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1365) .
(3) حصن حصين: يعني أرض دوس.
(4) ومنعة: أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه.
(5) فاجتووا المدينة: أي كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم.
(6) مشاقص: جمع مشقص وهو سهم فيه نصل عريض.
(7) براجمه: البراجم مفاصل الأصابع.
(8) فشخبت يداه: أي سال دمها بقوة.
(9) مسلم (116) .
(10) مسلم (3005) .
(11) البخاري- الفتح 11 (6533) واللفظ له ومسلم (1678) .(11/5296)
ويشير إلى صدره ثلاث مرّات. بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه» ) «1» .
30-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» ) * «2» .
31-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: مرض رجل، فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّه قد مات، قال: «ما يدريك؟» قال:
أنا رأيته، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه لم يمت» ....
الحديث. وفيه «ثمّ انطلق الرّجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص معه، فانطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قد مات، فقال: «ما يدريك؟» قال: رأيته ينحر نفسه بمشاقص معه، قال: «أنت رأيته؟» قال: نعم. قال:
«إذا لا أصلّي عليه» ) * «3» .
32-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حمل علينا السّلاح فليس منّا» ) * «4» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «5» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «6» ، يغضب لعصبة «7» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «8» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي، ولست منه» ) * «9» .
34-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النّجاشيّ فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث.
وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة،
__________
(1) مسلم (2564) وبعضه عند البخاري.
(2) البخاري- الفتح 12 (6862) .
(3) أبو داود (3185) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (10/ 223) : إسناده حسن. وهو عند مسلم مختصرا.
(4) البخاري- الفتح 12 (6874) . ومسلم (98) متفق عليه.
(5) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(6) عمية: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه.
(7) لعصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره. لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه.
(8) ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته.
(9) مسلم (1848) .(11/5297)
وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ...
الحديث) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (القتل)
1-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «إنّ من ورطات الأمور «2» الّتي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدّم الحرام بغير حلّه) * «3» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال:
«يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك! وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» ) * «4» .
3-* (عن سعيد بن جبير؛ قال: «اختلف أهل الكوفة في هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ. فرحلت إلى ابن عبّاس فسألته عنها، فقال: لقد أنزلت آخر ما أنزل. ثمّ ما
نسخها شيء» ) * «5» .
4-* (عن طيسلة بن ميّاس قال: «كنت مع النّجدات فأصبت ذنوبا لا أراها إلّا من الكبائر.
فذكرت ذلك لابن عمر، قال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا.
قال: ليست هذه من الكبائر. هنّ تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والّذي يستسخر «6» ، وبكاء الوالدين من العقوق. قال لي ابن عمر: أتفرق «7» من النّار. وتحبّ أن تدخل الجنّة؟
قلت: إي والله قال: أحيّ والداك؟ قلت: عندي أمّي. قال: فو الله لو ألنت «8» لها الكلام، وأطعمتها الطّعام لتدخلنّ الجنّة، ما اجتنبت الكبائر» ) * «9» .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (1/ 202) ، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) ورطات الأمور: ورطات جمع ورطة وهي الهلاك.
(3) البخاري- الفتح 12 (6863) .
(4) الترمذي (2032) .
(5) مسلم (3023) .
(6) والذي يستسخر: الاستسخار من السخرية، وهو الاستهزاء من إنسان والضحك والإضحاك منه.
(7) أتفرق: الفرق: الخوف والفزع.
(8) ألنت: أي خفضت صوتك، وكلمتها باللطف وعذوبة اللسان.
(9) أخرجه الطبري في التفسير، وعبد الرزاق الخرائطي في «مساويء الأخلاق» (67) .(11/5298)
من مضار (القتل)
(1) في القتل- بغير حقّ- اعتداء على المجتمع كلّه.
(2) القتل مجلبة لسخط الرّبّ تعالى.
(3) من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعا وفي ذلك ما فيه من تغليظ الجرم وبشاعة الذّنب.
(4) من قتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها.
(5) القتل من أكبر الكبائر.
(6) المنتحر قاتل للنّفس الّتي حرّم الله تعالى قتلها وهو من أهل النّار.
(7) حرص المسلم على قتل أخيه يجعله في النّار حتّى وإن لم يقتله فعلا.
(8) قتال المسلمين فيما بينهم جرم عظيم يصل بهم إلى الكفر.
(9) القتل من عادات الجاهليّة الّتي نهى عنها الإسلام.
(10) القاتل يضيّق عليه في الدّنيا والآخرة.
(11) من حمل السّلاح على المسلمين فليس منهم وقد برئت منه ذمّة الله ورسوله.(11/5299)
القدوة السيئة
القدوة لغة:
القدوة هي الاسم من الاقتداء، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ق د و) الّتي تدلّ على اقتياس بالشّيء واهتداء، ومقادرة للشّيء حتّى يؤتى به مساويا لغيره، يقول ابن فارس: ومن ذلك قولهم: هذا قدى رمح أي قيسه، وفلان قدوة أي يقتدى به، ومن الباب: فلان يقدو به فرسه، إذا لزم سنن السّيرة، وإنّما سمّي ذلك قدوا لأنّه تقدير في السّيرة، وتقدّى فلان على دابّته، إذا سار سيرة على استقامة، وقيل: القدو (بالكسر) هو الأصل الّذي يتشعّب منه الفروع «1» .
وقال الجوهريّ: القدوة: الإسوة، يقال: فلان قدوة يقتدى به، وقد يضمّ فيقال: لي بك قدوة وقدوة وقدة، ويقال: خذ في هديتك وقديتك. أي فيما كنت فيه، وأتتنا قادية من النّاس، أي جماعة قليلة وهم أوّل من يطرأ عليك، وقال الفيروز آباديّ: القدوة مثلّثة، وكعدة: ما تسنّنت به، والقدوى: الاستقامة، وقال ابن منظور: القدو هو أصل البناء الّذي يتشعّب منه
تصريف الاقتداء (أي أنّ أصل المادّة (ق د و) ، والقدة كالقدوة وجمع القدوة قدى، وقال ابن الأعرابيّ:
القدوة: التّقدّم، يقال: فلان لا يقاديه أحد، ولا يماديه أحد، ولا يباريه أحد ولا يجاريه أحد، وذلك إذا برّز في الخلال كلّها، والقدية: الهدية، والقدو: القدوم من السّفر، والقدو أيضا القرب، وأقدى إذا استوى في طريق الدّين «2» .
القدوة اصطلاحا:
قال المناويّ، القدوة: هي الاقتداء بالغير ومتابعته والتّأسّي به «3» .
والقدوة السّيّئة هي: الاقتداء بأهل الباطل ومتابعتهم والتّأسّي بهم في فعل السّيّئات وترك الحسنات «4» .
حكم القدوة السيئة:
إنّ من يقتدى بشخص ويتّخذه إماما له فلا شكّ أنّه يحبّه ويتمنّى أن يصير مثله، ويؤدّي الاقتداء بأهل الباطل إلى محبّتهم والدّفاع عن سيّئاتهم
__________
(1) المقاييس (5/ 66) ، الصحاح (6/ 2460) ، القاموس المحيط (1706) (ط. بيروت)
(2) لسان العرب (5/ 3556) .
(3) التوقيف (269) .
(4) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره كل من المناوي في التوقيف (269) وما ذكره العز بن عبد السلام عن الاقتداء بأهل الحق (انظر شجرة المعارف والأحوال (ص 344) .(11/5300)
وشرورهم، والابتعاد عن الصّالحين ويدفع هذا بصاحبه إلى ارتكاب كبيرة نصّ عليها الأئمّة، يقول ابن حجر: الكبيرة الرّابعة والخمسون: محبّة الظّلمة أو الفسقة بأيّ نوع كان فسقهم، قال: وعدّ هذا من الكبائر هو مادلّت عليه الأحاديث «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- اتباع الهوى- موالاة الكفار- انتهاك الحرمات- الإساءة التفريط والإفراط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأسوة الحسنة- الاتباع- الولاء والبراء- الطاعة- تعظيم الحرمات- الأدب- الإخلاص- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] .
__________
(1) الزواجر (142) بتصرف.(11/5301)
الآيات الواردة في «القدوة السيئة»
1- وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)
أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
* قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «1»
__________
(1) الزخرف: 19- 25 مكية(11/5302)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القدوة السيئة) معنى
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امرىء بغير حقّ ليهريق دمه» ) * «1» .
2-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعاذك الله من أمراء يكونون بعدي» . قال: وما هم يا رسول الله؟. قال:
«من دخل عليهم فصدّقهم وأعانهم على جورهم فليس منّي ولا يرد عليّ الحوض. اعلم يا عبد الرّحمن، أنّ الصّيام جنّة، والصّلاة برهان. يا عبد الرّحمن، إنّ الله أبى عليّ أن يدخل الجنّة لحما نبت من سحت فالنّار أولى به» ) * «2» .
3-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعاذك الله يا كعب ابن عجرة من إمارة السّفهاء» . قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان- أو قال: برهان-» ) * «3» .
4-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ فقال:
أترون أنّي لا أكلّمه إلّا أسمعكم «4» ؟ والله لقد كلّمته فيما بيني وبينه. ما دون أن أفتتح أمرا لا أحبّ أن أكون أوّل من فتحه «5» . ولا أقول لأحد يكون عليّ أميرا: إنّه خير النّاس بعدما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالرّجل يوم القيامة فيلقى في النّار.
فتندلق أقتاب بطنه «6» . فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى. فيجتمع إليه أهل النّار. فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟
فيقول: بلى. قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه» ) * «7» .
5-* (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6882) .
(2) الحاكم في المستدرك (4/ 126) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وله شاهد عند أحمد (3/ 321) من حديث جابر.
(3) أحمد (3/ 321) ، وصححه الحاكم (4/ 127) واللفظ له ووافقه الذهبي.
(4) أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم: معناه أتظنون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون.
(5) ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه: يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، كما جرى لقتلة عثمان- رضي الله عنه-.
(6) أقتاب بطنه: أقتاب: جمع قتب وهي المعى وقيل: ما تحوّى من البطن يعني استدار وهي الحوايا.
(7) البخاري- الفتح 6 (3267) ، ومسلم (2989) واللفظ له.(11/5303)
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى خيبر مرّ بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط «1» يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والّذي نفسي بيده: لتركبنّ سنّة من كان قبلكم» ) * «2» .
وزاد رزين: «حذو النّعل بالنّعل، والقذّة «3» بالقذّة، حتّى إن كان فيهم من أتى أمّه يكون فيكم، فلا أدري: أتعبدون العجل، أم لا؟» .
6-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «إنّ الشّيطان قال: وعزّتك يا ربّ لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرّبّ تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ) * «4» .
7-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى لي الأرض» أو قال- «إنّ ربّي زوى «5» لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتى سيبلغ ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «6» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتى أن لا يهلكها بسنة «7» بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم «8» وإنّ ربّي قال لي:
يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال بأقطارها، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتى الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين- لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ- قال ابن عيسى:
«ظاهرين» ثمّ اتّفقا- لا يضرّهم من خالفهم حتّي يأتي أمر الله» ) * «9» .
__________
(1) أنواط: جمع نوط، وهو مصدر نطت به كذا وكذا أنوط نوطا إذا علقته به، ويسمى المنوط بالنوط.
(2) الترمذي (2180) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق الجامع (10/ 34) إسناده صحيح. وقال رزين زيادة منه.
(3) القذة: ريشة السهم، وجمعها قذذ، وتكون أيضا متساوية الأقدار تقص كل ريشة على قدر الأخرى.
(4) أحمد (3/ 29) ، والحاكم في المستدرك (4/ 261) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(5) زوى: أي جمع: يقال: زويت الشيء أي جمعته وقبضته.
(6) الأحمر: ملك الشام، والأبيض: ملك فارس. وإنما يقال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم، ولأن الغالب على أموالهم الفضة. كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة وعلى أموالهم الذهب.
(7) السنة: مطلقة: السنة المجدبة. وفي الحديث: اللهم أعني على مضر بالسنة. أي بالجدب، يقال أسنت القوم إذا أجدبوا.
(8) يستبيح بيضتهم: يريد جماعتهم وأصلهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم، أراد عدوّا يستأصلهم.
(9) مسلم (2889) ، أبو داود (4252) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 801) : صحيح. والترمذي (2330) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(11/5304)
8-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلّوا، وأضلّوا» ) * «1» .
9-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلا. فقال: «إنّه مفتوح لكم، وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى، فهو يمدّ بذنبه» ) * «2» .
10-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء، كحامل المسك، ونافخ الكير. فحامل المسك، إمّا أن يحذيك «3» ، وإمّا أن تبتاع منه «4» ، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة. ونافخ الكير، إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد ريحا خبيثة» ) * «5» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكونا فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «6» .
12-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني.
فقلت: يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «7» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي. ويهدون بغير هديي «8» ، تعرف منهم وتنكر» .
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم.
دعاة على أبواب جهنّم «9» ، من أجابهم إليها قذفوه
__________
(1) البخاري الفتح 1 (100) واللفظ له، ومسلم (2673) .
(2) أحمد (1/ 389) ، والمستدرك (4/ 159) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) يحذيك: أي يعطيك.
(4) تبتاع منه: تشتري منه.
(5) البخاري الفتح 9 (5534) ، ومسلم (2628) واللفظ له.
(6) الترمذي (2512) وقال: حسن غريب، ومعناه صحيح.
(7) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
(8) هديي: الهدى الهيئة والسيرة والطريقة.
(9) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.(11/5305)
فيها» فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «1» .
13-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كناّ عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى صدر النّهار. قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابى النّمار «2» أو العباء «3» متقلّدى السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «4» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلّى، ثمّ خطب، فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) . والآية الّتى فى الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) : «ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين «5» من طعام وثياب حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «6» كأنّه مذهبة «7» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ فى الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ فى الإسلام سنّة سيّئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «8» .
14-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله
__________
(1) البخاري 6 (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له.
(2) مجتابي النمار: نصب على الحالية. أي لا بسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة. وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف.
(3) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية.
(4) فتمعر: أي تغير.
(5) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. قال القاضي: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم قال ابن سراج: هو بالضم اسم لما كوم. وبالفتح المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضم، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء والكوم المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية.
(6) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا.
(7) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما وهو المشهور، وبه جزم القاضي والجمهور: مذهبة. والثاني، ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره: مدهنة. وقال القاضي عياض في المشارق، وغيره من الأئمة: هذا تصحيف. وذكر القاضي وجهين في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه واشراقه. والثاني شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
(8) مسلم (1017) .(11/5306)
عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتل نفس ظلما «1» إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل «2» من دمها لأنّه كان أوّل من سنّ القتل» ) * «3» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى تأخذ أمّتي بأخذ القرون «4» قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع» .
فقيل: يا رسول الله، كفارس والرّوم؟ فقال: «ومن النّاس إلّا أولئك؟» ) * «5» .
16-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، وذراعا ذراعا حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم» . قلنا: يا رسول الله، اليهود والنّصارى؟. قال: «فمن؟» ) * «6» .
17-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل «7» ، حتّى إن كان منهم من أتى أمّه علانية، لكان في أمّتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّهم في النّار، إلّا ملّة واحدة» قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» ) * «8» .
18-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه. وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «9» .
19-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
«من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى «10» وإنّهنّ من سنن الهدى. ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم. ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من
__________
(1) لا تقتل نفس ظلما: هذا الحديث من قواعد الإسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه مثل وزر من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله إلى يوم القيامة.
(2) كفل: الكفل الجزء والنصيب.
(3) البخاري- الفتح 6 (3335) ، ومسلم (1677) واللفظ له.
(4) القرون: جمع قرن: الأمة من الناس.
(5) البخاري- الفتح 13 (7319) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7320) .
(7) حذو النعل بالنعل: أي مثل النعل، لأن إحدى النعلين يقطع، وتقدر على قدر النعل الأخرى، والحذو: التقدير، وكل من عمل عملا مثل عمل رجل آخر من غير زيادة ولا نقصان، قيل: عمل فلان حذو النعل بالنعل.
(8) الترمذي (2641) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (10/ 34) : يشهد له معنى أحاديث غيره فهو بهما حسن. وقال الترمذي: حسن غريب. أبو داود (4596) .
(9) البخاري- الفتح 13 (7198) .
(10) سنن الهدى: روى بضم السين وفتحها، وهما بمعنى متقارب. أي طرائق الهدى والصواب.(11/5307)
هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة. ويرفعه بها درجة. ويحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق. ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين «1» حتّى يقام في الصّفّ» ) * «2» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ سنّة ضلال فاتّبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (القدوة السيئة)
1-* (قال عيسى- عليه السّلام-: «مثل علماء السّوء كمثل صخرة وقعت على فم النّهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزّرع، ومثل علماء السّوء مثل قناة الحشّ ظاهرها جصّ وباطنها نتن، ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى» ) * «4» .
2-* (عن عمير بن سعد، وكان عمر ولّاه حمص؛ قال: قال عمر لكعب: إنّي سائلك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله ما أكتمك شيئا أعلمه، قال: ما أخوف ما تخاف على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أئمّة مضلّين. قال عمر: صدقت قد أسرّ إليّ وأعلمنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» .
3-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «إنّ من أشرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة عالما لا ينتفع بعلمه» ) * «6» .
4-* (كان يحيى بن معاذ الرّازيّ- رحمه الله- يقول لعلماء السّوء: «يا أصحاب العلم: قصوركم قيصريّة، وبيوتكم كسرويّة، وأثوابكم ظاهريّة، وأخفافكم جالوتيّة، ومراكبكم قارونيّة، وأوانيكم فرعونيّة، ومآثمكم جاهليّة، ومذاهبكم شيطانيّة، فأين الشّريعة المحمّديّة؟» ) * «7» .
5-* (ويشهد لذلك ما حكي عن أبي عبد الله الخوّاص وكان من أصحاب حاتم الأصمّ قال:
دخلت مع حاتم، إلى الرّيّ ومعنا ثلاثمائة وعشرون
__________
(1) يهادى بين رجلين: أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما.
(2) مسلم (654) .
(3) أحمد (2/ 505) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح وهو عند مسلم بلفظ آخر وعند الترمذي والنسائي وغيرهم.
(4) إحياء علوم الدين (1/ 74) ط. الريان.
(5) الهيثمي (5/ 239) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.
(6) الدارمي (1/ 93، 94) برقم (262) .
(7) إحياء علوم الدين (1/ 75) ط. الريان.(11/5308)
رجلا يريدون الحجّ وعليهم الزّرمانقات «1» وليس معهم جراب ولا طعام فدخلنا على رجل من التّجّار متقشّف يحبّ المساكين، فأضافنا تلك اللّيلة، فلمّا كان من الغد قال لحاتم: ألك حاجة فإنّي أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل؟ قال حاتم: عيادة المريض فيها فضل والنّظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضا أجيء معك.
وكان العليل محمّد بن مقاتل قاضي الرّيّ، فلمّا جئنا إلى الباب فإذا قصر مشرف حسن، فبقى حاتم متفكّرا يقول: باب عالم على هذه الحالة؟ ثمّ أذن لهم فدخلوا، فإذا دار حسناء قوراء واسعة نزهة وإذا بزّة وستور فبقي حاتم متفكّرا. ثمّ دخلوا إلى المجلس الّذي هو فيه وإذا بفرش وطيئة وهو راقد عليها وعند رأسه غلام وبيده مذبّة، فقعد الزّائر عند رأسه وسأل عن حاله- وحاتم قائم- فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس فقال: لا أجلس. فقال: لعلّ لك حاجة فقال: نعم، قال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها. قال: سل، قال: قم فاستو جالسا حتّى أسألك. فاستوى جالسا. قال حاتم: علمك هذا من أين أخذته؟ فقال: من الثّقات حدّثوني به، قال: عمّن؟ قال: عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن؟ قال:
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن؟ قال:
عن جبرائيل- عليه السّلام- عن الله- عزّ وجلّ-.
قال حاتم: ففيم أدّاه جبرائيل- عليه السّلام- عن الله عزّ وجلّ- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وأدّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه، وأصحابه إلى الثّقات، وأدّاه الثّقات إليك، هل سمعت فيه من كان في داره إشراف وكانت سعتها أكثر كان له عند الله- عزّ وجلّ- المنزلة أكبر.
قال: لا. قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت أنّه من زهد في الدّنيا ورغب في الآخرة وأحبّ المساكين وقدّم لآخرته كانت له عند الله المنزلة، قال له حاتم: فأنت بمن اقتديت؟ أبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه- رضي الله عنهم والصّالحين- رحمهم الله- أم بفرعون ونمروذ أوّل من بنى بالجصّ والآجرّ؟ يا علماء السّوء مثلكم يراه الجاهل المتكالب على الدّنيا الرّاغب فيها فيقول: العالم على هذه الحالة أفلا أكون أنا شرّا منه؟ وخرج من عنده فازداد ابن مقاتل مرضا. وبلغ أهل الرّيّ ما جرى بينه وبين ابن مقاتل فقالوا له: إنّ الطّنافسيّ بقزوين أكثر توسّعا منه. فسار حاتم متعمّدا فدخل عليه فقال: رحمك الله أنا رجل أعجميّ أحبّ أن تعلّمني مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضّأ للصّلاة؟ قال: نعم وكرامة، يا غلام هات إناء فيه ماء.
فأتي به فقعد الطّنافسيّ فتوضّأ ثلاثا ثلاثا ثمّ قال:
هكذا فتوضّأ. فقال حاتم: مكانك حتّى أتوضّأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد، فقام الطّنافسيّ وقعد حاتم فتوضّأ ثمّ غسل ذراعيه أربعا أربعا فقال الطّنافسيّ:
يا هذا أسرفت، قال له حاتم: فبماذا؟ قال غسلت ذراعيك أربعا. فقال حاتم: يا سبحان الله العظيم! أنا في كفّ من ماء أسرفت، وأنت في جميع هذا كلّه لم
__________
(1) الزرمانقات: جمع زرمانقة وهي لفظة عجمية معرّبة وهي الجبّة من الصوف.(11/5309)
تسرف؟ فعلم الطّنافسيّ أنّه قصد ذلك دون التّعلّم فدخل منزله فلم يخرج إلى النّاس أربعين يوما فلمّا دخل حاتم بغداد اجتمع إليه أهل بغداد فقالوا: يا أبا عبد الرّحمن أنت رجل؛ ولكن أعجميّ وليس يكلّمك أحد إلّا قطعته. قال: معي ثلاث خصال أظهر بهنّ على خصمي، أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي أن لا أجهل عليه. فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: سبحان الله! ما أعقله! قوموا بنا إليه. فلمّا دخلوا عليه قال له: يا أبا عبد الرّحمن ما السّلامة من الدّنيا؟ قال: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدّنيا حتّى يكون معك أربع خصال: تغفر للقوم جهلهم، وتمنع جهلك منهم، وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيسا. فإذا كنت هكذا سلمت، ثمّ سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة فقال: يا قوم أيّة مدينة هذه؟ قالوا: مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فأين قصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أصلّي فيه؟ قالوا: ما كان له قصر، إنّما كان له بيت لا طىء بالأرض، قال: فأين قصور أصحابه- رضي الله عنهم-؟ قالوا: ما كان لهم قصور إنمّا كانت لهم بيوت لاطئة بالأرض؛ قال حاتم: يا قوم فهذه مدينة فرعون، فأخذوه وذهبوا به إلى السّلطان وقالوا. هذا العجميّ يقول هذه مدينة فرعون. قال الوالي: ولم ذلك؟ قال حاتم: لا تعجل عليّ أنا رجل أعجميّ غريب دخلت البلد فقلت:
مدينة من هذه؟ فقالوا: مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: فأين قصر ... وقصّ القصّة، ثمّ قال: وقد قال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فأنتم بمن تأسّيتم أبرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم بفرعون أوّل من بنى بالجصّ والآجرّ؟ فخلّوا عنه وتركوه. فهذه حكاية حاتم الأصمّ- رحمه الله تعالى-» ) * «1» .
6-* (وأنشد بعضهم:
يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا ... فالموبقات لعمري أنت جانيها
تعيب دنيا وناسا راغبين لها ... وأنت أكثر منهم رغبة فيها) * «2» .
من مضار (القدوة السيئة)
(1) من يكون قدوة سيّئة للنّاس يسخط الله عليه
(2) يأتي في الآخرة يحمل لواء الخزي لأتباعه.
(3) يتبرّأ يوم القيامة من أتباعه ويلعن بعضهم بعضا.
(4) يمقته النّاس ويحترسون منه.
(5) يكون سببا للغواية والضّلال ويدعو لاتّباع سبل الشّيطان.
(6) يكره نفسه الّتي بين جنبيه إذ يعرف حقيقة نفسه.
__________
(1) إحياء علوم الدين (1/ 81، 82) .
(2) إحياء علوم الدين (1/ 78) ط. الريان.(11/5310)
القذف
القذف لغة:
مصدر قولهم: قذف يقذف إذا رمى بالشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ق ذ ف) الّتي تدلّ على الرّمي والطّرح، ومن ذلك قذف بالشّيء يقذفه إذا رمى به، وبلدة قذوف أي طروح لبعدها تترامى بالسّفر، ومنزل قذف وقذيف أي بعيد، والقذيفة: الشّيء يرمى به، والقذف بالحجارة، الرّمي بها، يقال: هم بين حاذف وقاذف، فالحاذف بالعصا والقاذف بالحجارة، والتّقاذف: سرعة ركض الفرس، وفرس متقاذف:
سريع العدو، وأمّا ما جاء في حديث عائشة- رضي الله عنها- «وعندها قينتان تغنّيان بما تقاذفت به الأنصار يوم بعاث» أي تشاتمت في أشعارها الّتي قالتها في تلك الحرب» .
وقال ابن منظور: يقال: قذف بالشّيء يقذف قذفا فانقذف: رمى. والتّقاذف: التّرامي، والقذف الرّمي بقوّة.
قال اللّيث: القذف الرّمي بالسّهم والحصى
والكلام وكلّ شيء. وقذف المحصنة أي سبّها ورماها بزنية. وفي حديث هلال بن أميّة: أنّه قذف امرأته بشريك. القذف هاهنا رمي المرأة بالزّنا، أو ما كان في معناه، وأصله الرّمي ثمّ استعمل في هذا المعني حتّى غلب عليه. وفي الحديث: إنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا أي يلقي ويوقع «1» .
واصطلاحا:
قال البغويّ: القذف: الرّمي بالزّنا وكلّ من رمى محصنا أو محصنة بالزّنا فقال له: زنيت أو يازاني فيجب عليه جلد ثمانين جلدة إن كان حرّا. وإن كان عبدا فيجلد أربعين. وإن كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التّعزير، وشرائط الإحصان خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرّيّة، والعفّة من الزّنا «2» .
وقال الكفويّ: القذف: يقال للإلقاء والوضع، ويستعار للشّتم والعيب والرّمي البعيد «3» .
قال المناويّ: القذف: الرّمي البعيد، واستعير للشّتم والعيب، كما استعير للرّمي (مطلقا) «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 68) ، الصحاح (4/ 1414) ، القاموس (1090) ط. بيروت، النهاية (4/ 30) . لسان العرب (9/ 276- 277) . والمصباح المنير (2/ 258) وبصائر ذوي التمييز (4/ 250) .
(2) تفسير البغوي (3/ 323) .
(3) الكليات (481) .
(4) التوقيف (269) .(11/5311)
حكم القذف:
عدّ ابن حجر من الكبائر قذف المحصن أو المحصنة بزنا أو لواط أو السّكوت على ذلك، وقال:
أجمع العلماء على أنّ المراد من الرّمي في الآية الكريمة:
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ.. هو الرّمي بالزّنا وهو يشمل الرّمي باللّواط كقوله: يا زانية، أو بغيّة، أو قحبة، لها أو لزوجها كقوله: يا زوج القحبة، أو لولدها كياولد القحبة.. ثمّ قال: عدّ القذف كبيرة هو ما اتّفقوا عليه، لما نصّت عليه الآيات عن لعن فاعله في الدّنيا والآخرة وهذا من أقبح الوعيد وأشدّه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- الأذى- الإفك- البهتان- سوء الظن- شهادة الزور- الكذب- الفضح- إفشاء السر- الافتراء- الزنا- البذاءة- الفحش.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان حسن الظن- الصدق- كتمان السر- إقامة الشهادة- الكلم الطيب- الأدب- الصمت وحفظ اللسان- الإحسان- الصبر والمصابرة- كظم الغيظ] .
__________
(1) الزواجر (433- 438) بتصرف واختصار.(11/5312)
الآيات الواردة في «القذف»
1- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7)
وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8)
وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «1»
2- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «2»
__________
(1) النور: 4- 9 مدنية.
(2) النور: 23- 25 مدنية.(11/5313)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القذف)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما المفلس؟ «1» » قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثمّ طرح في النّار» ) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» . قيل:
يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم.
وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات «3» » ) * «4» .
3-* (عن عبد الله «5» - رضي الله عنه- «أنّ رجلا من الأنصار قذف امرأته فأحلفهما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
ثمّ فرّق بينهما» ) * «6» .
4-* (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- أنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله فقال: لا تقل نبيّ؛ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن قول الله- عزّ وجلّ- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، شكّ شعبة: وعليكم يا معشر اليهود خاصّة لا تعدوا في السّبت» فقبّلا يديه ورجليه وقالا:
نشهد أنّك نبيّ. قال: «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا: إنّ داود دعا الله، أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود) * «7» .
5-* (عن أمّ سلمة ابنة أبي أميّة بن المغيرة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ ذلك
__________
(1) هكذا بلفظ (ما) وهي في عرف اللغة لغير العاقل، وكان الأصل أن يقال: «من المفلس» وقد تحل «ما» محل «من» لغرض. وكأن المفلس هنا قد فقد العقل لعدم استعماله.
(2) مسلم (2581) .
(3) المحصنات الغافلات المؤمنات: المحصنات بكسر الصاد وفتحها. قراءتان في السبع. والمراد بالمحصنات هنا العفائف. وبالغافلات الغافلات عن الفواحش وما قذفن به. وقد ورد الإحصان في الشرع على خمسة أقسام: العفة والإسلام والنكاح والتزويج والحرية.
(4) البخاري- الفتح 5 (2766) ، ومسلم (89) واللفظ له.
(5) أي: عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
(6) البخاري- الفتح 9 (5306) .
(7) الترمذي (3144) ، وقال: حسن صحيح، وأحمد في «المسند» (4/ 240) .(11/5314)
قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم
يتركوا من بطارقته بطريقا إلّا أهدوا له هديّة، ثمّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزوميّ وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وأمروهما أمرهم، ...
فيه: قالت: ثمّ أرسل إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا ثمّ قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرّجل إذا جئتموه؟
قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كائن في ذلك ما هو كائن، فلمّا جاؤوه- وقد دعا النّجاشيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم فقال: ما هذا الدّين الّذي فرّقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟
قالت: فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيّها الملك- كنّا قوما أهل جاهليّة: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث. وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وشقّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك. قالت: فقال له النّجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟
قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النّجاشيّ:
فاقرأه عليّ. فقرأ عليه صدرا من كهيعص، فقالت: فبكى والله النّجاشيّ حتّى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتّى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثمّ قال النّجاشيّ: إنّ هذا والله والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا. فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد، ... الحديث» ) * «1» .
