عليها، قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً «1» ، أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه، والتّوقير:
التّعظيم. ومنه قوله تعالى وَتُوَقِّرُوهُ يعني أنّهم لو عظّموا الله وعرفوا حقّ عظمته وحّدوه وأطاعوه وشكروه، فطاعته- سبحانه- واجتناب معاصيه، والحياء منه بحسب وقاره في القلب. ولهذا قال بعض السّلف: ليعظم وقار الله في قلب أحدكم أن يذكره عند ما يستحى من ذكره، فيقرن اسمه به كما تقول:
قبّح الله الكلب والخنزير والنّتن ونحو ذلك، فهذا من وقار الله. ومن وقاره أن لا تعدل به شيئا من خلقه، لا في اللّفظ، بحيث تقول: والله وحياتك، مالي إلّا الله وأنت، وما شاء الله وشئت، ولا في الحبّ والتّعظيم والإجلال، ولا في الطّاعة، فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع الله، بل أعظم، كما عليه أكثر الظّلمة والفجرة، ولا في الخوف والرّجاء. ويجعله أهون النّاظرين إليه، ولا يستهين بحقّه ويقول: هو مبنيّ على المسامحة، ولا يجعله على الفضلة، ويقدّم حقّ المخلوق عليه، ولا يكون الله ورسوله في حدّ وناحية، والنّاس في ناحية وحدّ، فيكون في الحدّ والشّقّ الّذي فيه النّاس دون الحدّ والشّقّ الّذي فيه الله ورسوله، ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبّه ويعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه، ولا يجعل مراد نفسه مقدّما على مراد ربّه.
فهذا كلّه من عدم وقار الله في القلب، ومن كان كذلك فإنّ الله لا يلقي له في قلوب النّاس وقارا ولا هيبة، بل يسقط وقاره وهيبته من قلوبهم، وإن وقّروه مخافة شرّه فذاك وقار بغض لا وقار حبّ وتعظيم. ومن وقار الله أن يستحيي من اطّلاعه على سرّه وضميره فيرى فيه ما يكره. ومن وقاره أن يستحيي منه في الخلوة أعظم ممّا يستحيي من أكابر النّاس.
والمقصود أنّ من لا يوقّر الله وكلامه وما آتاه من العلم والحكمة كيف يطلب من النّاس توقيره وتعظيمه؟! القرآن والعلم وكلام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم صلات من الحقّ وتنبيهات وروادع وزواجر واردة إليك، والشّيب زاجر ورادع وموقظ قائم بك، فلا ما ورد إليك وعظك! ولا ما قام بك نصحك! ومع هذا تطلب التّوقير والتّعظيم من غيرك! فأنت كمصاب لم تؤثّر فيه مصيبته وعظا وانزجارا، وهو يطلب من غيره أن يتّعظ وينزجر بالنّظر إلى مصابه. فالضّرب لم يؤثّر فيه زجرا، وهو يريد الانزجار ممّن نظر إلى ضربه «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: السكينة- التدبر الحلم- الصمت وحفظ اللسان- الطمأنينة- تعظيم الحرمات- الرضا- الرهبة- الرغبة والترغيب حسن السمت.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحمق- شرب الخمر- الطيش- الإعراض- القلق- البذاءة- البذاذة- الغضب] .
__________
(1) سورة نوح: الآية 13
(2) الفوائد (329) بتصرف يسير.(8/3670)
الآيات الواردة في «الوقار»
1- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «1»
2- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1)
قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6)
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7)
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10)
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (12)
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (16)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (17)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (18)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (19)
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً (20) «2»
__________
(1) الفتح: 8- 9 مدنية
(2) نوح: 1- 20 مكية(8/3671)
الأحاديث الواردة في (الوقار)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتاكم أهل اليمن، هم أرقّ أفئدة، وألين قلوبا. الإيمان يمان، والحكمة يمانيّة، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسّكينة والوقار في أهل الغنم» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة وعليكم بالسّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) * «2» .
3-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمعته يقول:
«تعلّموا سورة البقرة فإنّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة «3» » ، ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال:
«تعلّموا سورة البقرة وآل عمران، فإنّهما الزّهراوان، يظلّان صاحبهما يوم القيامة، كأنّهما غمامتان أو غيايتان «4» . أو فرقان «5» . من طير صوافّ، وإنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبره كالرّجل الشّاحب فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول له: هل تعرفنى؟ فيقول: ما أعرفك.
فيقول: أنا صاحبك القرآن الّذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإنّ كلّ تاجر من وراء تجارته، وإنّك اليوم من وراء كلّ تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلّتين لا يقوم لهما أهل الدّنيا، فيقولان: بم كسينا هذه؟، فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثمّ يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنّة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ، وهذّا «6» كان أو ترتيلا» ) * «7» .
4-* (عن المقدام بن معديكرب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للشّهيد عند الله ستّ خصال: يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين- ويشفّع في سبعين من أقاربه» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4388) واللفظ له، مسلم (52) .
(2) البخاري- الفتح 2 (636) واللفظ له، مسلم (602) .
(3) البطلة: السحرة.
(4) غيايتان: الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة وغيرها.
(5) فرقان: أي قطعتان.
(6) الهذ: سرعة القراءة.
(7) أحمد (5/ 348) ، الدارمي (2/ 543) ، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 34) ، وقال: بعضه عند ابن ماجه بإسناد حسن على شرط مسلم.
(8) الترمذي (1663) ، وقال: حسن صحيح غريب، أحمد (4/ 131) . وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (3834) : إسناده صحيح.(8/3672)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوقار)
1-* (قال عمر- رضي الله عنه-: كان أبو بكر- رضي الله عنه- يوم السّقيفة أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري «1» . إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت ... الحديث» ) * «2» .
2-* (من كلام عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا، ولا غافلا، ولا صخّابا، ولا صيّاحا، ولا حديدا) * «3» .
3-* (قام جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتّقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسّكينة حتّى يأتيكم أمير، فإنّما يأتيكم الآن.
ثمّ قال: استعفوا لأميركم؛ فإنّه كان يحبّ العفو) * «4» .
4-* (قال عبد الله بن زيد بن عبد ربّه الأنصاريّ- رضي الله عنه-: لمّا رأى الأذان في المنام وأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
أحمد الله ذا الجلال وذا الإك ... رام حمدا على الأذان كثيرا
إذ أتاني به البشير من اللّ ... هـ فأكرم به لديّ بشيرا
في ليال والى بهنّ ثلاث ... كلّما جاء زادني توقيرا
«5» .
5-* (عن الحسن- رحمه الله تعالى- قال: قد كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشّيه، وهديه، ولسانه، وبصره، وبرّه) * «6» .
6-* (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: الفرق بين السّكينة والوقار: أنّ السّكينة هي التّأنّي في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغضّ البصر وخفض الصّوت وعدم الالتفات) * «7» .
7-* (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار، بأن يوقّر غيره، ويتوقّر هو في نفسه) * «8» .
8-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: على قدر المعرفة يكون تعظيم الرّبّ- تعالى- في القلب.
وأعرف النّاس به، أشدّهم له تعظيما وإجلالا، وقد ذمّ الله تعالى- من لم يعظّمه حقّ عظمته، ولا عرفه حقّ معرفته، ولا وصفه حقّ صفته، وأقوال السّلف تدور على هذا، فقال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (نوح/ 13) أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه.
قال ابن عبّاس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة.
__________
(1) تزويري: التزوير: إصلاح الشيء وتحسينه وكلام مزور: أي محسّن.
(2) البخاري- الفتح 12 (6830) ، وهو جزء من حديث طويل.
(3) الفوائد (147) .
(4) البخاري- الفتح 1 (58)
(5) ابن ماجة (1/ 233) .
(6) الشعب (8/ 427) ، وقال مخرجه: رجاله ثقات.
(7) فتح الباري (2/ 139) .
(8) الفتح (10/ 538) بتصرف.(8/3673)
وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظّمون الله حقّ عظمته.
وقال الكلبيّ: لا تخافون لله عظمة.
وقال الحسن: لا تعرفون لله حقّا، ولا تشكرون له نعمة.
وقال ابن كيسان: لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إيّاه خيرا) * «1» .
9-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: كان الأوزاعيّ كثير العبادة، حسن الصّلاة، ورعا، ناسكا، طويل الصّمت، وكان يقول: من أطال القيام في صلاة اللّيل هوّن الله عليه طول القيام يوم القيامة.. وكان من شدّة الخشوع كأنّه أعمى. وخرج الأوزاعيّ يوما من باب مسجد بيروت، وهناك دكّان فيه رجل يبيع النّاطف «2» ، وإلى جانبه رجل يبيع البصل، وهو يقول: يا بصل أحلى من العسل، أو قال: أحلى من النّاطف، فقال الأوزاعيّ: سبحان الله أيظنّ هذا أنّ شيئا من الكذب يباح؟ فكأنّ هذا ما يرى في الكذب بأسا) * «3» .
10-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: كان الإمام مالك- رحمه الله تعالى-: إذا أراد أن يحدّث تنظّف وتطيّب وسرّح لحيته ولبس أحسن الثّياب) * «4» .
11-* (قال رجل يصف الإمام مالكا- رحمه الله تعالى-:
يدع الجواب ولا يراجع هيبة ... والسّائلون نواكس الأذقان
نور الوقار وعزّ سلطان التّقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان
) * «5» .
12-* (قال الشّاعر:
انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب
وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي عنه لم تسأل فلا تجب
) * «6» .
من فوائد (الوقار)
(1) الوقار من آثار الحياء والحشمة.
(2) الوقار يبعد صاحبه عن الرّذائل ويجافيه عنها.
(3) حبّ النّاس للشّخص الوقور.
(4) الوقور يدرك ما لا يدركه غيره من معاني العزّ والشّرف والرّئاسة.
(5) الوقار عزّ لصاحبه في الدّنيا والآخرة، ويكسبه المهابة بين النّاس.
__________
(1) بتصرف من مدارج السالكين (2/ 516- 517) .
(2) الناطف: شيء مصنوع من اللبن والعسل.
(3) البداية والنهاية لابن كثير (10/ 120- 121) .
(4) البداية والنهاية (10/ 180) .
(5) شرح حديث «ذئبان جائعان» (78) .
(6) حسن السمت في الصمت (47) .(8/3674)
الوقاية
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
16/ 14/ 10
الوقاية لغة:
مصدر قولهم: وقى يقي وهو مأخوذ من مادّة (وق ى) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره، والوقاية ما يقي الشّيء، وقولهم: اتّق الله: توقّه أي اجعل بينك وبينه كالوقاية، ويقال: وقاه الله وقاية بالكسر أي حفظه، والوقاية (بالفتح) لغة في الوقاية بالكسر، وقيل أيضا: الوقاية بالضّمّ، والوقاء بالفتح والكسر: ما وقيت به شيئا، والأواقي جمع واقية.
ويقال: اتّقى بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، والتّوقية:
الكلاءة والحفظ ممّا يؤذي ويضرّ: قال تعالى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ (الإنسان/ 11) ، وفي الحديث الشّريف «كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله» أي جعلناه وقاية لنا من العدوّ قدّامنا، واستقبلنا العدوّ به وقمنا خلفه وقاية (له) .
وقال ابن منظور: يقال: وقاه الله وقيا ووقاية وواقية صانه.
ويقال: وقيت الشّيء أقيه: إذا صنته عن الأذى، وفي الحديث «فوقى أحدكم وجهه النّار» فهذا خبر أريد به الأمر: أي ليق أحدكم وجهه النّار بالطّاعة والصّدقة. وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث معاذ «وتوقّ كرائم أموالهم» أي تجنّبها ولا تأخذها في الصّدقة، وتوقّى واتّقى بمعنى، وفي الحديث «تبقّه وتوقّه» أي استبق نفسك ولا تعرّضها للتّلف، والوقاء والوقاء والوقاية والوقاية والوقاية والواقية: كلّ ما وقيت به شيئا. قال اللّحيانيّ: كلّ ذلك مصدر وقيته الشّيء، وفي الحديث «من عصى الله لم تقه منه واقية إلّا بإحداث توبة» ، ويقال: وقال شرّ فلان وقاية، وفي التّنزيل العزيز وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ
أي من دافع «1» .
الوقاية اصطلاحا:
قال المناويّ- رحمه الله تعالى-:
الوقاية: حفظ الشّيء عمّا يؤذيه ويضرّه، والتوقّي: جعل الشّيء وقاية ممّا يخاف «2» .
وقال الرّاغب: الوقاية حفظ الشّيء ممّا يؤذيه ويضرّه «3» .
__________
(1) المقاييس (6/ 131) ، الصحاح 6/ 2528، المفردات ص (531) ، البصائر (5/ 256) ، لسان العرب (وق ى) (4902 ط. دار المعارف) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (339) .
(3) المفردات (530) . وانظر تعريف صفة «التقوى» .(8/3675)
الفرق بين الوقاية والتقوى:
أنّ الوقاية تتعلّق بالإنسان في بدنه ومعاشه وممتلكاته وغير ذلك من الأمور المحسوسة كما أنّها قد تكون من الله للإنسان أو من الإنسان لغيره، أمّا التّقوى فهي- كما يقول الرّاغب-: جعل النّفس في وقاية ممّا تخاف «1» فكلّ تقوى وقاية ولا عكس.
[للاستزاد: انظر صفات: التقوى- حفظ الأيمان- حفظ الفرج- الخوف- الخشية- الصمت وحفظ اللسان- العفة- النزاهة- الحيطة- الحذر- الإنفاق- الصدقة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- أكل الحرام- التفريط والإفراط- العصيان- الإصرار على الذنب- الإعراض] .
__________
(1) المفردات (530) .(8/3676)
الآيات الواردة في «الوقاية»
1- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) «1»
2-* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «2»
3- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ
(191) «3»
4- أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) «4»
5- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «5»
6- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) «6»
7- رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «7»
8-* أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) «8»
__________
(1) البقرة: 201 مدنية
(2) آل عمران: 15- 16 مدنية
(3) آل عمران: 190- 191 مدنية
(4) الرعد: 33- 34 مدنية
(5) الرعد: 37 مدنية
(6) النحل: 80- 81 مكية
(7) غافر: 8- 9 مكية
(8) غافر: 21 مكية(8/3677)
9-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «1»
10- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)
يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53)
كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) «2»
11- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) «3»
12- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25)
قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «4»
13- وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «5»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «6»
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «7»
16- إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)
فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11)
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «8»
__________
(1) غافر: 41- 45 مكية
(2) الدخان: 51- 56 مكية
(3) الطور: 17- 18 مكية
(4) الطور: 25- 28 مكية
(5) الحشر: 9 مدنية
(6) التغابن: 14- 16 مدنية
(7) التحريم: 6 مدنية
(8) الإنسان: 10- 12 مدنية(8/3678)
الأحاديث الواردة في (الوقاية)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا خرج الرّجل من بيته فقال:
باسم الله، توكّلت على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله» قال: «يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحّى له الشّياطين، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «2» . ثمّ يقال له: فيم كنت «3» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل «4» ؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له:
هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا «5» . فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت «6» . وعليه متّ.
وعليه تبعث إن شاء الله «7» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى) * «8» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهوديّة كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلّا قالت لها اليهوديّة: وقال الله عذاب القبر.
قالت: فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ. فقلت: يا رسول الله، هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟، قال: لا، وعمّ ذاك؟ قالت: هذه يهوديّة لا نصنع إليها شيئا من المعروف إلّا قالت وقال الله عذاب القبر. قال: كذبت يهود. هم على الله كذّب. لا عذاب دون يوم القيامة.
قالت: ثمّ مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم بنصف النّهار، مشتملا بثوبه، محمرّة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: أيّها النّاس، أظلّتكم الفتن كقطع اللّيل المظلم، أيّها النّاس، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، أيّها النّاس
__________
(1) أبو داود (5095) واللفظ له. وقال الألباني (3/ 959) : صحيح، والترمذي (3426) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 276) ، وهو حديث صحيح.
(2) ولا مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(3) فيم كنت: أي في أي دين.
(4) ما هذا الرجل: أي الرجل المشهور بين أظهركم. ولا يلزم منه الحضور. وترك ما يشعر بالتعظيم لئلا يصير تلقينا. وهو لا يناسب موضع الاختبار.
(5) يحطم بعضها بعضا: من شدة المزاحمة.
(6) على اليقين كنت: أي من كان على اليقين في الدنيا، يموت عليه عادة. وكذا في جانب الشك.
(7) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(8) ابن ماجة 2 (4268) . وفي الزوائد: إسناده صحيح.(8/3679)
استعيذوا بالله من عذاب القبر؛ فإنّ عذاب القبر حقّ) * «1» .
4-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
«كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غار، فنزلت وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً وإنّا لنتلقّاها من فيه، إذ خرجت حيّة من جحرها، فابتدرناها لنقتلها، فسبقتنا، فدخلت جحرها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وقيت شرّكم، كما وقيتم شرّها» . وعن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله مثله. قال: «وإنّا لنتلقّاها من فيه رطبة» . وتابعه أبو عوانة عن مغيرة) * «2» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقاه الله فتنة القبر) * «3» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من نبيّ ولا وال إلّا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف، وبطانة لا تألوه خبالا، ومن وقي شرّها فقد وقي، وهو مع الّتي تغلب عليه منهما) * «4» .
7-* (عن عطاء بن يسار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من وقاه الله شرّ اثنين ولج الجنّة «5» ، فقال رجل:
يا رسول الله، لا تخبرنا «6» ، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال مثل مقالته الأولى، فقال له الرّجل، لا تخبرنا يا رسول الله، فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك أيضا، فقال الرّجل: لا تخبرنا يا رسول الله. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك أيضا. ثمّ ذهب الرّجل يقول مثل مقالته الأولى، فأسكته رجل إلى جنبه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من وقاه الله شرّ اثنين ولج الجنّة: ما بين لحييه وما بين رجليه «7» ما بين لحييه وما بين رجليه، ما بين لحييه وما بين رجليه) * «8» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من وقاه الله شرّ ما بين لحييه، وشرّ ما بين رجليه دخل الجنّة) * «9» .
__________
(1) الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 54) واللفظ له وقال: هو في الصحيح باختصار- ورواه أحمد (6/ 81) ورجاله رجال الصحيح.
(2) البخاري- الفتح 6 (3317) .
(3) الترمذي (1074) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأحمد (2/ 169) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وحسّن إسناده الشيخ الألباني صحيح الجامع (5649) .
(4) أحمد (2/ 237) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (12/ 228) : إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (4/ 131) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) ولج الجنة: أي دخلها.
(6) هكذا وردت «لا تخبرنا» على النهي، وفي جامع الأصول «ألا تخبرنا؟» على الاستفهام وهو المناسب للسياق.
(7) ما بين لحييه: يريد اللسان، وما بين رجليه: يريد الفرج. ولم يصرح به استهجانا واستحياء.
(8) الموطأ (2/ 754) واللفظ له مرسلا؛ في الكلام، باب ما جاء فيما يخاف من اللسان ولكن يشهد له معنى الحديث الذي بعده عند الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورقمه (2409) . وجامع الأصول برقم (9367) . (11/ 709) .
(9) الترمذي (2409) وقال: هذا حديث حسن غريب. ويشهد له حديث الموطأ في باب الكلام، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (5703) ، والحاكم (4/ 357) وصححه ووافقه الذهبي مع أن فيه وهو ضعيف ولكن إسناده صحيح بمجموع طرقه حسن.(8/3680)
الأحاديث الواردة في (الوقاية) معنى
9-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا شرب أحدكم فلا يتنفّس في الإناء، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه، وإذا تمسّح أحدكم فلا يتمسّح بيمينه) * «1» .
10-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-، يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان جنح اللّيل أو أمسيتم- فكفّوا صبيانكم، فإنّ الشّياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من اللّيل فحلّوهم، فأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإنّ الشّيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمّروا آنيتكم «2» واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم) * «3» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الشّرب من فم القربة، أو السّقاء. وأن يمنع جاره أن يغرز خشبه في داره) * «4» .
12-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه ذكر الصّلاة يوما، فقال:
«من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف» ) * «5» .
13-* (عن عبد الرّحمن بن عابس- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم ير في منزله شيئا يكرهه حتّى يرتحل. قال أبيّ: فلقيت عبد الرّحمن بن عابس في المنام فقلت: حدّثك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهذا؟ قال: نعم) * «6» .
14-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اختناث الأسقية، يعني: أن تكسر أفواهها فيشرب منها «7» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5630) .
(2) أوكوا: من الوكاء وهو رباط يشد به فم القربة أي شدوا رؤوسها بالوكاء، وخمروا آنيتكم: من التخمير وهو التغطية
(3) البخاري- الفتح 10 (5623) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5627) ومثله عن ابن عباس.
(5) أحمد (2/ 169) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 83) : إسناده صحيح.
(6) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 133) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(7) وتأويل النهي عن ذلك أن الشرب من أفواهها ربما ينتنها فإن أدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها وقيل: إنه لا يؤمن أن يكون فيها حية أو شيء من الحشرات، قال ابن الأثير: وقد جاء في حديث آخر إباحته، قال: ويحتمل أن يكون النهي خاصا بالسقاء الكبير دون الصغير.
(8) البخاري- الفتح 10 (5625) واللفظ له. ومسلم (2023) .(8/3681)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوقاية)
1-* (عن قيس، قال: رأيت يد طلحة «1» شلّاء «2» وقى بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد «3» ) * «4» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة فتمّت، فغضب عمر، ثمّ قال: إنّي إن شاء الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الّذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم. قال عبد الرّحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس وغوغاء هم، فإنّهم هم الّذين يغلبون على قربك حين تقوم في النّاس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها عنك كلّ مطيّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتّى تقدم المدينة، فإنّها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف النّاس، فتقول ما قلت متمكّنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها. فقال عمر: أما والله- إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أوّل مقام أقومه بالمدينة، قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلمّا كان يوم الجمعة عجلت الرّواح حين زاغت الشّمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب «5» أن خرج عمر بن الخطّاب، فلمّا رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:
ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله! فجلس عمر على المنبر، فلمّا سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا
بعد، فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ، إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرّجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل:
والله ما نجد آية الرّجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرّجم في كتاب الله حقّ على من
__________
(1) رأيت يد طلحة: أي ابن عبيد الله.
(2) شلاء: بفتح المعجمة وتشديد اللام مع المد أي أصابها الشلل، وهو ما يبطل عمل الأصابع أو بعضها.
(3) وقى بها النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: وقع بيان ذلك عند الحاكم في «الإكليل» من طريق موسى بن طلحة «جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين، وشلت أصبعه» أي السبابة والتي تليها.
(4) البخاري- الفتح 7 (4063) .
(5) فلم أنشب: أى فلم ألبث.(8/3682)
زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف. ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله، أن لا ترغبوا عن آبائكم؛ فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله. ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة «1» وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ... الحديث) * «2» .
3-* (عن أبي الهيّاج الأسديّ قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلا يقول: اللهمّ قني شحّ نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له «3» ، فقال: إنّي إذا وقيت شحّ نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل شيئا، وإذا الرّجل عبد الرّحمن بن عوف) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عمر، قال: إن نجوت من ثلاث طمعت أن أنجو، قال عبد الله بن صفوان ما هنّ، أنبيك فيهنّ؟ قال: أخرج المال العظيم فأخرجه ضرارا ثمّ أقول: أقرض ربّي هذه اللّيلة، ثمّ تعود نفسي فيه حتّى أعيده من حيث أخرجته، وإن نجوت من شأن عثمان، قال ابن صفوان: أمّا عثمان فقتل يوم قتل، وأنت تحبّ قتله وترضاه، فأنت ممّن قتله، وأمّا أنت فرجل لم يقك الله شحّ نفسك قال:
صدقت) * «5» .
5-* (قال ابن زيد في قوله تعالى وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ (التغابن/ 16) قال: من وقي شحّ نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا، ولم يقربه، ولم يدعه الشحّ أن يحبس من الحلال شيئا، فهو من المفلحين) * «6» .
6-* (عن ابن عبّاس قال في قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً (التحريم/ 6) اعملوا بطاعة الله، واتّقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذّكر ينجكم الله من النّار) * «7» .
7-* (وقال الطّبريّ في قوله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ ... أي علّموا بعضكم ما تقون به من تعلّمونه النّار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله واعملوا بطاعة الله) * «8» .
8-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: من أدّى زكاة ماله فقد وقي شحّ نفسه) * «9» .
9-* (وعن عليّ وقتادة ومجاهد في قوله تعالى:
__________
(1) فلتة: أراد بالفلتة الفجأة، ومثل هذه البيعة جديرة بأن تكون مهيجة للشر والفتنة فعصم الله تعالى من ذلك ووقى، والفلتة: كل شيء فعل من غير رويّة، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. وقيل: أراد بالفلتة: الخلسة، أي أن الإمامة يوم السقيفة مالت الأنفس إلى توليها فما قلّدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا.
(2) البخاري- الفتح 12 (6830) .
(3) أي: فقلت له في ذلك.
(4) جامع البيان (12/ 42) والقرطبي (9/ 21) .
(5) المرجع السابق (12/ 42) .
(6) المرجع السابق (12/ 42) والقرطبي (9/ 21) .
(7) المرجع السابق (12/ 157) .
(8) المرجع السابق (12/ 156) .
(9) روح المعاني للآلوسي (28/ 54) .(8/3683)
قُوا أَنْفُسَكُمْ ... قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيّتكم) * «1» .
10-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً يا رسول الله نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال «تنهونهم عمّا نهاكم الله، وتأمرونهم بما أمر الله» ) * «2» .
من فوائد (الوقاية)
انظر فوائد صفة: الحذر
__________
(1) تفسير القرطبي (9/ 127) .
(2) تفسير القرطبي (9/ 128) .(8/3684)
الولاء والبراء
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
69/ 31/ 19
الولاء لغة:
مصدر والى يوالي وهو مأخوذ من مادّة (ول ى) الّتي تدلّ على القرب، يقال تباعد بعد ولي أي قرب، وجلس ممّا يليني أي يقاربني، والوليّ: المطر يجيء بعد الوسميّ، سمّي بذلك لأنّه يليه، قال ابن فارس: ومن الباب المولى: المعتق والمعتق، والصّاحب والحليف، وابن العمّ والنّاصر والجار، كلّ هؤلاء من الولي، وهو القرب، وكلّ من ولي أمر آخر فهو وليّه. وفلان أولى بكذا، أي أحرى وأجدر «1» .
وقال الرّاغب: الولاء والتّوالي أن يحصل شيئان فصاعدا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النّسبة، ومن حيث الدّين ومن حيث الصّداقة والنّصرة والاعتقاد، والولاية (بالكسر) النّصرة، والولاية (بالفتح) تولّي الأمر، وقيل هما لغتان مثل الدّلالة والدّلالة، والوليّ والمولى يستعملان معا في معنى الفاعل، أي الموالي وفي معنى المفعول، أي الموالى يقال للمؤمن: هو وليّ الله ولا يقال في ذلك مولى، ولكن يقال: الله تعالى وليّ المؤمنين ومولاهم، فمن الأوّل قوله سبحانه اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (البقرة/ 257) ومن الثّاني قوله عزّ وجلّ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج/ 78) والوالي في قوله سبحانه: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (الرعد/ 11) معناه الوليّ، وقوله تعالى: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (مريم/ 5) أي ابنا يكون من أوليائك «2» .
وقال الجوهرىّ: الولي: القرب والدنوّ، ومعنى «كل ممّا يليك» أي ممّا يقاربك، يقال من ذلك، ولي يلي بكسر اللّام فيهما، وأوليته الشّيء فوليه، وكذلك ولي الوالي البلد، وولي الرّجل البيع ولاية فيهما، وتولّى عنه:
أعرض، وولّى هاربا: أدبر، وقوله سبحانه لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
أي مستقبلها بوجهه.
والوليّ ضدّ العدوّ والموالاة ضدّ المعاداة، ويقال:
بينهما ولاء بالفتح: أي قرابة ووالى بينهما ولاء (بالكسر) أي تابع، والولاية بالكسر: السّلطان والولاية (بالفتح والكسر) النّصرة، يقال هم على ولاية. أي مجتمعون في النّصرة، وقال سيبويه: الولاية بالفتح: المصدر والولاية بالكسر: الاسم مثل الإمارة والنّقابة؛ لأنّه اسم لما تولّيته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا «3» .
وقال ابن منظور: والولاية على الإيمان واجبة، والمؤمنون بعضهم أولياء بعض، والمولى: الحليف وهو من انضمّ إليك فعزّ بعزّك وامتنع بمنعتك.
والمولى: المعتق انتسب بنسبك، ولهذا قيل للمعتقين الموالي «4» .
وقال الفرّاء في قوله تعالى: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 141) .
(2) المفردات 524، الصحاح (6/ 2528) .
(3) الصحاح (6/ 2528) .
(4) للمولى معان أخرى عديدة ذكر منها ابن الأثير: الرب والمالك،(8/3685)
الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ (الممتحنة/ 9) أي تنصروهم، يعني أهل مكّة، جعل التّولّي هنا بمعنى النّصر من الوليّ وهو النّاصر، وروي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من تولّاني فليتولّ عليّا؛ معناه من نصرني فلينصره، والموالاة (في كلام العرب) على وجوه:
الأوّل: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصّلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه.
الثّاني: الموالاة: المحبّة، يقال: والى فلان فلانا إذا أحبّه.
الثّالث: التّميّز. قال الأزهريّ: سمعت العرب تقول: والوا حواشي نعمكم عن جلّتها أي: اعزلوا صغارها عن كبارها، يقال: واليناها فتوالت إذا تميّزت.
والوليّ: الصّديق والنّصير، وقيل التّابع المحبّ، وقال أبو العبّاس في قوله صلّى الله عليه وسلّم «من كنت مولاه فعليّ مولاه، أي من أحبّني وتولّاني فليتولّه، وقال الشّافعيّ:
رضي الله عنه- يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (محمد/ 11) .
والموالاة ضدّ المعاداة، والوليّ ضدّ العدوّ، قال تعالى: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (مريم: 45) .
قال ثعلب: كلّ من عبد شيئا من دون الله فقد اتّخذه وليّا. وقوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (البقرة/ 257) . وليّهم في نصرهم على عدوّهم، وإظهار دينهم على دين مخالفيهم، وقيل: وليّهم أي يتولّى ثوابهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم «1» .
الموالاة اصطلاحا:
هي التّقرّب وإظهار الودّ بالأقوال والأفعال والنّوايا، لمن يتّخذه الإنسان وليّا، فإن كان هذا التّقرّب والودّ مقصودا به الله ورسوله والمؤمنون، فهي الموالاة الشّرعيّة الواجبة على كلّ مسلم، وإن كان المقصودهم الكفّار والمنافقين، على اختلاف أجناسهم، فهي موالاة كفر وردّة عن الإسلام «2» .
أمّا الوليّ: فله معان اصطلاحيّة عديدة منها:
الوليّ: هو الّذي يتولّاه الله بالطّاعة ويتولّاه الله بالكرامة. ذكر ذلك أبو حيّان «3» .
وقال الجرجانيّ: هو من توالت طاعاته من غير أن يتخلّلها عصيان «4» .
وقال ابن حجر: والمراد بوليّ الله العالم بالله تعالى المواظب على طاعته المخلص في عبادته «5» .
وقيل إنّ لفظ الموالاة مشتقّ من الولاء، وهو الدّنوّ والتّقرّب، والولاية ضدّ العداوة، والوليّ عكس العدوّ، والمؤمنون أولياء الرّحمن، والكافرون أولياء الطّاغوت والشّيطان، لقرب الفريق الأوّل من الله بطاعته وعبادته. وقرب الفريق الثّاني من الشّيطان
__________
والسيد والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم عليه. وأكثرها جاء فى الحديث ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه. انظر النهاية (5/ 228) .
(1) لسان العرب (15/ 406- 409) .
(2) الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية لمحماس بن عبد الله الجلعود (28) ، وانظر أيضا كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين.
(3) البحر المحيط (5/ 175) .
(4) التعريفات للجرجانى (205) .
(5) فتح الباري (13/ 293) .(8/3686)
بطاعة أمره وبعدهم عن الله بعصيانه ومخالفته «1» .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الولاية: ضدّ العداوة. وأصل الولاية: المحبّة والتّقرّب، وأصل العداوة: البغض والبعد. فإذا كان وليّ الله هو الموافق المتابع له فيما يحبّه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليّه معاديا له. كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة: 1) . فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه «2» .
ومسمّى الموالاة لأعداء الله: يقع على شعب متفاوته، منها ما يوجب الرّدّة وذهاب الإسلام بالكلّيّة ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرّمات «3» .
معنى الولي من أسماء الله الحسنى:
والوليّ في أسماء الله الحسنى وهو النّاصر، وقيل:
المتولّي لأمور العالم والخلائق، القائم بها.
وقال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: هو المحبّ النّاصر، ومعنى محبّته قد جاء في صفة المحبّة ومعنى نصرته ظاهر فإنّه يقمع أعداء الدّين وينصر أولياءه.
قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، وقال: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ «4» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأمّا الجمهور فيقولون: الولاية والعداوة وإن تضمّنتا محبّة الله ورضاه وبغضه وسخطه، فهو سبحانه يرضى عن الإنسان ويحبّه، بعد أن يؤمن ويعمل صالحا، وإنّما يسخط عليه ويغضب بعد أن يكفر «5» .
قال القحطانيّ: والولاء والولاية: هي النّصرة والمحبّة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهرا وباطنا. قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ (البقرة/ 257) . فموالاة الكفّار تعني التّقرّب إليهم وإظهار الودّ لهم بالأقوال والأفعال والنّوايا «6» .
من معاني الموالاة في القرآن الكريم:
وردت للفظ الولاية وما اشتقّ منها الوجوه الآتية:
1- المولى: بمعنى الولد، وذلك قول زكريّا في (سورة مريم/ 5) : فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يعني الولد.
2- الوليّ: يعني الصّاحب من غير قرابة، وذلك قوله فى (سورة بني إسرائيل/ 111) : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ يعني لم يكن له صاحب يتعزّز به من ذلّ، وكقوله في (سورة الكهف/ 17) : وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً يعني صاحبا مرشدا.
3- الوليّ: يعني القرابة، وذلك قوله تعالى في (سورة فصلت/ 34) كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ يعني: قريبا وقال في (سورة العنكبوت/ 22) : وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ* يعني من قريب يمنعكم، يعني الكفّار.
4- الوليّ: يعني الرّبّ وذلك قوله في (سورة الأنعام/ 14) : قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا يعني ربّا.
فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وقال في (سورة يونس/ 30) : وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ يعني ربّهم.
__________
(1) كتاب الايمان لنعيم ياسين (190) .
(2) المقصد الأسنى (129) .
(3) الفرقان لابن تيمية (7) .
(4) الرسائل المفيدة لعبد الله آل الشيخ (43) .
(5) الفتاوى (7/ 442) .
(6) الولاء والبراء (89- 90) .(8/3687)
5- الوليّ: يعني العون، وذلك في الّذين كفروا ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا محمد/ 11) يعني وليّهم في العون لهم.
6- الوليّ: يعني الآلهة وذلك قوله في (سورة العنكبوت/ 41) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يعني آلهة وكقوله في (سورة الشّورى/ 6) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني آلهة اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.
7- الوليّ: يعني العصبة. وذلك قوله في (سورة مريم/ 5) : وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي يعني العصبة من بعدي. وكقوله في (سورة النّساء/ 33) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ يعني العصبة.
8- الوليّ: يعني الولاية في دين الكفر وذلك قوله في (سورة المجادلة/ 14) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني المنافقين تولّوا اليهود في الدّين.
9- الوليّ: يعني الولاية في دين الإسلام وذلك قوله في (سورة المائدة/ 55) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وقال في (سورة براءة/ 71) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في الدّين.
10- الوليّ: يعني المولى الّذي تعتقه، وذلك قوله في (سورة الأحزاب/ 5) فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ يعني المولى الّذي تعتقه.
11- الوليّ: يعني الوليّ في النّصح وذلك قوله في (سورة الممتحنة/ 1) لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ يعني في النّصيحة. وقال في (آل عمران/ 28) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ يعني في النّصيحة مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ «1» .
الموالاة بين المدح والذم:
الموالاة إذا كانت بين المؤمن وربّه أو بين المؤمنين بعضهم وبعض فهي الموالاة المحمودة المأمور بها شرعا، وهي الّتي تورث العزّ في الدّنيا وتكسب الفوز والنّجاة في الآخرة، أمّا إذا كانت الموالاة بين الكفّار والمنافقين بعضهم وبعض أو بينهم وبين الشّيطان، أو تلك الّتي يكون الكافر أو الشّيطان طرفا فيها فهي الموالاة المذمومة المنهيّ عنها، وهي الّتي تورث ذلّ الدّنيا وغضب الله وعقابه في الآخرة، وهذه الأخيرة يتبرّأ منها أطرافها ولا يغني بعضهم عن بعض شيئا في الآخرة.
يقول الرّاغب: نفى الله تعالى الولاية بين المؤمنين والكافرين في غير آية، من ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ (المائدة/ 51) ، وقال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ (الممتحنة/ 1) وجعل سبحانه بين الكافرين والشّياطين موالاة في الدّنيا، ونفى بينهم الموالاة في الآخرة قال سبحانه في الموالاة بينهم في الدّنيا والْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ (التوبة/ 67) وقال سبحانه إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (الأعراف/ 30) ولمّا جعل بينهم وبين الشّيطان موالاة، جعل للشّيطان في الدّنيا عليهم سلطانا، ومن نفي الموالاة بينهم في الآخرة قوله سبحانه
__________
(1) التصاريف، تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه، وتصرفت معانيه ليحي بن سلام (235- 237) ، كشف السرائر فى معنى الوجوه والأشباه والنظائر لابن العمادت/ فؤاد عبد المنعم أحمد (249- 251) ، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي، ت/ محمد عبد الكريم كاظم (613- 614) .(8/3688)
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً (الدخان/ 41) .
البراء لغة:
مصدر قولهم: برئت منك، وهو مأخوذ من مادّة (ب ر أ) الّتي تدلّ على التّباعد من الشّيء ومزايلته، ومن ذلك: البرء وهو السّلامة من السّقم، والوصف من ذلك: براء على لغة أهل الحجاز وأنا بريء منك على لغة غيرهم وقد جاءت اللّغتان في القرآن الكريم:
قال تعالى: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (الزخرف/ 26) ، وقال تعالى: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ (الحشر/ 16) ومن قال إنّي براء لم يثنّ ولم يؤنّث، ومن قال: بريء قال (في المؤنّث بريئة) وفي المثنّى بريئان وفي الجمع: بريئون وبرآء وبراء، والبراءة تكون من العيب والمكروه ونحوهما، فقول: برئت منك ومن الدّيون والعيوب براءة وبرئت من المرض برءا، وأهل الحجاز يفتحون الرّاء في الفعل والباء في المصدر فيقولون برأت برءا، وبارأت شريكي إذا فارقته.
وقال الرّاغب: أصل البرء والبراء والتّبرّؤ التّفصّي (التّباعد) ممّا يكره مجاورته، ولذلك قيل: برأت من المرض، ومن فلان وتبرّأت وأبرأته من كذا، وبرأته.
ويقال: برىء إذا تخلّص، وبرىء إذا تنزّه وتباعد، وبرأ: إذا أعذر وأنذر، ومنه قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (التوبة/ 1) أي إعذار وإنذار، والبراء والبريء سواء.
وليلة البراء: ليلة يتبرّأ القمر من الشّمس وهي أوّل ليلة من الشّهر «1» .
البراءة اصطلاحا:
البراءة هي انقطاع العصمة، يقول أبو حيّان في تفسير قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... (التوبة/ 1) يقال: برئت من فلان إذا انقطعت بيننا العصمة «2» .
وقال الآلوسيّ في تفسير الآية الكريمة السّابقة:
هي عبارة عن إنهاء حكم الأمان ورفع الخطر المترتّب على العهد السّابق «3» .
وقيل: البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار.
قال الشّيخ عبد الرّحمن بن سعديّ: وحيث إنّ الولاء والبراء تابعان للحبّ والبغض فإنّ أصل الإيمان أن تحبّ في الله أنبياءه وأتباعهم، وتبغض في الله أعداءه وأعداء رسله «4» .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: على المؤمن أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه- وإن ظلمه- فإنّ الظّلم لا يقطع الموالاة الإيمانيّة. وإذا اجتمع في الرّجل الواحد: خير وشرّ وفجور وطاعة، ومعصية وسنّة، وبدعة استحقّ من الموالاة والثّواب بقدر ما فيه من الخير. واستحقّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشّرّ «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- التودد- الطاعة- المحبة- الإيمان- الإسلام- تعظيم الحرمات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: موالاة الكفار- اتباع الهوى- الابتداع- الإصرار على الذنب- انتهاك الحرمات] .
__________
(1) لسان العرب (13/ 32، 33) .
(2) تفسير البحر المحيظ (5/ 6) .
(3) روح المعاني للألوسي (10/ 43)
(4) الفتاوى السعدية (1/ 98) .
(5) مجموع الفتاوى (28/ 208- 209) .(8/3689)
الآيات الواردة في «الولاء والبراء»
الموالاة تكون لله وحده:
1-* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) «1»
2- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119)
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «2»
3- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «3»
4- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «4»
5- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) «5»
6- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) «6»
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149)
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «7»
8- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «8»
__________
(1) البقرة 106- 107 مدنية
(2) البقرة 119- 120 مدنية
(3) البقرة 257 مدنية
(4) البقرة 286 مدنية
(5) آل عمران 68 مدنية
(6) آل عمران 121- 122 مدنية
(7) آل عمران 149- 150 مدنية
(8) النساء 44- 45 مدنية(8/3690)
9-* فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «1»
10- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «2»
11- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «3»
12- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50)
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «4»
13- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61)
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) «5»
__________
(1) النساء 74- 76 مدنية
(2) النساء: 122- 124 مدنية
(3) النساء: 172- 173 مدنية
(4) الأنعام: 50- 51 مكية
(5) الأنعام: 61- 62 مكية(8/3691)
14- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) * لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ
قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ
(129) «1»
15- وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «2»
16- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «3»
17- وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) «4»
18- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «5»
19- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) «6»
__________
(1) الأنعام: 126- 129 مكية
(2) الأعراف: 154- 155 مكية
(3) الأعراف: 196- 198 مكية
(4) الأنفال: 34 مدنية
(5) التوبة: 50- 51 مدنية
(6) التوبة: 73- 74 مدنية(8/3692)
20- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (28)
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29)
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) «1»
21- وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) «2»
22- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) «3»
23- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19)
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «4»
24- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) «5»
25- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) «6»
26- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) «7»
27-* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «8»
28- اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ
__________
(1) يونس: 28- 30 مكية
(2) يونس: 40- 41 مكية
(3) يونس: 62- 63 مكية
(4) هود: 19- 20 مكية
(5) هود: 35 مكية
(6) هود: 53- 54 مكية
(7) هود: 112- 113 مكية
(8) يوسف: 101 مكية(8/3693)
مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) «1»
29- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «2»
30- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «3»
31- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «4»
32- هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) «5»
33- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «6»
34- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «7»
35- قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «8»
36- وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «9»
__________
(1) الرعد: 8- 11 مدنية
(2) الرعد: 16 مدنية
(3) الرعد: 37 مدنية
(4) الإسراء: 111 مكية
(5) الكهف: 44 مكية
(6) الحج: 78 مدنية
(7) الفرقان: 17- 18 مكية
(8) الأحزاب: 17 مدنية
(9) الشورى: 28 مكية(8/3694)
35- وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) «1»
38- إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) «2»
39- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) «3»
40- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «4»
41- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) «5»
وجوب البراء من الكافرين وأعمالهم:
42- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166)
وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) «6»
43-* فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
__________
(1) الشورى: 44 مكية
(2) الجاثية: 19 مكية
(3) محمد: 11 مدنية
(4) الممتحنة: 1 مدنية
(5) التحريم: 1- 4 مدينة
(6) البقرة 165- 167 مدنية(8/3695)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) «1»
44- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138)
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «2»
45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) «3»
46- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) «4»
47-* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74)
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) «5»
48-* بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «6»
49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ
__________
(1) النساء: 88- 89 مدنية
(2) النساء: 138- 139 مدنية
(3) النساء: 144 مدنية
(4) الأنعام: 19- 20 مكية
(5) الأنعام: 74- 79 مكية
(6) التوبة: 1- 3 مدنية(8/3696)
عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «1»
50- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) «2»
51- تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «3»
52- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) «4»
53- قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (63) «5»
54- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «6»
55- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40)
قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) «7»
__________
(1) التوبة: 23 مدنية
(2) التوبة: 114- 116 مدنية
(3) النحل: 63 مكية
(4) الشعراء: 215- 218 مكية
(5) القصص: 63 مكية
(6) الأحزاب: 4- 6 مدنية
(7) سبأ: 40- 42 مكية(8/3697)
56- وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) «1»
57- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) «2»
58- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) «3»
59- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) «4»
60- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «5»
وجوب البراء من اليهود والنصارى:
61-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) «6»
-
وجوب موالاة المؤمنين:
62- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)
وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «7»
63- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) «8»
__________
(1) الشورى: 31 مكية
(2) الزخرف: 26- 27 مكية
(3) الدخان: 40- 41 مكية
(4) الممتحنة: 4 مدنية
(5) الممتحنة: 8- 9 مدنية
(6) المائدة: 51 مدنية
(7) المائدة: 54- 58 مدنية
(8) الأنفال: 72- 73 مدنية(8/3698)
64- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «1»
وجوب البراء من الأصنام وما شاكلها:
65- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «2»
66- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «3»
67- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «4»
براء الشيطان من الكافرين:
68- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «5»
ثواب أولياء الله:
69- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «6»
__________
(1) التوبة: 71 مدنية
(2) الأنعام: 14 مكية
(3) الأنعام: 70 مكية
(4) السجدة: 4 مكية
(5) الأنفال: 48 مدنية
(6) فصّلت: 30- 35 مكية(8/3699)
الأحاديث الواردة في (الولاء والبراء)
1-* (عن نوفل (أبي فروة) - رضي الله عنه-:
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لنوفل: «اقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ثمّ نم على خاتمتها، فإنّها براءة من الشّرك» ) * «1» .
2-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- جهارا غير سرّ- يقول: «إنّ آل أبي «2» - ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين» .
زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو ابن العاص قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها، يعني أصلها بصلتها» ) * «3» .
3-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أغبط أوليائي عندي، لمؤمن خفيف الحاذ «4» ذو حظّ من الصّلاة أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السّرّ وكان غامضا في النّاس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثمّ نفض بيده «5» فقال: عجّلت منيّته قلّت بواكيه قلّ تراثه» ) * «6» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ويده الّتي يبطش بها ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «7» .
5-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولى النّاس بالله من بدأهم بالسّلام» ) * «8» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ زنباعا أبا روح وجد غلاما مع جارية له، فجدع أنفه وجبّه «9» ، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «من فعل هذا بك؟» قال: زنباع، فدعاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما
__________
(1) أبو داود (4/ 313) (ح: 5055) واللفظ له، الترمذي (5/ 474، ح 3403) ، أحمد 5/ 4560، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 140) : حديث حسن. وكذا في جامع الأصول (4/ 264- 265) .
(2) فى مسلم (يعنى فلانا) والمعنى أن خشي أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة منى عنه.
(3) البخاري- الفتح 10 (5990) واللفظ له، ومسلم 1 (215) . قيل «التحقيق: أبلها بيلاها، وبللت الرحم بلا وبللا وبلالا أي نديتها بالصلة من البلل وهو النداوة ومنه الحديث: بلوا أرحامكم ولو بالسلام» ذكره ابن حجر في فتح الباري (10/ 436) .
(4) خفيف الحاذ: خفيف الحال قليل المال خفيف الظهر من العيال.
(5) نفض بيده: في التحفة- نقر بأصبعيه بلفظ النص وعند الشرح أعاده (نقر بيديه) . والمراد به ضرب الأنملة على الأنملة أو على الأرض كالمتقلل للشيء. تحفة الأحوذي: (7/ 13) .
(6) أحمد 5/ 252، الترمذي 4 (2347) واللفظ له وقال: حديث حسن، والحاكم (4/ 123) ، وقال: هذا إسناد للشاميين صحيح عندهم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: لا، بل إلى الضعف هو، وقال محقق جامع الأصول (10/ 137) : إسناده حسن.
(7) البخاري- الفتح 11 (6502) .
(8) رواه أبو داود (5197) ، والترمذي وحسنه، ولفظه: قيل يا رسول الله: الرجلان يلتقيان أيهما يبدا بالسلام؟ قال: «أولاهما بالله تعالى» ، وصححه الشيخ الألباني صحيح أبي داود (3/ 976) وصحيح الكلم الطيب (198) .
(9) الجدع: هو القطع البائن في الأنف والأذن والشفة والجب: هو القطع وخص به بعضهم قطع الذكر.(8/3700)
حملك على هذا؟» فقال: كان من أمره كذا وكذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للعبد: «اذهب فأنت حرّ؟» فقال: يا رسول الله، فمولى من أنا؟ قال: «مولى الله ورسوله. فأوصى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين، قال: فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى أبي بكر، فقال: وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم، نجري عليك النّفقة وعلى عيالك، فأجراها عليه، حتّى قبض أبو بكر، فلمّا استخلف عمر جاءه، فقال: وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم أين تريد؟ قال: مصر فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه أرضا يأكلها» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله مائة رحمة قسّم رحمة بين أهل الدّنيا وسعتهم إلى آجالهم وأخّر تسعا وتسعين رحمة لأوليائه وإنّ الله تعالى قابض تلك الرّحمة الّتي قسمها بين أهل الدّنيا إلى التّسع والتّسعين فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة» ) * «2» .
8-* (عن عمرو بن ميمونة- رضي الله عنه- قال: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس: إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا أبا عبّاس، إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن يخلونا هؤلاء، فقال: ابن عبّاس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدءوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أفّ وتفّ وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأبعثنّ رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحبّ الله ورسوله» ، قال: فاستشرف لها من استشرف، قال: أين عليّ؟ قالوا: هو في الرّحل يطحن، قال: وما كان أحدكم ليطحن قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه ثمّ هزّ الرّاية ثلاثا فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حييّ، قال: ثمّ بعث فلانا بسورة التّوبة، فبعث عليّا خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه، قال: وقال لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟ قال: وعليّ معه جالس، فأبوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة، قال: أنت وليّي في الدّنيا والآخرة، قال: فتركه، ثمّ أقبل على رجل منهم، فقال:
أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟ فأبوا، قال: فقال عليّ:
أنا أواليك في الدّنيا والآخرة، فقال: أنت وليّي في الدّنيا والآخرة، فقال: وكان أوّل من أسلم من النّاس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين، فقال: «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا» ، قال:
وشرى عليّ نفسه، لبس ثوب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أبو بكر وعليّ نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبيّ الله، قال:
فقال: يا نبيّ الله قال: فقال له عليّ: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل عليّ يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله وهو يتضوّر قد لفّ رأسه في الثّوب لا يخرجه حتّى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه فقالوا: إنّك للئيم كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر، وقد
__________
(1) مسلم (2752) ، وأحمد 2/ 182 وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 179) : إسناده صحيح.
(2) أحمد (2/ 514) ، والحاكم في المستدرك (4/ 248) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي.(8/3701)
استنكرنا ذلك قال: وخرج بالنّاس في غزوة تبوك، قال:
فقال له عليّ: أخرج معك؟ قال: فقال له نبيّ الله: لا.
فبكى عليّ، فقال له: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّك لست بنبيّ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي، قال: وقال له رسول الله: أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي، وقال: سدّوا أبواب المسجد غير باب عليّ. فقال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه، ليس له طريق غيره، قال: وقال: من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ، قال: أخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن، أنّه قد رضي عنهم، عن أصحاب الشّجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدّثنا أنّه سخط عليهم بعد؟ قال: وقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال: ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: أو كنت فاعلا؟ وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر. فقال: اعملوا ما شئتم» ) * «1» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أوثق عرى الإيمان، الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحبّ في الله، والبغض في الله» ) * «2» .
10-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة، (وقال) : فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة، فلقوا العدوّ، فأخذ الرّاية زيد، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذ الرّاية جعفر، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها عبد الله ابن رواحة، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذ الرّاية خالد بن الوليد ففتح الله عليه، وأتى خبرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إلى النّاس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «إنّ إخوانكم لقوا العدوّ، وإنّ زيدا أخذ الرّاية، فقاتل حتّى قتل أو استشهد، ثمّ أخذ الرّاية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتّى قتل أو استشهد، ثمّ أخذ الرّاية عبد الله بن رواحة، فقاتل حتّى قتل أو استشهد، ثمّ أخذ الرّاية سيف من سيوف الله، خالد بن الوليد ففتح الله عليه، فأمهل، ثمّ أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثمّ أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي ابني أخي، قال: فجيء بنا، كأنّا أفرخ، فقال: ادعوا لي ابني أخي، قال: فجيء بنا، كأنّا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلّاق، فجيء بالحلّاق، فحلق رءوسنا، ثمّ قال: أمّا محمّد فشبيه عمّنا أبي طالب، وأمّا عبد الله فشبيه خلقي وخلقي، ثمّ أخذ بيدي فأشالها «3» ، فقال: اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرار، قال: فجاءت أمّنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح «4» له، فقال: «العيلة تخافين عليهم وأنا وليّهم في الدّنيا والآخرة» ) * «5» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) أحمد (1/ 330) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 25) : إسناده صحيح وهو في مجمع الزوائد (9/ 120119) . وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة وفيه لين.
(2) الطبراني في الكبير، السيوطي في الجامع الصغير (1/ 69) ، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 343) : حسن، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1728) .
(3) أشالها: يعني رفعها
(4) تفرح: من أفرحه اذا غمه وأزال عنه الفرح، وأفرحه الدين اذا أثقله.
(5) أحمد (1/ 204) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 192) : إسناده صحيح.(8/3702)
قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثمّ أتبعه عليّا، فبينا أبو بكر في بعض الطّريق إذ سمع رغاء «1» ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القصواء، فخرج أبو بكر فزعا، فظنّ أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو عليّ، فدفع إليه كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمر عليّا أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجّا، فقام عليّ أيّام التّشريق، فنادى: ذمّة الله ورسوله بريئة من كلّ مشرك، فسيحوا في الأرض «2» أربعة أشهر، ولا يحجّن بعد العام مشرك، ولا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، وكان عليّ ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر فنادى بها» ) * «3»
12-* (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ سمع القوم وهم يقولون: أيّ الأعمال أفضل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيل الله، وحجّ مبرور» . ثمّ سمع نداء في الوادي يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا أشهد، وأشهد أن لا يشهد بها أحد إلّا برىء من الشّرك» ) * «4» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها-، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاث أحلف عليهنّ والرّابع لو حلفت عليه لرجوت أن لا آثم. لا يجعل الله عبدا له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولّى الله عبد في الدّنيا فيولّيه غيره يوم القيامة، ولا يحبّ رجل قوما إلّا كان معهم أو منهم، والرّابعة لو حلفت عليها لرجوت أن لا آثم، لا يستر الله على عبد في الدّنيا إلّا ستر الله عليه في الآخرة» . قال فحدّثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر: إذا سمعتم مثل هذا الحديث عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاحفظوه واحتفظوا به» ) * «5» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جئت مع عليّ بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل مكّة ببراءة، قال: ما كنتم تنادون قال كنّا ننادي.
أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر فإنّ الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحجّ بعد العام مشرك فكنت أنادي حتّى صحل «6» صوتي» ) * «7» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-، قال: حضرت عصابة من اليهود نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فقالوا:
يا أبا القاسم حدّثنا عن خلال نسألك عنهنّ، لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال: سلوني عمّا شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمّة الله وما أخذ يعقوب عليه السّلام على بنيه، لئن حدّثتكم شيئا فعرفتموه لتتا بعنّي على الإسلام، قالوا: فذلك لك، قال: فسلوني عمّا شئتم، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهنّ. أخبرنا، أيّ الطّعام حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة؟ وأخبرنا، كيف ماء المرأة
__________
(1) رغاء: صوت الابل.
(2) فسيحوا: سيروا آمنين.
(3) الترمذي 5 (3091) واللفظ له وقال حديث حسن غريب وقال محقق جامع الأصول (8/ 660) : إسناده حسن.
(4) رواه أحمد (5/ 451) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (5/ 278) وقال: رجاله ثقات.
(5) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 384) واللفظ له، ونقل عن عمر بن عبد العزيز الأمر بحفظه والاحتفاظ به وكذا الذهبي. والهيثمي في المجمع (1/ 37) مختصرا وقال رواه أحمد ورجاله ثقات، وأبو يعلى.
(6) صحل: ذهب حدته.
(7) البخاري- الفتح 8 (4655) ، والنسائي 5 (234) وهذا لفظ النسائي، وأحمد (2/ 299) ، والدارمى (1437، 2509) .(8/3703)
وماء الرّجل؟ كيف يكون الذّكر منه؟ وأخبرنا كيف هذا النّبيّ الأمّيّ في النّوم؟ ومن وليّه من الملائكة؟ قال:
«فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعنّي؟» قال: فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. قال: «فأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى صلّى الله عليه وسلّم، هل تعلمون أنّ إسرائيل يعقوب عليه السّلام، مرض مرضا شديدا وطال سقمه، فنذر لله نذرا، لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الشّراب إليه وأحبّ الطّعام إليه، وكان أحبّ الطّعام إليه لحمان الإبل، وأحبّ الشّراب إليه ألبانها. «قالوا: اللهمّ نعم» ، قال: «اللهمّ اشهد عليهم، فأنشدكم بالله الّذي لا إله إلّا هو، الّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ ماء الرّجل أبيض غليظ، وأنّ ماء المرأة أصفر رقيق، فأيّهما علا كان له الولد والشّبه بإذن الله، إن علا ماء الرّجل على ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة على ماء الرّجل كان أنثى بإذن الله» قالوا: اللهمّ نعم. قال: «اللهمّ اشهد عليهم، فأنشدكم بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تعلمون أنّ هذا النّبيّ الأمّيّ تنام عيناه ولا ينام قلبه؟» قالوا: اللهمّ نعم، قال: «اللهمّ اشهد» قالوا: وأنت الآن فحدّثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: فإنّ وليّي جبريل عليه السّلام، ولم يبعث الله نبيّا قطّ إلّا وهو وليّه» قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليّك سواه من الملائكة لتابعناه وصدّقناه قال: «فما يمنعكم من أن تصدّقوه؟» قالوا: إنّه عدوّنا قال: فعند ذلك قال الله عزّ وجلّ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ إلى قوله- عزّ وجلّ-: كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ فعند ذلك فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... الآية» ) * «1» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قريش «2» والأنصار «3» ومزينة «4» وجهينة «5» وأسلم «6» وغفار «7» وأشجع «8» ، مواليّ. ليس لهم مولى دون الله ورسوله» ) * «9» .
17-* (عن أبي الحوراء، قال: قلت للحسين ابن عليّ: ما تذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أخذت تمرة من تمر الصّدقة، فجعلتها في فيّ، قال: فنزعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلعابها فجعلها في التّمر، فقيل: يا رسول الله ما كان عليك من هذه التّمرة لهذا الصّبيّ؟ قال: «إنّا آل محمّد لا تحلّ لنا الصّدقة» قال: وكان يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» . قال:
وكان يعلّمنا هذا الدّعاء: «اللهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت» . قال شعبة:
__________
(1) أحمد (1/ 278) وقال الشيخ أحمد شاكر (4) 176) : إسناده صحيح.
(2) قريش: قال الزبير: قالوا قريش اسم فهر بن مالك، وما لم يلد فهر فليس من قريش. قال الزبير: قال عمي: فهر هو قريش اسمه، وفهر لقبه.
(3) الأنصار: يريد بالأنصار الأوس والخزرج، ابني حارثة بن ثعلبة.
(4) ومزينة: هي بنت كلب بن وبرة بن ثعلب.
(5) وجهينة: ابن زيد بن ليث بن سود.
(6) وأسلم: في خزاعة.
(7) وغفار: هو ابن مليل بن ضمرة بن بكر.
(8) وأشجع: هو ابن ريث بن غطفان بن قيس.
(9) مسلم (2520) .(8/3704)
وأظنّه قد قال هذه أيضا: تباركت ربّنا وتعاليت، قال شعبة: وقد حدّثني من سمع هذا منه، ثمّ إنّي سمعته حدّث بهذا الحديث مخرجه إلى المهديّ بعد موت أبيه، فلم يشكّ في «تباركت وتعاليت» فقلت لشعبة: إنّك تشكّ فيه؟ فقال: لي فيه شكّ» ) * «1» .
18-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يقول: كنّا قعودا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتّى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: «هي هرب وحرب «2» ، ثمّ فتنة السّرّاء دخنها «3» من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنّه منّي وليس منّي، وإنّما أوليائي: المتّقون، ثمّ يصطلح النّاس على رجل كورك على ضلع «4» ، ثمّ فتنة الدّهيماء «5» لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلّا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرّجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتّى يصير النّاس إلى فسطاطين «6» فسطاط إيمان لانفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدّجّال من يومه أو (من) غده» ) * «7» .
19-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: لمّا بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي تحت راحلته فلمّا فرغ قال: «يا معاذ إنّك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا أو لعلّك أن تمرّ بمسجدي هذا، أو قبري» فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: «إنّ أولى النّاس بي المتّقون من كانوا وحيث كانوا» ) * «8» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله تعالى وبرىء الله تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمّة الله تعالى» ) * «9» .
21-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريّين اجتمعوا أو اجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلّمكم صلاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، صلّى لنا بالمدينة فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم، فتوضّأ وأراهنّ كيف يتوضّأ، فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتّى لمّا أن فاء الفيء وانكسر الظّلّ، قام فأذّن فصفّ الرّجال في أدنى الصّفّ، وصفّ الولدان خلفهم وصفّ النّساء خلف الولدان، ثمّ أقام الصّلاة فتقدّم فرفع يديه فكبّر فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثمّ كبّر فركع فقال: سبحان الله وبحمده ثلاث مرار، ثمّ قال: سمع الله لمن حمده، واستوى قائما ثمّ كبّر وخرّ ساجدا ثمّ كبّر فرفع رأسه ثمّ كبّر فسجد ثمّ كبّر فنهض قائما فكان تكبيره في أوّل ركعة ستّ تكبيرات، وكبّر حين قام إلى
__________
(1) الترمذي (2520) وقال: حديث صحيح، وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند (3/ 171) : إسناده صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 444) : إسناده صحيح.
(2) حرب: بفتح الراء ذهاب المال والأهل.
(3) دخنها: إثارتها وهيجها.
(4) كورك على ضلع: هذا مثل، أي أنه لا يستقل بالملك ولا يلائمه كما أن الورك لا تلائم الضلع.
(5) فتنة الدهيماء: الدهيماء: السوداء المظلمة وقيل الداهية يذهب بها إلى الدهيم، وهي في زعم العرب اسم ناقة مشئومة غزا عليها سبعة أخوة فقتلوا عن آخرهم.
(6) فسطاطين: أي إلى فرقتين منحازتين عن بعضهما.
(7) أبو داود 4 (4242) واللفظ له، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 24) : وإسناده صحيح.
(8) أحمد (5/ 235) ، وأخرجه الطبراني (20/ 241) . والهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 16) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.
(9) أحمد (2/ 32) ، وقال الشيخ أحمد شاكر 7 (4880) : إسناده صحيح.(8/3705)
الرّكعة الثّانية فلمّا قضى صلاته أقبل إلى قومه بوجهه فقال: احفظوا تكبيري، وتعلّموا ركوعي وسجودي فإنّها صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي كان يصلّي لنا كذا السّاعة من النّهار ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا قضى صلاته أقبل إلى النّاس بوجهه فقال: «يا أيّها النّاس اسمعوا واعقلوا واعلموا أنّ لله- عزّ وجلّ- عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله. فجاء رجل من الأعراب من قاصية النّاس وألوى بيده إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله! ناس من النّاس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟ انعتهم لنا- يعني صفهم لنا- فسرّ وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسؤال الأعرابيّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم ناس من أفناء النّاس «1» ، ونوازع القبائل «2» لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابّوا في الله، وتصافوا يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا يفزع النّاس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الولاء والبراء) معنى
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قد أذهب عنكم عبّيّة «4» الجاهليّة، وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ وفاجر شقيّ، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعنّ رجال فخرهم بأقوام، إنّما هم فحم من فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله من الجعلان «5» الّتي تدفع بأنفها النّتن» ) * «6» .
23-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تشبّه بقوم فهو منهم» ) * «7» .
24-* (عن طارق بن أشيم الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال:
لا إله إلّا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه. وحسابه على الله» ) * «8» .
25-* (عن سمرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منّا» ) * «9» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتّى يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وحتّى أن يقذف في النّار أحبّ إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتّى يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما» ) * «10» .
__________
(1) أفناء الناس: أي لم يعلم ممّن هو.
(2) نوازع القبائل: أي غرباؤهم.
(3) رواه أحمد 5 (343) واللفظ له، والطبراني بنحوه وزاد على منابر من نور من لؤلؤ قدام الرحمن، والهيثمي في المجمع (10/ 276) وقال: رجاله ثقات.
(4) عبية: بعين مضمومة بعدها باء مشددة مكسورة وبعدها ياء مفتوحة مشددة: أي فخرها ونخوتها.
(5) الجعلان: جمع جعل بوزن صرد، وهو دويبة تنشأ في القاذورات.
(6) أبو داود (5116) واللفظ له، الترمذي حديث (3955) وقال: حديث حسن.
(7) أبو داود (1/ 4031) واللفظ له، أحمد (ح 5114) جزء من حديث وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال الألباني في صحيح الجامع (5/ 270) : صحيح.
(8) مسلم 1 (23) .
(9) الحاكم في المستدرك (2/ 141) ، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
(10) البخاري- الفتح 10 (6041) واللفظ له، مسلم (43) .(8/3706)
27-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» ) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الولاء والبراء)
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤتى بالرّجل المتوفّى، عليه الدّين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدّث أنّه ترك وفاء صلّى، وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم. فلمّا فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفيّ من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته» ) * «2» .
29-* (عن عائشة رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أنّها قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بدر. فلمّا كان بحرّة الوبرة «3» أدركه رجل. قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه. فلمّا أدركه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: جئت لأتّبعك وأصيب معك.
قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا.
قال فارجع. فلن أستعين بمشرك. قالت: ثمّ مضى. حتّى إذا كنّا بالشّجرة «4» أدركه الرّجل. فقال له كما قال أوّل مرّة. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّة. قال «فارجع فلن أستعين بمشرك» . قال: ثمّ رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أوّل مرّة: «تؤمن بالله ورسوله؟» . قال: نعم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فانطلق» ) * «5» .
30-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل، قال فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين» قالوا يا رسول الله لم؟ قال: «لا تراءى ناراهما» ) * «6» .
31-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها.
وزكّها أنت خير من زكّاها. أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6764) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5371) واللفظ له، مسلم 3 (1619) .
(3) الوبرة: هكذا ضبطناه بفتح الباء. وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم. قال: وضبطه بعضهم باسكانها وهو موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة
(4) حتى اذا كنا بالشجرة: هكذا هو في النسخ: حتى إذا كنا. فيحتمل أن عائشة كانت مع المودعين فرأت ذلك ويحتمل أنها أرادت بقولها: كنا، كان المسلمون.
(5) مسلم (1817) .
(6) أبو داود حديث (2645) واللفظ له، الترمذي (1604) . وابن الأثير في جامع الأصول (4/ 445) ، وقال محققه: ورجال إسناده ثقات. وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 17) : هو حديث حسن.
(7) مسلم (2722) .(8/3707)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الولاء والبراء)
1-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ! إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه.
فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ... ) * «1» .
2-* (الصّحابيّ الجليل عبد الله بن حذافة السّهميّ، لمّا أسرته الرّوم جاءوا به إلى ملكهم فقال له:
تنصّر. وأنا أشركك في ملكي وأزوّجك ابنتي، فقال له:
لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمّد طرفة عين ما فعلت. فقال: إذا أقتلك، قال: أنت وذاك، فأمر به فصلب، وأمر الرّماة فرموه قريبا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النّصرانيّة فيأبى، ثمّ أمر به فأنزل، ثمّ أمر بقدر. وفي رواية ببكرة من نحاس فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه، فقال له: إنّي إنّما بكيت؛ لأنّ نفسي إنّما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر السّاعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كلّ شعرة من جسدي نفس تعذّب هذا العذاب في الله» ) * «2» .
3-* (عن عبد الرّحمن بن يزيد قال أتينا حذيفة فقلنا دلّنا على أقرب النّاس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديا وسمتا وولاء نأخذ عنه ونسمع منه فقال: كان أقرب النّاس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديا وسمتا ودلّا ابن أمّ عبد «3» ، حتّى يتوارى عنّي في بيته، ولقد علم المحظوظون من أصحاب محمّد عليه الصّلاة والسّلام أنّ ابن أمّ عبد من أقربهم إلى الله زلفة) * «4» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: من بنى بأرض المشركين فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتّى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) * «5» .
5-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال:
قلت لعمر- رضي الله عنه- إنّ لي كاتبا نصرانيّا قال:
مالك؟ قاتلك الله؟ أما سمعت الله يقول: يا أَيُّهَا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(2) سير أعلام النبلاء (2/ 14) بتصرف.
(3) ابن أم عبد، هو: عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
(4) أحمد (5/ 389) .
(5) اقتضاء الصراط المستقيم (200) ، وقال ابن تيمية: إسناده صحيح.(8/3708)
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (المائدة/ 51) ألا اتّخذت حنيفا ... قال:
قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزّهم إذ أذلّهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله) * «1» .
6-* (لقد كان بلال- رضي الله عنه- تفعل به الأفاعيل، حتّى إنّهم ليضعون الصّخرة العظيمة على صدره في شدّة الحرّ، ويأمرونه أن يشرك بالله فيأبى عليهم ويقول: أحد أحد. ويقول: والله لو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها) * «2» .
7-* (حبيب بن زيد الأنصاريّ لمّا قال له مسيلمة الكذّاب: أتشهد أنّ محمّدا رسول الله؟ قال:
نعم. فيقول: أتشهد أنّي رسول الله؟ فيقول: لا أسمع، فلم يزل يقطّعه إربا إربا وهو ثابت على ذلك) * «3» .
8-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- في الولاء والبراء: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله) * «4» .
9-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ في الله وأبغض في الله، ووال في الله وعاد في الله فإنّك لا تنال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتّى يكون كذلك» ) * «5» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه-، قال:
غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع، فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد.
قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس:
فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الى آخر الآية» ) * «6» .
11-* (عن يحيى بن يعمر، قال: كان أوّل من قال في القدر بالبصرة معبد الجهنيّ فانطلقت أنا وحميد ابن عبد الرّحمن الحميريّ حاجّين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألناه عمّا يقول هؤلاء في القدر. فوفّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطّاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أنّ صاحبي سيكل الكلام إليّ. فقلت: يا أبا عبد الرّحمن إنّه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفّرون العلم «7» . وذكر
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (50) وأورده البيهقي في الكبرى (10/ 127) .
(2) أسد الغابة (1/ 206) بتصرف.
(3) أسد الغابة (1/ 370) بتصرف.
(4) الولاء والبراء للقحطاني (25) .
(5) حلية الأولياء (1/ 312) .
(6) البخاري- الفتح 6 (2805) .
(7) ويتقفرون العلم: ومعناه يطلبونه ويتتبعونه وقيل معناه يجمعونه.(8/3709)
من شأنهم «1» وأنّهم يزعمون أنّ لا قدر. وأنّ الأمر أنف «2» . قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريء منهم، وأنّهم برآء منّي، والّذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أنّ لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتّى يؤمن بالقدر ... ) * «3» .
12-* (عن عبد الله بن عبد الله بن أبيّ؛ لمّا بلغه ما كان من أبيه، أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج، ما كان لها من رجل أبرّ بوالديه منّي، إنّي أخشى أن تأمر غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في النّاس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النّار. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا «4» .
ووقف عبد الله بن عبد الله بن أبيّ على باب المدينة واستلّ سيفه، فلمّا جاء أبوه قال له: وراءك، فقال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تجوز حتّى يأذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان إنّما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله ابنه. فقال الابن: والله يا رسول الله لا يدخلها حتّى تأذن له، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأجازه) * «5» .
13-* (قال عبد الله بن عتبة: ليتّق أحدكم أن يكون يهوديّا أو نصرانيّا وهو لا يشعر، قال: فظننّاه يريد هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية) * «6» .
14-* (قال البغويّ، في تفسير (الآية/ 8 من العنكبوت) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ... (والآية 50 من سورة لقمان) وَإِنْ جاهَداكَ ... : نزلت في سعد ابن أبي وقّاص- رضي الله عنه- وأمّه حمنة بنت أبي سفيان فقد كان سعد من السّابقين الأوّلين للإسلام، وكان بارّا بأمّه. قالت له أمّه: ما هذا الدّين الّذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتّى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتعيّر بذلك أبد الدّهر، يقال: يا قاتل أمّه. ثمّ إنّها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظلّ، فجاء سعد إليها وقال: يا أمّاه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلمّا أيست منه أكلت وشربت. فأنزل الله: وَإِنْ جاهَداكَ ... إلى آخر الآيات) * «7» .
15-* (يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: ليس للقلوب سرور ولا لذّة إلّا في محبّة الله والتّقرّب إليه بما يحبّه، ولا تمكن محبّته إلّا بالإعراض عن كلّ محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلّا الله وهي ملّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، وسائر الأنبياء والمرسلين
__________
(1) وذكر من شأنهم: هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر. يعني وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به.
(2) وإن الأمر أنف: أي مستأنف، لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى. وإنما يعلمه بعد وقوعه.
(3) مسلم (8) .
(4) السيرة لابن هشام (2/ 392) ، تفسير ابن كثير (4/ 373) .
(5) تفسير ابن كثير (4/ 373) بتصرف.
(6) تفسير ابن كثير (2/ 69) .
(7) تفسير البغوي (5/ 188) .(8/3710)
صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين، أمّا شقّها الثّاني محمّد رسول الله: فمعناه تجريد متابعته صلّى الله عليه وسلّم فيما أمر والانتهاء عمّا نهى عنه وزجر. ومن هنا كانت «لا إله إلّا الله» ولاء وبراء نفيا وإثباتا ... ) * «1» .
16-* (قال البغويّ: والعمل على هذا عند عامّة أهل العلم من الصّحابة فمن بعدهم على: أنّ الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر لقطع الولاية بينهما) * «2» .
17-* (يقول الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب:
«واعلم أنّ الإنسان ما يصير مؤمنا بالله إلّا بالكفر بالطّاغوت، والدّليل هذه الآية- يعني الآية/ 256 من سورة البقرة فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ... «3» .
18-* (قال الشّوكانيّ رحمه الله: وأولياء الله سبحانه متفاوتون في الولاية بقوّة ما رزقهم الله سبحانه من الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا كان في باب الولاية أعظم شأنا وأكبر قدرا وأعظم قربا من الله وكرامة لديه) * «4» .
19-* (قال الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ: فتبيّن أنّ معنى «لا إله إلّا الله» توحيد الله بإخلاص العبادة له، والبراءة من كلّ ما سواه. وذكر الله سبحانه أنّ هذه البراءة، وهذه الموالاة هي شهادة أن لا إله إلّا الله) * «5» .
من فوائد (الولاء والبراء)
(1) بيان صفة أولياء الله وفضائلهم المتنوّعة.
(2) محبّة الله لأوليائه المؤمنين الّتي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون.
(3) إنّ الله مع أوليائه المؤمنين وناصرهم ومؤيّدهم ومسدّدهم ومجيب دعواتهم.
(4) إخلاص العبادة لله وحده دون غيره.
(5) الولاء والبراء يقتضي عدم الاحتكام إلى أيّ طاغوت في أيّ حكم من الأحكام الدّينيّة أو الدّنيويّة.
(6) عدم موالاة الكفّار في أيّ حال من الأحوال ويعني ذلك: عدم التّقرّب إليهم أو مودّتهم بالأقوال أو الأفعال أو النّوايا، وعدم التّشبّه بهم.
