صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟
فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال:
ردّوها. فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «1» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من بني زريق يقال له: لبيد ابن الأعصم، حتّى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخيّل إليه أنّه كان يفعل الشيء وما فعله. حتّى إذا كان ذات يوم- أو ذات ليلة- وهو عندي لكنّه دعا ودعا ثمّ قال: «يا عائشة:
أشعرت أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليّ، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ فقال: مطبوب «2» .
قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أيّ شيء؟ قال: في مشط ومشاطة «3» ، وجفّ «4» طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان «5» » . فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناس من أصحابه. فجاء فقال:
يا عائشة، كأنّ ماءها نقاعة الحنّاء، وكأنّ رؤوس نخلها رؤوس الشّياطين. قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟ قال: «قد عافاني الله، فكرهت أن أثير على النّاس فيه شرّا» فأمر بها فدفنت) * «6» .
5-* (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم.
وكان له ساحر. فلّما كبر قال للملك:، إنّي قد كبرت، فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر. فبعث إليه غلاما يعلّمه. فكان في طريقه- إذا سلك- راهب. فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب وقعد إليه. فإذا أتى السّاحر ضربه. فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال: إذا خشيت السّاحر فقل:
حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّة عظيمة قد حبست النّاس. فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة.
حتّى يمضي النّاس. فرماها فقتلها. ومضى النّاس فأتى الرّاهب فأخبره. فقال له الرّاهب: أي بنيّ، أنت اليوم أفضل منّي. قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ ... الحديث) * «7» .
6-* (عن عامر بن سعد عن أبيه- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من اصطبح كلّ يوم
__________
(1) مسلم (868) .
(2) مطبوب: مسحور.
(3) المشاطة: ما يسقط من الشعر إذا مشط، والمشاقة من مشاقة الكتان.
(4) الجف: بضم الجيم: وعاء الطلع وهو الذي يضم بداخله جنين البلح أو حبوب اللقاح.
(5) بئر ذروان بالمدينة: في بستان بني زريق.
(6) البخاري- الفتح 10 (5763) واللفظ له. ومسلم (2189) .
(7) مسلم (3005) .(10/4598)
تمرات عجوة لم يضرّه سمّ ولا سحر ذلك اليوم إلى اللّيل» وقال غيره: سبع تمرات) * «1» .
7-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من أتى عرّافا أو ساحرا أو كاهنا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتبس علما من النّجوم اقتبس شعبة من السّحر، زاد ما زاد» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (السحر) معنى
9-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النّشرة «4» . فقال: «هي من عمل الشّيطان» ) * «5» .
10-* (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إنّي حديث عهد بجاهليّة وقد جاء الله بالإسلام، وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم» (قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنكم» ) * «6» .
11-* (عن بعض أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» ) * «7» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى كاهنا فصدّقه بما يقول، أو أتى امرأة حائضا، أو أتى امرأة في دبرها فقد برىء ممّا أنزل الله على محمّد» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (السحر)
1-* (عن عمرو بن أوس، عن بجالة بن عبيد، قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: «اقتلوا كلّ ساحر، وفرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزّمزمة، فقتلنا في يوم ثلاث سواحر، وفرّقنا بين كلّ رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1. (5768) واللفظ له. مسلم (2047) .
(2) الترغيب والترهيب للمنذري (4/ 36) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات.
(3) أبو داود (3905) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (2/ 739) برقم (3305) .
(4) النشرة: حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر.
(5) أبو داود (3868) واللفظ له. أحمد في المسند (3/ 294) . وحسنه الحافظ في الفتح (10/ 244) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 102) وقال: رواه البزار والطبراني في «الأوسط» ورجال البزار رجال الصحيح.
(6) مسلم (537) .
(7) مسلم (2230) .
(8) أبو داود (3904) ، وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (2/ 739) برقم (3304) .
(9) البخاري- الفتح (3156) ورواه أبو داود (3043) ، وصححه الألباني صحيح سنن أبي داود (2/ 589) (3043) . والترمذي رقم (1586) وأحمد في «المسند» (1/ 190 و191) وانظر «جامع الأصول» (2/ 658- 670) .(10/4599)
2-* (عن عبد الرّحمن بن سعد بن زرارة أنّه بلغه: «أنّ حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتلت جارية لها سحرتها» ) * «1» .
3-* (قال النّوويّ: «عمل السّحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عدّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من السّبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كافر، وإلّا فلا، وأمّا تعلّمه وتعليمه فحرام» ) * «2» .
4-* (قال القرطبيّ: «السّحر حيل صناعيّة يتوصّل إليها بالاكتساب غير أنّها لدقّتها لا يتوصّل إليها إلّا آحاد النّاس، ومادّته الوقوف على خواصّ الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته» ) * «3» .
5-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: «أرباب السّحر والنّيرنجيّات «4» وعمل الكيمياء «5» وأمثالهم ممّن يدخل في الباطل الخفيّ الدّقيق يحتاج إلى أعمال عظيمة، وأفكار عميقة، وأنواع من العبادات والزّهادات والرّياضات ومفارقة الشّهوات والعادات ثمّ آخر أمرهم الشّكّ بالرّحمن وعبادة الطّاغوت والشّيطان وعمل الذّهب المغشوش والفساد في الأرض، والقليل منهم ينال بعض غرضه الّذي لا يزيده من الله إلّا بعدا، وغالبهم محروم مأثوم يتمنّى الكفر والفسوق والعصيان وهو لا يحصل إلّا على نقل الأكاذيب وتمنّى الطّغيان، سمّاعون للكذب، أكّالون للسّحت، عليهم ذلّة المفترين» ) * «6» .
6-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (الفلق/ 4) : «وهذا الشّرّ هو شرّ السّحر؛ فإنّ النّفّاثات في العقد هنّ السّواحر اللّاتي يعقدن الخيوط وينفثن على كلّ عقدة حتّى ينعقد ما يردن من السّحر. والنّفث هو النّفخ مع ريق، وهو دون التّفل، وهو مرتبة بينهما. والنّفث فعل السّاحر فإذا تكيّفت نفسه بالخبث والشّرّ الّذي يريده بالمسحور ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقد نفخا معه ريق فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشّرّ والأذى مقترن بالرّيق الممازج لذلك، وقد تساعد هو والرّوح الشّيطانيّة على أذى المسحور فيقع فيه السّحر بإذن الله الكونيّ القدريّ لا الأمريّ الشّرعيّ. فإن قيل: فالسّحر يكون من الذّكور والإناث، فلم خصّ الاستعاذة من الإناث دون الذّكور؟ والجواب المحقّق: أنّ النّفّاثات هنا هنّ الأرواح والأنفس النّفّاثات لا النّساء النّفّاثات لأنّ تأثير السّحر إنّما هو من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشّرّيرة، وسلطانه إنّما يظهر منها فلهذا ذكرت النّفّاثات هنا بلفظ التّأنيث دون التّذكير. والله أعلم» ) * «7» .
__________
(1) موطأ مالك (663) ، وذكره ابن القيم في ازاد المعاد (5/ 67) وصحح إسناده الأرناؤوطيان في تعليهما عليه..
(2) فتح الباري (10/ 235) .
(3) الفتح (1/ 233) .
(4) النيرنجيات: أخذ كالسحر وليس به، إنما هو تشبيه وتلبيس.
(5) وربما كان مقصد شيخ الإسلام وغايته أن بعض الناس يصنعون حديدا فيستخرجون الكيمياء ليضرب اللون الأصفر ليشتريه المشتري على أنه ذهبا فإذا أحمه ورآه بعد هذه وجده حديدا.
(6) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (5/ 62) .
(7) التفسير القيم، للإمام ابن القيم (563، 564) .(10/4600)
7-* (وقال أيضا- رحمه الله-: «وفي كتب السّحر والسّرّ المكتوم من هذا عجائب، ولهذا كلّما كان السّاحر أكفر وأخبث وأشدّ معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ، وكان سحر عبّاد الأصنام أقوى من سحر أهل الكتاب، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام، وهم الّذين سحروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمقصود: أنّ السّاحر والحاسد كلّ منهما قصده الشّرّ، لكنّ الحاسد بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود، والشّيطان يقترن به ويعينه ويزيّن له حسده ويأمره بموجبه، والسّاحر بعلمه وكسبه وشركه واستعانته بالشّياطين» ) * «1» .
8-* (قال ابن خلدون: «السّاحر لا يصدر منه الخير، ولا يستعمل في أسباب الخير» ) * «2» .
الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة
(1) الاستعاذة بالله، وقد أرشدنا القرآن إلى الاستعاذة في غير موضع من كتابه قال تعالى وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ (فصلت/ 36) .
(2) تقوى الله وحفظه عند أمر الله ونهيه، فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه ولم يكله إلى غيره وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (الطلاق/ 2) .
(3) التّوكّل على الله والاعتماد عليه، فمن توكّل على الله فهو حسبه.
(4) تجريد التّوبة إلى الله من الذّنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه؛ فإنّ الله تعالى يقول وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ 30) .
(5) الصّدقة والإحسان؛ فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء والسّحر والحسد.
(6) الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة.
(7) استخراج السّحر وإبطاله، وهذه من طرق علاج السّحر بعد وقوعه.
(8) استعمال الأدوية المباحة شرعا والّتي يعرفها الأطبّاء وأهل العلم «3» .
من مضار (السحر)
(1) يفرّق بين المرء وزوجه.
(2) السّاحر معول هدم في المجتمع.
(3) عمل بغيض وخلق ذميم.
(4) السّحر شرك بالله وكفر به.
(5) يغضب الرّبّ ويسخط العبد.
(6) يورث خسران الدّنيا والآخرة.
(7) فيه هلاك للسّاحر وضرر بالمسحور.
__________
(1) التفسير القيم، للإمام ابن القيم (ص 581) .
(2) مقدمة ابن خلدون (630) .
(3) انظر عالم السحر والشعوذة، د. عمر سليمان الأشقر (ص 199، 207) .(10/4601)
السخرية
السخرية لغة:
هي الاسم من الفعل «سخر» والمصدر من ذلك هو «السّخر، والمسخر والسّخر بالضّمّ، قال أعشى باهلة:
إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها ... من علو، لا عجب منه ولا سخر
«1» وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة «س خ ر» الّتي تدلّ على «احتقار واستذلال» ومن ذلك أيضا قولهم: سخّر الله- عزّ وجلّ- الشّيء، وذلك إذا ذلّلّه لأمره وإرادته، ومن الباب سخرت منه: إذا هزئت به «2» ، وفي كتاب الله- عزّ وجلّ-: فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (هود/ 38) ، وقال الجوهريّ يقال سخرت منه وسخرت به كما يقال: ضحكت منه، وبه، وهزئت منه، وبه «3» .
وقال الفرّاء: يقال سخرت منه ولا يقال:
سخرت به، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
14/ 7/ 18
(الحجرات/ 11) ، قال: وسخرت منه هي اللّغة الفصيحة وقول الرّاعي:
تغيّر قومي ولا أسخر ... وما حمّ من قدر يقدر
المعنى: لا أسخر منهم «4» وفي الحديث «أتسخر منّي وأنت الملك أي أتستهزيء بي.
وقال الفيروزاباديّ: سياقة إلى الغرض المختصّ به قهرا، والمسخّر هو المقيّض للفعل، والسّخريّ: هو الّذي يقهر لنا بإرادته، وسخرت منه:
أي سخّرته للهزء منه، ويقال: رجل سخرة لمن يسخر كبرا، وسخرة كصبرة لمن يسخر منه. والسّخرية أيضا فعل السّاخر «5» .
وقول الله- عزّ وجلّ-: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا (المؤمنون/ 110) بالضّمّ والكسر «6» ، حمل على التسخير وعلى السّخرية، ويدلّ على الوجه الثّاني (السّخرية) قوله بعده وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (المؤمنون/ 110) «7» ، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: فرّق أبو عمرو بينهما (أي بين القراءتين) فجعل
__________
(1) الصحاح 2/ 679.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 144.
(3) الصحاح 2/ 680، وقد حكى ذلك عن أبي زيد- وذكر أن تعديته بالباء أردأ اللغتين.
(4) لسان العرب 4/ 352.
(5) بصائر ذوي التمييز 3/ 203.
(6) هي بالضّم قراءة حمزة وعاصم والكسائي وبالكسر باقي السبعة (القرطبي 12/ 154) .
(7) بصائر ذوي التمييز 3/ 203.(10/4602)
المكسورة من جهة التّهزّؤ، والمضمومة من جهة السّخرة، وقال الكسائيّ هما لغتان بمعنى واحد كما يقال عصيّ وعصيّ، وحكى القرطبيّ عن بعضهم أنّ الكسر (سخريّا) بمعنى: الاستهزاء والسّخرية بالقول. والضّم (سخريّا) بمعنى التّسخير والاستعباد بالفعل «1» . والاستسخار، أن يدعو بعض النّاس بعضا إلى السخرية، وبهذا فسّر قول الله تعالى:
وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (الصافات/ 14) قال الرّمّانيّ معناه يدعو بعضهم بعضا إلى أن يسخر (بها) ، وقيل المعنى يسخرون، كما في قولهم: علا قرنه واستعلاه، وعجب من كذا واستعجب «2» ، وعلى هذا يكون معنى قول الله تعالى: يَسْتَسْخِرُونَ يسخرون ويستهزئون «3» ، يقول العلّامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: يستسخرون: يستهزئون (عن قتادة ومجاهد) «4» ، وقال أبو حيّان: يكون استسخر هنا بمعنى المجرّد (أي سخر) وقيل فيه معنى الطّلب «5» أي يطلبون أن يكونوا ممّن يسخرون «6» ، وقال بعضهم: المعنى هنا هو المبالغة أي إنّهم يبالغون في السّخرية «7» . ويقال رجل سخرة، أي يسخّر في الأعمال يتسخّره من قهره، وكلّ ما ذلّ وانقاد أو تهيّأ لك على ما تريد فقد سخّر لك «8» .
السخرية اصطلاحا:
قال المناويّ: السّخرية هي استزراء العقل معنى، بمنزلة التّسخير «9» في الفعل حسّا، ونقل عن ابن الكمال قوله: السّخرية تكون من شيء يحقّ عند صاحبه ولا يحقّ عند السّاخر «10» .
الفرق بين السّخرية والهزء:
تغاضى بعض العلماء عن الفرق الدّقيق بين السّخرية والاستهزاء الّذي هو ارتياد الهزء فقال: إنّ السخرية والاستهزاء معناهما واحد «11» وعلى ذلك فسّر كثيرون: السّخرية بالاستهزاء «12» . ولكنّ الواقع اللّغويّ وتأمّل ما ورد من ذلك في القرآن الكريم يشيران إلى وجود نوع من الفرق بينهما، حتّى وإن كان هذا الفرق قد يتناسى أحيانا فيستعمل أحدهما في المعنى الّذي يستعمل فيه الآخر، ويتمثّل هذا الفرق في أنّ الهزء: هو إظهار الجدّ وإخفاء الهزل فيه «13» ، أي أنّه يكون بالقول المصحوب بسوء النّيّة، ولا يشترط فيه أن
__________
(1) تفسير القرطبي 12/ 155.
(2) المراد ان الاستسخار والسخرية بمعنى واحد.
(3) بتصرف يسير من لسان العرب 4/ 353.
(4) تفسير ابن كثير 4/ 4.
(5) وذلك على أصل معنى صيغة استفعل.
(6) تفسير البحر المحيط 7/ 340.
(7) السابق، الصفحة نفسها.
(8) لسان العرب 4/ 354.
(9) في الأصل بمنزلة الاستنخار ولا معنى له هنا، والتصويب مستفاد ممّا ذكره صاحب البصائر.
(10) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 192) بتصرف يسير.
(11) انظر مثلا: الصحاح للجوهري (1/ 83) حيث فسر الاستهزاء بالسخرية، وغذاء الألباب للسفاريني 1/ 131
(12) انظر مثلا، تفسير ابن كثير 4/ 4 حيث فسر يستسخرون ب «يستهزئون» .
(13) التوقيف على مهمات التعاريف ص 343، وقد ذكر أنّ المراد بالهزل عرفا ألّا يراد باللّفظ معناه الحقيقي ولا المجازيّ (وإنّما يكون كناية عن التحقير) .(10/4603)
يسبقه فعل من أجله يستهزأ بصاحبه من أجل ذلك الفعل، أمّا السّخرية فإنّها تكون بالفعل أو بالإشارة.
وتكون بالقول «1» ، ويسبقها في العادة فعل من أجله يسخر بصاحبه، ويتلخّص من ذلك أنّ بينهما فرقا من جهتين «2» : الأولى السّخرية تكون بالفعل وبالقول، والهزء لا يكون إلّا بالقول، الثّانية: أنّ السّخرية يسبقها عمل من أجله يسخر بصاحبه، أما الاستهزاء فلا يسبقه ذلك «3» .
الهمز واللمز من السّخرية:
قال القرطبيّ: قال سفيان الثّوريّ: الهمزة:
الّذي يهمز بلسانه، واللّمزة: الّذي يلمز بعينيه، وقال ابن كيسان: الهمزة الّذي يؤذي جلساءه بسوء اللّفظ واللّمزة: الّذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه «4» (سخرية به) .
ويقول يحيى المعلّميّ: الهمز: هو السّخرية من النّاس بالإشارة كتحريك اليد قرب الرّأس إشارة إلى الوصف بالجنون، أو الوغض بالعين رمزا للاستخفاف، أو نحو ذلك من الحركات واللّمز: هو السّخرية من النّاس بالقول، كتسمية الشّخص باسم يدلّ على عاهة فيه أو مرض، أو اتّهامه بخليقة سيّئة، أو التّعريض بذلك «5» .
التنابز بالألقاب من السّخرية:
قال الطّبريّ- رحمه الله تعالى- التّنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهيه ذلك، ولم يخصّص به بعض الألقاب دون بعض، وغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها «6» ، ولمّا كانت آية السّخرية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ.... (الحجرات/ 11) ، فيما يقوله أنس وابن زيد في نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عيّرن صفيّة بالقصر وقيل: نزلت في عائشة- رضي الله عنها أشارت بيدها إلى صفيّة، (قائلة) يا نبيّ الله إنّها لقصيرة، وقال عكرمة وابن عبّاس أنّ صفيّة بنت حييّ قالت: يا رسول الله: إنّ النّساء يعيّرنني ويقلن لي: يا يهوديّة «7» .. إلخ الحديث.
كلّ ذلك يدلّ على أنّ التّنابز بالألقاب إنّما هو داخل في مفهوم السّخرية، كما دخل فيها مفهوم الهمز واللّمز. ومن ثمّ يكون ذكر اللّمز والتّنابز بعد ذكر
__________
(1) انظر مكارم الأخلاق في القرآن الكريم ليحيى المعلمي ص 333.
(2) انظر الفروق لأبي هلال العسكري ص 249.
(3) ذكرنا قبلا أن الفرق بينهما قد يتناسى فيستعمل أحدهما مكان الآخر، ومن ثمّ يكون بين السّخرية والاستهزاء ترادف جزئي يتّفقان في المعنى أحيانا ويفترقان في أحيان أخرى.
(4) تفسير القرطبي 20/ 183، وقد ذكر في الآية الكريمة تفسيرات أخرى، تنظر هناك، وقد نقل عنه الطبري في ج 16 ص 327 ما يفيد العكس.
(5) مكارم الأخلاق في القرآن الكريم ليحيى المعلمي ص 333.
(6) تفسير القرطبي مجلد 11 ج 26 ص 85.
(7) انظر الحديث رقم (7) (المثل التطبيقي) .(10/4604)
السّخرية من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ، اهتماما به، ونظير ذلك قول الله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (الرحمن/ 68) إذ النّخل والرّمّان من الفاكهة أيضا.
التّهكّم والتّعيير:
المراد بالتّهكّم: ما كان ظاهره جدّا وباطنه هزلا، يقول الكفويّ: ولا تخلو ألفاظ التّهكّم من لفظ من الألفاظ الدّالّة على الذّمّ أو لفظة معناها الهجو «1» .
ومن ثمّ كان التّهكّم من السّخرية، أمّا التّعيير بالفقر أو الذّنب أو العلّة أو ما شابه ذلك فقد نصّوا على أنّه من السّخرية، يقول الإمام الطّبريّ: «عمّ الله بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السّخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك» «2» .
حكم السّخرية:
يفهم من نهي المولى عزّ وجلّ عن السّخرية بأنواعها المختلفة أنّها حرام، يقول الإمام السّفّارينيّ:
وتحرم السّخرية والهزء لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ... الآية «3» ولنهيه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك في مواضع عديدة «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستهزاء- الإساءة- التحقير- سوء الخلق- الغرور- الكبر والعجب- المن- الأذى- الهجاء- سوء المعاملة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان البشاشة- حسن الخلق- الرأفة- الرحمة- الصفح طلاقة الوجه- المحبة- النصيحة- الأدب- حسن المعاملة- حسن العشرة] .
__________
(1) الكليات للكفوي 2/ 87.
(2) تفسير الطبري مجلد 11 ج 26 ص 83.
(3) انظر غذاء الألباب للسفاريني 1/ 135.
(4) انظر المواضع التي وردت في النهي عن ذلك: الأحاديث الواردة في هذه الصفة.(10/4605)
الآيات الواردة في «السخرية»
1- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «1»
2- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «2»
3- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) «3»
4- وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) «4»
5- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) «5»
6- وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «6»
__________
(1) البقرة: 212 مدنية
(2) الأنعام: 10 مكية
(3) التوبة: 79- 80 مدنية
(4) هود: 36- 39 مكية
(5) الأنبياء: 41 مكية
(6) المؤمنون: 103- 111 مكية(10/4606)
7- بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13)
وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) «1»
8- وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63) «2»
9- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) «3»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) «4»
الآيات الواردة في «السخرية» معنى
11- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) «5»
12- وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) «6»
13- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32)
وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35)
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) «7»
14- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) «8»
__________
(1) الصافات: 12- 14
(2) ص: 62- 63 ص
(3) الزمر: 55- 56 مكية
(4) الحجرات: 11 مدنية
(5) التوبة: 58 مدنية
(6) القلم: 10- 13 مكية
(7) المطففين: 29- 36 مكية
(8) الهمزة: 1- 4 مكية(10/4607)
الأحاديث الواردة في ذمّ (السخرية)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل النّار خروجا منها، وآخر أهل الجنّة دخولا، رجل يخرج من النّار حبوا «1» ، فيقول الله: اذهب فادخل الجنّة.
فيأتيها فيخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنّة: قال: فيأتيها فيخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتها ملأى، فيقول اذهب فادخل الجنّة فإنّ لك مثل الدّنيا وعشرة أمثالها، أو إنّ لك عشرة أمثال الدّنيا- فيقول تسخر منّي (أو تضحك منّي) وأنت الملك؟» . فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه «2» . وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنّة منزلة) * «3» .
2-* (عن أمّ هانيء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ (العنكبوت/ 29) قال: «كانوا يخذفون «4» أهل الأرض ويسخرون منهم» ) * «5» .
3-* (عن يعلى بن أميّة قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه جبّة وعليه درع من زعفران، فقال: يا رسول الله، إنّي أحرمت فيما ترى، والنّاس يسخرون منّي وأطرق هنيهة، قال: ثمّ دعاه، فقال:
«اخلع عنك هذه الجبّة واغسل عنك هذا الزّعفران، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك» ) * «6» .
4-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فرق الأرز «7» فليكن مثله» ، قالوا: يا رسول الله، وما صاحب فرق الأرز؟. قال: «خرج ثلاثة فغيّمت عليهم السّماء، فدخلوا غارا، فجاءت صخرة من أعلى الجبل حتّى طبّقت «8» الباب عليهم، فعالجوها، فلم يستطيعوها، فقال بعضهم لبعض: لقد وقعتم في أمر عظيم، فليدع كلّ رجل بأحسن ما عمل، لعلّ الله تعالى أن ينجينا من هذا. فقال أحدهم: اللهمّ إنّك تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحلب حلابهما، فأجيئهما وقد ناما، فكنت أبيت قائما
__________
(1) حبوا: قال أهل اللغة: الحبو: المشي على اليدين والرجلين، أو اليدين والركبتين، وربما قالوا على يديه ومقعدته.
(2) نواجذه: أنيابه وقيل الأضراس.
(3) البخاري/ الفتح 11/ حديث رقم (6571) واللفظ له. ومسلم حديث رقم (308) .
(4) يخذفون: أصل الخذف رميك بحصاة تكون بين سبابتك: أي يحقرونهم وينبذونهم.
(5) الترمذي/ كتاب التفسير حديث رقم (3190) واللفظ له، وأحمد 6/ 341، 424. وقد أطال الأرناؤوط الكلام عليه في «جامع الأصول» (2/ 297- 298) فليراجع.
(6) أحمد (4/ 242) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 205) : هو في الصحيح باختصار، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
(7) فرق أرز: مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدا.
(8) طبقت الباب: غطته.(10/4608)
وحلابهما على يدي، أكره أن أبدأ بأحد قبلهما، أو أن أوقظهما من نومهما، وصبيتي يتضاغون «1» حولي، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلته من خشيتك فافرج عنّا. قال:
فتحرّكت الصّخرة، قال: وقال الثّاني: اللهمّ إنّك تعلم أنّه كانت لي ابنة عمّ لم يكن شيء ممّا خلقت أحبّ إليّ منها، فسمتها نفسها «2» ، فقالت: لا والله دون مائة دينار، فجمعتها، ودفعتها إليها، حتّى إذا جلست منها مجلس الرّجل، فقالت: اتّق الله، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه «3» ، فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّ ما فعلته من خشيتك فافرج عنّا. قال: فزالت الصّخرة حتّى بدت السّماء، وقال الثّالث: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق من أرز، فلمّا أمسى عرضت عليه حقّه فأبى أن يأخذه، وذهب وتركني، فتحرّجت منه، وثمّرته له، وأصلحته، حتّى اشتريت منه بقرا وراعيها، فلقيني بعد حين، فقال: اتّق الله، وأعطني أجري، ولا تظلمني، فقلت، انطلق إلى ذلك البقر وراعيها فخذها، فقال: اتّق الله، ولا تسخر بي، فقلت: إنّي لست أسخر بك، فانطلق فاستاق ذلك، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلته ابتغاء مرضاتك خشية منك فافرج عنّا، فتدحرجت الصّخرة، فخرجوا يمشون» ) * «4» .
5-* (عن عبد الرّحمن بن يزيد عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رجل: إنّي لأرى صاحبكم يعلّمكم كيف تصنعون، حتّى إنّه ليعلّمكم إذا أتى أحدكم الغائط. قال: قلت نعم، أجل ولو سخرت، بأنّه ليعلّمنا كيف يأتي أحدنا الغائط، وإنّه ينهانا أن يستقبل أحدنا القبلة وأن يستدبرها، وأن يستنجي أحدنا بيمينه، وأن يتمسّح أحدنا برجيع ولا عظم، وأن يستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في النهي عن (السخرية)
6-* (عن عائشة رضي الله عنها- قالت:
قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حسبك من صفيّة كذا وكذا.
قال- غير مسدّد «6» - تعني قصيرة. فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» . قالت: وحكيت
__________
(1) يتضاغون: يصيحون ويبكون.
(2) فسمتها نفسها: من السوم والمساومة وهو المجاذبة بين البائع والمشتري حول السلعة.
(3) لا تفض الخاتم إلا بحقه: أي لا تكسر الخاتم، وكنّت بالخاتم عن عذرتها، أرادت أنها لا تحل له أن يقربها إلا بحق ذلك.
(4) مسند أحمد 2/ 116 قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح ورواه البخاري ومسلم بنحوه.
(5) أحمد في المسند (5/ 437) ، وأصله عند مسلم في الطهارة (262) .
(6) اول راو من رواة الحديث.(10/4609)
له إنسانا، فقال: ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» ) * «1» .
7- عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال:
إنّي ساببت رجلا «2» فعيّرته بأمّه «3» ، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة «4» .
إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (السخرية)
1-* (في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ... الآية.
قال ابن عبّاس: نزلت في ثابت بن قيس بن شمّاس، كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه إلى مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو سعوا له إذا أتى حتّى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا انصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كلّ رجل منهم بمجلسه، وعضّوا فيه «6» فلا يكاد يوسع أحد لأحد، حتّى يظلّ الرّجل لا يجد مجلسا فيظلّ قائما. فلمّا انصرف ثابت من الصّلاة تخطّى رقاب النّاس، ويقول: تفسّحوا، تفسّحوا، ففسحوا له حتّى انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبينه وبينه رجل، فقال له: تفسّح، فقال له الرّجل: قد وجدت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت من خلفه مغضبا، ثمّ قال: من هذا؟ قالوا: فلان. فقال ثابت:
ابن فلانة! يعيّره بها، يعني أمّا له في الجاهليّة، فاستحيا الرّجل. فنزلت) * «7» .
2-* (وقال الضّحّاك: نزلت في وفد بني تميم، كانوا يستهزئون بفقراء الصّحابة مثل عمّار، وخبّاب.
وبلال، وصهيب، وسلمان، وسالم- مولى أبي حذيفة-، وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الّذين آمنوا منهم) * «8» .
3-* (وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا:
ابن فرعون هذه الأمّة. فشكا ذلك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزلت) * «9» .
4-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. الآية: يقول
__________
(1) أبو داود/ كتاب الأدب، حديث رقم (4875) ، والترمذي (2632) (2633) . وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «رياض الصالحين» رقم (1525) : إسناده صحيح.
(2) قيل: هذا الرجل هو بلال مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
(3) عيرته بأمه: نسبته إلى العار.
(4) فيك جاهلية: أي خصلة جاهلية.
(5) البخاري/ الفتح 1/ حديث رقم (30) .
(6) أي تمسك كل منهم بمجلسه لا يريد أن يبرحه.
(7) تفسير القرطبي ج 16/ 325.
(8) المرجع نفسه، والصفحة نفسها، وغذاء الألباب 1/ 130.
(9) تفسير القرطبي 16/ 325.(10/4610)
- تعالى ذكره-: يا أيّها الّذين صدّقوا الله ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ أي المهزوء منهم خير من الهازئين، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ أي: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرا من الهازئات) * «1» .
5-* (وقال الطّبريّ في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. الآية.
« ... إنّ الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السّخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك» ) * «2» .
6-* (وقال في قوله تعالى.. وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ.. أي: ولا يغتب بعضكم بعضا أيّها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض.
وقال: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ فجعل اللّامز أخاه لامزا نفسه، لأنّ المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره وطلب صلاحه ومحبّته الخير ولذلك روي الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:
«المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمّى والسّهر» ) * «3» .
7-* (روي عن أنس وعكرمة بن عباس- رضي الله عنهم- أنّ قوله- تعالى- وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ نزلت في صفيّة بنت حييّ بن أخطب، أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ النّساء يعيّرنني، ويقلن لي: يا يهوديّة بنت يهوديّين! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلّا قلت إنّ أبي هارون، وإنّ عمّي موسى، وإنّ زوجي محمّد» فأنزل الله هذه الآية) * «4» .
8-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ اختلف أهل التّأويل في الألقاب الّتي نهى الله عن التّنابز بها في هذه الآية: فقال بعضهم: عنى بها الألقاب الّتي يكره النّبز بها الملقّب، وقالوا: إنّما نزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه الّتي كان يدعى بها في الجاهليّة.
وقال آخرون: بل ذلك قول الرّجل المسلم للرّجل المسلم: يا فاسق، يا زاني.
وقال آخرون: بل ذلك تسمية الرّجل الرّجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسوق والأعمال القبيحة بعد التّوبة.. ثمّ قال: والّذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب أن يقال: إنّ الله- تعالى ذكره- نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتّنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهيه ذلك ولم يخصّص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه
__________
(1) تفسير القرطبي مجلد 11 ج 26/ 83.
(2) تفسير الطبري مجلد 11 ج 26/ 83.
(3) المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
(4) تفسير القرطبي ج 16 ص 326 والبحر المحيط 8/ 112، وغذاء الألباب/ السفاريني 1/ 130، 131.(10/4611)
باسم يكرهه أو صفة يكرهها) * «1» .
9-* (وفي قوله تعالى.. وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ قال القرطبيّ: أفرد النّساء بالذّكر لأنّ السّخرية منهنّ أكثر.
وقال: قال المفسّرون: نزلت في امرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سخرتا من أمّ سلمة، وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة- وهو ثوب أبيض- وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرّها، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما-: انظري! ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما) * «2» .
10-* (قال القرطبيّ عند تفسير يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. وبالجملة فينبغي ألّا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رثّ الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبيق في محادثته، فلعلّه أخلص ضميرا، وأنقى قلبا ممّن هو على ضدّ صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقّره الله، والاستهزاء بمن عظّمه الله.
ولقد بلغ بالسّلف إفراط توقّيهم وتصوّنهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الّذي صنع.
وعن عبد الله بن مسعود: البلاء موكّل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا «3» . زاد في نزهة الفضلاء: «وإنّي لأكره أن أرى الرّجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا» ) *.
11-* (قال النّيسابوريّ في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ الآية (المطففين/ 29) قال المفسّرون: هم مشركو مكّة أبو جهل، والوليد بن المغيرة وأضرابهما، كانوا يضحكون من عمّار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين «4» .
وقيل: جاء عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون، وضحكوا وتغامزوا، ثمّ رجعوا إلى أصحابهم فقالوا:
رأينا اليوم الأصلع، فضحكوا منه، فنزلت هذه الآي قبل أن يصل عليّ- كرّم الله وجهه- إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
12-* (قال الطّبريّ في تفسيره الآيات إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ..
الآيات.
إنّ الّذين اكتسبوا المآثم فكفروا بالله في الدّنيا كانوا فيها من الّذين أقرّوا بوحدانيّة الله وصدّقوا به يضحكون استهزاء منهم بهم، وكان هؤلاء الّذين
__________
(1) تفسير الطبري مجلد 11 ج 26/ 84، 85.
(2) تفسير القرطبي ج 16/ 326، والبحر المحيط ج 8/ 11
(3) تفسير القرطبي ج 16 ص 325 وانظر الاثر الاخير عن ابن مسعود في نزهة الفضلاء 1/ 85. وتفسير البحر المحيط 8/ 112.
(4) غرائب القرآن ورغائب الفرقان/ النيسابوري بها من الطبري مجلد 12 ج 30 ص 51 وتفسير القرطبي ج 19/ 267.
(5) غرائب القرآن، الصفحة نفسها.(10/4612)
أجرموا إذا مرّ الّذين آمنوا بهم يتغامزون: أي يغمز بعضهم بعضا بالمؤمن استهزاء به وسخرية) * «1» .
13-* (قال القرطبيّ في قول الله تعالى:
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي (المؤمنون/ 110) .
يستفاد من هذا: التّحذير من السّخرية والاستهزاء بالضّعفاء والمساكين والاحتقار لهم والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأنّ ذلك مبعد من الله عزّ وجلّ) * «2» .
14-* (وقال بعضهم: لو سخرت من راضع لخشيت أن يجوز بي فعله) * «3» .
15- قال العلّامة الشّيخ مرعي في أقاويل الثّقات: الاستهزاء من باب العبث والسّخرية، فمعنى يستهزيء بهم أي يجازيهم على استهزائهم، وهو من باب المشاكلة في اللّفظ ليزدوج الكلام ك وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ.
والمعنى: يعاملهم معاملة المستهزيء، أمّا في الدّنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم، واستدراجهم بالإمهال. وأمّا في الآخرة فيروى أنّه يفتح لأحدهم باب الجنّة فيسرع نحوه، فإذا سار إليه سدّ دونه، ثمّ يفتح له باب آخر، فإذا أقبل عليه سدّ دونه. وهذا الّذي قاله على طريقة الخلف. وأمّا مذهب السّلف فلا يؤوّلون ولا يكيّفون فيؤمنون بما أخبر، لا كما يخطر في أوهام البشر) * «4» .
16-* (قال الشّاعر:
المرء إن كان عاقلا ورعا ... أشغله عن عيوبه ورعه
كما السّقيم المريض يشغله ... عن وجع النّاس كلّهم وجعه
) * «5» .
17-* (وقال آخر:
لا تكشفنّ مساوي النّاس ما ستروا ... فيهتك الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
) * «6» .
18-* (عن أسير بن جابر أنّ أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممّن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ههنا أحد من القرنيّين؟ فجاء ذلك الرّجل فقال عمر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال: «إنّ رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمّ له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه، إلّا موضع الدّينار أو الدّرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم) * «7» .
__________
(1) تفسير الطبري مجلد 12 ج 30 ص 70.
(2) تفسير القرطبي 12/ 155.
(3) لسان العرب 4/ 353 (ط. بيروت) .
(4) غذاء الألباب 1/ 131 وواضح أن كلامه هذا عن قول الله تعالى في سورة (البقرة/ آية 15) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.. الآية. وانظر صفة (الاستهزاء) .
(5) تفسير القرطبي ج 16/ 327.
(6) نفسه.
(7) مسلم حديث رقم (2542) .(10/4613)
من مضار (السخرية)
(1) في السّخرية مخالفة صريحة لأمر الله عزّ وجلّ ثمّ هي جالبة لسخطه مستوجبة لعذابه.
(2) السّخرية تفكّك عرى المجتمع وتجعل المستسخر به ناقما على السّاخر متربّصا به يحاول الانتقام لنفسه.
(3) السّخرية نذير شؤم للسّاخرين، فقد كان الغرق عاقبة قوم نوح الّذين كفروا بالله وسخروا من نوح.
(4) السّخرية تفقد السّاخر الوقار وتسقط عنه المروءة.
(5) السّاخر يظلم نفسه بتحقير من وقّره الله عزّ وجلّ واستصغار من عظّمه الله.
(6) السّخرية انتهاك صريح لحقوق الإنسان عامة، ومخلّة بمبدأ تكريم الإنسان على وجه الخصوص.
(7) السّخرية تميت القلب وتورثه الغفلة حتّى إذا كان يوم القيامة ندم السّاخر على ما قدّمت يداه، ولات ساعة مندم أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (انظر الآية رقم 9) .
(8) السّخرية من سمات الكفّار والمنافقين، وقد نهينا عن التّشبّه بهم.
(9) في ارتكاب السّخرية اقتراف أمر محرّم نهى عنه الشّرع الحنيف (انظر حكم السّخرية) .
(10) السّاخرون من النّاس في الدّنيا، يسخر منهم الله عزّ وجلّ، وأنبياؤه الكرام (انظر الآيات 3، 4) .
(11) السّخرية تنسي الإنسان ذكر ربّه، وبذلك يخسر السّاخر نفسه ويلقي بها في النّار (انظر الآية 6) .
(12) السّخرية داء من أدواء الجاهليّة يجب تجنّبه والبعد عنه.
(13) اللّامز لأخيه المؤمن السّاخر منه، إنّما يلمز نفسه ويسخر منها لأنّ المؤمنين كرجل واحد.
(14) السّخرية وما في معناها من الاستهزاء بالضّعفاء والمساكين والتّحقير لهم والإزراء عليهم، كلّ ذلك مبعد من الله عزّ وجلّ (انظر الأثر رقم 13) .
(15) على السّاخر أن يتوقّع عقوبته في الدّار العاجلة أيضا بأن يحدث له مثل ما حدث للمسخور منه.(10/4614)
السخط
السخط لغة:
مصدر قولهم: سخط يسخط سخطا وسخطا وهو مأخوذ من مادّة (س خ ط) الّتى تدلّ على الكراهية للشّيء والغضب منه وعدم الرّضا به، يقال:
سخط فلان أي غضب فهو ساخط، وأسخطه أي أغضبه، ويقال: فلان مسخوط عليه أي مغضوب عليه، وتسخّط الرّجل تغضّب، يقال: البرّ مرضاة للرّبّ مسخطة للشّيطان أي يكرهه الشّيطان ولا يرضاه، والمسخوط: المنسوخ، والمساخط جمع مسخط وهو ما يحملك على السّخط، ويستعمل الفعل «سخط» لازما كما في قوله تعالى: إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة/ 58) وقد يتعدّى بالهمزة كما في قوله سبحانه ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ (محمد/ 28) .
وقد يعدّى بحرف الجرّ على، فيقال: سخط الله عليهم.
وقال ابن منظور: السّخط: الكراهة، وهو ضدّ الرّضا، والفعل منه سخط يسخط سخطا، وتسخّط وسخط الشّيء سخطا: كرهه. وسخط أي غضب، فهو ساخط. وأسخطه: أغضبه. تقول:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 31/ 5
أسخطني فلان فسخطت سخطا. وتسخّط عطاءه أي استقلّه ولم يقع موقعا. يقول: كلّما عملت له عملا تسخّطه أي لم يرضه. وفي حديث هرقل: «فهل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له؟» السّخط والسّخط:
الكراهية للشّيء وعدم الرّضا به. ومنه الحديث: «إنّ الله يسخط لكم كذا» . أي يكرهه لكم، ويمنعكم منه ويعاقبكم عليه «1» .
واصطلاحا:
الغضب الشّديد المقتضي للعقوبة، وهو من الله (السّخط) صفة فعل الله عزّ وجلّ حقيقة على ما يليق بجلاله ومن لوازمه إنزال العذاب «2» .
الفرق بين السخط والغضب:
قال الكفويّ: السّخط لا يكون إلّا من الكبراء والعظماء بخلاف الغضب فإنّه يكون منهما ومن غيرهما «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: النقمة- الجزع- الغضب- الغل- الحقد- الخبث.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرضا- السرور- الصبر والمصابرة- المحبة- البشاشة] .
__________
(1) لسان العرب (7 (312، 313) ، الصحاح (3/ 1130) ، وتاج العروس (10/ 278) ، والمفردات للراغب (227) .
(2) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (198) ، والمفردات للرلاغب (227) .
(3) الكليات (515) .(10/4615)
الآيات الواردة في «السخط»
1- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163) «1»
2- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78)
كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79)
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) «2»
3- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26)
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27)
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) «4»
__________
(1) آل عمران: 162- 163 مدنية
(2) المائدة: 78- 80 مدنية
(3) التوبة: 58 مدنية
(4) محمد: 25- 28 مدنية(10/4616)
الأحاديث الواردة في ذمّ (السخط)
1-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا «1» بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان «2» يأخذ فيكم كعقاص الغنم «3» ، ثمّ استفاضة المال «4» حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر «5» فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية «6» تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «7» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ ... الحديث، وفيه: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «8» يعرفهم أهل الجنّة.
هؤلاء عتقاء الله «9» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا.
فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول:
رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «10» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حضر المؤمن «11» أتته ملائكة الرّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّا عنك، إلى روح الله «12» وريحان، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتّى إنّه ليناوله بعضهم بعضا، حتّى يأتون به باب السّماء، فيقولون: ما أطيب هذه الرّيح، الّتي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟
فيقولون: دعوه، فإنّه كان في غمّ الدّنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمّه الهاوية. وإنّ الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى عذاب الله- عزّ وجلّ-
__________
(1) ستا: أي ست علامات لقيام الساعة، أو لظهور أشراطها المقتربة منها.
(2) ثم موتان: بضم الميم قيل هو الموت، وقيل: الموت الكثير الوقوع.
(3) كعقاص الغنم: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة.
(4) ثم استفاضة المال: أي كثرته.
(5) بني الأصفر: هم الروم.
(6) غاية: راية.
(7) البخاري- الفتح 6 (3176) .
(8) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ.
(9) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله.
(10) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له.
(11) حضر المؤمن: أي حضرته الوفاة.
(12) روح الله: أي رحمته.(10/4617)
فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتّى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الرّيح، حتّى يأتون به أرواح الكفّار» ) * «1» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص «2» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «3» ...
الحديث، وفيه: «قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك، أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم «4» شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم.
فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» ) * «6» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف غضبك ورضاك» قالت: قلت: كيف تعرف ذاك يا رسول الله؟ قال:
«إنّك إذا كنت راضية قلت: بلى وربّ محمّد، وإذا كنت ساخطة قلت: لا وربّ إبراهيم» . قالت: قلت:
أجل، لا أهجر إلّا اسمك) * «7» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعس عبد الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس «8» وانتكس «9» ، وإذا شيك فلا انتقش «10» .
طوبى «11» لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع» ) * «12» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أمّ قوما وهم له كارهون، وامرأة
__________
(1) صحيح سنن النسائي (1729) . والصحيحة للألباني (1309) .
(2) أبرص: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص وأبرصه الله.
(3) يبتليهم: أي يختبرهم.
(4) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه.
(5) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 11 (6478) .
(7) البخاري- الفتح 10 (6078) .
(8) تعس: أي انكب وعثر ومعناه الدعاء عليه.
(9) انتكس: انقلب على رأسه.
(10) إذا شيك فلا انتقش: أي إذا أصابته شوكة لا يستطيع إخراجها.
(11) طوبى: شجرة في الجنة.
(12) البخاري- الفتح 6 (2887) .(10/4618)
باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان «1» » ) * «2» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» ) * «3» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته. فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «4» .
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» ) * «5» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لا يتلقّى «6» الرّكبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا «7» ، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصرّوا الإبل والغنم «8» ، فمن ابتاعها «9» بعد ذلك فهو بخير النّظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر» ) * «10» .
13-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك ... الحديث، وفيه: فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه. وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما. وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثمّ جلس للنّاس.
فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون. فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له. وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله. حتّى جئت فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» ، فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك «11» ؟» قال قلت: يا رسول الله إنّي، والله
__________
(1) متصارمان: أي متقاطعان.
(2) أبو داود (593) . الترمذي (360) من حديث أبي أمامة- رضي الله عنه- وابن ماجة (971) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده صحيح.
(3) الترمذي (1899) وصححه الألباني صحيح الترمذي (1549) والحاكم في المستدرك (4/ 152) واللفظ متفق عليه عندهما وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4) مسلم (486) .
(5) مسلم (2739) .
(6) لا يتلقى الركبان لبيع: تلقي الركبان هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذبا ليشتري منه سلعته.
(7) ولا تناجشوا: من النجش وهو من يثير الرغبة في السلعة ويرفع ثمنها.
(8) لا تصروا الإبل والغنم: من التصرية وهي الجمع والمعنى: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها.
(9) ابتاعها: أي اشتراها. والضمير يعود على المصراة المفهومة من السياق.
(10) البخاري- الفتح 4 (2148) . ومسلم (1515) واللفظ له.
(11) ابتعت ظهرك: أي اشتريت جملا تركبه في الحرب.(10/4619)
لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا.
ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ.
ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عقبى الله) * «1» .
14-* (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: لمّا توفّي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إبراهيم، بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له المعزّي: (إمّا أبو بكر وإمّا عمر) : أنت أحقّ من عظّم الله حقّه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرّبّ. لولا أنّه وعد صادق وموعود جامع، وأنّ الآخر تابع للأوّل لوجدنا «2» عليك يا إبراهيم أفضل ممّا وجدنا. وإنّا بك لمحزونون» ) * «3» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من التمس رضا الله بسخط النّاس كفاه الله مؤونة النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط الله وكله الله إلى النّاس» ) * «4» .
16-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعان على خصومة بظلم (أو يعين على ظلم) لم يزل في سخط الله حتّى ينزع «5» » ) * «6» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك إن طالت بك مدّة، أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر. يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله» ) * «7» .
18-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ... الحديث وفيه قول هرقل لأبي سفيان: «وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت: أن لا. فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت:
أنّهم يزيدون. وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك:
أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت:
أن لا. وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب ...
الحديث» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4418) . مسلم 4 (2769) واللفظ له.
(2) لوجدنا: أي لغضبنا وبكينا.
(3) مسلم (2315) . وابن ماجة (1589) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده حسن.
(4) الترمذي (4/ 2414) وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في الصحيحة (2311) . وحسّنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1542) .
(5) حتى ينزع: أي حتى يترك ذلك بالتوبة.
(6) ابن ماجة (2320) واللفظ له. وأبو داود (3598) . والألباني في صحيح أبي داود (3066) .
(7) مسلم (2857) .
(8) البخاري- الفتح 1 (7) .(10/4620)
الأحاديث الواردة في ذمّ (السخط) معنى
19-* (عن بشير بن الخصاصية- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام، فاشترط عليّ: «تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله» .
قال: قلت: يا رسول الله أمّا اثنتان فلا أطيقهما، أمّا الزّكاة فمالي إلّا عشر ذود هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله، فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي. قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها ثمّ قال: «لا صدقة ولا جهاد، فبم تدخلون الجنّة؟» قال:
ثمّ قلت: يا رسول الله أبايعك، فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «1» .
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى نخامة في القبلة فحكّها بيده، ورؤي منه كراهية- أو رؤي كراهيته لذلك وشدّته عليه- وقال: «إنّ أحدكم إذا قام في صلاته فإنّما يناجي ربّه- أو ربّه بينه وبين قبلته- فلا يبزقنّ في قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدمه» . ثمّ أخذ طرف ردائه فبزق فيه، وردّ بعضه على بعض، قال: «أو يفعل هكذا» ) * «2» .
21-* (عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «إنّه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون. فمن كره فقد برىء.
ومن أنكر فقد سلم. ولكن من رضي وتابع» قالوا:
يا رسول الله ألا نقاتلهم؟. قال: «لا، ما صلّوا» ) * «3» .
22-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان:
من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما. وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النّار» ) * «4» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أنبئني، ما أحقّ النّاس منّي بحسن الصّحبة؟ فقال:
«نعم وأبيك لتنبّأنّ: أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟
قال: «ثمّ أبوك» قال: نبّئني يا رسول الله عن مالي كيف أتصدّق فيه؟ قال: «نعم. والله لتنبّأنّ: أن تصدّق وأنت صحيح شحيح. تأمل العيش، وتخاف الفقر.
ولا تمهل حتّى إذا بلغت نفسك هاهنا، قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان. وهو لهم، وإن كرهت» ) * «5» .
24-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم
__________
(1) أحمد (5/ 224) . والحاكم في المستدرك (2/ 79، 80) واللفظ له وصححه وأقره الذهبي.
(2) البخاري- الفتح 1 (417) واللفظ له. وهو عند مسلم بغير هذا اللفظ (3008) من حديث جابر وقصة أبي اليسر.
(3) مسلم (1854) .
(4) البخاري- الفتح 1 (16) . ومسلم (43) واللفظ له.
(5) ابن ماجة (2706) والحديث أصله في الصحيحين.(10/4621)
ويحبّونكم. ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم. وشرار أئمّتكم الّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسّيف؟
فقال: «لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة» ) * «1» .
25-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة من الله، والحلم من الشّيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا، وليتعوّذ من الشّيطان، فإنّها لا تضرّه. وإنّ الشّيطان لا يتراءى بي» ) * «2» .
26-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «3» .
27-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رجل يا رسول الله أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي.
فأمّا البادي فيجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر. وأمّا الحاضر فهو أعظمها بليّة وأعظمها أجرا» ) * «4» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا رأى ما يحبّ قال:
«الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات» . وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كلّ حال» ) * «5» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «6» فسمعت أمّي خشف قدميّ «7» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «8» . قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة.
فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت يا رسول
__________
(1) مسلم (1855) .
(2) البخاري- الفتح 12 (6995) واللفظ له. ومسلم (2261) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له. ومسلم (1839) .
(4) النسائي (7/ 144) وقال محقق جامع الأصول (11/ 608) : حديث حسن.
(5) ابن ماجة (3803) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 499) . وصححه وأقره الذهبي. والبغوي في شرح السنة (5/ 180) وقال محققه: حسن بشواهده.
(6) مجاف: مغلق.
(7) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض.
(8) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.(10/4622)
الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين. وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «1» .
30-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام- أو يا غليّم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت:
بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «2» .
31-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان له شريك في ربعة «3» أو نخل فليس له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (السخط)
1-* (قال لقمان لابنه: «أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت» ) * «5» .
2-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: «الإيمان من خشي الله بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما أسخط الله» ) * «6» .
3-* (قال عبد الله بن معاوية بن جعفر:
وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا
4-* (قال كشاجم:
لم أرض عن نفسي مخافة سخطها ... ورضا الفتى عن نفسه إغضابها
ولوانّني عنها رضيت لقصّرت ... عمّا تزيد بمثله آدابها
وتبيّنت آثار ذاك فأكثرت ... عذلي عليه فطال فيه عتابها
) * «7» .
__________
(1) مسلم (2491) .
(2) رواه أحمد في المسند (1/ 307، 308) واللفظ له، وقال محققه: إسناده صحيح. والترمذي (2516) وقال: حديث حسن صحيح.
(3) الربعة: بفتح الراء وإسكان الباء: الدار والمسكن ومطلق الأرض.
(4) مسلم (1608) .
(5) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 229) .
(6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) .
(7) أدب الدنيا والدين للماوردي (230) .(10/4623)
5-* (قال العمريّ الزّاهد: «إنّ من غفلتك عن نفسك، وإعراضك عن الله أن ترى ما يسخط الله فتتجاوزه ولا تأمر فيه، ولا تنهى عنه، خوفا ممّن لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا» ) * «1» .
من مضار (السخط)
(1) دليل سوء الظّنّ بالله- عزّ وجلّ-.
(2) يورث الخيبة والخسران في الدّنيا والآخرة.
(3) علامة سوء الخاتمة.
(4) دليل على سوء النّيّة وفساد الطّويّة.
(5) طريق موصّل إلى عذاب الله.
__________
(1) الجواب الكافي لابن القيم (ص 55) .(10/4624)
السرقة
السرقة لغة:
مصدر قولهم: سرق الشّيء يسرقه سرقة أي أخذه خفية.
السّرقة: وهو مأخوذ من مادّة (س ر ق) الّتي تدلّ على ذات المعنى، يقول ابن فارس: السّين والرّاء والقاف أصل يدلّ على أخذ شيء في خفاء وستر، يقال: سرق يسرق سرقة وسرقا، واسترق السّمع إذا تسمّع مختفيا وسرق منه مالا يسرق سرقا بالتّحريك، والاسم منه السّرق والسّرقة بكسر الرّاء فيهما جميعا، وربّما قالوا: سرقه مالا. وفي المثل: «سرق السّارق فانتحر» . والسّرق: شقاق الحرير. وقيل: أجوده، وقيل: إنّها البيض منه.
والسّرق بمعنى السّرقة، وفى حديث عديّ «ما تخاف على مطيّتها السّرق» هو بمعنى السّرقة وهو في الأصل مصدر، ومنه حديث «تسترق الجنّ السّمع» هو تفتعل من السّرقة أي أنّها تسمعه مختفية كما يفعل السّارق.
والسّرقة أخذ الشّيء الّذي ليس للسّارق أخذه في خفاء، والسّارق عند العرب: من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 14/ 6
والمسارقة والاستراق والتّسرّق: اختلاس النّظر والسّمع. وسرق الشّيء سرقا: خفي. وسرقت مفاصله وانسرقت: ضعفت. والانسراق: أن يخنس إنسان عن قوم ليذهب.
والتّسريق: النّسبة إلى السّرقة، ومنه قراءة أبي البرهسم وابن أبي عبلة: «إنّ ابنك سرّق» بضمّ السّين وكسر الرّاء المشدّدة.
والمسترق: النّاقص الضّعيف الخلق، ويقال:
تسرّق، إذا سرق شيئا فشيئا.
ويقال: سارق النّظر إليه إذا اهتبل غفلته لينظر إليه «1» .
السرقة اصطلاحا:
قال الرّاغب: السّرقة في الشّرع: تناول المرء الشّيء (الّذي ليس له خفية) من موضع مخصوص وقدر مخصوص «2» .
وقال الجرجانيّ: السّرقة (الّتي توجب الحدّ) عبارة عن أخذ مكلّف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ بلا شبهة، فإن كان المسروق أقلّ من عشرة مضروبة فإنّه يكون سرقة شرعا، ولا يكون سرقة في حقّ القطع (أي قطع يد
__________
(1) المقاييس (3/ 154) ، والصحاح (4/ 1496) ، واللسان (3/ 1998) ، والتاج (13/ 215) ، والمفردات (231) .
(2) المفردات (231) بتصرف يسير، وعنه أخذ المناوي، انظر التوقيف (193) .(10/4625)
السّارق حدّا) «1» . وقال ابن قدامة: لا قطع إلّا فيما قيمته ثلاثة دراهم «2» .
وقال الكفويّ: السّرقة: أخذ مال معتبر من حرز أجنبيّ لا شبهة فيه خفية وهو قاصد للحفظ، في نومه أو غفلته «3» .
الفرق بين السرقة والطر (النهب) والنبش:
قال الكفويّ: الطّرّ أخذ مال الغير وهو حاضر يقظان قاصد حفظه، وجناية الطّرّ أقوى لزيادة فعله على فعل السّارق. فيثبت وجوب القطع فيه بالطّريق الأولى، وذلك بخلاف النّبّاش (للقبور) ، الّذي يأخذ مالا من حرز ناقص خفية، فيكون فعله أدنى من فعل السّارق، فلا يلحق به حدّ، ولا يقطع عند أبي حنيفة ومحمّد، خلافا لأبي يوسف رحمهم الله «4» .
حكم السرقة:
السّرقة من الكبائر الّتي يجب فيها الحدّ. وقد عدّها الذّهبيّ الكبيرة الثّالثة والعشرين، ونقل عن ابن شهاب قوله: نكّل الله بالقطع في سرقة أموال النّاس.
والله عزيز في انتقامه من السّارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده، ولا تنفع السّارق توبته إلّا أن يردّ ما سرقه، فإن كان مفلسا تحلّل من صاحب المال «5» .
وقال ابن حجر: عدّ السّرقة من الكبائر هو ما اتّفق عليه العلماء، وهو ما صرّحت به الأحاديث، والظّاهر أنّه لا فرق في كونها كبيرة بين الموجبة للقطع، وعدم الموجبة له لشبهة لا تقتضي حلّ الأخذ، كأن سرق حصر مسجد، أو سرق مالا غير محرّز، وقال الحليميّ: وسرقة الشّيء التّافه صغيرة، فإن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عمّا أخذ منه صارت كبيرة وإن لم توجب الحدّ.. قال: وأخذ أموال النّاس بغير حقّ كبيرة، فإن كان المأخوذ ماله فقيرا أو أصلا للآخذ أو أخذ قهرا، أو كرها، أو على سبيل القمار فهو فاحشة، فإن كان المأخوذ شيئا تافها والمأخوذ منه غنيّا لا يتبيّن عليه من ذلك ضرر، فذلك صغيرة «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام.
التطفيف- الرشوة- الغش- الغلول- اتباع الهوى- انتهاك الحرمات- الطمع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الشرف- العفة- القناعة- النزاهة- أكل الطيبات- الأمانة- المراقبة- تعظيم الحرمات- الصلاح] .
__________
(1) التعريفات (123) بتصرف.
(2) المغني لابن قدامة (12/ 418) ، وفي القدر الذي يوجب القطع اختلاف في المذاهب.
(3) الكليات (514) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) الكبائر (98) .
(6) الزواجر (564) .(10/4626)
الآيات الواردة في «السرقة»
1- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «1»
2- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71)
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73)
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
* قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77)
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)
قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79)
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82)
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «2»
__________
(1) المائدة: 38- 39 مدنية
(2) يوسف: 70- 83 مكية(10/4627)
3- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «1»
__________
(1) الممتحنة: 12- 13 مدنية(10/4628)
الأحاديث الواردة في ذمّ (السرقة)
1-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
انكسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّاس: إنّما انكسفت لموت إبراهيم. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بالنّاس ستّ ركعات بأربع سجدات. بدأ فكبّر. ثمّ قرأ فأطال القراءة. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع فقرأ قراءة دون القراءة الثّانية. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع.
ثمّ انحدر بالسّجود فسجد سجدتين. ثمّ قام فركع أيضا ثلاث ركعات. ليس فيها ركعة إلّا الّتي قبلها أطول من الّتي بعدها. وركوعه نحوا من سجوده. ثمّ تأخّر، وتأخّرت الصّفوف خلفه. حتّى انتهينا. (وقال أبو بكر: حتّى انتهى إلى النّساء) ثمّ تقدّم، وتقدّم النّاس معه. حتّى قام في مقامه. فانصرف حين انصرف، وقد آضت الشّمس «1» . فقال: «يا أيّها النّاس، إنّما الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد من النّاس (وقال أبو بكر: لموت بشر) فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلّوا حتّى تنجلي. ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه. لقد جيء بالنّار. وذلكم حين رأيتموني تأخّرت مخافة أن يصيبني من لفحها «2» . وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن يجرّ قصبه في النّار، كان يسرق الحاجّ بمحجنه «3» . فإن فطن له قال: إنّما تعلّق بمحجني.
وإن غفل عنه ذهب به «4» . وحتّى رأيت فيها صاحبة الهرّة الّتي ربطتها فلم تطعمها. ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. حتّى ماتت جوعا. ثمّ جيء بالجنّة. وذلكم حين رأيتموني تقدّمت حتّى قمت في مقامي. ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه. ثمّ بدا لي أن لا أفعل. فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه» ) * «5» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تشربوا مسكرا، فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حدّه فهو كفّارة.
__________
(1) وقد آضت الشمس: ومعناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف. وهو من آض يئيض، إذا رجع. ومنه قولهم: أيضا. وهو مصدر منه.
(2) مخافة أن يصيبني من لفحها: أي من ضرب لهبها. ومنه قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ. أي يضربها لهبها. والنفح دون اللفح. قال الله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ أي أدنى شيء منه.
(3) بمحجنه: المحجن عصا معقفة الطرف.
(4) ومعنى هذا أنه يحتال للإفلات من العقوبة عند التنبه إليه باستخدام العصا المعقفة في السرقة.
(5) مسلم (904) وخرجاه من حديث جماعة من الصحابة.(10/4629)
ومن ستر الله عليه فحسابه على الله- عزّ وجلّ-، ومن لم يفعل من ذلك شيئا ضمنت له على الله الجنّة» ) * «1» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ امرأة سرقت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء بها الّذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله إنّ هذه المرأة سرقتنا، قال قومها: فنحن نفديها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقطعوا يدها» فقالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينار، فقال: «اقطعوا يدها» ، فقطعت يدها اليمنى، فقالت المرأة: هل لي من توبة يا رسول الله؟ قال: «نعم.
أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمّك» فأنزل الله- عزّ وجلّ- في سورة المائدة: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ..) (المائدة/ 39)) * «2» .
4-* (عن صفوان بن أميّة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا سرق بردة له، فرفعه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر بقطعه، فقال: يا رسول الله قد تجاوزت عنه، فقال: «أبا وهب أفلا كان قبل أن تأتينا» فقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سرقت فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجترأ عليه إلّا أسامة حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«أتشفع في حدّ من حدود الله؟» ثمّ قام فخطب فقال:
«يأيّها النّاس، إنّما ضلّ من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» ) * «4» .
6-* (عن سلمة بن قيس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّما هي أربع، فما أنا بأشحّ منّي عليهنّ يوم سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألّا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا» ) * «5» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ فلانا يصلّي باللّيل فإذا أصبح سرق، قال: «إنّه سينهاه ما يقول» ) * «6» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأى عيسى ابن مريم عليه السّلام رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلّا والله الّذي لا إله إلّا هو. فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت عينيّ» ) * «7» .
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع 1 (104، 105) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون.
(2) أحمد (2/ 178) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع (6/ 276) ، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 141) .
(3) النسائي (8/ 68) وقال الألباني: صحيح (3/ 107) برقم (4532) ، وابن ماجه (2595) .
(4) البخاري- الفتح 12 (6788) ، واللفظ له. ومسلم (1688) .
(5) ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (1/ 104) .
(6) أحمد (2 (447) برقم (9777) ، وقال مخرجه (الحسيني هاشم) : إسناده صحيح (20/ 32) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3444) ، واللفظ له ومسلم (2368) .(10/4630)
9-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الثّمر المعلّق، فقال: «ما أصاب من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين «1» فبلغ ثمن المجنّ «2» فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة» ) * «3» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها فى يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق اللّيلة على زانية. قال:
اللهمّ لك الحمد؛ على زانية. لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها فى يد غنيّ. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على غنيّ. قال: اللهمّ لك الحمد؛ على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد؛ على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي، فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله. ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «4» .
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قطع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يد سارق في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم» ) * «5» .
12-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «6» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن» ) * «7» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله السّارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده» ) * «8» .
__________
(1) الجرين: موضع التمر الذي يجفف فيه.
(2) المجن: الترس الذي يلبسه المقاتل.
(3) النسائي (8/ 85) ، واللفظ له. أبو داود (1710، 1711، 1712، 1713) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 705) : إسناده حسن، ابن ماجه (2566) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1421) ، ومسلم (1022) ، واللفظ له
(5) البخاري- الفتح 12 (6798) ، واللفظ له. ومسلم (1686) .
(6) البخاري- الفتح 1 (18) ، واللفظ له ومسلم (1709) .
(7) البخاري- الفتح 12 (6772) واللفظ له. ومسلم (57)
(8) البخاري- الفتح 12 (6783) ، ومسلم (1687) . واللفظ متفق عليه عندهما.(10/4631)
الأحاديث الواردة في ذمّ (السرقة) معنى
انظر صفة (الخيانة)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (السرقة)
1-* (قالت عمرة بنت عبد الرّحمن: «إنّ سارقا سرق في زمن عثمان أترجّة، فأمر بها عثمان أن تقوّم فقوّمت بثلاثة دراهم، فقطع عثمان يده» ) * «1» .
2-* (قال ابن شهاب الزّهريّ- رحمه الله تعالى-: «نكل الله بالقطع في سرقة أموال النّاس» ) * «2» .
3-* (قال المعرّيّ معترضا:
يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
فأجابه بعض أهل العلم (القاضي عبد الوهّاب المالكيّ) : لمّا كانت أمينة كانت ثمينة، فلمّا خانت هانت) * «3» .
وهناك بيت شعر منسوب إلى علم الدّين السّخاويّ في الرّدّ على أبى العلاء وهو:
عزّ الأمانة أغلاها، وأرخصها ... ذلّ الخيانة، فافهم حكمة الباري
«4» .
4-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
«إذا اشترى الرّجل من رجل شيئا وهو يعلم أنّه سرقه فقد شاركه» ) «5» .
5-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «كان قطع يد السّارق معمولا به في الجاهليّة، فقرّر في الإسلام وزيدت شروط أخر. وقيل: إنّ أوّل من قطع الأيدي في الجاهليّة قريش، فقطعوا رجلا كان سرق كنز الكعبة» ) * «6» .
6-* (ذكر الذّهبيّ في كتاب الكبائر: «أنّ السّرقة هي الكبيرة الثّالثة والعشرون» ) * «7» .
__________
(1) تفسير ابن كثير (2/ 55) .
(2) الكبائر للذهبي (97) .
(3) التعريفات للجرجاني (118) ، وتفسير ابن كثير (2/ 56) وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «لما قال ذلك: طلبه الفقهاء، فهرب منهم» .
(4) انظر التحرير والتنوير (6/ 193) .
(5) مسائل الإمام أحمد، رواية البغوي (681) .
(6) تفسير ابن كثير (2/ 5655)
(7) الكبائر (97)(10/4632)
من مضار (السرقة)
(1) تنافي كمال الإيمان.
(2) إحدى الكبائر العظام في الإسلام.
(3) دليل دناءة النّفس وحقارة الشّأن.
(4) كان النّكال عليها بالقطع لضمان حفظ أموال النّاس.
(5) توجب النّار في الآخرة والعار في الدّنيا.
(6) النّاس لا يأمنون السّارق على شيء ولو كان تافها.
(7) يحرم السّارق من إجابة الدّعاء.(10/4633)
السفاهة
السفاهة لغة:
مصدر قولهم: سفه فلان إذا صار سفيها، ومثلها السّفه إلّا أنّ الفعل منه سفه (بكسر الفاء) ، وكلاهما مأخوذ من مادّة (س ف هـ) الّتي تدلّ على الخفّة والسّخافة، ومن ذلك قولهم ثوب سفيه أي رديء النّسج، وتسفّهت الرّيح إذا مالت، والسّفه ضدّ الحلم، يقال: تسفّهت فلانا عن ماله إذا خدعته كأنّك ملت به عنه واستخففته، وقال بعضهم: أصل السّفه:
خفّة الحلم. وقيل: السّفه: خفّة في البدن، ومنه قيل:
زمام سفيه كثير الاضطراب، ثمّ استعمل في خفّة النّفس لنقصان العقل، وقيل: أصل السّفه الخفّة والحركة والطّيش، وقيل: الجهل والاضطراب، يقال:
سفه حلمه ورأيه ونفسه سفها وسفاهة وسفاها، أي حمله على السّفه، وقال بعضهم: سفه بالضّم سفاها وسفاهة وسفه بالكسر سفها، وهما لغتان، وتسفّهت عليه إذا أسمعته (ما يكره) ، وسفّهه تسفيها: نسبه إلى السّفه، وسافهه مسافهة (إذا تشاركا في السّفه) ، وكذلك سفهت الشّراب «بالكسر» إذا أكثرت منه ولم ترو، وسفه علينا وسفه «بالكسر والضّمّ» إذا جهل فهو
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
9/ 8/ 5
سفيه، أي جاهل، والسّفيه أيضا: الخفيف العقل.
وجمع السّفيه سفهاء وسفاه، والأنثى سفيهة وجمعها سفيهات وسفائه وسفه وسفاه، وقولهم: سفّه الجهل حلمه: أطاشه وأخفّه «1» .
السفاهة اصطلاحا:
يسوّي معظم العلماء بين السّفه والسّفاهة ومن ثمّ يكون تعريفهما واحدا.
يقول الجاحظ: السّفه: نقيض الحلم وهو سرعة الغضب، والطّيش من يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسّبّ الفاحش «2» .
وقال الجرجانيّ: السّفه عبارة عن خفّة تعرض للإنسان من الفرح والغضب فيحمله ذلك على العمل بخلاف العقل وموجب الشّرع «3» .
وقد فرّق المناويّ بين السّفه والسّفاهة: فعرّف السّفه بما عرّفه به الجرجانيّ، ثمّ عرّف السّفاهة فقال:
السّفاهة: خفّة الرّأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوّة «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 79، 80) ، الصحاح (6/ 2234) ، لسان العرب (3/ 2032) ط. دار المعارف، والمفردات للراغب (234) ، وقارن أيضا ب (بصائر ذوي التمييز: 3/ 229) .
(2) تهذيب الأخلاق (29) .
(3) التعريفات (125) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (194، 195) .(10/4634)
أقسام السّفه:
ذكر الرّاغب أنّ الأصل في السّفه هو خفّة في البدن ثمّ استعمل في خفّة النّفس لنقصان العقل، ويكون ذلك في:
1- الأمور الدّنيويّة، ومن ذلك قول الله تعالى:
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (النساء/ 5) وقد عرّف الفقهاء هذا النّوع من السّفه فقالوا: هو عبارة عن التّصرّف في المال بخلاف مقتضى الشّرع والعقل بالتّبذير فيه والإسراف- مع قيام خفّة العقل- والسّفيه إذن: هو من ينفق ماله فيما لا ينبغي من وجوه التّبذير، ولا يمكنه إصلاحه بالتّمييز والتّصرّف فيه بالتّدبير «1» .
2- الأمور الأخرويّة، ومن ذلك قول الله تعالى: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (الجن/ 4) وقوله سبحانه: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ (البقرة/ 13) قال الرّاغب:
فهذا من السّفه في الدّين «2» .
والسّفيه بهذا المعنى هو كما وصفه الكفويّ:
ظاهر الجهل، عديم العقل، خفيف اللّبّ، ضعيف الرّأي، رديء الفهم، مستخفّ القدر، سريع الذّنب، حقير النّفس، مخدوع الشّيطان، أسير الطّغيان، دائم العصيان، ملازم الكفران، لا يبالي بما كان «3» ، ولا بما هو كائن أو سوف يكون.
الفرق بين العبث والسّفه:
قال الكفويّ: العبث ما يخلو عن الفائدة، والسّفه ما لا يخلو عنها، ويلزم منه المضرّة، والسّفه أقبح من العبث، كما أنّ الظّلم أقبح من الجهل، وقيل:
العبث فعل فيه غرض، ولكنّه ليس بشرعيّ، والسّفه ليس فيه غرض أصلا «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الحمق- الطيش- العبوس- اللهو واللعب- الإساءة- الأذى- سوء المعاملة- التحقير.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحلم- الرفق محاسبة النفس- المراقبة- الأدب- حسن المعاملة تكريم الإنسان] .
__________
(1) الكليات للكفوي (349) ، وفي تعريف السفيه (بهذا المعنى) (510) .
(2) المفردات (235) .
(3) الكليات (510) .
(4) الكليات (3/ 259) ط. القاهرة.(10/4635)
الآيات الواردة في «السفاهة»
الآيات التي ورد فيها لفظ السفاهة مرادا به الكفر أو النفاق:
1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) «1»
2-* وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) «2»
__________
(1) البقرة: 8- 16 مدنية
(2) البقرة: 124- 131 مدنية(10/4636)
3-* سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) «1»
4- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) «2»
الآيات التي ورد فيها لفظ السفاهة مرادا به سوء التدبير أو الجهل:
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(282) «3»
6- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4)
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
__________
(1) البقرة: 142 مدنية
(2) الجن: 1- 5 مكية
(3) البقرة: 282 مدنية(10/4637)
فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «1»
7- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) «2»
8-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «3»
9- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «4»
__________
(1) النساء: 1- 6 مدنية
(2) الأنعام: 137- 140 مكية
(3) الأعراف: 65- 68 مكية
(4) الأعراف: 155- 157 مكية(10/4638)
الأحاديث الواردة في ذمّ (السفاهة)
1-* (عن رفاعة بن عرابة الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كنّا بالكديد- أو قال بقديد- فجعل رجال منّا يستأذنون إلى أهليهم فيأذن لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «ما بال رجال يكون شقّ الشّجرة الّتي تلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبغض إليهم من الشّقّ الآخر!» فلم نر عند ذلك من القوم إلّا باكيا، فقال رجل: إنّ الّذي يستأذنك بعد هذا لسفيه. فحمد الله، وقال حينئذ: «أشهد عند الله، لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، صدقا من قلبه، ثمّ يسدّد إلّا سلك في الجنّة» . قال: «وقد وعدني ربّي- عزّ وجلّ- أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإنّي لأرجو أن لا يدخلوها حتّى تبوّءوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرّيّاتكم مساكن في الجنّة» وقال: «إذا مضى نصف اللّيل- أو قال ثلثا اللّيل- ينزل الله- عزّ وجلّ- إلى السّماء الدّنيا فيقول لا أسأل عن عبادي أحدا غيري. من ذا يستغفرني فأغفر له؟ من الّذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الّذي يسألني أعطيه؟ حتّى ينفجر الصّبح» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة: « «أعاذك الله من إمارة السّفهاء» . قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال:
«أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي، ولست منهم ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي، وأنا منهم، وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّة «2» ، والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان- أو قال برهان- يا كعب بن عجرة: النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها «3» » ) * «4» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: حدّثني حبّي أبو القاسم الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ هلاك أمّتي على يدي غلمة سفهاء من قريش» ) * «5» .
__________
(1) أحمد (4/ 16) واللفظ له، الطبراني في الكبير (5/ 5049، وهو في مجمع الزوائد (10/ 408) وقال: رواه الطبراني والبزار ورجال بعضهما عند الطبراني والبزار رجال الصحيح.
(2) جنة: أي وقاية.
(3) موبقها: أي مهلكها.
(4) النسائي (7/ 160) ، والترمذي (614) وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول: أقل أحواله أنه حسن (4/ 76) ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 194، 195) وقال: رواه أحمد واللفظ له والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه. ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة وقال الترمذي في أحد أسانيده: حديث غريب صحيح، وهو في أحمد (3/ 321) .
(5) أحمد (2/ 288) برقم (7858) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (14/ 255- 256) ، الحاكم في المستدرك (4/ 470) واللفظ متفق عليه عندهما وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.(10/4639)
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها ستأتي على النّاس سنون خدّاعة، يصدّق فيها الكاذب، ويكذّب فيها الصّادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرّويبضة» قيل: وما الرّويبضة؟. قال:
«السّفيه يتكلّم في أمر العامّة» ) * «1» .
5-* (عن عبس الغفاريّ- رضي الله عنه- أنّه لمّا رأى النّاس يخرجون في الطّاعون قال: يا طاعون خذني (ثلاثا) ، فقال له رجل: لم تقول هذا؟: ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّ أحدكم الموت؛ فإنّه عند انقطاع عمله. ولا يردّ فيستعتب» فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بادروا بالموت ستّا: إمرة السّفهاء، وكثرة الشّرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدّم، وقطيعة الرّحم، ونشوا «2» يتّخذون القرآن مزامير، يقدّمونه يغنّيهم وإن كان أقلّ منهم فقها» ) * «3» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضاف ضيف رجلا من بني إسرائيل وفي داره كلبة مجحّ «4» ، فقالت الكلبة: والله لا أنبح ضيف أهلي. قال: فعوى جراؤها في بطنها قال: قيل: ما هذا؟ قال: فأوحى الله- عزّ وجلّ- إلى رجل منهم: هذا مثل أمّة تكون من بعدكم يقهر سفهاؤها أحلامها «5» » ) * «6» .
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس. فمن فعل ذلك فالنّار النّار» ) * «7» .
8-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يخرج في آخر الزّمان أقوام أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة «8» ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم «9» . فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة» ) * «10» .
__________
(1) ابن ماجة (4036) ، أحمد (2/ 291) واللفظ له رقم (7899) وقال شاكر: إسناده صحيح، الحاكم في المستدرك (4/ 465، 466) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(2) نشوا: يقال نشى الرجل من الشراب نشوا ونشوة ونشوة: سكر.
(3) أحمد (3/ 494) برقم (16083) واللفظ له. ذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 3) وقال: صحيح وفي الصحيحة (2/ 710) برقم (979) وعزاه لأبي عبيد في فضائل القرآن وابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم وغيرهم.
(4) مجحّ: أي حامل وقرب وقت ولادتها.
(5) أحلامها: أي عقلاءها.
(6) أحمد (2/ 170) برقم (6588) وقال الشيخ أحمد شاكر: اسناده صحيح، وذكره في مجمع الزوائد (7/ 280) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني.
(7) ابن ماجة (254) ، وقال في الزوائد: رجال إسناده ثقات، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم، وذكره الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة قريبا منه وقال: صحيح (5/ 272) برقم (6034) .
(8) خير البرية: هو من المقلوب والمراد «من قول خير البرية» أي من قول الله. الفتح (8/ 719) .
(9) لا يجاوز إيمانهم حناجرهم: أي لم يرسخ الإيمان في قلوبهم.
(10) البخاري- الفتح 8 (5057) واللفظ له، ومسلم (1066) .(10/4640)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (السفاهة)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (الأنعام/ 140) * «1» .
2-* (قال عمير بن حبيب بن خماشة- وكان أدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند احتلامه. يوصي بنيه فقال: «بنيّ إيّاكم ومجالسة السّفهاء؛ فإنّ مجالستهم داء، من يحلم عن السّفيه يسرّ، ومن يجبه يندم، ومن لا يرض بالقليل ممّا يأتي به السّفيه يرض بالكثير» ) * «2» .
3-* (قال السّدّيّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها (البقرة/ 142) :
المراد بالسّفهاء: الكفّار، وأهل النّفاق، واليهود. أمّا الكفّار فقالوا لمّا حوّلت القبلة: رجع محمّد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، فإنّه علم أنّا على الحقّ، وأمّا أهل النّفاق فقالوا: إن كان أوّلا على الحقّ فالّذي انتقل إليه باطل، وكذلك العكس، وأمّا اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيّا لما خالف، فلمّا كثرت أقاويل هؤلاء السّفهاء، أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ إلى قوله تعالى: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي.. الآيات (البقرة/ 106- 150) » ) * «3» .
4-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
يخاطبني السّفيه بكلّ قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا
) * «4» .
5-* (قال عمرو بن عليّ:
إذا نطق السّفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السّكوت
سكتّ عن السّفيه فظنّ أنّي ... عييت عن الجواب وما عييت
) * «5» .
من مضار (السفاهة)
(1) تورث غضب الجبّار وعظيم النّيران.
(2) بعد النّاس عن السّفيه لخوفهم منه.
(3) شرّه متعدّ وخلقه مشين.
(4) دليل على سوء الخلق ومظنّة سوء الخاتمة.
(5) يؤول حال صاحبه إلى الإفلاس، والحاجة إلى النّاس.
(6) يخرّب الدّيار العامرة، ويضع الرّجل الشّريف.
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3524) والآية (140) من سورة الأنعام.
(2) مجمع الزوائد (8/ 64) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.
(3) فتح الباري (8/ 171) .
(4) ديوان الشافعي.
(5) أدب الدنيا والدين (305) .(10/4641)
سوء الخلق
سوء الخلق لغة:
السّوء اسم من ساءه سوءا، بالفتح- ومساءة، ومسائية. نقيض سرّه، يقول ابن فارس: «فأمّا السّين والواو والهمزة فهي من باب القبح، تقول: رجل أسوأ، أي قبيح، وامرأة سواء، أي قبيحة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«سواء ولود خير من حسناء عقيم» ولذلك سمّيت السّيّئة سيّئة» وقولهم ساءه يسوءه أي فعل به ما يكره وأساء إليه نقيض أحسن، والسّواى: نقيض الحسنى، وفي القرآن ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى (الروم/ 10) والسّوأة: العورة، والفاحشة، وسؤت الرّجل سواية ومساية:- مخفّفان-، أي ساءه مارآه منّي. وتقول من السّوء استاء الرّجل، كما تقول من الغمّ اغتمّ.
ويقال: ساء ما فعل فلان، أي قبح صنيعه صنيعا. والسّوء: الفجور والمنكر، وسؤت له وجهه قبحته، ويقال: أسأت به، وإليه، وعليه، وله.
وقال- عزّ من قائل- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها (الإسراء/ 7) ، ويقال: هو سيّىء إذا قبح والأنثى سواء أي قبيحة. والسّواء: المرأة المخالفة، والسّوأة السّواء، الخلّة القبيحة، وكلّ كلمة قبيحة أو فعلة قبيحة فهي سواء.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 9/ 16
وأساء الرّجل إساءة خلاف أحسن، وأساء الشّيء، أفسده، ولم يحسن عمله، وفي المثل: أساء كاره ما عمل. والسّيّئة: الخطيئة، والسّوء اسم جامع للآفات والدّاء، ويقال: لا خير في قول السّوء. وقيل:
هو الفجور والمنكر «1» .
سوء الخلق اصطلاحا:
يؤخذ ممّا ذكره الجرجانيّ عن الخلق- حسنه وسيّئه- أنّ سوء الخلق: عبارة عن هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال القبيحة بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة «2» .
ويرى ابن تيميّة في نظرته الخلقيّة، أنّ مفهوم الأخلاق يرتبط بالإيمان، وما ينبثق عنه. ومن ثمّ يقوم هذا المفهوم عنده على عدّة عناصر وهي:
1- الإيمان بالله وحده خالقا ورازقا بيده الملك.
2- معرفة الله- سبحانه وتعالى- معرفة تقوم على أنّه وحده- سبحانه- المستحقّ للعبادة.
3- حبّ الله- سبحانه وتعالى- حبّا يستولي على مشاعر الإنسان بحيث لا يكون ثمّة محبوب مراد سواه سبحانه.
4- وهذا الحبّ يستلزم أن تتوحّد إرادة
__________
(1) الصحاح (1/ 55- 56) ، والمقاييس (3/ 113) ، واللسان (3/ 2138، 2139، 2140) .
(2) التعريفات للجرجاني (106) .(10/4642)
الخالق والمخلوق في اتّجاه واحد هو تحقيق رضا الله- سبحانه وتعالى- والالتزام بتحقيق هذا الرّضا في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة.
5- وهذا يستلزم من الإنسان سموّا في أخلاقه، وترفّعا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب في الدّنيا.
6- ويأتي العمل بعد ذلك محقّقا أو في طريق بلوغ الكمال الإنسانيّ «1» .
والأمر كذلك فإنّه إذا لم تتحقّق هذه الشّروط الموضوعيّة فإنّ النّاتج عن الإنسان يكون خلقا سيّئا؛ لأنّه تعبير عن الإيمان بالله وتعبير عن الرّؤية الموضوعيّة للأشياء والحقائق. وعلى هذا يكون الخلق السّيّىء فعلا إنسانيّا لا ترتبط فيه الأفعال بالطّاعة، أي أنّه فعل تنفصل فيه الطّاعة عن الأخلاق، ويصبح الفعل شكليّا أو مظهريّا. كما أنّه فعل لا يدرك الغائيّة الخلقيّة، من حيث إنّها تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدّنيا والحياة الآخرة، الأمر الّذي يجعل العمل الّذي يقوم به الإنسان فاقدا لقيمته الخلقيّة ودلالته الإنسانيّة، كما أنّ هذا الفعل فاقد للتّمحيص والتّدقيق اللّازمين كي يكون موافقا لما أمر الله سبحانه وندب إليه في وقته الملائم والمناسب. وفي هذا الوضع يكون هذا العمل استجابة لا خلقيّة، وبذا يكون صاحبه متّصفا بسوء الخلق «2» .
فالخلق السّيّىء، خلق فاسد متّصف بالشّرّ، لا يتّفق مع الواجبات الدّينيّة والخلقيّة، ولا يتّفق مع ما شرع الله أمرا، ونهيا، وهو فعل منكر، وسلوك غير صالح «3» ، وهذا ناتج عن مرض القلب.
الفرق بين الخلق والعادة:
الخلق يقال في القوى المدركة بالبصيرة، وتارة يجعل للقوّة الغريزيّة، وتارة اسما للحالة المكتسبة الّتي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء كمن هو خليق بالغضب لحدّة مزاجه، ولهذا خصّ كلّ حيوان بخلق في أصل خلقته، كالشّجاعة للأسد، والمكر للثّعلب، ويجعل الخلق تارة من الخلاقة وهي الملابسة، وكأنّه اسم لما مرن عليه الإنسان بالعادة، وقد روي «ما أعطى الله أحدا أفضل من خلق حسن» فجعل الخلق مرّة للهيئة الموجودة في النّفس الّتى يصدر عنها الفعل بلا فكر «4» ، وجعل مرّة اسما للفعل الصّادر عنه باسمه، وذلك نحو: العفّة، والشّجاعة؛ فإنّ ذلك يقال للهيئة وللفعل جميعا، وربّما تسمّى الهيئة باسم، والفعل الصّادر عنها باسم آخر كالسّخاء، والجود؛ فإنّ السّخاء اسم للهيئة الّتى يكون عليها
__________
(1) النظرية الخلقية عند ابن تيمية، محمد عبد الله عفيفي، (58) .
(2) المرجع السابق (59، 60) بتصرف.
(3) المرجع السابق (484) .
(4) ذكر محقق كتاب الذّريعة أنّ هذا هو التعريف السّائد للخلق عند الأخلاقيين الإسلاميين، وقد نقله ابن مسكويه عن أرسطو، ونقله الكثيرون عنه ومنهم الإمام الغزالى، (انظر تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (36) ، والإحياء (3/ 52) ط الحلبي: وقد قال بذلك أيضا الجاحظ في تهذيب الأخلاق بتعبير مقارب وهو: حال للنفس بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، كما نقله أيضا الجرجاني في التعريفات (106) ، والمناوي في التوقيف (159) .(10/4643)
الإنسان، والجود اسم للفعل الصّادر عنها، وإن كان قد يسمّى كلّ واحد باسم الآخر، وأمّا العادة فاسم لتكرير الفعل أو الانفعال، وبها يكمل الخلق، وليس للعادة فعل إلّا تسهيل خروج ما هو بالقوّة في الإنسان إلى الفعل «1» .
بين الخلق والتّخلّق:
قال الرّاغب: الفرق بين الخلق والتّخلّق أنّ التّخلّق معه استثقال واكتئاب ويحتاج إلى بعث، وتنشيط من الخارج، والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج، والتّخلّق ضربان:
الأوّل: محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتّدرّب، ويتحرّاه صاحبه سرّا وجهرا على الوجه الّذي ينبغي، وبالمقدار الّذي ينبغي.
الثّاني: مذموم، وذلك ما كان على سبيل المراءاة، ولا يتحرّاه صاحبه إلّا حيث يقصد أن يذكر به، ويسمّى ذلك رياء، وتصنّعا، وتشيّعا، ولن ينفكّ صاحبه من اضطراب يدلّ على تشيّعه، وعلى ذلك قول عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «من تخلّق للنّاس بغير ما فيه فضحه الله- عزّ وجلّ- «2» » .