__________
(1) أحمد (1/ 202) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) إسناده صحيح.(11/5315)
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: من قذف مملوكه وهو بريء ممّا قال «1» جلد يوم القيامة، إلّا أن يكون كما قال» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (القذف) معنى
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود. فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم. قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق؟» قال:
نعم. قال: «فأنّى ذلك؟» قال: لعلّ نزعه عرق. قال:
«فلعلّ ابنك هذا نزعه» ) * «3» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- «أنّ رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلاعنا كما قال الله، ثمّ قضى بالولد للمرأة، وفرّق بين المتلاعنين» ) * «4» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان يتّهم بأمّ ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «اذهب فاضرب عنقه» فأتاه عليّ فإذا هو في ركيّ «5» يتبرّد فيها. فقال له عليّ: اخرج. فناوله يده فأخرجه. فإذا هو مجبوب ليس له ذكر. فكفّ عليّ عنه.
ثمّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّه لمجبوب. ما له ذكر» ) * «6» .
10-* (عن ابن شهاب أنّ سهل بن سعد السّاعديّ أخبره أنّ عويمرا العجلانيّ جاء إلى عاصم ابن عديّ الأنصاريّ فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا
__________
(1) قوله (وهو بريء مما قال) جملة حالية، وقوله «إلا أن يكون كما قال» أي فلا يجلد، وفي رواية النسائي من هذا الوجه «أقام عليه الحد يوم القيامة» وأخرج من حديث ابن عمر «من قذف مملوكه كان لله في ظهره حد يوم القيامة إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه» قال المهلب: أجمعوا على أن الحر إذا قذف عبدا لم يجب عليه الحد. ودل هذا الحديث على ذلك لأنه لو وجب على السيد أن يجلد في قذف عبده في الدنيا لذكره كما ذكره في الآخرة، وإنما خص ذلك بالآخرة تمييزا للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإن ملكهم يزول عنهم ويتكافؤون في الحدود، ويقتص لكل منهم إلا أن يعفو، لا مفاضلة حينئذ إلا بالتقوى. قلت: في نقله الإجماع نظر، فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع «سئل ابن عمر عمن قذف أم ولد لآخر فقال: يضرب الحد صاغرا» وهذا بسند صحيح وبه قال الحسن وأهل الظاهر. وقال ابن المنذر: اختلفوا فيمن قذف أم ولد فقال مالك وجماعة: يجب فيه الحد، وهو قياس قول الشافعي بعد موت السيد، وكذا كل من يقول إنها عتقت بموت السيد. وعن الحسن البصري أنه كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد. وقال مالك والشافعي: من قذف حرا يظنه عبدا وجب عليه الحد.
(2) البخاري- الفتح 12 (6858) واللفظ له. ومسلم (1660)
(3) البخاري- الفتح 9 (5305) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4748) .
(5) الركيّ: البئر.
(6) مسلم (2771) .(11/5316)
وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟
سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأل عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسائل، وعابها حتّى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر. فقال:
يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسألة الّتي سألته عنها، فقال: عويمر والله لا أنتهى حتّى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسط النّاس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه. أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها. قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع النّاس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلّقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن شهاب:
فكانت سنّة المتلاعنين» ) * «1» .
11-* (عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب. أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة.
فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنّه قائل «2» . فسمع صوتي. قال ابن جبير؟ قلت: نعم. قال: ادخل.
فو الله! ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة. فدخلت.
فإذا هو مفترش برذعة. متوسّد وسادة حشوها ليف.
قلت: أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان. أيفرّق بينهما؟ قال:
سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال:
فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه. فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (24/ النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا. والّذي بعثك بالحقّ! ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا.
والّذي بعثك بالحقّ! إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين.
والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين.
ثمّ فرّق بينهما» ) * «3» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5308) .
(2) إنه قائل: من القيلولة وهو الاستراحة وسط النهار.
(3) البخاري- الفتح 9 (5308) نحوه من حديث سهل بن سعد. ومسلم (1493) واللفظ له.(11/5317)
بعدما نزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه.
فسرنا حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرّحيل فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش.
فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت ركبت وهم يحسبون أنّي فيه، وكان النّساء إذ ذاك خفافا. لم يثقلهنّ اللّحم، إنّما يأكلن العلقة من الطّعام فلم يستنكر القوم خفّة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ فبعثوا الجمل وساروا. فوجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزلي الّذي كنت فيه وظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ من وراء الجيش فأدلج، فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فأتاني فعرفني حين رآني. وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمّرت وجهي بجلبابي، والله ما كلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته.
فوطىء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة، فهلك من هلك، وكان الّذي تولّى الإفك عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا، والنّاس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» ثمّ ينصرف، فذاك الّذي يريبني ولا أشعر بالشّرّ حتّى خرجت بعدما نقهت، فخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع- وهو متبرّزنا وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التّبرّز قبل الغائط فكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأمّ مسطح- وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف. وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصّدّيق، وابنها مسطح بن أثاثة- فأقبلت أنا وأمّ مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت لها:
بئس ما قلت. أتسبّين رجلا شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: قلت: وما قال؟
فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا على مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، ودخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- تعني سلّم- ثمّ قال: «كيف تيكم؟» فقلت:
أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟
قالت: يا بنيّة هوّني عليك، فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلّا أكثرن عليها قالت: فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدّث النّاس بهذا؟
قالت: فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ لي(11/5318)
دمع، ولا أكتحل بنوم حتّى أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد- رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، بالّذي يعلم لهم في نفسه من الودّ فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت بريرة. لا. والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها فتأتي الدّاجن فتأكله، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبيّ ابن سلول فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو على المنبر- «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحميّة- فقال لسعد: كذبت لعمر الله. لا تقتله، ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عمّ سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه؛ فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فتثاور الحيّان الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر- فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. قالت:
فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة: فإنّه بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثمّ تاب إلي الله تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال.
قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: فقلت- وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إنّي والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتّى استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به، فلئن قلت لكم إنّي بريئة- والله يعلم أنّي بريئة- لا تصدّقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر(11/5319)
- والله يعلم أنّي منه بريئة- لتصدّقنّي. والله ما أجد لكم مثلا إلّا قول أبي يوسف. قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا حينئذ أعلم أنّي بريئة وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظنّ أنّ الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها.
قالت: فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا خرج أحد من أهل البيت حتّى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزّل عليه. قالت: فلمّا سرّى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّي عنه وهو يضحك. فكانت أوّل كلمة تكلّم بها: «يا عائشة، أمّا الله- عزّ وجلّ- فقد برّأك» فقالت أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله- عزّ وجلّ- وأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... العشر الآيات كلّها. فلمّا أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه-: وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق علي مسطح شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة ما قال.
فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر: بلى والله إنّي أحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال: «يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟» فقالت:
يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. ما علمت إلّا خيرا.
قالت: وهي الّتي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك) * «1» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة وهو سيّد الأنصار أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيّدكم؟
قالوا: يا رسول الله لا تلمه؛ فإنّه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قطّ إلّا بكرا وما طلّق امرأة له قطّ فاجترأ رجل منّا على أن يتزوّجها من شدّة غيرته. فقال سعد والله يا رسول الله إنّي لأعلم أنّها حقّ، وأنّها من الله تعالى ولكنّي قد تعجّبت أنّي لو وجدت لكاعا «2» تفخّذها رجل لم يكن لي أن أهيّجه «3» ، ولا أحرّكه حتّى آتي بأربعة شهداء! فو الله لا آتي بهم حتّى يقضي حاجته.
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4750) واللفظ في هذا الموضع، 5 (2661) . ومسلم (2770) .
(2) اللكاع: بضم اللام وفتح الكاف: العبد، ثم استعمل في الحمق والذم.
(3) أهيجه: أزعجه وأنفره.(11/5320)
قالوا: فما لبثوا إلّا يسيرا حتّى جاء هلال ابن أميّة. وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم- فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهيّجه حتّى أصبح فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّي جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جاء به، واشتدّ عليه، واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن يضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هلال بن أميّة، ويبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: والله إنّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. فقال هلال: يا رسول الله إنّي قد أرى ما اشتدّ عليك ممّا جئت به، والله يعلم إنّي لصادق. والله إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي- وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربّد «1» جلده- يعني فأمسكوا عنه حتّى فرغ من الوحي فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ... الآية فسرّي «2» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبشر يا هلال؛ فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربّي- عزّ وجلّ- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرسلوا إليها فأرسلوا إليها فجاء ت، فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما وذكّرهما، وأخبرهما أنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدّنيا. فقال هلال:
والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت: كذب.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عنوا بينهما» فقيل لهلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين فلمّا كان في الخامسة قيل: يا هلال اتّق الله فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذّبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ قيل لها اشهدي أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين، فلمّا كانت الخامسة قيل لها: اتّقي الله، فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فتلكّأت ساعة ثمّ قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين.
ففرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما، وقضى أنّه لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى هي به، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ، وقضى أن لا بيت لها عليه، ولا قوت من أجل أنّهما يتفرّقان من غير طلاق، ولا متوفّى عنها. وقال: إن جاءت به أصيهب «3» أريسح «4» حمش «5» السّاقين فهو لهلال، وإن جاءت به أورق «6» جعدا «7» جماليّا «8» خدلّج «9» السّاقين سابغ الإليتين فهو للّذي رميت به» فجاءت به أورق جعدا جماليّا
__________
(1) تربد جلده: تغيره إلي الغبرة.
(2) فسري عن رسول الله: كشف عنه وأزيل ما كان به من التغير.
(3) أصهيب: هو الذي يعلو لونه صهبه.
(4) أريسح: تصغير أرسح وهو الذي لا عجز له أوهي صغيرة لا صقة بالظهر.
(5) حمش الساقين: أي دقيق الساقين.
(6) أورق: أسمر.
(7) جعد الشعر: أي ليس سبط الشعر.
(8) جماليا: الضخم الأعضاء التام الأوصال.
(9) خدلج الساقين: عظيم الساقين.(11/5321)
خدلّج السّاقين سابغ الأليتين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميرا على مصر وكان يدعى لأمّه، وما يدعى لأبيه» «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (القذف)
1- عن عمرة بنت عبد الرّحمن- رحمها الله- قالت: إنّ رجلين استبّا «2» في زمان عمر بن الخطّاب فقال أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان ولا أمّي بزانية، فاستشار في ذلك عمر بن الخطّاب. فقائل يقول: مدح أباه وأمّه، وآخر يقول: قد كان لأبيه وأمّه مدح غير هذا- فجلده عمر الحدّ ثمانين» «3» .
2- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في ولد الملاعنة: هو الّذي لا أب له، ترثه أمّه، وإخوته من أمّه، وعصبة أمّه، فإن قذفه قاذف جلد قاذفه» «4» .
3- قال أبو الزّناد- رحمه الله-: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين، قال أبو الزّناد:
فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال:
أدركت عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان والخلفاء، هلمّ جرّا، فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين» «5» .
4- «قال ابن كثير في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... : هذا وعيد من الله تعالى للّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات» «6» .
5- «وقال أيضا: وهي عامّة في تحريم قذف كلّ محصنة ولعنة من فعل ذلك في الدّنيا والآخرة» «7» .
من مضار (القذف)
(1) يمقت الله القذف ويعدّ فاعله فاسقا ملعونا في الدّنيا والآخرة.
(2) القذف قد يكون فيه انتهاك لعرض مسلم أو مسلمة.
(3) عادة سائدة في المجتمعات السّاقطة يقع فيها السّذّج والأطفال.
(4) يسبّب العداوة والبغضاء بين النّاس.
(5) هو من علامات الإفلاس الخلقيّ والخواء الدّينيّ ومن الموبقات الّتي توبق صاحبها في النّار.
__________
(1) أبو داود (2254) . وأحمد (1/ 238- 239) وهذا لفظه. وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 6) إسناده صحيح. وعزاه ابن الأثير في «جامع الأصول» (10/ 721) للبخاري (9/ 392) .
(2) استبّا: افتعلا من السب، وهو الشتم.
(3) أخرجه الموطأ (2/ 829) في الحدود وهذا لفظه. وقال محقق جامع الأصول (3/ 553) : إسناده صحيح.
(4) الدارمي (2967) .
(5) أخرجه الموطأ (2/ 829) في الحدود. وقال محقق جامع الأصول (3/ 553) إسناده صحيح.
(6) تفسير ابن كثير (3/ 276) .
(7) المرجع السابق (3/ 277) بتصرف.(11/5322)
القسوة (الغلظة والفظاظة)
هذه الأمور الثّلاثة (القسوة- الغلظة- الفظاظة) متقاربة إلى حدّ كبير، وفيما يلى تعريف بكلّ منها لغة واصطلاحا.
القسوة لغة:
مصدر قولهم قسا يقسو إذا غلظ قلبه، وهو مأخوذ من مادّة (ق س و) الّتي تدلّ على شدّة وصلابة، ومن ذلك الحجر القاسي أي الصّلب، والقاسية: اللّيلة الباردة، قال الرّاغب: القسوة: غلظ القلب، وأصل ذلك من الحجر القاسي، والمقاساة معالجة ذلك (أي القسوة) . قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ (البقرة/ 74) أي خلت من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى، قال القرطبيّ: القسوة هي الصّلابة والشّدّة واليبس «1» . وقال عزّ من قائل: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر/ 22) فالمراد تلك القلوب الصّلبة الّتي لا تعي خيرا ولا تفعله «2» .
ويقال: أقساه الذّنب (جعله قاسيا) ، والذّنب مقساة للقلب، ويوم قسيّ أي شديد من حرّ أو برد، وقولهم: قسا الدّرهم يقسو قسوا: معناه زاف أي ردؤ فهو قسيّ، وأرض قاسية: لا تنبت شيئا، وقول الله تعالى:
وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً (المائدة/ 13) ، وقرىء قسيّة أي
ليست قلوبهم بخالصة، من قولهم: درهم قسيّ وهو جنس من الفضّة المغشوشة فيه قسوة أي صلابة، وقال ابن منظور: القسوة: الصّلابة في كلّ شيء، والقسوة في القلب ذهاب اللّين والرّحمة والخشوع منه، يقال: قسا قلبه قسوة، وقساوة وقساء بالفتح والمدّ: وهو غلظ القلب وشدّته، والمقاساة: مكابدة الأمر الشّديد وقاساه أي كابده. ويوم قسيّ، مثال شقيّ: شديد من حرب أو شرّ «3» .
القسوة اصطلاحا:
قال المناويّ (تبعا للرّاغب) : القسوة غلظ القلب «4» .
وقال العزّ بن عبد السّلام: القسوة تصلّب القلب ونبوته عن اتّباع الحقّ، ورقّته (أي القلب) ولينه بخلاف ذلك «5» .
وقال الجاحظ: القساوة: هي التّهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى، وهي خلق مركّب من البغض والشّجاعة «6» .
الغلظة لغة:
الغلظة والغلاظة والغلظ ضدّ الرّقّة، والفعل من ذلك غلظ وغلظ، والوصف غليظ وغلاظة «7» ، ويقول ابن منظور: الغلظ ضدّ الرّقّة في الخلق والطّبع والفعل
__________
(1) تفسير القرطبي (1/ 317) .
(2) المرجع السابق (6/ 76) .
(3) مقاييس اللغة (5/ 87) ، المفردات (404) ، لسان العرب لابن منظور (15/ 180- 181) ، الصحاح (6/ 2462) ، تاج العروس (20/ 79- 80) .
(4) التوقيف (272) ، والمفردات للراغب (404) .
(5) شجرة المعارف والأحوال (120) .
(6) تهذيب الأخلاق (30) .
(7) القاموس المحيط (900) ط. بيروت.(11/5323)
والمنطق والعيش ونحو ذلك، يقولون: أرض غليظة: أي غير سهلة، وتغليظ اليمين تشديدها وتوكيدها، وفي فلان غلظة: أي شدّة واستطالة، ورجل غليظ: فظّ فيه غلظة أي قساوة وشدّة، وأمر غليظ: شديد صعب، وعهد غليظ كذلك، وبينهما غلظة ومغالظة: أي عداوة «1» .
الغلظة اصطلاحا:
قال المناويّ: الغلظة ضدّ الرّقّة، وأصله أن يستعمل في الأجسام، لكن قد يستعمل في المعاني أيضا «2» .
أمّا غلظ القلب: فكونه خلق صلبا لا يلين ولا يتأثّر «3» .
الفظاظة لغة:
الفظاظة كالفظظ أصلها ماء الكرش يعصر ويشرب في المفاوز (الصّحراوات) ، وقولهم: رجل فظّ، معناه: غليظ الجانب، سيّء الخلق، قاسي القلب، خشن الكلام «4» ، وفي اللّسان: الفظظ: خشونة الكلام، ورجل فظّ: أي ذو فظاظة جاف غليظ، في منطقه غلظ وخشونة «5» .
الفظاظة اصطلاحا:
قال أبو حيّان: الفظاظة قيل هي بمعنى غلظ القلب، وقيل هي الجفوة قولا وفعلا «6» .
حكم القسوة:
عدّ ابن حجر قسوة القلب من الكبائر مستدلا بما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: اطلبوا المعروف من رحماء أمّتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإنّ اللّعنة تنزل عليهم، وبما ذكره الخرائطيّ في مكارم الأخلاق.. ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم فإنّهم ينتظرون سخطي. قال ابن حجر: وعدّ هذا كبيرة هو صريح هذين الحديثين لأنّ اللّعنة والسّخط من علامات الكبيرة لما فيها من الوعيد الشّديد «7» .
القسوة والغلظة قد يطلبان أحيانا:
قال الجاحظ: القساوة مكروهة من كلّ أحد إلّا من الجند وأصحاب السّلاح والمتولّين للحروب؛ فإنّ ذلك غير مكروه منهم إذا كان في موضعه «8» .
أمّا الغلظة فإنّها مطلوبة، بل ومأمور بها في التّعامل مع الكفّار والمنافقين وخاصّة في مجال الجهاد (انظر الآيات/ 8- 10) ، ولكنّها منهيّ عنها في التّعامل مع المؤمنين شريطة ألّا تفضي إلى تضييع حقّ من حقوق الله تعالى «9» .
[للاستزادة: انظر صفات: العنف- الأذى- الجفاء- سوء المعاملة- سوء الخلق- الكبر والعجب العتو- الطغيان- العدوان- الظلم- القتل- عقوق الوالدين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرأفة- الرحمة- الرفق- الشفقة- كفالة اليتيم- اللين- البر- بر الوالدين- تكريم الإنسان- التودد- الرحمة- صلة الرحم- حسن العشرة- حسن المعاملة- البشاشة] .
__________
(1) لسان العرب (7/ 449) ط. بيروت.
(2) التوقيف (253) .
(3) البحر المحيط لان حيان (3/ 104) .
(4) القاموس المحيط (900) ط. بيروت.
(5) لسان العرب (7/ 452) طز بيروت.
(6) البحر المحيط (3/ 104) .
(7) الزواجر (ص 152) ، وذكر ابن حجر أنه ينبغي حمل القسوة المذكورة في الحديثين على كونها تحمل صاحبها على منع إطعام المضطر.
(8) تهذيب الأخلاق (30) .
(9) البحر المحيط (3/ 104) .(11/5324)
الآيات الواردة في «القسوة»
1- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «1»
2-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «2»
3- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) «3»
4- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «4»
5- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) «5»
6-* أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «6»
__________
(1) البقرة: 72- 74 مدنية
(2) المائدة: 12- 13 مدنية
(3) الأنعام: 42- 43 مكية
(4) الحج: 52- 53 مكية
(5) الزمر: 22 مكية
(6) الحديد: 16 مدنية(11/5325)
الآيات الواردة في «الغلظة والفظاظة»
7- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «1»
الآيات الواردة في «الغلظة مع الكفار والمنافقين»
8- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «2»
9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «3»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «4»
__________
(1) آل عمران: 159 مدنية
(2) التوبة: 73- 74 مدنية
(3) التوبة: 123 مدنية
(4) التحريم: 6- 9 مدنية(11/5326)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القسوة)
1-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال:
أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده نحو اليمن: «الإيمان هاهنا مرّتين.
ألا وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين «1» حيث يطلع قرنا الشّيطان ربيعة ومضر» «2» ) * «3» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإنّ أبعد النّاس من الله القلب القاسي» ) * «4» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ عطاء بن يسار سأله أن يخبره عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التّوراة، قال: أجل. والله إنّه لموصوف في التّوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «5» في الأسواق، ولا يدفع بالسّيّئةّ السّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، ويفتح بها أعين عمي، وآذان صمّ، وقلوب غلف «6» » ) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه، فقال له: «إن أردت أن تليّن قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم» «8» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (القسوة)
1-* (أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ قال: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، ومن بعد ما أراهم من أمر القتيل.
فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ثمّ عذر الله الحجارة فقال: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ» «9» .
2-* (أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ ... الآية، أي إنّ من الحجارة لألين من قلوبكم، لما تدعون إليه من
__________
(1) الفدادين: جمع فدّاد. وهذا قول أهل الحديث والأصمعي وجمهور أهل اللغة. وهو من الفديد، وهو الصوت الشديد، فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم، ونحو ذلك.
(2) حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعة ومضر: قوله ربيعة ومضر بدل من الفدادين وأما قرنا الشيطان فجانبا رأسه. وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما بإضلال الناس. وقيل: شيعتاه من الكفار.
(3) البخاري- الفتح 9 (5303) واللفظ له ومسلم (51) .
(4) الترمذي (2411) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول 11 (737) : حديث حسن
(5) سخاب: بالسين، وصخاب: بالصاد: وهو رفع الصوت بالخصام.
(6) غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يكن مختونا.
(7) البخاري- الفتح 4 (2125) ، 8 (4838) هذه الرواية في الجزء الرابع وهي في الثامن بالرقم المبين «فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» .
(8) أحمد (2/ 263) ، والهيثمي في المجمع (8/ 160) ، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(9) الدر المنثور للسيوطي (1/ 197) .(11/5327)
الحقّ) * «1» .
3-* (أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كلّ حجر يتفجّر منه الماء، أو يتشقّقّ عن ماء، أو يتردّى من رأس جبل فمن خشية الله. نزل بذلك القرآن) *) * «2» .
4-* (قال أبو إسحاق- رحمه الله- في قوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ تأويل قست في اللّغة غلظت ويبست وعست. فتأويل القسوة في القلب ذهاب اللّين والرّحمة والخشوع منه) * «3» .
5-* (استعمل أبو حنيفة- رحمه الله- القسوة في الأزمنة، فقال: من أحوال الأزمنة في قسوتها ولينها، قال الرّاجز: «ويطعمون الشّحم في العام القسيّ» أي عام ذو قحط) * «4» .
6-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ بني إسرائيل لمّا طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم واستلذّته- وكان الحقّ يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم- فقالوا: تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا، فمن تابعنا عليه تركناه، ومن كره أن يتابعنا قتلناه. ففعلوا ذلك، ... الحديث) * «5» .
7-* (أخرج ابن المنذر عن ابن جريج لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال: المنافقون وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ يعني المشركين وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ قال:
القرآن وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ قال: من القرآن عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال: ليس معه ليلة) * «6» .
8-* (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ أي هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحقّ؛ لقوله- عزّ وجلّ- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ولهذا قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) * «7» .
9-* (قال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب وما غضب الله على قوم إلّا نزع الرّحمة من قلوبهم) * «8» .
من مضار (القسوة والغلظة والفظاظة)
(1) القسوة تذهب اللّين والرّحمة والخشوع من القلب.
(2) أنّ صاحب القلب القاسي بعيد من الله بعيد من النّاس.
(3) القسوة تزيل النّعم وتحلّ النّقم.
(4) في الفظاظة وغلظ القلب مع المسلمين ما يؤدّي إلى تفرّق كلمتهم وطمع العدوّ فيهم.
(5) الفظاظة والغلظة تؤدّيان- خاصّة في مجال الدّعوة إلى الله- إلى انصراف النّاس عن الدّاعية، ونفورهم منه.
__________
(1) الدر المنثور للسيوطى (1/ 197) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) اللسان (15/ 181) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) تفسير ابن كثير (4/ 311- 312) .
(6) الدر المنثور (6/ 96- 70) .
(7) تفسير ابن كثير (4/ 51) .
(8) تفسير القرطبي (15/ 161) .(11/5328)
قطيعة الرحم
القطيعة لغة:
هي الاسم من قولهم: قطع فلان كذا يقطعه، وهو مأخوذ من مادّة (ق ط ع) الّتي تدلّ على صرم وإبانة شيء من شيء، يقال: تقاطع الرّجلان، إذا تصارما وبعثت فلانة إلى فلانة بأقطوعة، وهي شيء تبعثه إليها علامة للصّريمة، والقطع: الطّائفة من اللّيل كأنّه قطعة، وقطعت الطّير قطوعا، إذا خرجت من بلاد الحرّ إلى بلاد البرد، أو من تلك إلى هذه، ويقولون لليائس من الشّيء: قد قطع به، كأنّه أمل أمّله فانقطع.
والقطع: إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا. قطعه قطعا وقطيعة وقطوعا.
والقطع والقطيعة: الهجران ضدّ الوصل، ورجل قطوع لإخوانه ومقطاع: لا يثبت على مؤاخاة، وتقاطع القوم: تصارموا.
وتقاطعت أرحامهم: تحاصّت «1» . وقطع رحمه قطعا وقطيعة وقطّعها: عقّها ولم يصلها.
والاسم القطيعة. ورجل قطعة وقطع ومقطع وقطّاع يقطع رحمه. وفي حديث صلة الرّحم: «هذا مقام العائذ بك من القطيعة» ، والقطيعة: الصّدّ وهي
فعيلة من القطع، ويريد به ترك البرّ والإحسان إلى الأهل والأقارب وهي ضدّ الصّلة.
وقوله تعالى: أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أي تعودوا إلى أمر الجاهليّة فتفسدوا في الأرض وتئدوا البنات، وقيل: تقطّعوا أرحامكم، تقتل قريش بني هاشم وبنو هاشم قريشا.
ويقال: رحم قطعاء بيني وبينك إذا لم توصل.
وقال القرطبيّ: تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ بالبغي والظّلم والقتل، من التّقطيع على التّكثير «2» ، وقال الطّبريّ: أي تعودوا لما كنتم عليه في جاهليّتكم من التّشتّت والتّفرّق بعدما جمعكم الله بالإسلام وألّف به بين قلوبكم «3» .
ويقال: مدّ فلان إلى فلان بثدي غير أقطع: أي توسّل إليه بقرابة قريبة «4» .
الرحم لغة:
انظر: صفة «صلة الرحم» .
قطيعة الرحم اصطلاحا:
لم تذكر كتب الاصطلاحات قطيعة الرّحم مصطلحا ويمكن أن نعرّف ذلك في ضوء ما ذكروه عن صلة الرّحم وقطيعته فنقول:
__________
(1) أي انقطعت وذهبت وهو مأخوذ من الحاصّة وهو داء يتناثر منه الشعر. وتحاصّت: تقاطعت.
(2) تفسير القرطبي (16/ 162) ، ومعنى قوله «من التّقطيع على التّكثير» أي أنه صيغة فعّل تدل على المبالغة والتكثير.
(3) تفسير الطبري (2/ 35) .
(4) مقاييس اللغة (5/ 101) ، ولسان العرب (6/ 36803674) ، وانظر الصحاح للجوهري (3/ 1266 1269) .(11/5329)
قطيعة الرّحم: هي أن يعقّ الإنسان أولى رحمه وذوي قرابته فلا يصلهم ببرّه ولا يمدّهم بإحسانه.
ويختلف ذلك بحسب حال القاطع والمقطوع، فتارة يكون ذلك بمنع المال، وتارة بحجب الخدمة والزّيارة والسّلام، وغير ذلك.
حكم قطيعة الرحم:
قال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-:
سمّي العقوق قطعا. والعقّ الشّقّ كأنّه قطع ذلك السّبب المتّصل.
ثمّ قال- رحمه الله-: ولا خلاف في أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبرى والأحاديث تشهد بذلك، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحبّ، ولو وصل بعض الشّيء ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلا «1» .
بم تكون القطيعة:
قال الصّنعانيّ- رحمه الله تعالى-: اختلف العلماء بأيّ شيء تحصل القطيعة للرّحم.
فقال الزّين العراقيّ: تكون بالإساءة إلى الرّحم.
وقال غيره: تكون بترك الإحسان لأنّ الأحاديث آمرة بالصّلة ناهية عن القطيعة فلا واسطة بينهما، والصّلة: نوع من الإحسان. كما فسّرها بذلك غير واحد، والقطيعة ضدّها وهي ترك
الإحسان.
وقال الحافظ ابن حجر: القاطع الّذي لا يتفضّل عليه ولا يتفضّل «2» .
قطيعة الرحم من الكبائر:
قال صاحب العدّة- رحمه الله تعالى- في معرض بيان الكبائر بعد أن ذكر كلام القاضي أبي سعيد الهرويّ والقاضي الرّويانيّ:
أكل الرّبا، والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرّحم، وعقوق الوالدين والفرار من الزّحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصّلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها بلا عذر، وأخذ الرّشوة، والسّعاية عند السّلطان، ومنع الزّكاة، وترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلّمه، وإحراق الحيوان بالنّار، وامتناع المرأة عن زوجها بلا سبب، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر الله، ويقال الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الجحود- عقوق الوالدين- نكران الجميل- الإساءة- سوء المعاملة- سوء الخلق- الجفاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البر- بر الوالدين- تكريم الإنسان- التودد- الرحمة- صلة الرحم- الاعتراف بالفضل- الإحسان- حسن العشرة- حسن المعاملة- حسن الخلق] .
__________
(1) شرح النووي على مسلم (16/ 112- 113) بتصرف واختصار.
(2) سبل السلام شرح بلوغ المرام (4/ 314) .
(3) تفسير ابن كثير (1/ 487) .(11/5330)
الآيات الواردة في «قطيعة الرحم»
1-* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26)
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) «1»
2-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20)
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21)
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23)
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «2»
3- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) «3»
__________
(1) البقرة: 26- 27 مدنية
(2) الرعد: 19- 25 مكية
(3) محمد: 22- 23 مدنية(11/5331)
الأحاديث الواردة في ذمّ (قطيعة الرحم)
1-* (عن رجل من خثعم أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو فى نفر من أصحابه، فقلت: أنت الّذى تزعم أنّك رسول الله؟ قال: «نعم» . قال: قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الإيمان بالله» قال: قلت يا رسول الله! ثمّ مه «1» ؟ قال: «ثمّ صلة الرّحم» . قال: قلت: يا رسول الله، ثمّ مه؟.
قال: «ثمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» . قال:
قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أبغض إلى الله؟ قال:
«الإشراك بالله» . قال: قلت: يا رسول الله، ثمّ مه؟.
قال «ثمّ قطيعة الرّحم» . قال: قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف» ) * «2» .
2-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في الصّفّة «3» . فقال:
«أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان «4» أو إلى العقيق «5» فيأتي منه بناقتين كوماوين «6» في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله، نحبّ ذلك. قال:
أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله- عزّ وجلّ- خير له من ناقتين. وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع. ومن أعدادهنّ من الإبل» ) * «7» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم» ) * «8» .
وفي رواية الأدب المفرد، أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- جاء عشيّة الخميس ليلة الجمعة فقال:
أحرّج «9» على كلّ قاطع رحم لما قام من عندنا. فلم يقم أحد. حتّى قال ثلاثا. فأتى فتى عمّة له قد صرمها (يعني تركها) منذ سنتين. فدخل عليها. فقالت له:
يا بن أخي، ما جاء بك؟ قال سمعت أبا هريرة يقول كذا وكذا. قالت: ارجع إليه فسله لم قال ذلك؟. قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: وذكر الحديث ... » ) * «10» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم
__________
(1) قوله ثم مه: أي زدني.