(7) المؤمنون بعضهم أولياء بعض والكفرة بعضهم من بعض وهم جميعا عدوّ للمؤمنين.
__________
(1) فتاوى ابن تيمية (28/ 32) .
(2) شرح السنة (8/ 364) .
(3) الدرر السنية (1/ 95) .
(4) ولاية الله والطريق إليها (242) .
(5) فتح المجيد (79) .(8/3711)
[حرف الياء]
اليقظة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
1/ 3/ 6
اليقظة لغة:
هي الاسم أو المصدر من قولهم: يقظ فلان ييقظ وهو مأخوذ من مادّة (ي ق ظ) الّتى تدلّ على نقيض النّوم والتّنبّه للشّيء، والفعل (الثّلاثي) من ذلك: يقظ كعلم والمصدر يقظا ويقظة ويقال أيضا:
يقظ ييقظ يقاظة ويقظا، والوصف من الأوّل: رجل يقظ ويقظ وهو خلاف النّائم، ويقال أيضا: رجل يقظان وامرأة يقظى ورجال ونسوة أيقاظ، وقيل يقال:
رجال أيقاظ ونسوة يقاظى، والوصف من الثّانى (أي من يقظ) يقظ بالضّمّ. وفي القرآن الكريم وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ (الكهف/ 18) الأيقاظ جمع يقظ أو يقظان، وهو المنتبه كما قال القرطبيّ، وقيل جمع يقظ أو يقظ والمراد اليقظان، قال الآلوسيّ: وهما لغتان.
ويقال: استيقظ وأيقظته، والنّعت يقظان، ورجل يقظ بكسر القاف وفتحها أي متيقّظ حذر، أو كان كثير التّيقّظ، وتيقّظ للأمر تنبّه له، ويقال قد يقّظته التّجارب، وأيقظته من نومه أي نبّهته فتيقّظ واستيقظ، وجاء في الحديث الشّريف: إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسنّ يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثا» ويقال: أيقظت الغبار أثرته، وكذلك يقّظته، وقال أبو عمرو: يقال: إنّ فلانا ليقظ إذا كان خفيف الرّأس، ويقال ما رأيت أيقظ منه، ومن المجاز:
استيقظ الخلخال والحلي أي صوّت، واليقظة بسكون القاف لغة في اليقظة، ويقال: رجل يقظان.
ومتيقّظه ويقظه وهو يستيقظ إلى صوته كلّ ذلك مجاز، قال اللّيث: يقال للّذي يثير الغبار: قد يقّظه إذا فرّقه، وأيقظت الغبار: أثرته «1» .
وقال ابن منظور: ورجل يقظ ويقظ: كلاهما على النّسب أي متيقّظ حذر، والجمع أيقاظ.
وأمّا سيبويه فقال: لا يكسّر يقظ لقلّة فعل في الصّفات، وإذا قلّ بناء الشّيء قلّ تصرّفه في التّكسير، وإنّما أيقاظ عنده جمع يقظ، لأنّ فعلا في الصّفات أكثر من فعل، قال ابن برّيّ: جمع يقظ أيقاظ، وجمع يقظان يقاظ، وجمع يقظى صفة المرأة يقاظى. غيره: والاسم اليقظة.
وما كان يقظا، ولقد يقظ يقاظة ويقظا بيّنا.
ابن السّكّيت في باب فعل وفعل: رجل يقظ ويقظ إذا كان متيقّظا كثير التّيقّظ فيه معرفة وفطنة. والأنثى يقظى، والجمع يقاظ.
وتيقّظ فلان للأمر إذا تنبّه له، وقد يقّظته.
ويقال: يقظ فلان ييقظ يقظا ويقظة، فهو يقظان «2» .
__________
(1) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (9/ 260) ، والصحاح للجوهري (3/ 1181) ، وتاج العروس للزبيدي (1/ 500) ، وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن» (10/ 241) ، وتفسير الآلوسي (روح المعاني) (15/ 225) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز ابادى (5/ 388) ، ولسان العرب «يقظ» (4964) (ط. دار المعارف) .
(2) لسان العرب (7/ 466- 467) ، مختار الصحاح (743) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 388- 390) .(8/3712)
واصطلاحا:
قال الكفويّ: التّيقّظ: كمال التّنبّه والتّحرّز عمّا لا ينبغى «1» .
قال ابن القيّم: اليقظة: أوّل منازل العبوديّة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أقوى إعانتها على السّلوك، فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه وتيقّظ شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، فأخذ في أهبة السّفر، فانتقل إلى منزلة العزم، وهو العقد الجازم على الشّيء، ومفارقة كلّ قاطع ومعوّق، ومرافقة كلّ معين وموصّل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوّة عزمه يكون استعداده، فإذا استيقظ أوجبت اليقظة الفكرة وهي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد استعدّ له مجملا، ولم يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت فكرته أوجبت له البصيرة، وهي نور في القلب يرى به حقيقة الوعد والوعيد، والجنّة والنّار، وما أعدّ الله في هذه لأوليائه، وفي هذه لأعدائه، فأبصر النّاس قد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحقّ، وقد نزلت ملائكة السّماوات فأحاطت بهم، وقد جاء الله وقد نصب كرسيّه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره، ووضع الكتاب وجأ بالنّبيّين والشّهداء، وقد نصب الميزان، وتطايرت الصّحف، واجتمعت الخصوم، وتعلّق كلّ غريم بغريمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العطاش، وقلّ الوارد، ونصب الجسر للعبور عليه، والنّار تحطم بعضها بعضا تحته والسّاقطون فيها أضعاف أضعاف النّاجين، فينفتح في قلبه عين ترى ذلك، ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها، والدّنيا وسرعة انقضائها. والبصيرة نور يقذفه الله في القلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرّسل كأنّه يشاهده رأي عين، فيتحقّق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرّسل وتضرّره بمخالفتهم. وهذا معنى قول بعض العارفين:
البصيرة تحقّق الانتفاع بالشّيء، والتّضرّر به.
وقال بعضهم: تحقّق البصيرة: ما خلّصك من الحيرة إمّا بإيمان وإمّا بعيان «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحذر- الحيطة- الوقاية- الفطنة- الإيمان- الفقه- العلم.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغفلة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- البلادة والغباء- الإهمال] .
الآيات الواردة في «اليقظة»
1- وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) «3»
__________
(1) الكليات (314) .
(2) مدارج السالكين (1/ 138- 139) ، بصائر ذوي التمييز (5/ 388- 390) .
(3) الكهف: 18 مكية.(8/3713)
الأحاديث الواردة في (اليقظة)
1-* (عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للصّلاة كيف يجمع النّاس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصّلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال:
فذكر له القنع- يعني الشّبّور- وقال زياد: شبّور اليهود- فلم يعجبه ذلك، وقال: «هو من أمر اليهود» ، قال: فذكر له النّاقوس، فقال: «هو من أمر النّصارى» فانصرف عبد الله بن زيد، وهو مهتمّ لهمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فقال له: يا رسول الله، إنّي لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان. قال: وكان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، قال: ثمّ أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال له:
«ما منعك أن تخبرني؟» فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله» ، قال: فأذّن بلال.
قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير: أنّ الأنصار تزعم أنّ عبد الله بن زيد لولا أنّه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤذّنا) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال:
فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة.
فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «2» .
3-* (عن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصّلاة ثلاثة أحوال: قال: وحدّثنا أصحابنا: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين- أو قال:
المؤمنين- واحدة، حتّى لقد هممت أن أبثّ رجالا في الدّور ينادون النّاس بحين الصّلاة، وحتّى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام «3» ينادون المسلمين بحين الصّلاة حتّى نقسوا «4» أو كادوا أن ينقسوا» قال:
فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنّي لمّا رجعت رأيت من اهتمامك، رأيت رجلا كأنّ عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذّن، ثمّ قعد قعدة، ثمّ قام فقال مثلها، إلّا أنّه يقول: قد قامت الصّلاة،
__________
(1) أبو داود (498) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبى داود (1/ 98) : صحيح، وأصل الحديث في الصحيحين.
(2) البخاري- الفتح 13 (7281) .
(3) الآطام: جمع أطم، وهو بناء مرتفع، وآطام المدينة: حصون كانت لأهلها.
(4) نقسوا: ضربوا بالناقوس.(8/3714)
ولولا أن يقول النّاس. قال ابن المثنّى: أن تقولوا، لقلت إنّي كنت يقظان غير نائم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وقال ابن المثنّى-: «لقد أراك الله- عزّ وجلّ- خيرا» ولم يقل عمرو: «لقد أراك الله خيرا» ، فمر بلالا فليؤذّن.
قال: فقال عمر: أما إنّي قد رأيت مثل الّذي رأى ولكنّي لمّا سبقت استحييت. قال وحدّثنا أصحابنا قال: وكان الرّجل إذا جاء يسأل فيخبر بما سبق من صلاته وإنّهم قاموا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين قائم وراكع وقاعد ومصلّ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن المثنّى: قال عمرو وحدّثنى بها حصين عن أبي ليلى حتّى جاء معاذ، قال شعبة: وقد سمعتها من حصين، لا أراه على حال إلى قوله كذلك فافعلوا) * «1» .
الأحاديث الواردة في (اليقظة) معنى
انظر صفة (الحذر)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (اليقظة)
1-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-:
ومن النّاس من يعيش شقيّا ... جيفة اللّيل غافل اليقظه
فإذا كان ذا حياء ودين ... راقب الله واتّقى الحفظه
إنّما النّاس سائر ومقيم ... والّذي سار للمقيم عظه
) * «2» .
2-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: اليقظة:
انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة! وما أعظم قدرها! وما أشدّ إعانتها على السّلوك! فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، وأوطانه الّتي سافر منها.
فحيّ على جنّات عدن فإنّها ... منازلك الأولى وفيها المخيّم
ولكنّنا سبي العدوّ فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلّم
؟) * «3» .
3-* (قال العزّيّ: كأنّ اليقظة هي القومة لله، المذكورة في قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى (سبأ/ 46) ، فالقومة لله هي اليقظة من سنة الغفلة) * «4» .
4-* (وقال العزّيّ أيضا: إنّ العبد إذا نهض
__________
(1) أبو داود (506) ، وقال الألباني (1/ 101) : صحيح، ورواه ابن خزيمة (383) والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 18) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 276) : وهو حديث صحيح بشواهده وطرقه.
(2) لسان العرب (7/ 466- 467) .
(3) مدارج السالكين (1/ 138) .
(4) تهذيب مدارج السالكين (101) .(8/3715)
من ورطة الغفلة استنار قلبه برؤية نور التّنبيه فأوجب له ملاحظة نعم الله الباطنة والظّاهرة، وكلّما حدّق قلبه وطرفه فيها شاهد عظمتها وكثرتها فيئس من عدّها والوقوف على حدّها) * «1» .
5-* (وقال العزّيّ أيضا: اعلم أنّ العبد قبل وصول الدّاعي إليه في نوم الغفلة قلبه نائم وطرفه يقظان، فصاح به النّاصح وأسمعه داعي النّجاح وأذّن به مؤذّن الرّحمن: حيّ على الفلاح) * «2» .
6-* (قال الفيروز آباديّ: واليقظة عند القوم أوّل منازل العبوديّة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أقوى إعانتها على السّلوك، فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه وتيقّظ شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، فأخذ في أهبة السّفر وانتقل إلى منزلة القوم، وهو العهد الجازم على الشّيء ومفارقة كلّ قاطع ومعوّق، ومرافقة كلّ معين وموصّل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوّة عزمه يكون استعداده، فإذا استيقظ أوجبت اليقظة الفكرة، وهي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد سعد به مجملا ولم يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت فكرته أوجبت له البصيرة، وهي نور في القلب ترى به حقيقة الوعد والوعيد والجنّة والنّار) * «3» .
من فوائد (اليقظة)
(1) تعمر قلب المؤمن بحبّ الله ورسوله.
(2) تبصّر المؤمن طريق الهداية والنّور.
(3) يلتزم بحدود الله فلا يتعدّاها.
(4) يزهد بما في أيدى النّاس فيحبّه النّاس.
(5) يستنير قلبه بنور الإيمان.
(6) يسير على هدى وبصيرة في جميع أموره.
(7) يشعر بسعادة الدّنيا والآخرة.
__________
(1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(2) تهذيب مدارج السالكين (101) .
(3) بصائر ذوى التمييز (5/ 388، 389) .(8/3716)
اليقين
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
20/ 12/ 18
اليقين لغة:
مصدر قولهم «يقن» وهو راجع إلى مادّة (ي ق ن) الّتي تدلّ على زوال الشّكّ، وقيل: اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدّراية وأخواتها، يقال: علم يقين ولا يقال: معرفة يقين.
وقال الجوهريّ: اليقين: العلم وزوال الشّكّ، يقال منه: يقنت الأمر يقنا (ويقنا) ، وأيقنته وأيقنت به واستيقنته واستيقنت به وتيقّنت: كلّه بمعنى: أي علمته وتحقّقته، ويقال: هو يقن، ويقن ويقن، ويقنة، وميقان: إذا كان لا يسمع شيئا إلّا أيقنه.
وقال ابن منظور: اليقين هو العلم وإزاحة الشّكّ وتحقيق الأمر. يقال من ذلك: أيقن يوقن إيقانا فهو موقن، ويقن ييقن يقنا فهو يقن، واليقين: نقيض الشّكّ، والعلم نقيض الجهل، تقول علمته يقينا (أي علما لا شكّ فيه) وفي التّنزيل العزيز: إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (الحاقة/ 51) أضاف الحقّ إلى اليقين لا أنّه غيره، إنّما هو خالصه وأصحّه، فصار بمنزلة إضافة البعض إلى الكلّ، واليقين هو الموت في قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر/ 99) وإنّما صارت الياء واوا في قولك موقن للضّمّة قبلها.
وإذا صغّرتها رددتها إلى الأصل في قولك مييقن. وربّما عبّروا عن الظّنّ باليقين، وباليقين عن الظّنّ «1» .
اليقين اصطلاحا:
قال الرّاغب: اليقين هو سكون الفهم مع ثبات الحكم «2» .
وقال المناويّ: اليقين هو العلم بالشّيء بعد أن كان صاحبه شاكّا فيه، ولذلك لا يطلق على علمه تعالى «3» .
وقال الكفويّ: اليقين هو أن تعلم الشّيء ولا تتخيّل خلافه «4» .
وقال في موضع آخر: اليقين: هو الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق للواقع، وقيل: هو عبارة عن العلم المستقرّ في القلب لثبوته من سبب متعيّن له بحيث لا يقبل الانهدام «5» .
وقال التّهانويّ: اليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق الثّابت، أي الّذي لا يزول بتشكيك المتشكّك،
__________
(1) المقاييس (6/ 157) والصحاح (6/ 2219) ، بصائر ذوي التمييز (395) ، ولسان العرب (5/ 4964) .
(2) المفردات (552) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (347) .
(4) الكليات (67) .
(5) المرجع السابق (979) .(8/3717)
فبالاعتقاد يخرج الشّك، وبالجازم يخرج الظّنّ، وبالمطابق يخرج الجهل، وبالثّابت يخرج اعتقاد المقلّد «1» .
وقال الجرجانيّ: اعتقاد الشّيء بأنّه كذا مع اعتقاد أنّه لا يمكن إلّا كذا مطابقا للواقع غير ممكن الزّوال «2» .
الفرق بين التصديق والإيقان:
الفرق بين التّصديق والإيقان: أنّ اليقين قد يكون ضروريّا والتّصديق اختياريّ إذ قد يحدث اليقين ولا يحدث التّصديق وذلك كمن شاهد معجزة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يصدّق به، هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة فإنّ التّصديق يكون مقدّما على اليقين إذ لا يحدث اليقين بأحوال الآخرة إلّا بتصديق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما أخبر به عن ربّه في ذلك «3» . وقد يذكر اليقين بمعنى التّصديق (الإيمان) للمناسبة بينهما «4» .
متى يكون (لفظ) الظن يقينا؟
سبق أن ذكرنا أنّ الظّنّ قد يعبّر عنه باليقين وأنّ اليقين قد يعبّر عنه بالظّنّ، وقد نقل عن مجاهد قوله:
كلّ ظنّ في القرآن فهو يقين وهذا مشكل في كثير من الآيات، وقد ذكر المحقّقون ضوابط لتحديد المراد بالظّنّ.
أحدها: أنّه حيث وجد الظّنّ محمودا مثابا عليه فهو يقين وحيث وجد مذموما متوعّدا عليه بالعذاب فهو الشّكّ. (وهذا من جهة المعنى) .
الثّاني: أنّ كلّ ظنّ يتّصل به أن (المخفّفة من الثّقيلة) فهو شكّ وكلّ ظنّ يتّصل به أنّ المشدّدة فهو يقين «5» .
منزلة اليقين:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) منزلة اليقين وهو من الإيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنّما كان عليه، وإشاراتهم كلّها إليه، وإذا تزوّج الصّبر باليقين. ولد بينهما حصول الإمامة في الدّين. قال تعالى:- وبقوله يهتدي المهتدون-، وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) وخصّ سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال- وهو أصدق القائلين- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذاريات/ 20) وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح بين العالمين، فقال سبحانه: ... وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة/ 4- 5) وأخبر عن أهل النّار: بأنّهم لم يكونوا من أصحاب اليقين، فقال عزّ من قائل: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُ
__________
(1) الكليات (213- 980) .
(2) التعريفات (259) .
(3) الكليات (979) بتصرف.
(4) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1547) .
(5) الكليات (588) .(8/3718)
إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ الجاثية/ 32) ، فاليقين روح أعمال القلوب الّتي هي أرواح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصّدّيقيّة، وقطب هذا الشّيء الّذي عليه مداره، واليقين قرين التّوكّل، ولهذا فسّر التّوكّل بقوّة اليقين. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا وانتفى عنه كلّ شكّ وريب، وهمّ وغمّ، فامتلأ محبّة لله، وخوفا منه، ورضى به، وشكرا له، وتوكّلا عليه وإنابة إليه، فهو مادّة جميع المقامات والحامل لها «1» .
واليقين يحمل على مباشرة الأهوال وركوب الأخطار، وهو يأمر بالتّقدّم دائما، فإن لم يقارنه العلم حمل على المعاطب، والعلم (وحده) يأمر بالتّأخّر دائما وبالإحجام، فإن لم يصبه اليقين فقد يصدّ صاحبه عن المكاسب والمغانم «2» .
علامات اليقين:
قال الفيروز آباديّ: ثلاثة من أعلام اليقين:
1- قلّة مخالطة النّاس في العشرة.
2- ترك المدح لهم في العطيّة.
3- التّنزّه عن ذمّهم عند المنع.
ومن علاماته أيضا:
النّظر إلى الله في كلّ شيء، والرّجوع إليه في كلّ أمر، والاستعانة به في كلّ حال «3» .
أنواع اليقين:
قال أبو بكر الورّاق- رحمه الله-: اليقين على ثلاثة أوجه: يقين خبر، ويقين دلالة، ويقين مشاهدة.
يريد بيقين الخبر سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به، ويقين الدّلالة ما هو فوقه وهو أن يقيم له مع وثوقه بصدقه الأدلّة الدّالّة على ما أخبر به وهذا كعامّة الأخبار بالإيمان والتّوحيد وهو في القرآن، فإنّه سبحانه مع كونه أصدق القائلين الصّادقين يقيم لعباده الأدلّة والبراهين على صدق أخباره، فيحمل لهم اليقين من الوجهين، من جهة الخبر ومن جهة التّدليل. فيرتفعون من ذلك إلى الدّرجة الثّالثة وهي يقين المكاشفة بحيث يكون المخبر به كالمرئيّ لعيونهم، فنسبة الإيمان بالغيب هي إلى القلب كنسبة المرئيّ إلى العين، وهذا أعلى
أنواع اليقين، وهي الّتي أشار إليها عامر بن عبد القيس في قوله: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» وليس هذا من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا من كلام عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- كما يظنّه من لا علم له بالمنقولات «4» .
درجات اليقين:
اليقين على ثلاث درجات:
أ- علم اليقين: وهو ما ظهر من الحقّ، وقبول ما غاب للحقّ، والوقوف على ما قام بالحقّ فالّذي ظهر
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 413) باختصار. وانظر أيضا: بصائر ذوي التمييز (5/ 395) .
(2) بصائر ذوي التمييز (5/ 400) .
(3) المرجع السابق (5/ 397) .
(4) مدارج السالكين (2/ 418) بتصرف. وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 396- 405) .(8/3719)
من الحقّ هو أوامره ونواهيه ودينه الّذي أظهره على ألسنة رسله. والّذي غاب للحقّ: هو الإيمان بالغيب كالجنّة والنّار والصّراط والحساب ونحو ذلك، أمّا الوقوف على ما قام بالحقّ أي من أسمائه وصفاته وأفعاله.
ب- عين اليقين: ما استغنى به صاحبه عن طلب الدّليل لأنّ الدّليل يطلب للعلم بالمدلول، فإذا كان المدلول مشاهدا له. فلا حاجة حينئذ للاستدلال.
ج- حقّ اليقين: وهذه منزلة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، فقد رأى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بعينه الجنّة والنّار وكلّم الله تعالى موسى- عليه السّلام- بلا واسطة، أمّا بالنّسبة لنا فإنّ حقّ اليقين يتأخّر إلى وقت اللّقاء.
وممّا يوضّح ذلك: أن يخبرك شخص أنّ عنده عسلا وأنت لا تشكّ في صدقه. ثمّ أراك إيّاه فازددت يقينا، ثمّ ذقت منه. فالأوّل علم اليقين، والثّاني عين اليقين، والثّالث حقّ اليقين.
فعلمنا الآن بالجنّة والنّار: علم اليقين، فإذا أزلفت الجنّة للمتّقين، وشاهدها الخلائق، وبرّزت الجحيم للغاوين، وعاينها الخلائق فذلك: عين اليقين، فإذا أدخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار فذلك حينئذ حقّ اليقين «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التوكل- الثبات- السكينة- الطمأنينة- العلم- الفطنة- الفقه- الإيمان- تذكر الموت- الرضا- حسن الظن البصيرة والفراسة- التقوى- الزهد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء الظن- الشك- القلق- الكفر- الوسوسة- الجزع- طول الأمل- اليأس- الجهل- سوء الظن- السخط] .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 420) وبصائر ذوي التمييز (5/ 402) .(8/3720)
الآيات الواردة في «اليقين»
العمل للآخرة دليل اليقين:
1- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
2- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «2»
3- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) «3»
4- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «4»
اليقين هبة من الله لبعض عباده:
5- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) «5»
الطريق إلى اليقين:
6-* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى
__________
(1) البقرة: 1- 5 مدنية
(2) المائدة: 48- 50 مدنية
(3) النمل: 1- 5 مكية
(4) لقمان: 1- 5 مكية
(5) البقرة: 118 مدنية(8/3721)
كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) «1»
7- المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) «2»
8- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) «3»
9- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)
وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) «4»
10- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «5»
11- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) «6»
__________
(1) الأنعام: 74- 78 مكية
(2) الرعد: 1- 2 مكية
(3) الدخان: 1- 8 مكية
(4) الجاثية: 1- 6 مكية
(5) الجاثية: 18- 20 مكية
(6) الذاريات: 15- 23 مكية(8/3722)
ثواب أهل اليقين:
12- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) «1»
حق اليقين في أحوال أهل الآخرة:
13 فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91)
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «2»
14- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) «3»
عين اليقين بالرؤية:
15- وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) «4»
16- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ
__________
(1) السجدة: 23- 26 مكية
(2) الواقعة: 88- 96 مكية
(3) الحاقة: 38- 52 مكية
(4) النمل: 20- 25 مكية(8/3723)
أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «1»
17- أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) «2»
لم يقتل عيسى ابن مريم يقينا:
18- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «3»
اليقين بمعنى الموت:
19- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) «4»
20- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) «5»
__________
(1) المدثر: 31 مكية
(2) التكاثر: 1- 8 مكية
(3) النساء: 153- 158 مدنية
(4) الحجر: 94- 99 مكية
(5) المدثر: 38- 48 مكية(8/3724)
الأحاديث الواردة في (اليقين)
1-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟
قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «1» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي.
فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء.
قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس.
فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:" أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم أنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «2» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشّكّ وليبن على ما استيقن. ثمّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم. فإن كان صلّى خمسا، شفعن له صلاته.
وإن كان صلّى إتماما لأربع، كانتا ترغيما للشّيطان «3» » ) * «4» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله- عزّ وجلّ- أيّها النّاس فأسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإنّ الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل» ) * «5» .
4-* (خطب أبو بكر- رضي الله عنه- قال:
قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقامي هذا عام الأوّل، وبكى أبو بكر، فقال أبو بكر: سلوا الله المعافاة أو قال: العافية.
فلم يؤت أحد قطّ بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة. عليكم بالصّدق، فإنّه مع البرّ وهما في الجنّة، وإيّاكم والكذب فإنّه مع الفجور وهما في النّار، ولا
__________
(1) تجلاني الغشي: أي أصابني مرض قريب من الإغماء لطول تعب الوقوف.
(2) البخاري- الفتح 2 (1053) . ومسلم (905) واللفظ له.
(3) ترغيما للشيطان: إغاظة له وإذلالا.
(4) مسلم (571) .
(5) أحمد (2/ 177) واللفظ له، والترمذي نحو (3479) . إلا أن حديث الترمذي وهو من رواية أبي هريرة قال عنه غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأما حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- فقد قال عنه محقق جامع الأصول (4/ 153) بعد أن ساقه شاهدا لحديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وقد حسن إسناده. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 491) وقال: رواه أحمد بإسناد حسن.(8/3725)
تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا، وكونوا كما أمركم الله تعالى» ) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، معنا أبو بكر وعمر، في نفر. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا «2» فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع «3» دوننا وفزعنا «4» فقمنا، فكنت أوّل من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا «5» للأنصار لبني النّجّار، فدرت به هل أجد له بابا؟، فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع الجدول) فاحتفزت «6» كما يحتفز الثّعلب، فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أبو هريرة؟» ، فقلت: نعم يا رسول الله. قال:
«ما شأنك» ؟ قلت: كنت بين أظهرنا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أوّل من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب، وهؤلاء النّاس ورائي، فقال: «يا أبا هريرة (وأعطاني نعليه) قال: اذهب بنعليّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة» فكان أوّل من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النّعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّرته بالجنّة. فضرب عمر بيده بين ثدييّ فخررت لاستي «7» فقال: ارجع يا أبا هريرة؟» فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجهشت بكاء «8» وركبني عمر «9» فإذا هو على إثري. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما لك يا أبا هريرة؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالّذي بعثتني به، فضربني بين ثدييّ ضربة خررت لاستي، قال: ارجع فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمر، ما حملك على ما فعلت» ؟ قال يا رسول الله بأبي أنت وأمّي «10» أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنّة؟ قال:
«نعم» قال: فلا تفعل. فإنّي أخشى أن يتّكل النّاس عليها، فخلّهم يعملون. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فخلّهم» ) * «11» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام بلال ينادي فلمّا سكت.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قال مثل هذا يقينا «12» دخل الجنّة» ) * «13» .
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 3) واللفظ له وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (1/ 156) : إسناده صحيح ورواه الترمذي (3558) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه عن أبي بكر- رضي الله عنه-.
(2) أظهرنا: أي بيننا.
(3) أن يقتطع: أن يصاب بمكروه من عدو.
(4) فزعنا: ذعرنا لاحتباس النبي صلّى الله عليه وسلّم فهببنا نبحث عنه.
(5) حائطا: بستانا.
(6) فاحتفزت: أي تضاممت ليسعني المدخل.
(7) لاستي: هو اسم للدبر والمراد سقطت إلى الأرض.
(8) فأجهشت بكاء: هو التهيؤ للبكاء ولما يبك بعد.
(9) ركبني عمر: أي تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
(10) بأبي أنت وأمي: أي أفديك بهما.
(11) مسلم 1 (31) .
(12) يقينا: بمعنى متيقنا.
(13) أخرجه أحمد في المسند (2/ 352) ، النسائي (2/ 24) وابن حبان في صحيحه (1667) . والحاكم في المستدرك (1/ 204) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.(8/3726)
7-* (أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله قد أكرمه؟» فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: «أمّا هو فقد جاءه اليقين، والله إنّي لأرجو له الخير، والله ما أدري- وأنا رسول الله- ما يفعل بي» . قالت: فو الله لا أزكّي أحدا بعده أبدا» ) «1» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف ثمّ يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرّجل؟
فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟
فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له:
انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله.
ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا «2» . فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته.
فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك، على الشّكّ كنت، وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «3» .
9-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء «4» لك بذنبي، اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. قال: ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1243) واللفظ هنا، 12 (7003)
(2) الشعف: شدة الفزع من الخوف.
(3) ابن ماجه 2 (4268) واللفظ له، الزهد (4268) وقال وفي الزوائد: إسناده صحيح، ونحوه عند البخاري في الجنائز (1374) ، ومسلم (2870) .
(4) أبوء: أعترف.
(5) البخاري- الفتح 11 (6306) .(8/3727)
الأحاديث الواردة في (اليقين) معنى
10-* (عن عبد الله بن حبيش الخثعميّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان لا شكّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجّة مبرورة» . قيل: فأيّ الصّلاة أفضل؟
قال: «طول القنوت» . قيل: فأيّ الصّدقة أفضل؟
قال: «جهد المقلّ» . قيل: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال:
«من هجر ما حرّم الله عزّ وجلّ» . قيل: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه؟» قيل: فأيّ القتل أفضل؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده» * «1» .
11-* (عن عبّاد بن تميم عن عمّه أنّه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّجل الّذي يخيّل إليه أنّه يجد الشّيء في الصّلاة «2» . فقال: «لا ينفتل- أو لا ينصرف- حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا» ) * «3» .
12-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان أخوان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكان أحدهما يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والآخر يحترف «4» فشكا المحترف أخاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لعلّك ترزق به» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (اليقين)
1-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- في حديث أبي سفيان وهرقل الطّويل: «وبعد أن فرغ هرقل من محادثة أبي سفيان، قال أبو سفيان:
فلمّا قال ما قال يعني هرقل وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصّخب وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر «6» أمر ابن أبي «7» كبشة، إنّه يخافه ملك بني الأصفر «8» ، فما زلت موقنا أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام» ) * «9» .
2-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
«اليقين الإيمان كلّه» ) * «10» .
3-* (عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا غرار في صلاة، ولا تسليم» قال أحمد: يعني فيما
__________
(1) النسائي (5/ 58) ، واللفظ له الزكاة: جهد المقل. وقال الإمام السيوطي في معناه: والمراد تصديق بلغ حد اليقين بحيث لا يبقى معه أدنى توهم لخلافه. ورواه أبو داود (1449) وقال محقق جامع الأصول (9/ 553) : إسناده حسن.
(2) يجد الشىء في الصلاة: أي الحدث خارجا منه، وعدل عن ذكره استقذارا.
(3) البخاري- الفتح 1 (137) واللفظ له، مسلم (361) .
(4) يحترف: يكتسب ويتسبب.
(5) الترمذي (2345) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم (1/ 93 94) : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ورواته عن آخرهم ثقات، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(6) أمر- بفتح الهمزة وكسر الميمي- أي عظم.
(7) ابن أبي كبشة يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم- لأن أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض.
(8) بنو الأصفر: يعني الروم.
(9) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له، مسلم (1773) .
(10) البخاري- الفتح 1 (الإيمان، باب 1، ص 60) .(8/3728)
أرى أنّ لا تسلّم ولا يسلّم عليك ويغرّر الرّجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاكّ» ) * «1» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في قصصه يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث يعني بذلك ابن رواحة يقول:
فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
) * «2» .
5-* (قال سفيان الثّوريّ رحمه الله: «لو أنّ اليقين استقرّ في القلب كما ينبغي لطار فرحا وحزنا وشوقا إلى الجنّة، أو خوفا من النّار» ) * «3» .
6-* (قال سهل: «اليقين من زيادة الإيمان، ولا ريب أنّ الإيمان كسبيّ باعتبار أسبابه، موهبيّ باعتبار نفسه وذاته» ) * «4» .
7- وقال ابن خفيف: «هو تحقّق الأسرار بأحكام المغيّبات» ) * «5» .
8-* (وقال أبو بكر بن طاهر: «العلم يعارضه الشّكوك، واليقين لا شكّ فيه، وعند القوم: اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون إلى غير الله» ) * «6» .
9-* (قال ذو النّون: «اليقين يدعو إلى قصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزّهد، والزّهد يورث الحكمة، وهي تورث النّظر في العواقب» ) * «7» .
10-* (* (وقال بعضهم: «رأيت الجنّة والنّار حقيقة، قيل له: كيف؟ قال: رأيتها بعيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورؤيتي لهما بعينيه أوثق عندي من رؤيتي لهما بعينيّ، فإنّ بصري قد يخطيء بخلاف بصره صلّى الله عليه وسلّم» ) * «8» .
11-* (وقال أبو بكر الورّاق: «اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان، وباليقين عرف الله وبالعقل عقل عن الله» ) * «9» .
12-* (وقال ذو النّون: «ثلاثة من أعلام اليقين: قلّة مخالطة النّاس في العشرة، وترك المدح لهم في العطيّة، والتّنزّه عن ذمّهم عند المنع» ) * «10» .
13-* (وقال الجنيد- رحمه الله- تعالى:
«اليقين هو استقرار العلم الّذي لا يحول ولا ينقلب ولا يتغيّر في القلب» ) * «11» .
__________
(1) أبو داود (928) . الحاكم (1/ 264) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والغرار في الصلاة: النقصان في ركوعها وسجودها. ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر.
(2) البخاري- الفتح 10 (6151) .
(3) حلية الأولياء (7/ 17) .
(4) بصائر ذوي التمييز (5/ 397) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق (5/ 400) .
(9) بصائر ذوي التمييز (5/ 398) .
(10) المرجع السابق (5/ 397) .
(11) بصائر ذوي التمييز (5/ 397) .(8/3729)
14-* (وقال ابن عطاء- رحمه الله-: «على قدر قربهم من التّقوى أدركوا من اليقين، وأصل التّقوى مباينة المنهيّ عنه، فعلى مفارقتهم النّفس وصلوا إلى اليقين» ) * «1» .
15-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (الواقعة/ 95) قال:
إنّ الله- عزّ وجلّ- ليس تاركا أحدا من خلقه حتّى يقفه على اليقين من هذا القرآن، فأمّا المؤمن فأيقن في الدّنيا فنفعه ذلك يوم القيامة، وأمّا الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه اليقين) * «2» .
16-* (عن مجاهد قال في قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (الواقعة/ 95) الخبر اليقين) * «3» .
17-* (عن قتادة في قوله تعالى: كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (التكاثر/ 5) قال: كنّا نحدّث أنّ علم اليقين أن يعلم أنّ الله باعثه بعد الموت) * «4» .
18-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: «بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين» .
وقال- رحمه الله-: «الصّبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كلّه» ) * «5» .
من فوائد (اليقين)
(1) اليقين يزيد المسلم من ربّه قربا وحبّا ورضى.
(2) اليقين هو لبّ الدّين ومقصوده الأعظم.
(3) يزيد العبد خضوعا واستكانة لمولاه.
(4) يورث التّوكّل على الله والزّهد فيما عند النّاس.
(5) يكسب صاحبه العزّة والرّفعة ويباعده عن مواطن الذّلّة والضّعة.
(6) باليقين يتّبع النّور فيسلك طريق السّلامة إلى دار السّلام.
(7) يضع صاحبه دائما في موضع الإخلاص والصّدق.
(8) ضابط قويّ يرقب العلاقة بين المسلم وربّه ويجعلها تلتزم خطّ السّلامة والأمان حتّى يصل إلى دار الرّضوان.
(9) المسلم لا يدرك مناه في الآخرة إلّا إذا كان متّصفا بصفة اليقين.
__________
(1) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(2) الدر المنثور (8/ 40) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق (8/ 621- 622) .
(5) الفتاوى، وانظر رسالة اليقين لابن أبي الدنيا.(8/3730)
[المجلد التاسع]
محتويات المجلد التاسع
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
حرف الألف
1/ الابتداع/ 3731
2/ اتباع الهوى/ 3751
3/ الأثرة/ 3771
4/ الإجرام/ 3780
5/ الإحباط/ 3796
6/ الاحتكار/ 3808
7/ الأذى/ 3811
8/ الإرهاب/ 3828
9/ الإساءة/ 3837
10/ الاستهزاء/ 3872
11/ الإسراف/ 3884
12/ الإصرار على الذنب والعناد/ 3896
13/ إطلاق البصر/ 3905
14/ الإعراض/ 3912
15/ الاعوجاج/ 3927
16/ الافتراء/ 3935
17/ إفشاء السر/ 3946
18/ الإفك/ 3958
19/ أكل الحرام/ 3969
20/ الإلحاد/ 3980
21/ الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف/ 3987
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 22/ الإمعة/ 3995
23/ الأمن من المكر/ 3999
24/ الانتقام/ 4006
25/ إنتهاك الحرمات/ 4016
26/ الإهمال/ 4025
حرف الباء 27/ البخل/ 4029
28/ البذاءة/ 4047
29/ البذاذة/ 4060
30/ البطر/ 4068
31/ البغض/ 4073
32/ البغي/ 4084
33/ البلادة (عدم الفقه) / 4097
34/ البهتان/ 4107
حرف التاء
35/ التبذير/ 4113
36/ التبرج/ 4120
37/ التجسس/ 4129
38/ التحقير والاشمئزاز/ 4133
39/ التخاذل/ 4139
40/ التخلف عن الجهاد/ 4145
41/ ترك الصلاة/ 4159(9/3729)
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
42/ التسول/ 4168
43/ التشامل/ 4174
44/ التطفيف/ 4183
45/ التطير/ 4190
46/ التعاون على الإثم والعدوان/ 4200
47/ التعسير/ 4208
48/ التفرق/ 4217
49/ التفريط والإفراط/ 4229
50/ التكاثر/ 4237
51/ التكلف/ 4250
52/ التناجش/ 4257
53/ التنازع/ 4265
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة
54/ التنصل من المسئولية والتهرب منها/ 4280
55/ التنفير/ 4296
56/ التهاون/ 4301
57/ التولي/ 4307
حرف الجيم
58/ الجبن/ 4320
59/ الجحود/ 4326
60/ الجدال والمراء/ 4338
61/ الجزع/ 4350
62/ الجفاء/ 4358
63/ الجهل/ 4366(9/3730)
[حرف الألف]
الابتداع
الابتداع لغة:
مصدر قولهم: ابتدع الشّيء يبتدعه، وهو مأخوذ من مادّة (ب د ع) الّتي تدلّ على معنيين:
أحدهما: ابتداء الشّيء وصنعه لا عن مثال، والآخر:
الانقطاع والكلال، ومن المعنى الأوّل قولهم: أبدعت الشّيء قولا أو فعلا، إذا ابتدأته لا عن سابق مثال، والله سبحانه- بديع السّموات والأرض أي مبدعهما، والعرب تقول: ابتدع فلان الرّكيّ (البئر) إذا استنبطها وأخرج ماءها، ومن المعنى الثّاني قولهم: أبدعت الرّاحلة: إذا كلّت وعطبت، وفي الحديث أنّ رجلا أتاه فقال: يا رسول الله، إنّي أبدع بي فاحملني، (أبدع بي أي كلّت ركابي) ، ويقال: الإبداع لا يكون إلّا بظلع «1» ومن ذلك اشتقّت البدعة، وقال ابن فارس: سمّيت البدعة بذلك؛ لأنّ قائلها ابتدعها من غير مقال إمام.
وقال الرّاغب: الإبداع: إنشاء صنعة بلا احتذاء ولا اقتداء، وإذا استعمل ذلك في الله تعالى فهو إيجاد الشّيء بغير آلة ولا مادّة ولا زمان ولا مكان، ولا يكون ذلك إلّا لله- عزّ وجلّ- والبديع: المبتدع، والبديع: المبتدع (أيضا) ، والبديع الزّقّ، وقيل: الزّقّ الجديد، وفي الحديث أنّ «تهامة كبديع العسل حلو
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 13/ 76
أوّله حلو آخره» شبّهها بزقّ العسل لأنّه لا يتغيّر هواؤها، فأوّله طيّب، وآخره طيّب، وكذلك العسل لا يتغيّر وليس كذلك اللّبن، فإنّه يتغيّر. وشيء بدع أي مبتدع، ويقال: فلان بدع في هذا الأمر أي بديع، وقوم أبداع، والبدعة: الحدث في الدّين بعد الإكمال، وقيل:
البدعة كلّ محدثة، وبدّعه نسبه إلى البدعة، ويقال أبدع وابتدع، وتبدّع أتى ببدعة، واستبدعه عدّه بديعا، وأبدعت الشّيء: اخترعته لا على مثال، ويقال أيضا بدع بداعة وبدوعا، والوصف رجل بدع، وامرأة بدعة إذا كان غاية في كلّ شيء، وقد بدع الأمر بدعا صار بديعا. ويقال: البديع والبدع: الشّيء الّذي يكون أوّلا «2» . وفي التنزيل العزيز: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ (الأحقاف/ 9) ، أي ما كنت أوّل من أرسل، وقد كان قبلي رسل، والبدع: الأوّل، ويقال: شيء بدع أي مبتدع، وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع، قال عديّ بن زيد:
فلا أنا بدع من حوادث تعتري ... رجالا غدت من بعد بؤسى بأسعد «3» .
أمّا قول الله تعالى: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ (الحديد/ 27) . فالمعنى: أحدثوها
__________
(1) الظّلع والظّلع: الغمز في المشي من عرج ونحوه.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 209) ، المجمل لابن فارس (1/ 118) ، والمفردات للراغب (ص 38) ، والصحاح للجوهري (3/ 1183) ، ولسان العرب لابن منظور (1/ 229) .
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (16/ 122) .(9/3731)
من تلقاء أنفسهم، يقول القرطبيّ: وذلك أنّهم (النّصارى) حملوا أنفسهم على المشقّات في الامتناع من المطعم والمشرب والنّكاح والتّعلّق بالكهوف والصّوامع، وذلك أنّ ملوكهم غيّروا وبدّلوا، وبقي نفر قليل فترهّبوا وتبتّلوا، وقال قتادة: الرهبانيّة الّتي ابتدعوها: رفض النّساء واتّخاذ الصّوامع، وهذه الآية دالّة على أنّ كلّ محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيرا أن يدوم عليه ولا يعدل عنه إلى ضدّه «1» .
الابتداع اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الإبداع والإبتداع: إيجاد شيء غير مسبوق بمادّة ولا زمان «2» .
والبدعة: هي الفعلة المخالفة للسّنّة «3» .
وقال الرّاغب: البدعة: إيراد قول لم يستنّ قائله وفاعله فيه بصاحب الشّريعة وأماثلها المتقدّمة وأصولها المتقنة «4» .
وقال التّهانويّ: المبتدع: من خالف أهل السّنّة اعتقادا، والمبتدعون يسمّون بأهل البدع وأهل الأهواء.
وهي ما أحدث على خلاف أمر الشّارع ودليله العامّ أو الخاصّ، وقيل: هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا بمعاندة بل بنوع شبهة «5» .
قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: البدعة: طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد لله- سبحانه-.
وقيل: طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها ما يقصد بالطّريقة الشّرعيّة «6» .
وقيل البدعة: إيراد قول أو فعل لم يستنّ قائلها ولا فاعلها فيه بصاحب الشّريعة «7» .
أقسام البدعة:
إنّ الابتداع المنهيّ عنه يراد به: إحداث بدعة ضلالة، ذلك أنّ البدعة في اللّغة قد يراد منها مطلق إحداث أمر لم يكن موجودا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن ثمّ قسّم الشّافعيّ- رحمه الله- البدعة إلى قسمين:
البدعة الضّالّة: ويراد بها ما أحدث وخالف كتابا أو سنّة أو إجماعا أو أثرا.
البدعة المحمودة: ما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك «8» . والأصل في هذا ما روي عن عمر- رضي الله عنه- في قيام رمضان «نعمت البدعة هذه» ولهذا قال ابن الأثير: البدعة بدعتان:
بدعة ضلالة، وبدعة هدى، فما كان في خلاف ما أمر به الله ورسوله فهو البدعة الضّالّة الّتي هي مناط الذّمّ والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه الله ورسوله فهو بدعة هدى، وهي في حيّز المدح، ولا يجوز أن يكون ذلك في
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن (17/ 170) .
(2) كتاب التعريفات (ص 5) والمقصود هنا ابتداع الله الخلق.
(3) المرجع السابق (ص 44) .
(4) المفردات (ص 29) .
(5) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 191) .
(6) الاعتصام (1/ 37) .
(7) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 231)
(8) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 191) .(9/3732)
خلاف ما ورد الشّرع به، ومن ذلك قول عمر- رضي الله عنه- «نعمت البدعة هذه» لمّا كانت الجماعة في قيام رمضان من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة ومدحها، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يسنّها لهم، وإنّما صلّاها ثمّ تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع النّاس لها، ولا كانت في زمان أبي بكر وإنّما كان عمر- رضي الله عنه- هو الّذي جمع النّاس عليها، فبهذا سمّاها بدعة وهي في الحقيقة سنّة، لقوله صلّى الله عليه وسلّم «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي» وعلى هذا التّأويل يحمل الحديث الآخر «كلّ محدثة بدعة» إنّما يريد ما خالف أصول الشّريعة ولم يوافق السّنّة «1» .
قال ابن الأثير: وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا في الذّمّ، أي أنّه إذا أطلق لفظ البدعة فإنّه يراد بها النّوع الأوّل وهو المذموم شرعا.
أحكام البدعة (بنوعيها) :
قال التّهانويّ: وبالجملة فهي أي البدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة:
1- واجبة على الكفاية، ومن ذلك الاشتغال بالعلوم العربيّة المتوقّف عليها فهم الكتاب والسّنّة كالنّحو والصّرف واللّغة ونحو ذلك لأنّ الشّريعة فرض كفاية ولا يتأتّى إلّا بذلك.
2- محرّمة، مثل مذاهب أهل البدع المخالفة لما عليه أهل السّنّة والجماعة.
3- مندوبة: مثل إحداث الرّباطات (نقاط حراسة بلاد المسلمين) والمدارس ونحوهما.
4- مكروهة: مثل زخرفة المساجد وتزيين المصاحف.
5- مباحة: مثل التّوسّع في لذيذ المآكل والمشارب والملابس «2» .
قال الشّيخ الدهلويّ في شرح المشكاة: بشرط حلّها، وألّا تكون سببا في الغرور والتّكبّر والتّفاخر وكذلك الشّأن في المباحات الأخرى الّتي لم تكن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» .
كل البدع ضلالة:
بعد أن أورد الإمام الشّاطبيّ تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة ردّ هذا التّقسيم وبالغ في ذلك فقال رحمه الله تعالى-: والجواب: أنّ هذا التّقسيم أمر مخترع لا يدلّ عليه دليل شرعيّ بل هو في نفسه متدافع لأنّ من حقيقة البدعة أن لا يدلّ عليها دليل شرعيّ لا من نصوص الشّرع ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدلّ من الشّرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمّ بدعة، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخيّر فيها، فالجمع بين عدّ تلك الأشياء بدعا وبين كون الأدلّة تدلّ على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين «4» .
حكم المبتدع:
قال الكفويّ: حكم المبتدع (للبدعة الضّالّة) في الدّنيا الإهانة باللّعن وغيره وفي الآخرة حكم الفاسق، وعند الفقهاء حكم بعضهم حكم الكافر وحكم الآخرين حكم الضّالّ، والمختار عند جمهور أهل السّنّة من الفقهاء والمتكلّمين عدم تكفير أهل القبلة
__________
(1) النهاية (1/ 106) (بتصرف واختصار) .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 191) .
(3) المرجع السابق (1/ 191) ، وقد جعل لها الكفوي ثلاثة أحكام: واجبة ومندوبة ومباحة، انظر الكليات (ص 243) .
(4) الاعتصام للشاطبي (1/ 191- 192) .(9/3733)
من المبتدعة والمؤوّلة في غير المعلوم من الدّين بالضّرورة لكون التّأويل شبهة «1» .
البديع في أسماء الله تعالى:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: البديع وهو الخالق المخترع لا عن مثال سابق، فعيل بمعنى مفعل، يقال: أبدع فهو مبدع.
قال ابن منظور- رحمه الله تعالى-: البديع من أسماء الله تعالى: هو الأوّل قبل كلّ شيء، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع، أو يكون من بدع الخلق أي بدأه، والله تعالى كما قال سبحانه: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (البقرة/ 117) أي خالقهما ومبدعهما فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق وسمّي بذلك: لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها. قال أبو إسحاق: يعني أنّه أنشأها على غير حذاء ولا مثال.
وبديع فعيل بمعني فاعل مثل قدير بمعنى قادر، وهو صفة من صفات الله تعالى لأنّه بدأ الخلق على ما أراد على غير مثال تقدّمه «2» .
أسباب ودوافع البدعة:
قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ صاحب البدعة إنّما يخترعها ليضاهي بها السّنّة حتّى يكون ملبسا بها على الغير، أو تكون هي ممّا تلتبس عليه بالسّنّة، إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع، لأنّه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا، ولا يجيبه غيره إليه.
فأنت ترى العرب في الجاهليّة في تغيير ملّة إبراهيم عليه السّلام كيف تأوّلوا فيما أحدثوه احتجاجا منهم، كقولهم في أصل الإشراك ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ 3) ، وكترك الحمس «3» الوقوف بعرفة لقولهم: لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته.
وكطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها، وما أشبه ذلك ممّا وجّهوه ليصيّروه بالتّوجيه كالمشروع، فما ظنّك بمن عدّ أو عدّ نفسه من خواصّ أهل الملّة؟ فهم أحرى بذلك (وهم المخطئون وظنّهم الإصابة) إنّ أصل الدّخول في البدعة يحثّ على الانقطاع إلى العبادة والتّرغيب في ذلك، لأنّ الله تعالى يقول: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) فكأنّ المبتدع رأى أنّ المقصود هذا المعنى، ولم يتبيّن له أنّ ما وضعه الشّارع فيه من القوانين والحدود كاف (فرأى من نفسه أنّه لا بدّ لما أطلق الأمر فيه من قوانين منضبطة، وأحوال مرتبطة، مع ما يداخل النّفوس من حبّ الظّهور أو عدم مظنّته) . وأيضا فإنّ النّفوس قد تملّ وتسأم من الدّوام على العبادات المرتّبة، فإذا جدّد لها أمر لا تعهده، حصل لها نشاط آخر لا يكون لها مع البقاء على الأمر الأوّل.
وقد تبيّن بهذا أنّ البدع لا تدخل إلّا في
__________
(1) الكليات للكفوي (ص 243- 244) بتصرف.
(2) النهاية لابن الأثير (1/ 106) ، ولسان العرب (1/ 230) .
(3) الحمس: قريش لأنهم كانوا يتشددون في دينهم وشجاعتهم فلا يطاقون، وقيل: كانوا لا يستظلون أيام منى ولا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون ولا يسلئون السمن ولا يلقطون الجلة.(9/3734)
العبادات. فكلّ ما اخترع من الطّرق في الدّين ممّا يضاهي المشروع ولم يقصد به التّعبّد فقد خرج عن هذه التّسمية. كالمغارم الملزمة على الأموال وغيرها على نسبة مخصوصة وقدر مخصوص ممّا يشبه فرض الزّكوات ولم يكن إليها ضرورة. وكذلك اتّخاذ المناخل وغسل اليد بالأشنان وما أشبه ذلك من الأمور الّتي لم تكن قبل.
إنّ البدعة في عموم لفظها يدخل فيها البدعة التّركيّة، كما يدخل فيها البدعة غير التّركيّة، فقد يقع الابتداع بنفس التّرك تحريما للمتروك أو غير تحريم، فإنّ الفعل مثلا قد يكون حلالا بالشّرع فيحرّمه الإنسان على نفسه أو يقصد تركه قصدا، فهذا التّرك إمّا أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعا أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه، إذ معناه أنّه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب تركه، كالّذي يحرّم على نفسه الطّعام الفلانيّ من جهة أنّه يضرّه في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من التّرك: فإن قلنا بطلب التّداوي للمريض فإنّ التّرك هنا مطلوب، وإن قلنا بإباحة التّداوي، فالتّرك مباح، فهذا راجع إلى أنّ العزم على الحمية ليس من المضرّات. وأمّا إن كان التّرك تديّنا فهو الابتداع في الدّين على كلتا الطّريقتين، إذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار التّرك المقصود معارضة للشارع في شرع التّحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87) ، فنهى أوّلا عن تحريم الحلال. ثمّ جاءت الآية تشعر بأنّ ذلك اعتداء لا يحبّه الله. لأنّ بعض الصّحابة همّ أن يحرّم على نفسه النّوم باللّيل، وآخر الأكل بالنّهار، وآخر إتيان النّساء، وبعضهم همّ بالاختصاء، مبالغة في ترك شأن النّساء. وفي أمثال ذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«من رغب عن سنّتي فليس منّي» . فإذا كلّ من منع نفسه من تناول ما أحلّ الله من غير عذر شرعيّ فهو خارج عن سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والعامل بغير السّنّة تديّنا هو المبتدع بعينه. (فإن قيل) فتارك المطلوبات الشّرعيّة ندبا أو وجوبا، هل يسمّى مبتدعا أم لا؟ (فالجواب) أنّ التّارك للمطلوبات على ضربين: (أحدهما) أن يتركها لغير التّديّن إمّا كسلا أو تضييعا أو ما أشبه ذلك من الدّواعي النّفسيّة. فهذا الضّرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية، وإن كان في ندب فليس بمعصية، إذا كان التّرك جزئيّا، وإن كان كلّيّا فمعصية حسبما تبيّن في الأصول.
(والثّاني) أن يتركها تديّنا. فهذا الضّرب من قبيل البدع حيث تديّن بضدّ ما شرع الله، ومثاله أهل الإباحة القائلين بإسقاط التّكاليف إذا بلغ السّالك عندهم المبلغ الّذي حدّوه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الحكم بغير ما أنزل الله- القدوة السيئة- التفريط والإفراط- الغلو.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاتباع- الأسوة الحسنة- الاعتصام- الإيمان- الإسلام- الحكم بما أنزل الله] .
__________
(1) الاعتصام (1/ 40- 44) بتصرف(9/3735)
الآيات الواردة في «الابتداع»
1- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «1»
الآيات الواردة في «الابتداع» ولها معنى آخر
2- وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) «2»
3- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) «3»
4- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) «4»
__________
(1) الحديد: 26- 27 مدنية
(2) البقرة: 116- 117 مدنية
(3) الأنعام: 100- 103 مكية
(4) الأحقاف: 7- 9 مكية(9/3736)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الابتداع)
1-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله احتجز التّوبة عن صاحب كلّ بدعة» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته ... الحديث. وفيه يقول: «أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدى هدى محمّد صلّى الله عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها. وكلّ بدعة ضلالة ...
الحديث» ) * «2» .
3-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها «3» العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنّ هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا؟، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين، الرّاشدين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ «4» ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «5» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها «6» ، ممّا بي من القوّة على العبادة: من الصّوم والصّلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته «7» ، حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا. فأقبل عليّ، فعذمني «8» ، وعضّني بلسانه فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب، فعضلتها، وفعلت وفعلت ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني، فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته، فقال لي: «أتصوم النّهار؟» قلت:
نعم، قال: «وتقوم اللّيل؟» قلت: نعم، قال: «لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب
__________
(1) رواه ابن أبي عاصم في السنة رقم (37) . وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة (10/ 189) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 86) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.. وذكره الألباني في الصحيحة (4/ 154) رقم (1620) وقال: حسن.
(2) مسلم (867) . ومعناه عند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه الفتح 13 (7277) .
(3) ذرفت العين: سال دمعها. كناية عن شدة التأثر بالموعظة.
(4) النواجذ: أقصى الأضراس وهي أربعة. أو هي الأنياب أو التي تلي الأنياب والمقصود: شدة التمسك بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والراشدين من الخلفاء.
(5) أبو داود (4607) . واللفظ له والترمذي (2676) وقال: حسن صحيح.
(6) لا أنحاش لها: يقال: انحاش عنه: نفر وتقبّض. ويؤدي هذا أنه لو قيل: انحاش له يكون المعنى: أقبل عليه وانبسط له. فقوله: لا أنحاش لها معناه أنه لم يقبل على زوجته ولم يمل إليها لإقباله على العبادة.
(7) الكنّة: بفتح الكاف وتشديد النون: امرأة الابن أو الأخ وهي هنا بالمعنى الأول.
(8) عذمني: لامني.(9/3737)
عن سنّتي فليس منّي» ، قال: «اقرأ القرآن في كلّ شهر» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ ثلاث» ، قال: ثمّ قال: «صم في كلّ شهر ثلاثة أيّام» ، قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: «صم يوما وأفطر يوما، فإنّه أفضل الصّيام، وهو صيام أخي داود» ، ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ لكلّ عابد شرّة «1» ، ولكلّ شرّة فترة «2» ، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعدّ «3» تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه كذلك، يزيد أحيانا، وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد، إمّا في سبع، وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك:
لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الابتداع) معنى
5-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق «5» .
فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة فإنّ مثل ذلك كمثل
__________
(1) الشرّة: النشاط والرغبة.
(2) الفترة: الضعف والانكسار.
(3) بعد تلك الأيام: أي بعددها.
(4) البخاري- الفتح 4 (1979) وفي مواضع كثيرة. ومسلم (1159) . وهذا لفظ أحمد (2/ 158) وقال أحمد شاكر (9/ 235) : إسناده صحيح مشهور أخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا مطولا بهذه السياقة إلا في هذا الموضع.
(5) الورق: بفتح الواو وكسر الراء- الدراهم.(9/3738)
رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده «1» إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه «2» ، فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره «3» سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم «4» ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله.
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ:
السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام «5» من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «6» جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين. عباد الله) * «7» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها-، قالت:
تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ (آل عمران/ 7) ، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله، فاحذروهم» ) * «8» .
7-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني، فأقول:
يا ربّ، أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ) * «9» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السّرّ والعلانية، والعدل في الرّضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى. وثلاث مهلكات: هوى متّبع، وشحّ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «10» .
9-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: سألت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك- يعني بنفسك-
__________
(1) أوثقوا يده: شدوها إلى عنقه بالوثاق وهو ما يشد به من حبل ونحوه.
(2) ليضربوا عنقه: ليقتلوه.
(3) في أثره: وراءه.
(4) أحرز نفسه: حماها ومنعها منهم.
(5) ربقة الإسلام: المراد رباطه.
(6) جثا جهنم: ما اجتمع فيها من الحجارة أي يصير وقودا لها كما أن الحجارة وقودها.
(7) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح.
(8) البخاري- الفتح 8 (4547) .
(9) البخاري- الفتح 11 (6576) واللفظ له ومسلم (2297) .
(10) كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 59) برقم 80. وذكره في مجمع الزوائد (1/ 91) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار. وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2/ 62) برقم 3039 وقال: صحيح، وفي الصحيحة (4/ 412) برقم (1802) .(9/3739)
ودع عنك العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» وزادني غيره قال:
يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم» ) * «1» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا.
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «2» .
11-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني.
فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «3» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي «4» ، تعرف منهم وتنكر» .
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم.
دعاة على أبواب جهنّم «5» من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «6» .
12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: «هذه سبل متفرّقة، قال: على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثمّ قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي
__________
(1) أبو داود (4341) واللفظ له. والترمذي (3058) وقال: حسن غريب وابن ماجه (4014) . وقال ابن كثير في التفسير (2/ 109) : ورواه أيضا ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم.
(2) البخاري الفتح 9 (5063) واللفظ له. مسلم (1401) .
(3) دخن: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
(4) هديي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة.
(5) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين إمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.
(6) البخاري- الفتح 13 (7084) ومسلم (1847) واللفظ له.(9/3740)
مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153)) * «1» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ «2» » ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الابتداع)
1-* (عن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ صبيغا العراقيّ جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتّى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب، فلمّا أتاه الرّسول بالكتاب فقرأه، فقال: أين الرّجل؟ فقال:
في الرّحل قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك منّي به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة، فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتّى ترك ظهره وبرة ثمّ تركه حتّى برأ، ثمّ عاد له، ثمّ تركه حتّى برأ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ:
إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعريّ: أن لا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتدّ ذلك على الرّجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أن قد حسنت توبته، فكتب عمر: أن يأذن للنّاس بمجالسته» ) * «4» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «إيّاكم وأصحاب الرّأي، فإنّهم أعداء السّنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرّأي، فضلّوا وأضلّوا» ) * «5» .
3-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «عليكم بالسّبيل والسّنّة، فإنّه ما على الأرض عبد على السّبيل والسّنّة، وذكر الرّحمن ففاضت عيناه من خشية الله- عزّ وجلّ- فيعذّبه. وما على الأرض عبد على السّبيل والسّنّة وذكره (يعني الرّحمن) في نفسه فاقشعرّ جلده من خشية الله إلّا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك، وإذا أصابتها ريح شديدة فتحاتّ «6» عنها ورقها إلّا حطّ عنه خطاياه كما تحاتّ عن تلك الشّجرة ورقها. وإنّ اقتصادا في سبيل وسنّة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنّة. فانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنّتهم» ) * «7» .
4-* (قال حذيفة- رضي الله عنه-:
«يا معشر القرّاء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن
__________
(1) أحمد (1/ 435) واللفظ له. والحاكم (2/ 318) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والسنة لابن أبي عاصم (13) حديث (17) وقال الألباني (مخرجه) : إسناده حسن والحديث صحيح. ومجمع الزوائد (7/ 22) وقال: رواه أحمد والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف.
(2) فهو رد: أي غير مقبول ولا جزاء عليه إلا العقاب.
(3) البخاري الفتح 5 (2697) واللفظ له. ومسلم (1718)
(4) الدارمي (1/ 67) برقم 148.
(5) الفتح (13/ 302) وعزاه للبيهقي.
(6) تحاتّ: أي تساقط.
(7) حلية الأولياء (1/ 252، 253) . وأصول الاعتقاد 1 (54) واللفظ له.(9/3741)
أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا» ) * «1» .
5-* (عن عمرو بن زرارة قال: «وقف عليّ عبد الله، يعني ابن مسعود وأنا أقصّ، فقال: يا عمرو، لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنّك لأهدى من محمّد وأصحابه. فلقد رأيتهم تفرّقوا عنّي حتّى رأيت مكاني ما فيه أحد» ) * «2» .
6-* (عن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي حدّث عن أبيه قال: «كنّا نجلس على باب عبد الله ابن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعريّ فقال:
أخرج إليكم أبو عبد الرّحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتّى خرج، فلمّا خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرّحمن، إنّي رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلّا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصّلاة، في كلّ حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة، فيكبّرون مائة، فيقول: هلّلوا مائة، فيهلّلون مائة، ويقول: سبّحوا مائة، فيسبّحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدّوا سيّئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثمّ مضى ومضينا معه حتّى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الّذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرّحمن، حصى نعدّ به التّكبير والتّهليل والتّسبيح، قال: فعدّوا سيّئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمّة محمّد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والّذي نفسي بيده، إنّكم لعلى ملّة هي أهدى من ملّة محمّد أومفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرّحمن ما أردنا إلّا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثنا أنّ قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعلّ أكثرهم منكم، ثمّ تولّى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامّة أولئك الخلق، يطاعنونا يوم النّهروان مع الخوارج» ) * «3» .
7-* (عن قيس بن أبي حازم قال: «ذكر لابن مسعود قاصّ يجلس باللّيل ويقول للنّاس: قولوا كذا وقولوا كذا، فقال: إذا رأيتموه فأخبروني، قال:
فأخبروه، فجاء عبد الله متقنّعا فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنّكم لأهدى من محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أو إنّكم لمتعلّقون بذنب ضلالة» ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7282) .
(2) قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين أحدهما صحيح (1/ 89) وهو في معجم الطبراني الكبير (9/ 136) برقم (8637) .
(3) الدارمي (1/ 60- 61) .
(4) رواه الطبراني في الكبير (9/ 125) رقم (8629) . وعبد الرزاق في المصنف (5408) وإسناده صحيح. وصححه الهيثمي في المجمع (1/ 181) .(9/3742)
8-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
«قد أصبحتم على الفطرة وإنّكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدى الأوّل» ) * «1»
9-* (وقال- رضي الله عنه-: الاقتصاد في السّنّة خير من الاجتهاد في البدعة» ) * «2» .
10-* (وقال: «تعلّموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله، ألا وإيّاكم والتّنطّع والتّعمّق والبدع، وعليكم بالعتيق» ، وفي رواية أخرى: أيّها النّاس، إنّكم ستحدثون ويحدث لكم فعليكم بالأمر الأوّل» ) * «3» .
11-* (وقال: «إنّا نقتدي ولا نبتدي، ونتّبع ولا نبتدع، ولن نضلّ ما تمسّكنا بالأثر» ) * «4» .
12-* (وقال: «عليكم بالطّريق فالزموه ولئن أخذتم يمينا وشمالا لتضلّنّ ضلالا بعيدا» ) * «5» .
13-* (وقال: «إنّ أصدق القول قول الله وإنّ أحسن الهدي هدي محمّد صلّى الله عليه وسلّم والشّقيّ من شقي في بطن أمّه، وإنّ شرّ الرّوايا روايا الكذب، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ ما هو آت قريب» ) * «6» .
14-* (عن أبي إدريس الخولانيّ- عايذ الله:
«أنّ يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، أخبره، قال: كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط، هلك المرتابون.
فقال: معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق، والرّجل والمرأة، والصّغير والكبير، والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن يقول: ما للّناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ. قال: قلت لمعاذ: ما يدريني- رحمك الله- أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات، الّتي يقال: ما هذا؟ ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته، فإنّ على الحقّ نورا» ) * «7» .
15-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-:
أنّه أتاه رجل فقال: أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم؟ قال: ما يمنعك من ذلك؟ قال: إنّ فلانا ينهانا عن ذلك حتّى يرجع النّاس من الموقف، ورأيته كأنّه مالت به الدّنيا وأنت أعجب إلينا منه. قال ابن عمر:
تمتّع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطاف بالبيت وسعى بين الصّفا
__________
(1) الفتح (13/ 253) .
(2) الحاكم (1/ 103) وقال: على شرطهما ووافقه الذهبي والدارمي (1/ 83) وقال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم (الدارمي (1/ 80) .
(3) الدارمي (1/ 59) واللالكائي (1/ 87) نحوه.
(4) اللالكائي (1/ 86) .
(5) الدارمي (1/ 60) ، وذكره السيوطي في الأمر بالاتباع (89) .
(6) البخاري- الفتح (13/ 249) . والدارمي (1/ 80) وهذا لفظه.
(7) أبو داود (4/ 202) رقم (4611) . ومعناه عند الدارمي (1/ 78) .(9/3743)
والمروة وسنّة الله ورسوله أحقّ أن تتّبع من سنّة ابن فلان إن كنت صادقا» ) * «1» .
16-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«كلّ بدعة ضلالة، وإن رآها النّاس حسنة» ) * «2» .
17-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يوصي عثمان الأزديّ: «عليك بتقوى الله تعالى والاستقامة، اتّبع ولا تبتدع» ) * «3» .
18-* (وقال: إنّ أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع» ) * «4» .
19-* (وقال: «عليكم بالاستقامة والأثر وإيّاكم والبدع» ) * «5» .
20-* (وقال أيضا: في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فأهل السّنّة والجماعة وأولو العلم. فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ (آل عمران/ 106- 107) فأهل البدع والضّلالة» ) * «6» .
21-* (وقال أيضا: «من أحدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله- عزّ وجلّ-» ) * «7» .
22-* (قال عبد الله بن الدّيلميّ- رضي الله عنه-: «بلغني: أنّ أوّل ذهاب الدّين ترك السّنّة، يذهب الدّين سنّة سنّة كما يذهب الحبل قوّة قوّة» ) * «8» .
23-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«لو أنّ رجلا أدرك السّلف الأوّل ثمّ بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خدّه ثمّ قال: إلّا هذه الصّلاة، ثمّ قال: أما والله على ذلك لمن عاش في النّكر ولم يدرك ذلك السّلف الصّالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه من ذلك، وجعل قلبه يحنّ إلى ذلك السّلف الصّالح، يسأل عن سبلهم، ويقتصّ آثارهم، ويتّبع سبيلهم، ليعوّض أجرا عظيما، وكذلك فكونوا إن شاء الله» ) * «9» .
24-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«لو خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليكم ما عرف شيئا ممّا كان عليه هو وأصحابه إلّا الصّلاة، قال الأوزاعيّ: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزاعيّ هذا الزّمان؟» ) * «10» .
25-* (قال أبو إدريس الخولانيّ «لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها أحبّ إليّ من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها» ) * «11» .
26-* (قالت أمّ الدّرداء- رضي الله عنها-:
__________
(1) أحمد (2/ 56، 57) ورجاله كلهم ثقات.
(2) اللالكائي (1/ 92) .
(3) الدارمي (1/ 50) .
(4) البيهقي (4/ 316) .
(5) الاعتصام (1/ 81) .
(6) أصول الاعتقاد (1/ 72) .
(7) الاعتصام (1/ 101) .
(8) سنن الدارمي (1/ 58) .
(9) الاعتصام (1/ 26) .
(10) المرجع السابق (1/ 26) .
(11) المرجع السابق (1/ 82) .(9/3744)
«دخل أبو الدّرداء وهو غضبان، فقلت: ما أغضبك؟
فقال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمّد إلّا أنّهم يصلّون جميعا» ) * «1» .
27-* (عن أبي العالية:- رحمه الله تعالى- قال: «تعلّموا الإسلام فإذا تعلّمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصّراط المستقيم، فإنّه الإسلام، ولا تحرّفوا يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنّة نبيّكم وما كان عليه أصحابه من قبل أن يقتلوا صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الّذي فعلوا. قد قرأنا القرآن من قبل أن يقتلوا صاحبهم ومن قبل أن يفعلوا الّذي فعلوا، وإيّاكم وهذه الأهواء الّتي تلقي بين النّاس العداوة والبغضاء.
فحدّث الحسن بذلك فقال: رحمه الله، صدق ونصح» ) * «2» .
28-* (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى-:
«ما أدري أيّ النّعمتين أفضل؟ أن هداني الله للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء» ) * «3» .
29-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «سنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوّة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النّظر فيما خالفها. من اقتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتّبع غير سبيل المؤمنين ولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا» ) «4» .
30-* (وقال- رحمه الله-: والله لولا أن أنعش سنّة قد أميتت، أو أن أميت بدعة قد أحييت لكرهت أن أعيش فيكم فواقا «5» » ) * «6» .
31-* (وعنه- رحمه الله- أنّه كان يكتب في كتبه: «إنّي أحذّركم ما مالت إليه الأهواء والزّيغ البعيدة. ولمّا بايعه النّاس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّه ليس بعد نبيّكم نبيّ، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنّتكم سنّة، ولا بعد أمّتكم أمّة، ألا وإنّ الحلال ما أحلّ الله في كتابه على لسان نبيّه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإنّ الحرام ما حرّم الله في كتابه على لسان نبيّه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإنّي لست بمبتدع ولكنّي متّبع» ) * «7» .
32-* (وعنه- رحمه الله- أيضا:
«خذوا من الرّأي ما يصدّق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنّهم خير منكم وأعلم» ) * «8» .
33-* (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما
__________
(1) الاعتصام (1/ 26) .
(2) المرجع السابق (1/ 85) . وهو في الحلية بمعناه (2/ 218) . وسير أعلام النبلاء (4/ 210) .
(3) حلية الأولياء (2/ 218) .
(4) إغاثة اللهفان (1/ 159) . والاعتصام (1/ 87) .
(5) فواقا: يعني زمنا قليلا بمقدار حلب الناقة.
(6) الاعتصام (1/ 34) .
(7) المرجع السابق (1/ 86) .
(8) الحلية (5/ 270) .(9/3745)
جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السّنّة فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: إنّما حدث بعدهم، ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير بإذن الله وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر» ) * «1» .
34-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتابا فيه: وقسم أبيك لك الخمس كلّه، وإنّما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين وفيه حقّ الله وحقّ الرّسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل فما أكثر خصماء أبيك يوم القيامة، فكيف ينجو من كثرت خصماؤه؟ وإظهارك المعارف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجزّ جمّتك جمّة السّوء» ) * «2» .
35-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-:
«شهدت شريحا وجاءه رجل من مراد فقال: يا أبا أميّة، ما دية الأصابع؟ قال: عشر عشر. قال: يا سبحان الله أسواء هاتان وجمع بين الخنصر والإبهام فقال شريح: يا سبحان الله أسواء أذنك ويدك؟ فإنّ الأذن يواريها الشّعر والعمامة، فيها نصف الدّية، وفي اليد نصف الدّية، ويحك إنّ السّنّة سبقت قياسكم، فاتّبع ولا تبتدع، فإنّك لن تضلّ ما أخذت بالأثر. ثمّ قال له الشّعبيّ: يا هذا لو أنّ أحنفكم قتل وهذا الصّبيّ في مهده أكان ديّتهما سواء؟ قلت: نعم. قال: فأين القياس؟» ) * «3» .
36-* (قال ابن سيرين: «ما أخذ رجل ببدعة فراجع سنّة» ) * «4» .
37-* (قال محمّد بن سيرين- رحمه الله تعالى-: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمّا وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنّة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم» ) * «5» .
38-* (قال مجاهد في قوله تعالى-: وَلا
__________
(1) أبو داود (4/ 202، 203) رقم (4612) .
(2) النسائي (7/ 129) . وصححه الألباني في صحيح النسائي (3855) . والجمة- بضم الجيم- مجتمع شعر الرأس وجزها: حلقها وذلك على وجه التحقير والإهانة.
(3) سنن الدارمي (1/ 77) .
(4) الدارمي (1/ 80) .
(5) مسلم في المقدمة (1/ 15) .(9/3746)
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ (الأنعام/ 153) قال: البدع والشّبهات» ) * «1» .
39-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «دخلت أنا وعروة بن الزّبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى، قال: فسألناه عن صلاتهم فقال: بدعة «2» ، ثمّ قال له: كم اعتمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قال: أربعا» ) * «3» .
40-* (قال ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى-:
«ثلاث لا تبلونّ نفسك بهنّ: لا تدخل على السّلطان، وإن قلت: آمره بطاعة الله، ولا تصغينّ بسمعك إلى هوى، فإنّك لا تدري ما يعلق بقلبك منه، ولا تدخل على امرأة، ولو قلت أعلّمها كتاب الله» ) * «4» .
41-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- «إنّما هلك من كان قبلكم حين تشعّبت بهم السّبل، وحادوا عن الطّريق فتركوا الآثار وقالوا في الدّين برأيهم فضلّوا وأضلّوا» ) * «5» .
42-* (سئل الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- عن الصّلاة خلف صاحب البدعة فقال: «صلّ خلفه، وعليه بدعته» ) * «6» .
43-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «السّنّة- والّذي لا إله إلّا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإنّ أهل السّنّة كانوا أقلّ النّاس فيما مضى، وهم أقلّ النّاس فيما بقي:
الّذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنّتهم حتّى لقوا ربّهم. فكذلك إن شاء الله فكونوا» ) * «7» .
44-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده يعرضون أعمال العباد على كتاب الله فإذا وافقوه حمدوا الله، وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله ضلالة من ضلّ، وهدى من اهتدى، فأولئك خلفاء الله» ) * «8» .
45-* (وقال: لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا حجّا ولا عمرة حتّى يدعها» ) * «9» .
46-* (وقال: «صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا، صياما وصلاة، إلّا ازداد من الله بعدا» ) * «10» .
47-* (وقال: «لا تجالس صاحب بدعة فإنّه يمرض قلبك» ) * «11» .
48-* (قال حسّان بن عطيّة: «ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلّا نزع الله من سنّتهم مثلها، ثمّ لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» ) * «12» .
__________
(1) الاعتصام (1/ 58) .
(2) قوله (بدعة) قال الحافظ في الفتح (3/ 53) : قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة لأنّها مخالفة للسنة.
(3) البخاري- الفتح 3 (1775) . ومسلم (1255) .
(4) سير أعلام النبلاء (5/ 77) .