هل يمكن تغيير الخلق السّيّىء إلى خلق حسن:
يقول الجاحظ ما خلاصته: إنّ الأخلاق المذمومة موجودة في كثير من النّاس، غالبة عليهم، مالكة لهم، بل قلّما يوجد فيهم من يخلو من خلق سيّىء أو مكروه، ويسلم من جميع العيوب، ولكنّهم يتفاضلون في ذلك، وكذلك في الأخلاق المحمودة قد يختلف النّاس ويتفاضلون، إلّا أنّ المجبولين على الأخلاق الحسنة قليلون جدّا، وأمّا المجبولون على الأخلاق السّيّئة فأكثر النّاس وما ذلك إلّا لأنّ الإنسان إذا استرسل مع طبعه، ولم يستعمل الفكر ولا التّمييز، ولا الحياء ولا التّحفّظ، كان الغالب عليه أخلاق البهائم، لأنّ الإنسان إنّما يتميّز على البهائم بالفكر والتّمييز؛ فإذا لم يستعملهما كان مشاركا للبهائم في عاداتها، ولمّا كان النّاس مطبوعين على الأخلاق السّيّئة منقادين للشّهوات الرّديئة، وقع الافتقار إلى الشّرائع والسّنن، والسّياسات المحمودة «3» ، ولكن، هل يمكن للإنسان أن يغيّر خلقه؟
على هذا التّساؤل أجاب الإمام الرّاغب فقال:
اختلف النّاس في الخلق فقال بعضهم: هو من جنس الخلقة، ولا يستطيع أحد تغييره عمّا جبل عليه إن خيرا وإن شرّا كما قيل:
وما هذه الأخلاق إلّا غرائز ... فمنهنّ محمود ومنهنّ مذمم
ولن يستطيع الدّهر تغيير خلقة ... بنصح ولا يسطيعه متكرّم
«4»
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (114) .
(2) المرجع السابق (122) (بتصرف) .
(3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (120) .
(4) هذا الرّأي واضح البطلان لأن إرسال الرّسل وتشريع الشرائع إنما يستهدف في المقام الأول تغيير الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحميدة، وإذا كان الدهر هو الذي لا يستطيع ذلك فهو صحيح، ولكن من قال بذلك؟ إنّ الذي يستطيعه فعلا هو الأخذ بمنهج الله والسير على سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، أو ليس الحلم بالتّحلّم والصبر بالتصبر؟!(10/4644)
وقال بعضهم: يمكن ذلك، واستدلّ بما روي:
«حسّنوا أخلاقكم» ولو لم يمكن لما أمر به، وقال أصحاب هذا الرّأي: إنّ الله تعالى خلق الأشياء على ضربين:
أحدهما بالفعل ولم يجعل للعبد فيه عملا، كالسّماء والأرض والهيئة والشّكل.
والآخر: خلقه خلقة ما، وجعل فيه قوّة ورشّح الإنسان لإكماله وتغيير حاله وإن لم يرشّحه لتغيير ذاته، والخلق من الإنسان يجري هذا المجرى في أنّه لا سبيل للإنسان إلى تغيير القوّة الّتي هي السّجيّة، وجعل له سبيلا إلى إسلاسها، ولهذا قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) ولو لم يكن الأمر كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، والأمر والنّهي، ولما جوّز العقل أن يقال للعبد: لم فعلت؟ ولم تركت؟، وكيف يكون هذا في الإنسان ممتنعا، وقد وجدناه في بعض البهائم ممكنا، فالوحش قد ينقل بالعادة (والتّدرّب) إلى التّأنّس ومن الجموح إلى السّلاسة «1» .
هل يتغيّر حسن الخلق إلى خلق سيّىء؟
إذا كان الخلق السّيّىء قد يتحوّل إلى خلق حسن باتّباع الشّرع والتّدرّب على الأخلاق الحميدة والمثابرة عليها فهل يتغيّر الخلق الحسن إلى سيّىء؟، على هذا السّؤال أجاب الماورديّ فقال:
ربّما تغيّر حسن الخلق والوطاء إلى الشّراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارئة تجعل اللّين خشونة والوطاء غلظة والطّلاقة عبوسّا، فمن أسباب ذلك:
الولاية الّتي تحدث في الأخلاق تغيّرا. وعلى الخلطاء تنكّرا، إمّا من لؤم طبع، وإمّا من ضيق صدر.
ومنها العزل، فقد يسوء منه الخلق، ويضيق به الصّدر، إمّا لشدّة أسف أو لقلّة صبر. ومنها الغنى، فقد تتغيّر به أخلاق اللّئيم بطرا، وتسوء طرائقه أشرا، وقد قيل من نال استطال. ومنها الفقر، فقد يتغيّر به الخلق، إمّا أنفة من ذلّ الاستكانة، أو أسفا على فائت الغنى.
ومنها الهموم الّتى تذهل اللّبّ. وتشغل القلب،. فلا تتبع الاحتمال ولا تقوى على صبر،. وقد قيل الهمّ كالسّمّ. وقال بعض الأدباء: الحزن كالدّاء المخزون في فؤاد المحزون.
ومنها الأمراض الّتي يتغيّر بها الطّبع، كما يتغيّر بها الجسم، فلا تبقى الأخلاق على اعتدال، ولا يقدر معها على احتمال.
ومنها علوّ السّنّ. وحدوث الهرم لتأثيره في آلة الجسد. كذلك يكون تأثيره في أخلاق النّفس، فكما يضعف الجسد على احتمال ما كان يطيقه من أثقال كذلك تعجز النّفس عن احتمال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق، وضيق الشّقاق، وكذلك ما ضاهاه.
فهذه سبعة أسباب، أحدثت سوء خلق كان عامّا. وههنا سبب خاصّ يحدث سوء خلق خاصّ، وهو البغض الّذي تنفر منه النّفس، فتحدث نفورا عن
__________
(1) الذريعة (115، 116) (بتصرف) .(10/4645)
المبغض، فيؤول إلى سوء خلق يخصّه دون غيره، فإذا كان سوء الخلق حادثا بسبب، كان زواله مقرونا بزوال ذلك السّبب، ثمّ بالضّدّ «1» .
أركان سوء الخلق:
قال ابن القيّم- رحمه الله-:
ومنشأ جميع الأخلاق السّافلة، وبناؤها على أربعة أركان: الجهل، والظّلم، والشّهوة، والغضب.
فالجهل: يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن. والكمال نقصا، والنّقص كمالا.
والظّلم: يحمله على وضع الشّيء في غير موضعه. فيغضب في موضع الرّضا، ويرضى في موضع الغضب. ويجهل في موضع الأناة. ويبخل في موضع البذل. ويبذل في موضع البخل. ويحجم في موضع الإقدام، ويقدم في موضع الإحجام. ويلين في موضع الشّدّة. ويشتدّ في موضع اللّين. ويتواضع في موضع العزّة. ويتكبّر في موضع التّواضع.
والشّهوة: تحمله على الحرص، والشّحّ، والبخل، وعدم العفّة، والنّهمة، والجشع، والذّلّ والدناءات كلّها.
والغضب: يحمله على الكبر، والحقد، والحسد، والعدوان، والسّفه.
ويتركّب من بين كلّ خلقين من هذه الأخلاق:
أخلاق مذمومة.
وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النّفس في الضّعف، وإفراطها في القوّة.
فيتولّد من إفراطها في الضّعف: المهانة والبخل، والخسّة واللّؤم، والذّلّ والحرص، والشّحّ وسفساف الأمور والأخلاق.
ويتولّد من إفراطها في القوّة: الظّلم والغضب والحدّة، والفحش، والطّيش.
ويتولّد من تزوّج أحد الخلقين بالآخر: أولاد غيّة «2» كثيرون. فإنّ النّفس قد تجمع قوّة وضعفا.
فيكون صاحبها أجبر النّاس إذا قدر، وأذلّهم إذا قهر، ظالم عنوف جبّار. فإذا قهر صار أذلّ من امرأة. جبان عن القويّ، جريء على الضّعيف.
فالأخلاق الذّميمة: يولّد بعضها بعضا، كما أنّ الأخلاق الحميدة: يولّد بعضها بعضا «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- الاستهزاء- البذاءة- سوء المعاملة- الغرور- الكبر والعجب- السخرية- التحقير.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الخلق- الأدب- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحياء- التواضع- كظم الغيظ- غض البصر] .
الآيات الواردة في (سوء الخلق) معنى
انظر الآيات الواردة في صفة (الإساءة)
__________
(1) أدب الدنيا والدين (238- 254) بتصرف.
(2) غية: جمع غاوي وهو الضال.
(3) مدارج السالكين (2/ 321، 322) .(10/4646)
الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الخلق)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا افتتح الصّلاة كبّر، ثمّ قال:
«إنّ صلاتي ونسكي «1» ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أوّل المسلمين، اللهمّ اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. وقني سيّىء الأعمال وسيّىء الأخلاق لا يقي سيّئها إلّا أنت» ) * «2» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف في العبادة، وإنّ العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنّم» ) * «3» .
3-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي «4» للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا «5» وما أنا من المشركين «6» . إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي «7» لله ربّ العالمين «8» لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر
__________
(1) إن صلاتي ونسكي: قال أهل اللغة: النسك العبادة. وأصله من النسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط. والنسيكة، أيضا، ما يتقرب به إلى الله تعالى.
(2) النسائي (2/ 129) ، والدارقطني (111) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 187) : إسناده صحيح.
(3) إحياء علوم الدين (3/ 52) وقال الحافظ العراقي: أخرجه الطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو الشيخ في طبقات الأصفهانيين بإسناد جيد، وهو في الطبراني (1/ 260) برقم (754) وفي مكارم الأخلاق (1/ 76) برقم (53) .
(4) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي الذي فطر السماوات والأرض. أي ابتدأ خلقها.
(5) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا الى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل ويكون في الخير والشر وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي.
(6) وما أنا من المشركين: بيان للحنيف وإيضاح لمعناه: والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم.
(7) ومحياي ومماتي: أي حياتي وموتي. ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما. والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي.
(8) رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: حكاها الماوردي وغيره: الملك والسيد والمدبر والمربي. فان وصف الله تعالى برب، لأنه مالك أو سيد، فهو من صفات الذات وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله. ومتى دخلته الألف واللام، فقيل الرب، اختص بالله تعالى. وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمين: جمع عالم، وليس للعالم واحد من لفظه.(10/4647)
الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق «1» ، لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك «2» وسعديك «3» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك «4» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «5» .
4-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجل عنده امرأة سيّئة الخلق فلا يطلّقها ورجل دفع ماله إلى سفيه، وقد قال الله- عزّ وجلّ-:
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (النساء/ 5) ورجل باع ولم يشهد» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الخلق) معنى
5-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» ) * «7» .
6-* (عن حارثة بن وهب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة الجوّاظ «8» ، ولا الجعظريّ «9» » ) * «10» .
7-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن
__________
(1) واهدني لأحسن الأخلاق: أي أرشدني لصوابها، ووفقني للتخلق بها.
(2) لبيك: قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. يقال: لب بالمكان لبا، وألب إلبابا، إذا أقام به.
(3) وسعديك: قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة.
(4) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقي بك.
(5) مسلم (771) .
(6) الخرائطي في مساوىء الأخلاق (24) واللفظ له، وقال محققه: اسناده حسن والحديث صحيح. وأخرجه الحاكم (2/ 302) وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1805) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7076) ، ومسلم (64) متفق عليه.
(8) الجواظ: الجموع المنوع المختال في مشيته.
(9) الجعظري: الفظ الغليظ المتكبر الذي يتمدح بما ليس فيه.
(10) أبو داود (4801) ، وقال الألباني (3/ 911) : صحيح المشكاة (5080) .(10/4648)
يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله يبغض الفاحش البذيء» ) * «1» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها.
قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصلاتها وأنّها تتصدّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «2» .
وفي لفظ آخر: قالوا: يا رسول الله، فلانة تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، وتؤذي جيرانها. قال: «هي في النّار» . قالوا: يا رسول الله، فلانة تصلّي المكتوبات، وتصدّق «3» بالأثوار «4» من الأقط «5» ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) *.
9-* (عن عياض بن حمار- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت الرّجل من قومي يشتمني وهو أنقص منّي نسبا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المستبّان شيطانان، يتهاتران ويتكاذبان» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (سوء الخلق)
1-* (روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد:
أنّ عيسى ابن مريم- عليهما السّلام- لقي خنزيرا بالطّريق فقال له انفذ بسلام. فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: «إنّي أخاف أن أعوّد لساني المنطق بالسّوء» ) * «7» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «العزلة راحة من خلاط «8» السّوء» ) * «9» .
3-* (عن أبي حازم- رحمه الله- قال:
السّيّىء الخلق أشقى النّاس به نفسه، ثمّ زوجته، ثمّ ولده، حتّى إنّه ليدخل بيته وإنّهم لفي سرور، فيسمعون صوته، فينفرون عنه فرقا منه، وحتّى إنّ دابّته لتحيد ممّا يرميها بالحجارة، وإنّ كلبه ليراه فينزو
__________
(1) الترمذي (2002) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4799) وقال الألباني (3/ 911) : صحيح، وهو في صحيح الترمذي رقم (2087) ، والبزار بإسناد جيد.
(2) المنذري في الترغيب (3/ 356) وقال: رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضا.
(3) أي تتصدق وتحسن.
(4) الأثوار: بالمثلثة جمع ثور: وهي قطعة من الأقط
(5) والأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي.
(6) أحمد (4/ 162) واللفظ له، والطبراني في الكبير (17/ 365) ، والبيهقي (10/ 235) في السنن الكبرى. وقال محقق مساوىء الأخلاق للخرائطي (33) : إسناده صحيح، والحديث صحيح. وانظر باقي الصفات المذمومة.
(7) تنوير الحوالك (3/ 148) .
(8) الخلاط: اختلاط الناس والإبل والمواشي.
(9) ابن حجر في فتح الباري (11/ 338) وقال: أخرجه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات.(10/4649)
على الجدار، وحتّى إنّ قطّه ليفرّ منه» ) * «1» .
4-* (عن عطاء في قوله تعالى: وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ (الأنبياء/ 90) قال: «كان في خلقها سوء، وكان في لسانها طول، وهؤلاء بذاء، فأصلح الله ذلك منها» ) * «2» .
5-* (قال وهب بن منبّه: مثل السّيّىء الخلق كمثل الفخّارة المكسورة لا ترقع ولا تعاد طينا» ) * «3» .
6-* (صحب ابن المبارك رجلا سيّىء الخلق في سفر فكان يحتمل منه، ويداريه، فلمّا فارقه بكى فقيل له في ذلك فقال: بكيته رحمة له، فارقته وخلقه معه لم يفارقه» ) * «4» .
7-* (قال الفضيل بن عياض: «لا تخالط سيّىء الخلق فإنّه لا يدعو إلّا إلى شرّ» ) * «5» .
8-* (وقال أيضا: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحبّ إليّ من أن يصحبني عابد سيّىء الخلق» ) * «6» .
9-* (قال الحسن: من ساء خلقه عذّب نفسه» ) * «7» .
10-* (قال يحيى بن معاذ: «سوء الخلق سيّئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنة لا تضرّ معها كثرة السّيّئات» ) * «8» .
11-* (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله- الأخلاق السّيّئة هي السّموم القاتلة، والمهلكات الدّامغة، والمخازي الفاضحة، والرّذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار ربّ العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشّياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة الّتي تطّلع على الأفئدة» ) * «9» .
12-* (وقال أيضا: «الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النّفوس، إنّها أمراض تفوّت على صاحبها حياة الأبد» ) * «10» .
13-* (وقال- رحمه الله-: «على المسلم أن يخالط النّاس، فكلّ ما رآه مذموما بين الخلق من خلق فليحذّر نفسه منه ويبعدها عنه، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أنّ الطّباع متقاربة في اتّباع الهوى. فما يتّصف به واحد من الأقران لا ينفكّ القرن الآخر عن أصله أو أعظم منه أو عن شيء منه. فليتفقّد نفسه ويطهّرها من كلّ ما يذمّه من غيره وناهيك بهذا تأديبا» ) * «11» .
14-* (وقال أيضا: إنّ حسن الخلق هو الإيمان، وسوء الخلق هو النّفاق» ) * «12» .
__________
(1) مساوىء الأخلاق ومذمومها (26) وقال محققه: أورده الذهبي (6/ 99) في سير أعلام النبلاء عن أبي حازم.
(2) تفسير ابن كثير (3/ 193) .
(3) الإحياء (3/ 57) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) مساوىء الأخلاق ومذمومها (24) .
(6) الإحياء (3/ 57) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق (3/ 53) .
(10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(11) المرجع السابق (3/ 70) بتصرف.
(12) المرجع السابق (3/ 74) .(10/4650)
15-* (وقال أيضا: إنّ من يكره فعل الله تعالى ولا يرضى به فهو غاية سوء خلقه» ) * «1» .
16-* (جمع بعضهم علامات سوء الخلق فقال: «أن يكون قليل الحياء كثير الأذى، قليل الصّلاح، كذوب اللّسان، كثير الكلام، قليل العمل، كثير الزّلل، كثير الفضول، لا برّا ولا وصولا، ولا وقورا، ولا صبورا، ولا شكورا. غير راض، ولا حليما، ولا رفيقا، ولا عفيفا، ولا شفيقا، لعّانا، سبّابا، نمّاما، مغتابا، عجولا، حقودا بخيلا، حسودا. غضوبا، نكدا، يحبّ في شهواته ويبغض فيها، فهذا هو سوء الخلق» ) * «2» .
من مضار (سوء الخلق)
(1) يبعد العبد عن الله- عزّ وجلّ- ولا ينال من الله إلّا السّخط والغضب.
(2) سيّىء الأخلاق يكرهه النّاس فلا يجد صديقا يخلو إليه بوحشته ولا عزيزا يقدّره ويحترمه حتّى زوجته وأولاده لا يحبّون مجالسته.
(3) إنّه بالتّالي ينتقم من نفسه فيعيش نكدا مضطربا مذعورا.
(4) إذا فشا سوء الخلق في مجتمع أوبقه ومزّقه.
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 76) .
(2) المرجع السابق (3/ 76- 77) بتصرف.(10/4651)
سوء الظن
السوء لغة: (انظر سوء المعاملة) .
أمّا الظّنّ فهو الاعتقاد الرّاجح مع احتمال النّقيض «1» .
والظّنين: الرّجل المتّهم، والظّنّة: التّهمة.
والجمع: الظّنن.
والظّنون: الرّجل السّيّىء الظّنّ. وقيل السّيّىء الظّنّ بكلّ أحد، وقيل: هو قليل الخير.
وفي الحديث: «إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث» أراد الشّكّ يعرض لك في الشّيء فتحقّقه وتحكم به وقيل: أراد إيّاكم وسوء الظّنّ «2» .
سوء الظّنّ اصطلاحا:
لم تعرّف كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها- سوء الظّنّ ضمن ما أوردته من مصطلحات، بيد أنّنا نستطيع ذلك في ضوء ما ذكروه عن السّوء والظّنّ فنقول:
سوء الظّنّ هو: اعتقاد جانب الشّرّ وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمل الأمرين معا.
سوء الظن من الكبائر الباطنة:
عدّ الإمام ابن حجر سوء الظّنّ بالمسلم من
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
33/ 19/ 13
الكبائر الباطنة. وذكر أنّه (الكبيرة الحادية والثّلاثون) ، وقال: وهذه الكبائر ممّا يجب على المكلّف معرفتها ليعالج زوالها لأنّ من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله- والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه الكبائر يذمّ العبد عليها أعظم ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه إذ إنّ آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالا وهيئة راسخة في القلب، بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنّها سريعة الزّوال، تزول بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ونقل عن ابن النّجّار قوله: «من أساء بأخيه الظّنّ فقد أساء بربّه» ، إنّ الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ (الحجرات/ 12) «3» .
أقسام سوء الظن:
وقد قسّم سوء الظّنّ إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما:
1- سوء الظّنّ بالله، قال: وهو أبلغ في الذّنب من اليأس والقنوط (وكلاهما كبيرة) وذلك لأنّه يأس وقنوط وزيادة، لتجويزه على الله تعالى أشياء لا
__________
(1) انظر معنى الظن بتوسع أكبر في صفة حسن الظن ج 5 ص 1596 وما بعدها من هذه الموسوعة.
(2) انظر: الصحاح للجوهري (6/ 2260) ، والتعريفات للجرجاني (14) ، ولسان العرب (13/ 272)
(3) الزواجر (106) .(10/4652)
تليق بكرمه وجوده «1» .
2- سوء الظّنّ بالمسلمين: هو أيضا من الكبائر وذلك أنّ من حكم بشرّ على غيره بمجرّد الظّنّ حمله الشّيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه والتّواني في إكرامه وإطالة اللّسان في عرضه، وكلّ هذه مهلكات.. وكلّ من رأيته سيّىء الظّنّ بالنّاس طالبا لإظهار معايبهم فاعلم أنّ ذلك لخبث باطنه وسوء طويّته؛ فإنّ المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه «2» .
من معاني كلمة «الظن» في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ «الظّنّ» في القرآن على أوجه منها:
التّهمة: ومنه قوله تعالى: (في التّكوير) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (آية/ 24) «3» : أي بمتّهم.
ومنها الكذب: ومنه قوله تعالى: (في النّجم) : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (آية/ 28) «4» .
أنواع الظن:
قال سفيان الثّوريّ: الظّنّ ظنّان: ظنّ إثم، وظنّ ليس بإثم.
فأمّا الّذي هو إثم: فالّذي يظنّ ظنّا، ويتكلّم به.
والّذي ليس بإثم: فالّذي يظنّ، ولا يتكلّم به.
والظّنّ في كثير من الأمور مذموم. ولهذا قال تعالى: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس/ 36) ، وقال: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات/ 12) «5» .
قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله-: فليس لك أن تظنّ بالمسلم شرّا، إلّا إذا انكشف أمر لا يحتمل التّأويل، فإن أخبرك بذلك عدل. فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذورا، لأنّك لو كذّبته كنت قد أسأت الظّنّ بالمخبر، فلا ينبغي أن تحسن الظّنّ بواحد وتسيئه بآخر، بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد؟ فتتطرّق التّهمة حينئذ بسبب ذلك. ومتى خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإنّ ذلك يغيظ الشّيطان ويدفعه عنك، فلا يلقي إليك خاطر السّوء خيفة من اشتغالك بالدّعاء والمراعاة. وإذا تحقّقت هفوة مسلم، فانصحه في السّرّ. واعلم أنّ من ثمرات سوء الظّنّ التّجسّس، فإنّ القلب لا يقنع بالظّنّ، بل يطلب التّحقيق فيشتغل بالتّجسّس، وذلك منهيّ عنه، لأنّه يوصل إلى هتك ستر المسلم، ولو لم ينكشف لك، كان قلبك أسلم للمسلم «6» .
قال ابن القيّم- رحمه الله-: أكثر النّاس يظنّون بالله ظنّ السّوء فيما يختصّ بهم وفيما يفعله بغيرهم، فقلّ من يسلم من ذلك إلّا من عرف الله وأسماءه
__________
(1) الزواجر (114) .
(2) المرجع السابق (109) .
(3) قرأ: «بظنين» بالظاء ابن كثير، وأبو عمرو والكسائي، وقرأ الباقون: «بضنين» بالضاد أي ببخيل، وعلى هذه القراءة رسم مصحف حفص الذي بأيدينا.
(4) نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (425- 426) .
(5) انظر بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي (3/ 545- 547)
(6) مختصر منهاج القاصدين (172) .(10/4653)
وصفاته، وهو موجب حكمته وحمده، فليعتن اللّبيب النّاصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله تعالى ويستغفره من ظنّه بربّه ظنّ السّوء، ولو فتّشت من فتّشت لرأيت عنده تعنّتا على القدر، وملامة له، يقول: إنّه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقلّ ومستكثر، وفتّش نفسك هل أنت سالم؟.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلّا فإنّي لا إخالك ناجيا
) * «1» .
وصفوة القول أنّ:
1- الظّنّ المحرّم هو سوء الظّنّ بالله تعالى ويقابله وجوب حسن الظّنّ بالله.
2- حرمة الظّنّ كذلك بالمسلمين الّذين ظاهرهم العدالة. والمطلوب حسن الظّنّ بهم.
3- الظّنّ المباح وهو الّذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الرّيبة. وهذا الظّنّ لا يحقّق.
[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- سوء الخلق- سوء المعاملة- الشك- اتباع الهوى- الأذى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن الظن- حسن العشرة- حسن المعاملة- اليقين- الأدب] .
__________
(1) تيسير العزيز الحميد (675- 676) .(10/4654)
الآيات الواردة في «سوء الظّنّ»
سوء الظن وعواقبه في الأمم الماضية:
1-* أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) «1»
2- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153)
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154)
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156)
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) «2»
3-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) «3»
4- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «4»
__________
(1) البقرة: 75- 78 مدنية
(2) النساء: 153- 157 مدنية
(3) الأعراف: 65- 66 مكية
(4) هود: 25- 27 مكية(10/4655)
5- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) «1»
6- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (101) «2»
7- وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) «3»
8- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «4»
9- وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) «5»
10- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) «6»
11- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «7»
12- وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) «8»
__________
(1) يوسف: 109- 110 مكية
(2) الإسراء: 101 مكية
(3) الكهف: 35- 36 مكية
(4) الأنبياء: 87 مكية
(5) الشعراء: 182- 186 مكية
(6) القصص: 38- 39 مكية
(7) غافر: 36- 37 مكية
(8) الجاثية: 24 مكية(10/4656)
13- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7) «1»
سوء الظن وعواقبه في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم:
14- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
(154) «2»
15- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) «3»
16- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) «4»
17- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) «5»
__________
(1) الجن: 1- 7 مكية
(2) آل عمران: 153- 154 مدنية
(3) الأنعام: 116 مكية
(4) الأنعام: 148 مكية
(5) يونس: 24 مكية(10/4657)
18- وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) «1»
19- وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «2»
20- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) «3»
21- مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) «4»
22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) «5»
23- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) «6»
24- وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «7»
25- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) «8»
26- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) «9»
27- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5)
__________
(1) يونس: 36 مكية
(2) يونس: 60 مكية
(3) يونس: 66 مكية
(4) الحج: 15 مدنية
(5) الأحزاب: 9- 10 مدنية
(6) ص: 27 مكية
(7) فصلت: 22- 23 مكية
(8) فصلت: 49- 50 مكية
(9) الجاثية: 31- 32 مكية(10/4658)
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «1»
28- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «2»
29- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ
(12) «3»
30- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21)
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) «4»
31- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) «5»
32- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «6»
33- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10)
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12)
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) «7»
__________
(1) الفتح: 4- 6 مدنية
(2) الفتح: 11- 12 مدنية
(3) الحجرات: 12 مدنية
(4) النجم: 19- 23 مكية
(5) النجم: 27- 28 مكية
(6) الحشر: 1- 2 مدنية
(7) الانشقاق: 10- 14 مكية(10/4659)
الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الظن)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلنا: بلى.
قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «1» رويدا. فجعلت درعي في رأسي، واختمرت «2» وتقنّعت إزاري. ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «3» .
فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل.
فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «4» » قالت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» .
قالت: قلت: يا رسول الله،- بأبي أنت وأمّي- فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «5» الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «6» في صدري لهدة أو جعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم.
قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت:
كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «7»
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث. ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تنافسوا «8» ، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «9» .
__________
(1) أجافه: أغلقه.
(2) اختمرت: لبست خماري.
(3) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو أي فعدا فعدوت وهو فوق الهرولة.
(4) حشيا رابية: أى قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذى يعرض للمسرع فى مشيه، والمحتد فى كلامه من ارتفاع النّفس وتواتره.
(5) السواد: أي الشخص.
(6) لهدني: ضربني.
(7) مسلم (974) .
(8) ولا تنافسوا: المعنى هو التباري في الرغبة في الدنيا وأسبابها وحظوظها.
(9) البخاري- الفتح 10 (6066) ، ومسلم (2563) واللفظ له.(10/4660)
الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء الظن) معنى
3-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه- كان يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال فتجوّز «1» رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يا معاذ، أفتّان أنت؟ (ثلاثا) . اقرأ وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، ونحوهما» ) * «2» .
4-* (عن زيد بن أسلم- رضي الله عنه- أنّ رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك:
ما لقرّائنا هؤلاء، أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللّقاء! فقال له عوف: كذبت، ولكنّك منافق! لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فذهب عوف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، قال زيد: قال عبد الله ابن عمر- رضي الله عنهما-: فنظرت إليه متعلّقا بحقب «3» ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تنكبه الحجارة، يقول: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ! فيقول له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (التوبة/ 65)) * «4» .
5-* (عن اللّجلاج- رضي الله عنه- أنّه كان قاعدا يعتمل في السوق فمرّت امرأة تحمل صبيّا فثار النّاس معها وثرت فيمن ثار، فانتهت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول ... الحديث وفيه: فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لهو أطيب عند الله من ريح المسك» فإذا هو أبوه، فأعنّاه على غسله وتكفينه ودفنه) * «5» .
6-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الريبة في النّاس أفسدهم» ) * «6» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصدقة. فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله. وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله «7» . وأمّا العبّاس
__________
(1) فتجوز: أى ترخص وخفف.
(2) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465) .
(3) الحقب: بفتحتين-: الحزام الذي يلي حقو البعير وقيل: هو حبل يشد به الحمل في بطن البعير.
(4) تفسير الطبرى (6/ 409) .
(5) أبو داود (4435) ، وحسنه الألباني؛ صحيح سنن أبي داود (3728، 3729) .
(6) أبو داود (4889) وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح أبي داود (4089)
(7) قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله: أي حبسها ووقفها في سبيل الله، قبل الحول عليها فلا زكاة فيها والأعتاد جمع عتاد وهى آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها.(10/4661)
فهي عليّ ومثلها معها «1» » . قال: «يا عمر، أما شعرت أنّ عمّ الرجل صنو أبيه) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل من بني فزارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من إبل؟» . قال: نعم. قال: «فما ألوانها؟» . قال: حمر.
قال: «هل فيها من أورق «3» ؟» قال: إنّ فيها لورقا.
قال: «فأنّى أتاها ذلك» قال: عسى أن يكون نزعه عرق «4» . قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «5» .
9-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء «6» كانت من اللّيل. فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال:
أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب.
وأمّا من قال: مطرنا بنوء «7» كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» ) * «8» .
10-* (عن جندب البجليّ- رضي الله عنه- قال: قالت امرأة: يا رسول الله، ما أرى صاحبك إلّا أبطأك. فنزلت: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (الضحى/ 3) * «9» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل.
فقمت حين آذنوا بالرحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل.
فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «10» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي.
__________
(1) وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها: معناه أني تسلفت منه زكاة عامين.
(2) البخاري- الفتح 3 (1468) ، ومسلم (983) واللفظ له، وقوله: صنو أبيه أي مثله ونظيره يعني أنهما من أصل واحد.
(3) الأورق: هو الذي فيه سواد ليس بصاف، ومنه قيل للرماد: أورق وجمعه ورق كأحمر وحمر.
(4) عسى أن يكون نزعه عرق: المراد بالعرق: الأصل من النسب تشبها بعرق الشجرة، ومنه قولهم فلان معرق فى النسب، ومعنى نزعه أى أشبهه واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه فكأنه جذبه إليه لشبهه.
(5) البخاري- الفتح 9 (5305) ، ومسلم (1500) واللفظ له.
(6) في إثر السماء: أي بعد المطر. والسماء: المطر.
(7) بنوء: النوء في أصله ليس هو نفس الكوكب، فانه مصدر ناء النجم ينوء أي سقط وغاب، وقيل: نهض وطلع.
(8) البخاري الفتح 7 (4147) ، مسلم (71) واللفظ له.
(9) البخاري الفتح 8 (4951) .
(10) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.(10/4662)
فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن «1» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «2» من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السلميّ، ثمّ الذكوانيّ، قد عرّس «3» من وراء الجيش فأدلج «4» . فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم.
فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته.
فوطأ على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الراحلة. حتّى أتينا الجيش. بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة «5» .
فهلك من هلك في شأني. وكان الذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة. فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا. والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك. ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم «6» ؟» فذاك يريبني.
ولا أشعر بالشرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «7» . وهو متبرّزنا. ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزّه. وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم بن المطّلب بن عبد مناف.
وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق.
وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي. حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «8» . فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا.
قالت: أي هنتاه «9» ، أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت، فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت:
أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا
__________
(1) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(2) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(3) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(4) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل.
(5) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
(6) كيف تيكم: هى إشارة إلى المؤنثة، يقابلها كذلكم فى المذكر.
(7) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.
(8) في مرطها: المرط الكساء من صوف وقد يكون من غيره.
(9) أي هنتاه: بضم الهاء الأخيرة وقد تسكن، لفظة تختص بالنداء ومعناها: يا هذا، وقيل: يا امرأة، وقيل: يابلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس.(10/4663)
بنيّة، هوّني عليك. فو الله لقلمّا كانت امرأة قطّ وضيئة «1» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت:
قلت: سبحان الله! وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «2» لي دمع، ولا أكتحل بنوم «3» . ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي «4» . يستشيرهما في فراق أهله. قالت:
فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلّا خيرا.
وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «5» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن «6» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «7» من عبد الله بن أبيّ بن سلول. قالت:
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه.
يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «8» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله.
فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيّان الأوس والخزرج «9» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثمّ بكيت ليلتي المقبلة. لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها. فجلست تبكي.
قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء.
قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا
__________
(1) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(2) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(3) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(4) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل.
(5) أغمصه: أي أعيبها به.
(6) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(7) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.
(8) اجتهلته الحمية: أي خفته وأغضبته وحملته على الجهل
(9) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.(10/4664)
بعد. يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب.
فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة.
فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال:
والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي:
أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به. فإن قلت لكم إنّي بريئة،. والله يعلم أنّي بريئة.، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى.
ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «2» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «3» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال:
«أبشري يا عائشة، أمّا الله فقد برّأك» فقال لي أمّي:
قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله.
هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-:
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ- قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله- فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه.
وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله،
__________
(1) ما رام: أي ما فارق.
(2) البرحاء: هي الشدة.
(3) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.(10/4665)
أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «1» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «2» فهلكت فيمن هلك) * «3»
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى- عليه السّلام- يغتسل وحده. فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلّا أنّه آدر «4» . قال: فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه قال: فجمح «5» موسى بإثره يقول: ثوبي حجر «6» ثوبي حجر حتّى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى. قالوا: والله ما بموسى من بأس. فقام الحجر حتّى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا» ) * «7» .
13-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعدما اشتدّ النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال:" أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «8» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» .
فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «9» .
14-* (عن كعب بن مالك- رضي الله
__________
(1) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(2) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(3) البخاري- الفتح 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له.
(4) آدر أى عظيم الخصيتين.
(5) فجمح: أى جرى أشد الجرى.
(6) ثوبى حجر: أى ثوبى يا حجر، حذفت أداة النداء ونداء الحجر بالنسبة للنبى أمر ممكن ويدخل فى باب المعجزة.
(7) البخاري- الفتح 6 (3404) ، ومسلم (339) واللفظ له.
(8) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فاذا نضج ذر عليه دقيق فان لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.
(9) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) .(10/4666)
عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك ... الحديث وفيه: «ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «1» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنّظر في عطفيه «2» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة:
عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ، أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت. فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج فقال: يا ربّ، أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغيّ يتمثّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال:
فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها.
فحملت. فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغيّ. فولدت منك.
فقال: أين الصّبيّ؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة وشارة حسنة فقالت أمّه: اللهمّ، اجعل ابني مثل هذا، فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ، لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون:
زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ، لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ، اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث. فقالت: حلقى «4» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ، اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ، اجعلني مثلها. قال: إنّ ذاك
__________
(1) حتى بلغ تبوكا هو فى أكثر النسخ تبوكا، وكذا هو فى نسخ البخارى، وكأنه صرفها لإرادة الموقع، دون البقعة.
(2) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(3) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) واللفظ له.
(4) حلقى: أي أصابه الله بوجع في حلقه.(10/4667)
الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ، لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها: زنيت. ولم تزن، وسرقت. ولم تسرق، فقلت: اللهمّ، اجعلني مثلها» ) * «1» .
16-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون:
إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء، فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) الآية) * «2» .
17-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناسا في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة. قال رجل: والله إنّ هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله.
فقلت: والله لأخبرنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته فأخبرته.
فقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى. فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «3» .
18-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه، إلّا كفر. ومن ادّعى ما ليس له فليس منّا. وليتبوّأ مقعده من النّار، ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك إلّا حار عليه «4» » ) * «5» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: «يؤذيني ابن آدم. يسبّ الدّهر وأنا الدّهر. أقلّب اللّيل والنّهار» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (سوء الظن)
1-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما لنا طعام إلّا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة، ماله خلط «7» ، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني «8» على الإسلام، لقد خبت إذا وضلّ عملي، وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلّي» ) * «9» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ (الحج/ 11) قال: كان الرّجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء» ) * «10» .
__________
(1) البخاري الفتح 6 (3436) ، ومسلم (2550) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 8 (4668) واللفظ له ومسلم (1018) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3150) واللفظ له ومسلم (1062) .
(4) حار عليه: أي باء ورجع عليه.
(5) البخاري- الفتح 6 (3508) ، ومسلم (61) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 8 (4826) ، ومسلم (2246) واللفظ له.
(7) خلط: أي لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته.
(8) تعزرني: تؤدبني، والمعنى تعلمني الصلاة، أو تعيرني بأني لا أحسنها.
(9) البخاري- الفتح 7 (3728) .
(10) البخاري- الفتح 8 (4742) .(10/4668)
3-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال:" اجتمع عند البيت قرشيّان وثقفيّ أو ثقفيّان وقرشيّ كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم.
فقال أحدهم: أترون أنّ الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنّه يسمع إذا أخفينا.
فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (فصلت/ 22)) * «1» .
4-* (عن عائذ بن عمرو- رضي الله عنه- وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على عبيد الله ابن زياد. فقال: «أي بنيّ، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ شرّ الرّعاء الحطمة «2» . فإيّاك أن تكون منهم» فقال له: اجلس. فإنّما أنت من نخالة «3» أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فقال: وهل كانت لهم نخالة؟
إنّما كانت النّخالة بعدهم، وفي غيرهم» ) * «4» .
5-* (عن سعيد بن المسيّب قال: «كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امرىء مسلم شرّا، وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه» ) * «5» .
6-* (عن عثمان بن موهب قال:" جاء رجل من أهل مصر وحجّ البيت، فرأى قوما جلوسا فقال:
من هؤلاء القوم؟. فقالوا: هؤلاء قريش. قال: فمن الشّيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا بن عمر، إنّي سائلك عن شيء فحدّثني عنه: هل تعلم أنّ عثمان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم. فقال: تعلم أنّه تغيّب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال الرّجل: هل تعلم أنه تغيّب عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم.
قال: الله أكبر. قال ابن عمر: تعال أبيّن لك. أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه وغفر له. وأمّا تغيّبه عن بدر فإنّه كانت تحته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا وسهمه» . وأمّا تغيّبه عن بيعة الرّضوان فلو كان أحد أعزّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان، وكانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان. فضرب بها على يده فقال:
هذه لعثمان، فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4817) .
(2) إن شر الرعاء الحطمة: الحطمة هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار. يلقي بعضها على بعض ويعسفها. ضربه مثلا لوالي السوء.
(3) نخالة: أي لست من فضلائهم وعلمائهم. والنخالة هنا: استعارة من نخالة الدقيق.
(4) مسلم (1830) .
(5) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 150) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3698) .(10/4669)
7-* (عن عروة بن الزّبير عن عائشة- رضي الله عنها- قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (يوسف/ 11) قال:
قلت: «أكذبوا أم كذّبوا؟ قالت عائشة: كذبوا. قلت:
فقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم، فما هو بالظّنّ؟
قالت: أجل لعمري، لقد استيقنوا بذلك. فقلت لها:
وظنّوا أنّهم قد كذبوا؟ قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها. قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النّصر، حتّى إذا استيأس الرّسل ممّن كذّبهم من قومهم، وظنّت الرّسل أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاء نصر الله عند ذلك» ) * «1» .
8-* (عن سعد بن عبيدة؛ قال:" جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذلك يسوؤك؟ قال: نعم. قال:
فأزغم الله بأنفك ثمّ سأله عن عليّ، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك. بيته أوسط بيوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قال: لعلّ ذاك يسوؤك؟ قال: أجل. قال فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد على جهدك» ) * «2» .
9-* (عن عبد الله بن المبارك قال: «جئت إلى سفيان عشيّة عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فبكيت، فالتفت إليّ فقال: ما شأنك؟
فقلت: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الّذي يظنّ أنّ الله- عزّ وجلّ- لا يغفر لهم» ) * «3» .
10-* (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة كان مبدؤها هناك، فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أنّه إن لم يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا:
ألا نسقيك مرقدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا. والله ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر «4» ولا اختلج «5» ، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد أبليت فلطا لما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت ...
فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4695) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3704) .
(3) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (92) .
(4) تضور: تلوّى وصاح من وجع الضرب أو الجوع ونحوهما.
(5) اختلج: أى خطر مع شك.(10/4670)
حتّى دخل وادي القرى ... فلمّا دخل المدينة أتاه النّاس يسلّمون عليه ويعزّونه في رجله وولده، فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه ذلك بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي
) * «1» .
11-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (الفتح/ 6) : فسّر هذا الظّنّ بأنّه سبحانه لا ينصر رسوله، وأنّ أمره سيضمحلّ، وفسّر أنّ ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسّر بإنكار الحكمة وإنكار القدر، وإنكار أنّ يتمّ أمر رسوله، وأن يظهره على الدّين كلّه، وهذا هو ظنّ السّوء الّذي ظنّ المنافقون والمشركون، وإنّما كان هذا ظنّ السّوء؛ لأنّه ظنّ غير ما يليق به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصّادق، فمن ظنّ أنّه يديل الباطل على الحقّ إدالة مستقرّة يضمحلّ معها الحقّ، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، وأنكر أن يكون قدّره لحكمة بالغة يستحقّ عليها الحمد، بل زعم أنّ ذلك لمشيئة مجرّدة، ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (ص/ 27)) * «2» .
12-* (قال الشّاعر:
فلا تظنن بربّك ظنّ سوء ... فإنّ الله أولى بالجميل
ولا تظنن بنفسك قطّ خيرا ... فكيف بظالم جان خجول
وظنّ بنفسك السّوءى تجدها ... كذلك خيرها كالمستحيل
وما بك من تقى فيها وخير ... فتلك مواهب الرّبّ الجليل
وليس لها ولا منها ولكن ... من الرّحمن فاشكر للدّليل
) * «3» .
13-* (قال محمود الورّاق:
فلا تجزع وإن أعسرت يوما ... فقد أيسرت في الدّهر الطّويل
فإنّ العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كلّ قيل
فلا تظنن بربّك ظنّ سوء ... فإنّ الله أولى بالجميل
فلو أنّ العقول تفيد مالا ... لكان المال عند ذوي العقول
) * «4» .
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 180) .
(2) تيسير العزيز الحميد (675) .
(3) المرجع السابق (684) .
(4) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (123) .(10/4671)
من مضار (سوء الظن)
(1) يؤدّي إلى غضب الله وسخطه.
(2) دليل على فساد النّيّة، وسوء الطّويّة.
(3) خلق من أخلاق المنافقين.
(4) يولّد الشّحناء والبغضاء بين النّاس.
(5) مفتاح للعواقب الوخيمة، والأعمال السّيّئة.
(6) يورث الذّلّ والهوان على الله ثمّ على النّاس.
(7) دليل ضعف الإيمان.
(8) دليل على عدم الثّقة بالنّفس.(10/4672)
سوء المعاملة
سوء المعاملة لغة:
هو الاسم من قولهم: ساء يسوء، والمصدر السّوء (بفتح السّين) والمساءة، والمسائية، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (س وأ) الّتي تدلّ على القبح، وعلى خلاف السّرور «1» ، تقول: رجل أسوأ أي قبيح، وامرأة سوآء أي قبيحة، قال ابن فارس: لذلك سمّيت السّيّئة سيّئة، وسمّيت النّار سوءى لقبح منظرها، وأساء إليه: نقيض أحسن إليه، وقولهم: ما أنكرك من سوء: أي لم يكن إنكاري إيّاك من سوء رأيته بك، إنّما هو لقلّة المعرفة، والسّوأة: العورة، والفاحشة والسّوأة السّوآء: الخلّة القبيحة، والسّوء: قد يراد به الهزيمة والشّرّ كما في قراءة من قرأ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (الفتح 6) أمّا من قرأ بالفتح فهو من المساءة، وسوء المعاملة: نقيض حسن المعاملة «2» .
السوء اصطلاحا:
هو كلّ ما يغمّ الإنسان من أمور الدّارين من الأحوال النّفسيّة والبدنيّة والخارجيّة من فوات مال، وفقد حبيب ونحوهما «3» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 31/ 6
المعاملة في اللغة:
المعاملة في اللّغة مصدر قولهم: عاملت الرّجل أعامله معاملة، وتدلّ الصّيغة (فاعل) هنا على المشاركة، أي إنّ الحدث المقصود قد اشترك فيه طرفان وذلك كما في البيع والشّراء والإجارة ونحو ذلك، يقال:
عاملته معاملة، وأصل ذلك من مادّة (ع م ل) الّتي تدلّ على كلّ فعل يفعل، وقال الرّاغب: العمل كلّ فعل يكون من الحيوان بقصد، فهو أخصّ من الفعل لأنّ الفعل قد ينسب إلى الحيوانات، وهو يقع منها بغير قصد، وقد ينسب إلى الجمادات، والعمل قلّما ينسب إلى ذلك «4» .
المعاملة اصطلاحا:
قال التّهانويّ: المعاملة عند الفقهاء عبارة عن العقد على العمل ببعض الخارج (أي النّاتج عنها) ، وتطلق أيضا على الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بأمر الدّنيا باعتبار بقاء الشّخص كالبيع والشّراء والإجارة ونحوها «5» .
__________
(1) ذهب إلى الأول ابن فارس في المقاييس (3/ 113) ، وإلى الآخر الجوهري في الصحاح (1/ 57) .
(2) انظر تفصيلا أكثر في صفة الإساءة.
(3) المفردات للراغب (348) .
(4) مقاييس اللغة (4/ 144) ، المفردات للراغب (ص 348) . انظر تفصيلا أكثر في صفة حسن المعاملة.
(5) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1049) .(10/4673)
شمولية معنى المعاملة:
إنّ المعاملة المقصودة هنا أعمّ ممّا يطلق عليه أبواب المعاملات في الفقه الإسلاميّ كالبيع والإجارة ونحوهما وإنّما تشمل إلي جانب ذلك ما يطلق عليه الأحكام العمليّة في الشّريعة الإسلاميّة وتشمل هذه الأحكام.
يقول الدّكتور النّبهان: تشمل الأحكام العمليّة الأحكام المتعلّقة بحياة الإنسان، معاملاته وعلاقاته مع الآخرين، كما تشمل كلّ الأحكام المتعلّقة بالأسرة، والمعاملات الماليّة والمدنيّة والمنازعات والعقوبات وما يتعلّق بالحكم أو بالدّولة سواء فيما يخصّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو بين الدّولة والدّول الأخرى «1» ، ونقول: إنّ المعاملة الّتي ينبغي عدم الإساءة
فيها تمتدّ إلى معاملة الإنسان نفسه ومعاملته للحيوانات وغيرها ممّا يحيط به في بيئته الّتي يعيش فيها.
سوء المعاملة اصطلاحا:
أن يفعل الإنسان ما من شأنه أن يغمّ أو يؤذي غيره في المعاملات الشّرعيّة من بيع وإجارة ونحوهما، أو المعاملات السّلوكيّة والأخلاقيّة المتعلّقة بالنّفس أو الغير في إطار الأسرة والمجتمع والبيئة «2» .
أنواع سوء المعاملة:
لسوء المعاملة أنواع عديدة يمكن تلخيصها في نوعين:
الأوّل: الإساءة القوليّة وتحتها فروع «3» .
الثّاني: الإساءة الفعليّة وتحتها فروع «4» .
وقد فصّل القول في ذلك في صفة الإساءة ممّا أغنى عن إعادته هنا.
[للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الاستهزاء- التحقير- السخرية- اتباع الهوى- سوء الخلق- السفاهة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن المعاملة البشاشة- حسن الخلق- الشفقة- طلاقة الوجه- تكريم الإنسان- الإحسان- الأدب] .
الآيات الواردة في (سوء المعاملة) معنى
انظر الآيات الواردة في صفة ((الإساءة))
__________
(1) المدخل للتشريع الإسلامي (14) .
(2) اقتبس هذا التعريف من جملة أقوال اللغويين وعلماء الاصطلاح فيما يتعلق بكل من السوء والمعاملة.
(3) من ذلك على سبيل المثال: سبّ المسلم ومشاحنته وإفشاء سرّه والطعن في نسبه وغير ذلك، انظر شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام (323) .
(4) من ذلك على سبيل المثال: هجر المسلم، والإشارة إليه بالسلاح وغير ذلك انظر: شجرة المعارف والأحوال (316) .(10/4674)
الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء المعاملة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ «1» . فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ «2» ، ولا يزال معك من الله ظهير «3» عليهم مادمت على ذلك» ) * «4» .
2-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، أيّ النّاس خير؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله» قال: فأيّ النّاس شرّ؟ قال: «من طال عمره وساء عمله» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (سوء المعاملة) معنى
3-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم امرأة معها صبيّان لها. قد حملت أحدهما وهي تقود الآخر. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«حاملات «6» ، والدات، رحيمات. لولا ما يأتين إلى أزواجهنّ «7» ، دخل مصلّياتهنّ الجنّة» ) * «8» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دعا الرّجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجأ لعنتها الملائكة حتّى تصبح» ) * «9» .
5-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلفه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس- وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته، هدفا أو حائش نخل- قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «10» فسكت، فقال: «من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار
__________
(1) ويجهلون علي: أي يسيئون. والجهل، هنا، القبيح من القول.
(2) تسفهم المل: المل هو الرماد الحار. أي كأنما تطعمهموه. وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم.
(3) ظهير: الظهير المعين والدافع لأذاهم.
(4) مسلم (2558) .
(5) الترمذي (2330) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (5/ 40، 44، 47، 48، 49، 50) والبغوي (1/ 445) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (11/ 696) .
(6) حاملات الخ: أي يحملن أولادهن في بطونهن بأنواع من التعب، ويلدنهم ثانيا كذلك ويرحمنهم ثالثا.
(7) ما يأتين إلى أزواجهن: وفيه أنهن لو صلين وتركن الأذى لدخلن الجنة إلا أنهن كثيرات الأذى قليلات الصلاة.
(8) ابن ماجة (2013) في الزوائد: رجال إسناده ثقات، أحمد (5/ 252، 253، 257، 269) والحاكم (4/ 173، 174) وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أعضله شعبة عن الأعمش، وأقره الذهبي، وقال أبو حاتم في سالم بن أبي الجعد: أدرك أبا أمامة، التهذيب ص 3/ 432، 433.
(9) البخاري الفتح 9 (5193) واللفظ له، ومسلم (1436) .
(10) ذفراه: العظم الشاخص خلف الأذن والجمع ذفاري وهما ذفريان.(10/4675)
فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «1» » ) * «2» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم» ) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا تقاضى «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأغلظ له، فهمّ به أصحابه، فقال: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا، واشتروا له بعيرا فأعطوه
إيّاه» . وقالوا: لا نجد إلّا أفضل من سنّه، قال: «اشتروه فأعطوه إيّاه؛ فإنّ خيركم أحسنكم قضاء» ) * «5» .
8-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- عن أبيه، أنّه حدّثه: أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شراج «6» الحرّة الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح «7» الماء يمرّ. فأبى عليه. فاختصما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير: ثمّ أرسل الماء إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ فقال: أن كان ابن عمّتك! فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر «8» . فقال الزّبير: والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك:
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء: 65)) * «9» .
9-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنّما أنا بشر، وإنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنّه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النّار فليأخذها أو ليتركها» ) * «10» .
10-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ أباه أتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟» فقال: لا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأرجعه» .
وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفعلت هذا بولدك كلّهم؟» قال: لا، قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» فرجع أبي فردّ تلك الصّدقة) * «11» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن
__________
(1) تدئبه: تتعبه بالكد والعمل.
(2) أبو داود (2549) ، وقال الألباني (2/ 485) : صحيح، وعند مسلم: بجملة الهدف والحائش فقط.
(3) البخاري- الفتح 5 (2457) .
(4) تقاضى: أي طلب منه الدين.
(5) البخاري- الفتح 5 (2390) .
(6) شراج الحرة: هي مسايل الماء واحدها شرجة والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود.
(7) سرح: أي أرسله.
(8) الجدر بفتح الجيم وكسرها وهو الجدار، وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب، وجمع الجدر، جدور والمراد بالجدر أصل الحائط.
(9) البخاري- الفتح 5 (2359) واللفظ له، ومسلم (2357) .
(10) البخاري- الفتح 13 (7181) .
(11) البخاري- الفتح 5 (2586) و (2587) ، ومسلم (1623) واللفظ له.(10/4676)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا. خلقت للحراثة. قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر. وأخذ الذّئب شاة فتبعها الرّاعي، فقال له الذّئب: من لها يوم السّبع «1» ، يوم لا راعي لها غيري؟ قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر» قال أبو سلمة: وما هما يومئذ في القوم) * «2» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر ممّا أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل مائه فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» ) * «3» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطّريق فمنعه من ابن السّبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلّا لدنيا: فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط. ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الّذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدّقه رجل. ثمّ قرأ هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (آل عمران: 77)) * «4» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ «5» . على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل.
قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «6» إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره «7» .
قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «8» . إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.
قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «9» لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «10» وإن
__________
(1) يوم السبع: أي يوم يطردك عنها السبع وبقيت أنا فيها لا راعي لها غيري لفرارك منه فأفعل بها ما أشاء.
(2) البخاري- الفتح 5 (2324) واللفظ له، ومسلم (2388) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2369) واللفظ له، ومسلم (108) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2358) واللفظ له، ومسلم (108) .
(5) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول.
(6) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(7) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(8) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(9) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة.
(10) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد.(10/4677)
خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد.
قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «1» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.
قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «2» طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك «3» أو فلّك أو جمع كلّا لك.
قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «4» والمسّ مسّ أرنب.
قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «5» طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد.
قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «6» ؟
مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر «7» أيقنّ أنّهنّ هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟
أناس من حليّ أذنيّ «8» ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي «9» . وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «10» ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح.
أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «11» وبيتها فساح. ابن أبي زرع. فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ
__________
(1) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الاناء.
(2) زوجي غياياء أو عياياء: وهو الذي لا يلقح وقيل هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقال القاضي وغيره: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي الى مسلك. وقيل هو الغبي الأحمق.
(3) شجك: أي جرحك في الرأس. فالشجاج جراحات الرأس والجراح فيه وفي الجسد والفلّ: الكسر والضّرب وقيل الفلّ: الخصومة.
(4) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس.
(5) زوجي رفيع العماد: قيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد.
(6) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها.
(7) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك.
(8) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسرها، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل. فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها.
(9) وبجحني فبجحت إلي نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر.
(10) الدائس: الذي يدوس الزرع في البيدر (وهي ما يسمى في العامية بالجرن) . والمنقّ: الذي ينقي الحب من تبنه، وقشوره، والمقصود أنّه صاحب زرع يداس وينقى من القشور.
(11) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة.(10/4678)
شطبة «1» ويشبعه ذراع الجفرة «2» . بنت أبي زرع. فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «3» ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «4» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع- والأوطاب تمخض- فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «5» .
15-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس معه، فقام قياما طويلا، نحوا من سورة البقرة، ثمّ ركع ركوعا طويلا، ثمّ رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع ركوعا طويلا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع، ثمّ سجد، ثمّ قام، فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع ركوعا طويلا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع ركوعا طويلا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع، ثمّ سجد، ثمّ انصرف وقد تجلّت الشّمس فقال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثمّ رأيناك تكعكعت، فقال: «إنّي رأيت الجنّة أو أريت الجنّة، فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا. ورأيت النّار فلم أر كاليوم منظرا قطّ، ورأيت أكثر أهلها النّساء» . قالوا: لم يا رسول الله؟
قال: «بكفرهنّ» . قيل: يكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر ثمّ رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ» ) * «6» .
16-* (عن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة فسألناه عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فشكاني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعيّرته بأمّه؟» ثمّ
__________
(1) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة.
(2) وتشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه، أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به.
(3) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(4) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(5) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 9 (5197) واللفظ له، ومسلم (901) .(10/4679)
قال: «إنّ إخوانكم خولكم «1» . جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» ) * «2» .
17-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عذّبت امرأة في هرّة حبستها حتّى ماتت جوعا، فدخلت فيها النّار، قال:
فقالوا- والله أعلم-: لا أنت أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها، ولا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض» ) * «3» .
18-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي بالسّوط، فسمعت صوتا من خلفي: «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصّوت من الغضب، فلمّا دنا منّي إذا هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود. اعلم أبا مسعود» قال: فألقيت السّوط من يدي فقال: «اعلم أبا مسعود، أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام» قال: فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حرّ لوجه الله. فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النّار «4» ، أو لمسّتك النّار» ) * «5» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية- فأدركه أعرابيّ فجذبه جذبة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جذبته، ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «6» .
20-* (عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تضربوا إماء الله» فجاء عمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ذئرن النّساء «7» على أزواجهنّ، فرخّص في ضربهنّ فأطاف بآل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساء كثير يشكون أزواجهنّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد طاف «8» بآل محمّد نساء كثير يشكون أزواجهنّ. ليس أولئك بخياركم» ) * «9» .
21-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدّنيا إلّا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه- قاتلك
__________
(1) خولكم: أي عبيدكم (يطلق على الأمة والعبد) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2545) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2365) .
(4) لفحتك النار: أحرقتك.
(5) مسلم (1659) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3149) واللفظ له، ومسلم (1057) .
(7) ذئرن: ذئرت المرأة على زوجها تذأر: إذا نشزت واجترأت عليه، فهي ذائر، والرجل ذائر مثلها، الذكر والأنثى سواء.
(8) وأطاف بالشي: إذا أحاط به.
(9) أبو داود (2146) وقال الألباني (2/ 403) : صحيح، وصحح إسناده محقق جامع الأصول (6/ 506) .(10/4680)
الله- فإنّما هو عندك دخيل «1» يوشك «2» أن يفارقك إلينا» ) * «3» .
22-* (عن عبد الله بن زمعة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثمّ يجامعها في آخر اليوم» ) * «4» .
23-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلبنّ أحد ماشية امرىء بغير إذنه. أيحبّ أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه؟ فإنّما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماتهم «5» ، فلا يحلبنّ أحد ماشية أحد إلّا بإذنه» ) * «6» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «7» مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» أو قال: «غيره» ) * «8» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» . ثمّ يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمينّ بها بين أكتافكم) * «9» .
26-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) . حتّى حجّ عمر وحججت معه. فلمّا كنّا ببعض الطّريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرّز، ثمّ أتاني فسكبت على يديه فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما:
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) ؟ قال عمر: وا عجبا لك يابن عبّاس (قال الزّهريّ:
كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة. ثمّ أخذ يسوق الحديث. قال: كنّا، معشر قريش، قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أميّة بن زيد، بالعوالي «10» . فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت:
نعم. فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى اللّيل؟ قالت:
نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر.
أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم؟ فإذا هي قد هلكت. لا تراجعي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) دخيل: الدخيل: الضيف والنزيل.
(2) يوشك: يقارب.
(3) أخرجه الترمذي (1174) واللفظ له وقال: حسن غريب، وابن ماجة رقم (2014) وقال محقق جامع الأصول (6/ 496) : إسناده حسن.
(4) البخاري- الفتح 9 (5204) واللفظ له، ومسلم (2855) .
(5) أطعماتهم: جمع أطعمة، والأطعمة. جمع طعام والمراد به هنا اللبن.
(6) البخاري- الفتح 5 (2435) .
(7) يفرك: معناه يبغض.
(8) مسلم (1469) .
(9) البخاري- الفتح 5 (2463) .
(10) بالعوالي: موضع قريب من المدينة.(10/4681)
ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «1» هي أوسم «2» وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال:- وكان لي جار من الأنصار- فكنّا نتناوب النّزول «3» إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تنعل الخيل «4» لتغزونا. فنزل صاحبي. ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي. ثمّ ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. قلت: ماذا؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول. طلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساءه.
فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي، ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت:
أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في هذه المشربة. فأتيت غلاما له أسود. فقلت:
استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ؟ فقال: قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا فإذا الغلام يدعوني. فقال:
ادخل فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو متّكيء على رمل حصير «5» . قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر. لو رأيتنا يا رسول الله- وكنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء- فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر. أفتأمن إحداهنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك. فتبسّم أخرى فقلت: أستأنس «6» يا رسول الله؟
قال: «نعم» فجلست. فرفعت رأسي في البيت فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر إلّا أهبا ثلاثة «7» . فقلت:
ادع الله يا رسول الله أن يوسّع على أمّتك؛ فقد وسّع على فارس والرّوم- وهم لا يعبدون الله- فاستوى جالسا ثمّ قال: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب؟ أولئك
__________
(1) جارتك: أي ضرتك.
(2) أوسم: أي أحسن وأجمل. والوسامة الجمال.
(3) فكنا نتناوب النزول: يعني من العوالي الى مهبط الوحي. والتناوب أن تفعل الشيء مرة، ويفعل الآخر مرة أخرى.
(4) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيلوهم نعالا لغزونا. يعني يتهيأون لقتالنا.
(5) على رمل حصير: هو بفتح الراء وإسكان الميم. يقال: رملت الحصير وأرملته، اذا نسجته. وحصير مرمول أي منسوج.
(6) أستأنس يا رسول الله: الظاهر من إجابته صلّى الله عليه وسلّم أن الاستئناس، هنا هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: فجلست.
(7) أهبا: بحركات جمع إهاب على غير قياس.(10/4682)
قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت:
استغفر لي يا رسول الله وكان أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرا من شدّة موجدته «1» عليهنّ. حتّى عاتبه الله- عزّ وجلّ-) * «2» .
27-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «3» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مطل الغنيّ ظلم» ) * «4» .
29-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرىء مسلم هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ... الآية» فجاء الأشعث فقال: ما حدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ فيّ أنزلت هذه الآية.
كانت لي بئر في أرض ابن عمّ لي فقال لي: شهودك.
قلت: ما لي شهود. قال: فيمينه. قلت يا رسول الله إذا يحلف. فذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الحديث. فأنزل الله ذلك تصديقا له) * «5» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقّه مائل» ) * «6» .
31-* (عن معاوية بن حيدة القشيريّ- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح «7» ، ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (سوء المعاملة)
1-* (قال داود- عليه السّلام- «المرأة السّوء على بعلها كالحمل الثّقيل على الشّيخ الكبير، والمرأة الصّالحة كالتّاج المرصّع بالذّهب كلّما راها قرّت عينه برؤيتها» ) * «9» .
2-* (عن خبّاب- رضي الله عنه- قال:
«كنت قينا في الجاهليّة وكان لي على العاص بن وائل دراهم فأتيته أتقاضاه فقال: لا أقضيك حتّى تكفر بمحمّد. فقلت: لا، والله لا أكفر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم حتّى يميتك الله، ثمّ يبعثك. قال: فدعني حتّى أموت ثمّ أبعث فأوتى مالا وولدا ثمّ أقضيك. فنزلت:
__________
(1) من شدة موجدته: أي غضبه.
(2) البخاري- الفتح 9 (5191) ، مسلم (1479) واللفظ له.
(3) أبو داود (2548) وقال الألباني (2/ 484) : صحيح.
(4) البخاري- الفتح 5 (2400) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2356، 2357) واللفظ له، ومسلم (138) .
(6) الترمذي (1141) ، أبو داود (2133) واللفظ له وقال الألباني (2/ 400) : صحيح، والنسائي (7/ 63) وقال محقق جامع الأصول (11/ 513) : حديث صحيح.
(7) لا تقبح: أي تقول: قبحك الله.
(8) أبو داود (2142) واللفظ له وقال الألباني (2/ 402) : حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 505) : حسن.
(9) المستطرف (2/ 302) .(10/4683)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً الآية» ) * «1» .
3-* (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: «كنّا أكثر أهل المدينة مزدرعا. كنّا نكري الأرض بالنّاحية منها مسمّى لسيّد الأرض. قال: فممّا يصاب ذلك وتسلم الأرض، وممّا يصاب الأرض ويسلم ذلك.
فنهينا. وأمّا الذّهب والورق فلم يكن يومئذ» ) * «2» .
4* (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنهما- قال مرّ بالشّام على أناس من الأنباط «3» وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت- فقال: ما هذا؟ قيل يعذّبون في الخراج «4» ، وفي رواية: حبسوا في الجزية «5» . فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا» فدخل على الأمير فحدّثه، فأمر بهم فخلّوا) * «6» .
5-* (قال بعضهم في سوء المعاشرة:
لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي ... ولكن قرين السّوء باق معمّر
فياليتها صارت إلى القبر عاجلا ... وعذّبها فيه نكير ومنكر
«7» .
6-* (قال بعضهم:
لا يغرّنك من المرء قميص رقعه ... أوجبين لاح فيه أثر قد قلعه
أو إزار فوق كعب السّاق منه رفعه ... ولدى الدّرهم فانظر غيّه أو ورعه
«8» .
من مضار (سوء المعاملة)
(1) تسبّب سخط الرّبّ عزّ وجلّ.
(2) من يسيء المعاملة مع إنسان أو حيوان يلقى الله بما عمل.
(3) سوء المعاملة بين النّاس هدم للمجتمع وضياع للأمّة.
(4) شرّ النّاس من طال عمره وساء عمله.
(5) سيّىء المعاملة يحارب نفسه بنفسه حيث يلفظه المجتمع ويزدريه.
(6) يسبّب إيذاء الآخرين والإضرار بهم.
(7) تنزع البركة من العمر والرّزق.
(8) تترك ذكرى خبيثة لصاحبها.
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2425) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2327) .
(3) الأنباط: واحده نبطي، نسبة إلى بلاد الأنباط في العراق، وسموا بذلك لاستنباطهم الماء وعمل الزراعة.
(4) الخراج: هو نفع الأرضين وغيرها.
(5) الجزية: هي عبارة عن المال الذي يعقد الكتابي عليه الذمة.
(6) مسلم (2613) .
(7) المستطرف (2/ 302) .
(8) إحياء علوم الدين (2/ 93) .(10/4684)
[حرف الشين]
الشح
الشح لغة:
هو الاسم من قولهم: شحّ يشحّ شحّا، وشحّا، والضّمّ أعلى، وهو مأخوذ من مادّة (ش ح ح) الّتي تدلّ على المنع، قال ابن فارس: الأصل فيه المنع، ثمّ يكون منعا مع حرص، يقال: تشاحّ الرّجلان على الأمر، إذا أراد كلّ واحد منهما الفوز به ومنعه من صاحبه، وقال الرّاغب: الشّحّ: بخل مع حرص وذلك فيما يكون عادة، قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) قيل في تفسيرها:
الشّحّ أن تأكل مال أخيك بغير حقّه، وقيل: من وقي شحّ نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا، ولم يقربه ولم يحبس من الحلال شيئا فهو من المفلحين «1» ، وقال القرطبيّ: المراد بالشّحّ في الآية: الشّحّ بالزّكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضّيافة وما شاكل ذلك، فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك، وإن أمسك عن نفسه، ومن وسّع على نفسه ولم ينفق فيما ذكر من الزّكوات والطّاعات فلم يوق شحّ نفسه، وقيل: الشّحّ: أن يشحّ بما في أيدي النّاس، يحبّ أن يكون له ما في أيديهم بالحلّ والحرام، لا يقنع «2» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 16/ 12
وقال الجوهريّ: يقال: شححت بالكسر تشحّ، وشححت (بالفتح) تشحّ وتشحّ، ورجل شحيح، وشحاح من قوم أشحّة وأشحّاء وشحاح، والشّحاح (بالفتح) الشّحيح، ويقال أيضا: أرض شحاح: لا تسيل إلّا من مطر كثير، والزّند الشّحاح: الّذي لا يوري.
وقال ابن الأثير: وفيه (أي الحديث) «إيّاكم والشّحّ» الشّحّ: أشدّ البخل. وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل: الشّحّ يكون بالمال والمعروف، وفي الحديث: «بريء من الشّحّ من أدّى الزّكاة، وقرى الضّيف وأعطى في النّائبة» .
وقال ابن منظور: الشّحّ: حرص النّفس على ما ملكت وبخلها به، وما جاء في التّنزيل من الشّحّ فهذا معناه «3» ، وقول الله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ (النساء/ 128) قال القرطبيّ: الشّحّ هنا: هو شحّ المرأة بالنّفقة من مال زوجها وبقسمه لها أموالها.
وقال ابن زيد: الشّحّ هنا منه ومنها إذ الغالب على المرأة الشّحّ بنفسها من زوجها، والغالب على الزّوج الشّحّ بنصيبه من الشّابّة «4» .
__________
(1) تفسير الطبري (12/ 42) .
(2) تفسير القرطبي (18/ 20) .
(3) مقاييس اللغة (3/ 178) ، المفردات (256) ، الصحاح (1/ 378) ، النهاية (2/ 448) .
(4) تفسير القرطبي (5/ 260) .(10/4685)
الشح اصطلاحا:
قال الرّاغب: الشّحّ بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة «1» .
وقال الكفويّ: الشّحّ: هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي منع الإنسان ما في يده «2» أو في يد غيره.
وقال ابن رجب- رحمه الله تعالى-: هو تشوّق النّفس إلى ما حرّم الله ومنع منه، وعدم قناعة الإنسان بما أحلّه الله له من مال أو فرج أو غيرهما «3» . أو هو:
تناول ما ليس للإنسان ظلما وعدوانا من مال أو غيره «4» .
الفرق بين الشح والبخل:
قال القرطبيّ: قال طاوس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشّحّ أن يشحّ بما في أيدي النّاس، يحبّ أن يكون له ما في أيديهم بالحلّ والحرام «5» . وقال ابن منظور: الشّحّ أشدّ البخل، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشّحّ عامّ، وقيل البخل بالمال، والشّحّ بالمال والمعروف «6» وقال أبو هلال: الشّحّ:
الحرص على منع الخير، والبخل: منع الحقّ فلا يقال لمن يؤدّي حقوق الله بخيل «7» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- الفرق بين الشّحّ والبخل أنّ الشّحّ هو شدّة الحرص على الشّيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النّفس عليه، والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله وحبّه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يدعو إلى البخل، والشّحّ كامن في النّفس، فمن بخل فقد أطاع شحّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحّه ووقي شرّه، وذلك هو المفلح. قال الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) «8» .
حكم الشح:
عدّ ابن حجر شحّ الدّائن على مدينه المعسر مع علمه بإعساره بالملازمة أو الحبس من الكبائر بدليل أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى المسجد وهو يقول هكذا- وأومأ أبو عبد الرّحمن بيده إلى الأرض-: «من أنظر معسرا أو وضع عنه- أي حطّ عنه دينه أو بعضه بالبراءة منه- وقاه الله من فيح جهنّم» .
وبقوله أيضا: «من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن يسّر على معسر في الدّنيا يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم في الدّنيا ستر الله عليه في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» .
وما ذكره من أنّ فعل الدّائن بمدينه كبيرة ظاهر جدّا وإن لم يصرّحوا به، إلّا أنّه داخل في إيذاء المسلم
__________
(1) المفردات (256) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (202) .
(2) الكليات للكفوي (242) بتصرف.
(3) شرح حديث ما ذئبان جائعان (31) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) تفسير القرطبي (18/ 21) .
(6) اللسان (شحح) (2205) ط. دار المعارف.
(7) الفروق اللغوية (144) .
(8) الوابل الصيب (52) .(10/4686)
الشّديد الّذي لا يطاق عادة، ومفهوم الحديثين الأوّلين:
أنّ من لم ينظر مدينة المعسر لا يوقى فيح جهنّم، وذلك وعيد شديد، وبه يتأكّد عدّ ذلك كبيرة «1» .
ولم يذكر الذّهبيّ من الكبائر الشّحّ، وهو الظّاهر والله أعلم.
[للاستزادة: انظر صفات: البخل- اتباع الهوى- الأثرة- الكنز.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- البر- السخاء- الجود- الصدقة- الكرم- الإحسان- صلة الرحم- بر الوالدين] .
__________
(1) الزواجر لابن حجر (237، 239) .(10/4687)
الآيات الواردة في «الشح»
1- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «1»
2-* قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) «2»
3- ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7)
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «4»
__________
(1) النساء: 128- 130 مدنية
(2) الأحزاب: 18- 20 مدنية
(3) الحشر: 7- 10 مدنية
(4) التغابن: 14- 16 مدنية(10/4688)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشح)
1-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟
قال: أيّ آية؟ قلت: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» قال ابن المبارك: وزادني غير عتبة: قيل يا رسول الله، أجر خمسين منّا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» . قيل:
يا رسول الله، وما هي؟ قال: «الشّرك بالله والشّحّ، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ، فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش؛ فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: فقام هو أو آخر فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال أبي، وقال يزيد بن هارون فى حديثه: ثمّ ناداه هو أو غيره فقال: يا رسول الله، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان: هجرة للبادي،
__________
(1) الترمذي (3058) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (4341) . وابن ماجة (4014) . وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وكذا أبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم (2/ 110) .
(2) مسلم (2578) واللفظ له وخرج البخاري أوله من حديث ابن عمر-. رضي الله عنهما- الفتح 5 (2447) .
(3) النسائي (6/ 257) وقال الألباني: صحيح (2/ 780) رقم (3432) ، وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين وغيرهما، وفيه السحر بدلا من الشح.(10/4689)
وهجرة للحاضر، فأمّا هجرة البادي فيطيع إذا أمر، ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أيّ الصدقة أعظم أجرا؟ قال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم «2» قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» ) * «3» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال: «ثلاث كفّارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأمّا الكفّارات: فإسباغ الوضوء في السّبرات «4» ، وانتظار الصّلوات بعد الصّلوات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأمّا الدّرجات: فإطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام، وأمّا المنجيات: فالعدل في الغضب والرّضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّرّ والعلانية، وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «5» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قالت هند أمّ معاوية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح «6» أن آخذ من ماله سرّا؟ قال: «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف» ) * «7» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «شرّ ما في رجل شحّ هالع وجبن خالع» ) * «8» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلّا الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ أو يضيف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك، وأصبحي سراجك «9» ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا
__________
(1) أبو داود (1698) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (1/ 608) . وأحمد (2/ 191) واللفظ له. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 51) رقم (6792) . والحاكم (1/ 415) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) حتى إذا بلغت الحلقوم: أي بلغت الروح الحلقوم ودنا موته.
(3) البخاري- الفتح 3 (1419) واللفظ له ومسلم (1032) .
(4) السبرات: جمع سبرة وهو شدة البرد.
(5) زوائد البزار (1/ 59، 60) ، (80) . ومجمع الزوائد (1/ 91) واللفظ له وعزاه كذلك للطبراني في الأوسط. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 67) ، (3041) وقال: حسن من حديث ابن عمر. وهو في الصحيحة (4/ 412) ، (1802) .
(6) علىّ جناح: أي ذنب أو إثم.
(7) البخاري- الفتح 4 (2211) واللفظ له، ومسلم (1714) .
(8) أبو داود (2511) واللفظ له، وأحمد (2/ 302، 320) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (15/ 164) رقم (7997) . وابن حبان (5/ 103) . وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 306) : إسناده جيد.
(9) وأصبحي سراجك: أي أوقديه.(10/4690)
عشاء. فهيّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان، فباتا طاويين، فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ضحك الله اللّيلة- أو عجب- من فعالكما. فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) » ) * «1» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّحّ والإيمان في قلب عبد أبدا» ) * «2» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتقارب الزّمان، وينقص العمل «3» ، ويلقى الشّحّ، ويكثر الهرج» قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل، القتل» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشح) معنى
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «5» .
13-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد قطّ إلّا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قطّ إلّا سلّط الله- عزّ وجلّ- عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم القطر» ) * «6» .
14-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن آدم، إنّك أن تبذل الفضل خير لك. وأن تمسكه شرّ لك. ولا تلام
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3798) .
(2) النسائي (6/ 13) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 652) رقم (2913، 2914، 2915، 2917، 2918) . وأحمد (2/ 256) رقم (7499) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 218) رقم (7474) ، (16/ 201) رقم (8460) . وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 306) : حديث حسن.
(3) في مسلم: وينقضي العلم بدلا من العمل، وقال ابن حجر: وقع في رواية الكشميهني: وينقص العلم، وهو المعروف في هذا الحديث وللآخر وجه. الفتح 10/ 459.
(4) البخاري- الفتح 10 (6037) واللفظ له، ومسلم (157) . ج 4 باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان.
(5) البخاري- الفتح 3 (1442) ومسلم (1010) واللفظ له.
(6) سنن البيهقي (3/ 346) واللفظ له. والحاكم (2/ 126) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الألباني: وهو كما قالا: الصحيحة (1/ 169) حديث (107) وعزاه للطبراني في الأوسط وفوائد تمام. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال أيضا: رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات (1/ 543) .(10/4691)
على كفاف، وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «1» .
15-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «2» .
16-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: «يقول ابن آدم: مالي. مالي. قال:
وهل لك يا ابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الشح)
1-* (قال قطبة بن أوس الغطفانيّ الجاهليّ:
إنّا نعفّ فلا نريب حليفنا ... ونكفّ شحّ نفوسنا في المطمع
«4»
2-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الشّحّ: منع الزّكاة، وإدخال الحرام) * «5» .
3-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- لرجل:
البخل: أن تمنع ما تقدر عليه. والشّحّ: أن تأخذ مال أخيك بغير حقّه) * «6» .
4-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- (لرجل قال له: إنّي شحيح) : إن كان شحّك لا يحملك على أن تأخذ ما ليس لك فليس بشحّك بأس) * «7» .
5-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- لجلسائه يوما: أيّهما أشدّ: البخل أو الشّحّ؟ فاختلفوا،
__________
(1) مسلم (1036) .
(2) ابن ماجة (4019) واللفظ له وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة وقال: طريق الحاكم حسنة الإسناد والحديث ثابت حتما وعزاه لابن أبي الدنيا في العقوبات، والروياني في مسنده (1/ 167- 169) رقم (106) .
(3) مسلم (2958) .
(4) المفضليات للضبي (45) .
(5) لسان العرب (4/ 2205) .
(6) المرجع السابق نفسه، والسفحة نفسها (بتصرف) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(10/4692)
فقال لهم: الشّحّ أشدّ من البخل لأنّ الشّحيح يشحّ على ما فى يديه فيحبسه، ويشحّ على ما فى أيدي النّاس حتّى يأخذه. وأمّا البخيل فهو يبخل على ما فى يديه) * «1» .
6-* (دخل الحسن البصريّ على عبد الله بن الأهتم يعوده فى مرضه، فرآه يصوّب بصره فى صندوق فى بيته ويصعّده، ثمّ قال: أبا سعيد، ما تقول فى مائة ألف فى هذا الصّندوق، لم أؤدّ منها زكاة، ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمّك، ولمن كنت تجمعها؟ قال:
لروعة الزّمان، وجفوة السّلطان، ومكاثرة العشيرة. ثمّ مات، فشهده الحسن فلمّا فرغ من دفنه. قال: انظروا إلى هذا المسكين. أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته، عمّا رزقه الله إيّاه وغمره فيه. انظروا كيف خرج منها مسلوبا محروبا. ثمّ التفت إلى الوارث فقال: أيّها الوارث، لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا ممّن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حقّ منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين. إنّ يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإنّ من أعظم الحسرات غدا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيالها عثرة لا تقال، وتوبة لا تنال) * «2» .
7-* (قال الخطّابيّ- رحمه الله تعالى-:
الشّحّ من البخل، وكأنّ الشّحّ جنس، والبخل نوع، وأكثر ما يقال: البخل في أفراد الأمور، والشّحّ عامّ كالوصف اللّازم وما هو من قبل الطّبع) * «3» .
8-* (قال ابن عقيل- رحمه الله تعالى-:
البخل: يورث التّمسّك بالموجود، والمنع من إخراجه لألم يجده عند تصوّر قلّة ما حصل وعدم الظّفر بخلفه، والشّحّ يفوّت النّفس كلّ لذّة، ويجرّعها كلّ غصّة) * «4» .
9-* (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-:
تمتّع بمالك قبل الممات ... وإلّا فلا مال إن أنت متّا
شقيت به ثم خلّفته ... لغيرك بعدا وسحقا ومقتا
فجاد عليك بزور البكا ... وجدت له بالّذي قد جمعتا
وأعطيته كلّ ما في يديك ... فخلّاك رهنا بما قد كسبتا
) * «5» .
10-* (أنشد ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى-:
لسانك معسول ونفسك شحّة ... وعند الثّريّا من صديقكما لكا
وأنت امرؤ خلط إذا هي أرسلت ... يمينك شيئا أمسكته شمالكا
) * «6» .
__________
(1) مساوىء الأخلاق ومذمومها للخرائطي (141) بتصرف.
(2) العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (3/ 148- 149) .
(3) الآداب الشرعية (3/ 304) .
(4) المرجع السابق (3/ 303) .
(5) مساوىء الأخلاق للخرائطي (143) .
(6) لسان العرب (4/ 2205) .(10/4693)
11-* (قال الأزهريّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) : إنّ من أخرج زكاته، وعفّ عن المال الّذي لا يحلّ له، فقد وقي شحّ نفسه) * «1» .
12-* (قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-:
إنّ الله تعالى- أحلّ لنا الطّيّبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرّم تناول هذه الأشياء من غير وجوه حلّها، وأباح لنا دماء الكفّار والمحاربين وأموالهم، وحرّم علينا ما عدا ذلك من الخبائث من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح، وحرّم علينا أخذ الأموال وسفك الدّماء بغير حقّها. فمن اقتصر على ما أبيح له فهو مؤمن، ومن تعدّى ذلك إلى ما منع منه فهو الشّحّ المذموم، وهو مناف للإيمان، وقد قيل: إنّه رأس المعاصي كلّها) * «2» .
من مضار (الشح)
1- يورث قطيعة الرّحم وانفصام عرى المحبّة.
2- من أسباب الظّلم والبغي والعدوان وسفك الدّماء.
3- بغض النّاس للشّحيح وبعدهم عن شرّه.
4- يجرّىء على المعاصي وفعل السّيّئات.
5- ينافي الإيمان ويغضب الرّحمن.
6- من أسباب هلاك الخلق.
7- من أعظم الموبقات الّتي أمر الشّارع باجتنابها.
8- الشّحيح محروم، والمنفق مرزوق.
9- يستوجب عذاب الله.
__________
(1) لسان العرب (4/ 2205) .
(2) شرح حديث «ما ذئبان جائعان» (ص 31) بتصرف.(10/4694)
شرب الخمر
شرب الخمر لغة:
الشّرب مصدر قولهم: شرب الماء ونحوه شربا.
يقول ابن فارس: الشّين والرّاء والباء أصل واحد منقاس مطّرد، وهو الشّرب المعروف، ثمّ يحمل عليه ما يقاربه مجازا وتشبيها، تقول: شربت الماء شربا. وهو المصدر، والشّرب الاسم، والشّرب أيضا:
القوم الّذين يشربون، والشّرب الحظّ من الماء، والمشربة: الموضع الّذي يشرب منه النّاس، والشّريب:
الّذي يشاربك، وقولهم: أشربتني مالم أشرب: أي ادّعيت عليّ شربه، وهذا مثل يقال لمن ادّعي عليه ما لم يفعله، ويقال: ماء مشروب وشريب، إذا صلح أن يشرب، وأشرب فلان حبّ فلان: إذا خالط قلبه، وقال الجوهريّ: يقال: شرب الماء شربا وشربا وشربا، وقد قرىء بالثّلاثة قوله تعالى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (الواقعة/ 55) ، قال أبو عبيدة: الشّرب- بالفتح- مصدر، وبالرّفع والخفض اسمان من شرب، والتّشراب الشّرب، والشّربة: المرّة الواحدة من الشّرب، والشّرّيب: المولع بالشّراب، وتقول: شرّب مالي وأكّله أي أطعمه النّاس وسقاهم به.
وقال ابن منظور: الشّراب: ما شرب من أيّ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 33/ 28
نوع كان، وعلى أيّ حال كان، ورجل شارب، وشروب، وشرّاب، وشرّيب، أي مولع بالشّراب، وقيل: الشّرّيب المولع بالشّراب، والشّرّاب الكثير الشّرب، ورجل شروب: شديد الشّرب، وفي الحديث:
«من شرب الخمر في الدّنيا لم يشربها في الآخرة» «1» .
الخمر لغة:
الخمر اسم للشّراب المعروف وهو مأخوذ من مادّة (خ م ر) الّتي تدلّ على التّغطية والمخالطة في ستر، قال الخليل: واختمارها: إدراكها وغليانها، ومخمّرها: متّخذها، وخمرتها ما غشي المخمور من الخمار والسّكر في قلبه.
وقال الرّاغب: أصل الخمر ستر الشّيء، يقال لما يستتر به: خمار، وأخمرت العجين جعلت فيه الخمير، وسمّيت الخمر بذلك لكونها مخامرة للعقل أي مخالطة له.
والخمار: الدّاء العارض من الخمر، وجعل بناؤه بناء الأدواء كالزّكام والسّعال، وخمرة الطّيب ريحه، وقال الجوهريّ: يقال خمرة صرف (خالصة) وجمعها خمر وخمور مثل تمرة وتمر وتمور، قيل: سمّيت
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 267) والصحاح (1/ 154) ولسان العرب (4/ 2222) ط، دار المعارف، النهاية (2/ 455) .(10/4695)
خمرا لأنّها تركت فاختمرت، واختمارها تغيّر ريحها، وقولهم: ما عند فلان خلّ ولا خمر، ما عنده خير ولا شرّ، وخمرة النّبيذ والطّيب، ما يجعل فيه من الخمر والدّرديّ، والتّخمير: التّغطية، والمخامرة: المخالطة، وخامر الرّجل المكان: لزمه، واستخمر فلان فلانا:
استعبده، ومنه حديث معاذ: من استخمر قوما؟ أي أخذهم قهرا وتملّك عليهم وذلك في لغة أهل اليمن، وقال ابن منظور: يقال خامر الشّيء: قاربه وخالطه.
ويقال خمّر وجهه. وخمّر إناءك. أي غطّه.
والأعرف في الخمر التّأنيث فيقال: خمرة صرف، وقد يذكّر، وتجمع على خمور وسمّيت الخمر خمرا لمخامرتها العقل. وروى الأصمعيّ عن معمر بن سليمان، قال: لقيت أعرابيّا فقلت: ما معك؟
قال: خمر. والخمر ما خمّر العقل (أي غطّاه)
ويقال: خمر الرّجل والدّابة يخمره خمرا أي سقاه خمرا.
والمخمّر: متّخذ الخمر. والخمّار بائعها، ويقال: هذا عنب خمريّ، أي يصلح للخمر، ولون خمريّ: أي يشبه لون الخمر.
وأمّا خمرتها وخمارها، فهو ما خلّط من سكرها ويقال المراد: ما أصابك من ألمها وصداعها وأذاها، كما يطلق الخمار على بقيّة السّكر كما يقال: رجل مخمور أي به خمار، ورجل خمّير أي شرّيب للخمر دائما «1» .
الخمر اصطلاحا:
قال الرّاغب: الخمر: اسم لكلّ مسكر وعند بعضهم: اسم للمتّخذ من العنب والتّمر، لما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم: «الخمر من هاتين الشّجرتين: النّخلة والعنبة» ومنهم من جعلها اسما لغير المطبوخ، ثمّ اختلف في كمّيّة الطّبخ الّتي تسقط عن المطبوخ اسم الخمر «2» .
وقال الكفويّ: الخمر: كلّ شراب مغطّ للعقل، سواء أكان عصيرا أو نقيعا مطبوخا أو نيّئا «3» .
شرب الخمر اصطلاحا:
يقصد بشرب الخمر: تناول أيّ نوع من المسكرات على أيّ هيئة كان، مطبوخا أو نيّئا، عصيرا أو منقوعا، قليلا أو كثيرا «4» .
حكم شرب الخمر:
عدّ الذّهبيّ وابن حجر شرب الخمر من الكبائر. وألحق الذّهبيّ بذلك شرب الحشيشة، وهي ما صنع من ورق القنّب، وذلك من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث من جهة أنّها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصدّ عن الصّلاة وعن
__________
(1) مقاييس اللغة (2/ 215) المفردات (159) ، الصحاح (2/ 649) ، لسان العرب (2/ 1259) (ط. دار المعارف) .