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وعزاه لأبي يعلي وقال: إسناده جيد (3/ 335، 336) .
(3) الصفة: موضع مظلل من المسجد الشريف كان فقراء المهاجرين يأوون إليه وهم المسمون بأصحاب الصفة. وكانوا أضياف الإسلام.
(4) بطحان: اسم موضع بقرب المدينة قديما، والآن شرق مسجد قباء داخل المدينة.
(5) العقيق: واد بالمدينة.
(6) كوماوين: الكوماء من الإبل العظيمة السنام.
(7) مسلم (803) .
(8) مجمع الزوائد (8/ 151) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. وهو في المسند (2/ 484) واللفظ له حديث (10227) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (20/ 43) ، وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم.
(9) أحرج: أوقع في الضيق والإثم.
(10) ملخص فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (1/ 98، 99) .(11/5332)
ويقطعوني. وأحسن إليهم ويسيئون إليّ. وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ «1» . ولا يزال معك من الله ظهير «2» عليهم، مادمت على ذلك» ) * «3» .
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّحم شجنة «4» متمسّكة بالعرش تكلّم بلسان ذلق اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرّحمن الرّحيم، وإنّي شققت للرّحم من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن نكثها «5» نكثته» ) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال:
فذاك لك» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» ) * «7» .
7-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم، فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» .
فقام هو أو آخر فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال أبي:
وقال يزيد بن هارون في حديثه: ثمّ ناداه هذا أو غيره فقال: يا رسول الله، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان، هجرة للبادي وهجرة للحاضر. فأمّا هجرة البادي، فيطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «8» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني
__________
(1) تسفهم المل: التراب الحار.
(2) الظهير: المعين.
(3) مسلم (2558) .
(4) الشجنة: في الأصل الشعبة في غصن من غصون الشجرة والمراد قرابة مشتبكة.
(5) النكث (نقض العهد) والمراد فمن قطعها.
(6) الترغيب والترهيب وعزاه للبزار وقال: إسناده حسن (3/ 340) ، مجمع الزوائد (8/ 151) واللفظ له وقال: رواه البزار وإسناده حسن.
(7) البخاري- الفتح 10 (5987) واللفظ له، ومسلم (2554) .
(8) أبو داود (1689) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (1/ 608) ، أحمد (2/ 191) واللفظ له. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 52) رقم (6792) . الحاكم (1/ 415) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(11/5333)
وأعفو ويظلموني وأحسن ويسيئون. أفأكافئهم؟
قال: «إذا تشتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنّه لن يزال معك ملك ظهير من الله- عزّ وجلّ- ما كنت على ذلك» ) * «1» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بعد بالرّحم إذا قربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت، وإن كانت قريبة، وكلّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها» ) * «2» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله. ومن قطعني قطعه الله» ) * «3» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها» ) * «4» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع) * «5» .
13-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم» ) * «6» .
14-* (عن جبير بن مطعم بن عديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة قاطع. قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم» ) * «7» .
15-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما على الأرض
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وفيه حجاج بن أرطاة وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات (8/ 154) .
(2) ملخص فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (1/ 109) واللفظ له، وهو في المستدرك (1/ 89) بلفظ قريب وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه واحد منهما وسكت الذهبي في التلخيص. وفي (4/ 161) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(3) البخاري- الفتح 10 (5989) ، ومسلم (2555) وهذا لفظه.
(4) البخاري- الفتح 10 (5991) .
(5) البيهقي في السنن الكبرى (10/ 62) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 950) حديث (5391) والصحيحة حديث (978) .
(6) الترمذي (2511) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح وقال محقق جامع الأصول (11/ 716) إسناده صحيح، أبو داود (4902) وابن ماجة (4211) ، والحاكم (2/ 356) وقال: صحيح الإسناد. البخاري في الأدب المفرد حديث (29) وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 994) وفي الصحيحة حديث (918) .
(7) الترمذي (1909) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح وجامع الأصول (6/ 489) ومسلم (2556) ، البخاري- الفتح (10/ 5984) .(11/5334)
مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (قطيعة الرحم) معنى
16-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال» ) * «2» .
17-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليعمّر بالقوم الدّيار، ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم. قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لتضييعهم أرحامهم» ) * «3» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرّجل والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرّجل والديه؟ قال: «يسبّ الرّجل أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» ) * «4» .
19-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ: فإنّه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمه فيصبر عليها إلّا زاده الله عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه فيصل فيه رحمه، ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا قال: فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «5» .
__________
(1) الترمذي (3573) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب وقال محقق جامع الأصول (9/ 512) رواه أحمد في المسند وهو صحيح.
(2) البخاري- الفتح 10 (5975) واللفظ له، ومسلم (593) (3/ 1341) مختصرا.
(3) مجمع الزوائد (8/ 152) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.
(4) البخاري- الفتح 10 (5973) واللفظ له، ومسلم (90) .
(5) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (4/ 231) رقم (18054) واللفظ له وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 580) رقم (3024) .(11/5335)
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، ومدمن الخمر، والمنّان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والدّيّوث «1» ، والرّجلة «2» » ) * «3» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رغم «4» أنف، ثمّ رغم أنف، ثمّ رغم أنف.» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنّة» ) * «5» .
22-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟
(ثلاثا) الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزّور (أو قول الزّور) ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّكئا فجلس. فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت» ) * «6» .
23-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إيّاه فيبخل عليه إلّا أخرج الله له يوم القيامة من جهنّم حيّة يقال لها شجاع فيطوّق به» ) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (قطيعة الرحم)
1-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- يوصي ميمون بن مهران: إنّي أوصيك بثلاث فاحفظهنّ. قلت: يا أمير المؤمنين ما هنّ؟ قال: لا تخل بامرأة ليس بينك وبينها محرم وإن قرأت عليها القرآن، ولا تصاف قاطع رحم فإنّ الله- عزّ وجلّ- لعنه في آيتين من كتاب الله- تبارك وتعالى- آية في الرّعد، قوله تبارك وتعالى-: وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (الرعد/ 25) وفي سورة محمّد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (محمد/ 22) * «8» .
2-* (قال عمرو بن ميمون- رحمه الله تعالى-:
«لمّا تعجّل موسى- عليه السّلام- ربّه- عزّ وجلّ- رأى في ظلّ العرش رجلا فغبطه بمكانه فقال: إنّ هذا لكريم على ربّه- عزّ وجلّ-. فسأل ربّه أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال: أحدّثك من عمله بثلاث، كان لا يحسد النّاس على ما آتاهم الله من فضله، وكان لا
__________
(1) الديوث: الذي لا يبالي الخبث في أهله.
(2) الرجلة: المرأة المتشبهة بالرجال في الكلام والهيئة واللباس.
(3) النسائي (5/ 81) انظر نسخة الألباني (2/ 541) رقم (2402) وقال: حسن صحيح وكشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 372) ، وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 147) واللفظ له وقال: رواه البزار بإسنادين ورجالهما ثقات.
(4) رغم: ذل. وقيل: كره وخزي وهو بفتح الغين وكسرها.
(5) مسلم (2551) .
(6) البخاري- الفتح 10 (5976) ، ومسلم (87) واللفظ له.
(7) مجمع الزوائد (8/ 154) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده جيد.
(8) مساوىء الأخلاق ومذمومها، للخرائطي (110) .(11/5336)
يعقّ والديه، ولا يمشي بالنّميمة) * «1» .
3-* (قال يونس بن عبيد- رحمه الله تعالى- كانوا يرجون للرّهق بالبرّ الجنّة، ويخافون على المتألّه بالعقوق النّار) * «2» .
4-* (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى «مودّة يوم صلة، ومودّة سنة رحم ماسّة، من قطعها قطعه الله- عزّ وجلّ-» ) * «3» .
5-* (قال الطّيبيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الله يبقي أثر واصل الرّحم طويلا فلا يضمحلّ سريعا كما يضمحلّ أثر قاطع الرّحم» ) * «4» .
6-* (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: «إنّ الرّحم المأمور بصلتها والمتوعّد على قطعها هي الّتي شرع لها ذلك. فأمّا من أمر بقطعه من أجل الدّين فيستثنى من ذلك (الوعيد) ولا يلحق بالوعيد من قطعه لأنّه قطع من أمر الله بقطعه، لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدّنيا لكان فضلا، كما دعا صلّى الله عليه وسلّم لقريش بعد أن كانوا كذّبوه فدعا عليهم بالقحط ثمّ استشفعوا به فرقّ لهم لمّا سألوه برحمهم فرحمهم ودعا لهم) * «5» .
7-* (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-: اتّقوا الأرحام أن تقطعوها» ) * «6» .
من مضار (قطيعة الرحم)
(1) قطع الصّلة بالله، والبعد عن رضاه.
(2) ضيق في الرّزق وقلّة البركة في العمر.
(3) يكسب سخط الرّبّ وبغض النّاس.
(4) تقطيع أواصر العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأسرة الواحدة والأسر المرتبطة بالمصاهرة حتّى يسود المجتمع كلّه.
(5) يوجب دخول النّيران.
(6) يخرّب الدّيار العامرة.
__________
(1) مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا (65) .
(2) المرجع السابق (51) .
(3) آداب العشرة، للغزي (44) .
(4) فتح الباري (10/ 430) .
(5) المرجع السابق (10/ 435) .
(6) تفسير القرطبي (5/ 4) .(11/5337)
القلق
القلق لغة:
القاف واللّام والقاف كلمة تدلّ على الانزعاج. يقال: قلق يقلق.
وقال ابن منظور: القلق الانزعاج يقال: بات قلقا وأقلقه غيره فقلق. وأقلق الشّيء من مكانه وقلقه:
حرّكه. وقد أقلقه فقلق، وفي حديث عليّ: «أقلقوا السّيوف في الغمد» أي حرّكوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا إلى سلّها ليسهل عند الحاجة إليها.
القلق: الانزعاج، من قولهم: قلق الشّيء قلقا فهو قلق.
وقلق الهمّ وغيره فلانا أزعجه، وقلق يقلق قلقا: لم يستقرّ في مكان واحد ولم يستقرّ على حال، وقلق فلان: اضطرب وانزعج فهو قلق، وأقلقت النّاقة: قلق ما عليها، والمقلاق الشّديد القلق، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، يقال: رجل مقلاق، وامرأة مقلاق.
ومقلاق الوشاح، أي لا يثبت الوشاح على خصرها لرقّته «1» .
القلق اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات القديمة القلق ممّا يعنى أنّ المعنى واحد في اللّغة والاصطلاح، ولكنّ القلق قد اكتسب في العصر الحديث أبعادا نفسيّة واجتماعيّة جديدة ممّا جعل المحدثين يذكرون له التّعريفات الآتية:
القلق:
حالة انفعاليّة مصحوبة بالخوف أو الفزع تحدث كردّ فعل لتوقّع خطر حقيقيّ خارجيّ «2» .
وقال مؤلّفا كتاب الصّحّة النّفسيّة في ضوء علم النّفس والإسلام:
القلق حالة نفسيّة مؤلمة تنتج عن شعور الإنسان بالعجز في مواقف الإحباط والصّراع «3» .
وقالا- في موضع آخر: القلق: شعور عامّ غامض، غير سارّ، مبالغ فيه، له أعراض نفسيّة وجسميّة عديدة «4» .
وقال حامد زهران: القلق هو حالة توتّر شامل ومستمرّ نتيجة توقّع تهديد خطر فعليّ أو احتماليّ يصحبها خوف غامض وأعراض جسميّة ونفسيّة «5» .
أقسام القلق:
قسّم العلماء المحدثون القلق تقسيمات عديدة أهمّها:
أ- التّقسيم باعتبار الأشخاص الّذين يصابون به، وهنا نجد نوعين من القلق هما:
1- القلق الاجتماعيّ: وهو الاحتكاك والإحباط في علاقات الجماعات وهو نوعان:
غير محدّد السّبب، ويسفر عن الاضطرابات والتّفكّك.
محدّد السّبب، ويظهر في أفعال مختلفة يتوقّف
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 23) والصحاح (4/ 1548) ، ولسان العرب (5/ 3726) ، والمعجم الوسيط (2/ 762) .
(2) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (22) .
(3) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة وكمال مرسي، ص 140.
(4) المقصود بهذا التعريف هو القلق المرضي أو التفاعلي، انظر في شرح هذا التعريف، المرجع السابق، ص 187.
(5) الصحة النفسية والعلاج النفسي لحامد زهران ص 397.(11/5338)
اتّجاهها على القيادة القائمة (للجماعة) «1» .
2- القلق الشّخصيّ:
وهو ما يعرف ب «الحصر» الّذي قسّموه إلى:
الحصر الواقعيّ، وهو القلق الموضوعيّ أي الّذي له واقع خارجيّ يشكّل الدّافع إليه.
الحصر العصابيّ: وهو الّذي ينتج تحت وطأة التّرفّعات الغريزيّة من جانب الهو (أي الغرائز الفطريّة) .
الحصر الأخلاقيّ: وهو الحادث نتيجة خطر داخليّ من جانب الأنا الأعلى (الضّمير) «2» .
ب- التقسيم بحسب الدّرجة:
قسّم العلماء القلق بحسب درجته إلى:
1- القلق الموضوعيّ أو العاديّ، ويطلق عليه أحيانا القلق السّويّ أو الواقعيّ وهو ما كان مصدره خارجيّا وموجودا فعلا، وذلك مثل القلق المتعلّق بالنّجاح في عمل جديد أو في امتحان أو إقدام على الزّواج، أو وجود خطر قوميّ أو عالميّ.
2- القلق المرضيّ: وهو ما كان داخليّ المصدر وأسبابه مكبوتة ولا شعوريّة، ولا يتّفق مع الظّروف الدّاعية إليه، ويتّصف هذا النّوع عادة بأنّه غامض وعامّ «3» .
ولهذا النّوع الأخير أسباب عديدة وأعراض متنوّعة تنظر في مظانّها من كتب الصّحّة النّفسيّة «4» ، وسنوجز- فيما يلي- أهمّ ما أوردته هذه الكتب متعلّقا ب:
علاج القلق:
لهذا النّوع من الأمراض أنواع عديدة من العلاج منها:
1- العلاج النّفسيّ ويكون ذلك بتحديد أسبابه، ومشاركة المريض وجدانيّا وإعادة ثقته بنفسه.
2- الإرشاد والنّصح وتقديم المشورة له (انظر هذه الصّفات في مواضعها من الموسوعة) .
3- العلاج البيئيّ، وذلك بتعديل العوامل البيئيّة غير الملائمة بتخفيف الأعباء والضّغوط ولا يتأتّى ذلك إلّا بالتّعاون على البرّ والتّقوى.
4- وأهمّ أنواع العلاج هو اللّجوء إلى الاستعاذة بالله من الهمّ والغمّ، والإيمان التّامّ بالقضاء والقدر، والاستغفار والاستعانة بالله عزّ وجلّ والتّوبة النّصوح «5» .
بين القلق والهم والخوف:
استعمل العلماء المسلمون مصطلحات مرادفة للقلق، منها الخوف المفرط، الّذي عرّفه الإمام الغزاليّ بأنّه:
خوف زائد مذموم يخرج بالإنسان إلى اليأس والقنوط ويمنعه من العمل واستعمل ابن حزم مصطلح الهمّ، وأشار إلى أنّه خبرة نفسيّة مؤلمة، وقال: أشدّ الأشياء على النّاس الخوف والهمّ والفقر والمرض، وأشدّها الهمّ «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الجزع- سوء الظن الشك- العجلة- اليأس- القنوط- الوهن- اتباع الهوى- الضعف- الإحباط- الخوف- الوسوسة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: السكينة- التوكل- الثبات- الرضا- الطمأنينة- اليقين- الرضا- حسن الظن- الذكر- الاستعاذة- الإيمان- القناعة] .
__________
(1) معجم علم النفس والتحليل النفسي (178، 369) .
(2) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (398) .
(3) الصحة النفسية والعلاج النفسي ص 399، وانظر أيضا: الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ص 141.
(4) انظر في ذلك على سبيل المثال: الإنسان وصحته النفسية لمصطفى فهمي ص 315، الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ص 187، الصحة النفسية والعلاج النفسي لحامد زهران ص 398، أسس الصحة النفسية لعبد العزيز القوصي ص 325.
(5) انظر في ذلك المرجعين الأخيرين، الصفحات السابقة.
(6) باختصار وتصرف عن: الصحة النفسية في ضوء علم النفس والاسلام، ص 140.(11/5339)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القلق) معنى
1-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة- وقد شربت نصيبي- فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة.
فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «2» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان. فقال:
ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة. إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم. ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء. فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني ... » الحديث) * «3» .
2-* (عن عبد الله بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة، طلب غريما له فتوارى عنه ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «4» .
3-* (عن مسلم بن أبي بكرة قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والكسل وعذاب القبر. قال: يا بنيّ ممّن سمعت هذا؟ قلت:
سمعتك تقولهنّ. قال: الزمهنّ، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولهنّ» ) * «5» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي طلحة: «التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني. فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع «6» الدّين
__________
(1) الجهد: الجوع والمشقة.
(2) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.
(3) مسلم (2055) .
(4) مسلم (1563) .
(5) الترمذي (3503) ، وقال هذا حديث حسن صحيح.
(6) ضلع الدين: أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج، يقال ضلع بفتح اللام يضلع، أي مال، والمراد به هنا الدين وشدته.(11/5340)
وغلبة الرّجال «1» » . فلم أزل أخدمه حتّى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفيّة بنت حييّ قد حازها، فكنت أراه يحوّي ... الحديث» ) * «2» .
5-* (عن أبي الحوراء السّعديّ. قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال:
حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «3» .
6-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تعالى قال: لقد خلقت خلقا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ من الصّبر، فبي حلفت لأتيحنّهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترّون، أم عليّ يجترئون؟» ) * «4» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها- إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «5» .
8-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «6» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب» ) * «7» .
10-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه- ... الحديث وفيه- «قال:
ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا أيّها الثّلاثة من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس، وقال:
تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض. فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم
وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة، وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه- وهو في مجلسه بعد الصّلاة- فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام
__________
(1) غلبة الرجال: شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا.
(2) البخاري 11 (6363)
(3) الترمذي (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4) الترمذي (2405) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 545) حديث حسن.
(5) البخاري- الفتح 10 (5641- 5642) واللفظ له، ومسلم (2573) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2442) ، ومسلم (2580) واللفظ له.
(7) ابن ماجه (3819) واللفظ له، أحمد في المسند (4/ 56) برقم (2234) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.(11/5341)
أم لا؟ ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي ... » الحديث وفيه: «فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتى ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال: فخررت ساجدا ... - الحديث وفيه- «قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95- 96) .
قال كعب: كنّا خلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-:
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «2» .
من الآثار الواردة في ذمّ (القلق)
1-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلي جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقى ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع ما لنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه
__________
(1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف.
(2) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له.(11/5342)
لولدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير خبيب وعبّاد وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه» ) * «1» .
2-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.
فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ. فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل الله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ (المنافقون/ 1) فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ.
فقال: «إنّ الله قد صدّقك يا زيد» ) * «2» .
من مضار (القلق)
(1) عدم استقرار النّفس وعدم ثبات القلب.
(2) حصول الخوف والهلع لأحقر الأمور.
(3) دليل على ضعف الإيمان وقلّة اليقين.
(4) يورد الإنسان موارد الهلاك.
(5) يورث الشّكّ وعدم الثّقة بالغير.
(6) حرمان النّفس من الطّمأنينة.
(7) سبب من أسباب الشّقاء وحرمان الخير.
(8) فقدان المقدرة على التّركيز السّليم والتّفكّر والاستمراريّة في العمل ممّا يؤدّي إلى فقدان الانتاج وبالتّالي ازدياد القلق والاضطراب في حلقة مفرغة.
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4900) .(11/5343)
القنوط
القنوط لغة:
مصدر قولهم: قنط يقنط إذا يئس يأسا شديدا وهو مأخوذ من مادّة (ق ن ط) الّتى تدلّ على اليأس من الشّيء، يقال: قنط يقنط قنوطا، مثل جلس يجلس جلوسا وكذلك قنط يقنط مثل قعد يقعد فهو قانط، وفيه لغة ثالثة، قنط يقنط قنطا مثل تعب يتعب تعبا، وقناطة فهو قنط. قال تعالى فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (الحجر/ 55) أي اليائسين من الولد.
وكان إبراهيم (عليه السّلام) ، قد يئس من الولد لفرط الكبر «1» ، وأمّا قنط يقنط بالفتح فيهما وقنط يقنط بالكسر فيهما فإنّما هو على الجمع بين اللّغتين.
وقال ابن الأثير: القنوط هو أشدّ اليأس من الشّيء. وقيل القنوط: اليأس من الخير، وقيل: أشدّ اليأس من الشّيء وقيل. شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة الله أي يؤيّسونهم «2» .
واصطلاحا:
قال في فتح المجيد شرح كتاب التّوحيد: هو استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلاهما ذنب عظيم وينافيان كمال التّوحيد «3» .
قال المناويّ: القنوط: هو اليأس من الرّحمة «4» .
وقال العزّ بن عبد السّلام: القنوط استصغار لسعة رحمة الله- عزّ وجلّ- ومغفرته، وذلك ذنب عظيم وتضييق لفضاء جوده تعالى «5» .
الفرق بين اليأس والقنوط (انظر صفة اليأس)
حكم القنوط:
قال الإمام ابن حجر: سوء الظّنّ بالله تعالى والقنوط من رحمته من الكبائر. مستدلّا بقوله تعالى (في القنوط) وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (الحجر/ 56) ، وقال: عدّ سوء الظّنّ والقنوط كبيرتين مغايرتين لليأس هو ما ذهب إليه الجلال البلقينيّ وغيره ... والظّاهر أنّ القنوط أبلغ من اليأس، للتّرقّي إليه في قوله تعالى: وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ
__________
(1) تفسير القرطبى (10/ 25) وقد ذكر قراءات عديدة ليس هنا تفصيلها.
(2) مقاييس اللغة (5/ 32) ، الصحاح (6/ 1155) ، النهاية (4/ 113) .
(3) فتح المجيد (359)
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (276) .
(5) شجرة المعارف والأحوال- العز بن عبد السلام (120) .(11/5344)
(فصلت/ 49) وقد اتّفقوا على أنّ الشّخص الّذي يئس من وقوع شيء من الرّحمة له مع إسلامه فاليأس في حقّه كبيرة اتّفاقا، ثمّ هذا اليأس قد ينضمّ إليه حالة هي أشدّ منه، وهي التّصميم على عدم وقوع الرّحمة له وهو القنوط، ثمّ قد ينضمّ إلى ذلك أنّ الله يشدّد عقابه له كالكفّار وهذا هو المراد بسوء الظّنّ هنا «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: اليأس- الجزع- سوء الظن- الضعف- الوهن- القلق- السخط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الظن- الرضا- الصبر والمصابرة- قوة الإرادة- السكينة- الطمأنينة- اليقين- الرجاء] .
__________
(1) الزواجر (114) بتصرف.(11/5345)
الآيات الواردة في «القنوط»
1-* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50)
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)
قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53)
قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55)
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «1»
2-* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «2»
3-* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «3»
__________
(1) الحجر: 49- 56 مكية
(2) الروم: 31- 37 مكية
(3) الزمر: 53- 59 (53- 54 مدنية، 55- 59 مكية)(11/5346)
4- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50)
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) «1»
5-* وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29)
وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30)
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31)
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) «2»
__________
(1) فصلت: 49- 51 مكية
(2) الشورى: 27- 34 (27 مدنية، 28- 34 مكية)(11/5347)
الأحاديث الواردة في ذمّ (القنوط)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «إنّ رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال:
«الشّرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «1» .
2-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم:
رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «2» .
3-* (عن لقيط بن عامر، أنّه خرج وافدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق، قال لقيط: خرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا نسلاخ رجب، فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة فقام فى النّاس خطيبا فقال: «أيّها النّاس، إنّي خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، ألا لأسمعنّكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا ثمّ لعلّه أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال، ألا إنّي مسؤول: هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا. ألا اجلسوا. ألا اجلسوا» قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله، وهزّ رأسه وعلم أنّي أبتغي لسقطه فقال: «ضنّ ربّك عزّ وجلّ بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله- وأشار بيده- قلت: وما هي؟ قال: علم المنيّة، قد علم منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المنيّ حين يكون فى الرّحم قد علمه ولا تعلمون، وعلم ما في غد، وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم (آزلين «3» مشفقين) ، فيظلّ يضحك قد علم أنّ غيركم إلى قرب» قال لقيط: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا، وعلم يوم السّاعة. قلت: يا رسول الله علّمنا، ممّا تعلّم النّاس وما تعلم فإنّا من قبيل لا يصدّقون تصديقنا أحد، من مذحج الّتي تربو علينا، وخثعم الّتي توالينا، وعشيرتنا الّتي نحن منها، قال «تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم
__________
(1) ذكره الهيثمى فى المجمع، وقال: رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون (1/ 104) .
(2) أحمد (6/ 19) واللفظ له. والأدب المفرد للبخارى (207) رقم (590) . والحاكم في المستدرك (1/ 119) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى. وبعضه فى السنة لابن أبى عاصم رقم (89) . والحديث عند البزار (1/ 61) رقم (84) : وقال الهيثمى: ورواه البزار مطولا ويأتى فى باب الكبائر ورجاله ثقات. انظر مجمع الزوائد (1/ 99) . وذكره الألبانى فى صحيح الجامع (1/ 587) رقم (3059) . وكذا في الصحيحة (2/ 71) رقم (542) وعزاه أيضا لابن حبان وابن عساكر. ونقل قول ابن عساكر عنه: أنه حديث حسن غريب ورجال إسناده ثقات.
(3) الأزل: الشدة.(11/5348)
صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تلبثون ما لبثتم، ثمّ تبعث الصّائحة لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلّا مات، والملائكة الّذين مع ربّك- عزّ وجلّ- فأصبح ربّك- عزّ وجلّ- يطيف في الأرض، وخلت عليه البلاد فأرسل ربّك- عزّ وجلّ- السّماء تهضب «1» من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميّت إلّا شقّت القبر عنه حتّى تجعله من عند رأسه فيستوي جالسا. فيقول ربّك: مهيم لما كان فيه، يقول:
يا ربّ أمس اليوم ولعهده الحياة يحسبه حديثا بأهله» فقلت: يا رسول الله، كيف يجمعنا بعد ما تمزّقنا الرّياح والبلى والسّباع؟ قال: «أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية، فقلت: لا تحيا أبدا: ثمّ أرسل ربّك- عزّ وجلّ- عليها السّماء، فلم تلبث عليك إلّا أيّاما حتّى أشرفت عليها وهي شرية «2» واحدة، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأصواء «3» ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم» قال:
قلت: يا رسول الله، وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا، قال: أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله- عزّ وجلّ- الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، لا تضارّون في رؤيتهما. ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارّون في رؤيتهما.؟ قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربّنا- عزّ وجلّ- إذا لقيناه؟
قال: تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربّك- عزّ وجلّ- بيده غرفة من الماء، فينضح قبيلكم بها، فلعمر إلهك ما تخطىء وجه أحدكم منها قطرة، فأمّا المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة البيضاء، وأمّا الكافر فتخطمه مثل الحميم الأسود. ألا ثمّ ينصرف نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ويفترق على أثره الصّالحون، فيسلكون جسرا من النّار، فيطأ أحدكم الجمر فيقول حسّ، يقول ربّك- عزّ وجلّ- أو أنّه. ألا فتطّلعون على حوض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أظمأ- والله- ناهلة «4» عليها قطّ ما رأيتها. فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلّا وضع عليها قدح يطهّره من الطّوف «5» والبول والأذى، وتحبس الشّمس والقمر «6» ولا ترون منهما واحدا» . قال: قلت: يا رسول الله فبما نبصر؟ قال:
«بمثل بصرك ساعتك هذه. وذلك قبل طلوع الشّمس في يوم أشرقت الأرض واجهت به الجبال» قال: قلت:
يا رسول الله فبما نجزى من سيّئاتنا وحسناتنا؟ قال:
الحسنة بعشر أمثالها، والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يعفو» ، قال:
قلت: يا رسول الله أمّا الجنّة. أمّا النّار، قال: «لعمر إلهك إنّ للنّار لسبعة أبواب ما منهنّ بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما. وإنّ للجنّة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما» قلت:
يا رسول الله فعلى ما نطّلع من الجنّة. قال: على أنهار من
__________
(1) تهضب: تمطر.
(2) الشّربة: الحوض الذي يجتمع فيه الماء.
(3) الأصواء: القبور.
(4) الناهلة: العطاش الواردون الماء.
(5) الطوف: الغائط.
(6) تحبس الشمس والقمر: تختفيان فتحبسان.(11/5349)
عسل مصفّى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة. وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن.
وبفاكهة، لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه وأزواج مطهّرة» قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج أو منهنّ مصلحات؟ قال: «الصّالحات للصّالحين تلذّونهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد» قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه، فلم يجبه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله، ما أبايعك؟ قال: فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وزيال المشرك، وألّا تشرك بالله إلها غيره» قلت: وإنّ لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وظنّ أنّي مشرط شيئا لا يعطينيه، قال:
قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني امرؤ إلّا على نفسه، فبسط يده وقال: «ذلك لك، تحلّ حيث شئت، ولا يجني عليك إلّا نفسك» قال: فانصرفنا عنه ثمّ قال:
إنّ هذين لعمر إلهك من أتقى النّاس في الأولى والآخرة» ، فقال له كعب بن الخداريّة أحد بني بكر بن كلاب. من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك» قال: فانصرفنا، وأقبلت عليه. فقلت: يا رسول الله، هل لأحد ممّن مضى من خير في جاهليّتهم؟ قال:
قال رجل من عرض قريش، «والله إنّ أباك المنتفق لفي النّار» قال: فلكأنّه وقع حرّ بين جلدي ووجهي ولحمى ممّا قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول:
وأبوك يا رسول الله، ثمّ إذا الأخرى أجمل، فقلت يا رسول الله وأهلك؟، قال: «وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامريّ أو قرشيّ من مشرك، فقل أرسلني إليك محمّد فأبشّرك بما يسوءك، تجرّ على وجهك وبطنك في النّار» قال: قلت: يا رسول الله ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلّا إيّاه، وكانوا يحسبون أنّهم مصلحون، قال: «ذلك لأنّ الله- عزّ وجلّ- بعث في آخر كلّ سبع أمم- يعني نبيّا- فمن عصى نبيّه كان من الضّالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (القنوط)
1-* (قال عليّ- رضي الله عنه- الفقيه حقّ الفقيه: من لم يقنّط النّاس من رحمة الله ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنّه
لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبّر فيها» ) * «2» .
2-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط
__________
(1) أبو داود (3266) مختصرا.. وأحمد (4/ 13- 14) واللفظ له، وبعضه في السنة لابن أبى عاصم، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 338- 34) ، وقال: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات.
(2) الدارمي (1/ 101) برقم (297) .(11/5350)
من رحمة الله، واليأس من روح الله» .
وفي رواية: أكبر الكبائر» ) * «1»
3-* (قال الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ- رحمه الله تعالى: لا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته، بل يكون خائفا راجيا يخاف ذنوبه، ويعمل بطاعته ويرجو رحمته» ) * «2» .
4-* (قال الشّاعر:
بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ... لا بي ولا بشفيع لي من النّاس
إذا أيست وكاد اليأس يقطعني ... جاء الرّجا مسرعا من جانب الياس) * «3» .