(5) الاعتصام (1/ 102) .
(6) ذكره الحافظ في فتح الباري (2/ 188) وعزاه لسعيد بن منصور (وسنده صحيح) .
(7) إغاثة اللهفان (1/ 70) .
(8) الاعتصام (1/ 34) .
(9) الأمر بالاتباع (ص 78) .
(10) الاعتصام (1/ 82) .
(11) المرجع السابق (1/ 83) .
(12) الدارمي (1/ 58) رقم (98) وسنده صحيح.(9/3747)
49-* (قال أيّوب: «ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلّا ازداد من الله بعدا» ) * «1» .
50-* (قال يحيى بن أبي كثير: «إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر» ) * «2» .
51-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«اصبر نفسك على السّنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكفّ عمّا كفّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصّالح، فإنّه يسعك ما وسعهم» ) * «3» .
52-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى-:
«البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها» ) * «4» .
53-* (وقال سفيان أيضا: دع الباطل. أين أنت عن الحقّ؟، اتّبع السّنّة، ودع البدعة» ) * «5» .
54-* (قال مالك: «بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلّم عليهم» ) * «6» .
55-* (قال أصبغ- تلميذ الإمام مالك- رحمهما الله تعالى- لمن سأله عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدّمين: «هو بدعة، ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامّة، قيل له:
دعاؤه للغزاة والمرابطين. قال: «ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأمّا أن يكون شيئا يعمد له في خطبته دائما فإنّي أكره ذلك» ) * «7» .
56-* (كان مالك كثيرا ما ينشد:
وخير أمور الدّين ما كان سنّة ... وشرّ الأمور المحدثات البدائع) * «8» .
57-* (قال ابن الماجشون- رحمه الله تعالى-: سمعت مالكا- رحمه الله تعالى- يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم خان الرّسالة، لأنّ الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة/ 3) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا» ) * «9» .
58-* (قال فضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-:
«من جلس إلى صاحب بدعة فاحذروه. وقال: من أحبّ صاحب بدعة أحبط الله عمله. وأخرج نور الإسلام من قلبه» ) * «10» .
59-* (وقال: «إذا رأيت مبتدعا في طريق فخذ في طريق آخر، ولا يرفع لصاحب البدعة إلى الله عزّ وجلّ- عمل، ومن أعان صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» ) * «11» .
60-* (وقال: «من زوّج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها» ) * «12» .
61-* (وقال: «إذا علم الله من رجل أنّه
__________
(1) الأمر بالاتباع (81) وعزاه لتلبيس ابليس (ص 13) . والاعتصام (1/ 83) .
(2) الاعتصام (1/ 84) .
(3) اللالكائي في شرح السنة (1/ 154) .
(4) تلبيس إبليس (ص 13) .
(5) شرح السنة للبغوي (1/ 217) . وذكره في الأمر بالاتباع (ص 83) .
(6) ذكره في الأمر بالاتباع (ص 83) وعزاه لشرح السنة (1/ 129) .
(7) الاعتصام (1/ 27، 28) .
(8) المرجع السابق (1/ 85) .
(9) المرجع السابق (1/ 49) .
(10) تلبيس إبليس (ص 14)
(11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(12) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(9/3748)
مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له سيّئاته» ) * «1» .
62-* (وقال: «اتّبع طرق الهدى ولا يضرّك قلّة السّالكين، وإيّاك وطرق الضّلالة ولا تغترّ بكثرة الهالكين» ) * «2» .
63-* (وقال: «من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة» ) * «3» .
64-* (وقال: «من علامة البلاء أن يكون الرّجل صاحب بدعة» ) * «4» .
65-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «لأن يلقى الله العبد بكلّ ذنب ما خلا الشّرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء» ) * «5» .
66-* (قال أبو بكر التّرمذيّ- رحمه الله تعالى-: «لم يجد أحد تمام الهمّة بأوصافها إلّا أهل المحبّة، وإنّما أخذوا ذلك باتّباع السّنّة ومجانبة البدعة، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كان أعلى الخلق كلّهم همّة وأقربهم زلفى» ) * «6» .
67-* (قال أبو الحسن الورّاق- رحمه الله تعالى-: «لا يصل العبد إلى الله إلّا بموافقة حبيبه صلّى الله عليه وسلّم في شرائعه، ومن جعل الطّريق إلى الوصول في غير الاقتداء يضلّ من حيث يظنّ أنّه مهتد» ) * «7» .
68-* (سئل إبراهيم الخوّاص- رحمه الله- عن العافية فقال: «العافية أربعة أشياء: دين بلا بدعة، وعمل بلا آفة، وقلب بلا شغل، ونفس بلا شهوة» ) * «8» .
69-* (قال أبو عثمان النّيسابوري- رحمه الله تعالى-: «من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، قال الله- تعالى- وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (النور/ 54) * «9» .
70-* (قال ذو النّون المصريّ- رحمه الله تعالى-: «إنّما دخل الفساد على الخلق من ستّة أشياء:
الأوّل: ضعف النّيّة بعمل الآخرة. والثّاني: صارت أبدانهم مهيّأة لشهواتهم. والثّالث: غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل. والرّابع: آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله. والخامس: اتّبعوا أهواء هم ونبذوا سنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم. والسّادس: جعلوا زلّات السّلف حجّة لأنفسهم، ودفنوا أكثر مناقبهم» ) * «10» .
71-* (سئل أحمد بن أبي الحواريّ- رحمه الله تعالى- عن البدعة؟ فقال: «التّعدّي في الأحكام والتّهاون في السّنن، واتّباع الآراء والأهواء، وترك الاتّباع والاقتداء» ) * «11» .
72-* (قيل لأبي بكر بن عيّاش: «إنّ أناسا يجلسون ويجلس إليهم النّاس ولا يستأهلون. قال:
__________
(1) تلبيس إبليس (ص 14) .
(2) الاعتصام (1/ 83) .
(3) المرجع السابق (1/ 90) .
(4) الحلية (8/ 108) .
(5) المرجع السابق (9/ 111) .
(6) الاعتصام (1/ 92) .
(7) المرجع السابق (1/ 92) .
(8) المرجع السابق (1/ 97) .
(9) المرجع السابق (/ 96) .
(10) المرجع السابق (1/ 90) .
(11) المرجع السابق (1/ 95) .(9/3749)
«كلّ من جلس جلس إليه النّاس، وصاحب السّنّة إذا مات أحيا الله ذكره، والمبتدع لا يذكر» ) * «1» .
73-* (قال النّووي- رحمه الله تعالى- في شرح حديث (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ) : «هذا الحديث ممّا ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك» ) * «2» .
74-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«العبادات مبناها على الشّرع والاتّباع، لا على الهوى والابتداع، فإنّ الإسلام مبنيّ على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له. والثّاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، لا نعبده بالأهواء والبدع. فليس لأحد أن يعبد الله إلّا بما شرعه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من واجب ومستحبّ، لا أن نعبده بالأمور المبتدعة» ) * «3» .
75-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السّنن» ) * «4» .
76-* (قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-:
«كلّ صاحب مخالفة من شأنه أن يدعو غيره إليها، ويحضّ سواه عليها، إذ التّأسّي في الأفعال والمذاهب موضوع طلبه في الجبلّة، وبسببه تقع من المخالف المخالفة، وتحصل من الموافق المؤالفة، ومنه تنشأ العداوة والبغضاء للمختلفين» ) * «5» .
من مضار (الابتداع)
(1) حبوط الأعمال وإن كانت كثيرة.
(2) من لوازمه دعوى عدم كمال الدّين.
(3) صاحبه من أعوان الشّيطان ومن أعداء الرّحمن.
(4) أبغض إلى الله- عزّ وجلّ- من كثير من المعاصي.
(5) صاحبه لا يرجى له التّوبة بخلاف أهل المعاصي
(6) كلّ البدع ضلال ليس فيها شيء حسن.
(7) أنواعها في العقيدة والعبادة وشرّها بدع العقيدة.
(8) البدع تركيّة وفعليّة، وكلّها مذمومة.
(9) إثمها متجدّد لا ينقطع مادام يعمل بها في الأرض.
(10) من أقرب مداخل الشّيطان للإنسان.
(11) تؤدّي إلى خلط الحقّ بالباطل وحيرة الأغرار في التّمييز بينهما.
(12) تؤدّي إلى نفرة من ليس له قدم في فهم الإسلام منه لكثرة ما يظنّ من تكاليفه.
__________
(1) علل الترمذي في آخر السنن (5/ 695) .
(2) فتح الباري (5/ 302، 303) .
(3) الفتاوى (1/ 80) بتصرف.
(4) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 213) .
(5) الاعتصام (1/ 23)(9/3750)
اتباع الهوى
الهوى لغة:
مصدر قولهم: هوى يهوي، وتدلّ المادّة الّتي اشتقّ منها على «الخلوّ والسّقوط.. ومن ذلك: الهواء بين السّماء والأرض سمّي بذلك لخلوّه، وكلّ خال هواء، قال تعالى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (إبراهيم/ 43) أي خالية لاتعي شيئا، ويقال: هوى الشّيء يهوي أي سقط، والهاوية جهنّم؛ لأنّ الكافر يسقط فيها، والهوّة:
الوهدة العميقة، يقول ابن فارس: وهوى النّفس مأخوذ من المعنيين جميعا (أي من الخلوّ والسّقوط) لأنّه خال من كلّ شيء، ويهوي بصاحبه فيما لا ينبغي «1» ، وذهب الرّاغب إلى أنّه مأخوذ من معنى السّقوط فقط فقال: «وقيل سمّي بذلك لأنّه يهوي بصاحبه في الدّنيا إلى كلّ داهية وفى الآخرة إلى الهاوية «2» ، والهوى، مقصور: هوى النّفس، وجمعه أهواء، وإذا أضفته إليك قلت: هواي وبعض العرب يقول: هويّ، وقولهم: هذا الشّيء أهوى إليّ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
24/ 8/ 50
من كذا أي أحبّ إليّ، وهوي بالكسر يهوي هوى، أي أحبّ، وهوى بالفتح يهوى هويّا، أي سقط إلى أسفل، وهوى وانهوى بمعنى وتهاوى القوم في المهواة، إذا سقط بعضهم في إثر بعض، واستهواه الشّيطان أي استهامه، قال تعالى كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ.. (الأنعام/ 71) أي استغوته وزيّنت له هواه ودعته إليه «3» وقال ابن منظور: وهوى النّفس: إرادتها، وقيل محبّة الإنسان الشّيء وغلبته على قلبه، قال تعالى: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات/ 40) معناه: نهاها عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله- عزّ وجلّ-، وقيل الهوى: هوى الضّمير، ومتى تكلّم بالهوى مطلقا لم يكن إلّا مذموما، حتّى ينعت بما يخرج معناه عن الذّمّ كقولهم:
هوى حسن، وهوى موافق للصّواب «4» ، وأمّا قول الله تعالى: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (ص/ 26) فمعناه: ولا تؤثر هواك في قضائك على
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 16) .
(2) المفردات (ص 548) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 359) وما بعدها.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/ 14) قد نقل عن ابن عباس رضي الله عنه في معنى هذه الآية قوله «أي مثل عابد الصنم مثل من دعاه الغول (الشيطان) فيتّبعه فيصبح وقد ألقته في مضلّة ومهلكة فهو حائر في تلك المهامه (والقفار) ، قيل نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- كان يدعو أباه إلى الكفر وأبواه يدعوانه إلى الإسلام.
(4) لسان العرب (هوى) (ص 4726) ط دار المعارف وانظر الصحاح (6/ 537) .(9/3751)
الحقّ والعدل فتجور عن الحقّ؛ فيضلّك ذلك عن سبيل الله، وقيل: لا تقتد بهواك المخالف لأمر الله فيضلّك عن سبيل الله أي عن طريق الجنّة «1» .
الهوى اصطلاحا:
قال الكفويّ: الهوى: ميل النّفس إلى ما تستلذّه من الشّهوات من غير داعية الشّرع «2» .
وقال المناويّ: وقيل: الهوى: نزوع النّفس لسفل شهواتها لباعث انبساطها ويكون ذلك في مقابلة معتلى الرّوح «3» .
وقال الرّاغب: هو ميل النّفس إلى الشّهوة «4» .
وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ميل الطّبع إلى ما يلائمه «5» .
أهل الأهواء:
هم أهل القبلة الّذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السّنّة، وهم الجبريّة والقدريّة والرّوافض والمعطّلة والمشبّهة وكلّ منهم اثنتا عشرة فرقة «6» .
اتباع الهوى اصطلاحا:
هو إيثار ميل النّفس إلى الشّهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله- عزّ وجلّ- «7» .
اتباع الهوى وأثره على الفرد والمجتمع:
إنّ انقياد الإنسان واتّباعه للشّهوة يجعله في مصافّ الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدّنيا، والعذاب في الآخرة.
يقول الجاحظ: إذا تمكّنت الشّهوة من الإنسان وملكته وانقاد لها كان بالبهائم أشبه منه بالنّاس، لأنّ أغراضه ومطلوباته وهمّته تصير أبدا مصروفة إلى الشّهوات واللّذّات فقط، وهذه هي عادة البهائم، ومن يكون بهذه الصّفة يقلّ حياؤه، ويكثر خرقه، ويستوحش من أهل الفضل، ويبغض أهل العلم، ويودّ أصحاب الفجور، ويستحبّ الفواحش، ويسرّ بمعاشرة السّخفاء، ويغلب عليه الهزل وكثرة اللهو، وقد يصير من هذه الحالة إلى الفجور، وارتكاب الفواحش، والتّعرّض للمحظورات، وربّما دعته محبّة اللّذّات إلى اكتساب الأموال من أقبح وجوهها، وربّما حملته على الغضب والتّلصّص والخيانة وأخذ ما ليس له بحقّ؛ فإنّ اللّذّات لا تتمّ إلّا بالأموال والأعراض، فمحبّ اللّذّة إذا تعذّرت عليه الأموال من وجوهها، جسّرته شهوته إلى اكتسابها من غير وجوهها، ومن تنتهي به شهواته إلى هذا الحدّ، فهو أسوأ النّاس حالا، ويصبح من الأشرار الّذين يخاف خبثهم، ويصير واجبا على متولّي السّياسات تقويمهم وتأديبهم، وإبعادهم ونفيهم، حتّى لا يختلطوا بالنّاس فإنّ
__________
(1) انظر تفسير الطبري (1/ 97) وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (15/ 124) .
(2) الكليات (ص 962) وانظر أيضا المناوي في (التوقيف على مهمات التعاريف) (ص 344) حيث ذكر هذا التعريف ضمن تعريفات أخرى عديدة.
(3) نقل المناوي هذا التعريف عن الحراليّ وقد تصرّفنا فيه تصرفا يسيرا.
(4) المفردات (548) .
(5) ذم الهوى (12) نسخة مصطفى عبد الواحد.
(6) كتاب التعريفات للجرجاني (ص 41) .
(7) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون والمفسرون.(9/3752)
اختلاط من هذه صفته بالنّاس مضرّة لهم، وبخاصّة الأحداث منهم، لأنّ الحدث (صغير السّنّ) سريع الانطباع، ونفسه مجبولة على الميل إلى الشّهوات، فإذا شاهد غيره مرتكبا لها، مستحسنا للانهماك فيها، مال هو أيضا إلى الاقتداء به «1» .
الفرق بين الهوى والشهوة:
يقول الإمام الماورديّ: فرق ما بين الهوى والشّهوة، أنّ الهوى مختصّ بالآراء والاعتقادات، والشّهوة مختصّة بنيل المستلذّات فصارت الشّهوة من نتائج الهوى، والهوى أصل وهو أعمّ «2» .
وقال الرّاغب في الفرق بين الهوى والشّهوة، أنّ الشّهوة ضربان: محمودة ومذمومة، فالمحمودة من فعل الله تعالى، والمذمومة من فعل البشر، وهي استجابة النّفس لما فيه لذّاتها البدنيّة، والهوى هو هذه الشّهوة الغالبة إذا استتبعتها الفكرة، وذلك أنّ الفكرة بين العقل والشّهوة، فالعقل فوقها، والشّهوة تحتها، فمتى ارتفعت الفكرة ولّدت المحاسن، وإذا سفلت ولّدت القبائح «3» .
الفرق بين ما يسومه العقل وما يسومه الهوى:
يوضّح الرّاغب ذلك فيما يلي:
1- من شأن العقل أن يرى ويختار أبدا الأصلح في العواقب وإن كان في المبدإ على النّفس مشقّة، والهوى على الضّدّ من ذلك، فإنّه يؤثر ما يدفع به المؤذي في الوقت (العاجل) وإن كان يعقبه مضرّة في الآجل، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشّهوات» .
2- الهوى يري الإنسان ماله دون ما عليه، ويعمّي عليه ما يعقبه من المكروه، أمّا العقل فإنّه يري الإنسان ما له وما عليه، وما يريه العقل يتقوّى إذا فزع فيه المرء إلى الله- عزّ وجلّ- بالإستخارة.
3- العقل يري ما يري بحجّة وعذر، والهوى يري ما يري بشهوة وميل «4» .
الهوى يعمي ويصم:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصّل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصّل ما يغضب له بهواه، فليس قصده أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العلياء، بل قصده الحميّة لنفسه وطائفته أو الرّياء، ليعظّم هو ويثنى عليه، أو لغرض من الدّنيا فلم يكن لله غضبه، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله، بل إنّ أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمّن يوافقهم، وإن كان جاهلا سيّء القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذمّوا من لم
__________
(1) باختصار وتصرف يسير عن تهذيب الأخلاق (15- 16) .
(2) أدب الدنيا والدين (ص 38) .
(3) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص 46) باختصار وتصرف.
(4) المرجع السابق (43- 45) باختصار وتصرف.(9/3753)
يذمّه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله «1» .
اتباع الهوى ضلال وعلامة من علامات أهل البدع:
قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: وهو يذكر علامات أهل البدع، منها: الفرقة الّتي نبّه عليها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (الأنعام/ 159) وقوله وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا (آل عمران/ 105) فعزا رحمه الله- إلى بعض المفسّرين: أنّهم صاروا فرقا لاتّباع أهوائهم، وبمفارقة الدّين تشتّتت أهواؤهم فافترقوا ثمّ برّأ الله نبيّه منهم بقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. ثمّ ذكر أنّ الصّحابة اختلفوا ولم يتفرّقوا إلى أن قال- رحمه الله تعالى-: فكلّ مسألة حدثت في الإسلام فاختلف النّاس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنّها من مسائل الإسلام. وكلّ مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتّنافر والتّنابز والقطيعة علمنا أنّها ليست من أمر الدّين في شيء قال: فيجب على كلّ ذي دين وعقل أن يجتنبها، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتّباع الهوى. وذكر منها أيضا: اتّباع الهوى: وهي الّتي نبّه عليها قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (آل عمران/ 7) وهو الميل عن الحقّ اتّباعا للهوى، وقوله تعالى وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ (القصص/ 50) وقوله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ (الجاثية/ 23) «2» .
علاج الهوى:
يعالج بالعزم القويّ في هجران ما يؤذي، والتّدرّج فيما لا يؤمن أذاه، وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة، ويهوّن ذلك على المبتلى أمور سبعة هي:
1- التّفكّر في أنّ الإنسان لم يخلق للهوى، وإنّما هيّىء للنّظر في العواقب والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس الإنسان- وهو سرف في حظّه- منه وزاد عن حظّ البهائم، وفي توفير حظّ الآدميّ من العقل وبخس حظّه من الهوى دليل على فضل هذا وذاك.
2- التّفكّر في عواقب الهوى، فكم فوّت من فضيلة، وكم قد أوقع في رذيلة، وكم من زلّة أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إثم. غير أنّ صاحب الهوى لا يرى إلّا الهوى.
3- تصوّر العاقل لانقضاء غرضه من هواه، ثمّ يتصوّر مدى الأذى الّذي يحصل له عقب اللّذّة، فإنّه حينئذ سيرى أنّ ما حصل له من الأذى يربو على الهوى أضعافا مضاعفة.
4- تصوّر عاقبة ذلك في حقّ غيره؛ فعندئذ
__________
(1) منهاج السنة النبوية (5/ 255- 256) . بتصرف ط. محمد رشاد سالم.
(2) بتصرف من الموافقات (4/ 104- 107) ط. دار الفكر.(9/3754)
سيرى ما يعلم به عيب نفسه إن هو وقف في ذلك المقام وارتكس في هذه الآثام.
5- التّفكّر في حقيقة ما يناله باتّباعه هواه من اللّذّات والشّهوات، فإنّ العقل سيخبره أنّه ليس بشيء، وإنّما عين الهوى عمياء.
6- التّدبّر لما يحصل له من عزّ الغلبة إن ملك نفسه، وذلّ القهر إن غلبته، فما من أحد غلب هواه إلّا أحسّ بقوّة العزّ، وما من أحد غلبه هواه إلّا وخز في نفسه ذلّ القهر.
7- التّفكّر في فائدة مخالفة الهوى من اكتساب الذّكر الجميل في الدّنيا، وسلامة النّفس والعرض والأجر في الآخرة، ثمّ يعكس فيتفكّر لو وافق هواه في حصول عكس ذلك على الأبد، من كان يكون يوسف لو نال تلك اللّذّة؟ فلمّا تركها وصبر عنها بمجاهدة ساعة، صار من قد عرفت «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- الضلال الغرور- الفجور- الفسوق- الردة- الكفر- الأمن من المكر- الإصرار على الذنب- الحكم بغير ما أنزل الله.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاتباع- المحبة- الحكم بما أنزل الله- الهدى- الثبات- الاعتصام- الطاعة] .
__________
(1) ذم الهوى (14، 15) بتصرف.(9/3755)
الآيات الواردة في «اتباع الهوى»
آيات ورد فيها الهوى في سياق التحذير أو التوبيخ:
1- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) «1»
2- لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) «2»
3- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)
وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «3»
4- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «4»
5- وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40)
وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)
__________
(1) البقرة: 87 مدنية
(2) المائدة: 70- 71 مدنية
(3) الأنعام: 118- 121 مكية
(4) الأعراف: 175- 177 مكية(9/3756)
إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «1»
6- قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49)
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «2»
7- ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29) «3»
8- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
(23) «4»
9- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17)
10- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) «5»
__________
(1) الفرقان: 40- 44 مكية
(2) القصص: 49- 50 مكية
(3) الروم: 28- 29 مكية
(4) الجاثية: 21- 23 مكية
(5) محمد: 14- 17 مدنية(9/3757)
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) «1»
11- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «2»
آيات ورد فيها اتباع الهوى في سياق التحذير أو التوجيه:
12- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «3»
13- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) «4»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ
تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً
(135) «5»
15- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «6»
16- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77)
__________
(1) النجم: 19- 23 مكية
(2) القمر: 1- 5 مكية
(3) البقرة: 120 مدنية
(4) البقرة: 145 مدنية
(5) النساء: 135 مدنية
(6) المائدة: 48- 50 مدنية(9/3758)
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81) «1»
17- قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) «2»
18- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «3»
19- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «4»
20- إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) «5»
21- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «6»
__________
(1) المائدة: 77- 81 مدنية
(2) الأنعام: 150 مكية
(3) الرعد: 35- 37 مكية
(4) الكهف: 28 مكية
(5) طه: 15- 16 مكية
(6) ص: 26- 28 مكية(9/3759)
22- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) «1»
23- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «2»
24- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5)
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7)
ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8)
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10)
ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (11)
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (12)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16)
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17)
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «3»
__________
(1) الشورى: 13- 16 مكية
(2) الجاثية: 16- 20 مكية
(3) النجم: 1- 18 مكية(9/3760)
الأحاديث الواردة في ذمّ (اتباع الهوى)
1-* (قال قطبة بن مالك- رضي الله عنه-:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء» ) * «1» .
2-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم ومضلّات الهوى» ) * «2» .
3-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) . قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر. حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا. وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم- قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة، قيل: يا رسول الله، أجر خمسين منّا أو منهم؟
قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «3» .
4-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه قال:
كنّا عند عمر فقال: أيّكم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلّكم تعنون فتنة الرّجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل «4» . قال: تلك تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة. ولكن أيّكم سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذكر الفتن الّتى تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم «5» . فقلت: أنا. قال: أنت؟ لله أبوك «6» ! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا «7» .
فأيّ قلب أشربها «8» نكت فيه نكتة «9» سوداء. وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتّى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصّفا. فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض، والآخر أسود مربادّ «10» كالكوز
__________
(1) الترمذي (3591) واللفظ له وقال: حسن غريب. وابن أبي عاصم في السنة وقال الألباني: إسناده صحيح رواه أصحاب السنن وغيرهم.. وذكره في المشكاة برقم (2471) وقال: رواه الترمذي (2/ 761- 762) .
(2) أحمد (4/ 042- 423) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح (1/ 188) ، وهو في السنة لابن أبي عاصم بلفظ قريب. وقال الألباني (12) : صحيح.
(3) الترمذي (3058) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأبو داود (4341) . وابن ماجة (4014) . والبغوي في «شرح السنة» (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها.
(4) أجل: نعم.
(5) أسكت: أي أطرق، وإنما سكت القوم لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة.
(6) لله أبوك: كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها.
(7) المراد بعرض الفتن على القلوب ورودها عليها متتابعة بعضها ورد بعض كالحصير تتابع أعواده عودا بعد آخر.
(8) أشربها: أي دخلت فيه دخولا تامّا.
(9) نكت نكتة: أي نقط نقطة.
(10) مرباد: بياض يسير يخالطه سواد كثير.(9/3761)
مجخّيّا «1» لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلّا ما أشرب من هواه» . قال حذيفة: وحدّثته أنّ بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرا لا أبالك! فلو أنّه فتح لعلّه كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر، وحدّثته أنّ ذلك الباب رجل يقتل أو يموت.
حديثا ليس بالأغاليط) * «2» .
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث كفّارات. وثلاث درجات. وثلاث منجيات. وثلاث مهلكات: أمّا الكفّارات: فإسباغ الوضوء في السّبرات «3» ، وانتظار الصّلوات بعد الصّلوات، ونقل الأقدام إلى الجمعات، وأمّا الدّرجات: فإطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام، وأمّا المنجيات: فالعدل في الغضب والرّضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّرّ والعلانية، وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «4» .
6-* (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- أنّه قال في معنى قوله تعالى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ... إلى قوله: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنعام/ 52) قال: جاء الأقرع بن حابس التّميميّ وعيينة بن حصن الفزاريّ، فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع صهيب وبلال وعمّار وخبّاب قاعدا في ناس من الضّعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقروهم فأتوه، فخلوا به، وقالوا: إنّا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا؛ فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك. فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت. قال «نعم» قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا. قال، فدعا بصحيفة، ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبرائيل عليه السّلام فقال: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. ثمّ ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن فقال وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (الأنعام/ 53) ثمّ قال: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (الأنعام/ 54) .
قال: فدنونا منه حتّى وضعنا ركبنا على ركبته. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا.
فأنزل الله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ (الكهف/ 28) (ولا تجالس الأشراف) تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (يعني
__________
(1) مجخيّا: منكوسا مائلا.
(2) مسلم (144) .
(3) السبرات: جمع سبرة بفتح السين وسكون الباء وهي الغداة الباردة، والمراد شدة البرد في أوائل النهار أو غيرها.
(4) البزار كما في كشف الأستار (1/ 6059) رقم (80) . ورواه أيضا عن ابن عباس برقم (82) وكذا ابن أبي أوفى برقم (83) . وذكر الألباني له طرقا أخرى في الصحيحة فانظره هناك (4/ 412- 416) برقم (1802) وقال: الحديث بمجموع الطرق حسن على أقل الدرجات.(9/3762)
عيينة والأقرع) وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 38) (قال: هلاكا) قال: أمر عيينة والأقرع. ثمّ ضرب لهم مثل الرّجلين ومثل الحياة الدّنيا. قال خبّاب: فكنّا نقعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فإذا بلغنا السّاعة الّتي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتّى يقوم» ) * «1» .
7-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنّه قال: ألا إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام فينا فقال:
«ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنّة وهي الجماعة، زاد ابن يحيى وعمر في حديثهما: وإنّه سيخرج من أمّتي أقوام تجارى «2» بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلّا دخله» ) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ ابن آدم أصاب من الزّنا لا محالة، فالعين زناها النّظر، واليد زناها اللّمس، والنّفس تهوى وتحدّث «4» ، ويصدّق ذلك ويكذّبه الفرج» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (اتباع الهوى) معنى
انظر: صفة ((الابتداع))
__________
(1) ابن ماجة (4127) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وقد روى مسلم والنسائي وابن ماجة بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص.
(2) تجارى: أصله تتجارى والمعنى تتسابق بهم الأهواء أي تسابقهم ويسابقونها، ومؤدى هذا أنهم لا يراجعون أنفسهم فيما تميل إليه.
(3) أبو داود (4597) وذكره ابن أبي عاصم في السنة. وقال الألباني: حديث صحيح (8) .
(4) تحدّث: أي تتحدث فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.
(5) أحمد (2/ 349- 350) رقم (8582) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وأحاله إلى رقم (8199) (16/ 92) ، والحديث في الصحيحين بمعناه: البخاري- الفتح 11 (6612) . ومسلم (2657) ، فضائل الصحابة، للإمام أحمد (1/ 530) رقم (881) . ويصدق ذلك الفرج ... إلخ، أي يجعل منه حقيقة واقعة أو لا يجعل منه حقيقة، والمراد بالفرج صاحبه، أطلق الجزء وأريد الكل كقوله:
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ*.(9/3763)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (اتباع الهوى)
1-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «إنّ أخوف ما أتخوّف عليكم اثنتان: طول الأمل واتّباع الهوى. فأمّا طول الأمل فينسي الآخرة، وأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ. ألا وإنّ الدّنيا قد ولّت مدبرة والآخرة مقبلة ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» ) * «1» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«ما ذكر الله- عزّ وجلّ- الهوى في موضع من كتاب إلّا ذمّه» ) * «2» .
3-* (قال عبد الله الدّيلميّ- رضي الله عنه-:
«بلغني أنّ أوّل ذهاب الدّين ترك السّنّة، يذهب الدّين سنّة سنّة كما يذهب الحبل قوّة قوّة» ) * «3» .
4-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«الهوى شرّ داء خالط قلبا» ) * «4» .
5-* (وقال- رحمه الله تعالى-: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم» ) * «5» .
6-* (وقال- رحمه الله تعالى-: أخذ الله على الحكّام أن لا يتّبعوا الهوى، ولا يخشوا النّاس، ولا يشتروا بآياتي ثمنا قليلا، ثمّ قرأ يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (ص/ 26) «6» .
7-* (وقال أيضا: أفضل الجهاد جهاد الهوى» ) * «7» .
8-* (وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- وقد سئل: هل في أهل القبلة شرك؟ فقال: نعم، المنافق مشرك. إنّ المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله، وإنّ المنافق عبد هواه، ثمّ تلا قول الله تعالى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (الفرقان/ 43) .
وقال أيضا- رحمه الله- تعالى- في معنى الآية: «إنّ هذا لا يهوى شيئا إلّا تبعه» ) * «8» .
9-* (قال عبد الرّحمن بن مهديّ (وغيره) رحمهم الله تعالى-: «أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلّا ما لهم» ) * «9» .
10-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الرّجل إذا كان كلّما هوي شيئا ركبه، وكلّما اشتهى شيئا
__________
(1) فضائل الصحابة، للإمام أحمد (1/ 530) رقم (881) .
(2) ذم الهوى لابن الجوزي (12) .
(3) سنن الدارمي (1/ 58) .
(4) السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 138) رقم (105) .
(5) سنن الدارمي (1/ 121) رقم (401) .
(6) البخاري- الفتح (13/ 156) .
(7) أدب الدنيا والدين (41) .
(8) كله من الأضواء (6/ 330) .
(9) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 72، 73) تحقيق وتعليق: د. ناصر ابن عبد الكريم العقل.(9/3764)
أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتّخذ إلهه هواه» ) * «1» .
11-* (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى-: «لا تجالسوا أهل الأهواء، فإنّ مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين» ) * «2» .
12-* (قال ابن سيرين- رحمه الله تعالى- لرجلين من أصحاب الأهواء وقد دخلا عليه فقالا: يا أبا بكر، نحدّثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا، لتقومانّ عنّي أو لأقومنّ. فخرجا، فقال بعض القوم؟: يا أبا بكر، ما كان عليك أن يقرأ عليك آية من كتاب الله تعالى؟
قال: إنّي خشيت أن يقرآ عليّ آية فيحرّفاها فيقرّ ذلك في قلبي» ) * «3» .
13-* (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «ما يدرى أيّ النّعمتين عليّ أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء» ) * «4» .
14-* (قال أبو قلابة- رحمه الله تعالى-: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم، فإنّي لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون» ) * «5» .
15-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «إنّ أهل الأهواء أهل الضّلالة، ولا أرى مصيرهم إلّا النّار، فجرّبهم فليس أحد منهم ينتحل قولا- أو قال حديثا- فيتناهى به الأمر دون السّيف، وإنّ النّفاق كان ضروبا، ثمّ تلا وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ (التوبة/ 75) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ (التوبة/ 58) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ (التوبة/ 61) فاختلف قولهم، واجتمعوا في الشّكّ والتّكذيب، وإنّ هؤلاء اختلف قولهم واجتمعوا في السّيف، ولا أرى مصيرهم إلّا النّار» ) * «6» .
16-* (قال أبو العالية الرّياحيّ: «تعلّموا الإسلام، فإذا تعلّمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصّراط المستقيم فإنّه الإسلام، ولا تحرّفوا يمينا ولا شمالا، وعليكم بسنّة نبيّكم وما كان عليه أصحابه ...
وإيّاكم وهذه الأهواء الّتي تلقي العداوة والبغضاء.
فحدّث الحسن بذلك فقال- رحمه الله-: «صدق ونصح» ) * «7» .
17-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّما سمّي الهوى لأنّه يهوي بصاحبه» ) * «8» .
18-* (قال هشام بن عبد الملك- رحمه الله تعالى-:
__________
(1) أضواء البيان (6/ 330) .
(2) الإبانة لابن بطة بواسطة رسالة الهوى وأثره في الخلاف لعبد الله بن محمد الغنيمان (9) .
(3) سنن الدارمي (1/ 121) رقم (397) وروى مثل ذلك عن سعيد بن جبير وأيوب السختياني انظر نفس الموضع.
(4) سنن الدارمي (1/ 103) رقم (309) .
(5) سنن الدارمي (1/ 120) رقم (391) . والسنة لعبد الله بن الامام أحمد (1/ 137) رقم (99) .
(6) الدارمي (1/ 58، 59) رقم (100) .
(7) الاعتصام للشاطبي (1/ 85) . هو في الحلية بمعناه (2/ 218) . وسير أعلام النبلاء (4/ 210) .
(8) سنن الدارمي (1/ 120) رقم (395) .(9/3765)
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى كلّ ما فيه عليك مقال
قال ابن المعتزّ- رحمه الله تعالى-: لم يقل هشام ابن عبد الملك سوى هذا البيت» ) * «1» .
19-* (عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: أنّه كان يكتب في كتبه: إنّي أحذّركم ما مالت إليه الأهواء والزّيغ البعيدة» ) * «2» .
20-* (عن أبي الصّلت، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد «3» في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته «4» ، فعليك بلزوم السّنّة فإنّها لك- بإذن الله- عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتّعمّق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم:
إنّما حدث بعدهم ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.
كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه.
ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولم قال: كذا؟.
لقد قرأوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة، وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «5» .
__________
(1) أدب الدنيا والدين (39) .
(2) الاعتصام (1/ 65) ط. دار الكتب العلمية.
(3) الاقتصاد في أمر الله: الاعتدال فيه فيقف حيث وقف به الشرع من كتاب وسنة.
(4) كفوا مؤنته: لم يكلف بالبحث فيه وما يترتب عليه من عناء ومشقة.
(5) أبو داود (4/ 202- 203) رقم (4612) .(9/3766)
21-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«قال إبليس لأوليائه: من أيّ شيء تأتون بني آدم؟
فقالوا: من كلّ شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات، ذاك شيء قرن التّوحيد، قال: لأبثّنّ فيهم شيئا لا يستغفرون الله منه؛ قال:
فبثّ فيهم الأهواء» ) * «1» .
22-* (قال يونس بن عبيد- رحمه الله-:
«أوصيكم بثلاث: لا تمكّننّ سمعك من صاحب هوى، ولا تخل بامرأة ليست لك بمحرم ولو أن تقرأ عليها القرآن، ولا تدخلنّ على أمير ولو أن تعظه) * «2» .
23-* (قال أبو عمران الجونيّ- رحمه الله تعالى:
«ليت شعري أيّ شيء علم ربّنا من أهل الأهواء حين أوجب لهم النّار» ) * «3» .
24-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
«لأن يلقى الله العبد بكلّ ذنب ما خلا الشّرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء» ) * «4» .
25-* (قال مالك- رحمه الله تعالى-: «لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السّفه، وإن كان أروى النّاس. وصاحب بدعة يدعو إلى هواه. ومن يكذب في حديث النّاس وإن كنت لا أتّهمه في الحديث. وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدّث به» ) * «5» .
26-* (وقال- رحمه الله تعالى-: بئس القوم هؤلاء، أهل الأهواء، لا نسلّم عليهم) * «6» .
27-* (وكان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إنّي على بيّنة من ديني، وأمّا أنت فشاكّ، اذهب إلى شاكّ مثلك فخاصمه» ) * «7» .
28-* (قال أبو عثمان النّيسابوريّ: «من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة. قال الله تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا
(النور/ 54)) * «8» .
29-* (قال ذو النّون المصريّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّما دخل الفساد على الخلق من ستّة أشياء: الأوّل ضعف النّيّة بعمل الآخرة، والثّاني صارت أبدانهم مهيّأة لشهواتهم، والثّالث غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل، والرّابع: آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله، والخامس: اتّبعوا أهواءهم ونبذوا سنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، والسّادس: جعلوا زلّات السّلف حجّة لأنفسهم، ودفنوا أكثر مناقبهم» ) * «9» .
30-* (سئل أبو حفص الحدّاد- رحمه الله- عن البدعة فقال: التّعدّي في الأحكام، والتّهاون في السّنن، واتّباع الآراء والأهواء، وترك الاتّباع والاقتداء) * «10» .
__________
(1) سنن الدارمي (1/ 103) رقم (308) .
(2) الإبانة لابن بطة بواسطة الهوى للغنيمان (10) ، ونحوه عن ميمون بن مهران.
(3) السنة لابن أبي عاصم (26) .
(4) حلية الأولياء (9/ 111) وشرح السنة (1/ 217) .
(5) سير أعلام النبلاء (8/ 67- 68) .
(6) شرح السنة (1/ 229) .
(7) سير أعلام النبلاء (99) والاعتصام (1/ 96) .
(8) الاعتصام (1/ 72) .
(9) المرجع السابق (1/ 68) .
(10) المرجع السابق (1/ 95) .(9/3767)
31-* (قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-:
«العقل والهوى متعاديان، فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفا ولهواه مسوّفا. فإذا اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما من هواه، لأنّ في مجانبة الهوى إصلاح السّرائر، وبالعقل تصلح الضّمائر» ) * «1» .
32-* (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: إنّ الهوى والشّهوة يجتمعان في العلّة والمعلول ويتّفقان في الدّلالة والمدلول، لكن الهوى مختصّ بالآراء والاعتقادات، والشّهوة مختصّة بنيل المستلذّات.
فصارت الشّهوة من نتائج الهوى، ولذلك فإنّ الهوى عن الخير صادّ، وللعقل مضادّ، لأنّه ينتج من الأخلاق قبائحها، ويظهر من الأفعال فضائحها، ويجعل ستر المروءة مهتوكا، ومدخل الشّرّ مسلوكا. ولمّا كان الهوى غالبا وإلى سبيل المهالك موردا، جعل العقل عليه رقيبا مجاهدا، يلاحظ عثرته، ويدفع بادرة سطوته، ويدفع خداع حيلته، وذلك لأنّ سلطان الهوى قويّ ومدخل مكره خفيّ» ) * «2» .
33-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- «أضلّ الضّلّال: هم أتباع الظّنّ والهوى، كما قال الله تعالى في حقّ من ذمّهم إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ 23) وقال في حقّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم/ 1- 4) فنزّهه عن الضّلال والغواية اللّذين هما الجهل والظّلم، فالضّالّ هو الّذي لا يعلم الحقّ، والغاوي الّذي يتّبع هواه، وأخبر (عن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم) أنّه ما ينطق عن هوى النّفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه فوصفه بالعلم ونزّهه عن الهوى» ) * «3» .
34-* (قال أيضا- رحمه الله تعالى-:
«العبادات مبناها على الشّرع والاتّباع، لا على الهوى والابتداع، فإنّ الإسلام مبنيّ على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثّاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا نعبده بالأهواء والبدع، فليس لأحد أن يعبد الله إلّا بما شرعه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من واجب ومستحبّ، لا أن نعبده بالأمور المبتدعة» ) * «4» .
35-* (قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-:
«إنّ جميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النّفوس على محبّة الله ورسوله وقد وصف الله المشركين باتّباع الهوى في مواضع من كتابه، وكذلك البدع تنشأ من تقديم الهوى على الشّرع ولهذا يسمّى أهلها أهل الأهواء، ومن كان حبّه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب، فيجب عليه حينئذ التّوبة من ذلك، والرّجوع إلى اتّباع ما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من تقديم محبّة الله ورسوله وما فيه رضا الله ورسوله على هوى النّفس ومراداتها كلّها» ) * «5» .
36-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في
__________
(1) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (19) .
(2) بتصرف شديد من أدب الدنيا والدين (38- 45) .
(3) مجموع الفتاوى (3/ 384) .
(4) المرجع السابق (1/ 80) بتصرف.
(5) جامع العلوم والحكم (366، 367) بتصرف يسير جدا.(9/3768)
تفسير قوله تعالى أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (الفرقان/ 43) : يعني أنّه مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه كما قال تعالى:
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ (فاطر/ 8) » ) * «1» .
37-* (قال ابن بطّة- رحمه الله تعالى-:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سمع منكم بخروج الدّجّال فلينأ عنه ما استطاع، فإنّ الرّجل يأتيه وهو يحسب أنّه مؤمن فما يزال به حتّى يتّبعه لما يرى من الشّبهات.
قال- رحمه الله تعالى-: هذا قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الصّادق المصدوق فلا يحملنّ أحدا منكم حسن ظنّه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحّة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه، فإنّهم أشدّ فتنة من الدّجّال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من النّاس كانوا يلعنونهم ويسبّونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرّدّ عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفيّ المكر، ودقيق الكفر، حتّى صبوا إليهم» ) * «2» .
38-* (قال الفيروزآبادىّ- رحمه الله تعالى- عظّم الله تعالى ذمّ اتّباع الهوى في قوله تعالى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (الجاثية/ 23) وقوله وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ (البقرة/ 120) وجمع الهوى في الآية الثّانية تنبيها على أنّ لكلّ واحد هوى غير هوى الآخر، ثمّ إنّ هوى كلّ واحد لا يتناهى، فعلى هذا فإنّ اتّباع أهوائهم نهاية الضّلال والحيرة) * «3» .
39-* (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الواجب الّذي يلزم العلم به أن يكون جميع أفعال المكلّف مطابقة لما أمره به معبوده- جلّ وعلا-، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه، فقد صرف جميع ما يستحقّه عليه خالقه من العبادة والطّاعة إلى هواه» ) * «4» .
40-* (قال الشّاعر:
إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى ... فقد ثكلته عند ذاك ثواكله
وقد أشمت الأعداء جهلا بنفسه ... وقد وجدت فيه مقالا عواذله
وما يردع النّفس اللّجوج عن الهوى ... من النّاس إلّا حازم الرّأي كامله) * «5» .
41-* (وقال آخر:
يا عاقلا أردى الهوى عقله ... مالك قد سدّت عليك الأمور
أتجعل العقل أسير الهوى ... وإنّما العقل عليه أمير) * «6» .
__________
(1) التفسير (3/ 320) ونقله عنه الشنقيطي في الأضواء (6/ 329) .
(2) الإبانة له بواسطة الهوى للغنيمان (1211) .
(3) بصائر ذوي التمييز (5/ 359) بتصرف.
(4) أضواء البيان (6/ 330) .
(5) أدب الدنيا والدين (35) .
(6) المصدر السابق (35) .(9/3769)
42-* (قال بعض أهل العلم: «كن لهواك مسوّفا، ولعقلك مسعفا «1» ، وانظر إلى ما تسوء عاقبته فوطّن «2» نفسك على مجانبته، فإنّ ترك النّفس وما تهوى داؤها، وترك ما تهوى دواؤها، فاصبر على الدّواء كما تخاف من الدّاء» ) * «3» .
43-* (وقال آخر: «خير النّاس من أخرج الشّهوة من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربّه» ) * «4» .
44-* (وقال آخر: الهوى مطيّة الفتنة، والدّنيا دار المحنة «5» ، فانزل عن الهوى تسلم، وأعرض عن الدّنيا تغنم، ولا يغرّنّك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتنك دنياك بحسن العواري «6» ، فمدّة اللهو تنقطع، وعاريّة الدّهر ترتجع، ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم وتكتسبه من المآثم» ) * «7» .
45-* (قال بعض السّلف: «شرّ إله عبد في الأرض الهوى» ) * «8» .
46-* (قال بعضهم:
إنّي بليت بأربع يرمينني ... بالنّبل من قوس لها توتير) * «9» .
إبليس والدّنيا ونفسي والهوى ... يا ربّ أنت على الخلاص قدير) * «10» .
47-* (قال أعرابيّ: «الهوى هوان ولكن غلط باسمه، فأخذه الشّاعر وقال:
إنّ الهوان هو الهوى قلب اسمه ... فإذا هويت فقد لقيت هوانا) * «11» .
48-* (وقال حكيم: «العقل صديق مقطوع، والهوى عدوّ متبوع» ) * «12» .
49-* (وفي بعض الحكم من أطاع هواه، أعطى عدوّه مناه) * «13» .
50-* (قال بعض البلغاء: «أفضل النّاس من عصى هواه، وأفضل منه من رفض دنياه» ) * «14» .
من مضار (اتباع الهوى)
نفس مضار صفة ((الابتداع))
__________
(1) مسوفا: مماطلا ولا تجبه إلى ما يريد- مسعفا مسرعا إلي إجابة طلبه.
(2) وطن نفسك: هيئها واجعلها مستعدة للبعد عما تكون نتيجته غير مستحبة.
(3) أدب الدنيا والدين (36) .
(4) المرجع السابق (36) .
(5) المحنة: الابتلاء والاختبار.
(6) العواري: جمع عارية وهو ما بيدك وليس مملوكا لك.
(7) أدب الدنيا والدين (41) .
(8) الهوى وأثره في الخلاف للغنيمان (23) .
(9) لها توتير: يوضع لها وتر.
(10) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (5/ 395) .
(11) الهوان: هو الذل.
(12) أدب الدنيا والدين (34) .
(13) المرجع السابق نفسه.
(14) المرجع السابق نفسه.(9/3770)
الأثرة
الأثرة لغة:
الأثرة هي المصدر من قولهم أثر يأثر وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء «1» ، يقال: لقد أثرت بأن أفعل كذا وهو (أي الأثر) همّ في عزم، والأثير: الكريم عليك الّذي تؤثره بفضلك وكرمك، والمرأة الأثيرة، والمصدر الأثرة، تقول: عندنا أثرة، ورجل أثير على فعيل، وجماعة أثيرون، وهو بيّن الأثرة، ويقال: أخذت ذلك بلا أثرة عليك، أي لم أستأثر عليك، ورجل أثر على فعل، يستأثر على أصحابه. وفي الحديث: «سترون بعدي أثرة» أي من يستأثرون بالفيء، وهي الأثرة والإثرة والجمع إثر، والمأثرة والمأثرة بفتح الثّاء وضمّها: المكرمة لأنّها تؤثر، أي تذكر، ويأثرها قوم عن قوم يتحدّثون بها، وآثرت فلانا على نفسي من الإيثار، أي الإعطاء، واستأثر فلان ... بالشّيء أي استبدّ به، وقيل: استأثر بالشّيء على غيره: خصّ به نفسه واستبدّ به، ورجل أثر، على فعل، وأثر: يستأثر على أصحابه في القسم.
والاستئثار: الانفراد بالشّيء، ومنه حديث عمر: فو الله
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 15/ 1
ما استأثر بها عليكم، ولا أخذها دونكم. وهي الإثرة، وكذلك الأثرة والأثرة، وأنشد:
ما آثروك بها إذ قدّموك لها، ... لكن بها استأثروا، إذ كانت الإثر
«2»
الأثرة اصطلاحا:
قال الكفويّ: الأثرة هي التّقدّم والاختصاص «3» .
وقال ابن الأثير: أراد بالأثرة في الحديث الشّريف «ستلقون بعدي أثرة» . أنّه يستأثر عليكم فيفضّل غيركم في نصيبه من الفيء.
وقال ابن حجر: أشار (بالأثرة) إلى أنّ الأمر يصير في غيرهم فيختصّون (أنفسهم) دونهم (أي دون الأنصار) بالمال وكان الأمر على ما وصف صلّى الله عليه وسلّم «4» .
ويستخلص من جملة ما سبق أنّ الأثرة هي:
أن يختصّ الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيويّة ويستأثر بذلك فيحجبه عمّن له فيه نصيب أو هو أولى به «5» .
__________
(1) لهذه المادة معنيان آخران هما: ذكر الشّيء، ورسم الشّيء الباقي، انظر مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) .
(2) الصحاح للجوهري (574، 575) . ولسان العرب (4/ 8) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) . والنهاية لابن الأثير (1/ 22) .
(3) الكليات للكفوي (40) .
(4) النهاية (1/ 22) . وفتح الباري (7/) 147.
(5) تم استخلاص هذا التعريف الاصطلاحي من جملة أقوال اللغويين وشراح الحديث.(9/3771)
أثر الأثرة على الفرد والمجتمع:
للأثرة واختصاص الذّات أو الأقارب بالمصالح والمنافع دون غيرهم أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع، لأنّها نوع من الأنانية البغيضة يجلب الحقد بين الأفراد، ويمنع من وصول الحقوق لأصحابها، وتلك حالة تدعو إلى تذمّر أصحاب الحقّ، وإلحاق الأذى بمن استأثر دونهم بالمال أو الوظيفة أو نحو ذلك ممّا ينبغي أن يكون الجميع فيه سواء.
إنّ الأثرة والأنانية إذا شاعت في مجتمع من المجتمعات انحلّ عقده، وانفصمت عراه؛ لأنّ ذلك ظلم لأصحاب الحقوق، وظلم أيضا لذوي الأثرة الّذين يحصلون على حقوق الغير، ممّا يجعلهم كسالى مغرورين، وإذا ما حدث تبدّل في الأوضاع، فإنّهم يطالبون بردّ هذه الحقوق الّتي غالبا ما يكونون قد أضاعوها لعدم تعبهم في الحصول عليها، وحينئذ تنقلب المنافع إلى مهالك تهوي بهم في قاع السّجون، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى، والأولى بالمسلم الحقّ ألّا يؤثر نفسه، أو أقاربه، أو أصهاره، أو مقرّبيه بنفع لا يستحقّونه، حتّى لا يعود ذلك وبالا عليه وعليهم، وعليه أن يتحلّى بعكس هذه الصّفة وهو الإيثار بأن يفضّل غيره على نفسه، وحينئذ فقط يصبح من المفلحين الّذين تخلّصوا من شحّ أنفسهم وبخلها بالمنافع على الغير، فإن لم يفعل فالواجب عليه العدل بأن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وله في أنصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة طيّبة حيث مدحهم المولى- عزّ وجلّ- بقوله: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) وعلى من وقعت عليه الأثرة أن يصبر ويحتسب من ناحية، وأن يطالب بحقّه بالمعروف، سائلا المولى- عزّ وجلّ- أن يعينه، فالله سبحانه خير معين.
[للاستزادة: انظر صفات: الاحتكار- البخل- الشح.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- البر- الجود- الكرم- السخاء- الجحود- المحبة] .(9/3772)
الآيات الواردة في «الأثرة»
1- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36)
فَأَمَّا مَنْ طَغى (37)
وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38)
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «1»
2- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) «2»
__________
(1) النازعات: 34- 41 مكية
(2) الأعلى: 14- 17 مكية(9/3773)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الأثرة)
1-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، قال قلت: كيف تصنع في هذه الآية؟
قال: أيّة آية؟ قلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) . قال: سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر. حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة «1» ، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يدان لك به «2» فعليك خويّصة «3» نفسك. فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر «4» الصّبر فيهنّ على مثل قبض على الجمر. للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون بمثل عمله» ) * «5» .
2-* (عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه-:
أنّ رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تستعملني «6» كما استعملت فلانا؟ فقال: «إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «7» .
3-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها «8» » . قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدّوا إليهم حقّهم، وسلوا الله حقّكم» ) * «9» .
4-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال:
«اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا» ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهنّ دخل الجنّة، ثمّ قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (المؤمنون/ 1) حتّى ختم عشر آيات» ) * «10» .
5-* (عن مالك بن أوس، قال: أرسل إليّ عمر بن الخطّاب فجئته حين تعالى النّهار. قال:
فوجدته في بيته جالسا على سرير، مفضيا «11» إلى
__________
(1) مؤثرة: أي يختارها كل أحد على الدين.
(2) لا يدان لك به: أي لا قدرة لك عليه.
(3) خويصة نفسك: هكذا هي موجودة في ابن ماجة والنهاية لابن الأثير (2/ 37) ، التهذيب للأزهري (6/ 552) وهي تصغير خاصة على غير قياس.
(4) أيام الصبر: أي أيّاما يعظم فيها أجر الصبر.
(5) أخرجه أبو داود (4341) . والترمذي (3058) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (4014) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها.
(6) تستعملني: توليني عملا.
(7) البخاري- الفتح 7 (3792) . ومسلم (1845) واللفظ له.
(8) تنكرونها: لا ترضونها لمخالفتها الشرع والعقل.
(9) البخاري- الفتح 13 (7052) .
(10) الترمذي (3173) واللفظ له. والحاكم (2/ 425، 426) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(11) مفضيا: يعني ليس بينه وبين رماله شيء.(9/3774)
رماله «1» ... الحديث وفيه: «فو الله ما استأثر عليكم.
ولا أخذها دونكم، حتّى بقي هذا المال، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذ منه نفقة سنة. ثمّ يجعل ما بقي أسوة المال ... الحديث» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الأثرة) معنى
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أعظم؟. فقال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح «3» ، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم «4» ، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان» ) * «5» .
7-* (عن بشير بن الخصاصيّة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام فاشترط عليّ: «تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله» قال: قلت:
يا رسول الله، أمّا اثنتان فلا أطيقهما، أمّا الزّكاة فمالي إلّا عشر ذود «6» هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي «7» . قال:
فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها ثمّ قال: «لا صدقة، ولا جهاد، فبم تدخل الجنّة؟» قال: ثمّ قلت: يا رسول الله، أبايعك، فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «8» .
8-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «9» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما
__________
(1) رماله: بضم الراء وكسرها- وهو ما ينسج من سعف النخل ونحوه ليضطجع عليه.
(2) مسلم (1757) .
(3) صحيح شحيح: الشح أعم من البخل، وكأن الشح جنس والبخل نوع وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأمور، والشح عام كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع، فمعنى الحديث: أن الشح غالب في حال الصحة. فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره.
(4) بلغت الحلقوم: أي بلغت الروح الحلقوم أي قاربته، إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته.
(5) مسلم (1032) .
(6) عشر ذود: أي عشر أينق جمع ناقة، والرّسل: اللبن. أي هذه النوق العشر هي القطيع الذي يحمل عليه أهلي نساءهم ومتاعهم.
(7) خشعت نفسي: فزعت وخافت.
(8) أحمد (5/ 224) . والحاكم (2/ 79، 80) واللفظ له وصححه وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 42) : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط واللفظ للطبراني ورجال أحمد موثقون.
(9) الجهد: الجوع والمشقة.(9/3775)
ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «1» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل، قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك ...
الحديث) * «2» .
9-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «3» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «4» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «8» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «9» تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «10» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «11» . وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم.
وعفيف متعفّف ذو عيال، قال: وأهل النّار خمسة:
الضّعيف الّذي لا زبر له «12» ، الّذين هم فيكم تبعا لا
__________
(1) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.
(2) مسلم (2055) .
(3) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ ... ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(4) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(5) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(6) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(7) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(8) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته. ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق.
(9) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مرّ الزمان.
(10) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(11) نغزك: أي نعينك.
(12) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.(9/3776)
يتبعون «1» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع «2» ، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب «3» «والشّنظير «4» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «5» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص وأقرع وأعمى بدا لله- عزّ وجلّ- أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا ... الحديث وفيه: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين تقطّعت به الحبال في سفره، فلا بلاغ اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ به في سفري، فقال له: إنّ الحقوق كثيرة فقال له: كأنّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا. فردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت، وأتى الأعمى في صورته.
فقال: رجل مسكين وابن السّبيل، وتقطّعت به الحبال في سفره، فلا بلاغ اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري.
وقال له: قد كنت أعمى فردّ الله بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنّما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك» ) * «6» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا، قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «7» على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «8» ؛ إنّي أخاف أن لا أذره: إن أذكره أذكر عجره وبجره «9» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «10» . إن أنطق أطلق. وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «11» لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «12» وإن خرج
__________
(1) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(2) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشي. اذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(3) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور
(4) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق.
(5) مسلم (2865) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3464) واللفظ له. ومسلم (2964) .
(7) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغثّ: المهزول.
(8) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(9) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(10) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(11) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة.
(12) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد.(9/3777)
أسد، ولا يسأل عمّا عهد، قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ «1» ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ ... الحديث» ) * «2» .
12-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «3» .
13-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) * «4» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ أن يكون إليه مثله، ولا يملأ نفس ابن آدم إلّا التّراب، والله يتوب على من تاب» ) * «5» .
15-* (عن كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه» ) * «6» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الأثرة)
1-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته، وهو مستخف من النّاس. فنزل على رجل له بقرة، فراحت عليه تلك البقرة فحلبت، فإذا حلابها مقدار ثلاثين بقرة، قال: فأعجب الملك بها، وقال: ما صلحت هذه إلّا أن تكون لي، فإذا صرت إلى موضعي بعثت
__________
(1) زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء.، وإن اضطجع التف أي تلفف في ثوبه ونام ناحية عني، ومعني لا يولج الكف ليعلم البث أي لا يداعبها ولا يعاشرها معاشرة الأزواج.
(2) البخاري- الفتح 9 (5189) ومسلم (2448) واللفظ له
(3) مسلم (1035) .
(4) مسلم (2722) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6436) . ومسلم (1049) واللفظ له.
(6) الترمذي (2376) وقال: حديث حسن صحيح، وصحيح الترمذي رقم (1935) ورواه أحمد (3/ 456، 460) . وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 627) : وهو حديث صحيح.(9/3778)
إليه فأخذتها. قال: وأقام إلى الغد فغدت البقرة إلى مرعاها ثمّ راحت فحلبت، فإذا حلابها قد نقص عن النّصف، وجاء حلاب خمس عشرة بقرة. قال: فدعا الملك ربّها، فقال له: هل رعت في غير مرعاها بالأمس، أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ قال: ما رعت في غير مرعاها بالأمس، ولا شربت في غير مشربها بالأمس، قال: ما بال لبنها قد نقص؟ قال:
يشبه أن يكون الملك قد همّ بأخذها. فقال له الملك:
وأنت من أين يعرفك الملك؟ فقال له: هو كما أقول لك. فإذا الملك ظلم أو همّ بظلم ذهبت البركة، أو قال: ارتفعت البركة. قال: فعاهد الملك ربّه في نفسه أن لا يأخذها ولا تكون له في ملك أبدا. قال: وأقام الغد ثمّ غدت البقرة إلى مرعاها، فحلبت، فإذا حلابها قد عاد إلى ما كان. قال: فدعا صاحبها، فقال له: هل رعت بقرتك في غير مرعاها بالأمس، أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ قال: لا. قال: فما بال لبنها قد عاد. قال: يشبه أن يكون الملك قد همّ بالعدل. قال:
فاعتبر الملك، وقال: لا جرم ولأعدلنّ ولأكوننّ على أفضل من ذلك أو نحو هذا «1» .
من مضار (الأثرة)
(1) بها تحلّ النّقم وتذهب النّعم.
(2) دليل على دناءة النّفس وخسّتها.
(3) الأثرة معول هدّام وشرّ مستطير.
(4) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور.
(5) تؤدّي إلى انتفاء كمال الإيمان وقد تذهب بالإسلام.
(6) تبثّ اليأس في نفوس ذوي الحقوق.
(7) بها يضيع العدل وينتفي كرم الخلق.
(8) يحلّ العداء والكراهية محلّ المحبّة والمودّة في القلوب.
(9) تنتفي الأسوة الحسنة وتصير المنفعة باعث الحركة في الحياة.
__________
(1) مساوىء الأخلاق ومذمومها للخرائطي (227، 228) .(9/3779)
الإجرام
الإجرام لغة:
مصدر أجرم يجرم. وهو مأخوذ من مادّة (ج ر م) الّتي تدلّ على القطع، ومن ذلك: الجرام لصرام النّخل، والجرامة ما سقط من التّمر إذا جرم، والجرم والجريمة بمعنى الذّنب من ذلك. لأنّه كسب، والكسب اقتطاع، والجسد جرم لأنّ له قدرا وتقطيعا.
وقال الرّاغب: أصل الجرم: قطع الثّمرة عن الشّجر، وقولهم: أجرم: صار ذا جرم نحو: أثمر وأتمر أي صار ذا ثمر وتمر، واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال ذلك للمحمود، ويقال: الجرم:
الجسد، والجرم اللّون، والجرم: الصّوت، أمّا الجرم (بالضّمّ) فهو الذّنب، والجريمة مثله، تقول من ذلك:
جرم وأجرم، واجترم بمعنى.
وقال ابن منظور: الجرم (بالضّمّ) التّعدّي، والجرم:
الذّنب، والجمع أجرام وجروم، يقال من ذلك: جرم يجرم جرما، واجترم وأجرم، فهو مجرم وجريم، وجرم إليهم وعليهم جريمة، وأجرم: جنى جناية، وأمّا جرم (بالضّمّ) فمعناه: عظم جرمه.
والجرم مصدر الجارم الّذي يجرم نفسه وقومه شرّا،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
54/ 7/ 2
والجارم: الجاني، والمجرم: المذنب.
وقد أنشد أبو عبيدة للهيردان السّعديّ أحد لصوصهم:
طريد عشيرة ورهين جرم ... بما جرمت يدي وجنى لساني «1»
الإجرام اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات في التّراث الإجرام ضمن ما ذكرته من مصطلحات، ولكنّها عرّفت الجرم:
بأنّه الذّنب العظيم، وعرّفت الذّنب بأنّه: فعل محرّم يقع المرء عليه عن قصد فعل الحرام ويكون ذلك بين العبد وربّه وبين العبد والعبد «2» . وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف الإجرام بأنّه: فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد سواء أكان ذلك في حقّ المولى أو في حقّ العباد.
أمّا في كتب القانون والمصطلحات الحديثة، فقد أخذ مصطلح الإجرام والجريمة بعدا اجتماعيّا وقانونيّا واسعا فقيل: الجريمة: كلّ فعل يعود بالضّرر على المجتمع، ويعاقب عليه القانون «3» .
وقال بعض الباحثين المحدثين: الجريمة: محظورات
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 445) ، والصحاح (5/ 1885، 1886) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 262) ، ولسان العرب لابن منظور (1/ 604) ط. دار المعارف.
(2) انظر الكليات للكفوى (114، 503) .
(3) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (90) .(9/3780)
شرعيّة زجر الله عنها بحدّ أو تعزير، والمحظورات إمّا فعل منهيّ عنه، أو ترك فعل مأمور به، ومن ثمّ يكون الإجرام: إتيان فعل محرّم معاقب على فعله، أو هو:
فعل أو ترك نصّت الشّريعة على تجريمه والعقاب عليه «1» .
ومن ثمّ يشمل الإجرام فعل المحظورات كالسّرقة والزّنا والقتل وما أشبهها، وترك المأمورات من نحو ترك الصّلاة والامتناع عن دفع الزّكاة، أو ترك الدّين بالكلّيّة كالارتداد.
[للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإرهاب- انتهاك الحرمات- العدوان- العصيان- الانتقام- النقمة- الفجور- الطغيان- الحرب والمحاربة- العتو- القسوة- البغي.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التقوى- الطاعة- الاستقامة- تعظيم الحرمات- الصفح- العفو- السلم] .
__________
(1) التشريع الجنائى الإسلامى (66)(9/3781)
الآيات الواردة في «الإجرام»
أفعال المجرمين والبراءة منهم:
1- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) «1» 2- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (75) «2» 3- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) «3»
4- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) «4»
5- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «5»
__________
(1) الأنعام: 54- 55 مكية
(2) يونس: 71- 75 مكية
(3) يونس: 80- 82 مكية
(4) هود: 32- 35 مكية
(5) هود: 50- 52 مكية(9/3782)
6- وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) «1»
7- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11)
كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) «2»
8- نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ
(58) «3»
9- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (204) «4»
10- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) «5»
11- إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
__________
(1) هود: 115- 116 مكية
(2) الحجر: 10- 13 مكية
(3) الحجر: 49- 58 مكية
(4) الشعراء: 192- 204 مكية
(5) القصص: 17 مكية(9/3783)
قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) «1»
12- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (33) «2»
13- وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) «3»
14- وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32)
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) «4»
15- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «5»
__________
(1) القصص: 76- 77 مكية
(2) سبأ: 32- 33 مكية
(3) الدخان: 17- 22 مكية
(4) الدخان: 30- 37 مكية
(5) الأحقاف: 21- 22 مكية.(9/3784)
16- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «1»
وعد المؤمنين ووعيد المجرمين:
17- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) «2»
18- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) «3»
19- يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (86)
لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (87)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (88)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (90)
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (91) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
__________
(1) الذاريات: 24- 37 مكية
(2) الأنفال: 7- 8 مدنية
(3) يونس: 47- 50 مكية(9/3785)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) «1»
20- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «2»
21- وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) «3»
22- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91)
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92)
مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96)
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) «4»
23- إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) «5»
24- احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24)
ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25)
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27)
__________
(1) مريم: 85- 95 مكية
(2) طه: 74- 76 مكية
(3) الفرقان: 21- 23 مكية
(4) الشعراء: 90- 104 مكية
(5) يس: 53- 59 مكية(9/3786)
قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30)
فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31)
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32)
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) «1»
25- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ
(31) «2»
26- أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38)
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) «3»
27- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) «4»
28- هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)
فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41)
وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
__________
(1) الصافات: 22- 34 مكية
(2) الجاثية: 27- 31 مكية
(3) القلم: 35- 39 مكية
(4) المدثر: 38- 51 مكية(9/3787)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) «1»
عاقبة المجرمين:
29- أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (123) وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) «2»
30- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) «3»
31- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) «4»
32- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) «5»
33- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
__________
(1) المرسلات: 38- 50 مكية
(2) الأنعام: 122- 124 مكية
(3) الأنعام: 146- 147 مكية
(4) الأعراف: 40- 41 مكية
(5) الأعراف: 80- 84 مكية(9/3788)
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131)
وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) «1»
34- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) «2»
35- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) «3»
36- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) «4»
37- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) «5»
38- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) «6»
__________
(1) الأعراف: 130- 133 مكية
(2) التوبة: 64- 66 مدنية
(3) يونس: 13 مكية
(4) يونس: 17 مكية
(5) يوسف: 109- 110 مكية
(6) إبراهيم: 47- 51 مكية(9/3789)
39- وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) «1»
40- وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) «2»
41- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) «3»
42- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) «4»
43- اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (13) «5»
44- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(47) «6»
45- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) «7»
46- قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) «8»
__________
(1) الكهف: 49 مكية
(2) الكهف: 53 مكية
(3) طه: 102 104 مكية
(4) النمل: 67- 72 مكية
(5) الروم: 11- 13 مكية
(6) الروم: 47 مكية
(7) الروم: 55 مكية
(8) السجدة: 11- 14 مكية(9/3790)
47- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «1»
48- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) «2»
49- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)
وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77)
لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) «3»
50- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) «4»
51- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40)
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45) «5»
52- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1)
لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3)
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6)
وَنَراهُ قَرِيباً (7)
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9)
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) «6»
__________
(1) السجدة: 22 مكية
(2) سبأ: 24- 25 مكية
(3) الزخرف: 74- 78 مكية
(4) القمر: 47- 49 مكية
(5) الرحمن: 40- 45 مكية
(6) المعارج: 1- 18 مكية(9/3791)
53- أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) «1»
54- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32)
وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) «2»
__________
(1) المرسلات: 16- 19 مكية
(2) المطففين: 29- 33 مكية(9/3792)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإجرام)
1-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّه قيل لها: إنّ ابن عمر يرفع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ» . قالت: وهل «2» أبو عبد الرّحمن إنّما قال:
«إنّما أهل الميّت يبكون عليه، وإنّه ليعذّب بجرمه» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإجرام) معنى
3-* (عن أبي رمثة- رضي الله عنه- قال:
أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أبي، فقال: «من هذا معك؟» .
قال: ابني أشهد به. قال: «أما إنّك لا تجني عليه ولا يجني عليك» ) * «4» .
4-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال الحضرميّ: يا رسول الله إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» . قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال:
«ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «5» .
5-* (عن عمرو بن الأحوص- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في حجّة الوداع للنّاس: «أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم الحجّ الأكبر.
قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. ألا لا يجني جان إلّا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا وإنّ الشّيطان قد أيس من أن يعبد في بلادكم هذه أبدا، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به» ) * «6» .
6-* (عن ثعلبة بن زهدم اليربوعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في أناس من الأنصار. فقالوا: يا رسول الله، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانا في الجاهليّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7289) واللفظ له. مسلم (2358)
(2) وهل: يعني غلط أبو عبد الرحمن، ونسيه وهو ابن عمر.
(3) البخاري- الفتح (1286) ومسلم (931) وأحمد (6/ 57) ومالك في «الموطأ» (1/ 243) والنسائي (4/ 17) .
(4) النسائي (8/ 53) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (3/ 999) رقم (4492) ، أبو داود (4208) ، أحمد (2/ 226 228) ، الدارمي (2/ 260) رقم (2388) .
(5) مسلم (139) .
(6) الترمذي (2159) وقال: حسن صحيح. واللفظ له، ابن ماجة (3055) ، أحمد (3/ 499) .(9/3793)
وهتف بصوته: «ألا لا تجني نفس على الأخرى» ) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض: أيّكم يجيء بسلى جزور «2» بني فلان فيضعه على ظهر محمّد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتّى إذا سجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغني شيئا، لو كانت لي منعة «3» قال: فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض «4» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساجد لا يرفع رأسه، حتّى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره، فرفع رأسه ثمّ قال: «اللهمّ عليك بقريش» ثلاث مرّات. فشقّ عليهم، إذ دعا عليهم.
قال: وكانوا يرون أنّ الدّعوة في ذلك البلد مستجابة ثمّ سمّى: «اللهمّ عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» وعدّ السّابع فلم نحفظه.
قال: فو الّذي نفسي بيده، لقد رأيت الّذين عدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرعى في القليب «5» ، قليب بدر» ) * «6» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الإجرام)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا» ) * «7» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«خمس لهنّ أحسن من الدّهم الموقفة «8» : لا تكلّم فيما لا يعنيك، فإنّه فضل، ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنت، ولا تمار حليما ولا سفيها فإنّ الحليم يقليك، وإنّ السّفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيّب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، وأعفه عمّا تحبّ أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام» ) * «9» .
__________
(1) النسائي (8/ 53) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (3/ 999) رقم (4493) ، أحمد (5/ 377) . وقال الهيثمى في «مجمع الزوائد» (6/ 283) : رجاله رجال الصحيح.
(2) سلى جزور: الجزور من الإبل يجزر، والسلى الجلدة التى يكون فيها الولد يقال لها ذلك من البهائم. وأما من الآدميات فالمشيمة.
(3) منعة: قوة.
(4) يحيل بعضهم على بعض: أى أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما.
(5) القليب: هي: البئر التي لم تطو، وقيل هي القديمة التي لا يعرف صاحبها.
(6) البخاري- الفتح 1 (240) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6308) .
(8) أي من الخيل الدهم التي أوقفت وأعدت للركوب.
(9) كتاب الصمت، لابن أبي الدنيا (ص 264- 265) .(9/3794)
من مضار (الإجرام)
(1) من أخطر مضارّ الإجرام بثّ الخوف والفزع في المجتمع.
(2) يجلب الضّيق لمن حوله بما يترتّب عليه من آثار.
(3) يوبق المجرم وينتهي به إلى عقاب الله تعالى.
(4) يجلب له الكراهية ممّن حوله نتيجة لما يترتّب على فعله من خوف أو تضييق.
(5) لا يتقن النّاس عملا في أيديهم بسبب الخوف والقلق النّفسيّ.
(6) شيوع الإجرام يترتّب عليه تفكّك المجتمع، وتأخّره.
وانظر مضار صفة (الإرهاب)(9/3795)
الإحباط
الإحباط لغة:
مصدر قولهم: أحبط عمله يحبطه، وأحبطه الله، وهو مأخوذ من مادّة (ح ب ط) الّتي تدلّ على «بطلان أو ألم» يقال: أحبط الله عمل الكافر أي أبطله «1» .
وقال الرّاغب: أصل حبط الأعمال من الحبط، وهو أن تكثر الدّابّة أكلا حتّى ينتفخ بطنها «2» .
وقال الجوهريّ: يقال: حبط عمله حبطا وحبوطا: بطل ثوابه، والحبط: أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ بطونها، والإحباط (أيضا) : أن يذهب ماء الرّكيّة فلا يعود كما كان «3» .
وذهب الفيروز اباديّ إلى أنّ حبوط العمل إمّا أن يكون مأخوذا من: حبط ماء الرّكيّة (البئر) إذا ذهب ذهابا لا يعود أبدا، وإمّا من قولهم: حبطت الدّابّة، من الحبط، وهو أن تأكل الدّابّة أكلا ينفخ بطنها «4» .
وقال ابن منظور: الحبط: من آثار الجرح، وقيل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
22/ 8/ 6
الحبط وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله، يقال: حبط البعير حبطا، فهو حبط، والجمع حباطى «5» ، وحبطة، وفي الحديث الشّريف: «وإنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ «6» » قال ابن الأثير:
المعنى: أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب فتستكثر منه الماشية «7» (حتّى تنتفخ فتموت) ، قال الأزهريّ: ضربه صلّى الله عليه وسلّم مثلا للمفرط في الجمع (للمال) والمنع (من حقّه) وذلك أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب الّتي تحلوليها الماشية، فتستكثر منها، حتّى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الّذي يجمع الدّنيا ويحرص عليها ويشحّ بما جمع حتّى يمنع ذا الحقّ حقّه منها فيهلك في الأخرة بدخول النّار واستيجاب العذاب «8» ، وقيّد بعضهم الحبط بأنّه انتفاخ يصحبه إمساك، فقال: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها، وقيل: الحبط: الانتفاخ أين كان من داء أو غيره، وقولهم: حبط جلده، معناه: ورم، قال ابن سيده:
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 130.
(2) المفردات للراغب ص 153 (تحقيق خلف الله) .
(3) الصحاح للجوهري 3/ 1118.
(4) بصائر ذوي التمييز 2/ 224- 225.
(5) لسان العرب 7/ 270 (ط. بيروت) .
(6) انظر الحديث رقم 4.
(7) النهاية لابن الأثير 1/ 331.
(8) نقلا عن لسان العرب 7/ 270.(9/3796)
والحبط في الضّرع أهون الورم، وقولهم: حبط (فلان) حبطا وحبوطا: عمل عملا ثمّ أفسده «1» ، وفي التّنزيل العزيز: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (محمد/ 9) ، قال القرطبيّ في معنى الآية:
كرهوا ما أنزل الله من الكتب والشّرائع فأحبط (أبطل ولم يقبل) ما لهم من صور الخيرات كعمارة المساجد وقرى الضيف، وأصناف القرب، ولا يقبل الله الأعمال إلّا من مؤمن «2» ، أمّا قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فالمعنى: بطلت هذه الأعمال وفسدت، والآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام «3» .