(2) المفردات (159) . وانظر أيضا التوقيف على مهمات التعاريف (160) .
(3) الكليات (414) .
(4) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون وعلماء المصطلح متعلقا بكل من الشراب والخمر.(10/4696)
ذكر الله «1» .
وجعل ابن حجر الهيتميّ: شرب الخمر مطلقا والمسكر من غيرها ولو قطرة، وكذلك عصر المسكر، وحمله وطلب حمله، وطلب سقيه وبيعه وشراؤه وطلب أحدهما، وأكل ثمنه. كلّ ذلك من الكبائر.
وذكر عددا كبيرا من الآيات والأحاديث والآثار الدّالّة على ذلك، ثمّ حكى الإجماع على شرب الخمر ولو قطرة وكذلك المسكر من غيرها «2» .
تجنب الخمر يسمو بالأخلاق ويعين على العفة:
قال الجاحظ: أكثر ما يجب على (المتطلّع إلى السموّ) تجنّب السّكر، لأنّ السّكر من الشّراب يثير النّفس الشّهوانيّة ويقوّيها ويحملها على التّهتّك، وارتكاب الفواحش والمجاهرة بها، وذلك أنّ الإنسان إنّما يرتدع عن القبائح بالعقل والتّمييز، فإذا سكر عدم ذلك الّذي كان يردعه عن الفعل القبيح، فلا يبالي أن يرتكب كلّ ما كان يتجنّب في صحوه، فأولى الأشياء لمن طلب العفّة هجر الشّراب بالجملة، ويتجنّب مجالس المجاهرين بالشّراب والسّكر والخلاعة، ولا يظنّنّ أنّه إذا حضر تلك المجالس، واقتصر على اليسير من الشّراب لم يستضرّ به، فإنّ هذا أغلظ، وذلك أنّ من يحضر مجالس الشّراب ليس تنقاد له نفسه إلى القناعة بيسير الشّراب بل إن حضر مجالس الشّرب وكان في غاية العفّة تاركا للشّرب متمتّعا بالورع حملته شهوته على التّشبّه بأهل المجلس وتاقت نفسه إلى التّهتّك وما أكثر من فعل وتهتّك بعد السّتر والصّيانة فشرّ الأحوال لمن طلب العفّة حضور مجالس الشّراب ومخالطة أهلها والاستكثار من معاشرتهم «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الإسراف- انتهاك الحرمات- التبذير- الطيش- العصيان- الميسر- الإعراض- التفريط والإفراط- الغي والإغواء- الفسوق- الفجور- الضلال- العصيان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- تعظيم الحرمات- قوة الإرادة- الطاعة- الإيمان- الإسلام- الهدى- الخوف- التقوى- الخشية- العزم والعزيمة] .
__________
(1) الكبائر للذهبى (80- 86)
(2) الزواجر (568- 580) .
(3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (42) .(10/4697)
الآيات الواردة في النهي عن «شرب الخمر»
1-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2»
الآيات الواردة في النهي عن «شرب الخمر» معنى
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «3»
__________
(1) البقرة: 219- 220 مدنية
(2) المائدة: 90- 91 مدنية
(3) النساء: 43 مدنية(10/4698)
الأحاديث الواردة في ذم (شرب الخمر)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم فتحيّنت فطره بنبيذ صنعتة في دبّاء «1» ثمّ أتيته به فإذا هو ينشّ «2» فقال: «اضرب بهذا الحائط، فإنّ هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر» ) * «3» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لمّا نزل تحريم الخمر، قال عمر: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الآية الّتي في البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ (الآية/ 219) ، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، قال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت الآية الّتي في النّساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى (آية/ 43) فكان منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أقيمت الصّلاة ينادي: ألا لا يقربنّ الصّلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت هذه الآية فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة/ 91) قال عمر: انتهينا) * «4» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تشربوا مسكرا.
فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حدّه فهو كفّارة، ومن ستر الله عليه فحسابه على الله- عزّ وجلّ- ومن لم يفعل من ذلك شيئا ضمنت له على الله الجنّة» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برجل قد شرب، قال: «اضربوه» ، فمنّا الضّارب بيده، والضّارب بنعله والضّارب بثوبه، فلمّا انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشّيطان» ) * «6» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حرّم الخمر وثمنها، وحرّم الميتة وثمنها، وحرّم الخنزير وثمنه» ) * «7» .
6-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول عام الفتح وهو بمكّة: «إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» . فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة،
__________
(1) الدّبّاء: وعاء يتخذ من القرع.
(2) ينشّ: أى يغلى.
(3) أبو داود (3716) واللفظ له وذكره الألباني في صحيحه (2/ 708) وقال: صحيح وعزاه لصحيح ابن ماجه (3409) .
(4) أبو داود (3670) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 699) : صحيح. وذكره الحافظ في الفتح وقال: رواه أصحاب السنن وصححه علي بن المديني. والترمذي (3049) .
(5) الهيثمي في المجمع (1/ 104) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون.
(6) البخاري- الفتح 12 (6777) .
(7) أبو داود (3485) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 450) : إسناده حسن.(10/4699)
فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس؟. فقال: لا، هو حرام، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إنّ الله- عزّ وجلّ- لمّا حرّم عليهم شحومها أجملوه «1» ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» ) * «2» .
7-* (عن وائل الحضرميّ: أنّ طارق بن سويد الجعفيّ- رضي الله عنه- سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها. فقال: إنّما أصنعها للدّواء، فقال: «إنّه ليس بدواء لكنّه داء» ) * «3» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب في الخمر بالجريد والنّعال، وجلد أبو بكر أربعين) * «4» .
9-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا قدم من جيشان- وجيشان من اليمن- فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له: المزر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أو مسكر هو؟» . قال: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كل مسكر حرام» . إنّ على الله- عزّ وجلّ- عهدا، لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» . قالوا:
يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النّار، أو عصارة أهل النّار» ) * «5» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي ليلة أسري به بإيلياء بقد حين من خمر ولبن، فنظر إليهما ثمّ أخذ اللّبن فقال جبريل:
الحمد لله الّذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر غوت أمّتك) * «6» .
11-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: لمّا بعثه رسول الله ومعاذ بن جبل، قال لهما:
«يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا» . قال أبو موسى: يا رسول الله، إنّا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له البتع «7» وشراب من الشّعير يقال له المزر «8» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام» ) * «9» .
12-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا لا يحدّثكم به غيري، قال: «من أشراط السّاعة أن يظهر الجهل، ويقلّ العلم، ويظهر الزّنا، وتشرب الخمر، ويقلّ الرّجال، وتكثر النّساء حتّى يكون لخمسين امرأة قيّمهنّ رجل واحد» ) * «10» .
13-* (عن عائشة رضي الله عنها- قالت:
سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البتع. فقال: «كلّ شراب
__________
(1) أجملوه: أذابوه.
(2) مسلم (1581) .
(3) مسلم (1984) .
(4) البخاري- الفتح 12 (6773) واللفظ له، ومسلم (1706) .
(5) مسلم (2002) .
(6) البخاري- الفتح 10 (5576) واللفظ له.
(7) البتع: نبيذ العسل.
(8) والمزر: نبيذ الذرة.
(9) البخاري- الفتح 10 (6124) واللفظ له، ومسلم (1733) .
(10) البخاري- الفتح 10 (5577) واللفظ له، ومسلم (2671)(10/4700)
أسكر فهو حرام» ) * «1» .
14-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
كانت لي شارف «2» من نصيبي من المغنم، يوم بدر.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ.
فلمّا أردت أن أبتني بفاطمة «3» ، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واعدت رجلا صوّاغا من بني قينقاع يرتحل معي.
فنأتي بإذخر «4» أردت أن أبيعه من الصّوّاغين.
فأستعين به في وليمة عرسي. فبينا أنا أجمع لشارفيّ متاعا من الأقتاب «5» والغرائر «6» والحبال. وشارفاي مناخان «7» إلى جنب حجرة رجل من الأنصار.
وجمعت حين جمعت ما جمعت. فإذا شارفاي قد اجتبّت «8» أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما. فلم أملك عينيّ حين رأيت ذلك المنظر منهما. قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطّلب. وهو في هذا البيت في شرب «9» من الأنصار. غنّته قينة وأصحابه. فقالت في غنائها:
ألا يا حمز للشّرف النّواء
فقام حمزة بالسّيف. فاجتبّ أسنمتهما، وبقر خواصرهما. فأخذ من أكبادهما. قال عليّ: فانطلقت حتّى أدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده زيد بن حارثة.
قال: فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجهي الّذي لقيت.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك؟ قلت: يا رسول الله والله ما رأيت كاليوم قطّ. عدا حمزة على ناقتيّ فاجتبّ أسنمتهما وبقر خواصرهما. وها هو ذا في بيت معه شرب. قال فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بردائه فارتداه. ثمّ انطلق يمشي. واتّبعته أنا وزيد بن حارثة. حتّى جاء الباب الّذي فيه حمزة. فاستأذن، فأذنوا له. فإذا هم شرب فطفق «10» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوم حمزة فيما فعل.
فإذا حمزة محمرّة عيناه. فنظر حمزة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ صعّد النّظر إلى ركبتيه. ثمّ صعّد النّظر فنظر إلى سرّته. ثمّ صعّد النّظر فنظر إلى وجهه. فقال حمزة:
وهل أنتم إلّا عبيد لأبي؟ فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ثمل «11» . فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى.
وخرج وخرجنا معه) * «12» .
15-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدّنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة» ) * «13» .
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5585) ، ومسلم (2001) واللفظ له.
(2) شارف: الناقة المسنة وجمعها شرف بضم الراء وإسكانها.
(3) أبتني بفاطمة: أي أدخل بها، والبناء الدخول بالزوجة..
(4) الإذخر: حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب.
(5) الأقتاب: جمع قتب وهو رحل صغير على قدر السنام.
(6) والغرائر: جمع غرارة، وهي الجوالق.
(7) مناخان: هكذا في معظم النسخ: مناخان. وفي بعضها مناختان، بزيادة التاء: وهما صحيحان. فأنث باعتبار المعنى، وذكّر باعتبار اللفظ.
(8) اجتبت: أى قطعت.
(9) شرب: الشرب هو الجماعة الشاربون.
(10) فطفق.. يلوم: أي جعل يلومه.
(11) ثمل: أي سكران.
(12) البخاري- الفتح 6 (3091) ، ومسلم (1979) واللفظ له.
(13) البخاري- الفتح 10 (5575) ، ومسلم (2003) واللفظ له.(10/4701)
16-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، «1» فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مناديا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت. قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا (المائدة/ 93 الآية) * «2» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه» ) * «3» .
18-* (عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر «4» والحرير والخمر والمعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم «5» يروح عليهم بسارحة «6» لهم يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا، فيبيّتهم الله «7» ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» ) * «8» .
19-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الّذي تسمّونه الفضيخ، فإنّي لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟
قال: حرّمت الخمر. قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس. فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرّجل) * «9» .
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينّه منه في حظيرة القدس، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونّه إيّاه في حظيرة القدس «10» » ) * «11» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» ) * «12» .
22-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرب الخمر لم يقبل
__________
(1) الفضيخ: البسر والتمر. والفضيخ أن يفضخ البسر ويصب عليه الماء ويتركه حتى يغلي.
(2) البخاري- الفتح 5 (2464) واللفظ له، ومسلم (1980) .
(3) أبو داود (3674) واللفظ له، ابن ماجه (3380) وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن (5/ 104) وأخرجه الترمذي من حديث أنس (1295) .
(4) الحر: الفرج.
(5) العلم: الجبل العالي، وقيل: قمته.
(6) بسارحة: السارحة: البهائم تغدو وتروح.
(7) يبيتهم الله: أي يهلكهم بياتا أي ليلا.
(8) البخاري- الفتح 10 (5590) .
(9) البخاري- الفتح 8 (4617) واللفظ له، ومسلم (1980) .
(10) حظيرة القدس: أي نعيم الجنة.
(11) ذكره المنذري في الترغيب (3/ 262) وقال: رواه البزار بإسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 76) : رواه البزار وفيه شعيب بن بيان، قال الذهبي: صدوق، وضعفه الجوزجاني والعقيلي وبقيه رجاله ثقات.
(12) الحاكم (1/ 22) على شرط مسلم، وذكره الذهبي في الكبائر (82، 83) .(10/4702)
الله له صلاة أربعين صباحا. فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرّابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال» قيل، يا أبا عبد الرّحمن، وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النّار) * «1» .
23-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر) * «2» .
24-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات من أمّتي وهو يشرب الخمر حرّم الله عليه شربها في الجنّة، ومن مات من أمّتي وهو يتحلّى الذّهب حرّم الله عليه لباسه في الجنّة» ) * «3» .
25-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشرب الخمر، فإنّها مفتاح كلّ شرّ» ) * «4» .
26-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة عاقّ، ولا مدمن خمر، ولا منّان، ولا ولد زنية» ) * «5» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن» ) * «6» .
28-* (عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك الصّلاة سكرا مرّة واحدة فكأنّما كانت له الدّنيا وما عليها فسلبها، ومن ترك الصّلاة أربع مرّات سكرا كان حقّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال» قيل: وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل جهنّم» ) * «7» .
29-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها
__________
(1) الترمذي (1862) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وقال محقق جامع الأصول: هو حديث حسن له شواهد (5/ 101) وشاهده عند النسائي من حديث ابن عمرو (8/ 314، 316، 317) وذكره في الترغيب والترهيب وعزاه كذلك للحاكم ونقل قوله: صحيح الإسناد (3/ 264- 265) .
(2) الدارمي (2/ 153) رقم (2092) وهذا لفظه، والحاكم بأطول منه (4/ 288) وقال على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في صحيح الجامع وقال: حسن وعزاه للترمذي، والحاكم (5/ 348) رقم (6382) .
(3) ذكره المنذري في الترغيب وقال: رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات (3/ 264) ، وهو عند أحمد (2/ 209) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 151) / 6948: إسناده حسن.
(4) ابن ماجة (3371) وقال في الزوائد: إسناده حسن.
(5) الدارمي (2/ 153) رقم (2094) ، أحمد (2/ 203) واللفظ له رقم (6892) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 118، 119) ، وكذا أخرجه في الزوائد (2/ 210) وصححه، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه راو وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات (وهذا الراوي اسمه جابان) (6/ 457) .، وقال الألباني: صحيح. صحيح الجامع (7553) .
(6) البخاري- الفتح 10 (5578) ، ومسلم (57) متفق عليه.
(7) ذكره في الترغيب والترهيب وقال: رواه الحاكم وصححه، وأحمد ورواته ثقات (3/ 267) ، وهو عند أحمد (2/ 178) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 143) / 6659: إسناده صحيح.(10/4703)
قالت: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كلّ مسكر ومفتّر «1» ) * «2» .
30-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، نهى عن الخمر والميسر والكوبة «3» والغبيراء «4» ، وقال: «كلّ مسكر حرام» ) «5» .
31-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيتّخذ الخمر خلّا؟ قال:
«لا» ) * «6» .
32-* (عن ديلم الحميريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، إنّا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا، وإنّا نتّخذ شرابا من هذا القمح نتقوّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا؟ قال: «هل يسكر؟» قلت: نعم، قال:
«فاجتنبوه» . قال: قلت: فإنّ النّاس غير تاركيه، قال:
«فإن لم يتركوه فقاتلوهم» ) * «7» .
33-* (عن عقبة بن الحارث- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتي بنعيمان أو ابن نعيمان وهو سكران، فشقّ عليه وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنّعال وكنت فيمن ضربه» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (شرب الخمر)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال سمعت عمر- رضي الله عنه- على منبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: أمّا بعد أيّها النّاس، إنّه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتّمر والعسل والحنطة والشّعير، والخمر ما خامر العقل» ) * «9» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- بلغ عمر أنّ سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن الله اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها «10» فباعوها» ) * «11» .
3-* (قال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه-:
«اجتنبوا الخمر فإنّها أمّ الخبائث، إنّه كان رجل ممّن خلا قبلكم تعبّد فعلقته امرأة غويّة فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنّا ندعوك للشّهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلّما دخل بابا أغلقته دونه حتّى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت: إنّي والله ما دعوتك للشّهادة ولكن دعوتك
__________
(1) قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى-: المفتر الذي يفتر الجسد إذا شرب، أي يرخيه. وقال ابن الأعرابي: يقال: أفتر الرجل إذا ضعفت جفونه وانكسر طرفه.
(2) أبو داود (3686) واللفظ له، وذكره في جامع الأصول وقال محققه: حسنه الحافظ في الفتح (5/ 93) .
(3) الكوبة: الطبل، وقيل النرد وهو شيء يلعب به.
(4) الغبيراء: ضرب من الشّراب يتّخذه الحبش من الذّرة.
(5) أبو داود (3685) وقال الألباني (2/ 703) صحيح.
(6) مسلم (1983) .
(7) أبو داود (3683) وقال الألباني في صحيحه (2/ 702) : صحيح برقم (3131) .
(8) البخاري- الفتح 12 (6775) .
(9) البخاري- الفتح 8 (4619) واللفظ له، ومسلم (3032) .
(10) معنى جمولها: أذابوها.
(11) مسلم (1582) .(10/4704)
لتقع عليّ، أو تشرب من هذه الخمرة كأسا، أو تقتل هذا الغلام قال: فاسقني من هذا الخمر كأسا فسقته كأسا قال: زيديني، فلم يرم حتّى وقع عليها، وقتل النّفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنّها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلّا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه» ) * «1» .
4-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «حرّم أبو بكر- رضي الله عنه- الخمر على نفسه فلم يشربها في الجاهليّة ولا الإسلام. وذلك أنّه مرّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنّيها من فيه فإذا وجد ريحها صرف عنها. فقال: إنّ هذا لا يدري ما يصنع وهو يجد ريحها فحرّمها» ) * «2» .
5-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ الله لم يجعل شفاء كم فيما حرّم عليكم.
يعني في السّكر» ) * «3» .
6-* (وقال: لا تسقوا أولادكم الخمر؛ فإنّهم ولدوا على الفطرة) * «4» .
7-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-:
«نزل تحريم الخمر وإنّ في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب» ) * «5» .
8-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«لمّا حرّمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعضهم إلى بعض وقالوا: حرّمت الخمر، وجعلت عدلا للشّرك» ) * «6» .
9-* (وقال أيضا: «ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والسّكران، والمتضمّخ بالخلوق» ) * «7» .
10-* (قال أبو موسى- رضي الله عنه-: «ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السّارية من دون الله- عزّ وجلّ-» ) * «8» .
11-* (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: «لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا» ) * «9» .
12-* (وقال أيضا: «لا تسلّموا على شربة الخمر» ) * «10» .
13-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «من
__________
(1) النسائي (8/ 315) ، وذكره المنذري في ترغيبه وعزاه لابن حبان والبيهقي (3/ 259) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (5/ 103) .
(2) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات، للشيخ حمود التويجري (88) .
(3) البخاري- الفتح 10 (81) .
(4) فتح الباري 10 (82) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4616) .
(6) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (3/ 260) .
(7) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه البزار باسناد صحيح (3/ 261) والخلوق رائحة مركبة تتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب متغلب عليه الحمرة والصفرة وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت ونهى عنه لأنه من طيب النساء، وكن أكثر استعمالا له منهم.
(8) النسائي (8/ 314) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (5/ 104) .
(9) الكبائر للذهبي (814) .
(10) البخاري- الفتح (11/ 42) .(10/4705)
زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه» ) * «1» .
14-* (قال عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-: «من مات مدمنا للخمر مات كعابد اللّات والعزّى» قيل: أرأيت مدمن الخمر هو الّذي لا يستفيق من شربها؟ قال: «لا، ولكن هو الّذي يشربها إذا وجدها ولو بعد سنين» ) * «2» .
15-* (قال ابن أبي أوفى- رضي الله عنهما- لقومه حين نهوا عن الخمر:
ألا يا لقومي ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوا منها فلست بفاعل
فإنّي رأيت الخمر شيئا ولم يزل ... أخو الخمر دخّالا لشرّ المنازل)
* «3» .
16-* (قال عروة بن الزّبير، لمّا أراد قطع رجله، لمّا دخلتها الأكلة وقالوا له: لا بدّ أن تشرب شيئا يغيّب عقلك حتّى لا تحسّ بالألم، ونتمكّن من قطعها.
فقال: ما ظننت أنّ أحدا يؤمن بالله ويشرب شيئا يغيّب عقله حتّى لا يعرف ربّه- عزّ وجلّ-) * «4» .
17-* (قال الحسن- رحمه الله تعالى-: «لو كان العقل يشترى لتغالى النّاس في ثمنه. فالعجب ممّن يشتري بماله ما يفسده» ) * «5» .
18-* (قال أبو الأسود الدّؤليّ- رحمه الله تعالى-:
دع الخمر يشربها الغواة فإنّني ... رأيت أخاها مغنيا بمكانها
فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها
) * «6» .
19-* (رفع إلى عمر بن عبد العزيز، قوم يشربون الخمر فأمر بضربهم فقيل له: إنّ فيهم صائما.
فقال: ابدؤوا به، ثمّ قال: أمّا سمعت قوله تعالى:
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ... الآية (النساء/ 140)) * «7» .
20-* (قال الضّحّاك بن مزاحم- رحمه الله تعالى- لرجل: ما تصنع بشرب النّبيذ؟ قال: يهضم طعامي. قال: أما إنّه يهضم من دينك وعقلك أكثر» ) * «8» .
21-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
«إذا كان الرّجل كفء المرأة في المال والحسب إلّا أنّه يشرب الخمر المسكر لا تزوّج منه، ليس بكفء لها) * «9» .
22-* (قال ابن أبي الدّنيا- رحمه الله تعالى:
«مرّ برجل سكران وهو يبول في يده ويغسل به يده
__________
(1) الفتح (12/ 61) .
(2) الكبائر للذهبي (82) .
(3) المستطرف للأبشيهي (470) .
(4) البداية والنهاية (9/ 107) .
(5) المستطرف للأبشيهي (470) .
(6) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات، للشيخ حمود بن عبد الله التويجري (12) .
(7) فتاوى الخمر والمخدرات لابن تيمية (66) .
(8) المستطرف في كل فن مستظرف (470) .
(9) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات (143) .(10/4706)
كهيئة المتوضّىء ويقول: الحمد لله الّذي جعل الإسلام نورا، والماء طهورا» ) * «1» .
23-* (قال شهاب الدّين بن محمّد الأبشيهيّ: «ممّن ترك الخمر في الجاهليّة عبد الله بن جدعان، وكان جوادا من سادات قريش وذلك أنّه شرب مع أميّة بن أبي الصّلت الثّقفيّ فضربه على عينه فأصبحت عين أميّة مخضرّة يخاف عليها الذّهاب.
فقال له عبد الله: ما بال عينك؟ فسكت فألحّ عليه فقال: ألست ضاربها بالأمس فقال: أو بلغ منّي الشّراب ما أبلغ معه إلى هذا؟، لا أشربها بعد اليوم، ثمّ دفع له عشرة آلاف درهم، وقال: الخمر عليّ حرام، لا أذوقها بعد اليوم أبدا، وممّن حرّمها في الجاهليّة أيضا قيس بن عاصم. وذلك أنّه سكر ذات ليلة فقام لابنته أو لأخته فهربت منه فلمّا أصبح سأل عنها فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة؟ فأخبر القصّة فحرّم الخمر على نفسه. وحدث له مرّة أخرى أن سكر فجعل يتناول القمر ويقول: والله لا أبرح حتّى أنزله ثمّ يثب الوثبة بعد الوثبة ويقع على وجهه، فلمّا أصبح وأفاق قال: ما لي هكذا، فأخبروه بالقصّة فقال: والله لا أشربها أبدا، ومن هؤلاء العبّاس بن مرداس وقد قيل له: لم تركت شرب الخمر وهو يزيد في سماحتك؟ فقال:
أكره أن أصبح سيّد قومي وأمسي سفيههم) * «2» .
24-* (قال الصّفديّ- رحمه الله تعالى-:
دع الخمر فالرّاحات في ترك راحها ... وفي كأسها للمرء كسوة عار
وكم ألبست نفس الفتى بعد نورها ... مدارع قار في مدار عقار
وفي نفس الموضع قال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: «استلقى سكران على طريق فجاء كلب فلحس شفتيه فقال: خدمك بنوك ولا عدموك، فبال على وجهه فقال: وماء حارّ أيضا بارك الله فيك» ) * «3» .
25-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الحشيشة المصنوعة من ورق القنّب حرام، يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنّها تفسد العقل والمزاج حتّى يصير في الرّجل تخنّث ودياثة وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث من جهة أنّها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصدّ عن ذكر الله تعالى وعن الصّلاة» ) * «4» .
26-* (قال حكيم: «إيّاك وإخوان النّبيذ، فبينما أنت متوّج عندهم مخدوم مكرّم معظّم إذ زلّت بك القدم فجرّوك على شوك السّلم فاحفظ قول القائل فيه:
وكلّ أناس يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النّبيذ حريم
__________
(1) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات، للتويجري (88) .
(2) المستطرف في كل فن مستظرف (470) .
(3) المرجع السابق (471) .
(4) رسالة فتاوي الخمر والمخدرات لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وإعداد أحمد حرك (20) .(10/4707)
فإن قلت هذا لم أقل عن جهالة ... ولكنّني بالفاسقين عليم
) * «1» .
27-* (قال الشّاعر:
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شرّ معيشه
دية العقل بدرة فلماذا ... يا سفيها تبيعه بحشيشه
) * «2» .
28-* (قال بعض أهل العلم: «لأن أرى ابني يزني أو يسرق أحبّ إليّ من أن يسكر، يأتي عليه وقت لا يعرف الله فيه» ) * «3» .
من مضار (شرب الخمر)
(1) دليل على ضعف الإيمان، إذ قرن بالأنصاب والأزلام في كتاب الله تعالى.
(2) ينزع من متعاطيها أنوار الإيمان وخاصّة حين تعاطيه.
(3) يذهب الحياء والمروءة، والنّخوة والشّهامة والغيرة.
(4) يذهب العقل الّذي به تميّز الإنسان عن الحيوان.
(5) مضرّ بالبدن والنّفس والمال.
(6) يورث البغضاء والأحقاد ويصدّ عن ذكر الله وعن الصّلاة.
(7) جالب لغضب الرّبّ والطّرد من سعة رحمته.
(8) يجرّىء على جلب معاص كثيرة وفواحش جسيمة.
(9) يسبّب دخول النّيران ويحرم متعاطيه من الجنان وما فيها من الخمر الحلال.
(10) يحشر صاحبها في أخسّ صورة يوم القيامة.
(11) متلف للثّروة، ومضيّع للصّحّة، ويصيب المجتمع في أعزّ ما يملك (قدرات ونشاط الإنسان) .
__________
(1) المستطرف للأبشيهي (471) .
(2) تتميم التكريم لما في الحشيشة من التحريم لأبي بكر محمد ابن أحمد بن على القيسي القسطلاني (50) .
(3) الدلائل الواضحات على تحريم المسكرات والمفترات (103) .(10/4708)
الشرك
الشرك لغة:
الشّرك اسم من قولهم: أشرك به يشرك إشراكا، وهو مأخوذ من مادّة (ش ر ك) الّتي تدلّ على مقارنة وخلاف انفراد «1» ، ومن ذلك الشّركة، وهي أن يكون الشّيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، يقال: شاركت فلانا في الشّيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانا، إذا جعلته شريكا لك، ومنه قوله تعالى: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (طه/ 32) وشركته في البيع والميراث أشركه شركة، والشّرك: الكفر.
وقال الرّاغب: الشّركة والمشاركة: خلط الملكين، وقيل: أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا، عينا كان ذلك الشّيء أو معنى، يقال: شركته، وأشركته وشاركته، وتشاركوا، واشتركوا في كذا، والشّريك: المشارك، وجمعه شركاء وأشراك مثل شريف وشرفاء وأشراف، والمرأة شريكة، والنّساء شرائك، والمشرك من أشرك بالله تعالى، أي جعل له شريكا في ملكه، والمشركون في قوله تعالى:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (التوبة/ 5) أكثر الفقهاء يحملونه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
96/ 62/ 11
على الكفّار جميعا، وقيل: هم من عدا أهل الكتاب، والشّرك (أيضا) : الاشتراك في الأرض ونحوها وفي حديث معاذ: «أنّه أجاز بين أهل اليمن الشّرك» وذلك أن يدفعها صاحبها إلى آخر بالنّصف أو بالثّلث أو نحو ذلك. وقول عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- «الشّرك جائز» وهو من ذلك. قال الأزهريّ: سمعت بعض العرب يقول: فلان شريك فلان، إذا كان متزوّجا بابنته أو بأخته، وامرأة الرّجل: شريكته، ومعنى الشّرك في قوله تعالى: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) أي لا تجعل له شريكا في ربوبيّته، وقد دخلت الباء الجارّة لأنّ معناه لا تعدل به غيره، ومن عدل به شيئا من خلقه، فهو كافر مشرك.
وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: لمّا نزل قوله تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 82) شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ليس هو كما تظنّون، إنّما هو كما قال لقمان لابنه لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ واختلف في عبارة إِنَّ الشِّرْكَ
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 252) ، المفردات للراغب (259) ، الصحاح (4/ 1594) ، لسان العرب (4/ 2249) ، النهاية (2/ 467) .(10/4709)
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ هل هي من كلام لقمان أو من كلام المولى- عزّ وجلّ-؟ والرّاجح أنّها من كلام المولى- عزّ وجلّ- والشّرك بالله في اعتقاد جلب النّفع ودفع الضّارّ، وليس الكفر بالله لأنّه لو كان كفرا لما ذهب بالتّوكّل. والشّريك في تلبية أهل الجاهليّة هو الصّنم، وذلك قولهم: «لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك، تملكه وما ملك» يريدون أنّ الصّنم وما يملكه ويختصّ به من الآلات الّتي تكون عنده وحوله والنّذور الّتي كانوا يتقرّبون بها إليه ملك لله تعالى.
قال ابن منظور (وبمثل قوله تقول) : اللهمّ، إنّا نسألك صحّة التّوحيد والإخلاص في الإيمان، انظر إلى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم عن الصّنم هو لك، ولا قولهم: تملكه وما ملك، مع تسميتهم الصّنم شريكا، بل حبط عملهم بهذه التّسمية، ولم يصحّ لهم التّوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) «1» . لأنّ المناسب لتسكين إشفاقهم أن يكون خبرا من الله تعالى «2» ، وقول الله تعالى:
وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (النحل/ 100) معناه:
الّذين صاروا مشركين بطاعتهم للشّيطان، وليس المعنى أنّهم أشركوا بالشّيطان وآمنوا بالله، ولكن عبدوا الله وعبدوا معه الشّيطان، وصاروا بذلك مشركين، وقال الطّبريّ: المعنى: الّذين هم بالله مشركون أي أنّ الهاء ضمير عائد إلى المولى- عزّ وجلّ- وعن مجاهد قال:
يعدلون بربّ العالمين، وقيل: عدلوا إبليس بربّهم فإنّهم بالله مشركون «3» . وقال القرطبيّ: روي عن بعضهم «به» أي بالشّيطان. والمعنى: الّذين هم من أجله مشركون (أي أنّ الباء للسّببيّة) ، يقال: كفرت بهذه الكلمة أي أهلها، وصار فلان بك عالما، أي والّذي تولّى الشّيطان هو بذلك مشرك بالله «4» ، وجاء في الحديث الشّريف: «من حلف بغير الله فقد أشرك» حيث جعل ما لا يحلف به محلوفا به كاسم الله الّذي يكون به القسم، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم «الطّيرة شرك» ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» قال ابن الأثير: جعل التّطيّر شركا.
الشرك اصطلاحا:
وقال المناويّ: الشّرك إمّا أكبر، وهو إثبات الشّريك لله تعالى، أو أصغر وهو مراعاة غير الله في بعض الأمور «5» .
أقسام الشرك:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الشّرك نوعان: أكبر وأصغر.
فالشّرك الأكبر: لا يغفره الله إلّا بالتّوبة منه: وهو أن يتّخذ من دون الله ندّا، يحبّه كما يحبّ الله. وهو الشّرك الّذي تضمّن تسوية آلهة المشركين بربّ
__________
(1) لسان العرب (10/ 448- 450) ، وانظر: تاج العروس (148- 150) ، والنهاية (2/ 46) .
(2) تفسير القرطبي (14/ 43) .
(3) تفسير الطبري (7/ 646) .
(4) تفسير القرطبي (10/ 116) .
(5) التوقيف (203) .(10/4710)
العالمين. ولهذا قالوا لآلهتهم في النّار: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (الشعراء/ 97- 98) مع إقرارهم بأنّ الله وحده خالق كلّ شيء، وربّه ومليكه، وأنّ آلهتهم لا تخلق ولا ترزق، ولا تحيي ولا تميت. وإنّما كانت هذه التّسوية في المحبّة والتّعظيم والعبادة كما هو حال أكثر مشركي العالم، بل كلّهم يحبّون معبوداتهم ويعظّمونها ويوالونها من دون الله.
وكثير منهم بل أكثرهم يحبّون آلهتهم أعظم من محبّة الله. ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم ممّا يغضبون إذا انتقص أحد ربّ العالمين، وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب اللّيث إذا حرد، وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها، بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه ولم تنكر له قلوبهم. وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرة، وترى أحدهم قد اتّخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد، وإن عثر وإن مرض وإن استوحش فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه. وهو لا ينكر ذلك، ويزعم أنّه باب حاجته إلى الله، وشفيعه عنده، ووسيلته إليه. وهكذا كان عبّاد الأصنام سواء. وهذا القدر هو الّذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم.
فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتّخذوها من البشر. قال الله تعالى، حاكيا عن أسلاف هؤلاء المشركين: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (الزمر/ 3) .
ثمّ شهد عليهم بالكفر والكذب، وأخبر أنّه لا يهديهم فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (الزمر/ 3) . فهذه حال من اتّخذ من دون الله وليّا يزعم أنّه يقرّبه إلى الله. وما أعزّ من يخلص من هذا؟ بل ما أعزّ من لا يعادي من أنكره.
والّذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أنّ آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشّرك. وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه وأبطله، وأخبر أنّ الشّفاعة كلّها له، وأنّه لا يشفع عنده أحد إلّا لمن أذن الله أن يشفع فيه. ومن جهل المشرك: اعتقاده أنّ من اتّخذه وليّا أو شفيعا أنّه يشفع له، وينفعه عند الله كما يكون خواصّ الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم،
ولم يعلموا أنّ الله لا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشّفاعة إلّا لمن رضي قوله وعمله.
كما قال تعالى في الأصل الأوّل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) .
وفي الأصل الثّاني: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء/ 28) .
وبقي أصل ثالث، وهو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد، واتّباع الرّسول. وعن هاتين الكلمتين يسأل الأوّلين والآخرين. كما قال أبو العالية: كلمتان يسأل عنهما الأوّلون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟.(10/4711)
فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك من قلب من وعاها وعقلها: لا شفاعة إلّا بإذنه. ولا يأذن إلّا لمن رضي قوله وعمله. ولا يرضى من القول والعمل إلّا توحيده، واتّباع رسوله.
فالله تعالى لا يغفر شرك العادلين به غيره كما قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام/ 1) ، وأصحّ القولين: أنّهم يعدلون به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، كما في الآية الأخرى:
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (الشعراء/ 97- 98) ، وكما في آية البقرة:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ 165) .
وترى المشرك يكذّب حاله وعمله قوله؛ فإنّه يقول: لا نحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم ولحرماتهم إذا انتهكت أعظم ممّا يغضب لله، ويستبشر بذكرهم، ويتبشبش به لا سيّما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم من إغاثة اللهفان، وكشف الكربات، وقضاء الحاجات، وأنّهم الباب بين الله وبين عباده، فإنّك ترى المشرك يفرح ويسرّ ويحنّ قلبه، وتهيج منه لواعج التّعظيم والخضوع لهم والموالاة، وإذا ذكرت له الله وحده، وجرّدت توحيده لحقته وحشة، وضيق، وحرج ورماك بتنقّص الإلهيّة الّتي له، وربّما عاداك.
وقد قطع الله تعالى كلّ الأسباب الّتي تعلّق بها المشركون جميعا قطعا يعلم من تأمّله وعرفه: أنّ من اتّخذ من دون الله وليّا، أو شفيعا فهو كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ (العنكبوت/ 41) ، فقال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ* وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (سبأ/ 22- 23) فالمشرك إنّما يتّخذ معبوده لما يعتقد أنّه يحصل له به من النّفع، والنّفع لا يكون إلّا ممّن فيه خصلة من هذه الأربع: إمّا مالك لما يريده عباده منه. فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك، فإن لم يكن شريكا له كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده. فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتّبا، متنقّلا من الأعلى إلى مادونه، فنفى الملك، والشّركة، والمظاهرة، والشّفاعة، الّتي يظنّها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشّفاعة بإذنه. فكفى بهذه الآية نورا، وبرهانا ونجاة، وتجريدا للتّوحيد، وقطعا لأصول الشّرك، وموادّة لمن عقلها. والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكنّ أكثر النّاس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، وتضمّنه له، ويظنّونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا. وهذا هو الّذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن.
ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم، أو شرّ منهم، أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك.
ولكنّ الأمر كما قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: إنّما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا(10/4712)
نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهليّة، وهذا لأنّه إذا لم يعرف الجاهليّة والشّرك، وما عابه القرآن وذمّه وقع فيه وأقرّه، ودعا إليه وصوّبه وحسّنه. وهو لا يعرف أنّه هو الّذي كان عليه أهل الجاهليّة، أو نظيره. أو شرّ منه، أو دونه. فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه. ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنّة، والسّنّة بدعة، ويكفر الرّجل بمحض الإيمان وتجريد التّوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيّ يرى ذلك عيانا، والله المستعان.
ويدخل تحت هذا النّوع (الشّرك الأكبر) السّجود لغير الله، والرّكوع، والنّذر، والخوف، والتّوكّل على غيره، والعمل لغيره، والإنابة، والخضوع، والذّلّ لغير الله، وابتغاء الرّزق من عند غيره، واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه، وطلب الحوائج الّتي لا يقدر عليها إلّا هو من غيره، والاستغاثة بهم. وما نجا من شرك هذا الشّرك الأكبر إلّا من جرّد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرّب بمقتهم إلى الله، واتّخذ الله وحده وليّه وإلهه ومعبوده فجرّد حبّه لله، وخوفه لله، ورجاءه لله، وذلّه لله، وتوكّله على الله، واستعانته بالله، والتجاءه إلى الله، واستغاثته بالله. وأخلص قصده لله متّبعا لأمره، متطلّبا لمرضاته. إذا سأل سأل الله، وإذا استعان استعان بالله، وإذا عمل لله فهو لله، وبالله، ومع الله.
والشّرك أنواع كثيرة. لا يحصيها إلّا الله. ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتّسع الكلام أعظم اتّساع.
وأمّا الشّرك الأصغر: فكيسير الرّياء، والتّصنّع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقول الرّجل للرّجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، ومالي إلّا الله وأنت، وأنا متوكّل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا» ، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده. وصحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لرجل قال له: «ما شاء الله وشئت» : «أجعلتني لله ندّا؟ قل:
ما شاء الله وحده» . وهذا اللّفظ أخفّ من غيره من الألفاظ «1» .
من مظاهر الشرك:
للشّرك سواء أكان من المشركين أهل الجاهليّة الأولى، أو ممّن ينتسبون إلى أهل الكتاب من اليهود أو النّصارى، أو المبتدعة ممّن ينتسبون إلى الإسلام- وهو منهم ومن شركهم براء- صور عديدة كشف عنها علماء الإسلام محذّرين النّاس منها، خاصّة أنّ بعض هذه المظاهر قد شاعت في بعض البلدان الإسلاميّة، نذكر من ذلك:
1- الاستغاثة والتّوسّل بغير الله تعالى:
قال الإمام ابن تيميّة: من أعظم أنواع الشّرك دعاء الملائكة والأنبياء والصّالحين بعد موتهم، وعند
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 368- 376) باختصار.(10/4713)
قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم والاستغاثة بهم، وطلب الشّفاعة منهم، وهو من الدّين الّذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا، وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق علماء المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كلّه من الشّيطان، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميّت والاستشفاع به، والاستغاثة، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصّالحين، فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة الدّين، فإنّ الله لا يعبد إلّا بما هو واجب أو مستحبّ.
ولم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للنّاس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصّالحين ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم.
وكلّ بدعة ليست واجبة ولا مستحبّة فهي بدعة سيّئة وهي ضلالة باتّفاق المسلمين، فلا يتقرّب بها إلى الله. ومن تقرّب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضالّ متّبع للشّيطان، وسبيله من سبيل الشّيطان، كما قال عبد الله ابن مسعود: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا، وخطّ خطوطا عن يمينه وشماله ثمّ قال: «هذا سبيل الله، وهذه سبل، على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) «1» .
إنّ الشّفاعة الّتي أثبتها الله ورسوله؛ هي الشّفاعة الصّادرة عن إذنه لمن وحّده، والّتي نفاها الله عزّ وجلّ هي الشّفاعة الشّركيّة، الّتي في قلوب الّذين اتّخذوا من دون الله شفعاء، وقد جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تجريد التّوحيد أعظم الأسباب الّتي تنال بها شفاعته يوم القيامة، ومن الجهل البيّن اعتقاد أصحاب الشّفاعة الشّركيّة أنّ هذه الشّفاعة تنفعهم عند الله كما يكون خواصّ الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم، ولم يعلم هؤلاء أنّ الله لا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشّفاعة إلّا من رضي قوله وعمله، ثمّ إنّ هناك أصلا ثالثا هو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع الرّسل، فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك ممّن وعاها وعقلها:
1- لا شفاعة إلّا بإذنه.
2- لا يأذن إلّا من رضي قوله وعمله.
3- لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فالله- عزّ وجلّ- لا يغفر شرك العادلين به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ 165) . إنّك ترى الواحد من هؤلاء يكذّب حاله وعمله قوله فإنّه يقول: لا يحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم
__________
(1) مجموع الفتاوى 1/ 159، وما بعدها (بإيجاز وتصرف) ، وانظر أيضا قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص 20 وما بعدها.(10/4714)
ولحرماتهم- إذا انتهكت- أعظم ممّا يغضب لله، ويستبشر بذكرهم، سيّما إذا ذكر عنهم ما ليس فيهم من إغاثة الله فان، وكشف الكربات وقضاء الحاجات، وأنّهم الباب بين الله وبين عباده، فإنّك ترى الواحد منهم يفرح ويسرّ ويحنّ قلبه، أمّا إذا ذكر الله وحده وجرّدت توحيده لحقته وحشة وضيق حرج ورماك بنقص الإلهيّة الّتي له، وربّما عاداك «1» .
وقال الشّيخ ابن باز- مدّ الله في عمره-: إنّ دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها شرك بالله عزّ وجلّ ينافي العبادة الّتي خلق الله الثّقلين من أجلها، وأرسل الرّسل وأنزل الكتب لبيانها والدّعوة إليها وهذا هو معنى «لا إله إلّا الله» أي لا معبود بحقّ إلّا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله، وتثبتها لله، وهذا هو أصل الدّين الأوّل، أمّا الأصل الثّاني فهو أنّه لا يعبد إلّا بشريعة نبيّه ورسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا معنى شهادة أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم، أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار أو غير ذلك من المخلوقات أو استغاث بهم فقد اتّخذهم أربابا من دون الله، وجعلهم أندادا لله، وهذا يناقض أصل الإيمان وينافي معنى الشّهادتين، كما أنّ من ابتدع في الدّين شيئا لم يأذن به الله لم يحقّق معنى شهادة أنّ محمّدا رسول الله. وكلّ عمل مبتدع لم يأذن به الله يكون يوم القيامة هباء منثورا لأنّه لم يوافق شرعه المطهّر «2» .
2- الزيارة البدعية للمقابر:
قال الإمام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: زيارة قبور المسلمين على وجهين: زيارة شرعيّة، وزيارة بدعيّة.
فأمّا الزّيارة الشّرعيّة فمقصودها الدّعاء للميّت، كما أنّ الصّلاة عليه دعاء له، وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا دفن الرّجل من أمّته يقوم على قبره ويقول: «سلوا الله له التّثبيت فإنّه الآن يسأل» «3» . وكان صلّى الله عليه وسلّم يزور قبور أهل البقيع والشّهداء بأحد، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: «السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله تعالى بكم لا حقون، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم» «4» .
أمّا الزّيارة البدعيّة فهي الّتي يقصد بها أن يطلب من الميّت الحوائج، أو يطلب منه الدّعاء (له) والشّفاعة، أو يقصد الدّعاء عند قبره لظنّ القاصد أنّ ذلك أجوب للدّعاء. فالزّيارة على هذه الوجوه كلّها
__________
(1) مدارج السالكين 1/ 370- 371 (بتصرف واختصار) .
(2) إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدّق الكهنة والعرّافين للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص 14.
(3) رواه أبو داود ج 3 ص 215 حديث رقم (3221) عن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ونصّه عنده «استغفروا لأخيكم وسلوا له التّثبيت فإنه الآن يسأل» .
(4) رواه مسلم عن بريدة، وبعضه عن عائشة، انظر صحيح مسلم 2/ 671، حديث رقم (974- 975) .(10/4715)
مبتدعة لم يشرعها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا فعلها الصّحابة لا عند قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا عند غيره، وهي من جنس الشّرك وأسباب الشّرك. ولو قصد الصّلاة عند قبور الأنبياء والصّالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدّعاء عندهم- مثل أن يتّخذ قبورهم مساجد- لكان ذلك محرّما منهيّا عنه، ولكان صاحبه متعرّضا لغضب الله ولعنته، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّ غضب الله على قوم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» «1» ، وقال: «قاتل الله اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذّر ما صنعوا. وقال: «إنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون القبور مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك» .
فإذا كان هذا محرّما وهو سبب لسخط الرّبّ ولعنته فكيف بمن يقصد دعاء الميّت والدّعاء عنده، وبه، واعتقد أنّ ذلك من أسباب إجابة الدّعوات ونيل الطّلبات وقضاء الحاجات!؟
وهذا كان أوّل أسباب الشّرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في النّاس، قال ابن عبّاس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام ثمّ ظهر الشّرك بسبب تعظيم قبور صالحيهم «2» .
ويقول ابن القيّم عن هذا المظهر من مظاهر الشّرك (أي طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتّوجّه إليهم) : وهذا أصل شرك العالم، فإنّ الميّت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، فضلا عمّن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها. والميّت محتاج إلى من يدعو له، ويترّحّم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا زرنا قبور المسلمين «أن نترحّم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة» فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، واستقضاء الحوائج، والاستغاثة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد «3» .
وقال الشّيخ ابن باز: إنّ هذا النّوع من دعاء الأموات كقول القائل: بحقّ الله رجال الله أعينونا بعون الله، وكونوا عوننا بالله، وكقولهم: يا أقطاب، يا أوتاد، يا أسياد، يا ذوي الأمداد فينا واشفعوا لله، هذا عبدكم واقف، وعلى بابكم عاكف.
إنّ هذا ونحوه من الشّرك الأكبر وهو من جنس عمل المشركين الأوّلين مع آلهتهم كالعزّى واللّات وغيرهما، ويلحق ذلك ويتبعه الاستغاثة والاستعانة بمن يعتقد فيهم الولاية من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلّا الله عزّ وجلّ كشفاء المرضى وهداية القلوب، ودخول الجنّة والنّجاة من النّار وأشباه ذلك، لأنّ ذلك عبادة لغير الله وطلب لأمور لا يقدر عليها سواه من الأموات والغائبين، وذلك أقبح من شرك الأوّلين، لأنّ الأوّلين إنّما يشركون في حال الرّخاء، وأمّا في حال الشّدائد فيخلصون لله العبادة لأنّهم يعلمون أنّه سبحانه هو القادر على تخليصهم من الشّدّة دون غيره، فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخّرين: إنّا
__________
(1) رواه مالك في الموطأ 1/ 172 عن عطاء بن يسار، وانظر هامش 23 ص 26 من كتاب قاعدة جليلة.
(2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 26، 27.
(3) مدارج السالكين 1/ 375.(10/4716)
لا نقصد أنّ أولئك يفيدون بأنفسهم وإنّما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك، قيل له: إنّ ذلك هو مقصد الكفّار الأوّلين ومرادهم، وليس مرادهم أنّ الهتهم تخلق أو ترزق أو تنفع أو تضرّ بنفسها بدليل ما حكاه القرآن عنهم من نحو قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) وقوله عزّ من قائل: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ (يونس/ 18) وقد ردّ عليهم المولى هذا القول بقوله سبحانه:
قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ 18) فأبان سبحانه أنّه لا يعلم في السّموات ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الّذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله وجوده، لا وجود له، لأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء «1» .
3- الذّبح لغير الله والنّذر لغيره سبحانه:
يقول الشّيخ ابن باز- مدّ الله في عمره-: قال الله- عزّ وجلّ-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام/ 162- 163) فأمر الله نبيّه أن يخبر النّاس أنّ صلاته ونسكه- وهو الذّبح- ومحياه ومماته لله ربّ العالمين لا شريك له، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله كما لوصلّى لغير الله، لأنّ الله سبحانه جعل الصّلاة والذّبح قرينين وأخبر أنّهما لله وحده لا شريك له، فمن ذبح لغير الله من الجنّ والملائكة والأموات وغيرهم يتقرّب إليهم بذلك فهو كمن صلّى لغير الله. وفي الحديث الصّحيح يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله من ذبح لغير الله «2» » «3» .
أمّا النّذر لغير الله تعالى فإنّه أعظم (إثما) من الحلف بغيره سبحانه، وإذا كان من حلف بغير الله قد أشرك، فكيف بمن نذر لغير الله؟ «4» .
4- الحلف بغير الله تعالى:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الحلف بالمخلوقات شرك بخالقها، كما جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك «5» (أو كفر) » .
وقد اتّفق المسلمون على أنّه من حلف بالمخلوقات المحرّمة أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش، والكرسيّ، والكعبة، والملائكة والصّالحين وغير ذلك لا ينعقد يمينه، ولا كفّارة في الحلف بذلك، وهو حرام عند الجمهور «6» ، ولم يقل أحد من العلماء المتقدّمين أنّ اليمين ينعقد بأحد من الخلق، إلّا في نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ عن أحمد روايتين في أنّه ينعقد اليمين به، وقد طرد
__________
(1) إقامة البراهين للشيخ ابن باز ص 39- 45 (بتصرف وإيجاز) .
(2) رواه مسلم ج 3 ص 1567.
(3) إقامة البراهين ص 24.
(4) مدارج السالكين ص 374- 375.
(5) رواه الترمذي ج 4 ص 110 حديث رقم (1535) ، وقال: حديث حسن، ونصّه: أنّ ابن عمر- رضي الله عنه- سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو شرك» قال الترمذي: وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله «قد كفر أو شرك» على التغليظ.
(6) قاعدة جليلة ص 58، وانظر مدارج السالكين 1/ 375.(10/4717)
بعض أصحابه الخلاف في سائر الأنبياء وهذا ضعيف، والّذي عليه الجمهور كمالك والشّافعيّ وأبي حنيفة أنّه لا ينعقد اليمين بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ناهيك عن سائر الأنبياء- كما جاء في إحدى الرّوايتين عن أحمد، وهو الصّحيح «1» .
وقد ذكر ابن القيّم هذا النوع على أنّه من الشّرك الأصغر- كما سبق- وجعل منه أيضا:
5- سجود المريد للشّيخ:
إنّ سجود المريد للشّيخ شرك من السّاجد والمسجود له (إن رضي بذلك) فإن قالوا: ليس هذا سجودا وإنّما هو وضع الرأس قدّام الشيخ احتراما وتواضعا، قيل لهم: حقيقة السّجود وضع الرأس لمن يسجد له، وكذلك السّجود للصّنم، وللشّمس، وللنّجم، وللحجر، كلّه وضع الرأس قدّامه.
6- حلق الرّأس للشّيخ:
ومن الشّرك (الأصغر) حلق الرأس للشّيخ، فإنّه تعبّد لغير الله، وكذلك التّوبة للشّيخ لأنّها لا تكون إلّا لله عزّ وجلّ.
7- الخوف من غير الله:
ومنه كذلك الخوف من غير الله، والتّوكّل على غير الله والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذّلّ لغير الله وإضافة النّعمة لغير الله «2» ، وغير ذلك من مظاهر الرّياء «3» .
أحكام الشرك:
قال الكفويّ: والشّرك أنواع: شرك الاستقلال:
وهو إثبات إلهين مستقلّين كشرك المجوس، وشرك التّبعيض وهو تركيبه الإله من آلهة كشرك النّصارى، وشرك التّقريب وهو عبادة غير الله ليقرّب إلى الله زلفى كشرك متقدّمي الجاهليّة. وشرك التّقليد وهو عبادة غير الله تبعا للغير كشرك متأخّري الجاهليّة. وشرك الأسباب وهو إسناد التّأثير للأسباب العاديّة كشرك الفلاسفة والطّبائيّين ومن تبعهم على ذلك.
وشرك الأغراض: وهو العمل لغير الله.
قال الكفويّ: فحكم الأربعة الأولى الكفر بإجماع وحكم السّادس المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التّفصيل فمن قال في الأسباب العاديّة إنّها تؤثّر بطبيعتها فقد حكم الإجماع على كفره ومن قال إنّها تؤثّر بقوّة أودعها الله فيها بطبيعتها فهو فاسق «4» . وقد قال كلّ من الإمامين الذّهبيّ وابن حجر إنّ الشّرك كبيرا كان أو صغيرا من الكبائر «5» .
من معاني لفظ الشرك في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ الشّرك في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يعدل بالله غيره. ومنه قوله تعالى في
__________
(1) المرجع السابق 159.
(2) مدارج السالكين، 1/ 374- 375 (بتصرف واختصار) .
(3) عدّ العلماء الرياء من الشرك الأصغر، وقد عقدنا له صفة خاصة فأغنى ذلك عن الإعادة هنا.
(4) الكليات (533) .
(5) انظر في تفصيل ذلك: الكبائر للذهبي (9) ، والزواجر (39) وما بعدها.(10/4718)
سورة النّساء: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (آية/ 36) ، وفيها: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ* (آية/ 48، 116) ، وفي براءة: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (آية/ 3) ، وهو الأعمّ في القرآن.
والثّاني: إدخال شريك في طاعته دون عبادته. ومنه قوله تعالى في الأعراف: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما (آية/ 190) ، أي: أطاعا إبليس في تسمية ولدهما.
وفي إبراهيم: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (آية/ 22) . أي: في الطّاعة. وفي الأنعام: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (آية/ 121) .
والثّالث: الرّياء في الأعمال. ومنه قوله تعالى في الكهف: وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (آية/ 110) «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- اتباع الهوى- الردة- الضلال- الفسوق- الكفر- العصيان- الإلحاد- الزندقة- النفاق- عقوق الوالدين- ترك الصلاة- الكذب- الفسوق- نكران الجميل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوحيد- الإسلام- الإيمان- معرفة الله عز وجل- الهدى- اليقين- الصدق- التقوى- تكريم الإنسان- تعظيم الحرمات- الطاعة] .
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (372) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (3/ 313- 315) ، والتصاريف ليحيى بن سلام (106) ، وكشف السرائر لابن العماد (35) .(10/4719)
الآيات الواردة في «الشرك»
الشرك الأكبر:
1-* وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) «1»
2- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «2»
3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (65)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (66) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) «3»
4-* لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4»
5-* وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «5»
__________
(1) البقرة: 92- 96 مدنية
(2) البقرة: 105 مدنية
(3) آل عمران: 64- 67 مدنية
(4) آل عمران: 186 مدنية
(5) النساء: 36 مدنية(10/4720)
6- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48) «1»
7- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) «2»
8- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) «3»
9-* وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «4»
10- ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) «5»
11- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) «6»
12- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «7»
13- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ
__________
(1) النساء: 48 مدنية
(2) النساء: 116 مدنية
(3) المائدة: 72 مدنية
(4) الأنعام: 13- 14 مكية
(5) الأنعام: 88 مكية
(6) الأنعام: 100- 101 مكية
(7) الأنعام: 121 مكية(10/4721)
يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) «1»
14- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «2»
15- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «3»
16- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «4»
17- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) «5»
18-* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
__________
(1) الأنعام: 136- 139 مكية
(2) الأنعام: 148- 151 مكية
(3) الأنعام: 161- 163 مكية
(4) الأعراف: 33 مكية
(5) الأعراف: 172- 173 مكية(10/4722)
أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) «1»
19- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) «2»
20- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) «3»
21- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) «4»
22- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) «5»
23- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37)
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «6»
24- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)
__________
(1) الأعراف: 189- 191 مكية
(2) التوبة: 17 مدنية
(3) التوبة: 31- 33 مدنية
(4) يونس: 66 مكية
(5) يونس: 104- 105 مكية
(6) يوسف: 36- 38 مكية(10/4723)
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1»
25- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) «2»
26- وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) «3»
27- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) «4»
28- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) «5»
29-* وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) «6»
__________
(1) يوسف: 106- 108 مكية
(2) النحل: 1- 3 مكية
(3) النحل: 35 مكية
(4) النحل: 86 مكية
(5) النحل: 98- 100 مكية
(6) الكهف: 32- 42 مكية(10/4724)
30- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) «1»
31- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) «2»
32- ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) «3»
33- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) «4»
34- الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) «5»
35- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «6»
36- وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) «7»
__________
(1) الحج: 16- 17 مدنية
(2) الحج: 26 مدنية
(3) الحج: 30- 31 مدنية
(4) المؤمنون: 91- 92 مكية
(5) النور: 3 مدنية
(6) النمل: 59- 63 مكية
(7) القصص: 68 مكية(10/4725)
37- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «1»
38- وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «2»
39- لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «3»
40- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) «4»
41- وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «5»
42- قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «6»
43-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «7»
44- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (7) «8»
__________
(1) العنكبوت: 8 مكية
(2) لقمان: 13- 15 مكية
(3) الأحزاب: 73 مدنية
(4) الزمر: 29 مكية
(5) الزمر: 65- 67 مكية
(6) غافر: 11- 12 مكية
(7) غافر: 41- 42 مكية
(8) فصّلت: 6- 7 مكية(10/4726)
45-* شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «1»
46- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21) «2»
47- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5)
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «3»
48- أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «4»
49- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «5»
50- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) «6»
51- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «7»
52- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2)
فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
__________
(1) الشورى: 13 مكية
(2) الشورى: 21 مكية
(3) الفتح: 4- 6 مدنية
(4) الطور: 43 مكية
(5) الحشر: 22- 24 مدنية
(6) الصف: 9 مدنية
(7) الجن: 1- 2 مكية(10/4727)
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) «1»
الشرك الأصغر:
53- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «2»
54- بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)
* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) «3»
وجوب البراء من المشركين وقتالهم:
55- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «4»
56-* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) «5»
__________
(1) البينة: 1- 6 مدنية
(2) الكهف: 110 مكية
(3) الروم: 29- 35 مكية
(4) البقرة: 221 مدنية
(5) المائدة: 82 مدنية(10/4728)
57- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) «1»
58-* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74)
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) «2»
59- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) «3»
60-* بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2)
__________
(1) الأنعام: 19- 23 مكية
(2) الأنعام: 74- 81 مكية
(3) الأنعام: 106- 107 مكية(10/4729)
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «1»
61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «2»
62- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «3»
63- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «4»
64- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) «5»
65- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)
__________
(1) التوبة: 1- 7 مدنية
(2) التوبة: 28 مدنية
(3) التوبة: 36 مدنية
(4) التوبة: 113 مدنية
(5) هود: 53- 56 مكية(10/4730)
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) «1»
المشركون ومعبودهم من دون الله عجزة ضعفاء:
66- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) «2»
67- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40)
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) «3»
68- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «4»
69- وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) «5»
70- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) «6»
71- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «7»
72- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28) «8»
73- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
__________
(1) الحجر: 94- 96 مكية
(2) آل عمران: 151 مدنية
(3) الأنعام: 40- 41 مكية
(4) الأنعام: 63- 64 مكية
(5) الأنعام: 94 مكية
(6) الأعراف: 194- 196 مكية
(7) يونس: 18 مكية
(8) يونس: 28 مكية(10/4731)
يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «1»
74-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) «2»
75- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «3»
76- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33)
لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34)
* مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35)
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «4»
77- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) «5»
__________
(1) يونس: 34- 35 مكية
(2) يونس: 71 مكية
(3) الرعد: 16 مكية
(4) الرعد: 33- 36 مكية
(5) إبراهيم: 21- 22 مكية(10/4732)
78- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) «1»
79- وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) «2»
80- وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) «3»
81- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ
(64) «4»
82- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) «5»
83- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) «6»
84- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) «7»
85- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) «8»
86- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) «9»
__________
(1) النحل: 26- 27 مكية
(2) النحل: 53- 54 مكية
(3) الكهف: 52 مكية
(4) القصص: 62- 64 مكية
(5) القصص: 74 مكية
(6) العنكبوت: 65 مكية
(7) الروم: 12- 13 مكية
(8) الروم: 40- 42 مكية
(9) سبأ: 22 مكية(10/4733)
87- قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «1»
88- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) «2»
89- قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) «3»
90- الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)
إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «4»
91- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) «5»
92-* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) «6»
93- حم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
__________
(1) سبأ: 27 مكية
(2) فاطر: 13- 14 مكية
(3) فاطر: 40 مكية
(4) غافر: 70- 74 مكية
(5) غافر: 82- 84 مكية
(6) فصلت: 47- 48 مكية(10/4734)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) «1»
94- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38)
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40)
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) «2»
نفي الشرك عن خليل الله إبراهيم:
95- قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) «3»
96- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)
وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) «4»
__________
(1) الأحقاف: 1- 4 مكية
(2) القلم: 34- 41 مكية
(3) آل عمران: 95 مدنية
(4) النحل: 120- 123 مدنية(10/4735)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشرك)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات «1» ، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «2» .
2-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني آت من ربّي فأخبرني- أو قال بشّرني- أنّه من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق» ) * «3» .
3-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟
فقال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النّار» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش- وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ فيها أبا سفيان وكفّار قريش- فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الرّوم، ثمّ دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا. فقال: أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل فإن كذبني فكذّبوه ... الحديث، وفيه: «قال: ماذا يأمركم؟ قلت:
يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة. فقال للتّرجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب ... الحديث وفيه:
«وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنّه خارج لم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه» ) * «5» .
5-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عين من المشركين وهو- في سفر- فجلس عند أصحابه يتحدّث، ثمّ انفتل فقال النّبيّ
__________
(1) الموبقات: المهلكات.
(2) البخاري- الفتح 5 (2766) ، ومسلم (89) واللفظ له والمراد بالمحصنات العفائف، وبالغافلات. الغافلات عن الفواحش وما قذفن به.
(3) البخاري- الفتح (3/ 1237) واللفظ له، ومسلم (94) .
(4) مسلم (93) .
(5) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له، ومسلم (1773) .(10/4736)
صلّى الله عليه وسلّم: «اطلبوه واقتلوه فقتلته فنفّله سلبه) * «1» .
6-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- وهو يبايع- فقلت:
يا رسول الله، ابسط يدك حتّى أبايعك واشترط عليّ فأنت أعلم. قال: «أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين» ) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا لقيتم المشركين في الطّريق فلا تبدؤوهم بالسّلام واضطرّوهم إلى أضيقها» ) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بعثه في الحجّة الّتي أمّره عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل حجّة الوداع يوم النّحر في رهط يؤذّن في النّاس ألا لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ) * «4» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث يعني بذلك ابن رواحة قال:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
«5» .
10-* (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» . قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرّياء، يقول الله- عزّ وجلّ- إذا جزى النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» ) * «6» .
11-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا حيّ من ربيعة. وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلّا في أشهر الحرم.
فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وأقيموا الصّلاة. وآتوا الزّكاة. وصوموا رمضان. وأعطوا الخمس من الغنائم، وأنهاكم عن
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3051) .
(2) النسائي (7/ 148) واللفظ له وصححه الألباني (3/ 875) حديث (3893) ، البيهقي (9/ 13) ، أحمد (4/ 365) ، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» (636) وانظر كلامه عليه في «إرواء الغليل» رقم (1207) .
(3) أحمد (2/ 525) ، ومعناه في الصحيح، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» رقم (1411) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1622) واللفظ له، ومسلم (1347) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6151) .
(6) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد وغيره (1/ 68- 69) ، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» رقم (951) وفي «صحيح الترغيب والترهيب» (29) .(10/4737)
أربع: عن الدّبّاء والحنتم. والمزقّت والنّقير «1» » . قالوا:
يا نبيّ الله، ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى. جذع تنقرونه.
فتقذفون فيه من القطيعاء «2» - أو قال من التّمر- ثمّ تصبّون فيه من الماء. حتّى إذا سكن غليانه شربتموه.
حتّى إنّ أحدكم- أو إنّ أحدهم- ليضرب ابن عمّه بالسّيف.. الحديث» ) * «3» .
12-* (عن عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: «إنّ عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه. وقال: «من علّق تميمة فقد أشرك» * «4» .
13-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال- وكان شهد بدرا وهو أحد النّقباء ليلة العقبة-: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك» ) * «5» .
14-* (عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة «6» شرك» . قالت:
قلت: لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهوديّ يرقيني فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنّما ذاك عمل الشّيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كفّ عنها، إنّما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أذهب الباس، ربّ النّاس، اشف أنت الشّافي لا شفاء إلّا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» ) * «7» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- تبارك وتعالى-:
__________
(1) الدباء: القرع اليابس، أي الوعاء منه، والحنتم: جرار مفردها جرّة قيل يؤتى بها من مصر مجلوبة بها الخمر وقيل ما يجلب فيها الخمر من الطائف وهي جرار تعمل من طين وشعر وأدم. والمزفّت: ما طلي بالزّفت، والنقير: أصل النخلة ينقر يتخذ منه وعاء.
(2) القطيعاء: نوع من التمر صغار يقال له شهيريز.
(3) البخاري- الفتح 1 (53) من حديث ابن عباس، ومسلم (18) واللفظ له.
(4) أحمد (4/ 156) واللفظ له، الحاكم (4/ 219) ، وقال الألباني في الصحيحة: إسناده صحيح رجاله ثقات (1/ 809) حديث (492)
(5) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، ومسلم (1709) .
(6) التمائم جمع تميمة وأريد بها الخرزات التي تعلقها النساء في أعناق الأولاد على ظن أنها تقي من العين والتّولة نوع من السحر يحبب المرأة إلى زوجها.
(7) أبو داود (3883) ، ابن ماجة (3530) ، أحمد (1/ 381) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (5/ 218) ، الحاكم (4/ 217) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(10/4738)
أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه» ) * «1» .
16-* (عن الحارث الأشعريّ: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنّه كاد أن يبطىء بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها.
فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟.
وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة، معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «2» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقول لأهون أهل النّار عذابا: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلّا الشّرك» ) * «3» .
18-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جمع له أبويه يوم أحد. قال:
كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين. فقال له
__________
(1) مسلم (2985) .
(2) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح، ابن خزيمة (3/ 195) ، ابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) ، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (553) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3334) واللفظ له، ومسلم (2805) .(10/4739)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ارم فداك أبي وأمّي» . قال:- أي سعد-:
فنزعت له بسهم ليس فيه نصل «1» فأصبت جنبه فسقط فانكشفت عورته. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نظرت إلى نواجذه) * «2» .
19-* (عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- خرج إلى المسجد فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكي، فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اليسير من الرّياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة: إنّ الله يحبّ الأبرار الأتقياء الأخفياء الّذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كلّ غبراء مظلمة» ) * «3» .
20-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه خطب النّاس فقال: يا أيّها النّاس، اتّقوا هذا الشّرك فإنّه أخفى من دبيب النّمل. فقام إليه عبد الله ابن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجنّ ممّا قلت أو لنأتينّ عمر مأذون لنا أو غير «4» مأذون قال:
بل أخرج ممّا قلت: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات يوم فقال: «أيّها النّاس، اتّقوا هذا الشّرك فإنّه أخفى من دبيب النّمل» فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتّقيه وهو أخفى من دبيب النّمل يا رسول الله؟ قال:
قولوا: «اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم» ) * «5» .
21-* (عن فروة بن نوفل- رضي الله عنه- قال: إنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، علّمني شيئا أقوله إذا أويت إلى فراشي قال: «اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (الكافرون/ 1) «6» فإنّها براءة من الشّرك» ) * «7» .
22-* (عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا أو إلينا- ابن عمر- رضي الله عنهما-: فقال رجل: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقاتل المشركين وكان الدّخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك) * «8» .
23-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قال: «أمرت أن أقاتل المشركين حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فإذا شهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله
__________
(1) فنزعت له بسهم ليس فيه نصل: أي رميته بسهم، والنّصل: حديدة السّهم.
(2) البخاري- الفتح 7 (3725) ، ومسلم (2412) واللفظ له.
(3) الحاكم (1/ 4) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرج في الصحيحين ووافقه الذهبي.
(4) هكذا في الأصل (برفع مأذون، وغير) وكذا في المسند الجامع (11/ 327) برقم 8784) والسياق يقتضي أن يكون منصوبا على الحال: أي: مأذونا لنا أو غير مأذون.
(5) أحمد (4/ 403) واللفظ له، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه كذلك للطبراني. وقال: رواته محتج بهم في الصحيح الا أبو أحمد الراوي عن أبي موسى وثقه ابن حبان ولم يجرّحه أحد (1/ 76) .
(6) والمراد السورة كلها.
(7) الترمذي (3403) واللفظ له، أحمد (5/ 456) .
(8) البخاري- الفتح 8 (4651) .(10/4740)
وصلّوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبائحنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلّا بحقّها» ) * «1» .
24-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزّور وشهادة الزّور ثلاثا- أو قول الزّور-، فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة. فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه. فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتّبع من كان يعبد القمر القمر. ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله- تبارك وتعالى- في صورة غير صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفنا، فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون.
فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. فيتّبعونه، ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم. فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز،. ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل. ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهّنم كلاليب مثل شوك السّعدان هل رأيتم السّعدان؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله، ومنهم المجازى حتّى ينجّى، حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممّن يقول: لا إله إلّا الله ... الحديث) * «3» .
26-* (عن قتيلة- امرأة من جهينة- رضي الله عنها.: أنّ يهوديّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّكم تندّدون وإنّكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة، فأمرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربّ الكعبة. ويقولون: ما شاء الله ثمّ شئت) * «4» .
27-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات قال: «لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (392) ، ومسلم (20، 21) من حديث أبي هريرة، وهذا لفظ النسائي (7/ 75- 76) .
(2) البخاري- الفتح 12 (6919) واللفظ له، ومسلم (87) .
(3) البخاري- الفتح 31 (7437) ، ومسلم (182) واللفظ له.
(4) النسائي (7/ 6) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 800) حديث (3533) ، أحمد (6/ 371، 372) . البيهقي في السنن (3/ 216) وعزاه الألباني في السلسلة الصحيحة لمشكل الآثار (حديث 136) .(10/4741)
صلاة مكتوبة متعمّدا فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة الله، ولا تشربنّ خمرا فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية؛ فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله- عزّ وجلّ-، وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس، وإذا أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك، وأخفهم في الله» ) * «1» .
28-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت بالسّيف حتّى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّة والصّغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «2» .
29-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل، قال:
فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر لهم بنصف العقل وقال:
«أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين» .
قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: «لا تراءى ناراهما» ) * «3» .
30-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: «بين الرّجل وبين الشّرك والكفر ترك الصّلاة» ) * «4» .
31-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار على بغلة له- ونحن معه- إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة. فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» . ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال» ) * «5» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا.
إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء.
__________
(1) أحمد (5/ 238) واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات، الا أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير (الراوي عن معاذ) لم يسمع من معاذ، وإسناد الطبراني متصل وفيه عمرو بن واقد القرشي وهو كذاب (4/ 215) .
(2) أحمد نسخة الشيخ أحمد شاكر (7/ 121) حديث (5114) وقال: إسناده صحيح.
(3) أبو داود (2645) وقال الألباني: صحيح (إرواء الغليل 5/ 30) .
(4) مسلم (82) .
(5) مسلم (2867) .(10/4742)
فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا» ) * «1» .
33-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه سمع رجلا يحلف: لا، والكعبة، فقال له ابن عمر:
إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ) * «2» .
34-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ أبي كان يصل الرّحم، وكان وكان. فأين هو؟
قال: «في النّار» قال: فكأنّه وجد من ذلك، فقال:
يا رسول الله، فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حيثما مررت بقبر مشرك فبشّره بالنّار» قال: فأسلم الأعرابيّ بعده. وقال: لقد كلّفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعبا ما مررت بقبر كافر إلّا بشّرته بالنّار) * «3» .
35-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم» ) * «4» .
36-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خالفوا المشركين. أحفوا «5» الشّوارب وأوفوا «6» اللّحى» ) * «7» .
37-* (عن عائشة زوج النّبيّ- رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بدر. فلمّا كان بحرّة الوبرة «8» أدركه رجل. قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه. فلمّا أدركه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئت لأتّبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا. قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك» . قالت: ثمّ مضى. حتّى إذا كنّا بالشّجرة أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّة. قال:
«فارجع فلن أستعين بمشرك» قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أوّل مرّة: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«فانطلق» ) * «9» .
38-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال. فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف
__________
(1) مسلم (2565) .
(2) أبو داود (3251) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 627) ، الترمذي (1535) وقال: حسن وقال محقق جامع الأصول: وهو كما قال (11/ 651) الحاكم (1/ 18) وقال: على شرط مسلم بمعناه.
(3) ابن ماجة (1573) وقال في الزوائد: إسناده صحيح.
(4) أبو داود (2504) ، النسائي (6/ 7) وهذا لفظه، أحمد (3/ 124) ، الدارمي (2/ 280) والحاكم (2/ 81) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول: إسناده قوي، وصححه ابن حبان (2/ 565) .
(5) أحفوا: أي أزيلوا ما طال على الشفتين.
(6) وأوفوا: أي أتمّوا وأطيلوا، وفي رواية وأوفروا أي كثروا، وفي رواية وأعفوا.
(7) البخاري- الفتح 10 (5892) ، مسلم (259) واللفظ له.
(8) حرة الوبرة. مكان على نحو أربعة أميال من المدينة.
(9) مسلم (1817) .(10/4743)
عليكم عندي من المسيح الدّجّال؟» قال: قلنا: بلى.
فقال: «الشّرك الخفيّ: أن يقوم الرّجل يصلّي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل» ) * «1» .
39-* (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يأيّها النّاس، إيّاكم وشرك السّرائر» . قالوا: يا رسول الله وما شرك السّرائر؟ قال: «يقوم الرّجل فيصلّي فيزيّن صلاته جاهدا لما يرى من نظر النّاس إليه، فذلك شرك السّرائر» ) * «2» .
40-* (عن ربيعة بن عبّاد الدّؤليّ- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: «يا أيّها النّاس، إنّ الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا» قال: ووراءه رجل يقول:
يا أيّها النّاس، إنّ هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم.
فسألت: من هذا الرّجل؟ قيل: أبو لهب) * «3» .
41-* (عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السّوائيّ- رضي الله عنه- قال: سألت عليّا- رضي الله عنه- هل عندكم شيء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس في القرآن؟ فقال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ما عندنا إلّا في القرآن إلّا فيما يعطي رجل في كتابه وما في الصحيفة. قلت: وما في الصّحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) * «4» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذراري المشركين فقال:
«الله أعلم بما كانوا عاملين» ) * «5» .
43-* (عن الصّعب بن جثّامة- رضي الله عنه- قال: سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الذّراريّ من المشركين يبيّتون «6» فيصيبون من نسائهم وذراريّهم. فقال: «هم منهم» ) * «7» .
44-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّيرة شرك، ثلاثا، وما منّا إلّا، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» ) * «8» .
قال العلماء إنّ قوله في الحديث (وما ومنّا إلّا ولكن ... ) من كلام ابن مسعود وليس بمرفوع.
45-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ يمين
__________
(1) ابن ماجة (4204) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده حسن، أحمد (3/ 30) .
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 68) .
(3) الحاكم (1/ 15) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواته عن آخرهم ثقات أثبات.
(4) البخاري- الفتح 12 (6915) وهو عند الدارمي بلفظ: «ولا يقتل مسلم بمشرك» (2/ 250) حديث (2356) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6598) واللفظ له، ومسلم (2660) .
(6) يبيتون: أي يغار عليهم بالليل.
(7) البخاري- الفتح 6 (3012) ، ومسلم (1745) واللفظ له.
(8) أبو داود (3910) واللفظ له، أحمد (5/ 253، 254) حديث 3687 وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. الحاكم (1/ 18) وقال: حديث صحيح سنده، ثقات رواته ولم يخرجاه، والترمذي (1614) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(10/4744)
يحلف بها دون الله شرك» ) * «1» .
46-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟ - وكنّا حديث عهد ببيعة-. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله ثمّ قال: ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال:
فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «2» .
47-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبّة سيجان «3» مزرورة بالدّيباج فقال: ألا إنّ صاحبكم هذا قد وضع كلّ فارس ابن فارس. أو قال: يريد أن يضع كلّ فارس ابن فارس، ويرفع كلّ راع ابن راع. قال: فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمجامع جبّته، وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل» ثمّ قال: «إنّ نبيّ الله نوحا صلّى الله عليه وسلّم لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: إنّي قاصّ عليك الوصيّة: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك ب «لا إله إلّا الله» فإنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، لو وضعت في كفّة ووضعت لا إله إلّا الله في كفّة، رجحت بهنّ لا إله إلّا الله» ولو أنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، كنّ حلقة مبهمة قصمتهنّ «لا إله إلّا الله» وسبحان الله وبحمده، فإنّها صلاة كلّ شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشّرك والكبر، قال: قلت أو قيل: يا رسول الله، هذا الشّرك قد عرفناه، فما الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال:
«لا» ، قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟ قال:
«لا» ، قال: الكبر هو أن يكون لأحدنا دابّة يركبها؟
قال: «لا» ، قال: أفهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: «لا» ، قيل: يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: «سفه الحقّ وغمص النّاس» ) * «4» .
48-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قبّة. نحوا من أربعين رجلا. فقال: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟» قال: قلنا: نعم. فقال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟» فقلنا: نعم. فقال: «والّذي نفسي بيده إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة؛ وذاك أنّ الجنّة لا يدخلها إلّا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشّرك إلّا كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو
__________
(1) الحاكم (1/ 18) وقال: على شرط مسلم.
(2) مسلم (1043) .
(3) السيجان: جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان المقور، ينسج كذلك.
(4) أحمد (2/ 170) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 87) حديث (6583) ، وانظر «مجمع الزوائد» (4/ 219- 220) .(10/4745)
كالشّعرة السّوداء في جلد الثّور الأحمر» ) * «1» .
49-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حمار يقال له عفير. قال: فقال: «يا معاذ، تدري ما حقّ الله على العباد؟ وما حقّ العباد على الله؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا. وحقّ العباد على الله- عزّ وجلّ- أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا» . قال:
قلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس؟ قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» ) * «2» .
50-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا نبيّ الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرّجل في جوف اللّيل. ثمّ قرأ قوله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16) ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه. قلت له: بلى يا نبيّ الله. فأخذ بلسانه فقال: «كفّ عليك هذا» فقلت: يا رسول الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به. فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس على وجوههم في النّار- أو قال على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «3» .
51-* (عن عمرو بن عبسة السّلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت- وأنا في الجاهليّة- أظنّ أنّ النّاس على ضلالة وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي. فقدمت عليه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا، جرآء عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» فقلت:
وما نبيّ؟. قال: «أرسلني الله» . فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟. قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» ...
الحديث» ) * «4» .
52-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة،
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6528) ، ومسلم (221) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 6 (2856) ، ومسلم (30) واللفظ له.
(3) أحمد (5/ 231) قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (255) رواه النسائي أيضا والترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3973) .
(4) مسلم (832) .(10/4746)
فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة فهي نائلة- إن شاء الله- من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا» ) * «1» .
53-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 12) شقّ ذلك على أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) » ) * «2» .
54-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال لمن قال له إنّ رجلا قدم علينا يكذّب بالقدر فقال: دلّوني عليه، وهو يومئذ قد عمي، قالوا: وما تصنع به يا أبا عبّاس، قال: والّذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لأعضّنّ أنفه حتّى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقّنّها؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كأنّي بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق ألياتهنّ مشركات، هذا أوّل شرك هذه الأمّة، والّذي نفسي بيده لينتهينّ بهم سوء رأيهم حتّى يخرجوا الله من أن يكون قدّر خيرا كما أخرجوه من أن يكون قدّر شرّا) * «3» .
55-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئا، ويقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويجتنب الكبائر إلّا دخل الجنّة» ، فسألوه ما الكبائر؟
فقال: الإشراك بالله، والفرار من الزّحف، وقتل النّفس» ) * «4» .
56-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات يشرك بالله شيئا دخل النّار» . وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» ) * «5» .
57-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
قلت: لا وأبي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مه، إنّه من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» ) * «6» .
58-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله- عزّ وجلّ-. إنّه يشرك به، ويجعل له الولد، ثمّ هو يعافيهم ويرزقهم» ) * «7» .
59-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تعبد اللّات والعزّى: فقلت: يا رسول الله، إن
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7474) ، ومسلم (199) . واللفظ له وخرجاه من حديث أنس بن مالك.
(2) البخاري- الفتح 12 (6918) واللفظ له، ومسلم (124)
(3) أحمد (1/ 330) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن على الأقل (5/ 21، 22) ، وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 204) .
(4) ابن منده في كتاب الإيمان (2/ 573 حديث (179) ، وقال هذا إسناد صحيح لم يخرجوه وكذا قال مخرجه د. علي بن محمد بن نصر الفقيهي.
(5) البخاري- الفتح 3 (1238) ، ومسلم (92) متفق عليه.
(6) أبو داود (3249) ، أحمد (1/ 47) وقال شاكر: إسناده صحيح (1/ 298) رقم (329) واللفظ له، والحاكم (1/ 18) من طريق ابن عمر وقال: صحيح ووافقه الذهبي.
(7) البخاري- الفتح 10 (6099) ، مسلم (2804) واللفظ له.(10/4747)
كنت لأظنّ حين أنزل الله هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة/ 33) أنّ ذلك تامّا. قال: «إنّه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثمّ يبعث الله ريحا طيّبة فتوفّى «1» كلّ من في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم» ) * «2» .
60-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-، أنّه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس!. ثمّ بكى حتّى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه يوم الخميس فقال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» . فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع. فقالوا: هجر رسول الله «3» صلّى الله عليه وسلّم قال:
«دعوني، فالّذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه» ، وأوصى عند موته بثلاث: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. ونسيت الثّالثة» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشرك) معنى
61-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل يا رسول الله، أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندّا وهو خلقك» قال:
ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قال: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تزاني حليلة جارك» .
فأنزل الله- عزّ وجلّ- تصديقها وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان/ 68) » ) * «5» .
62-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة» «6» .
وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهليّة بتبالة «7» ) * «8» .
__________
(1) توفّى أصلها تتوفّى حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
(2) مسلم (2907) .
(3) هجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الأصل أهجر بهمزة استفهام أي اختلف كلامه بسبب المرض أي هل تغير كلامه واختلط. وإنما جاء هذا من قائله استفهاما للإنكار على من قال: لا تكتبوا أي لا تتركوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتجعلوه كأمر من هجر في كلامه لأنه صلّى الله عليه وسلّم لا يهجر.
(4) البخاري- الفتح 6 (3053) واللفظ له، ومسلم (1637) .
(5) البخاري- الفتح 12 (6861) ، ومسلم (86) .
(6) تضطرب أليات نساء دوس: الأليات: الأعجاز، والمراد يضطربن من الطواف حول ذي الخلصة أي يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام، ودوس قبيلة من اليمن.
(7) وتبالة: اسم موضع باليمن.
(8) مسلم (2906) .(10/4748)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الشرك)
1-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
لأن أحلف بالله كاذبا أحبّ إليّ من أن أحلف بغيره صادقا) * «1» .
قال شارحه الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ- رحمه الله تعالى-: من المعلوم أنّ الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر، لكنّ الشّرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر. فإذا كان هذا حال الشّرك الأصغر فكيف بالشّرك الأكبر الموجب للخلود في النّار «2» ؟.
2-* (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: لا إثم أعظم من الشّرك) * «3» .
3-* (قال فضالة بن عبيد- رضي الله عنه-:
«من ردّته طيرته عن شيء فقد قارف الإشراك» ) * «4» .
4-* (قال أبو نواس الشّاعر:
تأمّل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما فعل المليك
عيون من لجين ناظرات ... بأحداق هي الذّهب السّبيك
على قضب الزّبرجد شاهدات ... بأنّ الله ليس له شريك
«5» .
5-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: مثل المشرك كمن استعمله سيّده في داره فكان يعمل ويؤدّي خراجه وعمله إلى غير سيّده. فالمشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى ويتقرّب إلى عدوّ الله بنعم الله تعالى) * «6» .
6-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
والشّرك فاحذره فشرك ظاهر ... ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتّخاذ النّدّ للرّحمن أي ... يا كان من حجر ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثمّ يخافه ... ويحبّه كمحبّة الدّيّان
«7»
7-* (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-:
المشرك أصلا من وضع الشّيء في غير موضعه؛ لأنّه جعل لمن أخرجه من العدم إلى الوجود مساويا فنسب النّعمة إلى غير المنعم بها) * «8» .
8-* (وقال أيضا: الشّرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي) * «9» .
9-* (قال محمّد بن المكرّم: اللهمّ، إنّا نسألك صحّة التّوحيد والإخلاص في الإيمان، انظر إلى
__________
(1) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (414)
(2) المرجع السابق نفسه.
(3) فتح الباري (12/ 265) .
(4) السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1: 354، 355) .
(5) بصائر ذوي التمييز (3/ 315) . فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (412) .
(6) الوابل الصيب من الكلم الطيب (32) .
(7) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد (77) .
(8) فتح الباري (12/ 277) .
(9) المرجع السابق (12/ 210) .(10/4749)
هؤلاء لم ينفعهم طوافهم، ولا تلبيتهم، ولا قولهم عن الصّنم هو لك، ولا قولهم: تملكه وما ملك، مع تسميتهم الصّنم شريكا، بل حبط عملهم بهذه التّسمية، ولم يصحّ لهم التّوحيد مع الاستثناء، ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم: إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3)) * «1» .
10-* (قال ابن المعتزّ:
فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد؟
وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد
) * «2» .
11-* (قال الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب النّجديّ- رحمه الله تعالى-: إنّ العامّيّ من الموحّدين يغلب الألف من علماء المشركين. كما قال تعالى: إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
(الصافات/ 173) فجند الله هم الغالبون بالحجّة واللّسان، كما أنّهم هم الغالبون بالسّيف والسّنان) * «3» .
من مضار (الشرك)
(1) حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة.
(2) الخلود الأبديّ في النّار.
(3) استباحة دمه وماله وعرضه بالسّبي.
(4) القلق والاضطراب والنّكد والكمد والخوف الدّائم والحزن اللّازم.
(5) لا يجد عونا ومددا من الله على ما يلقاه من مصائب الأقدار.
(6) أعظم من جميع المعاصي.
(7) عدوّ لله وللبشريّة ولنفسه الّتي بين جنبيه.
(8) يدعو إلى كلّ رذيلة ويبعد عن كلّ فضيلة.
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (10/ 450) .
(2) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (412) .
(3) كشف الشبهات (8) .(10/4750)
الشك
الشك لغة:
الشّك مصدر شكّ في الأمر يشكّ شكّا إذا التبس، يقول ابن فارس: الشّين والكاف أصل واحد مشتقّ بعضه من بعض، وهو يدلّ على التّداخل، من ذلك شككته بالرّمح وذلك إذا طعنته، فداخل السّنان جسمه. ومن هذا الباب الشّكّ الّذي هو خلاف اليقين، إنّما سمّي بذلك، لأنّ الشّاكّ كأنّه شكّ له الأمران في مشكّ واحد، وهو لا يتيقّن واحدا منهما، فمن ذلك اشتقاق الشّكّ. تقول: شككت بين ورقتين، إذا أنت غرزت العود فيهما فجمعتهما.