5-* (قال بعض أهل العلم: شرّ النّاس الّذين يقنّطون النّاس من رحمة الله: أي يؤيّسونهم من رحمة الله) * «4» .
من مضار (القنوط)
(1) دليل ضعف الإيمان.
(2) يقطع الإنسان عن الله.
(3) دليل قلّة الفهم والعقل.
(4) يحبّه الشّيطان لتيئيسه لبني الإنسان.
(5) يقعد بالإنسان أو يعجزه عن القيام بما أمر به.
(6) إذا غلب على الإنسان اليأس والقنوط حرمه الإبداع والتّفوّق واستسهل البطالة والكسل.
__________
(1) مجمع الزوائد (1/ 104) وقال: إسناده حسن
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (359)
(3) الفوائد لابن القيم (66)
(4) لسان العرب (6/ 3752)(11/5351)
[حرف الكاف]
الكبر والعجب
أولا: الكبر:
الكبر لغة:
اسم كالكبرياء بمعنى العظمة، وهو مأخوذ من مادّة (ك ب ر) الّتي تدلّ على خلاف الصّغر. قال ابن فارس: ومن الباب الكبر وهو الهرم، والكبر:
العظمة، وكذلك الكبرياء، يقال: ورثوا المجد كابرا عن كابر. أي كبيرا عن كبير فى الشّرف والعزّ، وأكبرت الشّيء استعظمته، والتّكبّر والاستكبار: التّعظّم، وكبر الشّيء معظمه، قال تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ (النور/ 11) أي معظم أمره.
وقال ابن منظور: الكبر بالكسر: الكبرياء، والكبر العظمة والتّجبّر، وقيل: الرّفعة في الشّرف، وقيل: هي عبارة عن كمال الذّات ولا يوصف بها إلّا الله تعالى.
يقال: تكبّر، واستكبر، وتكابر. وقيل: تكبّر:
من الكبر وتكابر من السّنّ. والتكبّر والاستكبار:
التّعظّم، وقوله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الأعراف/ 46) .
قال الزّجّاج: أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية
آياتي. قال: ومعنى يتكبّرون: أي أنّهم يرون أنّهم أفضل الخلق، وأنّ لهم من الحقّ ما ليس لغيرهم. وهذه الصّفة لا تكون إلّا لله خاصّة، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي له القدرة والفضل الّذي ليس لأحد مثله.
المتكبر من أسماء الله تعالى:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى المتكبّر والكبير، أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل: المتعالى عن صفات الخلق، وقيل: المتكبّر على عتاة خلقه «1» .
وقال الغزاليّ: المتكبّر: هو الّذى يرى الكلّ حقيرا بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلّا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فإن كانت هذه الرّؤية صادقة كان التّكبّر حقّا، وكان صاحبها متكبّرا حقّا، ولا يتصوّر ذلك على الإطلاق إلّا لله تعالى «2» .
وإن كان ذلك التّكبّر والاستعظام باطلا، ولم يكن ما يراه من التّفرّد بالعظمة كما يراه، كان التّكبّر باطلا ومذموما، وكلّ من رأى العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص، دون غيره، كانت رؤيته كاذبة، ونظره باطلا «3» .
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 154) ، والصحاح (2/ 801) ، ولسان العرب لابن منظور (5/ 129، 130) .
(2) المقصد الأسنى ص 75.
(3) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 345) .(11/5352)
واصطلاحا:
هو بطر الحقّ وغمط النّاس.
وقال الغزاليّ:- رحمه الله- هو استعظام النّفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير.
وقال أيضا- رحمه الله-: الكبر حالة يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وأن يرى نفسه أكبر من غيره «1» .
وقال التّهانويّ: جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها. أمّا المكابرة، فهي المنازعة لا لإظهار الصّواب ولا لإلزام الخصم «2» .
وقال الجاحظ: الكبر هو استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالنّاس واستصغارهم والتّرفّع على من يجب التّواضع له «3» .
وقال الكفويّ: التّكبّر: هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك التّشبّع وهو التّزيّن بأكثر ممّا عنده «4» .
الكبر مفتاح الشقاء:
قال الغزاليّ- رحمه الله- مفتاح السّعادة التّيقّظ والفطنة، ومنبع الشّقاوة الكبر والغفلة، فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة، ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصّدر بنور البصيرة، ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة، فالأكياس هم الّذين أراد الله أن يهديهم فشرح صدورهم للإسلام والهدى، والمتكبّرون هم الّذين أراد الله أن يضلّهم فجعل صدرهم ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء. فالمتكبّر هو الّذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا، وبقي في العمى فاتّخذ الهوى قائدا والشّيطان دليلا.
فالكبر آفة عظيمة هائلة، وفيه يهلك الخواصّ من الخلق، وقلّما ينفكّ عنه العبّاد والزّهّاد والعلماء فضلا عن عوامّ الخلق، وكيف لا تعظم آفته وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر» وإنّما صار حجابا دون الجنّة لأنّه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلّها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنّة، والكبر يغلق تلك الأبواب كلّها، لأنّه لا يقدر على أن يحبّ للمؤمنين ما يحبّ لنفسه وفيه شيء من الكبر. فما من خلق ذميم إلّا وصاحب الكبر مضطرّ إليه ليحفظ كبره، وما من خلق محمود إلّا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزّه. فمن هذا لم يدخل الجنّة من في قلبه مثقال حبّة منه. والأخلاق الذّميمة متلازمة، والبعض منها داع إلى البعض لا محالة. وشرّ أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحقّ والانقياد له «5» .
أسباب الكبر:
أسباب الكبر ثلاثة: سبب فى المتكبّر، وسبب
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 345) .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1247) .
(3) تهذيب الأخلاق (32) .
(4) الكليات للكفوى (28) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 345) .(11/5353)
في المتكبّر عليه، وسبب فيما يتعلّق بغيرهما
أمّا السّبب الّذي فى المتكبّر: فهو العجب، والّذي يتعلّق بالمتكبّر عليه هو الحقد، والحسد، والّذي يتعلّق بغيرهما هو الرّياء، فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة.
العجب، والحقد، والحسد، والرّياء:
أمّا العجب: فإنّه يورث الكبر الباطن، والكبر يثمر التّكبّر الظّاهر في الأعمال والأقوال والأحوال.
وأمّا الحقد: فإنّه يحمل على التّكبّر من غير عجب، كالّذي يتكبّر على من يرى أنّه مثله أو فوقه، ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في قلبه بغضه، فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقّا للتّواضع.
وأمّا الحسد: فإنّه أيضا يوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحقّ حتّى يمنع من قبول النّصيحة وتعلّم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدا وبغيا عليه. فهو يعرض عنه ويتكبّر عليه مع معرفته بأنّه يستحقّ التّواضع بفضل علمه، ولكنّ الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبّرين، وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه.
وأمّا الرّياء: فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبّرين، حتّى إنّ الرّجل ليناظر من يعلم أنّه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد، ولكن يمتنع من قبول الحقّ منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول النّاس إنّه أفضل منه فيكون باعثه على التّكبّر عليه الرّياء المجرّد، ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبّر عليه «1» .
درجات الكبر:
قال ابن قدامة رحمه الله: اعلم: أنّ العلماء والعبّاد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون الكبر مستقرّا في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيرا من غيره، إلّا أنّه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلّا أنّه قد قطع أغصانها.
الثّانية: أن يظهر لك بأفعاله من التّرفّع في المجالس، والتّقدّم على الأقران، والإنكار على من يقصّر في حقّه، فترى العالم يصعّر خدّه للنّاس كأنّه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنّه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدّب الله به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. حين قال: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء/ 215) .
الدّرجة الثّالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالدّعاوى والمفاخرة، وتزكية النّفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التّكبّر بالنّسب، فالّذي له نسب شريف يستحقر من ليس له
__________
(1) الإحياء (3/ 353، 354) .(11/5354)
ذلك النّسب وإن كان أرفع منه عملا.
قال ابن عبّاس: يقول الرّجل للرّجل: أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلّا بالتّقوى. قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات:
13) . وكذلك التّكبّر بالمال، والجمال، والقوّة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك، فالكبر بالمال أكثر ما يجري بين الملوك والتّجّار ونحوهم. والتّكبّر بالجمال أكثر ما يجري بين النّساء، ويدعوهنّ إلى التّنقّص والغيبة وذكر العيوب. وأمّا التّكبّر بالأتباع والأنصار، فيجري بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين.
وفي الجملة فكلّ ما يمكن أن يعتقد كمالا، فإن لم يكن في نفسه كمالا، أمكن أن يتكبّر به. حتّى إنّ الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور لظنّه أنّ ذلك كمالا «1» .
أنواع الكبر:
للكبر أنواع ثلاثة:
الأوّل: الكبر على الله تعالى وهو أفحش أنواع الكبر، وذلك مثل تكبّر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له.
الثّاني: الكبر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يمتنع المتكبّر من الانقياد له تكبّرا وجهلا وعنادا كما فعل كفّار مكّة.
الثّالث: الكبر على العباد بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه فيتأبّى عن الانقياد له ويترفّع عليه.. وهذا وإن كان دون الأوّلين إلّا أنّه عظيم إثمه أيضا؛ لأنّ الكبرياء والعظمة إنّما يليقان بالله تعالى وحده «2» .
حكم الكبر:
ذكر الذّهبيّ أنّ الكبر من الكبائر واستدلّ بآيات وأحاديث عديدة، ثمّ قال: وأشرّ الكبر من يتكبّر على العباد بعلمه فإنّ هذا لم ينفعه علمه.. ومن طلب العلم للفخر والرّياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم وازدراهم، فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنّة من كان فى قلبه مثقال ذرّة من كبر «3» ، وقد عدّه الإمام ابن حجر أيضا من الكبائر وجعل معه العجب والخيلاء «4» .
ثانيا: العجب:
العجب لغة:
قال ابن منظور: العجب: الزّهوّ، ورجل معجب: مزهوّ بما يكون منه حسنا كان أو قبيحا، وقيل المعجب هو الإنسان المعجب (أي المزهوّ) بنفسه أو بالشّيء، وقيل: العجب فضلة من الحمق «5» ، وقال الفيروزاباديّ: العجب بالضمّ: الزّهو والكبر «6» ، يقال:
__________
(1) انظر مختصر منهاج القاصدين (229) .
(2) الزواجر (90) بتصرف.
(3) الكبائر للذهبى (76، 78) .
(4) انظر الزواجر (90) .
(5) لسان العرب 1/ 582 (ط. بيروت) .
(6) القاموس المحيط ص 144 (ط. بيروت) .(11/5355)
أعجب بنفسه وبرأيه (مبنيّا للمجهول) فهو معجب، والاسم منه (العجب) «1» ، والمصدر: الإعجاب. أمّا العجب (بالتّحريك) فهو إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده، وأصله في اللّغة أنّ الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقلّ مثله قال: قد عجبت من كذا وإنّما يتعجّب الإنسان من الشّيء إذا عظم موقعه عنده، وخفي عليه سببه «2» .
العجب اصطلاحا:
العجب في الاصطلاح: هو استعظام النّعمة والرّكون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم عزّ وجلّ «3» .
الفرق بين العجب والكبر:
ذهب كثير من العلماء إلى أنّه لا فرق بين الأمرين وأنّهما شيء واحد، ولكن ذهب المحقّقون إلى أنّ بينهما فرقا لأنّ الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال، وذلك الخلق هو رؤية النّفس فوق المتكبّر عليه، والعجب يتصوّر ولو لم يكن أحد غير المعجب، والمتكبّر يرى نفسه أعلى من الغير فتحصل له هزّة وفرح وركون له إلى ما اعتقده «4» .
وقال الماورديّ: الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبّر يجلّ نفسه عن رتبة المتعلّمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدّبين «5» .
وقال أبو هلال: الفرق بين العجب والكبر أنّ العجب بالشّيء شدّة السّرور به حتّى لا يعادله شيء عند صاحبه يقال: هو معجب بنفسه إذا كان مسرورا بخصالها، ولهذا يقال أعجبه كما يقال: سرّ به، وليس ذلك من الكبر في شيء، وقال بعضهم: العجب عقد النّفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجّب منها وليست هي لها «6» .
الفرق بين العجب والإدلال:
قال الغزاليّ: الإدلال وراء العجب، فلا مدلّ إلّا وهو معجب، وربّ معجب لا يدلّ، إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النّعمة دون توقّع جزاء عليه، والإدلال لا يتمّ إلّا مع توقّع جزاء، فإن توقّع إنسان إجابة دعوته، واستنكر ردّها بباطنه وتعجّب منه كان مدلّا بعمله، لأنّه لا يتعجّب من ردّ دعاء الفاسق، ويتعجّب من ردّ دعاء نفسه، وكلاهما أي العجب والإدلال من مقدّمات الكبر وأسبابه «7» .
آفة العجب:
للعجب آفات مباشرة وغير مباشرة، أمّا غير المباشرة فإنّه يدعو إلى الكبر، والكبر يتولّد عنه، ومن الكبر الآفات الكثيرة الّتي لا تخفى «8» ، وإذا اجتمعا (الكبر والعجب) فإنّهما يسلبان الفضائل، ويكسبان الرّذائل، وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح ولا قبول لتأديب «9» .
__________
(1) مختار الصحاح ص 413 (ط. دار الكتب) .
(2) لسان العرب 1/ 580 (بتصرف واختصار) .
(3) إحياء علوم الدين 3/ 370.
(4) غذاء الألباب 2/ 222.
(5) أدب الدنيا والدين ص 231.
(6) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص 243.
(7) إحياء علوم الدين 3/ 371.
(8) إحياء علوم الدين 3/ 370.
(9) أدب الدنيا والدين للماوردي ص 231.(11/5356)
أمّا الآفات المباشرة فقد ذكرها الإمام الغزاليّ بقوله: العجب يدعو إلى نسيان الذّنوب وإهمالها، ويستعظم صاحبه العبادات والأعمال ويتبجّح بها، ويمنّ على الله بفعلها ثمّ إذا أعجب بها نسي آفاتها، ومن لم يتفقّد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا، والمعجب يغترّ بنفسه وبرأيه، ويأمن مكر الله وعذابه، ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكّيها، ويمنعه ذلك من الاستشارة والسّؤال فيستبدّ بنفسه ويكتفي برأيه، وربّما أعجب بالرّأي الخطأ الّذي خطر له فيفرح بكونه من خواطره، ويصرّ عليه، وربّما أودى به ذلك إلى الهلاك خاصّة لو كان هذا الرّأي يتعلّق بأمر من أمور الدّين، ولذلك عدّ العجب من المهلكات، ومن أعظم آفات العجب فتور سعي المعجب لظنّه أنّه قد فاز، وأنّه قد استغنى وهذا هو الهلاك الصّريح الّذي لا شبهة فيه «1» .
وقال في غذاء الألباب: وربّما منع المعجب عجبه من الازدياد في (الطّاعات) ولهذا قيل: عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله، وما أضرّ العجب بالمحاسن «2» .
منشأ العجب وعلاجه:
قال الغزاليّ: علّة العجب الجهل المحض «3» ، ومن أعجب بطاعته (مثلا) فما علم أنّها بالتّوفيق حصلت، فإن قال: رآني أهلا لها فوفّقني، قيل له:
فتلك نعمة من منّه وفضله فلا تقابل بالإعجاب «4» .
وقال الغزاليّ: وعلاجه المعرفة المضادّة لذلك الجهل، أي معرفة أنّ ذلك الّذي أثار إعجابه نعمة من الله عليه، من غير حقّ سبق له، ومن غير وسيلة يدلي بها، ومن ثمّ ينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله «5» . وإذا تمّ علم الإنسان لم ير لنفسه عملا ولم يعجب به لأنّ الله هو الّذي وفّقه إليه. وإذا قيس بالنّعم لم يف بمعشار عشرها، هذا إذا سلم من شائبة وسلم من غفلة، فأمّا والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلّب الحذر من ردّه ويخاف العقاب على التّقصير فيه «6» .
هذا في علاج العجب إجمالا، أمّا علاج حالاته تفصيلا فإنّ ذلك يختلف باختلاف ما يحدث به العجب:
فإن كان ناشئا عن حالة البدن وما يتمتّع به صاحبه من الجمال والقوّة ونحوهما، فعلاجه التّفكّر في أقذار باطنه، وفي أوّل أمره وآخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان النّاعمة، كيف تمرّغت في التّراب وأنتنت في القبور حتّى استقذرتها الطّباع.
وإن كان العجب ناشئا عن البطش والقوّة، فعلاج ذلك أنّ حمّى يوم تضعف قوّته، وأنّها ربّما سلبت
__________
(1) إحياء علوم الدين 3/ 370.
(2) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي 2/ 225.
(3) إحياء علوم الدين 3/ 371.
(4) غذاء الألباب 2/ 225.
(5) إحياء علوم الدين 3/ 271 (بتصرف واختصار) .
(6) غذاء الألباب 2/ 226 (بتصرف واختصار) .(11/5357)
منه بأدنى آفة يسلّطها الله عليه.
وإذا كان العجب بالعقل والكياسة، فعلاجه شكر الله تعالى على ما رزق من عقل، والتّفكّر في أنّه بأدنى مرض يصيب دماغه، كيف يوسوس ويجنّ بحيث يضحك منه.
وإن كان العجب بالنّسب الشّريف، فعلاجه أن يعلم أنّه إن خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظنّ أنّه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بهم فما كان العجب من أخلاقهم، وأنّهم شرفوا بالطّاعة والعلم والخصال الحميدة.
وإذا كان العجب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم، فعلاجه أن يتفكّر في مخازيهم، وأنّهم ممقوتون عند الله تعالى، وما بالك لو انكشف له ذّلهم يوم القيامة.
وإذ كان العجب بكثرة الأموال والأولاد والخدم والأقارب والأنصار، فعلاجه أن يعلم ضعفه وضعفهم وأنّ للمال آفات كثيرة، وأنّه غاد ورائح ولا أصل له.
أمّا إذا كان العجب بالرّأي الخطأ، فعلاجه أن يتّهم الإنسان رأيه وألّا يغترّ به «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التحقير- طول الأمل- العتو- الغرور- اتباع الهوى- الطغيان- القسوة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التواضع- الخشوع- تذكر الموت- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- السماحة- اللين] .
__________
(1) إحياء علوم الدين 3/ 374- 378 (بتصرف واختصار) .(11/5358)
الآيات الواردة في «الكبر والعجب»
أولا: الآيات الواردة في «الكبر» :
أ- آيات الكبر فيها سبب الإعراض عن الطاعة:
1- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) «1»
2- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «2»
3- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76)
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) «3»
4- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)
__________
(1) البقرة: 34 مدنية
(2) البقرة: 87 مدنية
(3) الأعراف: 73- 78 مكية(11/5359)
وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87)
* قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88)
قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «1»
5- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) «2»
6- قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «3»
7-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ
__________
(1) الأعراف: 85- 89 مكية
(2) الأعراف: 130- 133 مكية
(3) الأعراف: 144- 146 مكية(11/5360)
بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) «1»
8- إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)
لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) «2»
9- ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45)
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) «3»
10-* وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) «4»
11- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «5»
12- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ
__________
(1) يونس: 71- 78 مكية
(2) النحل: 22- 24 مكية
(3) المؤمنون: 45- 46 مكية
(4) الفرقان: 21- 23 مكية
(5) القصص: 38- 40 مكية(11/5361)
حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) «1»
13- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «2»
14- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42)
اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) «3»
15- إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) «4»
16- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72)
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74)
قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75)
قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) «5»
17- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «6»
18- الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) «7»
19- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «8»
__________
(1) العنكبوت: 38- 40 مكية
(2) لقمان: 6- 7 مكية
(3) فاطر: 42- 43 مكية
(4) الصافات: 35- 37 مكية
(5) ص: 71- 78 مكية
(6) غافر: 27 مكية
(7) غافر: 35 مكية
(8) غافر: 56 مكية(11/5362)
20- إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) «1»
21-يْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) «2»
22- وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «3»
23- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «4»
24-* وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) «5»
25- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1)
قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)
__________
(1) فصلت: 14- 16 مكية
(2) الجاثية: 7- 8 مدنية
(3) الجاثية: 28- 37 مدنية
(4) الأحقاف: 10 مدنية
(5) المنافقون: 4- 5 مدنية(11/5363)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6)
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «1»
26- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) «2»
ب- آيات الكبر سبب في الانذار بالعذاب:
27-نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
(172)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «3»
28- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36) «4»
29- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) «5»
__________
(1) نوح: 1- 7 مكية
(2) المدثر: 11- 30 مكية
(3) النساء: 172- 173 مدنية
(4) الأعراف: 35- 36 مكية
(5) الأعراف: 40- 41 مكية(11/5364)
30- وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) «1»
ج- آيات الكبر فيها سبب الطرد من الجنة ودخول النار:
31- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «2»
32- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) «3»
33- وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) * وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) «4»
34- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) «5»
35- حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) «6»
36- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
__________
(1) غافر: 60 مكية
(2) الأنعام: 93 مكية
(3) الأعراف: 11- 13 مكية
(4) الأعراف: 46- 49 مكية
(5) النحل: 28- 29 مكية
(6) المؤمنون: 64- 67 مكية(11/5365)
بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) «1»
37- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «2»
38- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) «3»
39- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «4»
د- آيات تعرض تخلص المستكبرين من تبعة اضلال المستضعفين:
40- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «5»
41- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ
__________
(1) الزمر: 56- 60 مكية
(2) الزمر: 71- 72 مكية
(3) غافر: 69- 76 مكية
(4) الأحقاف: 20 مكية
(5) إبراهيم: 21 مكية(11/5366)
اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) «1»
42- النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «2»
هـ- آيات عدم الكبر فيها من سمات المقربين:
43- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «3»
44- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) «4»
45- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) «5»
46- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) «6»
47- وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «7»
__________
(1) سبأ: 31- 33 مكية
(2) غافر: 46- 48 مكية
(3) الأعراف: 205- 206 مكية
(4) النحل: 49- 50 مكية
(5) الأنبياء: 19- 20 مكية
(6) السجدة: 15- 17 مكية
(7) فصلت: 37- 38 مكية(11/5367)
ثانيا: الآيات الواردة في «العجب» :
48- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) «1»
الآيات الواردة في «العجب» معنى
49- كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33)
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35)
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) «2»
50- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105)
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) «3»
51- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) «4»
52- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «5»
__________
(1) التوبة: 25 مدنية
(2) الكهف: 33- 36 مكية
(3) الكهف: 103- 106 مكية
(4) القصص: 78- 79 مكية
(5) الحشر: 2 مدنية(11/5368)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكبر والعجب)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّت النّار والجنّة فقالت هذه: يدخلني الجبّارون والمتكبّرون. وقالت هذه:
يدخلني الضّعفاء والمساكين. فقال الله عزّ وجلّ لهذه:
(أنت عذابي أعذّب بك من أشاء) وقال لهذه (أنت رحمتي أرحم بك من أشاء) . ولكلّ واحدة منكما ملؤها) * «1» .
2-* (عن أبى سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: التقى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم- على المروة فتحدّثا، ثمّ مضى عبد الله بن عمرو، وبقي عبد الله بن عمر يبكي، فقال له رجل: ما يبكيك يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: هذا- يعني عبد الله بن عمرو- زعم أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل «2» من كبر كبّه الله «3» لوجهه في النّار» ) * «4» .
3-* (عن حارثة بن وهب- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟
قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف. لو أقسم على الله لأبرّه، ثمّ قال: «ألا أخبركم بأهل النّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ «5» جوّاظ «6» مستكبر» ) * «7» .
4-* (عن عبد الله بن حنظلة أنّ عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- مرّ في السّوق وعليه حزمة من حطب فقيل له: ما يحملك على هذا. وقد أغناك الله من هذا. قال: أردت أن أدفع الكبر، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة من في قلبه خردلة من كبر» ) * «8» .
5-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة الثّرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون» ، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثّرثارون والمتشدّقون. فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبّرون» ) * «9» .
__________
(1) البخارى الفتح 13 (7449) ، ومسلم (2846 واللفظ له
(2) مثقال حبة من خردل: أى جزء يسير.
(3) كبه الله: أى قلبه على رأسه وألقاه.
(4) رواه أحمد (2/ 215) ، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 566) وقال: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. وقال الحافظ العراقى فى تخريج الإحياء: رواه أحمد والبيهقى من طريقه بإسناد صحيح.
(5) العتل: الجافى الشديد الخصومة.
(6) الجواظ: الجموع المنوع. وقيل المختال فى مشيته.
(7) الفتح 10 (6071) ، ومسلم (2853) واللفظ له.
(8) الحاكم فى المستدرك (3/ 416) ، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 566) واللفظ له، وقال: رواه الطبرانى بإسناد حسن.
(9) الترمذى (2018) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 6) : حديث حسن.(11/5369)
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إيّاكم والكبر، فإنّ الكبر يكون في الرّجل وإنّ عليه العباءة» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذّاب، وعائل مستكبر» ) * «2» .
8-* (عن النّعمان بن بشير، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (غافر/ 60)) * «3» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: كنّا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل من أهل البادية، عليه جبّة سيجان، حتّى قام على رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ صاحبكم قد وضع كلّ فارس (أو قال: يريد أن يضع كلّ فارس) ويرفع كلّ راع، فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمجامع جبّته فقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل» ثمّ قال: «إنّ نبيّ الله نوحا صلّى الله عليه وسلّم لمّا حضرته الوفاة، قال لابنه: إنّي قاصّ عليك الوصيّة.
آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين. آمرك بلا إله إلّا الله.
فإنّ السّموات السّبع والأرضين السّبع لو وضعن في كفّة ووضعت لا إله إلّا الله في كفّة لرجحت بهنّ، ولو أنّ السّموات السّبع، والأرضين السّبع، كنّ حلقة مبهمة، لقصمتهنّ (لا إله إلّا الله) و (سبحان الله وبحمده) ، فإنّها صلاة كلّ شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشّرك والكبر. فقلت- أو قيل-: يا رسول الله، هذا الشّرك قد عرفناه، فلما الكبر؟ قال: فهو أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟
قال: «لا» قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟
قال: «لا» . قال: فهو أن يكون لأحدنا دابّة يركبها؟
قال: «لا» قال: فهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: «لا» قال: يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: «سفه الحقّ، وغمص النّاس» ) * «4» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر» . قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إنّ الله جميل يحبّ الجمال. الكبر بطر الحقّ «5» وغمط النّاس «6» » ) * «7» .
11-* (عن سراقة بن مالك بن جعشم
__________
(1) المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 561) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، ورواته ثقات. وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح (1/ 491) : رواته ثقات.
(2) مسلم (107) .
(3) أبو داود (1479) ، والترمذى (3372) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (3828) .
(4) أحمد فى المسند (2/ 170) ، والبخارى فى الأدب المفرد مع شرحه (2/ 551) واللفظ له، والحاكم فى المستدرك (1/ 49) . وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.
(5) بطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا.
(6) غمط الناس وغمصهم: احتقارهم.
(7) مسلم (91) .(11/5370)
- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنّة وأهل النّار؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال: «فأمّا أهل النّار فكلّ جعظريّ «1» جوّاظ «2» مستكبر، وأمّا أهل الجنّة فالضّعفاء المغلوبون» ) * «3» .
12-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو بريء من الكبر، والغلول «4» ، والدّين دخل الجنّة» ) * «5» .
13-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرّجال يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان فيساقون إلى سجن في جهنّم يسمّى بولس «6» تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النّار طينة الخبال» ) * «7» .
14-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يطوي الله- عزّ وجلّ- السّماوات يوم القيامة ثمّ يأخذهنّ بيده اليمنى ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟، أين المتكبّرون؟.
ثمّ يطوي الأرضين بشماله ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟» ) * «8»
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله سبحانه: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم» ) * «9» .
16-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: يقولون: فيّ التّيه وقد ركبت الحمار ولبست الشّملة وقد حلبت الشّاة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء» ) * «10» .
__________
(1) الجعظرى: الفظ الغليظ المتكبر.
(2) الجواظ: المختال فى مشيته.
(3) المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 563) ، وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط بإسناد حسن.
(4) الغلول: الخيانة.
(5) أخرجه أحمد فى المسند (5/ 276، 277) . والترمذى (1572) واللفظ له، وابن ماجه (2412) وصححه الألبانى، الصحيحة (2785) ، والحاكم فى المستدرك (2/ 26) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.
(6) بولس: فى الترمذى بالباء الموحدة، وفى شرح السنة بالياء، المثناة من تحت، وعلى كل فالكلمة أعجمية سمى بها ذلك السجن.
(7) الترمذى (2492) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبغوى فى شرح السنة (13/ 168) وقال: حديث حسن.
(8) البخارى الفتح 13 (7412) ، ومسلم (2788) واللفظ له
(9) مسلم (2620) . وابن ماجة (4174) واللفظ له..
(10) الترمذى (2001) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والحاكم فى المستدرك (4/ 184) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.(11/5371)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكبر والعجب) معنى
17-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة لا يتركونهنّ «1» : الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» . وقال:
«النّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أربعة يبغضهم الله- عزّ وجلّ:
البيّاع الحلّاف، والفقير المختال، والشّيخ الزّاني، والإمام الجائر» ) * «3» .
19-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة فقال: «الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الّلّه بكرة وأصيلا (ثلاثا) أعوذ بالله من الشّيطان من نفخه «4» ونفثه «5» وهمزه «6» » ) * «7» .
20-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم عرفة، إنّ الله ينزل إلى السّماء، فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، ضاحين من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم. فتقول له الملائكة: أي ربّ، فيهم فلان يزهو وفلان وفلان، قال، يقول الله: قد غفرت لهم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فما من يوم أكثر عتقا من النّار من يوم عرفة» ) * «8» .
21-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الغيرة ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- ومن الخيلاء ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- فأمّا الغيرة الّتي يحبّ الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغض الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الّذي يحبّ الله- عزّ وجلّ- اختيال الرّجل بنفسه عند القتال وعند
__________
(1) لا يتركونهن: أي كل الترك. إن تركته طائفة، فعلته أخرى.
(2) مسلم (934) .
(3) النسائى (5/ 86) واللفظ له وصححه الألبانى (صحيح الجامع 893) ، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 275) وقال رواه النسائى وابن حبان.
(4) نفخه: الكبر.
(5) نفثه: الشّعر.
(6) همزه: الموتة وهي الجنون.
(7) أبو داود (764) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (4/ 186) : للحديث شواهد يرتقى بها إلى درجة الصحة، وكذا الحاكم فى المستدرك (1/ 235) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.
(8) ابن خزيمة فى صحيحة (4/ 2844) واللفظ له وقال محققه: إسناده صحيح، والبيهقى فى شعب الإيمان (4/ 4068) وقال محققه: إسناده لا بأس به، والبغوى فى شرح السنة، وقال محققه: أخرجه ابن خزيمة ورجاله ثقات.(11/5372)
الصّدقة، والاختيال الّذي يبغض الله عزّ وجلّ الخيلاء في الباطل» ) * «1» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يتبختر. يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض. فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» ) * «2» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر. وعلى رجل وزر. فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة.
فما أصابت في طيلها ذلك المرج والرّوضة كان له حسنات، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له، وهي لذلك الرّجل أجر. ورجل ربطها تغنّيا وتعفّفا ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء فهي على ذلك وزر. وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن الحمر. قال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ) * «3» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الفخر والخيلاء في الفدّادين أهل الوبر «4» والسّكينة في أهل الغنم.
والإيمان يمان، والحكمة يمانية» ) * «5» .
25-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد، فإنّ نومه ونبهه أجر كلّه.
وأمّا من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنّه لن يرجع بكفاف» ) * «6» .
26-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» ) * «7» .