قال الأزهريّ: ولا أرى حبط العمل (حبوطه) وبطلانه مأخوذا إلّا من حبط البطن، لأنّ صاحب البطن يهلك، وكذلك عمل المنافق يحبط، غير أنّهم سكّنوا الباء في حبوط الأعمال فقالوا حبط، وحرّكوها في حبوط البطن فقالوا: حبط، ومن الاستعمالات الأخرى لهذا الفعل قولهم: حبط دم القتيل إذا هدر، وحبطت البئر إذا ذهب ماؤها «4» .
الإحباط اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإحباط هو إبطال الحسنات بالسّيّئات «5» .
وقال أسعد رزق: الإحباط (وترادفه الخيبة) هو إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما، وسدّ الطّريق الّتي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه، سواء أكان السّعي نحو الهدف سعيا واعيا أو غير واع «6»
، قلت: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في العصر الحديث بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة.
وقال بعض الباحثين المحدثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده «7» .
أنواع الإحباط:
قال في البصائر: وحبط (إحباط) العمل على أضرب:
الأوّل: أن تكون الأعمال دنيويّة (ليست صادرة عن ذي دين) فهي لا تغني شيئا يوم القيامة، وقد أشار المولى إلى ذلك في قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (الفرقان/ 23) .
الثّاني: أن تكون أعمالا دنيويّة لا يقصد بها صاحبها وجه الله (وذلك كأعمال الرّياء) .
الثّالث: أن تكون أعمالا صالحة يكون بإزائها
__________
(1) لسان العرب 7/ 272.
(2) تفسير القرطبي 16/ 233.
(3) المرجع السابق 3/ 46- 47.
(4) لسان العرب 7/ 272.
(5) الكليات 1/ 72.
(6) موسوعة علم النفس 1/ 11.
(7) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة محمد، وكمال إبراهيم موسى، ص 126.(9/3797)
سيّئات تزيد عليها، وهو المشار إليه بخفّة الميزان «1» .
أسباب حبوط العمل:
إنّ من يتأمّل آي الذّكر الحكيم والأحاديث الشّريفة الواردة في «الإحباط أو الحبط» يتّضح له أنّ هناك أسبابا عديدة تؤدّي لبطلان الأعمال وفقد ثوابها ممّا ينتج عنه خيبة أصحابها وخسرانهم في الدّنيا والآخرة.
متى يحدث الإحباط؟
يحدث الإحباط (بمفهومه الحديث) عندما يكون الشّخص مهيّئا لتحقيق هدف ما ومستعدّا لعمل ما يوصّله إليه، ثمّ يجد عائقا يمنعه من أداء ذلك العمل أو يعوقه عن تحقيق هدفه، مثال ذلك أن يشعر الإنسان بحاجة قويّة لفعل شيء ويستعدّ لتحقيق ذلك الشّيء، ثمّ يمنع منه ظلما، فإنّه يشعر بالتّوتّر والضّيق، فإذا لم يستطع إزالة ذلك الحائل بالأساليب المباشرة واستمرّت رغبته قويّة في الهدف فإنّ ذلك يؤدّي إلى التوتّر والضّيق والشّعور بالألم والحسرة ونحو ذلك من المشاعر المؤلمة النّاجمة عن هذا الإخفاق وذلك الإحباط «2» .
ويختلف النّاس في الشّعور بالإحباط وفي القدرة على تحمّله بحسب ما يدعى «عتبة الإحباط» الّتي توجد بدرجات متفاوتة، إذ توجد عند البعض بدرجة منخفضة وعند بعضهم بدرجة متوسّطة أو عالية، فالشّخص ذو عتبة الإحباط المنخفضة يشعر بسرعة، ويدركه في مواقف كثيرة، قد لا تسبّب الإحباط لكثير من النّاس، أمّا الشّخص ذو عتبة الإحباط المتوسّطة أو العالية، فلا يشعر بالإحباط إلّا في المواقف الّتي فيها عوائق شديدة، وفي استطاعة هذا الشّخص- بقوّة إرادته- أن يتحمّل مشاعر الإحباط وأن يتخطّاها «3» .
معالجة الشعور بالإحباط:
لمعالجة الإحباط بعد وقوعه والوقاية منه قبل حدوثه عوامل عديدة تمكّن المجتمع الإسلاميّ من التّخلّص من آثاره الضّارّة، وأهمّ هذه العوامل:
1- تنمية الشّعور بالرّضا حتّى يقبل كلّ شخص ما قدّره الله له من الرّزق والصّحّة والمنصب، وعلى كلّ منّا أن يضع هدفا مناسبا لقدراته وإمكاناته وظروفه ثمّ المثابرة وبذل الجهد لتحقيق ذلك الهدف.
2- على الإنسان أن يتعوّد على الأخذ بالأسباب، والصّبر على البلاء، وعدم اليأس أو القنوط إذا حدثت عوائق تحول بينه وبين النّجاح المأمول وعليه معاودة السّعي مرّة ومرّات حتّى يحقّق الله عزّ وجلّ مسعاه.
3- على المجتمع مساعدة الأسر الفقيرة كي لا يتعرّضوا للإحباط الشّديد النّاجم عن عدم القدرة على توفير احتياجاتهم الضّروريّة، وهنا تقوم فريضة الزّكاة بدور حاسم في القضاء على إحباطات الأسر الفقيرة، ويتّصل بذلك أيضا صفات: البرّ، الصّدقة، المروءة،
__________
(1) بصائر ذوي التمييز 2/ 424، والمفردات للراغب 106.
(2) الصحة النفسية، مصدر سابق.
(3) السابق، ص 135- 136 (بتصرف واختصار) .(9/3798)
صلة الرّحم ونحوها.
4- على المجتمع أيضا أن يعنى بطبقة العاطلين عن العمل والتّلاميذ المتأخّرين دراسيّا بمساعدة هؤلاء في حلّ مشكلاتهم وغرس قيم الصّبر والمثابرة وضبط النّفس والتّفاؤل حتّى يستطيعوا حلّ مشكلاتهم بأنفسهم، وعلى المحيطين بهؤلاء عدم إهانتهم أو تحقيرهم خاصّة إذا كانت عوامل فشلهم وإحباطهم خارجة عن إرادتهم.
[للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- صغر الهمة- الكسل- الوهن- التنصل من المسئولية- الضعف- اليأس- القنوط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العزم والعزيمة- علو الهمة- القوة- قوة الإرادة- المسئولية- النشاط الثبات] .(9/3799)
الآيات الواردة في «الإحباط» *
1- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «1»
2- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) «2»
3- الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «3» 4- وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (53) «4»
5- ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) «5»
6- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147) «6»
7- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) «7»
8- كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69) «8»
__________
* الآيات الواردة هنا ليست في الإحباط بمعناه بل في حبوط العمل (بطلانه) .
(1) البقرة: 217 مدنية
(2) آل عمران: 21- 22 مدنية
(3) المائدة: 5 مدنية
(4) المائدة: 53 مدنية
(5) الأنعام: 88 مكية
(6) الأعراف: 147 مكية
(7) التوبة: 17 مدنية
(8) التوبة: 69 مدنية(9/3800)
9- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) «1»
10- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) «2»
11- قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) «3»
12- وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) «4»
13- وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) «5»
14- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) «6»
15- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) «7»
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) «8»
__________
(1) هود: 15- 16 مكية
(2) الكهف: 103- 105 مكية
(3) الأحزاب: 18- 19 مدنية
(4) الزمر: 65 مكية
(5) محمد: 8- 9 مدنية
(6) محمد: 25- 28 مدنية
(7) محمد: 32 مدنية
(8) الحجرات: 2 مدنية(9/3801)
الآيات الواردة في «الإحباط» معنى
17- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «1»
18- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) «2»
19- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «3»
20- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) «4»
21- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) «5»
22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «6»
__________
(1) هود: 9- 11 مكية
(2) يوسف: 87 مكية
(3) الإسراء: 83- 84 مكية
(4) العنكبوت: 23 مكية
(5) فصّلت: 49 مكية
(6) الممتحنة: 13 مدنية(9/3802)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإحباط)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» ) * «1» .
2-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت «2» فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا «3» فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال:
من خشيتك، فغفر الله له» ) * «4» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة.
وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار» ) * «5» .
4-* (عن حبّة وسواء، ابني خالد- رضي الله عنهم- قالا: دخلنا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يعالج «6» شيئا. فأعنّاه عليه. فقال: «لا تيأسا من الرّزق ما تهزّزت رؤوسكما «7» فإنّ الإنسان تلده أمّه أحمر، ليس عليه قشر، ثمّ يرزقه الله- عزّ وجلّ-» ) * «8» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دوّيّة «9» مهلكة «10» معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتّى أدركه العطش. ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشّد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته
__________
(1) الترمذي (3610) واللفظ له وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) : حديث حسن.
(2) فامتحشت: أي احترقت.
(3) يوما راحا: أي شديد الريح.
(4) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له، ومسلم (2756) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-.
(5) البخاري- الفتح 11 (6469) واللفظ له، ونحوه عند مسلم (2755) .
(6) يعالج: أي يصلح.
(7) ما تهززت رؤوسكما: أي ما تحركت وهو كناية عن الحياة.
(8) ابن ماجة (4165) وفي الزوائد: إسناده صحيح.
(9) الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية.
(10) مهلكة: موضع خوف الهلاك. ويقال لها مفازة.(9/3803)
وزاده» ) * «1» .
6-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل يقاتل المشركين- وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم «2» - فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا، فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتّى جرح، فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه «3» فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتّى خرج من بين كتفيه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد ليعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل الجنّة، وإنّه لمن أهل النّار، ويعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل النّار وهو من أهل الجنّة، وإنّما الأعمال بخواتيمها» ) * «4» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به. فإن كان لا بدّ متمنّيا فليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي» ) * «5» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول:
ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك؛ الله ربّنا، هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال:
وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه. ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال: هل امتلأت؟، فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (ق/ 30) ثمّ يطرح فيها فوج فيقال: هل امتلأت، فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتّى إذا أوعبوا فيها وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت: قط، قط، فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّيا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال:
يا أهل النّار، فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة،
__________
(1) البخاري، الفتح 11 (6308) ، ومسلم (2744) واللفظ له.
(2) غناء: أى كفاية.
(3) ذبابة سيفه: حده وطرفه.
(4) البخاري. الفتح 11 (6493) واللفظ له، ومسلم (112)
(5) البخاري- الفتح 10 (5671) ، ومسلم (2680) واللفظ له.(9/3804)
فيقال لأهل الجنّة ولأهل النّار: هل تعرفون هذا؟
فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الّذي وكّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإحباط)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:
أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله» ) * «2» .
2-* (عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت قول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا (يوسف/ 110) أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عرّية، لقد استيقنوا بذلك. قلت:
فلعلّها «أو كذبوا» قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم، وصدّقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر. حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر الله» ) * «3» .
3-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يلقى على أهل النّار الجوع فيعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع فيستغيثون بالطّعام فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يجيزون الغصص في الدّنيا بالشّراب فيستغيثون بالشّراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطّعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهّنم، فيقولون: قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (غافر/ 50) . قال:
فيقولون: ادعوا مالكا، فيقولون: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ؟ قال: فيجيبهم إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (الزخرف/ 77) قال الأعمش: نبّئت أنّ بين دعائهم وبين إجابة مالك إيّاهم ألف عام. قال: فيقولون:
ادعوا ربّكم فلا أحد خير من ربّكم، فيقولون قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ* رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قال:
__________
(1) البخاري الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) ، والترمذي (2557) واللفظ له.
(2) رواه عبد الرزاق في مصنفه، الدر النضيد (226) .
(3) البخاري، الفتح 6 (3389) .(9/3805)
فيجيبهم: قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون/ 106- 108) قال: فعند ذلك يئسوا من كلّ خير، وعند ذلك يأخذون في الزّفير والحسرة والويل» ) * «1» .
4-* (قال مجاهد، في قوله تعالى: كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (الممتحنة/ 13) قال:
كما يئس الكفّار في قبورهم من رحمة الله تعالى، لأنّهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ» ) * «2» .
5-* (قال محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: اللهمّ، إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك» ) * «3» .
6-* (قال أبو حاتم السّجستانيّ منشدا:
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصّدر الرّحيب
وأوطأت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث ... يمنّ به اللّطيف المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب) * «4» .
__________
(1) الترمذي (2586) .
(2) بصائر ذوي التمييز (5/ 376) .
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 333) .
(4) تفسير ابن كثير (4/ 526)(9/3806)
من مضار (الإحباط)
(1) الإحباط هو قرين اليأس والقنوط.
(2) تقليل الإنتاج اليوميّ.
(3) مدعاة لترك العمل والنبوغ، والقعود عن طلب معالي الأمور.
(4) الإحباط يحدث تقديم من يستحقّ التّأخير وتأخير من يستحقّ التّقديم.
(5) دليل على ضعف الإيمان وسوء الظّنّ بالرّحمن.
(6) دليل على ضعف الهمّة وفقدان الشّخصيّة.
(7) تسود في المجتمع روح الكراهية والبغضاء.(9/3807)
الاحتكار
الاحتكار لغة:
الاحتكار في اللّغة مصدر قولهم (احتكر) وهو يرجع إلى مادّة (ح ك ر) الّتي تدلّ على الحبس، وأصل ذلك في كلام العرب: الحكر وهو الماء المتجمّع كأنّه احتكر لقلّته، والحكرة: حبس الطّعام انتظارا لغلائه.
قال الجوهريّ: واحتكار الطّعام: جمعه وحبسه يتربّص به الغلاء، وهو الحكرة بالضّمّ، والحكرة والحكر: الاسم من الاحتكار، وفي الحديث الشّريف أنّه صلّى الله عليه وسلّم، نهى عن الحكرة، والحكر: فعل بمعنى مفعول أي مجموع وهو الماء القليل المجتمع، وكذلك القليل من الطّعام واللّبن، وفي الحديث قال في الكلاب: إذا وردت الحكر القليل فلا تطعمه» .
وقال ابن منظور: الحكر: ادّخار الطّعام للتّربّص، وصاحبه محتكر، وأصل الحكرة: الجمع والإمساك.
والحكر والحكرة الاسم منه، والحكر والحكر جميعا: ما احتكر، وإنّهم ليتحكّرون في بيعهم: ينظرون
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 3/ 3
ويتربّصون. وإنّه لحكر: لا يزال يحبس سلعته، والسّوق مادّة- أي ملأى رجالا وبيوعا- حتّى يبيع بالكثير من شدّة حكره: أي من شدّة احتباسه وتربّصه، وفي الحديث: «من احتكر طعاما فهو كذا» ، أي اشتراه وحبسه ليقلّ فيغلو.
وحكره: ظلمه وتنقّصه وأساء معاشرته. «1»
الاحتكار اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الاحتكار: حبس الطّعام للغلاء «2» .
وقال ابن الأثير: الاحتكار: شراء الطّعام وحبسه ليقلّ ويغلو «3» .
وقال ابن حجر: الاحتكار: إمساك الطّعام عن البيع، وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة النّاس إليه «4» .
وقال الشّوكانيّ: الاحتكار هو حبس السّلع عن البيع «5» .
وقد اكتسب مصطلح الاحتكار أبعادا جديدة
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 92) ، والصحاح (2/ 635) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 418) ، واللسان (4/ 208) (ط. بيروت)
(2) التعريفات (ص 100) ، وفي الأصل «للغلة» وهو تصحيف.
(3) النهاية (1/ 417) .
(4) فتح الباري (4/ 408) .
(5) نيل الأوطار للشوكاني (5/ 337) ، وليس المقصود هنا الحبس المطلق، وإنّما الحبس انتظارا للغلاء.(9/3808)
ولم يقتصر مفهومه على الطّعام أو السّلع، وإنّما شمل الخدمات الأخرى والامتيازات الممنوحة للشّركات والأفراد، يؤكّد هذا ما جاء في معجم المصطلحات الاقتصاديّة من أنّ الاحتكار: هو السّيطرة الخالصة على عرض سلعة أو خدمة ما في سوق معلومة أو على الامتياز الخالص للشّراء أو البيع دون مزاحم أو منافس «1» .
حكم الاحتكار في الشريعة الإسلامية:
قال ابن حجر: الاحتكار المحرّم: هو أن يمسك ما اشتراه لوقت في الغلاء لا الرّخص من القوت ونحوه مثل التّمر والزّبيب بقصد أن يبيعه بأغلى ممّا اشتراه به عند اشتداد الحاجة إليه، ويلحق بالقوت كلّ ما يعين عليه كاللّحم والفواكه، ومتى اختلّ شرط من ذلك فلا حرمة «2» إذ لا يكره الاحتكار مع سعة الأبواب ورخص الأسعار، وأمّا احتكارها مع الضّيق والغلاء فمكروه ومحرّم «3» . والخلاصة أنّ الاحتكار المنهيّ عنه ليس عامّا في كلّ شيء. فالغالب أنّه احتكار طعام وأن يكون من شراء، أي جمعه عن طريق الشّراء ليغلي ثمنه وأن يكون لأمد. وأن تكون الغاية منه الإغلاء واستغلال حاجة النّاس لكسب منفعة.
ولكنّ بعض أهل العلم لا يحصره في باب الطّعام بل يمدّه إلى كلّ ضرورات وحاجات الإنسان والحيوان، فكلّ ما لا يمكن الاستغناء عنه أو كان في تركه حرج لا يصحّ احتكاره واستغلاله.
أمّا ما لم يكن من الضّرورات أو الحاجات الإنسانيّة والحيوانيّة فلا يدخل في باب الاحتكار «4» .
احتكار الإنتاج في الاقتصاد الغربي:
لم يعرف النّظام الاقتصاديّ الإسلاميّ الاحتكار فيما يتعلّق بإنتاج سلعة من السّلع إذ النّاس جميعا سواء فيما يتعلّق بحرّيّة الإنتاج. ولكنّ النّظام الاقتصاديّ الغربيّ أقرّ هذا المبدأ دون غضاضة، ففي العصور الوسطى كان الملوك في أغلب الأحيان هم الّذين يمنحون الأفراد حقّ احتكار أيّ سلعة، وفي العصر الحديث ينشأ الاحتكار عادة نتيجة لتجمّع المنتجين الأساسيّين للسّلعة في وحدة واحدة بغرض فرض الرّقابة على العرض الكلّيّ لها وارتفاع سعرها «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأثرة- التناجش- الأذى- الطمع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الرحمة- الرضا- القناعة- النزاهة- حسن المعاملة- الأمانة] .
__________
(1) معجم المصطلحات الاقتصادية (544) .
(2) الزواجر من ارتكاب الكبائر لابن حجر (316) .
(3) فى تفصيل حالات الكراهية والحرمة والإباحة: الحاوي الكبير (7/ 84) وما بعدها.
(4) ينظر الدر المنتقى على متن الملتقى للحصكفي (2/ 547) ، ونهاية المحتاج للرّملي (3/ 456) ، والمغني لابن قدامة (4/ 220) ، والمحلي لابن حزم 9/ 78، والبدائع للكاساني (5/ 129) .
(5) معجم المصطلحات الاقتصادية (167) .(9/3809)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الاحتكار)
1-* (عن معمر بن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحتكر إلّا خاطىء» ) * «1» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالجذام والإفلاس» ) * «2» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من احتكر طعاما أربعين ليلة، فقد بريء من الله تعالى وبريء الله تعالى منه، وأيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمّه الله تعالى» ) * «3» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الاحتكار)
1-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
الجالب مرزوق، والمحتكر محروم، ومن احتكر على المسلمين طعاما ضربه الله بالإفلاس والجذام) * «4» .
2-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال: لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجال، بأيديهم فضول من أذهاب، إلى رزق من أرزاق الله ينزل بساحتنا، فيحتكرونه علينا، ولكن أيّما جالب جلب على عمود كبده «5» في الشّتاء والصّيف فذلك ضيف عمر، فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله) * «6» .
3-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه كان ينهى عن الحكرة) * «7» .
من مضار (الاحتكار)
(1) دليل على دناءة النّفس وسوء الخلق.
(2) استحقاق الوعيد لمن كان هذا خلقه.
(3) يورث الضّغينة والبعد عن النّاس.
(4) سبب في اضطراب الشّعوب وعدم استقرارها.
(5) الاحتكار ثمرة من ثمار حبّ النّفس المقيت.
(6) الاحتكار يناقض الإيثار الّذي هو جوهر علاقة المسلم بأخيه المسلم.
(7) الاحتكار يثري القطيعة الاجتماعيّة في الأمّة.
__________
(1) مسلم (1605) وابن ماجه (2154) وقوله (إلا خاطىء) بمعنى آثم، والمعنى: لا يجترىء على هذا الشنيع إلا من اعتاد المعصية.
(2) ابن ماجة (2155) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله موثقون، وأحمد (1 لا 21) وصححه الشيخ أحمد شاكر رقم (135) وله شاهد عن ابن عمر (أحمد 2/ 33) وصححه الشيخ أحمد شاكر (488) وكذا عن أبي هريرة (2/ 351) ح (8602) وينظر مجمع الزوائد (4/ 100) .
(3) أحمد (2/ 33) وقال الشيخ أحمد شاكر (7/ 49) برقم (4880) : إسناده صحيح.
(4) جامع الأصول (1/ 596) .
(5) عمود كبده: أراد به ظهره، وذلك أنه يأتي به على تعب ومشقة، وإن لم يكن جاء به على ظهره، وإنما هو مثل.
(6) جامع الأصول (1/ 593، 594) .
(7) جامع الأصول (1/ 594) .(9/3810)
الأذى
الأذى لغة:
الأذى مصدر قولهم: أذي الشّيء يأذى، وهو مأخوذ من مادّة (أذ ى) الّتي تدلّ على «الشّيء تتكرّهه ولا تقرّ عليه، ومن ذلك الإيذاء، يقال: آذيت فلانا أوذيه: أي ألحقت به ما يكره، ويقال: بعير إذ وناقة أذية، إذا كان (كلّ منهما) لا يقرّ في مكان من غير وجع، ولكن خلقة، وكأنّه يأذى بمكانه، ومن ذلك الآذيّ وهو الموج المؤذي لركّاب البحر، وأمّا قول الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (البقرة/ 222) فقد سمّي بذلك باعتبار الشّرع، وباعتبار الطّبّ على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصّناعة «1» .
وقال القرطبيّ: هو شيء تتأذّى به المرأة وغيرها أي برائحة دم الحيض، والأذى كناية عن القذر على الجملة، ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالى:
لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (البقرة/ 264) ومنه أيضا قوله تعالى: وَدَعْ أَذاهُمْ (الأحزاب/ 48) أمّا الأذى في الحديث الشّريف «وأميطوا عنه الأذى» يعني بالأذى: الشّعر الّذي يكون على رأس
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
18/ 33/ 6
الصّبيّ حين يولد.. وفي حديث الإيمان «وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق» يعني: الشّوك والحجر والنّجاسة وما أشبه ذلك ممّا يتأذّى به المارّ «2» .
وقال الجوهريّ: يقال: آذاه يؤذيه فأذي هو أذى، وأذاة وأذيّة، وتأذّيت به.
قال ابن منظور: قال ابن برّيّ: صوابه: آذاني إيذاء، وأمّا أذى فمصدر أذي، وكذلك أذاة، وأذيّة، فأنا أذ، ورجل أذيّ: إذا كان شديد التّأذّي، وقد يكون الأذيّ: المؤذي، وفي الحديث كلّ مؤذ في النّار، وهو وعيد لمن يؤذي النّاس في الدّنيا بعقوبة النّار في الآخرة.
وقوله عزّ وجلّ وَدَعْ أَذاهُمْ؛ تأويله أذى المنافقين لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمر، وآذى الرّجل:
فعل الأذى؛ ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم، للّذي تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة: «رأيتك آذيت وآنيت» «3» .
الأذى اصطلاحا:
قال الرّاغب: الأذى ما يصل إلى الحيوان من الضّرر إمّا في نفسه أو جسمه، أو تبعاته دنيويّا كان ذلك أو أخرويّا «4» .
وقد ذكر المناويّ هذا التّعريف مع تعديل
__________
(1) المفردات للراغب (15) .
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 222) .
(3) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 78) ، والمفردات (15) والصحاح (6/ 2266) ، ولسان العرب (أذى) (1/ 54) ط. دار المعارف.
(4) المفردات (15) .(9/3811)
يسير فقال: الأذى: ما يصل إلى الحيوان من ضرر أو مكروه في نفسه أو بدنه أو قنيته «1» دنيويّا أو أخرويّا «2» .
من معاني كلمة الأذى في القرآن:
الأوّل: بمعنى الحرام: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (البقرة/ 222) أي حرام.
الثّاني: بمعنى القمل: أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ (البقرة/ 196) .
الثّالث: بمعنى الشّدّة والمحنة: إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ (النساء/ 102) .
الرّابع: بمعنى الشّتم والسّبّ: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما (النساء/ 11) ، لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً (آل عمران/ 111) ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً (آل عمران/ 186) .
الخامس: بمعنى الزّور، والبهتان على البريء:
كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى (الأحزاب/ 69) ، يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي (الصف/ 5) .
السّادس: بمعنى الجفاء والمعصية: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (الآية 57 سورة الأحزاب) أي يعصونهما.
السّابع: بمعنى شغل الخاطر وتفرقة القلب:
إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ (الأحزاب/ 53) .
الثّامن: بمعنى المنّ عند العطيّة: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى (الآية 264 سورة البقرة)
التّاسع: بمعنى العذاب والعقوبة: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ (الآية 10 سورة العنكبوت) .
العاشر: بمعنى غيبة المؤمنين: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا (الآية 58 سورة الأحزاب) «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإساءة- البغي- الظلم- العدوان- التحقير- الإجرام- الاستهزاء القسوة- الجحود- نكران الجميل- عقوق الوالدين- التعاون على الإثم والعدوان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعاون على البر والتقوى- الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- المحبة- الاعتراف بالفضل- الفضل- الإحسان- بر الوالدين] .
__________
(1) قنيته: أي ما اكتسبه.
(2) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (43) .
(3) بصائر ذوي التمييز (2/ 7372) . وانظر نزهة الأعين النواظر (161- 162) .(9/3812)
الآيات الواردة في «الأذى»
الأذى في سياق التكليف:
1- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «1»
2- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) «2»
3- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «3»
4- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) «4»
5- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ
__________
(1) البقرة: 196 مدنية
(2) البقرة: 222 مدنية
(3) البقرة: 262- 265 مدنية
(4) النساء: 15- 16 مدنية(9/3813)
يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2»
الأذى في سياق الدعوة للمصابرة:
7- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110)
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) «3»
8- لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4»
9- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192)
__________
(1) النساء: 102- 103 مدنية
(2) الأحزاب: 53 مدنية
(3) آل عمران: 110- 111 مدنية
(4) آل عمران: 186 مدنية(9/3814)
رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «1»
10- وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «2»
11- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) «3»
12- وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) «4»
13- قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
__________
(1) آل عمران: 190- 195 مدنية
(2) الأنعام: 32- 35 مكية
(3) الأعراف: 128- 129 مكية
(4) التوبة: 61- 63 مدنية(9/3815)
وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «1»
14- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) «2»
15- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47)
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «3»
الأذى في سياق التنفير من الإيذاء:
16- لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4»
17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) «5»
18- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5) «6»
__________
(1) إبراهيم: 11- 12 مكية
(2) العنكبوت: 10 مدنية
(3) الأحزاب: 45- 48 مدنية
(4) الأحزاب: 55- 59 مدنية
(5) الأحزاب: 69 مدنية
(6) الصف: 5 مدنية(9/3816)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الأذى)
1-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما» . وقال سفيان في حديثه: «لا يتناجى اثنان دون الثّالث، فإنّ ذلك يحزنه» ) * «1» .
وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا يتناجى اثنان دون واحد، فإنّ ذلك يؤذي المؤمن، والله- عزّ وجلّ- يكره أذى المؤمن» ) * «2» .
2-* (عن أبي سهلة السّائب بن خلّاد- قال أحمد: من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أنّ رجلا أمّ قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينظر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين فرغ: «لا يصلّي لكم» فأراد بعد ذلك أن يصلّي لهم، فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «نعم» وحسبت أنّه قال: «إنّك آذيت الله ورسوله» ) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما-: أنّ رجلا وقع في أب كان له في الجاهليّة، فلطمه العبّاس، فجاء قومه، فقالوا: ليلطمنّه، كما لطمه، فلبسوا السّلاح، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصعد المنبر، فقال: «أيّها النّاس، أيّ أهل الأرض تعلمون أكرم على الله- عزّ وجلّ-؟» فقالوا: أنت، فقال: «إنّ العبّاس منّي وأنا منه، لا تسبّوا موتانا فتؤذوا أحياءنا» ، فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك، استغفر لنا) * «5» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيّة وسودة، والحزب الآخر أمّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخّرها، حتّى إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعث صاحب الهديّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة. فكلّم حزب أمّ سلمة، فقلن لها: كلّمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكلّم النّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديّة
__________
(1) الترمذي (2825) وقال: هذا حديث صحيح. وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 392) .
(2) وفي الباب عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وأبي هريرة وابن عباس. ونحوه عند البخاري برقم (6290) . وعند مسلم برقم (2184) . وهذا لفظ الترمذي رقم 2827.
(3) أبو داود (481) وقال الألباني (1/ 95) : حديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 11 (6361) . ومسلم (2601) واللفظ له.
(5) أخرجه النسائي (8/ 33) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 272) : إسناده حسن.(9/3817)
فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلّمته أمّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: فكلّميه، قالت: فكلّمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلّميه حتّى يكلّمك. فدار إليها فكلّمته، فقال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإنّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلّا عائشة» . قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمّ إنّهنّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقول: إنّ نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلّمته فقال:
«يا بنيّة، ألا تحبّين ما أحبّ؟» قالت: بلى. فرجعت إليهنّ فأخبرتهنّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع.
فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت، وقالت:
إنّ نساءك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة «1» ، فرفعت صوتها حتّى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبّتها، حتّى إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لينظر إلى عائشة هل تكلّم؟ «2» ، قال فتكلّمت عائشة تردّ على زينب حتّى أسكتتها. قالت: فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عائشة وقال:
«إنّها بنت أبي بكر» «3» .
6-* (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطّلب؛ أنّ العبّاس بن عبد المطّلب دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا وأنا عنده، فقال: «ما أغضبك؟» قال: يا رسول الله ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك. قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى احمرّ وجهه، ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتّى يحبّكم لله ولرسوله» ، ثمّ قال: «يا أيّها النّاس، من آذى عمّي فقد آذاني فإنّما عمّ الرّجل صنو أبيه «4» » ) * «5» .
7-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، وهو يقول: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب. فلا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم. ثمّ لا آذن لهم.
إلّا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنّما ابنتي بضعة «6» منّي. يريبني ما رابها «7» .
ويؤذيني ما آذاها) «8» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» .
فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بدّ من مجالسنا، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق
__________
(1) بنت ابن أبي قحافة: هي عائشة، وابن أبي قحافة هو أبو بكر- رضي الله عنه-.
(2) تكلّم: أي تتكلم فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.
(3) البخاري- الفتح 5 (2581) واللفظ له. ومسلم (2442) .
(4) صنو أبيه: الصّنو: المثل. يريد أن أصل العباس وأصل أبي واحد. قاله ابن الأثير في «النهاية» (3/ 57) .
(5) الترمذي (3758) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأورده الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزيادته» رقم (7086) .
(6) بضعة: بفتح الباء: لا يجوز غيره، وهي قطعة اللحم.
(7) يريبني ما رابها: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه. وقال الفراء: راب وأراب بمعنى. وقال أبو زيد: رابني الأمر تيقنت منه الريبة. وأرابني شكّكني وأوهمني.
(8) البخاري- الفتح 9 (5230) ، مسلم (2449) واللفظ له.(9/3818)
حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال:
«غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «1» .
9-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما «2» أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم- إمّا قال بضعا وإمّا قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثنا هاهنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا. قال: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها «3» ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلّا لمن شهد معه. إلّا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه. قسم لهم معهم، قال: فكان ناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة- نحن سبقناكم بالهجرة قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة.
وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة:
كذبت. يا عمر كلّا والله، كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «4» في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال أبو بردة: فقالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى، وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «6» .
10-* (عن عبد الله بن بسر- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6229) . ومسلم (2121) واللفظ له.
(2) أصغرهما: هكذا في النسخ: أصغرهما. والوجه أصغر منهما.
(3) فأسهم لنا أو قال أعطانا منها، هذا الإعطاء محمول على أنه برضا الغانمين.
(4) البعداء والبغضاء: قال العلماء: البعداء: في النسب، البغضاء في الدين. لأنهم كفار. إلا النجاشي، وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم.
(5) أرسالا: أي أفواجا، فوجا بعد فوج. يقال: أورد إبله أرسالا أي متقطعة متتابعة. وأوردها عراكا أي مجتمعة.
(6) البخاري- الفتح 7 (4230، 4231) . ومسلم (2502، 2503) واللفظ له.(9/3819)
عنه- جاء رجل يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اجلس، فقد آذيت» ) * «1» .
11-* (وعن عمرو بن شاس الأسلميّ وكان من أصحاب الحديبية- رضي الله عنه- قال: خرجت مع عليّ- رضي الله عنه- إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتّى وجدت في نفسي عليه «2» فلمّا قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد حتّى سمع بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في ناس من أصحابه فلمّا رآني أبدّني «3» عينيه يقول: حدّد إليّ النّظر حتّى إذا جلست قال: «يا عمرو والله لقد آذيتني» . قلت: أعوذ بالله من أن أوذيك يا رسول الله. قال: «بلى، من آذى عليّا فقد آذاني» ) * «4» .
12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك «5» .
فمسسته بيدي. فقلت: يا رسول الله، إنّك لتوعك وعكا شديدا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل. إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قال: فقلت: ذلك، أنّ لك أجرين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلّا حطّ الله به سيّئاته، كما تحطّ الشّجرة ورقها» ) * «6» .
13-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنّه سأل أخته أمّ حبيبة: هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في الثّوب الّذي يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى) * «7» .
14-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض «8» الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم
__________
(1) أبو داود (1118) وقال الألباني (1/ 208) : صحيح. والنسائي (3/ 103) وابن حبان في صحيحه رقم 572 موارد وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 692) : إسناده حسن. وعند ابن ماجه (1/ 354) من حديث جابر بزيادة «وآنيت» .
(2) وجدت عليه: أي غضبت.
(3) أبدّنى عينيه: مدّهما. وفي النهاية «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبدّ يده إلى الأرض فأخذ قبضة» أي مدها، ينظر النهاية (1/ 105) وعليه فما أثبته في المسند الجامع بلفظ (أمدّنى) (14/ 132) لا حاجة إليه.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع (9/ 129) وقال: رواه أحمد (3/ 483) واللفظ له، والطبراني باختصار. والبزار أخصر منه ورجال أحمد ثقات وفي جامع المسانيد (9/ 594 برقم (7317) وقال ابن كثير تفرد به. وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(5) يوعك: أصابه الوعك وهي الحمى، وقيل: ألمها.
(6) البخاري- الفتح 10 (5641- 5642) . ومسلم (2571) واللفظ له.
(7) أبو داود (366) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 74) : صحيح. وقال ابن حجر في فتح الباري (1/ 555) يشير الى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
(8) لم يفض: لم يدخل.(9/3820)
حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) * «1» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإنّ أحدكم إذا توضّأ فأحسن، وأتى المسجد لا يريد إلّا الصّلاة لم يخط خطوة إلّا رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه خطيئة، حتّى يدخل المسجد. وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلّي- يعني عليه- الملائكة ما دام في مجلسه الّذي يصلّي فيه: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه، ما لم يؤذ (يحدث) فيه) * «2» .
16-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي. حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوىء أعمالها النّخاعة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «3» .
17-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت:
«كان أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّؤيا الصّادقة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء فيتحنثّ فيه. قال: والتّحنّث: التّعبّد. اللّيالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة، فيتزوّد بمثلها، حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنا بقارىء. قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد.
ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ الآيات إلى قوله «4» عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره، حتّى دخل على خديجة فقال: زمّلوني زمّلوني.
فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع. قال لخديجة: «أي خديجة، مالي لقد خشيت على نفسي؟» . فأخبرها الخبر. قالت خديجة: كلّا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا، فو الله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان
__________
(1) أخرجه الترمذي (2032) واللفظ له وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (6/ 653) : إسناده حسن. ورواه ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء (الترغيب والترهيب (3/ 177) وشرح السنة (13/ 104 برقم 3526) وقال محققه: سنده حسن.
(2) البخاري- الفتح 1 (477) .
(3) مسلم (553) .
(4) هكذا وردت فى صحيح البخاري (4/ 1894) وفتح الباري (8/ 4953) . والصواب أنه لا توجد آيات فاصلة بين الآيتين.(9/3821)
امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يا عمّ، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا النّاموس الّذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا- ذكر حرفا «1» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
أو مخرجيّ هم قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلّا أوذي، وإن يدركني يومك حيّا أنصرك نصرا مؤزّرا.
ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي وفتر الوحي فترة حتّى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب...... الحديث وفيه قالت: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن «3» رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «4» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «5» فتأكله. قالت:
فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فاستعذر «6» من عبد الله ابن أبيّ ابن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ، فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... الحديث) * «7» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد. ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد. ولقد أتت عليّ ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلّا
__________
(1) ذكر حرفا: أي قال: عبارة هى «إذ يخرجك قومك» كما جاء في رواية أخرى.
(2) البخاري- الفتح 8 (4953) .
(3) إن. هنا نافية.
(4) أغمصه: أي أعبيها به.
(5) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى، ومعنى هذا الكلام: أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره إلا نومها عن العجين.
(6) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل: معناه من ينصرني، والعذير: الناصر.
(7) البخاري- الفتح 7 (4141) . ومسلم 4 (2770) .(9/3822)
ما وارى إبط بلال» ) * «1» .
20-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
لمّا كان يوم حنين آثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناسا في القسمة.
فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل. وأعطى عيينة مثل ذلك. وأعطى أناسا من أشراف العرب. وآثرهم يومئذ في القسمة. فقال رجل: والله إنّ هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله. قال فقلت: والله لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأتيته فأخبرته بما قال:
قال: فتغيّر وجهه حتّى كان كالصّرف «2» . ثمّ قال:
«فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله» قال: ثمّ قال:
«يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» . قال قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا) * «3» .
21-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «4» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق. فقال: والله لأنحّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم. فأدخل الجنّة» ) * «5» .
23-* (عن أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاريّ رضي الله عنه- أنّه كان يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ عليه بجنازة فقال: «مستريح، ومستراح منه» . قالوا:
يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه، قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدّنيا وأذاها إلى رحمة الله عزّ وجلّ- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشّجر والدّوابّ» ) * «6» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ) * «7» .
25-* (عن جابر- رضي الله عنه- يقول:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لكعب بن الأشرف «8» ؟
فإنّه قد آذى الله ورسوله» فقال محمّد بن مسلمة: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتحبّ أن أقتله؟ قال: «نعم» قال: ائذن
__________
(1) أخرجه الترمذي (2472) وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجة (151) في المقدمة واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول 4/ 687: الحديث حسن.
(2) الصرف: صبغ أحمر يصبغ به الجلود.
(3) البخاري- الفتح 6 (3150) . ومسلم (1062) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2493) .
(5) مسلم (1914) باب فضل إزالة الأذى وكتاب البر والصلة، ورواه بلفظ آخر في كتاب الإمارة باب بيان الشهداء تحت الرقم نفسه.
(6) البخاري- الفتح 11 (6512) واللفظ له. ومسلم (950) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6475) واللفظ له. ومسلم (47) .
(8) من لكعب بن الأشرف: أي من كائن لقتله.(9/3823)
لي فلأقل «1» . قال: «قل» . فأتاه فقال له. وذكر ما بينهما. وقال: إنّ هذا الرّجل قد أراد صدقة. وقد عنّانا «2» . فلمّا سمعه قال: وأيضا. والله لتملّنّه «3» . قال:
إنّا قد اتّبعناه الآن. ونكره أن ندعه حتّى ننظر إلى أيّ شيء يصير أمره. قال: وقد أردت أن تسلفني سلفا.
قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد. قال: ترهنني نساءكم. قال: أنت أجمل العرب. أنرهنك نساءنا؟
قال له: ترهنوني أولادكم. قال: يسبّ ابن أحدنا.
فيقال: رهن في وسقين «4» من تمر. ولكن نرهنك اللأمة (يعني السّلاح) . قال: فنعم. وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعبّاد بن بشر. قال:
فجاءوا فدعوه ليلا، فنزل إليهم. قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته: إنّي لأسمع صوتا كأنّه صوت دم «5» . قال: إنّما هذا محمّد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة «6» . إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب.
قال محمّد: إنّي إذا جاء فسوف أمدّ يدي إلى رأسه. فإذا استمكنت منه فدونكم. قال: فلمّا نزل، نزل وهو متوشّح. فقالوا: نجد منك ريح الطّيب. قال: نعم.
تحتي فلانة، هي أعطر نساء العرب. قال: فتأذن لي أن أشمّ منه. قال: نعم، فشمّ. فتناول فشمّ. ثمّ قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه. ثمّ قال:
دونكم. قال: فقتلوه) «7» .
26-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكل البصل والكرّاث. فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: «من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا. فإنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه الإنس» ) * «8» .
27-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقال: يا محمّد، اشتكيت؟
فقال: نعم. قال: باسم الله أرقيك، من كلّ شيء يؤذيك، من شرّ كلّ نفس أو عين حاسد الله يشفيك «9» باسم الله أرقيك» ) * «10» .
__________
(1) ائذن لي فلأقل: معناه ائذن لي أن أقول عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره.
(2) قد عنانا: أي أوقعنا في العناء وهو التعب والمشقة وكلفنا ما يشق علينا. قال النووي: هذا من التعريض الجائز بل المستحب. لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع التي فيها تعب. لكنه تعب في مرضاة الله تعالى. فهو محبوب لنا والذي فهم المخاطب منه العناء الذي ليس بمحبوب.
(3) لتملنه: أي لتضجرن منه أكثر من هذا الضجر.
(4) بوسقين: الوسق، بفتح الواو وكسرها. وأصله الحمل.
(5) كأنه صوت دم: أي صوت طالب دم. أو صوت سافك دم.
(6) إنمّا هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة: هكذا هو في جميع النسخ. قال القاضي- رحمه الله تعالى-: قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقال: إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة. وكذا ذكر أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة.
(7) البخاري- الفتح 5 (2510) . ومسلم (2801) واللفظ له
(8) مسلم (564) واللفظ له. ونحوه عند البخاري (9/ 5452) .
(9) قوله (يشفيك) بفتح ياء المضارعة ماضيه شفى (ثلاثى) بمعنى برأ فإذا ضمت (ياء المضارعة) كأن من (أشفاه) أي أهلكه وتسمى الهمزة همزة الإزالة أي إزالة الشفاء وهو الهلاك ويروى أن امرأة عادت الشافعي وهو مريض فقالت: الله يشفيك. وضمت ياء المضارعة فقال الشافعي: اللهم بقلبها لا بلسانها.
(10) مسلم (2186) .(9/3824)
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: يؤذيني ابن آدم «1» يسبّ الدّهر، وأنا الدّهر «2» بيدي الأمر، أقلّب اللّيل والنّهار) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الأذى) معنى
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ويده الّتي يبطش بها ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «4» .
30-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إنّ عليّا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسمعته حين تشهّد يقول: «أمّا بعد أنكحت أبا العاص بن الرّبيع فحدثّني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» فترك عليّ الخطبة.
وزاد محمّد بن عمرو بن حلحلة، عن ابن
__________
(1) قوله (يؤذيني ابن آدم) : كذا أورده مختصرا، وقد أخرجه الطبري بهذا الإسناد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا الآية، قال: فيسبون الدهر، قال الله- تبارك وتعالى-: يؤذيني ابن آدم. فذكره. قال القرطبي: معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي، والله منزه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هذا من التوسع في الكلام. والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله.
(2) قوله (وأنا الدهر) : معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور. وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر وقوله «أنا الدهر» بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين، ويقال بالنصب على الظرف أي أنا باق أبدا، والموافق لقوله «إن الله هو الدهر» بالرفع، وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث فقال: لا تسبوه فإن فاعلها هو الله، فكأنه قال: لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني. أو الدهر هنا بمعنى الداهر، فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله: إن الله هو الدهر «غير الدهر في قوله: يسب الدهر» قال: والدهر الأول الزمان، والثاني المدبر المصرف لما يحدث، ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه. ثم قال: «لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى» قال ابن الجوزي: يصوب ضم الراء من أوجه: أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم، ثانيها لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه، فلا تكون علة النهي عن سبه مذكوره لأنه تعالى يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم، ثالثها الرواية التي فيها «فإنّ الله هو الدهر ومما ينبغى ذكره الآن أن الناس قد درجوا على سب الزمان والأيام ووصفها بالقبيح عند الضجر وهذا أيضا مما نهى الله عنه لدخوله في سب الدهر» .
(3) البخاري- الفتح 13 (7491) واللفظ له ومسلم (2246) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6502) .(9/3825)
شهاب عن عليّ بن الحسين عن مسور: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» ) * «1» .
31-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء، كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك، إمّا أن يحذيك «2» ، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة. ونافخ الكير، إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد ريحا خبيثة") * «3» .
32-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثا، وأمّر عليهم أسامة ابن زيد، فطعن بعض النّاس في إمارته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وايم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده) * «4» .
33-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدّم عن وجهه:
ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الأذى)
1-* (قال الرّبيع بن خثيم- رحمه الله-:
«النّاس رجلان: مؤمن فلا تؤذه، وجاهل فلا تجاهله» ) * «6» .
2-* (ومن كلام يحيى بن معاذ الرّازيّ:
ليكن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرّه، وإن لم تفرحه فلا تغمّه، وإن لم تمدحه فلا تذمّه") * «7» .
3-* (قال رجل لعمر بن عبد العزيز: اجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه؟) * «8» .
4-* (قال مالك: العريّة أن يعري الرّجل الرّجل النّخلة، ثمّ يتأذّى بدخوله عليه، فرخّص له أن
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3729) .
(2) يحذيك: أي يعطيك.
(3) البخاري- الفتح 9 (5534) . ومسلم (2628) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 7 (3730) .
(5) البخاري- الفتح 12 (6929) . ومسلم (1792) واللفظ له.
(6) آداب العشرة (15) .
(7) جامع العلوم والحكم (294) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(9/3826)
يشتريها منه بتمر» ) * «1» .
أي أنّه كره أذى المؤمن بكثرة الدّخول عليه.
5-* (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً (البقرة/ 262) . قوله ولا أذى أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان «2» .
6-* (قال ابن رجب- رحمه الله-: تضمّنت النّصوص أنّ المسلم لا يحلّ إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حقّ) * «3» .
من مضار (الأذى)
(1) الإيذاء سبب في سخط الله- عزّ وجلّ- على العبد.
(2) المؤذي يمقته الله، ويمقته النّاس.
(3) يعيش في المجتمع منبوذا فريدا، يخاف النّاس أذاه، فيكرهون مخالطته ومصاحبته.
(4) إذا كثر المؤذون في المجتمع وسكت النّاس عنهم فسدت أحواله وآل إلى الزّوال.
(5) يسبّب العداوة والبغضاء بين المسلمين.
(6) دليل سوء الأخلاق وانحطاط النّفس وخبثها.
__________
(1) البخاري- الفتح (4/ 84) باب تفسير القرآن (ص 456) .
(2) تفسير القرآن العظيم (1/ 325) .
(3) جامع العلوم والحكم (294) .(9/3827)
الإرهاب
الإرهاب لغة:
مصدر قولهم: أرهب يرهب، وهو مأخوذ من مادّة (ر هـ ب) الّتي تدلّ على الخوف، وأصل ذلك إرهاب الإبل وهو قدعها (منعها) من الحوض وذيادها عنه، وقال الرّاغب: الرّهبة والرّهب: مخافة مع تحرّز واضطراب، والإرهاب: فزع الإبل، وهو من أرهبت الإبل: أفزعتها، أمّا قوله تعالى: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال/ 60) فمعناه تخيفون به عدوّ الله وعدوّكم من اليهود وقريش وكفّار العرب «1» وقوله سبحانه سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (الأعراف/ 116) معناه حملوهم على أن يرهبوا «2» ، ويقال: رهب- كعلم- يرهب رهبة ورهبا، ورهبا، ورهبانا، والاسم: الرّهبى والرّهبى، ويمدّان (رهباء، رهباء) ، ورهبوت خير من رحموت، أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وأرهبه واسترهبه: أخافه، وترهّبه:
توعّده، والرّاهبة: هي الحالة الّتي ترهب، وفي حديث بهز بن حكيم «إنّي لأسمع الرّاهبة» أي الحالة الّتي تفزع وتخوّف، وفي حديث الدّعاء: «رغبة ورهبة..»
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 17/ 1
الرّهبة: الخوف والفزع، والرّاهب: واحد رهبان، ومصدره: الرّهبة، والرّهبانيّة والتّرهّب (هنا) ، التّعبّد، ويقال: أرهب الرّجل: أي ركب الرّهب وهو الجمل العالي المخيف، وأرهب فلانا: خوّفه، والرّهبان: المبالغ في الخوف (من رهب) كالخشيان من خشي، والمرهوب: المخوف، والمراهب: الأهوال والمخاوف، وترهّب غيره: إذا توعّده، وفعلت هذا من رهباك: أي من رهبتك ويقال: رهباك خير من رغباك (بفتح الرّاء وضمّها) أي فرقه وفزعه منك خير من حبّه لك «3» .
الإرهاب اصطلاحا:
لقد تغيّر مفهوم «الإرهاب» في العصر الحديث تغيّرا كبيرا، وأصبح لهذه الكلمة في معناها المعاصر وقع سيّء جدّا، لارتباطها في أذهان النّاس بمعنى ترويع الآمنين، وتخريب العمران، بغضّ النّظر عمّن توجّه إليهم الضّربات الإرهابيّة وتفزعهم، وقد جاء في تعريف الإرهاب في أحد المصادر الحديثة مايلي:
الإرهاب: هو بثّ الرّعب الّذي يثير الرّعب في الجسم والعقل، أي الطّريقة الّتي تحاول بها جماعة
__________
(1) تفسير القرطبي (7/ 26) .
(2) المفردات في غريب القرآن للراغب (ص 204) .
(3) مقاييس اللغة (2/ 446) ، المفردات للراغب (204) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 100) ، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 280، 281) ، الصحاح (1/ 140) ، اللسان (رهب) (1750) ط. دار المعارف.(9/3828)
منظّمة، أو حزب أن يحقّق أهدافه عن طريق استخدام العنف، وتوجّه الأعمال الإرهابيّة ضدّ الأشخاص العاديّين أو الموالين للسّلطة ممّن يعارضون أهداف هذه الجماعة، ويعدّ هدم العقارات وإتلاف المحاصيل من أشكال النّشاط الإرهابيّ «1» وهذا النوع من أنواع الإرهاب هو الّذي يرفضه الإسلام شكلا وموضوعا إذ لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما كما أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (انظر الحديث رقم 8) . أمّا المفهوم التّراثيّ لهذه الكلمة فقد أشار إليه الإمام الرّاغب حين قال: الّرهبة: خوف مع تحرّز واضطراب، ومن ثمّ يكون: الإرهاب: فعل ما من شأنه أن يخيف مصحوبا بالتّحرّز والاضطراب، وهذا المعنى أقرب ما يكون إلى مفهوم الرّدع. أي أنّ العدوّ إذا علم أنّك ستلحق به الهزيمة، وأنّك أعددت له العدّة حدث له من الخوف ما يمنعه من المحاربة وإلحاق الأذى بالمسلمين، وهذا أمر مطلوب بنّصّ الآية الكريمة وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال/ 60) وقد عقد الإمام العزّ بن عبد السّلام فصلين لذلك: الأوّل في تخويف أهل الحرب وإرهابهم، والثّاني: في الاستعداد لقتالهم بما يرهبهم «2» ، والخلاصة أنّ الإرهاب إذا كان موجّها لأهل الحرب من أعداء الله إخافة لهم فلا ضير فيه، وإنّما هو أمر مطلوب، بل ومأمور به، وإن كان موجّها للمسلم أو لغيره ممّن ليسوا بأهل حرب فهو منهيّ عنه، ويعدّ من الأخلاق الذّميمة الّتي لا يرتضيها الدّين الحنيف.
أنواع الإرهاب:
الإرهاب نوعان: محمود ومذموم.
فأمّا المحمود فهو ما استعمل في تخويف الفسقة والعصاة والمجرمين والكفرة والمشركين لصدّهم وردعهم عمّا هم عليه وكفّ أذاهم عن النّاس.
وأمّا المذموم فهو ما استعمله المجرمون والمعتدون من ترويع الآمنين، وإزهاق أرواح الغافلين من المسلمين، ودبّ الرّعب والخوف والفزع في قلوبهم في سبيل الحصول على حطام الدّنيا؛ حقدا دفينا في قلوبهم على أهل الإسلام المؤمنين.
[للاستزادة: انظر صفات: الإجرام- الأذى- الإساءة- البغي- العدوان- اتباع الهوى- اللهو واللعب- القسوة- العنف- الطغيان- الضلال- الفجور- الاعوجاج- الإصرار على الذنب- الأمن من المكر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإيمان- الإسلام- حسن المعاملة- الرحمة- الرفق- الشفقة- الإحسان- الرأفة- الاستقامة] .
__________
(1) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، (بتصرف يسير) (ص 423) .
(2) شجرة المعارف والأحوال (ص 394) .(9/3829)
الآيات الواردة في «الإرهاب»
1- وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104)
حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105)
قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (112)
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113)
قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)
قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) «1»
2- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «2»
3- لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) «3»
__________
(1) الأعراف: 104- 116 مكية
(2) الأنفال: 60 مدنية
(3) الحشر: 13 مدنية(9/3830)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإرهاب) معنى
1-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مرّ أحدكم في مجلس أو سوق، وبيده نبل، فليأخذ بنصالها «1» . ثمّ ليأخذ بنصالها. ثمّ ليأخذ بنصالها» . قال: فقال أبو موسى: والله مامتنا حتّى سدّدناها «2» بعضنا في وجوه بعض) * «3» .
2-* (وعن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «اللهمّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين «4» ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل «5» » ) * «6»
3-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى «7» لي الأرض» أو قال: «إنّ ربّي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «8» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتي: أن لا يهلكها بسنة بعامّة «9» ، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم «10» ، وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد! إنّي إذا قضيت قضاء لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها- أو قال بأقطارها- حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «11» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ثمانين رجلا من أهل مكّة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) بنصالها: النصال جمع نصل وهو حديدة السهم.
(2) سددناها: أي قومناها إلى وجوههم.
(3) مسلم (2615) .
(4) استحق أن يطرده الله من رحمته ويقصيه من جنته ويبعده من رضوانه وكذا تلعنه الملائكة وتطلب من الله عذابه وشدة عقابه. واستدلوا بهذا عن أن ذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في الكبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه، وكذا تلعنه الملائكة والناس أجمعون، والمراد باللعن العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد، والله أعلم. قاله النووي: (9/ 141) .
(5) الصرف: التوبة، والعدل: الفدية.
(6) المنذري في «الترغيب» (2/ 232) وقال: رواه الطبراني في «الأوسط والكبير» بإسناد جيد، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 306) : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح.
(7) زوى: أي جمع.
(8) الكنزين الأحمر والأبيض: والمراد بهما: الذهب والفضة، والمراد كنزا كسرى وقيصر ملكي العراق والشام.
(9) بسنة بعامة: أي لا يهلكهم بقحط يعمهم، بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام.
(10) يستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم.
(11) أبو داود (4252) وقال الألباني (3/ 801) : والقسم الأول منه عند مسلم (2889) .(9/3831)
من جبل التّنعيم متسلّحين. يريدون غرّة النّبيّ «1» صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فأخذهم سلما فاستحياهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ «2» » ) * «3» .
5-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- بلغنا مخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم: أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم- إمّا قال: في بضع، وإمّا قال:
في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه، حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر. وكان أناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة- سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس- وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة- وأسماء عندها- فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: أالحبشيّة هذه؟ أالبحريّة هذه؟ قالت أسماء:
نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم. فغضبت وقالت: كلّا والله، كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال:
«فما قلت له؟» قالت: قلت له: كذا وكذا. قال:
«ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» . قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتونني أرسالا «4» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «5» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما صلاة العصر بنهار ثمّ قام خطيبا، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام السّاعة إلّا أخبرنا به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، وكان فيما قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتّقوا الدّنيا «6» واتّقوا النّساء» ، وكان فيما قال «ألا لا يمنعنّ رجلا هيبة
__________
(1) الغرة: هي الغفلة أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
(2) سورة الفتح: آية رقم (24) .
(3) مسلم (1808) .
(4) أرسالا: أفواجا.
(5) البخاري- الفتح 7 (4230- 4231) .
(6) اتقوا الدنيا: اجعلوا بينكم وبينها وقاية بترك الحرام وترك الإكثار منها والزهد فيها.(9/3832)
النّاس أن يقول بحقّ إذا علمه» قال: فبكى أبو سعيد فقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا، فكان فيما قال: «ألا إنّه ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامّة يركز لواؤه عند استه» فكان فيما حفظنا يومئذ: «ألا إنّ بني آدم خلقوا على طبقات شتّى، فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا كافرا ويموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا، ألا وإنّ منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء ألا وشرّهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإنّ منهم حسن القضاء حسن الطّلب، ومنهم سيّء القضاء حسن الطّلب، ومنهم حسن القضاء سيّء الطّلب، فتلك بتلك، ألا وإنّ منهم السّيّء القضاء السّيّء الطّلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطّلب، ألا وشرّهم سيّء القضاء سيّء الطّلب، ألا وإنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحسّ بشيء من ذلك فليلصق بالأرض» قال: وجعلنا نلتفت إلى الشّمس. هل بقي منها شيء؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّه لم يبق من الدّنيا فيما مضى منها إلّا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه» ) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كنّا قعودا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتّى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلاس؟ قال: «هي هرب وحرب «2» ، ثمّ فتنة السّرّاء، دخنها «3» من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنّه منّي، وليس منّي، وإنّما أوليائي المتّقون، ثمّ يصطلح النّاس على رجل كورك على ضلع «4» ، ثمّ فتنة الدّهيماء «5» ، لا تدع أحدا من هذه الأمّة إلّا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادت، يصبح الرّجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، حتّى يصير النّاس إلى فسطاطين «6» ، فسطاط إيمان لا نفاق فيه. وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم
__________
(1) الترمذي (2191) وقال: حديث حسن صحيح. وعند أحمد في المسند عن أبي سعيد: ألا لا يمنعن أحدكم (رهبة الناس) بدل هيبة (3/ 50) . ولفظ آخر (مخافة) (3/ 44، 47) ، وقال محقق جامع الأصول: (11/ 748) لبعض فقراته شواهد.
(2) حرب: الحرب بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال: حرب الرجل، فهو حريب إذا سلب أهله وماله.
(3) دخنها: إثارتها وهيجها، شبهها بالدخان الذي يرتفع، أي: أن أصل ظهورها من هذا الرجل. وقوله: «من تحت قدمي رجل» يعني: أنه يكون سبب إثارتها.
(4) كورك على ضلع: مثل، أي: أنه لا يستقل بالملك، ولا يلائمه. كما الورك لا تلائم الضلع.
(5) فتنة الدهيماء: أراد بالدهيماء: السوداء المظلمة، وقيل: أراد بالدهيماء: الداهية يذهب بها الدهيم، وهي في زعم العرب: اسم ناقة، قالوا: كان من قصتها أنه غزا عليها سبعة إخوة، فقتلوا عن آخرهم، وحملوا على الدهيم حتى رجعت بهم فصارت مثلا في كل داهية.
(6) فسطاطين: الفسطاط: الخيمة الكبيرة، وتسمى مدينة مصر: الفسطاط، والمراد في هذا الحديث: الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى، تشبيها بانفراد الخيمة عن الأخرى، أو تشبيها بانفراد المدينة عن الأخرى، حملا على تسمية مصر بالفسطاط، ويروى بضم الفاء وكسرها.(9/3833)
فانتظروا الدّجّال من يومه، أو من غده» ) * «1» .
8-* (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال:
حدّثنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم: أنّهم كانوا يسيرون مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما» ) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشير «3» أحدكم إلى أخيه بالسّلاح. فإنّه لا يدري أحدكم لعلّ الشّيطان ينزع «4» في يده. فيقع في حفرة من النّار» ) * «5» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلّا شيء لا يواريه إبط بلال» ) * «6» .
11-* (عن أبي قلابة أنّه كان جالسا خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال: ما تقول يا عبد الله بن زيد- أو قال ما تقول يا أبا قلابة-؟ قلت: ما علمت نفسا حلّ قتلها في الإسلام إلّا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفسا بغير نفس، أو حارب الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عنبسة:
حدّثنا أنس بكذا وكذا. قلت: إيّاي حدّث أنس، قال:
قدم قوم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكلّموه فقالوا: قد استوخمنا «7» هذه الأرض، فقال: «هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها، فاشربوا من ألبانها وأبوالها» ، فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحّوا، ومالوا على الرّاعي فقتلوه، واطّردوا النّعم. فما يستبطأ من هؤلاء؟
قتلوا النّفس، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «سبحان الله» . فقلت تتّهمني؟ قال:
حدّثنا بهذا أنس. قال: وقال: يا أهل كذا، إنّكم لن تزالوا بخير ما أبقى الله هذا فيكم ومثل هذا» ) * «8» .
12-* (عن هشام بن حكيم بن حزام. قال:
مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في
__________
(1) أخرجه أبو داود (4242) وقال محقق جامع الأصول (10/ 24) : إسناده صحيح وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 798) : صحيح وهو في الصحيحة رقم (972) .
(2) أبو داود (5004) - وقال الألباني (3/ 944) : صحيح- غاية المرام (447) .
(3) لا يشير: بالياء بعد الشين، وهو صحيح. وهو نهي بلفظ الخبر. كقوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها. وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي.
(4) ينزع معناه يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته.
(5) مسلم (2617) .
(6) الترمذي (2472) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو عند ابن ماجة رقم (151) وابن حبان (2528) . وقال المحدّث الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2553) : إسناده صحيح. ومعنى هذا الحديث: إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطاء
(7) استوخمنا هذه الأرض: استثقلناها ولم يوافق هواؤها أبداننا.
(8) البخاري- الفتح 8 (4610) .(9/3834)
الخراج. فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا «1» » ) * «2» .
13-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: مرّ رجل في المسجد بسهام. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بنصالها «3» » ) * «4» .
14-* (وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ أميرا من أمراء الفتنة قدم المدينة، وكان قد ذهب بصر جابر، فقيل لجابر: لو تنحّيت عنه فخرج يمشي بين ابنيه فانكبّ، فقال: تعس «5» من أخاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال ابناه أو أحدهما: يا أبتاه: وكيف أخاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد مات؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبيّ «6» » .
ورواه ابن حبّان في صحيحه مختصرا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله «7» » ) * «8» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «من أشار إلى أخيه بحديدة «9» ، فإنّ الملائكة تلعنه. حتّى وإن كان «10» أخاه لأبيه وأمّه» ) * «11» .
16-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يتعاطى السّيف مسلولا» ) * «12» .
17-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله وسعديك ... فذكر الحديث، قال فيه:
«كيف أنت إذا أصاب النّاس موت يكون البيت «13» فيه بالوصيف «14» ؟» قلت: الله ورسوله أعلم- أو قال: ما خار الله لي ورسوله- قال: «عليك بالصّبر» -
__________
(1) إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا: هذا محمول على التعذيب بغير حق. فلا يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير، وغير ذلك.
(2) مسلم (2613) .
(3) بنصالها: النصال والنصول جمع نصل وهو حديد السهم.
(4) البخاري- الفتح 1 (451) - مسلم (2614) واللفظ له.
(5) فانكب: أي عثر وانكب لوجهه. يقال تعس يتعس: وهو دعاء عليه بالهلاك، ومنه حديث الإفك: تعس مسطح.
(6) الذي يؤلم أهل المدينة يؤلمه صلّى الله عليه وسلّم في قبره، ومن أدخل عليهم الرعب والفزع أغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأفزع قلبه، وأزال اطمئنانه، وأعلن الحرب عليه صلّى الله عليه وسلّم.
(7) سلط عليه الأعداء، وأوجد عنده الرعب وأصابه الفزع. فيه ترغيب الولاة والحكام باستعمال العدل والرأفة، والسير على منهج الله ورسوله، والحق يتبع، والظلم يجتنب
(8) المنذري في الترغيب. واللفظ له (2/ 232) وقال: رواه أحمد (3/ 354) ، ورجاله رجال الصحيح.
(9) من أشار إلى أخيه بحديدة فيه تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه.
(10) حتى إن كان هو هكذا في عامة النسخ. وفيه محذوف وتقديره حتى يدعه. وكذا وقع في بعض النسخ.
(11) مسلم (2616) .
(12) الترمذي (2163) وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث حماد بن سلمة. وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر وعن بنّة الجهني عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحديث حماد بن سلمة عندي أصح.
(13) البيت: أراد بالبيت هاهنا القبر.
(14) والوصيف: العبد والوصيفة الأمة والمعنى أن الفتن تكثر، فتكثر القتلى، حتى إنه ليشترى موضع قبر يدفن فيه الميت بعبد، من ضيق المكان عنهم، مبالغة في كثرة وقوع الفتن، أو أنه لاشتغال بعضهم ببعض وبما حدث من الفتن لا يوجد من يحفر قبر ميت ويدفنه، إلا أن يعطى وصيفا أو قيمته.(9/3835)
أو قال: تصبر- ثمّ قال لي: «يا أبا ذرّ» ، قلت: لبيّك وسعديك، قال: «كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت «1» قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بمن أنت منه» قلت: يا رسول الله: أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال:
«شاركت القوم إذا» ، قلت: فما تأمرني؟ قال: «تلزم بيتك» . قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال: «فإن خشيت أن يبهرك «2» شعاع السّيف، فألق ثوبك على وجهك، يبوء «3» بإثمك وإثمه» ) * «4» .
من الآثار الواردة في ذمّ (الإرهاب)
1-* (قال بعضهم: «من ملك نفسه عند أربع حرّمه الله على النّار: حين يغضب، وحين يرغب، وحين يرهب، وحين يشتهي» ) * «5» .
من مضار (الإرهاب)
(1) يسخط الله- عزّ وجلّ- ويتعرّض صاحبه لأليم العذاب في الدّنيا والآخرة.
(2) يزعزع القلوب، وينشر الذّعر والفزع بين النّاس.
(3) يترتّب عليه مفاسد اجتماعيّة جمّة كارتفاع الأسعار ونزع الثّقة والرّحمة بين النّاس وعدم مساعدة الأغنياء الضّعفاء.
(4) ينعدم الأمن والاطمئنان، وينتشر القتل والسّلب والسّرقات وغيرها من الجرائم.
(5) يؤدّي إلى تشتيت جهود الأمّة في مواجهة أصحابه الّذين يرهبون النّاس، ويتأخّر المجتمع عن ركب العمران.
__________
(1) أحجار الزيت: موضع بالمدينة المنورة في الحرة سمي بها لسواد الحجارة ولمعانها.
(2) يبهرك: يغلب عينك ويغشى بصرك.
(3) يبوء: باء بالإثم يبوء: إذا رجع به حاملا له.
(4) أخرجه أبو داود (4261) واللفظ له وابن ماجة رقم (3958) وقال محقق جامع الأصول (10/ 7) : حديث حسن وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 803) : صحيح.
(5) المستطرف (1/ 41) .(9/3836)
الإساءة
الإساءة لغة:
مصدر قولهم: أساء يسيء، وهو مأخوذ من مادّة (س وأ) الّتي تدلّ على القبح، تقول من ذلك:
رجل أسوأ، وامرأة سوءاء أي قبيحة وسمّيت السّيّئة سيّئة، وسمّيت النّار سوأى لقبح منظرها، وعبّر عن كلّ ما يقبح بالسّوأى ولذلك قوبل بالحسنى، والسّيّئة الفعلة القبيحة، وهي ضدّ الحسنة وقد تعدّدت معانيها في القرآن الكريم.
وقال الجوهريّ: يقال ساءه سوءا (بالفتح) ، ومساءة ومسائية، نقيض سرّه، والاسم: السّوء (بالضّمّ) ، وقريء: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ (الفتح/ 6) (بالضّمّ) يعني: الهزيمة والشّرّ، ومن قرأ بالفتح فهو من المساءة، وتقول: هذا رجل سوء بالإضافة، ثمّ تدخل عليه الألف واللّام، فتقول: هذا رجل السّوء.
وأساء إليه نقيض أحسن إليه، ويقال: فلان سيّء الاختيار، وقد يخفّف مثل هيّن وهين، ويقال:
سؤت به ظنّا، وأسأت به الظّنّ، يثبتون الألف (في أسأت) إذا جاءوا بالألف واللّام، وقولهم ما أنكرك من سوء أي لم يكن إنكاري لك من سوء رأيته بك، والسّوأة: العورة، والفاحشة، والسّوأة السّوءاء: الفعلة القبيحة، وسوّأت عليه فعله وما صنع: إذا عبته عليه، وقلت له: أسأت، وقولهم: الخيل تجري على مساويها:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
109/ 46/ 10
أي أنّها وإن كانت بها أوصاب أو عيوب فإنّ كرمها يحملها على الجري، وتقول من السّوء: استاء الرّجل على وزن افتعل كما تقول: اغتمّ من الغمّ، وفي حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أنّ رجلا قصّ عليه رؤيا فاستاء لها» ثمّ قال: «خلافة نبوّة ثمّ يؤتي الله الملك من يشاء» استاء مطاوع ساء يقال: استاء فلان بمكان أي ساءه ذلك، قال ابن الأثير ويروى استالها: أي طلب تأويلها بالتّأمّل والنّظر، والسّوأة في الأصل: الفرج، ثمّ نقل إلى كلّ ما يستحيا منه إذا ظهر من قول أو فعل، وفي حديث الحديبية والمغيرة «وهل غسلت سوأتك إلّا أمس» وفي هذا إشارة إلى غدر كان المغيرة فعله مع قوم صحبوه في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم.
وقال ابن منظور: يقال: أسأت به، وإليه، وعليه، وله، وكذلك أحسنت، وساء الشّيء يسوء سوءا، فهو سيّء إذا قبح، ورجل أسوأ: قبيح، والأنثى سوآء: قبيحة، وساءه يسوءه سوءا: فعل به ما يكره.
والسّوء: الفجور والمنكر. ورجل سوء: يعمل عمل سوء، وأساء الرّجل إساءة: خلاف أحسن. وأساء إليه: نقيض أحسن إليه.
قال كثيّر:
أسيئي بنا أو أحسني، لا ملومة ... لدينا، ولا مقليّة إن تقلّت(9/3837)
وقال سبحانه: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها (الإسراء/ 7) . وأساء الشّيء: أفسده ولم يحسن عمله. وأساء فلان الخياطة والعمل، وفي المثل: أساء كاره ما عمل، والسّيّئة:
الخطيئة. وقد كثر ذكر السّيّئة في الحديث، وهي والحسنة من الصّفات الغالبة. يقال: كلمة حسنة وكلمة سيّئة، وفعلة حسنة وفعلة سيّئة «1» .
السيئة اصطلاحا:
إذا كانت الإساءة فعل السّوء أو السّيّئة فإنّه يمكن تعريفها في ضوء تعريف هذين الأمرين:
قال الكفويّ: السّوء (بالضّمّ) يجري مجرى الشّرّ، ومنه مقدّمات الفاحشة من القبلة والنّظر بالشّهوة «2» .
وقال الرّاغب: السّوء كلّ ما يغمّ الإنسان من الأمور الدّنيويّة والأخرويّة، ومن الأحوال النّفسيّة والبدنيّة والخارجيّة «3» مثل فوات مال أو جاه أو فقد حبيب، وقد لخّص الفيروز آباديّ ذلك فقال: كلّ ما يغمّ الإنسان في أمور الدّارين من الأحوال النّفسيّة والبدنيّة والخارجيّة.
أمّا السّيّئة، فقال الرّاغب: هي الفعلة القبيحة «4» ، ومن ثمّ تكون الإساءة: فعل أمر قبيح جار مجرى الشّرّ يترتّب عليه غمّ لإنسان في أمور دينه ودنياه، سواء أكان ذلك في بدنه أو نفسه أو فيما يحيط به من مال أو ولد أو قنية «5» .
أقسام السيئة:
السّيّئة كالحسنة. قسمان:
أحدهما بحسب اعتبار الشّرع والعقل، كما في قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها (الأنعام/ 160) .
الآخر: بحسب اعتبار الطّبع، وذلك ما يستثقله، كما في قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (الأعراف/ 131) «6» .
أقسام الإساءة:
وهي تنقسم إلى أقسام، ولكلّ قسم أنواع:
القسم الأوّل: (الإساءة القاصرة) وهي أنواع الأوّل: التّعرّض لأذيّة الله تعالى، الثّاني تخريب المساجد، الثّالث: التّهاون بالصّلاة، الرّابع سوء الاستماع، الخامس: تقليد الجاهل، السّادس: الجلوس في الطّرقات، السّابع: مجالسة أهل الشّرّ، الثّامن:
الصّور والكلاب في البيوت، التّاسع: التّصوير، العاشر: الفزع، الحادي عشر: استصحاب الجرس والكلب، الثّاني عشر: اللّعب بالنّرد، الثّالث عشر: بيع
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 112) ، الصحاح (1/ 56) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 288) ، ولسان العرب (س وأ) (ص 2138) (ط. دار المعارف) .
(2) الكليات (ص 502) .
(3) المفردات (252)
(4) المرجع السابق نفسه، وبصائر ذوي التمييز (3/ 88) .
(5) تم استخلاص هذا التعريف مما أوردته كتب المصطلحات عن السيئة والسوء.
(6) المفردات (253) .(9/3838)
الخمر، الرّابع عشر: كسب الحجّام، الخامس عشر: ردّ الرّيحان، السّادس عشر: البناء على القبور والجلوس عليها، السّابع عشر: الوصال، الثّامن عشر: قتل الرّجل نفسه، التّاسع عشر: التّختّم بالذّهب، العشرون: الأكل في الذّهب والفضّة، الحادي والعشرون: التّنعّم ولبس الحرير، الثّاني والعشرون:
الإكثار من الفرش، الثّالث والعشرون: ستر الجدران، الرّابع والعشرون: القدوم على الطّاعون والفرار منه.
القسم الثّاني: (الإساءة القوليّة والفعليّة) وهي أنواع:
الأوّل: كذب الملوك، وزنا الشّيوخ، وكبر الفقراء، والملك الكذّاب، والعائل المستكبر والشّيخ الزّاني ممّن لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، إنّما عظمت ذنوب هؤلاء لضعف دواعيهم إلى معاصيهم، فإنّ الملك لا يحتاج إلى الكذب، والشّيخ لا تغلبه شهوته على الزّنا، والعائل الفقير ليس عنده أسباب الكبر والطّغيان.