وقيل: الشّكّ الارتياب، ويستعمل الفعل لازما ومتعدّيا بالحرف، فيقال: شكّ الأمر يشكّ شكّا إذا التبس، وشككت فيه، وقولهم خلاف اليقين يعني التّردّد بين شيئين سواء استوى طرفاه، أو رجح أحدهما على الآخر، قال تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ (يونس/ 94) أي غير مستيقن، وهو يعمّ الحالتين والشّكوك النّاقة الّتي يشكّ في سنامها، أبه طرق أم لا لكثرة وبرها فيلمس سنامها والجمع شكّ، وشكّه بالرّمح والسّهم ونحوهما يشكّه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
38/ 25/ 11
شكّا: انتظمه.. وشككته بالرّمح إذا خرقته وانتظمته.
والشّكّة: السّلاح، وقيل: ما يلبس من السّلاح.
والشّكّ لزوق العضد بالجنب.. والشّكّ اللّزوم واللّصوق.. وشكّ البعير يشكّ شكّا أي ظلع ظلعا خفيفا.
وقال ابن منظور: الشّكّ نقيض اليقين، وجمعه شكوك، وهو الرّيب وقد شككت في كذا، وشكّ في الأمر يشكّ شكّا وشكّكه فيه غيره. وتشكّك في الأمر تشكّكا بمعنى شكّ. أنشد ثعلب:
من كان يزعم أن سيكتم حبّه ... حتّى يشكّك فيه، فهو كذوب
أراد حتّى يشكّك فيه غيره.
وفي الحديث: «أنا أولى بالشّكّ من إبراهيم» لمّا نزل قوله تعالى: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى (البقرة/ 260) «1» .
وقال الفيروزاباديّ: والشّكّ ربّما كان في الشّيء: هل هو موجود أو غير موجود؟ وربّما كان في جنسه أي من أيّ جنس هو، وربّما كان في بعض صفاته، وربّما كان في الغرض الّذي لأجله أوجد،
__________
(1) لسان العرب (10/ 451- 452) ، والنهاية في غريب الحديث: (2/ 495) . وانظر المصباح المنير (302) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (3/ 173) .(10/4751)
والشّكّ ضرب من الجهل، وهو أخصّ منه، لأنّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنّقيضين رأسا. وكلّ شكّ جهل، وليس كلّ جهل شكّا.
وأصله من شككت الشيء. إذا خرقته، قال عنترة:
وشككت بالرّمح الأصمّ لهاته ... ليس الكريم على القنا بمحرّم
وكأنّ الشّكّ الخرق في الشّيء، وكونه بحيث لا يجد الرّأي مستقرّا يثبت فيه ويعتمد عليه. ويجوز أن يكون مستعارا من الشّكّ وهو لصوق العضد بالجنب، وذلك أن يتلاصق النّقيضان فلا مدخل للفهم والرّأي ليتخلّل ما بينهما، ويشهد لهذا قولهم: التبس الأمر واختلط وأشكل. ونحو ذلك من الاستعارات «1» .
الشك اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الشّكّ: هو التّردّد بين النّقيضين لا ترجيح لاحدهما على الآخر عند الشّاكّ.
وقيل: الشّكّ ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشّيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فإذا ترجّح أحدهما، ولم يطرح الآخر فهو ظنّ، فإذا طرحه، فهو غالب الظّنّ، وهو بمنزلة اليقين «2»
وقيل: الشّكّ اعتدال النّقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النّقيضين. أو لعدم الأمارة فيهما «3» .
وقال المناويّ: الشّكّ: الوقوف بين النّقيضين، وقيل: هو الوقوف بين المعنى ونقيضه، وضدّه:
الاعتقاد «4» .
وقال الكفويّ: وقال بعضهم: الشّكّ ما استوى فيه اعتقادان أو لم يستويا، ولكن لم ينته أحدهما إلى درجة الظّهور الّذي يبني عليه العاقل الأمور المعتبرة.
والشّكّ كما يطلق على ما لا يترجّح أحد طرفيه، يطلق أيضا على مطلق التّردّد، وعلى ما يقابل العلم «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: سوء الظن- القلق- الوسوسة- الوهم- الغفلة- التفريط والإفراط- الضلال.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اليقين- الثبات- السكينة- الطمأنينة- العلم- الفقه- الفطنة- الإيمان- حسن الظن] .
__________
(1) المفردات للراغب (272) والتوقيف للمناوي (207) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 332) .
(2) التعريفات (128) .
(3) المفردات (272) ، وانظر الكليات للكفوي (528) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (207) .
(5) الكليات (528) .(10/4752)
الآيات الواردة في «الشك»
الشك واقع في ذات الله:
1- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «1»
2- لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «2»
الشك واقع في الرسالة أو الرسل:
3- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96) «3»
4- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) «4»
__________
(1) إبراهيم: 9- 11 مكية
(2) الدخان: 8- 16 مكية
(3) يونس: 93- 96 مدنية
(4) يونس: 104 مكية(10/4753)
5-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) «1»
6- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) «2»
7- وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6)
ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) «3»
8- وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) «4»
9- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «5»
10- وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
__________
(1) هود: 61- 66 مكية
(2) هود: 110 مكية
(3) ص: 4- 8 مكية
(4) غافر: 34 مكية
(5) فصلت: 45- 46 مكية(10/4754)
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «1»
الشك واقع في اليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب:
11- قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) «2»
12- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «3»
13- وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (51) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) «4»
الشك واقع في صلب المسيح عليه السلام:
14- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153)
__________
(1) الشورى: 14- 15 مكية
(2) النمل: 65- 68 مكية
(3) سبأ: 20- 23 مكية
(4) سبأ: 51- 54 مكية(10/4755)
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154)
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «1»
الآيات الواردة في «الشك» معنى
15- الم (1)
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) «2»
16- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) «3»
17- رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) «4»
18- فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) «5»
19- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «6»
20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «7»
__________
(1) النساء: 153- 158 مدنية
(2) البقرة: 1- 2 مدنية
(3) البقرة: 23 مدنية
(4) آل عمران: 9 مدنية
(5) آل عمران: 25 مدنية
(6) النساء: 87 مدنية
(7) المائدة: 106 مدنية(10/4756)
21- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) «1»
22- إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) «2»
23- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) «3»
24- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) «4»
25-* أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «5»
26- وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) «6»
27- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) «7»
28- أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) «8»
29- وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) «9»
30- الم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) «10»
__________
(1) الأنعام: 12 مكية
(2) التوبة: 45 مدنية
(3) التوبة: 110 مدنية
(4) يونس: 37 مكية
(5) الإسراء: 99 مكية
(6) الكهف: 21 مكية
(7) الحج: 5- 7 مدنية
(8) النور: 50 مدنية
(9) العنكبوت: 48 مكية
(10) السجدة: 1- 2 مكية(10/4757)
31- إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59) «1»
32- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) «2»
33- قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «3»
34- وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) «4»
35- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) «5»
36- يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) «6»
37- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) «7»
38- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «8»
__________
(1) غافر: 59 مكية
(2) الشورى: 7 مكية
(3) الجاثية: 26 مكية
(4) الجاثية: 32 مكية
(5) الحجرات: 15 مدنية
(6) الحديد: 14 مدنية
(7) الطلاق: 4 مدنية
(8) المدثر: 31 مكية(10/4758)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشك)
1-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشّكّ وليبن على ما استيقن. ثمّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم. فإن كان صلّى خمسا، شفعن له صلاته.
وإن كان صلّى إتماما لأربع، كانت ترغيما للشّيطان» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «2» . ثمّ يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة.
فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك.
ويقال له: على اليقين كنت، وعليه متّ، وعليه تبعث إن شاء الله. ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها.
فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت، وعليه متّ، وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «3» .
3-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «ثلاثة لا تسأل عنهم:
رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده. فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه، فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «4» .
4-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حديثا طويلا عن الدّجّال، فكان فيما يحدّثنا به أنّه قال: «يأتي الدّجّال وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السّباخ الّتي تلي المدينة «5» ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير النّاس أو من خيار النّاس فيقول: أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثه، فيقول الدّجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته هل تشكّون في الأمر؟
__________
(1) مسلم (571) وترغيما للشيطان أي إغاظة له وإذلالا.
(2) الشعف: شدة الفزع حتى يذهب بالقلب.
(3) ابن ماجة 2 (4268) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده صحيح، ونحوه عند البخاري في الجنائز- الفتح 3 (1374) ، (1374) ، ومسلم (2870) .
(4) أحمد (6/ 19) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (1/ 119) وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الألباني في «سلسلته الصحيحة» (542) ، وانظر «حجاب المرأة المسلمة» ، ص (54) .
(5) نقاب المدينة: طرقها، والسباخ: الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها. وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرّة.(10/4759)
فيقولون: لا؛ فيقتله ثمّ يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشدّ بصيرة منّي اليوم، فيريد الدّجّال أن يقتله فلا يسلّط عليه» ) * «1» .
5-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشكّ فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلمّا سلّم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصّلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلّيت كذا وكذا. فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثمّ سلّم، فلمّا أقبل علينا بوجهه قال: إنّه لو حدث في الصّلاة شيء لنبّأتكم به، ولكن إنّما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني، وإذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب، فليتمّ عليه، ثمّ ليسلّم، ثمّ يسجد سجدتين» ) * «3» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال: واعجبا لك يا بن عبّاس! عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار- فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟
فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم.
فقلت: خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7132) واللفظ له، ومسلم (2938) .
(2) البخاري- الفتح 4 (2501) واللفظ له، ومسلم (1599) .
(3) البخاري- الفتح 1 (401) واللفظ له، ومسلم (572) .(10/4760)
وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا «1» ، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال:
أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال:
قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكئ على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت وأنا قائم:
طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: «لا» ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت:
لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «2» ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال:
«أو في شكّ أنت يا بن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى قوله: عَظِيماً (الأحزاب/ 28- 29) قلت: أفي هذا
__________
(1) تنعل النعال: أى تضربها وتسويها، والأصل تنعل الدواب.
(2) أهبة: أكياس من جلد غير مدبوغ.(10/4761)
أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة.
ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «1» .
8-* (عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد- رضي الله عنهما- (شّكّ الأعمش) قال: لمّا كانت غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «2» فأكلنا وادّهنّا «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر «4» ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثمّ ادع الله عليها بالبركة لعلّ الله أن يجعل في ذلك «5» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: فدعا بنطع «6» فبسطه. ثمّ دعا بفضل أزوادهم. قال: فجعل الرّجل يجأ بكفّ ذرة. قال: ويجأ الآخر بكفّ تمر. قال:
ويجيء الآخر بكسرة. حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبركة.
ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملأوه. قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» ) * «7» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نحن أحقّ بالشّكّ من إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. قال: «ويرحم الله لوطا. لقد كان يأوي إلى ركن شديد. ولو لبثت في السّجن طول لبث يوسف لأجبت الدّاعي» ) * «8» .
10-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال له عمر: يا غلام، هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شكّ الرّجل في صلاته ماذا يصنع؟ قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرّحمن بن عوف، فقال: فيم أنتما؟ فقال عمر:
سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أحد من أصحابه إذا شكّ الرّجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرّحمن: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلّى أم ثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلّى أم ثلاثا فليجعلها ثنتين، وإذا لم يدر أثلاثا صلّى أم أربعا فليجعلها ثلاثا، ثمّ يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلّم سجدتين» ) «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2468)
(2) نواضحنا: النواضح من الإبل التي يستقى عليها. قال أبو عبيد: الذكر منها ناضح، والأنثى ناضحة.
(3) وادهنا: قال صاحب التحرير: قوله وادّهنّا ليس مقصوده ما هو المعروف من الادهان، وإنما معناه اتخذنا دهنا من شحومها.
(4) الظهر: المراد بالظهر هنا الدواب. سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها. أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر.
(5) لعل الله أن يجعل في ذلك: فيه محذوف تقديره: يجعل في ذلك بركة أو خيرا، أو نحو ذلك. فحذف المفعول به لأنه فضلة. وأصل البركة كثرة الخير وثبوته.
(6) نطع: هو بساط متخذ من أديم. وكانت الأنطاع تبسط بين أيدي الملوك والأمراء إذا أرادوا قتل أحد صبرا ليصان المجلس من الدم.
(7) مسلم (27) .
(8) البخاري- الفتح 6 (3372) ، ومسلم (151) واللفظ له.
(9) الترمذي (398) وقال: حسن غريب صحيح، أحمد (1/ 193) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 123) : إسناده صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 536) : حديث حسن.(10/4762)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشك) معنى
11-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أكل أحدكم طعاما فسقطت لقمة فليمط ما رابه منها ثمّ ليطعمها ولا يدعها للشّيطان» ) * «1» .
12-* (عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة وعمرو بن الأسود والمقدام بن معد يكرب وأبي أمامة رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الأمير إذا ابتغى الرّيبة في النّاس أفسدهم» ) * «2» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين:
أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق ذو اليدين؟» فقال النّاس: نعم.
فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى اثنتين أخريين، ثمّ سلّم، ثمّ كبّر، فسجد مثل سجوده أو أطول) * «3» .
14-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصّلاة، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال: أتصلّي للنّاس فأقيم؟ قال:
نعم. فصلّى أبو بكر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة، فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته. فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر رضي الله عنه- يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، فلمّا انصرف قال: «يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» . فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رابه شيء في صلاته فليسبّح، فإنّه إذا سبّح التفت إليه، وإنّما التّصفيق للنّساء» ) * «4» .
15-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، وهو يقول: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. إلّا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنّما ابنتي بضعة منّي «5» ، يريبني ما رابها «6» ، ويؤذيني ما آذاها» ) * «7» .
__________
(1) مسلم (2033) ، الترمذي (1802) واللفظ له.
(2) أبو داود (4889) وقال الألباني (3/ 924) : صحيح لغيره، أحمد (6/ 4) واللفظ متفق عليه عندهما وقال محقق جامع الأصول (4/ 83) : حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 3 (1228) واللفظ له، ومسلم (573) .
(4) البخاري- الفتح 2 (684) واللفظ له، ومسلم (421) .
(5) بضعة: بفتح الباء، لا يجوز غيره، وهي قطعة اللحم.
(6) يريبني ما رابها: قال إبراهيم الحربي: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه. وقال الفراء: راب وأراب بمعنى. وقال أبو زيد: رابني الأمر تيقنت منه الريبة. وأرابني شككني وأوهمني.
(7) البخاري- الفتح 7 (3767) مختصرا، ومسلم (2449) واللفظ له.(10/4763)
16-* (عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازنيّ- رضي الله عنه- أنّه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّجل الّذي يخيّل إليه أنّه يجد الشّيء في الصّلاة، فقال: «لا ينفتل أو لا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» ) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان إذا سمع النّداء بالصّلاة أحال له ضراط. حتّى لا يسمع صوته. فإذا سكت رجع فوسوس. فإذا سمع الإقامة ذهب حتّى لا يسمع صوته. فإذا سكت رجع فوسوس» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، من بني فزارة، فقال:
إنّ امرأتي جاءت بولد أسود، فقال: «هل لك من إبل؟» . قال: نعم قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر، قال:
«فهل فيها من أورق؟» ، قال: إنّ فيها لورقا، قال:
«فأنّى تراه؟» ، قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال:
«وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «4» .
20-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟
قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنب.
فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء.
قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس.
فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إلىّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم.
قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «5» .
21-* (عن أبي الحوراء السّعديّ؛ قال: قلت للحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «6» .
22-* (عن أبي نضرة؛ قال: سألت ابن
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (137) واللفظ له، ومسلم (361) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1231) ، ومسلم (389) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 12 (6724) ، ومسلم (2563) متفق عليه.
(4) أبو داود (2260) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 427) : صحيح، وابن ماجة، نكاح (58) .
(5) البخاري- الفتح 1 (86) ، ومسلم (905) واللفظ له.
(6) الترمذي (2518) واللفظ له. وقال: حديث حسن(10/4764)
عبّاس عن الصّرف «1» ؟، فقال: أيدا بيد؟ قلت: نعم.
قال: فلا بأس به. فأخبرت أبا سعيد. فقلت: إنّي سألت ابن عبّاس عن الصّرف؟، فقال: أيدا بيد؟، قلت: نعم، قال: فلا بأس به. قال: أو قال ذلك؟ إنّا سنكتب إليه فلا يفتيكموه. قال: فو الله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتمر فأنكره فقال: «كأنّ هذا ليس من تمر أرضنا» . قال: كان في تمر أرضنا (أو في تمرنا) العام بعض الشّيء. فأخذت هذا وزدت بعض الزّيادة. فقال: «أضعفت. أربيت. لا تقربنّ هذا. إذا رابك من تمرك شيء فبعه. ثمّ اشتر الّذي تريد من التّمر» ) * «2» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: هذا من أهل النّار. فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل قتالا شديدا فأصابته جراحة. فقيل: يا رسول الله، الّذي قلت إنّه من أهل النّار فإنّه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إلى النّار» . قال: فكاد بعض النّاس أن يرتاب. فبينما هم على ذلك إذ قيل إنّه لم يمت، ولكنّ به جراحا شديدا.
فلمّا كان من اللّيل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فقال: «الله أكبر، أشهد أنّي عبد الله ورسوله» . ثمّ أمر بلالا فنادى في النّاس: أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة وإنّ الله ليؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «3» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحدى صلاتي العشيّ «4» .
إمّا الظّهر وإمّا العصر. فسلّم في ركعتين. ثمّ أتى جذعا «5» في قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا. وفي القوم أبو بكر وعمر. فهابا أن يتكلّما. وخرج سرعان النّاس «6» . قصرت الصّلاة «7» . فقام ذو اليدين «8» فقال:
يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت؟ فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمينا وشمالا، فقال: «ما يقول ذو اليدين؟» . قالوا:
صدق. لم تصلّ إلّا ركعتين. فصلّى ركعتين وسلّم، ثمّ كبّر ثمّ سجد. ثمّ كبّر فرفع. ثمّ كبّر وسجد. ثمّ كبّر
__________
صحيح، النسائي (8/ 327- 328) في الأشربة وقال: هذا الحديث جيد. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 444) : إسناده صحيح.
(1) يعني بالصرف هنا بيع الذهب بالذهب متفاضلا.
(2) مسلم (1594) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3062) .
(4) العشي: قال الأزهري: العشي عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها.
(5) أتى جذعا: هكذا هو في الأصول: فاستند إليها. والجذع مذكر ولكنه أنثه على إرادة الخشبة. وكذا جاء في رواية البخاري وغيره: خشبة.
(6) وخرج سرعان الناس: يعني يقولون: قصرت الصلاة. والسرعان، بفتح السين والراء، هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة. وكذا ضبطه المتقنون. والسرعان المسرعون إلى الخروج. وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء. ويكون جمع سريع. كقفيز وقفزان. وكثيب وكثبان.
(7) قصرت الصلاة: بضم القاف وكسر الصاد. وروي بفتح القاف وضم الصاد، وكلاهما صحيح. ولكن الأول أشهر وأصح.
(8) ذو اليدين: لطول كان في يديه. وهو معنى قوله: بسيط اليدين.(10/4765)
ورفع. قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنّه قال:
وسلّم) * «1» .
25-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسا. فقلنا: يا رسول الله أزيد في الصّلاة؟. قال: وما ذاك؟. قالوا: صلّيت خمسا، قال: «إنّما أنا بشر مثلكم أذكر» كما تذكرون، وأنسى كما تنسون» . ثمّ سجد سجدتي السّهو) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الشك)
1-* (في حديث أبي بكر قال لعمر- رضي الله عنهما-: عليك بالرّائب من الأمور، وإيّاك والرّائب منها) *.
أي عليك بالّذي لا شبهة فيه كالرّائب من الألبان وهو الصّافي الّذي لا فيه شبهة ولا كدر.
وإيّاك والرّائب منها: أي الأمر الّذي فيه شبهة وكدر.
فالأوّل من راب اللّبن يروب فهو رائب. والثاني من راب يريب إذا وقع في الشّكّ «3» .
2-* (أثر عن عمر- رضي الله عنه- قوله:
مكسبة فيها بعض الرّيبة خير من المسألة) *.
أي كسب فيه بعض الشّكّ أحلال هو أم حرام خير من سؤال النّاس «4» .
3-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- دعوا الرّبا والرّيبة: يعني ما ارتبتم فيه وإن لم تتحقّقوا أنّه ربا) * «5» .
4-* (روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها سئلت عن أكل الصّيد للمحرم إذا لم يصبه، فقالت: «إنّما هي أيّام قلائل فما رابك فدعه. يعني ما اشتبه عليك هل هو حلال أو حرام فاتركه» ) * «6» .
5-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما تريد إلى ما يريبك وحولك أربعة آلاف لا تريبك» ) * «7» .
6-* (وعنه- رضي الله عنه- قال: «لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أردّ عليه فقال: أرأيت رجلا مؤدّيا «8» نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي، فيغرم علينا في أشياء لا نحصيها. فقلت له:
والله لا أدري ما أقول لك، إلّا أنّا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلّا مرّة حتّى نفعله، وإنّ أحدكم، لن يزال بخير ما اتّقى الله. وإذا شكّ في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه، وأوشك أن لا
__________
(1) مسلم (573) .
(2) مسلم (572) .
(3) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 286) .
(4) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 286)
(5) جامع العلوم والحكم (94)
(6) جامع العلوم والحكم (95)
(7) جامع العلوم والحكم (94)
(8) مؤديا: يعنى كامل أداة الحرب وقيل معناه: قويا.(10/4766)
تجدوه. والّذي لا إله إلّا هو، ما أذكر ما غبر «1» من الدّنيا إلّا كالثّغب «2» شرب صفوه، وبقي كدره) * «3» .
7-* (عن صلة بن زفر؛ قال: كنّا عند عمّار في اليوم الّذي يشكّ فيه من شعبان، أو رمضان، فأتينا بشاة مصليّة، فتنحّى بعض القوم، فقال: إنّي صائم، فقال عمّار: «من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» .
8-* (عن مسروق- رضي الله عنه- قال:
دخلت على عائشة وعندها حسّان بن ثابت ينشدها شعرا. يشبّب بأبيات له فقال:
حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
«5» فقالت له عائشة: لكنّك لست كذلك. قال مسروق: فقلت لها: لم تأذنين له يدخل عليك؟ وقد قال الله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 11) . فقالت: فأيّ عذاب أشدّ من العمى؟
إنّه كان ينافح، أو يهاجي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
9-* (قال أبو عبد الرّحمن العمريّ الزّاهد: إذا كان العبد ورعا ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه) * «7» .
10-* (قال الفضيل بن عياض: يزعم النّاس أنّ الورع شديد، وما ورد عليّ أمران إلّا أخذت بأشدّهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك) * «8» .
11-* (قال ابن رجب- رحمه الله: إنّ الحلال المحض لا يحصل لمؤمن في قلبه منه ريب، بل تسكن إليه النّفس ويطمئنّ به القلب، وأمّا المشتبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشّكّ) * «9» .
__________
(1) ما غبر: من الأضداد يطلق على ما بقى من الدنيا وعلى ما مضى وهو هنا محتمل للأمرين.
(2) الثغب بفتح الثاء وسكون الغين: الغدير يكون فى ظلك فيبرد ماؤه ويروق.
(3) البخاري- الفتح 6 (2964) .
(4) رواه أبو داود (2334) ، والترمذي (68) وقال: حديث حسن، ورواه أيضا ابن ماجه (1645) والدارمي (3/ 2) ، باب في النهي عن صوم يوم الشك، وفي الباب عن أبي هريرة، وأنس رضي الله عنهما، قال محقق جامع الأصول (6/ 350) : هو حديث صحيح.
(5) حصان: عفيفة- رزان: راجحة العقل- ما تزنّ: ما ترمى ولا تتهم- غرثى: خميصة البطن والمراد أنها لا تغتاب أحدا- الغوافل: أي عن الشر والمراد العفيفات.
(6) البخاري- الفتح 8 (4756) ، ومسلم (2488) .
(7) جامع العلوم والحكم (94) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(10/4767)
من مضار (الشك)
(1) الشّكّ يضعف الإيمان بالله- عزّ وجلّ- وبالملائكة والكتاب والنّبيّين وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه.
(2) يدخل الوسواس على القلب فلا يجعله يثبت على يقين.
(3) الرّيب والشّكّ والوسواس آفات نفسيّة تجعل الثّقة مهزوزة بين أفراد المجتمع.
(4) المصاب بداء الشّكّ مريض في نفسه لا يستطيع أن يثبت في حال من الأحوال.
(5) الشّكّ في الله شرك أكبر.
(6) الشّكّ سمة ضعف الإنسان وقوّة الشّيطان عليه.
(7) الشّكوك في الرّعيّة تفسدها.
(8) الاستكانة للشّكّ تجلب التّهم.
(9) الشّكّ ينتج إساءة الظّنّ بأقرب النّاس.(10/4768)
الشماتة
الشماتة لغة:
مصدر قولهم: شمت به يشمت، وهو مأخوذ من مادّة (ش م ت) الّتي تدلّ على فرح ببليّة العدوّ، قال في اللّسان: الشّماتة: فرح العدوّ (أي ببليّة عدوّه) ، وقيل: الفرح ببليّة تنزل بمن تعاديه، والفعل منها شمت به (بالكسر) يشمت شماتة وشماتا إذا فرح بمصيبة نزلت به، وقيل الشّمات: الخيبة، ويعدّى بالهمزة، فيقال: أشمته الله به، وفي التنزيل: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ (الأعراف/ 150) .
قال القرطبيّ: أي لا تسرّهم، وهي محرّمة منهيّ عنها، وهي في قراءة مجاهد: (لا تشمت بي الأعداء) أي لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي «1» . وقيل المعنى على قراءة الجماعة: لا تسرّهم بما تفعل بي فأكون ملوما منهم ومنك، قال الشّاعر:
والموت دون شماتة الأعداء
«2» وقرأ: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 7/ 2
وشمّته الله: خيّبه. ويقال: خرج القوم في غزاة، فقفلوا شماتى ومتشمّتين، قال: والتّشمّت أن يرجعوا خائبين، لم يغنموا.
يقال: رجع القوم شماتا من متوجّههم، بالكسر: أي خائبين.
وتشميت العاطس: الدّعاء له. وشمّت العاطس، وسمّت عليه: دعا له أن لا يكون في حال يشمّت به فيها، والسّين لغة عن يعقوب. كأنّه دعاء للعاطس بالثّبات على طاعة الله، وقيل: معناه أبعدك الله عن الشّماتة وجنّبك ما يشمت به عليك. ويقال أيضا: شمّت الرّجل إذا نسب إلى الخيبة «3» .
الشماتة اصطلاحا:
قال الرّاغب: الشّماتة الفرح ببليّة من تعاديه ويعاديك «4» .
وقال القرطبيّ: الشّماتة: السّرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدّين والدّنيا «5» .
__________
(1) تفسير القرطبى (7/ 185) .
(2) تفسير البحر المحيط 4/ 394.
(3) مقاييس اللغة (3/ 210) ، والصحاح (3/ 210) والصحاح (1/ 255) ، لسان العرب (2/ 51- 52) . المصباح المنير (1/ 322) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (3/ 344) .
(4) المفردات (273) .
(5) الجامع لأحكام القرآن (7/ 291) .(10/4769)
وقال المناويّ: الشّماتة: الفرح بمصيبة العدوّ «1» .
وقال الكفويّ: الشّماتة هي السّرور بمكاره الأعداء «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: البغض- الحسد- الحقد- سوء الخلق- الفضح- الإساءة- الأذى- سوء المعاملة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشهامة- الصفح- المحبة- المواساة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الإحسان- الأدب] .
__________
(1) التوقيف (208) .
(2) الكليات (508) .(10/4770)
الآيات الواردة في «الشماتة»
1- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) «1»
الآيات الواردة في «الشماتة» معنى
2- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «2»
3- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «3»
4- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «4»
__________
(1) الأعراف: 150- 151 مكية
(2) آل عمران: 120 مدنية
(3) آل عمران: 166- 167 مدنية
(4) التوبة: 50- 51 مدنية(10/4771)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشماتة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) * «1» .
قال سفيان: الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة لا أدري أيّتهنّ هي.
2-* (عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تظهر الشّماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الشماتة) معنى
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أين فلان؟» فغمزه رجل منهم فقال: إنّه وإنّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أليس قد شهد بدرا؟» قالوا بلى، قال: «فلعلّ الله اطّلع على أهل بدر، فقال:
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ) * «3» .
4-* (عن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذرّ وعليه حلّة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك؟
قال: فذكر أنّه سابّ رجلا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعيّره بأمّه، قال: فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة، إخوانكم وخولكم «4» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم عليه» ) * «5» .
5-* (عن أبي جريّ جابر بن سليم قال:
رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول الله، مرّتين، قال: «لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «6» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» قلت: اعهد لي، قال: «لا تسبّنّ أحدا» قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6347) واللفظ له، ومسلم (2707) .
(2) الترمذي (2506) وقال: هذا حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وأبي هند الداري، وقال محقق جامع الأصول (11/ 726) : حديث حسن بشواهده، وذكره المنذري في الترغيب (3/ 310) ووافق الترمذي في تحسينه.
(3) الدارمي (2761) ، وقال: رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وصححه وأقره الذهبي.
(4) وخولكم: أي خدمكم، من التخويل بمعنى الإعطاء والتمليك، قال تعالى وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، الواحد خائل.
(5) البخاري- الفتح 1 (30) ، مسلم (1661) واللفظ له.
(6) عام سنة: أي عام قحط وجدب.(10/4772)
المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة «1» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه؛ فإنّما وبال ذلك «2» عليه» ) * «3» .
6-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتّى يعمله» ) * «4» . قال أحمد: من ذنب قد تاب منه.
7-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجّوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه، فكأنّه عيّر بذلك، فنزلت: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (البقرة/ 189) * «5» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الشماتة)
1-* (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: جاء أبو موسى إلى الحسن بن عليّ يعوده، فقال له عليّ:
أعائدا جئت أم شامتا؟ قال: لا، بل عائدا، قال:
فقال له عليّ: إن كنت جئت عائدا فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا عاد الرّجل أخاه المسلم مشى في خرافة «6» الجنّة حتّى يجلس، فإن جلس غمرته الرّحمة، فإن كان غدوة صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يمسي، وإن كان مساء صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يصبح» ) * «7» .
2-* (قال الشّاعر:
إذا ما الدّهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشّامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشّامتون كما لقينا
) * «8» .
من مضار (الشماتة)
(1) تسخط الله عزّ وجلّ والملائكة المقرّبين.
(2) تنبأ عن سوء خلق الشّامت.
(3) دليل على انتزاع الرّحمة من القلوب.
(4) تورث العداوة والبغضاء.
(5) سبيل إلى تفكّك المجتمع وتمزيقه.
(6) الشّماتة خلق ذميم وصاحبه مبغوض من الله والنّاس.
__________
(1) من المخيلة: أي الخيلاء.
(2) وبال ذلك: أي إثمه.
(3) أبو داود (4084) ، وقال الألباني (2/ 769) برقم (3442) : صحيح، والترمذي (2722) .
(4) الترمذي (2505) وقال: حسن غريب. والمنذري في الترغيب (3/ 310، 311) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1803) .
(6) خرافة الجنة: بكسر الخاء، قال المنذري: أي في اجتناء ثمر الجنة.
(7) أحمد (1/ 81) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 42) : إسناده صحيح، وانظر المنذري في الترغيب (4/ 320) . ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر.
(8) الجامع لأحكام القرآن (7/ 291) .(10/4773)
شهادة الزور
* الشهادة لغة واصطلاحا:
(انظر صفة: إقامة الشهادة) .
الزور لغة:
الميل عن الحقّ، يقول ابن فارس: الزّاي والواو والرّاء أصل واحد يدلّ على الميل والعدول، من ذلك الزّور الكذب، لأنّه مائل عن طريقة الحقّ، ويقال:
زوّر فلان الشّيء تزويرا، وزوّر الشيء في نفسه: هيّأه، لأنّه يعدل به عن طريقة تكون أقرب إلى قبول السّامع.
والزّور مأخوذ من الزّور، وهو ميل في الزّور، يقول الرّاغب: وقيل للكذب زور لكونه مائلا عن جهته، قال تعالى: ظُلْماً وَزُوراً (الفرقان/ 4) .
والزّور أيضا: كلّ شيء يتّخذ ربّا، ويعبد من دون الله.
وزوّر نفسه: وسمها بالتّزوير، وزوّر الشّهادة أبطلها، والزّور مجالس اللهو. والزّور: شهادة الباطل وقول الكذب، ولم يشتقّ من تزوير الكلام، ولكنّه اشتقّ من تزوير الصّدر، وقيل: الزّور الكذب والباطل والتّهمة وزوّر الكلام زخرفه، وازورّ عن الشّيء وتزاور عنه، مال، وقيل: شهادة الزّور، أي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 9/ 5
شهادة الكذب، والباطل، وقيل: شهادة (أي شهود) الباطل.
ورجل زور وقوم زور وكلام مزوّر ومتزوّر:
مموّه بكذب، وقيل: محسّن. وقيل: هو المثقّف (أي المهذّب المرتّب) قبل أن يتكلّم به، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه-: «ما زوّرت كلاما لأقوله إلّا سبقني به أبو بكر» . والتّزوير: إصلاح الشّيء.. والتّزوير:
تزيين الكذب. وسمع ابن الأعرابيّ يقول: كلّ إصلاح من خير أو شرّ فهو تزوير، ومنه شاهد الزّور، يزوّر كلاما. والتّزوير: إصلاح الكلام وتهيئته. قال الحجّاج: رحم الله امرأ زوّر نفسه على نفسه، أي قوّمها وحسّنها، وقيل: اتّهم نفسه على نفسه.
وقولهم: قد زوّر عليه كذا وكذا، قال أبو بكر:
فيه أربعة أقوال: يكون التّزوير فعل الكذب والباطل.
والزّور: الكذب. والتّزوير: التّشبيه. والتّزوير:
التّزويق والتّحسين. وزوّرت الشّيء: حسّنته وقوّمته.
وقال الأصمعيّ: تهيئة الكلام وتقديره، والإنسان يزوّر كلاما، وهو يقوّمة ويتقنه قبل أن يتكلّم به.
والزّور: شهادة الباطل وقول الكذب. وقد تكرّر ذكر شهادة الزّور في الحديث، وهي من الكبائر، فمنها
__________
* شهادة الزور، قول الزور، عمل الزور كلها بمعنى متقارب.(10/4774)
قوله: «عدلت شهادة الزّور الشّرك بالله» وإنّما عادلته لقوله تعالى وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ثمّ قال بعدها: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (الفرقان/ 72) «1» . وقال أبو جعفر الطّبريّ في تفسير هذه الآية: وأصل الزّور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتّى يخيّل إلى من يسمعه أو يراه أنّه خلاف ما هو به. ويدخل فيه الغناء لأنّه أيضا ممّا يحسّنه ترجيع الصّوت حتّى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضا قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إيّاه، حتّى يظنّ صاحبه أنّه حقّ. فكلّ ذلك يدخل في معنى الزّور «2» .
وقال ابن حجر معقّبا على ما ذكره الإمام البخاريّ في باب ما قيل في شهادة الزّور، لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ أشار (البخاريّ) بذلك إلى أنّ الآية سيقت في ذمّ متعاطي شهادة الزور، وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها، وقيل: المراد بالزّور هنا الشّرك، وقيل:
الغناء، وقيل غير ذلك. قال الطّبريّ: أولى الأقوال عندنا أنّ المراد به مدح من لا يشهد شيئا من الباطل، والله أعلم «3» .
عظم شهادة الزّور وسبب الاهتمام بها:
وقال ابن حجر في قوله صلّى الله عليه وسلّم «وجلس وكان متّكئا» يشعر بأنّه اهتمّ بذلك حتّى جلس بعد أن كان متّكئا، ويفيد ذلك تأكيد تحريم الزّور وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزّور أو شهادة الزّور أسهل وقوعا على النّاس، والتّهاون بها أكثر، فإنّ الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطّبع، وأمّا الزّور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرها، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا، بل لكون مفسدة الزّور متعدّية إلى غير الشّاهد، بخلاف الشّرك فإنّ مفسدته قاصرة غالبا «4» .
وقال أبو حيّان في تفسيره للآية الكريمة:
والظّاهر أنّ المعنى: لا يشهدون بالزّور، أو لا يشهدون شهادة الزّور، وقيل: المعنى لا يحضرون الزّور (من المشاهدة أي أنّ شهد هنا بمعنى شاهد) وقد اختلف في الزّور على أقوال منها: الشّرك (قاله الضّحّاك وابن زيد) ، والغناء (قاله مجاهد) ، والكذب (قاله ابن جريج) وأعياد المشركين (عن مجاهد أيضا) ومجالس الباطل (قاله قتادة) وقيل غير ذلك «5» .
وقال الشّيخ الميدانيّ: وفي حياة النّاس نوع خطير من الكذب، شديد القبح، سيّىء الأثر ألا وهو شهادة الزّور.
إنّ الأصل في الشّهادة أن تكون سندا لجانب الحقّ، ومعينة للقضاء على إقامة العدل، والحكم على الجناة الّذين تنحرف بهم أهواؤهم وشهواتهم، فيظلمون أو يبغون، أو يأكلون أموال النّاس بالباطل، فإذا تحوّلت الشّهادة عن وظيفتها، فكانت سندا للباطل، ومضلّلة للقضاء، حتّى يحكم بغير الحقّ،
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 36) ، المفردات للراغب (217) ، لسان العرب (4/ 336- 337) . وانظر المصباح المنير (1/ 99) . ومختار الصحاح (278) . والنهاية في غريب الحديث (2/ 318) .
(2) جامع البيان في تفسير القرآن (19/ 31) .
(3) الفتح (5/ 310) .
(4) المرجع السابق (5/ 311) .
(5) تفسير البحر المحيط 6/ 473.(10/4775)
استنادا إلى ما تضمّنته من إثبات، فإنّها تحمل حينئذ إثم جريمتين كبريين في آن واحد.
الجريمة الأولى: عدم تأديتها وظيفتها الطّبيعيّة الأولى.
الجريمة الثّانية: قيامها بجريمة، تهضم فيها الحقوق، ويظلم فيها البرآء، ويستعان بها على الإثم والبغي والعدوان «1» .
الزور اصطلاحا:
قال أبو هلال العسكريّ: الزّور هو الكذب الّذي قد سوّي وحسّن في الظّاهر ليحسب أنّه صدق وهو من قولك: زوّرت الشّيء إذا سوّيته وحسّنته «2» .
قال الحافظ ابن حجر: وضابط الزّور وصف الشّيء على خلاف ما هو به: وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشّهادة فيختصّ بها «3» .
شهادة الزور اصطلاحا:
وقال القرطبيّ: شهادة الزّور هي الشّهادة بالكذب ليتوصّل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال «4» .
حكم شهادة الزور:
قال الإمام الذّهبيّ- بعد أن ذكر أنّها من الكبائر-: إنّ شاهد الزّور قد ارتكب عظائم:
أحدها: الكذب والافتراء.
ثانيها: أنّه ظلم الّذي شهد عليه حتّى أخذ بشهادته ماله وعرضه وروحه (أحيانا) .
ثالثها: أنّه ظلم الّذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته فوجبت له النّار، مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قضيت له من مال أخيه بغير حقّ فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» .
رابعها، أنّه أباح ما حرّم الله تعالى، وعصمه من المال والدّم والعرض «5» .
وقال ابن حجر: عدّ شهادة الزّور وقبولها، كلاهما من الكبائر. وقد صرّحوا بذلك فى الشّهادة، وقياس الثّانية (أي قبول شهادة الزّور) أن تكون كذلك، وحكى بعضهم الإجماع على أنّ شهادة الزّور كبيرة ولا فرق بين أن يكون المشهود به قليلا أو كثيرا فضلا عن هذه المفسدة القبيحة الشّنيعة جدّا «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الإفتراء- الإفك- البهتان- الكذب- الخيانة- اتباع الهوى- الظلم.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: إقامة الشهادة- الأمانة- الصدق- الكلم الطيب- المسئولية- الإنصاف- العدل والمساواة- الشهامة] .
__________
(1) الأخلاق الإسلامية (1/ 546) .
(2) مخطوط تنبيه الطالب لفهم ابن الحاجب. باب الزاي فصل الواو. المخطوط من تأليف: أبي عبد الله عز الدين محمد ابن عبد السلام بن إسحاق الأموي المالكي. مكتبة مركز إحياء التراث رقم (602) فقه عام.
(3) فتح الباري (5/ 426) .
(4) السابق، الصفحة نفسها.
(5) الكبائر للذّهبي (79) .
(6) الزواجر (335) بتصرف يسير.(10/4776)
الآيات الواردة في «الزور»
1- ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31)
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) «1»
2- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) «2»
3- وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) «3»
4- الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) «4»
__________
(1) الحج: 30- 32 مدنية
(2) الفرقان: 4 مكية
(3) الفرقان: 72 مكية
(4) المجادلة: 2 مدنية(10/4777)
الأحاديث الواردة في ذمّ (شهادة الزور)
1-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) ؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متّكئا فقال-: ألا وقول الزّور» . قال: فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ امرأة قالت: يا رسول الله أقول: إنّ زوجي أعطاني ما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» ) * «2» .
3-* (عن أيمن بن خريم الأسديّ- رحمه الله- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا فقال: «أيّها النّاس، عدلت شهادة الزّور إشراكا بالله» ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج/ 30)) * «3» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكبائر قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، وشهادة الزّور» ) * «4» .
5-* (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج كبّة «5» من شعر. فقال: ما كنت أرى أنّ أحدا يفعله إلّا اليهود.
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلغه فسمّاه الزّور) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يدع قول الزّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» ) * «7» .
__________
(1) رواه البخاري- انظر الفتح 5 (2654) واللفظ له ومسلم برقم (87) .
(2) رواه البخاري. انظر الفتح 9 (5219) وهو هنا رواية عن أسماء. ومسلم برقم (2129) واللفظ له.
(3) الترمذي (2099، 2300) واللفظ له وأبو داود (3599) وابن ماجة (2372) ويشهد له حديث أنس وحديث أبي بكرة في الصحيحين. وقال المنذري في الترغيب (3/ 221، 222) : رواه الطبراني في الكبير موقوفا على ابن مسعود بإسناد حسن وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
(4) البخاري- الفتح 5 (2653) ، ومسلم برقم (88) متفق عليه.
(5) كبة من شعر: هي شعر ملفوف بعضه على بعض.
(6) رواه البخاري. انظر الفتح 6 (3488) ومسلم برقم (2127) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 4 (1903) .(10/4778)
الأحاديث الواردة في ذمّ (شهادة الزور) معنى
7-* (عن عمارة بن خزيمة بن ثابت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابيّ فاستتبعه إلى منزله ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشي، وأبطأ الأعرابيّ بالفرس، فطفق رجال يعترضون الأعرابيّ، يساومونه بالفرس، لا يشعرون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابتاعه، فنادى الأعرابيّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلّا بعته. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابيّ، فقال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابيّ: لا، والله ما بعتكه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى قد ابتعته منك» فطفق الأعرابيّ يقول: هلمّ شهيدا. فقال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته، فأقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ قال: بتصديقك يا رسول الله، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين.
وزاد رزين فقال الأعرابيّ: أهذا رسول الله؟
فقال أبو هريرة: كفى بك جهلا أن لا تعرف نبيّك، صدق الله الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ (التوبة/ 97) فاعترف الأعرابيّ بالبيع «1» .
8-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم. ثمّ يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشّهادة والعهد) * «2» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تجوز شهادة خائن «3» ولا خائنة، ولا زان، ولا زانية، ولا ذي غمر «4» على أخيه» وفي رواية: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ردّ شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، وردّ شهادة القانع «5» لأهل البيت وأجازها لغيرهم) * «6» .
__________
(1) رواه أبو داود (3607) وقال الألباني (2/ 688) : صحيح وفي صحيح سنن النسائي 4647 (4332) وقال محقق جامع الأصول (10/ 195) واللفظ له: إسناده صحيح.
(2) رواه البخاري. انظر الفتح 5 (2652) واللفظ له. ومسلم برقم (2533) .
(3) خائن: أراد بالخيانة: الخيانة في الدين والمال والأمانات فإن من ضيع شيئا من أوامر الله، أو ركب شيئا مما نهاه الله عنه فلا يكون عدلا.
(4) ذو غمر: الغمر: بكسر الغين الحقد.
(5) القانع: السائل المستطعم وقيل: هو المنقطع إلى القوم يخدمهم وذلك مثل الأجير والوكيل، ترد شهادته للتهمة في جر النفع إلي نفسه لأن التابع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم.
(6) رواه أبو داود (3600، 3601) وقال الألباني (3/ 686) واللفظ له: حسن، وفي صحيح سنن ابن ماجة (2366) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 191) : إسناده حسن ونحوه عند الترمذي (2299) من حديث عائشة.(10/4779)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (شهادة الزور)
1-* (عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن قال:
قدم رجل من العراق على عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب، فقال عمر: وما ذاك؟ قال: شهادة الزّور ظهرت بأرضنا، قال: وقد كان ذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطّاب: والله لا يؤسر «1» رجل في الإسلام بغير العدول) * «2» .
2-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- تعدل شهادة الزّور بالشّرك وقرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «3» .
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ يعني: الافتراء على الله والتّكذيب) * «4» .
4-* (قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ واتّقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) وقولكم للملائكة هي بنات الله ونحو ذلك من القول، فإنّ ذلك كذب وزور وشرك) * «5» .
5-* (قال ابن كثير- رحمه الله- وقوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «من» ههنا لبيان الجنس أي اجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان، وقرن الشّرك بالله بقول الزّور كقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (الأعراف/ 33) ومنه شهادة الزّور) * «6» .
من مضار (شهادة الزور)
(1) سبب لسخط الجبّار ودخول النّار.
(2) فيها ضياع حقوق النّاس وظلمهم.
(3) تطمس معالم العدل والإنصاف.
(4) تعين الظّالم على ظلمه، وتعطي الحقّ لغير مستحقّه.
(5) تقويض لأركان الأمن وزعزعة للاستقرار.
(6) سبب لزرع الأحقاد والضّغائن في القلوب.
(7) فساد اجتماعي يعصف بالمجتمع ويدمّره.
__________
(1) لا يؤسر: أي لا يحبس.
(2) أخرجه مالك/ الموطأ في الأقضية (2/ 554) .
(3) جامع البيان (17/ 112) .
(4) المرجع السابق نفسه.
(5) المرجع السابق نفسه.
(6) تفسير ابن كثير (3/ 229) .(10/4780)
[حرف الصاد]
صغر الهمة
الصّغر لغة:
الصّغر خلاف الكبر، مأخوذ من مادّة «ص غ ر» الّتي تدلّ على القلّة والحقارة، يقول ابن فارس:
الصّاد والغين والرّاء أصل صحيح يدلّ على قلّة وحقارة. من ذلك الصّغر ضدّ الكبر، والصّغير خلاف الكبير «1» .
وقد صغر الشّيء، وهو صغير، وصغار، وأصغره غيره، وصغّره تصغيرا. واستصغره عدّه صغيرا، وتصاغرت إليه نفسه، تحاقرت، والصّغار، بالفتح: الذّلّ والضّيم، وكذلك الصّغر بالضّمّ.
والمصدر الصّغر- بالتّحريك- وقد صغر الرّجل- بالكسر- يصغر صغرا. يقال: قم على صغرك وصغرك، والصّاغر، الرّاضي بالضّيم «2» .
والصّغر والصّغارة خلاف العظم، وقيل:
الصّغر في الجرم، والصّغارة في القدر وأصغره وصغّره:
جعله صغيرا.
والإصغار خلاف الإكبار، وأرض مصغرة: نبتها صغير لم يطل، وفلان صغرة أبويه، وصغرة ولد أبويه، أي أصغرهم وهو كبرة ولد أبيه أي أكبرهم.. وتصاغرت إليه نفسه: صغرت وتحاقرت ذلّا
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 8/ 3
ومهانة، وفي الحديث: «إذا قلت ذلك تصاغر حتّى يكون مثل الذّباب» يعني الشّيطان أي ذلّ وامّحق، قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون من الصّغر والصّغار، وهو الذّلّ والهوان، وفي حديث عليّ يصف أبا بكر- رضي الله عنهما- «برغم المنافقين وصغر الحاسدين» أي ذلّهم وهوانهم، وصغرت الشّمس: مالت للغروب «3» ومن أمثال العرب: المرء بأصغريه، وأصغراه قلبه ولسانه، ومعناه أنّ المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه.
الهمّة لغة:
الهمّة: واحدة الهمم، وهمّ بالشّيء يهمّ همّا: نواه وأراده، وعزم عليه. والهمّة والهمّة: ما همّ به من أمر ليفعله، وتقول: إنّه لعظيم الهمّ وإنّه لصغير الهمّة، وإنّه لبعيد الهمّة. والهمّة- بالفتح- والهمام: الملك العظيم الهمّة. وقيل: الهمام اسم من أسماء الملك لعظم همّته، وقيل: لأنّه إذا همّ بأمر أمضاه لا يردّ عنه بل ينفذ كما أراد، وقيل: الهمام السّيّد الشّجاع السّخيّ «4» .
قال الماورديّ- رحمه الله-: فأمّا شرف النّفس: إذا تجرّد عن علوّ الهمّة، فإنّ الفضل به عاطل، والقدر به خامل، وهو كالقوّة في الجلد الكسل،
__________
(1) المقاييس (3/ 290) .
(2) الصحاح (2/ 713) .
(3) اللسان (4/ 2452، 2453) .
(4) المرجع السابق (12/ 620- 621) .(10/4781)
والجبان الفشل، تضيع قوّته بكسله، وجلده بفشله.
وشرف النّفس مع صغر الهمّة أولى من علوّ الهمّة مع دناءة النّفس، لأنّ من علت همّته مع دناءة نفسه، كان متعدّيا إلى طلب ما لا يستحقّه، ومتخطّيا إلى التماس ما لا يستوجبه، ومن شرفت نفسه مع صغر همّته، فهو تارك لما يستحقّ ومقصّر عمّا يجب له، وفضل ما بين الأمرين ظاهر، وإن كان لكلّ واحد منهما من الذّمّ نصيب «1» .
صغر الهمة اصطلاحا:
قال الجاحظ: صغر الهمّة: هو ضعف النّفس عن طلب المراتب العالية، وقصور الأمل عن بلوغ الغايات، واستكثار اليسير من الفضائل، واستعظام القليل من العطايا والاعتداد به، والرّضا بأوساط الأمور وأصاغرها «2» .
وقال الرّاغب: صغر الهمّة: ترك الإنسان لما يستحقّه وهو والدّناءة سواء. وقال أيضا: الكبير الهمّة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة قدر وسعه فلا يصير عبد عارية بطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصّص بمكارم الشّريعة فيصير من خلفاء الله وأوليائه في الدّنيا ومجاوريه في الآخرة، والصّغير الهمّة من كان على الضّدّ من ذلك «3» .
الفرق بين التّنفّج وصغر الهمّة:
التّنفّج تأهّل الإنسان لما لا يستحقّه، وهو البذخ، وصغر الهمّة تركه لما لا يستحقّه وهو الدّناءة وكلاهما مذموم لكنّ المتنفّج جاهل أحمق، والصّغير الهمّة جاهل غير أحمق «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- الضعف- الكسل- اللهو واللعب- الوهن- التفريط والإفراط- التهاون- اتباع الهوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: علو الهمة- الرجولة- الشجاعة- الطموح- العمل- النشاط- القوة- قوة الإرادة- العزم والعزيمة] .
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (308- 309) .
(2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (34) .
(3) الذريعة إلى مكارم الشريعة (291) .
(4) المرجع السابق نفسه.(10/4782)
الآيات الواردة في «صغر الهمة» معنى
1-* أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «1»
2- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) «2»
3- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)
لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) «3»
4- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «4»
5- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7)
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «5»
__________
(1) التوبة: 19- 20 مدنية
(2) التوبة: 41- 42 مدنية
(3) التوبة: 86- 88 مدنية
(4) الإسراء: 83- 84 مكية
(5) الشمس: 7- 10 مكية(10/4783)
الأحاديث الواردة في ذمّ (صغر الهمة) معنى
1-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رهطا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انطلقوا في سفرة سافروها حتّى نزلوا في حيّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيّفوهم. فلدغ سيّد ذلك الحيّ، فسعوا له بكلّ شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرّهط الّذين قد نزلوا بكم لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيّها الرّهط، إنّ سيّدنا لدغ، فسعينا له بكلّ شيء، لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إنّي لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيّفونا فما أنا براق لكم حتّى تجعلوا لنا جعلا. فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق فجعل يتفل ويقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* حتّى لكأنّما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة «1» قال: فأوفوهم جعلهم الّذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا. فقال الّذي رقى: لا تفعلوا حتّى نأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنذكر له الّذي كان فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا له، فقال: «وما يدريك أنّها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم» ) * «2» .
2-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة «3» .
وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» ) * «4» .
3-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
جاءت فتاة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ أبي زوّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها.
فقالت: قد أجزت ما صنع أبي. ولكن أردت أن تعلم النّساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله السّارق. يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» ) * «6» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «7» كريم، والفاجر خبّ «8» لئيم» ) * «9» .
6-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله
__________
(1) ما به قلبة: أى ما به من ألم يقلب لأجله على الفراش.
(2) البخاري- الفتح 10 (5749) واللفظ له، ومسلم (2201) .
(3) بالعينة: أي تبايعتم بالسلف.
(4) أبو داود (3462) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 765) : صحيح.
(5) ابن ماجة (1874) . وفي الزوائد: إسناده صحيح.
(6) البخاري. الفتح 12 (6783) ، ومسلم (1687) .
(7) الغرّ: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرّا نسبة له، إلى سلامة الصدر، وحسن الباطن والظن في الناس، فكأنه لم يجرب بواطن الأمور.
(8) الخبّ: الخدّاع المكار الخبيث.
(9) الترمذي (1964) ، وأبو داود (4790) ، وحسنه الألباني (1599) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن.(10/4784)
عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سأل النّاس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش أو كدوح» قيل: يا رسول الله؛ وما يغنيه؟
قال: «خمسون درهما أو قيمتها من الذّهب» ) * «1» .
7-* (عن مرداس الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يذهب الصّالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حفالة كحفالة الشّعير أو التّمر لا يباليهم الله بالة» ) * «2» .
8-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» ، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن» ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (صغر الهمة)
1-* (سمع عمر- رضي الله عنه- سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عشّ الرّجل فعشّاه، ثمّ سمعه ثانيا يسأل فقال: ألم أقل لك عشّ الرّجل، قال: قد عشّيته. فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا، فقال: لست سائلا ولكنّك تاجر، ثمّ أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصّدقة، وضربه بالدّرّة، وقال: لا تعد) * «4» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه سمع يوم عرفة رجلا يسأل النّاس، فقال: أفي هذا اليوم، وفي هذا المكان تسأل من غير الله؟ فخفقه بالدّرّة) * «5» .
3-* (قال شقيق بن إبراهيم بن الأزديّ، البلخيّ: أغلق باب التّوفيق عن الخلق من ستّة أشياء:
اشتغالهم بالنّعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذّنب وتأخير التّوبة، والاغترار بصحبة الصّالحين، وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدّنيا عنهم وهم يبتغونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت: وأصل ذلك عدم الرّغبة والرّهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النّفس ودناءتها واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. وإلّا فلو كانت النّفس شريفة كبيرة لم ترض
__________
(1) الترمذي (650) ، وقال: حديث حسن، أبو داود (1626) ، النسائي (5/ 97) ، وابن ماجة (1841) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6434) .
(3) أبو داود (4297) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3610) : صحيح وهو في المشكاة (5369) ، وأحمد وسنده قوي.
(4) إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي (4/ 211) .
(5) جامع الأصول لابن الأثير (10/ 161) .(10/4785)
بالدّون. فأصل الخير كلّه بتوفيق الله ومشيئته وشرف النّفس ونبلها وكبرها. وأصل الشّرّ خسّتها ودناءتها وصغرها، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) ، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة الله، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي الله. فالنّفوس الشّريفة لا ترضى من الأشياء إلّا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنّفوس الدّنيئة تحوم حول الدّناءات وتقع عليها كما يقع الذّباب على الأقذار. فالنّفس الشّريفة العليّة لا ترضى بالظّلم ولا بالفواحش ولا بالسّرقة والخيانة لأنّها أكبر من ذلك وأجلّ. والنّفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضّدّ من ذلك. فكلّ نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ (الإسراء/ 84) ، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته الّتي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكلّ إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته الّتي ألفها وجبل عليها، فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النّعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبّته والثّناء عليه والتّودّد إليه والحياء منه، والمراقبة له، وتعظيمه وإجلاله) * «1» .
من مضار (صغر الهمة)
انظر مضار صفة «الكسل»
__________
(1) الفوائد لابن القيم (312- 313) .(10/4786)
[حرف الضاد]
الضعف
الضعف لغة:
مصدر قولهم: ضعف يضعف، وهو مأخوذ من مادّة (ض ع ف) الّتي تدلّ على خلاف القوّة، يقال منه: ضعف فهو ضعيف، والضّعف بفتح الضّاد لغة تميم، وبضمّها لغة قريش، ولذلك قال بعضهم: الضّعف والضّعف والضّعف خلاف القوّة، وقيل:
الضّعف- بالضمّ- في الجسد، والضّعف- بالفتح- في الرّأي والعقل، وقيل: هما معا جائزان في كلّ وجه، عن ابن الأعرابيّ وأنشد:
ومن يلق خيرا يغمز الدّهر عظمه ... على ضعف من حاله وفتور
فهذا في الجسم، وأنشد في الرّأي والعقل:
ولا أشارك في رأي أخا ضعف ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
وقد ضعف يضعف ضعفا وضعفا. وضعف، فهو ضعيف، والجمع ضعفاء وضعفى وضعاف.
ونسوة ضعيفات وضعائف وضعاف، قال:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
24/ 8/-
لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي؛ إنّهنّ من الضّعاف
والضّعفة: ضعف الفؤاد وقلّة الفطنة. ورجل مضعوف ومبهوت إذا كان في عقله ضعف «1» .
وأضعف الرّجل: ضعفت دابّته. يقال هو ضعيف مضعف: فالضّعيف في بدنه والمضعف في دابّته، وضعّفه السّير، أي أضعفه، والتّضعيف أيضا أن تنسبه إلى الضّعف، وأضعفه، وضعّفه صيّره ضعيفا، واستضعفه وتضعّفه وجده ضعيفا فركبه بسوء.
وفي إسلام أبي ذرّ: «فتضعّفت رجلا» أي استضعفته، وفي الحديث: «أهل الجنّة كلّ ضعيف متضعّف» : يقال: تضعّفته، واستضعفته بمعنى للّذي يتضعّفه النّاس، ويتجبّرون عليه في الدّنيا للفقر ورثاثة الحال. ورجل مضعوف ومبهوت، إذا كان في عقله ضعف، وشعر ضعيف: عليل «2» .
الضعف اصطلاحا:
الضّعف وهن القوّة حسّا أو معنى، وقيل:
__________
(1) لسان العرب (9/ 203، 204) ط. بيروت، مقاييس اللغة (3/ 362) ، والصحاح (4/ 1390) ، والمصباح المنير (1/ 137) .
(2) لهذه المادة معنى آخر هو أن يزاد الشيء مثله، ومن هذا الأصل قيل أضعفت الشيء إضعافا وضعفته تضعيفا، وضاعفته مضاعفة، وهو أن يزاد على أصل الشيء فيجعل مثلين أو أكثر، انظر المقاييس (3/ 362) .(10/4787)
خلاف القوّة ويكون في النّفس وفي البدن وفي الحال «1» .
وقيل: الضّعف ضدّ القوّة في العقل والرّأي، وبالضّمّ في الجسم وبالكسر بمعنى المثل «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- الجبن- القنوط- الكسل- الوهن- اليأس- التهاون- صغر الهمة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: القوة- قوة الإرادة- علو الهمة- النشاط- مجاهدة النفس- جهاد الأعداء- الصبر والمصابرة- العزم والعزيمة] .
__________
(1) التوقيف على مهمات التعاريف (223) ، وانظر كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 887) .
(2) الكليات للكفوي (575) .(10/4788)
الآيات الواردة في «الضعف»
الضعف في سياق حماية حق الضعيف:
1- أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «2»
3- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) «3»
4- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «4»
5- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) «5»
__________
(1) البقرة: 266 مدنية
(2) البقرة: 282 مدنية
(3) النساء: 9 مدنية
(4) النساء: 127 مدنية
(5) الأعراف: 75 مكية(10/4789)
الضعف في سياق التلاوم أو العتاب:
6- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «1»
7- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «2»
8- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) «3»
9- وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «4»
الضعف في سياق الرحمة والترقيق:
10- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «5»
__________
(1) الأعراف: 150 مكية
(2) إبراهيم: 19- 21 مكية
(3) سبأ: 31- 33 مكية
(4) غافر: 47- 48 مكية
(5) النساء: 75- 76 مدنية(10/4790)
11- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «1»
12- الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «2»
13- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «3»
الضعف في سياق الاحتقار والإقالة منه:
14- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) «4»
15- قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) «5»
الضعف سمة المخلوقين والشركاء:
16- يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) «6»
17- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) «7»
18- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) «8»
19-* اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) «9»
الضعف سمة الكيد الشيطاني:
20- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «10»
__________
(1) الأنفال: 26 مدنية
(2) الأنفال: 66 مدنية
(3) التوبة: 91 مدنية
(4) النساء: 97- 98 مدنية
(5) هود: 91 مكية
(6) النساء: 28 مدنية
(7) مريم: 75 مكية
(8) الحج: 73 مدنية
(9) الروم: 54 مكية
(10) النساء: 76 مدنية(10/4791)
المؤمن لا يضعف أمام المصائب:
21- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) «1»
استضعاف الخلق من سمة الكفار والجبابرة:
22- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «2»
23- إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) «3»
عاقبة المستضعفين:
24- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «4»
__________
(1) آل عمران: 146 مدنية
(2) الأعراف: 150 مكية
(3) القصص: 4- 5 مكية
(4) الأعراف: 137 مكية(10/4792)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الضعف)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التمسوها في العشر الأواخر (يعني ليلة القدر) فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنّ على السّبع البواقي» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء «2» فقال لقومه:
لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة «3» وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن بها «4» ، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا آخر اشترى غنما أو خلفات «5» وهو ينتظر ولادها.
فغزا. فدنا من القرية «6» صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشّمس: إنّك مأمورة وأنا مأمور، اللهمّ احبسها علينا «7» فحبست حتّى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم، فجاءت- يعني النّار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إنّ فيكم غلولا «8» ، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس بقرة من الذّهب فوضعوها، فجاءت النّار فأكلتها. ثمّ أحلّ الله لنا الغنائم. رأى ضعفنا وعجزنا فأحلّها لنا» ) * «9» .
3-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قلت يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا» قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا، أو تصنع لأخرق» قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) * «10» .
4-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ) * «11» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ «12» خير وأحبّ
__________
(1) مسلم (1165) .
(2) قال ابن حجر: هذا النبي هو يوشع بن نون كما رواه الحاكم.
(3) بضع المرأة: يطلق على الفرج والتزوج والجماع.
(4) ولما يبن بها: أي لم يدخل بها.
(5) أو خلفات: جمع خلفة وهي الحامل من النوق.
(6) فدنا من القرية: قال ابن حجر هي أريحا.
(7) احبسها علينا: قيل: وقفت الشمس، وقيل: بطئت حركتها.
(8) الغلول: أي السرقة من الغنيمة.
(9) البخاري الفتح 6 (3124) واللفظ له، ومسلم (1747) .
(10) مسلم (84) .
(11) مسلم (49) .
(12) المؤمن القوي خير: المراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والعزيمة في أمور الآخرة. فيكون صاحب هذا الوصف أشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والصبر على الأذى في ذلك وأرغب في الصلاة والصوم وسائر العبادات ونحو ذلك.(10/4793)
إلى الله من المؤمن الضّعيف وفي كلّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل. فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الضعف) معنى
6-* (عن طاوس أنّه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولون: كلّ شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ شيء بقدر. حتّى العجز والكيس «2» . أو الكيس والعجز» ) * «3» .
7-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكيّس من دان نفسه «4» وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتّبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ) * «5» .
8-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها. وزكّها «6» أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع «7» ، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «8» .
من مضار (الضعف)
(1) يورث الذّلّ والهوان على الله ثمّ على النّاس.
(2) دليل على ضعف الإيمان وقلّة اليقين.
(3) طريق يؤدّي إلى تفكّك المجتمعات وتفريق الجماعات.
(4) مظهر من مظاهر سوء الخلق.
__________
(1) مسلم (2664) .
(2) الكيس: ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور.
(3) مسلم (2655) .
(4) دان نفسه: أي حاسبها في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة.
(5) الترمذي (2459) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجة (4260) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 308) ولفظه موافق لما رواه الترمذى وقال: حديث حسن.
(6) وزكها: أي طهرها.
(7) ومن نفس لا تشبع: معناه استعاذة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالآمال البعيدة.
(8) مسلم (2722) .(10/4794)
الضلال
الضلال لغة:
مصدر قولهم: ضلّ يضلّ، وهو مأخوذ من مادّة (ض ل ل) الّتي تدلّ على ضياع الشّيء وذهابه في غير حقّه، وكلّ جائر عن القصد ضالّ، ورجل ضلّيل ومضلّل، إذا كان صاحب ضلال وباطل، تقول:
أضللت بعيري: إذا ذهب منك، وضللت المسجد والدّار، إذا لم تهتد إليهما، وكذلك كلّ شيء مقيم، لا يهتدى إليه، وقال الرّاغب: الضّلال: العدول عن الطّريق المستقيم، ويضادّه الهداية، ويقال الضّلال (أيضا) لكلّ عدول عن المنهج عمدا كان أو سهوا يسيرا كان أو كثيرا، ولكونه كذلك صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال ممّن يكون منه خطأ ما، ولذلك نسب إلى الأنبياء وإلى الكفّار، وإن كان بين الضّلالين بون بعيد، ولذلك قال تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (الضحى/ 7) أي غير مهتد لما يساق إليك من النّبوّة، وقال في يعقوب- عليه السّلام- إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف/ 8) إشارة إلى شغفه بيوسف- عليه السّلام- وقال عن موسى- عليه الصّلاة والسّلام- قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (الشعراء/ 20) تنبيه أنّ ذلك منه سهو.
وقال الجوهريّ: يقال: ضلّ الشّيء يضلّ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
151/ 34/ 10
ضلالا، أي ضاع وهلك، والاسم: الضّل (بالضّمّ) ، والضّالّة: ما ضلّ من البهيمة، للذّكر والأنثى ورجل ضلّيل ومضلّل، أي ضالّ جدّا، وهو الكثير التّتبّع للضّلال، وأضلّه: أضاعه وأهلكه، وضللت المسجد والدّار: إذا لم تعرف موضعهما، وكذلك كلّ شيء مقيم لا يهتدى له، ويقال: أضلّه الله فضلّ (أي أنّ ضلّ تستعمل مطاوعة لأضلّ) ، ويقال إنّك لتهدي الضّالّ ولا تهدي المتضالّ، وتضليل الرّجل، أن تنسبه إلى الضّلال، والضّلال: الهلاك في قوله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (القمر/ 47) والضّلال البعيد: إشارة إلى ما هو كفر كقوله وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (النساء/ 116) ، وقال ابن منظور: الضّلال والضّلالة: ضدّ الهدى والرّشاد، أي جار عن دين أو حقّ أو طريق.
ضللت تضلّ، هذه اللّغة الفصيحة، وضللت تضلّ ضلالا وضلالة. وبنو تميم يقولون: ضللت أضلّ، فهو من باب ضرب وعلم، وقد قرأ بهما جميعا قوله- عزّ وجلّ:- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي (سبأ/ 50) .
وأهل العالية يقولون: ضللت بالكسر، أضلّ وهو ضالّ تالّ، وهي الضّلالة والتّلالة. وأضلّه: جعله(10/4795)
ضالّا. والإضلال في كلام العرب ضدّ الهداية والإرشاد. يقال: أضللت فلانا إذا وجّهته للضّلال عن الطّريق، وإيّاه أراد لبيد:
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال، ومن شاء أضل
قال لبيد هذا في جاهليّته فوافق قوله التّنزيل العزيز: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ (النحل/ 93) .
وضلّ سعيه: عمل عملا لم يعد عليه نفعه، ضلّله تضليلا وتضلالا: صيّره إلى الضّلال ونسبه إليه، وتضالّ تضالّا، ادّعى الضّلال، وضلول: كضالّ «1» .
الضلال اصطلاحا:
قال الرّاغب: الضّلال: هو العدول عن الطّريق المستقيم «2» .
وقال الجرجانيّ والمناويّ: الضّلال فقد ما يوصّل إلى المطلوب، وقيل سلوك طريق لا يوصّل إلى المطلوب «3» .
وقال الفيروزاباديّ: الضّلال: هو عدول عن المنهج (منهج الله) ، عمدا كان أو سهوا قليلا كان أو كثيرا «4» .
الفرق بين الضلال والغي:
قال الكفويّ: الضّلال يكون في مقابلة الهدى والغيّ في مقابلة الرّشد. والضّلال: ألّا يجد السّالك إلى مقصده طريقا أصلا، والغواية: ألّا يكون له إلى المقصد طريق مستقيم «5» .
أنواع الإضلال:
الإضلال ضربان: أحدهما أن يكون سببه الضّلال كقولك: أضللت البعير؛ أي ضلّ عنّي. وإمّا أن يحكم بضلاله.
والضّرب الثّاني: أن يكون الإضلال سببا للضّلال. وهو أن يزيّن للإنسان الباطل ليضلّ، كقوله تعالى: لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
(النساء/ 113) أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تضلّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضلال أنفسهم.
وإضلال الله تعالى للإنسان على وجهين:
أحدهما: أن يكون سببه الضّلال وهو أن يضلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدّنيا، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى النّار في الآخرة، وذلك الإضلال هو حقّ وعدل، فإنّ الحكم على الضّالّ بضلاله، والعدول به عن طريق الجنّة إلى النّار حقّ وعدل.
والثّاني من إضلال الله: هو أنّ الله تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة، إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه، وتعسّر عليه صرفه وانصرافه
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 356) ، المفردات (299) ، والصحاح (5/ 1748) .
(2) لسان العرب (11/ 390- 396)
(3) المفردات (297) .
(4) التعريفات (138) ، والتوقيف (223) .
(5) بصائر ذوي التمييز (3/ 481) وما بين القوسين في التعريف من إضافتنا.(10/4796)
عنه. ويصير ذلك كالطّبع الّذي يأبى على النّاقل، ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعل إلهيّ. وإذا كان كذلك، يصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه، فيقال: أضلّه الله، لا على الوجه الّذي يتصوّره الجهلة. ولذا قلنا جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ (التوبة/ 115) ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (محمد/ 4) وقال في الكافرين: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (محمد/ 8) ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (البقرة/ 26) «1» .
من معاني كلمة «الضلال» في القرآن الكريم:
1- الغواية: ومنه قوله تعالى في (يس) : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً (آية/ 60) .
2- الخسران: ومنه قوله تعالى في (سورة غافر) :
وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (آية/ 25) .
3- الشّقاء: ومنه قوله تعالى في (سورة القمر) :
إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (آية/ 24) .
4- البطلان: ومنه قوله تعالى في (سورة محمّد) : فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (آية/ 4) .
5- الخطأ: ومنه قوله تعالى في (سورة: القلم) :
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (آية/ 25، 26) .
6- الهلاك (الموت) : ومنه قوله تعالى في (سورة السّجدة) : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ (آية/ 10) .
7- النّسيان: ومنه قوله تعالى في (سورة البقرة) : أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (آية/ 282) .
8- الجهل: ومنه قوله تعالى في (سورة الشّعراء) :
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (آية/ 20) .
9- الضّلال الّذي هو ضدّ الهدى: ومنه قوله تعالى:
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (الصافات/ 71) .
وإذا كان الضّلال ترك الطّريق المستقيم عمدا كان أو سهوا قليلا كان أو كثيرا، صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال فيمن يكون منه خطأ ما «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- شرب الخمر- الشك- الفجور- الفسق- الكفر- اتباع الهوى- التفريط والإفراط- الابتداع- انتهاك الحرمات.
وفي ضد ذلك: الإيمان- الاستقامة- الهدى- الطاعة- الإسلام- الفرار إلى الله- الاتباع- تعظيم الحرمات] .
__________
(1) الكليات (576) .
(2) بصائر ذوي التمييز: (3/ 481- 485) .(10/4797)
الآيات الواردة في «الضلال»
الضلال بمعنى الغواية:
1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) «1»
2- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77) «2»
3-* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) «3»
4- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) «4»
5- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) «5»
6- قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ
__________
(1) المائدة: 59- 60 مدنية
(2) المائدة: 77 مدنية
(3) الأنعام: 74- 79 مدنية
(4) الأنعام: 116- 119 مكية
(5) الأنعام: 125 مكية(10/4798)
لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) «1»
7- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «2»
8- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) «3»
9- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (75) «4»
10- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79) «5»
11-* وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83)
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) «6»
12- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) «7»
13- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) «8»
14- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
__________
(1) الأعراف: 38 مكية
(2) إبراهيم: 35- 36 مكية
(3) النحل: 24- 25 مكية
(4) مريم: 75 مكية
(5) طه: 77- 79 مكية
(6) طه: 83- 85 مكية
(7) طه: 90- 94 مكية
(8) الحج: 8- 9 مدنية(10/4799)
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً
(19) «1»
15- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «2»
16- وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «3»
17- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) «4»
18- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) «5»
19- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «6»
20-* أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) «7»
__________
(1) الفرقان: 17- 19 مكية
(2) الفرقان: 27- 29 مكية
(3) الفرقان: 41- 44 مكية
(4) القصص: 15 مكية
(5) القصص: 85 مكية
(6) لقمان: 6- 7 مكية
(7) يس: 60- 62 مكية(10/4800)
21- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «1»
22- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «2»
23-* وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «3»
24- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) «4»
25- أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) «5»
26- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «6»
27- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «7»
28- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) «8»
__________
(1) الصافات: 62- 73 مكية
(2) ص: 26 مكية
(3) الزمر: 8 مكية
(4) فصّلت: 29 مكية
(5) الزخرف: 40 مكية
(6) الجاثية: 23 مكية
(7) النجم: 27- 30 مكية
(8) القلم: 7 مكية(10/4801)
29- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا (24) مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (25) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «1»
الضلال بمعنى الخسران:
30- وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) «2»
31- وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «3»
32- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) «4»
33- أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
__________
(1) نوح: 21- 28 مكية
(2) الرعد: 13- 14 مكية
(3) الحجر: 51- 56 مكية
(4) الإسراء: 71- 73 مكية(10/4802)
إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «1»
34- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23)
إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «2»
35- وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) «3»
36- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31)
وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «4»
37- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3)
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) «5»
الضلال بمعنى الشقاء:
38- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «6»
39- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88)
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) «7»
__________
(1) الزمر: 22- 23 مكية
(2) غافر: 23- 25 مكية
(3) غافر: 49- 50 مكية
(4) الأحقاف: 31- 32 مكية
(5) الفيل: 1- 5 مكية
(6) الأعراف: 29- 30 مكية
(7) يونس: 88- 89 مكية(10/4803)
40- الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «1»
41- مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) «2»
42- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37) «3»
43- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
* ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) «4»
44- ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) «5»
45- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4) «6»
46- الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) «7»
47- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48)
__________
(1) إبراهيم: 3- 4 مكية
(2) إبراهيم: 18 مكية
(3) النحل: 36- 37 مكية
(4) الكهف: 50- 51 مكية
(5) مريم: 35- 38 مكية
(6) الحج: 3- 4 مدنية
(7) الفرقان: 34 مكية(10/4804)
قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «1»
48- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) «2»
49- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) «3»
50- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41)
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) «4»
51- وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «5»
الضلال بمعنى البطلان:
52- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) «6»
53- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً
__________
(1) القصص: 48- 50 مكية
(2) لقمان: 10- 11 مكية
(3) سبأ: 7- 8 مكية
(4) الواقعة: 41- 56 مكية
(5) الواقعة: 92- 96 مكية
(6) محمد: 1 مدنية(10/4805)
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «1»
54- وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) «2»
الضلال بمعنى الخطأ:
55- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108) «3»
56- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) «4»
57- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) «5»
58- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) «6»
59- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53) «7»
60- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) «8»
__________
(1) محمد: 4 مدنية
(2) محمد: 8- 9 مدنية
(3) البقرة: 107- 108 مدنية
(4) النساء: 44 مدنية
(5) النساء: 176 مدنية
(6) الأعراف: 37- 38 مكية
(7) الأعراف: 53 مكية
(8) الأعراف: 148- 149 مكية(10/4806)
61- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) «1»
62- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) «2»
63-* لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) «3»
64-* وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «4»
65- وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95) «5»
66- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) «6»
67- انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) «7»
68- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) «8»
69- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) «9»
70- قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49)
__________
(1) يونس: 30- 32 مكية
(2) هود: 19- 21 مكية
(3) يوسف: 7- 9 مكية
(4) يوسف: 30 مكية
(5) يوسف: 94- 95 مكية
(6) النحل: 86- 87 مكية
(7) الإسراء: 48 مكية
(8) الإسراء: 67 مكية
(9) الكهف: 103- 104 مكية(10/4807)
قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) «1»
71- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75) «2»
72-* قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «3»
73- ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «4»
74-* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) «5»
75- وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) «6»
76- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
__________
(1) طه: 49- 52 مكية
(2) القصص: 74- 75 مكية
(3) سبأ: 24- 26 مكية
(4) غافر: 73- 74 مكية
(5) فصّلت: 47- 48 مكية
(6) الأحقاف: 27- 28 مكية(10/4808)
قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28)
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (33) «1»
77- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) «2»
الضلال بمعنى الهلاك:
78- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) «3»
79- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167) «4»
80- وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما
كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
(94) «5»
81- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «6»
82- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «7»
83- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) «8»
__________
(1) القلم: 17- 33 مكية
(2) المطففين: 29- 34 مكية
(3) آل عمران: 90 مدنية
(4) النساء: 167 مدنية
(5) الأنعام: 94 مكية
(6) الأعراف: 155 مكية
(7) التوبة: 37 مدنية
(8) إبراهيم: 27- 30 مكية(10/4809)
84- وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122)
قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «1»
85- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) «2»
86- وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) «3»
87- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) «4»
88- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «5»
89- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) «6»
90- أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) «7»
__________
(1) طه: 115- 123 مكية
(2) الحج: 11- 13 مدنية
(3) السجدة: 10 مكية
(4) فصّلت: 52 مكية
(5) الشورى: 17- 18 مكية
(6) القمر: 23- 24 مكية
(7) القمر: 44- 48 مكية(10/4810)
الضلال بمعنى النسيان:
91- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(282) «1»
92- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «2»
الضلال بمعنى الجهل:
93- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «3»
94-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «4»
95- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) «5»
__________
(1) البقرة: 282 مدنية
(2) الأنعام: 22- 24 مكية
(3) آل عمران: 164 مدنية
(4) المائدة: 12 مدنية
(5) المائدة: 105 مدنية(10/4811)
96- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «1»
97- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «2»
98-* وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (52)
قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53)
قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) «3»
99- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101)
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104)
أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107)
قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108)
إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4»
100- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7)
أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ
__________
(1) الأعراف: 59- 62 مكية
(2) النحل: 125 مكية
(3) الأنبياء: 51- 56 مكية
(4) المؤمنون: 101- 111 مكية(10/4812)
إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «1»
101- فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (16)
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (17) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) «2»
102- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70)
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71)
قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)
أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)
رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) «3»
103- وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) «4»
104- إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)
__________
(1) الفرقان: 7- 9 مكية
(2) الشعراء: 16- 21 مكية
(3) الشعراء: 69- 86 مكية
(4) الشعراء: 91- 101 مكية(10/4813)
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «1»
105- فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) «2»
106- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) «3»
107- وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) «4»
108- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «5»
109- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «6»
110- وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) «7»
111- وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) * قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) «8»
__________
(1) النمل: 80- 81 مكية
(2) الروم: 52- 53 مكية
(3) الأحزاب: 36 مدنية
(4) الأحزاب: 67- 68 مدنية
(5) يس: 20- 27 مكية
(6) يس: 47 مكية
(7) الأحقاف: 5 مكية
(8) ق: 20- 29 مكية(10/4814)
112- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1)
ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «1»
113 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «2»
114- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «3»
115- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) «4»
116- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30) «5»
الضلال المقابل للهدى:
117- أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7)
وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) «6»
118- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «7»
__________
(1) النجم: 1- 4 مكية
(2) الممتحنة: 1 مدنية
(3) الجمعة: 1- 2 مدنية
(4) الملك: 6- 9 مكية
(5) الملك: 28- 30 مكية
(6) الضحى: 6- 11 مكية
(7) الفاتحة:: 1- 7 مكية(10/4815)
119- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) «1»
120-* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «2»
121- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174)
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) «3»
122- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «4»
123- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)
وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (69) «5»
124- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «6»
__________
(1) البقرة: 8- 16 مدنية
(2) البقرة: 26 مدنية
(3) البقرة: 174- 175 مدنية
(4) البقرة: 198 مدنية
(5) آل عمران: 68- 69 مدنية
(6) النساء: 60 مدنية(10/4816)
125-* فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) «1»
126- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(113) «2»
127- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120) «3»
128- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) «4»
129- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) «5»
130- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) «6»
131- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) «7»
132- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140)
__________
(1) النساء: 88 مدنية
(2) النساء: 113 مدنية
(3) النساء: 116- 120 مدنية
(4) النساء: 136 مدنية
(5) النساء: 142- 143 مدنية
(6) الأنعام: 39 مكية
(7) الأنعام: 56 مكية(10/4817)
* وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)
وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143)
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «1»
133- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178)
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «2»
134- مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) «3»
135- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) «4»
136- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) «5»
137- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «6»
__________
(1) الأنعام: 140- 144 مكية
(2) الأعراف: 178- 179 مكية
(3) الأعراف: 186 مكية
(4) التوبة: 115 مدنية
(5) يونس: 107- 108 مكية
(6) الرعد: 27 مكية(10/4818)
138- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «1»
139- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) «2»
140- وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13)
اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) «3»
141- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) «4»
142-* وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) «5»
143- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «6»
144- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
__________
(1) الرعد: 33 مكية
(2) النحل: 93 مكية
(3) الإسراء: 13- 15 مكية
(4) الإسراء: 97 مكية
(5) الكهف: 17 مكية
(6) النمل: 90- 93 مكية(10/4819)
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) «1»
145- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) «2»
146- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «3»
147- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «4»
148- إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
149- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) «5»
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) «6»
150- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «7»
151- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «8»
__________
(1) الروم: 26- 29 مكية
(2) سبأ: 50 مكية
(3) فاطر: 8 مكية
(4) الزمر: 36- 37 مكية
(5) الزمر: 41 مكية
(6) غافر: 30- 34 مكية
(7) الشورى: 44- 46 مكية
(8) المدثر: 31 مكية(10/4820)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الضلال)
1-* (عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممّن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة/ 92) فسلّمنا، وقلنا: أتيناك، زائرين، وعائدين، ومقتبسين. فقال العرباض: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا؟، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين، الرّاشدين، تمسّكو بها وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثّلاثين ومائة من سورة الأنعام: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ- إلى قوله: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (الأنعام/ 140) » ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وعن ربعيّ بن حراش، عن حذيفة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا. فكان لليهود يوم السّبت. وكان للنّصارى يوم الأحد. فجاء الله بنا. فهدانا الله ليوم الجمعة.
فجعل الجمعة والسّبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدّنيا. والأوّلون يوم القيامة. المقضيّ لهم قبل الخلائق» ) * «3» .
وفي رواية واصل: «المقضيّ بينهم» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت.
وبك آمنت. وعليك توكّلت. وإليك أنبت. وبك خاصمت، اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك- لا إله إلّا أنت- أن تضلّني. أنت الحيّ الّذي لا يموت. والجنّ والإنس يموتون» ) * «4» .
5-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: أمرني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن آتيه بطبق يكتب فيه مالا تضلّ أمّته من بعده. قال: فخشيت أن تفوتني نفسه «5» ، قال: قلت: إنّي أحفظ وأعي، قال: «أوصي بالصّلاة والزّكاة وما ملكت أيمانكم» ) * «6» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص-
__________
(1) أبو داود (4/ 200) رقم (4607) واللفظ له، ابن ماجة مقدمة (43) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 871) ح 3851: صحيح. الترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح.
(2) البخاري- الفتح 6 (3524) .
(3) مسلم (856) .
(4) مسلم 4 (2717) واللفظ له، والبخاري بعضه 13 (7383) .
(5) لا تفوتني نفسه: أي لا يفوتني خروج روحه عند احتضاره.
(6) أحمد (1/ 90) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 84) : إسناده حسن برقم (693) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 63) : رواه أبو داود باختصار، ورواه أحمد وفي نعيم بن يزيد ولم يرو عنه غير عمر بن الفضل.(10/4821)
رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النّور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ فلذلك أقول: جفّ القلم على علم الله» ) * «1» .
7-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى لي الأرض أو قال- إنّ ربّي زوى «2» لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتى سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «3» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتى أن لا يهلكها بسنة بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم «4» وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال بأقطارها-، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتى الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين- لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ- قال ابن عيسى:
«ظاهرين» ثمّ اتّفقا- لا يضرّهم من خالفهم حتّي يأتي أمر الله» ) * «5» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رءوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» ) * «6» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «7» .
10-* (عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح حنينا قسم الغنائم. فأعطى المؤلّفة قلوبهم. فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطبهم. فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلّالا، فهداكم الله بي؟ وعالة «8» فأغناكم الله بي؟
__________
(1) أخرجه الترمذي (5/ 2642) وقال: هذا حديث حسن، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 193) وقال: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات. ورواه البزار والطبراني وابن حبان.
(2) زوى: أي جمع.
(3) الكنزين الأحمر والأبيض: الذهب والفضة.
(4) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم.
(5) مسلم (2889) ، الترمذي (2176) وقال: هذا حديث حسن صحيح، أبو داود (4252) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 801) : صحيح.
(6) البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له ومسلم 4 (2673) .
(7) مسلم (2674) .
(8) عالة: أي فقراء.(10/4822)
ومتفرّقين «1» فجمعكم الله بي؟» ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: «ألا تجيبوني؟» فقالوا: الله ورسوله أمنّ.
فقال: «أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا. وكان من الأمر كذا وكذا» لأشياء عدّدها- زعم عمرو أن لا يحفظها- فقال: «ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء «2» والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟
الأنصار شعار «3» والنّاس دثار «4» . ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. ولو سلك النّاس واديا وشعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم. إنّكم ستلقون بعدي أثرة. فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «5» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ضمادا قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة وكان يرقي «6» من هذه الرّيح «7» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون، فقال: لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ. قال: فلقيه. فقال: يا محمّد! إنّي أرقي من هذه الرّيح، وإنّ الله يشفي على يديّ من شاء، فهل لك «8» ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» . قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات. قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر «9» . قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وعلى قومك» قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه، فقال صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردّوها. فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «10» .
12-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ نفرا كانوا جلوسا بباب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال بعضهم ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج كأنّما فقىء في وجهه حبّ الرّمّان، فقال: «بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنّما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنّكم لستم ممّا ههنا في شيء، انظروا الّذي أمرتم به فاعملوا به، والّذي نهيتم عنه فانتهوا» ) * «11» .
__________
(1) متفرقين: يعني متدابرين، يعادي بعضكم بعضا.
(2) بالشاء: هو جمع شاة، وهي الغنم.
(3) شعار: الثوب الذي يلي الجسد.
(4) دثار: ما فوق الشعار (ومعنى الحديث الأنصار هم البطانة والخاصة والأحفياء وألصق الناس به من سائر الناس.
(5) البخاري- الفتح 7 (4330) ، ومسلم 2 (1061) واللفظ له.
(6) يرقي: من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة.
(7) من هذه الريح: المراد بالريح، هنا، الجنون ومس الجن.
(8) فهل لك: أي فهل لك رغبة في رقيتي، وهل تميل إليها.
(9) ناعوس البحر: ضبط بوجهين: أشهرهما ناعوس. والثاني قاموس. وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم. وقال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها ناعوس. قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه. وقال ابن دريد: لجته. وقال صاحب كتاب العين: قعره الأقصى.
(10) مسلم (868) .