27-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الرّجل
__________
(1) أبو داود (2659) ، والنسائى (5/ 78) واللفظ له وحسنه الألبانى، صحيح النسائى (2398) والإرواء (1999) وأحمد فى المسند (5/ 445، 446) .
(2) البخارى الفتح 10 (5789) ، ومسلم (2088) واللفظ له.
(3) البخارى الفتح 13 (7356) واللفظ له، ومسلم (978)
(4) الفدادين: رعاة الإبل.
(5) البخارى الفتح 6 (3499) واللفظ له، ومسلم (52) .
(6) أبو داود (2515) وحسنه الألبانى، صحيح سنن أبى داود (2195) ، والحاكم فى المستدرك (2/ 85) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.
(7) البخارى تعليقا (10/ 264) . والنسائى (5/ 79) وحسنه الألبانى، صحيح النسائى (2399) وابن ماجة (3605) ، والحاكم فى المستدرك (4/ 135) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.(11/5373)
يذهب بنفسه «1» حتّى يكتب في الجبّارين فيصيبه ما أصابهم» ) * «2» .
28-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء» ) * «3» .
29-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه، العجب» ) * «4» .
30-* (عن أبى هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعل الّذي يدهده «5» الخرء بأنفه، إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة «6» الجاهليّة، إنّما هو مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب» ) * «7» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من امرىء إلّا في رأسه حكمة «8» والحكمة بيد ملك، فإن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة. وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته» ) * «9» .
32-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لرجل عنده جالس، ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيك في هذا؟» قال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» ) * «10» .
33-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن
__________
(1) يذهب بنفسه: أى يترفع ويتكبر.
(2) الترمذى (2000) وقال: حديث حسن غريب. والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 571) وقال: رواه الترمذى وقال: حسن، وقال محقق جامع الأصول (10/ 318) حديث حسن.
(3) البخارى- الفتح 10 (5783) ، ومسلم (2085) .
(4) المنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 571) وقال: رواه البزار بإسناد جيد.
(5) يدهده الخرء: أى يدحرجه أمامه وهذه طبيعة الجعل وهو المسمى عند العامة بالجعران.
(6) عبية الجاهلية: أى تخونها وكبرها وأصلها من العبء وهو الثقل.
(7) أبو داود (5116) وحسنه الألبانى، صحيح أبى داود (4269) ، والترمذى (3955) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب.
(8) الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه.
(9) الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 83) واللفظ له، وقال: رواه البزار واسناده حسن، والمنذرى فى الترغيب (3/ 561) ، وقال: رواه الطبرانى والبزار وإسنادهما حسن، وحسنه الألبانى، الصحيحة (538) .
(10) البخارى- الفتح 11 (6447) .(11/5374)
يتمثّل له الرّجال قياما فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «1» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج عنق من النّار «2» يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «3» .
ومن الأحاديث الواردة في العجب:
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بينما رجل يمشي في حلّة تعجبه نفسه، مرجّل جمّته «4» ، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل «5» إلى يوم القيامة» ) * «6» .
36-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه فعليك- يعني بنفسك- ودع عنك العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه «7» مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الكبر والعجب)
1-* (قال المسيح عليه الصّلاة والسّلام:
«إنّ الزّرع ينبت في السّهل ولا ينبت على الصّفا.
كذلك الحكمة تعمل في قلب المتواضع ولا تعمل في قلب المتكبّر. ألا ترون أنّ من شمخ برأسه إلى السّقف شجّه، ومن طأطأ أظلّه وأكنّه» ) * «9» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«إنّ الرّجل إذا تواضع رفع الله حكمته وقال: انتعش نعشك الله فهو في نفسه صغير وفي أعين النّاس كبير
__________
(1) أبو داود (5229) ، والترمذى (2755) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وصححه الألبانى، صحيح سنن الترمذى (2212) .
(2) عنق- بضمتين- أي قطعة من النار.
(3) الترمذى (2574) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، والمنذرى فى الترغيب والترهيب (3/ 297) وقال: رواه الطبرانى بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح.
(4) الجمه: هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى المنكبين.
(5) التجلجل هو أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق، والمراد أنه ينزل في الأرض مضطربا متدافعا (انظر هذا التفسير، وتفسيرات أخرى في فتح الباري 10/ 272) .
(6) البخاري، الفتح (5789) .
(7) فيه: أي في ذلك الوقت وتلك الأيام.
(8) أبو داود (4341) ، واللفظ له، وابن ماجة (4014) .
(9) إحياء علوم الدين (3/ 2364) .(11/5375)
وإذا تكبّر وعدا طوره، رهصه الله في الأرض وقال:
اخسأ خسأك الله. فهو في نفسه كبير وفي أعين النّاس حقير حتّى إنّه لأحقر عندهم من الخنزير» ) * «1» .
3-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من تواضع لله تخشّعا رفعه الله يوم القيامة. ومن تطاول تعظّما وضعه الله يوم القيامة» ) * «2» .
4-* (قال النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- على المنبر: «إنّ للشّيطان مصالي وفخوخا «3» . وفخوخه البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبر على عباد الله. واتّباع الهوى في غير ذات الله» ) * «4» .
5-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه رأى رجلا يختال في مشيته ويجرّ إزاره فقال: «إنّ للشّيطان إخوانا» ) * «5» .
6-* (عن خالد بن عمير العدويّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد: فإنّ الدّنيا قد آذنت «6» بصرم «7» وولّت حذّاء «8» . ولم يبق منها إلّا صبابة «9» كصبابة الإناء. يتصابّها صاحبها. وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها. فانتقلوا بخير ما بحضرتكم. فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم. فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. والله لتملأنّ.
أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة. وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ «10» من الزّحام. ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر. حتّى قرحت «11» أشداقنا. فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «12» فاتّزرت بنصفها واتّزر سعد بنصفها. فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار. وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت، حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا. فستخبرون وتجرّبون الأمراء بعدنا» ) * «13» .
7-* (قال الأحنف بن قيس: «عجبا لابن آدم يتكبّر وقد خرج من مجرى البول مرّتين» ) * «14» .
8-* (قال محمّد بن الحسين بن عليّ: «ما دخل قلب امرىء شيء من الكبر قطّ إلّا نقص من
__________
(1) الإحياء للغزالى (3/ 361) ، وشرح السنة للبغوى (13/ 171) .
(2) أخرجه وكيع فى الزهد (2/ 467) .
(3) مصالى: جمع مصلاة- بكسر الميم وسكون الصاد- وهى شرك ينصب للصيد،، المقصود بها: ما يصيد به الناس من الآفات التى يستفزهم بها من زينة الدنيا وشهواتها.
(4) إحياء علوم الدين (3/ 358) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 359) .
(6) آذنت: أى أعلمت.
(7) بصرم: الصرم الانقطاع والذهاب.
(8) حذاء: مسرعة الانقطاع.
(9) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى فى أسفل الإناء.
(10) كظيظ: أى ممتلىء.
(11) قرحت: أى صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذى نأكله وحرارته.
(12) سعد بن مالك: هو سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه.
(13) مسلم (2967) .
(14) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 358) .(11/5376)
عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلّ أو كثر» ) * «1» .
9-* (عن مسروق- رحمه الله- قال: «كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه» ) * «2» .
10-* (مرّ بالحسن البصريّ شابّ عليه بزّة له حسنة فدعاه فقال له: ابن آدم معجب بشبابه محبّ لشمائله. كأنّ القبر قد وارى بدنك وكأنّك قد لاقيت عملك. ويحك، داو قلبك فإنّ مراد الله من العباد صلاح قلوبهم» ) * «3» .
11-* (قال الحسن- رحمه الله- «السّجود يذهب بالكبر، والتّوحيد يذهب بالرّياء» ) * «4» .
12-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: «من خصف نعليه، ورقع ثوبه، وعفّر وجهه لله- عزّ وجلّ-، فقد برىء من الكبر» ) * «5» .
13-* (قال مالك بن دينار: «إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا» ) * «6» .
14-* (عن مالك بن دينار قال: «قال سليمان ابن داود يوما للطّير والجنّ والإنس والبهائم:
«أخرجوا مائتي ألف من الإنس، ومائتي ألف من الجنّ، فرفع حتّى سمع زجل الملائكة بالتّسبيح في السّماء، ثمّ خفض حتّى مسّت قدماه البحر، فسمع صوتا يقول: لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرّة من كبر لخسفت به أبعد ممّا رفعته» ) * «7» .
15-* (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه- أنّه رأى المهلّب- وهو يتبختر في جبّة خزّ فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلّب: أما تعرفني؟ فقال بلي.
أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة. فمضى المهلّب وترك مشيته تلك) * «8» .
16-* (عن قتادة في قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (لقمان/ 18) قال: هو الإعراض، أن يكلّمك الرّجل وأنت معرض عنه» ) * «9» .
17-* (وقال وهب بن منبّه: «لمّا خلق الله جنّة عدن نظر إليها فقال: أنت حرام على كلّ متكبّر» ) * «10» .
18-* (روي أنّ عمر بن عبد العزيز حجّ قبل أن يستخلف فنظر إليه طاوس وهو يختال في مشيته فغمز جنبه بأصبعه ثمّ قال: «ليست هذه مشية من في بطنه خراء» ) * «11» .
19-* (عن يحيى بن جعدة قال: «من وضع
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 359) .
(2) الدر المنثور للسيوطى (7/ 20) .
(3) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 359) .
(4) التواضع لابن أبى الدنيا (20) .
(5) التواضع لابن أبى الدنيا.
(6) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادى (33) .
(7) التواضع لابن أبى الدنيا (ص 35) .
(8) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 359) .
(9) التواضع لابن أبى الدنيا (151) .
(10) إحياء علوم الدين (3/ 358) .
(11) المرجع السابق (3/ 359) .(11/5377)
جبينه لله ساجدا فليس بمتكبّر وقد برىء من الكبر» ) * «1» .
20-* (عن سليمان بن المغيرة؛ قال: قال عيسى ابن مريم- عليهما السّلام-: «طوبى لمن علّمه الله- عزّ وجلّ- كتابه ثمّ لم يمت جبّارا» ) * «2» .
21-* (عن عبد الله بن هبيرة أنّ سلمان سئل عن السّيّئة الّتي لا تنفع معها حسنة؟ قال: «الكبر» ) * «3» .
22-* (رأى محمّد بن واسع ولده يختال فدعاه وقال: «أتدري من أنت؟ أمّا أمّك فاشتريتها بمائتي درهم، وأمّا أبوك فلا أكثر الله فى المسلمين مثله» ) * «4» .
23-* (عن عمرو بن شيبة؛ قال: «كنت بمكّة بين الصّفا والمروة فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان يعنّفون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشّعر. قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله.
فقال لي: مالك تنظر إليّ؟ فقلت له: شبّهتك برجل رأيته بمكّة ووصفت له الصّفة. فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: «إنّي ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «5» .
24-* (قال أبو عليّ الجوزجانيّ: النّفس معجونة بالكبر والحرص والحسد. فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التّواضع والنّصيحة والقناعة. وإذا أراد الله تعالى به خيرا لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التّواضع من نصرة الله تعالى.
وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النّصيحة مع توفيق الله- عزّ وجلّ- وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عزّ وجلّ» ) * «6» .
25-* (قال الماورديّ- رحمه الله-: «الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل، ويكسبان الرّذائل وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب، لأنّ الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبّر يجلّ نفسه عن رتبة المتعلّمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدّبين» ) * «7» .
26-* (قال الإمام مالك- تعليقا على حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «إذا قال الرّجل: هلك النّاس فهو أهلكهم» قال: إذا قال ذلك تحزّنا لما يرى في النّاس- يعني في أمر دينهم- فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للنّاس فهو المكروه الّذي نهي عنه» *) «8» .
27-* (قال ابن عوف- رحمه الله-:
عجبت من معجب بصورته ... وكان بالأمس نطفة مذره
__________
(1) الزهد لوكيع بن الجراح (2/ 636) .
(2) التواضع لابن أبي الدنيا (54) .
(3) المرجع السابق (31) .
(4) إحياء علوم الدين (3/ 359) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 362) .
(6) المرجع السابق (3/ 362) .
(7) أدب الدنيا والدين للماوردي (231) .
(8) أبو داود/ كتاب الأدب برقم (4983) . وأتورده الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (712) .(11/5378)
وفي غد بعد حسن صورته ... يصير في اللّحد جيفة قذره
وهو على تيهه ونخوته ... ما بين ثوبيه يحمل العذره) * «1» .
28-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- أركان الكفر أربعة: الكبر، والحسد، والغضب، والشّهوة» ) * «2» .
29-* (قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله:
الكبر الحالة الّتي يختصّ بها الإنسان من إعجابه بنفسه. وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبّر على ربّه بأن يمتنع من قبول الحقّ والإذعان له بالتّوحيد والطّاعة. والتّكبّر يأتي على وجهين: أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير، ومن ثمّ وصف سبحانه وتعالى بالمتكبّر.
والثّاني: أن يكون متكلّفا لذلك متشبّعا بما ليس فيه، وهو وصف عامّة النّاس نحو قوله كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ والمستكبر: مثله) * «3» .
30-* (قال أحد العلماء: «التّواضع في الخلق كلّهم حسن وفي الأغنياء أحسن. والتّكبّر في الخلق كلّهم قبيح وفي الفقراء أقبح» ) * «4» .
31-* (قال الشّاعر:
وإن أفادك إنسان بفائدة ... من العلوم فلازم شكره أبدا
وقل فلان جزاه الله صالحة ... أفادنيها ودعك الكبر والحسدا) *.
32-* (وصف بعض الشّعراء الإنسان فقال:
يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ... انظر خلاك فإنّ النّتن تثريب
لو فكّر النّاس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبّان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرّأس مكرمة ... وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرفضّة والثّغر ملعوب
يا بن التّراب ومأكول التّراب غدا ... أقصر فإنّك مأكول ومشروب) * «5» .
__________
(1) المرجع السابق (231) .
(2) الفوائد لابن القيم (206) .
(3) فتح البارى بشرح صحيح البخارى (10/ 489) .
(4) إحياء علوم الدين (3/ 362) .
(5) أدب الدنيا والدين للماوردى (233) .(11/5379)
من مضار (الكبر والعجب)
(1) طريق موصّل إلى غضب الله وسخطه.
(2) دليل سفول النّفس وانحطاطها.
(3) يورث البعد عن الله والبعد عن النّاس.
(4) الشّعور بالعزلة وضيق النّفس وقلقها.
(5) اشمئزاز النّاس منه وتفرّقهم من حوله.
(6) استحقاق العذاب في النّار.
(7) هلاك النّفس وذهاب البركة من العمر.
(8) الكبر من الأسباب الّتي تبعد المتكبّر عن طاعة الله عزّ وجلّ.
(9) جزاء المتكبّر الطّرد من رحمة الله.
(10) المتكبّرون يصرفهم الله عزّ وجلّ عن آياته فتعمى بصائرهم ولا يرون الحقّ.
أمّا مضارّ العجب فكثيرة منها:
(11) العجب يؤدّي إلى الكبر وكفى به آفة.
(12) العجب يؤدّي إلى نسيان الذّنوب وإرجاء التّوبة.
(13) العجب يؤدّي إلى التّقليل من الطّاعات والتّقصير فيها.
(14) أكثر سعي المعجب بنفسه المدلّ بها سعي ضائع وغير مشكور.
(15) العجب يؤدّي إلى الغرور والتّعالي على النّاس ممّا يجعلهم يكرهونه.
(16) العجب بالرّأي يؤدّي إلى الإصرار على الخطأ والبعد عن الإفادة من مشورة المخلصين والعلماء النّاصحين.
(17) المعجب بنفسه يلقي بها إلى الهلاك ويحرمها من رضوان الله ومن ثمّ رضا النّاس.(11/5380)
الكذب
الكذب لغة:
مصدر قولهم: كذب يكذب، وهو مأخوذ من مادّة (ك ذ ب) الّتي تدلّ على خلاف الصّدق، قال ابن فارس: وتلخيص هذا: «أنّه لا يبلغ نهاية الكلام في الصّدق» من ذلك: الكذب، خلاف الصّدق، يقال كذب كذبا، وكذّبت فلانا: نسبته إلى الكذب، وأكذبته وجدته كاذبا، وحمل فلان ثمّ كذب وكذّب. أي لم يصدق في الحملة، وقولهم: ما كذّب فلان أن فعل كذا، أي ما لبث، فأمّا قول العرب كذب عليك كذا، وكذبك كذا، بمعنى الإغراء، أي عليك به، أو قد وجب عليك كما جاء في الحديث: «كذب عليكم الحجّ» أي وجب فكذا جاء عن العرب «1» ، «2» .
وقال الرّاغب: الكذب يقال في المقال والفعال، قال تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (النحل/ 16) (فهذا في القول) ، وقال عزّ وجلّ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (المنافقون/ 1) وكذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، ومقالهم كان صدقا، أي قولهم إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) «3» ، وقول الله
تعالى وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (النبأ/ 28) كذّاب أحد مصادر المشدّد (أي كذّب) ؛ لأنّ مصدره قد يجيء على تفعيل مثل تكليم، وعلى فعّال مثل كذّاب، وعلى تفعلة مثل توصية وعلى مفعّل مثل ممزّق، وقوله سبحانه:
لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (الواقعة/ 2) كاذبة هو اسم يوضع موضع المصدر كالعاقبة والباقية «4» .
وقال القرطبيّ: الكاذبة مصدر بمعنى الكذب، والمعنى لا يسمع لها كذب، وقيل: الكاذبة صفة والموصوف محذوف، أي ليس لوقعتها حال كاذبة، أو نفس كاذبة، أي كلّ من يخبر عن وقعتها صادق.
وقال الثّوريّ: ليس لوقعتها أحد يكذب بها، وقال الكسائيّ: ليس لها تكذيب، أي ينبغي ألّا يكذّب بها أحد «5» .
قال ابن منظور: الكذب نقيض الصّدق، يقال: كذب يكذب كذبا وكذبا.
وكذبة مثال همزة، وكذبان.
والكذّب: جمع كاذب، مثل راكع وركّع.
والكذب: جمع كذوب، مثل صبور وصبر
__________
(1) أي بمعنى الإغراء أو الوجوب فيكون على غير الأصل فيما استعملت له مادة (ك ذ ب) .
(2) مقاييس اللغة (5/ 168) .
(3) المفردات للراغب (427) .
(4) الصحاح (1/ 210) .
(5) تفسير القرطبي (17/ 127) .(11/5381)
وكذب الرّجل: أخبر بالكذب «1» .
وقال الإمام الرّازيّ: وأكذبه: جعله كاذبا، أو ألفاه كاذبا: أو قال له: كذبت. وتكذّب فلان إذا تكلّف الكذب.
وقد استعملت العرب الكذب في موضع الخطأ، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظّلام من الرّباب خيالا
ومنه حديث عروة، قيل له: إنّ ابن عبّاس يقول: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبث بمكّة بضع عشرة سنة.
قال: كذب. أي أخطأ، ومنه قول عمر لسمرة حين قال:
المغمى عليه يصلّي مع كلّ صلاة صلاة حتّى يقضيها، فقال: كذبت، ولكنّه يصلّيهنّ معا. أي أخطأت «2» .
ويأتي الكذب بمعنى الجبن عن الثّبات في الحرب. وبمعنى: معاريض الكلام والتّورية «3» .
الكذب اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: كذب الخبر عدم مطابقته للواقع. وقيل هو إخبار لا على ما عليه المخبر عنه. «4»
وقال ابن حجر: الكذب: هو الإخبار بالشّيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ «5» .
قال التّهانويّ: الكذب خلاف الصّدق، قيل هو قبيح لعينه، وقيل لما يتعلّق به من المضارّ الخاصّة؛ لأنّ شيئا من الأقوال والأفعال لا يحسن لذاته ولا يقبح لذاته «6» .
وقال الجاحظ: الكذب: هو الإخبار عن الشّيء بخلاف ما هو به «7» .
وقال الكفويّ: الكذب: إخبار عن المخبر به على خلاف ما هو به مع العلم بأنّه كذلك وقيل: عدم المطابقة لما في نفس الأمر مطلقا.
قال: وليس كذلك، بل هو عدم المطابقة عمّا من شأنه أن يطابق لما في نفس الأمر «8» .
الكذب قد يكون بالأفعال:
يقول الشّيخ الميدانيّ: وكما يكون الصّدق والكذب في الأقوال يكونان في الأفعال. فقد يفعل الإنسان فعلا يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبّر به عن وجود شيء غير موجود، وذلك على سبيل المخادعة بالفعل مثلما تكون المخادعة بالقول، وربّما يكون الكذب في الأفعال أشدّ خطرا وأقوى تأثيرا من الكذب في الأقوال. ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف- عليه السّلام- إذ جاءوا أباهم عشاء يبكون بكاء كاذبا، وقالوا- كذبا-: يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ (يوسف/ 17) ، وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب.
فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل «9» .
__________
(1) لسان العرب: (1/ 704، 705) .
(2) النهاية في غريب الحديث: 4 (159، 160) باختصار.
(3) انظر لسان العرب والصحاح والنهاية: مادة كذب.
(4) التعريفات (183) وانظر التوقيف (280) .
(5) فتح الباري (6/ 242) .
(6) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1243) .
(7) تهذيب الأخلاق للجاحظ ص 32.
(8) الكليات (556) .
(9) الأخلاق الإسلامية وأسسها (1/ 529) .(11/5382)
الرخصة فى الكذب:
قال النّوويّ: اعلم أنّ الكذب يجوز- وإن كان أصله محرّما- يجوز في بعض الأحوال بشروط مختصرها: أنّ الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكلّ مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلّا بالكذب، ثمّ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وأخفى ماله، وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه. وكذا الوديعة ... إلى أن قال والأحوط في هذا كلّه أن يورّي. ومعنى التّورية:
أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنّسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللّفظ، وبالنّسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التّورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا المجال «1» .
قال الجاحظ: ما لم يكن لدفع مضرّة لا يمكن أن تدفع إلّا به، أو اجترار نفع لا غنى عنه، ولا يتوصّل إليه إلّا به فإنّ الكذب عند ذلك ليس بمستقبح، وإنّما يستقبح الكذب إذا كان عبثا، أو لنفع يسير لا خطر له «2» .
وقال الرّاغب: الكذب يكون قبيحا بثلاثة شرائط:
الأوّل: أن يكون الخبر بخلاف المخبر عنه.
الثّاني: أن يكون المخبر قد اختلقه قبل الإخبار به.
الثّالث: أن يقصد إيراد ما في نفسه.
قال: ولا يلزم على هذا أن يقال: جوّزوا الكذب فيما يرجى منه نفع دنيويّ، فإنّ المنفعة الدّنيويّة ولو كانت ملك الدّنيا بحذافيرها- لا تعادل الضّرر الحاصل من أدنى كذب، وإنّما يتصوّر ما قلناه في نفع أخرويّ يكون الإنسان فيه- عاجلا وآجلا- معذورا، كمن سألك عن مسلم استتر في دارك وهو يريد قتله.
فيقول: هل فلان في دارك فتقول: لا فهذا يجوز؛ لأنّ نفع هذا الكذب موف على ضرره وهو فيه معذور «3» .
وقال الماورديّ: وردت السّنّة بإرخاص الكذب في الحرب وإصلاح ذات البين، على درجة التّورية دون التّصريح به؛ فإنّ السّنّة لا ترد بإباحة الكذب؛ لما فيه من التّنفير، وإنّما ذلك على طريق التّورية والتّعريض، كما سئل صلّى الله عليه وسلّم: ممّن أنت؟ قال:
«من ماء» ؛ فورّى عن الإخبار بنسبه بأمر محتمل، وكما في إجابة أبي بكر- رضي الله عنه- عندما سئل عن الرّسول الكريم فقال: هاد يهديني السّبيل، فظنّوا أنّه يعني هداية الطّريق، وهو إنّما يريد هداية سبيل الخير «4» .
دواعي الكذب وأماراته:
للكذب دواع تدعو إليه وأمارات تدلّ عليه،
__________
(1) رياض الصالحين (459) .
(2) تهذيب الأخلاق (32) .
(3) الذريعة إلى مكارم الشريعة (272) .
(4) باختصار عن أدب الدنيا والدين (257) .(11/5383)
ولا شكّ أنّ معرفة هذه الدّواعي وتلك الأمارات ممّا يساعد في محاولة العلاج؛ لأنّ الخطوة الأولى في علاج أيّ مرض، تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه للقضاء عليها والتّخلّص منها، وقد ذكر الماورديّ من هذه الدّواعي أو الأسباب:
1- اجتلاب النّفع واستدفاع الضّرّ، فيرى الكذّاب أنّ الكذب أسلم وأغنم، فيرخّص لنفسه فيه اغترارا بالخدع، واستشفافا للطّمع.
2- أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا، وكلامه مستظرفا، فلا يجد صدقا يعذب ولا حديثا يستظرف، فيستحلي الكذب الّذي ليست غرائزه معوزة، ولا طرائفه معجزة.
3- أن يقصد بالكذب التّشفّي من عدوّه فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه.
4- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتّى ألفها، فصار الكذب له عادة، ونفسه إليه منقادة «1» .
5- حبّ التّرأّس، وذلك أنّ الكاذب يرى له فضلا على المخبر بما أعلمه، فهو يتشبّه بالعالم الفاضل في ذلك «2» .
أمّا أمارات الكذب فمنها:
أنّك إذا لقّنته الحديث تلقّنه، ولم يكن بين ما لقّنته (إيّاه) وبين ما أورده فرق عنده، أي أنّه يخلط بين ما سمعه منك وما اخترعه من عنده.
أنّك إذا شكّكته في الحديث تشكّك حتّى يكاد يرجع فيه.
أنّك إذا رددت عليه قوله حصر وارتبك، ولم يكن عنده نصرة المحتجّين ولا برهان الصّادقين.
ما يظهر عليه من ريبة الكذّابين، ولذلك قال بعض الحكماء «الوجوه مرايا، تريك أسرار البرايا» وإذا اتّسم بالكذب، نسبت إليه شوارد الكذب المجهولة (أي الشّائعات وما في حكمها) وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعلة، حتّى يصير هذا الكاذب مكذوبا عليه فيجمع بين معرّة الكذب منه، ومضرّة الكذب عليه «3» .
أنواع الكذب والأسماء الدّالّة عليه:
قال الرّاغب: الكذب إمّا أن يكون اختراعا لقصّة لا أصل لها، أو زيادة في القصّة أو نقصانا يغيّران المعنى، أو تحريفا بتغيير عبارة. فما كان اختراعا يقال له الافتراء والاختلاق.
وما كان من زيادة أو نقصان يقال له: مين.
وكلّ من أورد كذبا في غيره، فهو إمّا أن يقوله في حضرة المقول فيه أو في غيبته فإن كان اختراعا في حضرة المقول فيه فهو بهتان «4» . وإن كان في غيبته فهو كذب.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (256) .
(2) جعل الراغب ذلك من محبة النفع الدنيوي وحب الترأس الداعي إلى الكذب، انظر الذريعة (275) .
(3) أدب الدنيا والدين (256) .
(4) الذريعة (275) .(11/5384)
حكم الكذب:
ذكر الإمامان ابن حجر والذّهبيّ الكذب (الّذي لا رخصة فيه) من الكبائر، وأفحش الكذب ما كان كذبا على الله عزّ وجلّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صرّح العلماء بعدّ هذين النّوعين (الكذب على الله والكذب على الرّسول) من الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنّ الكذب على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كفر، قال ابن حجر: ولا ريب أنّ تعمّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنّما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك «1» .
وقد ذكر الذّهبيّ أنّ الكذب في الحالتين السّابقتين كبيرة، وأنّ الكذب في غير ذلك أيضا من الكبائر في غالب أحواله «2» .
من معاني كلمة «الكذب» في القرآن الكريم:
1- بمعنى النّفاق: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (البقرة/ 10) أي ينافقون.
2- بمعنى الإنكار: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (النجم/ 11) أي ما أنكر.
3- بمعنى خلف الوعد: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (الواقعة/ 2) أي ردّ وخلف.
4- بمعنى الكذب اللّغويّ: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ (ق/ 5) ، فَكَذَّبُوا عَبْدَنا (القمر/ 9) ، فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (سبأ/ 45) ، فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (آل عمران/ 184) ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا (الأنعام/ 34) «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- الإفك- البهتان- شهادة الزور- الفجور- النفاق- الرياء- الخداع- الغدر- نقض العهد- الإساءة- الضلال.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصدق- الأمانة- الإيمان- البر- الاستقامة- إقامة الشهادة الكلم الطيب- التقوى] .
__________
(1) الزواجر (124، 125) .