الثّاني: أذيّة الرّسول، الثّالث: تعنّت الرّسل، الرّابع:
سوء الأدب على الرّسول، الخامس: أذيّة أولياء الله، السّادس: أذيّة الوالدين، السّابع: أذيّة المؤمنين، الثّامن أذيّة اليتيم، التّاسع: أذيّة المتصدّق عليه، العاشر: أذيّة الجار، الحادي عشر: في المنّة بالدّين، الثّاني عشر:
مضارّة الزّوجات، الثّالث عشر: مضارّة الوالدين بالولد، الرّابع عشر: مضارّة الكاتب والشّاهد، الخامس عشر: عسف الولاة، السّادس عشر: غشّ الوالي، السّابع عشر: تقصير الولاة، الثّامن عشر:
إفساد الولاة وقطيعة الأرحام، التّاسع عشر: تباغض الولاة ورعاياهم، العشرون: القتال للأعراض الفاسدة، الحادي والعشرون: مفارقة المسلمين وتفريقهم، الثّاني والعشرون: التّعرّض لدم المسلم وماله وعرضه، الثّالث والعشرون: في الغشّ وحمل السّلاح على المسلمين، الرّابع والعشرون: إيثار الدّنيا على الدّين، الخامس والعشرون: التّفاخر والتّكاثر، السّادس والعشرون: تبديل الوصايا، السّابع والعشرون: اللّدد وكثرة الخصام، الثّامن والعشرون:
معصية أئمّة العدل، التّاسع والعشرون: معصية الجائر فيما يأمر به من الحقّ، الثّلاثون: الطّاعة في المعصية، الحادي والثّلاثون: الإعانة على المعصية، الثّاني والثّلاثون: التّفريط في الطّاعة، الثّالث والثّلاثون:
إهمال الأعمال اعتمادا على الأسباب، الرّابع والثّلاثون:
كتمان الشّهادة، الخامس والثّلاثون: كتمان ما أنزل الله، السّادس والثّلاثون: اللّجج، السّابع والثّلاثون:
العمل بالظّنّ المخالف للشّرع، الثّامن والثّلاثون:
التّنطّع، التّاسع والثّلاثون: إحداث السّنن السّيّئة، النّوع الأربعون: نقض أيمان العهد، الحادي والأربعون: السّحر، الثّاني والأربعون: امتناع الكاتب من الكتابة، والشّاهد من الشّهادة، الثّالث والأربعون:
قيل وقال وكثرة السّؤال وإضاعة المال، ومنع وهات ووأد البنات وعقوق الأمّهات، الرّابع والأربعون:
التّبرّج وإظهار الزّينة، الخامس والأربعون: بخس الحقوق، السّادس والأربعون: الشّحّ والبخل، السّابع والأربعون. الجور واتّباع الهوى في الحكم، الثّامن(9/3839)
والأربعون: كفر الإحسان، التّاسع والأربعون:
التّسبّب إلى شتم الأبوين، الخمسون: تكفير المسلم.
القسم الثّالث: الإساءة الفعليّة. وهي أنواع:
الأوّل: هجر المسلم، الثّاني: الإشارة بالسّلاح، الثّالث: كتابة الباطل وأخذ الأجرة عليها، الرّابع: إباق العبد، الخامس: إيراد الممرض على المصحّ، السّادس:
تعريض مال المولى عليه للضّياع، السّابع: الدّخول بغير إذن، الثّامن: جلوس الضّيف بعد الأكل، التّاسع: إحصاء المال وإبقاؤه، العاشر: الاحتكار وعنت الشّريك والجار، الحادي عشر: المطل مع اليسار، الثّاني عشر: الإخراج من الدّيار بغير حقّ، الثّالث عشر: تغيير المنار (أي علامات الأرض وحدودها) الرّابع عشر: غصب الحقير، الخامس عشر:
الخيانة، السّادس عشر: التّصدّق بالمال الحرام، السّابع عشر: إخراج الرّديء في الزّكاة، الثّامن عشر: طرح الأذى على الطّرقات، التّاسع عشر: الضّحك من المؤمنين، العشرون: إظهار الكبر، الحادي والعشرون:
طرد الفقراء الصّالحين، الثّاني والعشرون: تقديم الغنيّ الطّالح على الفقير الصّالح، الثّالث والعشرون: زنى الجوارح، الرّابع والعشرون: الخلوة المحرّمة، الخامس والعشرون: النّظر إلى العورات، السّادس والعشرون:
اقتناء الكلاب «1» ، السّابع والعشرون: أذيّة الدّوابّ، الثّامن والعشرون: وسم وجوه الدّوابّ، التّاسع والعشرون: ضرب الوجوه، الثّلاثون: صبر «2» البهائم، الحادي والثّلاثون: قتل النّمل.
القسم الرّابع: الإساءة القوليّة وهي أنواع:
الأوّل: سبّ المسلم، الثّاني: مشاحنة المسلم، الثّالث: إفشاء الأسرار، الرّابع: الرّغبة عن الآباء والادّعاء إلى غيرهم، الخامس: الطّعن في الأنساب، السّادس: المنن وتنفيق السّلع بالحلف، السّابع: الهمز واللّمز والنّميمة وكثرة الحلف، الثّامن: الشّفاعة فيما لا يجوز، التّاسع: التّناجي المؤذي، العاشر: التّناجي بالمعاصي، الحادي عشر: الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف، الثّاني عشر: السّؤال عمّا تتوقّع مساءته، الثّالث عشر: قول الزّور، الرّابع عشر: المجادلة عن الخائن، الخامس عشر: استفتاء الجاهل، السّادس عشر: الفتيا بغير علم، السّابع عشر: كثرة اللّعن، الثّامن عشر: السّعي بالنّميمة، التّاسع عشر: بيع الماء والكلب، العشرون: كثرة الحلف في البيع، الحادي والعشرون: شراء الصّدقة والرّجوع في الهبة اللّازمة، الثّاني والعشرون: تعيير الزّاني، الثّالث والعشرون:
مدح من تخشى فتنته، الرّابع والعشرون: وصف الشّهداء بالموت، الخامس والعشرون: سبّ الحمّى، السّادس والعشرون: التّألّي على الله، السّابع والعشرون: تعليق الدّعاء بالمشيئة، الثّامن والعشرون:
التّسميع، التّاسع والعشرون: الفخر والخيلاء،
__________
(1) معلوم أن ذلك جائز إذا كان الاقتناء للحراسة.
(2) صبر البهائم: هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حيّا ثم يرمى بشيء حتى يموت.(9/3840)
الثّلاثون: الكلام بما لا يعرف قبحه من حسنه، الحادي والثّلاثون: اعتقاد الرّجل في نفسه، الثّاني والثّلاثون:
المبادرة بالحلف والشّهادة، الثّالث والثّلاثون: سبّ الصّحابة، الرّابع والثّلاثون: تزكية النّفس، الخامس والثّلاثون: سبّ الدّهر، السّادس والثّلاثون: تسمية العنب الكرم، السّابع والثّلاثون: ما ينهى عنه من الأسماء، الثّامن والثّلاثون: نداء الرّقيق بالعبد والأمة، التّاسع والثّلاثون: القول البشع، الأربعون: قذف الرّقيق، الحادي والأربعون: السّمع بالباطل، الثّاني والأربعون: الإلحاف في المسألة، والسّؤال تكثّرا، الثّالث والأربعون: الخيانة في المحقّرات، الرّابع والأربعون: سؤال المرأة طلاق ضرّتها، الخامس والأربعون: إضافة النّعم إلى أسبابها دون المنعم بها، السّادس والأربعون: قول «لو» اعتمادا على الأسباب، السّابع والأربعون: منع فضل الماء والبيعة للدّنيا وتنفيق السّلع بالحلف الكاذب، الثّامن والأربعون:
أنواع من الأذيّة والإضرار كالسّخرية والهمز واللّمز، والغيبة، والحسد، والتّباغض، والتّناجش، والبيع على البيع، والخطبة على الخطبة، والمساومة، وقطيعة الرّحم والتّدابر «1» .
معنى كلمة السوء في القرآن الكريم:
الوجه الأوّل: بمعنى الشّدّة، وذلك قوله في سورة البقرة/ آية 49: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني شدّة العذاب، وفي الرّعد/ آية 18: أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ.
الوجه الثّاني: بمعنى العقر، وذلك قوله في الأعراف/ آية 73: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً إلى قوله:
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يعني بعقر، أي لا تعقروها.
الوجه الثّالث: بمعنى الزّنا، وذلك قوله في سورة يوسف/ آية 51: ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ من زنا. وقال في سورة مريم/ آية 28: ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ يعني ما كان زانيا.
الوجه الرّابع: بمعنى البرص، وذلك قوله في سورة طه/ آية 22، لموسى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني بيضاء من غير برص.
الوجه الخامس: بمعنى العذاب، وذلك قوله في النّحل/ آية 27: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ يعني العذاب عَلَى الْكافِرِينَ وكقوله في سورة الرّعد/ آية 11: وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ يعني عذابا.
الوجه السّادس: بمعنى الشّرك، وذلك قوله في النّحل/ آية 28: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ يعني الشّرك وكقوله في سورة النّجم/ آية 31: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا يعني أشركوا «بما عملوا» .
الوجه السّابع: بمعنى الشّتم، وذلك قوله في
__________
(1) شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال للعز بن عبد السلام (297- 338) . بتصرف.(9/3841)
سورة الممتحنة/ آية 2: وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ يعني بالشّتم. وكقوله في سورة النّساء/ آية 148: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ يعني الشّتم إِلَّا مَنْ ظُلِمَ.
الوجه الثّامن: بمعنى بئس، وذلك قوله في سورة الرّعد/ آية 25: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ يعني بئس الدّار. يعني منازلهم.
الوجه التّاسع: بمعنى الذّنب من المؤمن، وذلك قوله في سورة النّساء/ آية 17: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ يعني الذّنب، وكلّ ذنب من المؤمن فهو جهل منه.
الوجه العاشر: بمعنى الضّرّ، وذلك قوله في الأعراف/ آية 188: ما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعني الضّرّ وقال في النّمل/ آية 62: وَيَكْشِفُ السُّوءَ يعني الضّرّ.
الوجه الحادي عشر: بمعنى القتل والهزيمة، وذلك قوله في سورة الأحزاب/ آية 7: إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً يعني القتل والهزيمة، ونظيرها فيها أيضا «1» .
السيئة في القرآن الكريم:
وردت السّيّئة على أوجه متعدّدة في القرآن الكريم:
الوجه الأوّل: بمعنى القتل والهزيمة وذلك قوله في سورة آل عمران/ آية 120: وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يعني القتل والهزيمة يوم أحد «يفرحوا بها» .
الوجه الثّاني: بمعنى الشّرك، وذلك في سورة النّمل/ آية 90: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني الشّرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ.
الوجه الثّالث: بمعنى قحط المطر، والجدب، وقلّة النّبات، قوله في سورة الأعراف/ آية 131: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني قحط المطر وقلّة الخير والنّبات يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ.
الوجه الرّابع: بمعنى العذاب في الدّنيا، وذلك قوله في سورة الرّعد/ آية 6: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ يعني بالعذاب في الدّنيا. وكقوله في سورة النّمل/ آية 46: لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ يعني بالعذاب في الدّنيا.
الوجه الخامس: بمعنى الأذى وقول الفحش، وذلك قوله في حم فصّلت/ آية 34: وَلَا السَّيِّئَةُ يعني الشّرّ من القول والأذى «2» .
وورد لفظ السيئات على خمسة أوجه في القرآن الكريم:
أحدها: يكون بمعنى الشّرك. قال تعالى: في سورة يونس/ آية 27: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ يعني عملوا الشّرك. وكذلك قوله تعالى:
__________
(1) التصاريف. تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه ليحيى بن سلام- تحقيق هند شلبي (ص 121- 124) بتصرف. كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر لابن العماد. تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد- مراجعة محمد سليمان داود (ص 58- 61) بتصرف.
(2) التصاريف. نفس المرجع السابق (ص 125- 127) بتصرف، وكشف السرائر: (280) .(9/3842)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ (النساء/ 18) يعني الشّرك.
ثانيها: يكون بمعنى العذاب. قال الله تعالى:
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا (الزمر/ 51) يعني عذابا بما عملوا من الشّرك، وكذلك قوله، وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ (الزمر/ 51) بما عملوا من الشّرك، يعني العذاب.
ثالثها: يكون بمعنى الضّرّ. قال الله تعالى:
وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ (الأعراف/ 681) يعني الضّرّ.
رابعها: يكون بمعنى الشّرّ، قال الله تعالى:
فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا (غافر/ 45) يعني للشّرّ الّذي أرادوا بمؤمن آل فرعون.
خامسها: يكون بمعنى الفاحشة، قال الله تعالى: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ (هود/ 78) يعني الفاحشة فيأتون الرّجال في أدبارهم «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السر- انتهاك الحرمات- سوء الخلق- سوء المعاملة- شهادة الزور- سوء العشرة- الاستهزاء- عقوق الوالدين- الأذى- التحقير.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإحسان- حسن الخلق- حسن العشرة- المحبة- البر- بر الوالدين] .
__________
(1) كشف السرائر في معنى الوجود والأشباه والنظائر لابن العماد (ص 280) . نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي (ص 362) .(9/3843)
الآيات الواردة في «الإساءة»
الإساءة بيان لأفعال وأقوال المسيئين:
1- وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) «1»
2- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78)
ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «2»
3- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «3»
4- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) «4»
5- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «5»
6- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) «6»
7- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «7»
__________
(1) البقرة: 49 مدنية
(2) النساء: 78- 79 مدنية
(3) الأعراف: 141 مكية
(4) التوبة: 7- 9 مدنية
(5) التوبة: 37 مدنية
(6) التوبة: 50 مدنية
(7) التوبة: 98 مدنية(9/3844)
8- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) «1»
9- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) «2»
10- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) «3»
11- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) «4»
12- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (6) «5»
13- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ
__________
(1) التوبة: 101- 102 مدنية
(2) هود: 9- 10 مكية
(3) هود: 77- 78 مكية
(4) يوسف: 24- 25 مكية
(5) الرعد: 6 مدنية(9/3845)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) «1»
14- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) «2»
15- لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26)
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) «3»
16- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74)
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «4»
17- وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (33) «5»
18- وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177) «6»
19- وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36)
__________
(1) الرعد: 18- 25 مدنية
(2) إبراهيم: 6 مكية
(3) النحل: 23- 28 مكية
(4) الأنبياء: 74- 77 مكية
(5) العنكبوت: 33 مكية
(6) الصافات: 175- 177 مكية(9/3846)
أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ (37) «1»
20- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2»
21- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «3»
آيات (الإساءة) فيها للتنفير والبراءة منها ومن المتصفين بها:
22- يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169) «4»
23- وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا (22) «5»
24- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) «6»
25- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) «7»
26- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) «8»
__________
(1) غافر: 36- 37 مكية
(2) الشورى: 47- 48 مكية
(3) الفتح: 11- 12 مدنية
(4) البقرة: 168- 169 مدنية
(5) النساء: 22 مدنية
(6) النساء: 38 مدنية
(7) النساء: 148- 149 مدنية
(8) المائدة: 101 مدنية(9/3847)
27- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) «1»
28- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «2»
29- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «3»
30- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «4»
31- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)
ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52)
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) «5»
32- وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59)
__________
(1) الأنعام: 136 مكية
(2) الأعراف: 73 مكية
(3) الأعراف: 175- 177 مكية
(4) الأعراف: 188 مكية
(5) يوسف: 50- 53 مكية(9/3848)
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) «1»
33- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94) «2»
34- وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) «3»
35- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) «4»
36- يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) «5»
37- رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «6»
38- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) «7»
39- قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «8»
40- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «9»
41- أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) «10»
42- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
__________
(1) النحل: 58- 60 مكية
(2) النحل: 94 مكية
(3) الإسراء: 32 مكية
(4) الإسراء: 36- 38 مكية
(5) مريم: 28 مكية
(6) المؤمنون: 94- 96 مكية
(7) النمل: 90 مكية
(8) الأحزاب: 17 مدنية
(9) فاطر: 8- 10 مكية
(10) الزمر: 24 مكية(9/3849)
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) «1»
43- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «2»
44- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) «3»
45- وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) «4»
46- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21) «5»
47- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) «6»
48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) «7»
49- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) «8»
__________
(1) الزمر: 47- 51 مكية
(2) غافر: 58 مكية
(3) فصّلت: 26- 27 مكية
(4) فصّلت: 34 مكية
(5) الجاثية: 21 مكية
(6) محمد: 14 مدنية
(7) الممتحنة: 1- 2 مدنية
(8) المنافقون: 1- 2 مدنية(9/3850)
الإساءة في سياق الجزاء:
50- بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) «1»
51- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) «2»
52- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «3»
53- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «4»
54- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193)
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194)
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «5»
55- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «6»
56- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) «7»
__________
(1) البقرة: 81 مدنية
(2) البقرة: 271 مدنية
(3) آل عمران: 30 مدنية
(4) آل عمران: 172- 174 مدنية
(5) آل عمران: 193- 195 مدنية
(6) النساء: 17- 18 مدنية
(7) النساء: 31 مدنية(9/3851)
57- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) «1»
58- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) «2»
59- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
(110) «3»
60- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «4»
61- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) «5»
62- وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «6»
63- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (66) «7»
64- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) «8»
65- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «9»
__________
(1) النساء: 85 مدنية
(2) النساء: 97 مدنية
(3) النساء: 110 مدنية
(4) النساء: 115 مدنية
(5) النساء: 123 مدنية
(6) المائدة: 12 مدنية
(7) المائدة: 65- 66 مدنية
(8) الأنعام: 31 مكية
(9) الأنعام: 54 مكية(9/3852)
66- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) «1»
67- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) «2»
68- وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) «3»
69- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165)
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) «4»
70- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «5»
71- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27) «6»
72- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) «7»
__________
(1) الأنعام: 160 مكية
(2) الأعراف: 94- 95 مكية
(3) الأعراف: 153 مكية
(4) الأعراف: 163- 168 مدنية
(5) الأنفال: 29 مدنية
(6) يونس: 26- 27 مكية
(7) هود: 114 مكية(9/3853)
73- سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10)
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) «1»
74- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) «2»
75- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) «3»
76- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) «4»
77- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7) «5»
78- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «6»
79- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101) «7»
80- وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (37) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (38)
__________
(1) الرعد: 10- 11 مدنية
(2) النحل: 32- 34 مكية
(3) النحل: 45 مكية
(4) النحل: 118- 119 مكية
(5) الإسراء: 7 مكية
(6) الكهف: 29 مكية
(7) طه: 99- 101 مكية(9/3854)
وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً (39)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) «1»
81- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68)
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69)
إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «2»
82- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168)
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)
إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172)
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) «3»
83- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) «4»
84- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «5»
85- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
__________
(1) الفرقان: 37- 40 مكية
(2) الفرقان: 63- 70 مكية
(3) الشعراء: 167- 173 مكية
(4) النمل: 4- 5 مكية
(5) النمل: 45- 46 مكية(9/3855)
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) «1»
86- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «2»
87- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «3»
88- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) «4»
89- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «5»
90- إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42)
اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) «6»
91- وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
__________
(1) النمل: 54- 58 مكية
(2) القصص: 51- 54 (51، 54 مكية، 52- 53 مدنية)
(3) القصص: 84 مكية
(4) العنكبوت: 4- 7 مدنية
(5) الروم: 9- 10 مكية
(6) فاطر: 41- 43 مكية(9/3856)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) «1»
92- رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «2»
93- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «3»
94- لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43)
فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44)
فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «4»
95- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51)
يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) «5»
96- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «6»
97- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) «7»
98- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) «8»
99- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «9»
100- وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) «10»
__________
(1) الزمر: 33- 35 مكية
(2) غافر: 8- 9 مكية
(3) غافر: 40 مكية
(4) غافر: 43- 45 مكية
(5) غافر: 51- 52 مكية
(6) فصّلت: 46 مكية
(7) الشورى: 25 مدنية
(8) الشورى: 40 مكية
(9) الجاثية: 15 مكية
(10) الجاثية: 32- 33 مكية(9/3857)
101- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «1»
102- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) «2»
103- لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5)
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (6) «3»
104- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) «4»
105- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) «5»
106- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «6»
107- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)
ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) «7»
__________
(1) الأحقاف: 15- 16 مدنية
(2) محمد: 1- 2 مدنية
(3) الفتح: 5- 6 مدنية
(4) النجم: 31 مكية
(5) المجادلة: 14- 15 مدنية
(6) التغابن: 9 مدنية
(7) الطلاق: 4- 5 مدنية(9/3858)
108- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «1» 109- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) «2»
__________
(1) التحريم: 8 مدنية
(2) الملك: 25- 27 مكية(9/3859)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإساءة)
1-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا «1» ، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى أوحى الله إليه: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114) قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟. قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «2» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13- 14) اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهنّ: «آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» ) * «3»
3-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال:
«اللهمّ أمّتي أمّتي» وبكى، فقال الله- عزّ وجلّ-: يا جبريل، اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل- عليه الصّلاة والسّلام- فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال. وهو أعلم. فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك) * «4» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «5» ، وكان بعد ذلك القصاص. الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسّيّئة بمثلها، إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «6» .
__________
(1) تبتاع تمرا: أي تشتريه.
(2) البخاري- الفتح 8 (4687) . ومسلم (2763) . والترمذي (3115) واللفظ له.
(3) مسلم (1342) .
(4) مسلم (202) .
(5) زلفها: أي اقترفها وفعلها.
(6) البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. ومسلم (129) .(9/3860)
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «1» .
6-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر، فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «3» ، ثمّ يقال له: فيم كنت «4» ؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثمّ يفرج له قبل الجنّة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت، وعليه متّ، وعليه تبعث إن شاء الله «5» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار، فينظر إليها، يحطم بعضها بعضا. فيقال له:
هذا مقعدك، على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «6» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعوّذوا بالله من جار السّوء في دار المقام، فإنّ جار البادية يتحوّل عنك» ) * «7» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثمّ قال: «هكذا الوضوء. فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدّى وظلم» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6502) .
(2) مسلم (2759) .
(3) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(4) فيم كنت: أي في أيّ دين.
(5) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(6) ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (3443) .
(7) النسائي (8/ 274) . والحاكم في المستدرك (1/ 533) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وهو في صحيح الجامع للألباني (1301) .
(8) النسائي (1/ 88) وقال الألباني: حسن صحيح (1/ 30) (136) . وأبو داود (135) . وابن ماجة (422)(9/3861)
10-* (عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كناّ عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار أو العباء متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «1» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة «2» . فدخل ثمّ خرج فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلى، ثمّ خطب فقال:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء:/ الآية 1) إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية:/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) : «ولو بشقّ تمرة» قال:
فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها.
بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعام وثياب حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبه «3» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «4» .
11-* (عن أبي زهير الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّباوة أو البناوة (قال: والنّباوة من الطّائف) قال: «يوشك أن تعرفوا أهل الجنّة من أهل النّار» . قالوا: بم ذاك يا رسول الله؟
قال: «بالثّناء الحسن والثّناء السّيّء. أنتم شهداء الله، بعضكم على بعض» ) * «5» .
12-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة «6» فليلزم الجماعة، من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «7» .
13-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنّك توعك «8» وعكا شديدا قال:
__________
(1) تمعر: أي تغيّر.
(2) الفاقة: الفقر والحاجة.
(3) مذهبة: هي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
(4) مسلم (1017) .
(5) ابن ماجة (4221) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، ورواه أحمد (3/ 416) ، (6/ 446) ، والحاكم في المستدرك (1/ 120) ، وصحح إسناده ووافقه الذهبي.
(6) بحبوحة الجنة: أوسطها وأوسعها وأرجحها.
(7) الترمذي (2165) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (1/ 118) ، والحاكم في المستدرك (1/ 114) وصححه ووافقه الذهبي.
(8) توعك: الوعك قيل هو: الحمى. وقيل: ألمها.(9/3862)
«أجل، إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت:
ذلك أنّ لك أجرين. قال: «أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلّا كفّر الله بها سيّئاته، كما تحطّ «1» الشّجرة ورقها» ) * «2» .
14-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي، حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوىء أعمالها النّخاعة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «3» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قالت الملائكة: ربّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «4» » ) * «5» .
16-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت» ) * «6» .
17-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة. قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر) * «7» .
18-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت، وأتّبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «8» .
19-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمسى، قال:
«أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له «9» ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ أسألك خير هذه اللّيلة، وأعوذ بك من شرّ هذه اللّيلة، وشرّ ما بعدها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر» ) * «10» .
__________
(1) تحط: تلقيه منتثرا.
(2) البخاري- الفتح 10 (5648) واللفظ له. ومسلم (2571) .
(3) مسلم (553) .
(4) من جرّاى: أي من أجلي.
(5) البخاري- الفتح 13 (7501) . ومسلم (129) واللفظ له.
(6) ابن ماجة (4223) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(7) البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له. ومسلم (120) .
(8) الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد (5/ 153) .
(9) في نص مسلم هنا زيادة هي: قال الحسن: فحدثنى الزبيدى أنه حفظ عن إبراهيم في هذا: له الملك الخ، وهي من احتياط الراوي وإنّما حذفت تيسيرا.
(10) مسلم (2723) .(9/3863)
20-* (عن أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثته ثمّ قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان سكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعا.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّها صفيّة بنت حييّ» . فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: «إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا» أو قال: «شيئا» ) * «1» .
21-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ ... الحديث وفيه «وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا «2» تجاوز الله عنهم» ) * «3» .
22-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من يوم السّوء، ومن ليلة السّوء، ومن ساعة السّوء، ومن صاحب السّوء، ومن جار السّوء في دار المقامة» ) * «4» .
23-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها أو صرف عنه من السّوء مثلها. ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «5» .
24-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسّيّئة فجزاؤه سيّئة مثلها. أو أغفر، ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض «6» خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» ) * «7» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3281) واللفظ له. ومسلم (2175) .
(2) هكذا فى الأصل: بنصب «شطر» ورفع «قبيح وحسن وليس له وجه واضح وقد رواه النسفي والاسماعيلي برفع الجميع.. وهو الراجح لا سيما وأن كان هنا تامة، والجملة فى محل نصب حال.. ينظر فتح البارى (12/ 466) .
(3) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. مسلم (2275)
(4) صحيح الجامع للألباني (1310) والصحيحة له (1443) .
(5) الترمذي (3573) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 512) : وهو حديث صحيح.
(6) قراب الأرض: بضم القاف وفتح الراء أي ما يقارب.
(7) مسلم (2687) .(9/3864)
حرزا من الشّيطان، يومه ذلك، حتّى يمسي. ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك.
ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة، حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «1» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه) * «2» .
27-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: «يا أبا بكر، قل: اللهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة لا إله إلّا أنت ربّ كلّ شيء ومليكه، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجرّه إلى مسلم» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإساءة) معنى
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟. قالوا: لا يبقي من درنه «4» شيئا. قال:
«فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا» ) * «5» .
29-* (عن عائشة- رضي الله عنها- كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من فتنة النّار، وعذاب النّار، وفتنة القبر، وعذاب القبر وشرّ فتنة الغنى، وشرّ فتنة الفقر. اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ فتنة المسيح الدّجّال. اللهمّ اغسل قلبي بماء الثّلج والبرد. ونقّ قلبي من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس. وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل «6» والمأثم والمغرم» «7» ) «8» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه. خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها يداه «9» مع
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6403) . ومسلم (2691) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 5 (2449) .
(3) الترمذي (3529) وقال: حديث حسن غريب واللفظ له. وأبو داود (5067) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 238) : إسناده حسن.
(4) درنه: أي وسخه.
(5) البخاري- الفتح 2 (528) واللفظ له. ومسلم (667)
(6) الكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه، مع إمكانه.
(7) المغرم: هو الدّين.
(8) البخاري- الفتح 11 (6377) واللفظ له. ومسلم (589) .
(9) بطشتها: أي اكتسبتها.(9/3865)
الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة مشتها رجلاه «1» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) ، حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «2» .
31-* (عن عبد الله بن شعيب عن أبيه عن جدّه «3» - رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا تزوّج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهمّ، إنّي أسألك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرّها، ومن شرّ ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك» ) * «4» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتّى تعلو قلبه، وهو الرّان، الّذي ذكر الله بَلْ رانَ «5» عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) «6» .
33-* (عن عبد الله بن عمير أنّه سمع أباه يقول لابن عمر: مالي لا أراك تستلم إلّا هذين الرّكنين:
الحجر الأسود والرّكن اليمانيّ؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ مسحهما «7» يحطّ الخطايا» ) * «8» .
34-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «9» . على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره «10» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «11» ... الحديث) * «12» .
35-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدعا كثير لم نحفظ منه شيئا، قلنا:
يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا، فقال: ألا أدلّكم على ما يجمع ذلك كلّه؟ تقول: «اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك منه نبيّك محمّد، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه نبيّك محمّد، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «13» .
__________
(1) مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها رجلاه.
(2) مسلم (244) .
(3) جده: عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما.
(4) أبو داود (2160) واللفظ له. وابن ماجة (2252) . وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1825) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 44) : ورواه أيضا الحاكم (2/ 185) وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
(5) الران: هو ظلمة وجهل يقوم بالقلب يحول بين المرء وبين معرفة الحق.
(6) الترمذي (3334) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (4244) . والحاكم (2/ 517) وصححه.
(7) أي الركن اليماني والحجر الأسود.
(8) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2729) واللفظ له وقال محققه: إسناده حسن. والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 591) . والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن.
(9) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول.
(10) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(11) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(12) البخاري الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له.
(13) الترمذي (3521) وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو قوي بشواهده. انظر مجمع الزوائد (10/ 179، 180) .(9/3866)
36-* (عن فروة بن نوفل الأشجعيّ، قال:
سألت عائشة عمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو به الله.
قالت: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت، ومن شرّ ما لم أعمل» ) * «1» .
37-* (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه «2» - رضي الله عنهم- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«على كلّ مسلم صدقة» . قيل: أرأيت إن لم يجد؟.
قال: «يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» . قال قيل:
أرأيت إن لم يستطع؟. قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» . قال قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟. قال:
«يأمر بالمعروف أو الخير» . قال: أرأيت إن لم يفعل؟.
قال: «يمسك عن الشّرّ، فإنّها صدقة» ) * «3» .
38-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يا ابن آدم، إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «4» .
39-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعيذك بالله يا كعب بن عجرة، من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم، فصدّقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منّي ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة، الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، يا كعب بن عجرة، إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» ) * «5» .
40-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون» ) * «6» .
41-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني عن النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل في جوف
__________
(1) مسلم (2716) .
(2) جده: أبو موسى الأشعري.
(3) مسلم (1008) .
(4) الترمذي (3540) واللفظ له وقال: حديث حسن. وقال مراجع رياض الصالحين (178) : للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني فالحديث حسن.
(5) الترمذي (614) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي (7/ 160) . والحاكم في المستدرك (4/ 422) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 76) : أقل أحواله أن يكون حسنا.
(6) الترمذي (2499) . وابن ماجة (4251) واللفظ له. وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4391) .(9/3867)
اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ- حتّى بلغ- يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) . ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه» . قلت: بلى يا رسول الله، قال:
«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد ... الحديث) * «1» .
42-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها» ) * «2» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: لو أخطأتم حتّى تبلغ خطاياكم السّماء، ثمّ تبتم، لتاب عليكم» ) * «3» .
44-* (عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما يصيب المؤمن من وصب «4» ولا نصب «5» ولا سقم، ولا حزن. حتّى الهمّ يهمّه، إلّا كفّر به من سيّئاته» ) * «6» .
45-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة، وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «7» .
46-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله النّاس يوم القيامة فيهتمّون لذلك (وقال ابن عبيد: فيلهمون لذلك) فيقولون: لو استشفعنا على ربّنا حتّى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم. فيذكر خطيئته الّتي أصاب، فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا نوحا.
أوّل رسول بعثه الله. قال: فيأتون نوحا صلّى الله عليه وسلّم. فيقول:
لست هناكم، فيذكر خطيئته الّتي أصاب فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم الّذي اتّخذه الله خليلا. فيأتون إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله وأعطاه التّوراة. قال:
فيأتون موسى- عليه السّلام- فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته الّتي أصاب فيستحيي ربّه منها، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته. فيأتون عيسى روح الله وكلمته، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم.
عبدا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيأتوني، فأستأذن على ربّي فيؤذن لي، فإذا أنا
__________
(1) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح ومسند أحمد 5 (231) ، وابن ماجة 2 (3973) . وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه علي «متن الأربعين النووية» (ص 78) : وهو حديث صحيح لطرقه.
(2) الترمذي (2139) وقال: حديث حسن. وابن ماجة 1 (90) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73) واللفظ له.
(3) ابن ماجة (2/ 4248) . وفي الزوائد: إسناده حسن. وقال الألباني: (حسن صحيح) وصحيح ابن ماجه (3426) . وهو في الصحيحة له (1951) .
(4) الوصب: الوجع.
(5) النصب: التعب.
(6) البخاري- الفتح 10 (5640) . ومسلم (2573) واللفظ له.
(7) الترمذي (877) وقال: حديث حسن صحيح. وحسّنه الأرناؤوط في تعليقه علي «جامع الأصول» (9/ 275) .(9/3868)
رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله» . فيقال: «يا محمّد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمد ربّي بتحميد يعلّمنيه ربّي، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا فأخرجهم من النّار، وأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود فأقع ساجدا. فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال: ارفع رأسك يا محمّد، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفّع، فأرفع رأسي، فأحمد ربّي بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا فأخرجهم من النّار، وأدخلهم الجنّة. (قال: فلا أدري في الثّالثة أو في الرّابعة قال) فأقول: يا ربّ، ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن» أي وجب عليه الخلود. قال ابن عبيد في روايته: قال قتادة: «أي وجب عليه الخلود» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإساءة)
1-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «ما أظنّ أهل بيت من المسلمين لم يدخل عليهم حزن عمر يوم أصيب عمر إلّا أهل بيت سوء.
إنّ عمر كان أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله» ) * «2» .
2-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «يا أهل مكّة، اتّقوا الله في حرمكم هذا، أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان. فأحلّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتّى عدّ ما شاء الله. ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكّة» ) * «3» .
3-* (قال أبو أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: «إنّ الرّجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتّى يأتي الله وقد حظر به- كذا قال- وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي الله آمنا» ) * «4» .
4-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النّجاشيّ. فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف.
فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7516) . ومسلم (193) واللفظ له.
(2) المصنف، لابن أبي شيبة (12/ 26) .
(3) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 4012) .
(4) الزهد، لابن المبارك (ص 53) .(9/3869)
وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «1» .
5-* (عن عمرو بن ميمون- رضي الله عنه- قال: رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ ... الحديث وفيه:
أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم» ) * «2» .
6-* (عن عبيد الله بن عديّ بن خيار: أنّه دخل على عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- وهو محصور فقال: إنّك إمام عامّة، ونزل بك ما نرى، ويصلّي لنا إمام فتنة ونتحرّج. فقال: الصّلاة أحسن ما يعمل النّاس، فإذا أحسن النّاس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم) * «3» .
7-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- «عملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا» ) * «4» .
8-* (قال جمال الدّين الصّرصريّ:
أنا العبد الّذي كسب الذّنوبا ... وصدّته الأماني أن يتوبا
أنا العبد الّذي أضحى حزينا ... على زلّاته قلقا كئيبا
أنا العبد الّذي سطرت عليه ... صحائف لم يخف فيها الرّقيبا
أنا العبد المسيء عصيت سرّا ... فما لي الآن لا أبدي النّحيبا) * «5» .
9-* (قال الشّاعر:
فكم ولد للوالدين مضيّع ... يجازيهما بخلا بما نحلاه
طوى عنهما القوت الزّهيد نفاسة ... جرّاه سارا الحزن وارتحلاه «6»
ولا مهما عن فرط حبّهما له ... وفي بغضه إيّاهما عذلاه
أساء فلم يعدلهما بشراكه ... وكانا بأنوار الدّجى عدلاه) * «7» .
10-* (قال الشّاعر:
داو جار السّوء بالصّبر وإن ... لم تجد صبرا فما أحلى النّقل) * «8» .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (1 (202) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) البخاري- الفتح 7 (3700) .
(3) البخاري- الفتح 2 (695) .
(4) بصائر ذوي التمييز، للفيروز آبادي (2/ 545) .
(5) ديوان الصرصري (ص 30) .
(6) أي من أجله تحملا المشاق وركبا الصعاب.
(7) موارد الظمآن، للشيخ السلمان.
(8) الترغيب والترهيب (3/ 495) .(9/3870)
من مضار (الإساءة)
(1) الإساءة خلق ذميم، وسلوك مشين.
(2) المسيء بعيد عن الله وبعيد من النّاس.
(3) طريق موصّل إلى غضب الله وسخطه.
(4) تذهب حلاوة الإيمان ونور الإسلام.
(5) الإساءة معول هدّام وشرّ مستطير.
(6) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور.(9/3871)
الاستهزاء
الاستهزاء لغة:
الاستهزاء مصدر قولهم: استهزأ يستهزأ، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ز أ) ، الّتي تدلّ على السّخرية، أو على مزح في خفية، أو على السّخرية واللّعب «1» ، يقال:
هزئت به، واستهزأت، والاستهزاء ارتياد الهزء، وإن كان يعبّر به عن تعاطيه، كالاستجابة في كونها ارتيادا (طلبا للإجابة) وإن كانت تجري مجرى الإجابة، وفي التّنزيل العزيز إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (البقرة/ 14) قيل في تفسيره: ساخرون، وقيل: مكذّبون بما ندعى إليه.
وقوله سبحانه: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (البقرة/ 15) . ذكر الرّاغب: أنّ المعنى يجازيهم جزاء الهزء، ومعناه: أنّه أمهلهم مدّة ثمّ أخذهم فسمّى إمهالهم استهزاء من حيث إنّهم اغترّوا به اغترارهم بالهزء فيكون ذلك كالاستدراج من حيث لا يعلمون، ومذهب أهل السّنّة إثبات صفة الاستهزاء لله- عزّ وجلّ- حقيقة على ما يليق بجلاله مع إثبات لازمها.
وقال القرطبيّ: سمّى العقوبة باسم الذّنب،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
27/ 8/ 2
والعرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فسمّى انتصاره جهلا، والجهل لا يفتخر به عاقل، وإنّما قاله ليزدوج الكلام.. وقيل: الله يستهزأ بهم في الآخرة، يفتح لهم باب جهنّم من الجنّة، ثمّ يقال لهم: تعالوا، فيقبلون يسبحون في النّار، والمؤمنون على الأرائك، وهي السّرر ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عنهم، فيضحك المؤمنون منهم «2» .
وقال الجوهريّ: الهزء (بالسّكون) ، والهزؤ (بالضّمّ) السّخرية، تقول: هزئت منه، وهزئت به، واستهزأت به، وتهزّأت به، وهزأت به أيضا، هزءا ومهزأة، ورجل هزءة بالتّسكين، أي يهزأ به، وهزأة (بالتّحريك) يهزأ بالنّاس، قال في اللّسان: وقيل: يهزأ منه، وقال بعض اللّغويّين: الصّواب أن يقال: هزئت بك، ولا يقال: هزئت منك، وذلك عكس السّخرية، فإنّه في السّخرية يقال: سخرت منك، ولا يقال:
__________
(1) إلى الرأي الأول ذهب ابن فارس في المقاييس (6/ 52) ، وإلى الثاني ذهب الراغب في المفردات (543) ، وإلى الثالث ذهب القرطبي في تفسيره (1/ 145) ، وقد ذكر القرطبي قولا رابعا في تفسير معنى الاستهزاء فقال: وقيل أصل الاستهزاء الانتقام.
(2) انظر مفردات الراغب (ص 542) ، وتفسير القرطبي (1/ 146) ، وذكر آراء أخرى ليس هنا محل إيرادها.(9/3872)
سخرت بك، ويقال: هزأ الشّيء هزءا: كسره، وهزأ الرّجل: مات «1» .
الاستهزاء اصطلاحا:
قال المناويّ: الاستهزاء: ارتياد الهزء ويعبّر به أيضا عنه «2» .
وقال أبو هلال العسكريّ: إنّ الاستهزاء لا يسبقه فعل من أجله يستهزأ بصاحبه «3» .
ومن هنا يمكن القول بأنّ الاستهزاء هو: ارتياد أو طلب الهزء دون أن يسبق من المهزوء منه فعل يقتضي ذلك.
[للاستزادة: انظر صفات: البذاءة- السخرية الهجاء- الإساءة- السفاهة- التحقير.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تكريم الإنسان الثناء- الوقار- حسن المعاملة- حسن العشرة]
__________
(1) الصحاح (1/ 83) ، ولسان العرب (هزأ) (4659) ط. دار المعارف.
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 50) ، وأصل ذلك في المفردات للراغب (ص 543) .
(3) الفروق في اللغة (ص 249) .(9/3873)
الآيات الواردة في «الاستهزاء»
الاستهزاء في سياق كون المستهزئين صنف
1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «2»
3- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66) «3»
4- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) «4»
__________
(1) البقرة: 8- 18 مدنية
(2) المائدة: 57- 58 مدنية
(3) التوبة: 64- 66 مدنية
(4) الرعد: 32 مكية(9/3874)
5- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) «1»
6- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) «2»
7- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «3»
8- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) «4»
9- وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)
إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) «5»
10- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «6»
11- يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) «7»
12- وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7)
فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) «8»
الاستهزاء في سياق الترفع عنه وعن مجالسة المستهزئين:
13- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) «9»
__________
(1) الحجر: 10- 11 مكية
(2) الحجر: 94- 96 مكية
(3) الكهف: 56 مكية
(4) الأنبياء: 36 مكية
(5) الفرقان: 41- 44 مكية
(6) لقمان: 6- 7 مكية
(7) يس: 30 مكية
(8) الزخرف: 6- 8 مكية
(9) البقرة: 67 مدنية(9/3875)
14- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «1»
15- وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) «2»
الاستهزاء في سياق التهديد بالعذاب:
16- وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34)
ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36)
وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «3»
17- قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (105) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) «4»
18- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) «5»
__________
(1) البقرة: 231- 232 مدنية
(2) النساء: 140 مدنية
(3) الجاثية: 33- 37 مكية
(4) الكهف: 103- 106 مكية
(5) الشعراء: 1- 6 مكية(9/3876)
19- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) «1»
الاستهزاء وارد في سياق كونه سبب العقوبة:
20- وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «2»
21- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8) «3»
22- الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)
فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) «4»
__________
(1) الجاثية: 7- 10 مكية
(2) الأنعام: 3- 10 مكية
(3) هود: 7- 8 مكية
(4) النحل: 32- 34 مكية(9/3877)
23- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (41) «1»
24- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «2»
25- وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (48) «3»
26- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85) «4»
27- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «5»
__________
(1) الأنبياء: 41 مكية
(2) الروم: 9- 10 مكية
(3) الزمر: 47- 48 مكية
(4) غافر: 82- 85 مكية
(5) الأحقاف: 21- 26 مكية(9/3878)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الاستهزاء)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل.
فهو يمشي مرّة ويكبو «1» مرّة وتسفعه «2» النّار مرّة. فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الّذي نجّاني منك.
لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه الشّجرة فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها.
فيقول الله- عزّ وجلّ-: يا ابن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «3» ، فيدنيه منها، فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها، ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم.
ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده ألّا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها. فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين. فيقول:
أي ربّ أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا ربّ، هذه لا أسألك غيرها. وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة فيقول: أي ربّ، أدخلنيها. فيقول: يا ابن آدم ما يصريني «4» منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟ قال: يا ربّ أتستهزىء منّي وأنت ربّ العالمين؟» فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: ممّ تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟ قال «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزىء منّي وأنت ربّ العالمين؟ فيقول: إنّي لا أستهزىء منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «5» .
2-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها لعلّ الله يفرجها عنكم.
فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران
__________
(1) يكبو: معناه يسقط على وجهه.
(2) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا
(3) مالا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها.
(4) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني. أو أي شيء يرضيك ويقطع السّؤال بيني وبينك.
(5) مسلم (187) .(9/3879)
وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «1» حلبت فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ.
وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «2» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «3» عند قدميّ. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء.
ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الآخر:
اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «4» . قالت: يا عبد الله اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «5» فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة. ففرج لهم. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «6» . فلمّا قضى عمله قال:
أعطني حقّي. فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها. فجاء ني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها. فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزىء بي. فقلت: إنّي لا أستهزىء بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «7» .
3-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللّقاء. فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنّك منافق، لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر:
وأنا رأيته متعلّقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنّما كنّا نخوض ونلعب ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» ) * «8» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان قوم يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استهزاء، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته:
أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ
__________
(1) فاذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها.
(2) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد والنأي البعد.
(3) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع.
(4) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع.
(5) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقولها بحقه: أي بنكاح، لا بزنى.
(6) بفرق: بفتح الراء وإسكانها: وهو إناء يسع ثلاثة آصع.
(7) البخاري- الفتح 10 (5974) . ومسلم (2743) واللفظ له.
(8) ابن جرير (10/ 119) ، ابن أبي حاتم (4/ 64) ، ابن كثير (2/ 368) واللفظ له وقال مخرج فتح المجيد: حسن (385) .(9/3880)
آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتّى فرغ من الآية كلّها) * «1» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكّة، فظعت بأمري، وعرفت أنّ النّاس مكذّبيّ، فقعد «2» معتزلا حزينا، قال: فمرّ عدوّ الله أبو جهل، فجاء حتّى جلس إليه، فقال له كالمستهزىء: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: ما هو؟ قال. «إنّه أسري بي «3» اللّيلة» ، قال: إلى أين؟ قال: «إلى بيت المقدس» قال:
ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فلم ير أنّه يكذّبه، مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدّثهم ما حدّثتني؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ، فقال: هيّا معشر بني كعب بن لؤيّ قال: فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتّى جلسوا إليهما، قال: حدّث قومك بما حدّثتني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أسري بي اللّيلة» قالوا: إلى أين؟ قلت: «إلى بيت المقدس» ، قالوا: ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: «نعم» ، قال: فمن بين مصفّق، ومن بين واضع يده على رأسه، متعجّبا للكذب زعم! قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد، وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ بعض النّعت» ، قال: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر، حتّى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعتّه وأنا أنظر إليه، قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه» ، قال: فقال القوم: أمّا النّعت فو الله لقد أصاب) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الاستهزاء) معنى
6-* (عن أمّ هانىء- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قال: كانوا يخذفون «5» أهل الأرض ويسخرون منهم) * «6» .
7-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أمرنا بالصّدقة، قال: كنّا نحامل، قال:
فتصدّق أبو عقيل بنصف صاع قال: وجاء إنسان بشيء أكثر منه. فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4622) .
(2) في المسند: قعد، وفي مجمع الزوائد (1/ 64، 65) قعدت.
(3) عند الشيخ شاكر «أسري به» .
(4) أحمد (1/ 309) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 64)) : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح.
(5) الخذف: أصله رمي الحصاة بين السبابة والإبهام، والقصد أنهم يحتقرون أهل الأرض.
(6) الترمذي (3190) وقال: هذا حديث حسن، والحاكم (2/ 409) ، وصححه ووافقه الذهبي.(9/3881)
هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رياء. فنزلت: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79)) * «1» .
8-* (عن عروة بن الزّبير؛ أنّه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرّجل قطّ، سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم- أو كما قالوا- قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل يمشي، حتّى استلم الرّكن، ثمّ مرّ بهم طائفا بالبيت، فلمّا أن مرّ بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثمّ مضى، فلمّا مرّ بهم الثّانية، غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثمّ مضى، ثمّ مرّ بهم الثّالثة، فغمزوه بمثلها، فقال:
«تسمعون يا معشر قريش، أما والّذي نفس محمّد بيده، لقد جئتكم بالذّبح» فأخذت القوم كلمته، حتّى ما منهم رجل إلّا كأنّما على رأسه طائر واقع، حتّى إنّ أشدّهم فيه وصاة «2» قبل ذلك ليرفؤه «3» بأحسن ما يجد من القول، حتّى إنّه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فو الله ما كنت جهولا، قال: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتّى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك، إذ طلع (عليهم) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوثبوا إلى وثبة رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له:
أنت الّذي تقول: كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم» ، أنا الّذي أقول ذلك، قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، قال: وقام أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه- دونه، يقول وهو يبكي: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ. ثمّ انصرفوا عنه، فإنّ ذلك لأشدّ ما رأيت قريشا بلغت منه قطّ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4668) . ومسلم (1018) واللفظ له.
(2) وصاة: بفتح الواو والصاد المهملة المخففة: الوصية.
(3) ليرفؤه: يسكنه ويرفق به ويدعو له.
(4) أحمد (11/ 203) وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (11/ 203، 205) رقم (7036) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وقد صرح ابن اسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح.(9/3882)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الاستهزاء)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لرجل قال له: إنّي طلّقت امرأتي مائة تطليقة، فماذا ترى عليّ؟ قال: طلّقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتّخذت بها آيات الله هزوا) * «1» .
2-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- قال بعض أهل العلم: «إنّ المنافقين إذا خلوا إلى مردتهم قالوا إنّا معكم على دينكم في تكذيب محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به، وإنّما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزئون فأخبر الله تعالى أنّه يستهزأ بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدّنيا من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الّذي لهم عنده في الآخرة من العذاب والنّكال» ) * «2» .
من مضار (الاستهزاء)
(1) دليل كبر النّفس واحتقار الآخرين.
(2) طريق موصل إلى النّار وغضب الجبّار.
(3) بعد النّاس عن المستهزئ لخوفهم منه وعدم سلامتهم منه.
(4) يصرف عن قبول الحقّ واستماع النّصح.
(5) يسود بين الطّغاة وسفلة الأقوام.
(6) دليل على أنّ صاحبه عميّ القلب لا يرى ما فضّل الله به غيره عليه.
(7) آية على جهالة صاحبه لأنّ من علم قدر الله لم يحتقر عباده.
(8) يشيع في الأمّة الكراهية المقيتة.
__________
(1) الموطأ (550) طبعة دار احياء الكتب العربية
(2) تفسير ابن كثير (1/ 52، 53)(9/3883)
الإسراف
الإسراف لغة:
الإسراف مصدر أسرف يسرف وهو مأخوذ من مادّة (س ر ف) الّتي تدلّ على تعدّي الحدّ والإغفال للشّيء، تقول: في الأمر سرف، أي مجاوزة القدر، وجاء في الحديث الشّريف: (الثّالثة في الوضوء شرف، والرّابعة سرف) وأمّا الإغفال فقول القائل: مررت بكم فسرفتكم: أي أغفلتكم، أو جهلتكم.
وقال الرّاغب: السّرف تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، ويقال تارة اعتبارا بالقدر (الكمّيّة) وتارة اعتبارا بالكيفيّة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: ما أنفقت في غير طاعة الله سرف، وإن كان قليلا، وقول الله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ (الزمر/ 53) الإسراف هنا يتناول المال وغيره «1» ، وسمّي قوم لوط مسرفين من حيث إنّهم تعدّوا في وضع البذر في غير المحرث المخصوص له، والإسراف في القتل: أن يقتل وليّ الدّم غير القاتل أو يتعدّاه إلى من هو أشرف منه حسبما كانت الجاهليّة تفعله، وقيل: السّرف ضدّ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
20/ 13/ 13
القصد، والسّرف الإغفال والخطأ، يقال: سرفت الشّيء إذا أغفلته وجهلته، ورجل سرف الفؤاد أي مخطيء الفؤاد غافله، وسرف العقل: غافله، وقيل: فاسده، والإسراف في النّفقة: التّبذير، وفي حديث عائشة رضي الله عنها- «إنّ للّحم سرفا كسرف الخمر» أي ضراوة كضراوتها، وشدّة كشدّتها لأنّ من اعتاده ضري بأكله فأسرف فيه، فعل مدمن الخمر في ضراوته بها، وقلة صبره عنها، وقيل أراد بالسّرف: الغفلة، وقيل هو من الإسراف والتّبذير في النّفقة لغير حاجة، أو في غير طاعة الله. شبّهت ما يخرج في الإكثار من اللّحم بما يخرج في الخمر.
قال ابن الأثير: وقد تكرّر ذكر الإسراف في الحديث، والغالب على ذكره: الإكثار من الذّنوب والخطايا، واحتقاب «2» الأوزار والآثام. وفي التّنزيل العزيز: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (غافر/ 43) أي المتجاوزين في أمورهم الحدّ، وقيل: أراد المشركين، وقيل: السّفهاء والسّفّاكون للدّماء بغير حقّها، وقيل: الجبّارون والمتكبّرون، وقيل: هم الّذين
__________
(1) فى سبب نزول هذه الآية روايات كثيرة: منها أن قوما من المشركين قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا فقالوا- أو بعثوا- للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن ما تدعو إليه لحسن، أو تخبرنا أن لنا توبة؟ فنزلت، وقيل: نزلت في أهل مكة حينما قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لم يغفر له، وقد فعلنا ذلك.. فنزلت ... انظر: تفسير القرطبي (15/ 174)
(2) الاحتقاب: الاحتمال من قولهم: احتقب فلان الإثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه، ويقال: احتقب خيرا أو شرا واستحقبه في معنى ادخره.(9/3884)
تعدّوا حدود الله، وهذا جامع لما ذكر، لأنّ السّرف والإسراف مجاوزة القصد، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد (أي اعتدال) «1» .
قال ابن منظور: وأمّا السّرف الّذي نهى الله عنه فهو ما أنفق في غير طاعة الله، قليلا كان أو كثيرا، ويقال: أسرف في الكلام وفي القتل: أفرط، وسرف الماء ما ذهب منه في غير سقي ولا نفع «2» .
الإسراف اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في العرض الخسيس، وقيل: هو تجاوز الحدّ في النّفقة، وقيل: هو أن يأكل الرّجل ما لا يحلّ له أو يأكل ممّا يحلّ له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقيل: هو تجاوز في الكمّيّة فهو جهل بمقادير الحقوق «3» .
وقال المناويّ: الإسراف: هو الإبعاد في مجاوزة الحدّ «4» .
مظاهر الإسراف وأنواعه:
قال الرّاغب: الإنفاق ضربان: ممدوح ومذموم.
فالممدوح منه ما يكسب صاحبه العدالة، وهو بذل ما أوجبت الشّريعة بذله، كالصّدقة المفروضة والإنفاق على العيال ... الخ.
والمذموم ضربان: إفراط وهو التّبذير والإسراف، وتفريط وهو التّقتير والإمساك، وكلاهما يراعى فيه الكمّيّة والكيفيّة، فالأوّل من جهة الكمّيّة أن يعطي أكثر ممّا يحتمله حاله.
ومن جهة الكيفيّة بأن يضعه في غير موضعه، والاعتبار هنا بالكيفيّة أكثر منه بالكمّيّة، فربّ منفق درهما من ألوف وهو في إنفاقه مسرف، وببذله مفسد ظالم، كمن أعطى فاجرة درهما، أو اشترى خمرا. وربّ منفق ألوفا لا يملك غيرها هو فيها مقتصد، وببذلها مجتهد، كما روي في شأن الصّدّيق أبي بكر- رضي الله عنه- وقد قيل لبعضهم: متى يكون بذل القليل إسرافا والكثير اقتصادا؟ قال: إذا كان بذل القليل في باطل والكثير في حقّ.
أمّا الثّاني: وهو التّقتير فهو من جهة الكمّيّة أن ينفق دون ما يحتمله حاله، ومن حيث الكيفيّة، أن يمنع من حيث يجب، ويضع حيث لا يجب. وليس الإسراف متعلّقا بالمال وحده، بل في كلّ شيء وضع في غير موضعه اللّائق به، ألا ترى أنّ الله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر في غير المحرث فقال:
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (الأعراف/ 81) ووصف فرعون بقوله:
إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (الدخان/ 31) «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: التبذير- الغلو- الطيش- السفاهة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الجود الكرم] .
__________
(1) تفسير القرطبي (15/ 207) .
(2) مقاييس اللغة (3/ 153) ، والمفردات للراغب (ص 230) ، والصحاح (4/ 1373) ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (2/ 362) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 216) ، ولسان العرب لابن منظور (سرف) (1996) ، ط. دار المعارف.
(3) التعريفات للجرجاني (23، 24) .
(4) التوقيف (50) .
(5) الذريعة في مكارم الشريعة للراغب (410، 411) بتصرف.(9/3885)
الآيات الواردة في «الإسراف»
آيات الإسراف فيها في الذنوب في سياق طلب المغفرة أو الوعد بها:
1- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147)
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «1»
2- قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) «2»
آيات الإسراف فيها واقع في المال أو في القصاص وفي سياق النهي عنه:
3- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «3»
4- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) «4»
__________
(1) آل عمران: 146- 148 مدنية
(2) الزمر: 53- 59 مكية
(3) النساء: 6 مدنية
(4) الأنعام: 141 مكية(9/3886)
5- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) «1»
6- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «2»
آيات الإسراف فيها قرين الكفر:
7- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) «3»
8- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83)
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) «4»
9- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «5»
10- قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)
__________
(1) الأعراف: 31 مكية
(2) الإسراء: 33 مكية
(3) المائدة: 32 مدنية
(4) الأعراف: 80- 84 مكية
(5) يونس: 12 مكية(9/3887)
وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «1»
11- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «2»
12- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17)
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18)
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «3»
13- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «4»
__________
(1) يونس: 77- 86 مكية
(2) الشعراء: 141- 152 مكية
(3) يس: 13- 19 مكية
(4) غافر: 23- 28 مكية(9/3888)
14- وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) «1»
15- حم (1)
وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2)
إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) «2»
16- وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) «3»
آيات تبين أن الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة نتيجة الإسراف:
17- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124)
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125)
قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126)
وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) «4»
18- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7)
وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8)
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) «5»
19- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
__________
(1) غافر: 34 مكية
(2) الزخرف: 1- 5 مكية
(3) الدخان: 30- 33 مكية
(4) طه: 124- 127 مكية
(5) الأنبياء: 7- 9 مكية(9/3889)
لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) «1»
20- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27)
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)
فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)
وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «2»
__________
(1) غافر: 38- 43 مكية
(2) الذاريات: 24- 37 مكية(9/3890)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإسراف)
1-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم. قال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثّل» «1» ) * «2» .
2-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال:
«وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض «3» حنيفا «4» وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت، لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك، والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت.
أستغفرك وأتوب إليك» وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري، ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» .
وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر. لا إله إلّا أنت» ) * «5» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان رجل يسرف على نفسه، فلمّا حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا متّ فاحرقوني ثمّ اطحنوني، ثمّ ذرّوني في الرّيح، فو الله لئن قدر الله عليّ ليعذّبنّي عذابا ما عذّبه أحدا. فلمّا مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا ربّ خشيتك. فغفر له» ) * «6» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» ) * «7» .
__________
(1) متأثل: أي جامع له.
(2) النسائي (6/ 256) واللفظ له وقال الألباني: حسن صحيح (2/ 779) رقم (3429) . وأبو داود (2872) . وابن ماجة (2718) .
(3) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي، للذي فطر السماوات والأرض. أي ابتدأ خلقها.
(4) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي.
(5) مسلم (771) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3481) واللفظ له. ومسلم (2756) .
(7) النسائي (5/ 79) واللفظ له، وقال الألباني: حسن. صحيح النسائي (2/ 540 برقم 2399) . وابن ماجة (2/ 3605) .(9/3891)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإسراف) معنى
5-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا رسول الله؛ إنّي ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك وتعرف حقّ المسكين والجار والسّائل» فقال: يا رسول الله؛ أقلل لي. فقال: «آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا» .
فقال: يا رسول الله؛ إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم، إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها وإثمها على من بدّلها» ) * «1» .
6-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال» ) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السّؤال وإضاعة المال» ) * «3» .
8-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا بعثه إلى اليمن: «إيّاي والتّنعّم، فإنّ عباد الله ليسوا بالمتنعّمين» ) * «4» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا ثمّ قال: «هكذا الوضوء. فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدّى وظلم» ) * «5» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ، على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا
__________
(1) قال ابن حجر في الفتح: رواه أبو داود والطيالسي والحارث بن أسامة في مسنديهما وأيضا رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، وذكره البخاري معلقا مجزوما به (10/ 253) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 717) : وهو حديث صحيح.
(1) ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 63) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
(2) البخاري- الفتح 3 (1477) . ومسلم (593) . واللفظ له، وهو في أحمد (3/ 136) .
(3) مسلم (1715) .
(4) أحمد (5/ 244) . وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ: «إياك» وهو الأولى (والله أعلم) وقال: رواه أحمد والبيهقي ورواة أحمد ثقات (3/ 142) . وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 621) رقم (353) .. وكذا في صحيح الجامع وقال: حسن (1/ 382) رقم (2665) .
(5) النسائي (1/ 88) واللفظ له، وقال الألباني: حسن صحيح (1/ 30) رقم (136) . وأبو داود (135) . وابن ماجة (422) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 161) : وإسناده صحيح.(9/3892)
أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطّجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء، طباقاء، كلّ داء له داء. شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي، الرّيح ريح زرنب، والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّادي.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك. قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فاتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة. ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها وغيظ جارتها. جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض.
فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا. ركب شريّا. وأخذ خطّيّا. وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا. قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كنت لك: كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «1» .
11-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه:
كان لا يأكل حتّى يؤتى بمسكين يأكل معه، فدخل رجل يأكل معه فأكل كثيرا، فقال لمولاه نافع: يا نافع لا تدخل هذا عليّ. سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ) * «2» .
12-* (عن المقدام بن معديكرب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» ) * «3» .
13-* (عن نافع: أنّ ابن عمر جمع بنيه حين
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له وسبق تفسير غريبه في صفات سابقة.
(2) البخاري- الفتح 9 (5393)
(3) الترمذي (2380) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 410) : وهو كمال قال. وهو عند ابن ماجة رقم (3349) . والحاكم (4/ 121) وصححه ووافقه الذهبي. وابن حبان رقم (5236) «الإحسان» وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على «موارد الظمآن» رقم (1348) .(9/3893)
انتزى «1» أهل المدينة مع ابن الزّبير، وخلعوا يزيد بن معاوية، فقال: إنّا قد بايعنا هذا الرّجل ببيع الله ورسوله وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال له: هذه غدرة فلان، وإنّ من أعظم الغدر- إلّا أن يكون الإشراك بالله تعالى- أن يبايع الرّجل رجلا على بيع الله ورسوله، ثمّ ينكث بيعته» فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد، ولا يسرفنّ أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلما «2» فيما بيني وبينكم» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الاسراف)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لجابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- لمّا مرّ عليه ومعه حامل لحم: «أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمّه؟ فأين تذهب عنكم هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها» ) * «4» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ: يعني في غير إسراف ولا تقتير) * «5» .
3-* (قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ نهوا عن الإسراف في كلّ شيء) * «6» .
4-* (وقال السّدّيّ- رحمه الله تعالى- فيها:
«لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء» ) * «7» .
5-* (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرّة العقل والبدن» ) * «8» .
6-* (قال إياس بن معاوية- رحمه الله تعالى- «ما جاوزت به أمر الله فهو سرف» ) * «9» .
7-* (قال سفيان- رحمه الله تعالى- «ما
__________
(1) انتزى: افتعل من النزو وهو تسرع الإنسان إلى الشر.
(2) الصيلم: القطيعة.
(3) أحمد (2/ 96) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (8/ 84، برقم 5709) . والمرفوع منه في الصحيحين كما في البخاري (10/ 464) . ومسلم (1735) .
(4) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 141، 142) ، ونقل قول الحليمي- رحمه الله-: هذا الوعيد من الله- تعالى- وإن كان للكفار الذين يقدمون على الطيبات المحظورة، فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة لأن من يتعودها مالت نفسه إلى الدنيا فلم يأمن أن يرتكب في الشهوات والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد منها دعته إلى غيرها، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال له الآية، فلا ينبغي أن تعود النفس فربما تميل به إلى الشره ثم يصعب تداركها، ولترض من أول الأمر على السداد فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ثم يجتهد في إعادتها إلى الإصلاح.
(5) الأدب المفرد للبخاري (1/ 388، 389)
(6) المرجع السابق (2/ 182) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) تفسير ابن كثير (2/ 182)(9/3894)
أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلا» ) * «1» .
8-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «إنّ مجاوزة الحدّ في كلّ أمر يضرّ بمصالح الدّنيا والآخرة، بل يفسد البدن أيضا، إذ إنّه متى زادت أخلاطه عن حدّ العدل والوسط ذهب من صحّته وقوّته بحسب ذلك، وهذا مطّرد أيضا في الأفعال الطّبيعيّة كالنّوم والسّهر والأكل والشّرب والجماع والحركة والرّياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك» ) * «2» .
9-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا: أي ليسوا بمبذّرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصّرون في حقّهم، فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا.) * «3» .
10-* (قال الفيروزأباديّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ:
«هم المتجاوزون في أمورهم الحدّ» ) «4» .
11-* (كما سمّى الله قوم لوط مسرفين لأنّهم تعدّوا في وضع البذر المحرث المخصوص (أي قبل المرأة)) * «5» .
12-* (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-:
«نهى الله عن الإسراف في القتل وهو يشمل ثلاث صور:
(1) أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد، كما كانت العرب تفعله.
(2) أن يقتل بالقتيل واحدا فقط ولكنّه غير قاتله، لأنّ قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل منهيّ عنه.
(3) أن يقتل نفس القاتل لكن يمثّل به لأنّ زيادة التّمثيل إسراف في القتل) * «6» .
13-* (قال بعض السّلف: «جمع الله الطّبّ كلّه في نصف آية وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) * «7» .
من مضار (الإسراف)
(1) يجلب غضب الرّبّ لأنّه ينافي كمال الإيمان
(2) التّشبّه بالشّيطان في الإفساد.
(3) إضاعة المال والفقر في المال.
(4) النّدم والحسرة على ما ضاع من غير فائدة.
(5) يطبع المجتمع بطابع الانحلال والبعد عن الجدّ والإجتهاد.
(6) يدع المجتمع عالة على غيره عاجزا عن القيام بمهامّه.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (3/ 216) .
(2) بتصرف من الفوائد (139) .
(3) تفسير ابن كثير (3/ 125) .
(4) بصائر ذوي التمييز (3/ 216) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) أضواء البيان (3/ 455)
(7) تفسير ابن كثير (2/ 210)(9/3895)
الإصرار على الذنب والعناد
الإصرار لغة:
الإصرار مصدر أصرّ على الشّيء يصرّ، وهو مأخوذ من مادّة (ص ر ر) الّتي تدلّ على أربعة معان:
الأوّل: صرّ الدّراهم، والثّاني: السموّ والارتفاع، والثّالث: البرد والحرّ، والرّابع: الصّوت، ومن المعنى الأوّل الإصرار بمعنى العزم على الشّيء، قال ابن فارس: وإنّما جعلناه من قياسه لأنّ العزم على الشّيء، والإجماع عليه واحد، وكذلك الإصرار على الشّيء.
وقال الرّاغب: وأصله (أي الإصرار) من الصّرّ وهو الشّدّ، والإصرار: كلّ عزم شددت عليه، والصرّة ما تعقد فيه الدّراهم.
وقال الجوهريّ: والصّرّة (أيضا) ، الضّجّة والصّيحة، والصّرّة الجماعة، والصّرّة: الشّدّة من كرب وغيره، وصرّة القيظ شدّة حرّه، والصّارّة: الحاجة.
وأصرّ على الشّيء إذا لزمه وداومه وثبت عليه، وأكثر ما يستعمل في الشّرّ والذّنوب. يعني من أتبع الذّنب الاستغفار فليس بمصرّ عليه وإن تكرّر منه.
وفي الحديث «ويل للمصرّين الّذين يصرّون على ما
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
8/ 10/ 21
فعلوا وهم يعلمون» «1» .
وقول الله تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا (آل عمران/ 135) أي لم يثبتوا ويعزموا على ما فعلوا.
الإصرار: هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه، وقال سهل بن عبد الله: الجاهل ميّت، والنّاسي نائم، والعاصي سكران، والمصرّ هالك، والإصرار: هو التّسويف، والتّسويف: أن يقول: أتوب غدا وهذا دعوى النّفس، كيف يتوب غدا (وغدا) لا يملكه؟
وقال غير سهل: الإصرار هو أن ينوي ألّا يتوب، فإذا نوى التّوبة النّصوح خرج عن الإصرار، وقول سهل أحسن. وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا توبة مع إصرار» ) «2» .
الإصرار على الذنب اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإصرار: كلّ عزم شددت عليه «3» .
وقال المناويّ: الإصرار: التّعقّد في الذّنب والتّشديد فيه، والامتناع عن الإقلاع عنه والدّوام والملازمة، وكلّ عقد شددت عليه «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 282) ، المفردات للراغب (279) ، والصحاح (2/ 712) ، لسان العرب (4/ 450- 454) ط. بيروت، والنهاية (3/ 22) .
(2) تفسير القرطبي (4/ 136) .
(3) الكليات للكفوي (122) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (53) .(9/3896)
وقال الرّاغب: الإصرار: التّعقّد في الذّنب، والتّشدّد فيه، والامتناع من الإقلاع عنه «1» .
قال الجرجانيّ: الإصرار: الإقامة على الذّنب والعزم على فعل مثله «2» .
الباعث على التوبة وترك الإصرار:
قال القرطبيّ: قال العلماء: الباعث على التّوبة وحلّ الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفّار، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنّة ووعد بها المطيعين، وما وصفه من عذاب النّار وتهدّد به العاصين، ودام على ذلك حتّى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغبا ورهبا، والرّغبة والرّهبة ثمرة الخوف والرّجاء، يخاف من العقاب ويرجو الثّواب، والله الموفّق للصّواب. وقد قيل: إنّ الباعث على ذلك تنبيه إلهيّ ينبّه به من أراد سعادته؛ لقبح الذّنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة.
وقال القرطبيّ: وهذا خلاف في اللّفظ لا في المعنى، فإنّ الإنسان لا يتفكّر في وعد الله ووعيده إلّا بتنبيهه؛ فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيّئات اقترفها، وانبعث منه النّدم على ما فرّط، وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنّه تائب، فإن لم يكن كذلك كان مصرّا على المعصية وملازما لأسباب الهلكة. قال سهل بن عبد الله: علامة التّائب أن يشغله الذّنب عن الطّعام والشّراب؛ كالثّلاثة الّذين خلّفوا «3» .
حكم الإصرار على الذنب:
عدّها ابن حجر من الكبائر «4» ، وقال العزّ بن عبد السّلام: الإصرار على الذّنوب يجعل صغيرها كبيرا في الحكم والإثم فما الظّنّ بالإصرار على كبيرها «5» .
العناد لغة:
العناد مصدر قولهم: عاند يعاند عنادا أو معاندة، يقول ابن منظور: والعناد والمعاندة: أن يعرف الرّجل الشّيء فيأباه ويميل عنه وكان كفر أبي طالب معاندة لأنّه عرف وأقرّ وأنف أن يقال: تبع ابن أخيه فصار بذلك كافرا، ويقال: عاند معاندة أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه فهو عنيد وعاند، وفي الحديث:
«إنّ الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبّارا عنيدا» العنيد هنا: الجائر عن القصد الباغي الّذي يردّ الحقّ مع العلم به، وتعاند الخصمان: تجادلا، وعند عن الشّيء والطّريق يعند ويعند فهو عنود، وعند عندا:
تباعد وعدل «6» ، وفي مختار الصّحاح: عند من باب جلس أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه فهو عنيد وعاند «7» . وقول الله تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ
__________
(1) المفردات (279) .
(2) التعريفات (28) .
(3) تفسير القرطبى (4/ 136) .
(4) الزواجر عن اقتراف الكبائر (99) .
(5) شجرة المعارف والأحوال (110) .
(6) لسان العرب (307/ 3) .
(7) مختار الصحاح (215) ط. دار المنار.(9/3897)
عَنِيدٍ (ق/ 24) قال قتادة: العنيد هو المعرض عن طاعة الله، أو المنحرف عن الطّاعة «1» . وقال الحسن:
جاحد متمرّد «2» .
العناد والمعاندة اصطلاحا:
يقول المناويّ: العناد هو الاعوجاج والخلاف، وقيل المبالغة في الإعراض ومخالفة الحقّ «3» ، أمّا المعاندة: فهي المنازعة في مسألة علميّة مع عدم العلم من كلامه وكلام صاحبه «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- انتهاك الحرمات- العصيان- الفجور- الإعراض- الغي والإغواء- التفريط والإفراط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوبة- الإخبات- الاستغفار- الإنابة- الضراعة والتضرع- التبتل- تعظيم الحرمات] .
__________
(1) وردت العبارة الأولى عن قتادة في لسان العرب (3/ 307) ، والآخر في البحر المحيط 8/ 125.
(2) وردت أقوال أخرى للمفسرين في معنى عنيد تنظر في مظانها من كتب التفسير.
(3) التوقيف (248) .
(4) المرجع السابق (309) ، وقد أخذ هذا التعريف للمعاندة من كلام الجرجاني الذي اقتصر عليها في تعريفاته، ولم يذكر العناد اصطلاحا، انظر التعريفات (220) .(9/3898)
الآيات الواردة في «الإصرار على الذنب»
1- وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) «1»
2- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) «2»
3- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) «3»
4- قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً
(10) «4»
الآيات الواردة في «العناد»
5- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) «5»
6- وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) «6»
7- أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) «7»
8- ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) «8»
__________
(1) آل عمران: 135 مدنية
(2) الجاثية: 7- 9 مكية
(3) الواقعة: 41- 47 مكية
(4) نوح: 5- 10 مكية
(5) هود: 59 مكية
(6) إبراهيم: 15- 17 مكية
(7) ق 24- 26 مكية
(8) المدثر: 11- 17 مكية(9/3899)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإصرار على الذنب)
1-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قال وهو على المنبر:
«ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع «1» القول، ويل للمصرّين الّذين يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون» ) * «2»
2-* (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصرّ من استغفر ولو فعله في اليوم سبعين مرّة» ) * «3»
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإصرار على الذنب) معنى
3-* (عن أبي مالك الأشعريّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة، لا يتركونهنّ:
الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» . وقال: «النّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» ) * «4»
4-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا: كلّ مال نحلته عبدا، حلال «5» ، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «6» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «7» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «8» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «9» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «10» ، وأنزلت عليك كتابا
__________
(1) الأقماع: جمع قمع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة. وشبه أسماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ويحفظونه ويعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها.
(2) أحمد (2/ 165) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 51) : إسناده صحيح. وقال ابن حجر فى فتح الباري (1/ 137) : إسناده حسن.
(3) أبو داود (1514) ، والترمذي (3559) ، وقال حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة، وقال ابن حجر في فتح الباري (1/ 137) : إسناده حسن.
(4) مسلم (934) .
(5) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال.
(6) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(7) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل.
(8) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(9) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(10) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، والجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق.(9/3900)
لا يغسله الماء «1» ، تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «2» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك «3» ، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال.
قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «4» ، الّذين هم فيكم تبعا، لا يتبعون «5» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع «6» ، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «7» «والشّنظير «8» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «9»
5-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله، فقال:
«كل بيمينك» . قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه» ) * «10»
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملا ثمّ يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «11»
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يصعد الثّنيّة، ثنيّة المرار «12» ، فإنّه يحطّ عنه ما حطّ عن بني إسرائيل» .
قال: فكان أوّل من صعدها خيلنا، خيل بني الخزرج ثمّ تتامّ النّاس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وكلّكم مغفور له إلّا صاحب الجمل الأحمر» فأتيناه فقلنا له: تعال.
يستغفر لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: والله لأن أجد ضالّتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم. قال
__________
(1) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان.
(2) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(3) نغزك: أي نعينك.
(4) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له.
(5) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(6) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(7) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(8) الشنظير: الفحاش، وهو السيء الخلق.
(9) مسلم (2865) .
(10) مسلم (2021) .
(11) البخاري الفتح 10 (6069) واللفظ له، مسلم (2990) .
(12) من يصعد الثنية ثنية المرار: هكذا هو في الرواية الأولى: المرار. وفي الثانية المرار أو المرار، بضم الميم وفتحها على الشك. وفي بعض النسخ بضمها أو كسرها. والمرار شجر مر. وأصل الثنية الطريق بين الجبلين. وهذه الثنية عند الحديبية. قال الحازمي: قال ابن إسحاق: هي مهبط الحديبية.(9/3901)
وكان رجل ينشد ضالّة له) * «1» .
8-* (عن عمر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتعوّذ من الجبن والبخل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الصّدر. قال وكيع: يعني الرّجل يموت على فتنة، لا يستغفر الله منها) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (العناد)
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج عنق من النّار يوم القيامة، له عينان تبصران وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول:
إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «3» .
10-* (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه قال: أهديت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاة، فجثا رسول الله على ركبتيه يأكل، فقال أعرابيّ: ما هذه الجلسة؟ فقال: إنّ الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبّارا عنيدا» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإصرار)
1-* (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله- «اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب: منها الإصرار والمواظبة، فقطرات من الماء تقع على الحجر على توال فتؤثّر فيه.
فكذلك القليل من السّيّئات إذا دام عظم تأثيره في إظلام القلب» ) * «5» .