(11) الترمذي (2133) ، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات وابن ماجة (85) ،، وأحمد (2/ 192) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 73) ح 6845: إسناده صحيح.(10/4823)
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سرقت، فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجترىء عليه إلّا أسامة حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«أتشفع في حدّ من حدود الله؟» ثمّ قام فخطب فقال:
«يأيّها النّاس إنّما ضلّ من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ. وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» ) * «1» .
14-* (عن عمير بن سعد- وكان عمر ولّاه حمص- قال: قال عمر لكعب إنّي سائلك عن أمر فلا تكتمني. قال: والله ما أكتمك شيئا أعلمه. قال: ما أخوف ما تخاف على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أئمّة مضلّين. قال عمر: صدقت قد أسرّ إليّ وأعلمنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
15-* (عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق «3» ) . قال لقيط: خرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب، فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف من صلاة الغداة «4» ، فقال: «أيّها النّاس، إنّي خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، لأسمعكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا ثمّ لعلّه يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال، ألا إنّي مسئول: هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا. ألا اجلسوا» . قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، «5» قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك- لعمر الله- وهزّ رأسه، وعلم أنّي أبتغي لسقطه. فقال: «ضنّ ربّك- عزّ وجلّ- بمفاتيح الخمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله» وأشار بيده- قلت: وما هي؟ قال: «علم المنيّة، وقد علم متى منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم ما في غد، أنت طاعم ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم آزلين مشفقين فيظلّ يضحك قد علم أنّ غيركم إلى قريب» قال لقيط: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا، وعلم يوم السّاعة، قلت: يا رسول الله، علّمنا ممّا تعلّم النّاس، فإنّا من قوم لا يصدّقون تصديقنا أحد من مذحج الّتي تربو علينا، وخثعم الّتي توالينا، وعشيرتنا الّتي نحن منها. قال: «تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تلبثون ما لبثتم، ثمّ تبعث الصّائحة- لعمر إلهك- ما تدع على ظهرها من شيء إلّا مات، والملائكة الّذين مع ربّك- عزّ وجلّ- وأصبح ربّك- عزّ وجلّ- يطيف في الأرض وخلت عليه البلاد، فأرسل ربّك- عزّ وجلّ- السماء بهضب «6» من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6788) واللفظ له، ومسلم (1688) .
(2) الهيثمي (5/ 239) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.
(3) في الأصل ليست منقوطة، وهو مشهور.
(4) زاد في نسخة: «فقام في الغداة خطيبا» .
(5) في النسخ: وحصره. وفي هامش احداها «صوابه بصره. المصنف» .
(6) أي بمطر، وفي الأصل (تهضب) والتصويب من النهاية.(10/4824)
ميّت إلّا شقّت القبر عنه حتّى تخلفه من عند رأسه فيستوي جالسا، يقول ربّك: مهيم؟ لما كان فيه.
يقول: يا ربّ، أمس. اليوم. لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله» فقلت: يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تمزّقنا الرّياح والبلى والسّباع؟ قال: «أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله، والأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية، فقلت: لا تحيا أبدا. ثمّ أرسل ربّك- عزّ وجلّ- السّماء، فلم تلبث عليك إلّا أيّاما حتّى أشرفت عليها وهي شربة واحدة، ولعمر إلهك لهو قادر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأضواء، ومن مصارعكم، فتنظرون الله، وينظر إليكم» قال: قلت: يا رسول الله، فكيف ونحن ملء الأرض، وهو شخص واحد ننظر إليه، قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم، لا تضارّون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وتروه منهما، أن تروهما ويرياكم، لا تضارّون في رؤيتهما» ، قلت: يا رسول الله، فما يفعل بنا ربّنا- عزّ وجلّ- إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه بادية صحائفكم، لا تخفى منكم خافية، فيأخذ ربّك- عزّ وجلّ- بيده غرفة من الماء فينضح «1» قبلكم بها، فلعمر إلهك ما يخطىء وجه أحد منكم منها قطرة، فأمّا المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة البيضاء، وأمّا الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود، ألا ثمّ ينصرف نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ويفرّق على أثره الصّالحون، فيسلكون جسرا من النّار، فيطأ أحدكم الجمرة. يقول حسّ، يقول ربّك- عزّ وجلّ- أو أنّه. فيطلعون
على حوض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أظمأ- والله- ناهلة قطّ رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلّا وقع عليها قدح يطهّره من الطّوف والبول والأذى، وتحبس الشّمس والقمر، فلا ترون منهما واحدا» قلت: يا رسول الله، فبم نبصر؟ قال:
«بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك قبل طلوع الشّمس في يوم أشرقته الأرض واجهته الجبال» . قلت: يا رسول الله، فبم نجزى من سيّئاتنا؟ قال: «الحسنة بعشر أمثالها والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يعفو» . قال: قلت:
يا رسول الله، أمّا الجنّة، أمّا النّار. قال: «لعمر إلهك للنّار سبعة أبواب ما منها باب إلّا يسير الرّاكب بينها سبعين عاما» . قلت: يا رسول الله، فعلى ما نطّلع من الجنّة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفّى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن. وبفاكهة. لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهّرة» .
قلت: يا رسول الله، ولنا فيها أزواج، أو منهنّ مصلحات؟ قال: «الصّالحات للصّالحين، تلذّون بهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد» .
قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ قال: قلت: يا رسول الله على ما أبايعك؟ قال:
فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وزيال المشركين، وألّا تشرك بالله غيره» . قال:
قلت: وأنّ لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وبسط أصابعه وظنّ أنّي مشترط شرطا لا يعطينيه، قال: قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني
__________
(1) فينضح: يرش.(10/4825)
على امرىء إلّا نفسه، فبسط يده وقال: «ذلك لك، تحلّ حيث شئت، ولا تجني عليك إلّا نفسك» . قال:
فانصرفنا، وقال: «ها إنّ ذين لعمر إلهك إن حدّثت ألا إنّهم من أتقى النّاس في الأولى والآخرة» . فقال له كعب بن الخداريّة أحد بني كعب بن كلاب: من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك» . قال:
فانصرفنا، وأقبلت عليه، قلت: يا رسول الله، هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليّتهم؟ قال: فقال رجل من عرض قريش. «والله إنّ أباك المنتفق في النّار» . قال:
فلكأنّما وقع حرّ بين جلدي ووجهي ممّا قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله، فإذا الأخرى أجمل. فقلت: يا رسول الله، وأهلك؟
قال: «وأهلي لعمر الله، ما أتيت على قبر عامريّ أو قرشيّ، فقلت: أرسلني إليك محمّد أبشّرك بما يسوءك:
تجرّ على وجهك وبطنك في النّار» . قلت: يا رسول الله، ما فعل بهم ذلك وقد كانوا يحسنون، وكانوا يحسبون أنّهم مصلحون، قال: «ذاك بأنّ الله بعث في آخر كلّ سبع أمم، يعني نبيّا، فمن عصى نبيّه كان من الضّالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» ) * «1» .
16-* (عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم- رضي الله عنهما- قال: دخلنا عليه (أي على زيد) فقلنا له: لقد رأيت خيرا. لقد صاحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّيت خلفه. وساق الحديث بنحو حديث أبي حيّان. غير أنّه قال: «ألا وإنّي تارك فيكم ثقلين:
أحدهما كتاب الله- عزّ وجلّ-. هو حبل الله «2» .
من اتّبعه كان على الهدى. ومن تركه كان على ضلالة» وفيه: فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: «لا. وايم الله! إنّ المرأة تكون مع الرّجل العصر من الدّهر «3» .
ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله، وعصبته الّذين حرموا الصّدقة بعده» ) * «4» .
17-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «الزّمان قد استدار كهيئتة يوم خلق السّماوات والأرض: السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات- ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم- ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان. أيّ شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس ذو الحجّة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟»
__________
(1) رواه أحمد (4/ 13، 14) والهيثمي في المجمع (10/ 338) واللفظ له وقال: رواه عبد الله، والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطا. وهو في الطبراني الكبير (19/ 477) وفي جامع المسانيد والسنن لابن كثير (10/ 649) برقم (8160) وقال تفرد به الإمام أحمد.
(2) حبل الله: المراد بحبل الله عهده، وقيل: السبب الموصل إلى رضاه ورحمته، وقيل: هو نوره الذي يهدي به.
(3) العصر من الدهر: أي القطعة منه.
(4) مسلم (2408) .(10/4826)
قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم- قال محمّد:
وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا.
وستلقون ربّكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فلعلّ بعض من يبلّغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» - فكان محمّد إذا ذكره يقول: صدق محمّد صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ قال: «ألا هل بلّغت» (مرّتين)) * «1» .
18-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: «صبّحكم ومسّاكم» . ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد. فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها.
وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «2» .
19-* (عن عبيد الله بن رفاعة الزّرقيّ قال:
لمّا كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«استووا حتّى أثني على ربّي» فصاروا حلقة صفوفا.
فقال: «اللهمّ لك الحمد كلّه، اللهمّ لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت ولا مضلّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرّب لما باعدت ولا مبعّد لما قرّبت، اللهمّ ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهمّ إنّي أسألك النّعيم المقيم الّذي لا يحول ولا يزول، اللهمّ إنّي أسألك النّعيم يوم الغلبة والأمن يوم الخوف، اللهمّ عائذ بك من شرّ ما أعطيتنا وشرّ ما منعت منّا، اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرّاشدين، اللهمّ توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصّالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهمّ قاتل الكفرة الّذين يكذّبون رسلك ويصدّون عن سبيلك، واجعل عليهم زجرك وعذابك، اللهمّ قاتل الكفرة الّذين أوتوا الكتاب إله الخلق» ) * «3» .
20-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت:
ما خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من بيتي قطّ إلّا رفع طرفه إلى السّماء فقال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أضلّ أو أزلّ أو أزلّ أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ» ) * «4» .
21-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من آوى ضالّة فهو ضالّ، ما لم يعرّفها» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4406) واللفظ له، ومسلم (1679) .
(2) مسلم (867) .
(3) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 121، 122) واللفظ له وقال: رواه أحمد (3/ 424) والبزار واقتصر على عبيد بن رفاعة عن أبيه وهو الصحيح. وقال: اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب. ورجال أحمد رجال الصحيح.
(4) أبو داود (5094) واللفظ له، وابن ماجة (3884) . وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 4248) (959) : صحيح.
(5) مسلم (1725) .(10/4827)
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ سنّة ضلال فاتّبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «1» .
23-* (عن عبد الله بن شقيق، أنّه أخبره من سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بلقين فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من هؤلاء قال: «هؤلاء المغضوب عليهم» وأشار إلى اليهود فقال: من هؤلاء؟ قال: «الضّالّون» يعني النّصارى، وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك أو غلامك فلان قال: «بل يجرّ إلى النّار في عباءة غلّها» وفي رواية بسنده: وسأله رجل من بلقين فقال يا رسول الله من هؤلاء المغضوب عليهم فأشار إلى اليهود فذكر نحوه» ) * «2» .
24-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في هذه القصّة. قصّة النّهي عن الجلوس في الطّرقات، قال «وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضّالّ» ) * «3» .
25-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال:
«يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته، فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته، فاستكسوني أكسكم.
يا عبادي! إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
يا عبادي! إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «4» .
26-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه أن يقول: «اللهمّ مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» . قالت: قلت يا رسول الله أو إنّ القلوب لتتقلّب؟ قال: «نعم، ما
__________
(1) أحمد (2/ 505) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (20/ 142) : إسناده صحيح وأصله عند مسلم. والترمذي (5/ 42) والنسائي (5/ 76) وغيره.
(2) الهيثمي في المجمع (6/ 310- 311) واللفظ له وقال: رواه كله أحمد (5/ 75) ، ورجال الجميع رجال الصحيح.
(3) أبو داود (4817) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح 4032) (3/ 914) : صحيح. ونحوه في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري.
(4) حديث قدسي رواه مسلم (2577) .(10/4828)
من خلق الله من بني آدم من بشر إلّا أنّ قلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله- عزّ وجلّ- أقامه وإن شاء الله أزاغه، فنسأل الله ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنّه هو الوهّاب» . قالت: قلت: يا رسول الله، ألا تعلّمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: «بلى. قولي:
اللهمّ ربّ محمّد النّبيّ اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتنا» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الضلال) معنى
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّ آدم وموسى- عليهما السّلام- عند ربّهما. فحجّ آدم موسى. قال موسى: أنت آدم الّذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثمّ أهبطت النّاس بخطيئتك إلى الأرض. فقال آدم:
أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كلّ شيء، وقرّبك نجيّا، فبكم وجدت الله كتب التّوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها:
وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (طه/ 121) قال: نعم.
قال: أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فحجّ آدم موسى» ) * «2» .
28-* (عن عديّ بن حاتم، أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله» .
قال ابن نمير: فقد غوى) * «3» .
29-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان قال: وعزّتك يا ربّ لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم.
فقال الرّبّ تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» ) * «4» .
30-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم دخل نخلا لبني النّجّار، فسمع صوتا ففزع، فقال: «من أصحاب هذه القبور؟» قالوا: يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهليّة، فقال:
«تعوّذوا بالله من عذاب النّار، ومن فتنة الدّجّال» قالوا: وممّ ذاك يا رسول الله؟ قال: «إنّ المؤمن إذا
__________
(1) أحمد (6/ 302) واللفظ له، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 325) وقال: روى الترمذي بعضه (3522) ورواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق، وذكره أيضا في (10/ 176) بلفظ مقارب وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
(2) البخاري- الفتح 11 (6614) ، ومسلم (2652) واللفظ له.
(3) مسلم (870) .
(4) أحمد (3/ 29) ، والحاكم في المستدرك (4/ 261) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(10/4829)
وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها، فينطلق به إلى بيت كان له في النّار فيقال له: هذا بيتك كان لك في النّار ولكنّ الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنّة، فيقول:
دعوني حتّى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن، وإنّ الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول النّاس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثّقلين» ) * «1» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حين أسري بي لقيت موسى- عليه السّلام- (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا رجل (حسبته قال) مضطرب. رجل الرّأس. كأنّه من رجال شنوءة.
قال، ولقيت عيسى (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا ربعة أحمر كأنّما خرج من ديماس «2» » (يعني حمّاما) قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به.
قال: فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيّهما شئت. فأخذت اللّبن فشربته.
فقال: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك» ) * «3» .
32-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها، ممّا بي من القوّة على العبادة: من الصّوم والصّلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته، حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل عليّ، فعذمني، وعضّني بلسانه فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها، وفعلت وفعلت، ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني، فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال لي: «أتصوم النّهار؟» قلت: نعم، قال:
«وتقوم اللّيل؟» قلت: نعم، قال: «لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ، قال: «اقرإ القرآن في كلّ شهر» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال:
«فاقرأه في كلّ ثلاث» ، قال: ثمّ قال: «صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: «صم يوما وأفطر يوما، فإنّه أفضل الصّيام، وهو صيام أخي داود» ثمّ
__________
(1) أبو داود (4/ 4750) واللفظ له. ذكره الألباني في الصحيحة (ح 1344) وقال: أخرجه أحمد (3/ 331) . وهذا إسناد جيد رجاله رجال الصحيح. وأخرجه في صحيح أبي داود (ح 3977) وقال عنه: صحيح.
(2) فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس: أما الربعة. فيقال: رجل ربعة ومربوع، أي بين الطويل والقصير. وأما الديماس: فقال الجوهري في صحاحه في هذا الحديث: قوله خرج من كنّ، لأنه قال في وصفه: كأن رأسه يقطر ماء.
(3) البخاري- الفتح 6 (3437) ، ومسلم (168) واللفظ له.(10/4830)
قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة، ولكلّ شرّة فترة، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال:
ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «1» .
33-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني.
فقلت: يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «2» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي. ويهدون بغير هديي «3» ، تعرف منهم وتنكر» .
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم.
دعاة على أبواب جهنّم «4» . من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «5» .
34-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ مثل ما بعثني الله به- عزّ وجلّ- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيّبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها النّاس، شربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنّما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلّم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» ) * «6» .
__________
(1) أحمد (2/ 158) واللفظ له، وقال أحمد شاكر (9/ 235- 240) : إسناده صحيح رواه عنه كثير من التابعين، وأخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا بهذا السياق إلا في هذا الموضع، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 193) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(2) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة الى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
(3) هديي: الهدى الهيئة والسيرة والطريقة.
(4) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.
(5) البخاري- الفتح 6 (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 1 (79) ، ومسلم (2282) واللفظ له.(10/4831)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الضلال)
1-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها أنّ فاطمة عليها السّلام ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة. فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، وأمّا خيبر وفدك، فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطّاب وهو جالس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قد بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ. وأنزل عليه الكتاب. فكان ممّا أنزل عليه آية الرّجم. قرأناها ووعيناها وعقلناها. فرجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده. فأخشى، إن طال بالنّاس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرّجم في كتاب الله. فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله. وإنّ الرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن، من الرّجال والنساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف» ) * «2» .
3-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
يا معشر القرّاء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «3» .
4-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«ضلال الدّنيا أضلّ ضلال في الآخرة وشقاء الآخرة مستلزم للضّلال فيها» ) * «4» .
5-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
«من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى وإنّهنّ من سنن الهدى. ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم. ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، يحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق. ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3092، 3093) .
(2) البخاري- الفتح 12 (6829) ، ومسلم (1691) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 13 (7282) .
(4) مفتاح دار السعادة: (40) بتصرف.
(5) مسلم (654) .(10/4832)
6-* (عن حكيم بن مسعود- رضي الله عنه-: «شرّ النّدامة ندامة يوم القيامة، وشرّ الضّلالة الضّلالة بعد الهدى» ) * «1» .
7-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: «والضّلال مقرون بالغيّ، فكلّ غاو ضالّ، والرّشد ضدّ الغيّ، والهدى ضدّ الضّلال. وهو مجانبة طريق الفجّار وأهل البدع» ) * «2» .
8-* (قال ابن القيّم- عليه رحمة الله- في معنى قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ: يتضمّن بيان طرفي الانحراف عن الصّراط المستقيم، وأنّ الانحراف إلى أحد الطّرفين انحراف إلى الضّلال الّذي هو فساد العلم والاعتقاد» ) * «3» .
9-* (قال أحد الصّالحين: «بئس العبد عبد هوى يضلّه» ) * «4» .
10-* (قال ابن مفلح: «ويحرم النّظر فيما يخشى منه الضّلال والوقوع في الشّكّ والشّبهة» ) * «5» .
من مضار (الضلال)
(1) الضّلال طريق يوصل صاحبه إلى النّار.
(2) كلّ عدول أو انحراف عن الطّريق المستقيم فهو ضلال.
(3) الضّلال من الشّيطان. والهداية من الرّحمن.
(4) الضّلال سلوك طريق الفجّار وأهل البدع.
(5) كثيرا ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يستعيذ بعزّة الله من الضّلال.
(6) من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه إلى يوم القيامة.
(7) الضّالّ قد يعمل أعمالا أمثال الجبال ولكنّها لا تقبل منه لانحرافه عن سبيل الهدى.
(8) قد يبدأ الانحراف بنقطة ثمّ يتمادى فيبعد عن طريق الهدى.
(9) علامة على سوء الخاتمة.
__________
(1) الفوائد لابن القيم (30) .
(2) من كتاب الزهد والورع في العبادة (9) .
(3) الفوائد (40، 41) .
(4) الزهد والورع والعبادة (37) .
(5) الآداب الشرعية (1/ 199) .(10/4833)
[حرف الطاء]
الطغيان
الطغيان لغة:
مصدر قولهم: طغى يطغى، وهو مأخوذ من مادّة (ط غ و/ ي) الّتي تدّل على مجاوزة الحدّ في العصيان «1» ، قال الخليل: وكلّ شيء يجاوز القدر فقد طغى، مثلما طغى الماء على قوم نوح (فأغرقهم) ، وكما طغت الصّيحة على ثمود «2» (فأهلكتهم) ، يقال:
طغى يطغو، وطغى يطغى: إذا جاوز القدر، وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظّلم «3» ، وقال الرّاغب: يقال: طغوت وطغيت طغوانا وطغيانا، وأطغاه كذا: حمله على الطّغيان والاسم من ذلك:
الطّغوى، قال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (الشمس/ 11) أي لم يصدّقوا إذ خوّفوا بعقوبة طغيانهم، أمّا قول الله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (النجم/ 52) فتنبيه على أنّ الطّغيان لا يخلّص الإنسان فقد كان قوم نوح أطغى منهم
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
28/ 8/ 23
(أي من كفّار قريش) ، فأهلكوا، والطّاغوت «4» عبارة عن كلّ متعدّ، وكلّ معبود من دون الله، وقد سمّي به السّاحر والكاهن، والمارد من الجنّ، والصّارف عن الخير «5» ، واللّات والعزّى (من أصنام العرب) والشّيطان، وكلّ رأس ضلال، والأصنام، ومردة أهل الكتاب «6» ، ويستعمل واحدا وجمعا مثال الأوّل قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ (النساء/ 60) ، ومثال الآخر قوله عزّ وجلّ: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ (البقرة/ 257) ، أمّا الطّاغية فيراد به معاني عديدة، منها: ملك الرّوم، والصّاعقة، وصيحة العذاب، والجبّار العنيد، والأحمق المستكبر الظّالم، والّذي لا يبالي ما أتى، يأكل النّاس ويظلمهم ويقهرهم «7» ، أمّا معنى الفعل (طغى) فإنّه يرتبط بالسّياق الّذي يرد فيه فقولهم: طغى البحر «8» :
هاجت أمواجه، وطغى الدّم تبيّغ، وطغى السّيل:
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 412) .
(2) كتاب العين للخليل (4/ 435) .
(3) بصائر ذوي التمييز (3/ 508) .
(4) الطّاغوت: قيل إنّ أصله طغووت فحدث فيه قلب مكاني حيث قدّمت الواو على الغين فصارت طوغوت ثمّ قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويكون على ذلك من طغى ووزنه فلعوت، وقيل: هو من طاغ وهو على وزن (فعلوت) مثل الرّحموت والجبروت والملكوت، انظر في ذلك: الصحاح للجوهري (6/ 2412) .
(5) المفردات للراغب (305) .
(6) الصحاح للجوهري (6/ 2412) .
(7) لسان العرب (طغا) ص 2678 (ط. دار المعارف) .
(8) الفعل طغى يكتب بالياء وبالألف نظرا لاحتمال كون الماضي الذي على وزن (فعل) يائيّا فتكتب بالياء مثل رمي أو واويّا فتكتب بالألف مثل غزا وقد ورد الرسمان في القرآن الكريم، انظر الآية 43 من سورة طه والآية 11 من سورة الحاقة.(10/4834)
أتى بماء كثير، وطغت البقرة: صاحت «1» ، أمّا قولهم:
أطغاه المال فالمراد جعله طاغيا، أمّا طغيان العلم والمال الوارد في حديث وهب (بن منبّه) : «إنّ للعلم طغيانا كطغيان المال» فالمراد بذلك كما يقول ابن الأثير: أنّ العلم يحمل صاحبه على التّرخّص بما اشتبه منه إلى ما لا يحلّ له، ويترفّع به على من دونه، ولا يعطي حقّه بالعمل به، كما يفعل ربّ المال «2» ، وقول الله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً (المائدة/ 68) ، فالمراد بالطّغيان، أن يزدادوا كفرا إلى كفرهم «3» ، والطّغيان في قوله تعالى: وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) يراد به البغي والظّلم «4» ، وقيل: الكفر والضّلال، وطغيان فرعون إسرافه في دعوى (الألوهيّة) حيث قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (النازعات/ 24) «5» ، وطغيان الماء في قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ
(الحاقة/ 11) ، استعارة لارتفاعه وتجاوزه الحدّ «6» ، أمّا الطّغيان في حديث خزيمة «وأنا مقرّ بالقرآن، كافر بالطّغيان» فالمراد به كما يقول ابن الأثير: مخالفة سنن الإسلام وحدوده «7» .
الطغيان اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الطّغيان: مجاوزة الحدّ في العصيان «8» .
وقال المناويّ: قال الحراليّ: الطّغيان: إفراط الاعتدال في حدود الأشياء ومقاديرها «9» .
وقال الكفويّ: الطّغيان: تجاوز الحدّ الّذي كان عليه من قبل، وكلّ شيء جاوز الحدّ فقد طغى «10» .
وقال القرطبيّ: الطّغيان: تجاوز الحدّ في الظّلم والغلوّ فيه، وذلك أنّ الظّلم منه صغيرة ومنه كبيرة، فمن تجاوز منزلة الصّغيرة فقد طغى «11» .
وقال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله-:
الطّاغوت: كل ما تجاوز به العبد حدّه من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله «12» .
الفرق بين الطغيان والبغي والعدوان والعتو:
معاني هذه المصطلحات متقاربة إلى حدّ كبير بيد أنّها ليست واحدة، فالطّغيان مجاوزة الحدّ الّذي كان عليه من قبل، ويكون ذلك في المعاصي، أمّا العدوان فهو تجاوز المقدار المأمور به، أمّا البغي فهو
__________
(1) استخلصنا هذه المعاني من: لسان العرب (3678) ، والصحاح (6/ 2412) .
(2) النهاية لابن الأثير 3/ 128، وقارن بلسان العرب (طغى) (2677) ط. دار المعارف.
(3) تفسير القرطبي (6/ 159) .
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (1/ 33) ت: فؤاد سزكين.
(5) تفسير القرطبي (1/ 146) .
(6) بصائر ذوي التمييز (3/ 508) .
(7) منال الطالب، شرح طوال الغرائب (27) .
(8) التعريفات (146) .
(9) التوقيف على مهمات التعاريف (227) .
(10) الكليات للكفوي (580، 584) .
(11) تفسير القرطبي (6/ 159) .
(12) فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن (32) .(10/4835)
طلب تجاوز قدر الاستحقاق تجاوزه أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل «1» .
أمّا العتوّ فيتضمّن الاستكبار إلى جانب مجاوزة الحدّ، وقد يستعمل في مطلق التجبّر ولو في غير المعصية «2» .
من معاني الطغيان في القرآن الكريم:
ذكر ابن سلّام وغيره أنّ الطّغيان في القرآن الكريم على أربعة أوجه:
1- الطّغيان بمعنى الضّلالة وذلك كما في قوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) .
2- الطّغيان بمعنى العصيان وذلك كما في قوله تعالى: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 24) .
3- الطّغيان بمعنى الارتفاع والتّكثّر وذلك كما قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ (الحاقة/ 11) .
4- الطّغيان بمعنى الظّلم وذلك كما في قوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم/ 17) وقوله سبحانه: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (الرحمن/ 8) «3» .
أمّا الطّاغوت فقد أوردت له كتب الوجوه والنّظائر المعاني الآتية:
1- الطّاغوت يراد به الشّيطان وذلك في قوله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ (البقرة/ 256) .
2- الطّاغوت يراد به الأوثان الّتي تعبد من دون الله وذلك في قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ 36) .
3- الطّاغوت يعنى به كعب بن الأشرف اليهوديّ وذلك في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ (النساء/ 51) «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: البغي- الحرب والمحاربة- الظلم- العدوان- العتو- الكبر والعجب القسوة- الفجور- الطمع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- الرفق- السلم- الصلاح- المراقبة- محاسبة النفس- الرأفة] .
__________
(1) الكليات للكفوي (584) .
(2) انظر صفة العتو.
(3) التصاريف ليحيى بن سلام (207، 208) ، والأشباه والنظائر لمقاتل (2/ 221/ 222) .
(4) انظر المرجعين السابقين، التصاريف (207) ، والأشباه والنظائر (1/ 115) ، وكشف السرائر لابن العماد (148، 149) .(10/4836)
الآيات الواردة في «الطغيان»
1- وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) «1»
2- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «2»
3- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (68) «3»
4- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) «4»
5- أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) «5»
6-* وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) «6»
7- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) «7»
8- وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) «8»
9- أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79)
__________
(1) البقرة: 14- 15 مدنية
(2) المائدة: 64 مدنية
(3) المائدة: 68 مدنية
(4) الأنعام: 109- 110 مكية
(5) الأعراف: 185- 186 مكية
(6) يونس: 11 مكية
(7) هود: 112- 113 مكية
(8) الإسراء: 60 مكية(10/4837)
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) «1»
10- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) «2»
11- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) «3»
12- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) «4»
13-* وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) «5»
14- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)
قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28)
قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31) «6»
15- هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56)
هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) «7»
16- أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) * قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) «8»
17- أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «9»
18- أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32)
__________
(1) الكهف: 79- 80 مكية
(2) طه: 24- 28 مكية
(3) طه: 43- 45 مكية
(4) طه: 81 مكية
(5) المؤمنون: 75- 76 مكية
(6) الصافات: 27- 31 مكية
(7) ص: 55- 57 مكية
(8) ق: 24- 28 مكية
(9) الذاريات: 53- 55 مكية(10/4838)
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) «1»
19- ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17)
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «2»
20- وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) «3»
21- وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) «4»
22- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «5»
23- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) «6»
24- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) «7»
25- فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) «8»
26- وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14) «9»
27- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14) وَلا يَخافُ عُقْباها (15) «10»
28- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) «11»
الآيات الواردة في «الطغيان» معنى
انظر صفة: البغي- العتو- العدوان
__________
(1) الطور: 30- 34 مكية
(2) النجم: 17- 18 مكية
(3) النجم: 50- 52 مكية
(4) الرحمن: 7- 9 مدنية
(5) القلم: 30- 32 مكية
(6) النبأ: 21- 23 مكية
(7) النازعات: 17- 19 مكية
(8) النازعات: 37- 39 مكية
(9) الفجر: 10- 14 مكية
(10) الشمس: 11- 15 مكية
(11) العلق: 6- 8 مكية(10/4839)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الطغيان)
1-* (عن محمّد بن إبراهيم، أنّ قتادة بن النّعمان الظّفريّ وقع بقريش، فكأنّه نال منهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا قتادة لا تسبّنّ قريشا فلعلّك أن ترى منهم رجالا تزدري عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم، وتغبطهم إذا رأيتهم، لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالّذي لهم عند الله- عزّ وجلّ-» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله؟ قال: «بادروا بالأعمال سبعا، هل تنتظرون إلّا فقرا منسيا أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا أو هرما «2» مفنّدا «3» أو موتا مجهزا أو الدّجّال فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ» ) * «4» .
3-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغلام الّذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فهل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله.
قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ويتّبع من كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمّة ... الحديث» ) * «6» .
5-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بالطّواغي «7» ولا بآبائكم» «8» . وفى رواية النّسائيّ «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطّواغيت» ) * «9» .
6-* (عن عروة- رضي الله عنه- قال:
سألت عائشة- رضي الله عنها- فقلت لها: أرأيت
__________
(1) المسند (6/ 384) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 23، وقال: رواه أحمد مرسلا ومسندا والبزار كذلك والطبراني مسندا ورجال البزار في المسند رجال الصحيح، ورجال أحمد في المسند والمرسل رجال الصحيح غير جعفر بن عبد الله بن أسلم في مسند أحمد وهو ثقة.
(2) الهرم: محرّكة أقصى الكبر.
(3) الفند: ضعف الرأي من الهرم وضعف الفهم والعقل.
(4) سنن الترمذي 4 (2306) ص 478- 479.
(5) مسلم 4 (2661) ، وقال: حسن غريب، وانظر جامع الأصول 11/ 14.
(6) البخاري- الفتح 13 (7437) واللفظ له، مسلم 1 (182) .
(7) الطواغي: الأصنام.
(8) مسلم 3 (1648) ، وابن ماجة 1 (2095) .
(9) النسائي 7 (3774) .(10/4840)
قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (البقرة/ 158) فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصّفا والمروة. قالت: بئس ما قلت يا بن أختي، إنّ هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوّف بهما، ولكنّها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون «1» لمناة، الطّاغية الّتي كانوا يعبدونها عند المشلّل «2» ، وكان من أهلّ يتحرّج أن يطوف بالصّفا والمروة، فلمّا أسلموا سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بين الصّفا والمروة، فأنزل الله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الآية. قالت عائشة- رضي الله عنها- وقد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطّواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطّواف بينهما. ثمّ أخبرت أبا بكر بن عبد الرّحمن، فقال: إنّ هذا يعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أنّ النّاس- إلّا من ذكرت عائشة ممّن كان يهلّ بمناة- كانوا يطوفون كلّهم بالصّفاء والمروة، فلمّا ذكر الله تعالى الطّواف بالبيت، ولم يذكر الصّفا والمروة في القرآن، قالوا:
يا رسول الله، كنّا نطوف بالصّفا والمروة، وإنّ الله أنزل الطّواف بالبيت فلم يذكر الصّفا، فهل علينا من حرج أن نطّوّف بالصّفا والمروة. فأنزل الله تعالى إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الآية. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الّذين كانوا يتحرّجون أن يطّوّفوا في الجاهليّة بالصّفا والمروة، والّذين يطّوّفون، ثمّ تحرّجوا أن يطّوّفوا بهما في الإسلام من أجل أنّ الله- تعالى- أمر بالطّواف بالبيت ولم يذكر الصّفا، حتّى ذكر ذلك بعدما ذكر الطّواف بالبيت) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى تضطرب أليات «4» نساء دوس على ذي الخلصة» ) * «5» .
قال البخاريّ: وذو الخلصة: طاغية دوس الّتي كانوا يعبدون في الجاهليّة.
__________
(1) يهلّون: يحجون إليها ويقصدونها.
(2) المشلّل: الثنية المشرفة وهي اسم للمكان التي وجدت فيه «مناة» .
(3) البخاري- الفتح 3 (1643) واللفظ له، مسلم 2 (1277) .
(4) أليات (بفتح الهمزة واللام) : جمع ألية، والألية: العجيزة، والجمع أعجاز.
(5) البخاري- الفتح 13 (7116) .(10/4841)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الطغيان) معنى
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يخرج رجل من قحطان يسوق النّاس «1» بعصاه» ) * «2» .
وانظر أيضا الأحاديث الواردة في ذمّ ((البغي- والعتو- والعدوان))
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الطغيان)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- (عندما) بلغها أنّ ناسا يتناولون من أبيها (سيّدنا أبي بكر- رضي الله عنه-) فأرسلت إلى أزفلة «3» منهم، فلمّا حضروا، سدلت أستارها، ثمّ دنت، فحمدت الله تعالى، وصلّت على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ... وكان ممّا قالت: كان (أبو بكر) وقيذ الجوانح «4» ، غزير الدّمعة، شجيّ النّشيج «5» ، فانصفقت إليه «6» نسوان مكّة وولدانها، يسخرون منه، ويستهزئون واللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) .
قال ابن الأثير في شرحه لهذا الأثر: والطّغيان مجاوزة الحدّ فى الضّلال) * «7» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: إنّ الجبت: السّحر، والطّاغوت: الشّيطان، وإنّ الشّجاعة والجبن غرائز تكون في الرّجال، يقاتل الشّجاع عمّن لا يعرف، ويفرّ الجبان من أمّه، وإنّ كرم الرّجل دينه، وحسبه خلقه، وإن كان فارسيّا أو نبطيّا) * «8» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (الأنعام/ 110) المراد: في كفرهم، وقال أبو العالية: في
__________
(1) يسوق الناس بعصاه: أي يسوق الناس بعصا حقيقية كما تساق الإبل والماشية، أو كناية عن غلبته عليهم وانقيادهم له.
(2) البخاري- الفتح 13 (7117) .
(3) الأزفلة: الجماعة من الناس قلّت أو كثرت.
(4) الوقيذ: العليل الشديد العلّة، والجوانح: الضلوع القصار، والمراد أنه عليل القلب محزونه قد وقذه خوف الله تعالى، وعبّر بالجوانح عن القلب لأنه يليها.
(5) النشيج: صوت معه توجع، وقيل هو أن يغص بالبكاء فيردده في صدره ولا يخرجه، والشجا: ما نشب في الحلق من غصة هم، والمراد به الحزن.
(6) انصفقت إليه: أي صرفهم إليه صارف التلهى والسخرية فسارعوا نحوه.
(7) انظر الأثر كاملا مشروحا في منال الطالب ص 561- 573.
(8) تفسير ابن كثير 1/ 31.(10/4842)
ضلالهم) * «1» .
4-* (وعنه- رضي الله عنه- في قوله تعالى:
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم/ 17) قال: ما ذهب يمينا ولا شمالا، وما طغى، أي ما جاوز ما أمر به) * «2» .
5-* (وعنه (أيضا) - رضي الله عنه- في قوله تعالى: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (طه/ 45) : أي يعتدي) * «3» .
6-* (وعنه (أيضا) - رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة/ 15) قال: يمدّهم: يملي لهم في طغيانهم يعمهون، أي في كفرهم يتردّدون) * «4» .
7-* (وعنه- رضي الله عنه- في قوله تعالى:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (العلق/ 6) قال: هو أبو جهل بقوله: لئن رأيت محمّدا يصلّي عند الكعبة لأطأنّ عنقه) * «5» .
8-* (قال وهب بن منبّه- رضي الله عنه-:
إنّ للعلم طغيانا كطغيان المال) * «6» .
9-* (وقال- رضي الله عنه- (أيضا) في قوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 43) :
وقل له أجب ربّك فإنّه واسع المغفرة وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلّها أنت مبارز بالمحاربة تسبّه، وتتمثّل به، وتصدّ عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السّماء وينبت لك الأرض) * «7» .
10-* (قال قتادة في قوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً (المائدة/ 68) : المراد: حملهم حسد محمّد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمّد ودينه، وهم يجدونه عندهم مكتوبا) * «8» .
11-* (عن قتادة في قوله تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (الكهف/ 80) قال: قد فرح أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما فليرض امرؤ بقضاء الله) * «9» .
12-* (عن قتادة في قوله تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (الحاقة/ 5) قال: الطّاغية:
الصّيحة) * «10» .
13-* (عن قتادة في قوله تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (النجم/ 52) قال: لم يكن قبيل من النّاس هم أظلم وأطغى من قوم نوح، دعاهم نوح ألف سنة إلّا خمسين عاما، كلّما هلك قرن ونشأ قرن دعاهم، حتّى لقد ذكر أنّ الرّجل كان يأخذ بيد أخيه أو ابنه فيمشي إليه فيقول: يا بنيّ إنّ
__________
(1) تفسير ابن كثير 2/ 165.
(2) المرجع السابق 4/ 252.
(3) المرجع السابق 3/ 154.
(4) المرجع السابق 1/ 52.
(5) الدر المنثور 6/ 626.
(6) النهاية لابن الأثير 3/ 138.
(7) تفسير ابن كثير 3/ 153.
(8) الدر المنثور 2/ 526.
(9) تفسير ابن كثير 3/ 98.
(10) المرجع السابق 4/ 412.(10/4843)
أبي قد مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذ، تتابعا في الضّلالة وتكذيب أمر الله- عزّ وجلّ-) * «1» .
14-* (عن مجاهد في قوله تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (الحاقة/ 5) قال: الذّنوب) * «2» .
15-* (وعن السّدّيّ في الآية السّابقة، قال:
الطّاغية: يعني عاقر النّاقة) * «3» .
16-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً (المائدة/ 68) أي يكون ما آتاك الله يا محمّد نقمة في حقّ أعدائك من اليهود وأشباههم فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا وعلما يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمّتك طغيانا، وهو المبالغة والمجاوزة للحدّ في الأشياء) * «4» .
17-* (وقال- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (الكهف/ 80) : أي يحملهما حبّه على متابعته على الكفر) * «5» .
18-* (وقال- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 24) : أي اذهب إلى فرعون ملك مصر الّذي خرجت فارّا منه هاربا، فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذّبهم فإنّه طغى وبغى وآثر الحياة الدّنيا) * «6» .
19-* (وقال (أيضا) - رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (طه/ 43) :
أي تمرّد وعتا وتجبّر على الله وعصاه) * «7» .
20-* (وقال (أيضا) - رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (المؤمنون/ 75) : يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم بأنّه لو أزاح عنهم الضّرّ وأفهمهم القرآن لما انقادوا له ولاستمرّوا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم) * «8» .
21-* (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ (ق/ 27) : أي ما أضللته، وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي كان هو نفسه ضالّا قابلا للباطل معاندا للحقّ) * «9» .
22-* (وقال (أيضا) - رحمه الله تعالى- في نفس الآية ما أَطْغَيْتُهُ: أي عن منهج الحقّ) * 10.
23-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في خبر وفد ثقيف: فلمّا فرغوا من أمرهم، وتوجّهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم أبا سفيان ابن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطّاغية، فخرجا مع القوم حتّى إذا قدموا الطّائف أراد المغيرة أن يقدّم أبا سفيان فأبى ذلك عليه أبو سفيان، وقال: ادخل
__________
(1) الدر المنثور 6/ 172.
(2) الدر المنثور 4/ 412.
(3) تفسير ابن كثير 4/ 412.
(4) المرجع السابق 2/ 75، 76.
(5) المرجع السابق 3/ 98.
(6) المرجع السابق 3/ 146.
(7) المرجع السابق 3/ 153.
(8) المرجع السابق 3/ 251.
9، 10 المرجع السابق 4/ 226.(10/4844)
أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم، فلمّا دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول، وقام قومه بني معتب دونه خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة ابن مسعود، قال: وخرج نساء ثقيف حسّرا يبكين عليها ويقلن:
لنبكينّ دفاع- أسلمها الرّضاع- لم يحسنوا المصاع «1» .
ويقول أبو سفيان: والمغيرة يضربها بالفأس وآها لك آها لك، فلمّا هدّمها المغيرة، وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمرنا أن نقضي عن عروة بن مسعود وأخيه الأسود ابن مسعود والد قارب بن الأسود دينهما من مال الطّاغية، فقضى ذلك عنهما) * «2» .
من مضار (الطغيان)
(1) صفة من صفات الكفّار والمنافقين.
(2) يستوجب غضب الله والعباد.
(3) من اتّبع طاغية في الدّنيا فإنّه يتبعه يوم القيامة.
(4) الطّغيان إفساد للمجتمع وهلاك للأمم.
(5) فيه خسران في الدّنيا وفي الآخرة.
(6) طغيان العلم يورث الكبر والعجب وغيرهما من أمراض القلب.
(7) طغيان المال يشغل الإنسان ويلهيه عمّا يجب عليه للآخرين.
(8) الطّغيان نذير شؤم لأهله في الدّنيا، ولا يغني عنهم فتيلا في الآخرة.
__________
(1) المصاع: الضرب.
(2) البداية والنهاية 5/ 32، 33.(10/4845)
الطمع
الطمع لغة:
مصدر قولهم: طمع فلان يطمع، وهو مأخوذ من مادّة (ط م ع) الّتي تدلّ على رجاء قويّ في القلب للشّيء، ولمّا كان أكثر الطّمع من الهوى قيل: الطّمع طبع «1» ، والطّمع يدنّس الإهاب، يقال: طمع فلان في كذا وبكذا يطمع طمعا وطماعة وطماعية أي حرص عليه ورجاه فهو طمع وطامع من قوم طمعين وطماعى وأطماع وطمعاء. وأطمعه فيه غيره، ويقال في التّعجّب:
طمع الرّجل (بضمّ الميم) أي صار كثير الطّمع، والطمع أيضا رزق الجند. قال ابن برّي: يقال:
طمع وأطماع ومطمع ومطامع، وقول الله تعالى: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (الأعراف/ 44) معناه كما يقول أبو حيّان: يتيقّنون ما أعدّ الله لهم من الزّلفى «2» .
وقوله سبحانه: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء/ 82) قال القرطبيّ: معناه:
أرجو، وقيل هو بمعنى اليقين في حقّه، وبمعنى الرّجاء
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
12/ 11/ 29
في حقّ المؤمنين سواه «3» . قال الأزهريّ: الطّمع ضدّ اليأس. وفي حديث عمر- رضي الله عنه-: «تعلّمنّ أنّ الطّمع فقر، وأنّ اليأس غنى.
ويقال: ما أطمع فلانا على التّعجّب من طمعه، ويتعدّى الفعل بالهمزة لا بالتّضعيف. قال ابن منظور: وأنكر بعضهم التّشديد (أي أن يقال طمّع) ، وإنّما يقال: أطمعه غيره (أي إنّ التعدّي يكون بالهمزة) ، والمطمع: ما طمع فيه، والمطمعة: ما طمع من أجله، وامرأة مطماع: تطمع ولا تمكّن من نفسها، والمطمع: ما طمعت فيه، وفي الحديث: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع، ومن طمع في غير مطمع» «4» .
الطمع اصطلاحا:
قال الرّاغب: نزوع النّفس إلى الشّيء شهوة له «5» .
وقال المناويّ: الطّمع تعلّق البال بالشّيء من غير تقدّم سبب له، وأكثر ما يستعمل فيما يقرب
__________
(1) الطّبع هنا معناه الدّنس واللؤم، وقد ذكرها الراغب بسكون الباء، والتصويب من البصائر، انظر البصائر (3/ 395) والمفردات (307) .
(2) تفسير البحر المحيط 4/ 304.
(3) تفسير القرطبي (13/ 76) .
(4) مقاييس اللغة (3/ 425) ، المفردات للراغب (307) ، تهذيب اللغة للأزهري (2/ 192) ، الصحاح (3/ 1255) ، اللسان (طمع) (2704) (ط. دار المعارف) وبصائر ذوي التمييز (3/ 516) .
(5) المفردات (207) .(10/4846)
حصوله، وقد يستعمل بمعنى الأمل. وقال بعضهم:
الطّمع ذلّ ينشأ من الحرص والبطالة والجهل بحكمة الباري «1» .
الطمع بين المدح والذم:
إنّ الطّمع بمعنى الرّجاء في رحمة الله وتوقّع الخير، أمر محمود، وهذا ما فعله نبيّ الله إبراهيم- عليه السّلام- عندما قال الله على لسانه: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء/ 82) .
وامتدح الله- عزّ وجلّ- من يدعونه خوفا وطمعا، ووعدهم بما تقرّ به أعينهم. قال تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 16، 17) .
أمّا إذا كان الطّمع في حطام الدّنيا من مال عارض أو منصب زائل، أو جاه حائل، فإنّ ذلك كلّه مذموم خاصّة إذا صدر ممّن له حقّ فيه، وهذا دأب المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصّدقات فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة/ 58) يقول الإمام ابن تيميّة:
وهكذا كان حال من كان متعلّقا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل. والعبوديّة في الحقيقة هي رقّ القلب وعبوديّته، فما استرقّ القلب واستعبده فهو عبد لهذا. يقال:
العبد حرّ ما قنع ... والحرّ عبد ما طمع
وقال قائل:
أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنّي قنعت لكنت حرّا
ويقال: (الطمع فقر، واليأس غنى، وإنّ أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه) وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه.
فإنّه الأمر الّذي لا ييأس منه، ولا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيرا إليه ولا إلى من يفعله وأمّا إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه تعلّق قلبه به فصار فقيرا إلى حصوله وإلى من يظنّ أنّه سبب في حصوله وهذا في المال والجاه والصّور وغير ذلك.
قال الخليل إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (العنكبوت/ 17) فالعبد لا بدّ له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا إليه، وإن طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- أكل الحرام- التطفيف- الربا- الرشوة- السرقة- الغلول- الظلم- الطغيان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: القناعة- الرضا- حسن المعاملة- الزهد- محاسبة النفس- مجاهدة النفس- علو الهمة] .
__________
(1) التوقيف (307) .
(2) مكارم الأخلاق لابن تيمية (260، 261) .(10/4847)
الآيات الواردة في «الطمع»
الطمع في المغفرة والجنة:
1- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ
(85) «1»
2- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45)
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)
أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «2»
3- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46)
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48)
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
__________
(1) المائدة: 83- 85 مدنية
(2) الأعراف: 44- 51 مكية(10/4848)
قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50)
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «1»
4- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «2»
الطمع في إيمان الكافرين ميئوس منه:
5-* أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) «3»
6- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37)
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) «4»
7- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)
وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12)
وَبَنِينَ شُهُوداً (13)
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16)
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) «5»
التصرف المطمع للغير مرفوض:
8- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31)
__________
(1) الشعراء: 46- 51 مكية
(2) الشعراء: 69- 89 مكية
(3) البقرة: 75 مدنية
(4) المعارج: 36- 38 مكية
(5) المدثر: 11- 17 مكية(10/4849)
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1»
الآيات تخويف وطمع وكذلك الدعاء ينبغي أن يكون:
9- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «2»
10- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) «3»
11- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «4»
12- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) «5»
__________
(1) الأحزاب: 30- 34 مدنية
(2) الأعراف: 55- 56 مكية
(3) الرعد: 12 مكية
(4) الروم: 24 مكية
(5) السجدة: 15- 17 مكية(10/4850)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الطمع)
1-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا ... الحديث، وفيه: «قال: وأهل النّار خمسة:
الضّعيف الّذي لا زبر له «1» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «2» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «3» ، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «4» والشّنظير «5» الفحّاش» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الطمع) معنى
2-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول.
كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «7» .
3-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول: قد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقر إليه منّي. حتّى أعطاني مرّة مالا فقلت: أعطه أفقر إليه منّي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف «8» ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك» ) * «9» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه
__________
(1) لا زبر له: أي لا عقل يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(2) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(3) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(4) وذكر البخل أو الكذب: هكذا في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(5) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيىء الخلق.
(6) مسلم (2865) .
(7) مسلم (2722) .
(8) غير مشرف: غير متطلع إليه ولا طامع فيه.
(9) البخاري- الفتح 3 (1473) . ومسلم (1045) واللفظ له.(10/4851)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ أنّ له إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلّا التّراب، ويتوب الله على من تاب» ) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال قلب الكبير شابّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا وطول الأمل» ) * «2» .
6-* (عن ابن كعب بن مالك الأنصاريّ عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» ) * «3» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «منهومان لا يشبعان: منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع» ) * «4» .
8-* (قال معاوية- رضي الله عنه-: إيّاكم وأحاديث. إلّا حديثا كان في عهد عمر، فإنّ عمر كان يخيف النّاس في الله عزّ وجلّ. وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما أنا خازن.
فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه، ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالّذي يأكل ولا يشبع» ) * «5» .
9-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث- والّذي نفس محمّد بيده إن كنت لحالفا عليهنّ- لا ينقص مال من صدقة فتصدّقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلّا رفعه بها- وقال أبو سعيد مولى بني هاشم: إلّا زاده الله بها عزّا يوم القيامة- ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر» ) «6» .
10-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني. ثمّ قال: «يا حكيم إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السّفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتّى أفارق
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6437) واللفظ له. ومسلم (1049) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6420) واللفظ له. ومسلم (1046) في باب كراهة الحرص على الدنيا.
(3) الترمذي (2376) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأحمد (3/ 456، 460) . وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (3/ 628) . وقال محققه: وهو كما قال الترمذي. وكذا المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 540) . وهو في المشكاة (3/ 1431) . وأفرده الحافظ ابن رجب في رسالة لطيفة.
(4) الحاكم في المستدرك (1/ 92) واللفظ له. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم أجد له علة ووافقه الذهبي. والحديث في المشكاة (1/ 86) وفيه قال الألباني: هو عند ابن عدي وابن عساكر (وهو صحيح) ، وانظر «مجمع الزوائد» (1/ 135) .
(5) مسلم (1037) .
(6) أحمد (1/ 193) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 63) برقم (3022) وقال: صحيح. وعزاه للبزار وابن عساكر وابن أبي الدنيا في ذم الغضب.(10/4852)
الدّنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي» ) * «1» .
11-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يهرم ابن آدم وتشبّ اثنتان:
الحرص على المال والحرص على العمر» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الطمع)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
تعلّمنّ أنّ الطّمع فقر، وأنّ اليأس غنى) * «3» .
2-* (قال عليّ- رضي الله عنه- أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع) * «4» .
3-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرّجال من الطّمع) * «5» .
4-* (اجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال له كعب: يا بن سلام: من أرباب العلم؟ قال: الّذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطّمع، وشره النّفس، وطلب الحوائج إلى النّاس) * «6» .
5-* (قال متمّم بن نويرة في مرثيّته المشهورة يرثي أخاه مالكا:
لبيبا أعان اللّبّ منه سماحة ... خصيبا إذا ما راكب الجدب أوضعا
) * «7» .
تراه كصدر السّيف يهتزّ للنّدى ... إذا لم تجد عند امرئ السّوء مطمعا
) * «8» .
6-* (قال أبو العبّاس أحمد بن مروان:
وذي حرص تراه يلمّ وفرا ... لوارثه ويدفع عن حماه
ككلب الصّيد يمسك وهو طاو ... فريسته ليأكلها سواه
) * «9» .
7-* (وقال آخر:
إذا ما نازعتك النّفس حرصا ... فأمسكها عن الشّهوات أمسك
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1472) واللفظ له. ومسلم (1035) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6421) . ومسلم (1047) واللفظ له.
(3) لسان العرب (5/ 2074) .
(4) المستطرف (98) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) أوضع: أسرع في سيره، والمراد: إذا اشتد الجدب.
(8) المفضليات (265) .
(9) المستطرف (97) .(10/4853)
ولا تحرص ليوم أنت فيه ... وعدّ فرزق يومك رزق أمسك
) * «1» .
8-* (قال إسماعيل بن قطريّ القراطيسيّ:
حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذّلّ إلّا في الطّمع
من راقب الله نزع ... عن سوء ما كان صنع
) * «2» .
9-* (قال سابق البربريّ:
يخادع ريب الدّهر عن نفسه الفتى ... سفاها وريب الدّهر عنها يخادعه
ويطمع في سوف ويعلم دونها ... وكم من حريص أهلكته مطامعه
) * «3» .
10-* (أنشد الحلّاج عند قتله عليه من الله ما يستحقّ:
طلبت المستقرّ بكلّ أرض ... فلم أر لي بأرض مستقرّا
أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنّي قنعت لكنت حرّا
) * «4» .
11-* (قال ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى-:
كان يقال: لا يوجد العجل محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحرّ حريصا، ولا الشّره غنيّا) * «5» .
12-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
ليس في الدّنيا أبله ممّن يطلب النّهاية في لذّات الدّنيا، وليس فى الحقيقة لذّة، إنّما هي راحة من مؤلم. فالسّعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها، ومالت إليه، وعلم سترها ودينها أن يعقد الخنصر على صحبتها. وأكثر أسباب دوام محبّتها أن لا يطلق بصره، فمتى أطلق بصره أو أطمع نفسه في غيرها، فإنّ الطّمع في الجديد ينغّص الخلق وينقص المخالطة، ولا يستر عيوب الخارج فتميل النّفس إلى المشاهد الغريب، ويتكدّر العيش مع الحاضر القريب كما قال الشّاعر:*
والمرء ما دام ذا عين يقلّبها ... في أعين الحور موقوف على الخطر
يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضّرر
ثمّ تصير الثّانية كالأولى وتطلب النّفس ثالثة وليس لهذا آخر، بل الغضّ عن المشتهيات، ويأس النّفوس من طلب المتحسّنات يطيّب العيش مع المعاشر) * «6» .
13-* (قال أبو العتاهية:
لقد لعبت وجدّ الموت في طلبي ... وإنّ في الموت لي شغلا عن اللّعب
لو شمّرت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتدّ حرصي على الدّنيا ولا طلبي
) * «7» .
__________
(1) المستطرف (97) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (98) .
(4) سير أعلام النبلاء (14/ 346) .
(5) مجمع الأمثال للميداني النيسابوري (2/ 243) .
(6) صيد الخاطر (321) .
(7) المستطرف (98) .(10/4854)
14-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرّجال
هب الدّنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزّوال
) ؟ * «1» .
15-* (قال الرّاغب الأصفهانيّ: الطّمع طبع، وهو يدنّس الإهاب، وذلك لأنّ أكثر الطّمع من أجل الهوى) * «2» .
16-* (قال ثابت بن قطنة:
لا خير في طمع يهدي إلى طبع ... وغفّة «3» من قوام العيش تكفيني
) * «4» .
17-* (قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ- رحمه الله تعالى-:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما
أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدا فيم أو لما؟
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة؟ ... إذا فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما
) * «5» .
18-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: في الطّمع شره، والحمية أوفق) * «6» .
19-* (وقال أيضا: لصّ الحرص لا يمشي إلّا في ظلام الهوى) * «7» .
20-* (قال ابن المقرّيّ في لاميّته:
دع الجموع وسامحه تغظه ولا ... تصحب سوى السّمح واحذر سقطة العجل
) * «8» .
21-* (قال بعض الشّعراء:
لا تغبطنّ أخا حرص على سعة ... وانظر إليه بعين الماقت القالي
__________
(1) المستطرف (98) .
(2) المفردات (307) مادة (ط م ع) .
(3) الغفّة: القليل الذي يتبلغ به.
(4) بصائر ذوي التمييز (3/ 516)
(5) أدب الدنيا والدين (50) ط. بولاق.
(6) الفوائد (68) .
(7) المرجع السابق (68) .
(8) جواهر الأدب العربي (674) .(10/4855)
إنّ الحريص لمشغول بثروته ... عن السّرور بما يحوي من المال
) * «1» .
22-* (وفي نفس الموضع قال آخر:
يا جامعا مانعا والدّهر يرمقه ... مفكّرا أيّ باب منه يغلقه
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلّا يوم تنفقه
إنّ القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلّها همّا يؤرّقه
) * «2» .
23-* (قال الشّاعر:
لا تغضبنّ على امرئ ... لك مانع ما في يديه
واغضب على الطّمع الّذي ... استدعاك تطلب ما لديه
) * «3» .
24-* (قال بعضهم: الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه) * «4» .
25-* (قال الشّاعر:
إذا طاوعت حرصك كنت عبدا ... لكلّ دنيئة تدعى إليها
) * «5» .
26-* (وقال آخر وأجاد:
قد شاب رأسي ورأس الدّهر لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفي تعب
) * «6» .
27-* (قال بعضهم: العبيد ثلاثة: عبد رقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع) * «7» .
28-* (قال بعضهم: من أراد أن يعيش حرّا أيّام حياته فلا يسكن قلبه الطّمع) * «8» .
29-* (قال الحادرة الذّبيانيّ:
إنّا نعفّ فلا نريب حليفنا ... ونكفّ شحّ نفوسنا في المطمع
) * «9» .
من مضار (الطمع)
(1) دليل قلّة الإيمان، ونقص الثّقة فيما عند الله العلّام.
(2) دليل سوء الظّنّ بالله الواسع العطاء.
(3) يشعر صاحبه الفقر الملازم الّذي لا ينفكّ.
(4) يذلّ صاحبه لكلّ من يطمع فيما عنده.
(5) يحقّر نفسه ويزدريه الآخرون.
(6) التّعب الدّائم الّذي لا ينقطع.
__________
(1) رسالة ابن رجب في شرح حديث ما ذئبان جائعان (26) .
(2) المرجع السابق (26) .
(3) المستطرف (99)
(4) المرجع السابق (97) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المستطرف (97) .
(7) المرجع السابق (98) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المفضليات للضبي (45) .(10/4856)
طول الأمل (عدم تذكر الموت)
الأمل لغة:
هو الاسم من قولهم: أملته آمله أملا وإملة، وهو مأخوذ من مادّة (أم ل) الّتي تدلّ على التّثبّت والانتظار «1» .
قال ابن فارس: ومن ذلك: الأمل: الرّجاء تقول أمّلته تأميلا وأملته أملا وإملة، وهذا فيه بعض الانتظار.
وقال الجوهريّ: يقال: أمل خيره يأمله أملا، وأمّله يؤمّله تأميلا، وقولهم: ما أطول إملته أي أمله، وتأمّلت الشّيء، نظرت إليه مستبينا له.
وقال ابن الأعرابيّ: الأملة: أعوان الرّجل واحدهم آمل.
وقال في اللّسان: يقال: الأمل، والأمل، والإمل وجمع الأمل آمال، وقول الله تعالى:
وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ (الحجر/ 3) .
قال القرطبيّ في تفسيرها: ويلههم الأمل أي يشغلهم عن الطّاعة «2» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 12/ 40
الأمل اصطلاحا:
قال القرطبيّ: الأمل: الحرص على الدّنيا والانكباب عليها، والحبّ لها والإعراض عن الآخرة «3» .
وقال المناويّ: الأمل: توقّع حصول الشّيء، وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله «4» .
أمّا طول الأمل: فهو الاستمرار في الحرص على الدّنيا ومداومة الانكباب عليها مع كثرة الإعراض عن الآخرة «5» .
الفرق بين الأمل والطّمع والرجاء:
قال المناويّ: من عزم على سفر إلى بلد بعيد يقول أملت الوصول ولا يقول طمعت، لأنّ الطّمع لا يكون إلّا فى القريب، والأمل في البعيد، والرّجاء بينهما، لأنّ الرّاجي يخاف ألّا يحصّل مأموله «6» .
قال ابن حجر: وفي الأمل سرّ لطيف لأنّه لولا الأمل ما تهنّى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدّنيا، وإنّما المذموم منه
__________
(1) لهذه المادة معنى آخر هو الحبل من الرمل المعتزل معظمه (أي الرمل) ، انظر المقاييس (1/ 140) .
(2) تفسير القرطبي (10/ 4) وانظر مقاييس اللغة (1/ 140) ، والصحاح (4/ 1626) ، تهذيب اللغة (15/ 395) ، واللسان (1/ 132) (ط. دار المعارف)
(3) تفسير القرطبي (10/ 4) .
(4) التوقيف (62) .
(5) اقتبس هذا التعريف من أقوال اللغويين وعلماء الاصطلاح فى كل من الأمل والطول.
(6) التوقيف (12) .(10/4857)
الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلّف بإزالته «1» .
دوافع طول الأمل:
قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ طول الأمل له سببان، أحدهما: الجهل، والآخر:
حبّ الدنيا.
أمّا حبّ الدّنيا: فهو أنّه إذا أنس بها وبشهواتها ولذّاتها وعلائقها ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الّذي هو سبب مفارقتها، وكلّ من كره شيئا دفعه عن نفسه. والإنسان مشغوف بالأمانيّ الباطلة، فيمنّي نفسه أبدا بما يوافق مراده، وإنّما يوافق مراده البقاء في الدّنيا، فلا يزال يتوهمّه ويقدّره في نفسه ويقدّر توابع البقاء وما يحتاج إليه من مال وأهل ودار وأصدقاء ودوابّ وسائر أسباب الدّنيا، فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا عليه، فيلهو عن ذكر الموت فلا يقدّر قربه، فإن خطر له في بعض الأحوال أمر الموت والحاجة إلى الاستعداد له سوّف ووعد نفسه وقال: الأيّام بين يديك إلى أن تكبر ثمّ تتوب، وإذا كبر فيقول: إلى أن تصير شيخا. فإذا صار شيخا قال:
إلى أن تفرغ من بناء هذه الدّار وعمارة هذه الضّيعة. أو ترجع من هذه السّفرة، أو تفرغ من تدبير هذا الولد وجهازة وتدبير مسكن له، أو تفرغ من قهر هذا العدوّ الّذي يشمت بك. فلا يزال يسوّف ويؤخّر، ولا يخوض في شغل إلّا ويتعلّق بإتمام ذلك الشّغل عشرة أشغال أخر، وهكذا على التّدريج يؤخّر يوما بعد يوم ويفضي به شغل إلى شغل بل إلى أشغال إلى أن تختطفه المنيّة في وقت لم يحسبه، فتطول عند ذلك حسرته، وأكثر أهل النّار وصياحهم من سوف، يقولون: واحزناه من سوف. والمسوّف المسكين لا يدري أنّ الّذي يدعوه إلى التّسويف اليوم هو معه غدا، وإنّما يزداد بطول المدّة قوّة ورسوخا، ويظنّ أنّه يتصوّر أن يكون للخائض في الدّنيا والحافظ لها فراغ قطّ وهيهات، فما يفرغ منها إلّا من طرحها. فما قضى أحد منها لبانته وما انتهى أرب إلّا إلى أرب.
وأصل هذه الأماني كلّها حبّ الدّنيا والأنس بها والغفلة عن معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبب من أحببت فإنّك مفارقه» .
وأمّا الجهل: فهو أنّ الإنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشّباب، وليس يتفكّر المسكين أنّ مشايخ بلده لو عدّوا فكانوا أقلّ من عشر رجال البلد، وإنّما قلّوا لأنّ الموت في الشّباب أكثر، فإلى أن يموت شيخ يموت ألف صبيّ وشابّ. وقد يستبعد الموت لصحّته ويستبعد الموت فجأة، ولا يدري أنّ ذلك غير بعيد، وإن كان ذلك بعيدا، فالمرض فجأة غير بعيد، وكلّ مرض فإنّما يقع فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيدا. ولو تفكّر هذا الغافل وعلم أنّ الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشيب وكهولة ومن صيف وشتاء وخريف وربيع من ليل ونهار لعظم استشعاره واشتغل بالاستعداد له، ولكنّ الجهل بهذه الأمور وحبّ الدّنيا دعواه إلى طول
__________
(1) فتح الباري (11/ 241) .(10/4858)
الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب، فهو أبدا يظنّ أنّ الموت يكون بين يديه ولا يقدّر نزوله به ووقوعه فيه، وهو أبدا يظنّ أنّه يشيّع الجنائز ولا يقدّر أن تشيّع جنازته، لأنّ هذا قد تكرّر عليه وألفه وهو مشاهدة موت غيره، فأمّا موت نفسه فلم يألفه، ولم يتصوّر أن يألفه فإنّه لم يقع، وإذا وقع في دفعة أخرى بعد هذه، فهو الأوّل وهو الآخر.
علاج طول الأمل:
وسبيله أن يقيس نفسه بغيره، ويعلم أنّه لا بدّ وأن تحمل جنازته ويدفن في قبره، ولعلّ اللّبن الّذي يغطّي به لحده قد ضرب وفرغ منه وهو لا يدري فتسويفه جهل محض. وإذا عرفت أنّ سببه الجهل وحبّ الدّنيا فعلاجه دفع سببه.
أمّا الجهل فيدفع بالفكر الصّافي والحكمة البالغة.
وأمّا حبّ الدّنيا، فالعلاج في إخراجه من القلب شديد وهو الداء العضال الّذي أعيا الأوّلين والآخرين علاجه؛ ولا علاج له إلّا الإيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثّواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حبّ الدّنيا، فإنّ حبّ الخطير هو الّذي يمحو عن القلب حبّ الحقير. فإذا رأى حقارة الدّنيا ونفاسة الآخرة استنكف أن يلتفت إلى الدّنيا كلّها، وإن أعطي ملك الأرض من المشرق إلى المغرب، وكيف وليس عنده من الدّنيا إلّا قدر يسير مكدّر منغّص، فكيف يفرح بها أو يترسّخ في القلب حبّها مع الإيمان بالآخرة؟ فنسأل الله تعالى أن يرينا الدّنيا كما أراها الصّالحين من عباده.
بيان مراتب الناس في طول الأمل وقصره:
اعلم أنّ النّاس في ذلك يتفاوتون؛ فمنهم من يأمل البقاء، ويشتهي ذلك أبدا. قال الله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (البقرة/ 96) . ومنهم من يأمل البقاء إلى الهرم وهو أقصى العمر الّذي شاهده ورآه وهو الّذي يحبّ الدّنيا حبّا شديدا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قلب الشّيخ شاب على حبّ اثنتين:
طول الحياة وحبّ المال» . ومنهم من يأمل إلى سنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها فلا يقدّر لنفسه وجودا في عام قابل، ولكنّ هذا يستعدّ في الصّيف للشّتاء وفي الشتاء للصّيف. فإذا جمع ما يكفيه لسنته اشتغل بالعبادة.
ومنهم من يأمل مدّة الصّيف أو الشّتاء، فلا يدّخر في الصّيف ثياب الشّتاء ولا في الشّتاء ثياب الصّيف.
ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة، فلا يستعدّ إلّا لنهاره وأمّا للغد فلا. قال عيسى عليه السّلام: لا تهتمّوا برزق غد. فإن يكن غد من آجالكم فستأتي فيه أرزاقكم مع آجالكم، وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتمّوا لآجال غيركم «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإعراض- الأمن من المكر- الغفلة- الوهم- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- الطيش.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تذكر الموت- الزهد- التدبر- محاسبة النفس- الورع- التفكر- التأمل- النظر والتبصر- البصيرة] .
__________
(1) إحياء علوم الدين (4/ 486) بتصرف.(10/4859)
الآيات الواردة في «طول الأمل (عدم تذكر الموت) »
1- وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) «1»
2- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) «2»
__________
(1) البقرة: 96 مدنية
(2) الحجر: 1- 3 مكية(10/4860)
الأحاديث الواردة في ذمّ (طول الأمل)
1-* (عن جابر بن زيد- رضي الله عنه- قال:
أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أعواد، فغرس إلى جنبه واحدا، ثمّ مشى قليلا، فغرس آخر، ثمّ مشى قليلا، فغرس آخر، ثمّ قال: «هل تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم، وأجله وأمله فنفسه تتوق إلى أمله، ويخترمه أجله دون أمله» ) * «1» .
2-* (وعن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ من آمن بك، وشهد أنّي رسولك فحبّب إليه لقاءك، وسهّل عليه قضاءك، وأقلل له من الدّنيا، ومن لم يؤمن بك، ولم يشهد أنّي رسولك فلا تحبّب إليه لقاءك، ولا تسهّل عليه قضاءك، وأكثر له من الدّنيا» ) * «2»
ورواه ابن ماجه من حديث عمرو بن غيلان الثّقفيّ، وهو ممّن اختلف في صحبته، ولفظه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ من آمن بي وصدّقني، وعلم أنّ ما جئت به الحقّ من عندك فأقلل ماله وولده، وحبّب إليه لقائك، وعجّل له القضاء، ومن لم يؤمن بي، ولم يصدّقني، ولم يعلم أنّ ما جئت به الحقّ من عندك فأكثر ماله وولده وأطل عمره» ) * «3» .
3-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
خطّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطّا مربّعا، وخطّ خطّا في الوسط خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الّذي في الوسط من جانبه الّذي في الوسط وقال: «هذا الإنسان؛ وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به. وهذا الّذي هو خارج أمله وهذه الخطوط الصّغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال قلب الكبير شابّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل» ) * «5» .
5-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا ابن آدم وهذا أجله» ووضع يده عند قفاه، ثمّ بسطها. فقال: «وثمّ أمله وثمّ أمله، وثمّ أمله» ) * «6» .
6-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل تدرون ما هذه وهذه؟» ورمى بحصاتين، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «هذا الأمل، وهذاك الأجل» ) * «7» .
__________
(1) أخرجه وكيع في كتاب الزهد، وقال محققه (2/ 437) : اسناده صحيح لكنه مرسل. وأخرجه ابن المبارك في الزهد (86) ، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا. وهو عند البخاري بمعناه.
(2) المنذري في الترغيب (4/ 335) وقال: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وابن حبان في صحيحه.
(3) ابن ماجة (4133) ، وفي الزوائد: رجال الإسناد ثقات. وهو مرسل. صحيح الجامع (1311) وصححه الألباني.
(4) البخاري- الفتح 11 (6417) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6420) واللفظ له والترمذى (2338) ، (2455) .
(6) الترمذي (2334) وقال: هذا حديث حسن صحيح ولفظه عند البخاري (6418) : خط النبي صلّى الله عليه وسلّم خطوطا فقال: «هذا الأمل وهذا أجله فبينما هو كذلك اذ جاءه الخط الأقرب» .
(7) أخرجه الترمذي (2870) وقال: حسن غريب وأقر تحسينه المنذري في الترغيب والترهيب. وانظر جامع الأصول (1/ 393) .(10/4861)
الأحاديث الواردة في ذمّ (طول الأمل) معنى
7-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر يقول:
«إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك» ) * «1» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك «2» وحياتك قبل موتك» ) * «3» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بمجلس وهم يضحكون، فقال: «أكثروا من ذكر هاذم اللّذّات- أحسبه قال- فإنّه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلّا وسّعه، ولا في سعة إلّا ضيّقه عليه» ) * «4» .
10-* (وعن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: مات رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يثنون عليه، ويذكرون من عبادته ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكت، فلمّا سكتوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كان يكثر ذكر الموت؟» قالوا: لا. قال: «فهل كان يدع كثيرا ممّا يشتهي؟» قالوا: لا. قال: «ما بلغ صاحبكم كثيرا ممّا تذهبون إليه» ) * «5» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه» قال فأتيت عائشة فقلت: يا أمّ المؤمنين، سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثا. إن كان كذلك فقد هلكنا.
فقالت: إنّ الهالك من هلك. بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6416) .
(2) شغلك: بفتح الشين وضمها. قال المناوي: أي فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر.
(3) الحاكم في المستدرك (4/ 306) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره المنذري في الترغيب (4/ 251) وعزاه الى الحاكم في المستدرك. الترمذي (2333) نحوه عن ابن عمر.
(4) المنذري في الترغيب (4/ 236) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البزار باسناد حسن والبيهقي باختصار، في باب الترهيب من الظلم حديث أبي ذر، وفيه: قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال: «كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك. عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب. عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن اليها. وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل» .
(5) المنذري في الترغيب (4/ 239) وقال: رواه الطبراني باسناد حسن، ورواه البزار من حديث أنس قال: ذكر عند النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل بعبادة واجتهاد فقال: «كيف ذكر صاحبكم للموت؟» قالوا: ما نسمعه يذكره. قال: «ليس صاحبكم هناك» .(10/4862)
ذاك؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» وليس منّا أحد إلّا وهو يكره الموت. فقالت: قد قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وليس بالّذي تذهب إليه. ولكن إذا شخص «1» البصر، وحشرج «2» الصّدر، واقشعرّ «3» الجلد، وتشنّجت «4» الأصابع. فعند ذلك، من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه) * «5» .
12-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حبّ المال، وطول العمر» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (طول الأمل)
1-* (روي عن عيسى- عليه السلام- أنّه قال: «من ذا الّذي يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدّنيا فلا تتّخذوها قرارا) * «7» .
2-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة. ألا وإنّ الدّنيا ارتحلت مدبرة» ) * «8» .
3-* (يؤثر عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قوله: «هذا المرء وهذه الحتوف حوله شوارع إليه، والهرم وراء الحتوف، والأمل وراء الهرم فهو يؤمّل، وهذه الحتوف شوارع إليه، فأيّها أمر به أخذه، فإن أخطأته الحتوف قتله الهرم وهو ينتظر الأمل» ) * «9» .
4-* (وقال: «لا يطولنّ عليكم الأمد ولا يلهينّكم الأمل فإنّ كلّ ما هو آت قريب، ألا وإنّ البعيد ما ليس آتيا» ) * «10» .
5-* (دخل رجل على أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله تعالى عنه- فجعل يقلّب بصره في بيته فقال:
يا أبا ذرّ! أين متاعكم؟ فقال: إنّ لنا بيتا نتوجّه إليه، فقال: «إنّه لا بدّ لك من متاع ما دمت هاهنا» ، فقال:
«إنّ صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا» ) * «11»
6-* (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني: مؤمّل الدّنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يغفل عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط ربّ العالمين عليه أم راض؟) * «12» .
__________
(1) شخص: الشخوص معناه: ارتفاع الأجفان إلى فوق، وتحديد النظر.
(2) وحشرج: الحشرجة: هي تردد النفس في الصدر.
(3) واقشعر: اقشعرار الجلد قيام شعره.
(4) وتشنجت: تشنج الأصابع: تقبّضها.
(5) البخاري- الفتح 11 (6508) ، مسلم (2685) ، واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 11 (6421) .
(7) جامع العلوم والحكم (332) .
(8) البخاري- الفتح 11 (240) .
(9) إحياء علوم الدين (4/ 482) .
(10) الفوائد (200) .
(11) جامع العلوم والحكم (332) .
(12) إحياء علوم الدين (4/ 483) .(10/4863)
7-* (قال عمر بن عبد العزيز في خطبته: لا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وتنقادوا لعدوّكم، فإنّه والله ما بسط أملا من لا يدري لعلّه لا يصبح بعد مسائه ولا يمسي بعد صباحه، وربّما كانت بين ذلك خطفات المنايا) * «1» .
8-* (قال أبو زكريّا التّميميّ: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتي بحجر منقور، فطلب من يقرؤه، فأتي بوهب بن منبّه فإذا فيه: ابن آدم إنّك لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك ولرغبت في الزّيادة من عملك ولقصّرت من حرصك وحيلك ... ) * «2» .
9-* (روي أنّ معروفا الكرخيّ- رحمه الله تعالى- أقام الصّلاة، قال محمّد بن أبي توبة: فقال لي:
تقدّم، فقلت: إنّي إن صلّيت بكم هذه الصّلاة لم أصلّ بكم غيرها، فقال معروف: وأنت تحدّث نفسك أن تصلّي صلاة أخرى؟ نعوذ بالله من طول الأمل فإنّه يمنع من خير العمل) * «3» .
10-* (قال القاضي عياض: إنّ الشيخ من شأنه أن تكون آماله وحرصه على الدّنيا قد بليت على بلاء جسمه إذا انقضى عمره ولم يبق له إلّا انتظار الموت فلمّا كان الأمر بضدّه ذمّ) * «4» .
11-* (قال أبو محمّد بن عليّ الزّاهد:
«خرجنا في جنازة بالكوفة وخرج فيها داود الطّائيّ، فانتبذ فقعد ناحية وهي تدفن. فجئت فقعدت قريبا منه فتكلّم فقال: من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكلّ ما هو آت قريب..
واعلم أنّ أهل الدّنيا جميعا من أهل القبور إنّما يندمون على ما يخلّفون ويفرحون بما يقدّمون، فما ندم عليه أهل القبور أهل الدّنيا عليه يقتتلون، وفيه يتنافسون، وعليه عند القضاة يختصمون» ) * «5» .
12-* (قال الإمام الغزاليّ: لقد قصم الموت رقاب الجبابرة، وكسر ظهر الأكاسرة وقصر آمال القياصرة الّذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة.
حتّى جاءهم الوعد الحقّ فأرداهم في الحافرة ... فانظر هل وجدوا من الموت حصنا وعزّا..) * «6» .
13-* (قال ابن الجوزيّ: «قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرّغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطّاعة فهو المغبون، وتمام ذلك الدّنيا مزرعة الآخرة، وفيها التّجارة الّتي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحّته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأنّ الفراغ يعقبه الشّغل، والصّحّة يعقبها السّقم ولو لم يكن إلّا الهرم» ) * «7» .
__________
(1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (4/ 484) .
(4) فتح الباري (11/ 245) .
(5) إحياء علوم الدين (4/ 484) .
(6) المرجع السابق (4/ 475) .
(7) فتح الباري (11/ 234) .(10/4864)
14-* (قال الإمام النّوويّ- رحمه الله-: «لا تركن إلى الدّنيا، ولا تتّخذها وطنا، ولا تحدّث نفسك بالبقاء فيها، ولا تتعلّق منها بما لا يتعلّق به الغريب في غير وطنه» ) * «1» .
15-* (قال ابن القيّم: «على قدر رغبة العبد في الدّنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة» ) * «2» .
16-* (وقال- رحمه الله-: «ما مضى من الدّنيا أحلام، وما بقي منها أمانيّ، والوقت ضائع بينهما» ) * «3» .
17-* (وقال أيضا: «قوّة الطّمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد في الطّلب وشدّة الحذر من فوت المأمول» ) * «4» .
18-* (قال ابن حجر- رحمه الله-: قال ابن الأثير: «من ترك الدّنيا وأبغضها أحبّ لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله، لأنّه إنّما يصل إليه بالموت» ) * «5» .
19-* (قال ابن حزن: «باذل نفسه في غرض الدّنيا كبائع الياقوت بالحصا» ) * «6» .
20-* (قال عبد الصّمد بن المعدّل:
ولي أمل قطعت به اللّيالي ... أراني قد فنيت به وداما
) * «7»
21-* (وقال آخر:
الله أصدق والآمال كاذبة ... وجلّ هذي المنى في الصّدر وسواس
22-* (قال الحسن: «إنّما أنت أيّام مجموعة كلّما مضى يوم مضى بعضك» ) * «8» .
23-* (وقال: ابن آدم إنّما أنت بين راحلتين مطيّتين يوضعانك، يوضعك اللّيل إلى النّهار، والنّهار إلى اللّيل، حتّى يسلماك إلى الآخرة، فمن أعظم منك يا بن آدم خطرا؟) * «9» .
24-* (وقال: «الموت معقود بنواصيكم والدّنيا تطوى من ورائكم» ) * «10» .
25-* (كان آدم- عليه السّلام- قبل أن يخطىء أمله خلف ظهره، وأجله بين عينيه، فلمّا أصاب الخطيئة حوّل فجعل أمله بين عينيه وأجله خلف ظهره» ) * «11» .
26-* (وقيل: «لو رأيت الأجل ومروره، لنسيت الأمل وغروره» ) * «12» .
27-* (قال يحيى بن معاذ الرّازي: «الدّنيا
__________
(1) المرجع السابق (11/ 238) .
(2) المرجع السابق (132) .
(3) المرجع السابق (65) .
(4) المرجع السابق (68) .
(5) فتح الباري (11/ 367) .
(6) مداواة النفوس (10) .
(7) المستطرف (1/ 112) .
(8) جامع العلوم والحكم (334) .
(9) السابق، الصفحة نفسها.
(10) السابق، الصفحة نفسها.
(11) احياء علوم الدين (4/ 483) .
(12) المستطرف (1/ 112) .(10/4865)
خمر الشّيطان، من سكر منها لم يفق إلّا في عسكر الموت» ) * «1» .
28-* (قيل لمحمّد بن واسع: كيف تجدك قال:
قصير الأجل، طويل الأمل، مسيء العمل) * «2» .
29-* (قال أبو العتاهية:
أرى الدّنيا لمن هي في يديه ... عذابا كلّما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصغر ... وتكرم كلّ من هانت عليه
إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما أنت محتاج إليه
) * «3» .
30-* (قال الأبشيهيّ:
أيا من عاش في الدّنيا طويلا ... وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمع من حرام أو حلال
هب الدّنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزّوال
) * «4» .
31-* (كتب رجل إلى أخ له: «إنّ الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنّقص في كلّ يوم منه نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر قبل أن تنادى بالرّحيل. والسّلام» ) * «5»
32-* (قال بعض الحكماء: «من كانت الأيّام واللّيالي مطاياه، سارت به، وإن لم يسر) *
33-* (وفي هذا قال بعضهم:
وما هذه الأيّام إلّا رواحل ... يحثّ بها داع إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأمّلت أنّها ... منازل تطوى والمسافر قاعد
) * «6»
34-* (وقال آخر:
ويا ويح نفس من نهار يقودها ... إلى عسكر الموتى وليل يذودها
) * «7»
35-* (من كلام الحكماء: «إيّاكم وطول الأمل فإنّ من ألهاه أمله أخزاه عمله» ) * «8» .
36-* (قال أحدهم: إنّ أحبّ الأشياء إلى ابن آدم نفسه، فهو راغب في بقائها فأحبّ لذلك طول العمر، وأحبّ المال لأنّه من أعظم الأسباب في دوام الصّحّة الّتي ينشأ عنها غالبا طول العمر، فكلّما أحسّ بقرب نفاد ذلك اشتدّ حبّه له ورغبته في دوامه) * «9» .
37-* (قال أحدهم:
يسرّ الفتى طول السّلامة والبقا ... فكيف ترى طول السّلامة يفعل
__________
(1) جامع العلوم والحكم (333) .
(2) المستطرف (1/ 112) .
(3) أدب الدنيا والدين (122) .
(4) المستطرف (1/ 113) .
(5) احياء علوم الدين (4/ 483) .
(6) جامع العلوم والحكم (334) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المستطرف (1/ 112) .
(9) فتح الباري (11/ 245) وراجعه في المقدمة.(10/4866)
يردّ الفتى بعد اعتدال وصحّة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل
) * «1» .
38-* (قال بعضهم:
مآرب كانت في الشّباب لأهلها ... عذابا فصارت في المشيب عذابا
) * «2» .
39-* (وقال آخر:
قد نادت الدّنيا على نفسها ... لو كان في ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته ... وجامع فرقّت ما يجمع
) * «3» .
40-* (عن قيس بن أبي حازم: دخلنا على خبّاب نعوده وقد اكتوى سبع كيّات فقال: إنّ أصحابنا الّذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدّنيا، وإنّا أصبنا مالا نجد موضعا إلّا التّراب، ولولا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. ثمّ أتيناه مرّة أخرى وهو يبني حائطا له فقال: إنّ المسلم ليؤجر في كلّ شيء ينفقه، إلّا في شيء يجعله في هذا التّراب» ) * «4» .
من مضار (طول الأمل)
(1) نسيان الآخرة وما أعدّ الله فيها من النّعيم المقيم لأهل طاعته ومن العذاب الأليم لأهل المعاصي.
(2) قلّة الصّبر عن الشّهوات، وشدّة الغفلة عن الطّاعات.
(3) إنّ طول الأمل يجلب السّعادة الظّاهرة في الدّنيا ويسقي صاحبه كؤوسا مترعة من اللّذّة الفانية.
(4) يقسي القلب ويجفّ دمع العين، ويزيد في شدّة الحرص على الدّنيا.
(5) يدفع إلى المعاصي، ويبعد عن الطّاعات.
(6) به يتعدّى على الآخرين فيسلب الحقوق، وينتهك الحرمات.
__________
(1) فتح الباري (11/ 234) .
(2) الفوائد (62) .
(3) المرجع السابق (80) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5672) واللفظ له، ومسلم (2681) .(10/4867)
الطيش
الطيش لغة:
الطّيش مصدر قولهم: طاش الشّيء يطيش، وهو مأخوذ من مادّة (ط ي ش) الّتي تدلّ على الخفّة ومن ذلك طاش السّهم عن الهدف إذا لم يصبه، كأنّه خفّ وطاش وطار، وقيل معناه: عدل (عن الغرض) ولم يقصد للرّميّة، وأطاشه الرّامي، والطّيش أيضا:
النّزق.
وقال اللّيث: الطّيش: خفّة العقل، والوصف من ذلك طائش من قوم طاشة، وطيّاش من قوم طيّاشة. وقال بعضهم: طيش العقل: ذهابه حتّى يجهل صاحبه ما يحاول، وطيش الحلم خفّته، وطيش السّهم:
جوره عن سننه، وفي حديث الحساب «فطاشت السّجلّات وثقلت البطاقة» أي خفّت وطارت، وفي حديث عمر بن أبي سلمة: «كانت يدي تطيش في الصّحفة» ، معناه: تخفّ وتتناول (الطّعام) من كلّ جانب، وفي حديث ابن شبرمة، وسئل عن السّكر فقال: «إذا طاشت رجلاه واختلط كلامه» «1» .
الطيش اصطلاحا:
الطّيش مثل السّفه، وهو سرعة الغضب من
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
3/ 5
يسير الأمور، والمبادرة بالطّيش، والإيقاع بالمؤذى، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسّبّ الفاحش «2» .
وقيل: هو استعمال القوّة الفكريّة فيما لا ينبغي، وكما لا ينبغي «3» .
حكم الطيش:
قال الجاحظ: وهذا الخلق مستقبح من كلّ أحد إلّا أنّه من الملوك والرّؤساء أقبح، وعلى هذا فإذا ترتّب على الطّيش محرّم كان محرّما، وإذا ترتّب عليه مكروه كان مكروها، وهو على كلّ حال مستقبح وفي كلّ وقت مسترذل، فكم من طائش قول أو فعل أهلك صاحبه وحرمه النّجاة وألقى به في عداد الظّلمة الفسقة.
[للاستزادة: انظر صفات: الحمق- اتباع الهوى- السفاهة- العجلة- شرب الخمر. اللهو واللعب- التهاون.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التأني- الحلم- الرفق- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- الوقار] .
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 437) ، الصحاح (3/ 1009) ، وتهذيب اللغة (11/ 392) ، النهاية لابن الأثير (3/ 153) ، واللسان (4/ 2739) ط. دار المعارف.
(2) انظر تهذيب الأخلاق للجاحظ (90) بتصرف.
(3) المرجع السابق (37) .(10/4868)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الطيش) معنى
1-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ ليعطي على الرّفق ما لا يعطي على الخرق، وإذا أحبّ الله عبدا أعطاه الرّفق. ما من أهل بيت يحرمون الرّفق إلّا حرموا» ) * «1» .
2-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إذا حدّثتكم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلأن أخرّ من السّماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي في آخر الزّمان قوم حدثاء الأسنان «2» ، سفهاء الأحلام «3» ، يقولون من قول خير البريّة «4» ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة» ) * «5» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الطيش)
1-* (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله، فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس، أيّتها الرّعيّة، إنّ لنا عليكم حقّا، النّصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير، أيّها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا، فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه) * «7» .
2-* (قال أبو منصور: «الأناة حصن السّلامة والعجلة مفتاح النّدامة» ) * «8» .
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع (8/ 18) ، وقال: في الصحيح منه «من يحرم الرفق يحرم الخير» ، ثم قال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وهو عند الطبراني في الكبير (2/ 306) / 2274
(2) حدثاء الأسنان: أي صغارها.