(2) انظر تفصيل ذلك فى الكبائر (125- 128) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 340) .(11/5385)
الآيات الواردة في «الكذب»
التكذيب بآيات الله:
1- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39)
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) «1»
2- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «2»
3- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11) «3»
4- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) «4»
5- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) «5»
6- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) «6»
7-* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (86) «7»
__________
(1) البقرة: 39- 40 مدنية
(2) البقرة: 87 مدنية
(3) آل عمران: 10- 11 مدنية
(4) آل عمران: 137 مدنية
(5) المائدة: 9- 10 مدنية
(6) المائدة: 70 مدنية
(7) المائدة: 82- 86 مدنية(11/5386)
8- ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) «1»
9- وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4)
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5) «2»
10- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) «3»
11- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) «4»
12- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «5»
13- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) «6»
14- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) «7»
15- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)
__________
(1) المائدة: 103 مدنية
(2) الأنعام: 4- 5 مكية
(3) الأنعام: 10- 11 مكية
(4) الأنعام: 31- 34 مكية
(5) الأنعام: 48- 49 مكية
(6) الأنعام: 57 مكية
(7) الأنعام: 65- 66 مكية(11/5387)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149)
قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) «1»
16- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)
أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156)
أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «2»
17- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «3»
18- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) «4»
19- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64)
* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)
__________
(1) الأنعام: 146- 150 مكية
(2) الأنعام: 155- 157 مكية
(3) الأعراف: 36- 37 مكية
(4) الأعراف: 40 مكية(11/5388)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66)
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «1»
20- الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) «2»
21- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) «3»
22- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) «4»
23- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131)
وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134)
__________
(1) الأعراف: 63- 72 مكية
(2) الأعراف: 92 مكية
(3) الأعراف: 96 مكية
(4) الأعراف: 101 مكية(11/5389)
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) «1»
24- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) «2»
25- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «3»
26- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (186) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) «4»
27- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54) «5»
28- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) «6»
29- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ
__________
(1) الأعراف: 130- 136 مكية
(2) الأعراف: 146- 147 مكية
(3) الأعراف: 175- 177 مكية
(4) الأعراف: 181- 183 مكية
(5) الأنفال: 53- 54 مدنية
(6) يونس: 38- 41 (38، 39، 41 مكية، 40 مدنية)(11/5390)
يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) «1»
30-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) «2»
31- وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95)
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) «3»
32- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ
عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ
(28) «4»
33- وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) «5»
34- وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)
وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81)
وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)
فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84) «6»
35- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) «7»
__________
(1) يونس: 45 مكية
(2) يونس: 71- 74 مدنية
(3) يونس: 95- 96 مكية
(4) هود: 25- 28 مكية
(5) هود: 93 مكية
(6) الحجر: 80- 84 مكية
(7) النحل: 36 مكية(11/5391)
36- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) «1»
37- وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) «2»
38- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «3»
39- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) «4»
40- وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56) «5»
41- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «6»
42- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) «7»
43- بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) «8»
44- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18)
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) «9»
__________
(1) النحل: 38- 39 مكية
(2) النحل: 113 مكية
(3) الإسراء: 59 مكية
(4) طه: 43- 48 مكية
(5) طه: 56 مكية
(6) الأنبياء: 76- 77 مكية
(7) الحج: 42- 44 مدنية
(8) الفرقان: 11 مكية
(9) الفرقان: 17- 19 مكية(11/5392)
45- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (135)
فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36)
وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) «1»
46- قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77) «2»
47- وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) «3»
48- وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) «4»
49- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) «5»
50- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) «6»
51- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) «7»
__________
(1) الفرقان: 35- 37 مكية
(2) الفرقان: 77 مكية
(3) الشعراء: 5- 6 مكية
(4) الشعراء: 10- 15 مكية
(5) الشعراء: 105 مكية
(6) الشعراء: 116- 118 مكية
(7) الشعراء: 123- 139 مكية(11/5393)
52- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) «1»
53- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) «2»
54- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً
__________
(1) الشعراء: 141- 158 مكية
(2) الشعراء: 160- 173 مكية(11/5394)
مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) «1»
55- وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) «2»
56- قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)
وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) «3»
57- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)
إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) «4»
58- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «5»
59- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «6»
60- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) «7»
61- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) «8»
62- فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ
__________
(1) الشعراء: 176- 189 مكية
(2) النمل: 83- 84 مكية
(3) القصص: 33- 34 مكية
(4) العنكبوت: 16- 18 مكية
(5) الروم: 10 مكية
(6) الروم: 15- 16 مكية
(7) السجدة: 18- 20 مدنية
(8) سبأ: 7- 8 مكية(11/5395)
قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45) «1»
63- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) «2»
64- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) «3»
65- وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) «4»
66- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) «5»
67- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14) «6»
68- أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) «7»
69- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)
__________
(1) سبأ: 42- 45 مكية
(2) فاطر: 3- 4 مكية
(3) يس: 13- 17 مكية
(4) الصافات: 20- 23 مكية
(5) الصافات: 123- 128 مكية
(6) ص: 12- 14 مكية
(7) الزمر: 24- 26 مكية(11/5396)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59)
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) «1»
70- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) «2»
71- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23)
إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24)
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «3»
72- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «4»
73- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) «5»
74- وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) * قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «6»
75- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4)
__________
(1) الزمر: 55- 60 مكية
(2) غافر: 5 مكية
(3) غافر: 23- 25 مكية
(4) غافر: 36- 37 مكية
(5) غافر: 69- 70 مكية
(6) الزخرف: 23- 25 مكية(11/5397)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) «1»
76- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) «2»
77- يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) «3»
78- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) «4»
79-* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) «5»
80- كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) «6»
81- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) «7»
82- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «8»
83- وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13) «9»
84- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18) «10»
85- مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19)
__________
(1) ق: 1- 5 مكية
(2) ق: 12- 14 مكية
(3) الطور: 9- 16 مكية
(4) القمر: 1- 3 مكية
(5) القمر: 9 مكية
(6) القمر: 18- 20 مكية
(7) القمر: 23- 26 مكية
(8) القمر: 41- 42 مكية
(9) الرحمن: 10- 13 مكية
(10) الرحمن: 14- 18 مكية(11/5398)
بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (21)
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (23)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (24)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (25) «1»
86- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32) «2»
87- يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (23)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34)
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40)
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) «3»
88- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45) وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55) «4»
89- فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59) «5»
90- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِ
__________
(1) الرحمن: 19- 25 مكية
(2) الرحمن: 26- 32 مكية
(3) الرحمن: 33- 42 مكية
(4) الرحمن: 43- 55 مكية
(5) الرحمن: 56- 59 مكية(11/5399)
آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (63) مُدْهامَّتانِ (64) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (65) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (71) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «1»
91- ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) «2»
92- أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) «3»
93- وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «4»
94- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «5»
95- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6)
وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)
__________
(1) الرحمن: 60- 78 مكية
(2) الواقعة: 51- 56 مكية
(3) الواقعة: 81- 82 مكية
(4) الواقعة: 92- 96 مكية
(5) الحديد: 18- 19 مدنية(11/5400)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «1»
96- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) «2»
97- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) «3»
98- أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) «4»
99- فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) «5»
100- فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) «6»
101- الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) «7»
102- وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) «8»
103- وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) «9»
104- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) «10»
__________
(1) الجمعة: 5- 8 مدنية
(2) التغابن: 10 مدنية
(3) الملك: 6- 10 مكية
(4) الملك: 16- 18 مكية
(5) القلم: 8- 9 مكية
(6) القلم: 44 مكية
(7) الحاقة: 1- 6 مكية
(8) الحاقة: 49 مكية
(9) المزمل: 10- 11 مكية
(10) المدثر: 38- 47 مكية(11/5401)
105- وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12)
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) «1»
106- أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20)
فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21)
إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22)
فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) «2»
107- أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (26) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) «3»
108- انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30)
لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35)
وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) «4»
109- إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) «5»
110- إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27)
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) «6»
111- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) «7»
__________
(1) المرسلات: 11- 19 مكية
(2) المرسلات: 20- 24 مكية
(3) المرسلات: 25- 29 مكية
(4) المرسلات: 30- 37 مكية
(5) المرسلات: 44- 49 مكية
(6) النبأ: 27- 28 مكية
(7) النازعات: 15- 21 مكية(11/5402)
112- كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10)
كِراماً كاتِبِينَ (11)
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) «1»
113- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (1) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «2»
114- كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16)
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) «3»
115- فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20)
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) «4»
116- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) «5»
117- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11)
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12)
فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14)
وَلا يَخافُ عُقْباها (15) «6»
118- وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) «7»
119- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) «8»
الكذب في الأقوال:
120-* وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا
__________
(1) الإنفطار: 9- 12 مكية
(2) المطففين: 7- 12 مكية
(3) المطففين: 15- 17 مكية
(4) الإنشقاق: 20- 22 مكية
(5) البروج: 17- 22 مكية
(6) الشمس: 11- 15 مكية
(7) الليل: 8- 16 مكية
(8) الماعون: 1- 3 مكية(11/5403)
لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) «1»
121- وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) «2»
122-* كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) «3»
123- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) «4»
124-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «5»
125- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) «6»
126- انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «7»
127- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28)
__________
(1) آل عمران: 75 مدنية
(2) آل عمران: 78 مدنية
(3) آل عمران: 93- 94 مدنية
(4) النساء: 49- 50 مدنية
(5) المائدة: 41- 42 مدنية
(6) الأنعام: 21 مكية
(7) الأنعام: 24 مكية(11/5404)
وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) «1»
128- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «2»
129- وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «3»
130- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) «4»
131- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «5»
132- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) «6»
133- قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) «7»
134- قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) «8»
__________
(1) الأنعام: 27- 29 مكية
(2) الأنعام: 93 مكية
(3) الأنعام: 142- 144 مكية
(4) يونس: 17 مكية
(5) يونس: 59- 60 مكية
(6) هود: 18 مكية
(7) يوسف: 26- 27 مكية
(8) يوسف: 73- 75 مكية(11/5405)
135- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) «1»
136- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) «2»
137- إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) «3»
138- وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «4»
139- وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5) «5»
140- هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «6»
141- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) «7»
142- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «8»
143- لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) «9»
144- هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221)
تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)
يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) «10»
145- وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ
__________
(1) النحل: 62 مكية
(2) النحل: 86 مكية
(3) النحل: 105 مكية
(4) النحل: 116 مكية
(5) الكهف: 4- 5 مكية
(6) الكهف: 15 مكية
(7) طه: 61 مكية
(8) النور: 6- 9 مدنية
(9) النور: 13 مدنية
(10) الشعراء: 221- 223 مكية(11/5406)
مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) * قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) «1»
146- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) «2»
147- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «3»
148- فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150)
أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151)
وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) «4»
149- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) «5»
150- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) «6»
151- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) «7»
152- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) «8»
__________
(1) النمل: 20- 27 مكية
(2) العنكبوت: 12 مكية
(3) العنكبوت: 68 مكية
(4) الصافات: 149- 152 مكية
(5) غافر: 28- 29 مكية
(6) الشورى: 24 مدنية
(7) الصف: 7 مدنية
(8) الجن: 1- 5 مكية(11/5407)
153- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «1»
الكذب في الأفعال (النفاق) :
154- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) «2»
155- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42)
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «3»
156-* وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) «4»
157- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «5»
158- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «6»
159- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «7»
160- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39)
__________
(1) النبأ: 31- 36 مكية
(2) البقرة: 8- 10 مدنية
(3) التوبة: 42- 43 مدنية
(4) التوبة: 75- 77 مدنية
(5) التوبة: 90 مدنية
(6) التوبة: 107- 108 مدنية
(7) يوسف: 18 مكية(11/5408)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «1»
161- الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) «2»
162-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) «3»
163- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) «4»
إنكار حدوث الكذب ونفيه:
164- وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) «5»
165- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) «6»
166- إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (12) «7»
167- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1)
لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) «8»
__________
(1) القصص: 38- 40 مكية
(2) العنكبوت: 1- 3 مدنية
(3) الحشر: 11- 12 مدنية
(4) المنافقون: 1 مدنية
(5) هود: 64- 67 مكية
(6) يوسف: 109- 110 مكية
(7) النجم: 4- 12 مكية
(8) الواقعة: 1- 2 مكية(11/5409)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكذب)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسّلسلة على صفوان» . قال عليّ: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك. فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير. فيسمعها مسترق السّمع- ومسترقوا السّمع هكذا واحد فوق آخر ووصف سفيان بيده وفرّج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض- فربّما أدرك الشّهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربّما لم يدركه حتّى يرمي بها إلى الّذي يليه، إلى الّذي هو أسفل منه، حتّى يلقوها إلى الأرض- وربّما قال سفيان: حتّى تنتهي إلى الأرض- فتلقى على فم السّاحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدّق، فيقولون:
ألم يخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا فوجدناه حقّا؟
للكلمة الّتي سمعت من السّماء» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «3» .
4-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «4» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «5» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «6» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «7» عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (33) ، ومسلم (59) متفق عليه.
(2) البخاري- الفتح 8 (4701) واللفظ له، ومسلم (2228) .
(3) البخاري- الفتح 1 (34) واللفظ له، ومسلم (58) .
(4) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(5) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(6) فاجتالتهم: كذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(7) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.(11/5410)
الكتاب «1» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «2» .
وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «3» . تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ، إذا يثلغوا رأسي «4» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «5» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «7» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «8» ، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «9» «والشّنظير «10» الفّحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «11» .
5-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة «12» لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه» ) * «13» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ أناسا في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة ضوء ليس فيه سحاب؟» قالوا: لا. قال: «وهل تضارّون في رؤية
__________
(1) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(2) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك اليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق.
(3) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان.
(4) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(5) نغزك: أي نعينك.
(6) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(7) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(8) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور.
(9) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهو.
(10) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السّيّىء الخلق.
(11) مسلم (2865) .
(12) ربض الجنة: أي فيما حولها من خارج عنها.
(13) أبو داود (4800) وقال محقق جامع الأصول (11/ 734) : إسناده صحيح. وقال الألباني (3/ 911) : حسن، وهو في الصحيحة برقم (273) .(11/5411)
القمر ليلة البدر، ضوء ليس فيه سحاب؟ قالوا: لا.
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما تضارّون في رؤية الله- عزّ وجلّ- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن: تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلّا يتساقطون في النّار، حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ أو فاجر وغبّرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربّنا فاسقنا، فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النّار، ثمّ يدعى النّصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا:
كنّا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأوّل. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ أو فاجر، أتاهم ربّ العالمين في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: فارقنا النّاس في الدّنيا على أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربّنا الّذي كنّا نعبد، فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) » ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص وأقرع وأعمى. فأرادا الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شىء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس- قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل أو قال البقر (شكّ إسحاق) إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع قال أحدهما:
الإبل. وقال الآخر: البقر. قال فأعطي ناقة عشراء.
فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟
قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟
قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولّد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك.
أسألك بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلّغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة.
فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4581) واللفظ له، ومسلم (183) .(11/5412)
فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت.
قال: وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ماردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك.
أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبّلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك» ) «1» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: اسقه عسلا. ثمّ أتاه الثّانية فقال: «اسقه عسلا» ثمّ أتاه الثّالثة فقال: «اسقه عسلا» . ثمّ أتاه فقال: فعلت. فقال: «صدق الله وكذب بطن أخيك.
اسقه عسلا» ، فسقاه فبرأ» ) * «2» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرّجال، وإنّ اليهود تحدّث أنّ العزل موءودة الصّغرى.
قال: «كذبت يهود. لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه» ) * «3» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال:
فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد يا رسول الله؟
والّذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا، ووردت عليهم روايا قريش، وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج، فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف، فإذا قال ذلك ضربوه.
فقال: نعم.، أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في النّاس، فإذا قال هذا أيضا ضربوه- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّي- فلمّا رأى ذلك انصرف. قال: «والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم» «4» ، قال: فقال رسول
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3464) ، ومسلم (2964) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 10 (5684) واللفظ له. وفي رواية: أخي استطلق بطنه 10 (5716) ، ومسلم (2217) .
(3) أبو داود (2171) واللفظ له، وأصله عند مسلم (1438) بروايات متعددة، الترمذي (1136) قال: وفي الباب عن عمر والبراء وأبي هريرة وأبي سعيد، والذي ساقه من حديث جابر نحو حديث أبي سعيد.
(4) (لتضربوه.. وتتركوه) : هكذا بغير نون وهي لغة والأكثر: تضربونه وتتركونه.(11/5413)
الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصرع فلان» ، قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا. قال: فما ماط «1» أحدهم عن موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ اليهود جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له أنّ رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تجدون في التّوراة في شأن الرّجم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم. إنّ فيها الرّجم، فأتوا بالتّوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرّجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرّجم. فقالوا:
صدق يا محمّد. فيها آية الرّجم. فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجما. قال عبد الله: فرأيت الرّجل يجنأ «3» على المرأة يقيها الحجارة» ) * «4» .
12-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا دعا قريشا كذّبوه واستعصوا عليه، فقال: «اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة حصّت «5» كلّ شيء، حتّى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدهم. فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان من الجهد والجوع. ثمّ قرأ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ حتّى بلغ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ قال عبد الله: أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال: «والبطشة الكبرى يوم بدر» ) * «6» .
13-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد. من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «7» .
14-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- إذا أراد رحمة أمّة من عباده قبض نبيّها قبلها. فجعله لها فرطا «8» وسلفا «9» بين يديه. وإذا أراد هلكة أمّة عذّبها- ونبيّها حيّ- فأهلكها وهو ينظر فأقرّ عينه بهلكتها حين كذّبوه وعصوا أمره» ) * «10» .
15-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي ربّ. حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك. قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى كتاب حسناته. وأمّا
__________
(1) ماط: تباعد.
(2) مسلم (1779) .
(3) يجنأ: يميل.
(4) البخاري- الفتح 6 (3635) .
(5) سنة حصت كل شىء: جردت والسنة: القحط والجدب. أذهبت.
(6) البخاري- الفتح 8 (4823) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1291) واللفظ له، ومسلم (المقدمة/ 4) .
(8) فرطا: بمعنى الفارط المتقدم الى الماء ليهيىء السقي. يريد أنه شفيع فيقدم.
(9) سلفا: هو المقدم، من عطف المرادف أو أعم.
(10) مسلم (2288) .(11/5414)
الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «1» .
16-* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- قالا: في حديث صلح الحديبية المشهور: لمّا جاء سهيل بن عمرو. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم. قال معمر قال الزّهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا.
فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب «باسمك اللهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا «بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: «محمّد ابن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله
وإن كذّبتموني، اكتب «محمّد بن عبد الله» . قال الزّهريّ: وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ... الحديث) * «2» .
17-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: قلت للزّبير: إنّي لا أسمعك تحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما يحدّث فلان وفلان. قال: «أما إنّي لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «3» .
18-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ» ) * «4» .
19-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- أو قال: حتّى يتفرّقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» ) * «5» .
20-* (عن عقبة بن الحارث- رضي الله عنه قال: تزوّجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت:
أرضعتكما، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: تزوّجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت لي: إنّي قد أرضعتكما- وهي كاذبة «6» - فأعرض عنّي، فأتيته من قبل وجهه قلت: إنّها كاذبة. قال: «كيف بها وقد زعمت أنّها قد أرضعتكما؟ دعها عنك» ) «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له، ومسلم (2768) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) ، وله أصل عند مسلم 3 (1783) من حديث البراء.
(3) البخاري- الفتح 1 (107) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7283) .
(5) البخاري- الفتح 4 (2079) واللفظ له، ومسلم (1532) .
(6) كاذبة: بمعنى مخطئة.
(7) البخاري- الفتح 9 (5104) .(11/5415)
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم (قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم) ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذّاب، وعائل مستكبر» ) * «1» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر ممّا أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل مائه. فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» ) * «2» .
23-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم» قال فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ثلاث مرار) . قال أبو ذرّ: خابوا وخسروا. من هم يا رسول الله؟ قال:" المسبل «3» والمنّان «4» والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» ) «5» .
24-* (عن أبي الحوراء السّعديّ قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال:
حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك «6» إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة وإنّ الكذب ريبة» ) «7» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلّا، والله الّذي لا إله إلّا هو.
فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت عيني» ) * «8» .
26-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب. أيفرّق بينهما؟ قال فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام: استأذن لي. قال: إنّه قائل «9» . فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: نعم.
قال: ادخل. فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة.
فدخلت. فإذا هو مفترش بردعة. متوسّد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك.
قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه. فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل
__________
(1) مسلم (107) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2369) واللفظ له، ومسلم 1 (108) .
(3) المسبل: الذي يرخي إزاره ويجره خيلاء.
(4) والمنان: الذي يعطي الحاجة لأخيه ويشهر به أمام الناس ليمن عليه.
(5) مسلم (106) .
(6) يريبك: من الريب وهو الشك والتهمة.
(7) رواه الترمذي (2518) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (8/ 327، 328) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح.
(8) البخاري- الفتح 6 (3444) واللفظ له، ومسلم (2368) وعنده «نفسي» «بدل: عيني» .
(9) قائل: أي نائم في وقت القيلولة وهو وقت الظهيرة.(11/5416)
الله عزّ وجلّ هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (24/ النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا. والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب. فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما» ) * «1» .
27-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «2» .
28-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «في ثقيف كذّاب ومبير» ) * «3» .
29-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان. وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتّخذ صاحبة أو ولدا» ) * «4» .
30-* (عن سعيد بن جبير؛ قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته. فقال: فرّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أخوي بني العجلان. وقال: الله يعلم أنّ أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟ فأبيا، وقال: الله يعلم أنّ أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ فأبيا، فقال: الله يعلم أنّ أحدكما لكاذب فهل منكما تائب؟ فأبيا. ففرّق بينهما» ) .
قال أيّوب: فقال لي عمرو بن دينار: إنّ في الحديث شيئا لا أراك تحدّثه. قال: قال الرّجل: مالي؟
قال قيل: لا مال لك. إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك «5» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبان قطريّان غليظان، فكان
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4745) ، ومسلم (1493) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 10 (6094) ، ومسلم (2607) واللفظ له.
(3) مسلم (2545) ، والترمذي (3944) ، قال: يقال الكذاب المختار بن أبي عبيد الثقفي والمبير بمعنى المهلك- هو الحجاج بن يوسف. وقال: في الباب عن أسماء بنت أبي بكر. وهذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (10/ 99) : هو حديث صحيح.
(4) البخاري- الفتح 8 (4482) .
(5) البخاري الفتح 9 (5311) واللفظ له، ومسلم (1493) وقد تقدم معظمه من قبل.(11/5417)
إذا قعد فعرق، ثقلا عليه فقدم بزّ من الشّام لفلان اليهوديّ. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة. فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد. إنّما يريد أن يذهب بمالي، أو بدراهمي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب، قد علم أنّي من أتقاهم لله وآداهم للأمانة» ) * «1» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع» ) * «2» .
33-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثمّ دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضينا الصّلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرآ.
فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شأنهما. فسقط في نفسي من التّكذيب. ولا إذ كنت في الجاهليّة «3» . فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري. ففضت عرقا.
وكأنّما أنظر إلى الله- عزّ وجلّ- فرقا. فقال لي: «يا أبيّ! أرسل إليّ أن اقرإ القرآن على حرف، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثّانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي فردّ إليّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف. فلك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها. فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي. اللهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم.
حتّى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» .
34-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنت مع عمّي فسمعت عبد الله بن أبيّ ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا.
ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.
فذكرت ذلك لعمّي، فذكره عمّي للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصدّقهم، فدعاني فحدّثته، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، وكذّبني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأصابني غمّ لم يصبني مثله قطّ. فجلست في بيتي، وقال عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل الله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (المنافقون/ 1) وأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأها وقال: «إنّ الله قد صدّقك» ) * «5» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم السّاعة حتّى يبعث دجّالون كذّابون قريبا من ثلاثين،
__________
(1) الترمذي (1213) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي (7/ 294) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 660) : إسناده صحيح.
(2) مسلم (المقدمة/ 5) .
(3) فسقط.. الخ: أي أحسست بندم على ما حدث مني من التكذيب لم أحس بمثله على ذنب أذنبته قبل أن أسلم.
(4) مسلم (820) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4904) واللفظ له، وفي رواية (4903) «فاجتهد يمينه ما فعل. قالوا كذب زيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... » الحديث، ومسلم 4 (2772) .(11/5418)
كلّهم يزعم أنّه رسول الله» ) * «1» .
36-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه. وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ- قال همّام أحسبه قال متعمّدا- فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «2» .
37-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكذبوا عليّ؛ فإنّه من كذب عليّ فليلج «3» النّار» ) * «4» .
38-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال من أمّتي أمّة قائمة بأمر الله لا يضرّهم من كذّبهم ولا من خذلهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك» ) * «5» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
لمّا فتحت خيبر أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود» فجمعوا له فقال: «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟» فقالوا: نعم. قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أبوكم؟» «قالوا: فلان. فقال: «كذبتم، بل أبوكم فلان» . قالوا:
صدقت. قال: «فهل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألت عنه؟» فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: «من أهل النّار؟» قالوا: نكون فيها يسيرا، ثمّ تخلفونا فيها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اخسؤوا فيها. والله لا نخلفكم فيها أبدا» .
ثمّ قال: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟» قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشّاة سمّا؟» قالوا: نعم. قال: «ما حملكم على ذلك؟» قالوا: إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيّا لم يضرّك» ) * «6» .
40-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لمّا كذّبني قريش قمت في الحجر فجلّى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه» ) * «7» .
41-* (عن ثابت بن الضّحّاك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس على رجل نذر فيما لا يملك. ولعن المؤمن كقتله. ومن قتل نفسه بشيء في الدّنيا عذّب به يوم القيامة، ومن ادّعى دعوى كاذبة «8» ليتكثّر بها لم يزده الله إلّا قلّة. ومن حلف على يمين صبر فاجرة «9» » ) * «10» .
42-* (عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3609) .
(2) مسلم (3004) .
(3) فليلج: بصيغة الأمر، وهو للإخبار كما تؤيده الروايات الأخرى. ومعناها: يدخل.
(4) البخاري- الفتح 1 (106) واللفظ له، ومسلم (1) مقدمة.
(5) البخاري- الفتح 13 (7460) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3169) .
(7) البخاري- الفتح 7 (3886) واللفظ له، ومسلم (170) .
(8) دعوى كاذبة: يعني باطلة.
(9) اليمين الصبر الفاجرة: هي التي ألزم بها الحالف عند حاكم ونحوه، والفاجرة بمعنى الكاذبة، وفي الحديث إيجاز بالحذف يدل عليه ما قبله إذ التقدير ومن حلف.. فهو مثله.
(10) البخاري- الفتح 11 (6652) ، ومسلم (110) واللفظ له.(11/5419)
معيط- رضي الله عنها- أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي «1» خيرا أو يقول خيرا» ) * «2» .
43-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث نبيّ إلّا أنذر أمّته الأعور الكذّاب. ألا إنّه أعور، وإنّ ربّكم ليس بأعور وإنّ بين عينيه مكتوب: كافر» ) * «3» .
44-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما رأيت أشبه باللّمم ممّا قال أبو هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النّظر، وزنا اللّسان المنطق، والنّفس تتمنّى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك كلّه ويكذّبه» ) * «4» .
45-* (عن طلحة- رضي الله عنه- قال:
مررت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوم على رؤوس النّخل.
فقال: «ما يصنع هؤلاء؟» فقالوا: يلقّحونه. يجعلون الذّكر في الأنثى فيلقح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أظنّ يغني ذلك شيئا» قال: فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإنّي إنّما ظننت ظنّا فلا تؤاخذوني بالظّنّ، ولكن إذا حدّثتكم عن الله شيئا فخذوا به؛ فإنّي لن أكذب على الله- عزّ وجلّ-» ) * «5» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم: لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله. كلّ المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه. التّقوى هاهنا بحسب امريء من الشّرّ أن يحتقر أخاه المسلم» ) «6» .
47-* (عن المغيرة بن شعبة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حدّث عنّي حديثا وهو يرى أنّه كذب فهو واحد الكاذبين» ) * «7» .
48-* (عن ثابت بن الضّحّاك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف بملّة غير الإسلام كاذبا متعمّدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذّب بها في نار جهنّم» ) * «8» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب» «9» ) * «10» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) فينمي: أي يبلغ على وجه الاصلاح وطلب الخير.
(2) البخاري- الفتح 5 (2692) واللفظ له، ومسلم (2605) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7131) واللفظ له، ومسلم (2933) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6243) واللفظ له، ومسلم (2657) .
(5) مسلم (2361) .
(6) الترمذي (1927) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (6/ 563) : وهو حديث حسن، وأصله عند مسلم (2579) من حديث ابن عمر.
(7) الترمذي (2662) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح ابن ماجه مقدمة (41) ، ورواه مسلم في المقدمة باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين (1/ 9) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1363) واللفظ له، ومسلم (110) .
(9) كذب: بمعنى أخطأ.
(10) البخاري- الفتح 8 (4604) .(11/5420)
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم عليه السّلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبّار من الجبابرة فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه الّتي معك؟
قال: أختي، ثمّ رجع إليها فقال: لا تكذّبي حديثي، فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله إن على الأرض من مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه، فقام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله. قال الأعرج: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن إنّ أبا هريرة قال: قالت: اللهمّ إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ هذا الكافر فغطّ حتّى ركض برجله- قال عبد الرّحمن: قال أبو سلمة قال أبو هريرة: فقالت: اللهمّ إن يمت فيقال هي قتلته.
فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة. فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر.
فرجعت إلي إبراهيم- عليه السّلام، فقالت: أشعرت أنّ الله كبت الكافر وأخدم وليدة» ) * «1» .
51-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» - قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه» قال:
وربّما قال أبو رجاء فيشقّ- قال: «ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى.
قال: قلت: سبحان الله. ما هذان؟ قال: قالا لي:
انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور» قال:
وأحسب أنّه كان يقول: «فإذا فيه لغط وأصوات. قال:
فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق.
انطلق. قال: فانطلقنا: فأتينا على نهر» حسبت أنّه كان يقول «أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2217) واللفظ له، ومسلم (2371) .(11/5421)
يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا. قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي:
انطلق. انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال:
قالا لي: انطلق. انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال:
قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق.
انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق.
فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء.
قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر. قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي:
هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال: قالا لي هذاك منزلك. قال: قلت لهما: بارك الله فيكما. ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم، وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) «1» .
52-* (عن معاوية بن حيدة القشيريّ
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، وعند مسلم (2275) .(11/5422)
- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«ويل للّذي يحدّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له» ) * «1» .
53-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا. فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد، ولا يستشهد. ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة «2» الجنّة فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «3» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكون في آخر الزّمان دجّالون كذّابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإيّاكم وإيّاهم، لا يضلّونكم، ولا يفتنونكم» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكذب) معنى
55-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟
(ثلاثا) . قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وجلس وكان متّكئا فقال: «ألا وقول الزّور» قال فما زال يكرّرها حتّى قلنا ليته سكت» ) * «5» .
56-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إنّ لي ضرّة، فهل عليّ جناح أن أتشبّع من مال زوجي بما لم يعطني؟.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع «6» بما لم يعط كلابس ثوبي زور» ) * «7» .
57-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها
__________
(1) أبو داود (4990) ، وأخرجه الحاكم (1/ 46) وبين أن مداره على بهز، وأكثر أهل النقل على عدالته وله شاهد من حديث بلال المزني ووافقه الذهبي. الترمذي (2315) واللفظ له وقال: وفي الباب عن أبي هريرة، وقال حديث حسن وقال محقق جامع الأصول (10/ 599) : إسناده حسن.
(2) بحبوحة الجنة: أوسطها وأوسعها وأرجحها.
(3) الترمذي (2165) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، والحاكم (1/ 114) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(4) مسلم، المقدمة (7) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2654) واللفظ له، ومسلم (87) .
(6) المتشبع بما لم يعط: هو الذي يتشبه بالشبعان وليس به، ولذا شبه بلا بس ثوبي زور: أي الذي يزور على الناس فيريهم أنه يلبس ثوبين وليس عليه إلا ثوب واحد.
(7) البخاري- الفتح 9 (5219) ، ومسلم (2130) واللفظ له.(11/5423)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل، فقمت حين آذنوا بالرّحيل، فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «1» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه- قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا لم يهبّلن «2» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «3» من الطّعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه- وكنت جارية حديثة السّنّ- فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه، وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ قد عرّس «4» من وراء الجيش فأدلج «5» فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتّى أناخ راحلته، فوطيء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة حتّى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «6» فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا- والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك- وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني، ولا أشعر بالشّرّ حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «7» وهو متبرّزنا وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل- وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التّنزّه وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا.
فانطلقت أنا وأمّ مسطح- وهي بنت أبي رهم بن المطّلب ابن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر خالة
__________
(1) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.
(2) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(3) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(4) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(5) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل.
(6) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
(7) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.(11/5424)
أبي بكر الصّدّيق، وابنها مسطح ابن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب- فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مسطح في مرطها «1» .
قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه. أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم ثمّ قال:
«كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما- فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه: ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة. هوّني عليك. فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «2» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله! وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «3» لي دمع ولا أكتحل بنوم «4» ، ثمّ أصبحت أبكي، ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «5» يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة ابن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة. هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «6» عليها. أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «7» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «8» من عبد الله ابن أبيّ ابن سلول.
قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو على المنبر- «يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة- وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «9» فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير- وهو ابن عمّ سعد بن معاذ- فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر
__________
(1) في مرطها المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره.
(2) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(3) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(4) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(5) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل.
(6) أغمصه: أي أعيبها به.
(7) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(8) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.
(9) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل.(11/5425)
الله لنقتلنّه؛ فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان: الأوس والخزرج «1» حتّى همّوا أن يقتتلوا- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي- استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب تاب الله عليه» قالت:
فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقلت- وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن- إنّي والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة- والله يعلم أنّي بريئة- لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أنّي بريئة- لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى، ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «3» عند الوحي حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «4» من العرق في اليوم الشّات من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يضحك- فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال:
«أبشري يا عائشة! أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي:
قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلّا الله؛ هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-:
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات
__________
(1) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.