2-* (قال أبو الفرج بن الجوزيّ- رحمه الله- «لا ينبغي أن يغترّ مسامح فالجزاء قد يتأخّر، ومن أقبح الذّنوب الّتي قد أعدّ لها الجزاء العظيم، الإصرار على الذّنب» ) «6» .
3-* (وقال أيضا: «ربّما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظنّ أن لا عقوبة، وغفلته عمّا عوقب به عقوبة» ) * «7» .
4-* (وقال أيضا: «لا ينال لذّة المعاصي إلّا سكران بالغفلة» ) * «8» .
__________
(1) مسلم (2780) .
(2) أبو داود (1539) ، والنسائي (5/ 255، 266، 267) ، وابن ماجه (3844) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (133، 134، 135، 136) مسندا ومرسلا وله شواهد.
(3) الترمذي (2700) ، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وذكره الألباني في الصحيحة رقم 512.
(4) سنن ابن ماجه (3262) ، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وانظره أيضا في صحيح سنن ابن ماجه للألباني ج 2 ص 224.
(5) عن إحياء علوم الدين باختصار (4/ 32) .
(6) صيد الخاطر (17) .
(7) المصدر السابق (45) .
(8) صيد الخاطر (149) .(9/3902)
5-* (وقال أيضا: «ربّما كان العقاب العاجل معنويّا كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا ربّ كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟» ) * «1» .
6-* (وقال أيضا: «من تأمّل عواقب أهل المعاصي رآها قبيحة، وكأنّهم قد ألبسوا ظلمة» ) * «2» .
7-* (وقال- رحمه الله-: «أعظم المعاقبة ألّا يحسّ المعاقب العقوبة، وأشدّ من ذلك أن يقع السّرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتّمكّن من الذّنوب، ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة» ) * «3» .
8-* (وقال: «اعلموا إخواني ومن يقبل نصيحتي أنّ للذّنوب تأثيرات قبيحة مرارتها تزيد على حلاوتها أضعافا مضاعفة» ) * «4» .
9-* (قال ابن حجر- رحمه الله- في المصرّين: «يعلمون أنّ من تاب تاب الله عليه، ثمّ لا يستغفرون» ) * «5» .
10-* (وقال أيضا: «من أصرّ على نفاق المعصية خشي عليه أن يفضى به إلى نفاق الكفر» ) * «6» .
11-* (كان أبو عليّ الرّوذبانيّ يقول: «من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك، فتترك التّوبة توهّما أنّك تسامح في الهفوات» ) * «7» .
12-* (عن دلف بن أبي دلف قال: «رأيت كأنّ آتيا أتى بعد موت أبي فقال: أجب الأمير. فقمت معه فأدخلني دار وحشة وعرة سوداء الحيطان، مقلّعة السّقوف والأبواب، ثمّ أصعدني درجا فيها، ثمّ أدخلني غرفة، فإذا في حيطانها أثر النّيران، وإذا في أرضها أثر الرّماد، وإذا أبي عريان واضعا رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: نعم- أصلح الله الأمير- فأنشا يقول:
أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم ... ما لقينا في البرزخ الخفّاق
قد سئلنا عن كلّ ما قد فعلنا ... فارحموا وحشتي وما قد ألاقي
أفهمت؟ قلت: نعم» ) * «8» .
13-* (قال أحد الحكماء: «المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة» ) * «9» .
14-* (قال بعضهم: «الذّنب الّذي لا يغفر قول العبد: ليت كلّ ذنب عملته مثل هذا» ) * (استصغارا واستخفافا بما عمل) «10» .
15-* (وقال آخر: «ومن الإصرار السّرور بالصّغيرة والفرح والتّبجّح بها، فكلّما غلبت حلاوة
__________
(1) صيد الخاطر (45) .
(2) المصدر السابق (143) .
(3) صيد الخاطر (16) .
(4) المصدر السابق (223) .
(5) فتح الباري (1/ 137)
(6) المصدر السابق (1/ 137)
(7) صيد الخاطر (20)
(8) صيد الخاطر (207)
(9) المصدر السابق (45)
(10) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 34) بتصرف.(9/3903)
الصّغيرة عند العبد كبرت الصّغيرة وعظم أثرها في تسويد قلبه، حتّى إنّ من المذنبين من يتمدّح بذنبه ويتبجّح به لشدّة فرحه بمقارفته إيّاه» ) * «1» .
16-* (ومن الإصرار أيضا «أن يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه وإمهاله إيّاه ولا يدري أنّه إنّما يمهل مقتا ليزداد بالإمهال إثما» ) * «2» .
17-* (عن قتادة قال: إيّاكم والإصرار، فإنّما هلك المصرّون الماضون قدما. لا ينهاهم مخافة الله عن حرام حرّمه الله عليهم، ولا يتوبون من ذنب أصابوه حتّى أتاهم الموت وهم على ذلك) * «3» .
18-* (عن الحسن قال: إتيان الذّنب عمدا إصرار حتّى يتوب) * «4» .
19-* (قال الأوزاعيّ: الإصرار: أن يعمل الرّجل الذّنب فيحتقره) * «5» .
20-* (عن السّدّيّ قال: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا فينكبّوا ولا يستغفروا وهم يعلمون أنّهم قد أذنبوا ثمّ أقاموا ولم يستغفروا) * «6» .
21-* (قال الغزاليّ: اعلم أنّ الصّغيرة تكبر بأسباب فيها الإصرار والمواظبة: وكذلك قيل:
لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار) * «7» .
من مضار (الإصرار على الذنب)
(1) الإصرار على الذّنوب يسبّب الوحشة بين العبد وبين الله- عزّ وجلّ-.
(2) يسخط الله والملائكة المقرّبون ويدعون على المصرّ على الذّنب.
(3) يتسلّط شياطين الجنّ والإنس على المصرّ على الذّنب.
(4) تصعب عليه الطّاعات ويغفل عن الدّعاء فتتقاذفه نوازع النّفس والشّيطان.
(5) يشعر دائما بانقباض القلب وخبث النّفس وضيق الصّدر.
(6) تعظم الدّنيا في عينيه فيستعذبها ويلهث وراءها.
(7) خفّة عقله والنّقص في إيمانه.
(8) وإذا مات تلقّته ملائكة العذاب بالسّخط والويل.
(9) وإذا صار الانصراف من الموقف يوم القيامة أخذ به ذات الشّمال.
(10) ينقص قدر المصرّ على الذّنب في أعين النّاس والمجتمع.
(11) تعتريه الذّلّة والصّغار بين النّاس.
__________
(1) المصدر السابق (4/ 32) .
(2) المصدر السابق (4/ 33) .
(3) الدر المنثور (2/ 328) .
(4) المصدر السابق (2/ 328) .
(5) المصدر السابق (4/ 328) .
(6) إحياء علوم الدين (2/ 329) .
(7) المصدر السابق (4/ 34) .(9/3904)
إطلاق البصر
الإطلاق لغة:
مصدر قولهم: أطلق الشّيء يطلقه وهو مأخوذ من مادّة (ط ل ق) الّتي تدلّ على التّخلية والإرسال، يقال: أطلقته إطلاقا، والطّلق: الشّيء الحلال كأنّه خلّي عنه فلم يحظر، وأطلقت النّاقة من عقالها، وطلّقتها فطلقت، أي خلّيتها، ورجل طلق الوجه، وطليقه، كأنّه منطلق وهو ضدّ الباسر، لأنّ الباسر الّذي لا يكاد يهشّ، ولا ينفسح ببشاشة.
وقال الرّاغب: أصل الإطلاق: التّخلية من الوثاق، ومنه استعير: طلّقت المرأة أي خلّيتها عن حبالة النّكاح، والمطلق في الأحكام: ما لا يقع منه استثناء. والطّلق في حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «الحياء والإيمان مقرونان في طلق» حبل مفتول شديد الفتل، أي هما مجتمعان لا يفترقان كأنّهما قد شدّا في حبل أو قيد، وفي حديث الرّحم «تتكلّم بلسان طلق» معناه: ماضي القول سريع النّطق، والطّلقاء هم الّذين خلّي عنهم يوم فتح مكّة وأطلقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يسترقّهم، والطّليق (أيضا) الأسير إذا خلّي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 12/ 20
سبيله (فعيل بمعنى مفعول) ، وقولهم: أنت طلق من هذا الأمر أي خارج منه، والانطلاق: الذّهاب، وانطلق به (ذهب به) على ما لم يسمّ فاعله، وناقة طالق أي مرسلة ترعى حيث شاءت، وتطلّق الظّبى: مرّ لا يلوي على شيء. وأطلقت القول: إذا أرسلته من غير قيد ولا شرط «1» .
الإطلاق اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإطلاق: الفتح ورفع القيد «2» .
البصر لغة واصطلاحا:
(انظر صفة غض البصر) .
إطلاق البصر اصطلاحا:
تخليته من قيد الخوف والمراقبة فيذهب ويقع على كلّ ما يراه فلا يرعوي عن حرام ولا يقف عند حدّ.
إطلاق البصر نوعان:
الأوّل: منهيّ عنه وهو إطلاقه نحو ما حرّم الله النّظر إليه من المحارم وغيرها، ويندرج هذا النّوع تحت قوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ (غافر/ 19) فقد
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 422) ، والمفردات للراغب (306) ، والنهاية 3/ 136، والصحاح (4/ 1518) ، واللسان (طلق) (2693) .
(2) الكليات للكفوي (1/ 216) (ط. ثانية) .(9/3905)
ذكر في تفسيرها: أنّها النّظرة بعد النّظرة (وهذا هو إطلاق البصر) وقيل: إنّها الرّمز بالعين، وقيل: النّظر إلى ما نهي عنه، وقيل: هي أن يقول: رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى، وقيل: مسارقة النّظر، وسمّي ذلك ب «خائنة الأعين» إمّا لإخفاء الإشارات فصارت بالاستخفاء كالخيانة، أو لأنّها باستراق النّظر إلى المحظور تعدّ خائنة «1» ، وذكر الطّبريّ: أنّ خائنة الأعين يراد بها النّظر إلى ما نهى الله عنه «2» .
الثّاني: إطلاق النّظر فيما ينبغي أن يتخلّق به من البصر، يقول العزّ بن عبد السّلام: وأمّا التخلّق به فنظرنا ضربان:
أحدهما: ضروريّ، وهو النّظر الاتّفاقيّ.
والثّاني: كسبيّ، وتتخلّق منه بكلّ نظر أوجبه الله تعالى عليك، أو ندبك إليه، كالحراسة في سبيل الله، والنّظر في مصنوعات الله الدّالّة على كمال قدرته، وتمام حكمته، وشمول علمه، ونفوذ إرادته، فإنّك تستدلّ بالصّنعة على القدرة، وبالقدرة على الإرادة، وبالإرادة على العلم، وبالعلم على الحياة، ودليل التّخلّق بذلك قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (يونس/ 101) وقوله عزّ وجلّ: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ (الأنعام/ 99) ، وكما أمرك بأن تنظر إلى الأكوان بالنّظر الحقيقيّ، فقد أمرك بأن تنظر إلى الدّيّان بالنّظر التّقديريّ، فقد جعل إحسانك لعبادته «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» «3» .
جناية النظر المحرم:
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: إنّ النّظر يولّد المحبّة فتبدأ علاقة يتعلّق بها القلب بالمنظور إليه، ثمّ تقوى فتصير صبابة ينصبّ إليه القلب بكلّيّته، ثمّ تقوى فتصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم الّذي لا يفارق غريمه، ثمّ تقوى فيصير عشقا وهو الحبّ المفرط، ثمّ يقوى فيصير شغفا وهو الحبّ الّذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله، ثمّ يقوى فيصير تتيّما وهو التّعبّد فيصير القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدا له، وهذا كلّه جناية النّظر فحينئذ يصير القلب أسيرا بعد أن كان ملكا، ومسجونا بعد أن كان مطلقا، فيتظلّم من الطّرف ويشكوه، والطّرف يقول:
أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني، فيبتلى بطمس البصيرة فلا يرى به الحقّ حقّا، ولا الباطل باطلا، وهذا أمر يحسّه الإنسان من نفسه فإنّ القلب كالمرآة، والهوى كالصّدإ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصّدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- التجسس- الفتنة- التبرج- المجاهرة بالمعصية- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الفضح.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: غض البصر- العفة- الأدب- الستر- المداراة- المراقبة] .
__________
(1) انظر فى ذلك: النكت والعيون للماوردي (5/ 149، 150) .
(2) تفسير الطبري (11/ 50) .
(3) شجرة المعارف والأحوال (ص 26) بتصرف.
(4) إغاثة اللهفان (1/ 47- 48) بتصرف.(9/3906)
الأحاديث الواردة في ذمّ (إطلاق البصر) معنى
1-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وميمونة، قالت:
فبينا نحن عنده أقبل ابن أمّ مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«احتجبا منه» ، فقلت: يا رسول الله؛ أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا زوّج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السّرّة وفوق الرّكبة» ) * «2» .
3-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا اطّلع من جحر في باب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدرى «3» يرجّل «4» به رأسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أعلم أنّك تنظر طعنت به في عينك، إنّما جعل الله الإذن من أجل البصر» ) * «5» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا اطّلع من بعض حجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام إليه بمشقص أو مشاقص «6» فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يختله «7» ليطعنه) * «8» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس «9» منيئة «10» لها، فقضى حاجته، ثمّ خرج إلى أصحابه فقال: «إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه» ) * «11» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أر شيئا أشبه باللّمم ممّا قال أبو هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنى، أدرك ذلك لا محالة. فزنى العينين النّظر، وزنى اللّسان النّطق، والنّفس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه» ) * «12» .
7-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه-
__________
(1) أبو داود (1124) ، الترمذي (2778) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، وفي سنده نبهان المخزومي: أبو يحيى المدني مولى أم سلمة، روى عنها هذا الحديث ورواه عنه الزهري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: مقبول التقريب (559) ، والتهذيب (10/ 416) .
(2) أبو داود (496) ، وقال محقق جامع الأصول (5/ 187) إسناده حسن، واللفظ له.
(3) المدرى: حديدة تشبه المشط.
(4) يرجل: ترجيل الشعر تسريحه ومشطه.
(5) البخاري- الفتح 12 (6901) ، مسلم (2156) واللفظ له.
(6) المشاقص: جمع مشقص وهو نصل عريض السهم.
(7) يختله: أي يراوغه ويستغفله.
(8) البخاري- الفتح 12 (6900) ، مسلم (2157) واللفظ له.
(9) المعس: الدلك.
(10) المنيئة: الجلد أول ما يوضع في الدباغ.
(11) مسلم (1403) .
(12) البخاري- الفتح 11 (6243) ، ومسلم (2657) واللفظ له.(9/3907)
أنّه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) * «1» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث: إلى أن قالت: قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟، أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا
أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فاتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟
مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميراثنا «2» تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا، قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «3» .
9-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ مخنّثا كان عندها ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في البيت فقال:
لأخي أمّ سلمة: يا عبد الله بن أبي أميّة؛ إن فتح الله عليكم الطّائف غدا فإنّي أدلّك على بنت غيلان، فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فسمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«لا يدخل هؤلاء عليكم» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقؤا عينه» ) * «5» .
11-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفضل بن عبّاس يوم النّحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للنّاس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النّظر إليها فقالت: يا رسول الله؛ إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الرّاحلة فهل
__________
(1) مسلم (2159) .
(2) ميراثنا: هكذا في الفتح، وفى شرح ابن حجر ميرتنا وهو الصحيح وكذا هو في مسلم.
(3) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له، ومسلم (2448) وسبق تفسير غريبه مرات عديدة.
(4) البخاري- الفتح 8 (4324) ، ومسلم (2180) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 12 (6902) ، ومسلم (2158) واللفظ له.(9/3908)
يقضي عنه أن أحجّ عنه؟ قال: «نعم» ) * «1» .
12-* (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عليّ، لا تتبع النّظرة النّظرة، فإنّ لك الأولى، وليست لك الآخرة» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (إطلاق البصر)
1-* (روي أنّ عيسى- عليه السّلام- خرج يستسقي فلمّا ضجر، قال لهم عيسى عليه السّلام: من أصاب منكم ذنبا فليرجع، فرجعوا كلّهم ولم يبق معه في المفازة إلّا واحد، فقال له عيسى عليه السّلام: أما لك من ذنب؟ فقال: والله ما عملت من شيء غير أنّي كنت ذات يوم أصلّي فمرّت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلمّا جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها، فقال له عيسى عليه السّلام: فادع الله حتّى أؤمّن على دعائك، قال: فدعا، فتجلّلت السّماء سحابا، ثمّ صبّت، فسقوا) * «3» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: هو الرّجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمرّ به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غضّ بصره، وقد علم الله أنّه يودّ لو اطّلع على فرجها، ولو قدر عليها لو «4» زنى بها) * «5» .
3-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-:
«حفظ البصر أشدّ من حفظ اللّسان» ) * «6» .
4-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«إذا مرّت بك امرأة فغمّض عينيك حتّى تجاوزك» ) * «7» .
5-* (قال الحسن البصريّ لأخيه سعيد بن أبي الحسن لمّا قال له: إنّ نساء العجم يكشفن صدورهنّ ورءوسهنّ. قال له: اصرف بصرك عنهنّ، يقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) * «8» .
6-* (كان عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- يكره النّظر إلى الجواري اللّاتي يبعن بمكّة إلّا أن يريد أن يشتري) * «9» .
7-* (قال داود الطّائيّ- رحمه الله تعالى-:
كانوا يكرهون فضول النّظر) * «10» .
8-* (قال عمرو بن مرّة- رحمه الله تعالى-:
ما أحبّ أنّي بصير، كنت نظرت نظرة وأنا صغير (وهذا
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6228) واللفظ له، ومسلم (1334) .
(2) أبو داود (2149) ، والترمذي (2777) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وأحمد (5/ 353، 357) ، والحاكم (3/ 123) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 660) : حديث حسن.
(3) إحياء علوم الدين (1/ 308) .
(4) لو هنا: للتمنى والمعنى يتمنى أن يقدر عليها ويزني بها.
(5) فتح الباري (11/ 11) .
(6) الورع لابن أبي الدنيا (62)
(7) المرجع السابق (66) .
(8) البخاري- الفتح تعليقا (11/ 11) .
(9) البخاري- الفتح (11/ 12) بتصرف.
(10) الورع لابن أبي الدنيا (62) .(9/3909)
بعدما عمي)) * «1» .
9-* (قال الزّهريّ- رحمه الله تعالى-: «لا يصلح النّظر إلى شيء من النّساء اللّاتي لا تحيض ممّن يشتهى النّظر إليها وإن كانت صغيرة» ) * «2» .
10-* (قال العلاء بن زياد العدويّ- رحمه الله تعالى-: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة فإنّ النّظر يجعل الشّهوة في القلب) * «3» .
11-* (قال وكيع بن الجرّاح- رحمه الله تعالى:
مررت مع سفيان الثّوريّ على دار مشيدة فرفعت رأسي إليها. فقال: لا ترفع رأسك تنظر إليها، إنّما بنوها لهذا) * «4» .
12-* (قال وكيع- رحمه الله-: خرجنا مع سفيان الثّوريّ في يوم عيد، فقال: إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا غضّ أبصارنا) * «5» .
13-* (قال الكرمانيّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ: إنّ الله يعلم النّظرة المسترقة إلى ما لا يحلّ) * «6» .
14-* (قال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى-:
البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسّ إليه، وبحبّ ذلك كثر السّقوط من جهته، ووجب التّحذير منه) * «7» .
15-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ..:
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، فلا ينظروا إلّا إلى ما أباح لهم النّظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا ... وذلك لأنّ النّظر داعية إلى فساد القلب، فلهذا أمر الله بحفظ الأبصار كما أمر بحفظ الفروج) * «8» .
16- وقال- رحمه الله تعالى- عند تفسير الآية: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ... :
أي يغضضن أبصارهنّ عمّا حرّم الله عليهنّ من النّظر إلى غير أزواجهنّ) «9» .
17-* (قال بعض السّلف: النّظر سهم سمّ إلى القلب) *.
وقال آخر: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته) * «10» .
__________
(1) الورع لابن أبي الدنيا (62) .
(2) البخاري- الفتح (11/ 11) بتصرف.
(3) الورع لابن أبي الدنيا (68) .
(4) الورع للإمام أحمد بواسطة حاشية الورع لابن أبي الدنيا (67) .
(5) الورع لابن أبي الدنيا (63) .
(6) الفتح (11/ 11) .
(7) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (11/ 294) .
(8) تفسير ابن كثير (3/ 282، 283) بتصرف يسير.
(9) تفسير ابن كثير 3 (284) .
(10) المرجع السابق (3/ 283) بتصرف.(9/3910)
18-* (قال الشّاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الّذي لا كلّه أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر) * «1» .
19-* (قال الشّاعر:
كسبت لقلبي نظرة لتسرّه ... عيني فكانت شقوة ووبالا
ما مرّ بي شيء أشدّ من الهوى ... سبحان من خلق الهوى وتعالى
وقال آخر:
ألم تر أنّ العين للقلب رائد ... فما تألف العينان فالقلب يألف
وقال أبو الطّيّب المتنبّيّ:
وأنا الّذي اجتلب المنيّة طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل) * «2» .
20-* (قال الشّاعر:
كلّ الحوادث مبداها من النّظر ... ومعظم النّار من مستصغر الشّرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السّهام بلا قوس ولا وتر
المرء ما دام ذا عين يقلّبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسرّ مقلته ما ضرّ مهجته ... لا مرحبا بسرور بعده الضّرر) * «3» .
من مضار (إطلاق البصر)
(1) إطلاق البصر بريد الزّنا ورسوله الأوّل.
(2) لوعة القلب وهياج الشّوق فيجرّ إلى الحرام.
(3) يفسد القلب والخلق.
(4) دليل قلّة الحياء وفقد الحشمة.
(5) من أسباب شيوع الفاحشة في المجتمعات فتسقط وتنهار.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (310) .
(2) من أضواء البيان (6/ 191- 192) .
(3) بواسطة التبرج لنعمات صدقي (28) .(9/3911)
الإعراض
الإعراض لغة:
مصدر أعرض يعرض، وهو مأخوذ من مادّة (ع ر ض) وهي كما يقول ابن فارس بناء تكثر فروعه، وهي مع كثرتها ترجع إلى أصل واحد وهو العرض خلاف الطّول، ومن ذلك: أعرضت عن فلان، وأعرضت عن هذا الأمر، وأعرض بوجهه، لأنّه إذا كان كذا ولّاه عرضه (وقيل عارضه) ، والعارض إنّما هو مشتقّ من العرض الّذي هو خلاف الطّول، ويقال: أعرض الشّيء لك من بعيد، فهو معرض، وذلك إذا ظهر لك وبدا، والمعنى أنّك رأيت عرضه، وعارضت فلانا في السّير، إذا سرت حياله، وعارضته مثل ما صنع، إذا أتيت إليه مثل ما أتى لك. ومنه اشتقّت المعارضة، وكأنّ عرض الشّيء الّذي يفعله مثل عرض الشّيء الّذي أتيته، ويقال: اعترض في الأمر فلان، إذا أدخل نفسه فيه.
وقال الرّاغب: أصل العرض (خلاف الطّول) أن يقال في الأجسام ثمّ يستعمل في غيرها، وأعرض أظهر عرضه أي ناحيته، فإذا قيل: أعرض لي كذا أي بدا عرضه فأمكن تناوله، وإذا قيل أعرض عنّي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
33/ 9/ 9
فمعناه: ولّى مبديا عرضه، وقول الله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (طه/ 124) الإعراض عن الذّكر التّولّي عنه وعدم قبوله.
يقول القرطبيّ: أعرض عن ذكري: تولّى عنه ولم يقبله ولم يستجب له، ولم يتّعظ فينزجر عمّا هو عليه مقيم من مخالفة أمر ربّه.
وقال النّيسابوريّ في هذه الآية: الذّكر هنا هو الهدى، وقوله سبحانه: أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي (طه/ 124) يقابله: اتّبع هداي، وكأنّ الإعراض ضدّ الاتّباع «1» .
والإعراض عن الشّيء: الصّدّ عنه، وأعرض فلان أي ذهب عرضا وطولا، وأعرضت الشّيء جعلته عريضا، وأعرضت فلانة بولدها: إذا ولدتهم عراضا، وتعرّضت لفلان تصدّيت له، وتعرّض: تعوّج، يقال:
تعرّض الجمل في الجبل: إذا أخذ في مسيره يمينا وشمالا لصعوبة الطّريق.
وقال في اللّسان: والمعرض: الّذي يستدين ممّن أمكنه من النّاس، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- «فادّان معرضا» أي أخذ الدّين ولم يبال ألّا يؤدّيه ولا
__________
(1) انظر تفسير الطبري (16/ 163) ، ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) (16/ 145) .(9/3912)
ما يكون من التّبعة، وقيل: يعرض إذا قيل له لا تستدن فلا يقبل؛ من: أعرض عن الشّيء إذا ولّاه ظهره، وقيل: معرضا عن الأداء مولّيا عنه «1» .
الإعراض اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإعراض: الانصراف عن الشّيء بالقلب «2» .
وقال المناويّ: الإعراض: الإضراب عن الشّيء بأن تأخذ عرضا أي جانبا غير الجانب الّذي هو فيه «3» .
الفرق بين التولي والإعراض والصّدّ:
قال الكفويّ: المتولّي والمعرض يشتركان في ترك السّلوك (القويم) إلّا أنّ المعرض أسوأ حالا، لأنّ المتولّي متى ندم سهل عليه الرّجوع، والمعرض يحتاج إلى طلب جديد، وغاية الذّمّ الجمع بينهما، أمّا الصّدّ فهو العدول عن الشّيء عن قلى «4» .
صور الإعراض الممدوحة والمذمومة:
للإعراض مظاهر عديدة أكثرها مذموم، ومنها أيضا ما هو محمود، فمن المذموم:
الإعراض عن الطّاعات والسّهو عنها: قال تعالى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ (سبأ/ 16) .
الإعراض عن الوعظ: قال تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ 94) .
الإعراض عن الحساب: قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (الأنبياء/ 1) «5» .
الإعراض عن ذكر الله: قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً (طه/ 124) .
الإعراض عن آيات الله في الكون، قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ «يوسف/ 105) .
الإعراض عن الحقّ وعدم الإذعان له، قال تعالى: ... بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنبياء: 24) .
الإعراض عن النّبإ العظيم قال تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (ص/ 67، 68) .
وللإعراض صور أخرى محمودة منها:
الإعراض عن المشركين والجاهلين، قال تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام/ 106) وقال سبحانه: وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً (المائدة/ 42) ، وقال عزّمن قائل: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ (النساء/ 63) ، وقال
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 269) ، والمفردات للراغب (330) ، والصحاح (3/ 1082) ، ولسان العرب (عرض) (2890) (ط. دار المعارف) .
(2) الكليات (28) .
(3) التوقيف (56) .
(4) الكليات (29) .
(5) انظر: شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام، (ص 116) وما بعدها.(9/3913)
سبحانه: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) .
الإعراض عن اللّغو: قال تعالى: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (القصص/ 55) .
حكم الإعراض:
الإعراض عن الحقّ عدّه الإمام ابن حجر من الكبائر وهي من كبائر الباطن الّتي يذمّ العبد عليها أعظم ممّا يذمّ على السّرقة والزّنا ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه «1» .
عقوبة الإعراض في الدنيا والآخرة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في معنى قول الله تعالى في آخر سورة طه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (طه/ 124) : أخبر الله أنّ من أعرض عن ذكره وهو الهدى الّذي من اتّبعه لا يضلّ ولا يشقى بأنّ له معيشة ضنكا. أي عذاب القبر، وهذا عذاب البرزخ، وكذلك يترك في العذاب وينسى فيه كما ترك العمل بالآيات. وهذا عذاب دار البوار، وله الضّنك والضّيق في الحياة الدّنيا كذلك، ومثله قوله تعالى:
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (الزخرف/ 36- 37) ، فأخبر سبحانه في هذه الآية أنّ من ابتلاه بقرينه من الشّياطين، وضلاله به، إنّما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الّذي أنزله على رسوله، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيّض له شيطانا يقارنه فيصدّه عن سبيل ربّه وطريق فلاحه، وهو يحسب أنّه مهتد. حتّى إذا وافى ربّه يوم القيامة مع قرينه. وعاين هلاكه وإفلاسه قال: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (الزخرف/ 38) وكلّ من أعرض عن الاهتداء بالوحي الّذي هو ذكر الله فلا بدّ أن يقول هذا يوم القيامة، وهؤلاء لا عذر لهم يوم القيامة لأنّ ضلالهم منشؤه الإعراض عن الوحي الّذي جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ولو ظنّ أنّه مهتد فإنّه مفرّط بإعراضه عن اتّباع داعي الهدى، فإذا ضلّ فإنّما أتي من تفريطه وإعراضه «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الهجر- ترك الصلاة- الفجور- الفسق- هجر القرآن- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- الإصرار على الذنب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الذكر- التبتل التقوي- الخشية- الخوف- الضراعة والتضرع- الابتهال- الدعاء- تلاوة القرآن- تعظيم الحرمات] .
__________
(1) انظر تفصيل ذلك فى الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي (ص 99) .
(2) مفتاح دار السعادة ط. دار الكتب العلمية. (42- 44) بتصرف.(9/3914)
الآيات الواردة في «الإعراض»
اليهود والكفار دائبون على الإعراض:
1- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) «1»
2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) «2»
3- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (4) «3»
4- وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «4»
__________
(1) البقرة: 83- 86 مدنية
(2) آل عمران: 23- 25 مدنية
(3) الأنعام: 1- 4 مكية
(4) الأنعام: 35 مكية(9/3915)
5- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «1»
6- وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) «2»
7- وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104)
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (105)
وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) «3»
8- وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (81) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (84) «4»
9- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66)
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) «5»
__________
(1) الأنفال: 22- 25 مدنية
(2) التوبة: 75- 78 مدنية
(3) يوسف: 103- 106 مكية
(4) الحجر: 80- 84 مكية
(5) الإسراء: 66- 69 مكية(9/3916)
10- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «1»
11- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) «2»
12- قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) «3»
13- وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) «4»
14- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
__________
(1) الأنبياء: 19- 25 مكية
(2) الأنبياء: 30- 32 مكية
(3) الأنبياء: 42- 44 مكية
(4) المؤمنون: 71 مكية(9/3917)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) «1»
15- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) «2»
16- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) «3»
17- وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) «4»
18-لْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
(70) «5»
__________
(1) النور: 46- 52 مدنية
(2) الشعراء: 1- 6 مكية
(3) سبأ: 15- 21 مكية
(4) يس: 45- 48 مكية
(5) ص: 65- 70 مكية(9/3918)
19- حم (1)
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) «1»
20- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2»
21- حم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) «3»
22- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «4»
23- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39)
فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40)
عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45)
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47)
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) «5»
__________
(1) فصّلت: 1- 5 مكية
(2) الشورى: 47- 48 مكية
(3) الأحقاف: 1- 3 مكية
(4) القمر: 1- 5 مكية
(5) المدثر: 38- 51 مكية(9/3919)
عقوبة المعرضين:
24- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «1»
25- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) «2»
26- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124)
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126)
وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) «3»
27- قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) «4»
28- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «5»
__________
(1) الكهف: 57 مكية
(2) طه: 98- 103 مكية
(3) طه: 123- 127 مكية
(4) فصّلت: 9- 13 مكية
(5) الجن: 16- 17 مكية(9/3920)
الإنسان من طبعه الإعراض:
29- وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) «1»
30- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «2»
31- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50)
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) «3»
من صفات عباد الرحمن الإعراض عن اللغو:
32- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) «4» 33- وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55)
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) «5»
__________
(1) الإسراء: 83 مكية
(2) الأنبياء: 1- 3 مكية
(3) فصّلت: 49- 51 مكية
(4) المؤمنون: 1- 7 مكية
(5) القصص: 55- 56 مكية(9/3921)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإعراض)
1-* (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد والنّاس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الثّالث فأدبر ذاهبا.
فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة؟ أمّا أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأمّا الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ) * «1» .
2-* (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف. وعلى أبي اليسر بردة ومعافري «2» ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ. فقال له أبي: يا عمّ! إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «3» . قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال، فأتيت أهله فسلّمت، فقلت: ثمّ هو؟ قالوا: لا. فخرج عليّ ابن له جفر «4» فقلت له:
أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي، فقلت: اخرج إليّ، فقد علمت أين أنت. فخرج.
فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله! أحدّثك، ثمّ لا أكذبك. خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكنت والله! معسرا. قال قلت: آلله. قال: آلله قلت: آلله. قال: آلله. قلت: آلله. قال: آلله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ. فأشهد بصر عينيّ هاتين، (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظلّه الله في ظلّه» . قال: فقلت له أنا: يا عمّ لو أنّك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريّك، وأخذت معافريّه وأعطيته بردتك، فكانت عليك حلّة وعليه حلّة. فمسح رأسي وقال: اللهمّ بارك فيه. يا ابن أخي بصر عينيّ هاتين، وسمع أذنيّ هاتين ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول:
«أطعموهم ممّا تأكلون، وألبسوهم ممّا تلبسون» وكان أن أعطيته من متاع الدّنيا أهون عليّ من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة. ثمّ مضينا حتّى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، وهو يصلّي في ثوب واحد، مشتملا به، فتخطّيت القوم حتّى جلست بينه وبين القبلة.
فقلت: يرحمك الله! أتصلّي في ثوب واحد ورداؤك إلى
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (66) واللفظ له. ومسلم (2176) .
(2) معافري: نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر.
(3) سفعة من غضب: هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان. أي علامة وتغير.
(4) جفر: الجفر. هو الذي قارب البلوغ.(9/3922)
جنبك؟ قال: فقال بيده في صدري هكذا. وفرّق بين أصابعه وقوّسها: أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك، فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله. أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون «1» ابن طاب «2» .
فرأى في قبلة المسجد نخامة فحكّها بالعرجون، ثمّ أقبل علينا فقال: «أيّكم يحبّ أن يعرض الله عنه؟» قال: فخشعنا. ثمّ قال: «أيّكم يحبّ أن يعرض الله عنه؟» قال: فخشعنا، ثمّ قال: «أيّكم يحبّ أن يعرض الله عنه؟» قلنا: لا أيّنا، يا رسول الله!. قال: «فإنّ أحدكم إذا قام يصلّي، فإنّ الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقنّ قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، تحت رجله اليسرى. فإن عجلت به بادرة «3» فليقل بثوبه هكذا» ثمّ طوى ثوبه بعضه على بعض فقال: «أروني عبيرا «4» » فقام فتى من الحيّ يشتدّ «5» إلى أهله، فجاء بخلوق «6» في راحته، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعله على رأس العرجون، ثمّ لطخ به على أثر النّخامة. فقال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم) «7» .
3-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «8» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإعراض) معنى
4-* (عن عروة بن الزّبير أنّ عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- حدّثه: «أنّ رجلا من الأنصار خاصم الزّبير عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شراج الحرّة «9» الّتي يسقون بها النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمرّ. فأبى عليه. فاختصما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير، ثمّ أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاريّ. فقال: أن كان ابن عمّتك.
فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر» . فقال الزّبير: والله إنّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا
__________
(1) عرجون: هو الغصن.
(2) ابن طاب: نوع من التمر.
(3) فإن عجلت به بادرة: أي غلبته بصقة أو نخامة بدرت منه
(4) أروني عبيرا: قال أبو عبيد: العبير، عند العرب، هو الزعفران وحده. وقال الأصمعي: هو أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران
(5) يشتد: أي يسعى ويعدو عدوا شديدا.
(6) بخلوق: هو طيب من أنواع مختلفة يجمع بالزعفران، وهو العبير على تفسير الأصمعي.
(7) مسلم (3006، 3007، 3008) .
(8) البخاري- الفتح 10 (6077) واللفظ له، ومسلم (2560) .
(9) شراج الحرة: الشراجة جمع شرج وهو مسيل الماء. والحرة: موضع معروف بالمدينة.(9/3923)
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» (النساء:
65)) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه من لم يسأل الله يغضب عليه» ) * «2» .
6-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (غافر/ 60) » ) * «3» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) ، ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى صعد الصّفا فهتف: «يا صباحاه» . فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه فقال:
«أرأيتم إن أخبرتكم أنّ خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا.
قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» قال أبو لهب: تبّا لك، ما جمعتنا إلّا لهذا؟ ثمّ قام. فنزلت:
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) * «4» .
8-* (عن عروة عن عائشة- رضي الله عنهما- أنّها قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم، على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «5» ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال:
يا محمّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «6» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «7» .
9-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «8» ، تحته قطيفة «9» فدكيّة «10» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر.
حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2359- 2360) واللفظ له. ومسلم (2357) .
(2) الترمذي (3373) واللفظ له. وابن ماجة (3827) . وذكره في جامع الأصول وقال محققه: إسناده حسن. وعزاه كذلك لأحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم والبزار (4/ 166)
(3) الترمذي (3372) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (3828) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4971) واللفظ له. ومسلم (208) .
(5) قرن الثعالب: موضع وهو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد وأصل القرن: كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير.
(6) الأخشبين: جبلان بمكة وهما جبلا أبي قبيس والذي يقابله.
(7) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) .
(8) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس.
(9) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف.
(10) فدكية: منسوبة إلى فدك. بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة.(9/3924)
عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «1» ، خمّر «2» عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه، ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «3» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «4» ، إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك «5» ، فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك.
قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «6» ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة. فقال: «أي سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ قال كذا وكذا) قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «7» . أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «8» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك «9» .
فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «10» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإعراض)
1-* (قال لقمان الحكيم لابنه: «يا بنيّ اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ الله أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم. وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا أو عيّا، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» ) * «11» .
2-* (قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
قال القرطبيّ: «هذا عتاب على ترك الدّعاء وإخبار عنهم أنّهم لم يتضرّعوا حين نزول العذاب» ) * «12» .
3-* (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى-:
«ابتلاهم الله عزّ وجلّ بالفقر والضّيق في العيش
__________
(1) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها.
(2) خمّر أنفه: أي غطّاه.
(3) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار.
(4) لا أحسن من هذا: أي ليس شيء أحسن من هذا. ووقع لبعضهم: لأحسن من هذا. قيل: وهو أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك.
(5) إلى رحلك: أي إلى منزلك.
(6) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم.
(7) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها هنا مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(8) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملّكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه.
(9) شرق بذلك: أي غص. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(10) البخاري الفتح 7 (4566) . ومسلم (1798) واللفظ له.
(11) الدارمي (1/ 117) رقم (377) .
(12) تفسير القرطبى (6/ 427) .(9/3925)
والأمراض والأسقام ليتضرّعوا ويدعوا ربّهم ويخشعوا له، ولكن قست قلوبهم فأعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم» ) * «1» .
4-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (النجم/ 29- 30) قال: «أعرض عن الّذي أعرض عن الحقّ واهجره، وقوله: وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا أي وإنّما أكثر همّه ومبلغ علمه الدّنيا، فتلك غاية من لا خير فيه» ) * «2» .
6-* (قال ابن كثير عند قوله تعالى: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً كذّب به وأعرض عن اتّباعه أمرا وطلبا وابتغى الهدى من غيره فإنّ الله يضلّه ويهديه إلى سواء الجحيم) * «3» .
6-* (وقال عند قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه) * «4» .
7-* (عن قتادة في قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ*. أي ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلّا أعرضوا عنه) * «5» .
8-* (عن قتادة في قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ قال: يعرض) * «6» .
9-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله: وَمَنْ يَعْشُ قال: من جانب الحقّ وأنكره، وهو يعلم أنّ الحلال حلال وأنّ الحرام حرام فترك العلم بالحلال والحقّ لهوى نفسه، وقضى حاجته ثمّ أراد من الحرام قيّض له شيطان) * «7» .
من مضار (الإعراض)
(1) دليل نقص الإيمان وسفاهة الأحلام.
(2) يوصّل إلى النّار.
(3) البعد عن الله وعن النّاس.
(4) المعرض عن الحقّ واقع في الضّلال بذنبه.
(5) ينساه الله في العذاب كما نسي ذكر الله في الدّنيا.
(6) دليل الكبر والحسد وهما الدّافعان إليه في العادة.
__________
(1) تفسير ابن كثير (2/ 133) بتصرف.
(2) المرجع السابق (4/ 256) بتصرف.
(3) تفسير ابن كثير (3/ 164) .
(4) المرجع السابق (3/ 169) .
(5) الدر المنثور (3/ 249) .
(6) المرجع السابق (7/ 378) .
(7) المرجع السابق (7/ 378) .(9/3926)
الاعوجاج
الاعوجاج لغة:
مصدر قولهم: اعوجّ يعوجّ، وهو مأخوذ من مادّة (ع وج) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على ميل في الشّيء، ومن ذلك العوج، وهو اسم لازم لما تراه العيون في قضيب أو خشب أو غيره، تقول: فيه عوج بيّن، والعوج أيضا مصدر: عوج (من باب طرب) ، ويقال: اعوجّ يعوجّ اعوجاجا وعوجا، فالعوج مفتوح في كلّ ما كان منتصبا كالحائط والعود، والعوج ما كان في بساط أو أمر نحو دين ومعاش، يقال من الأوّل: عود أعوج بيّن العوج، (للمذكّر) «1» ، وشجرة عوجاء (للمؤنّث) والجمع عوج (للمؤنّث والمذكّر) ، ويقال من الثّاني: رجل أعوج، أي سيّء الخلق، وملّة عوجاء: غير مستقيمة. وقال الرّاغب:
العوج: العطف عن حال الانتصاب والعوج يقال فيما يدرك بالبصر، والعوج (بكسر العين) فيما يدرك بالفكر والبصيرة، وقيل: العوج (بالفتح) مختصّ بالمرئيّات كالأجسام، وبالكسر فيما ليس بمرئيّ كالرّأي والقول.
وقيل: يقال بالكسر فيهما، وقول الله تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ (الزمر/ 28) فمعناه غير
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
8/ 12/ 4
مختلف، وقيل: غير ذي شكّ، وقيل: غير مخلوق، وقيل: غير متضادّ، وقيل: غير ذي لبس، وقيل: غير ذي لحن «2» ، والجامع بين كلّ هذه الأقوال أنّه مستقيم الطّريق، أمّا قوله سبحانه وَيَبْغُونَها عِوَجاً (الأعراف/ 45) أي يغيّرون ويبدّلون دين الله عمّا جعله الله له من استقامة، وقيل: يطلبون اعوجاجها ويذمّونها فلا يؤمنون بها «3» .
وأمّا ما جاء في الحديث: «حتّى يقيم به الملّة العوجاء» فالمراد ملّة إبراهيم عليه السّلام لأنّ العرب غيّرتها عن استقامتها.
وقال الجوهريّ: العوج بالتّحريك: مصدر قولك عوج الشّيء فهو أعوج، والاسم العوج (بكسر العين) ، يقال: رجل أعوج بيّن العوج، أي سيّء الخلق، وعجت البعير أعوجه عوجا ومعاجا، إذا عطفت رأسه بالزّمام، وانعاج عليه: انعطف، والعائج:
الواقف، وعوّجت الشّيء فتعوّج، واعوجّ الشّيء اعوجاجا.
وقال ابن منظور: العوج الانعطاف فيما كان قائما فمال كالرّمح والحائط، يقال: شجرتك فيها عوج
__________
(1) مختار الصحاح للرازي (عوج) (ص 460 ط. دار الكتب المصرية) .
(2) تفسير القرطبي (8/ 164) .
(3) تفسير الطبري (5/ 496) ، والقرطبي (4/ 135) .(9/3927)
شديد، وهذا لا يجوز فيه وفي أمثاله إلّا العوج، والعوج في الأرض ألّا تستوي قال تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً، وهو بفتح العين (عوج) مختصّ بكلّ شخص مرئيّ، وبالكسر (العوج) بما ليس بمرئيّ كالرّأي والقول، وقيل: بالكسر يقال فيهما معا والتّفرقة أكثر، ولذلك يقال: رجل أعوج بيّن العوج (بالفتح) أي سيّء الخلق. وعوج أيضا يعني الزّيغ يقال: عوج الطّريق (بالكسر) أي زيغه واشتقاقها من عوج (بالكسر) عوجا وعوجا (بالفتح والكسر) واعوجّ وانعاجّ، وهو أعوج وهذا يكون لكلّ مرئيّ «1» .
الاعوجاج اصطلاحا:
قال الكفويّ: الاعوجاج هو في المحسوسات عدم الاستقامة الحسّيّة وفي غيرها عدم كونها على ما ينبغي «2» .
أمّا الاعوجاج في أمر الدّين فيمكن تعريفه بأنّه: عدم سلوك الصّراط المستقيم والميل عنه إلى ما لا ينبغي يمنة أو يسرة. ويلزم من ذلك ترك الطّاعات أو شيء منها، وفعل المنهيّات أو شيء منها كلّ ذلك اعوجاج «3» .
أحوال الناس في الاستقامة والاعوجاج:
لا يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه من فعل الطّاعات واجتناب المعاصي من أربعة أحوال:
الأولى: من يستجيب إلى فعل الطّاعات، واجتناب المعاصي، وهذا أكمل أحوال أهل الدّين وأفضل صفات المتّقين، وهذا يستحقّ جزاء العاملين وثواب المطيعين. وهذه حال الاستقامة أو الطّاعة.
الثّانية: من يمتنع من فعل الطّاعات ويقدم على ارتكاب المعاصي وهي أخبث أحوال المكلّفين، وهذا يستحقّ عذاب الّذي يلهو وعذاب من يجترىء على حدود الله وهذه حال الاعوجاج أو المعصية.
الثّالثة: من يستجيب إلى فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي وهذا يستحقّ عذاب المجتريء لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة في الإقدام على المعصية وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة، وهذه حال بين الاعوجاج والاستقامة، أو حال المجتريء.
الرّابعة: من يكفّ عن الطّاعات والمعاصي معا، وهذا يستحقّ عذاب اللّاهي عن دينه، وهذه حال أقرب إلى الاعوجاج منها إلى الاستقامة وتسمّى ب «حال اللّاهي» «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الضلال الفجور- الفسق- التفريط والإفراط- الإصرار على الذنب- اتباع الهوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- حسن الخلق- الهدى] .
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 180) ، المفردات للراغب (351) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 107) ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (3/ 315) ، والصحاح (1/ 330) ، ولسان العرب (عوج) (3154) (ط. دار المعارف) .
(2) الكليات للكفوي (2/ 242) (ط ثانية 1992) .
(3) اقتبسنا هذا التعريف من أقوالهم في «الاعوجاج» والاستقامة التي هي ضده. انظر صفة الاستقامة.
(4) أدب الدنيا والدين (104) ، وانظر أيضا: قراءة تربوية في فكر أبي الحسن الماوردي من خلال أدب الدنيا والدين (125) .(9/3928)
الآيات الواردة في «الاعوجاج»
1- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (98)
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) «1»
2- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45)
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)
أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51) «2»
3- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «3»
__________
(1) آل عمران: 98- 99 مدنية
(2) الأعراف: 44- 51 مكية
(3) الأعراف: 85- 86 مكية(9/3929)
4- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19)
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20)
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21)
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) «1»
5- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «2»
6- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) «3»
7- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «4»
8- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)
قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) «5»
__________
(1) هود: 18- 22 مكية
(2) إبراهيم: 1- 4 مكية
(3) الكهف: 1- 2 مكية
(4) طه: 105- 108 مكية
(5) الزمر: 27- 28 مكية(9/3930)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الاعوجاج)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ خلقن من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء خيرا» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أصبح ابن آدم فإنّ أعضاءه تكفّر «2» اللّسان تقول: اتّق الله فينا فإنّك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) * «3»
3-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: إنّ هذه الآية في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً قال في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الاعوجاج) معنى
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ... إلى قوله: أُولُوا الْأَلْبابِ قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم» ) * «5» .
5-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نذكر الفقر ونتخوّفه فقال: «آلفقر تخافون؟ والّذي نفسي بيده لتصبّنّ عليكم الدّنيا صبّا حتّى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلّا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» . قال أبو الدّرداء: صدق والله
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5186) واللفظ له. ومسلم (1468) .
(2) تكفر: من معاني التكفير: إزالة الكفر، والكفران نحو التمريض في كونه إزالة للمرض، وهو المناسب هنا؛ إذ الغرض أن الجوارح تحرص على إزالة ما يصدر من اللسان مما شأنه أن يكون من الكافر. ينظر: المفردات في غريب القرآن (435) .
(3) الترمذي (2407) . وأحمد (3/ 96) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن ورواه أيضا ابن خزيمة والبيهقي في الشعب. وابن أبي الدنيا، جامع الأصول (11/ 728) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4838) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4547) .(9/3931)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء) * «1» .
6-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال:
هذه سبيل الله، ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: «هذه سبل متفرّقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153) . واللّفظ الآخر «هذه سبيل الله مستقيما» ) * «2» .
7-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- أنّه قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ثمّ أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال:
«أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ «3» ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة» ) * «4» .
8-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان أكثر دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان عندي:
«يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» ، قلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك؟ قال: «يا أمّ سلمة إنّه ليس آدميّ إلّا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ» ) * «5» .
9-* (عن سلمة بن نفيل الكنديّ- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رجل: يا رسول الله، أذال «6» النّاس الخيل ووضعوا السّلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوجهه وقال: «كذبوا.
الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتّى تقوم السّاعة، وحتّى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى
__________
(1) ابن ماجة (5) واللفظ له. وهو عند أحمد بمعناه من حديث عوف بن مالك (6/ 24) . والسنة لابن أبي عاصم وقال الألباني: صحيح (26)
(2) أحمد (1/ 435، 465) رقم (4141) ، (4436) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح في الموضعين (6/ 89، 199) . والحاكم (2/ 318) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 191) وعزاه كذلك للنسائي في تفسيره وهو فيه (1/ 485) وقال مخرجاه (سيد الجليمي وصبري الشافعي) : صحيح.
(3) عضوا عليها: الخ.. المراد تمسكوا بها.
(4) أبو داود (4607) واللفظ له. والترمذي (2676) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (42) وفيها بعد قوله: فما تعهد الينا؟ أنه قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك.. وهذا السياق عند أحمد (4/ 126) وقال ابن رجب: قال الحافظ أبو نعيم: هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين جامع العلوم والحكم (243) .
(5) الترمذي (3522) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن وأحمد (6/ 302) . والسنة لابن أبي عاصم وقال الألباني: حديث صحيح (100) .
(6) أذال: أي أهان.(9/3932)
إليّ أنّي مقبوض غير ملبّث، وأنتم تتّبعوني أفنادا «1» يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشّام» ) * «2» .
10-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول «ما من قلب إلّا بين أصبعين من أصابع الرّحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك» ، والميزان بيد الرّحمن يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة» ) * «3» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- «أنّ فاطمة- عليها السّلام- ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ممّا أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» . فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به. فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس وأمّا خيبر وفدك فأمسكها عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر، فهما على ذلك إلى اليوم» ) * «4» .
12-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، (ثمّ ذكر قصّة قدومهم وسماعهم كلام أسماء بنت عميس وذكر من قولها) : ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في انفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» .
__________
(1) أفنادا: أي جماعات متفرقين قوما بعد قوم
(2) النسائي (6/ 214، 215) وقال الألباني: صحيح (2/ 756) ح (3333) . وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1935)
(3) ابن ماجة (199) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم (4/ 321) ، وقال صحيح علي شرط مسلم وأقره الذهبي وأحمد (4/ 182) . والسنة لابن أبي عاصم وقال فيه الألباني: حديث صحيح على شرط البخاري.
(4) البخاري- الفتح 6 (3092، 3093) واللفظ له. ومسلم (1759) .
(5) أرسالا: أفواجا.
(6) البخاري- الفتح 7 (4230، 4231) . ومسلم (2502، 2503) واللفظ له.(9/3933)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإعوجاج)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوما وهو على المنبر: «أيّها النّاس أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم» . فقام رجل وقال: والله لئن وجدنا فيك اعوجاجا لقوّمناك بسيوفنا.
فقال عمر- رضي الله عنه-: «الحمد لله الّذي جعل في أمّة محمّد من يقوّم اعوجاج عمر» ) * «1» .
2-* (عن يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، أخبره، قال: كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق والرّجل والمرأة والصّغير والكبير والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم؛ فإنّ الشّيطان يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ، قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات الّتي يقال لها ما هذه، ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته فإنّ على الحقّ نورا) * «2» .
3-* (قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: «كلّ ما نهى الله عنه زيغ وانحراف عن الاستقامة ووضع للشّيء في غير موضعه» ) * «3» .
4-* (قال الفيروزاباديّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ البدن إذا خلا عن الرّوح كان ميّتا، وكذلكم حال الإنسان إذا خلا عن الاستقامة واعوجّ كان فاسدا» ) * «4» .
من مضار (الاعوجاج)
(1) بغض الله- عزّ وجلّ- لصاحبه.
(2) يبعد عن طريق الحقّ والخير والصّلاح.
(3) طريق موصل إلى النّار.
(4) بعد النّاس عن المعوجّ لخوفهم منه وبغضهم له.
(5) منشأ كلّ رذيلة وأصل كلّ خسيسة.
(6) دليل خبث النّفس وسوء الظّنّ.
__________
(1) تاريخ الخلفاء لابن الجوزي.
(2) أبو داود (4/ 202) رقم (4611) . وقال الألباني: صحيح الإسناد (3/ 872) رقم (3855) .
(3) مجموع الفتاوى (1/ 86) .
(4) بصائر ذوي التمييز (4/ 313) بتصرف.(9/3934)
الافتراء
الافتراء لغة:
الافتراء مصدر قولهم: افترى يفتري، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ى) الّتي تدلّ على القطع، ومن ذلك فريت الشّيء فريا قطعته لإصلاحه، وأفريته:
قطعته لإفساده، ويقال: فرى فلان كذا، إذا خلقه، والفرى: البهت والدّهش يقال منه: فري يفرى فرى.
وقال الرّاغب: الفري: قطع الجلد للخرز والإصلاح، والإفراء للإفساد، والافتراء فيهما وفي الإفساد أكثر وقد استعمل في القرآن الكريم في الكذب كما في قوله تعالى: يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ* وفي الشّرك والظّلم، كما في قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً وقيل: الفري والافتراء واحد وهو الكذب واختلاقه، ويقال: افتريت الفرو: لبسته، وفريت المزادة خلقتها وصنعتها، وفريت الأرض:
سرتها وقطعتها، وفلان يفري الفريّ: إذا كان يأتي بالعجب في عمله. وفرى فلان كذبا، اختلقه، والاسم: الفرية.
وقال ابن منظور: والفرية: الكذب، فرى كذبا فريا، وافتراه: اختلقه، ورجل فريّ ومفرى وإنّه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
50/ 7/ 5
لقبيح الفرية، وفي التّنزيل العزيز: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ* أي اختلقه، وفرى فلان كذا إذا خلقه، وافتراه: اختلقه، والاسم الفرية. وجمعها: الفرى، وأفرى أفعل منه للتّفضيل، وأكذب الكذبات أن يقول: رأيت في النّوم كذا وكذا، ولم يكن رأى شيئا، لأنّه كذب على الله تعالى، فإنّه هو الّذي يرسل ملك الرّؤيا ليريه المنام، وفي حديث عائشة- رضي الله عنها-: «فقد أعظم الفرية على الله» أي الكذب. وفي حديث بيعة النّساء: «ولا يأتين ببهتان يفترينه» وهو افتعال من الكذب.
والفريّ: الأمر العظيم، وفي التّنزيل العزيز في قصّة مريم: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا: أي جئت شيئا عظيما، وقيل: جئت شيئا فريّا أي مصنوعا مختلقا.
وفلان يفري الفريّ إذا كان يأتي بالعجب في عمله، وفريت: دهشت وحرت «1» .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الافتراء: هو العظيم من الكذب، ومعنى افترى: افتعل واختلق مالا يصحّ أن يكون، وهذا أعمّ ممّا لا يجوز أن يقال وما لا يجوز أن
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 496) ، والمفردات للراغب (379) ، بصائر ذوي التمييز (4/ 190) ، والصحاح (6/ 2453) ، ولسان العرب (15/ 154) (ط. بيروت) .(9/3935)
يفعل «1» وإذا كان بحضرة المقول فيه: سمّي بهتانا.
وقال في موضع آخر: كلّ خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه فهو افتراء «2» وذكر في موضع ثالث: أنّ الافتراء تقوّل، لأنّه قول متكلّف، وتسمّى الأقوال المفتراة أقاويل تحقيرا لها كأنّها جمع أفعولة من القول ك (الأضاحيك) «3» .
ويؤخذ من كلام الرّاغب: أنّ الافتراء هو:
اختراع لقصّة كاذبة لا أصل لها، يقول- رحمه الله-:
الكذب إمّا أن يكون اختراعا لقصّة لا أصل لها، أو زيادة في القصّة أو نقصانا يغيّران المعنى، أو تحريفا بتغيير عبارة، فما كان اختراعا يقال له: الافتراء والاختلاق «4» .
قال ابن بطّال: الافتراء الكذب العظيم الّذي يتعجّب منه. «5» .
[انظر صفات: الكذب- الإساءة- الإفك- البهتان- شهادة الزور- الفجور- سوء الظن.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصمت وحفظ اللسان- الصدق- إقامة الشهادة- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الظن] .
__________
(1) الكليات (154) .
(2) المرجع السابق (556) .
(3) المرجع السابق (710) .
(4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (275) .
(5) فتح الباري (12/ 449) .(9/3936)
الآيات الواردة في «الافتراء»
ائمة الافتراء أهل الكتاب والكفار:
1- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «1»
2- ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) «2»
3- وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «3»
4- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88)
قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «4»
5- إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105) «5»
أكبر الظلم افتراء الكذب على الله وعلى النبيين وعلى الصالحين:
6- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(94) «6»
7- إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) «7»
__________
(1) آل عمران: 23- 24 مدنية
(2) المائدة: 103 مدنية
(3) الأنعام: 144 مكية
(4) الأعراف: 88- 89 مكية
(5) النحل: 109 مكية
(6) آل عمران: 93- 94 مدنية
(7) النساء: 48- 50 مدنية(9/3937)
8- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) «1»
9- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «2»
10- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) «3»
11- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «4»
12- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) «5»
13- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «6»
14- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) «7»
15- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) «8»
16- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) «9»
17- وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «10»
__________
(1) الأنعام: 21 مكية
(2) الأنعام: 93 مدنية
(3) الأنعام: 140 مكية
(4) الأعراف: 37 مكية
(5) يونس: 17 مكية
(6) يونس: 59- 60 مكية
(7) هود: 18 مكية
(8) هود: 50 مكية
(9) النحل: 56 مكية
(10) النحل: 116 مكية(9/3938)
18- هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «1»
19- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ
(34) «2» 20- إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) «3»
21- الم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
__________
(1) الكهف: 15 مكية
(2) مريم: 16- 34 مكية
(3) المؤمنون: 38 مكية(9/3939)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) «1»
22- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) «2»
23- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) «3»
جزاء المفترين:
24- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) «4»
25- قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) «5»
26- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) «6»
27- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) «7»
28- وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) «8»
لا ينفع الافتراء عند الحساب فليفعل المفترون ما شاءوا:
29- ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «9»
30- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112) «10»
__________
(1) السجدة: 1- 3 مكية
(2) سبأ: 7- 8 مكية
(3) الصف: 7 مدنية
(4) الأعراف: 152 مكية
(5) يونس: 69 مكية
(6) طه: 61 مكية
(7) العنكبوت: 12- 13 مكية
(8) الأحقاف: 27- 28 مكية
(9) الأنعام: 23- 24 مكية
(10) الأنعام: 112 مكية(9/3940)
31- وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137)
وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) «1»
32- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53) «2»
33- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (30) «3»
34- أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
(21) «4»
35- وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87) «5»
36- وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75) «6»
كتب الله حق وليست مفتراة:
37- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) «7»
38- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) «8»
39- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) «9»
__________
(1) الأنعام: 137- 138 مكية
(2) الأعراف: 53 مكية
(3) يونس: 30 مكية
(4) هود: 21 مكية
(5) النحل: 86- 87 مكية
(6) القصص: 75 مكية
(7) يونس: 37- 38 مكية
(8) هود: 13 مكية
(9) هود: 35 مكية(9/3941)
40- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «1»
41- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) «2»
42- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) «3»
43- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) «4»
44- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) «5»
45- فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) «6»
46- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (68) «7»
47- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «8»
48- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) «9»
49- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «10»
50- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «11»
__________
(1) يوسف: 111 مكية
(2) النحل: 101 مكية
(3) الإسراء: 73 مكية
(4) الأنبياء: 4- 5 مكية
(5) الفرقان: 4 مكية
(6) القصص: 36 مكية
(7) العنكبوت: 68 مكية
(8) سبأ: 43 مكية
(9) الشورى: 24 مدنية
(10) الأحقاف: 8 مكية
(11) الممتحنة: 12 مدنية(9/3942)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الافتراء)
1-* (عن أميمة بنت رقيقة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نسوة من الأنصار نبايعه فقلنا: يا رسول الله، نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف قال: «فيما استطعتنّ وأطقتنّ» ، قالت: قلنا: الله ورسوله أرحم بنا، هلمّ نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّي لا أصافح النّساء إنّما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم النّاس فرية، لرجل هاجى رجلا، فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه، وزنّى «2» أمّه» ) * «3» .
3-* (عن واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الفرى أن يدّعى الرّجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تره، أو يقول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم يقل» ) * «4» .
4-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا- وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه:
«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «5» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
شهدت الصّلاة يوم الفطر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- فكلّهم يصلّيها قبل الخطبة ثمّ يخطب بعد، فنزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فكأنّي أنظر إليه حين يجلس الرّجال بيده، ثمّ أقبل يشقّهم حتّى أتى النّساء مع بلال فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ حتّى فرغ من الآية كلّها ثمّ قال حين فرغ: «أنتنّ على ذلك؟» وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله، لا يدري الحسن من هي، قال: فتصدّقن، بسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتخ «6» والخواتيم في ثوب بلال) * «7» .
__________
(1) أحمد في المسند (2/ 196) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي (1597) ، وقال: حديث حسن صحيح، الموطأ (2/ 749) في البيعة واللفظ له، النسائي (7/ 149) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 255) : إسناده صحيح.
(2) زنّى أمّه: رماها بالزنا.
(3) ابن ماجه (3761) في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأورده البخاري في الأدب المفرد عن عائشة بنحوه (126) وقال الحافظ في الفتح (10/ 443) : سنده حسن.
(4) البخاري- الفتح 6 (3509) .
(5) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، مسلم (1709) .
(6) الفتخ بفتحتين جمع فتخه، وهى خواتيم كبار تلبس في الأيدى. وقيل: هي خواتيم لا فصوص لها، وتجمع أيضا على: فتخات وفتاخ.
(7) البخاري- الفتح 8 (4895) .(9/3943)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الافتراء) معنى
6-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليس من رجل ادّعى لغير أبيه- وهو يعلمه- إلّا كفر بالله، ومن ادّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوّا مقعده من النّار) * «1» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرّون منه صبّ في أذنه الآنك «2» يوم القيامة، ومن صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الافتراء)
1-* (عن مالك عن ثور بن زيد الدّيليّ أنّ عمر بن الخطّاب استشار في الخمر يشربها الرّجل، فقال له عليّ بن أبي طالب: نرى أن نجلده ثمانين فإنّه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال: فجلد عمر في الخمر ثمانين) * «4» .
2-* (عن زيد بن وهب قال: قدم عليّ- رضي الله عنه- على قوم من أهل البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجة، فقال له: اتّق الله يا عليّ فإنّك ميّت، فقال عليّ- رضي الله عنه-: بل مقتول، ضربة على هذا تخضب هذه، يعني لحيته من رأسه، عهد معهود، وقضاء مقضيّ، وقد خاب من افترى، وعاتبه في لباسه، فقال:
مالكم وللّباس؟ هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم) * «5» .
3-* (عن مسروق قال: كنت متّكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلّم بواحدة منهنّ فقد أعظم على الله الفرية «6» . قلت: ما هنّ؟ قالت: من زعم أنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متّكئا فجلست، فقلت: يا أمّ المؤمنين أنظريني «7» ولا تعجليني، ألم يقل الله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (التكوير/ 23) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (النجم/ 13) . فقالت: أنا أوّل هذه الأمّة سأل عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّما هو جبريل، لم أره على صورته
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3508) .
(2) الآنك: الرصاص الأبيض. وقيل الأسود. وقيل: هو الخالص منه.
(3) البخاري- الفتح 12 (7042) .
(4) تنوير الحوالك (3/ 55) الموطأ- كتاب الأشربة (642) .
(5) أحمد (1/ 91) ، قال الشيخ أحمد شاكر (2/ 88) حديث رقم (703) : إسناده صحيح.
(6) أعظم على الله الفرية: هي الكذب، يقال: فرى الشيء يفريه فريا، وافتراه يفتريه افتراء، إذا اختلقه، وجمع الفرية فرى.
(7) أنظريني: من الإنظار وهو التأخير والإمهال.(9/3944)
الّتي خلق عليها غير هاتين المرّتين، رأيته منهبطا من السّماء، سادّا عظم خلقه ما بين السّماء إلى الأرض «1» .
فقالت: أو لم تسمع أنّ الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام/ 103) أو لم تسمع أنّ الله يقول: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى/ 51) ، قالت: ومن زعم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة/ 67) ، قالت:
ومن زعم أنّه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (النمل/ 65)) * «2» .
4-* (قال زريق بن حكيم: كتبت إلى عمر ابن عبد العزيز: أرأيت رجلا افتري عليه أو على أبويه وقد هلكا أو أحدهما قال: فكتب إليّ عمر إن عفا فأجز عفوه في نفسه، وإن افتري على أبويه وقد هلكا أو أحدهما فخذ له بكتاب الله إلّا أن يريد سترا قال يحيى: سمعت مالكا يقول: وذلك أن يكون الرّجل المفترى عليه يخاف إن كشف ذلك منه أن تقوم عليه بيّنة فإذا كان على ما وصفت فعفا جاز عفوه) * «3» .
5-* (عن أبي الزّناد أنّه قال: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين، قال أبو الزّناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان، والخلفاء هلمّ جرّا فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين) * «4» .
من مضار (الافتراء)
(1) الافتراء أعظم من الكذب وأشدّ خطرا على المجتمع.
(2) وسيلة لدمار صاحبه ومن حوله.
(3) الافتراء يسخط الجبّار وطريق إلى النّار.
(4) يسقط عدالة صاحبه بين النّاس.
(5) يصبح المفتري مهينا محتقرا بين النّاس.
(6) دليل ضعف الإيمان.
__________
(1) سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض: هكذا هو في الأصول: ما بين السماء إلى الأرض، وهو صحيح، وأما عظم خلقه فضبط على وجهين: أحدهما عظم بضم العين وسكون الظاء. والثاني عظم بكسر العين وفتح الظاء، وكلاهما صحيح.
(2) مسلم (177) .
(3) تنوير الحوالك- الموطأ (3/ 45- 46) .
(4) تنوير الحوالك- الموطأ (3/ 45) .(9/3945)
إفشاء السر
الإفشاء لغة:
مصدر قولهم: أفشيت كذا أفشيه، وهو مأخوذ من مادّة (ف ش و) الّتي تدلّ على الظهور، يقول ابن فارس: الفاء والشّين والحرف المعتلّ كلمة «1» واحدة وهي (تعني) ظهور الشّيء، يقال:
فشا الشّيء: ظهر «2» ، وقال الجوهريّ: يقال: فشا الشّيء يفشو فشوّا أي ذاع، وأفشاه غيره (أذاعه ونشره) ، وتفشّى الشّيء، اتّسع «3» ، وقال الفيروز اباديّ: يقال: فشا خبره وعرفه وفضله فشوا وفشوّا وفشيّا أي انتشر، والفواشي ما انتشر من المال كالغنم السّائمة والإبل وغيرها، وتفشّاهم المرض، وتفشّى بهم: كثر فيهم، وفشت القرحة: اتّسعت «4» ، وبهذا الّذي ذكره الفيروز آباديّ يتّضح معنى قول ابن منظور: أنّ الفشوّ بمعنى الظّهور عامّ في كلّ شيء وأنّ منه «إفشاء السّرّ» «5» .
السّرّ لغة:
انظر صفة كتمان السر.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 16/ 16
إفشاء السّرّ اصطلاحا:
قال الجاحظ: إفشاء السّرّ: خلق مركّب من الخرق والخيانة، فإنّه ليس بوقور من لم يضبط لسانه، ولم يتّسع صدره لحفظ ما يستسرّ به «6» .
وقال السّفّارينيّ: إفشاء السّرّ نشره وإذاعته (بين النّاس) ، والسّرّ هو ما يكتم في النّفس كالسّريرة «7» ، وقال الكفويّ: إفشاء السّرّ يكون بالكتابة والإشارة والكلام «8» .
حكم إفشاء السّرّ:
قال السّفّارينيّ: يحرم على كلّ مكلّف إفشاء السّرّ، قال: ولعلّه يحرم حيث أمر بكتمه، أو دلّته قرينة على (ضرورة) كتمانه، أو كان ممّا يكتم عادة، وقيل:
الّذي يحرم هو إفشاء السّرّ المضرّ (كما في الرّعاية) «9» .
وقال الغزاليّ: هو منهيّ عنه لما فيه من الإيذاء والتّهاون بحقّ المعارف والأصدقاء، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، وهو من قبيل اللّؤم إن لم يكن فيه إضرار «10» وذكر ابن بطّال أنّ الّذي عليه أهل العلم أنّ السّرّ لا
__________
(1) تعني عبارة ابن فارس انه لا يستعمل من هذه المادة سوى فشى وما اشتق منها، ولهذا معنى واحد هو الظهور.
(2) مقاييس اللغة (4/ 504) .
(3) الصحاح (6/ 2455) .
(4) القاموس المحيط (فشا) (1703) (ط. بيروت) .
(5) انظر لسان العرب (فشا) (3418) (ط. دار المعارف) .
(6) تهذيب الأخلاق (30) .
(7) بتصرف عن غذاء الالباب، شرح منظومة الآداب (1/ 115) .
(8) الكليات للكفوي (14) .
(9) غذاء الألباب (1/ 116) .
(10) إحياء علوم الدين (3/ 132) .(9/3946)
يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرّة «1» .
حكم إفشاء السّرّ بعد موت صاحبه:
قال ابن بطّال: أكثر العلماء على أنّه إذا مات صاحب السّرّ فإنّه لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلّا أن يكون عليه فيه غضاضة، وقال ابن حجر: الّذي يظهر أنّ الإفشاء بعد الموت ينقسم إلى:
1- ما يحرم إذا كان فيه غضاضة على صاحبه.
2- ما يكره مطلقا.
3- ما يباح
4- ما يستحبّ ذكره- وإن كرهه صاحب السّرّ كأن يكون فيه تزكية أو منقبة أو نحو ذلك «2» .
هل يجوز إفشاء السّرّ للمصلحة؟:
قال العزّ بن عبد السّلام: السّتر على النّاس شيمة الأولياء، ويؤخذ من كلامه أنّه قد يجوز الإفشاء إذا كان في ذلك مصلحة، أو دفع ضرر، واستدلّ على ذلك بما ذكره القرآن الكريم من إفشاء يوسف عليه السّلام بسرّ الّتي راودته عن نفسه، وسرّ النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ، قال العزّ: وإنّما قال يوسف عليه السّلام هي راودتني عن نفسي ليدفع عن نفسه ما تعرّض له- أو ما يمكن أن يتعرّض له- من قتل أو عقوبة، وكذلك قوله ما بال النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ، ليدفع التّهمة عن نفسه، فإنّ الملك لو اتّهمه لم يولّه، ولم يحمل على إحسان الولاية «3» .
الدافع إلى إفشاء السر ودلالته:
قال الرّاغب: إذاعة السّرّ من قلّة الصّبر وضيق الصّدر، ولا يوصف به إلّا ضعفة الرّجال والصّبيان والنّساء. وقال الماورديّ: في الاسترسال بإبداء السّرّ دلائل على ثلاث أحوال مذمومة: إحداها: ضيق الصّدر وقلّة الصّبر حتّى إنّه لم يتّسع لسرّ ولم يقدر على صبر، وقال الشّاعر في ذلك:
إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق
الثّانية: الغفلة عن تحذّر العقلاء، والسّهو عن يقظة الأذكياء، وقال بعض الحكماء: انفرد بسرّك ولا تودعه حازما فيزلّ ولا جاهلا فيخون.
الثّالثة: ما ارتكبه من الغرر، واستعمله من الخطر، وقد قال بعض الحكماء: سرّك من دمك فإذا تكلّمت به فقد أرقته «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الفضح- انتهاك الحرمات- الخيانة- نقض العهد- الخيانة- البذاءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: كتمان السر- الأمانة- الصمت وحفظ اللسان- الوفاء- الوقار- إقامة الشهادة- الستر] .
__________
(1) فتح الباري (11/ 85) .
(2) السابق، الصفحة نفسها، ولم يذكر ابن حجر متى يباح ومتى يكره، ويبدو أن ذلك يتوقف على مدى النفع أو الضرر الذي يترتب على الإفشاء.
(3) شجرة المعارف والأحوال للمعز بن عبد السلام (389- 390) (بتصرف) .
(4) أدب الدنيا والدين للماوردي (295- 296) .(9/3947)
الآيات الواردة في النهي عن «إفشاء السّرّ» معنى
1- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106)
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) «2»
3- إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) «3»
4- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) «4»
__________
(1) النساء: 105- 107 مدنية
(2) الأنفال: 27 مدنية
(3) الحج: 38 مدنية
(4) التحريم: 3- 4 مدنية(9/3948)
الأحاديث الواردة في ذمّ (إفشاء السر)
1-* (عن ثابت عن أنس- رضي الله عنهما- قال: مرّ بي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا العب مع الصّبيان فسلّم علينا ثمّ دعاني فبعثني إلى حاجة له، فجئت وقد أبطأت عن أمّي، فقالت: ما حبسك؟ أين كنت؟
فقلت: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى حاجة فقالت أي بنيّ وماهي؟ فقلت: إنّها سرّ، قالت: لا تحدّث بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا، ثمّ قال: يا ثابت لو كنت حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت) * «1» .
2-* (عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال:
سمعت أنس بن مالك (يقول) : أسرّ إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سرّا فما أخبرت به أحدا بعده «2» ، ولقد سألتني أمّ سليم فما أخبرتها به) * «3» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من غسّل ميّتا فأدّى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» ، قال: «ليله «4» أقربكم منه إن كان يعلم «5» فإن كان لا يعلم فمن ترون أنّ عنده حظّا من ورع» ) * «6» .
4-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة، ونحن ستّة نفر بيننا بعير نعتقبه «7» ، قال: فنقبت أقدامنا «8» ، فنقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنّا نلفّ على أرجلنا الخرق، فسمّيت غزوة ذات الرّقاع «9» ، لما كنّا نعصّب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدّث أبو موسى بهذا الحديث، ثمّ كره ذلك قال: كأنّه كره أن يكون شيئا «10» من عمله أفشاه به) * «11» .
5-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفوفنا في الصّلاة، صلاة الظّهر أو العصر، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتناول شيئا ثمّ تأخّر فتأخّر النّاس، فلمّا قضى الصّلاة قال له أبيّ بن
__________
(1) أحمد- المسند 3 (253) ، وأصل الحديث في الصحيحين. انظر الفتح (11/ 85) ، ومسلم (2310) .
(2) قال ابن حجر: قال بعض العلماء: كأن هذا السر كان يختص بنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإلا فلو كان من العلم ما وسع أنسا كتمانه- فتح الباري 11 (85) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6289) .
(4) ليله أي يتولى غسله.
(5) إن كان يعلم، أي يعلم كيف يغسله.
(6) أحمد- المسند 6 (119- 120) ، وفي سنده جابر الجعفي، وهو ضعيف (التقريب 137) وله شواهد تنظر في مجمع الزوائد (3/ 21) والحاكم (1/ 354، 36 وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي.
(7) نعتقبه أي نتعاقب عليه في الركوب بحيث يركب كل واحد نوبة ثم ينزل فيركب الآخر وهكذا.
(8) نقبت أي تقرحت من الحفاء وكثرة المشي.