(3) سفهاء الأحلام: أي ضعفاء العقول.
(4) يقولون من قول خير البرية: أي من القرآن.
(5) البخاري- الفتح 6 (3611) .
(6) أبو يعلي (4/ 206) / 4240، والبيهقي (10/ 104) ، وذكره الألباني في الصحيحة (4/ 404) / 1795، وحسنه في صحيح الجامع (3/ 57) / 3008، والترغيب والترهيب (3/ 418) ، وقال المنذري: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 19) رجاله رجال الصحيح.
(7) الإحياء (3/ 186) .
(8) التمثيل والمحاضرة (420) .(10/4869)
3-* (وقال: «التّأنّي مع الخيبة خير من التّهوّر مع النّجاح» ) * «1» .
4-* (وقال أيضا: «الشّباب مظنّة الجهل، ومطيّة الذّنوب» ) * «2» .
5-* (قال ابن المعتزّ: جهل الشّباب معذور وعلمه محقور) * «3» .
من مضار (الطيش)
(1) ضياع حقّ المرء.
(2) عدم احترام النّاس له.
(3) ضياع الثّواب.
(4) فيه طاعة للشّيطان.
(5) من علامات السّاعة.
__________
(1) التمثيل والمحاضرة (420) .
(2) المرجع السابق (382) .
(3) المرجع السابق (382) .(10/4870)
[حرف الظاء]
الظلم
الظّلم لغة:
الظّلم اسم من ظلمه ظلما، من باب ضرب، ومظلمة بفتح الميم وكسر اللّام، وتجعل المظلمة اسما لما تطلبه عند الظّالم، كالظّلامة بالضّمّ، وظلّمته بالتّشديد، نسبته إلى الظّلم، وأصل الظّلم، وضع الشّيء في غير موضعه، وفي المثل «من استرعى الذّئب فقد ظلم» «1» .
وأصل المادّة يدلّ على أصلين، يقول ابن فارس:
«الظّاء واللّام والميم أصلان صحيحان، أحدهما خلاف الضّياء والنّور، والآخر: وضع الشّيء غير موضعه تعدّيا، فالأوّل: الظّلمة، والجمع ظلمات. والظّلام: اسم الظّلمة، وقد أظلم المكان إظلاما، والأصل الآخر، ظلمه يظلمه ظلما. والأصل فيه، وضع الشّيء في غير موضعه، ويقال: ظلّمت فلانا، نسبته إلى الظّلم، وظلمت فلانا فاظّلم، وانظلم، إذا احتمل الظّلم، والأرض المظلومة، الّتي لم تحفر قطّ، ثمّ حفرت، وذلك التّراب ظليم. والظّلامة: ما تطلبه من مظلمتك عند الظّالم، وقد ظلم وطبه، إذا سقى منه، قبل أن يروب ويخرج زبده، ويقال لذلك اللّبن ظلايم أيضا «2» .
ويقول الجوهريّ: «ظلمه يظلمه ظلما ومظلمة، وأصله، وضع الشّيء في غير موضعه والظّلامة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
190/ 68/ 19
والظّليمة والمظلمة: ما تطلبه عند الظّالم، وهو اسم ما أخذ منك وتظلّمني فلان، أي ظلمني مالي، وتظلّم منه، أي اشتكى ظلمه.
وانظلم، أي احتمل الظّلم، والظّلّيم بالتّشديد: الكثير الظّلم «3» .
وقيل: الظّلم التّصرّف فيما لا يملك التّصرّف فيه، ويقال في مجاوزة الحقّ. ويقال في الكثير والقليل. ولهذا يستعمل في الذّنب الكبير والذّنب الصّغير. ومن أمثال العرب: من أشبه أباه فما ظلم، قال الأصمعيّ: ما ظلم أي ما وضع الشّبه في غير موضعه. وفي المثل: من استرعى الذّئب فقد ظلم، وفي الحديث «لزموا الطّريق فلم يظلموه» أي لم يعدلوا عنه. وأصل الظّلم: الجور ومجاوزة الحدّ، ومنه في حديث الوضوء «فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم» أي أساء الأدب بتركه السّنّة والتأدّب بأدب الشّرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثّواب بترداد المرّات من الوضوء. والظّلم: النّقص.
قال تعالى: وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً (الكهف/ 33) .
والظّلم: الشّرك، وفي التّنزيل العزيز: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 82) أي بشرك. وقوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) يعني أنّ الله تعالى المحيي المميت الرّزّاق المنعم وحده
__________
(1) المصباح المنير (146) .
(2) المقاييس (3/ 468، 469) .
(3) الصحاح (5/ 1977) .(10/4871)
لا شريك له، فإذا أشرك به غيره فذلك أعظم الظّلم؛ لأنّه جعل النّعمة لغير ربّها. والظّلم: الميل عن القصد، والعرب تقول: الزم هذا الصّوب ولا تظلم عنه، أي لا تجر عنه، وتظلّم فلان إلى الحاكم من فلان فظلّمه تظليما: أي أنصفه من ظالمه فأعانه عليه. والظّلمة، المانعون أهل الحقوق حقوقهم. واظّلم وانظلم:
احتمل الظّلم، وظلّمه: أنبأه أنّه ظالم أو نسبه إلى الظّلم والظّلامة والظّليمة والمظلمة: ما تطلبه عند الظّالم، وهو اسم من أخذ منك، وظلم فلان فاظّلم: احتمل الظّلم بطيب نفسه وهو قادر على الامتناع منه.
والظّلّيم: الكثير الظّلم، ومظلمة: ظالم وظلوم «1» .
الظلم اصطلاحا:
التّصرّف في حقّ الغير بغير حقّ، أو مجاوزة الحقّ «2» .
وقيل: الظّلم: وضع الشّيء في غير موضعه، وفي الشّريعة عبارة عن التّعدّي عن الحقّ إلى الباطل وهو الجور، وقيل: هو التّصرّف في ملك الغير ومجاوزة الحدّ «3» .
وقيل: وضع الشّيء بغير محلّه بنقص أو زيادة أو عدول عن زمنه «4» .
وقال الرّاغب في (المفردات) : «والظّلم عند أهل اللّغة وكثير من العلماء وضع الشّيء في غير موضعه المختصّ به. إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته، أو مكانه. والظّلم يقال في مجاوزة الحقّ الّذي يجري مجرى نقطة الدّائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التّجاوز. ولهذا يستعمل في الذّنب الكبير، وفي الذّنب الصّغير «5» .
وقال الرّاغب: الظّلم هو الانحراف عن العدل ولذلك حدّ بأنّه وضع الشّيء في غير موضعه المخصوص به، وقد يسمّى هذا الانحراف جورا، ولمّا كانت العدالة تجري مجرى النّقطة من الدّائرة فإنّ تجاوزها من جهة الإفراط عدوان وطغيان والانحراف عنها في بعض جوانبها جور وظلم، والظّلم أعمّ هذه الألفاظ استعمالا «6» .
وقال الجاحظ: الجور (الظّلم) هو الخروج عن الاعتدال في جميع الامور، والسّرف والتّقصير وأخذ الأموال من غير وجهها، والمطالبة بما لا يجب من الحقوق وفعل الأشياء في غير مواضعها ولا أوقاتها، ولا على القدر الّذي يجب ولا على الوجه الّذي يحبّ «7» .
وقال الكفويّ: الظّلم وضع الشّيء في غير موضعه، والتّصرّف في حقّ الغير، ومجاوزة حدّ الشّارع «8» .
__________
(1) لسان العرب، لابن منظور (12/ 380373) ، وانظر: نزهة الأعين. والنواظر (428426) ، النهاية، لابن الأثير (3/ 151، 162) بصائر ذوي، والتمييز (3/ 544540) .
(2) انظر: دليل الفالحين (1/ 514) ، جامع العلوم والحكم (211) .
(3) التعريفات للجرجاني (48) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (231) ، والمفردات للراغب (305) .
(5) المفردات (305) .
(6) الذريعة (375) .
(7) تهذيب الأخلاق (34) .
(8) الكليات (594) .(10/4872)
درجات الظّلم:
قال الرّاغب: لمّا كان الظّلم ترك الحقّ الجاري مجرى النّقطة من الدّائرة صار العدول عنها إمّا قريبا وإمّا بعيدا، فمن كان عنه (عن الحقّ) أبعد كان الرّجوع إليه أصعب، ولذلك قال تعالى: وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (النساء/ 60) تنبيها إلى أنّ الشّيطان متى أمعن بهم في البعد من الحقّ صعب عليهم حينئذ الاهتداء «1» .
وعلى هذا فمن كان إليه (أي إلى الحقّ) أقرب كان الرّجوع إليه أسهل، ومن ثمّ فليحذر الظّالم المبتدىء من التّمادي في ظلمه حتى يعطي لنفسه فرصة الرّجوع إلى الحقّ.
أنواع الظّلم:
قال بعض الحكماء: الظّلم ثلاثة: الأوّل:
ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشّرك والنّفاق، ولذلك قال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) وإيّاه قصد بقوله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18) . والثّاني: ظلم بينه وبين النّاس، وإيّاه قصد بقوله وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (الشورى/ 40) وبقوله إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ (الشورى/ 42) . والثّالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ (فاطر/ 32) وقوله ظَلَمْتُ نَفْسِي (القصص/ 16) .
وكلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظلم للنّفس، فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظّلم فقد ظلم نفسه «2» .
أنواع الظّلمة:
أمّا أنواع الظّلمة فثلاثة:
1- الظّالم الأعظم، وهو الّذي لا يدخل تحت شريعة الله تعالى وإيّاه عنى بقوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) .
2- الظّالم الأوسط، وهو الّذي لا يلتزم حكم السّلطان «أي فيما وضعه السّلطان من أنظمة لتيسير الحياة ولا يتعارض مع أحكام الشّرع» .
3- الظّالم الأصغر، وهو الّذي يتعطّل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع النّاس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تعاطي العدل بالطّبع وبالخلق والتّخلّق والتّصنّع والرّياء والرّغبة والرّهبة. فقد انسلخ عن الإنسانيّة، ومتى صار أهل كلّ صقع على ذلك فتهارشوا وتغالبوا وأكل قويّهم ضعيفهم، ولم يبق فيهم أثر قبول لمن يمنعهم ويصدّهم عن الفساد فقد جرت عادة الله سبحانه في أمثالهم هلاكهم واستئصالهم عن آخرهم «3» .
من يستعمل معهم الظّلم:
أمّا المستعمل معهم الظّلم فخمسة:
الأوّل: (ربّ العزّة وذلك حين يشرك به) إذ يقتضي العدل معرفة توحيده وأحكامه.
الثّاني: قوى النّفس، ويكون ذلك بعدم
__________
(1) الذريعة (357) .
(2) المفردات (315، 316) .
(3) الذريعة (358) بتصرف.(10/4873)
إنصاف العقل من الهوى، ويقتضي العدل أن يجعل الإنسان هواه مستسلما لعقله، وقد قيل أعدل النّاس من أنصف عقله من هواه.
الثّالث: أسلاف الإنسان ويكون ذلك بترك وصاياهم وعدم الدّعاء لهم.
الرّابع: من يعاملهم الإنسان من الأحياء، ويكون ذلك بالتّقصير في أداء الحقوق، وعدم الإنصاف في المعاملات من بيع وشراء وجميع المعاوضات والإجارات.
الخامس: عامّة النّاس إذا تولّى الحكم بينهم ويكون ذلك بالجور وعدم النّصفة، وذلك في شأن الولاة والقضاة ومن إليهم «1» .
بين الظلم والجور:
يرى كثيرون أنّ الجور والظّلم سواء، ولكنّ الكفويّ فرّق بينهما فقال:
الظلم: ضرر من حاكم أو غيره.
والجور: هو خلاف الاستقامة في الحكم.
هل يجوز الانظلام:
أطلق الرّاغب على قبول الظّلم مصطلح «الانظلام» وقسّمه من حيث الكمّيّة ومن حيث الكيفيّة فقال:
ترك العدل إلى الظّلم عمدا مذموم في جميع الأحوال والخارج عنه إلى الظّلم مستوجب بقدر خروجه سخطا من الله- عزّ وجلّ- إلّا أن يتغمّده الله بعفوه- أمّا الخارج عنه (عن العدل) إلى الانظلام فقد يحمد.
والانظلام من حيث الكمّيّة ثلاثة أضرب:
1- انظلام في المال وهو الاستخذاء للظّالم في أخذ ماله.
2- انظلام في الكرامة وهو الاستخذاء في بخس منزلته من التّعظيم.
3- انظلام في النّفس وهو استخذاء لمن يؤلمه، وكلّ واحد من هذه الثّلاثة يكون محمودا ويكون مذموما.
أمّا من حيث الكيفيّة فهو ضربان:
الأوّل: محمود، ويراد به التّغاضي عن حقّ له في المال أو الكرامة، أو النّفس بقدر ما يحسن وفي وقت ما يحسن وهو المعبّر عنه بالانخداع والتّغافل، وهو المعبّر عنه في قول معاوية- رضي الله عنه-: «من خدعك وانخدعت له فقد خدعته» وذلك إذا كان في مال فمسامحة وإن كان في النّفس فعفو، وإن كان في الكرامة فتواضع «2» .
والثّاني: مذموم، وهو الّذي إن كان في المال فغبن وإن كان في النّفس والكرامة فهوان ومذلّة «3» .
حكم الظّلم:
قال الإمام الذّهبيّ: الظّلم يكون بأكل أموال
__________
(1) انظر الذريعة (ص 357) وقد ذكر الراغب هذه الأصناف الخمسة إجمالا دون تمثيل، وقمنا بذلك اعتمادا على ما ذكره في أنواع العدل وما يستعمل ذلك فيه (353) .
(2) الكليات (594) .
(3) الذريعة (355) بتصرف.(10/4874)
النّاس وأخذها ظلما، وظلم النّاس بالضّرب والشّتم والتعدّي والاستطالة على الضّعفاء، وقد عدّه الكبيرة السّادسة والعشرين. وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الّتي تتوعّد الظّالمين، نقل عن بعض السّلف قوله: لا تظلم الضّعفاء فتكون من شرار الأقوياء ثمّ عدّد صورا من الظلم منها:
أخذ مال اليتيم.
المماطلة بحقّ على الإنسان مع القدرة على الوفاء.
ظلم المرأة حقّها من صداق ونفقة وكسوة.
ظلم الأجير بعدم إعطاء الأجرة «1» .
الجور في القسمة أو تقويم الأشياء:
ومن الظّلم البيّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدّها ابن حجر ضمن الكبائر، فقال:
الكبيرة الخامسة والسّادسة والثّلاثون بعد الأربعمائة، جور القاسم في قسمته والمقوّم (المثمّن للأشياء) في تقويمه. بدليل ما أخرجه الطّبرانيّ بسند صحيح عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيت فيه نفر من قريش ... وفيه: «إنّ هذا الأمر في قريش، إذا ما استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا «2» ، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين» . ثمّ قال عقب ذلك: عدّ هذين من الكبائر لم أره، لكنّه صريح الحديث في الأولى (أي جور القاسم في قسمته) وقياسها في الثّاني (أي جور المقوّم في تقويمه) «3» . بل هي ممّا يصدق عليه الحديث، لا أنّ الجور في القسمة المتوعّد عليه بتلك اللّعنة العامّة يشمل الجور في الأنصباء وفي القيمة أيضا «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: البغي- الشرك- العدوان- الحرب والمحاربة- الطمع- اتباع الهوى- الكبر والعجب- التطفيف- السرقة- التناجش- الغش- أكل الحرام.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العدل والمساواة الإنصاف- القسط- تكريم الإنسان- أكل الطيبات- القناعة- المراقبة] .
__________
(1) الكبائر (104- 110) باختصار وتصرف.
(2) انظر صفة «القسط» (ج 8 ص 3153) من هذه الموسوعة.
(3) مثال جور المقوّم أن تكون قيمة السّلعة 1000 ريال مثلا فيقومها لصالح البائع ب 1200 أو لصالح المشتري ب 800 فقط.
(4) الزواجر من اقتراف الكبائر (2/ 192- 193) .(10/4875)
الآيات الواردة في «الظلم»
الشرك أعظم الظلم والمشرك ظالم لنفسه والتوبة من الشرك بالإيمان:
1- وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51)
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) «1»
2-* وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92)
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «2»
3-* وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) «3»
__________
(1) البقرة: 51- 59 مدنية
(2) البقرة: 92- 95 مدنية
(3) البقرة: 124 مدنية(10/4876)
4- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «1»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «2»
6- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) «3»
7- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)
ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «4»
8- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «5»
9-* كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93)
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) «6»
10- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116)
__________
(1) البقرة: 165 مدنية
(2) البقرة: 254 مدنية
(3) البقرة: 258 مدنية
(4) آل عمران: 55- 58 مدنية
(5) آل عمران: 86- 89 مدنية
(6) آل عمران: 93- 94 مدنية(10/4877)
َلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
(117) «1»
11- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128)
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «2»
12- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) «3»
13- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) «4»
14- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) «5»
15- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168)
إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) «6»
16- وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «7»
17- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70)
__________
(1) آل عمران: 116- 117 مدنية
(2) آل عمران: 128- 129 مدنية
(3) آل عمران: 151 مدنية
(4) آل عمران: 190- 192 مدنية
(5) النساء: 153 مدنية
(6) النساء: 167- 169 مدنية
(7) المائدة: 45 مدنية(10/4878)
وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) «1»
18- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) «2»
19- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) «3»
20- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) «4»
21- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «5»
22- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «6»
__________
(1) المائدة: 70- 72 مدنية
(2) الأنعام: 20- 21 مكية
(3) الأنعام: 42- 47 مكية
(4) الأنعام: 68- 69 مكية
(5) الأنعام: 82 مكية
(6) الأنعام: 93 مكية(10/4879)
23- وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (131) «1»
24- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) «2»
25- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «3»
26- أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «4»
27- المص (1)
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9) «5»
__________
(1) الأنعام: 129- 131 مكية
(2) الأنعام: 135 مكية
(3) الأنعام: 143- 144 مكية
(4) الأنعام: 156- 157 مكية
(5) الأعراف: 1- 9 مكية(10/4880)
28- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «1»
29- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45)
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) «2»
30- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (101) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (102)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) «3»
31- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)
__________
(1) الأعراف: 37 مكية
(2) الأعراف: 40- 47 مكية
(3) الأعراف: 100- 103 مكية(10/4881)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) «1»
32- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «2»
33-* أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «3»
34- الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
__________
(1) الأعراف: 148- 151 مكية
(2) الأعراف: 175- 177 مكية
(3) التوبة: 19- 23 مدنية(10/4882)
بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69)
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) «1»
35- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) «2»
36- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) «3»
37- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)
__________
(1) التوبة: 67- 70 مدنية
(2) التوبة: 109 مدنية
(3) يونس: 13 مكية(10/4883)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) * وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) «1»
38- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «2»
39- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) «3»
40- وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) «4»
41- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) «5»
42- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) «6»
43- قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) «7»
__________
(1) يونس: 37- 54 مكية
(2) يونس: 84- 86 مكية
(3) هود: 18 مكية
(4) هود: 36- 37 مكية
(5) هود: 44 مكية
(6) هود: 66- 68 مكية
(7) هود: 81- 83 مكية(10/4884)
44- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) «1»
45- وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) «2»
46- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114)
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا
مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116)
وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) «3»
47- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) «4»
48- وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22) «5»
49- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «6»
__________
(1) هود: 94- 95 مكية
(2) هود: 101- 102 مكية
(3) هود: 112- 117 مكية
(4) إبراهيم: 13- 14 مكية
(5) إبراهيم: 22 مكية
(6) إبراهيم: 27 مكية(10/4885)
50- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) «1»
51- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78) «2»
52- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) «3»
53- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ
أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) «4»
54- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) «5»
55- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) «6»
56- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «7»
57- وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «8»
58-* أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99)
__________
(1) إبراهيم: 42- 45 مكية
(2) الحجر: 77- 78 مكية
(3) النحل: 28- 29 مكية
(4) النحل: 32- 34 مكية
(5) النحل: 85 مكية
(6) الإسراء: 47- 48 مكية
(7) الإسراء: 59 مكية
(8) الإسراء: 82 مكية(10/4886)
لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «1»
59- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
(15) «2»
60- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «3»
61-* وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ
مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) «4»
62- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59) «5»
63- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84)
__________
(1) الإسراء: 99 مكية
(2) الكهف: 10- 15 مكية
(3) الكهف: 29 مكية
(4) الكهف: 32- 36 مكية
(5) الكهف: 57- 59 مكية(10/4887)
فَأَتْبَعَ سَبَباً (85)
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86)
قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) «1»
64- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) «2»
65- وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) «3»
66-* وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «4»
67- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «5»
68- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15) «6»
69-* وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) «7»
70- وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) «8»
71- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) «9»
__________
(1) الكهف: 83- 87 مكية
(2) مريم: 37- 38 مكية
(3) مريم: 71- 72 مكية
(4) طه: 111- 112 مكية
(5) الأنبياء: 1- 3 مكية
(6) الأنبياء: 11- 15 مكية
(7) الأنبياء: 29 مكية
(8) الأنبياء: 46 مكية
(9) الأنبياء: 97 مكية(10/4888)
72- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) «1»
73- فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) «2»
74- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) «3»
75- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) «4»
76- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) «5»
77-* هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)
__________
(1) الحج: 25 مدنية
(2) الحج: 45- 48 مدنية
(3) الحج: 52- 53 مدنية
(4) الحج: 71 مدنية
(5) المؤمنون: 23- 28 مكية(10/4889)
قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39)
قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) «1»
78- قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (93)
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) «2»
79- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «3»
80- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18)
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19) «4»
81- وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) «5»
82- وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) «6»
83- وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) «7»
__________
(1) المؤمنون: 36- 41 مكية
(2) المؤمنون: 93- 94 مكية
(3) الفرقان: 4- 9 مكية
(4) الفرقان: 17- 19 مكية
(5) الفرقان: 25- 27 مكية
(6) الفرقان: 37 مكية
(7) الشعراء: 10- 11 مكية(10/4890)
84-يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
(44) «1»
85- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) «2»
86-* وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) «3»
87- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) «4»
__________
(1) النمل: 44 مكية
(2) النمل: 45- 52 مكية
(3) النمل: 82- 85 مكية
(4) القصص: 20- 25 مكية(10/4891)
88- وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)
وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38)
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «1»
89- قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) «2»
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
90- وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ (59) «3»
91- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (14) «4»
92- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31) «5»
93- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37)
وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) «6»
__________
(1) القصص: 37- 40 مكية
(2) القصص: 49- 50 مكية
(3) القصص: 59 مكية
(4) العنكبوت: 14 مكية
(5) العنكبوت: 31 مكية
(6) العنكبوت: 36- 40 مكية(10/4892)
94-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47)
وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «1»
95- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «2»
96- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «3»
97- ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) «4»
98- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56)
فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) «5»
99- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
__________
(1) العنكبوت: 46- 49 مكية
(2) العنكبوت: 68 مكية
(3) الروم: 9 مكية
(4) الروم: 28- 29 مكية
(5) الروم: 56- 57 مكية(10/4893)
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) «1»
100- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «2»
101- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18)
فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) «3»
102- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) «4»
103- فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) «5»
104- قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً (40) «6»
105-* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) «7»
106- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) «8»
107-* فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) «9»
__________
(1) لقمان: 10- 13 مكية
(2) السجدة: 22 مكية
(3) سبأ: 15- 19 مكية
(4) سبأ: 31 مكية
(5) سبأ: 42 مكية
(6) فاطر: 40 مكية
(7) الصافات: 22- 23 مكية
(8) الصافات: 62- 63 مكية
(9) الزمر: 32 مكية(10/4894)
108- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48)
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)
قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50)
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) «1»
109- وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18)
يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) «2»
110- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51)
يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) «3»
111- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) «4»
112- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21)
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «5»
113- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) «6»
__________
(1) الزمر: 47- 51 مكية
(2) غافر: 18- 19 مكية
(3) غافر: 51- 52 مكية
(4) الشورى: 8 مكية
(5) الشورى: 21- 23 مكية
(6) الزخرف: 63- 65 مكية(10/4895)
114- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74)
لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) «1»
115- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) «2»
116- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «3»
117- وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) «4»
118- وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
(46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
(47) «5»
119- وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) «6»
120- لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16)
__________
(1) الزخرف: 74- 76 مكية
(2) الجاثية: 18- 22 مكية
(3) الأحقاف: 10- 12 مكية
(4) الذاريات: 56- 60 مكية
(5) الطور: 44- 47 مكية
(6) النجم: 52 مكية(10/4896)
فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (17) «1»
121- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) «2»
122- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6)
وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «3»
123- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «4»
124- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21)
وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22)
وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا (24)
مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (25)
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «5»
__________
(1) الحشر: 14- 17 مدنية
(2) الصف: 7 مدنية
(3) الجمعة: 5- 8 مدنية
(4) التحريم: 10- 12 مدنية
(5) نوح: 21- 28 مكية(10/4897)
125- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «1»
المعصية ظلم للنفس وتعد لحدود الله:
126- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) «2»
127- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) «3»
128- أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) «4»
129- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) «5»
130- وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149)
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) «6»
__________
(1) الإنسان: 27- 31 مكية
(2) البقرة: 35 مدنية
(3) البقرة: 114 مدنية
(4) البقرة: 140 مدنية
(5) البقرة: 145 مدنية
(6) البقرة: 148- 150 مدنية(10/4898)
131- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «1»
132- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «2»
133- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) «3»
134-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) «4»
135- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) «5»
136- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «6»
__________
(1) البقرة: 229- 231 مدنية
(2) البقرة: 246 مدنية
(3) البقرة: 270 مدنية
(4) آل عمران: 133- 135 مدنية
(5) النساء: 10 مدنية
(6) النساء: 29- 30 مدنية(10/4899)
137-* فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) «1»
138- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «2»
139- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) «3»
140- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «4»
141- وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)
__________
(1) النساء: 74- 75 مدنية
(2) النساء: 97- 99 مدنية
(3) النساء: 160 مدنية
(4) الأعراف: 19- 23 مكية(10/4900)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) «1»
142- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «2»
143- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «3»
144- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43)
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46)
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (48) «4»
__________
(1) الأعراف: 159- 165 مكية
(2) الأنفال: 25 مدنية
(3) التوبة: 36- 37 مدنية
(4) التوبة: 43- 48 مدنية(10/4901)
145- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) «1»
146- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «2»
147- وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) «3»
148- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8)
وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «4»
149- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
__________
(1) النحل: 61 مكية
(2) الأنبياء: 87- 88 مكية
(3) النور: 47- 50 مدنية
(4) النمل: 7- 14 مكية(10/4902)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «1»
150- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) «2»
151- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) «3»
152- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)
حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) «4»
153- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «5»
من الظلم الاعتداء:
154- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) «6»
__________
(1) فاطر: 32- 37 مكية
(2) الصافات: 109- 113 مكية
(3) الزمر: 23- 24 مكية
(4) الزخرف: 36- 39 مكية
(5) الممتحنة: 8- 9 مكية
(6) البقرة: 190- 193 مدنية(10/4903)
155- إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) «1»
156-* لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «2»
157-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) «3»
158-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) «4»
159- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «5»
160- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «6»
161- قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) «7»
__________
(1) آل عمران: 140- 141 مدنية
(2) النساء: 148 مدنية
(3) المائدة: 27- 29 مدنية
(4) المائدة: 51 مدنية
(5) المائدة: 106- 108 مدنية
(6) الأنعام: 51- 52 مكية
(7) الأنعام: 58 مكية(10/4904)
162- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) «1»
163- وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) «2»
164- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) «3»
165- فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (70) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ (71)
قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (73)
قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (74)
قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) «4»
166-* قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77)
قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)
قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) «5»
167- وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) «6»
168- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) «7»
__________
(1) يونس: 104- 106 مكية
(2) هود: 31- 32 مكية
(3) يوسف: 23 مكية
(4) يوسف: 70- 75 مكية
(5) يوسف: 77- 79 مكية
(6) إبراهيم: 34 مكية
(7) النحل: 41 مكية(10/4905)
169- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «1»
170- فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (62) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (63)
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) «2»
171- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) «3»
172- أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) «4»
173- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «5»
174- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) «6»
175-* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) «7»
__________
(1) الإسراء: 33 مكية
(2) الأنبياء: 58- 64 مكية
(3) الحج: 39 مدنية
(4) المؤمنون: 105- 107 مكية
(5) الشعراء: 224- 227 مكية
(6) الأحزاب: 72 مدنية
(7) ص: 21- 25 مكية(10/4906)
176- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «1»
177- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) «2»
178- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) «3»
179- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
__________
(1) الشورى: 36- 46 مكية
(2) الحجرات: 11 مدنية
(3) الطلاق: 1 مدنية(10/4907)
قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28)
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) «1»
ليس الله ظلاما للعبيد:
180- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107)
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) «2»
181- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50)
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52)
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (54) «3»
182-* يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) «4»
183- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) «5»
__________
(1) القلم: 17- 29 مكية
(2) آل عمران: 104- 108 مدنية
(3) الأنفال: 49- 54 مدنية
(4) النحل: 111- 113 مكية
(5) النحل: 118 مكية(10/4908)
184- وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) «1»
185- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) «2»
قبول التوبة عن الظلم:
186- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «3»
187- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110)
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111)
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) «4»
188- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «5»
189- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «6»
190- قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «7»
__________
(1) الكهف: 49- 50 مكية
(2) الزخرف: 74- 76 مكية
(3) النساء: 64 مدنية
(4) النساء: 110- 112 مدنية
(5) المائدة: 38- 39 مدنية
(6) الرعد: 6 مكية
(7) القصص: 16 مكية(10/4909)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الظلم)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا دعوات المظلوم فإنّها تصعد إلى السّماء كأنّها شرار» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يده» ) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا رأيتم أمّتي تهاب الظّالم، أن تقول له إنّك أنت ظالم فقد تودّع منهم» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد يكون في أمّتي خسف ومسخ وقذف» ) * «4» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خلص المؤمنون من النّار حبسوا بقنطرة بين الجنّة والنّار، فيتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا نقّوا وهذّبوا أذن لهم بدخول الجنّة، فو الّذي نفس محمّد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنّة أدلّ بمنزله كان في الدّنيا» ) * «5» .
6-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر، فسلّم وقال: يا رسول الله إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) . ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر فقالوا: لا. فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر، حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال:
يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟» (مرّتين) فما أوذي بعدها) * «6» .
7-* (عن البراء بن عازب- رضي الله
__________
(1) الحاكم (1/ 29) وقال: قد احتج مسلم بعاصم بن كليب والباقون من رواة هذا الحديث متفق على الاحتجاج بهم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (2578) . وخرج البخاري أوله من حديث ابن عمر الفتح 5 (2447) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2444) واللفظ له. وخرجه مسلم من حديث جابر (2584) .
(4) أحمد (2/ 163، 190) واللفظ في الرقم الأخير، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد والبزار بإسنادين ورجال أحد إسنادي البزار رجال الصحيح وكذلك أحمد.
(5) البخاري- الفتح 5 (2440) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3661) .(10/4910)
عنهما- قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع، ونهانا عن سبع. فذكر عيادة المريض واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، وردّ السّلام، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي، وإبرار القسم) * «1» .
8-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوّة إلّا بك إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ وما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذّة النّظر إلى وجهك وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أنّ أظلم أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى عليّ أو أكتسب خطيئة محيطة أو ذنبا لا يغفر، اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام، فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كلّ شيء قدير وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حق، ولقاءك حق، والجنّة حق، والسّاعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإنّى لا أثق إلّا برحمتك، فاغفر لي ذنبي كلّه، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، وتب عليّ إنّك أنت التوّاب الرّحيم» ) * «2» .
9-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بناس من الأنصار وهم جلوس في الطّريق فقال: «إن كنتم لا بدّ فاعلين فردّوا السّلام، وأعينوا المظلوم واهدوا السّبيل» ) * «3» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، فيقول: نعم أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه هلك قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأمّا الكافر والمنافق فيقول الأشهاد «4» هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «5» .
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا مرّ بالحجر «6» قال: «لا
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2445) واللفظ له، ومسلم (2066) .
(2) أحمد (5/ 191) وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف.
(3) الترمذي (2726) وقال: هذا حديث حسن غريب. ومعناه في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري/ البخاري الفتح 5 (2465) .
(4) الأشهاد: هم الأنبياء والملائكة والصالحون.
(5) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) .
(6) الحجر: ديار ثمود قوم صالح.(10/4911)
تدخلوا مساكن الّذين ظلموا إلّا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم» ثمّ تقنّع «1» بردائه وهو على الرّحل» ) * «2» .
12-* (عن هشام بن عروة عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ أروى بنت أويس ادّعت على سعيد بن زيد أنّه أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الّذي سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: وما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوّقه إلى سبع أرضين» . فقال له مروان: لا أسألك بيّنة بعد هذا.
فقال: اللهمّ إن كانت كاذبة فعمّ بصرها واقتلها في أرضها. فما ماتت حتّى ذهب بصرها. ثمّ بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت) * «3» .
13-* (عن عبّاس بن مرداس السّلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا لأمّته عشيّة عرفة بالمغفرة، فأجيب، إنّي قد غفرت لهم، ما خلا الظّالم. فإنّي آخذ للمظلوم منه قال: أي ربّ إن شئت أعطيت المظلوم من الجنّة، وغفرت للظّالم. فلم يجب عشيّته، فلمّا أصبح بالمزدلفة أعاد الدّعاء، فأجيب إلى ما سأل. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو قال: تبسّم.
فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمّي إنّ هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الّذي أضحكك؟ أضحك الله سنّك. قال: «إنّ عدوّ الله إبليس لمّا علم أنّ الله- عزّ وجلّ- قد استجاب دعائي، وغفر لأمّتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثّبور فأضحكني ما رأيت من جزعه» ) * «4» .
14-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السّفهاء. قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال:
«أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي ولست منهم ولا يردون عليّ الحوض، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على
__________
(1) التقنع: تغطية الوجه، الرحل: ما يركب من الدواب.
(2) البخاري- الفتح 6 (3380) ، واللفظ له. ومسلم (2980) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2452) بدون القصة. ومسلم (2610) واللفظ له.
(4) ابن ماجة (3013) واللفظ له وأحمد (4/ 14، 15) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 202، 203) . وعزاه الحافظ ابن حجر في قوة الحجاج لعموم مغفرة الحجاج الى البيهقي في السنن الكبرى ونقل قوله: هذا الحديث له شواهد كثيرة في كتاب (البعث) فإن صح بشواهده ففيه الحجة (2421) . وكذلك عزاه الحافظ للمقدسي في المختارة، وقال له شواهد من حديث عبادة بن الصامت (عند عبد الرزاق والطبراني في المعجم الكبير) وأنس بن مالك عند أبي يعلى في مسنده وأحمد بن منيع في مسنده وعبد الله بن عمر عند ابن جرير في تفسير قوله تعالى وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وعند أبي نعيم في الحلية وابن حبان في الضعفاء. وأبي هريرة عند ابن حبان في الضعفاء والدارقطني في (غرائب مالك) مما ليس في الموطأ ثم قال الحافظ: والحديث وإن كان ضعيفا لكن يعتضد بكثرة طرقه، والحديث يدخل في حد الحسن على رأي الترمذي ولا سيما بالنظر الى مجموع هذه الطرق وقد ورد ما في الحديث في أحاديث أخر بعضها في الصحيح.(10/4912)
ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ الحوض، يا كعب بن عجرة، الصّيام جنّة والصّدقة تطفىء الخطيئة، والصّلاة قربان أو قال برهان، يا كعب ابن عجرة: النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها» ) * «1» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ معاذا قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أنّ الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإيّاك وكرائم أموالهم.
واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «2» .
16-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش» ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله! أيّ المسلمين أفضل؟
قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . فقام هو أو آخر فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» . ثمّ ناداه هذا أو غيره فقال:
يا رسول الله أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان هجرة للبادي وهجرة للحاضر.
فأمّا هجرة البادي، فيطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «3» .
17-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليملي «4» للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته «5» . ثمّ قرأ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (هود/ 102)) * «6» .
18-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يحبّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأمّا الّذين يحبّهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلّف رجل بأعقابهم فأعطاه سرّا لا يعلم بعطيّته إلّا الله والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم،
__________
(1) أحمد (3/ 321) ، واللفظ له، النسائي (7/ 160- 161) . والترمذي (614) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: أقل أحواله أنه حسن (4/ 75- 76) والترغيب والترهيب (3/ 194، 195) .
(2) البخاري- والفتح 3 (1496) . ومسلم (19) واللفظ له.
(3) أبو داود (1698) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح. وأحمد (2/ 191) واللفظ له. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 52) رقم (6792) .
(4) يملى: يمهل.
(5) لم يفلته: لم يخلصه.
(6) البخاري- الفتح 8 (4686) . ومسلم (2583) واللفظ له.(10/4913)
فقام أحدهم يتملّقني ويتلو اياتي. ورجل كان في سريّة فلقي العدوّ فهزموا وأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «1» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصّدقة فقيل:
منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده «2» في سبيل الله.
وأمّا العبّاس فهي عليّ ومثلها معها. ثمّ قال: يا عمر أما شعرت أنّ عمّ الرّجل صنو «3» أبيه» ) * «4» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة. فادعو الله بها لعلّه يفرجها. فقال أحدهم:
اللهم إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه نأى بي الشّجر فما أتيت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما والصّبية يتضاغون عند قدميّ فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله لهم فرجة حتّى رأوا منها السّماء، وقال الثاني: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحبّها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار فسعيت حتّى جمعت مائة دينار. فلقيتها بها، فلمّا قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله! اتّق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه، فقمت عنها. اللهمّ فإن كنت تعلم أنّي قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة، وقال الآخر:
اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه حقّه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني وقال: اتّق الله ولا تظلمني وأعطني حقّي. فقلت: اذهب إلى تلك البقر وراعيها. فقال:
اتّق الله ولا تهزأبي. فقلت: إنّي لا أهزأ بك، فخذ تلك البقر وراعيها فأخذه فانطلق. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم» ) * «5» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من الفقر والقلّة
__________
(1) الترمذي (2568) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح. والنسائي (5/ 84) . وأحمد (5/ 153) . وهو في المشكاة حديث (1922) .
(2) الأعتاد: آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها.
(3) صنو أبيه: مثل أبيه، وفيه تعظيم حق العم.
(4) البخاري- الفتح 3 (1468) . ومسلم (983) واللفظ له والنسائي (5/ 33) وأبو داود (1623) .
(5) البخاري- الفتح 10 (5974) اللفظ له. ومسلم (2743) .(10/4914)
والذّلّة. وأن تظلم أو تظلم» ) * «1» .
22-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه فيصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّه، فهذا بأخبث المنازل. قال وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «2» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات:
دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» ) * «3» .
24-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث والّذي نفس محمّد بيده إن كنت لحالفا عليهنّ. لا ينقص مال من صدقة فتصدّقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلّا رفعه بها عزّا يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر» ) * «4» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم:
الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «5» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) أبو داود (1544) . والنسائي (8/ 261) . وابن ماجة (3842) . وأحمد (2/ 540) واللفظ لابن ماجة وأحمد، وذكره محقق جامع الأصول (4/ 356) ، وعزاه كذلك لابن حبان في صحيحه وقال: إسناده حسن.
(2) الترمذي (1325) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4/ 231) واللفظ له. رقم (18060) ، وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) رقم (3021) ، وعزاه لأحمد.
(3) الترمذي (3448) واللفظ له،، وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (1536) . وابن ماجة (3862) . وأحمد (2/ 258) وقال الهيثمي في المجمع: رواه مطولا أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر ورجالهما ثقات. والبخاري في الأدب المفرد (169) رقم (484) . والطبراني في الدعاء (3/ 1417) رقم (1325) ، وقال مخرجه: حسن. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 64) رقم (3030) وقال: حسن. انظر الصحيحة رقم (598) .
(4) أحمد (1/ 193) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 62) رقم (3022) وقال: صحح. وعزاه للبزار وابن عساكر وابن أبي الدنيا في ذم الغضب.
(5) الترمذي (3598) واللفظ له وقال: حسن ابن ماجة (1752) . والطبراني في الدعاء 3 (1416) حديث (1322) وقال مخرجه: رجال إسناده حسن.(10/4915)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يردّ دعاؤهم: الذّاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط» ) * «1» .
27-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ ناسا من المصدّقين «2» يأتوننا فيظلموننا.. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرضوا مصدّقيكم» ) * «3» .
28-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن تسعة؛ خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم، فقال: «اسمعوا هل سمعتم أنّه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم فأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدّقهم بكذبهم فهو منّي وأنا منه وهو وارد عليّ الحوض» ) * «4» .
29-* (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: خرجت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حاجّا فكان النّاس يأتونه فمن قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدّمت شيئا أو أخّرت شيئا، فكان يقول: «لا حرج، لا حرج إلّا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الّذي حرج وهلك» ) * «5» .
30-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أمّتي لا تنالهما شفاعتي: سلطان غشوم ظالم، وغال في الدّين يشهد عليهم ويتبرّأ منهم» ) * «6» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «المستبّان ما قالا، فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم» ) * «7» .
ومعنى الحديث: أنّ إثم السّباب الواقع من اثنين مختصّ بالبادىء منهما إلّا أن يتجاوز المظلوم قدر الانتصار) *.
32-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها-:
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكّلت على الله، اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن نزلّ أو نضلّ أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا» ) * «8» .
__________
(1) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 399) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 72) وقال: حسن وهو في الصحيحة له (3/ 211، 212) وقال: إسناده حسن. وهو تكرار للحديث الذي سبقه بصيغة أخرى.
(2) المصدقون: العاملون على الزكاة.
(3) مسلم (989) . وقولهم هذا إنما هو بحسب رأيهم. وإلا فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقر الظلم ولا يرضاه لأحد.
(4) الترمذي (2259) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح غريب. والنسائي (7/ 160) وقال الألباني: صحيح، صحيح النسائي (3/ 882) : حديث (3923، 3924) .
(5) أبو داود (2015) قال الألباني: صحيح. في صحيح أبي داود (379) برقم (1775) .
(6) ابن أبي عاصم في السنة، وقال الألباني: صحيح (1/ 23) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 185) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وكذا الهيثمي في المجمع (5/ 235، 236) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات. وهو في الصحيحة للألباني (7628) رقم (470) .
(7) مسلم (2587) .
(8) الترمذي (3427) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(10/4916)
33-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك فقال: «هل تدرون ممّ أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: من مخاطبة العبد ربّه. يقول: يا ربّ ألم تجرني من الظّلم؟ قال يقول: بلى. قال فيقول: فإنّي لا أجيز على نفسي إلّا شاهدا منّي. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا. قال: فيختم على فيه. فيقال لأركانه «1» : انطقي. قال: فتنطق بأعماله. قال: يخلّى بينه وبين الكلام. قال: فيقول: بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل» ) «2» .
34-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «علّمني دعاء أدعو به في صلاتي» . قال: «قل اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفرلي مغفرة من عندك، وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «3» .
35-* (عن وائل بن حجر عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاه رجلان يختصمان في أرض. فقال أحدهما إنّ هذا انتزى عليّ أرضي «4» يا رسول الله في الجاهليّة (وهو امرؤ القيس بن عابس الكنديّ. وخصمه ربيعة بن عبدان) قال:
«بيّنتك» قال: ليس لي بيّنة. قال: «بيمينه» . قال: إذن يذهب بها. قال: «ليس لك إلّا ذاك» . قال: فلمّا قام ليحلف قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اقتطع أرضا ظالما، لقي الله وهو عليه غضبان» ) * «5» .
36-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «6» .
37-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الأنعام/ 82) شقّ ذلك على المسلمين.
فقالوا: يا رسول الله: أيّنا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك، إنّما هو الشّرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان/ 13) * «7» .
38-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا منّي
__________
(1) والمراد بالأركان: الجوارح، وأناضل: أي أدافع وأجادل.
(2) مسلم (2969) .
(3) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له، ومسلم (2705) .
(4) انتزى عليّ أرضي: غلب عليها واستولى.
(5) مسلم (139) .
(6) الترمذي (3502) واللفظ له، وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول وهو كما قال (4/ 280) . والحاكم (1/ 528) وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
(7) البخاري- الفتح 6 (3429) واللفظ له. ومسلم (124) .(10/4917)
أو من أهل بيتي، يواطا اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» ) * «1» .
39-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «2» .
40-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضّأ فيحسن الطّهور، ثمّ يصلّي ركعتين، فيستغفر الله تعالى إلّا غفر الله له، ثمّ تلا وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ (آل عمران/ 135) » ) * «3» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مطل «4» الغنيّ ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع «5» » ) * «6» .
42-* (عن معاذ بن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بنى بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء، كان له أجر ما انتفع به من خلق الله تبارك وتعالى» ) * «7» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «8» .
44-* (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ضرب مملوكه ظلما أقيد «9» منه يوم القيامة» ) * «10» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرّة، أو ليخلقوا حبّة، أو ليخلقوا شعيرة» ) * «11» .
__________
(1) الترمذي (2230) وقال: حسن. وأبو داود (4282) واللفظ له. وابن ماجة (4082) . والحاكم (4/ 464) بأول من هذا من غير طريق الترمذي ولذا قال الذهبي: موضوع (أي طريق الحاكم) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له ومسلم (2580) .
(3) الترمذي (406) وقال: حديث حسن. وأحمد (1/ 10) وأبو داود (4893) والترمذي (1426) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 178) رقم (56) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب. وقال: رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي (1/ 472) . وأورده الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (5738) .
(4) المطل: منع قضاء ما استحق أداؤه.
(5) اذا أتبع ... الخ: اذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليقبل.
(6) البخاري- الفتح 4 (2287) . ومسلم (1564) واللفظ له.
(7) أحمد (3/ 438) واللفظ له. وذكره الهيثمي في المجمع وعزاه لأحمد وقال: فيه زبان وثقه ابن حبان وفيه كلام (3/ 134) .
(8) البخاري- الفتح 5 (2449) . ومعناه عند مسلم (2581) .
(9) أقيد منه: اقتص منه.
(10) ذكره المنذري فى الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني، ورواته ثقات (3/ 211) .
(11) البخاري- الفتح 10 (5953) . ومسلم (2111) واللفظ له.(10/4918)
46-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل «1» من دمها لأنّه كان أوّل من سنّ القتل» ) * «2» .
47-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكونوا إمّعة تقولون: إن أحسن النّاس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن النّاس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» ) * «3» .
48-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فيما روي عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا، يا عبادي كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلّكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلّكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثمّ أوفيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «4» .
49-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت لأبي سلمة بن عبد الرّحمن وكان بينه وبين أناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الظلم) معنى
50-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشر الأوسط من رمضان وهو يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلمّا تقضّين أمر ببنيانه فنقض ثمّ أبينت له أنّها في العشر الأواخر، فأمر بالبناء فأعيد ثمّ اعتكف العشر الأواخر ثمّ خرج على النّاس فقال: «يأيّها النّاس إنّها أبينت لي
__________
(1) الكفل: النصيب.
(2) البخاري- الفتح 12 (6867) . مسلم (1677) واللفظ له.
(3) الترمذي (2007) واللفظ له وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (11/ 699) .
(4) مسلم (2577) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2453) . ومسلم (1612) واللفظ له.(10/4919)
ليلة القدر، فخرجت لاخبركم بها فجاء رجلان يحيفان معهما الشّيطان فنسّيتها فالتمسوها في التّاسعة والسّابعة والخامسة» فقلت (الرّاوي عن أبي سعيد أبو نضرة) يا أبا سعيد: إنّكم
أعلم بالعدد منّا. قال: أنا أحقّ بذاك منكم فما التّاسعة والسّابعة والخامسة؟ قال:
تدع الّتي تدعون إحدى وعشرين والتي تليها التّاسعة، وتدع الّتي تدعون ثلاثة وعشرين والّتي تليها السّابعة، وتدع الّتي تدعون خمسة وعشرين والّتي تليها الخامسة» ) * «1» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعة يبغضهم الله- عزّ وجلّ- البيّاع الحلّاف، والفقير المختال، والشّيخ الزّاني، والإمام الجائر» ) * «2» .
52-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر (أو أمير جائر) » ) * «3» .
53-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى. قالت:
لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «4» رويدا.
فجعلت درعي في رأسي، واختمرت «5» وتقنّعت إزاري. ثمّ انطلقت على أثره. حتّى جاء البقيع، فقام.
فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت. فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «6» » قالت: لا شيء. قال: لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «7» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت:
مهما يكتم النّاس يعلمه الله» . قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك.، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت
__________
(1) أحمد (3/ 10، 11) وحديث أبي سعيد مخرج في الصحيحين وغيرهما بغير هذا اللفظ.
(2) صحيح سنن النسائي (2/ 544) من نسخة الألباني حديث (2414) واللفظ له. وقال: صحيح، وعزاه في الصحيحة لابن حبان (1/ 637) حديث (363) وقال: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
(3) الترمذي (2174) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (4344) واللفظ له. وصحيح النسائي للألباني (3/ 882) حديث (3925) من حديث طارق بن شهاب. والحاكم (4/ 505، 506) . وذكره الألباني في الصحيحة حديث (491) (1/ 806- 809) . وانظر «جامع الأصول» (1/ 333) وتعليق محققه عليه.
(4) أجافه: أغلقه.
(5) اختمرت: لبست خماري.
(6) حشيا رابية: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والممتد في كلامه.
(7) لهدني: ضربني.(10/4920)
أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «1» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشرّ عمله. فيدخل النّار. وإن الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنة فيعدل في وصيّته فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنّة» . قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ إلى قوله عَذابٌ مُهِينٌ (النساء/ 13- 14) » ) * «2» .
55-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّ النّاس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا، إمام عادل.
وأبغض النّاس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا، إمام جائر» ) * «3» .
56-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: إنّ أمّه (عمرة بنت رواحة) سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة. ثمّ بدا له فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ أمّ هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟» قال:
لا. قال: «فلا تشهدني إذا فإنّي لا أشهد على جور» ) * «4» .
57- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حقّ، ومن الكبائر السّبّتان بالسّبّة» ) * «5» .
58-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: إنّي لقاعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة. فقال يا رسول الله، هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» فقال: إنّه لو لم يعترف أقمت عليه البيّنة. قال: نعم قتلته. قال: «كيف قتلته؟» قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبّني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟» قال: مالي مال، إلّا كسائي وفأسي. قال «فترى قومك يشترونك؟» قال:
أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بنسعته. وقال:
«دونك صاحبك» فانطلق به الرّجل. فلمّا ولّى قال
__________
(1) مسلم (974) واللفظ له والنسائي (4/ 93) .
(2) الترمذي (2117) وقال: صحيح غريب. وأبو داود (2867) . وابن ماجة (2704) . وأحمد (2/ 278) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 162، واللفظ لابن ماجة. وفي معناه حديث سهل بن سعد السّاعدي- رضي الله عنه- عند البخاري رقم (2898) ومسلم رقم (112) .
(3) الترمذي (1329) واللفظ له قال: حديث حسن غريب. ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 65) وعزاه لمسند الإمام أحمد.
(4) البخاري- الفتح 5 (2587) . ومسلم (1623) واللفظ له، والترمذي (1367) ، ابن ماجة (2376) والنسائي (6/ 258) .
(5) أبو داود (4877) وقال الألباني في صحيحه (صحيح (4081) (3/ 923) وهو في. والصحيحة رقم (1433) (3/ 418) .(10/4921)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن قتله فهو مثله» فرجع فقال: يا رسول الله: إنّه بلغني أنّك قلت: «إن قتله فهو مثله» وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك» . قال: يا نبيّ الله (لعلّه) قال:
بلى. قال: «فإنّ ذاك كذاك» . قال: فرمي بنسعته «1» وخلّى سبيله» ) * «2» .
59-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما امرأة ترضع ابنها إذ مرّ بها راكب وهي ترضعه فقالت: اللهمّ لا تمت ابني حتّى يكون مثل هذا. فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ رجع في الثّدي، ومرّ بامرأة تجرّر ويلعب بها. فقالت:
اللهمّ لا تجعل ابني مثلها. فقال: اللهمّ اجعلني مثلها.
فقال: أمّا الرّاكب فإنّه كافر، وأمّا المرأة فإنّهم يقولون لها: تزني، وتقول: حسبي الله. ويقولون: تسرق، وتقول حسبي الله» ) * «3» .
60-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « (ثلاث أخاف على أمّتي؛ الاستسقاء بالأنواء، وحيف السّلطان وتكذيب بالقدر» ) * «4» .
61-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت «5» المائلة لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ) * «6» .
62-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار» ) * «7» .
63-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لمّا رجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهاجرة البحر قال: «ألا تحدّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلّة من ماء. فمرّت بفتى منهم. فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثمّ دفعها فخرّت على ركبتيها فانكسرت قلّتها فلمّا ارتفعت، التفتت إليه فقالت:
سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسيّ، وجمع الأوّلين والآخرين وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا
__________
(1) النسعة: حبل من جلود مضفرة.
(2) مسلم (1680) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3466) .
(4) أحمد (5/ 90) وذكره الألباني في صحيح الجامع (3019) وقال: صحيح. وانظر السلسلة الصحيحة (3/ 118- 120) حديث رقم (1127) .
(5) البخت: نوع من الإبل والمراد أن النساء يعظمن رؤوسهن بالعمائم والخمر حتى تشبه أسنمة البخت.
(6) مسلم (2128) .
(7) أبو داود (3573) واللفظ له وقال: هذا أصح شيء فيه. وابن ماجة (2315) وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (2/ 111) .(10/4922)
يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك، عنده غدا. قال:
يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدقت صدقت كيف يقدّس الله أمّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» ) * «1» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أمير عشرة إلّا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكّه إلّا العدل أو يوبقه الجور» ) * «2» .
65-* (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج. فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا» ) * «3» .
66-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اقتطع حقّ امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النّار، وحرّم عليه الجنّة، فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله. قال: «وإن قضيبا من أراك» ) * «4» .
67-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقّه مائل» ) * «5» .
68-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلبث الجور بعدي إلّا قليلا حتّى يطلع فكلّما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله حتّى يولد في الجور من لا يعرف غيره ثمّ يأتي الله- تبارك وتعالى- بالعدل، فكلّما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتّى يولد في العدل من لا يعرف غيره» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الظلم)
1-* (عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعى هنيّا على الحمى فقال: يا هنيّ اضمم جناحك «7» عن المسلمين، واتّق دعوة المظلوم، فإنّ دعوة المظلوم مستجابة. وأدخل ربّ الصّريمة وربّ الغنيمة، وإيّاي ونعم ابن عوف «8» ونعم ابن عفّان، فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإنّ ربّ الصّريمة وربّ الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فيقول: يا
__________
(1) ابن ماجة (4010) وقال في الزوائد: إسناده حسن.
(2) أحمد (2/ 431) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: صحيح (18/ 64) حديث (9570) .
(3) مسلم (2613) واللفظ له وأبو داود (3045) .
(4) مسلم (137) .
(5) أبو داود (2133) واللفظ له. والترمذي (1141) . والنسائي (7/ 63) . وابن ماجة (1969) . وأحمد (2/ 347) قال الحافظ: سنده صحيح (3/ 340) . انظر: سبل السلام، شرح بلوغ المرام.
(6) أحمد (5/ 26، 27) واللفظ له. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وفيه خالد بن طهمان وثقه أبو حاتم الرازي وابن حبان وقال: يخطىء ويهم. وبقية رجاله ثقات (5/ 196) .
(7) اضمم جناحك: أي اكفف يدك عن ظلمهم.
(8) الصريمة والغنيمة: صاحب القطيعة القليلة من الإبل أو الغنم.(10/4923)
أمير المؤمنين. أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذّهب والورق، وأيم الله إنّهم ليرون أنّي قد ظلمتهم، إنّها لبلادهم. فقاتلوا عليها في الجاهليّة وأسلموا عليها في الإسلام. والّذي نفسي بيده لولا المال الّذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا) * «1» .
2-* (وعنه أيضا- رضي الله عنه- قال: «إنّه كتب إلى أبي موسى- رضي الله عنه- أمّا بعد فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنّه لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له. آس بين النّاس في وجهك ومجلسك وعدلك حتّى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك» ) * «2»
3-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «إنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم منعوا الحقّ حتّى اشتري، وبسطوا الجور حتّى افتدي) * «3» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«إنّ وليدة كانت سوداء لحيّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبيّة لهم عليها وشاح أحمر من سيور. قالت: فوضعته أو وقع منها فمرّت به حديّاة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته. قالت:
فالتمسوه فلم يجدوه قالت: فاتّهموني به. قالت:
فطفقوا يفتّشون حتّى فتّشوا قبلها. قالت: والله إنّي لقائمة معهم، إذ مرّت الحديّاة «4» فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الّذي اتّهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد، أو حفش «5» . قالت: فكانت تأتيني فتحدّث عندي. قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلّا قالت:
ويوم الوشاح «6» من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر أنجاني
» ) * «7» .
5-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه- لرجل قال له: إنّ إخوانك من أهل الكوفة من أهل الذّكر يقرئونك السّلام، فقال: وعليهم السّلام ومرهم فليعطوا القرآن بخزائنهم، فإنّه يحملهم على القصد والسّهولة، ويجنّبهم الجور والحزونة «8» ) * «9» .
6-* (قال عمر بن عبد العزيز: «إذا دعتك قدرتك على ظلم النّاس، فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم وبقاء ما يأتون إليك» ) * «10» .
7-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: كان يقال: «من أوصى بوصيّة، فلم يجر ولم يحف، كان له من الأجر مثل ما أن لو تصدّق به في حياته» ) * «11» .
8-* (قال محارب بن دثار- رحمه الله تعالى-
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3059) .
(2) البيهقي (10/ 135) وقال الألباني: صحيح. ارواء الغليل 8/ 241) رقم (2619) وعزاه للدارقطني (512) .
(3) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 179) .
(4) الحدياة: تصغير حداة.
(5) الحفش: البيت الصغير القريب السقف.
(6) الوشاح: هو خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة.
(7) البخاري الفتح 1 (439)
(8) الحزونة: الصعوبة.
(9) سنن الدارمي (2/ 526) رقم (3330) .
(10) سير أعلام النبلاء (5/ 131) .
(11) الدارمي (2/ 496) حديث (3178) .(10/4924)
أظلم النّاس من ظلم لغيره) أي إعانة لغيره ولمصلحته) * «1» .
9-* (قال أبو العتاهية:
أما والله إنّ الظّلم لؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديّان يوم الدّين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غدا عند الإله من الملوم
) * «2» .
10-* (وقال آخر:
وما من يد إلّا يد الله فوقها ... وما ظالم إلا سيبلى بأظلم
) * «3» .
11-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى- «الظّلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حقّ، ومبارزة الرّبّ بالمخالفة، والمعصية فيه أشدّ من غيرها لأنّه لا يقع غالبا إلّا بالضّعيف الّذي لا يقدر على الانتصار. وإنّما ينشأ الظّلم عن ظلمة القلب ولو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتّقون بنورهم الّذي حصل لهم بسبب التّقوى اكتنفت ظلمات الظّلم الظّالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا» ) * «4» .
12-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«إنّ النّاس لم يتنازعوا في أنّ عاقبة الظّلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ويروى (الله ينصر الدّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدّولة الظّالمة وإن كانت مؤمنة» ) * «5» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«الإنسان خلق في الأصل ظلوما جهولا، ولا ينفكّ عن الجهل والظّلم إلّا بأن يعلّمه الله ما ينفعه، ويلهمه رشده، فمن أراد به خيرا علّمه ما ينفعه، فخرج به عن الجهل، ونفعه بما علّمه فخرج به عن الظّلم ومن لم يرد به خيرا أبقاه على أصل الخلقة. فأصل كلّ خير هو العلم والعدل، وأصل كلّ شرّ هو الجهل والظّلم» .
وقد جعل الله سبحانه للعدل المأمور به حدّا، فمن تجاوزه كان ظالما معتديا، وله من الذّمّ والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه) * «6» .
14-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-:
«والظّلم عند الله عزّ وجلّ يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشّرك به، فإنّ الله لا يغفر أن يشرك به. وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، فإنّ الله تعالى يستوفيه كلّه. وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربّه- عزّ وجلّ- فإنّ هذا الدّيوان أخفّ الدّواوين وأسرعها محوا، فإنّه يمحى بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة ونحو ذلك. بخلاف ديوان الشّرك، فإنّه لا يمحى إلّا بالتّوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلّا بالخروج منها
__________
(1) الفتح (5/ 121) .
(2) الآداب الشرعية (1/ 181) .
(3) المرجع السابق نفسه، توالصفحة نفسها.
(4) فتح الباري (5/ 121) .
(5) مجموع الفتاوى (28/ 62، 63) .
(6) انتهى ملخصا من إغاثة اللهفان (2/ 136، 137) .(10/4925)
إلى أربابها واستحلالهم منها. ولمّا كان الشرك أعظم الدّواوين الثّلاثة عند الله- عزّ وجلّ- حرّم الجنّة على أهله، فلا تدخل الجنّة نفس مشركة» ) * «1» .
15-* (قال الشّيخ محمّد بن يحيى الزّبيديّ رحمه الله تعالى- «إنّ المظلوم إذا شكا إلى الله تعالى اقتضى عدل الله- عزّ وجلّ- الإيقاع بظالمه، فيحبّ الله سبحانه وتعالى أن يجهر المظلوم بالشّكوى، ليكون الإيقاع بالظّالم مبسوط العذر عند الخلق، وزاجرا لأمثاله عن أمثال فاعله، وإنّما يمهل الظّالم من جهة أنّ الخلق إذا ملك أحدهم مملوكين فجني على أحدهم جناية فإنّ أرشها لسيّده، فالخلق ملك لله- عزّ وجلّ- فلا اعتراض عليه» ) * «2» .
16-* (في بعض المأثورات: «إذا كان يوم القيامة يجتمع الظّلمة وأعوانهم ومن ألاق لهم دواة وبرى لهم قلما، فيجعلون في تابوت ويلقون في جهنّم» ) * «3» .
17-* (قال محمود الورّاق:
اصبر على الظّلم ولا تنتصر ... فالظّلم مردود على الظّالم
وكل إلى الله ظلوما فما ... ربّي عن الظّالم بالنّائم
) * «4» .
18-* (قال بعض الشّعراء:
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم
) * «5» .
19-* (قال الشّاعر:
يا أيّها الظّالم في فعله ... فالظّلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتّى متى ... تسلو المصيبات وتنسى النّقم؟
) * «6» .
من مضار (الظلم)
(1) يجلب غضب الرّبّ وسخطه ويتسلّط على الظّالم بشتّى أنواع العذاب.
(2) قبول دعاء المظلوم فيه.
(3) يخرّب الدّيار وبسببه تنهار الدّول.
(4) تحاشي الخلق عن الظّالم وبعدهم منه لخوفهم من بطشه.
(5) معصيته متعدّية للغير.
(6) دليل على ظلمة القلب وقسوته.
(7) عدم الأخذ على يد الظّالم يفسد الأمّة.
(8) يجلب كره الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
(9) صغار الظّالم عند الله وذلّته.
(10) الظّالم يحرم شفاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) الوابل الصيب من الكلم الطيب (33) .
(2) الآداب الشرعية (1/ 246) .
(3) بصائر ذوي التمييز (3/ 543) . والكبائر للذهبي (112) .
(4) الآداب الشرعية (1/ 181) .
(5) بصائر ذوي التمييز (3/ 543) .
(6) المرجع السابق (3/ 544) .(10/4926)
[حرف العين]
العبوس
العبوس لغة:
العبوس مصدر قولهم: عبس يعبس، وهو مأخوذ من مادّة (ع ب س) الّتي تدلّ على تكرّه في شيء، قال ابن فارس: وأصله العبس وهو ما يعبس على هلب (شعر) الذّنب من بعر وغيره، ثمّ اشتقّ من ذلك: اليوم العبوس، وهو الشّديد الكريه، واشتقّ منه عبس الرّجل: إذا غضب (وتقطّب وجهه) .
وقال الجوهريّ: يقال: عبس الرّجل يعبس عبوسا: كلح، وعبّس وجهه: مبالغة في عبس، والتّعبّس التّجهّم، ويوم عبوس: أي شديد، وقول الله تعالى ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (المدثر/ 22) .
قال القرطبيّ: عبس أي قطّب بين عينيه في وجوه المؤمنين، وذلك أنّه لمّا حمل قريشا على ما حملهم عليه من القول في محمّد صلّى الله عليه وسلّم بأنّه ساحر، مرّ على جماعة من المسلمين، فدعوه إلى الإسلام، فعبس في وجوههم، وقيل: عبس وبسر على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين دعاه «1» .
وقال القرطبيّ: عبس: قبض ما بين عينيه، وقيل: قبض وجهه تكرّها «2» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 2/ 5
وقال ابن منظور: يقال: عبس يعبس عبسا وعبّس: قطّب ما بين عينيه، ورجل عابس من قوم عبوس. ويوم عابس وعبوس: شديد، ومنه حديث قسّ: يبتغي دفع بأس يوم عبوس؛ هو صفة لأصحاب اليوم أي يوم يعبّس فيه. وعبّس تعبيسا، فهو معبّس وعبّاس إذا كرّه وجهه؛ فإن كشّر عن أسنانه فهو كالح، وقيل: عبّس: كلح. وفي صفته صلّى الله عليه وسلّم:
لا عابس ولا مفند؛ العابس: الكريه الملقى، الجهم المحيّا. والتّعبّس: التّجهّم «3» .
العبوس اصطلاحا:
قال المناويّ: العبوس: تقبّض الوجه عن كراهية أو ضيق صدر «4» .
وقال الجاحظ: العبوس هو التّقطيب عند اللّقاء بقلّة التّبسّم وإظهار الكراهية، وهذا الخلق مركّب من الكبر وغلظ الطّبع؛ فإنّ قلّة البشاشة هي استهانة بالنّاس، والاستهانة بالنّاس تكون من الإعجاب والكبر.
وقلّة التّبسّم وخاصّة عند لقاء الإخوان تكون
__________
(1) تفسير الطبرى (12/ 308، 443) .
(2) مقاييس اللغة (4/ 210) ، الصحاح (3/ 944) ، اللسان (4/ 2785) ، ط. دار المعارف.
(3) لسان العرب (6/ 128) .
(4) التوقيف للمناوى (235) .(10/4927)
من غلظ الطّبع، وهذا الخلق مستقبح وخاصّة بالرّؤساء والأفاضل «1» .
وقال الرّاغب: العبوس: قطوب الوجه من ضيق الصّدر «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- الجفاء- سوء المعاملة- سوء الظن- الكرب- اليأس- الغضب- الحزن- القنوط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البشاشة- طلاقة الوجه- التودد- حسن السمت- كظم الغيظ- الفرح- الرضا- السكينة- الصبر والمصابرة] .
الآيات الواردة في «العبوس»
1- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12)
وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16)
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
ثُمَّ نَظَرَ (21)
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) «3»
2- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) «4»
3- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2)
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) «5»
__________
(1) الجاحظ: تهذيب الأخلاق (72) .
(2) المفردات للراغب (320) .
(3) المدثر: 11- 23 مكية
(4) الإنسان: 9- 11 مدنية
(5) عبس: 1- 7 مكية(10/4928)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العبوس) معنى
1-* (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء. كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فراه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي ففعلت.
فلمّا أن كان ذا يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ. قلت: يا لبّاه!، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟
قال: قلت: قريب. قال: إنّما بينك وبينه أربع.
فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي إنّ المشرك الّذي كنت أتداين منه قال لي كذا وكذا- وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي- وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات، عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر، فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» . فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ؛ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت:
نعم. قال: «انظر أن تريحني منه» . فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: ما فعل الّذي قبلك؟
قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد- دعاني قال: ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة، حتّى(10/4929)
أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (المؤمنون/ 104) قال: تشويه النّار فتقلّص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (العبوس)
1-* (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه- خرجنا من قومنا غفار- وكانوا يحلّون الشّهر الحرام- أنا وأخي أنيس وأمّنا فانطلقنا حتّى نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا. فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس فجاءنا خالنا فنثا عليه ما قيل له. فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لنا فيما بعد.
قال: فقرّبنا صرمتنا «3» فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه وجعل يبكي. قال: فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة. قال: فنافر أنيس رجلا عن صرمتنا، وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخيّر أنيسا فأتانا بصرمتنا ومثلها، وقد صلّيت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث سنين. قال: فقلت: لمن؟ قال: لله. قال: قلت فأين توجّه؟ قال: حيث وجّهني الله- عزّ وجلّ- قال:
وأصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء. قال أبي: قال أبو النّضر قال سليمان: كأنّي خفاء حتّى تعلوني الشّمس. قال: فقال أأنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني حتّى آتيك. قال: فانطلق فراث عليّ، ثمّ أتاني فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا يزعم أنّ الله- عزّ وجلّ- أرسله على دينك. قال: فقلت ما يقول النّاس له؟ قال: يقولون إنّه شاعر وساحر وكاهن. قال: وكان أنيس شاعرا. قال: فقال: قد سمعت قول الكهّان فما يقول بقولهم، وقد وضعت قوله على أقراء «4» الشّعر فو الله ما يلتام لسان أحد أنّه شعر. والله إنّه لصادق وإنّهم لكاذبون. قال: فقلت له:
هل أنت كافيّ حتّى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم. فكن من أهل مكّة على حذر فإنّهم قد شنفوا له، وتجهّموا له، وقال عفّان: شيفوا له وقال بهز سبقوا له، وقال أبو النّضر شفوا له قال: فانطلقت حتّى قدمت مكّة فتضعّفت «5» رجلا منهم فقلت: أين هذا الرّجل الّذي
__________
(1) أبو داود (3055) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 590- 591) : صحيح الإسناد، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (6351) والطبراني في الكبير (1119) والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 348- 351) .
(2) الترمذي (2587) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(3) صرمتنا: الصرمة: القطعة من الإبل.
(4) أقراء الشعر: ضروبه وفنونه.
(5) تضعفت: انتقيت أضعفهم.(10/4930)
تدعونه الصبابىء؟ قال: فأشار إليّ. قال: الصّابىء؟
قال: فمال أهل الوادي عليّ بكلّ مدرة وعظم حتّى خررت مغشيّا عليّ ... الحديث) * «1» .
2-* (عن سبيع بن خالد، قال: أتيت الكوفة في زمن فتحت تستر، أجلب منها بغالا، فدخلت المسجد فإذا صدع «2» من الرّجال، وإذا رجل جالس، تعرف إذا رأيته أنّه من رجال أهل الحجاز. قال: قلت: من هذا؟ فتجهّمني القوم وقالوا: أما تعرف هذا؟ هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
3-* (قال عكرمة في قوله تعالى يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (الإنسان/ 10) يعبس الكافر يومئذ حتّى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران) * «4» .
4-* (وقال مجاهد عَبُوساً قَمْطَرِيراً العابس الشّفتين يقبض الوجه بالبسور) * «5» .
5-* (قال مجاهد وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول) * «6» .
من مضار (العبوس)
(1) صفة ذميمة عند الله تعالى وعند النّاس.
(2) ينفر النّاس من صاحبها حتّى أقاربه وأهل بيته.
(3) يبتعد النّاس عن مشاركته ومخالطته.
(4) يشعر بالبؤس والوحشة.
(5) لا يجد للسّعادة سبيلا بل هو في همّ وغمّ ومقت دائم.
__________
(1) مسلم (2473) . وأحمد (5/ 175) واللفظ له.
(2) صدع: أي رجل بين الرجلين.
(3) أبو داود (4244) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 798) : حسن.
(4) بصائر ذوي التمييز (4/ 15) .
(5) تفسير ابن كثير (4/ 485) .
(6) المرجع السابق (4/ 455) .(10/4931)
العتو
العتو لغة:
مصدر قولهم: عتا يعتو إذا طغا وتجاوز الحدّ، وهو مأخوذ من مادّة (ع ت و) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على الاستكبار «1» ، وقال الخليل: يقال:
عتا عتوّا وعتيّا فهو عات، والملك الجبّار عات، وجبابرة عتاة، وتعتّى فلان وتعتّت فلانة إذا لم تطع، قال العجّاج:
الحمد لله الّذي استقلّت بأمره السّماء واطمأنّت بأمره الأرض فما تعتّت «2»
(أي فما عصت) ، وقال الجوهريّ: العتوّ (بضمّ العين والتاء) هو الأصل «3» .
ويقال أيضا: عتيّ وعتيّ، ويستعمل (اللفظ) الأخير جمعا، فيقال هو عات من قوم عتيّ، وقولهم:
عتى الشيخ: كبر وولّى «4» وعلى ذلك قول الله تعالى:
وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (مريم/ 8) أي بلغت حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها «5» ، وقيل:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
26/ 3/ 29
المراد قحول عظمه «6» ، وقال القرطبيّ: المعنى: بلغ النّهاية في الكبر واليبس والجفاف «7» ، وقال الرّاغب:
العتوّ: النبوّ عن الطّاعة وقيل: العاتي، الجاسي «8» ، والعتوّ (أيضا) : الاستكبار ومجاوزة الحدّ «9» ، والعاتي:
الشّديد الدّخول في الفساد، المتمرّد الّذي لا يقبل موعظة، وجمعه أعتاء وعتاة، قال الفرّاء: والأعتاء (أيضا) : هم الدّعّار من الرّجال «10» ، وفي الحديث الشّريف: «بئس العبد عبد عتا وطغى» قال ابن الأثير: العتوّ هو التجبّر والتكبّر «11» ، وقول الله تعالى:
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة/ 6) ، المعنى: غضبت لغضب الله تعالى، وقيل عتت على عاد فقهرتهم «12» (كما يقهر الملك العاتي رعاياه) ، وقيل: عتت عليهم حتّى نقبت عن أفئدتهم، وقيل (هبّت عليهم) بغير رحمة ولا بركة «13» .
إنّ لفظ العتوّ قد يطلق ويراد به مجرّد التجبّر والتّشدّد حتّى ولو كان ذلك في الطّاعة، ومن ذلك ما يروى أنّ رجلا دخل على أبي بكر فنال من عمر، وقال
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 225) .
(2) كتاب العين (2/ 226) ، وقد أكملنا الشاهد من مقاييس اللغة، (4/ 225) .
(3) يشير الجوهري بذلك إلى أنه على وزن فعول وأن الصيغتين اللتين سيذكرهما بعد متفرعتان عن هذا الأصل.
(4) الصحاح (6/ 2418) .
(5) المفردات (323) (ت. كيلاني) .
(6) تفسير ابن كثير (3/ 118) ، وقد نقل هذا المعنى عن مجاهد.
(7) تفسير القرطبي (11/ 57) .
(8) المفردات (323) ، والجاسي: اسم فاعل من جسا بمعنى صلب.
(9) القاموس المحيط (عتا) (1688) (ط. بيروت) .
(10) لسان العرب (عتا) (2815) (ط. بيروت) .
(11) النهاية لابن الأثير (3/ 181) .
(12) تفسير القرطبي (18/ 168) .
(13) تفسير ابن كثير (4/ 412) (وفيه عتت الخزنة) ولعله تصحيف.(10/4932)
له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له، فلو ملكنا كان أعتى وأعتى «1» .
قال ابن الأثير: العتوّ هنا الشّدّة والغلظة والتجبّر «2» ، ولا علاقة له بالمعاصي.
العتو اصطلاحا:
قال الكفويّ: العتوّ: كلّ مبالغة في كبر أو فساد أو كفر «3» ، ويؤخذ ممّا ذكره الفيروزآباديّ في البصائر: أنّ العتوّ هو مجاوزة الحدّ في الاستكبار «4» ، قال- رحمه الله- عتا عتوّا إذا استكبر وجاوز الحدّ في الاستكبار.
وقال ابن حجر: هو الانهماك في الطّغيان والمبالغة في الفساد «5» .
وقال القرطبيّ: العتوّ: هو أشدّ الكفر وأفحش الظّلم «6» . ويمكن أن نستخلص من جملة هذه الأقوال أنّ العتوّ المذموم هو كلّ مخالفة لأمر الله عزّ وجلّ مصحوبة بالاستكبار ومجاوزة الحدّ مع التجبّر والمبالغة في الفساد.
حكم العتو:
إذا كان العتوّ معصية أو مخالفة لأمر الله- عزّ وجلّ- مصحوبة بالاستكبار، فإنّه يعدّ من الكبائر المضاعفة: كبيرة المعصية ذاتها وكبيرة الكبر المقترن بها «7» .
من معاني العتو في القرآن الكريم:
لم تذكر كتب الوجوه والنظائر لفظ العتوّ ضمن تلك الألفاظ المشتركة الّتي تعدّدت معانيها في القرآن الكريم، وبالرّجوع إلى كتب التّفسير أمكننا أن نقف على معان عديدة للفظ «العتوّ» منها:
1- العتوّ بمعنى الطّعن في الّسّنّ، وذلك قوله تعالى: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (مريم/ 8) .
2- العتوّ بمعنى القهر والغلبة، ومن ذلك قوله تعالى: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة/ 6) .
3- العتوّ بمعنى الاستكبار عن الطّاعة، ومنه قوله تعالى: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) .
4- العتوّ بمعنى العلوّ في الأرض، من ذلك قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) .
5- العتوّ بمعنى التّجاوز في معصية الله تعالى، ومخالفة أمره ومن ذلك قوله سبحانه: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ.. (الأعراف/ 166) . وقوله جلّ من قائل عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها (الطلاق/ 8) .
6- العتوّ بمعنى الطّغيان، وذلك كما في قوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (الملك/ 21) .
[للاستزادة: انظر صفات: الطغيان- الظلم- العدوان- العصيان- الغرور- الفجور- الكبر والعجب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التواضع- الخشوع- الخوف- التقوى- تكريم الإنسان] .
__________
(1) منال الطالب، شرح طوال الغرائب لابن الأثير (280) . وانظر الأثر كاملا في قسم الآثار (أثر رقم 1) .
(2) المرجع السابق (284) .
(3) الكليات (598) ، وفيه «كل مبالغ» والصواب ما أثبتناه.
(4) بصائر ذوي التمييز (4/ 19) .
(5) فتح الباري (12/ 70) ، وقد جاء قوله هذا في الحديث عن عتوّ شاربي الخمر، وذكر أيضا ان العتو هو التجبر.
(6) جاء قول القرطبي هذا في تفسير قوله تعالى: «لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا» .
(7) انظر في كبيرة «الكبر» الزواجر 1/ 67.(10/4933)
الآيات الواردة في «العتو»
1- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76)
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78) «1»
2- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165)
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) «2»
3- أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67)
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) «3»
4-* وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) «4»
5- وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) «5»
6- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) «6»
7- أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) «7»
8- وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7) «8»
__________
(1) الأعراف: 76- 78 مكية.
(2) الأعراف: 165- 166 مكية.
(3) مريم: 67- 70 مكية.
(4) الفرقان: 21- 23 مكية.
(5) الذاريات: 43- 45 مكية.
(6) الطلاق: 8- 9 مدنية.
(7) الملك: 21 مكية.
(8) الحاقة 6- 7 مكية.(10/4934)
الآيات الواردة في «العتو» معنى
9- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «1»
10- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «2»
11- وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) «3»
12- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (36) «4»
13- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «5»
14- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «6»
15- وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)
مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) «7»
16- إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) «8»
17- وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) «9»
18- فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ
__________
(1) البقرة: 87 مدنية
(2) النساء: 172- 173 مدنية
(3) الأنعام: 123 مكية
(4) الأعراف: 36 مكية
(5) الأعراف: 146 مكية
(6) هود: 59- 60 مكية
(7) إبراهيم: 15- 16 مكية
(8) النحل: 22 مكية
(9) الشعراء: 130 مكية(10/4935)
إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «1»
19- وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) «2»
20- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) «3»
21- بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «4»
22- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «5»
23- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «6»
24- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) «7»
25- وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «8»
الآيات الواردة في «العتو» ولها معنى آخر
26- قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) «9»
قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)
__________
(1) القصص: 19 مكية
(2) القصص: 39 مكية
(3) العنكبوت: 38- 39 مكية
(4) الزمر: 59 مكية
(5) غافر: 56 مكية
(6) الجاثية: 31 مكية
(7) الأحقاف: 10 مكية
(8) نوح: 7 مكية
(9) مريم: 8- 9 مكية(10/4936)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العتو)
1-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم جميعا- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أعتى النّاس على الله- عزّ وجلّ-: من قتل في حرم الله، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهليّة «1» ) * «2» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لمّا مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحجر «3» قال لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفجّ «4» ، وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم فعقروها «5» (أي النّاقة) وكانت تشرب ماءهم يوما، ويشربون لبنها (يوما) فعقروها، فأخذتهم صيحة أهدم الله- عزّ وجلّ- (بها) من تحت أديم «6» السّماء منهم، إلّا رجلا واحدا كان في حرم الله- عزّ وجلّ- قيل من هو يا رسول الله؟ قال: هو أبو رغال فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه) * «7» .
3-* (عن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: كنّا نؤتى بالشّارب على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإمرة أبي بكر «8» - رضي الله عنه- فصدرا من خلافة عمر- رضي الله عنه- فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتّى كان آخر إمرة عمر- رضي الله عنه- فجلد أربعين، حتّى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين) * «9» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (العتو)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال أيّهم أشدّ على الرّحمن معصية وهي معصيته في الشّرك) * «10» .
__________
(1) ذحول الجاهلية، الذحول جمع ذحل وهو العداوة والذّحل أيضا الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت على الإنسان من قتل أو جرح أو نحو ذلك، انظر النهاية لابن الأثير 2/ 155.
(2) أحمد في المسند 11 (6757) وقال محققه الشيخ شاكر: إسناده صحيح.
(3) الحجر هي ديار ثمود قوم نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام.
(4) الفج: الطريق الواسع.
(5) فعقروها: هو كناية عن الذبح، ويطلق على ضرب قوائم البعير بالسيف.
(6) أديم: أي جلدها.
(7) أحمد في المسند (3/ 296) ، والحاكم (2/ 320) وصححه، وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم، وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط أتم منه، ورجال أحمد رجال الصحيح، مجمع الزوائد 7/ 50.
(8) إمرة أبي بكر: أي خلافته.
(9) البخاري- الفتح 12 (6779) ، قال ابن حجر: العتو هنا هو الانهماك في الطغيان والمبالغة في الفساد.
(10) تفسير الدر المنثور ج/ 4/ 504 وأيضا تفسير الطبري 8/ 81.(10/4937)
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (الملك/ 21) قال في الضّلال) * «1» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (الحاقة/ 6) قال عتوهّا أنّها بدأت بأهل البادية منهم فحملتهم بمواشيهم وبيوتهم فأقبلت بهم إلى الحاضرة) * «2» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) قال شدّة الكفر) * «3» .
5-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (الملك/ 21) قال: كفور) * «4» .
6-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: «وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) قال:
غلوا في الباطل) * «5» .
7-* (عن عكرمة- رضي الله عنه- قال:
العتوّ في كتاب الله التّجبّر) * «6» .
8-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال: عتيّا أي كفرا) * «7» .
9-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله في الآية: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال: من كلّ أهل دين، قادتهم رؤوسهم في الشّرّ) * «8» .
10-* (عن أبي الأحوص في الآية السّابقة قال: يبدأ بالأكابر فالأكابر جرما) * «9» .
11-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) أي علوّا في الأرض) * «10» .
12-* (عن ابن زيد في قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ (الطلاق/ 8) قال: العتوّ هنا الكفر والمعصية. وعتت عن أمر ربّها:
تركته ولم تقبله) * «11» .
13-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الذاريات/ 44) قال:
علوا) * «12» .
14-* (وعن ابن زيد في الآية السّابقة قال:
العاتي العاصي التّارك لأمر الله) * «13» .
__________
(1) الدر المنثور 6/ 385، وتفسير الطبري مجلد 12 ج/ 29 ص 6.
(2) الدر المنثور 6/ 405
(3) المرجع السابق 5/ 120.
(4) المرجع السابق، وأيضا في الطبري مجلد 12 ج/ 29 ص 6.
(5) الدر المنثور 3/ 184 وأيضا في تفسير الطبري مجلد 5 ج/ 8 ص 163.
(6) الدر المنثور 5/ 120.
(7) الدر المنثور 4/ 504 وفي الطبري مجلد 8 ج/ 16/ 81.
(8) الدر المنثور 4/ 504 وابن كثير ج/ 3 ص 131.
(9) الدر المنثور 4/ 504 وتفسير الطبري مجلد 8 ج/ 16 ص 81.
(10) تفسير القرطبي ج/ 13 ص 15.
(11) تفسير لطبري 28/ 97.
(12) المرجع السابق، والدر المنثور 6/ 140.
(13) تفسير الطبري 27/ 5.(10/4938)
15-* (عن قتادة في قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (الأعراف/ 166) قال لمّا مرد القوم على المعصية) * «1» .
16-* (عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (مريم/ 69) قال: «يحبس الأوّل على الآخر حتّى إذا تكاملت العدّة أتاهم جميعا ثمّ بدأ بالأكابر فالأكابر جرما» ) * «2» .
17-* (عن مجاهد في قوله تعالى: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) قال: «علوا عن الحقّ لا يبصرونه» ) * «3» .
18-* (وعن مجاهد في قوله تعالى في الآية السّابقة أيضا قال: علوا في الباطل) * «4» .
19-* (وعن مجاهد أيضا في الآية نفسها قال: عتوا في الباطل وتركوا الحقّ) * «5» .
20-* (وعن مجاهد أيضا في الآية المذكورة قال: علوا في الباطل وهو من قولهم: جبّار عات إذا كان عاليا في تجبّره) * «6» .
21-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) يقول تعالى ذكره فعقرت ثمود النّاقة الّتي جعلها الله لهم آية وعتوا عن أمر ربّهم. يقول تكبّروا وتجبّروا عن اتّباع الله واستعلوا عن الحقّ) * «7» .
22-* (قال الطّبريّ في تأويل قوله تعالى:
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (الأعراف/ 166) ، يقول تعالى ذكره: فلمّا تمرّدوا فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السّبت واستحلالهم ما حرّم الله من صيد السّمك وأكله وتمادوا فيه قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (الأعراف/ 166)) * «8» .
23-* (عن ابن جرير في قوله تعالى:
وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) يقول: «تجاوزوا في الاستكبار» ) * «9» .
24-* (وقال- رحمه الله- في قوله تعالى:
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها (الطلاق/ 8) قال: يقول تعالى ذكره وكأيّن من أهل قرية طغوا عن أمر ربّهم وخالفوه وعن أمر رسل ربّهم فتمادوا في طغيانهم وعتوّهم ولجّوا في كفرهم) * «10» .
25-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ (الأعراف/ 77) أي استكبروا.. من عتا يعتوا عتوّا، أي استكبر) * «11» .
26-* (وقال القرطبيّ في قوله تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ (الأعراف/ 166) أي فلمّا
__________
(1) تفسير الطبري 9/ 69.
(2) المرجع السابق، وتفسير ابن كثير 3/ 131.
(3) تفسير الطبري 8/ 163، والدر المنثور 3/ 184.
(4) تفسير الطبري 8/ 163 والدر المنثور 18413.
(5) تفسير الطبري 8/ 163.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق 8/ 169.
(8) المرجع السابق 9/ 69.
(9) المرجع السابق 19/ 3.
(10) المرجع السابق 28/ 97.
(11) تفسير القرطبي 7/ 154.(10/4939)
تجاوزوا في معصية الله) * «1» .
27-* (وقال- رحمه الله- في قوله- عزّ وجلّ-: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (الفرقان/ 21) «حيث سألوا الله الشّطط لأنّ الملائكة لا ترى إلّا عند الموت» ) *.
28-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: عُتُوٍّ وَنُفُورٍ عتوّ: طغيان ونفور عن الحقّ) * «2» .
ومن الآثار الّتي ورد فيها العتوّ مرادا به مطلق التّجبّر ولو كان في الطّاعة وتنفيذ أمر الله عزّ وجلّ ما جاء في حديث سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه، وهذا الحديث. كما أورده ابن الأثير.
29-* (إنّ فلانا دخل على أبي بكر- رضي الله عنه- فنال من عمر وقال له: استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له، فلو ملكنا كان أعتى، فكيف تقول لله إذا لقيته، فقال أبو بكر:
أجلسوني (فأجلسوه؛ فقال: أبا لله تفرقني «3» ؟ خاب من تزوّد من أمركم بظلم، أقول: اللهم، استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عنّي ما قلت لك من وراءك، ثمّ اضطجع، فقال: لو استخلفت فلانا! فقال: لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك «4» ، ولما أخذت من أهلك حقّا) * «5» .
من مضار (العتو)
(1) العتوّ يغضب الرّبّ عزّ وجلّ ويورث أصحابه العقاب الأليم في الآخرة.