(2) ما رام: أي ما فارق.
(3) البرحاء: هي الشدة.
(4) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.(11/5426)
براءتي. قالت: فقال أبو بكر: وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره- والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك:
هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا.
قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «1» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «2» فهلكت فيمن هلك) * «3» .
58-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أفرى الفرى «4» أن يري عينه ما لم تر» ) * «5» .
59-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تحلّم «6» بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين «7» ، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرّون منه صبّ في أذنه الآنك «8» يوم القيامة، ومن صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ»
وفي رواية أبي هريرة قوله: «من كذب في رؤياه» ) * «9» .
60-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ «10» مقعده من النّار» ) * «11» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الكذب)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«لأن يضعني الصّدق- وقلّما يضع- أحبّ إليّ من أن يرفعني الكذب، وقلّما يفعل» ) * «12» .
2-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «إذا حدّثتكم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأن أخرّ من السّماء أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة» ) * «13» .
3-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-
__________
(1) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(2) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(3) البخاري- الفتح 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له.
(4) من أفرى الفرى: أي من أعظم الكذبات.
(5) البخاري- الفتح 12 (7043) .
(6) من تحلم: تكلف الحلم.
(7) أن يعقد بين شعيرتين: تعجيزا وتعذيبا.
(8) الآنك: الرصاص المذاب.
(9) البخاري- الفتح 12 (7042) .
(10) فليتبوأ: التبوؤ: اتخاذ المنزل من المباءة وهي المنزل.
(11) البخاري- الفتح 1 (109) .
(12) أدب الدنيا والدين (255) .
(13) البخاري- الفتح 6 (3611) .(11/5427)
قال: «اقضوا كما كنتم تقضون؛ فإنّي أكره الاختلاف حتّى يكون النّاس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي» فكان ابن سيرين يرى أنّ عامّة ما يروى عن عليّ الكذب» ) * «1» .
4-* (عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنّ أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإيّاها؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخذ شبرا من الأرض بغير حقّه طوّقه في سبع أرضين يوم القيامة» .
اللهمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تتلمّس الجدر. تقول:
أصابتني دعوة سعيد بن زيد. فبينما هي تمشي في الدّار مرّت على بئر في الدّار فوقعت فيها، فكانت قبرها» ) * «2» .
5-* (عن جابر بن سمرة قال: «شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر- رضي الله عنه- فعزله، واستعمل عليهم عمّارا فشكوا حتّى ذكروا أنّه لا يحسن يصلّي. فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق. إنّ هؤلاء يزعمون أنّك لا تحسن تصلّي. قال أبو إسحاق: أمّا أنا والله فإنّي كنت أصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها: أصلّي صلاة العشاء فأركد في الأوليين
وأخفّ في الأخريين. قال: ذاك الظّنّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدا إلّا سأل عنه، ويثنون معروفا حتّى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنّى أبا سعدة. قال: أما إذ نشدتنا فإنّ سعدا كان لا يسير بالسّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في القضيّة. قال سعد: أما والله لأدعونّ بثلاث: اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقال: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنّه ليتعرّض للجواري في الطّرق يغمزهنّ» ) * «3» .
6-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أعظم الخطايا الكذب، ومن يعف يعف الله عنه. وقال: إنّ للملك لّمة (أي المرّة يمرّها) وللشّيطان لمّة: فلمّة الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحقّ، فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله، ولمّة الشّيطان إيعاد بالشّرّ وتكذيب بالحقّ. فإذا رأيتم ذلك فتعوّذوا بالله» ) * «4» .
7-* (قال عبد الرّحمن بن أبي ليلى: «ما ماريت أخي أبدا؛ لأنّي إن ماريته إمّا أن أكذّبه، وإمّا أن أغضبه» ) * «5» .
8-* (قال البخاريّ وغيره مرفوعا: «لا يؤمن
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3707) .
(2) البخاري- الفتح 5 (245) ، ومسلم (1610) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 2 (755) .
(4) الفوائد لابن القيم (201) .
(5) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 18) .(11/5428)
العبد الإيمان كلّه حتّى يترك الكذب في المزاح، ويترك المراء وإن كان صادقا» ) * «1» .
9-* (قال مسعر بن كدام يوصي ابنه كداما:
إنّي منحتك يا كدام وصيّتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
أمّا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إنّي بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق
والجهل يزري بالفتى وعمومه ... وعروقه في النّاس أيّ عروق) * «2» .
10-* (قال إبراهيم التّيميّ: «ما عرضت قولي على عملي إلّا خشيت أن أكون كاذبا» ) * «3» .
11-* (قال أبو عبد الله الإمام أحمد: الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل» ) * «4» .
12-* (قال الذّهبيّ: يطبع المسلم على الخصال كلّها إلّا الخيانة والكذب» ) * «5» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: إيّاك والكذب؛ فإنّه يفسد عليك تصوّر المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للنّاس» ) «6» .
14-* (وقال- رحمه الله-: «فإنّ الكاذب يصوّر المعدوم موجودا والموجود معدوما. والحقّ باطلا، والباطل حقّا، والخير شرّا والشّرّ خيرا، فيفسد عليه تصوّره وعلمه عقوبة له، ثمّ يصوّر ذلك في نفس المخاطب) * 7.
15- (وقال أيضا: ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما أخبر الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم) 8.
16-* (وقال أيضا- رحمه الله-: إنّ أوّل ما يسري الكذب من النّفس إلى اللّسان فيفسده، ثمّ يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها، يعمّ الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة» ) * 9.
17-* (قال صالح بن عبد القدّوس:
واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ... إنّ القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا ... إنّ الكذوب لبئس خلّا يصحب) * «10» .
18-* (وقال بعض الشّعراء:
وما شيء إذا فكّرت فيه ... بأذهب للمروءة والجمال
من الكذب الّذي لا خير فيه ... وأبعد بالبهاء من الرّجال) * «11» .
__________
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 18) .
(2) الآداب الشرعية (1/ 19) .
(3) فتح الباري (1/ 135) .
(4) الآداب الشرعية (1/ 20) .
(5) الميزان، اللسان.
6- 9 كلها من الفوائد (187) .
(10) الترغيب والترهيب (4/ 52- 53) .
(11) أدب الدنيا والدين (253) .(11/5429)
من مضار (الكذب)
(1) الكذب وسيلة لدمار صاحبه أمما وأفرادا.
(2) الكذب قد يؤدّي بصاحبه إلى النّار.
(3) الكذب سراب يقرّب البعيد ويبعّد القريب.
(4) الكذب يذهب المروءة والجمال والبهاء.
(5) الكذّاب لصّ يسرق العقل كما يسرق اللّصّ المال
(6) الكاذب مهان ذليل.
(7) الأمم الّتي كذّبت الرّسل لاقت مصيرها من الدّمار والهلاك.
(8) يورث فساد الدّين والدّنيا.
(9) دليل على خسّة النّفس ودناءتها.
(10) احتقار النّاس له وبعدهم عنه.
(11) يمقت نفسه بنفسه ويحتقرها.(11/5430)
الكرب
الكرب لغة:
الكرب مأخوذ من مادّة (ك ر ب) الّتي تدلّ على شدّة وقوّة، يقال: مفاصل مكربة، أي شديدة قويّة ... ومن الباب: الكرب وهو الضّمّ الشّديد، والكريبة الشّديدة من الشّدائد «1» .
وجعل الرّاغب أصل المادّة من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فقال: الكرب: الغمّ الشّديد قال الله تعالى: فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (الأنبياء/ 76) والكربة كالغمّة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر، فالغّمّ يثير النّفس إثارة ذلك «2» .
ويقول القرطبيّ في قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (الصافات/ 76) والكرب:
الغّمّ الشّديد «3» .
وقال ابن منظور: الكرب: الحزن والغمّ الّذي يأخذ بالنّفس، وجمعه كروب، يقال: كربه الأمر، والغمّ يكربه كربا: اشتدّ عليه، فهو مكروب، وكريب،
والاسم: الكربة. وإنّه لمكروب النّفس، وأمر كارب.
واكترب لذلك: اغتمّ. والكرائب: الشّدائد، الواحدة كريبة.
وفي الحديث: «كان إذا أتاه الوحي كرب له» أي أصابه الكرب، فهو مكروب، والّذي كربه كارب «4» .
الكرب اصطلاحا:
قال النّوويّ: الكرب: هو الغمّ الّذي يأخذ بالنّفس «5» .
وقال المناويّ: الكرب: هو الغمّ والضّيق، وأصله من التّغطية «6» .
وقال الكفويّ: الكرب: هو الغمّ الّذي يأخذ بالنّفس «7» ، والكربة: الحزن الّذي يذيب القلب، أي يحيّره ويخرجه عن أعمال الأعضاء، وربّما أهلك النّفس، وهي (الكربة) أشدّ من الحزن والغمّ «8» .
الفرق بين الحزن والكرب:
قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الحزن
__________
(1) المقاييس (5/ 174) .
(2) المفردات (428) .
(3) القرطبي (11/ 306) .
(4) لسان العرب (1/ 711- 712) .
(5) صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 238) .
(6) التوقيف (281) .
(7) الكليات (114) .
(8) المرجع السابق (722) .(11/5431)
والكرب: أنّ الحزن تكاثف الغمّ وغلظه، مأخوذ من الأرض الحزن وهو ما غلظ منها وصلب، والكرب تكاثف الغمّ مع ضيق الصّدر. ولهذا يقال لليوم الحارّ:
يوم كرب أي كرب من فيه، وكرب الرّجل إذا غمّه وضيّق صدره «1» .
وجه النهى عن الكرب:
إذا كان الكرب يمثّل أقصى درجات الغمّ، وهذا أمر قد لا يكون فيه دخل للإنسان فإنّ المطلوب من المسلم عند حدوث الكرب أن يسأل الله تعالى أن يفرّج كربه حتّى لا يستمريء الحزن ويعتاد عليه ممّا يضعف قواه، وعلى المسلمين أيضا أن يمدّوا يد العون للمكروب، حتّى يرجع إلى سابق عهده هاشّا باشّا منشرح الصّدر مستقبلا للحياة بما يرضاه الله له من عمل جادّ، ونفس راضية مطمئنّة.
إنّ مجتمعا تسود فيه روح الأنانية ويترك المكروب نفسه أو يتركه إخوانه فريسة لهذه الحالة الّتي تنتابه رغما عنه، هو مجتمع مفكّك لا تعاون فيه على البرّ والتّقوى، من هنا كانت دعوة
الإسلام صريحة للتّخلّص من هذا الدّاء العضال الّذي يفقد الفرد قدرته على العمل والإنتاج ويفقد المجتمع تماسكه وقوّته.
[للاستزادة: انظر صفات: الحزن- القنوط- الوهن- اليأس- الضعف- القلق- العبوس- التطير.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تفريج الكربات التوكل- طلاقة الوجه- الفرح- البشاشة- التفاؤل- الرضا- السكينة- الطمأنينة] .
__________
(1) الفروق اللغوية (262) .(11/5432)
الآيات الواردة في «الكرب»
1- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «1»
2- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «2»
3- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) «3»
4- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114)
وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116)
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119)
سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121)
إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «4»
__________
(1) الأنعام: 63- 64 مكية
(2) الأنبياء: 76- 77 مكية
(3) الصافات: 75- 81 مكية
(4) الصافات: 114- 122 مكية(11/5433)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكرب)
1-* (عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أعلّمك كلمات تقولينهنّ عند الكرب، أو في الكرب، الله الله ربّي لا أشرك به شيئا» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟. قال: آلله «2» . قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب «3» يوم القيامة، فلينفّس «4» عن معسر، أو يضع عنه» ) * «5» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «6» .
4-* (عن طلحة بن عبيد الله: أنّ عمر رآه كئيبا فقال: مالك يا أبا محمّد كئيبا؟ لعلّه ساءتك إمرة ابن عمّك؟ يعني أبا بكر، قال: لا، وأثنى على أبي بكر رضي الله عنه- ولكنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلمة لا يقولها عبد عند موته إلّا فرّج الله عنه كربته وأشرق لونه» ، فما منعني أن أسأله عنها إلّا القدرة عليها حتّى مات، فقال له عمر- رضي الله عنه-:
إنّي لأعلمها، فقال له طلحة: وما هي؟، فقال له عمر رضي الله عنه-: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمّه: لا إله إلّا الله؟ فقال طلحة: هي والله هي) * «7» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرقي يقول: «امسح البأس ربّ النّاس بيدك الشّفاء لا يكشف الكرب إلّا أنت» ) * «8» .
6-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوات المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه لا إله إلّا أنت» ) * «9» .
7-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-
__________
(1) أبو داود (1525) واللفظ له، وابن ماجة (3882) ، وأحمد (6/ 369) ، والألباني (1/ 284) ، وقال: صحيح.
(2) فقال: آلله. قال آلله: الأول قسم سؤال، أي أبالله؟ وباء القسم تضمر كثيرا مع الله، قال القاضي: وإذا حذف القسم الأصلي، أعني الباء، فالمختار النصب بفعل القسم، ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار، بلا عوض، وقد يعوض من الجار فيها همزة الاستفهام، أو قطع همزة الله في الدرج.
(3) كرب: جمع كربة وهي الغم الذي يأخذ بالنفس.
(4) فلينفس: أي يمد ويؤخر المطالبة، وقيل: معناه يفرج عنه.
(5) مسلم (1563) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6346) ، مسلم (2730) متفق عليه.
(7) أحمد (1/ 161) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 360) : إسناده صحيح برقم (1386) .
(8) البخاري- الفتح 10 (5744) ، مسلم (2191) ، وأحمد (6/ 50) واللفظ له.
(9) أبو داود (5090) وقال الألباني (3/ 959) : حسن (الكلم الطيب (121) صحيح الكلم الطيب ص (49) .(11/5434)
قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل بي كرب أن أقول:
«لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين» ) * «1» .
8-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمات المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين. أصلح لي شأني كلّه» ) * «2» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام أو يا غليّم. ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت:
بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا، أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «3» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قطّ» .
قال: «فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلّي، فإذا رجل ضرب جعد كأنّه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم- عليه السّلام- قائم يصلّي، أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ، وإذا إبراهيم- عليه السّلام- قائم يصلّي، أشبه النّاس به صاحبكم، (يعني نفسه) ، فحانت الصّلاة فأممتهم، فلمّا فرغت من الصّلاة قال قائل: يا محمّد! هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه، فالتفتّ إليه فبدأني بالسّلام» ) * «4» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا وجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرب أبتاه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا كرب على أبيك بعد اليوم، إنّه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا، الموافاة يوم القيامة» ) * «5» .
__________
(1) أحمد (1/ 91) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 87) : إسناده صحيح برقم (701) .
(2) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 137) ، وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.
(3) أحمد (1/ 307) واللفظ له، والترمذي (2518) مختصرا، وقال محقق جامع الأصول (11/ 685، 686) ، وهو حديث صحيح وكذا قال الشيخ أحمد شاكر (4/ 233، (2763) ، 4/ 270، 4/ 286) رقم (2669) .
(4) مسلم (172) .
(5) ابن ماجة (1629) واللفظ له، أحمد (3/ 141) من رواية أبي النضر البغدادي عن المبارك بن فضالة عن ثابت، في الزوائد: في إسناده عبد الله بن الزبير الباهلي، أبو الزبير، ويقال: أبو معبد المصري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: مجهول، وقال الدارقطني: صالح، وباقي رجاله علي شرط الشيخين.(11/5435)
12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا همّ ولا حزن قطّ فقال: اللهمّ إنّي عبدك، وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب الله- عزّ وجلّ- همّه وأبدله مكان حزنه فرحا» .
قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلّم هؤلاء الكلمات.
قال: «أجل، ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ» ) * «1» .
13-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «2» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما. قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته، فليفرّج عن معسر» ) * «3» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله- عزّ وجلّ- فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكرب) معنى
انظر صفة (تفريج الكربات)
__________
(1) أحمد في المسند، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 136) ، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي، والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان.
(2) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، مسلم (2580) .
(3) أحمد (2/ 23) والهيثمي (4/ 133) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات واللفظ لهما.
(4) مسلم (2699) .(11/5436)
من الآثار الواردة في ذمّ (الكرب)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش «1» في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتحدّث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر نجّاني
فلمّا أكثرت، قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟. قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطّت عليه الحديّا وهي تحسبه لحما، فأخذت، فاتّهموني به، فعذّبوني، حتّى بلغ من أمري أنّهم طلبوا في قبلي، فبينا هم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديّا حتّى وازت برءوسنا، ثمّ ألقته فأخذوه، فقلت لهم: هذا الّذي اتّهمتموني به وأنا منه بريئة) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من ما لنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع ما لنا، فاقض ديني، وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من ما لنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك، قال هشام:
وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شىء منه فاستعن عليه مولاى، قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال:
الله، قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر ... إلى آخر الحديث) * «3» .
من مضار (الكرب)
(1) دليل ضعف الدّين وقلّة اليقين.
(2) يورث المرض من دون جدوى.
(3) اتّباع للشّيطان وإغضاب للرّحمن.
(4) دليل عدم الرّضا بالقدر.
__________
(1) حفش: بيت صغير ذليل.
(2) البخاري- الفتح 7 (3835) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3129) .(11/5437)
الكسل
الكسل لغة:
الكسل مأخوذ من مادّة «ك س ل» الّتي تدلّ على التّثاقل عن الشّيء، والقعود عن إتمامه «1» .
يقول الجوهريّ: الكسل: التّثاقل عن الأمر، وقد كسل بالكسر فهو كسلان «2» : الكسل التّثاقل عمّا لا ينبغي أن يتثاقل عنه، والفعل كسل يكسل كسلا.
ويقال: فلان لا تكسله المكاسل، يقول: لا تثقله وجوه الكسل «3» . وفحل كسل، يكسل عن الضّراب. وامرأة مكسال: فاترة عن التّحرّك «4» وهذا الأمر مكسلة أي يؤدّي إلى الكسل، ومنه الشّبع مكسلة، وقد كسّله تكسيلا، وفلان لا يستكسل المكاسل أي لا يعتلّ بوجود الكسل «5» .
وقال ابن منظور: الكسل التّثاقل عن الشّيء والفتور عنه، يقال كسل عنه، بالكسر، كسلا، فهو كسل وكسلان والجمع كسالى وكسالى وكسلى، والأنثى كسلة وكسلانة، والمكسال والكسول: الّتي لا تكاد تبرح مجلسها وهو مدح لها مثل نؤوم الضّحى وقد أكسله الأمر «6» .
الكسل اصطلاحا:
قال المناويّ: الكسل: التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه ولذلك عدّ مذموما «7» وضدّه النّشاط.
وقال الرّاغب: الكسل: التّثاقل عمّا لا ينبغي التّثاقل عنه «8» .
الكسل انسلاخ من الإنسانية:
قال الإمام الرّاغب: من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانيّة، بل من الحيوانيّة وصار من جنس الموتى. ومن تعوّد الكسل ومال إلى الرّاحة فقد الرّاحة، وقد قيل: إن أردت ألّا تتعب فاتعب لئلّا تتعب، وقيل أيضا: إيّاك والكسل والضّجر، فإنّك إن كسلت لم تؤدّ حقّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحقّ، ولأنّ الفراغ يبطل الهيئات الإنسانيّة فكلّ هيئة، بل كلّ عضو ترك استعماله يبطل، كالعين إذا غمضت، واليد إذا عطلت، ولذلك وضعت الرّياضات في كلّ شيء، ولمّا جعل الله- تعالى- للحيوان قوّة التّحرّك لم يجعل له رزقا إلّا بسعي مّا منه؛ لئلّا تتعطّل فائدة ما جعل له من قوّة التّحرّك، ولمّا جعل للإنسان قوّة الفكرة
__________
(1) المقاييس (5/ 178) .
(2) الصحاح (5/ 1810) .
(3) تهذيب اللغة (10/ 60، 61) .
(4) المفردات (431) .
(5) التاج (15/ 655) .
(6) لسان العرب (11/ 587) .
(7) التوقيف (281) .
(8) المفردات (431) .(11/5438)
ترك من كلّ نعمة أنعمها تعالى عليه جانبا يصلحه هو بفكرته لئلّا تبطل فائدة الفكرة، فيكون وجودها عبثا، وكما أنّ البدن يتعوّد الرّفاهية بالكسل، كذلك النّفس تتعوّده بترك النّظر، والتّفكّر ممّا يجعلها تتبلّد وتتبلّه، وترجع إلى رتبة البهائم، وإذا تأمّلت قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«سافروا تغنموا» ونظرت إليه نظرا عاليا، علمت أنّه حثّك على التّحرّك الّذي يثمر لك جنّة المأوى ومصاحبة الملإ الأعلى، بل مجاورة الله تعالى «1» .
أقسام الكسل:
الكسل قسمان: الأوّل: كسل العقل بعدم إعماله في التّفكّر والتّدبّر والنّظر في آلاء الله من ناحية وفي تركه النّظر إلى ما يصلح شأن الإنسان، ومن حوله في الدّنيا الّتي فيها معاشه. وليس تأخّر الأمم ناتجا إلّا عن كسل أصحاب العقول فيها وقلّة اكتراثهم بالقوّة الإبداعيّة المفكّرة الّتي أودعها الله فيهم.
الثّاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخّر الأفراد، بله الأمم في مجالات النّشاط المختلفة من زراعة وصناعة وغيرهما «2» .
قال في القاموس المحيط: الثّقل: ضدّ الخفّة.
وتثاقل عنه: ثقل وتباطأ، والقوم: لم ينهضوا للنّجدة، وقد استنهضوا لها.
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصّلاة فتقام. ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» «3» .
وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استنفر حيّا من أحياء العرب، فتثاقلوا عليه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم «4» .
وقال الألوسي- رحمه الله- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (التوبة/ 38) : أي اثّاقلتم مائلين إلى الدّنيا وشهواتها الفانية عمّا قليل وكرهتم مشاقّ الجهاد ومتاعبه المستتبعة للرّاحة الخالدة والحياة الباقية أو إلى الإقامة بأرضكم ودياركم والأوّل أبلغ في الإنكار والتّوبيخ ورجّح الثّاني بأنّه أبعد عن توهّم شائبة التّكرار في الآية «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: التهاون- صغر الهمة- الضعف- الوهن- الإهمال- التخلف عن الجهاد- التفريط والإفراط- البلادة والغباء- التخاذل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: النشاط- علو الهمة- العمل- القوة- قوة الإرادة- المسئولية- العزم والعزيمة- الشهامة] .
__________
(1) باختصار وتصرف يسير عن: الذريعة إلى مكارم الشريعة (384) .
(2) كتبت هذه الفقرة استنباطا مما ذكره الراغب في الذريعة تحت عنوان مدح السعي وذم الكسل (283) .
(3) رواه البخاري- الفتح 2 (644) ومسلم (651) واللفظ له.
(4) أخرجه الطبري: 14/ 254- 255، وصححه الحاكم في المستدرك: 2/ 118.
(5) روح المعاني، الألوسي (10/ 95) .(11/5439)
الآيات الواردة في «الكسل»
1- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) «1»
2- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54)
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) «2»
الآيات الواردة في «الكسل» معنى
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) «3»
4- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) «4»
5- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) «5»
__________
(1) النساء: 142- 143 مدنية
(2) التوبة: 54- 55 مدنية
(3) التوبة: 38- 39 مدنية
(4) التوبة: 81 مدنية
(5) التوبة: 86- 87 مدنية(11/5440)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكسل)
1-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذبك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها «1» أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها.
اللهمّ إنّي أعوذبك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع «2» ، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم «4» ثلاث عقد إذا نام، بكلّ عقدة يضرب عليك ليلا طويلا.
فإذا استيقظ، فذكر الله، انحلّت عقدة. وإذا توضّأ، انحلّت عنه عقدتان، فإذا صلّى انحلّت العقد. فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكسل) معنى
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا من الأنصار أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله. فقال:
«أما في بيتك شيء؟» قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: «ائتني بهما» فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده وقال:
«من يشتري هذين؟» قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم؟» . مرّتين أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إيّاه، وأخذ الدّرهمين وأعطاهما الأنصاريّ، وقال: «اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدّوما فأتني به» فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عودا بيده ثمّ قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينّك خمسة عشر يوما» فذهب الرّجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» ) * «6» .
4-* (عن مالك بن نضلة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها، ويد السّائل السّفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك» ) * «7» .
__________
(1) وزكها: أي طهرها.
(2) ومن نفس لا تشبع: معناه استعاذة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالأموال.
(3) مسلم (2722) .
(4) قافية رأس أحدكم: أي آخر الرأس.
(5) البخاري- الفتح 3 (1142) ، ومسلم (776) واللفظ له.
(6) أبو داود (1641) واللفظ له، وفي الترمذي (653) بعضه وقال حديث حسن، والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 591) وقال رواه أبو داود والبيهقي بطوله وأخرج الترمذي والنسائي منه قصة بيع القدح فقط. وقال الترمذي: حديث حسن.
(7) أبو داود (1649) واللفظ له، والحاكم (1/ 408) ، والبغوى فى شرح السنة (6/ 114) وقال محققه: اسناده قوى.(11/5441)
5-* (عن طاوس أنّه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولون: كلّ شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ شيء بقدر. حتّى العجز والكيس «1» أو الكيس والعجز» ) * «2» .
6-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكيّس من دان نفسه «3» وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ) * «4» .
7-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يأخذ أحدكم أحبلا، فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكفّ الله بها وجهه خير من أن يسأل النّاس أعطي أم منع» ) * «5» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدّق به ويستغني به من النّاس، خير له من أن يسأل رجلا، أعطاه أو منعه ذلك. فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى. وابدأ بمن تعول» ) * «6» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الكسل)
1-* (قال لبيد بن ربيعة:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي والعجل
أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل
أعمل العيس على علّاتها ... إنّما ينجح أصحاب العمل
وإذا رمت رحيلا فارتحل ... واعص ما يأمر توصيم الكسل) * «7»
من مضار (الكسل)
(1) يؤدّي إلى موت الهمم وقبر النّبوغ.
(2) طريق موصّل إلى استباحة أموال النّاس بغير حقّ.
(3) ينمّ عن عجز الإنسان وبعده عن ربّه.
(4) مظهر من مظاهر تأخّر الأمم والشّعوب.
(5) دليل على سقوط الهمّة.
(6) يورث الذّلّ والهوان.
__________
(1) الكيس: ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور.
(2) مسلم (2655) .
(3) دان نفسه: أى حاسبها فى الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة.
(4) الترمذى (2459) وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجة (4260) واللفظ له، والبغوى فى شرح السنة (14/ 308) وقال: حديث حسن.
(5) البخارى- الفتح 5 (2373) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1470) ، ومسلم (1042) واللفظ له.
(7) انظر: تاريخ الأدب العربى، للزيات. والبيت الأخير في اللسان (وصم) . قال: والتوصيم في الجسد كالتكسير والفترة والكسل.(11/5442)
الكفر
الكفر لغة:
مصدر قولهم: كفر يكفر كفرا وهو مأخوذ من مادّة (ك ف ر) الّتي تدلّ على السّتر والتّغطية.
يقول ابن فارس: يقال لمن غطّى درعه بثوب قد كفر درعه، والمكفّر: الرّجل المتغطّي بسلاحه، فأمّا قوله:
حتّى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها
فيقال: إنّ الكافر مغيب الشّمس، وقيل البحر، ويشبّه النّهر بالبحر فيقال كافر، والزّارع كافر لأنّه يغطّي الحبّ بتراب الأرض قال تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ (الحديد/ 20) قال القرطبيّ: الكفّار هنا الزّرّاع لأنّهم يغطّون البذر «1» .
والكفر ضدّ الإيمان، سمّي بذلك لأنّه تغطية الحقّ، وكذا كفران النّعمة: جحودها وسترها «2» .
وقال الرّاغب: الكفر في اللّغة: ستر الشّيء، ووصف اللّيل بالكافر لستره الأشخاص، والزّرّاع لسترهم البذر في الأرض، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللّغة، وكفر النّعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها، وأعظم الكفر جحود الوحدانيّة أو الشّريعة أو
النّبوّة، ولمّا كان الكفران يقتضي جحود النّعمة صار يستعمل في الجحود- قال تعالى-: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ (البقرة/ 41) أي جاحد له وساتر، وقد يقال كفر لمن أخلّ بالشّريعة وترك ما لزمه من شكر الله تعالى، قال سبحانه: ومَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ (الروم/ 44) يدلّ على ذلك مقابلته بقوله: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (الروم/ 44) «3» .
والكفر نقيض الإيمان في قولهم: آمنّا بالله وكفرنا بالطّاغوت يقال: كفر بالله يكفر كفرا. وكفورا وكفرانا، ويقال لأهل دار الحرب: قد كفروا أي عصوا وامتنعوا.
والكفر: كفر النّعمة وهو نقيض الشّكر، وكفر نعمة الله يكفرها كفورا وكفرانا، وكفر بها: جحدها وسترها.
ورجل مكفّر: مجحود النّعمة مع إحسانه، ورجل كافر:
جاحد لأنعم الله مشتقّ من السّتر، وقيل: لأنّه مغطّى على قلبه، وجمع الكافر كفّار، وكفرة، وكفار، مثل جائع وجياع، ونائم ونيام، قال القطاميّ:
وشقّ البحر عن أصحاب موسى ... وغرّقت الفراعنة الكفار
وجمع الكافرة: الكوافر.
ويقال إنّما سمّي الكافر كافرا؛ لأنّ الكفر غطّى
__________
(1) تفسير القرطبى (17/ 165) ، وفى الآية أقوال أخرى منها: أن المراد هم الكفار بالله لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا من المؤمنين.
(2) مقاييس اللغة (5/ 191) .
(3) المفردات للراغب (434) .(11/5443)
قلبه كلّه. وكلّ من ستر شيئا فقد كفره، وكفّره، وقولهم أكفرت الرّجل: دعوته كافرا، وكفّر الرّجل: نسبه إلى الكفر، والكفور: المبالغ في كفران النّعمة، قال تعالى:
إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (الزخرف/ 15) ، والكفّار أبلغ من الكافر، قال تعالى: كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (ق/ 24) .
ويقال: كفر فلان: إذا اعتقد الكفر، ويقال: كفر إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد. والتّكفير: الذّلّ والخضوع.
قال ابن الأثير: التّكفير: هو أن ينحني الإنسان ويطأطيء رأسه قريبا من الرّكوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه «1» .
الكفر اصطلاحا:
هو ستر نعمة المنعم بالجحود أو بعمل هو كالجحود في مخالفة المنعم «2» .
وقيل هو: الإنكار المتعمّد لما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم أو بعض ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم ممّا علم من دينه بالضّرورة، وهذا هو الحقّ الّذي عليه أهل السّنّة والجماعة
وما عداه فهو باطل.
وقال المناويّ: الكفر: تغطية ما حقّه الإظهار، والكفران: ستر نعمة المنعم بترك شكرها، وأعظم الكفر: جحود الوحدانيّة أو النّبوّة أو الشّريعة، ولفظ الكفران في جحود النّعمة أكثر استعمالا والكفر في الدّين أكثر، والكفور فيهما جميعا «3» .
وقال التّهانويّ ما خلاصته: الكفر شرعا:
خلاف الإيمان عند كلّ طائفة (انظر صفة الإيمان) .
فعند الأشاعرة عدم تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في (كلّ أو بعض) ما علم مجيئه من الدّين بالضّرورة، ومن قال:
إنّ الإيمان هو المعرفة بالله قال: الكفر هو الجهل بالله، ومن قال: إنّ الإيمان هو الطّاعة قال: إنّ الكفر هو المعصية، وقد اختلف في المعصية الّتي تكفّر صاحبها فقالت الخوارج: كلّ معصية كفر، وقسّمت المعتزلة المعاصي إلى ثلاثة أقسام، يكفّر منها ما دلّ على الجهل بالله ووحدته وما لا يجوز عليه «4» .