(9) ما ذكر هنا الصحيح في سبب التسمية، وهناك آراء اخرى منها: أنها سميت بذلك باسم جبل هناك، وقيل باسم شجرة، وقيل لأنه كانت ألويتهم رقاع، ويحتمل انها سميت بمجموع ذلك، انظر هامش 3 في صحيح مسلم (1449) .
(10) في رواية البخاري شيء بالرفع على انه فاعل تكون التامة.
(11) البخاري- الفتح 7 (4128) ، ومسلم (1816) ، واللفظ له.(9/3949)
كعب: شيئا صنعته في الصّلاة لم تكن تصنعه؟ «1» قال:
«عرضت عليّ الجنّة بما فيها من الزّهرة والنّضرة، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السّماء والأرض، لا ينقصونه شيئا، ثمّ عرضت عليّ النّار، فلمّا وجدت سفعها «2» تأخّرت عنها وأكثر ما رأيت فيها النّساء اللّاتي إن ائتمنّ أفشين، وإن يسألن يبخلن، وإن يسألن ألحفن ... الحديث» ) * «3» .
6-* (عن يحيى بن الجزّار قال: دخل ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمّ سلمة فقالوا: يا أمّ المؤمنين حدّثينا عن سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان سرّه وعلانيته سواء، ثمّ ندمت فقلت: أفشيت سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت فلمّا دخل أخبرته، فقال:
«أحسنت» ) * «4» .
7-* (عن سالم بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه سمع عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يحدّث أنّ عمر بن الخطّاب حين تأيّمت «5» حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السّهميّ- وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتوفّي بالمدينة- فقال عمر بن الخطّاب:
أتيت عثمان بن عفّان فعرضت عليه حفصة فقال:
سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثمّ لقيني فقال: قد بدا لي ألّا أتزوّج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصّدّيق فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، وكنت أوجد عليه «6» منّي على عثمان، فلبثت ليالي، ثمّ خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنكحتها إيّاه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلّا أنّي كنت علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو تركها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبلتها) * «7» .
8-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغلته وأردفني خلفه،
__________
(1) المراد ما شأن شيء صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه من قبل.
(2) قال ابن الأثير في «النهاية» (2/ 374) : يقال: سفعت الشيء إذا جعلت عليه علامة، يريد أثرا من النار. وفي رواية أخرى للحديث عند الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 88) والمتقي الهندي في «كنز العمال» (16/ 608) : «فلما وجدت حرّ شعاعها» .
(3) أحمد في المسند (3/ 353) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد وروى عن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال بمثله، وفي الإسنادين عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه ضعف وقد وثّق. مجمع الزوائد (2/ 88) وله شاهد عن أبي سعيد ذكره الهيثمي وقال: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن (مجمع الزوائد 10/ 414) .
(4) أحمد- المسند 6/ 309) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 284) : رواه أحمد والطبراني وقال عن يحيى عن أم سلمة ورجالهما رجال الصحيح.
(5) تأيمت أي مات عنها زوجها.
(6) أوجد عليه أي أكثر غضبا منه.
(7) البخاري- الفتح 9 (152) ، وأحمد في المسند 3 (1753) ، واللفظ للبخاري.(9/3950)
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تبرّز كان أحبّ ما تبرّز فيه هدف يستتر به أو حائش نخل، فدخل حائطا «1» لرجل من الأنصار، فإذا فيه ناضح «2» له، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه وسراته «3» فسكن، فقال: من ربّ هذا الجمل؟ فجاء شابّ من الأنصار فقال أنا، فقال: ألا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي تملّكك الله إيّاها؟ فإنّه شكاك إليّ، وزعم أنّك تجيعه وتدئبه «4» ثمّ ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحائط وقضى حاجته، ثمّ توضّأ، ثمّ جاء والماء يقطر من لحيته على صدره، فأسرّ إليّ شيئا لا أحدّث به أحدا، فحرّجنا «5» عليه أن يحدّثنا فقال: لا أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه حتّى ألقى الله (تعالى)) * «6» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده، لم يغادر منهنّ واحدة فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطيء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية فضحكت. فقلت لها. خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين، فلمّا قام رسول صلّى الله عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بمالي عليك من الحقّ لما حدّثتني ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: أمّا الآن فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني: «أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين، وإنّه عارضه الآن مرّتين وإنّي لا أرى «7» الأجل إلّا قد اقترب، فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف أنالك» قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: يا فاطمة: أما ترضي أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت:
فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «8» .
10-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ ينشر سرّها، وفي رواية: من أشرّ النّاس» ) * «9» .
__________
(1) الحائط: هو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
(2) لناضح: هو البعير يستقى عليه.
(3) الذفري في البعير: أصل أذنه، والسراة من كل شيء ظهره وأعلاه.
(4) تدئبه، أي تكده وتتعبه.
(5) حرجنا عليه أي الححنا عليه وضيقنا من الحرج وهو الضيق.
(6) أحمد- المسند 3 (1754) ، تحقيق الشيخ أحمد شاكر قال: وإسناده صحيح، أبو داود (2549) ، والحاكم (2/ 99، 100) وصححه وأقره الذهبي.
(7) لا أرى: أى لا أظن.
(8) البخاري- الفتح 7 (3715، 3716) ، ومسلم (2450) واللفظ له.
(9) مسلم (1437) واللفظ له، وأبو داود 4 (4870) .(9/3951)
الأحاديث الواردة في ذمّ (إفشاء السر) معنى
11-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلّا وهديا «1» برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قالت: وكانت إذا دخلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأجلسته في مجلسها، فلمّا مرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلت فاطمة فأكبّت عليه فقبّلته، ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ أكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النّساء، فلمّا توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت لها:
أرأيت حين كببت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرفعت رأسك فبكيت، ثمّ أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟. قالت: إنّي إذا لبذرة «2» . أخبرني أنّه ميّت من وجعه هذا فبكيت، ثمّ أخبرني أنّي أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت» ) * «3» .
12-* (جاء في حديث أمّ زرع: عن عائشة- رضي الله عنها- « ... جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟
لا تبثّ حديثنا تبثيثا «4» ، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «5» ، ولا تملأ «6» بيتنا تعشيشا.. الحديث» ) * «7» .
13-* (جاء في حديث هند بن أبي هالة في وصف مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صفة مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « ... وذكر مجلسه فقال: مجلس حلم وحياء، وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته «8» ، ... » ) * «9» .
14-* (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- أنّها كانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والرّجال والنّساء قعود عنده فقال: لعلّ رجلا يقول ما فعل بأهله، ولعلّ امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرمّ القوم «10» ، فقلت إي والله يا رسول الله إنّهم ليفعلون وإنّهنّ ليفعلن، قال: فلا تفعلوا، فإنّما مثل ذلك مثل شيطان لقي
__________
(1) السمت والدل والهدى: ألفاظ متقاربة المعاني، ومعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال.
(2) البذرة: مؤنث بذر ككتف: وهو الذي يفضي بالسر وينشر ما يسمعه ولا يستطيع كتمه.
(3) الترمذي رقم (3872) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن عائشة، ورواه بهذا السياق الحاكم (4/ 273) وصححه ووافقه الذهبي.
(4) لا تبث حديثنا لا تشيعه وتفشيه وإنما تكتم سرنا وحديثنا كله.
(5) لا تنقث ميرتنا تنقيثا، الميرة الطعام المجلوب، والمعنى لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به، والمراد وصفها بالامانة.
(6) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: معناه لا تترك الكناسة والقمامة فيه مغرقة كعش الطائر، أي أنها تنظف البيت وتعتني به.
(7) هذا جزء من حديث طويل ذكرناه غير مرة، والجزء المستشهد به في مسلم 4 (1900) ، ضمن الحديث (2448) .
(8) لا تنثى فلتاته. الفلتات: الزّلّات، جمع فلتة. أي لم يكن في مجلسه زلّات فتحفظ وتحكى. «النهاية» (3/ 468) .
(9) منال الطالب، شرح طوال الغرائب (ص 199) ، وانظر تعليق وتخريج المحقق فهو في غريب الحديث 1/ 487- 507، وانظر الشمائل للترمذي بشرح علي القاري 1/ 39.
(10) أرم القوم أي سكتوا، وقيل: سكتوا من خوف.(9/3952)
شيطانة فغشيها «1» والنّاس ينظرون..) * «2» .
15-* (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة» ) «3» .
16-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) ، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «4» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال:
واعجبا لك يا ابن عبّاس، عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله، وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟
فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت:
خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟
ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت، ما هو، أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ أنّ هذا يوشك أن يكون، فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ
__________
(1) غشيها واقعها وارتكب معها الفاحشة.
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب في باب إفشاء السر 3/ 86 هكذا، وهو عند احمد 2/ 541 وابي داود 2/ 52- 254 (رقم 2173) وقد روياه مطولا ضمن حديث أبي هريرة وأصله عند مسلم (1427) .
(3) أبو داود (4868) واللفظ له، والترمذي (1959) وقال: حديث حسن، وأحمد في المسند (3/ 324) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 247) ، ومجمع الزوائد (8/ 98) والصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا (449) حديث رقم (404) ، وقال محققه: حديث حسن، والألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (486) وحسنه.
(4) الاداوة: اناء صغير من جلد يتخذ للماء (النهاية لابن الاثير 1/ 33) .(9/3953)
صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له «1» فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري.
هو ذا في المشربة. فخرجت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا، ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكيء على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلّمت عليه، ثم قلت وأنا قائم:
طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: لا. ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس «2» : يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم.. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «3» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله، فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة:
إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين، قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك- ثمّ قال: إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى قوله- عَظِيماً قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة» . «4»
__________
(1) المشربة: الغرفة، تقال بضم الراء وفتحها.
(2) «وأنا قائم أستأنس» قال ابن حجر المعنى: أقول قولا أستكشف به هل ينبسط لي أم لا، ويحتمل أن يكون استفهاما محذوف الأداة أي أأستأنس يا رسول الله؟
(3) أهبة.. جمع إهاب وهو الجلد قبل ان يدبغ (النهاية/ 1/ 83) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2468) ، 9 (5191) ، ورواه مسلم مختصرا في 2 (1083) والنسائي 4 (2131) .(9/3954)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (إفشاء السر)
1-* (يروى أنّ معاوية- رضي الله عنه- أسرّ إلى الوليد بن عتبة حديثه فقال عتبة لأبيه: يا أبت إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك، قال: فلا تحدّثني به، فإنّ من كتم سرّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال:
فقلت: يا أبت، وإنّ هذا ليدخل بين الرّجل وابنه؟
فقال: لا والله يا بنيّ ولكن أحبّ ألّا تذلّل لسانك بأحاديث السّرّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رقّ الخطإ فإفشاء السّرّ خيانة» ) * «1» .
2-* (قال الحسن- رضي الله عنه-: إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك) * «2» .
3- عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: عجبت من الرّجل يفرّ من القدر وهو مواقعه، ويرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع «3» في عينيه، ويخرج الضّغن «4» من نفس أخيه، ويدع الضّغن في نفسه، وما وضعت سرّي عند أحد فلمته على إفشائه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذرعا» ) * «5» .
4- قال العبّاس لابنه عبد الله: إنّي أرى هذا الرّجل- يعني عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهم أجمعين- يقدّمك على الأشياخ فاحفظ عنّي خمسا:
لا تفشينّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا تجرينّ عليه كذبا، ولا تعصينّ له أمرا، ولا يطّلعنّ منك على خيانة، قال الشّعبيّ، كلّ كلمة من هذه الخمس خير من ألف) * «6» .
5-* (قال الغزاليّ: أفشى بعضهم سرّا له إلى أخيه، ثمّ قال له: هل حفظت؟ قال: بل نسيت) * «7» .
6-* (قال الثوريّ: إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه، ثمّ دسّ عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيرا وكتم سرّك فاصحبه) * «8» .
7-* (وقال ذو النّون المصري: لا خير في صحبة من لا يحبّ أن يراك إلّا معصوما، ومن أفشى السّرّ عند الغضب فهو اللّئيم لأنّ إخفاءه عند الرّضا تقتضيه الطّباع السّليمة كلّها) * «9» .
8- قال أبو حاتم: الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوّه، فلا يجب أن
__________
(1) إحياء علوم الدين 3/ 132.
(2) السابق، الصفحة نفسها.
(3) يدع الجذع في عينه، الجذع ساق النخلة والمراد أنه يرى عيبه صغيرا أو عيب غيره كبيرا.
(4) الضغن بكسر الضاد، الحقد كالضغينة.
(5) فضل الله الصمد 2 (334) (باب إفشاء السر) (886) .
(6) إحياء علوم الدين للغزالي 2/ 195.
(7) إحياء علوم الدين 2/ 195.
(8) السابق، الصفحة نفسها، وعلاقة هذا بالإفشاء أن من ذكر الشر وأفشى السر ينبغي ألا يصاحب أو يتخذ صديقا.
(9) إحياء علوم الدين 2/ 195.(9/3955)
يظهره لصديقه وكفى بذوي الألباب عبرا ما جرّبوا، ومن استودع حديثا فليستره، ولا يكن مهتاكا ولا مشياعا لأنّ السّرّ إنّما سمّي سرّا لأنّه لا يفشى) * «1» .
9-* (قال أبو المعتمر البصريّ: تعلّمت الصّمت في عشر سنين، وما قلت شيئا قطّ إذا غضبت، أندم عليه إذا زال غضبي) * «2» .
10-* (وقال الحسن البصريّ- رضي الله عنه- لا تستقيم أمانة رجل حتّى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتّى يستقيم قلبه) * «3» .
11-* (عن عطاء- رضي الله عنه- قال:
كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك بما لا بدّ لك منه) «4» .
12-* (عن عبد الله بن المبارك- رضي الله عنه- قال: عجبت من اتّفاق الملوك كلّهم على كلمة:
قال كسرى: إذا قلت ندمت وإذا لم أقل لم أندم، وقال قيصر: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت، وقال ملك الهند: عجبت لمن تكلّم بكلمة إن هي رفعت ضرّته «5» وإن هي لم ترفع لم تنفعه، وقال ملك الصّين: إن تكلّمت بكلمة ملكتني وإن لم أتكلّم بها ملكتها) * «6» .
13-* (قال السّفارينيّ: قال الحكماء: ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها، شرب السّمّ للتّجربة، وإفشاء السّرّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى) * «7» .
14-* (وقال أيضا: يروى أنّ أصبر النّاس من لا يفشي سرّه إلى صديقه مخافة التّقلّب يوما ما) * «8» .
15-* (وقال بعض الشّعراء:
إذا ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرّجال فمن تلوم؟
إذا عاتبت من أفشى حديثي ... وسرّي عنده فأنا الظّلوم
فإنّي حين أسام حمل سرّي ... وقد ضمّنته صدري مشوم
ولست محدّثا سرّي خليلي ... ولا عرسي إذا خطرت هموم
وأطوي السّرّ دون النّاس إنّي ... لما استودعت من سرّ كتوم) * «9» .
16-* (وقال آخر:
لا تودعنّ ولا الجماد سريرة ... فمن الجوامد ما يشير وينطق
وإذا المحكّ أذاع سرّ أخ له ... وهو الجماد فمن به يستوثق) * «10» .
__________
(1) روضة العقلاء (255) .
(2) نزهة الفضلاء 1/ 397.
(3) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 400.
(4) الآداب الشرعية 1/ 34.
(5) رفع الكلمة هنا يعني إفشاءها ومعرفة الناس بها.
(6) الآداب الشرعية 1/ 34.
(7) غذاء الألباب 1/ 117.
(8) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(9) غذاء الألباب 1/ 117.
(10) غذاء الألباب 1/ 118.(9/3956)
من مضار (إفشاء السر)
(1) إفشاء السّرّ دليل الغفلة عن تفطّن العقلاء والسّهو عن يقظة الأذكياء (كما قال الماورديّ) .
(2) إفشاء السّرّ خيانة للأمانة ونقض للعهد.
(3) إفشاء السّرّ فيه ارتكاب للغرر وتعرّض للخطر.
(4) إفشاء السّرّ دليل على لؤم الطّبع وفساد المروءة.
(5) إفشاء السّرّ دليل على قلّة الصّبر وضيق الصّدر.
(6) إفشاء السّرّ- خاصّة عند الغضب- يعقب النّدم والحسرة في نفس صاحبه.
(7) إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصّداقة، ومدعاة للتّنافر.
(8) إفشاء الرّجل سرّ امرأته، وإفشاء المرأة سرّ زوجها يجعل كلّا منهما بمثابة الشّيطان ويخلّ بفضيلة الحياء.
(9) إفشاء السّرّ من فضول الكلام الّذي يعاب عليه صاحبه.
(10) إفشاء السّرّ يفقد الثّقة بين من أفشيت له بالسّرّ والمفشي، لأنّ المفضى إليه بالسّرّ سيعلم أنّ من أفشى له سيفشي عليه لأنّ من نمّ لك نمّ عليك ولا فرق بين الحالتين.
(11) إفشاء السّرّ من مقتضيات الجهل كما أنّ حفظه من سمة العقلاء.
(12) في إذاعة السّرّ ما يجلب العار والفضيحة للمفشي عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السّرّ.
(13) إفشاء السّرّ فيه ذلّ لصاحبه.
(14) إفشاء السّرّ- خاصّة ما يتعلّق بالميّت- يعرّض صاحبه لعذاب الله (انظر الحديث رقم 3) .
(15) إفشاء السّرّ يدخل صاحبه النّار في الآخرة، ويعقب النّدم والحسرة في الدّنيا. (انظر الحديث رقم 5) .
(16) مفشي السّرّ من أشرّ النّاس (انظر الحديث رقم 10) .(9/3957)
الإفك
الإفك لغة:
مصدر قولهم: أفك يأفك وهو مأخوذ من مادّة (أف ك) الّتي تدلّ على قلب الشّيء وصرفه عن جهته، يقال: أفكت الرّجل عن الشّيء إذا صرفته عنه، قال تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا (الأحقاف/ 22) استعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أنّ ذلك صرف لهم من الحقّ إلى الباطل، واستعمل ذلك في الكذب مطلقا. والمؤتفكات: الرّياح الّتي تختلف مهابّها، أو الّتي تعدل وتنصرف عن مهابّها، والمؤتفكات (أيضا) المدن الّتي قلبها الله على قوم لوط عليه السّلام، والإفك: كلّ مصروف عن وجهه الّذي يستحقّ أن يكون عليه، وقول الله- عزّ وجلّ- قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون/ 4) معناه كما يقول الرّاغب- يصرفون عن الحقّ في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصّدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح، وقول الله سبحانه:
أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (الصافات/ 86) يصحّ أن يكون تقديره: أتريدون آلهة من الإفك، وأن يكون قد سمّى الآلهة إفكا، قال القرطبيّ:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
22/ 2/ 7
ويجوز أن يكون معناه: أتريدون آلهة من دون الله آفكين «1» . ويقال: رجل مأفوك أي مصروف من الحقّ إلى الباطل وعن العقل إلى الخيال، ومن ذلك ما جاء في حديث عرض نفسه صلّى الله عليه وسلّم على قبائل العرب «لقد أفك قوم كذّبوك..» أي صرفوا عن الحقّ ومنعوا منه.
قال الجوهريّ: الإفك: الكذب، وكذلك الأفيكة، والجمع الأفائك، والأفك بالفتح مصدر قولك أفكه يأفكه، والمأفوك: المأفون هو ضعيف العقل والرّأي، ورجل مأفوك (أيضا) لا يصيب خيرا، وأرض مأفوكة: لم يصبها مطر وليس بها نبات، وقال ابن منظور: يقال: أفك يأفك وأفك يأفك إفكا وأفوكا وأفكا وأفكا إذا كذب.
وأفك النّاس: كذبهم، وحدّثهم بالباطل.
والإفك: الكذب، والإثم، وجمعه الأفائك، والأفك- بالفتح- مصدر قولك أفكه عن الشّيء يأفكه أفكا، صرفه عنه وقلبه، وفي التّنزيل يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، قال الفرّاء: يريد: يصرف عن الإيمان من صرف.
__________
(1) تفسير القرطبي (15/ 62) .(9/3958)
والأفّاك: الّذي يأفك النّاس أي يصدّهم عن الحقّ بباطله، قال شمر: وأفك الرّجل عن الخير قلب عنه وصرف «1» .
الإفك اصطلاحا:
قال المبرّد: الإفك أسوأ الكذب، وهو الّذي لا يثبت ويضطرب «2» .
وقال النّيسابوريّ: الإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، وقيل هو: البهتان «3» .
وقال المناويّ: الإفك: كلّ مصروف عن وجهه الّذي يحقّ أن يكون عليه «4» .
وقال ابن كثير: الإفك: الكذب والبهت والافتراء «5» .
من معاني الإفك الواردة في القرآن الكريم:
أحدها: الكذب، ومنه قوله تعالى في الأحقاف: فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ «6» ، وفيها وَذلِكَ إِفْكُهُمْ «7» .
والثّاني: الصّرف، ومنه قوله تعالى في الأحقاف: أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا «8» ، وفي الذّاريات يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ «9» ، ومثله فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ* «10» أي: تصرفون عن الحقّ.
والثّالث: القلب، ومنه قوله تعالى في براءة:
وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ «11» ، قال الزّجّاج: المؤتفكات جمع مؤتفكة، ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت. وفي النّجم: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى «12» .
والرّابع: السّحر، ومنه قوله تعالى في الأعراف والشّعراء فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* «13» .
والخامس: القذف، ومنه قوله تعالى في النّور إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ «14» ، والمراد به: قذف عائشة- رضي الله عنها- «15» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة الافتراء- البهتان- الكذب- شهادة الزور- النميمة.
وفي ضد ذلك: انظر صفتي: الصمت وحفظ اللسان- الاستقامة- الأمانة- الأدب] .
__________
(1) مقاييس اللغة (1/ 118) المفردات للراغب (ص 19) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 101) ، النهاية (1/ 56) ، والصحاح (4/ 1572) ، ولسان العرب.
(2) تفسير القرطبي (15/ 62) .
(3) رغائب الفرقان (المنشور بهامش تفسير الطبري (18/ 62) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (57) .
(5) تفسير ابن كثير (مج 3، ج 18، ص 283) .
(6) آية: 11.
(7) آية: 28.
(8) آية: 22.
(9) آية: 9.
(10) سورة الأنعام: آية 95.
(11) آية: 70.
(12) آية: 53.
(13) الأعراف: آية 117، الشعراء: آية 45.
(14) آية: 11.
(15) نزهة الأعين النواظر (138- 139) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 101) .(9/3959)
الآيات الواردة في «الإفك»
1- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) «1»
2- إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) «2»
3- قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) «3» 4- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) «4»
5- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) «5»
6- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) «6»
7- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) «7»
8- قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) «8»
9- هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) «9»
__________
(1) المائدة: 75 مدنية
(2) الأنعام: 95- 96 مكية
(3) الأعراف: 116- 118 مكية
(4) التوبة: 30 مدنية
(5) يونس: 34 مكية
(6) النور: 11- 12 مدنية
(7) الفرقان: 4 مكية
(8) الشعراء: 43- 46 مكية
(9) الشعراء: 221- 223 مكية(9/3960)
10- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «1»
11- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) «2»
12- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) «3»
13- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «4»
14- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) «5»
15- وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) «6»
16- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) «7»
17- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) «8»
18- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) «9»
19- وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) «10»
__________
(1) العنكبوت: 16- 17 مكية
(2) العنكبوت: 61 مكية
(3) الروم: 55 مكية
(4) سبأ: 43 مكية
(5) فاطر: 3 مكية
(6) الصافات: 83- 86 مكية
(7) الصافات: 151- 152 مكية
(8) غافر: 61- 63 مكية
(9) الزخرف: 87 مكية
(10) الجاثية: 7- 10 مكية(9/3961)
20- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «1»
21- فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28) «2»
22- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3)
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) «3»
__________
(1) الأحقاف: 11 مكية
(2) الأحقاف: 28 مكية
(3) المنافقون: 1- 4 مدنية(9/3962)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإفك)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة، وكان نبيّ الله موسى- عليه السّلام- منه الحياء والسّتر، وكان يستتر إذا اغتسل، فطعنوا فيه بعورة، قال: فبينما نبيّ الله موسى- عليه السّلام- يغتسل يوما وضع ثيابه على صخرة فانطلقت الصّخرة بثيابه فاتّبعها نبيّ الله ضربا بعصاه وهو يقول: ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر، حتّى انتهى به إلى ملأ من بني إسرائيل وتوسّطهم فقامت، وأخذ نبيّ الله ثيابه فنظروا فإذا أحسن النّاس خلقا، وأعدلهم صورة، فقالت بنو إسرائيل: قاتل الله أفّاكي بني إسرائيل، فكانت براءته الّتي برّأه الله- عزّ وجلّ- بها» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل «2» ، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل، فمشيت حتّى جاوزت الجيش، فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «3» قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب، وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا، لم يهبّلن «4» ولم يغشهنّ اللّحم، إنّما يأكلن العلقة «5» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت «6» منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ قد عرّس «7» من وراء الجيش فأدلج «8» فأصبح عند
__________
(1) أحمد في المسند (2/ 392) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر في تخريجه (17/ 135) ، إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين، البخاري- الفتح 6 (3404) .
(2) وقفل: أي رجع.
(3) عقدي من جزع ظفار: والعقد: نحو القلادة، والجزع: خرز يماني. وظفار: قرية باليمن.
(4) لم يهبلن: يقال: هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(5) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(6) تيممت: أي قصدت.
(7) عرّس: التعريس الذي يسير نهاره ويعرس أي ينزل أول الليل، وقيل: آخر الليل.
(8) فأدلج: الإدلاج هو السير أول الليل.(9/3963)
منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي، وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. حتّى أناخ راحلته، فوطيء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الرّاحلة. حتّى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة «1» .
فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره «2» عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرا، والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنّما يدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيسلّم ثمّ يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني، ولا أشعر بالشّرّ. حتّى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أمّ مسطح قبل المناصع «3» وهو متبرّزنا. وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأوّل في التّنزّه «4» . وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا.
فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي بنت أبي رهم ابن المطّلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصّدّيق. وابنها مسطح بن أثاثة بن عبّاد ابن المطّلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي، حين فرغنا من شأننا. فعثرت أمّ مسطح في مرطها «5» قالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت. أتسبّين رجلا قد شهد بدرا؟. قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا إلى مرضي. فلمّا رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم ثمّ قال: «كيف تيكم؟» قلت: أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت، وأنا حينئذ أريد أن أتيقّن الخبر من قبلهما. فأذن لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت أبويّ فقلت لأمّي: يا أمّتاه! ما يتحدّث النّاس؟ فقالت: يا بنيّة، هوّني عليك، فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة «6» عند رجل يحبّها، ولها ضرائر، إلّا كثّرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله! وقد تحدّث النّاس بهذا؟ قالت، فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ «7» لي دمع ولا أكتحل بنوم «8» ثمّ أصبحت أبكي. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي «9» يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله
__________
(1) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.
(2) كبره: أي معظم القول فيه.
(3) المناصع: هي مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.
(4) التنزه: أي التباعد عن البيوت.
(5) في مرطها: المرط الكساء من صوف. وقد يكون من غيره.
(6) وضيئة: هي الجميلة الحسنة. والوضاءة الحسن.
(7) لا يرقأ: أي لا ينقطع.
(8) ولا أكتحل بنوم: أي لا أنام.
(9) استلبث الوحي: أي أبطأ ولبث ولم ينزل.(9/3964)
هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «1» عليها، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «2» فتأكله. قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر.
فاستعذر «3» من عبد الله بن أبيّ ابن سلول. قالت:
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال:
أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن اجتهلته الحميّة «4» فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله.
فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان: الأوس والخزرج «5» حتّى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك. لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثمّ بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي.
قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء.
قالت: فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس، ثمّ قال:
«أمّا بعد. يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت الممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «6» حتّى ما أحسّ منه قطرة.
فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال:
والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي:
أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة
__________
(1) أغمصه عليها: أي أعيبها به.
(2) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(3) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.
(4) اجتهلته الحمية: أي استخفته وأغضبته وحملته على الجهل.
(5) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.
(6) قلص دمعي: أي ارتفع وذهب لاستعظام ما يعيبني من الكلام.(9/3965)
السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به، فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني، وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى.، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «2» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «3» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر: وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا، بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-:
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.
قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك:
هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا.
قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «4» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «5» فهلكت فيمن هلك) * «6» .
__________
(1) ما رام: أي ما فارق.
(2) البرحاء: هي الشدة.
(3) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(4) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(5) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(6) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم (2770) واللفظ له.(9/3966)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإفك) معنى
انظر صفة الكذب وشهادة الزور
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإفك)
1-* (حدّث سعيد بن وهب قال: كنت عند عبد الله بن الزّبير فقيل له: إنّ المختار يزعم أنّه يوحى إليه فقال: صدق. ثمّ تلا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الشعراء/ 221- 222) * «1» .
2-* (قال ابن كثير في قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ: أي كذوب في قوله، فاجر في أفعاله فهذا الّذي تنزّل عليه الشّياطين من الكهّان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة) * «2» .
3-* (قال ابن جرير الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أيّها النّاس عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ من النّاس تنزّل على كلّ أفّاك يعني كذّاب بهّات أَثِيمٍ «3» .
4-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ أي يا آل أبي بكر بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (النور/ 11) أي في الدّنيا والآخرة، لسان صدق في الدّنيا ورفعة منازل في الآخرة وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- حيث أنزل براءتها في القرآن العظيم الّذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ (فصلت/ 42) ، ولهذا لمّا دخل عليها ابن عبّاس- رضي الله عنهما وعنها- وهي في سياق الموت قال لها: أبشري فإنّك زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يحبّك، ولم يتزوّج بكرا غيرك، ونزلت براءتك من السّماء) * «4» .
5-* (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ أي لكلّ من تكلّم في هذه القضيّة ورمى أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ، قيل: الّذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ أي على ذلك، ثمّ الأكثرون على أنّ المراد بذلك إنّما هو
__________
(1) تفسير الطبري (9/ 487) .
(2) تفسير ابن كثير (3/ 354) بتصرف.
(3) تفسير الطبري (9/ 487) بتصرف.
(4) تفسير ابن كثير (3/ 273) .(9/3967)
عبد الله بن أبيّ ابن سلول قبّحه الله ولعنه، وهو الّذي تقدّم النّصّ عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد وغير واحد) * «1» .
6-* (وقال ابن جرير: عن محمّد بن عبد الله ابن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب- رضي الله عنهما- فقالت زينب: أنا الّتي نزل تزويجي من السّماء، وقالت عائشة: أنا الّتي نزل عذري في كتاب الله حين حملني صفوان بن المعطّل على الرّاحلة، فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟، قالت:
قلت: حسبي الله ونعم الوكيل، قالت: قلت كلمة المؤمنين) * «2» .
7-* (عن مسروق قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها- فدخل حسّان بن ثابت فأمرت فألقي له وسادة، فلمّا خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك، وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا يدخل عليك، وقد قال الله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ قالت: وأيّ عذاب أشدّ من العمى، وكان قد ذهب بصره، لعلّ الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم، ثمّ قالت: إنّه كان ينافح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي رواية أنّه أنشدها عندما دخل عليها شعرا يمتدحها به فقال:
حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت: أمّا أنت فلست كذلك، وفي رواية:
لكنّك لست كذلك) * «3» .
من مضار (الإفك)
(1) يشيع الفساد في المجتمع.
(2) دليل الرّقّة في الدّين وعدم الخوف من ربّ العالمين.
(3) يقطّع أواصر الأرحام، ويمزّق الأسر.
(4) به تنتهك الأعراض.
(5) يورث بغض الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين.
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/ 273) .
(2) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (3/ 273، 274) .(9/3968)
أكل الحرام
الأكل لغة:
معروف، وقد تقدّم اشتقاقه في صفة «أكل الطّيّبات»
الحرام لغة:
الحرام: اسم لما حرّم، وهو مأخوذ من مادّة (ح ر م) الّتي تدلّ على المنع والتّشديد، ومن ذلك:
الحرام ضدّ الحلال، والحريم (في الأصل) ما حول البئر، يحرّم على غير صاحبها أن يحفر فيه، والحرمان: مكّة والمدينة، سمّيا بذلك لحرمتهما، وأنّه حرّم فيهما أن يحدث أو يؤوى محدث، والحريم: الّذي حرّم مسّه فلا يدنى منه، والحريم أيضا: الثّوب إذا حرّم لبسه، وكانت العرب إذا حجّوا ألقوا ما عليهم من ثيابهم فلم يلبسوها في الحرم، ويسمّى الثّوب إذا حرّم لبسه الحريم. وقال الرّاغب: الحرام: الممنوع منه، إمّا بتسخير إلهيّ، كما في قوله تعالى: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ (القصص/ 12) ، وإمّا بمنع قهريّ كما في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (المائدة/ 72) وإمّا بمنع من جهة الشّرع، كما في قوله
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
14/ 14/ 10
تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ (الأنعام/ 145) «1» ، وقوله- عزّ وجلّ- في الحديث القدسيّ: «يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي» فمعناه: تقدّست عنه وتعاليت، فهو في حقّه كالشّيء المحرّم على النّاس، والحرمة: ما لا يحلّ انتهاكه «2» ، وكذلك المحرمة والمحرمة (بفتح الرّاء وضمّها) ، وحرمة الرّجل: حرمه وأهله، والحرم ضدّ الحلّ، كما أنّ الحرام ضدّ الحلال، والحرم قد يكون بمعنى الحرام، ونظيره: زمن وزمان، والمحرم: الحرام، يقال: هو ذو محرم منها إذا لم يحلّ له نكاحها، ومحارم اللّيل: مخاوفه الّتي يحرم على الجبان أن يسلكها، والتّحريم ضدّ التّحليل، يقال: حرم الشيء (بالضّمّ) يحرم حرمة وحرما، وحرمه الشّيء يحرمه حرما وحرمة وحريمة وحرمانا وأحرمه أيضا: إذا منعه إيّاه، وأحرم الرّجل: إذا دخل في حرمة لا تهتك، وأحرم: دخل في الشّهر الحرام، وأحرم بالحجّ والعمرة (دخل فيهما) .
وقال ابن منظور: الحرم (بالكسر) ، والحرام:
نقيض الحلال، ويقال: حرم عليه الشّيء حرما وحراما،
__________
(1) ذكر الراغب (المفردات 114) ، نوعين آخرين هما: الحرام بمنع من جهة العقل، والحرام بمنع من جهة من يرتسم (المرء) أمره، ولم يذكر أمثلة لكليهما، وانظر أيضا، بصائر ذوي التمييز (2/ 454) ، ويمكن التمثيل للأول بتحريم الخبائث وللثاني بتحريم دخول مناطق معينة كأماكن الجيش مثلا.
(2) انظر صفة: تعظيم الحرمات.(9/3969)
وحرم الشّيء حرمة، والمحرّم: الحرام، والمحارم ما حرّم الله، وحرم مكّة معروف، وهو حرم الله وحرم رسوله صلّى الله عليه وسلّم ويقال: بلد حرام، ومسجد حرام، وشهر حرام، والأشهر الحرم أربعة: ثلاثة سرد أي متتابعة وواحد فرد، فالسّرد: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم والفرد:
رجب، وفي التّنزيل العزيز مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ.
وجمع المحرم محارم ومحاريم ومحرّمات والإحرام: مصدر أحرم الرّجل يحرم إحراما إذا أهلّ بالحجّ أو العمرة وباشر أسبابهما «1» .
الحرام اصطلاحا:
قال الكفويّ: الحرام: ما استحقّ الذمّ على فعله، وقيل: ما يثاب على تركه بنيّة التّقرّب إلى الله تعالى.
وقيل: الحرام عامّ فيما كان ممنوعا عنه بالقهر والحكم وقيل: هو: ما ثبت المنع عنه بلا أمر معارض له «2» .
وقال المناويّ: الحرام: الممنوع منه إمّا بتسخير إلهيّ أو بشريّ وإمّا بمنع من جهة العقل أو الشّرع أو من جهة من يرتسم أمره «3» .
أكل الحرام اصطلاحا:
هو تناول ما يثاب على تركه تقرّبا لله تعالى من الأطعمة ونحوها ممّا ثبت المنع عنه «4» .
تناول الحرام:
حكم تناول الحرام العقاب بالفعل، والثّواب بالتّرك إذا كان هذا التّرك لله تعالى، لا بمجرّد التّرك وإلّا لزم أن يكون لكلّ أحد في كلّ لحظة مثوبات كثيرة بحسب كلّ حرام لم يصدر عنه «5» ، وذكر الماورديّ أنّ المحرّمات الّتي يمنع الشّرع منها، واستقرّ التّكليف عقلا «6» أو شرعا بالنّهي عنها تنقسم- بحسب الحكم- إلى قسمين:
الأوّل: ما تكون النّفوس داعية إليها، والشّهوات باعثة عليها كالسّفاح وشرب الخمر، فقد زجر الله عنها لقوّة الباعث عليها وشدّة الميل إليها بنوعين من الزّجر: أحدهما عاجل يرتدع به المجترىء على حدود الله، والآخر: وعيد آجل يزدجر به التّقيّ.
الثّاني: ما تكون النّفوس نافرة منها، والشّهوات مصروفة عنها كأكل الخبائث والمستقذرات، وشرب السّموم المتلفات وهذه اقتصر المولى سبحانه في الزّجر
__________
(1) مقاييس اللغة (2/ 46) ، المفردات للراغب (114) ، النهاية لابن لأثير (1/ 374) ، الصحاح (5/ 1898) ، لسان العرب (حرم) (844) وما بعدها. ط. دار المعارف.
(2) انظر هذه التعريفات في: الكليات (ص 400- 404) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 137) ، وقد ذكر الفيروز آبادي في البصائر (2/ 454) نحوا من هذا التعريف، وكلاهما ناقل عن الراغب (انظر مفردات الراغب ص 114) ، وقد تصحّفت كلمة الشرع على المناوي فذكرها «البشرية» ولا معنى لها هنا، وقد أثبتنا الصواب اعتمادا على المفردات.
(4) استخلصنا هذا التعريف من جملة أقوال المفسرين وعلماء الاصطلاح فيما يتعلق بالأكل والتناول.
(5) الكليات للكفوي (ص 404) .
(6) المراد بالعقل هنا ما ثبتت حرمته بدليل عقلى كالقياس مثلا.(9/3970)
عنها بالوعيد وحده دون الحدّ «1» .
لفظ «الحرام» في القرآن الكريم:
قال الفيروز آباديّ. ورد الحرام في القرآن على عشرة أوجه:
الأوّل: حرام المناكحة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (النساء/ 23) الآية.
الثّاني: حرام الفسق والمعصية إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ (الأعراف/ 33) أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ (الأنعام/ 151) .
الثّالث: حرام العجائب والمعجزة وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ (القصص/ 12) .
الرّابع: حرام العذاب والعقوبة إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (الأعراف/ 50) فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (المائدة/ 72) .
الخامس: حرام فسخ الشّريعة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إلى قوله ذلِكُمْ فِسْقٌ (المائدة/ 3) .
السّادس: حرام الحرمان والهلكة وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (الأنبياء/ 95) .
السّابع: حرام الشّهوة والهوى وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا (الأنعام/ 138- 139) .
الثّامن: حرام النّذر والمصلحة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ (التحريم/ 1) إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ (آل عمران/ 93) .
التّاسع: حرام الحظر والإباحة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ (المائدة/ 96) .
العاشر: حرام التّوقير والحرمة* رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها (النمل/ 91) «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- التطفيف- الربا- السرقة- الغش- الغلول- الخداع- التناجش.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الطيبات- العصيان- الأمانة- التقوى- العمل- العفة- النزاهة] .
__________
(1) بتصرف يسير عن: أدب الدنيا والدين (101) .
* وهذا النّوع يأتي على وجوة: الأوّل- وصف المسجد بالحرام لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ، الثّاني: نعت الأشهر بالحرام الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ، الثّالث: دعاء البيت بالحرام جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ.
(2) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 454، 455) .(9/3971)
الآيات الواردة في «أكل الحرام»
المحرم من الأموال:
1- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «1»
2- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) «2»
3- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «5»
6- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «6»
__________
(1) البقرة: 188 مدنية
(2) النساء: 2 مدنية
(3) النساء: 6 مدنية
(4) النساء: 10 مدنية
(5) النساء: 29 مدنية
(6) المائدة: 41- 42 مدنية(9/3972)
7- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60)
وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (63) «1»
المحرم من الأطعمة:
8- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) «2»
9- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) «3»
10- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «4»
11- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «5»
12- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
__________
(1) المائدة: 60- 63 مدنية
(2) البقرة: 173- 175 مدنية
(3) النساء: 160- 161 مدنية
(4) المائدة: 3 مدنية
(5) الأنعام: 121 مكية(9/3973)
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «1»
13- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «2»
14- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116)
مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) «3»
__________
(1) الأنعام: 145 مكية
(2) الأعراف: 157 مكية
(3) النحل: 115- 118 مكية(9/3974)
الأحاديث الواردة في النهي عن (أكل الحرام)
1-* (عن المقدام بن معد يكرب، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحلّ لكم لحم الحمار الأهليّ ولا كلّ ذي ناب من السّبع، ولا لقطة معاهد إلّا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه «1» فإن لم يقروه فله أن يعقبهم «2» بمثل قراه) * «3» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو بمكّة عام الفتح: «إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة «4» والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح «5» بها النّاس، فقال: لا، هو، حرام. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إنّ الله لمّا حرّم شحومها جملوه «6» ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» ) * «7» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن الحلال أم من حرام) * «8» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا أيّها النّاس! إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.
فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (المؤمنون/ 51) وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر. أشعث أغبر. يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ! يا ربّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟» ) * «9» .
الأحاديث الواردة في النهي عن (أكل الحرام) معنى
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» «10» . قالوا:
يا رسول الله وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا،
__________
(1) يقروه: أي يضيفوه من القرى وهو الضيافة.
(2) يعقبهم: يأخذ منهم عوضا عما حرموه من القرى، وهذا في المضطر الذي لا يجد طعاما ويخاف على نفسه التلف.
(3) أبو داود (4604) وحسنه الألباني في صحيحته، (3848) .
(4) الميتة:- بفتح الميم- ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية، ويستثني من ذلك السمك والجراد فبيعهما وأكلهما حلال باتفاق.
(5) يستصبح بها النّاس: أي يوقدون بها مصابيحهم.
(6) جملوه: أي أذابوه واستخرجوا دهنه.
(7) البخاري- الفتح 4 (2236) .
(8) البخاري- الفتح 4 (2083) .
(9) مسلم (1015) .
(10) الموبقات: المهلكات.(9/3975)
وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات «1» المؤمنات الغافلات» ) * «2» .
6-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له «ابن اللّتبيّة» (قال عمر وابن أبي عمر: على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي، قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم فيها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء «3» أو بقرة لها خوار «4» أو شاة تيعر «5» ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه «6» ثمّ قال: «اللهمّ هل بلّغت» مرّتين) * «7» .
7-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغيّ «8» ، وحلوان الكاهن «9» ) * «10» .
8-* (عن خولة الأنصاريّة- رضي الله عنها- قالت: «سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجالا يتخوّضون في مال الله بغير حقّ، فلهم النّار يوم القيامة» ) * «11» .
9-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» ) * «12» .
10-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-، قال: إنّي من النّقباء الّذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق، ولا نزني ولا نقتل النّفس الّتي حرّم الله، ولا ننهب، ولا نعصي، بالجنّة إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى الله» ) * «13» .
11-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي
__________
(1) المحصنات: أي العفائف. والمراد بالغافلات: الغافلات عن الفواحش.
(2) البخاري- الفتح 5 (2766) واللفظ له ومسلم (89) .
(3) الرغاء: صوت الإبل.
(4) الخوار: صوت البقر.
(5) تيعر: صوت الشاة وهي تصيح.
(6) عفرتي إبطيه: بضم العين وفتحها والأشهر الضم مثنى عفرة وهي البياض ليس بالناصع، بل فيه شيء كلون الأرض.
(7) البخاري- الفتح 13 (7197) ، ومسلم (1832) واللفظ له.
(8) مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا.
(9) حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته.
(10) البخاري- الفتح 4 (2237) مسلم (1567) متفق عليه.
(11) البخاري- الفتح 6 (3118) .
(12) البخاري- الفتح 12 (6967) واللفظ له، ومسلم (1713) .
(13) البخاري- الفتح 12 (6873) واللفظ له. ومسلم (1709) .(9/3976)
أبوابهم أولم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض.
يا كعب بن عجرة! الصّلاة برهان، والصّوم جنّة «1» حصينة. والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت «2» إلّا كانت النّار أولى به» ) * «3» .
12-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال الحضرميّ: يا رسول الله، إنّ هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال:
«فلك يمينه» . قال: يا رسول الله إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال «ليس لك منه إلّا ذلك» فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «4» .
13-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخطب النّاس فقال:
«لا والله! ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» فقال رجل: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ساعة. ثمّ قال «كيف قلت؟» قال: قلت: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير، أو خير هو؟ إنّ كلّ ما ينبت الرّبيع يقتل حبطا «5» أو يلمّ. إلّا آكلة الخضر. أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس. ثلطت «6» أو بالت. ثمّ اجترّت، فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «7» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» ) * «8» .
__________
(1) جنّة: أي وقاية.
(2) السحت: الحرام.
(3) الترمذي (614) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. والنسائي (7/ 160) والحاكم في المستدرك (4/ 422) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4) مسلم (139) .
(5) حبطت: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ بطونها.
(6) ثلطت: الثلط الرقيق من الرجيع، قال ابن الأثير: وأكثر ما يقال للإبل والبقر والفيلة.
(7) البخاري- الفتح 6 (2842) ، ومسلم (1052) واللفظ له.
(8) الترمذي (1) واللفظ له وابن ماجة (272) ، والمسند (2/ 39، 2/ 19) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (4969) : إسناده صحيح. والغلول يعني به ما اكتسبه من طريق غير مشروع، وأصل الغلول: الخيانة والغش.(9/3977)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في النهي عن (أكل الحرام)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ (البقرة/ 188) قال: هذا في الرّجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بيّنة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكّام، وهو يعرف أنّ الحقّ عليه، وقد علم أنّه آثم، آكل حرام) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لا يقبل الله صلاة امرىء في جوفه حرام) * «2» .
3-* (قال ابن رجب- رحمه الله-: «أكل الحرام وشربه ولبسه والتّغذّي به سبب موجب لعدم إجابة الدّعاء» «3» .
4-* (قال قتادة عند قوله تعالى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ.. اعلم يا بن آدم أنّ قضاء القاضي لا يحلّ لك حراما، ولا يحقّ لك باطلا، وإنّما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشّهود، والقاضي بشر يخطىء ويصيب، واعلموا أنّ من قضي له بباطل أنّ خصومته لم تنقض حتّى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحقّ بأجود ممّا قضى به للمبطل على المحقّ في الدّنيا» ) * «4» .
5-* (قال ابن كثير عند قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بالأكل من طيّبات ما رزقهم تعالى، وأن يشكروه تعالى على ذلك إن كانوا عبيده، والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدّعاء والعبادة، كما أنّ الأكل من الحرام يمنع قبول الدّعاء والعبادة» ) * «5» .
6-* (وقال عند قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا. (البقرة/ 168) يبيّن أنّه الرّازق لجميع خلقه، فذكر في مقام الامتنان أنّه أباح لهم أن يأكلوا ممّا في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيّبا أي مستطابا في نفسه غير ضارّ للأبدان ولا للعقول، ونهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان، وهي طرائقه ومسالكه فيما أضلّ أتباعه فيه من تحريم البحائر والسّوائب والوصائل ونحوها» ) * «6» .
7- سئل أحمد عن معنى المتّقين في قوله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة/ 27) فقال:
يتّقي الأشياء فلا يقع فيما لا يحلّ» ) * «7» .
8-* (قال أبو عبد الله النّاجي الزّاهد- رحمه الله-: خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله- عزّ وجلّ- ومعرفة الحقّ، وإخلاص
__________
(1) الدر المنثور (1/ 488- 489)
(2) انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (93) .
(3) انظر: جامع العلوم والحكم (92) بتصرف.
(4) تفسير ابن كثير (1/ 226) .
(5) المرجع السابق (1/ 205، 206) .
(6) المرجع السابق (1/ 204) .
(7) جامع العلوم والحكم (93) .(9/3978)
العمل لله، والعمل على السّنّة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل، وذلك إذا عرفت الله- عزّ وجلّ- ولم تعرف الحقّ لم تنتفع، وإذا عرفت الحقّ ولم تعرف الله لم تنتفع. وإن عرفت الله وعرفت الحقّ ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإن عرفت الله وعرفت الحقّ وأخلصت العمل ولم يكن على السّنّة لم تنتفع، وإن تمّت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع) * «1» .
9-* (قال وهب بن الورد: «لو قمت مقام هذه السّارية لم ينفعك شيء تنظر ما يدخل في بطنك حلال أو حرام» ) * «2» .
10-* (قال ابن رجب عند قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ.. (الأنبياء/ 51) المراد بهذا أنّ الرّسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطّيّبات الّتي هي الحلال وبالعمل الصّالح، فمتى كان الأكل حلالا فالعمل الصّالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا؟» ) * «3» .
من مضار (أكل الحرام)
1- حرمان إجابة الدّعاء.
2- دليل على خسّة النّفس ودناءتها.
3- طريق مؤدّ إلى النّار وغضب الجبّار.
4- يورث البعد عن الله، والمقت من النّاس.
5- أكل الحرام يحبط ثواب العمل الصّالح والكلم الطّيّب.
6- دليل على ضعف الدّين وعدم اليقين.
7- ضياع الحقوق بين النّاس.
8- أكل الحرام ضارّ بالأبدان والعقول.
__________
(1) جامع العلوم والحكم (93) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفة نفسها.
(3) المرجع السابق (92) .(9/3979)
الإلحاد
الإلحاد لغة:
مصدر قولهم: الحد يلحد، وهو مأخوذ من مادّة (ل ح د) الّتي تدلّ على ميل عن الاستقامة، يقال ألحد الرّجل: إذا مال عن طريقة الحقّ والإيمان، وسمّي اللّحد لحدا لأنّه مائل في أحد جنبي الجدث (القبر) .
والملتحد: الملجأ، سمّي بذلك لأنّ اللّاجىء يميل إليه، وقال الرّاغب: يقال: لحد بلسانه إلى كذا: مال.
وقال الجوهريّ: وألحد فلان: مال عن الحقّ، وألحد في دين الله، حاد عنه وعدل، ولحد لغة فيه، وألحد الرّجل:
أي ظلم في الحرم، والتحد مثله، وأصله من قوله تعالى:
وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (الحج/ 25) والباء في (بإلحاد) زائدة. الملحد: الجائر بمكّة، وقال ابن منظور:
لحد في الدّين يلحد، وألحد مال وعدل، وقيل: لحد مال وجار.
وقال ابن السّكّيت: الملحد: العادل عن الحقّ المدخل فيه ما ليس فيه، يقال: قد ألحد في الدّين ولحد أي حاد عنه. وروي: لحدت: ملت، وألحدت:
ماريت وجادلت وألحد: مارى وجادل، ومعنى الإلحاد في اللّغة الميل عن القصد. ولحد عليّ في شهادته يلحد لحدا: أثم. ولحد إليه بلسانه: مال «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 2/ 12
وقال أبو حيّان في تفسير قوله تعالى: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل/ 103) ، قرأها حمزة من «لحد» ثلاثيّا، وقرأ باقي السّبعة بضمّ الياء وكسر الحاء من «ألحد» رباعيّا، وهما بمعنى واحد «2» ، يقال: ألحد القبر ولحده إذا أمال حفره عن الاستقامة، فحفر في شقّ منه، ثمّ استعير لكلّ إمالة عن الاستقامة، والمعنى: لسان الرّجل الّذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجميّ غير بيّن «3» .
الإلحاد في الحرم:
قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (الحج/ 25) ، الإلحاد هنا: قيل الشّرك، وقيل: الشّرك والقتل، والمراد الميل بالظّلم، وقيل معناه: صيد حمامة، وقطع شجرة ودخوله في غير إحرام وقال بعضهم: هذا الشّرك بالله وعبادة غيره في الحرم، وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- المعنى: أن تستحلّ من الحرام ما حرّم الله عليك من قتل من لم يقتل، وظلم من لم يظلم وقيل: هو احتكار الطّعام بمكّة.
وقال النّيسابوريّ: المعنى: ومن يرد فيه مرادا ما
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 236) ، المفردات في غريب القرآن (448) ، الصحاح (2/ 534) النهاية لابن الأثير (4/ 236) ، واللسان «لحد» (3/ 388) (ط. بيروت) .
(2) وقيل معنى (لحد) : مال، ومعنى (ألحد) اعترض (انظر اللسان (3/ 388) .
(3) تفسير البحر المحيط (5/ 519) .(9/3980)
جائرا عادلا عن القصد ظالما، وتدلّ هذه الآية الكريمة على أنّ الإنسان يعاقب على ما ينويه من المعاصي بمكّة وإن لم يعمله، وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر- رضي الله عنهم- لو همّ رجل بقتل رجل وهو في هذا البيت، وهو بعدن أبين (مكان بأقصى اليمن) لعذّبه الله. وهذا الإلحاد والظّلم يجمع المعاصي من الكفر إلى الصّغائر فلعظم حرمة المكان توعّد الله على نيّة السّيّئة فيه، ومن نوى سيّئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلّا في مكّة «1» .
الإلحاد في أسمائه تعالى:
وقال الفيروز آباديّ في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ (الأعراف/ 180) وذلك يكون على وجهين: أحدهما أن يوصف بما لا يصحّ وصفه، والثّاني: أن يتأوّل أوصافه على ما لا يليق له «2» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الإلحاد في أسمائه تعالى أنواع (أحدها) أن تسمّى الأصنام بها كتسميتهم اللّات من الإلهيّة، والعزّى من العزيز، وتسميتهم الصّنم إلها وهذا إلحاد حقيقة فإنّهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة. (الثّاني) تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النّصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علّة فاعلة بالطّبع
ونحو ذلك. (والثّالث) وصفه بما يتعالى عنه ويتقدّس من النّقائص كقول أخباث اليهود: إنّه فقير، وقولهم: إنّه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم: يد الله مغلولة، وأمثال ذلك ممّا هو إلحاد في أسمائه وصفاته. (ورابعها) تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها كقول الجهميّة ومن تبعهم: إنّ أسماءه تعالى ألفاظ مجرّدة لا تتضمّن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السّميع والبصير والحيّ والرّحيم والمتكلّم والمريد، ويقولون:
لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، هذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا ولغة وشرعا وفطرة وهو مقابل لإلحاد المشركين. (خامسها) تشبيه صفاته تعالى بصفات خلقه فهو إلحاد في مقابله إلحاد المعطّلة تعالى الله عن إلحادهم علوّا كبيرا «3» .
الإلحاد في آيات الله:
قال القرطبيّ: الإلحاد في الآيات: الميل عن الحقّ في أدلّة الله- عزّ وجلّ- الّتي تنزّل بها الذّكر الحكيم، وهذا يرجع إلى الّذين قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ 26) ، وهم الّذين قالوا: ليس القرآن من عند الله، أو هو سحر أو شعر، فالآيات: آيات القرآن. وقال مجاهد: يلحدون في آياتنا، أي عن تلاوة القرآن بالمكاء والتّصدية واللّغو والغناء.
وقال ابن عبّاس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه. وقال السّدّيّ: يعاندون ويشاقّون، وقال ابن زيد: يشركون ويكذّبون. وقال: المعنى متقارب، وقيل: إنّ الآية نزلت في أبي جهل، ومن قال إنّ
__________
(1) تفسير الطبري (17/ 104) ، وتفسير القرطبي (12/ 24) ، ورغائب الفرقان للنيسابوري (مطبوع بهامش الطبري) (17/ 81) .
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 421) .
(3) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للشيخ محمد ابن أحمد السفاريني (1/ 128) .(9/3981)
الآيات: هي المعجزات فهذا راجع إلى المعنى الأوّل لأنّ القرآن الكريم معجز «1» .
الإلحاد اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإلحاد هو الميل عن الحقّ «2» ، وهذا أقرب إلى أن يكون تعريفا لغويّا، ومن الممكن أن نقتبس ممّا ذكره المفسّرون تعريفا اصطلاحيّا فنقول:
الإلحاد: هو الميل عن الحقّ والعدول عنه فيما يتعلّق بأسماء الله تعالى أو بيته الحرام أو بآياته الكرام في دلالتها أو فيمن تنزّلت عليه.
أنواع الإلحاد:
الإلحاد ضربان، أحدهما: إلى الشّرك بالله، والثّاني: إلحاد إلى الشّرك بالأسباب. فالأوّل ينافي الإيمان ويبطله، والثّاني يوهن عراه ولا يبطله «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاعوجاج- الردة الزندقة- الشرك- انتهاك الحرمات- الغي والإغواء- الكفر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإسلام- الاستقامة- الإيمان- الطاعة- تعظيم الحرمات- التوحيد] .
__________
(1) تفسير القرطبي (15/ 238) (باختصار وتصرف يسير) .
(2) الكليات (490) .
(3) المفردات للراغب (448) وانظر التوقيف على مهمات التعاريف (618) .(9/3982)
الآيات الواردة في «الإلحاد»
1- وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180) «1»
2- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) «2»
3- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) «4»
__________
(1) الأعراف: 180 مكية
(2) النحل: 103 مكية
(3) الحج: 25 مدنية
(4) فصلت: 40 مكية(9/3983)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإلحاد)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب «1» دم امرىء بغير حقّ ليهريق دمه) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّه أتى عبد الله بن الزّبير وهو جالس في الحجر فقال: يا ابن الزّبير إيّاك والإلحاد في حرم الله فإنّي أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحلّها ويحلّ به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثّقلين لوزنتها، قال: فانظر ألّا تكون هو يا ابن عمرو فإنّك قد قرأت الكتب وصحبت الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال:
فإنّي أشهدك أنّ هذا وجهي إلى الشّام مجاهدا) * «3» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإلحاد) معنى
انظر صفات: (الردة، والشرك، والزندقة، والكفر)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإلحاد)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
إلحاد الملحدين أن دعوا اللّات في أسماء الله) * «4» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال في معنى قول الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ: لو أنّ رجلا همّ فيه (أي في الحرم المكّيّ) بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله- عزّ وجلّ- عذابا أليما) * «5» .
3-* (قال مجاهد- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ اشتقّوا العزّى من العزيز واشتقّوا اللّات من الله) * «6» .
4-* (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: «كان إلحادهم أي المشركين في أسماء الله أنّهم عدلوا بها عمّا هي عليه فسمّوا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا ونقصوا منها، فسمّوا بعضها اللّات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الّذي هو الله، وسمّوا بعضها العزّى اشتقاقا لها من اسم الله العزيز) * «7» .
__________
(1) مطلب: أصلها مفتعل من الطلب وهو المبالغة في الطلب.
(2) البخاري- الفتح 12 (6882) .
(3) أحمد (2/ 219) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (12/ 9) حديث (7043) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3/ 284، 285) .
(4) تفسير الطبري (6/ 91) .
(5) أحمد (1/ 428) واللفظ له وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح ونقل كلام ابن كثير في تفسيره (3/ 215) أنه على شرط البخاري (6/ 66) حديث (4071) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: سنده صحيح (12/ 219) .
(6) تفسير الطبري (6/ 91) .
(7) المصدر السابق (6/ 91) بتصرف.(9/3984)
5-* (وقال أيضا: في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ هو تهديد من الله للملحدين في أسمائه ووعيد منه لهم، ومعناه: أن أمهل الّذين يلحدون يا محمّد في أسماء الله إلى أجل هم بالغوه، فسوف يجزون إذا جاءهم أجل الله الّذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم الّتي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله) * «1» .
6-* (قال ابن العربيّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الجهّال قد اخترعوا أدعية يسمّون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرونه بغير ما يذكر من أفعاله، إلى غير ذلك ممّا لا يليق به. فحذار منها، ولا يدعونّ أحدكم إلّا بما ورد ممّا جاء في كتاب الله وما صحّ من حديث رسوله. وذروا ما سواها، ولا يقولنّ أحدكم:
أختار دعاء كذا وكذا، فإنّ الله قد اختار له ما يدعوه به وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
7-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«أقوال الملاحدة كفر متناقض باطل في العقل والدّين) * «3» .
8-* (وقال أيضا: «إنّ هؤلاء الملاحدة يعظّمون فرعون وأمثاله ويدّعون أنّهم خير من موسى وأمثاله) * «4» .
9-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
الإلحاد (في أسماء الله) إمّا بجحدها وإنكارها وإمّا بجحد معانيها وتعطيلها، وإمّا بتحريفها عن الصّواب وإخراجها عن الحقّ بالتّأويلات، وإمّا أن يجعلها أسماء لهذه المخلوقات كإلحاد أهل الإلحاد.
فإنّهم جعلوها أسماء هذا الكون، محمودها ومذمومها) * «5» .
10-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «وحقيقة الإلحاد فيها الميل والإشراك والتّعطيل والنّكران) * «6» .
11-* (قال الفيّوميّ- رحمه الله تعالى-:
«قال بعض الأئمّة: «الملحدون في زماننا هم الباطنيّة الّذين يدّعون أنّ للقرآن ظاهرا وباطنا، وأنّهم يعلمون الباطن فأحالوا بذلك الشّريعة لأنّهم تأوّلوا بما يخالف العربيّة الّتي نزل بها القرآن» ) * «7» .
12-* (قال الشّنقيطيّ- رحمه الله تعالى-:
«المراد بالإلحاد في آية الحجّ: أن يميل ويحيد عن دين الله الّذي شرعه، ويعمّ ذلك كلّ ميل وحيدة عن الدّين، ويدخل في ذلك دخولا أوّليّا الكفر بالله، والشّرك به في الحرم، وفعل شيء ممّا حرّمه، وترك شيء ممّا أوجبه. ومن أعظم ذلك: انتهاك حرمات الحرم.
وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك قول الرّجل:
لا والله، وبلى والله، وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان له فسطاطان: أحدهما: في طرف الحرم،
__________
(1) تفسير ابن جرير (6/ 92) .
(2) تفسير القرطبي بتصرف (7/ 328) .
(3) مجموع الفتاوى (2/ 344) .
(4) المصدر السابق (3/ 359) .
(5) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (448) .
(6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المصباح المنير (ل ح د) .(9/3985)
والآخر في طرف الحلّ، فإذا أراد أن يعاتب أهله أو غلامه فعل ذلك في الفسطاط الّذي ليس في الحرم يرى أنّ مثل ذلك يدخل في الإلحاد فيه بظلم «1» .
من مضار (الإلحاد)
(1) الإلحاد ينافي الإيمان ويبطله ويؤدّي إلى سوء العاقبة في الدّنيا والآخرة.
(2) تهدّد الله الملحدين في أسمائه بأنّه سيجزيهم الخسران والنّكال.
(3) الإلحاد طريق مؤدّ إلى غضب الله ورسوله.
__________
(1) أضواء البيان (5/ 58، 59) .(9/3986)
الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف
المنكر لغة:
(انظر صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
المعروف لغة:
(انظر صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات الّتي بين أيدينا تعريفا خاصّا بهذه الصّفة الذّميمة الّتي هي سمة المنافقين.
بيد أنّه يمكن تعريفها اعتمادا على ما ذكروه من تعريف للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فنقول:
الأمر بالمنكر:
هو الإرشاد إلى المسالك المهلكة، أو هو: الأمر بما يخالف الكتاب والسّنّة، أو هو: تحسين ما تنفّر عنه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
1/ 17/ 6
الشّريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في شرع الله تعالى.
وقال الرّازيّ ما خلاصته: هو الأمر بكلّ قبيح، وأعظم القبيح تكذيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
النّهي عن المعروف اصطلاحا:
هو الزّجر عمّا يلائم الشّريعة، أو هو النّهي عمّا يوافق الكتاب والسّنّة، أو هو تقبيح ما يرضي الله تعالى من أقوال العبد وأفعاله.
وقال الرّازيّ: هو النّهي عن كلّ حسن، وأعظم ذلك النّهي عن الإيمان بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الغي والإغواء- الإعراض- التخاذل- التهاون- الكسل- الإهمال.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإرشاد- الإنذار- التبليغ- التذكير- النصيحة- الوعظ- الإنصاف] .
__________
(1) استخلصنا هذه التعريفات مما ذكره الجرجاني في كتاب التعريفات (37) من تعريف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذكره الفخر الرازي في التفسير الكبير.(9/3987)
الآيات الواردة في «الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف»
1- الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (67) «1»
__________
(1) التوبة: 67 مدنية.(9/3988)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو أربعين رجلا، فقال: «إنّه مفتوح لكم وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى فهو يمدّ بذنبه» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل ما دخل النّقص على بني إسرائيل كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول: يا هذا اتّق الله، ودع ما تصنع، فإنّه لا يحلّ لك، ثمّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض» ثمّ قال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... إلى قوله: فاسِقُونَ (المائدة/ 78- 81) ثمّ قال «كلّا والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأخذنّ على يدي الظّالم ولتأطرنّه «2» على الحقّ أطرا، ولتقصرنّه على الحقّ قصرا» ) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟. قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت. قال: كذبت. ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن.
قال: كذبت، ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارىء، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنّك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثمّ أمر به فسحب على وجهه ثمّ ألقي في النّار» ) * «4» .
4-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «إنّه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع»
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 401. 437) . والترمذي (2257) وقال: حسن صحيح. والحاكم (4/ 159) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. ورواه أيضا أبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 102) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 65) .
(2) ولتأطرنه: أي لتردنه إلى الحق ولتعطفنه عليه.
(3) أحمد في المسند (1/ 391) برقم (3712) وقال محققه:
(4) مسلم (1905) .(9/3989)
قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلّوا» ) * «1» .
5-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة وأمّر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثمّ دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلمّا همّوا بالدّخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنّما تبعنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرارا من النّار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النّار وسكن غضبه، فذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنّما الطّاعة في المعروف» ) * «2» .
6-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأيّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتّى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصّفا، فلا تضرّه فتنة ما دامت السّماوات والأرض، والآخر أسود مربادّا «3» كالكوز مجخّيا «4» ، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلّا ما أشرب من هواه) * «5» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟
فقال: خرجت ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنظر في وجهه والتّسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وأنا قد وجدت بعض ذلك» ، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التّيّهان الأنصاريّ، وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها «6» فوضعها، ثمّ جاء يلتزم النّبيّ ويفدّيه بأبيه وأمّه، ثمّ انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا، ثمّ انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أفلا تنقّيت لنا من رطبه؟» فقال: يا رسول الله إنّي أردت أن تختاروا- أو قال تخيّروا- من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا والّذي نفسي بيده من النّعيم الّذي تسألون عنه يوم القيامة. ظلّ بارد ورطب طيّب وماء بارد» فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تذبحنّ ذات درّ «7» . فذبح لهم عناقا «8» أو جديا فأتاهم بها فأكلوا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك خادم؟» قال:
لا. قال: «فإذا أتانا سبي فأتنا. «فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برأسين
__________
(1) مسلم (1854) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7145) اللفظ له مسلم (1840) .
(3) مربادّا: مسودّا.
(4) مجخّيا: مائلا.
(5) البخاري- الفتح 2 (525) . ومسلم (144) واللفظ له.
(6) يزعبها: أي يتدافع بها ويحملها لثقلها. وقيل: زعب بحمله: إذا استقام.
(7) ذات درّ: أي ذات لبن.
(8) العناق: الأنثى من المعز.(9/3990)
ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«اختر منهما» فقال: يا نبيّ الله اختر لي، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإنّي رأيته يصلّي، واستوص به معروفا» فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن تعتقه، قال: فهو عتيق فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يبعث نبيّا ولا خليفة إلّا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا «1» ، ومن يوق بطانة السّوء فقد وقي» ) * «2» .
8-* (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر.. الحديث وفيه: فجيء بالغلام، فقال له الملك:
أي بنيّ، قد بلغ من سحرك ما تبرىء الأكمه «3» والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب. فجيء بالرّاهب، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى. فدعا بالمنشار «4» . فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه، ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقّه به حتّى وقع شقّاه ... الحديث» ) * «5» .
9-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني، فقلت:
يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: «نعم» .
قلت: وهل بعد هذا الشّرّ من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن» «6» . قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم، دعاة إلى أبواب جهنّم «7» ، من أجابهم إليها قذفوه فيها» .
قلت: يا رسول الله صفهم لنا فقال: «هم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة حتّى يدركك الموت وأنت على ذلك» ) * «8» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون
__________
(1) بطانة لا تألوه خبالا: أي لا تقصر في إفساد أمره، والخبال: الفساد.
(2) مسلم (2038) . والترمذي (2369) واللفظ له.
(3) الأكمه: الذي يولد أعمى.
(4) بالمئشار: مهموز في رواية الأكثرين، ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء وروي: المنشار، بالنون. وهما لغتان صحيحتان.
(5) مسلم (3005) .
(6) دخن: المراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها.
(7) دعاة إلى أبواب جهنم: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر، كالخوارج والقرامطة وغيرهم.
(8) البخاري- الفتح 6 (3606) واللفظ له. ومسلم (1847) .(9/3991)
بسنّته، ويقتدون بأمره، ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف. يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «1» .
11-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» ) * «2» .
12-* (عن جندب بن عبد الله الأزديّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل الّذي يعلّم النّاس الخير وينسى نفسه كمثل السّراج يضيء للنّاس، ويحرق نفسه» ) * «3» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه، ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «4» .
14-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «5» .
15-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- وجاءه رجل، فقال: ما هذا الحديث الّذي تحدّث به؟ تقول: إنّ السّاعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال:
سبحان الله أو لا إله إلّا الله، أو كلمة نحوهما. لقد هممت أن لا أحدّث أحدا شيئا أبدا. إنّما قلت: إنّكم سترون بعد قليل أمرا عظيما. يحرّق البيت، ويكون، ويكون ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج الدّجّال في أمّتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما) . فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنّه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثمّ يمكث النّاس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثمّ يرسل الله ريحا باردة من قبل الشّام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير أو إيمان إلّا قبضته. حتّى لو أنّ أحدكم دخل في كبد جبل «6» لدخلته عليه، حتّى تقبضه» . قال: سمعتها من رسول
__________
(1) مسلم (50) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2493) .
(3) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 235) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.
(4) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له. مسلم (1835) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7198) .
(6) في كبد جبل: أي وسطه وداخله. وكبد كل شيء وسطه.(9/3992)
الله صلّى الله عليه وسلّم. قال «فيبقى شرار النّاس في خفّة الطّير وأحلام السّباع «1» . لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فيتمثّل لهم الشّيطان فيقول: ألا تستجيبون؟
فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارّ رزقهم «2» ، حسن عيشهم، ثمّ ينفخ في الصّور، فلا يسمع أحد إلّا أصغى ليتا ورفع ليتا «3» .
قال: وأوّل من يسمعه رجل يلوط حوض إبله «4» .
قال: فيصعق، ويصعق النّاس، ثمّ يرسل الله- أو قال- ينزل الله مطرا كأنّه الطّلّ أو الظّلّ «5» فتنبت منه أجساد النّاس، ثمّ ينفخ فيه أخرى فإذاهم قيام ينظرون. ثمّ يقال: يا أيّها النّاس هلمّ إلى ربّكم.
وقفوهم إنّهم مسئولون. قال: ثمّ يقال: أخرجوا بعث النّار فيقال: من كم؟ فيقال: من كلّ ألف، تسعمائة وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا.
وذلك يوم يكشف عن ساق» ) * «6» .
16-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: يا أيّها النّاس إنّكم تقرءون هذه الآية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ النّاس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه» ) * «7» .
17-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالرّجل يوم القيامة فيلقى في النّار، فتندلق أقتاب بطنه «8» فيدور بها كما يدور الحمار بالرّحى، فيجتمع إليه أهل النّار، فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه» ) * «9» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف
1-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله-: «يطّلع قوم من أهل الجنّة إلى قوم من أهل النّار، فيقولون لهم: ما أدخلكم النّار؟ وإنّما أدخلنا الله تعالى الجنّة بفضل تأديبكم وتعليمكم، فقالوا: إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله» ) * «10» .
2-* (عن الأغرّ أبي مالك قال: «لمّا أراد أبو
__________
(1) في خفة الطير وأحلام السباع: قال العلماء: معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد، كطيران الطير. وفي العدوان وظلم بعضهم بعضا، في أخلاق السباع العادية.
(2) دارّ رزقهم: أي كثير رزقهم.
(3) أصغى ليتا ورفع ليتا: أصغى: أمال. والليت: صفحة العنق، وهي جانبه.
(4) يلوط حوض ابله: أي يطيّنه ويصلحه.
(5) كأنه الطل أو الظل: قال العلماء: الأصح الطل. وهو الموافق للحديث الآخر أنه كمني الرجال.
(6) مسلم (2940) .
(7) أبو داود (4338) . والترمذي (2168) واللفظ له. وقال: حديث صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 331) : إسناده قوي.
(8) فتندلق أقتاب بطنه: أي تخرج حوايا وأمعاء بطنه.
(9) مسلم (2989) .
(10) تنبيه الغافلين (91) .(9/3993)
بكر أن يستخلف عمر بعث إليه فدعاه فأتاه فقال: إنّي أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه، فاتّق الله يا عمر بطاعته وأطعه بتقواه، فإنّ التّقيّ آمن محفوظ، ثمّ إنّ الأمر معروض لا يستوجبه إلّا من عمل به، فمن أمر بالحقّ، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيّته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم، فإن استطعت أن تجفّ يدك من دمائهم، وأن تضمّر بطنك من أموالهم، وأن تجفّ لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوّة إلّا بالله» ) * «1» .
3-* (قال حاتم الأصمّ: «ليس في القيامة أشدّ حسرة من رجل علّم النّاس علما فعملوا به ولم يعمل هو به وفازوا بسببه وهلك» ) * «2» .
4-* (قال كعب: «في آخر الزّمان علماء يزهّدون النّاس في الدّنيا ولا يزهدون، ويخوّفون، ولا يخافون، وينهون عن غشيان الولاة ويأتون، يؤثرون الدّنيا على الآخرة، يأكلون بألسنتهم، يقرّبون الأغنياء دون الفقراء، أولئك الجبّارون أعداء الرّحمن» ) * «3» .
5-* (عن أبي جعفر محمّد بن عليّ في قوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (الشعراء/ 94) : قال: وصفوا الحقّ والعدل بألسنتهم وخالفوا إلى غيره) * «4» .
6-* (قال الشّاعر:
يا أيّها الرّجل المعلّم غيره ... هلّا لنفسك كان ذا التّعليم
تصف الدّواء لذي السّقام وذي الضّنا ... كي ما يصحّ به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها ... فإذ انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى ... بالقول منك ويقبل التّسليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم) * «5» .
من مضار (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف)
(1) في الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف هلاك العباد، وخراب الدّيار والبلاد.
(2) إشاعة الفاحشة والمعاصي واستباحة الأعراض والأموال.
(3) الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف طريق مؤدّ إلى سخط الله وغضبه، ومن ثمّ حلول العقاب والانتقام.
(4) أنّ من يأمر بالشّيء ولا يفعله لا يقبل منه ولا يستمع إليه، فضلا عن سوء عاقبته وخاتمته.
__________
(1) الترغيب والترهيب (3/ 236) . ورواه الطبراني ورواته ثقات إلا أن فيه انقطاعا.
(2) تنبيه الغافلين (91) .
(3) المرجع السابق (92) .
(4) تنبيه الغافلين (91) .
(5) أدب الدنيا والدين (39، 40) .(9/3994)
الإمّعة
الإمّعة لغة:
الهمزة والميم والعين ليس بأصل، فقد اقتصر على معنى كلمة الإمّعة فقط وأصلها «مع» والألف زائد، يقول ابن فارس: «الهمزة والميم والعين ليس بأصل، والّذي جاء فيه رجل إمّعة، وهو الضّعيف الرّأي القائل لكلّ أحد أنا معك ... والأصل مع والألف زائدة» .