(2) العتوّ آفة تصيب الأفراد والجماعات وتؤدّي إلى الهلاك والخسران للفرد والمجتمع.
(3) العتوّ كالكبر والطّغيان من الآفات الّتي تنفكّ بها عرى المجتمع وتنهار بها الأمم لما ينجم عنها من الخوف وانعدام الثّقة.
(4) العتوّ يذهب الخير والبركة في الدّنيا ويجلب الفقر والمذلّة والهوان على العتاة.
(5) العتوّ يجعل أصحابه في طليعة العصاة من الكفّار والمنافقين الّذين يصلون جهنّم وساءت مصيرا.
(6) العتوّ يقصم ظهر العتاة ويورثهم البوار والهلاك.
(7) العتوّ يورث الجبن في الأتباع فلا تصل إلى العتاة كلمة الحقّ فيزداد المجتمع تأخّرا وانحطاطا.
__________
(1) تفسير القرطبي 7/ 196.
(2) المرجع السابق 18/ 142.
(3) تفرقني: أي تخوّفني.
(4) جعل الأنف في القفا كناية عن شدّة الإعراض.
(5) انظر هذا الحديث مخرجا، ورواية أخرى عن عبد الرحمن بن عوف، في منال الطالب، شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 281.(10/4940)
العجلة
العجلة لغة:
العجل والعجلة: خلاف البطء، وهو مأخوذ من مادّة (ع ج ل) الّتي تدلّ على الإسراع، ومن ذلك:
العجلة في الأمر، والعاجل والعاجلة، نقيض الآجل والآجلة وأعجله: سبقه، كاستعجله قال تعالى:
وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (طه/ 83) أي ما حملك على أن تسبقهم «1» ، واستعجلته: تقدّمته فحملته على العجلة، وأعجلت النّاقة إعجالا. أي ألقت ولدها لغير تمام، فهي معجلة، والعجل محرّكة، ما استعجل من طعام فقدّم قبل إدراك الغذاء، والعجالة (بضمّ العين) ما تزوّده الرّاكب ممّا لا يتعبه أكله كالتّمر والسّويق، لأنّه يستعجله أو لأنّ السّفر يعجله عمّا سوى ذلك من الطّعام.
وقول الله تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (طه/ 114) هو كقول الله تعالى:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(القيامة/ 16) أي لا
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
25/ 9/ 20
تتله قبل أن تتبيّنه، وقيل: لا تسل إنزاله من قبل أن يأتيك وحيه، وقيل لا تلقه إلى النّاس من قبل أن يأتيك تأويله «2» .
ويقال: عجل (بالكسر) يعجل (بالفتح) كفرح يفرح والعجل والعجلة: السّرعة وهي خلاف البطء. ويقال: هو رجل عجل (بالكسر) وعجل (بالضّمّ) وعجلان وعاجل وعجيل وعجول وامرأة عجلى. والعجالة: ما تعجّلته من شيء. وتقول عجّلت له من الثّمن كذا: أي قدّمت. واستعجلته: طلبت عجلته، وكذلك إذا تقدّمته ويقال: أعجلني فعجّلت له وعاجله الله بذنبه: إذا أخذه به ولم يمهله.
والاستعجال والإعجال والتّعجّل واحد بمعنى الاستحثاث وطلب العجلة «3» .
وقول الله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (الإسراء/ 11) . أي طبعه العجلة فيعجل بسؤال الشّرّ كما يعجل بسؤال الخير، وقيل يؤثر العاجل وإن قلّ، على الآجل وإن جلّ «4» .
__________
(1) تفسير القرطبي (11/ 155) .
(2) تفسير القرطبي (11/ 166) .
(3) مقاييس اللغة (4/ 237) ، لسان العرب (5/ 2821- 2824) . والصحاح (5/ 1759- 1760) . وانظر بصائر ذوي التمييز للفيروزابادي (4/ 23) ، والمصباح (149) ، وتاج العروس (15/ 468) وما بعدها.
(4) تفسير القرطبي (10/ 148) .(10/4941)
العجلة اصطلاحا:
قال المناويّ: العجلة: فعل الشّيء قبل وقته اللّائق به «1» .
وقال الرّاغب: العجلة: طلب الشّيء وتحرّيه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشّهوة، فلذلك صارت مذمومة فى عامّة القرآن حتّى قيل: «العجلة من الشّيطان» «2» .
دوافع العجلة:
قال الفيروزآباديّ- رحمه الله تعالى-: العجلة من مقتضيات الشّهوة، فلذلك ذمّت في جميع القرآن حتّى قيل: العجلة من الشّيطان، وأمّا قوله تعالى:
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (طه/ 84) فقد ذكر أنّ عجلته وإن كانت مذمومة فالّذي دعا إليها أمر محمود. وقوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (الإسراء/ 11) وكذلك قوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ (الأنبياء/ 37) فهذا تنبيه وإخبار من الله- عزّ وجلّ- فإنّ ذلك أحد القوى الّتي ركّب عليها.
قال الشّاعر:
لا تعجلنّ فربّما ... عجل الفتى فيما يضرّه
ولربّما كره الفتى ... أمرا عواقبه تسرّه
«3» .
حكم العجلة:
عدّ الإمام ابن حجر: العجلة وترك التثبّت في الأمور من الكبائر، وقد جاء فى الحديث: «العجلة من الشّيطان» لأنّه عندها يروّج شرّه على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهّل وتروّى عند الإقدام على عمل يريده فإنّه تحصل له بصيرة به ومتى لم تحصل تلك البصيرة فلا ينبغي الاستعجال «4» .
هذا مع أنّ الإمام الذّهبيّ لم يذكرها في الكبائر «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الطيش- السفاهة- الحمق- الجهل- اتباع الهوى- التفريط والإفراط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التأني- التبين- السكينة- الحلم- النظر والتبصر] .
__________
(1) التوقيف (237) .
(2) المفردات (323) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 23- 24) بتصرف.
(4) الزواجر (107) .
(5) ينظر كتاب الكبائر للذهبي.(10/4942)
الآيات الواردة في «العجلة»
آيات وردت العجلة فيها في سياق كون حدوث المعجّل فيصلا فيما هو موضع الجدل:
1- وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)
قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57)
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) «1»
2- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149)
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) «2»
آيات وردت العجلة فيها دليلا على قلة التدبر وتمييز الأمور:
3-* وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «3»
__________
(1) الأنعام: 55- 58 مكية
(2) الأعراف: 148- 152 مكية
(3) يونس: 11- 12 مكية(10/4943)
4- وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11) «1»
5- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) «2»
6-* وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)
قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23)
فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24)
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) «3»
7- وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1)
فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2)
فَالْجارِياتِ يُسْراً (3)
فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5)
وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6)
وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7)
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) «4»
آيات وردت العجلة فيها دليلا على عدم تقدير الأمور والجهل بحقائقها:
8- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ
__________
(1) الإسراء: 11 مكية
(2) الأنبياء: 36- 38 مكية
(3) الأحقاف: 21- 25 مكية
(4) الذاريات: 1- 14 مكية(10/4944)
وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) «1»
9-* وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (5)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «2»
10- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)
كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «3»
11- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) «4»
12- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) «5»
__________
(1) يونس: 48- 52 مكية
(2) الرعد: 5- 6 مكية
(3) الإسراء: 18- 21 مكية
(4) الحج: 46- 47 مكية
(5) الشعراء: 192- 212 مكية(10/4945)
13- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «1»
14- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54)
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) «2»
15- وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «3»
16- وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
__________
(1) النمل: 45- 53 مكية
(2) العنكبوت: 50- 55 مكية
(3) الصافات: 171- 182 مكية(10/4946)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) «1»
آيات العجلة فيها دليل إنكار البعث والحساب:
17- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) «2»
18- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16)
اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) «3»
19- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «4»
20- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «5»
آيات وردت العجلة فيها في سياق النهي عنها متعلقة بالقرآن الكريم:
21- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113)
__________
(1) الذاريات: 56- 60 مكية
(2) النحل: 1- 4 مكية
(3) ص: 12- 20 مكية
(4) الشورى: 17- 18 مكية
(5) الأحقاف: 35 مكية(10/4947)
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «1»
22- بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
(19) «2»
آيات وردت العجلة فيها في سياق الوعيد:
23- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59) «3»
24- أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85)
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86)
لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87) «4»
25-* وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83)
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84)
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)
فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) «5»
__________
(1) طه: 113- 114 مكية
(2) القيامة: 14- 19 مكية
(3) الكهف: 57- 59 مكية
(4) مريم: 83- 87 مكية
(5) طه: 83- 87 مكية(10/4948)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العجلة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا، فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» فأرسل إلى ابن رواحة فقال:
«اهجهم» . فهجاهم فلم يرض «1» . فأرسل إلى كعب ابن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه. ثمّ أدلع «2» لسانه فجعل يحرّكه.
فقال: والّذي بعثك بالحقّ! لأفرينّهم بلساني فري الأديم «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثم رجع فقال: يا رسول الله! قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ! لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت عائشة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واستشفى» قال حسّان:
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمّدا برّا تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء
... الحديث) «4» .
2-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا، فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قال:
قلت لفلان من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنّه لا يموت على ذلك، فلمّا جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «5» .
3-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كنت تدعوه بشيء أو تسأله إيّاه؟» قال: نعم. كنت أقول:
اللهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدّنيا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله لا تطيقه أو لا
__________
(1) فلم يرض: أي فلم يأت بهجاء ينال له من قريش ما يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(2) أدلع لسانه: أخرجه.
(3) لأفرينهم فري الأديم: جاء في القاموس: فراه يفريه: شقه، والمعنى لأمزقن أعراضهم كما يمزق الجلد للشاة ونحوها.
(4) البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له، ومسلم (112) .(10/4949)
تستطيعه، أفلا قلت: اللهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار» . وقال: فدعا الله له.
فشفاه) * «1» .
4-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» . ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي مجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» .
5-* عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. يقول: دعوت فلم يستجب لي» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (العجلة) معنى
6-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: التؤدة في كلّ شيء إلّا في عمل الآخرة) * «4» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «5» . على رأس جبل وعر «6» . لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل «7» . قالت الثّانية:
زوجي لا أبثّ خبره «8» . إنّي أخاف أن لا أذره «9» . إن أذكره أذكر عجره وبجره «10» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «11» . إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق «12» ... الحديث) * «13» .
__________
(1) مسلم (2688) .
(2) النسائي (3/ 44- 45) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح النسائي: حسن (1/ 275) . وأبو داود (1481) . والترمذي (3476) وقال: صحيح.
(3) البخاري- الفتح 11 (6340) واللفظ له، ومسلم (2735) .
(4) أبو داود (4810) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 913) صحيح. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية، وقال: رجاله كلهم ثقات (2/ 240) .
(5) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشراح: المراد بالغث المهزول.
(6) على رأس جبل وعر: أي صعب الوصول إليه.
(7) لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل: المعنى لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة ولا سمين فينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته والغرض من هذا التشبيه بيان أنه ليس فيه مصلحة يحتمل سوء عشرته بسببها.
(8) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(9) إني أخاف أن لا أذره: فيه تأويلان. أحدهما لابن السكيت وغيره؛ أن الهاء عائدة على خبره. فالمعنى أن خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته. والثاني أن الهاء عائدة للزوج وتكون لا زائده. كما في قوله تعالى: ما منعك أن لا تسجد. ومعناه إني أخاف أن يطلقني فأذره.
(10) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. قال الخطابيّ وغيره: أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة. قالوا: وأصل العجر أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد. والبجر نحوها إلا أنها في البطن خاصة. واحدتها بجرة. ومنه قيل: رجل أبجر. إذا كان عظيم البطن؛ وامرأة بجراء. والجمع بجر. وقال الهرويّ: قال ابن الأعرابيّ: العجرة نفخة في الظهر. فإن كانت في السرة فهي بجرة.
(11) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(12) إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق: إن ذكرت عيوبه طلقني، وإن سكت عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوجة.
(13) البخاري- الفتح (9/ 5189) . وصحيح مسلم (2448) .(10/4950)
8-* (عن أبيّ بن كعب؛ أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل) . فسئل: أيّ النّاس أعلم؟
فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الحديث ... إلى أن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يرحم الله موسى، لوددت أنّه كان صبر حتّى قصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كانت الأولى من موسى نسيانا» . قال: «وجاء عصفور حتّى وقع على حرف السّفينة. ثمّ نقر في البحر. فقال له الخضر:
ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر» .
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا. وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرا) * «1» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه جاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الّذي تحدّث به؟ تقول: إنّ السّاعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال:
سبحان الله! أو لا إله إلّا الله، أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدّث أحدا شيئا أبدا، إنّما قلت: إنّكم سترون بعد قليل أمرا عظيما. يحرق البيت، ويكون، ويكون. ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج الدجّال في أمّتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما) . فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنّه عروة بن مسعود. فيطلبه فيهلكه ثمّ يمكث النّاس سبع سنين. ليس بين اثنين عداوة. ثمّ يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم. فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير أو إيمان إلّا قبضتة.
حتّى لو أنّ أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتّى تقبضه» . قال: سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال «فيبقى شرار النّاس في خفّة الطّير وأحلام السّباع. لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا. فيتمثّل لهم الشّيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دارّ رزقهم، حسن عيشهم. ثمّ ينفخ في الصّور. فلا يسمعه أحد إلّا أصغى ليتا ورفع ليتا «2» . قال: وأوّل من يسمعه رجل يلوط حوض إبله «3» . قال فيصعق، ويصعق النّاس.
ثمّ يرسل الله- أو قال ينزل الله- مطرا كأنّه الطّلّ أو الظّلّ «4» فتنبت منه أجساد النّاس. ثمّ ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثمّ يقال: يأيّها النّاس! هلمّ إلى ربّكم. وقفوهم إنّهم مسؤولون. قال: ثمّ يقال:
أخرجوا بعث النّار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كلّ ألف، تسعمائه وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا. وذلك يوم يكشف عن ساق» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4725) . ومسلم (2380) واللفظ له.
(2) أصغى ليتا ورفع ليتا: الليت صفحة العنق وأصغى: أمال، والمراد أن من يسمع نفخة الصور يميل صفحة من عنقه ويرفع الأخرى. وهذا كناية عن الضعف والاستسلام.
(3) يلوط حوض إبله: يطليه بالطين ويصلحه به.
(4) كأنه الطل أو الظل: الطلّ: المطر الخفيف والظل هو عدم ضوء الشمس. وتشبيه المطر بالطل لإفادة القلة وتشبيه بالظل للإفادة بكثافته وشموله.
(5) مسلم (2940) .(10/4951)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (العجلة)
1-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-: إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. ولا يستخفنّك أحد) * «1» .
2-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
التأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد) * «2» .
3-* (قال معاوية- رضي الله عنه- لرجل شهد عنده بشهادة: كذبت، فقال الأعرابيّ: إنّ الكاذب للمتزمّل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من يعجل) * «3» .
4-* (قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-: اعلموا أنّ الحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والسّفر ضعف، ومجالسة أهل الدّناءة شين، ومخالطة أهل الفسق ريبة) * «4» .
5-* (قال محمّد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله:
فلا تعجل على أحد بظلم ... فإن الظّلم مرتعه وخيم
ولا تفحش وإن ملّيت غيظا ... على أحد فإنّ الفحش لوم
ولا تقطع أخا لك عند ذنب ... وإنّ الذّنب يغفره الكريم
ولكن دار عوراه برفق ... كما قد يرقع الخلق القديم
ولا تجزع لريب الدّهر واصبر ... فإنّ الصّبر في العقبى سليم
فما جزع بمغن عنك شيئا ... ولا ما فات ترجعه الهموم
) * «5» .
6-* (قال ابن حبّان أنشدني المنتصر بن بلال:
ولا تسبقنّ النّاس بالرّأي واتّئد ... فإنّك إن تعجل إلى القول تزلل
ولكن تصفّح رأي من كان حاضرا ... وقل بعدهم رسلا، وبالحقّ فاعمل
) * «6» .
7-* (وقال- رحمه الله تعالى-: لا يستحقّ أحد اسم الرّئاسة حتّى يكون فيه ثلاثة أشياء: العقل والعلم والمنطق، ثمّ يتعرّى عن ستّة أشياء: عن الحدّة، والعجلة، والحسد، والهوى، والكذب، وترك المشورة) * «7» .
8-* (قال مروان لابنه عبد العزيز- حين ولّاه مصر-: يا بنيّ مر حاجبك يخبرك من حضر
__________
(1) البخاري- الفتح (13/ 512) .
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418) .
(3) روضة العقلاء (290) .
(4) كنز العمال (16/ 269) .
(5) روضة العقلاء (193) .
(6) المرجع السابق (258)
(7) المرجع السابق (361) .(10/4952)
بابك كلّ يوم فتكون أنت تأذن وتحجب، وآنس من دخل إليك بالحديث فينبسط إليك، ولا تعجل بالعقوبة إذا أشكل عليك الأمر، فإنّك على ترك العقوبة أقدر منك على ارتجاعها) * «1» .
9-* (قال إسحاق بن عيسى الطّبّاع: عاب مالك العجلة في الأمور، وقال: قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين (بمعنى أنّه جمع فيها العلم والعمل معا كما هو منهج الصّحابة- رضي الله عنهم-) . وقال أيضا:
العجلة نوع من الجهل والخرق) * «2» .
10-* (قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه: العجلة، واللّجاجة، والعجب، والتّواني.
فثمرة العجلة النّدامة، وثمرة اللّجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التّواني الذّلّ) * «3» .
11-* (قال ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى:
كان يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحرّ حريصا، ولا الشّره غنيّا) * «4» .
12-* (قال أبو حاتم البستيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ العجلة من شيم الأحمق، وإنّه ليتكلّم في السّاعة بكلام يعجز عنه غيره، ويتكلّم في السّاعة الأخرى بكلام مثله) * «5» .
13-* (وقال: الواجب على العاقل لزوم الرّفق في الأمور كلّها وترك العجلة، والخفّة فيها، ولا يكاد المرء يتمكّن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الّذي يجب إلّا بمقارنة الرّفق ومفارقة العجل) * «6» .
14-* (وذكر- رحمه الله- في وصيّة الخطّاب ابن المعلّى المخزوميّ القرشيّ لابنه، قال فيها:
يا بنيّ عليك بتقوى الله وطاعته، وتجنّب محارمه باتّباع سنّته ومعالمه حتّى تصحّ عيوبك، وتقرّ عينك، فإنّها لا تخفى على الله خافية، وإنّي قد وسمت لك وسما، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك وانقاد لك به الصّعلوك، ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج إليك، ويرغب إلى ما في يديك ... إلى أن قال: وإيّاك وإخوان السّوء فإنّهم يخونون من رافقهم، ويحزنون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم من استكمال الأدب. واستخفار المستجير لؤم، والعجلة شؤم، وسوء التّدبير وهن) * «7» .
15-* (قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-:
العجلة تكون من الحدّة، وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا، وإن أخطأها كان مذموما، والعجل لا يسير إلّا مناكبا للقصد، منحرفا عن الجادّة، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مسارا، يحكم حكم الورهاء «8» ، يناسب أخلاق النّساء. وإنّ العجلة موكّل بها النّدم، وما عجل أحد إلّا اكتسب
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 395) .
(2) المرجع السابق (2/ 239- 240) ، وينظر: (62) .
(3) روضة العقلاء (289) .
(4) مجمع الأمثال للميداني النيسابوري (2/ 243) .
(5) روضة العقلاء (168، 169) بتصرف.
(6) المرجع السابق (286، 288)
(7) روضة العقلاء (266، 268- 269) .
(8) الوره: الحمق.(10/4953)
ندامة واستفاد مذمّة، لأنّ الزّلل مع العجل، ولا يكون العجول محمودا أبدا) * «1» .
16-* وقال:- رحمه الله تعالى- إنّ الرّافق لا يكاد يسبق كما أنّ العجل لا يكاد يلحق والسّاكت لا يكاد يندم، من نطق لا يكاد يسلم وإنّ العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرّب، ويذمّ بعدما يحمد، ويعزم قبل أن يفكّر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه النّدامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكنيها أمّ النّدامات) * «2» .
17-* (قال ابن منظور- رحمه الله تعالى-:
قيل: إنّ آدم- عليه السّلام- لمّا بلغ منه الرّوح الرّكبتين همّ بالنّهوض قبل أن تبلغ القدمين، فقال الله- عزّ وجلّ-: خلق الإنسان من عجل. فأورثنا آدم عليه السّلام- العجلة) * «3» .
18-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-:
العجل: ضرب من الضّعف لما يؤذن به من الضّرورة والحاجة) * «4» .
19-* (قال ابن المقّريّ في لاميّته:
دع الجموع واسمحه تغظه ولا ... تصحب سوى السّمح واحذر سقطة العجل
) * «5» .
20-* (قال الشّاعر:
لا تعجلنّ فليس الرّزق بالعجل ... الرّزق في اللّوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرّزق يطلبنا ... لكنّه خلق الإنسان من عجل
) * «6» .
من مضار (العجلة)
(1) دليل السّفه وخفّة الحلم وضعف العقل.
(2) كثرة الزّلل والوقوع في الخطأ.
(3) النّدم على ما وقع لا ينفع في الغالب الأعمّ.
(4) العجول محروم من السّيادة ومواقع القيادة والرّيادة.
(5) صاحبها محروم من خير كثير ويجلب لنفسه ضررا عظيما.
__________
(1) روضة العقلاء (288- 289) .
(2) المرجع السابق (288) .
(3) لسان العرب (4/ 2823) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) جواهر الأدب لأحمد الهاشمي (674) .
(6) صفوة الأخبار (92) .(10/4954)
العدوان
العدوان لغة:
العدوان: الظّلم الّذي يتجاوز فيه الحدّ، وهو مصدر من عدا يعدو عدوا وعدوّا وعدوانا وعداء الّتي تدلّ على تجاوز في الشّيء وتقدّم لما ينبغي أن يقتصر عليه، قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي أن يقتصر عليه، والعادي: الّذي يعدو على النّاس ظلما وعدوانا..
ويقال: عدا فلان طوره، ومنه العدوان، قال: وكذلك العداء والاعتداء، والتعدّي. قال: والعدوان: الظّلم الصّراح، والاعتداء مشتقّ من العدوان «1» .
ويقول الرّاغب: العدو: التّجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالقلب، فيقال له العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العدو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له العدوان «2» .
والعدوّ: ضدّ الوليّ، وقيل ضدّ الصّديق، والجمع الأعداء، وهو وصف ولكنّه ضارع الاسم.
يقال: عدوّ بيّن العداوة والمعاداة، والأنثى عدوّة. والعدا بكسر العين الأعداء، وهو جمع لا نظير له. والمعادي: العدوّ، قالت امرأة من العرب: أشمت ربّ العالمين عاديك.
والعداء: تجاوز الحدّ والظّلم «3» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
37/ 13/ 1
وقوله تعالى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/ 193) أي فلا سبيل، وكذلك قوله:
فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ (القصص/ 28) أي فلا سبيل عليّ. وعدا عدوا. ظلم وجار. وقوله تعالى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) أي: لا تعاونوا على المعصية والظلم، وقال ابن منظور: يقال في الظّلم: قد عدا فلان عدوا وعدوّا وعدوانا وعداء أي ظلم ظلما جاوز فيه القدر، والعادي الظّالم، يقال: لا أشمت الله بك عاديك أي عدوّك الظّالم لك، وقول العرب: فلان
عدوّ فلان معناه فلان يعدو على فلان بالمكروه ويظلمه، ويقال: فلان عدوّك، وهم عدوّك وهما عدوّك، وفلانة عدوّة فلان وعدوّ فلان، قال الأزهريّ:
هذا إذا جعلت ذلك كلّه في مذهب الاسم والمصدر، فإذا جعلته نعتا محضا قلت: هو عدوّك وهي عدوّتك، وهم أعداؤك، وقولهم عدا عليه فضربه بسيفه، لا يراد به عدو على الرّجلين، ولكن من الظّلم، وفي حديث قتادة ابن النّعمان أنّه عدي عليه، أي سرق ماله وظلم «4» .
أنواع العدوان والعدوّ:
قال الرّاغب: العدوان نوعان: الأوّل محظور ومنه قوله تعالى: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ
__________
(1) المقاييس (4/ 249) .
(2) المفردات (338) .
(3) الصحاح (6/ 2420) .
(4) لسان العرب (4/ 2846) .(10/4955)
(المائدة/ 2) الثّاني غير محظور: وهو الّذي يكون على سبيل المجازاة ويصحّ أن يتعاطى مع من ابتدأ به ومن ذلك قوله سبحانه: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/ 193) .
أنواع العدو:
العدوّ أيضا على ضربين: أحدهما: ما يكون العداوة من مقصوده كما في قوله تعالى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ (النساء/ 92) ، والآخر: ما لم يقصد إلى ذلك وإنّما تعرض له حالة يتأذّى بها كما يتأذّى من العدا كما في قوله سبحانه: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن/ 14) «1» .
أنواع العداوة:
والعداوة أيضا على ضربين: الأوّل باطن لا يدرك بالحاسّة. والآخر: ظاهر يدرك بالحاسّة.
فالباطن اثنان: أحدهما: الشّيطان وهو أصل كلّ عدوّ، وقد حذّرنا الله تعالى منه غاية التّحذير فقال:
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر/ 6) ، وقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ (يس/ 60) ، وقال:
وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ (البقرة/ 168) .
والثّاني: الهوى المعبّر عنه بالنّفس في قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (يوسف/ 53) ، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعدى عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك» . وكذلك الغضب إذا كان فوق ما يجب، ولكون هذه القوّة في الإنسان إذا أثيرت طريقا للشّيطان في وصوله إلينا وكونها كالخليقة لها سمّاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسمه فقال:
«الهوى شيطان والغضب شيطان» وقال تعالى حكاية عن موسى- عليه السّلام- هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (القصص/ 15) .
وأمّا الظّاهر من الأعداء فالإنسان. وذلك ضربان:
الضّرب الأوّل: هو عدوّ مضطغن للعداوة قاصد إلى الإضرار إمّا مجاهرة وإمّا مساترة. وذلك اثنان.
واحد يعادي كلّ أحد وهو إنسان سبعيّ الطّبع خبيث الطّينة مبغض لكلّ من لم يحتج إليه في العاجل بغيض إلى كلّ نفس، يهارش كلّ من لا يخافه. ومثله هو الّذي عنى تعالى بشياطين الإنس.
والثّاني: عدوّ خاصّ العداوة: وذلك إمّا بسبب الفضيلة أو الرّذيلة كمعاداة الجاهل العالم وإمّا بسبب نفع دنيويّ كالتّجاذب في رئاسة ومال وجاه، وإمّا بسبب لحمة ومجاورة مورثة للحسد كمعاداة بني الأعمام بعضهم لبعض. وذلك في كثير من النّاس كالطّبيعيّ، وقال رجل لآخر، إنّي أحبّك. فقال: قد علمت ذلك، قال: ومن أين علمت؟ قال: لأنّك لست لي بشريك ولا نسيب ولا جار قريب، وأكثر المعاداة بين النّاس تتولّد من شيء من ذلك.
والضّرب الثّاني: عدوّ غير مضطغن بالعداوة. ولكن يؤدّي حاله بالإنسان إلى أن يقع بسببه في مثل ما يقع
__________
(1) المفردات (226، 227) بتصرف.(10/4956)
من كيد عدوّه فسمّي عدوّا لذلك، كالأولاد والأزواج، ولذلك قال- عزّ وجلّ-: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ. (التغابن/ 14)
فقد جعل هؤلاء أعداء الإنسان لمّا كانوا سببا لإهلاكه الأخرويّ لما يرتكبه من المعاصي من أجلهم فيؤدّي ذلك إلى هلاك الأبد الّذي هو شرّ من إهلاك المعادي المناصب إيّاه.
واعلم أنّه يكون بعض النّاس مشاركا للشّيطان في المعاداة فسمّى الله تعالى الأعداء شياطين في قوله:
شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً (الأنعام/ 112) ، وقد سمّى كلّ ما يتأذّى به شيطانا «1» .
العدوان اصطلاحا:
قال المناويّ: العدوان أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال «2» .
قال الجرجانيّ: العداوة: أن يتمكّن في القلب قصد الإضرار والانتقام «3» .
وقال الرّاغب: العدوّ هو الّذي يتحرّى اغتيال الآخر ويضادّه فيما يؤدّي إلى ضرره «4» .
من معاني كلمة «العدوان» في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ذكر بعض المفسّرين أنّ العدوان في القرآن على وجهين:
أحدهما: الظّلم الصّراح، ومنه قوله تعالى في البقرة: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (آية/ 85) وفي المائدة: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (آية/ 2) .
والثّاني: السّبيل: ومنه قوله تعالى في البقرة: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (آية/ 193) .
وفي القصص: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (آية/ 28) «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإجرام- الإرهاب- الإساءة- البغي- الحرب والمحاربة- الطغيان- الظلم- العتو- الفجور.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: السلم- تكريم الإنسان- حسن المعاملة- المراقبة- الصفح- التناصر- حسن العشرة] .
__________
(1) الذريعة (259- 261) .
(2) التوقيف (238) .
(3) التعريفات (152) .
(4) الذريعة (259) .
(5) نزهة الأعين النواظر (432- 433) .(10/4957)
الآيات الواردة في «العدوان»
أ- آيات العدوان فيها سبب عقاب عاجل في الدنيا:
1-* وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1»
2- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65)
فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) «2»
3- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «3»
4- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60)
وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62)
__________
(1) البقرة: 60- 61 مدنية
(2) البقرة: 65- 66 مدنية
(3) آل عمران: 110- 112 مدنية(10/4958)
لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «1»
5- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) «2»
ب- آيات العدوان فيها تجاوز للمشروع في حق النفس أو في حق الغير:
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «3»
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «4»
8-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) «5»
__________
(1) المائدة: 59- 64 مدنية
(2) المائدة: 78 مدنية
(3) البقرة: 172- 173 مدنية
(4) البقرة: 178 مدنية
(5) البقرة: 189- 194 مدنية(10/4959)
9- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «1»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «2»
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) «3»
12- وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «4»
13- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «5»
14- فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
__________
(1) البقرة: 229- 231 مدنية
(2) النساء: 29- 30 مدنية
(3) المائدة: 87- 88 مدنية
(4) الأنعام: 119- 121 مكية
(5) الأنعام: 145 مكية(10/4960)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «1»
15- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) «2»
16-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)
إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «3»
ج- آيات العدوان فيها قرين التكذيب بالرسل أو معاداة المكذبين:
17- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «4»
18-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)
__________
(1) النحل: 114- 116 مكية
(2) المؤمنون: 1- 7 مدنية
(3) المعارج: 19- 35 مكية
(4) النساء: 44- 45 مدنية(10/4961)
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) «1»
19-* وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «2»
20- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166)
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «3»
21- وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) «4»
22- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ
__________
(1) يونس: 71- 74 مكية
(2) يونس: 90- 92 مكية
(3) الشعراء: 160- 175 مكية
(4) ق: 19- 26 مكية(10/4962)
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) «1»
23- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) * عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) «2»
24- فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «3»
25- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) «4»
د- آيات العدوان فيها دليل التناقض في السلوك أو من خصائصه:
26- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) «5»
__________
(1) المجادلة: 8- 10 مدنية
(2) الممتحنة: 4- 7 مدنية
(3) القلم: 8- 12 مكية
(4) المطففين: 7- 12 مكية
(5) البقرة: 84- 86 مدنية(10/4963)
27-* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) «1»
هـ- آيات العدوان فيها قرين الاختبار:
28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «2»
29- وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) «3»
وآيات العدوان فيها سبب النفي عن ساحة القرب والمحبة:
30- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «4»
__________
(1) المائدة: 82 مدنية
(2) المائدة: 94 مدنية
(3) الأعراف: 160- 163 مكية
(4) الأعراف: 54- 56 مكية(10/4964)
ز- آيات العدوان فيها وارد في سياق الترفع عنه وعن أسبابه أو التعرض له:
31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «1»
32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2»
33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «3»
34- وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108) «4»
35- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)
__________
(1) المائدة: 2 مدنية
(2) المائدة: 90- 91 مدنية
(3) المائدة: 106- 108 مدنية
(4) الأنعام: 108 مكية(10/4965)
اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9)
لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) «1»
36- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28) «2»
37- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) «3»
__________
(1) التوبة: 6- 10 مدنية
(2) القصص: 20- 28 مكية
(3) فصّلت: 34 مكية(10/4966)
الآيات الواردة في ذمّ (العدوان)
1-* (عن قهيد بن مطرّف الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله سائل: إن عدا عليّ عاد؟ فأمره أن ينهاه ثلاث مرار قال: فإن أبى؟
فأمره بقتاله. قال: فكيف بنا؟ قال: «إن قتلك فأنت في الجنّة وإن قتلته فهو في النّار» ) * «1» .
2-* (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء عن غير نسيان فلا تبحثوا عنها» ) * «2» .
3-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن. ولا حول ولا قوّة إلّا بك. إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ ما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة. توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت ولذّة النّظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أن أظلم أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى عليّ أو أكتسب خطيئة محيطة أو ذنبا لا يغفر، اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام. فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك، وكفى بك شهيدا، أنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، أنت، وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت على كلّ شيء قدير، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حقّ ولقاءك حقّ والجنّة حقّ والسّاعة آتية لا ريب فيها وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاغفر لي ذنبي كلّه إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت. وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) أحمد (3/ 423) ومعناه في الصحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني والبزار ورجالهم ثقات.
(2) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 59) برقم (3070) وعزاه مخرجه إلى الحاكم في مستدركه، والبزار وغيرهما ونقل تحسين أبي بكر السمعاني في أماليه، والنووي في أربعينه.
(3) أحمد (5/ 191) وذكره في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وأحد اسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف.(10/4967)
يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطهور والدّعاء» ) * «1» .
5-* (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: إنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله، فقال: لا تقل نبيّ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فسألاه عن قول الله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ (الإسراء/ 101) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، وعليكم يا معشر اليهود خاصّة: لا تعدوا في السّبت» . فقبّلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنّك نبيّ، قال: «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا: إنّ داود دعا الله أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود) * «2» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أرأيت يا رسول الله إن عدي على مالي؟ قال: «فانشد بالله» قال: فإن أبوا عليّ؟. قال: «فانشد بالله» قال: فإن أبوا عليّ؟.
قال: «فانشد بالله» قال: فإن أبوا عليّ؟. قال: «فقاتل فإن قتلت ففي الجنّة وإن قتلت ففي النّار» ) * «3» .
7-* (عن سالم بن أبي أميّة (أبي النّضر) رضي الله عنهما- قال: جلس إليّ شيخ من بني تميم في مسجد البصرة ومعه صحيفة في يده، وذاك في زمن الحجّاج، فقال لي: يا عبد الله ترى هذا الكتاب مغنيا عنّا شيئا عند هذا (السّلطان) قال: قلت: وما هذا الكتاب؟ قال: هذا كتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتبه لنا أن لا يتعدّى علينا في صدقاتنا. قال: قلت لا والله ما أظنّ أن يغني عنك شيئا. وكيف كان هذا الكتاب؟ قال: قدمت المدينة مع أبي وأنا غلام شابّ بإبل لنا نبيعها وكان أبي صديقا لطلحة بن عبيد الله التّيميّ. فقال له أبي: اخرج معي إلى
إبلي هذه.
فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن سأخرج معك وأجلس وتعرض إبلك، فإذا رأيت من رجل وفاء وصدقا ممّن ساومك أمرتك ببيعه. قال: فخرجنا إلى السّوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحة قريبا، فساومنا الرّجال حتّى إذا أعطانا رجل ما نرضى، قال له أبي: أبايعه؟. قال: بعه قد رضيت لكم وفاءه، فبايعوه فبايعناه فلمّا قضينا مالنا وفرغنا من حاجتنا قال أبي لطلحة: خذ لنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا أن لا يتعدّى علينا في صدقاتنا.
فقال: هذا لكم ولكلّ مسلم. قال: على
__________
(1) أبو داود (96) ، وقال الألباني (1/ 21) : صحيح في صحيح أبي داود، أحمد (4/ 86) ، والطبراني في الكبير (2/ 811) ، وقال مخرجه: إسناده حسن، وكذا في الدعاء (2/ 811) رقم (59) . ابن ماجه (3864) والحاكم (1/ 540) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) الترمذي (3144) واللفظ له وقال: حسن صحيح، ابن ماجة (3705) مختصر جدا.
(3) النسائي (7/ 114) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (3804) (3/ 856) . أحمد (2/ 339) وقال أحمد شاكر (16/ 199) : إسناده صحيح.(10/4968)
ذلك إنّي أحبّ أن يكون عندي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاب، فخرج حتّى جاء بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال:
يا رسول الله، إنّ هذا الرّجل من أهل البادية صديق لنا يريد أن يكون له كتاب أن لا يتعدّى عليه في صدقته.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا له ولكلّ مسلم» قال:
يا رسول الله، إنّه قد أحبّ أن يكون عنده كتاب على ذلك. قال: فكتب لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذا الكتاب) * «1» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: عدا يهوديّ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جارية فأخذ أوضاحا «2» كانت عليها ورضخ «3» رأسها، فأتى بها أهلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وهي في آخر رمق «4» وقد أصمتت فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتلك؟ فلان؟» لغير الّذي قتلها؟ فأشارت برأسها أن لا. قال: فقال لرجل آخر غير الّذي قتلها فأشارت أن لا. فقال فلان؟ لقاتلها فأشارت أن نعم. فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرضخ رأسه بين حجرين) * «5» .
9-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كانت لي شارف «6» من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعطاني شارفا من الخمس، فلمّا أردت أن أبتني «7» بفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واعدت رجلا صوّاغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر «8» أردت أن أبيعه الصّوّاغين وأستعين به في وليمة عرسي.
فبينا أنا أجمع لشار فيّ متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال- وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار. فرجعت حين جمعت ما جمعت- فإذا شارفاي قد اجتبّ أسنمتهما «9» ، وبقرت «10» خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، ولم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما، فقلت: من فعل هذا؟
فقالوا فعله حمزة بن عبد المطّلب- وهو في هذا البيت في شرب «11» من الأنصار- فانطلقت حتّى أدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده زيد بن حارثة- فعرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهي الّذي لقيت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مالك؟» فقلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم قطّ، عدا حمزة على ناقتيّ فجبّ أسنمتهما، وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بردائه فارتدى،
__________
(1) قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (3/ 83) وهو في أحمد (1/ 164) وقال شاكر (2/ 371) برقم (1404) إسناده صحيح.
(2) أوضاحا: حليا من فضة.
(3) رضخ الحصى: كسره، ورضخ به الأرض: جلده بها وراضخ فلانا بالحجارة: راماه بها. والمعنى: أنه ضربها بحجر ونحوه فشج رأسها فأفضى بها إلى الموت.
(4) الرمق: الحياة، وآخر رمق معناه: في آخر لحظات حياتها.
(5) البخاري الفتح 9 (5295) واللفظ له، ومسلم (1672)
(6) الشارف: الناقة المسنة. والمثنى شارفان. والجمع: شوارف: ومشارفاي: ناقتاي
(7) ابتني بفاطمة: أتزوجها.
(8) الإذخر: حشيش طيب الريح تسقف به البيوت فوق الخشب
(9) اجتبّ أسنمتهما: جب معناه: قطع. والأسنمة: جمع سنام وهو أعلى ظهر الجمل أو الناقة. والمعنى: قطع أعلى ظهر ناقتى.
(10) بقرت خواصرهما: بقر: شقّ. والخواصر جمع خاصرة وهي الجنب: والمعنى أنه: شقت جوانبهما.
(11) الشرّب: جمع شارب. وهم الذين يشربون الخمر ولم تكن الخمر قد حرمت بعد.(10/4969)
ثمّ انطلق يمشي واتّبعته أنا وزيد بن حارثة حتّى جاء البيت الّذي فيه حمزة فاستأذن، فأذنوا له، فإذا هم شرب، فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة قد ثمل محمرّة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ صعّد النّظر، فنظر إلى ركبتيه، ثمّ صعّد النّظر إلى سرّته، ثمّ صعّد النظر فنظر إلى وجهه، ثمّ قال حمزة: هل أنتم إلّا عبيد لأبي؟ فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قد ثمل. فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى «1» ، وخرجنا معه) * «2» .
10-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فجاء رجل فقال:
يا رسول الله، ما صدقة كذا وكذا؟ قال: كذا وكذا. قال:
فإنّ فلانا تعدّى عليّ فنظروه فوجدوه قد تعدّى عليه بصاع فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فكيف بكم إذا سعى من يتعدّى عليكم أشدّ من هذا التّعدّي؟» .
وزاد الطّبرانيّ بعد قوله: أشدّ من هذا التعدّي:
فخاض القوم وبهرهم الحديث حتّى قال رجل منهم:
كيف يا رسول الله إذا كان رجل غائب عنك في إبله وماشيته وزرعه فأدّى زكاة ماله فتعدّي عليه، فكيف يصنع وهو عنك غائب؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أدّى زكاة ماله طيّب النّفس بها يريد بها وجه الله والدّار الآخرة فلم يغيّب شيئا من ماله وأقام الصلاة ثمّ أدّى الزّكاة فتعدّي عليه في الحقّ فأخذ سلاحه فقاتل فقتل فهو شهيد» ) * «3» .
11-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المتعدّي في الصّدقة كمانعها» ) * «4» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستبّان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم» ) * «5» .
13-* (عن معاذ بن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بنى بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر ما انتفع به من خلق الله تبارك وتعالى» ) * «6» .
__________
(1) نكص على عقبيه: رجع القهقرى: الرجوع إلى خلف. والثّمل بفتح الثاء والميم: السكر، وثمل معناه سكر. والمعنى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عرف أن حمزة- رضي الله عنه- حين قال ما قال كان به سكر فرجع إلى الخلف. ولم يستمر في لومه إذ لا فائدة حينئذ في لومه وقد يتصرف بما لا يليق.
(2) البخاري الفتح 6 (3091) واللفظ له، ومسلم (1979) .
(3) أحمد (6/ 301) ، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 82) : رواه أحمد هكذا. وقال رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الجميع رجال الصحيح. نقله الهيثمي بلفظه. ونقل زيادة الطبراني.
(4) أبو داود (1585) ، ابن ماجة (1808) واللفظ متفق عليه عندهما. وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (4/ 650) ، الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (3/ 83) . وخرجه الترمذي من حديث أنس وقال: غريب وفيه راو تكلم فيه أحمد (3/ 38) برقم (646) .
(5) مسلم (2587) .
(6) أحمد (3/ 438) ، ذكره الهيثمي في المجمع وعزاه لأحمد وقال: فيه زبّان. وثقه ابن حبان وفيه كلام (3/ 134) .(10/4970)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العدوان) معنى
انظر صفتي: (الظلم، والبغي)
من الآثار الواردة في ذمّ (العدوان)
1-* (قال صفيّ بن رباح التّميميّ لبنيه:
«يا بنيّ اعلموا أنّ أسرع الجرم عقوبة البغي، وشرّ النّصرة التّعدّي، وألأم الأخلاق الضّيق، وأسوأ الأدب كثرة العتاب» ) * «1» .
من مضار (العدوان)
انظر: من مضار صفة (الظلم)
__________
(1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (73) .(10/4971)
العصيان
العصيان لغة:
العصيان اسم من عصى يعصي عصيا وعصيانا ومعصية، وتدلّ مادّته على أصلين متباينين، يدلّ أحدهما على التّجمّع، ويدلّ الآخر على الفرقة.
فمن الأوّل: العصا، وسمّيت بذلك لاشتمال يد ممسكها عليها، والأصل الآخر: العصيان والمعصية، يقال عصا، وهو عاص، والجمع عصاة وعاصون «1» .
وجعل الرّاغب العصيان من العصا فقال:
وعصا عصيانا إذا خرج عن الطّاعة، وأصله أن يمتنع بعصاه، قال تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ (طه/ 121) وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (النساء/ 14) ويقال فيمن فارق الجماعة: فلان شقّ العصا «2» .
وقال القرطبيّ: في قوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ (التحريم/ 9) أي لا يخالفونه في أمر من زيادة أو نقصان «3» » وقال ابن كثير في قوله تعالى:
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ (الحجرات/ 7) والعصيان وهي جميع المعاصي «4» .
وقيل: العصيان ترك الانقياد، وهو خلاف الطّاعة.
يقال: عصى العبد ربّه إذا خالف أمره، وعصى فلان
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
32/ 65/ 49
أميره يعصيه عصيا وعصيانا ومعصية إذا لم يطعه، فهو عاص وعصيّ، وعاصاه أيضا: مثل عصاه. ويقال للجماعة إذا خرجت عن طاعة السّلطان: قد استعصت عليه.
وفي الحديث: لولا أن نعصي الله ما عصانا. أي لم يمتنع عن إجابتنا إذا دعوناه، فجعل الجواب بمنزلة الخطاب فسمّاه عصيانا كقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ (آل عمران/ 54) .
وفي الحديث: أنّه غيّر اسم العاصي؛ إنّما غيّره لأنّ شعار المؤمن الطّاعة، والعصيان ضدّها.
والعاصي: الفصيل إذا لم يتبع أمّه «5» .
العصيان اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: العصيان هو ترك الانقياد «6» (لما أمر الله به أو نهى عنه) .
وقال المناويّ: هو الامتناع عن الانقياد (لما أمر الله به) أو نهى عنه «7» .
وقال الكفويّ: العصيان بحسب أصل اللّغة هو المخالفة لمطلق الأمر، أمّا في الشّرع فيراد به المخالفة للأمر التّكليفيّ خاصّة «8» .
__________
(1) المقاييس (4/ 334، 335) .
(2) المفردات (349) .
(3) القرطبى: (18/ 196) .
(4) تفسير القرآن العظيم (4/ 211) .
(5) الصحاح للجوهري (6/ 2429) ، التعريفات للجرجاني (151) ، النهاية لابن الأثير (3/ 250، 251) ، ولسان العرب لابن منظور (15/ 68) .
(6) التعريفات (156) .
(7) التوقيف (242) . وانظر الكليات للكفوي (656) .
(8) الكليات (41) بتصرف.(10/4972)
وقيل: هو ترك المأمورات، وفعل المحظورات، أو ترك ما أوجب وفرض من كتابه أو على لسان رسوله، وارتكاب ما نهى الله عنه أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأعمال الظّاهرة أو الباطنة «1» .
الفرق بين العصيان والابتداع:
قال الكفويّ: العاصي: من يفعل محظورا لا يرجو الثّواب بفعله، والمبتدع: من يفعل محظورا يرجو الثّواب بفعله في الآخرة. قال: والعاصي والفاسق في الشّرع سواء «2» .
أقسام العصاة:
يؤخذ ممّا ذكره الماورديّ عن أحوال النّاس في فعل الطّاعات واجتناب المعاصي أنّ العصاة على قسمين:
الأوّل: من يرتكب المعاصي ويمتنع عن الطّاعات، وهذه أخبث أحوال المكلّفين وشرّ صفات المتعبّدين.
الثّاني: من يرتكب المعاصي ويفعل الطّاعات، وهذا يستحقّ عذاب المجترئ؛ لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة على الإقدام على المعصية، وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة «3» .
حكم العصيان:
يختلف حكم المعصية بحسب نوع هذه المعصية إن كبيرة وإن صغيرة، ولكنّ إدمان صغيرة أو صغائر بحيث تغلب المعاصي على الطّاعات؛ فإنّ ذلك يجعل هذه الصّغيرة أو تلك الصّغائر في حكم الكبيرة. يقول الإمام ابن حجر: وكون هذا كبيرة أي مثلها في سقوط العدالة، ونقل عن الرّافعيّ قوله: من ارتكب كبيرة فسق، وردّت شهادته، وأمّا الصّغائر فلا يشترط تجنّبها بالكلّيّة لكنّ الشّرط ألّا يصرّ عليها فإن أصرّ كان الإصرار كارتكاب الكبيرة «4» .
أصول الذنوب:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ للإنسان أخلاقا وأوصافا كثيرة، لكن تنحصر مسارات الذنوب في أربع صفات:
أحدها: صفات ربوبيّة، ومنها يحدث الكبر والفخر وحبّ المدح والثّناء، والعزّ وطلب الاستعلاء، ونحو ذلك. وهذه ذنوب مهلكات، وبعض النّاس يغفل عنها، فلا يعدّها ذنوبا.
الثّانية: صفات شيطانيّة، ومنها يتشعّب الحسد والبغي والحيل والخداع والمكر، والغشّ والنّفاق والأمر بالفساد ونحو ذلك.
الثّالثة: الصّفات البهيميّة، ومنها يتشعّب الشّرّ والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، فيتشعّب من ذلك الزّنى واللّواطة والسّرقة، وأخذ الحطام لأجل الشّهوات.
الرّابعة: الصّفات السّبعيّة، ومنها يتشعّب الغضب والحقد، والتهجّم على النّاس بالقتل والضّرب، وأخذ الأموال، وهذه الصّفات لها تدرّج
__________
(1) انظر: آثار المعاصي على الفرد والمجتمع (30) .
(2) الكليات (41) .
(3) انظر أدب الدنيا والدين (103- 104) باختصار وتصرف.
(4) الزواجر (668) .(10/4973)
في الفطرة، فهذه أمّهات الذّنوب ومنابعها، ثمّ تتفجّر الذنوب من هذه المنابع إلى الجوارح: فبعضها في القلب، كالكفر، والبدعة، والنّفاق، وإضمار السّوء، وبعضها في العين، وبعضها في السّمع، وبعضها في اللّسان، وبعضها في البطن والفرج، وبعضها في اليدين والرّجلين وبعضها على جميع البدن.
ثمّ الذّنوب تنقسم إلى ما يتعلّق بحقوق الآدميّين وإلى ما بين العبد وبين ربّه. فيما يتعلّق بحقوق العباد، فالأمر فيه أغلظ، والّذي بين العبد وبين ربّه، فالعفو فيه أرجى وأقرب إلّا أن يكون شركا والعياذ بالله، فذلك الّذي لا يغفر «1» .
أنواع المعاصي:
1- الذنوب الملكية:
فالذنوب الملكيّة: أن يتعاطى العبد ما لا يصلح له من صفات الرّبوبيّة، كالعظمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلوّ، واستعباد الخلق، ونحو ذلك.
ويدخل في هذا الشّرك بالرّبّ تعالى، وهو نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته وجعل آلهة أخرى معه، وشرك به في معاملته، وهذا الثّاني قد لا يوجب دخول النّار، وإن أحبط العمل الّذي أشرك فيه مع الله غيره (وذلك هو الرّياء) .
وهذا القسم أعظم أنواع الذّنوب، ويدخل فيه القول على الله بلا علم في خلقه وأمره، فمن كان من أهل هذه الذّنوب، فقد نازع الله سبحانه في ربوبيّته وملكه، وجعل له ندّا، وهذا أعظم الذنوب عند الله، ولا ينفع معه عمل.
2- الذنوب الشيطانية:
وأمّا الشّيطانيّة: فالتّشبّه بالشّيطان في الحسد، والبغي، والغشّ، والغلّ، والخداع، والمكر، والأمر بمعاصي الله، وتحسينها، والنّهي عن طاعته، وتهجينها، والابتداع في دينه، والدّعوة إلى البدع والضّلال.
وهذا النّوع يلي النّوع الأوّل في المفسدة، وإن كانت مفسدته دونه.
3- الذنوب السبعية:
وأمّا السّبعيّة: فالعدوان، والغضب، وسفك الدماء، والتوثّب على الضعفاء والعاجزين، ويتولّد منها أنواع أذى النّوع الإنسانيّ، والجرأة على الظلم والعدوان.
4- الذنوب البهيمية:
وأمّا الذنوب البهيميّة فمثل الشّره، والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولّد الزّنى، والسّرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشّحّ، والجبن، والهلع، والجزع، وغير
ذلك.
وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذّنوب السّبعيّة والملكيّة، ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام، فهو يجرّهم إليها بالزّمام، فيدخلون منه إلى الذّنوب السّبعيّة، ثمّ إلى الشّيطانيّة، ثمّ إلى منازعة الرّبوبيّة، والشّرك في الوحدانيّة «2» .
__________
(1) انظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (252) .
(2) الداء والدواء (222- 223) .(10/4974)
أضرار المعاصي:
قال ابن القيّم رحمه الله: ممّا ينبغي أن يعلم: أنّ الذّنوب والمعاصي تضرّ، ولا بدّ أنّ ضررها في القلب كضرر السّموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضّرر. وهل في الدّنيا والآخرة شرّ وداء إلّا بسبب الذّنوب والمعاصي؟
فما الّذي أخرج الأبوين من الجنّة، دار اللّذّة والنّعمة والبهجة والسّرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الّذي أخرج إبليس من ملكوت السّماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدّل بالقرب بعدا، وبالرّحمة لعنة، وبالجمال قبحا، وبالجنّة نارا تلظّى، وبالإيمان كفرا؟
وما الّذي أغرق أهل الأرض كلّهم حتّى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟. وما الّذي سلّط الرّيح على قوم عاد حتّى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنّهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم حتّى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الّذي أرسل على قوم ثمود الصّيحة حتّى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟
وما الّذي رفع اللّوطيّة حتّى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثمّ قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعا؟
وما الّذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظّلل، فلمّا صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظّى؟
وما الّذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثمّ نقلت أرواحهم إلى جهنّم، والأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟.
وما الّذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الّذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمّرها تدميرا؟
وما الّذي أهلك قوم صاحب يس «1» بالصّيحة حتّى خمدوا عن آخرهم؟
وما الّذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد، فجاسوا خلال الدّيار وقتلوا الرّجال، وسبوا الذرّيّة والنّساء، وأحرقوا الدّيار، ونهبوا الأموال، ثمّ بعثهم عليهم مرّة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبّروا ما علوا تتبيرا؟ «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الزنا- شرب الخمر- الضلال- الفسوق- الإعراض- انتهاك الحرمات- ترك الصلاة- التفريط والإفراط- الغفلة- الأمن من المكر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطاعة- الإيمان- الإسلام- التقوى- تعظيم الحرمات- الاستقامة- الصلاة- الاتباع- اليقين- الخوف- الخشية- تذكر الموت- بر الوالدين] .
__________
(1) صاحب يس: هو الذي تشير إليه الآيات الكريمة الواردة في سورة يس (من الآية 20- 29) .
(2) الجواب الكافي لابن القيم (46- 47) .(10/4975)
الآيات الواردة في «العصيان»
أ- آيات العصيان فيها سبب عقوبة:
1- وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1»
2- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «2»
3- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «3»
4- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) «4»
5-* وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «5»
6- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)
__________
(1) البقرة: 61 مدنية
(2) آل عمران: 110- 112 مدنية
(3) آل عمران: 152 مدنية
(4) المائدة: 78 مدنية
(5) يونس: 90- 92 مكية(10/4976)
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) «1»
7- فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) «2»
8- وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10) «3»
9- إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا (16) «4»
10- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) «5»
ب- آيات العصيان فيها في سياق الإعراض والنجوى:
11-* وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «6»
12- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110)
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)
__________
(1) هود: 59- 60 مكية
(2) طه: 117- 121 مكية
(3) الحاقة: 9- 10 مكية
(4) المزمل: 15- 16 مكية
(5) النازعات: 15- 26 مكية
(6) البقرة: 92- 93 مدنية(10/4977)
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (112) «1»
13- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «2»
14- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «3»
15- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43)
يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) «4»
16- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «5»
17- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا (24) «6»
ج- آيات العصيان فيها في سياق الخوف من عذاب الله:
18- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (41)
__________
(1) آل عمران: 110- 112 مدنية
(2) النساء: 46 مدنية
(3) إبراهيم: 35- 36 مكية
(4) مريم: 41- 44 مكية
(5) المجادلة: 8- 9 مدنية
(6) نوح: 21- 24 مكية(10/4978)
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42) «1»
19-* وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «2»
20- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «3»
21-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)
قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) «4»
22- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) «5»
23- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) «6»
__________
(1) النساء: 41- 42 مدنية
(2) الأنعام: 13- 15 مكية
(3) يونس: 13- 15 مكية
(4) هود: 61- 63 مكية
(5) الشعراء: 208- 216 مكية
(6) الزمر: 10- 13 مكية(10/4979)
د- آيات العصيان فيها في سياق التهديد أو التوبيخ:
24- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «1»
25- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (91) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) «2»
26- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) «3»
27- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) «4»
هـ- آيات العصيان فيها في سياق التنزه عنه:
28- فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) «5»
29- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «6»
30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) «7»
__________
(1) النساء: 14 مدنية
(2) طه: 90- 94 مكية
(3) الأحزاب: 36 مدنية
(4) الجن: 20- 23 مكية
(5) الكهف: 65- 69 مكية
(6) مريم: 12- 15 مكية
(7) الحجرات: 6- 7 مدنية(10/4980)
31- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «1»
32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «2»
__________
(1) الممتحنة: 12 مدنية
(2) التحريم: 6 مدنية(10/4981)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العصيان)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احتجّ آدم وموسى- عليهما السّلام- عند ربّهما فحجّ آدم موسى. قال موسى:
أنت آدم الّذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنّته، ثمّ أهبطت النّاس بخطيئتك إلى الأرض؟ فقال آدم: أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كلّ شيء، وقرّبك نجيّا، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى:
بأربعين عاما. قال آدم: فهل وجدت فيها: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى؟ (طه/ 121) . قال: نعم. قال:
أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«فحجّ آدم موسى «1» » ) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم فرفع إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهس «3» منها نهسة فقال «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والاخرين في صعيد واحد «4» .
فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «5» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض:
ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر.
خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي.
نفسي ... الحديث) * «6» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله «7» صلّى الله عليه وسلّم؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي: «إنّ عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا «8» ثمّ عرضت له التّوبة «9» ... الحديث، وفيه: «فخرج يريد القرية الصّالحة
__________
(1) أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها.
(2) البخاري- الفتح 11 (6614) ، ومسلم (2652) واللفظ له.
(3) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه.
(4) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(5) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم.
(6) البخاري- الفتح 8 (4712) ، ومسلم (194) واللفظ له.
(7) من في رسول الله: أي من فم رسول الله.. إلخ.
(8) تسعة وتسعون نفسا: هكذا في متن صحيح مسلم، وفي شرح النووي لهذا المتن: تسعا وتسعين نفسا وهو الصحيح، ويبدو أن في المتن خطأ طباعيا، ويؤيده رواية البخاري: تسعة وتسعين إنسانا.
(9) عرضت له التوبة: وردت في خاطره وفكر فيها.(10/4982)
فعرض له أجله «1» في الطّريق فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. قال إبليس: أنا أولى به؛ إنّه لم يعصني ساعة قطّ. قال: فقالت ملائكة الرّحمة: إنّه خرج تائبا» ) * «2» .
4-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله» ) * «3» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث علقمة بن مجزّز على بعث- وأنا فيهم- فلمّا انتهى إلى رأس غزاته «4» - أو كان ببعض الطّريق- استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السّهميّ- فكنت فيمن غزا معه- فلمّا كان ببعض الطّريق أوقد القوم نارا ليصطلوا أو ليصنعوا عليها صنيعا. فقال عبد الله (وكانت فيه دعابة) «5» : أليس لي عليكم السّمع والطّاعة؟ قالوا: بلى. قال: فما أنا بآمركم بشيء إلّا صنعتموه؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي أعزم عليكم إلّا تواثبتم في هذه النّار. فقام ناس فتحجّزوا فلمّا ظنّ أنّهم واثبون. قال: أمسكوا على أنفسكم.
فإنّما كنت أمزح معكم. فلّما قدمنا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه» ) * «6» .
6-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته «7» عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء «8» كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «9» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، أمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «10» ، عربهم
__________
(1) عرض له أجله: وفاه أجله وحل به الموت.
(2) البخاري- الفتح (6/ 3470) ، ومسلم (2766) ، وابن ماجة (2622) واللفظ له.
(3) مسلم (870) .
(4) المراد: فرغنا من غزوتنا، ولم يعد الأمر محتاجا إلى بقاء كل أفراد الغزوة بل يكفي وجود بعضهم استأذن فريق من الجيش في الرجوع.
(5) الدعابة: المرح، ومبادلة الضحك مع الآخرين لنفي الملل والسامة.
(6) ابن ماجة (2863) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين: البخاري الفتح 13 (7145) ، ومسلم (1840) من حديث علي رضي الله عنه.
(7) نحلته: أعطيته. وجملة: كل مال.. إلخ معمول لفعل محذوف والتقدير: قال الله تعالى.
(8) حنفاء: مسلمين، أو مستقيمين مهيئين لقبول الهداية.
(9) اجتالتهم: صرفوهم عمّا كانوا عليه وأزالوهم عنه.
(10) مقتهم: المقت: أشد البغض.(10/4983)
وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «1» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «2» رأسي فيدعوه خبزة.
قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «3» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط «4» متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «5» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «6» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ «7» إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، «والشّنظير «8» الفحّاش» ) * «9» .
7-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا- وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه:
بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم «10» ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه. فبايعناه على ذلك» ) * «11» .
8-* (عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدا إلى
__________
(1) أبتليك وأبتلى بك: معناه: لأمتحنك بما يظهر من قيامك بما أمرتك من تبليغ الرسالة، والجهاد، والصبر وغير ذلك وأمتحن من أرسلتك إليهم فمنهم من يؤمن ومنهم من يعرض، ومنهم من ينافق.
(2) يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة: معناه يكسروه كما يكسر الخبز.
(3) أغزهم نغزك: بادرهم بالغزو- وهو الحرب- ننصرك عليهم.
(4) مقسط: عادل.
(5) لا زبر له: أي لا عقل له يمنعه عمّا لا ينبغي وقيل هو الذي لا مال له.
(6) لا يتبعون: من الاتباع. قال النووي: وفي بعض النسخ لا يبتغون أي لا يطلبون والظاهر أن هذا هو الصحيح بدليل ما بعده وهو قوله (أهلا ولا مالا) فهذا اللون من الناس من ضعاف الهمم الذين تقعد بهم عزائمهم عن أن يكون لهم مال أو أهل أو غير ذلك مما يدعوه إلى التفكير في الحياة ومقتضياتها فيكون لهم رأي مستقل في شؤونها ومجريات أحداثها.
(7) لا يخفي له ... وإن دق: قال النووي: لا يخفى: لا يظهر ونقل عن أهل اللغة أنه يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته وكتمته.. وعليه فقوله عليه السلام لا يخفى له طمع معناه: لا يظهر له طمع أي شيء هو موضع طمع وإن قل.
(8) الشنظير: بكسر الشين والظاء وإسكان النون. هو الفحّاش- كما فسره الحديث والفحاش هو السيىء الخلق.
(9) مسلم (2865) .
(10) ببهتان: البهتان: الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما.
(11) البخاري- الفتح 1 (18) ، ومسلم (1709) .(10/4984)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق «1» قال لقيط «2» : فخرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف من صلاة الغداة ... الحديث وفيه «فمن عصى نبيّه كان من الضالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين» ) * «3» .
9-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء.
فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا. فانطلقوا على مهلهم «4» فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش «5» فأهلكهم واجتاحهم «6» ..
فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ) * «7» .
10-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا قال:
فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا جعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة.
فقالوا: أوّلوها له يفقهها. فقال بعضهم: إنّه نائم.
وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا:
فالدّار الجنّة، والداعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «8» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصيّة عصت الله ورسوله. قال أنس: أنزل الله- عزّ وجلّ- في الّذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتّى نسخ بعد: أن بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه.
__________
(1) جاء في القاموس المحيط: المنتفق: أبو قبيلة. وعليه يكون مالك بن المنتفق: ابنا من أبنائه.
(2) هو أحد الصحابة الذين سموا بهذا الاسم وهم: لقيط البلوي، وابن الربيع، وابن صبرة، وابن عامر، وابن عدي، وابن عباد.
(3) رواه أحمد (13، 14) والهيثمي في المجمع (10/ 338) ، وقال: رواه عبد الله والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط.
(4) على مهلهم: أي في تؤدة لا طمئنانهم.
(5) صبحهم الجيش: جاءهم مع الصبح فلم يتمكنوا من النجاة.
(6) اجتاحهم: استأصلهم وأبادهم جميعا.
(7) البخاري- الفتح 13 (7283) واللفظ له، ومسلم (2283) .
(8) البخاري- الفتح 13 (7281) .(10/4985)
وعند البخاريّ: «فرضي عنّا وأرضانا ثمّ رفع ذلك بعد) * «1» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «شرّ الطّعام طعام الوليمة. يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدّعوة فقد عصى الله ورسوله» ) * «2» .
13-* (عن ركب المصريّ «3» - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذلّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله» ) * «4» .
14-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه.
وأمّا من غزا رياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «5» .
15-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «6» .
16-* (عن مطيع بن الأسود- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم فتح مكّة:
«لا يقتل قرشيّ صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة «7» » قال: ولم يكن أسلم أحد من عصاة قريش غير مطيع.
كان اسمه العاصي فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطيعا» ) * «8» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدم طفيل بن عمرو الدّوسيّ وأصحابه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله إنّ دوسا عصت وأبت فادع الله عليها- فقيل: هلكت دوس- قال: «اللهمّ اهد دوسا وأت بهم» ) * «9» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا من
__________
(1) البخاري- الفتح 6/ 3064) ، ومسلم (677) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 9 (5177) ، ومسلم (1432) .
(3) جاء في القاموس: ركب المصري صحابي أو تابعي.
(4) الترغيب والترهيب 3 (558) وقال رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات وقد حسن الحديث أبو عمر النمري وركب مختلف في صحبته.
(5) أبو داود (2515) ، والنسائي (6/ 49) واللفظ له. وحسنه الألباني، صحيح النسائي (2987) وهو في الصحيحة له (199) وقال محقق جامع الأصول (2/ 577) : إسناده صحيح.
(6) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له، ومسلم (1839) .
(7) قال العلماء: معناه الإعلام بأن قريشا يسلمون كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده صلّى الله عليه وسلّم ممن حورب وقتل صبرا والصبر: نصب الإنسان للقتل.
(8) مسلم (1782) .
(9) البخاري- الفتح 6 (2937) واللفظ له. ومسلم (2524) .(10/4986)
أبى» . قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى» ) * «1» .
19-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «2» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع عن ذنب عمله. فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته أرعدت فبكت فقال: ما يبكيك. أكرهت؟ قالت: لا. ولكن هذا عمل لم أعمله قطّ، وإنّما حملني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قطّ؟ قال: ثمّ نزل فقال: اذهبي والدّنانير لك. قال: ثمّ قال: والله لا يعصي الكفل ربّه أبدا. فمات من ليلته، وأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر للكفل» ) * «3» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ 284) قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله؛ كلّفنا من الأعمال ما نطيق، الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة.
وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.» فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7280) .
(2) الترمذي (3502) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك (1/ 528) ، وصححه ووافقه الذهبي.
(3) الترمذي (2496) وقال: هذا حديث حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 255) واللفظ له. وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.(10/4987)
وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) (البقرة/ 286) * «1» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه. ويتّقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه «2» » ) * «3» .
23-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من علم الرّمي ثمّ تركه فليس منّا، أو قد عصى» ) * «4» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» ) * «5» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة- فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا ربّ إنّك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأيّ خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين. ثمّ يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطّخ «6» ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النّار» ) * «7» .
__________
(1) مسلم (125) .
(2) ما وضع تحت هذا الرقم (22) جمع بين حديثين أولهما من طريق الأعرج عن أبي الزناد عن المغيرة بن عبد الرحمن عن يحيى وينتهي عند (ومن يعص الأمير فقد عصاني) . وثانيهما من أبي الأعرج عن أبي الزناد عن ورقاء عن شبابة عن زهير بن حرب وأوله (إنما الإمام جنة) . وينتهي الطريقان عند أبي هريرة. عليه منه: أي عليه جزاء ما يأمر به مما هو غير تقوى الله.
(3) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له، ومسلم (1835) .
(4) مسلم (1919) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6696) .
(6) ذيخ متلطخ: جاء في لسان العرب: الذيخ ذكر الضباع الكثير الشعر. والتلطخ: الطلاء بالطين ونحوه. والمراد: أن آزر يمسخ ضبعا ويلطخ بالطين أو بما يرجع من جوفه ثم يلقى في النار.
(7) البخاري- الفتح 6 (3350) .(10/4988)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العصيان) معنى
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «1» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال:
«فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» ) * «2» .
27-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلّك على سيّد الاستغفار:
اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، وأبوء «3» إليك بنعمتك عليّ، وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. لا يقولها أحد حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلّا وجبت له الجنّة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلّا وجبت له الجنّة» ) * «4» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال:
«أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب.
فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى:
عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت، فقد غفرت لك» ) * «5» .
29-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم.
قال: «فبرّها» ) * «6» .
30-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة حتّى إذا كانوا فحما أذن بالشّفاعة فجيء بهم
__________
(1) درنه: أي وسخه. وقوله: تقول: قال ابن حجر: كذا في النسخ المعتمدة بإفراد المخاطب والمعنى: ما تقول أيها السامع ولأبي نعيم وغيره- ما تقولون.
(2) البخاري (2/ 528) واللفظ له، ومسلم (667) .
(3) وأبوء: أي أعترف وأقر.
(4) البخاري- الفتح 11 (6306) ، والترمذي (5/ 3393) واللفظ له.
(5) حديث قدسي: أخرجه البخاري. الفتح 13 (7507) ومسلم (2758) .
(6) الترمذي (1905) واللفظ له. وصححه الألباني. صحيح سنن الترمذي (1554) ، والحاكم في مستدركه (2/ 197) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» : رجاله ثقات.(10/4989)
ضبائر ضبائر «1» . فبثّوا على «2» أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل» ) * «3» .
31-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له فأنزلت عليه وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قال الرّجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «4» .
32-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله. فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال:
«لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه» ) * «5» .
33-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو بالموت فقال: كيف تجدك؟
قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه ممّا يخاف» ) * «6» .
34-* (وعن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: إنّها اشترت نمرقة «7» فيها تصاوير، فلمّا راها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما بال هذه النّمرقة؟» قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسّدها «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أصحاب هذه الصّور يوم القيامة يعذّبون. فيقال لهم أحيوا ما خلقتم» . وقال: «إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة» ) * «9» .
35-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيعجز أحدكم أن يكسب ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه:
كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: «يسبّح الله مائة تسبيحة تكتب له ألف حسنة وتحطّ عنه ألف سيّئة» ) * «10» .
36-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة
__________
(1) ضبائر ضبائر: هي جمع ضبارة، وقال أهل اللغة: الضبائر جماعات في تفرقة.
(2) فبثوا: أي فرقوا.
(3) مسلم (306) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4687) واللفظ له. ومسلم (2763) .
(5) مسلم (2021) .
(6) الترمذي (983) واللفظ له. وابن ماجة (4261) وقال النووي: اسناده حسن، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) .
(7) النمرقة: وسادة صغيرة.
(8) توسّدها: أصله: تتوسدها حذفت إحدى التاءين تخفيفا، والمعنى تتخذها وسادة.
(9) البخاري- الفتح 9 (5181) واللفظ له. ومسلم (2107) .
(10) مسلم (2698) ، والترمذي (3463) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح.(10/4990)
النّجاشيّ: فقال له: أيّها الملك. كنّا قوما أهل جاهليّة نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام،- قال: فعدّد عليه أمور الإسلام فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «1» .
37-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «2» .
38-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «3» .
وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيّئة بمثلها إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «4» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قالت الملائكة: ربّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «5» » ) * «6» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها «7» يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة كان مشتها رجلاه «8» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «9» .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (1 (202) واللفظ له. وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أن ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح.
(3) زلفها: أي اقترفها وفعلها.
(4) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. ومسلم (129) .
(5) من جراي: من أجلي.
(6) البخاري- الفتح 13 (7501) ، ومسلم (129) واللفظ له.
(7) بطشتها: أي اكتسبتها.
(8) مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها، رجلاه.
(9) مسلم (244) .(10/4991)
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل «1» قلبه وإن عاد زيد فيه حتّى تعلو قلبه وهو الرّان «2» الّذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) » ) * «3» .
42-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «4» .
43-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ مسحهما «5» يحطّ الخطايا» ) * «6» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «7» . ثمّ يقال له: فيم كنت «8» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له:
هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك.
ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «9» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: هذا مقعدك على الشكّ كنت وعليه متّ وعليه تبعث إن شاء الله تعالى» ) * «10» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة، وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى
__________
(1) في الترمذي والحاكم (سقل) . وفي سنن ابن ماجه (صقل) .
(2) الران: هو ظلمة وجهل يقوم بالقلب يحول بين المرء وبين معرفة الحق.
(3) الترمذي (3334) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4244) ، والحاكم (2/ 517) وصححه.
(4) مسلم (2759) .
(5) أي الركن اليماني والحجر الأسود.
(6) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2753) واللفظ له. وقال محققه: إسناده حسن، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 4041) ، والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن.
(7) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(8) فيم كنت: أي في أي دين.
(9) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(10) ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح بن ماجة (3443) .(10/4992)
به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه.
فيقال: عملت يوم كذا وكذا: كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيقول: نعم- لا يستطيع أن ينكر- وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه- فيقال له:
فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» . فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «1» .
46-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زوّدك الله التّقوى» . قال: زدني.
قال: «وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال:
«ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «2» .
47-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «3» ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة قلبي» ) * «4» .
48-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» قلت له: إنّ ذلك لعظيم. قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» . قلت: ثمّ أيّ؟ قال:
«ثمّ أن تزاني حليلة جارك» ) * «5» .
49-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي: حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النّخامة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «6» .
50-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة؟ قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر) * «7» .
51-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي. فخرجت مع
__________
(1) مسلم (190) .
(2) الترمذي (3444) وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2739) .
(3) الحوبة: المأثم.
(4) ابن ماجة (3830) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال: حديث حسن.
(5) البخاري- الفتح 13 (7520) ، ومسلم (86) واللفظ له.
(6) مسلم (553) .
(7) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له. ومسلم (120) .(10/4993)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وذلك بعدما أنزل الحجاب ...
الحديث وفيه: قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب تاب الله عليه» ) * «1» .
52-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال:
فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني «2» ، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «3» فيتدهده «4» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال:
وربّما قال أبو رجاء فيشقّ. قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت:
سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنّور، قال: وأحسب أنّه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «5» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال:
فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت أنّه كان يقول أحمر مثل الدّم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «6» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه. كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا.
قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المراة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها «7» ويسعى حولها.
قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق.
قال: فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم 4 (2770) واللفظ له.
(2) ابتعثاني: أنهضاني لأنطلق معهما.
(3) يثلغ رأسه: يشجها أي يكسرها.
(4) يتدهده الحجر: يتدحرج.
(5) ضوضوا: الضّوضى- مقصورا الجلبة وأصوات الناس لغة في المهموزة- يعني الضوضاء- ورجل مضوّض: مصوّت.
(6) يفغر فاه: يفتحه.
(7) يحشّها: يوقدها.(10/4994)
ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟
قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن.
قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء. قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر. قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فساروا في أحسن صورة. قال:
قالا لي: هذه جنّة عدن، وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال:
قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما.
ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا وأنت داخله. قال:
قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة.، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكرية المراة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم) * «1» .
53-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون» ) * «2» .
54-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمّدا» ) * «3» .
55-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه «4» ويستره فيقول: أتعرف
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، مسلم (2275) .
(2) الترمذي (2499) ، وابن ماجة (4251) واللفظ له، وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4391) . وحسن إسناده محقق جامع الأصول (2/ 515) .
(3) أبو داود (4/ 4270) وقال محقق جامع الأصول (10/ 206) : إسناده صحيح، وصححه الألباني، صحيح أبي داود (3589) .
(4) كنفه: حفظه وستره.(10/4995)
ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ.
حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه هلك قال:
سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد «1» : «هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «2» .
56-* (عن عبد الله بن السّعديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل» . فقال معاوية وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السّيّئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبّلت التّوبة ولا تزال التّوبة مقبولة حتّى تطلع الشّمس من المغرب فإذا طلعت طبع على كلّ قلب بما فيه وكفي النّاس العمل» ) * «3» .
57-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جيشا من الرّماة وأمّر عليهم عبد الله وقال: لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا. فلمّا لقينا هربوا حتّى رأيت النّساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهنّ قد بدت خلا خلهنّ فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا تبرحوا فأبوا، فلمّا أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا. وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدوّ الله. أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اعل هبل «4» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟
قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» . قال أبو سفيان: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» .
قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني) * «5» .
58-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام
__________
(1) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن.
(2) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) .
(3) المسند (1/ 192) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 133) رقم (1671) : إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 250- 251) : روى أبو داود النسائي بعض حديث معاوية ورواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير. قال: ورجال أحمد ثقات.
(4) اعل هبل: فعل أمر من الماضي علا.. مضارعه يعلو. وهبل هو أحد أصنامهم- والجملة دعاء لصنمهم بالعلو في مقام الشعور بنشوة النصر.
(5) البخاري- الفتح 7 (4043) .(10/4996)
- وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها «1» - وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة.
والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «2» ، واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب يظنّ أنّ ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عزّ وجلّ، وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «3» فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «4» . فهممت أن أرتحل فأدركهم، فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النفاق «5» ، أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة:
يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب «7» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ- وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون- فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا «8» من تبوك حضرني بثّي «9» فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟، وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما زاح عنّي الباطل حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه، وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) أذكر منها: أي أكثر شهرة وذكرا منها.
(2) ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.
(3) أصعر: أميل. من صعر كفرح: مال.
(4) تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.
(5) مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به.
(6) النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(7) أي لابسا البياض من الثياب، يزول به السراب. والسراب ما يظهر في الخلاء كأنه ماء والمقصود يتحرك وينهض.
(8) توجه قافلا: أي راجعا.
(9) البث: أشد الحزن.(10/4997)
قادما- وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين- ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له- وكانوا بضعة وثمانين رجلا- فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال قلت: يا رسول الله إنّي- والله- لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا. ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «1» إنّي لأرجو فيه عقبى الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فو الله ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي
رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال:
فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ.
فسلّمت عليه. فو الله ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟. قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت
__________
(1) أي يغضبك ولا ترضى به.(10/4998)
عيناي، وتولّيت حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان- وكنت كاتبا- فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك «1» . قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فتياممت «2» بها التّنّور فسجرتها بها. حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي «3» إذا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لا مرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر.
قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» . فقالت: إنّه والله ما به حركة إلى شيء، وو الله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه.
قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ؟ قال: فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ منّا. قد ضاقت علّي نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «4» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال:
فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا، فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي «5» ، وأوفى الجبل «6» فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني، فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا يهنّئوني بالتّوبة، ويقولون: لتهنك توبة الله عليك حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في
__________
(1) الحق بنا.. إلخ: معناه: أقدم إلينا نشاركك فيما عندنا.
(2) تياممت.. إلخ: قصبدت بها التنور فأحرقتها.
(3) استلبث: أبطأ وتأخر.
(4) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف.
(5) سعى ساع من أسلم: أي سعى رجل من قبيلة أسلم متجها نحوي.
(6) وأوفى الجبل: وصل إليه وصعد عليه.(10/4999)
المسجد- وحوله النّاس- فقام طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول-: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت:
أمن عندك. يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا.
بل من عند الله» - وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر- قال: وكنّا نعرف ذلك.
قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك.
فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق، وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به.
والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.
قال: فأنزل الله عزّ وجلّ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95، 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا- أيّها الثّلاثة- عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو، وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1» .
59-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليصيبنّ أقواما سفع من النّار «2» بذنوب
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) .
(2) سفع من النار: أي علامة من النار.(10/5000)
أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنّة بفضل رحمته يقال لهم الجهنّميّون» ) * «1» .
60-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة «2» ، ومن قاتل تحت راية عمّيّة «3» يغضب لعصبة «4» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «5» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس منّي ولست منه) * «6» .
61-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» ) * «7» .
62-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم: إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «8» .
63-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «9» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلّا كان الّذي في السّماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها» ) * «10» .
65-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- فيما روى عن الله تبارك وتعالى- أنّه قال:
«يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار- وأنا أغفر الذّنوب جميعا- فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7450) .
(2) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(3) عمية بضم العين وكسر الميم مع تشديد الميم والياء: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه.
(4) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه.
(5) ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته.
(6) مسلم (1848) .
(7) مسلم (1851) .
(8) البخاري- الفتح 5 (2449) .
(9) الترمذي (878) وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2577) : وهو كما قال.
(10) البخاري- الفتح 9 (5193) ، ومسلم (1436) واللفظ له.(10/5001)
ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (العصيان)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «لا تصحب الفجّار لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين- ولا أمين إلّا من خشي الله- وتخشّع عند القبور، وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الّذين يخشون الله» ) * «2» .
2-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
«يأهل مكّة اتّقوا الله في حرمكم هذا: أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كانوا فيه بنو فلان.
فأحلّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتّى عدّ ما شاء الله، ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أعمل واحدة بمكّة» ) * «3» .
3-* (قال عمر- رضي الله عنه- يوما لأصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فيم ترون هذه الآية نزلت أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ؟ (البقرة/ 266) قالوا: الله أعلم. فغضب عمر. فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عبّاس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا بن أخي قل ولا تحقّر نفسك.
قال ابن عبّاس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أيّ عمل؟ قال ابن عبّاس: لعمل. قال عمر: لرجل غنيّ يعمل بطاعة الله- عزّ وجلّ- ثمّ بعث الله له الشّياطين فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله» ) «4» .
4-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-
__________
(1) رواه مسلم (2577) .
(2) الدر المنثور، للسيوطي (7/ 22) .
(3) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 4012) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4538) .(10/5002)
قال: توشك القرى أن تخرب وهي عامرة. قيل:
وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها، وساد القبيلة منافقوها» ) * «1» .
5-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لفضيل بن زيد الرّقاشيّ قال: لا يلهينّك النّاس عن ذات نفسك، فإنّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النّهار بكيت وكيت؛ فإنّه محفوظ عليك ما قلته، ولم تر شيئا أحسن طلبا، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثه لذنب قديم) * «2» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«أقلّوا الذّنوب فإنّكم لن تلقوا الله بشيء أفضل من قلّة الذّنوب» ) * «3» .
7-* (قال رجل لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أرأيت رجلا كثير الذنوب كثير العمل أو رجلا قليل الذّنوب قليل العمل؟ قال ما أعدل بالسّلامة شيئا» ) * «4» .
8-* (قال أبو أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- «إنّ الرجل ليعمل الحسنة حتّى يأتي الله وقد حظر به، وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي الله آمنا» ) * «5» .
9-* (كتب أبو الدّرداء إلى سلمة بن مخلد: أمّا بعد، فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، وإذا أحبّه الله حبّبه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه بغّضه إلى خلقه) * «6» .
10-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، ثمّ قال: تدري ممّ هذا؟ قلت: لا. قال: إنّ العبد يخلو بمعاصي الله فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر) * «7» .
11-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (آل عمران/ 102) قال: «أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» ) * «8» .
12-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) * «9» .
13-* (عن أبي الشّعثاء- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذّن المؤذّن، فقام رجل من المسجد يمشي. فأتبعه أبو هريرة بصره
__________
(1) الجواب الكافي (69) .
(2) الزهد لوكيع بن الجراح (2/ 537) .
(3) المرجع السابق (2/ 535) .
(4) المرجع السابق (2/ 534) .
(5) الزهد لابن المبارك (53) .
(6) الزهد، للإمام أحمد بن حنبل (2/ 56) .
(7) الجواب الكافي لابن القيم (59) .
(8) أخرجه الحاكم (2/ 294) وقال صحيح على شرط الشيخين.
(9) البخاري- الفتح 11 (6308) ، وشرح السنة للبغوي (14/ 374) .(10/5003)
حتّى خرج من المسجد. فقال أبو هريرة: أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
14-* (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه) * «2» .
15-* (قال كعب- رحمه الله-: «إنّما تزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي فترعد فرقا «3» من الرّبّ جلّ جلاله أن يطّلع عليها» ) * «4» .
16-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«إنّ الرّجل يذنب الذّنب فما ينساه وما يزال كئيبا حتّى يدخل الجنّة» ) * «5» .
17-* (وقال أيضا: «إنّ المؤمن لا يصبح إلّا خائفا ولا يصلحه إلّا ذاك، لأنّه بين ذنبين؛ ذنب مضى لا يدري كيف يصنع الله فيه وآجل أو قال آخر لا يدري ما كتب عليه فيه» ) * «6» .
18-* (وقال أيضا: «اعملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن تردّ عليكم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا) * «7» .
19-* (سئل الحسن البصريّ- رحمه الله-:
ما برّ الوالدين؟ قال: «أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به إلّا أن يكون معصية) * «8» .
20-* (قال الإمام عليّ زين العابدين:
ليس الغريب غريب الشّام واليمن ... إنّ الغريب غريب اللّحد والكفن
إنّ الغريب له حقّ لغربته ... على المقيمين في الأوطان والسّكن
لا تنهرنّ غريبا حال غربته ... الدّهر ينهره بالذّلّ والمحن
سفري بعيد وزادي لن يبلّغني ... وقوّتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها ... الله يعلمها في السرّ والعلن
ما أحلم الله عنّي حيث أمهلني ... وقد تماديت في ذنبي ويسترني
«9»
21-* (وقال أيضا:
يا نفس كفّي عن العصيان واكتسبي ... فعلا جميلا لعلّ الله يرحمني
__________
(1) مسلم (655) .
(2) شعب الإيمان للبيهقي (6/ 8345) .
(3) فرقا: أي خوفا.
(4) الجواب الكافي لابن القيم (66) .
(5) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (/ 236) .
(6) المرجع السابق (2/ 242) .
(7) بصائر ذوي التمييز للفيروز أبادي (2/ 545) .
(8) الدر المنثور للسيوطي (5/ 259) .
(9) الشوارد في الشعر (ص 50) . والتمادي في الذنب: المداومة عليه.(10/5004)
يا نفس ويحك توبي واعملي حسنا ... عسى تجازين بعد الموت بالحسن
«1»
22-* (عن جبير بن نفير قال: لمّا فتحت قبرص فرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدّرداء جالسا وحده يبكي فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟
فقال: ويحك يا جبير. ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره. بينما هي أمّة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) * «2» .
23-* (قال سفيان: «من أذنب ذنبا فعلم أنّ الله تعالى قدّره عليه ورجا غفرانه غفر الله له ذنبه» ) * «3» .
24-* (وذكر عن مالك بن دينار قال: قرأت في الحكمة: «يقول الله عزّ وجلّ: «أنا الله مالك الملوك. قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك، ولكن توبوا إليّ أعطّفهم عليكم» ) * «4» .
25-* (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-
أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قوم فاستراحوا ... ولم يتجرّعوا غصص المعاصي
«5»
26-* (عن عبد الله بن المبارك، في ذكر شروط التّوبة، قال: النّدم، والعزم على عدم العود، وردّ المظلمة وأداء ما ضيّع من الفرائض، وأن يعمد إلى البدن الّذي ربّاه بالسّحت فيذيبه بالهمّ والحزن حتّى ينشأ له لحم طيّب، وأن يذيق نفسه ألم الطّاعة، كما أذاقها لذّة المعصية» ) * «6» .
27-* (عن عروة بن عامر- رحمه الله- قال:
المؤمن تعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيمرّ بالذّنب من ذنوبه يقول: أمّا إنّي كنت منك مشفقا فيغفر له» ) * «7» .
28-* (قال طلق بن حبيب: «التّقوى:
العمل بطاعة الله رجاء رحمة الله، على نور من الله، والتّقوى ترك معاصي الله، مخافة عقاب الله، على نور من الله» ) * «8» .
29-* (قال مالك- رحمه الله-: «دخل عمر ابن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه، ثمّ ضرب على فخذها فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم «9» ، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف
__________
(1) الشوارد في الشعر (50) .
(2) الجواب الكافي (61) .
(3) إحياء علوم الدين للغزالي (145) .
(4) الجواب الكافي لابن القيم (67) .
(5) أدب الدنيا والدين للماوردي (106) .
(6) البخاري- الفتح 11 (103) .
(7) الزهد لابن المبارك (52) .
(8) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) .
(9) ليالي دابق ... إلخ: يعني أن حياتنا في الليالي التي عشناها في منطقة (دابق) أكثر نعومة ورفاهية من حياتنا التي نحياها اليوم.(10/5005)
فنحّتها عنها وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ، فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم. فبكت فاطمة وقالت: اللهمّ أعذه من النّار» ) * «1» .