أنواع الكفر:
قال بعض أهل العلم: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، ومن لقي ربّه بشيء من ذلك لم يغفر له، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فأمّا كفر الإنكار فهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التّوحيد وكذلك روي في تفسير قوله عزّ وجلّ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (البقرة/ 6) أي الّذين كفروا بتوحيد الله. وأمّا كفر الجحود فأن يعرف بقلبه ولا يقرّ بلسانه، فهذا كافر جاحد ككفر إبليس، وكفر أميّة بن أبي الصّلت، ومنه قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (البقرة/ 89) يعني كفر الجحود، وأمّا كفر المعاندة فهو أن يعرف بقلبه ويقرّ بلسانه، ويأبى أن يقبل
__________
(1) الصحاح، للجوهري (2/ 807، 808) ، والنهاية، لابن الأثير (4/ 188) ، ولسان العرب، لابن منظور (5/ 146- 149) ، والقاموس المحيط (605) ، وبصائر ذوي التمييز، للفيروز آبادي (4/ 361- 365) .
(2) التعريفات للجرجاني (185) .
(3) التوقيف (282) .
(4) والقسمان الآخران: أحدهما ما يجعل صاحبه في منزلة بين المنزلتين وهو مرتكب الكبائر والآخر لا يخرج صاحبه عن الإيمان وهو مرتكب الصغائر، انظر كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1251) .(11/5444)
ككفر أبي طالب حيث يقول:
ولقد علمت بأنّ دين محمّد ... من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا
وأمّا كفر النّفاق فأن يكفر بقلبه ويقرّ بلسانه «1» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله-: الكفر نوعان:
كفر أكبر، وكفر أصغر.
فالكفر الأكبر: هو الموجب للخلود في النّار.
والأصغر: موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اثنتان في أمّتي، هما بهم كفر: الطّعن في النّسب، والنّياحة على الميّت» رواه مسلم «2» .
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» رواه البخاريّ ومسلم.
الكفر الأكبر: وأمّا الكفر الأكبر فخمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التّصديق، وكفر إعراض، وكفر شكّ، وكفر نفاق.
فأمّا كفر التّكذيب: فهو اعتقاد كذب الرّسل.
وهذا القسم قليل في الكفّار. فإنّ الله تعالى أيّد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجّة. وأزال به المعذرة. قال الله تعالى عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا (النّمل/ 14) ، وقال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام/ 33) . وإن سمّي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح. إذ هو تكذيب باللّسان.
وأمّا كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس.
فإنّه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار. وإنّما تلقّاه بالإباء والاستكبار. ومن هذا كفر من عرف صدق الرّسول وأنّه جاء بالحقّ من عند الله. ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرّسل. كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ؟ (المؤمنون/ 47) .
وأمّا كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرّسول لا يصدّقه ولا يكذّبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به ألبتّة.
وأمّا كفر الشّكّ: فإنّه لا يجزم بصدقه ولا يكذّبه. بل يشكّ في أمره. وهذا لا يستمرّ شكّه إلّا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النّظر في آيات صدق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها. وأمّا مع التفاته إليها، ونظره فيها: فإنّه لا يبقى معه شكّ.
وأمّا كفر النّفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان.
وينطوي بقلبه على التّكذيب. فهذا هو النّفاق الأكبر.
كفر الجحود:
وأمّا كفر الجحود فهو نوعان: كفر مطلق عامّ، وكفر مقيّد خاصّ: فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله، وإرساله الرّسول. والخاصّ المقيّد: أن يجحد فرضا من فروض الإسلام، أو تحريم محرّم من محرّماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبرا أخبر الله به، عمدا أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من
__________
(1) تهذيب اللغة للأزهري (10/ 193، 194) .
(2) مسلم (67) .(11/5445)
الأغراض «1» .
كفر العمل وكفر الاعتقاد:
قال الشّيخ محمّد بن إبراهيم- رحمه الله-: من الممتنع أن يسمّي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا ولا يكون كافرا، بل هو كافر مطلقا. إمّا كفر عمل، وإمّا كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) ، من رواية طاوس وغيره يدلّ على أنّ الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إمّا كفر اعتقاد ناقل عن الملّة. وإمّا كفر عمل لا ينقل عن الملّة.
أمّا القسم الأوّل، وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:
أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقّيّة حكم الله ورسوله. وهو معنى ما روي عن ابن عبّاس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشّرعيّ وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم.
الثّاني: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقّا، لكن اعتقد أنّ حكم غير الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أحسن من حكمه، وأتمّ وأشمل لما يحتاجه النّاس من الحكم بينهم عند التّنازع، إمّا مطلقا أو بالنّسبة إلى ما استجدّ من الحوادث. الّتي نشأت عن تطوّر الزّمان وتغيّر الأحوال، وهذا أيضا لا ريب أنّه كفر، لتفضيله أحكام المخلوقين الّتي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد.
الثّالث: أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنّه مثله، فهذا كالنّوعين اللّذين قبله، في كونه كافرا الكفر النّاقل عن الملّة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى/ 11) .
الرّابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله. فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه. لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله. فهذا كالّذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه. لاعتقاده جواز ما علم بالنّصوص الصّحيحة الصّريحة القاطعة تحريمه.
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشّرع. ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ولرسوله، وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات، فكما أنّ للمحاكم الشّرعيّة مراجع ومستندات، مرجعها كلّها إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفّق من شرائع شتّى وقوانين كثيرة.
السّادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم الّتي يسمّونها «سلومهم» يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحملون على التّحاكم إليه عند النّزاع. بقاء على أحكام الجاهليّة وإعراضا ورغبة عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.
وأمّا القسم الثّاني من قسمي الحاكم بغير ما
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 364- 367)(11/5446)
أنزل الله: فهو مرويّ عن ابن عبّاس وذلك في قوله- رضي الله عنهما- في الآية: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) كفر دون كفر، وقوله أيضا: «ليس بالكفر الّذي تذهبون» وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضيّة بغيرها ومجانبة الهدى. وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملّة، فإنّه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزّنا، وشرب الخمر، والسّرقة، واليمين الغموس، وغيرها، فإنّ معصية سمّاها الله في كتابه: كفرا. أعظم من معصية لم يسمّها كفرا، نسأل الله أن يجمع المسلمين على التّحاكم إلى كتابه، انقيادا ورضاء إنّه وليّ ذلك والقادر عليه «1» .
حكم الكفر:
ذكر ابن حجر: أنّ كفران نعمة الخلق المستلزم لكفران نعمة الحقّ من الكبائر وقال: عدّ هذا كبيرة هو ظاهر ما جاء في حديث التّرمذيّ (من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن؛ فإنّ من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر) ومعنى الكفر هنا أنّه يجرّ إلى كفر نعم الله تعالى «2» .
أمّا الكفر الّذي هو نقيض الإيمان فقد أشارت إلى حكمه الآية الكريمة وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (الإسراء/ 8) .
هذا في الآخرة، فأمّا في الدّنيا فمنهم: أهل الكتاب، ومنهم المعاهدون ومنهم الملحدون، ومنهم المرتدّون، ولكلّ حكمه الّذي فصّلته كتب الفقه.
معاني كلمة «الكفر» في القرآن:
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: ذكر أهل التّفسير أنّ الكفر في القرآن على خمسة أوجه:
أحدها: الكفر بالتّوحيد. ومنه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (البقرة/ 6) .
والثّاني: كفران النّعمة. ومنه قوله تعالى:
وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (البقرة/ 152) .
والثّالث: التّبرّي. ومنه قوله تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ (العنكبوت/ 25) أي يتبرّأ بعضكم من بعض.
والرّابع: الجحود. ومنه قوله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (البقرة/ 89) .
والخامس: التّغطية. ومنه قوله تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ (الحديد/ 20) يريد الزّرّاع الّذين يغطّون الحبّ «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الجحود- الحكم بغير ما أنزل الله- الردة- الزندقة- الشرك- النفاق- نكران الجميل- الفسوق- العصيان- الفجور- موالاة الكفار- الفساد- الأمن من المكر- الغي والإغواء- طول الأمل- الجهل- الإعراض.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإسلام- الاعتراف بالفضل- الإيمان- التقوى- الولاء والبراء الحكم بما أنزل الله- الصدق- الإحسان- الإخلاص- الاتباع- البصيرة- العلم] .
__________
(1) رسالة تحكيم القوانين، للشيخ محمد بن إبراهيم (19- 22) .
(2) الزواجر (255) .
(3) نزهة الأعين النواظر، لابن الجوزي (516) .(11/5447)
الآيات الواردة في «الكفر»
الكفر بالوحدانية:
1- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6)
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18)
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19) «1»
2- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «2»
3-* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
__________
(1) البقرة: 6- 19 مدنية
(2) البقرة: 23- 24 مدنية(11/5448)
رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) «1»
4- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) «2»
5- وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88)
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89)
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)
* وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92)
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «3»
6- مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (99)
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100)
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)
__________
(1) البقرة: 26- 28 مدنية
(2) البقرة: 39 مدنية
(3) البقرة: 88- 93 مدنية(11/5449)
وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «1»
7- أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «2»
8- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) «3»
9- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)
خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) «4»
10- وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) «5»
11- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) «6»
__________
(1) البقرة: 98- 105 مدنية
(2) البقرة: 108- 109 مدنية
(3) البقرة: 126 مدنية
(4) البقرة: 161- 162 مدنية
(5) البقرة: 171 مدنية
(6) البقرة: 191 مدنية(11/5450)
12- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «1»
13- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) «2»
14-* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «3»
15- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) «4»
16- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «5»
17- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (12) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ
__________
(1) البقرة: 212 مدنية
(2) البقرة: 250 مدنية
(3) البقرة: 253- 254 مدنية
(4) البقرة: 257- 258 مدنية
(5) البقرة: 286 مدنية(11/5451)
فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «1»
18- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) «2»
19- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) «3»
20-* فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) «4»
21- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) «5»
22- وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) «6»
23- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) «7»
24- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (91) «8»
25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «9»
__________
(1) آل عمران: 10- 13 مدنية
(2) آل عمران: 28 مدنية
(3) آل عمران: 32 مدنية
(4) آل عمران: 52 مدنية
(5) آل عمران: 55- 56 مدنية
(6) آل عمران: 80 مدنية
(7) آل عمران: 86 مدنية
(8) آل عمران: 90- 91 مدنية
(9) آل عمران: 100- 101 مدنية(11/5452)
26- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) «1»
27- لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127)
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) «2»
28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) «3»
29- وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) «4»
30- وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) «5»
31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «6»
32- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «7»
33- وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (176)
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (177)
__________
(1) آل عمران: 106 مدنية
(2) آل عمران: 127- 128 مدنية
(3) آل عمران: 130- 131 مدنية
(4) آل عمران: 141 مدنية
(5) آل عمران: 147- 151 مدنية
(6) آل عمران: 156 مدنية
(7) آل عمران: 167 مدنية(11/5453)
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) «1»
34- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «2»
35- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) «3»
36- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42) «4»
37- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «5»
38- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) «6»
39- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) «7»
40- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «8»
41- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «9»
__________
(1) آل عمران: 176- 178 مدنية
(2) النساء: 18 مدنية
(3) النساء: 37- 38 مدنية
(4) النساء: 42 مدنية
(5) النساء: 46 مدنية
(6) النساء: 51- 52 مدنية
(7) النساء: 56 مدنية
(8) النساء: 76 مدنية
(9) النساء: 84 مدنية(11/5454)
42- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) «1»
43- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) «2»
44- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) «3»
45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
__________
(1) النساء: 89 مدنية
(2) النساء: 101- 102 مدنية
(3) النساء: 131 مدنية(11/5455)
لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) «1»
46- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) «2»
47- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150)
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) «3»
48- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (167)
إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169)
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «4»
49- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «5»
50- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) «6»
__________
(1) النساء: 136- 141 مدنية
(2) النساء: 144 مدنية
(3) النساء: 150- 151 مدنية
(4) النساء: 167- 170 مدنية
(5) المائدة: 3- 5 (3 نزلت بعرفات، 4- 5 مدنية)
(6) المائدة: 10 مدنية(11/5456)
51- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) «1»
52- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36)
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37) «2»
53-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) «3»
54- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4»
55- وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) «5»
56-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (68) «6»
57- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72)
__________
(1) المائدة: 17 مدنية
(2) المائدة: 36- 37 مدنية
(3) المائدة: 41 مدنية
(4) المائدة: 54 مدنية
(5) المائدة: 61 مدنية
(6) المائدة: 67- 68 مدنية(11/5457)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) «1»
58- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78)
كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79)
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) «2»
59- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (86) «3»
60- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (13) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) «4»
61- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) «5»
__________
(1) المائدة: 72- 74 مدنية
(2) المائدة: 78- 80 مدنية
(3) المائدة: 86 مدنية
(4) المائدة: 110- 115 مدنية
(5) الأنعام: 1 مكية(11/5458)
62- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «1»
63- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) «2»
64- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «3»
65- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) «4»
66- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) «5»
67-يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
(130) «6»
68- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «7»
69- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) «8»
__________
(1) الأنعام: 25 مكية
(2) الأنعام: 30 مكية
(3) الأنعام: 70 مكية
(4) الأنعام: 89 مكية
(5) الأنعام: 122 مكية
(6) الأنعام: 130 مكية
(7) الأعراف: 37 مكية
(8) الأعراف: 44- 45 مكية(11/5459)
70- وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «1»
71- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «2»
72- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) «3»
73- وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) «4»
74- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) «5»
75- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) «6»
76- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12)
__________
(1) الأعراف: 50- 51 مكية
(2) الأعراف: 66- 68 مكية
(3) الأعراف: 76- 78 مكية
(4) الأعراف: 90- 93 مكية
(5) الأعراف: 101 مكية
(6) الأنفال: 7- 8 مدنية(11/5460)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13)
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15)
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18) «1»
77- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30)
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32)
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (37)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) «2»
78- وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50)
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)
__________
(1) الأنفال: 12- 18 مدنية
(2) الأنفال: 30- 38 (30- 36 مكية، 37- 38 مدنية)(11/5461)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) «1»
79- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55)
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) «2»
80- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) «3»
81- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65)
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «4»
82- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) «5»
83- بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «6»
84- وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) «7»
__________
(1) الأنفال: 50- 52 مدنية
(2) الأنفال: 55- 57 مدنية
(3) الأنفال: 59 مدنية
(4) الأنفال: 65- 66 مدنية
(5) الأنفال: 72- 73 مدنية
(6) التوبة: 1- 3 مدنية
(7) التوبة: 12 مدنية(11/5462)
85- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) «1»
86- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «2»
87- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «3»
88- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) «4»
89- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «5»
90- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «6»
__________
(1) التوبة: 17 مدنية
(2) التوبة: 23 مدنية
(3) التوبة: 25- 27 مدنية
(4) التوبة: 30- 32 مدنية
(5) التوبة: 37 مدنية
(6) التوبة: 40 مدنية(11/5463)
91- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49) «1»
92- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) «2»
93- وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) «3»
94- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «4»
95- اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) «5»
96- وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85) «6»
97- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90) «7»
98- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) «8»
99- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ
__________
(1) التوبة: 49 مدنية
(2) التوبة: 54- 56 مدنية
(3) التوبة: 68 مدنية
(4) التوبة: 73- 74 مدنية
(5) التوبة: 80 مدنية
(6) التوبة: 84- 85 مدنية
(7) التوبة: 90 مدنية
(8) التوبة: 97 مدنية(11/5464)
حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) «1»
100- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) «2»
101- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) «3»
102- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «4»
103- قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «5»
104- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «6»
__________
(1) التوبة: 107 مدنية
(2) التوبة: 120 مدنية
(3) التوبة: 123- 125 مدنية
(4) يونس: 1- 4 مكية
(5) يونس: 68- 70 مكية
(6) يونس: 84- 86 مكية(11/5465)
105- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) «1»
106- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «2»
107-* وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42)
قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) «3»
108- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «4»
109- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) «5»
110- قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) «6»
__________
(1) هود: 7- 9 مكية
(2) هود: 25- 27 مكية
(3) هود: 41- 43 مكية
(4) هود: 59- 60 مكية
(5) هود: 66- 68 مكية
(6) يوسف: 37 مكية(11/5466)
111-* وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «1»
112- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) «2»
113- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «3»
114- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) * مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) «4»
115- وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
__________
(1) الرعد: 5- 7 مدنية
(2) الرعد: 14 مدنية
(3) الرعد: 27 مدنية
(4) الرعد: 30- 35 مدنية(11/5467)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) «1»
116- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ()
اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2)
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «2»
117- وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما
لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ
(18) «3»
__________
(1) الرعد: 42- 43 مدنية
(2) إبراهيم: 1- 3 مكية
(3) إبراهيم: 8- 18 مكية(11/5468)
118- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) «1»
119- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26)
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) «2»
120- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38)
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) «3»
121- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88) «4»
122- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107) «5»
123- عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) «6»
124- وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (89) «7»
125- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «8»
126- قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) «9»
__________
(1) الحجر: 1- 3 مكية
(2) النحل: 26- 27 مكية
(3) النحل: 38- 39 مكية
(4) النحل: 88 مكية
(5) النحل: 106- 107 مكية
(6) الإسراء: 8 مكية
(7) الإسراء: 89 مكية
(8) الكهف: 29 مكية
(9) الكهف: 37- 38(11/5469)
127- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «1»
128-* وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) «2»
129- وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) «3»
130- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) «4»
131- أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (77)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79)
وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) «5»
__________
(1) الكهف: 56 مكية
(2) الكهف: 99- 106 (99 و102- 106 مكية، 100- 101 مدنية)
(3) مريم: 36- 37 مكية
(4) مريم: 73- 75 مكية
(5) مريم: 77- 84 مكية(11/5470)
132- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) «1»
133- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) «2»
134- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97)
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) «3»
135-* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) «4»
136- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) «5»
137-* إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) «6»
138- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42)
وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)
وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) «7»
__________
(1) الأنبياء: 30 مكية
(2) الأنبياء: 36- 40 مكية
(3) الأنبياء: 97- 98 مكية
(4) الحج: 19- 22 مدنية
(5) الحج: 25 مدنية
(6) الحج: 38 مدنية
(7) الحج: 42- 44 مدنية(11/5471)
139- وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «1»
140- وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67)
وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68)
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) «2»
141- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23)
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) «3»
142- فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32)
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34) «4»
143- وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «5»
__________
(1) الحج: 55- 57 مدنية
(2) الحج: 66- 72 مدنية
(3) المؤمنون: 23- 24 مكية
(4) المؤمنون: 32- 34 مكية
(5) المؤمنون: 117- 118 مكية(11/5472)
144- وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) «1»
145- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «2»
146- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) «3»
147- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (3) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) «4»
148- وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26) «5»
149- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32)
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) «6»
150- وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) «7»
__________
(1) النور: 39 مدنية
(2) النور: 55 مدنية
(3) النور: 57 مدنية
(4) الفرقان: 1- 5 مكية
(5) الفرقان: 25- 26 مكية
(6) الفرقان: 32- 34 مكية
(7) الفرقان: 50- 52 مكية(11/5473)
151- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55) «1»
152- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) «2»
153- وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) «3»
154- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) «4»
155- وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) «5»
156- وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) «6»
157- قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا
أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ
(54) «7»
158- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «8»
159- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «9»
160- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) «10»
__________
(1) الفرقان: 55 مكية
(2) النمل: 67 مكية
(3) القصص: 86 مكية
(4) العنكبوت: 12- 13 مكية
(5) العنكبوت: 25 مكية
(6) العنكبوت: 47 مكية
(7) العنكبوت: 52- 54 مكية
(8) الروم: 16 مكية
(9) الروم: 44- 45 مكية
(10) الروم: 58 مكية(11/5474)
161- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (21)
* وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (23) «1»
162- وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) «2»
163- قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) «3»
164- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) «4»
165- لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) «5»
166- وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) «6»
167- وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «7»
168- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) «8»
169- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «9»
170- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) «10»
__________
(1) لقمان: 21- 23 مكية
(2) لقمان: 32- 33 مكية
(3) السجدة: 29- 30 مكية
(4) الأحزاب: 1 مدنية
(5) الأحزاب: 8 مدنية
(6) الأحزاب: 25 مدنية
(7) الأحزاب: 48 مدنية
(8) الأحزاب: 64- 65 مدنية
(9) سبأ: 3 مكية
(10) سبأ: 7 مكية(11/5475)
171- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) «1»
172- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «2»
173- إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6)
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «3»
174- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) «4»
175- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «5»
176- هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (39) «6»
177- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ
__________
(1) سبأ: 31- 34 مكية
(2) سبأ: 43 مكية
(3) فاطر: 6- 7 مكية
(4) فاطر: 24- 26 مكية
(5) فاطر: 36- 37 مكية
(6) فاطر: 39 مكية(11/5476)
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «1»
178- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) «2»
179- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) «3»
180- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) «4»
181- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «5»
182- إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) * وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «6»
183-* فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) «7»
184- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «8»
185- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ
__________
(1) يس: 47 مكية
(2) يس: 69- 70 مكية
(3) ص: 1- 4 مكية
(4) ص: 27 مكية
(5) الزمر: 3 مكية
(6) الزمر: 7- 8 مكية
(7) الزمر: 32 مكية
(8) الزمر: 56- 59 مكية(11/5477)
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) «1»
186- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) «2»
187- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) «3»
188- وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49)
قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) «4»
189- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «5»
190- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا
__________
(1) الزمر: 71 مكية
(2) غافر: 4- 6 مكية
(3) غافر: 10- 14 مكية
(4) غافر: 49- 50 مكية
(5) غافر: 69- 74 مكية(11/5478)
بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85) «1»
191-* قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) «2»
192- إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) «3»
193- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27)
ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28)
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) «4»
194- وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «5»
195- ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «6»
196- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «7»
197- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ
__________
(1) غافر: 82- 85 مكية
(2) فصّلت: 9 مكية
(3) فصّلت: 14 مكية
(4) فصّلت: 26- 29 مكية
(5) الشورى: 26 مكية
(6) الأحقاف: 3- 7 مكية
(7) الأحقاف: 20 مكية(11/5479)
تَكْفُرُونَ (34) «1»
198- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «2»
199- وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «3»
200- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) «4»
201- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) «5»
202- وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) «6»
203- وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) «7»
204- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «8»
__________
(1) الأحقاف: 34 مكية
(2) محمد: 1- 4 مدنية
(3) محمد: 8- 12 مدنية
(4) محمد: 32 مدنية
(5) محمد: 34 مدنية
(6) الفتح: 13 مدنية
(7) الفتح: 22 مدنية
(8) الفتح: 25- 26 مدنية(11/5480)
205- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «1» «2»
206- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «3»
207- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) «4»
208- وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) «5»
209- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) «6»
210- أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «7»
211- وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14)
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) «8»
__________
(1) الفتح: 29 مدنية
(2) الكفر المذكور أولا بمعنى الكفر بالوحدانية أما المذكور ثانيا (ليغيظ بهم الكفار) فالمراد به معنى التغطية للنبات (أي الزرع) .
(3) الحجرات: 7 مدنية
(4) ق: 1- 3 مكية
(5) ق: 19- 26 مكية
(6) الذاريات: 60 مكية
(7) الطور: 41- 43 مكية
(8) القمر: 13- 16 مكية(11/5481)
212- يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13)
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) «1»
213- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «2»
214- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5) «3»
215- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «4»
216-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (17) «5»
__________
(1) الحديد: 13- 15 مدنية
(2) الحديد: 19 مدنية
(3) المجادلة: 5 مدنية
(4) الحشر: 2 مدنية
(5) الحشر: 11- 17 مدنية(11/5482)
217- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) «1»
218- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «2»
219- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) «3»
220- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14) «4»
221- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) «5»
222- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
«6»
223- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) «7»
__________
(1) الممتحنة: 10- 11 مدنية
(2) الممتحنة: 13 مدنية
(3) الصف: 7- 8 مدنية
(4) الصف: 14 مدنية
(5) المنافقون: 1- 3 مدنية
(6) التغابن: 1- 2 مدنية
(7) التغابن: 5- 7 مدنية(11/5483)
224- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) «1»
225- يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) «2»
226- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) «3»
227- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «4»
228- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) «5»
229- فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) «6»
230- وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52) «7»
231- وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) «8»
232- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) «9»
233- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
__________
(1) التغابن: 10 مدنية
(2) التحريم: 7 مدنية
(3) التحريم: 9- 10 مدنية
(4) الملك: 6- 11 مكية
(5) الملك: 20 مكية
(6) الملك: 27- 28 مكية
(7) القلم: 51- 52 مكية
(8) الحاقة: 48- 51 مكية
(9) المعارج: 1- 2 مكية(11/5484)
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «1»
234- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) «2»
235- فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) «3»
236- فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) «4»
237- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «5»
238- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً (4) «6»
239- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) «7»
240-نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
(40) «8»
241- وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «9»
242- فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35)
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) «10»
__________
(1) المعارج: 36- 44 مكية
(2) نوح: 26- 27 مكية
(3) المزمل: 17- 18 مكية
(4) المدثر: 8- 10 مكية
(5) المدثر: 31 مدنية وبقية السورة مكية
(6) الإنسان: 2- 4 مدنية
(7) الإنسان: 24 مدنية
(8) النبأ: 40 مكية
(9) عبس: 40- 42 مكية
(10) المطففين: 34- 36 مكية(11/5485)
243- فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20)
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) «1»
244- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (20) «2»
245- إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15)
وَأَكِيدُ كَيْداً (16)
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17) «3»
246- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) «4»
247- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) «5»
248- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) «6»
249- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) «7»
250- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3)
وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «8»
الكفر بمعنى كفران النعمة:
251- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «9»
__________
(1) الإنشقاق: 20- 23 مكية
(2) البروج: 17- 20 مكية
(3) الطارق: 15- 17 مكية
(4) الغاشية: 21- 24 مكية
(5) البلد: 19- 20 مكية
(6) البينة: 1 مدنية
(7) البينة: 6 مدنية
(8) الكافرون: 1- 6 مكية
(9) البقرة: 61 مدنية(11/5486)
252- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «1»
253- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275)
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) «2»
254- وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116) «3»
255-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «4»
256- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (54)
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) «5»
257- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) «6»
__________
(1) البقرة: 264 مدنية
(2) البقرة: 275- 276 مدنية
(3) آل عمران: 115- 116 مدنية
(4) المائدة: 12 مدنية
(5) التوبة: 54- 56 مدنية
(6) يوسف: 87 مكية(11/5487)
258-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) «1»
259- وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) «2»
260- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) «3»
261- يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) «4»
262- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) «5»
263- وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) «6»
264- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) «7»
265- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80)
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) «8»
__________
(1) إبراهيم: 28- 30 مكية
(2) إبراهيم: 34 مكية
(3) النحل: 72- 73
(4) النحل: 83- 84 مكية
(5) النحل: 112 مكية
(6) الإسراء: 26- 27 مكية
(7) الإسراء: 67- 69 مكية
(8) الكهف: 80- 81 مكية(11/5488)
266- قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) «1»
267- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) «2»
268- وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82) «3»
269- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «4»
270- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) «5»
271- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) «6»
272- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «7»
__________
(1) الشعراء: 18- 20 مكية
(2) النمل: 40- 43 مكية
(3) القصص: 82 مكية
(4) العنكبوت: 67- 68 مكية
(5) الروم: 33- 34 مكية
(6) لقمان: 12 مكية
(7) الشورى: 47- 48 مكية(11/5489)
الكفر بمعنى الجحود:
273- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) «1»
274- وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) «2»
275- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) «3»
276- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121)
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) «4»
277- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ
(217) «5»
278- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «6»
279- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20)
__________
(1) البقرة: 34 مدنية
(2) البقرة: 41 مدنية
(3) البقرة: 85 مدنية
(4) البقرة: 121- 122 مدنية
(5) البقرة: 217 مدنية
(6) آل عمران: 1- 4 مدنية(11/5490)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) «1»
280- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) «2»
281- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (98) «3»
282- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «4»
283- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) «5»
284- وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) «6»
285- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) «7»
286- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
__________
(1) آل عمران: 19- 21 مدنية
(2) آل عمران: 70- 71 مدنية
(3) آل عمران: 96- 98 مدنية
(4) آل عمران: 112 مدنية
(5) النساء: 155- 156 مدنية
(6) النساء: 161 مدنية
(7) المائدة: 44 مدنية(11/5491)
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «1»
287- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) «2»
288- وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «3»
289- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «4»
290- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «5»
291- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) «6»
292- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8) «7»
__________
(1) المائدة: 64 مدنية
(2) المائدة: 101- 104 مدنية
(3) الأنعام: 7 مكية
(4) هود: 17- 20 مكية
(5) القصص: 48 مكية
(6) العنكبوت: 23 مكية
(7) الروم: 8 مكية(11/5492)
293- وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) «1»
294- وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) «2»
295- وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) «3»
296- وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) «4»
297- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) «5»
298- وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) «6»
299- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) «7»
300- اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) «8»
301-* أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «9»
__________
(1) الروم: 13 مكية
(2) الروم: 51 مكية
(3) السجدة: 10 مكية
(4) سبأ: 53- 54 مكية
(5) يس: 63- 65 مكية
(6) الصافات: 167- 170 مكية
(7) ص: 71- 74 مكية
(8) الزمر: 62- 63 مكية
(9) غافر: 21- 25 مكية(11/5493)
302- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41)
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «1»
303- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) «2»
304- وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) «3»
305-* قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) «4»
306- وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) «5»
307- هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) «6»
308- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «7»
__________
(1) فصّلت: 41- 42 مكية
(2) فصّلت: 49- 52 مكية
(3) الزخرف: 15 مكية
(4) الزخرف: 24 مكية
(5) الزخرف: 30- 33 مكية
(6) الجاثية: 11 مكية
(7) الجاثية: 27- 31 مكية(11/5494)
309- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «1»
الكفر بمعنى التبرؤ:
310- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «2»
311- إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) «3»
__________
(1) الأحقاف: 10- 11 (10 مدنية، 11 مكية)
(2) النساء: 60 مدنية
(3) فاطر: 14 مكية(11/5495)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الكفر)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألم تري أنّ قومك لمّا بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم. فقلت يا رسول الله ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال: «لولا حدثان قومك بالكفر» . فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أرى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر «1» إلّا أنّ البيت لم يتمّم على قواعد إبراهيم» ) *. «2»
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة» قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة، وسأخبركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض» ) * «3»
3- (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ أناسا من الأنصار قالوا، يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش. المائة من الإبل. قالوا: يغفر الله لرسول الله. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم!. قال أنس بن مالك فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم. فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال:
«ما حديث بلغني عنكم؟» فقال له فقهاء الأنصار:
أمّا ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسوله. يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فو الله! لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» فقالوا: بلى يا رسول الله! قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة.
فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله. فإنّي على الحوض» .
قالوا: سنصبر) * «4» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: «أليس الّذي أمشاه على رجليه في الدّنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» ؟) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضافه ضيف كافر فأمر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشاة فحلبت فشرب. ثمّ أخرى فشربه. ثمّ أخرى
__________
(1) يليان الحجر: أي يقربان منه، والحجر: اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي.
(2) البخاري- الفتح 6 (3368) واللفظ له. ومسلم (1333) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6528) . ومسلم (221) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 7 (3793) . ومسلم (1059) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 11 (6523) . ومسلم (2806) واللفظ له.(11/5496)