30-* (عن الفضيل بن عياض قال: «أوحى الله إلى بعض الأنبياء: إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني» ) * «2» .
31-* (قال ابن السمّاك الواعظ:
يا مدمن الذّنب أما تستحي ... والله في الخلوة ثانيكا؟
أغرّك من ربّك إمهاله ... وستره طول مساويكا؟
32-* (قال أبو عمران السّلميّ منشدا:
وإنّي لآتي الذّنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو ويغفر
لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها ... وإن عظمت في رحمة الله تصغر
«3»
33-* (عن العبّاس العمّيّ- رحمه الله- قال: «بلغني أنّ داود عليه السّلام قال: سبحانك تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السّماوات والأرض، فأقرب خلقك إليك أشدّهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك؟» ) * «4» .
34-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه ... هذا وربّي في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
) *.
35-* (قال محمود الورّاق:
هذا الدّليل لمن أرا وأراد ... دغنى يدوم بغير مال
عزّا لم توطّ ... ده العشائر بالقتال
ومهابة من غير سل ... طان وجاها فى الرّجال
فليعتصم بدخوله ... في عزّ طاعة ذي الجلال
وخروجه من ذلّة العاصي له في كلّ حال) * «5» .
36-* (قال إبراهيم الألبيريّ:
ونفسك ذمّ لا تذمم سواها ... لعيب فهي أجدر من ذممتا
فأنت أحقّ بالتّفنيد منّي ... ولو كنت اللّبيب لما نطقتا
ولو بكت الدّما عيناك خوفا ... لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالأمان وأنت عبد ... أمرت فما ائتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذّنوب ولست تخشى ... لجهلك أن تخفّ إذا وزنتا
«6»
37-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: لفظ
__________
(1) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (164) .
(2) الجواب الكافي (68) .
(3) حسن الظن لابن أبي الدنيا (106) .
(4) الدر المنثور للسيوطي (7/ 21) .
(5) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 153) .
(6) ديوان الألبيري (20) .(10/5006)
المعصية والفسوق والكفر إذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق كقوله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (الجن: 23) وقال تعالى: وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (هود: 59) * «1» .
38-* (قال جمال الدّين الصّرصريّ:
أنا العبد الّذي كسب الذنوبا ... وصدّته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الّذي أضحى حزينا ... على زلّاته قلقا كئيبا
أنا العبد الّذي سطرت عليه ... صحائف لم يخف فيها الرّقيبا
أنا العبد المسيء عصيت سرّا ... فمالي الآن لا أبدي النّحيبا
) * «2» .
39-* (قال صالح بن عبد القّدوس:
دع عنك ما [قد] كان في زمن الصّبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
واذكر مناقشة الحساب فإنّه ... لا بدّ يحصى ما جنيت ويكتب
لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والرّوح فيك وديعة أودعتها ... ستردّها بالرّغم منك وتسلب
) *.
40-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- من أعجب الأشياء أن تعرفه ثمّ لا تحبّه، وأن تسمع داعيه ثمّ تتأخّر عنه الإجابة. وأن تعرف قدر الرّبح في معاملته ثمّ تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثمّ تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثمّ لا تطلب الأنس بطاعته. وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثمّ لا تشتاق إلى انشراح الصّدر بذكره ومناجاته. وأن تذوق العذاب عند تعلّق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه) * «3» .
41-* (وقال- رحمه الله- مثال تولّد الطّاعة ونموّها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثمّ أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها، فكلّما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبّر اللبيب هذا المثال) * «4» .
42-* (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-:
قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة كان مبدؤها هناك، فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أنّه إن لم يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه
__________
(1) الإيمان لابن تيمية (56) .
(2) ديوان الصرصري (30) .
(3) الفوائد لابن القيم (8) .
(4) المرجع السابق (70) .(10/5007)
بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا والله ما كنت أظنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت وإن كنت قد أبليت فلطا لما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت، فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه ذلك بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي
«1»
43-* (قال الأمير الصّنعانيّ:
القلب أعلم يا عذول بدائه ... ما غير داء الذّنب من أدوائه
والذّنب أولى ما بكاه أخو التّقى ... وأحقّ منك بجفنه وبمائه
فومن أحبّ لأعصينّ عواذلي ... قسما به في أرضه وسمائه
من ذا يلوم أخا الذّنوب إذا بكى ... إنّ الملامة فيه من أعدائه
«2»
44-* (قال الشّاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم
وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم
) * «3» .
45-* (وقال شاعر آخر:
اعتبر يأيّها المغرور بالعمر المديد
أنا شدّاد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد
وأخو القوّة والبأ ... ساء والملك الحشيد
__________
(1) البداية والنهاية، لابن كثير (9/ 102، 103) .
(2) ديوان الصنعاني (35) .
(3) الجواب الكافي، لابن القيم (86) .(10/5008)
دان أهل الأرض طرّا ... لي من خوف وعيدي
وملكت الشّرق والغر ... ب بسلطان شديد
فأتى هود وكنّا ... في ظلال قبل هود
فدعانا لو قبلنا ... هـ إلى الأمر الرّشيد
فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد؟
فأتتنا صيحة ته ... وي من الأفق البعيد
فمضينا كزروع ... وسط بيداء حصيد
) * «1» .
46-* (وقال آخر:
رأيت الذّنوب تميت القلوب ... ويورثها الذّلّ إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها
«2»
47-* (وقال آخر:
خلّ الذنوب صغيرها ... وكبيرها فهو التّقى
واصنع كماش فوق أر ... ض الشّوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة إنّ الجبال من الحصى) * «3» .
48-* (وقال آخر:
أذنبت كلّ ذنوب لست أنكرها ... قد رجوتك يا ذا المنّ تغفرها
أرجوك تغفرها في الحشر يا سندي ... إذ كنت يا أملي في الأرض تسترها
) * «4» .
49-* (وقال آخر:
ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسب ... وتجمع في لوح حفيظ وتكتب
وقلبك في سهو ولهو وغفلة ... وأنت على الدّنيا حريص معذّب
تباهي بجمع المال من غير حلّه ... وتسعى حثيثا في المعاصي وتذنب
أما تذكر الموت المفاجيك في غد ... أما أنت من بعد السّلامة تعطب
) * «5» .
من مضار (العصيان)
(1) حرمان العلم، فإنّ العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفأ ذلك النّور.
(2) حرمان الرّزق، فكما أنّ التّقوى مجلبة للرّزق، فترك التّقوى مجلبة للفقر.
(3) حرمان الطّاعة، فلو لم يكن للذّنب عقوبة إلّا أن يصدّ عن الطّاعة لكان في ذلك كفاية من الحرمان.
(4) أنّ المعاصي توهن القلب والبدن.
(5) أنّ المعاصي تقصّر العمر، وتمحق البركة.
(6) أنّ المعاصي تزرع أمثالها، ويولّد بعضها بعضا.
__________
(1) زاد المسير لابن الجوزي (9/ 116- 117) .
(2) الجواب الكافي، لابن القيم (30) .
(3) آثار المعاصي (10) .
(4) بصائر ذوي التمييز (3/ 20) .
(5) ديوان محمد بن عثيمين (20) .(10/5009)
(7) أنّ الذّنوب تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التّوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من القلب إرادة التّوبة بالكلّيّة.
(8) أنّ كلّ معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمّة من الأمم الّتي أهلكها الله- عزّ وجلّ-.
(9) أنّ المعصية سبب لهوان العبد على ربّه.
(10) أنّ غير المذنب من النّاس والدوابّ يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذّنوب والظّلم.
(11) أنّ العبد لا يزال يرتكب الذّنب حتّى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك، فإنّ الذّنب كلّما صغر في عين العبد عظم عند الله.
(12) أنّ المعصية تورث الذّلّ، والعزّ كلّ العزّ في طاعة الله.
(13) أنّ المعاصي تفسد العقل، فإنّ للعقل نورا، والمعصية تطفأ نور العقل، وإذا طفىء نوره ضعف ونقص.
(14) أنّ الذّنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) .
(15) أنّ الذنوب تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزّروع والثمار والمساكن، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم/ 41) .
(16) ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب، وهو أصل كلّ خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه، وقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الحياء خير كلّه» رواه البخاريّ ومسلم.
(17) أنّ الذنوب دليل ضعف إيمان العبد، وجرأته على ارتكاب المعاصي دليل على ظلمة قلبه، وانعدام بصيرته، وحرمانه من توقير ربّه سبحانه وتعالى واستشعار عظمته.
(18) أنّها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه. وهناك الهلاك الّذي لا يرجى معه نجاة.
(19) أنّ الذّنوب تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين، فإنّ الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي.
(20) أنّها تزيل النّعم وتحلّ النّقم، فما زالت عن العبد نعمة إلّا بذنب ولا حلّت به نقمة إلّا بذنب، قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما نزل بلاء إلّا بذنب وما رفع إلّا بتوبة» .
قال تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (الشورى/ 30) .
وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (الأنفال/ 53) .(10/5010)
عقوق الوالدين
العق لغة:
العقّ مصدر عقّه يعقّه عقّا: شقّه. يقول الخليل: أصل العقّ الشّقّ. قال: وإليه يرجع العقوق.
والعقوق: قطيعة الوالدين، وكلّ ذي رحم. يقال: عقّ أباه فهو يعقّه عقّا، وعقوقا، وفي الحديث «ذق عقق» أي ذق جزاء فعلك يا عاقّ، قاله بعضهم لحمزة- رضي الله عنه- وهو مقتول أراد ذق يا عاقّ قريبه، كما قتلت يوم بدر من قومك- يعني كفّار قريش-، وعقق معدول عن عاقّ للمبالغة مثل غدر من غادر، وفسق من فاسق، وعقّ الولد أباه عقوقا من باب قعد إذا عصاه، وترك الإحسان إليه فهو عاقّ والجمع عققة، وأعقّ فلان إذا جاء بالعقوق. ويقولون أيضا:
العقوق ثكل من لم يثكل أي إنّ من عقّه ولده فكأنّه ثكلهم وإن كانوا أحياء، والمعقّة: العقوق.
والعقيقة: الذّبيحة الّتي تذبح عن المولود من هذا المعنى أي الشّقّ والقطع لأنّها يشقّ حلقها، وفي الحديث أنّه صلّى الله عليه وسلّم: «عقّ عن الحسن والحسين» ، وقيل هي مأخوذة من العقيقة بمعنى الشّعر الّذي يخرج على رأس المولود من بطن أمّه لأنّه يحلق.
وقال ابن منظور: عقّه يعقّه عقّا فهو معقوق،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 12/ 8
وعقيق: شقّه، وعقّ والده: شقّ عصا طاعته. وعقّ والديه: قطعهما ولم يصل رحمه منهما، وقد يعمّ لفظ العقوق جميع الرّحم (أي ذوي القرابة) .
وأعقّ فلان إذا جاء بالعقوق. وفي المثل: أعقّ من ضبّ. قال ابن الأعرابيّ: إنّما يريد به الأنثى وعقوقها أنّها تأكل أولادها، وقال ابن السّكّيت (في قول الشّاعر) :
فإنّي، وما كلّفتموني بجهلكم ... ويعلم ربّي من أعقّ وأحوبا
قال: أعقّ جاء بالعقوق، وأحوب جاء بالحوب (أي الإثم) .
والعقق أيضا: قاطعو الأرحام. ويقال:
عاققت فلانا أعاقّه عقاقا إذا خالفته. قال ابن برّيّ:
وفي الحديث: أنّه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن عقوق الأمّهات، وهو ضدّ البرّ، وأصله من العقّ: الشّقّ والقطع، وإنّما خصّ الأمّهات. وإن كان عقوق الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيما لأنّ لعقوق الأمّهات مزيّة في القبح «1» .
عقوق الوالدين اصطلاحا:
هو صدور ما يتأذّى به الوالد من ولده من قول
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 5) ، الصحاح للجوهري (4 (1528) ، ولسان العرب لابن منظور (10/ 256، 257) (ط. بيروت) المصباح المنير (422) ، النهاية لابن الأثير (3/ 277) .(10/5011)
أو فعل إلّا في شرك أو معصية ما لم يتعنّت الوالد.
وقال ابن الصّلاح- رحمه الله-: العقوق المحرّم كلّ فعل يتأذّى به الوالد أو نحوه تأذّيا ليس بالهيّن مع كونه ليس من الأفعال الواجبة «1» .
وقال كعب الأحبار- وقد سئل عن عقوق الوالدين ما هو؟ قال: هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمّه لم يبرّ قسمهما، وإذا أمراه بأمر لم يطع أمرهما، وإذا سألاه شيئا لم يعطهما، وإذا ائتمناه خانهما «2» .
وهذه لا شكّ بعض مظاهر العقوق، وقد بقيت مظاهر أخرى منها: إلحاق الأذى بهما وسبّهما ونحو ذلك.
وقال ابن حجر: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهيّن عرفا «3» .
ضابط العقوق:
قال ابن حجر: هو أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرّما من جملة الصّغائر فينتقل بالنّسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمر والديه أو أحدهما فيما يدخل فيه الخوف على الولد من فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتّهم الوالد في ذلك، أو أن يخالف في سفر يشقّ على الوالد وليس بفرض على الولد، أو يخالف في غيبة طويلة فيما ليس بعلم نافع ولا كسب «4» وقد شرح- رحمه الله- هذا الضّابط بما لا يتّسع له المقام هنا، فليرجع إليه من شاء في موضعه من كتاب الزّواجر «5» .
حكم العقوق:
أجمع العلماء على أنّ عقوق الوالدين أو أحدهما من الكبائر، وقد ذكر الإمامان: الذّهبيّ وابن حجر أدلّة عديدة على ذلك من الكتاب والسّنّة وقد جاء في الحديث الصّحيح أنّ هذا العقوق ليس فقط كبيرة فحسب، ولكنّه من أكبر الكبائر (انظر الحديث الأوّل من الصّفة) ، وقال الذّهبيّ معقّبا على هذا الحديث:
انظر كيف قرن الإساءة إليهما وعدم البّرّ بهما والإحسان إليهما بالإشراك «6» .
وقال ابن حجر ما خلاصته: من الكبائر عقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا، ولو مع وجود من هو أقرب إليهما منه، وقال بعد أن ذكر الايات الدّالّة على ذلك: وقد جاء في السّنّة من التأكيد على ذلك ما لا تحصى كثرته ولا تحدّ غايته، وبعد أن ذكر طرفا من ذلك قال: عدّ العقوق من الكبائر هو ما اتّفقوا عليه، وردّ على الحليميّ رأيا له في ذلك خلاصته: أنّ العقوق كبيرة فإن كان معه نحو سبّ ففاحشة، وإن كان عقوقه هو استثقاله لأمرهما ونهيهما والعبوس في وجههما، والتّبرّم بهما مع بذل الطّاعة ولزوم الصّمت فصغيرة، وإن كان ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا فيتركا أمره ونهيه ويلحقهما من ذلك ضرر فهو كبيرة. وقد ردّ ابن حجر على ذلك بأنّ ما عدّه من
__________
(1) فتح الباري لابن حجر (10/ 406) ، ودليل الفالحين (2/ 178) .
(2) الكبائر للذهبي (41) .
(3) الزواجر (459) .
(4) المرجع السابق (460) .
(5) المرجع السابق (460- 462) .
(6) الكبائر للذهبي (40) .(10/5012)
الصّغائر فيه إلحاق الأذى بهما عرفا، لأنّ العبرة بالمتأذّي، ومادام ذلك عقوقا فهو من الكبائر، لكن لو كان الوالدان أو أحدهما في غاية الحمق أو سفاهة العقل فأمر أو نهى ولده بما لا يعدّ مخالفته له في العرف عقوقا، فإنّ الولد لا يفسق بالمخالفة حينئذ لعذره، فلو كان الولد متزوّجا بمن يحبّها فأمره بطلاقها فلم يمتثل أمره لا إثم عليه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الجحود- القسوة قطيعة الرحم- نكران الجميل- الإعراض- سوء المعاملة- الإساءة- سوء الخلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: بر الوالدين- البر- الإحسان- الرحمة- المحبة- الكلم الطيب- حسن العشرة- حسن المعاملة- الشفقة- الرفق- الاعتراف بالفضل- الحنان- اللين] .
الآيات الواردة في «عقوق الوالدين» معنى
1-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) «2»
2- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80)
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) «3»
3- وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) «4»
__________
(1) الزواجر (451- 461) .
(2) الإسراء: 23 مكية
(3) الكهف: 80- 81 مكية
(4) الأحقاف: 17 مكية(10/5013)
الأحاديث الواردة في ذمّ (عقوق الوالدين)
1-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ثلاثا: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» ،- وكان متّكئا فجلس. فقال: «ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور. ألا وقول الزّور، وشهادة الزّور» . فما زال يقولها حتّى قلت: لا يسكت) * «1» .
2-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات «2» ومنعا وهات «3» وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» ) * «4» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله- عزّ وجلّ- إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، والمرأة المترجّلة، والدّيّوث. وثلاثة لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّان بما أعطى» ) * «5» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكبائر: الإشراك الله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، واليمين الغموس «6» » ) * «7» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (عقوق الوالدين) معنى
5-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احضروا المنبر» فحضرنا، فلمّا ارتقى درجة، قال: «آمين» ، فلمّا ارتقى الدّرجة الثّانية، قال: «آمين» ، فلمّا ارتقى الدّرجة الثالثة، قال: «آمين» ، فلمّا نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنّا نسمعه قال: «إنّ جبريل- عليه الصّلاة والسّلام- عرض لي فقال: بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له. قلت: آمين، فلمّا رقيت الثّانية قال: بعدا لمن ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، قلت:
آمين، فلمّا رقيت الثّالثة قال: بعدا لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنّة. قلت: آمين» ) * «8» .
6-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5976) واللفظ له، ومسلم (87) .
(2) وأد البنات: دفنهن أحياء تحت التراب.
(3) منعا وهات: أي يمنع الرجل ما توجب عليه من الحقوق. أو يطلب ما لا يستحق.
(4) البخاري- الفتح 10 (5975) ، ومسلم (1715) واللفظ له.
(5) النسائي (5/ 80) وقال الألباني: حديث حسن صحيح: صحيح سنن النسائي (2402) ، والهيثمي في المجمع (8/ 147، 148) ، وقال: رواه البزار بإسنادين ورجالهما ثقات.
(6) اليمين الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار.
(7) البخاري- الفتح 11 (6675) .
(8) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 154) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.(10/5014)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «احفظ ودّ أبيك لا تقطعه فيطفىء الله نورك» ) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله، إنّي جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدّار الآخرة ولقد أتيت وإنّ والديّ ليبكيان. قال: «فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما» ) * «2» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرّجل والديه» . قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرّجل والديه؟ قال: «يسبّ الرّجل أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» ) * «3» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» ) * «4» .
10-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» ) * «5» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رغم أنف «6» ، ثمّ رغم أنف، ثمّ رغم أنف.» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنّة» ) * «7» .
12-* (عن أبي الطّفيل، عامر بن واثله.
قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال: فغضب «8» وقال: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئا يكتمه النّاس. غير أنّه قد حدّثني بكلمات أربع. قال: فقال: ما هنّ؟ يا أمير المؤمنين، قال: قال: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا «9» .
ولعن الله من غيّر منار الأرض «10» » ) * «11» .
__________
(1) الهيثمي في المجمع (8/ 147) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.
(2) ابن ماجة (2782) وصححه الألباني: صحيح ابن ماجة (2242) ، والحاكم في المستدرك (4/ 152) وقال هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي واللفظ متفق عليه عندهما.
(3) البخاري- الفتح 10 (5973) واللفظ له، ومسلم (90) .
(4) الترمذي (1905) ، وأبو داود (1536) ، وابن ماجه (3862) وحسنه الألباني: صحيح ابن ماجة (3116) واللفظ متفق عليه عندهما.
(5) الترمذي (1899) وصححه الألباني. صحيح الترمذي (1549) والحاكم في المستدرك (4/ 152) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6) رغم أنف: الرغام: التراب، ورغم أنفه: أي لصقه بالتراب، والمقصود الدعاء عليه بالذل.
(7) مسلم (2551) .
(8) فغضب: فيه إبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة والامامية من الوصية إلى علي رضي الله عنه. وغير ذلك من اختراعاتهم.
(9) محدثا: المحدث هو من يأتي بفساد في الأرض.
(10) منار الأرض: المراد علامات حدودها.
(11) مسلم (1978) .(10/5015)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (عقوق الوالدين)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسبا إلّا فتح له الله بابين (يعني من الجنّة) وإن كان واحد، فواحد. وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتّى يرضى عنه قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه» ) * «1» .
2-* (عن طيسلة بن ميّاس قال: كنت مع النّجدات فأصبت ذنوبا لا أراها إلّا من الكبائر.
فذكرت ذلك لابن عمر قال: «ما هي؟» قلت: كذا وكذا. قال: «ليست هذه من الكبائر. هي تسع:
الإشراك بالله، وقتل النّسمة بغير حلّها، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم ظلما، وإلحاد في المسجد الحرام، والّذي يستسخر «2» ، وبكاء الوالدين من العقوق» قال طيسلة- لمّا رأى ابن عمر فرقي «3» قال: أتخاف النّار أن تدخلها؟ قلت: نعم. قال وتحبّ أن تدخل الجنّة؟
قلت: نعم. قال: «أحيّ والداك؟» قلت: عندي أمّي. قال: «فو الله لو ألنت لها الكلام «4» ، وأطعمتها الطّعام لتدخلنّ الجنّة، ما اجتنبت الكبائر» ) * «5» .
3-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- لابن مهران: «لا تأتينّ أبواب السّلاطين وإن أمرتهم بمعروف أو نهيتهم عن منكر، ولا تخلونّ بامرأة وإن علّمتها سورة من القرآن، ولا تصحبنّ عاقّا؛ فإنّه لن يقبلك وقد عقّ والديه» ) * «6» .
4-* (عتب أميّة بن أبي الصّلت على ابنه يوما وقد ضنّ عليه في الإنفاق بعدما هرم وشاخ فقال له:
غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعلّ بما أدني إليك وتنهل
إلى أن قال:
فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل
) * «7» .
5-* (قال الأصمعيّ: «حدّثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحيّ أطلب أعقّ النّاس، وأبرّ النّاس، فكنت أطوف بالأحياء، حتّى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرّ شديد وخلفه شاب في يده رشاء «8» من قدّ «9» ملويّ يضربه به، قد شقّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتّقي الله في هذا الشّيخ الضّعيف؟ أما
__________
(1) هو في مشكاة المصابيح (3/ 4943) باب الأدب رقم (25) بلفظ قريب منه.
(2) والذي يستسخر: الاستسخار من السخرية، وهو الاستهزاء من إنسان والضحك والاضحاك منه.
(3) فرقي: الفرق: الخوف والفزع.
(4) ألنت لها الكلام: أي خفضت صوتك، وكلمتها باللطف وعذوبة اللسان.
(5) أخرجه الطبري في التفسير (4/ 42) ، وعبد الرزاق الخرائطي في مساوىء الأخلاق (102، 257) .
(6) المستطرف (2/ 256) .
(7) الأغاني (3/ 191) .
(8) الرشاء: الحبل.
(9) القد: السوط، وهو في الأصل سير يقد أي يقطع من جلد مدبوغ(10/5016)
يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتّى تضربه؟ قال: إنّه مع هذا أبي. قلت: فلا جزاك الله خيرا. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع أبوه بجدّه. فقلت: هذا أعقّ النّاس» ) * «1» .
6-* (ذكر الأصمعيّ، قال: «أخبرني بعض العرب أنّ رجلا كان في زمن عبد الملك بن مروان يقال له (منازل) وكان له أب كبير، يقال له (فرعان) وكان الشّابّ عاقّا لأبيه، فقال الشّيخ:
جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدّين طالبه
ثمّ ابتلي (منازل) بابن يقال له (جليح) عقّه في عمره فقال:
تظلّمني مالي جليح وعقّني ... على حين كانت كالحنيّ عظامي
فأراد الوالي ضربه، فقال الابن للوالي: لا تعجل عليّ، هذا منازل بن فرعان الّذي يقول فيه أبوه:
جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنجز الدّين طالبه
فقال الوالي: يا هذا عققت وعققت) * «2» .
7-* (عن ربيعة، قال: «إذا فاض العلم فيضا، وكان المولود لوالده غيظا، والشّتاء قيظا، والحكم حيفا أتاكم الدّجّال يزيف زيفا» ) * «3» .
8-* (عن عبيد بن جريج أنّه سئل: ما العقوق فيما أنزل الله على موسى؟ قال: «إذا أمر الوالد ولده بشيء فلم يطعه فقد عاقّه، وإذا الوالد اشتكى إلى الله ما يلقى من ولده، فقد عاقّه العقوق كلّه» ) * «4» .
من مضار (عقوق الوالدين)
(1) العاقّ كافر بنعمة الله- سبحانه وتعالى- وبإحسان والديه.
(2) العقوق يبعد عن رضوان الله.
(3) العقوق كبيرة توجب العقوبة في يوم الجزاء.
(4) العقوق يحدث زعزعة في المجتمع، فمن لا يبرّ والديه لا يبرّه أبناؤه ولا يبرّ جيرانه ومجتمعه.
(5) يبعد المجتمع من دائرة الأمن والأمان.
(6) العاقّ يلقى جزاء عقوقه في الدّنيا كما حدث بين منازل وابنه (الأثرين 5، 6) .
(7) عقوق الوالدين يذهب إشراقة الوجه ويطفىء نوره (الحديث رقم 6) .
(8) العقوق يحرم العاقّ من أن ينظر الله إليه يوم القيامة (الحديث رقم 3) .
__________
(1) مساوىء الأخلاق (252) .
(2) انظر عيون الأخبار (3/ 86) .
(3) مساوىء الأخلاق للخرائطي (104) .
(4) المرجع السابق (103) .(10/5017)
العنف والإكراه
العنف لغة:
العنف مصدر عنف يعنف عنفا فهو عنيف إذا لم يترفّق في أمره، يقول ابن فارس: (العين والنّون والفاء) أصل صحيح يدلّ على خلاف الرّفق، قال الخليل: العنف ضدّ الرّفق، يقال اعتنفت الشّيء إذا كرهته ووجدت له عنفا عليك، ومشقّة «1» . والعنيف:
الّذي ليس له رفق بركوب الخيل، والجمع عنف، واعتنفت الأرض: أي كرهتها «2» .
وقال ابن منظور: الخرق بالأمر وقلّة الرّفق به، وهو ضدّ الرّفق: عنف به وعليه يعنف عنفا وعنافة، وأعنفه وعنّفه تعنيفا، وهو عنيف إذا لم يكن رفيقا في أمره. واعتنف الأمر: أخذه بعنف.
وفي الحديث: «إنّ الله تعالى يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف» ، هو بالضّمّ، الشّدّة والمشقّة، وكلّ ما في الرّفق من الخير ففي العنف من الشّرّ مثله.
والتّعنيف: التّعيير واللّوم. وفي الحديث: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يعنّفها» ، معناه: أي لا
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 13/ 2
يجمع عليها بين الحدّ والتّوبيخ. وأعنف الشّيء أخذه بشدّة، والعنف والعنيف المعتنف، وهو الّذي لا يترفقّ «3» .
العنف اصطلاحا:
قال المناويّ: العنف هو عدم الرّفق «4» ، وإذا كان قد عرّف الرّفق بأنّه حسن الانقياد لما يؤدّي إلى الجميل «5» ، فإنّ العنف يمكن تعريفه بأنّه: سوء الانقياد الّذي يؤدّي إلى القبيح.
وإذا أخذنا بتعريف الكفويّ للرّفق بأنّه التّوسّط والتّلطّف في الأمر «6» فإنّ العنف يكون عبارة عن انعدام ذلك التّوسّط وفقدان هذا التّلطّف عند تناول أمر من الأمور، أو هو بعبارة أخرى التّطرّف والغلوّ المصحوبان بالفظاظة في معاملة الآخرين حتّى ولو أساءوا الأدب «7» .
الإكراه لغة:
الإكراه مصدر قولهم: أكرهه على الشّيء بمعنى حمله على فعل شيء هو له كاره، قال ابن منظور: يقال:
__________
(1) المقاييس (4/ 58) .
(2) الصحاح (4/ 407) .
(3) لسان العرب لابن منظور (4/ 3132) ط. دار المعارف.
(4) التوقيف (248) .
(5) المرجع السابق (179) .
(6) الكليات للكفوي (482) .
(7) أخذ القيد الأخير فى التعريف مما جاء في حديث عائشة- رضي الله عنها- الذي ردت فيه على اليهود الذين أساءوا الأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (انظر الحديث رقم 1) .(10/5018)
أكرهته حملته على أمر هو له كاره «1» ، وفي المثل: أساء كاره ما عمل وذلك أنّ رجلا أكرهه آخر على عمل فأساء عمله، وامرأة مستكرهة غصبت نفسها فأكرهت على ذلك، وأمر كريه أي مكروه، ووجه كره وكريه معناه قبيح لأنّه يكره.
الإكراه اصطلاحا:
الإكراه: أن تنال (شيئا) بشيء من العذاب كالضّرب والخنق والعصر والحبس والغطّ في الماء مع الوعيد، أمّا الوعيد بمفرده فليس بإكراه، وقيل: هو إكراه إذا خاف القتل أو الضّرب الشّديد، وهذا قول أكثر الفقهاء «2» . وقال الإمام ابن حجر: الإكراه هو إلزام الغير بما لا يريده «3» .
شروط الإكراه:
للإكراه شروط ثلاثة هي:- 1- أن يكون الإكراه من قادر بسلطان أو تغلّب كاللّصّ ونحوه.
2- أن يغلب على ظنّه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.
3- أن يكون (الوعيد) ممّا يستضرّ به ضررا كبيرا كالقتل والضّرب الشّديد والقيد والحبس الطّويلين، أمّا الشّتم والسّبّ فليسا بإكراه، وكذلك أخذ المال اليسير «4» .
وأضاف ابن حجر شرطا رابعا هو:
4- أن يكون ما هدّده به فوريّا «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: القسوة- العدوان الظلم- الطغيان- البغي- الإرهاب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرفق- اللين- الشفقة- العطف- الحنان- السماحة] .
__________
(1) انظر صفة البغض.
(2) المغني (الفهارس) ص 88.
(3) فتح الباري (12/ 326) .
(4) المغني (الفهارس) ص 88.
(5) فتح الباري (12/ 326) .(10/5019)
الآيات الواردة في «الإكراه»
1- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1»
2- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) «2»
3- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) «3»
4- إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «4»
5- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «5»
__________
(1) البقرة: 256 مدنية
(2) يونس: 99 مكية
(3) النحل: 106 مكية
(4) طه: 73 مكية
(5) النور: 33 مدنية(10/5020)
الأحاديث الواردة في ذمّ (العنف)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم. فقالت عائشة:
عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم، قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش» .
قالت: أو لم تسمع ما قالوا. قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟. رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (العنف) معنى
2-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «2» أو حائش «3» نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «4» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل «5» ؟. لمن هذا الجمل» . فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «6» » ) * «7» .
3-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب. فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك. فقال عمر:
أضحك الله سنّك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» قال عمر: فأنت يا رسول الله أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلن: نعم. أنت أغلظ وأفظّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له، ومسلم (2593) .
(2) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه.
(3) حائش: حائط وهو السور الذى يحيط بالحديقة.
(4) ذفراه: ذفرى البعير الموضع الذي يعرق من قفاه.
(5) من ربه: من صاحبه.
(6) تدئبه: تتعبه وتشقيه.
(7) أبو داود (2549) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 527) : إسناده صحيح وهو عند مسلم بدون قصة الجمل.
(8) البخاري- الفتح 7 (3683) ، ومسلم (2396) واللفظ له.(10/5021)
4-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال:
أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده نحو اليمن. فقال: ألا إنّ الإيمان هاهنا. وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين «1» .
عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشّيطان.
في ربيعة ومضر» ) * «2» .
5-* (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمّياه ما شأنكم تنظرون إليّ؟. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلمّا رأيتهم يصمّتونني «3» . لكنّي سكتّ.
فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني «4» ولا ضربني ولا شتمني. قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس. إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله إنّي حديث عهد بجاهليّة «5» . وقد جاء الله بالإسلام. وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم «6» . فلا يصدّنّهم (قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنّكم) » قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ «7» . فمن وافق خطّه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «8» . فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّئب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم.
آسف كما يأسفون «9» . لكنّي صككتها صكّة «10» .
فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها:
«أين الله؟» قالت: في السّماء. قال: «من أنا؟» قالت:
أنت رسول الله. قال: «أعتقها. فإنّها مؤمنة» ) * «11» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا بال في المسجد فثار إليه النّاس ليقعوا به. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا «12» من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «13» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) الفدادين: المراد به البقر التى يحرث عليها، وقيل الفدان: آلة الحرث والسكة.. فتح البارى ج 6 ص 405.
(2) البخاري- الفتح 6 (3302) ، ومسلم (51) واللفظ له.
(3) يصمتونني: أي يسكتونني، غضبت وتغيرت.
(4) كهرني: قالوا: القهر والكهر والنهر، متقاربة. أي ما قهرني ولا نهرني.
(5) بجاهلية: قال العلماء: الجاهلية ما قبل ورد الشرع. سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم.
(6) ذاك شيء يجدونه في صدورهم: قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة. ولا عتب عليكم في ذلك. لكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم.
(7) يخط: اشارة إلى علم الرمل.
(8) قبل أحد والجوانية: الجوانية بقرب أحد. موضع في شمال المدينة.
(9) آسف كما يأسفون: أغضب كما يغضبون. والأسف الحزن والغضب.
(10) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة.
(11) مسلم (537) .
(12) السجل: الدلو المملوءة الكبيرة.
(13) البخاري- الفتح 10 (6128) واللفظ له، ومسلم (234) .(10/5022)
رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» . ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» . قالوا: يا رسول الله إلّا أمثل من سنّه. فقال: «أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ) * «1» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع «2» الآخر ويسترفقه «3» في شيء وهو يقول: والله لا أفعل. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما، فقال: «أين المتألّي «4» على الله لا يفعل المعروف» . قال: أنا يا رسول الله. فله أيّ ذلك أحبّ» ) * «5» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» ) * «6» .
10-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة «7» ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) «8» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإكراه) معنى
11-* (عن خنساء بنت خدّام الأنصاريّة رضي الله عنها- أن أباها زوّجها وهي ثيّب فكرهت ذلك، فأتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فردّ نكاحها) «9» .
12-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: ذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجيش الّذي يخسف بهم.
فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله! لعلّ فيهم المكره؟ قال:
«إنّهم يبعثون على نيّاتهم» ) «10» .
13-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه قال: جاءت مسيكة (مسكينة) لبعض الأنصار فقالت: إنّ سيّدي يكرهني على البغاء، فنزل في ذلك وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له، ومسلم (1601) .
(2) يستوضع: أي يطلب منه أن يضع ويسقط من دينه شيئا.
(3) يسترفقه: أي يطلب منه أن يرفق به في التقاضي.
(4) المتألي: أي الحالف المبالغ في اليمين.
(5) البخاري- الفتح 5 (2705) ، ومسلم (1557) واللفظ له.
(6) مسلم (1828) .
(7) المعجمة: التي لا تنطق.
(8) أبو داود (2548) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) إسناده حسن.
(9) البخاري- الفتح (6945) .
(10) مسلم (4065) .
(11) عون المعبود 6/ 423 (حديث رقم 2294) .(10/5023)
من الآثار الواردة في ذمّ (العنف والإكراه)
1-* (عن قتادة في قوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ... الآية: قال: إي والله طهّره من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبا رحيما رؤوفا بالمؤمنين) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً الآية: قال: كانوا إذا مات الرّجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحقّ بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك) «2» .
من مضار (العنف والإكراه)
(1) العنف يؤدّي إلى الحرمان من الخير.
(2) ما كان العنف في شيء إلّا شانه.
(3) العنف طريق موصّل إلى بغض الله ومقته.
(4) العنف منبىء عن سوء النّيّة وخبث الطّويّة.
(5) العنف يسبّب حذر النّاس من الشّخص العنيف وبعدهم عنه.
(6) الإكراه خاصّة في مجال البغاء ينشر الرّذيلة.
(7) العنف يجلب على صاحبه المشقّة ويعامله النّاس إذا فقد سلطانه وقوّته بعنف أشدّ من عنفه معهم.
(8) الإكراه يؤدّي إلى ضياع الحقوق وتفكّك المجتمع.
(9) العنف ينشر الكراهية والحقد بين أفراد المجتمع.
(10) الإكراه يخلّ بالأمن والاستقرار ممّا يؤدّي إلى ضعف الإنتاج وانتشار الفوضى.
(11) العنف والإكراه من الأمراض الاجتماعيّة الخطيرة.
(12) العنف والإكراه يجلبان غضب المولى عزّ وجلّ على من يفعل ذلك.
__________
(1) الدر المنثور للسيوطي (2/ 169) .
(2) البخاري- الفتح (6948) .(10/5024)
[المجلد الحادي عشر]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ(11/)
محتويات المجلد الحادي عشر
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
حرف الغين 111/ الغدر/ 5025
112/ الغرور/ 5047
113/ الغش/ 5069
114/ الغضب/ 5076
115/ الغفلة/ 5098
116/ الغل/ 5109
117/ الغلو/ 5114
118/ الغلول/ 5128
119/ الغي والإغواء/ 5142
120/ الغيبة/ 5162
حرف الفاء 121/ الفتنة/ 5178
122/ الفجور/ 5219
123/ الفحش/ 5231
124/ الفساد/ 5236
125/ الفسوق/ 5261
126/ الفضح/ 5270
حرف القاف 127/ القتل/ 5284
128/ القدوة السيئة/ 5300
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
129/ القذف/ 5311
130/ القسوة/ 5323
131/ قطيعة الرحم/ 5329
132/ القلق/ 5338
133/ القنوط/ 5344
حرف الكاف 134/ الكبر والعجب/ 5352
135/ الكذب/ 5381
136/ الكرب/ 5431
137/ الكسل/ 5438
138/ الكفر/ 5443
139/ الكنز/ 5510
حرف اللام 140/ اللغو/ 5521
141/ اللهو واللعب/ 5527
142/ اللؤم/ 5540
حرف الميم 143/ المجاهرة بالمعصية/ 5547
144/ المكر والكيد/ 5556
145/ المن/ 5563
146/ موالاة الكفار/ 5570(11/)
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
147/ الميسر/ 5583
حرف النون 148/ النجاسة/ 5589
149/ النجوى/ 5598
150/ النفاق/ 5604
151/ نقض العهد/ 5631
152/ النقمة/ 5645
153/ نكران الجميل/ 5653
154/ النميمة/ 5665
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
حرف الهاء 155/ الهجاء/ 5672
156/ الهجر/ 5681
157/ هجر القرآن/ 5691
حرف الواو 158/ الوسوسة/ 5701
159/ الوهم/ 5710
160/ الوهن/ 5714
حرف الياء 161/ اليأس/ 5724(11/)
[حرف الغين]
الغدر
الغدر لغة:
الغدر: مصدر غدر يغدر غدرا، وهو الإخلال بالشّيء وتركه، يقول ابن فارس: الغين والدّال والرّاء أصل صحيح يدلّ على ترك الشّيء، من ذلك الغدر: نقض العهد، وترك الوفاء به، ويقولون في الذّمّ يا غدر، وغدر به فهو غادر وغدر أيضا، وأكثر ما يستعمل هذا في النّداء بالشّتم، يقال يا غدر، وفي الحديث: «يا غدر ألست أسعى في غدرتك» ويقال في الجمع يالغدر، وغدرت اللّيلة بالكسر تغدر غدرا، أي أظلمت، فهي غدرة، وأغدرت فهي مغدرة.
ويقول الرّاغب: والغدر يقال لترك العهد، ومنه قيل فلان غادر، وجمعه غدرة، وغدّار، كثير الغدر.
وغدر الرّجل غدرا وغدرانا، وقالوا: الذّئب غادر، أي لا عهد له، كما قالوا الذّئب فاجر.
والمغادرة: التّرك، وأغدر الشّيء، تركه وبقّاه، والغدرة: ما أغدر من شيء وهي الغدارة.
وقال ابن منظور: الغدر ضدّ الوفاء بالعهد.
وقال غيره: الغدر ترك الوفاء. غدره وغدر به يغدر غدرا. تقول: غدر إذا نقض العهد، ورجل غادر
وغدّار وغدير وغدور، وكذلك الأنثى بغير هاء، وغدر، وأكثر ما يستعمل هذا في النّداء في الشّتم يقال:
يا غدر ويقال في الجمع: يالغدر. وفي حديث الحديبية؛ قال عروة بن مسعود للمغيرة: يا غدر، وهل غسلت غدرتك إلّا بالأمس؟ قال ابن الأثير: غدر معدول عن غادر للمبالغة، ويقال للذّكر غدر والأنثى غدار كقطام، وهما مختصّان بالنّداء في الغالب؛ ومنه حديث عائشة: قالت للقاسم: اجلس غدر أي يا غدر فحذفت حرف النّداء. وفي الحديث:
بين يدي السّاعة سنون غدّارة يكثر المطر ويقلّ النّبات.
هي فعّالة من الغدر أي تطمعهم في الخصب بالمطر ثمّ تخلف فجعل ذلك غدرا منها «1» .
الغدر اصطلاحا:
قال الجاحظ: هو الرّجوع عمّا يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به، وهو خلق مستقبح، وإن كان يصاحبه فيه منفعة، وهو بالملوك والرّؤساء أقبح، ولهم أضرّ «2» .
وقال المناويّ: الغدر: نقض العهد والإخلال بالشّيء وتركه «3» .
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 413) ، والصحاح (2/ 766) ، المفردات (358) ، ولسان العرب (5/ 8) ط. بيروت، ومختار الصحاح (469) .
(2) تهذيب الأخلاق (30) .
(3) التوقيف (250) .(11/5025)
حكم الغدر:
عدّ الإمام ابن حجر الغدر ضمن الكبائر، وقد عدّ معه القتل والظّلم لمن له أمان أو ذمّة أو عهد، وقال: عدّ هذه الثّلاثة هو صريح الأحاديث وهو ظاهر، وبه قدح بعضهم فى قتل المعاهد وعدّه في الغدر، وقد جاء عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه عدّ من الكبائر نكث الصفقة أي الغدر بالمعاهد «1» .
وإلى مثل هذا ذهب الإمام الذّهبيّ فعدّ الغدر وعدم الوفاء بالعهد الكبيرة الخامسة والأربعين، وذكر من الشّواهد القرآنية والأحاديث ما يؤيّد ذلك «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الخيانة- الجحود العدوان- نقض العهد- اللؤم- شهادة الزور- النفاق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الوفاء- الصدق المسئولية- الأمانة- إقامة الشهادة] .
الآيات الواردة في (الغدر) معنى
انظر: صفة (نقض العهد)
__________
(1) الزواجر (614) .
(2) انظر ذلك مفصلا فى «الكبائر» (168) .(11/5026)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغدر)
1-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك- وهو في قبّة من أدم- فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال:
انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» قال: فبينا أنا بالشّام إذ جئ بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل- يعني عظيم الرّوم- قال:
وكان دحية «4» الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى «5» ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ قالوا: نعم. قال فدعيت في نفر من قريش.
فدخلنا على هرقل. فأجلسنا بين يديه فقال: أيّكم أقرب نسبا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا. فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي. ثمّ دعا بترجمانه «6» : فقال له: قل لهم إنّي سائل هذا عن الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ. فإن كذبني فكذّبوه، قال: فقال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافة أن يؤثر عليّ الكذب «7» لكذبت. ثمّ قال لترجمانه: سله. كيف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3176) .
(2) البخاري- الفتح 1 (34) واللفظ له، ومسلم (58) .
(3) في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يعني الصلح يوم الحديبية. وكانت الحديبية في أواخر سنة ست من الهجرة.
(4) دحية: هو بكسر الدال وفتحها. لغتان مشهورتان. اختلف في الراجحة منهما. وادعى ابن السكيت أنه بالكسر لا غير. وأبو حاتم السجستاني، أنه بالفتح لا غير.
(5) بصرى: هي مدينة حوران. ذات قلعة وأعمال قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز. والمراد بعظيم بصرى، أميرها.
(6) بترجمانه: هو بضم التاء وفتحها. والفتح أفصح. وهو المعبر عن لغة بلغة أخرى التاء فيه أصلية. وأنكروا على الجوهري كونه جعلها زائدة.
(7) لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب: معناه: لولا خفت أن رفقتي ينقلون عني الكذب الى قومي، ويتحدثون به في بلادي، لكذبت عليه. لبغضي إياه ومحبتي نقصه. وفي هذا بيان أن الكذب قبيح في الجاهلية. كما هو قبيح في الإسلام.(11/5027)
ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت:
لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: ومن يتّبعه؟ أشراف النّاس «1» أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قال قلت: لا. بل يزيدون. قال: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال:
قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال:
فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قال قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا «2» ؛ يصيب منّا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو صانع فيها. قال: فو الله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟
قال قلت: لا. قال لترجمانه: قل له: إنّي سألتك عن حسبه فزعمت أنّه فيكم ذو حسب. وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا.
فقد عرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ فزعمت أن لا.
وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب «3» . وسألتك:
هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون.
وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟
فزعمت أنّكم قد قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا. ينال منكم وتنالون منه. وكذلك الرّسل تبتلى «4» ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟
فزعمت أن لا. وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل ائتمّ بقول قيل قبله. قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف «5» ، قال: إن يكن ما تقول فيه
__________
(1) أشراف الناس: يعني بأشرافهم، كبارهم وأهل الأحساب فيهم. فيه إسقاط همزة الاستفهام.
(2) سجالا: أي نوبا. نوبة لنا ونوبة له. قالوا: وأصله أن المستقيين بالسجل، وهي الدلو الملأى، يكون لكل واحد منهما سجل.
(3) بشاشة القلوب: يعني انشراح الصدور. وأصلها اللطف بالإنسان عند قدومه وإظهار السرور برؤيته. يقال بش به وتبشبش.
(4) وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة: معناه يبتليهم الله بذلك ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم، وبذلهم وسعهم في طاعة الله تعالى.
(5) والصلة والعفاف: أما الصلة فصلة الأرحام وكل ما أمر الله به أن يوصل. وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة. وأما العفاف فالكف عن المحارم وخوارم المروءة. قال صاحب المحكم: العفة الكف عما لا يحل ولا يحمد. قال: عف يعف عفة وعفافا وعفافة. وتعفف واستعف. ورجل عف وعفيف. والأنثى عفيفة. وجمع العفيف أعفة وأعفاء.(11/5028)
حقّا فإنّه نبيّ. وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّه منكم. ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه، لأحببت لقاءه.
ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ. قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «1» فقرأه. فإذا فيه «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام «2» أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «3» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. (آل عمران/ 64) » فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط «4» . وأمر بنا فأخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «5» إنّه ليخافه ملك بني الأصفر «6» . قال: فما زلت موقنا
__________
(1) بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: في هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد منها: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم. وهذا الدعاء واجب. والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام. ومنها استحباب تصدير الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا. ومنها التوقي في الكتابة واستعمال الورع فيها، فلا يفرّط ولا يفرط. ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إلى هرقل عظيم الروم، ولم يقل: ملك الروم، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام. ولم يقل: إلى هرقل فقط. بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم. أي الذي يعظمونه ويقدمونه. وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام. فقال تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ. وقال تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً. ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة. ومنها البيان الواضح أن من كان سببا لضلالة، أو سبب منع من هداية كان آثما. لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين» . ومنها استحباب أما بعد في الخطب والمكاتبات.
(2) بدعاية الإسلام: أي بدعوته، وهي كلمة التوحيد. وقال في الرواية الأخرى: أدعوك بداعية الاسلام وهي بمعنى الأولى. ومعناها الكلمة الداعية إلى الإسلام. قال القاضي: ويجوز أن تكون داعية هنا بمعنى دعوة، كما في قوله تعالى: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ. أي كشف.
(3) الأريسيين: هكذا وقع في هذه الرواية الأولى، في مسلم: الأريسيين. وهو الأشهر في روايات الحديث وفي كتب أهل اللغة. وعلى هذا اختلف في ضبطه على أوجه: أحدها بياءين بعد السين. والثاني بياء واحدة بعد السين. وعلى هذين الوجهين الهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة. والثالث: الإريسين، بكسر الهمزة وتشديد الراء وبياء واحدة بعد السين. ووقع في الرواية الثانية في مسلم، وفي أول صحيح البخاري: إثم اليريسيين، بياء مفتوحة في أوله وبياءين بعد السين. واختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها أنهم الأكارون، أي الفلاحون والزراعون. ومعناه إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك. ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادا. فاذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا. وهذا القول هو الصحيح. الثاني أنهم اليهود والنصارى، وهم أتباع عبد الله بن أريس الذي تنسب إليه الأروسية من النصارى، ولهم مقالة في كتب المقالات. ويقال لهم: الأروسيون. الثالث أنهم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها.
(4) اللغط: هو بفتح الغين وإسكانها، وهي الأصوات المختلطة.
(5) لقد أمر أمر ابن أبي كبشة: أما أمر فبفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها. فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم، كما خالفهم ابن أبي كبشة.
(6) بنو الأصفر: هم الروم.(11/5029)
بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام» ) * «1» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رعلا وذكوان وعصيّة وبني لحيان استمدّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عدوّ، فأمدّهم بسبعين من الأنصار- كنّا نسمّيهم القرّاء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنّهار، ويصلّون باللّيل- حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقنت شهرا يدعو في الصّبح على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا ثمّ إنّ ذلك رفع: «بلّغوا عنّا قومنا، أنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا. وعن قتادة عن أنس بن مالك حدّثه:
«أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قنت شهرا في صلاة الصّبح يدعو على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان» . زاد خليفة: «حدّثنا ابن زريع حدّثنا سعيد عن قتادة حدّثنا أنس أنّ أولئك السّبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة» ) * «2» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر «3» ؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم ترونه كذلك «4» . يجمع الله النّاس يوم القيامة. فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه. فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتّبع من كان يعبد القمر القمر. ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت «5» الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها. فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته الّتي يعرفون. فيقول أنا ربّكم.
فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا.
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (7) ، ومسلم (1773) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 7 (4090) واللفظ له. ومسلم (677) .
(3) هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر. وفي الرواية الأخرى هل تضامون: وروى تضارون بتشديد الراء وبتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما. ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه، كما تفعلون أول ليلة من الشهر. ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير، وهو الضرر وروي أيضا تضامون بتشديد الميم وتخفيفها. فمن شددها فتح التاء، ومن خففها ضم التاء. ومعنى المشدد هل تتضامون وتتلطفون في التوصل الى رؤيته. ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم، وهو المشقة والتعب. ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته.
(4) فإنكم ترونه كذلك: معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة.
(5) الطواغيت: هو جمع طاغوت. قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى. قال الواحدي: الطاغوت يكون واحدا وجمعا. ويؤنث ويذكر. قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، فهذا في الواحد. وقال تعالى في الجمع: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ. وقال في المؤنث: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها. قال في المصباح: وهو في تقدير فعلوت بفتح العين. لكن قدمت اللام موضع العين. واللام واو محركة مفتوح ما قبلها فقلبت ألفا. فبقى في تقدير فعلوت، وهو من الطغيان قاله الزمخشري.(11/5030)
فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «1» فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «2» . ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «3» . هل رأيتم السّعدان؟» قالوا: نعم. يا رسول الله. قال:
«فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله «4» ، ومنهم المجازى حتّى ينجّى.
حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه ممّن يقول لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار. يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار وقد امتحشوا «5» فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون منه «6» كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «7» . ثمّ يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد. ويبقى رجل مقبل بوجهه على النّار. وهو آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. فيقول: أي ربّ، اصرف وجهي عن النّار. فإنّه قد قشبني «8» ريحها وأحرقني ذكاؤها. فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه. ثمّ يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت «9» إن فعلت ذلك بك
__________
(1) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها.
(2) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه. يقال: أجزت الوادي وجزته، لغتان بمعنى واحد وقال الأصمعي: أجزته قطعته، وجزته مشيت فيه.
(3) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلوب وكلاب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب.
(4) بقى بعمله: ذكر القاضي أنه روى على ثلاثة أوجه: أحدها المؤمن بقى والثاني الموثق والثالث الموبق يعني بعمله. قال القاضي: هذا أصحها، وكذا قال صاحب المطالع: هذا الثالث هو الصواب. قال: وفي بقى، على الوجه الأول ضبطان أحدهما بالباء الموحدة والثاني بالياء المثناة. قال النووي: والموجود في معظم الأصول ببلادنا هو الوجه الأول.
(5) امتحشوا: احترقوا.
(6) فينبتون منه: معناه ينبتون بسببه.
(7) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بذر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وجمعها حبب. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل. والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
(8) قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها: قشبني معناه سمني وآذاني وأهلكني. كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب. وقال الداوديّ: معناه غير جلدي وصورتي. وأما ذكاؤها فمعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها. والأشهر في اللغة ذكاها مقصور. وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان.
(9) هل عسيت: لغتان: بفتح السين وكسرها. قال في الكشاف عند قوله تعالى (البقرة/ 246) هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا. وخبر عسيتم أن لا تقاتلوا. والشرط فاصل بينهما. والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا، يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون: أراد أن يقول: عسيتم أن لا تقاتلوا، بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون. وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن، وأنه صائب في توقعه.(11/5031)
أن تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النّار. فإذا أقبل على الجنّة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثمّ يقول: أي ربّ، قدّمني إلى باب الجنّة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهو دك ومواثيقك لا تسألني غير الّذي أعطيتك؟ ويلك يابن آدم ما أغدرك فيقول: أي ربّ، ويدعو الله حتّى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره؟
فيقول: لا وعزّتك، فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «1» له الجنّة. فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك.
فيقول: أي ربّ لا أكون أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله تبارك وتعالى منه. فإذا ضحك الله منه، قال ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه. فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكره من كذا «2» وكذا. حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ. قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه. قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة) * «3» .
6-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: أهدي للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنب من الطّائف فدعاني فقال: «خذ هذا العنقود فأبلغه أمّك» فأكلته قبل أن أبلغه إيّاها. فلمّا كان بعد ليال قال لي: «ما فعل العنقود؟ هل أبلغته أمّك؟» قلت: لا. قال: «فسمّاني غدر» ) * «4» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله «5» : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثمّ غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) * «6» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة عينا وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب، حتّى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى وجدوا مأكلهم التّمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب، فاتّبعوا آثارهم. فلمّا حسّ بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا
__________
(1) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت.
(2) ليذكره من كذا وكذا: معناه يقول له: تمن من الشيء الفلاني، ومن الشيء الآخر يسمي له أجناس ما يتمنى.
(3) البخاري- الفتح 2 (806) . ومسلم (182) واللفظ له..
(4) ابن ماجة (3368) في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. إلا أنه في الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عكس ما ذكر ههنا. ففيه أنّ أمه بعثته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بقطف من عنب فأكل منه قبل أن يبلغه النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما جاء به أخذ بأذنه فقال: «يا غدر» .
(5) أي في الحديث القدسي.
(6) البخاري- الفتح 4 (2227) .(11/5032)
فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيّها القوم. أمّا أنا فلا أنزل في ذمّة كافر، ثمّ قال: اللهمّ أخبر عنّا نبيّك صلّى الله عليه وسلّم: فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق. منهم خبيب وزيد بن الدّثنة ورجل آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها. قال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر. والله لا أصحبكم؛ إنّ لي بهؤلاء أسوة. يريد القتلى فجرّروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد بن الدّثنة حتّى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا- وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتّى أجمعوا قتله- فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها، فأعارته، فدرج بنيّ لها وهي غافلة حتّى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب.
فقال: أتخشين أن أقتله؟. ما كنت لأفعل ذلك.
قالت: والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنّه لموثق بالحديد، وما بمكّة من ثمرة- وكانت تقول: إنّه لرزق رزقه الله خبيبا- فلمّا خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ قال لهم خبيب: دعوني أصلّي ركعتين فتركوه فركع ركعتين فقال: لولا أن تحسبوا أنّ ما بي جزع لزدت، ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثمّ أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع
ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله.
وكان خبيب هو سنّ لكلّ مسلم قتل صبرا الصّلاة.
وأخبر- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت وحين حدّثوا أنّه قتل- أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظّلّة من الدّبر «1» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا» ) * «2» .
9-* (عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة وكان النّاس سبعمائة رجل فكانت كلّ بدنة عن عشرة، قال: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبيّ فقال يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النّمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وهذا خالد بن
__________
(1) فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر: الدبر، هو بسكون الباء: النحل، وقيل الزنابير. والظلة: السحاب.
(2) البخاري- الفتح 7 (3989) .(11/5033)
الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب.
ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر النّاس؛ فإن أصابوني كان الّذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وفرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة؟ فماذا تظنّ قريش؟ والله إنّي لا أزال أجاهدهم على الّذي بعثني الله له حتّى يظهره الله، أو تنفرد هذه السّالفة» ، ثمّ أمر النّاس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنيّة المرار والحديبية من أسفل مكّة. قال فسلك بالجيش تلك الطّريق؛ فلمّا رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم نكصوا راجعين إلى قريش فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا سلك ثنيّة المرار بركت ناقته فقال النّاس خلأت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما خلأت، وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكّة. والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألوني فيها صلة الرّحم إلّا أعطيتهم إيّاها. ثمّ قال للنّاس انزلوا. فقالوا يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه النّاس. فأخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فجاش بالماء بالرّواء حتّى ضرب النّاس عنه بعطن، فلمّا اطمأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشير بن سفيان.
فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش إنّكم تعجلون على محمّد، وإنّ محمّدا لم يأت لقتال إنّما جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحقّه. فاتّهموهم. قال محمّد- يعني ابن إسحاق- قال الزّهريّ: وكانت خزاعة في عيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسلمها ومشركها لا يخفون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا كان بمكّة. قالوا وإن كان إنّما جاء لذلك. فلا والله لا يدخلها أبدا علينا عنوة. ولا تتحدّث بذلك العرب، ثمّ بعثوا إليه مكرز ابن حفص بن الأخيف أحد بني عامر بن لؤيّ فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنحو ممّا كلّم به أصحابه. ثمّ رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فبعثوا إليه الحلس بن علقمة الكنانيّ. وهو يومئذ سيّد الأحابيش- فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هذا من قوم يتألّهون فابعثوا الهدي في وجهه» فبعثوا في وجهه الهدي. فلمّا رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محلّه رجع ولم يصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إعظاما لما رأى. فقال: يا معشر قريش قد رأيت ما لا يحلّ صدّه. الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محلّه، فقالوا: اجلس إنّما أنت أعرابيّ لا علم لك. فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثّقفيّ فقال: يا معشر قريش إنّي قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمّد إذا جاءكم من التّعنيف وسوء اللّفظ، وقد عرفتم أنّكم والد وإنّي ولد، وقد سمعت بالّذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثمّ جئت حتّى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتّهم.
فخرج حتّى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلس بين يديه فقال: يا محمّد جمعت أوباش النّاس ثمّ جئت بهم لبيضتك لتفضّها. إنّها قريش قد خرجت معها العوذ(11/5034)
المطافيل. قد لبسوا جلود النّمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا. وايم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبوبكر الصّدّيق- رضي الله تعالى عنه- خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد فقال: امصص بظر اللّات. أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمّد؟ قال: هذا ابن أبي قحافة. قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بها. ثمّ تناول لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديد- قال يقرع يده ثمّ قال: امسك يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل- والله- لا تصل إليك. قال: ويحك ما أفظّك وأغلظك؟
قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: من هذا يا محمّد؟
قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال؟ أغدر. هل غسلت سوأتك إلّا بالأمس؟ قال: فكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل ما كلّم به أصحابه فأخبره أنّه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد رأى ما يصنع به أصحابه: لا يتوضّأ وضوءا إلّا ابتدروه، ولا يبسق بساقا إلّا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلّا أخذوه. فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إنّي جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنّجاشيّ في ملكهما، والله ما رأيت ملكا قطّ مثل محمّد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم.
قال: وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قبل ذلك بعث خراش بن أميّة الخزاعيّ إلى مكّة وحمله على جمل له يقال له الثّعلب، فلمّا دخل مكّة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش حتّى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عمر ليبعثه إلى مكّة فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بها من بني عديّ أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ منّي، عثمان بن عفّان. قال:
فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعثه إلى قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب، وأنّه جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته.
فخرج عثمان حتّى أتى مكّة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابّته، وحمله بين يديه وردف خلفه، وأجاره حتّى بلّغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلق عثمان حتّى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلّغهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أرسله به. فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله والمسلمين أنّ عثمان قد قتل. قال محمّد:
فحدّثني الزّهريّ أنّ قريشا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤيّ، فقالوا: ائت محمّدا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا، فو الله لا تتحدّث العرب أنّه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل ابن عمرو فلمّا رآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قد أراد القوم الصّلح حين بعثوا هذا الرّجل. فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكلّما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتّى جرى بينهما الصّلح. فلمّا التأم الأمر، ولم يبق إلّا الكتاب وثب عمر ابن الخطّاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبابكر أو ليس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟
قال بلى. قال فعلام نعطي الذّلّة في ديننا؟ فقال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه حيث كان؛ فإنّي أشهد أنّه(11/5035)
رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد، ثمّ أتى رسول الله فقال يا رسول الله أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟ قال: «بلى» قال فعلام نعطي الذّلّة في ديننا؟ فقال: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيّعني» . ثمّ قال عمر ما زلت أصوم وأتصدّق وأصلّي وأعتق من الّذي صنعت مخافة كلامي الّذي تكلّمت به يومئذ حتّى رجوت أن يكون خيرا. قال ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهمّ. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب باسمك اللهمّ هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله سهيل بن عمرو» .
فقال سهيل بن عمرو: لو شهدت أنّك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها النّاس، ويكفّ بعضهم عن بعض على أنّه من أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أصحابه بغير إذن وليّه ردّه عليهم، ومن أتى قريشا ممّن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يردّوه عليه، وإنّ بيننا عيبة مكفوفة إنّه لا إسلال ولا إغلال، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن مع عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده، وتواثبت بنوبكر فقالوا ... في عقد قريش وعهدهم وإنّك ترجع عنّا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكّة، وإنّه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثا معك سلاح الرّاكب لا تدخلها بغير السّيوف في القرب. فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وقد كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرجوا وهم لا يشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأوا من الصّلح والرّجوع وما تحمّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على نفسه دخل النّاس من ذلك أمر عظيم حتّى كادوا أن يهلكوا. فلمّا رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه، ثمّ قال يا محمّد: قد لجّت القضيّة بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت. فقام إليه فأخذ بتلبيبه «1» قال:
وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معاشر المسلمين:
أتردونني إلى أهل الشّرك فيفتنوني فى ديني؟ قال: فزاد النّاس شرّا إلى ما بهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا جندل: اصبر واحتسب؛ فإنّ الله- عزّ وجلّ- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا.
إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا، وإنّا لن نغدر بهم» قال فوثب إليه عمر بن الخطّاب مع أبي جندل فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل فإنّما هم المشركون، وإنّما دم أحدهم دم كلب. قال: ويدني قائم السّيف منه قال: يقول رجوت أن يأخذ السّيف
__________
(1) يقال لبّبه: أخذ بتلبيبه وتلابيبه إذا جمعت ثيابه عند نحره وصدره ثم جررته. (لسان العرب (مادة لبب) .(11/5036)
فيضرب به أباه. قال: فضنّ الرّجل بأبيه، ونفذت القضيّة فلمّا فرغا من الكتاب وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في الحرم وهو مضطرب في الحلّ قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أيّها النّاس انحروا واحلقوا» . قال:
فما قام أحد. قال: ثمّ عاد بمثلها فما قام رجل حتّى عاد بمثلها فما قام رجل، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل على أمّ سلمة فقال: «يا أمّ سلمة ما شأن النّاس؟» . قالت:
يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت فلا تكامن منهم إنسانا. واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق فلو قد فعلت ذلك فعل النّاس ذلك. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكلّم أحدّا حتّى أتى هديه فنحره، ثمّ جلس فحلق فقام النّاس ينحرون ويحلقون. قال:
حتّى إذا كان بين مكّة والمدينة في وسط الطّريق فنزلت سورة الفتح» ) * «1» .
10-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة «2» ، أوصاه في خاصّته «3» بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «4» ، ولا تغدروا «5» ، ولا تمثّلوا «6» ، ولا تقتلوا وليدا «7» ، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) .
فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام «8» ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكفّ عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «9» وذمّة نبيّه فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم أن تخفروا «10» ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن
__________
(1) أحمد (4/ 323، 224، 225، 226) واللفظ له. وأصله عند البخاري الفتح 7 (4180) وعند مسلم (1807) من حديث سلمة بن الأكوع.
(2) سرية: وهي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها. قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها. وهي فعيلة بمعنى فاعلة. يقال: سرى وأسرى، إذا ذهب ليلا.
(3) في خاصته: أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصا.
(4) ولا تغلوا: من الغلول. ومعناه الخيانة في الغنم. أي لا تخونوا في الغنيمة.
(5) ولا تغدروا: أي ولا تنقضوا العهد.
(6) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.
(7) وليدا: أي صبيا، لأنه لا يقاتل.
(8) ثم ادعهم إلى الإسلام: هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم: ثم ادعهم. قال القاضي عياض رحمه الله: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم. وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازريّ: ليست ثم، هنا زائدة. بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ.
(9) ذمة الله: الذمة، هنا، العهد.
(10) أن تخفروا: يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده. وخفرته أمنته وحميته.(11/5037)
تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «1» .
11-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره. ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامّة» ) * «2» .
12-* (عن نافع قال: لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة، وإنّا قد بايعنا هذا الرّجل على بيع الله ورسوله، وإنّي لا أعلم أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثمّ ينصب له القتال، وإنّي لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلّا كانت الفيصل بيني وبينه» ) * «3» .
13-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لمّا رجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهاجرة البحر قال: «ألا تحدّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: بلى يا رسول الله! بينا نحن جلوس، مرّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلّة من ماء. فمرّت بفتى منهم. فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمّ دفعها: فخرّت على ركبتيها. فانكسرت قلّتها. فلمّا ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم، يا غدر إذا وضع الله الكرسيّ، وجمع الأوّلين والآخرين، وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك، عنده غدا. قال: يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدقت. صدقت. كيف يقدّس الله أمّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» ) * «4» .
14-* (عن رفاعة بن شدّاد القتبانيّ قال:
لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعيّ لمشيت فيما بين رأس المختار وجسده. سمعته يقول:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أمّن رجلا على دمه فقتله فإنّه يحمل لواء غدر يوم القيامة» ) * «5» .
__________
(1) مسلم (1731) .
(2) مسلم (1738) واللفظ له. وعند البخاري (3188) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(3) البخاري- الفتح 13 (7111) واللفظ له. وعند مسلم (1735) ما عدا كلام الراوي.
(4) ابن ماجة (4009) ، وفي الزوائد: اسناده حسن. وسعيد بن سويد مختلف فيه، وأخرجه أبو يعلي (2003) وله شاهد عند البزار (1596) والبيهقي في السنن (6/ 95) (10/ 94) وابن حبان في صحيحه (5058) .
(5) أحمد: 5/ 223، 224، 437، وابن ماجه (2688) . واللفظ له. وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. إلّا رفاعة بن شداد، أخرجه النسائي في سننه ووثقه وذكره ابن حبان في الثقات. وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم. وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 285) : وقال: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات.(11/5038)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الغدر) معنى
15-* (عن صفوان بن سليم عن عدّة من أبناء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن آبائهم دنية «1» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» ) * «2» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمّة الله وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة الله فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا» ) * «3» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رهطا من عكل ثمانية قدموا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاجتووا المدينة «4» فقالوا يا رسول الله: أبغنا رسلا. قال: «ما أجد لكم إلّا أن تلحقوا بالذّود «5» . فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتّى صحّوا وسمنوا، وقتلوا الرّاعي، واستاقوا الذّود، وكفروا بعد إسلامهم. فأتى الصّريخ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث الطّلب فما ترجّل النّهار حتّى أتي بهم فقطّع أيديهم وأرجلهم، ثمّ أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرّة «6» يستسقون فما يسقون حتّى ماتوا» . قال أبو قلابة: قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وعاثوا في الأرض فسادا) * «7» .
18-* (عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس، والخزرج- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بالمدينة- قبل وقعة بدر-: إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّا نقسم بالله لتقاتلنّه أو لتخرجنه أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا حتّى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم فلمّا بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقيهم فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ. ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟» .
فلمّا سمعوا ذلك من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تفرّقوا. فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبت كفّار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنّكم أهل الحلقة «8» والحصون، وإنّكم لتقاتلنّ صاحبنا، أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء- وهي الخلاخيل- فلمّا بلغ كتابهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا
__________
(1) دنية: أي عن أقرب والد لهم وهو الأب.
(2) أبو داود (3052) واللفظ له. وقال الألباني (2626) : صحيح، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 5/ 185)
(3) الترمذي (1403) وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعند أبي داود والنسائي من حديث أبي بكرة نحوه، وعند البخاري في الجهاد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وهذا لفظ الترمذي.
(4) اجتووا المدينة: استوخموها، أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم.
(5) الذود: من ثلاثة إلى عشرة من الإبل.
(6) الحرة: هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة.
(7) البخاري- الفتح 6 (3018) واللفظ له، مسلم (1671) .
(8) الحلقة: الدروع، وقد يراد بها السلاح مطلقا.(11/5039)
إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منّا ثلاثون حبرا حتّى نلتقي- بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا بك،
فقصّ خبرهم. فلمّا كان الغد غدا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكتائب فحصرهم فقال لهم:
«إنّكم والله لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه» فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثمّ غدا على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النّضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه فانصرف عنهم، وغدا على بني النّضير بالكتائب فقاتلهم حتّى نزلوا على الجلاء.
فجلت بنو النّضير، واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة. أعطاه الله إيّاها، وخصّه بها، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ يقول: بغير قتال.
فأعطى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أكثرها للمهاجرين، وقسّمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة. لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها» ) * «1» .
19-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قاتل أهل خيبر فغلب على النّخل والأرض، وألجأهم إلى قصرهم، فصالحوه على أنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّفراء، والبيضاء، والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على أن لا يكتموا ولا يغيّبوا شيئا. فإن فعلوا فلا ذمّة لهم، ولا عهد، فغيّبوا مسكا «2» لحييّ بن أخطب- وقد كان قتل قبل خيبر- كان احتمله معه يوم بني النّضير، حين أجليت النّضير. فيه حليّهم. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لسعية: «أين مسك حييّ بن أخطب» ؟ قال:
أذهبته الحروب والنّفقات. فوجدوا المسك. فقتل ابن أبي الحقيق وسبى نساءهم وذراريهم. وأراد أن يجليهم فقالوا: يا محمّد. دعنا نعمل في هذه الأرض. ولنا الشّطر ما بدا لك، ولكم الشّطر، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي كلّ امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر، وعشرين وسقا من شعير» ) * «3» .
20-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم» - قال عمران: لا أدري أذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السّمن «4» » ) * «5» .
__________
(1) أبو داود (3004) واللفظ له. وقال: الألباني 2/ 582 برقم (2595) : صحيح الإسناد.
(2) معنى: المسك: جلد لحيي بن أخطب كان فيه ذخيرة من صامت وحلي قومت بعشرة آلاف دينار كانت أولا في مسك حمل ثم في مسك ثور ثم في مسك جمل.
(3) أبو داود (3006) واللفظ له. وقال الألباني 2/ 584 برقم (2597) : حسن الإسناد.
(4) يظهر فيهم السّمن: أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن. وقيل: المراد يظهر فيهم كثرة المال.
(5) البخاري- الفتح 5 (2651) واللفظ له. ومسلم (2535) .(11/5040)
21-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» قال الزّهريّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» وقد ألّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «1» .
22-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «2» ، فإمّا دعا وإمّا بسق «3» فيها. قال: فجاشت «4» . فسقينا واستقينا. قال: ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة. قال:
فبايعته أوّل النّاس، ثمّ بايع وبايع. حتّى إذا كان في وسط من النّاس قال: «بايع يا سلمة!» قال قلت: قد بايعتك يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزلا «5» (يعني ليس معه سلاح) . قال فأعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجفة أو درقة «6» . ثمّ بايع حتّى إذا كان في آخر النّاس قال: «ألا تبايعني يا سلمة؟» قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال: «وأيضا» قال: فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» قال قلت: يا رسول الله! لقيني عمّي عامر عزلا فأعطيته إيّاها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «7» : اللهمّ! أبغني «8» حبيبا هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «9» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض «10» .
واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة «11» بن عبيد الله.
أسقي فرسه، وأحسّه «12» وأخدمه. وآكل من طعامه.
وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال:
فلمّا اصطلحنا- نحن وأهل مكّة- واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها «13»
__________
(1) أحمد (1/ 190) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 121) : إسناده صحيح.
(2) جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركي، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
(3) وإما بسق: هكذا هو في النسخ: بسق. وهي صحيحة. يقال: بزق وبصق وبسق. ثلاث لغات بمعني. والسين قليلة الاستعمال.
(4) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
(5) عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والثاني ضمهما. وقد فسره في الكتاب بالذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
(6) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.
(7) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي أنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(8) أبغني: أي أعطني.
(9) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا اليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(10) مشى بعضنا في بعض: في هنا بمعني إلى. أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع. فيكون المعنى مشى بعضنا مع بعض.
(11) كنت تبيعا لطلحة: أي خادما أتبعه.
(12) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(13) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.(11/5041)
فاضطّجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم، واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: ياللمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال:
فاخترطت سيفي «1» ثمّ شددت «2» على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «3» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «4» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «5» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فرس مجفّف «6» في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «7» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها) * «8» .
23-* (عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية، وبين الرّوم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتّى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة، ولا يحلّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية) * «9» .
24-* (عن نافع أبي غالب قال: كنت في سكّة المربد فمرّت جنازة معها ناس كثير قالوا: جنازة عبد الله ابن عمير، فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينته «10» على رأسه خرقة تقيه من الشّمس، فقلت: من هذا الدّهقان؟ قالوا: هذا أنس بن مالك، فلمّا وضعت الجنازة، قام أنس فصلّى عليها، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، فكبّر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع، ثمّ ذهب يقعد.
فقالوا: يا أبا حمزة. المرأة الأنصارية. فقرّبوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها، فصلّى عليها نحو صلاته على الرّجل. ثمّ جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي على الجنازة
__________
(1) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(2) شددت: حملت وكررت.
(3) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه الى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(4) الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
(5) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
(6) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(7) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين.
(8) مسلم (1807) .
(9) أبو داود (2759) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 528) : صحيح.
(10) البريذينة: تصغير البرذون، وهو من الخيل ما ليس بعربي ويسمى (الاكديش) .(11/5042)
كصلاتك: يكبّر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرّجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم. قال: يا أبا حمزة.
غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم غزوت معه حنينا فخرج المشركون فحملوا علينا حتّى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقّنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ عليّ نذرا إن جاء الله بالرّجل الّذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربنّ عنقه، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجىء بالرّجل، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا رسول الله، تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يبايعه ليفي الآخر بنذره. قال: فجعل الرّجل يتصدّى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقتله، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه لا يصنع شيئا بايعه.
فقال الرّجل: يا رسول الله نذري، فقال: «إنّي لم أمسك عنه منذ اليوم إلّا لتوفي بنذرك» فقال: يا رسول الله ألا أومضت إليّ؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس لنبيّ أن يومض «1» » ) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
لمّا فتحت خيبر أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود» فجمعوا له فقال: «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟» فقالوا: نعم. قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أبوكم؟» قالوا: فلان. فقال: «كذبتم، بل أبوكم فلان» . قالوا:
«صدقت» . قال: فهل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألت عنه؟» فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا، كما عرفته في أبينا. فقال لهم: «من أهل النّار؟» قالوا: نكون فيها يسيرا، ثمّ تخلفونا فيها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اخسأوا فيها. والله لا نخلفكم فيها أبدا» . ثمّ قال: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟
قالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: «هل جعلتم في هذه الشّاة سمّا؟» قالوا: نعم. قال: «ما حملكم على ذلك؟» قالوا:
إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيّا لم يضرّك) * «3» .
26-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «ما عندنا شيء إلّا كتاب الله وهذه الصّحيفة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا. من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. وقال: ذمّة المسلمين واحدة، فمن أخفر «4» مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل.
ومن تولّى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والنّاس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل» . قال أبو عبد الله:
عدل: فداء) * «5» .
27-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله
__________
(1) يومض: يشير بعينه خفية.
(2) أبو داود (3194) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 615) : صحيح.
(3) البخاري- الفتح 6 (3169) .
(4) فمن أخفر مسلما: أي نقض العهد.
(5) البخاري- الفتح 4 (1870) وهذا لفظه. ومسلم (1370) .(11/5043)
عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم: يسعى بذمّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يردّ مشدّهم على مضعفهم، ومتسرّعهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» ) * «1» .
28-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- يرفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعطى بيعة ثمّ نكثها «2» لقي الله وليست معه يمينه» ) * «3» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة «4» ، ومن قاتل تحت راية عمّيّة «5» يغضب لعصبة «6» ، أو يدعو إلى عصبة. أو ينصر عصبة فقتل فقتلة «7» جاهليّة، ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «8» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه) * «9» .
30-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ- وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون، والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «10» .
__________
(1) أبو داود (2751) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 526) : حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (10/ 255) : إسناده حسن.
(2) ونكث الصفقة (أن تعطي رجلا بيعتك ثم تقاتله) وهذا التفسير عند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) قال ابن حجر (فتح الباري 13/ 218) : أخرجه الطبراني بسند جيد.
(4) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(5) عمية: هي بضم العين وكسرها. لغتان مشهورتان. والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضا. قالوا: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. قال إسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية.
(6) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم. أي يحيطون به ويشتد بهم. والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك. لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. كما يقاتل أهل الجاهلية، فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية.
(7) فقتلة: خبر لمبتدا محذوف. أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية.
(8) ولا يتحاش: وفي بعض النسخ: يتحاشى، بالياء. ومعناه لا يكترث بما يفعله فيها، ولا يخاف وباله وعقوبته.
(9) مسلم (1848) .
(10) ابن ماجة (4019) . وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 1331) برقم (7978) .(11/5044)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الغدر)
1-* (عن عديّ بن حاتم قال: أتينا عمر في وفد فجعل يدعو رجلا رجلا ويسمّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى. أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عديّ: فلا أبالي إذا) * «1» .
2-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من حلف على يمين ... الحديث» قال: فأنزل الله تصديقه إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ... وفي رواية فمرّ الأشعث بن قيس فقال: ما يحدّثكم عبد الله؟ قالوا له. فقال الأشعث: نزلت فيّ وفي صاحب لي في بئر كانت بيننا) * «2» .
3-* (عن مصعب بن سعد، قال: سألت أبي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا هم الحروريّة؟ «3» قال: لا، هم اليهود والنّصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا النّصارى فكفروا بالجنّة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب، والحروريّة الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعد يسمّيهم الفاسقين) * «4» .
4-* (جعل المنصور العهد إلي عيسى بن موسى ثمّ غدر به وأخّره وقدّم المهديّ عليه فقال عيسى:
أينسى بنو العبّاس ذبّي عنهم ... بسيفي ونار الحرب زاد سعيرها
فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذلّ معاديها وعزّ نصيرها
أقطّع أرحاما عليّ عزيزة ... وأبدي مكيدات لها وأثيرها
فلمّا وضعت الأمر في مستقرّه ... ولاحت له شمس تلألأ نورها
دفعت عن الأمر الّذي أستحقّه ... وأوسق أوساقا من الغدر عيرها «5»
5-* (لمّا حلف محمّد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام- وهما وليّا عهد- طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته. فقال ذلك ثلاث مرّات.
قال الفضل بن الرّبيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العبّاس أجد نفسي أنّ أمري لا يتمّ. فقلت له ولم ذلك أعزّ الله الأمير؟ قال:
لأنّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر، وكان كذلك لم يتمّ أمره) * «6» .
6-* (قال الأبشيهيّ: «كم أوقع الغدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4394) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6659، 6660) .
(3) والحرورية: هم الخوارج نسبة إلى حروراء في العراق.
(4) البخاري- الفتح 8 (4728) .
(5) المستطرف (1/ 302) .
(6) المرجع السابق (1/ 301) .(11/5045)
فسيحات المصادر، وطوّقه غدره طوق خزي فهو على فكّه غير قادر» ) * «1» .
7-* (وقال أيضا: «أيّ سوء أقبح من غدر يسوق إلى النّفاق، وأيّ عار أفضح من نقض العهد إذا عدّت مساوأ الأخلاق» ) * «2» .
8-* (أنشدوا:
يا واعدا أخلف في وعده ... ما الخلف من سيرة أهل الوفا
ما كان ما أظهرت من ودّنا ... إلّا سراجا لاح ثمّ انطفا «3» .
9-* (قال الشّاعر:
غدرت بأمر كنت أنت جذبتنا ... إليه وبئس الشّيمة الغدر بالعهد «4» .
من مضار (الغدر)
(1) الغادر يحمل لواء غدره يوم القيامة خزيا وعارا بين الخلائق.
(2) وهو صفة ذميمة لا يتحلّى بها إلّا فاقد الإيمان من كافر مشرك ويهوديّ ونصرانيّ ومجوسيّ ومن حمل صفتهم.
(3) يكفي الغادر سخطا وغضبا أن يكون الله خصمه يوم القيامة.
(4) الغادر ممقوت من الله والملائكة والنّاس أجمعين.
(5) يحذره النّاس فلا يطمئنّون إلى مخالطته ولا جيرته ولا معاملته.
(6) الغدر دليل على خسّة النّفس وحقارتها.
(7) يعامله الله بعكس مقصوده فلا يتمّ له أمرا.
__________
(1) المرجع السابق (1/ 299) .
(2) المستطرف (1/ 301) .
(3) آداب العشرة (14) .
(4) المستطرف (1/ 301) .(11/5046)
الغرور
الغرور لغة:
مصدر قولهم: غرّه يغرّه، وهو مأخوذ من مادّة (غ ر ر) ، الّتي تدلّ على النّقصان، والمراد نقصان الفطنة، ولهذه المادّة دلالتان أخريان هما: المثال الّذي يطبع عليه السّهام (حتّى تصير على نسق واحد) ومن ذلك: ولدت فلانة أولادها على غرار واحد (أي متشابهين) ، والآخر: العتق والبياض والكرم، ومن ذلك الغرّة، إذ غرّة كلّ شيء أكرمه، والغرّة البياض، ويقال لثلاث ليال من الشّهر: غرّة «1» ، قال ابن فارس، وممّا يقارب هذا (الأصل) الغرارة، وذلك أنّها من كرم الخلق، قد تكون في كلّ كريم، فأمّا (الغرور) المذموم فهو من الأصل الأوّل (أي النّقصان) لأنّه من نقصان الفطنة «2» ، وذهب الرّاغب إلى أنّ الغرور مأخوذ من «غرّ الثّوب» وهو أثر كسره، يقال: اطو الثّوب على غرّه، قال: وغرّه كذا غرورا كأنّما طواه على غرّه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الانفطار/ 6) المراد: ما خدعك وسوّل لك؟، وقيل: كيف اجترأت عليه ولم تخفه فأضعت ما
وجب عليك، وهذا توبيخ وتبكيت للعبد الّذي يأمن مكر الله تعالى «3» وقال الفيروزآباديّ: الغرّة: الغفلة، وغررته: أصبت غفلته ونلت منه ما أريد، والشّيطان أقوى الغارّين وأخبثهم «4» ، وقال الجوهريّ: الغرور (يستعمل جمعا) مفرده «غرّ» ، ومن ذلك الغرور:
مكاسر الجلد، قال أبو النّجم:
حتّى إذا طار من خبيرها ... عن جدد صفر وعن غرورها
قال: وغرّ الثّوب كسره الأوّل، قال الأصمعيّ:
حدّثني رجل عن رؤبة أنّه عرض عليه ثوب، فنظر إليه وقلّبه ثمّ قال: اطوه على غرّه؛ واغتررت يا رجل:
غفلت، واغترّه أي أتاه على غرّة (أي غفلة) منه، واغترّ بالشّيء خدع به، وقال ابن السّكّيت: الغرور (بالفتح) : الشّيطان، والغرور: ما يتغرغر به من الأدوية والغرور (بالضّمّ) ما اغترّ به من متاع الدّنيا، والغرار: النوم القليل، والغرار: نقصان لبن النّاقة، وفي الحديث: «لا غرار في الصّلاة» وهو ألّا يتمّ ركوعها وسجودها، والغرار (أيضا) : الطّريقة، وقولهم: غرّة
__________
(1) انظر في المعاني الثلاثة التي تدل عليها المادة وهي: المثال، والنقصان، والكرم أو العتق والبياض، مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 380- 382) .
(2) المرجع السابق، (4/ 382) .
(3) تفسير القرطبي 19/ 161، ولسان العرب (غرر) ص 3232 (ط: دار المعارف) بتصرف.
(4) بصائر ذوي التمييز (4/ 129) .(11/5047)
يغرّه غرورا: خدعه، يقال: ما غرّك بفلان؟ أي كيف اجترأت عليه؟، والتّغرير: حمل النّفس على الغرر، وقد غرّر بنفسه تغريرا وتغرّة، كما يقال: حلّل تحليلا وتحلّة، وعلّل تعليلا وتعلّة «1» .
أمّا قول الله تعالى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (لقمان/ 33) قيل: الغرور الشّيطان، قال الزّجّاج:
ويجوز الغرور (بضمّ الغين) ، وقال في تفسيره: الغرور:
الأباطيل، ويجوز أن يكون الغرور جمع غارّ مثل شاهد وشهود، والغرور (أيضا) ما اغترّ به من متاع الدّنيا، وفي التّنزيل العزيز فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا (لقمان/ 33) المعنى: إن كان لكم حظّ ينقص من دينكم فلا تؤثروا ذلك الحظّ، والشّيطان غرور لأنّه يغرّ النّاس بالوعد الكاذب والتّمنية، والغرور (أيضا) الأباطيل كأنّها جمع غرّ (مصدر غررته) ، وقيل: المراد بالغرور: زينة الأشياء في الدّنيا، وفي حديث سارق أبي بكر- رضي الله عنه- عجبت من غرّة أبي بكر أي اغتراره «2» ، قال ابن منظور: الغرارة من الغرّ، والغرّة من الغارّ، والتّغرّة من التّغرير، وفي حديث عمر رضي الله عنه- أيّما رجل بايع آخر على مشورة فإنّه لا يؤمّر واحد منهما تغرّة أن يقتلا» التغرّة هنا مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر، قال الأزهريّ: المعنى لا يبايع الرّجل إلّا بعد مشاورة الملإ من أشراف النّاس واتّفاقهم، ومن بايع غيره عن غير اتّفاق من الملإ لم يؤمّر واحد منهما تغرّة بمكر المؤمّر منهما لئلّا يقتلا أو أحدهما «3» .
الغرور اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الغرور: هو سكون النّفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطّبع «4» .
وقال المناويّ نقلا عن الحراليّ: الغرور: هو إخفاء الخدعة في صورة النّصيحة «5» .
وقال الكفويّ: الغرور: هو تزيين الخطإ بأنّه صواب، وقيل: الغرور (والغرر أيضا) ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا «6» .
أمّا الغرور فهو كلّ ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وغير ذلك «7» وقال الكفويّ:
كلّ من غرّ شيئا فهو غرور (بالفتح) ، والغرور (بالضّمّ) : الباطل «8» .
__________
(1) الصحاح (2/ 767- 770) بتصرف واختصار.
(2) النهاية لابن الأثير 3/ 355، ولسان العرب) (غرر) ص، 3233
(3) لسان العرب (غرر) ص 3233، وقال ابن الأثير: معنى الحديث أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة. انظر النهاية (3/ 356) .
(4) التعريفات للجرجاني ص 167، والتوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي ص 251.
(5) التوقيف ص 252.
(6) الكليات للكفوي ص 672.
(7) المفردات للراغب ص 359 والتوقيف على مهمات التعاريف ص 251.
(8) الكليات (663) .(11/5048)