ويقول الجوهريّ: «رجل إمّع وإمّعة أيضا للّذي يكون لضعف رأيه مع كلّ أحد، وقول من قال:
امرأة إمّعة، غلط، لا يقال للنّساء ذلك، وقد حكي ذلك عن أبي عبيد» .
وروى عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال كنّا في الجاهليّة نعدّ الإمّعة الّذي يتبع النّاس إلى الطّعام من غير أن يدعى، وإنّ الإمّعة فيكم اليوم المحقب دينه. قال أبو عبيد: والمعنى الأوّل يرجع إلى هذا ويقال: الإمّعة، والإمّع، بكسر الهمزة وتشديد الميم: الّذي لا رأي له ولا عزم فهو يتابع كلّ أحد على رأيه ولا يثبت على شيء، والهاء فيه للمبالغة، وفي الحديث: «اغد عالما أو متعلّما، ولا تكن إمّعة» ، ولا نظير له إلّا رجل إمّر، وهو الأحمق.
قال الأزهريّ: وكذلك الإمّرة، وهو الّذي يوافق كلّ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 2/ 10
إنسان على ما يريده.
يقول اللّيث: رجل إمّعة يقول لكلّ أحد: أنا معك، ورجل إمّع وإمّعة للّذي يكون لضعف رأيه مع كلّ أحد، ومنه قول ابن مسعود: لا يكوننّ أحدكم إمّعة، قيل: وما الإمّعة؟ قال: الّذي يقول: أنا مع النّاس. قال ابن برّي: أراد ابن مسعود بالإمّعة الّذي يتبع كلّ أحد على دينه.
والإمّعة: المتردّد في غير ما صنعة، والّذي لا يثبت إخاؤه، ورجال إمّعون، ولا يجمع بالألف والتّاء. «1»
الإمّعة اصطلاحا:
قال ابن الأثير: الإمّعة الّذي لا رأي له، فهو يتابع كلّ أحد على رأيه، وقيل: هو الّذي يقول لكلّ أحد أنا معك «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: صغر الهمة- الضعف- الوهن- الذل- التخاذل- الكسل- التهاون- الإهمال.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: قوة الإرادة- الرجولة- علو الهمة- القوة- المسئولية- النشاط- المروءة- النظام- العمل] .
__________
(1) المقاييس (1/ 139) ، والصحاح (4/ 1183) ، والقاموس المحيط (3/ 2) ، ولسان العرب (8/ 3- 4) .
(2) النهاية لابن الأثير (1/ 67) .(9/3995)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإمعة)
1-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن النّاس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن النّاس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» ) * «1»
2-* (عن مرداس الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يذهب الصّالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حفالة، كحفالة الشّعير «2» ، أو التّمر لا يباليهم الله بالة» «3» ) * «4»
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الإمعة)
1-* (روي عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا في الجاهليّة نعدّ الإمّعة الّذي يتبع النّاس إلى الطّعام من غير أن يدعى، وإنّ الإمّعة فيكم اليوم المحقب «5» النّاس دينه) * «6» .
2-* ( «عن مقاتل بن حيّان قال: أهل هذه الأهواء آفة أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم لأنّهم يذكرون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته فيتصيّدون بهذا الذّكر الحسن الجهّال من النّاس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصّبر باسم العسل، ومن يسقي السّمّ القاتل باسم التّرياق، فأبصرهم فإنّك إن لا تكن أصبحت في بحر الماء، فقد أصبحت في بحر الأهواء الّذي هو أعمق غورا وأشدّ اضطرابا وأكثر صواعق، وأبعد مذهبا من البحر وما فيه، ففلك مطيّتك الّتي تقطع بها سفر الضّلال اتّباع السّنّة» ) * «7» .
3-* ( «عن الفضيل بن عياض- رحمه الله- قال: «اتّبع طريق الهدى، ولا يضرّك قلّة السّالكين وإيّاك وطرق الضّلالة ولا تغترّ بكثرة الهالكين» ) * «8» .
4-* (حكى المسعوديّ أنّه كان في أعلى صعيد مصر رجل من القبط ممّن يظهر دين النّصرانيّة وكان يشار إليه بالعلم والفهم، فبلغ خبره أحمد بن طولون فاستحضره وسأله عن أشياء كثيرة من جملتها أنّه أمر في بعض الأيام، وقد أحضر مجلسه بعض أهل النّظر ليسأله عن الدّليل على صحّة دين النّصرانيّة فسألوه عن ذلك فقال: دليلي على صحّتها وجودي إيّاها
__________
(1) الترمذي (2007) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) حديث حسن.
(2) الحفالة والحثالة: الرديء من كل شيء، والحفالة أيضا بقية الأقماع والقشور في التمر والحب.
(3) لا يباليهم الله بالة: أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا.
(4) البخاري- الفتح 11 (6434) .
(5) المحقب: الذي يقلد دينه لكل أحد.
(6) لسان العرب (أم ع) .
(7) المرجع السابق (8/ 98) .
(8) لسان العرب (8/ 98) .(9/3996)
متناقضة متنافية تدفعها العقول، وتنفر منها النّفوس لتباينها وتضادّها لا نظر يقوّيها، ولا جدل يصحّحها، ولا برهان يعضّدها من العقل والحسّ عند أهل التّأمّل فيها، والفحص عنها، ورأيت مع ذلك أمما كثيرة وملوكا عظيمة ذوي معرفة، وحسن سياسة وعقول راجحة قد انقادوا إليها، وتديّنوا بها مع ما ذكرنا من تناقضها في العقل فعلمت أنّهم لم يقبلوها، ولا تديّنوا بها إلّا بدلائل شاهدوها، وآيات ومعجزات عرفوها أوجبت انقيادهم إليها والتّديّن بها) * «1» .
5-* (يفصّل الشّاطبيّ أنواع المقلّدين فيقول في القسم الثّالث: وهو الّذي قلّد غيره على البراءة الأصليّة، فلا يخلو أن يكون ثمّ من هو أولى بالتّقليد منه، بناء على التّسامع الجاري بين الخلق بالنّسبة إلى الجمّ الغفير إليه من أمور دينهم من عالم وغيره، لكنّه ليس في إقبال الخلق عليه، وتعظيمهم له ما يبلغ تلك الرّتبة: فإن كان هناك منتصبون فتركهم هذا المقلّد وقلّد غيرهم، فهو آثم إذ لم يرجع إلى من أمر بالرّجوع إليه، بل تركه ورضي لنفسه بأخسر الصّفقتين فهو غير معذور، إذ قلّد في دينه من ليس بعارف بالدّين في حكم الظّاهر، فعمل بالبدعة، وهو يظنّ أنّه على الصّراط المستقيم وهذا حال من بعث فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّهم تركوا دينهم الحقّ، ورجعوا إلى باطل آبائهم، ولم ينظروا نظر المستبصر حتّى لم يفرّقوا بين الطّريقين، وغطّى الهوى على عقولهم دون أن يبصروا الطّريق الصّحيح) * «2» .
6-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: اغد عالما أو متعلّما، ولا تغد إمّعة فيما بين ذلك) * «3» .
7-* (عن كميل بن زياد أنّ عليّا- رضي الله عنه- قال: يا كميل: إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، والنّاس ثلاثة: فعالم ربّانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق إلى أن قال: أفّ لحامل حقّ لا بصيرة له، ينقدح الشّكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا يدري أين الحقّ، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، مشغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به) * «4» .
8-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:
ألا لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنّه لا أسوة في الشّرّ) * «5» .
__________
(1) الاعتصام للشاطبي (1/ 158، 159) .
(2) المرجع السابق (1/ 160) بتصرف يسير.
(3) المرجع السابق (2/ 357) .
(4) المرجع السابق (2/ 358) .
(5) الاعتصام (2/ 359) .(9/3997)
9-* (قال الشّاعر:
لقيت شيخا إمّعه ... سألته عمّا معه
فقال ذود أربعة) * «1» .
10-* (قال الشّاعر:
فلا درّ درّك من صاحب ... فأنت الوزاوزة الإمّعة)
* «2» .
من مضار (الإمعة)
(1) تدلّ على ضعف الشّخص عقليّا ودينيّا.
(2) يعيش الإمّعة ذليلا.
(3) الإمّعة منبوذ من الله ثمّ من النّاس.
(4) تساعد على وجود أشخاص بلا قيمة في المجتمع.
(5) توقع في مهاوي الضّلالة.
(6) تقوّي روح التّبعيّة والرّذيلة في المجتمع فيعيش عالة على المجتمعات الأخرى، ويضعف الإنتاج الفكريّ والمادّيّ.
__________
(1) لسان العرب (أم ع) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(9/3998)
الأمن من المكر
الأمن لغة:
تدور مادّة «أمن» حول معنيين: الأمانة، والتّصديق، يقول ابن فارس الهمزة والميم والنّون أصلان متقاربان: أحدهما: الأمانة الّتي هي ضدّ الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر: التّصديق.
فمن الأوّل: الأمنة من الأمن، والأمان إعطاؤه، والأمانة ضدّ الخيانة. يقال: أمنت الرّجل أمنا وأمنة، وأمانا، وأمنني يؤمنني إيمانا، والعرب تقول:
رجل أمان، إذا كان أمينا ... ومن الثّاني: التّصديق، ومنه قوله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا (يوسف/ 17) أي مصدّق لنا.
ويقول الرّاغب: أصل الأمن طمأنينة النّفس، وزوال الخوف. والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة الّتي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو قوله وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) أي ما ائتمنتم عليه.
وقال ابن منظور: الأمن نقيض الخوف، أمن فلان يأمن أمنا وأمنا. حكى هذا الزّجّاج، وأمنة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 2/ 17
وأمانا فهو آمن.
والأمنة: الأمن، وفي حديث نزول المسيح، على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام: «وتقع الأمنة في الأرض» أي الأمن، يريد أنّ الأرض تمتلأ بالأمن فلا يخاف أحد من النّاس والحيوان. وفي الحديث:
«النّجوم أمنة، فإذا ذهبت النّجوم أتى السّماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمّتي فإذا ذهب أصحابي أتى الأمّة ما توعد» «1» .
المكر لغة واصطلاحا:
(انظر صفة المكر) .
الأمن من المكر اصطلاحا:
قال ابن حجر: الأمن من مكر الله تعالى يتحقّق بالاسترسال في المعاصي مع الاتّكال على الرّحمة «2» .
وقيل: هو الاسترسال على المعاصي اتّكالا على عفو الله تعالى «3» .
حقيقة مكر الله:
قال الرّاغب: مكر الله تعالى: صفة حقيقيّة على ما يليق بجلال الله وكماله ومن لوازمها إمهال العبد
__________
(1) لسان العرب (31/ 21) .
(2) الزواجر (1/ 86) .
(3) التحرير والتنوير لابن عاشور (9/ 25) .(9/3999)
وتمكينه من أعراض الدّنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين عليّ- رضي الله عنه- من وسّع عليه في دنياه ولم يعلم أنّه مكر به فهو مخدوع عن عقله «1» ، وقال ابن منظور:
قال أهل العلم بالتّأويل: المكر من الله تعالى جزاء سمّي باسم مكر المجازى، كما قال تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) فالثّانية ليست بسيّئة في الحقيقة ولكنّها سمّيت سيّئة لازدواج الكلام، وكذلك قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (البقرة/ 194) فالأوّل: ظلم، والثّاني: ليس بظلم، ولكنّه سمّي باسم الذّنب ليعلم أنّه عقاب عليه، ويجري مجرى هذا القول قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
(النساء/ 142) .
وفي حديث الدّعاء: اللهمّ امكر لي، ولا تمكر بي، قال ابن الأثير: مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه، وقيل: هو استدراج العبد بالطّاعات فيتوهّم أنّها مقبولة وهي مردودة «2» .
وقال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ (الأعراف/ 99) . أي عذابه وجزاءه على مكرهم، وقيل مكره: استدراجه بالنّعمة والصّحّة «3» .
وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران/ 54) فهو من باب المقابلة على حدّ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) وقوله سبحانه: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ (المائدة/ 116) ومعنى المقابلة أنّه لا يجوز أن يوصف تعالى بالمكر إلّا لأجل ما ذكر معه من لفظ آخر مسند لمن يليق به.
وردّ بأنّه جاء وصف الله تعالى به من غير مقابلة في قوله: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ (الأعراف/ 99) على أنّ المكر «4» ربّما يصحّ اتّصافه تعالى به، إذ هو لغة: السّتر، يقال: مكر اللّيل أي ستر بظلمته ما هو فيه، ويطلق أيضا على الاحتيال والخداع والخبث، وبهذا الاعتبار عبّر عنه بعض اللّغويّين بأنّه السّعي بالفساد، وبعضهم بأنّه صرف الغير عمّا يقصد بحيلة، وهذا الأخير إمّا محمود بأن يتخيّل في أن يصرفه إلى خير، وعليه يحمل قوله تعالى وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (آل عمران/ 54) وإمّا مذموم بأن يتخيّل به أن يصرفه إلى شرّ ومنه وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) «5» .
الأمن من مكر الله كبيرة من الكبائر:
كان صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» . وفي رواية: «فقالوا: يا رسول الله أتخاف؟. قال: «إنّ القلب بين أصبعين من أصابع الرّحمن يقلّبه كيف يشاء» فهو يصرّفها أسرع من ممرّ الرّيح على اختلاف في القبول والرّدّ والإرادة والكراهة وغير ذلك من الأوصاف. وفي التّنزيل: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي بينه وبين عقله حتّى لا
__________
(1) المفردات للراغب: (ص 471) .
(2) لسان العرب (مكر) ص 4247 (ط. دار المعارف) .
(3) تفسير القرطبى 7/ 97.
(4) بل هو وصف ثابت لله عزّ وجلّ على ما يليق بجلاله كما مرّ.
(5) الزواجر (ص 112، 113) وانظر لسان العرب: مادة (مكر) .(9/4000)
يدري ما يصنع، قاله مجاهد. ويؤيّده قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (ق/ 37) أي عقل. واختار الطّبرانيّ أنّ معنى تلك الإحالة إعلام العباد بأنّه أملك لقلوبهم منهم، وأنّه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتّى لا يدرك أحد شيئا إلّا بمشيئته تعالى. ولمّا كان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» قالت عائشة- رضي الله عنها-: يا رسول الله، إنّك تكثر أن تدعو بهذا الدّعاء فهل تخشى؟. قال: «وما يؤمّننا يا عائشة- وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرّحمن- إذا أراد أن يقلّب قلب عبده قلّبه؟» . وقد أثنى تعالى على الرّاسخين في العلم. بقوله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران/ 8) . في هذه الآية دلالة ظاهرة على أحقّيّة ما ذهب إليه أهل السّنّة من أنّ الزّيغ والهداية بخلق الله وإرادته، بيان ذلك أنّ القلب صالح للمثل إلى الخير والشّرّ، ومحال أن يميل إلى أحدهما بدون داعية، فإن كان داعية الكفر فهو الخذلان والإزاغة والصدّ والختم، وإن كان داعية الإيمان فهو التّوفيق والإرشاد والهداية والتّسديد والتّثبيت والعصمة وغير ذلك من الألفاظ الواردة في القرآن.
وممّا يحذّرك أيضا من أمن المكر استحضارك قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح: «إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يبقى بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها» . وفي حديث البخاريّ: «إنّ العبد ليعمل بعمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل الرّجل بعمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» . ولا يتّكل على ذلك، فإنّ الصّحابة- رضوان الله عليهم- لمّا قالوا عند سماع ذلك ففيم العمل يا رسول الله أفلا نتّكل على كتاب أعمالنا؟. قال لهم: «بل اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» ثمّ قرأ:
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (الليل/ 5- 10) «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التهاون- الإعراض- الطمع- القسوة- التخاذل- التفريط والإفراط- الكسل- العتو- الغرور.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تذكر الموت- الخشية- الخوف- محاسبة النفس- المراقبة- مجاهدة النفس- الحذر] .
__________
(1) الزواجر عن اقتراف الكبائر (111) بتصرف.(9/4001)
الآيات الواردة في «الأمن من المكر»
1- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96)
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97)
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) «1»
2- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) «2»
__________
(1) الأعراف: 96- 99 مكية
(2) النحل: 45- 47 مكية(9/4002)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الأمن من المكر)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان متّكئا فدخل عليه رجل، فقال: ما الكبائر؟ فقال: الشّرك بالله، والقنوط من رحمة الله- عزّ وجلّ- والأمن من مكر الله، وهذا أكبر الكبائر) * «1» .
2-* (عن زيد بن أسلم أنّ الله- تبارك وتعالى- قال للملائكة: «ما هذا الخوف الّذي قد بلغكم وقد أنزلتكم المنزلة الّتي لم أنزلها غيركم؟ قالوا: ربّنا لا نأمن مكرك، لا يأمن مكرك إلّا القوم الخاسرون» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الأمن من المكر)
1-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «من وسّع عليه في دنياه، ولم يعلم أنّه مكر به فهو مخدوع عن عقله» ) * «3» .
2-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) * «4» .
3-* (عن إسماعيل بن رافع، قال: «من الأمن لمكر الله إقامة العبد على الذّنب يتمنّى على الله المغفرة» ) * «5» .
4-* (قال هشام بن عروة: «كتب رجل إلى صاحب له: إذا أصبت من الله شيئا يسرّك فلا تأمن أن يكون فيه من الله مكر فإنّه لا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون» ) * «6» .
5-* (عن عليّ بن أبي حليمة، قال: كان ذرّ ابن عبد الله الخولانيّ إذا صلّى العشاء يختلف في المسجد، فإذا أراد أن ينصرف رفع صوته بهذه الآية فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (الأعراف/ 99)) * «7» .
6-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- «المؤمن يعمل بالطّاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن» ) * «8»
7-* (قال ابن أبي مليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّهم يخاف النّفاق على
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 485) والزواجر عن اقتراف الكبائر (ص 112) وقال الأشبه فيه أن يكون موقوفا وهو نفس قول ابن كثير. إلا أنه زاد: فقد روي عن ابن مسعود نحو ذلك. والمصنف (10/ 460) .
(2) الدر المنثور، للسيوطي (3/ 506) .
(3) المفردات للراغب (471) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6308) .
(5) المرجع السابق (3/ 507) .
(6) المرجع السابق (3/ 507) .
(7) المرجع السابق (3/ 506، 507) .
(8) تفسير ابن كثير (2/ 234) .(9/4003)
نفسه، ما منهم أحد يقول: إنّه على إيمان جبريل وميكائيل» ) * «1» .
8-* (عن الحسن قال عن النّفاق: «ما خافه إلّا مؤمن، ولا أمنه إلّا منافق» ) * «2» .
9-* (قال كعب: «في آخر الزّمان علماء يزهّدون النّاس في الدّنيا ولا يزهدون، ويخوّفون ولا يخافون، ينهون عن غشيان الولاة ويأتون، يؤثرون الدّنيا على الآخرة، يأكلون بألسنتهم، يقرّبون الأغنياء دون الفقراء، أولئك الجبّارون أعداء الرّحمن» ) * «3» .
10-* (قال الشّوكانيّ عند قوله تعالى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ، قيل: مكر الله هنا هو استدراجه بالنّعمة والصّحّة، والأولى حمله على ما هو أعمّ من ذلك) * «4» .
11-* (قال محمّد بن جرير الطّبريّ في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمّد هؤلاء الّذين يكذّبون الله ورسوله ويجحدون آياته استدراج الله إيّاهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحّة الأبدان ورخاء العيش كما استدرج الّذين قصّ عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، فإنّ مكر الله لا يأمنه- يقول لا يأمن ذلك أن يكون استدراجا مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم- إلّا القوم الخاسرون. وهم الهالكون» ) * «5» .
12- (قال الشّهاب الخفاجيّ: «الأمن من مكر الله كبيرة عند الشّافعيّة وهو الاسترسال على المعاصي اتّكالا على عفو الله» ) * «6» .
13-* (قال عليّ كرّم الله وجهه «إنّما العالم الّذي لا يقنّط النّاس من رحمة الله تعالى، ولا يؤمّنهم من مكر الله» ) * «7» .
14-* (قال الغزاليّ: والتّشديدات الواردة في الأمن من مكر الله وعذابه لا تنحصر، وكلّ ذلك ثناء على الخوف، لأنّ مذمّة الشّيء ثناء على ضدّه الّذي ينفيه وضدّ الخوف: الأمن، كما أنّ ضدّ الرّجاء اليأس، وكما دلّت مذمّة القنوط على فضيلة الرّجاء فكذلك تدلّ مذمّة الأمن على فضيلة الخوف المضادّ له» ) * «8» .
15-* (وقال أيضا: «وإنّما كان خوف الأنبياء مع ما أفاض عليهم من النّعم لأنّهم لم يأمنوا مكر الله تعالى» ) * «9» .
16-* (وقد علّق الغزاليّ على قول الله تعالى لموسى عليه السّلام لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى بقوله: ومع هذا لمّا ألقى السّحرة سحرهم أوجس موسى في نفسه خيفة إذ لم يأمن مكر الله والتبس الأمر عليه حتّى جدّد عليه الأمن، وقيل له:
لا تخف، إنّك أنت الأعلى) * «10» .
17-* (وعلّق على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم
__________
(1) فتح الباري (1/ 135) .
(2) المرجع السابق (1/ 135) .
(3) تنبيه الغافلين (ص 92) .
(4) فتح القدير (2/ 228) .
(5) تفسير الطبري (مج 6 ج 9/ 11) .
(6) التحرير والتنوير (9/ 25) .
(7) إحياء علوم الدين (4/ 153) .
(8) المرجع السابق (4/ 170) .
(9) المرجع السابق (4/ 179) .
(10) المرجع السابق (4/ 180) .(9/4004)
بدر «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة ... الحديث» . بقوله فكان مقام الصّدّيق- رضي الله عنه- مقام الثّقة بوعد الله، وكان مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقام الخوف من مكر الله وهو أتمّ، لأنّه لا يصدر إلّا عن كمال المعرفة بأسرار الله تعالى، وخفايا أفعاله، ومعاني صفاته الّتي يعبّر عن بعض ما يصدر عنها بالمكر، وما لأحد من البشر الوقوف على كنه صفات الله تعالى) * «1» .
من مضار (الأمن من المكر)
(1) أنّها تجعل المؤمن غافلا عن طاعة الله ورضوانه.
(2) إذا أمن المؤمن مكر الله لم يراقب الله في تصرّفاته ويرتع في الدّنيا كالبهائم.
(3) الأمن من مكر الله طريق يؤدّي إلى جهنّم وبئس المصير.
(4) لا يأمن من مكر الله إلّا القوم الخاسرون.
__________
(1) الإحياء: (4/ 180) .(9/4005)
الانتقام
الانتقام لغة:
مصدر قولهم: انتقم ينتقم، وهو مأخوذ من مادّة (ن ق م) الّتي تدور حول إنكار الشّيء وعيبه.
يقول ابن فارس: «النّون والقاف والميم أصل يدلّ على إنكار شيء وعيبه. ونقمت عليه أنقم: أنكرت عليه فعله، والنّقمة من العذاب والانتقام، كأنّه أنكر عليه فعاقبه» فالعقوبة ناتجة عن الإنكار، يقول الرّاغب:
نقمت الشّيء، ونقمته إذا أنكرته إمّا باللّسان وإمّا بالعقوبة، قال تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (التوبة/ 74) .. والنّقمة:
العقوبة» .
وقيل: النّقمة والنّقمة: المكافأة بالعقوبة، والجمع نقم ونقم، فنقم لنقمة، ونقم لنقمة. وقال اللّيث: يقال لم أرض منه حتّى نقمت وانتقمت إذا كافأه عقوبة بما صنع. قال ابن الأعرابيّ: النّقمة العقوبة، والنّقمة الإنكار. وقوله تعالى: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا أي هل تنكرون.
وفي الحديث: «أنّه ما انتقم لنفسه قطّ إلّا أن تنتهك محارم الله» أي ما عاقب أحدا على مكروه أتاه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
12/ 7/ 13
من قبله.
ونقمت الأمر ونقمته إذا كرهته. وانتقم الله منه أي عاقبه، والاسم منه النّقمة، والجمع نقمات ونقم مثل كلمة وكلمات، وكلم. وفي التّنزيل العزيز: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ (المائدة/ 59) قال أبو إسحاق: يقال نقمت على الرّجل أنقم ونقمت عليه أنقم، قال: والأجود نقمت أنقم، وهو الأكثر في القراءة.
قال ابن برّيّ: يقال: نقمت نقما ونقوما ونقمة، ونقمة، ونقمت: بالغت في كراهة الشّيء. ومن أسمائه سبحانه: المنتقم، وهو البالغ في العقوبة لمن شاء، وهو مفتعل من نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حدّ السّخط «1» .
المنتقم من أسماء الله تعالى:
قال الغزاليّ: المنتقم: هو الّذي يقصم ظهور العتاة، وينكّل بالجناة، ويشدّد العقاب على الطّغاة، وذلك بعد الإعذار والإنذار، وبعد التّمكّن والإمهال وهو أشدّ للانتقام من المعاجلة بالعقوبة، فإنّه إذا عوجل بالعقوبة لم يمعن في المعصية، فلم يستوجب
__________
(1) المقاييس (5/ 464) والمفردات (504) والتهذيب (9/ 202) . لسان العرب (12/ 590- 591) ، وانظر: مختار الصحاح (8/ 61) ، والنهاية في غريب الحديث (5/ 110، 111) .(9/4006)
العاصي غاية النّكال في العقوبة «1» .
وقال ابن منظور: المنتقم هو البالغ في العقوبة لمن شاء، وهو على وزن مفتعل من نقم ينقم:
إذا بلغت به الكراهة حدّ السّخط «2» .
وقال الزّجّاج: النّقمة كراهة يضامّها سخط فمن كره أمرا من الأمور مع سخط منه له فهو ناقم «3» ، وقد كره الله تعالى أمورا وسخط أمورا فهو نقم عليها ومنتقم منها.
وقال العزّ بن عبد السّلام: المنتقم: هو المعذّب لمن يشاء من عباده عدلا «4» .
الانتقام اصطلاحا:
إنزال العقوبة مصحوبا بكراهية تصل إلى حدّ السّخط «5» .
أنواع الانتقام:
الانتقام يكون أحيانا محمودا، وأحيانا مذموما، فهو محمود لمن ابتلي بشيء من الولايات بأن يكون ذلك من الجناة الّذين ينتهكون محارم الله بالحدود والتّعزيرات والعقوبات المشروعات، ويكون مذموما إذا تعلّق الأمر بالأفراد، إذا أصيبوا بالأذى لأنّ فيه تركا للتّخلّق بالعفو الّذي أمرنا بالتّخلّق به لما فيه من الإحسان إلى المسيء واقتداء بسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الّذي لم ينتقم لنفسه قطّ، وإنّما كان ذلك منه إذا انتهكت حرمات الله) «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأذى- الإساءة- العدوان- النقمة- البغي- الإرهاب- الإجرام- القسوة الفجور- الطغيان- العتو- الحرب والمحاربة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإحسان- الصفح- العفو- كظم الغيظ- المروءة- التقوى- الاستقامة- السلم- الطاعة] .
__________
(1) المقصد الأسنى للغزالي (124) .
(2) لسان العرب (نقم) (4531) ط. دار المعارف.
(3) تفسير أسماء الله الحسنى للزّجّاج (63) (بتصرف) وقد ورد بالأصل منتقم والصواب ما أثبتناه.
(4) شجرة المعارف والأحوال (36) .
(5) اقتبس هذا التعريف مما ذكره اللغويون ومفسرو أسماء الله الحسنى.
(6) شجرة المعارف والأحوال (مجانبة الانتقام (183) ، والتخلق بالانتقام (36) ، وانظر الحديث رقم (4) .(9/4007)
الآيات الواردة في «الانتقام»
1- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «2» .
3- فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (136) «3»
4- وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) «4»
5- وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (78)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (79) «5»
6- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(47) «6»
7- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «7»
8- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36)
__________
(1) آل عمران: 1- 5 مدنية
(2) المائدة: 95 مدنية
(3) الأعراف: 135- 136 مكية
(4) إبراهيم: 45- 47 مكية
(5) الحجر: 78- 79 مكية
(6) الروم: 47 مكية
(7) السجدة: 22 مكية(9/4008)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «1»
9- قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «2»
10- وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) «3»
11- فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (54)
فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) «4»
12- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10)
يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)
ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «5»
__________
(1) الزمر: 36- 37 مكية
(2) الزخرف: 24- 25 مكية
(3) الزخرف: 39- 41 مكية
(4) الزخرف: 54- 56 مكية
(5) الدخان: 10- 16 مكية(9/4009)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الانتقام)
1-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده. ولا امرأة ولا خادما. إلّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قطّ. فينتقم من صاحبه. إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله. فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الانتقام) معنى
1-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده. ولا امرأة ولا خادما. إلّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل منه شيء قطّ. فينتقم من صاحبه. إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله. فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (الانتقام) معنى
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: أنّ رعلا وذكوان وعصيّة وبني لحيان استمدّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عدوّ، فأمدّهم بسبعين من الأنصار كنّا نسمّيهم القرّاء في زمانهم، كانوا يحتطبون «3» بالنّهار ويصلّون باللّيل. حتّى كانوا ببئر معونة «4» قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقنت «5» شهرا يدعو في الصّبح على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا، ثمّ إنّ ذلك رفع «6» : «بلّغوا عنّا قومنا أنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضانا» . وعن قتادة عن أنس بن مالك حدّثه: «أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قنت شهرا في صلاة الصّبح يدعو على أحياء من أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصيّة وبني لحيان» زاد خليفة: حدّثنا ابن زريع حدّثنا سعيد عن قتادة حدّثنا أنس أنّ أولئك السّبعين من الأنصار قتلوا ببئر معونة قرآنا كتابا نحوه «7» ) * «8» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة عينا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب فانطلقوا، حتّى إذا كان بين عسفان ومكّة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصّوا آثارهم «9» ، حتّى أتوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتّى لحقوهم، فلمّا انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد «10» وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا. فقال عاصم: أمّا أنا فلا أنزل في ذمّة كافر، اللهمّ أخبر عنّا نبيّك، فقاتلوهم حتّى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنّبل، وبقي خبيب وزيد ورجل فأعطوهم العهد والميثاق فلمّا أعطوهم العهد
__________
(1) مسلم (2739) .
(2) مسلم (2328) .
(3) يحتطبون: يجمعون الحطب.
(4) بئر معونة: موضع في بلاد هذيل بين مكة وعسفان.
(5) قنت شهرا: أي دعا عليهم في الصلاة.
(6) رفع: أي نسخت تلاوته.
(7) قرآنا كتابا نحوه: أي نحو رواية عبد الأعلى عن ابن زريع.
(8) البخاري الفتح 7 (4090) واللفظ له، ومسلم (677) .
(9) اقتصوا آثارهم: تتبعوا آثار أقدامهم على الرمال بحثا عنهم.
(10) الفدفد: الربوة العالية.(9/4010)
والميثاق نزلوا إليهم فلمّا استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال الرّجل الثّالث معهما:
هذا أوّل الغدر. فأبى أن يصحبهم فجرّروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتّى باعوهما بمكّة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا، حتّى إذا أجمعوا قتله استعار موسى «1» من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها «2» ، فأعارته، قالت: فغفلت عن صبيّ لي، فدرج إليه حتّى أتاه فوضعه على فخذه، فلمّا رأيته فزعت فزعة عرف ذاك منّي، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله. وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف «3» عنب وما بمكّة يومئذ ثمرة، وإنّه لموثق في الحديد، وما كان إلّا رزق رزقه الله فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلّي ركعتين. ثمّ انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أنّ ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أوّل من سنّ الرّكعتين عند القتل هو. ثمّ قال: اللهمّ أحصهم عددا. ثمّ قال:
ما إن أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع
ثمّ قام إليه عقبة بن الحارث فقتله. وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظّلّة من الدّبر «4» فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء) * «5» .
5-* (عن جعفر بن عمرو بن أميّة الضّمريّ قال: خرجت مع عبيد الله بن عديّ بن الخيار، فلمّا قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عديّ: هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم. وكان وحشيّ يسكن حمص، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظلّ قصره كأنّه حميت «6» . قال: فجئنا حتّى وقفنا عليه بيسير، فسلّمنا، فردّ السّلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته «7» ما يرى وحشيّ إلّا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشيّ أتعرفني؟ قال فنظر إليه ثم قال: لا والله، إلّا أنّي أعلم أنّ عديّ بن الخيار تزوّج امرأة يقال لها أمّ قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلاما بمكّة فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمّه فناولتها إيّاه، فلكأنّي نظرت إلى قدميك. قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثمّ قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال:
نعم، إنّ حمزة قتل طعيمة بن عديّ بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمّي فأنت حرّ، قال: فلمّا أن خرج النّاس عام عينين- وعينين جبل بحيال أحد «8» ، بينه وبينه واد- خرجت مع النّاس إلى القتال، فلمّا اصطفّوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال فخرج إليه حمزة بن
__________
(1) استعار موسى: أي طلب آلة للحلاقة.
(2) ليستحد بها: من الاستحداد وهو حلق شعر العانة.
(3) القطف بكسر القاف: العنقود.
(4) الظّلّة: السحابة، والدّبر بفتح الدال وسكون الباء: الزنابير، وقيل: ذكور النحل لا واحد له من لفظه.
(5) البخاري- الفتح 7 (4086) .
(6) حميت بوزن رغيف أي زق كبير.
(7) معتجر أي لافّ عمامته على رأسه من غير تحنيك.
(8) بحيال أحد: أي بمقابلة أحد.(9/4011)
عبد المطّلب فقال: يا سباع، يا ابن أمّ أنمار مقطّعة البظور «1» ، أتحادّ الله ورسوله «2» صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ثمّ شدّ عليه، فكان كأمس الذّاهب «3» . قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة «4» ، فلمّا دنا منّي رميته بحربتي فأضعها في ثنّته «5» حتّى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به. فلمّا رجع النّاس رجعت معهم، فأقمت بمكّة حتّى فشا فيها الإسلام. ثمّ خرجت إلى الطّائف، فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رسلا، فقيل لي: إنّه لا يهيج الرّسل «6» ، قال: فخرجت معهم حتّى قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رآني قال: «آنت وحشيّ؟» قلت:
نعم. قال: «أنت قتلت حمزة؟» قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: «فهل تستطيع أن تغيّب وجهك عنّي؟» قال: فخرجت. فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج مسيلمة الكذّاب قلت: لأخرجنّ إلى مسيلمة لعليّ أقتله فأكافيء به حمزة «7» . قال: فخرجت مع النّاس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة «8» جدار كأنّه جمل أورق «9» ثائر الرّأس «10» ، قال: فرميته بحربتي.
فأضعها بين ثدييه حتّى خرجت من بين كتفيه. قال:
ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسّيف على هامته.
قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان ابن يسار أنّه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود) * «11» .
6-* (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر. فلمّا كبر قال للملك: إنّي قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر. فبعث إليه غلاما يعلّمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب وقعد إليه، فإذا أتى السّاحر ضربه. فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال:
إذا خشيت السّاحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّة عظيمة قد حبست النّاس، فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال:
اللهمّ إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة حتّى يمضي النّاس. فرماها فقتلها.
ومضى النّاس. فأتى الرّاهب فأخبره. فقال له الرّاهب:
أي بنيّ! أنت اليوم أفضل منّي. قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنّك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ، وكان الغلام يبرأ الأكمه «12» والأبرص ويداوي النّاس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع «13» إن أنت شفيتني. فقال: إنّي لا أشفي أحدا. إنّما يشفي الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له
__________
(1) البظور جمع بظر وهي التي تقطع من فرج المرأة عند الختان وكانت أمه ختانه تختن النساء، يقال هذا في معرض الذم.
(2) أتحادّ الله ورسوله: أي أتعاندهما.
(3) كأمس الذاهب: كناية عن قتله، أي صيره عدما.
(4) وكمنت لحمزة: أختبأت وتخفّيت.
(5) الثنّة في العانة، وقيل ما بين السرة والعانة.
(6) لا يهيج الرسل: أي لا ينالهم منه إزعاج.
(7) أكافئ به حمزة: أي أساويه به. وفسره بعد ذلك بقوله: فقتلت خير الناس- يريد حمزة- وشر الناس- يعني مسيلمة الكذاب.
(8) ثلمة جدار: أي خلل جدار.
(9) جمل أورق: أي لونه مثل الرماد.
(10) ثائر الرأس: منتفش الشعر.
(11) البخاري- الفتح 7 (4072) .
(12) الأكمه: الذي خلق أعمى.
(13) ما هنالك أجمع: أي الذي هنا كله لك.(9/4012)
الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربّي. قال: ولك ربّ غيري؟ قال: ربّي وربّك الله، فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أيّ بنيّ! قد بلغ من سحرك ما تبرأ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب فجيء بالرّاهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار «1» .
فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدعا بالمئشار. فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته «2» فإن رجع عن دينه وإلّا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهمّ! اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك:
ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور «3» فتوسّطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلّا فاقذفوه.
فذهبوا به، فقال: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السّفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال:
تجمع النّاس في صعيد واحد «4» وتصلبني على جذع، ثمّ خذ سهما من كنانتي ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «5» ثمّ قل: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ ارمني فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثمّ أخذ سهما من كنانته «6» ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه. فوقع السّهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السّهم. فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك. قد آمن النّاس.
فأمر بالأخدود في أفواه السّكك «7» فخدّت وأضرم النّيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم. ففعلوا. حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها، فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري؛ فإنّك على الحقّ» ) * «8» .
7-* (عن قتادة قال: «ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد «9» قريش فقذفوا في طويّ من أطواء بدر «10» خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة «11» ثلاث ليال. فلمّا كان ببدر اليوم الثّالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها، ثمّ مشى
__________
(1) المئشار: المنشار.
(2) بلغتم ذروته: أي قمّته وأعلاه.
(3) قرقور: القرقور السفينة الصغيرة.
(4) صعيد واحد: أي مكان واحد.
(5) كبد القوس: وسطه.
(6) الكنانة: جعبة السهام.
(7) فأمر بالأخدود في أفواه السكك: الأخدود: شق في الأرض مستطيل وأفواه السكك: أي أبواب الطرق.
(8) مسلم (3005) .
(9) الصناديد: جمع صنديد وهو السيد الشجاع.
(10) الأطواء جمع طوى: وهي البئر التي بنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار.
(11) العرصة بفتح العين وسكون الراء: كل بقعة بين الدور ليس فيها بناء.(9/4013)
واتّبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الرّكيّ «1» ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا» ؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» قال قتادة: أحياهم الله حتّى أسمعهم قوله، توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الانتقام)
1-* (الصّحابيّ الجليل عبد الله بن حذافة السّهميّ، لمّا أسرته الرّوم جاءوا به إلى ملكهم فقال له:
تنصّر، وأنا أشركك في ملكي، وأزوّجك ابنتي، فقال له:
لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمّد طرفة عين ما فعلت. فقال: إذا أقتلك.
قال: أنت وذاك. فأمر به فصلب، وأمر الرّماة فرموه قريبا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النّصرانيّة فيأبى، ثمّ أمر به فأنزل، ثمّ أمر بقدر. وفي رواية ببكرة من نحاس- فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه، فقال له: إنّي إنّما بكيت لأنّ نفسي إنّما هي نفس واحدة تلقى في القدر السّاعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كلّ شعرة من جسدي نفس تعذّب هذا العذاب في الله» ) * «3» .
2-* (عن سليمان بن يسار؛ أنّ سائبة «4» أعتقه بعض الحجّاج فقتل ابن رجل من بني عائذ فجاء العائديّ أبو المقتول إلى عمر بن الخطّاب يطلب دية ابنه، فقال عمر: لا دية له. فقال العائذيّ: أرأيت لو قتله ابني؟ فقال عمر: إذا تخرجون ديته. فقال: هو إذا كالأرقم «5» إن يترك يلقم، وإن يقتل ينقم «6» » ) * «7» .
3-* (قال جعفر الصّادق: «لأن أندم على العفو عشرين مرّة أحبّ إليّ من أن أندم على العقوبة مرّة واحدة» ) * «8» .
4-* (قال المنصور لولده المهديّ: «لذّة العفو أطيب من لذّة التّشفّي؛ وذلك أنّ لذّة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذّة التّشفّي يلحقها ذمّ النّدم» ) * «9» .
5-* (قال صاحب خصايص الغرر ونقائص العرر: قال الله- عزّ وجلّ-: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى/ 37) وهذا دليل على أنّ الانتقام يقبح على الكرام» ) * «10» .
__________
(1) الركيّ: البئر القليلة الماء، وشفة الركي يراد بها حافة البئر.
(2) البخاري- الفتح 7 (3976) .
(3) أسد الغابة (3/ 143) .
(4) السائبة: عبد يعتقه رجل فيقول هو سائبة أي مرسل كيف يشاء.
(5) هو إذا كالأرقم: كالحية التي على ظهرها رقم أي نقش.
(6) إن يقتل ينقم: أي يثأر به.
(7) تنوير الحوالك (3/ 76، 77.) .
(8) خصايص الغرر (ق 103 أ.)
(9) المرجع السابق نفسه.
(10) المرجع السابق (ق 102 ب) .(9/4014)
6-* (ومن رسالة لبديع الزّمان الهمذانيّ، يصف من طبعه الانتقام: هو سماء إذا تغيّم لم يرج صحوه، وإذا قدر لا ينتظر عفوه، يغضبه الجرم الخفيّ، ولا يرضيه العذر الجليّ، حتّى إنّه ليرى الذّنب وهو أضيق من ظلّ الرّمح، ويعمى عن العذر وهو أبين من نور الصّبح، وهو ذو أذنين يسمع بهذه القول وهو بهتان، ويحجب بهذه العذر وله برهان. وذو يدين يبسط إحداهما إلى السّفك والسّفح، ويقبض الأخرى عن الحلم والصّفح. فمزحه بين القدّ والقطع، وجدّه بين السّيف والنّطع. لا يعرف من العقاب إلّا ضرب الرّقاب، ولا من التّأديب غير إراقة الدّما، ولا من التّأنيب إلّا إزالة النّعما» ) *.
7-* (قالت العرب:
لا سؤدد مع الانتقام.
سرعة العقوبة من لؤم الظّفر.
ليس من الكرم عقوبة من لا يجد امتناعا من السّطوة.
التّزيّن بالعفو خير من التّقبّح بالانتقام.
- التّشفّي طرف من العجز، ومن رضي به لا يكون بينه وبين الظّالم إلّا ستر رقيق وحجاب ضعيف) * «1» .
8-* (روي أنّ رجلا من قريش كان يطلب رجلا بذحل في الجاهليّة، فلمّا ظفر به قال: لولا أنّ القدرة تذهب الحفيظة لا نتقمت منك، وتركه» ) * «2» .
9-* (وقالوا: «الغضب عدوّ العقل؛ فإنّه يحول بين صاحبه وبين العقل والفهم فيستولي عليه سلطان الهوى فيصرفه عن الحسن، وهو الاحتمال إلى القبيح وهو التّشفّي» ) * «3» .
10-* (وقالوا: «أقبح المكافآت المجازاة بالإساءات» ) * «4» .
11-* (وقيل: «الكريم إذا قدر غفر، وإذا عني بمساءة ستر. واللّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أمن غدر» ) * «5» .
12-* (وقيل أيضا: «إذا انتقمت ممّن هو دونك فلا تأمن أن ينتقم منك من هو فوقك» ) * «6» .
13-* (وقيل: «لا تشن حسن الظّفر بقبح الانتقام» ) * «7» .
من مضار (الانتقام) المذموم
(1) صفة ذميمة يبغضها الله ورسوله.
(2) إذا انتقم العبد ظلما وعدوانا انتقم الله منه.
(3) يورث الأحقاد والضّغائن بين النّاس.
(4) الانتقام لا يأتي من نبيل كريم ولا يفعله إلّا خسيس لئيم.
(5) الانتقام أقرب إلى الظّلم، ومن استمرأه صار في عداد الظّالمين.
(6) الّذي ينتقم ممّن هو دونه لا يأمن من انتقام من هو فوقه.
__________
(1) خصايص الغرر (ق 103 أ) .
(2) المرجع السابق نفسه. والذحل: هو الثأر.
(3) المرجع السابق (ق 102 ب) .
(4) المصدر السابق (ق 103 أ) .
(5) المصدر السابق (ق 102 ب) .
(6) المصدر السابق (ق 103 أ) .
(7) المصدر السابق نفسه.(9/4015)
انتهاك الحرمات
الانتهاك لغة:
مصدر انتهك ينتهك، وهو مأخوذ من مادّة (ن هـ ك) الّتي تدلّ على: إبلاغ في عقوبة وأذى.
يقال: نهكته الحمّى: نقصت لحمه، وأنهكه الشّيطان عقوبة: بالغ، قال ابن فارس: ومن الباب: انتهاك الحرمة وهو: تناولها بما لا يحلّ، وفي حديث ابن عبّاس أنّ قوما قتلوا فأكثروا، وزنوا، وانتهكوا: أي بالغوا في خرق محارم الشّرع وإتيانها، والانتهاك في حديث أبي هريرة.. «تنتهك ذمّة الله وذمّة رسوله» يريد نقض العهد، والغدر بالمعاهد.
وقال ابن منظور: النّهك التّنقّص، يقال نهكته الحمّى ونهكته (بفتح الهاء وكسرها) نهكا والنّهك:
المبالغة في كلّ شيء، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للخافضة:
«أشمّي ولا تنهكي» : أي لا تبالغي في استقصاء الختان، والنّاهك والنّهيك: المبالغ في جميع الأشياء ويقال: نهك الشّيء وانتهكه: جهده، وفي الحديث:
«انهكوا الأعقاب أو لتنهكنّها النّار» . أي بالغوا في غسلها وتنظيفها في الوضوء. ونهك العرض: المبالغة في شتمه «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 21/ 14
الحرمات لغة واصطلاحا:
(انظر صفة تعظيم الحرمات) .
انتهاك الحرمات اصطلاحا:
قال ابن الأثير: الانتهاك: المبالغة في خرق محارم الشّرع وإتيانها «2» ، ولمّا كانت الحرمات: ما نهى الله عنه من معاصيه كلّها، أو هي كلّ ما أوصى بتعظيم أمره فإنّ انتهاك الحرمات يعني: المبالغة في خرق وإتيان أيّ ممّا أوصى الله بتعظيم أمره، وارتكاب ما نهى عنه من معاصيه كلّها «3» .
انتهاك الحرمات واحتقارها:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: لم يقدّر الله حقّ قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقّه فضيّعه، وذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهمّ من طاعته. فلله الفضلة من قلبه وقوله وعمله. هواه المقدّم في ذلك كلّه. المهمّ أنّه يستخفّ بنظر الله إليه، واطّلاعه عليه، وهو في قبضته، وناصيته بيده، ويعظّم نظر المخلوق إليه واطّلاعه عليه بكلّ قلبه وجوارحه يستحيي من النّاس ولا يستحيي من الله
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 364) ، النهاية (5/ 137- 138) ، الصحاح (4/ 1612) ولسان العرب (نهك) (ص 456 ط. دار المعارف) .
(2) النهاية (5/ 137) .
(3) اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره اللغويون والمفسرون متعلقا بالانتهاك والحرمات.(9/4016)
ويخشى النّاس ولا يخشى الله، ويعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام في خدمة من يحبّه من البشر قام بالجدّ والاجتهاد، وبذل النّصيحة وقد أفرغ له قلبه وجوارحه، وقدّمه على كثير من مصالحه حتّى إذا قام في حقّ ربّه قام قياما لا يرضاه مخلوق من مخلوق مثله وبذل له من ماله ما يستحي أن يواجه به مخلوقا مثله.
فهل قدر الله حقّ قدره من هذا وصفه؟ وهل قدره حقّ قدره من شارك بينه وبين عدوّه في محض حقّه من الإجلال والتّعظيم والطّاعة والذّلّ والخضوع والخوف والرّجاء؟ «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- إطلاق البصر- إفشاء السر- ترك الصلاة- الربا- الزنا- السرقة- شرب الخمر- الميسر- العصيان- البغي- الإسراف- التفريط والإفراط- التهاون- شهادة الزور- التبرج.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: تعظيم الحرمات- أكل الطيبات- غض البصر- كتمان السر- إقامة الشهادة- الاستقامة- العفة- حفظ الفرج- الستر- الحجاب] .
__________
(1) الداء والدواء (167، 168) .(9/4017)
الأحاديث الواردة في ذمّ (انتهاك الحرمات)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ «1» فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ستّة لعنتهم، لعنهم الله وكلّ نبيّ كان: الزّائد في كتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمتسلّط بالجبروت ليعزّ بذلك من أذلّ الله، ويذلّ من أعزّ الله، والمستحلّ لحرم الله، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والتّارك لسنّتي» ) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كيف أنتم إذا لم تجتبوا «4» دينارا ولا درهما؟ فقيل له:
وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟ قال: إي، والّذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصّادق المصدوق.
قالوا: عمّ ذلك؟ قال: «تنتهك ذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فيشدّ الله- عزّ وجلّ- قلوب أهل الذّمّة فيمنعون ما في أيديهم» ) * «5» .
4-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لأعلمنّ أقواما من أمّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عزّ وجلّ- هباء منثورا» قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنّهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من اللّيل كما تأخذون، ولكنّهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» ) * «6» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا اختار أيسرهما، ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه. والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قطّ حتّى تنتهك حرمات الله فينتقم لله) * «7» .
6-* (عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من امريء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امريء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ نصرته» ) * «8» .
__________
(1) الشح: أشد البخل.
(2) مسلم (2578) .
(3) الترمذي (2154) واللفظ له. والحاكم (1/ 36) وقال: صحيح الإسناد ولا أعرف له علة، ووافقه الذهبي.
(4) اجتبى: من الجباية. أي لم تأخذوا من الجزية والخراج شيئا فهذا كناية عن كثرة المال وانصراف الناس إلى المادة.
(5) البخاري- الفتح 6 (3180) .
(6) ابن ماجة (4245) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه ابن ماجة ورواته ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 18) رقم (505) وقال: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
(7) البخاري- الفتح 12 (6786) واللفظ له. ومسلم (2327)
(8) أبو داود (4884) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن بشواهده (6/ 570) . وأحمد (4/ 30) .(9/4018)
الأحاديث الواردة في ذمّ (انتهاك الحرمات) معنى
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أبغض النّاس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة، ومطّلب دم امريء بغير حقّ ليهريق دمه» ) * «1» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار» ) * «2» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أعمى كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكانت له أمّ ولد، وكان له منها ابنان وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتسبّه فيزجرها فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلمّا كان ذات ليلة ذكرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول «3» فوضعته في بطنها فاتّكأت عليه فقتلتها فأصبحت قتيلا فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجمع النّاس، وقال: «أنشد الله رجلا لي عليه حقّ فعل ما فعل إلّا قام» فأقبل الأعمى يتدلدل «4» فقال: يا رسول الله: أنا صاحبها، كانت أمّ ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللّؤلؤتين، ولكنّها كانت تكثر الوقيعة فيك، وتشتمك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فلمّا كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك فقمت إلى المغول فوضعته في بطنها فاتّكأت عليها حتّى قتلتها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا اشهدوا أنّ دمها هدر» ) * «5» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان يتّهم بأمّ ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «اذهب فاضرب عنقه» فأتاه عليّ فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها «6» فقال له عليّ: اخرج. فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر، فكفّ عليّ عنه. ثمّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله: إنّه لمجبوب «7» . ما له ذكر) * «8» .
11-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يحرّم حرمة إلّا وقد علم أنّه سيطّلعها منكم مطّلع «9» ، ألا وإنّي آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النّار كتهافت الفراش أو
__________
(1) البخاري الفتح 12 (6882) .
(2) مسلم (2581) .
(3) المغول بكسر الميم: شبه سيف قصير يضعه الرجل تحت ثوبه فيغطيه ليفجأ من يريد دون تنبه منه.
(4) يتدلدل: أي يمشي مشية فيها اضطراب.
(5) أبو داود (4361) . والنسائي (7/ 108) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (3/ 854) . وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: هذا الحديث جيد. الصارم المسلول (52) .
(6) الركي: البئر، يتبرد فيها: يغتسل ليخفف من شدة الحر.
(7) مجبوب: مقطوع.
(8) مسلم (2771) .
(9) سيطلعها منكم مطلع: يعني سيرتكبها وينتهكها بعضكم.(9/4019)
الذّباب» ) * «1» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (المؤمنون: آية 51) ، وقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) . ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك «2» ؟» ) * «3» .
13-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «4» .
14-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصّراط «5» سوران «6» فيهما أبواب مفتّحة «7» وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصّراط داع «8» يقول: أيّها النّاس، ادخلوا الصّراط جميعا ولا تتفرّجوا، وداع «9» يدعو من جوف الصّراط فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك! لا تفتحه، فإنّك إن تفتحه تلجه ... الحديث» ) * «10» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرّجل باللّيل عملا، ثمّ يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «11» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من نفس تقتل
__________
(1) أحمد (1/ 390) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 261) رقم (3704) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 210) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وفيه المسعودي وقد اختلط.
(2) فأنى يستجاب لذلك: فكيف يستجاب له؟
(3) مسلم (1015) .
(4) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. ومسلم (1599) .
(5) الصراط: الإسلام.
(6) السوران: حدود الله تعالى.
(7) الأبواب المفتحة: محارم الله تعالى.
(8) وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله.
(9) والداعي فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم.
(10) أحمد (4/ 182، 183) واللفظ له، وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي والنسائي (2/ 192) . والحاكم (1/ 73) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وذكره في المشكاة (191) وذكر الشيخ الألباني: كلام الحاكم والذهبي وقال: هو كما قالا (1/ 67) .
(11) البخاري- الفتح 10 (6069) واللفظ له. ومسلم (2990) .(9/4020)
ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل منها- وربّما قال سفيان: من دمها- لأنّه سنّ القتل أوّلا» ) «1» .
17-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر «2» والحرير والخمر والمعارف «3» ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم «4» يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم- يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدا فيبيّتهم الله «5» ، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» ) * «6» .
18-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «ما كتبنا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا القرآن، وما في هذه الصّحيفة.
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ) * «7» .
19-* (عن هشام بن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: إنّه مرّ بالشّام على أناس، وقد أقيموا في الشّمس، وصبّ على رؤوسهم الزّيت. فقال: ما هذا؟ قيل يعذّبون في الخراج، فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون في الدّنيا» ) * «8» .
20-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «9» .
21-* (عن عبيد الله بن القبطيّة قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أمّ سلمة أمّ المؤمنين، فسألاها عن الجيش الّذي يخسف به، وكان ذلك في أيّام ابن الزّبير فقالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم» فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: «يخسف به معهم، ولكنّه يبعث يوم القيامة على نيّته» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7321) والكفل: النصيب.
(2) الحر: بالحاء المكسورة والراء الخفيفة- هو الفرج والمراد أنهم يستحلون الزنا.
(3) المعازف- جمع معزفة والمراد آلات الملاهي أو الغناء.
(4) والعلم: هو الجبل.
(5) يبيتهم الله: أي يهلكهم الله.
(6) البخاري- الفتح 10 (5590) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3179) .
(8) مسلم (2613) .
(9) البخاري- الفتح 12 (6914) .
(10) مسلم (2882) .(9/4021)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (انتهاك الحرمات)
1-* (قال أبو بكر- رضي الله عنه- لسلمان الفارسيّ- وقد طلب منه الوصيّة-: يا سلمان، اتّق الله، واعلم أنّه سيكون فتوح فلأعرفنّ ما كان حظّك منها، ما جعلته في بطنك أو القيته على ظهرك واعلم أنّه من صلّى الخمس فإنّه يصبح في ذمّة الله، ويمسي في ذمّة الله فلا تقتلنّ أحدا من أهل ذمّة الله فتخفر الله في ذمّته، فيكبّك الله في النّار على وجهك) * «1» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«يا أهل مكّة، اتّقوا الله في حرمكم هذا. أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا حتّى عدّ ما شاء الله، ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكّة» ) * «2» .
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«أقبل تبّع يريد الكعبة حتّى إذا كان بكراع الغميم «3» بعث الله عليه ريحا لا يكاد القائم يقوم إلّا بمشقّة، وذهب القائم يقعد، ويصرع، وقامت عليهم، ولقوا منها عناء، ودعا تبّع حبريه، فسألهما: ما هذا الّذي بعث عليّ؟ قالا:
أو تؤمّننا؟ قال: أنتم آمنون. قالا: فإنّك تريد بيتا يمنعه الله من أراده. قال: فما يذهب هذا عنّي؟ قالا: تجرّد في ثوبين ثمّ تقول: لبّيك لبّيك. ثمّ تدخل فتطوف بذلك البيت، ولا تهيّج أحدا من أهله. قال: فإن أجمعت على هذا ذهبت هذه الرّيح عنّي؟ قالا: نعم. فتجرّد، ثمّ لبّى، فأدبرت الرّيح كقطع اللّيل المظلم» ) * «4» .
4-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ... : لو أنّ رجلا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه الله من العذاب الأليم) * «5» .
5-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: «ما من عبد ترك شيئا لله إلّا أبدله الله به ما هو خير منه، من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به عبد فأخذ من حيث لا يصلح إلّا أتاه الله بما هو أشدّ عليه» ) * «6» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان منّا رجل من بني النّجّار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانطلق هاربا حتّى لحق بأهل الكتاب. قال: فرفعوه. قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمّد، فأعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له فواروه. فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها. ثمّ عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثمّ عادوا فحفروا له
__________
(1) تاريخ الخلفاء الراشدين، للسيوطي (9695) .
(2) شعب الإيمان للبيهقي (7/ 567) .
(3) كراع الغميم: مكان على بعد 70 كيلومترا من مكة شمالا.
(4) شعب الإيمان للبيهقي (7/ 564، 565) .
(5) أضواء البيان (5/ 95) .
(6) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (2/ 635) .(9/4022)
فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا) * «1» .
7-* (قال جبير بن نفير- رضي الله عنه-:
«لمّا فتحت قبرص فرّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدّرداء جالسا وحده يبكي. فقلت:
يا أبا الدّرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عزّ وجلّ- إذا أضاعوا أمره بينما هي أمّة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى» ) * «2» .
8-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى- «أنبئت أنّه كان يقال: ويل للمتفقّهين بغير العبادة، والمستحلّين للحرمات بالشّبهات» ) * «3» .
9-* (قال سليمان التّيميّ- رحمه الله تعالى- «إنّ الرّجل ليصيب الذّنب في السّحر فيصبح وعليه مذلّته» ) * «4» .
10-* (قال يحيى بن معاذ الرّازيّ- رحمه الله تعالى-: «عجبت من ذي عقل يقول في دعائه: اللهمّ لا تشمت بي الأعداء، ثمّ هو يشمت بنفسه كلّ عدوّ له» قيل: وكيف ذلك؟ قال: «يعصي الله ويشمت به في القيامة كلّ عدوّ» ) * «5» .
11-* (قال القاضي أبو يعلى- رحمه الله تعالى-: «إن بغى البغاة على أهل العدل قاتلهم على بغيهم إذا لم يمكن ردّهم عن البغي إلّا بالقتال، لأنّ قتال أهل البغي من حقوق الله الّتي لا يجوز أن تضاع، فكونها محفوظة في حرمة الله أولى من أن تكون مضاعة فيه» ) * «6» .
12-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
«بقدر إجلال العبد لله يجلّه الله- عزّ وجلّ- وبقدر تعظيمه قدره واحترامه يعظم قدر العبد وحرمته. وكم من رجل أنفق عمره في العلم حتّى كبرت سنّه، ثمّ تعدّى الحدود فهان عند الخلق، ولم يلتفتوا إليه مع غزارة علمه وقوّة مجاهدته، وأمّا من راقب الله- عزّ وجلّ- في صبوته. فقد يكون قاصر الباع بالنّسبة للصّنف الأوّل، ومع ذلك عظّم الله قدره في القلوب حتّى علقته النّفوس، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير» ) * «7» .
13-* (قال ذو النّون المصريّ- رحمه الله تعالى-: «من خان الله في السّرّ هتك الله ستره في العلانية» ) * «8» .
14-* (قال بعض السّلف: «ما انتهك المرء من أخيه حرمة أعظم من أن يساعده على معصية ثمّ يهوّنها عليه» ) * «9» .
__________
(1) مسلم (2781) .
(2) الداء والدواء (47، 48) وعزاه لأحمد في المسند.
(3) الدارمي (1/ 76) رقم (187) .
(4) الداء والدواء (60) .
(5) الداء والدواء (60) .
(6) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (193- 194) .
(7) بتصرف من صيد الخاطر (194) .
(8) الداء والدواء (60) .
(9) إحياء علوم الدين (4/ 33) .(9/4023)
من مضار (انتهاك الحرمات)
(1) انتهاك الحرمات دليل على ضعف الإيمان وذهاب الحياء.
(2) التّعرّض لغضب الله وأليم عذابه وهتك ستره وكشف عواره.
(3) تسلّط الخلق عليه بأنواع الأذيّة والمضرّة.
(4) انتهاك الحرمات طريق موصّل إلى النّار.
(5) يتسبّب في إشاعة الفاحشة بين المسلمين.
(6) يجعل النّاس خائفين غير آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.(9/4024)
الإهمال*
الإهمال لغة:
مصدر قولهم: أهمل يهمل، وهو مأخوذ من مادّة (هـ م ل) الّتي تدور حول التّرك والتّخلّي، سواء كان عن عمد أو عن غير عمد. يقول ابن فارس «الهاء والميم واللّام» أصل واحد، أهملت الشّيء إذا خلّيت بينه وبين نفسه، والهمل: السّدى، والهمل:
المال لا مانع له، والهمل: التّرك، وقولهم: وما ترك الله النّاس هملا: أي سدى بلا ثواب ولا عقاب، وقيل:
لم يتركهم سدى بلا أمر ولا نهي، ولا بيان لما يحتاجون إليه.
والهمل أيضا: الإبل بلا راع مثل النّفش، إلّا أنّ النّفش يكون في اللّيل، والهمل يكون في اللّيل والنّهار، وقد هملت الإبل تهمل (بالكسر) هملا فهي هامل وهملى: أي مهملة لا رعاء لها، ولا فيها من يصلحها ويهديها، فهي كالضّالّة ترعى بنفسها.
وفي المثل: اختلط المرعيّ بالهمل، والمرعيّ:
الّذي له راع. وفي الحديث: «فسألته عن الهمل، يعني الضّوالّ من النّعم، واحدها هامل، مثل حارس وحرس» . وفي الحديث «فلا يخلص منهم إلّا مثل همل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 10/-
النّعم» . الهمل: ضوالّ الإبل ومن ذلك أيضا حديث طهفة «وكنّا نعم همل» .
قال ابن الأثير: أي مهملة لا رعاء لها ولا فيها من يصلحها ويهديها فهي كالضّالّة.
وأمّا أهمله إهمالا فمعناه: خلّى بينه وبين نفسه.
أو معناه: تركه ولم يستعمله، ومنه الكلام المهمل، وهو خلاف المستعمل. وكذا قولهم: أهمل أمره يعني: لم يحكمه.
والهمل، بالتّسكين مصدر قولك هملت عينه تهمل وتهمل هملا وهملانا أي فاضت وانهملت مثله.
وهملت السّماء هملا وهملانا: دام مطرها في سكون وضعف «1» .
الإهمال اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات للإهمال سوى إشارات يسيرة من خلال ذكرها للفعل: أهمل، يقول الكفويّ: أهمله: خلّى بينه وبين نفسه، أو تركه ولم يستعمله «2» .
ومن خلال هذه الإشارة الموجزة نستنبط أنّ الإهمال قد يتعلّق بالإنسان أو بالأشياء، فالتّخلية من
__________
* هذه صفة عامة يدخل فيها إهمال الإنسان وإهمال الحيوان أيضا.
(1) المقاييس لابن فارس (6/ 67) الصحاح (5/ 1854- 1855) ، لسان العرب (8/ 4701- 4702) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 274) . تهذيب اللغة للأزهري، (6/ 319)
(2) الكليات (211) .(9/4025)
الإنسان ونفسه لا تكون إلّا من إنسان آخر كأن يقال مثلا: أهمل الوالد ابنه أو المدرّس تلميذه، أمّا ترك الاستعمال فيكون في الممتلكات الّتي يحرص عليها كأن يقال: أهمل الإنسان بيته أو إبله أو ما شابه ذلك، ويكون المعنى حينئذ التّرك وعدم الاستعمال، ويترتّب على ذلك فساد في الشّيء المهمل، وفي العصر الحديث اكتسب لفظ الإهمال أبعادا جديدة فأصبح يستعمل في العمل دينيّا أو دنيويّا كأن يقال مثلا: أهمل في صلاته، وأهمل في مذاكرته أي لم يؤدّهما على الوجه المطلوب، ونستطيع على ضوء ذلك أن نعرّف الإهمال بأنّه: ألّا يرعى الإنسان ما تجب عليه رعايته على الوجه الأكمل بالتّخلية أو التّرك أو التّقصير «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التخاذل- ترك الصلاة- التفريط والإفراط- الكسل- التهاون- الضعف- الوهن.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العمل- النشاط النظام- القوة- قوة الإرادة- مجاهدة النفس- علو الهمة] .
__________
(1) استخلصنا هذا التعريف من كتب اللغة ومما ذكره الكفوي.(9/4026)
الأحاديث الواردة في ذمّ (الإهمال) معنى
1-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه.
فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلفه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «2» أو حائش «3» نخل، قال: فدخل حائطا «4» لرجل من الأنصار فإذا جمل فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «5» فسكت، فقال: «من ربّ هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه» ) * «6» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الّذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنّه يبيعه برخص، فسألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لا تشتر، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإنّ العائد في صدقته كالعائد في قيئه» ) * «7» .
4-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عذّبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت، فدخلت فيها النّار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» ) * «8» .
5-* (عن خيثمة- رضي الله عنه- أنّه قال:
كنّا جلوسا مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان «9» له فدخل فقال: أعطيت الرّقيق قوتهم؟. قال: لا.
قال: فانطلق فأعطهم. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كفى بالمرء إثما أن يحبس عمّن يملك قوته» ) * «10» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» ) * «11» .
__________
(1) أبو داود (2548) وقال الألباني (2/ 8484) : صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 528) : إسناده حسن.
(2) هدفا: الهدف: كل بناء مرتفع.
(3) وحائش نخل: هو النخل الملتف المجتمع.
(4) فدخل حائطا: الحائط: البستان.
(5) فمسح ذفراه: ذفرى البعير: أصل أذنه.
(6) أبو داود (2549) واللفظ له، أحمد (1/ 205) رقم (1754) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 195) : صحيح، وتدئبه: أي تتعبه.
(7) البخاري- الفتح 3 (1490) واللفظ له، ومسلم (1620) .
(8) البخاري- الفتح 6 (3318) ، ومسلم (2242) ، واللفظ له. وخشاش الأرض: هوامها وحشراتها.
(9) القهرمان: الخازن القائم بحوائج الإنسان.
(10) مسلم (996) .
(11) الطبراني في الكبير (1/ 259) / 751، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 167) : رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 358) : إسناده حسن.(9/4027)
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال وهو ينحل ابن الزّبير، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ليس المؤمن الّذي يشبع وجاره جائع) * «1» .
8-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه-: قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «2» » ) * «3» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقفنّ أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما، فإنّ اللّعنة تنزل على كلّ من حضر حين لم يدفعوا عنه، ولا يقفنّ أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما، فإنّ اللّعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه» ) * «4» .
10-* (عن عبد الله بن عميرة، قال: دخل على جابر- رضي الله عنه- نفر من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقدّم إليهم خبزا وخلّا، فقال: كلوا، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نعم الإدام الخلّ، إنّه هلاك بالرّجل أن يدخل إليه النّفر من إخوانه، فيحتقر ما في بيته أن يقدّمه إليهم، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدّم إليهم» ) * «5» .
من مضار (الإهمال)
(1) الإهمال يؤدّي إلى ضياع الثّروة وإفقار الأمّة.
(2) دليل على انعدام الإحساس أو بلادته.
(3) يؤدّي إلى فتور العلاقات الاجتماعيّة، وفتورها يستتبع تمزّقها.
(4) يؤدّي إلى شيوع الظّلم وزيادة صولة المستبدّين.
(5) ينتهي بصاحبه إلى الطّرد من رحمة الله.
__________
(1) الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 167) ، وقال: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات.
(2) طلق: الطلاقة: البشاشة والبشر.
(3) مسلم (2626) .
(4) المنذري في الترغيب (3/ 304) ، وقال: رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن.
(5) المنذري في الترغيب (3/ 374) ، وقال: رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى إلا أنه قال: وكفى بالمرء شرا أن يحتقر، ما قرب إليه، وبعض أسانيدهم حسن، ونعم الإدام الخلّ، في الصحيح، ولعل قوله: إنه هلاك بالرجل إلى آخره من كلام ابن مدرج غير مرفوع. وأصل الحديث في مسلم، ورواه أحمد والسيوطي في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني (6644) .(9/4028)
[حرف الباء]
البخل
البخل لغة:
مصدر قولهم: بخل بالشّيء يبخل به، وهو مأخوذ من مادّة (ب خ ل) الّتي تدلّ على خلاف الكرم، والبخيل: ذو البخل، وجمعه بخّل وبخّال، وأبخلت الرّجل: وجدته بخيلا، ومنه قول عمرو بن معد يكرب: يا بني سليم لقد سألناكم فما أبخلناكم (أي فما وجدناكم بخلاء) ، وبخّلته: نسبته إلى البخل ورميته به مثل فسّقته وكفّرته أي نسبته إلى الفسق والكفر، ومن مصادر بخل أيضا: البخل والبخل والبخول، وقول الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (النساء/ 37) ، قيل: أريد بهم اليهود، وقيل: المنافقون، والمبخلة: الشّيء الّذي يحملك على البخل، وفي الحديث: «الولد مجبنة مجهلة مبخلة» أي أنّه مظنّة لأن يحمل أبويه على الجبن والجهل والبخل ويدعوهما إلى ذلك، مصداق ذلك ما ورد في الحديث الآخر: «إنّكم لتبخّلون وتجبّنون» والبخلة: المرّة الواحدة من البخل «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 35/ 38
البخل اصطلاحا:
قال الجرجانيّ في التّعريفات: البخل: هو المنع من مال نفسه، والشّحّ هو بخل الرّجل من مال غيره.
وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة «2» .
وقال ابن حجر في الفتح: البخل: منع ما يطلب ممّا يقتنى، وشرّه ما كان طالبه مستحقّا ولا سيّما إن كان من غير مال المسئول «3» .
قال المناويّ (تبعا للرّاغب) : البخل:
إمساك المقتنيات عمّا لا يحلّ حبسها عنه، وضدّه:
الجود «4» .
وقال القرطبيّ: البخل المذموم في الشّرع: هو امتناع (المرء) عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه «5» .
وقال الجاحظ: البخل: هو منع المسترفد (العطاء) ، مع القدرة على رفده «6» .
حكم البخل:
قال الجاحظ: البخل خلق مكروه من جميع النّاس، إلّا أنّه من النّساء أقلّ كراهية، بل قد يستحبّ
__________
(1) انظر في ذلك: المفردات للراغب (38) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 227) النهاية في غريب الحديث (1/ 103) ، والصحاح (4/ 1632) ، ولسان العرب (1/ 222) (ط: دار المعارف) ، والقاموس المحيط (ص 243) (ط: بيروت) .
(2) التعريفات (42، 43) .
(3) الفتح (10/ 457) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (72) ، وأصل ذلك التعريف في المفردات للراغب (38) .
(5) تفسير القرطبي (5/ 126) .
(6) تهذيب الأخلاق للجاحظ (33) .(9/4029)
من النّساء البخل (بمال أزواجهنّ إلّا أن يؤذنّ بالجود) ، فأمّا سائر النّاس فإنّ البخل يشينهم، وخاصّة الملوك والعظماء، فإنّ البخل أبغض منهم أكثر ممّا هو أبغض من الرّعيّة والعوامّ، ويقدح في ملكهم لأنّه يقطع الأطماع منهم ويبغّضهم إلى رعيّتهم «1» .
بين البخل والشح:
قال الكفويّ: البخل هو المنع نفسه، والشّحّ هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي ذلك المنع.
وقال القرطبيّ: اختلف في البخل والشّحّ هل هما بمعنى واحد أو معنيين؟ فقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشّحّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك، وقيل: الشّحّ هو البخل مع حرص، وهو الصّحيح لما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم من قوله:
«اتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلّوا محارمهم، وهذا يردّ قول من قال: إنّ البخل منع الواجب، والشّحّ منع المستحبّ، إذ لو كان الشّحّ منع المستحبّ لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، ويؤيّد ذلك ما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «.. لا يجتمع شحّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدا، وهذا يدلّ على أنّ الشّحّ أشدّ في الذّمّ من البخل «2» إلّا أنّه قد جاء في الحديث ما يدلّ على مساواتهما، وذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم عندما سئل:
أيكون المؤمن بخيلا؟ قال لا «3» وقال: الفيروز آباديّ:
البخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يأمر بالبخل «4» .
أنواع البخل:
قال الرّاغب: البخل ضربان:
أحدهما: بخل الإنسان بقنيّات نفسه «5» .
والآخر: بخل بقنيّات غيره، وهو أكثرهما ذمّا بدليل قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (النساء/ 37) «6» .
البخل أصل لكل خلق مذموم:
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة- وإن كان ذريعة إلى كلّ مذمّة- أربعة أخلاق، ناهيك بها ذمّا وهي:
الحرص، والشّره، وسوء الظّنّ، ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة، والشّيم اللّئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول «7» .
وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن. ثمّ قال: ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه
__________
(1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (33) .
(2) الكليات (342) وقد ذكر أن البخل يتضمن معنى الإمساك ولذلك يعدى أيضا ب «عن» و «على» لأنه إمساك عن مستحق.
(3) تفسير القرطبي (4/ 182) .
(4) بصائر ذوي التمييز (2/ 227) .
(5) قنيات نفسه: أي مقتنياته.
(6) المفردات للراغب (38) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (2/ 227) .
(7) أدب الدنيا والدين (228) .(9/4030)
أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولّى عنه بإنفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك. فقال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (محمد/ 38) «1» .
درجات البخل:
قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله تعالى-:
اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه وأشدّ درجات البخل: أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة.
فالأخلاق عطايا يضعها الله- عزّ وجلّ- حيث يشاء «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الشح- الأثرة- اتباع الهوي- الكنز- التعاون على الإثم والعدوان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- الجود- السخاء- الكرم- الصدقة- التعاون على البر والتقوى- الإحسان- صلة الرحم- البر] .
__________
(1) الاستقامة (2/ 263) .
(2) مختصر منهاج القاصدين (205، 206) باختصار.(9/4031)
الآيات الواردة في «البخل»
1- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «1»
2- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38)
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «2»
3- وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) «3»
4- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) «4»
__________
(1) آل عمران: 180 مدنية
(2) النساء: 36- 39 مدنية
(3) التوبة: 75- 78 مدنية
(4) محمد: 36- 38 مدنية(9/4032)
5- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) «1»
6- وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2)
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3)
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) «2»
__________
(1) الحديد: 22- 24 مدنية
(2) الليل: 1- 10 مكية(9/4033)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البخل)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول:
اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين، وغلبة الرّجال ... الحديث» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «2» .
3-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنّما أنتم ولد آدم طفّ الصّاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلّا بالدّين أو عمل صالح، حسب الرّجل أن يكون فاحشا بذيّا بخيلا جبانا» ) * «3» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ لفلان في حائطي عذقا «4» وإنّه قد آذاني وشقّ عليّ مكان عذقه فأرسل إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «بعني عذقك الّذي في حائط فلان» قال: لا. قال: «فهبه لي» قال: لا. قال:
«فبعنيه بعذق في الجنّة» قال: لا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت الّذي هو أبخل منك إلّا الّذي يبخل بالسّلام» ) * «5» .
5-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت:
ربّ إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك. وأنفق فسنفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2893) واللفظ له. مسلم (2706)
(2) الطبراني في الدعاء (2/ 811) حديث (60) وقال مخرجه: إسناده حسن. ومجمع الزوائد (10/ 146) وقال: رواه أبو يعلى موقوفا ورجاله رجال الصحيح.
(3) أحمد (4/ 145) واللفظ له، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله وثقوا (8/ 83، 84) .
(4) العذق: العرجون بما فيه من شماريخ الرطب، والعرجون: العود الأصفر الذي يحمل الشماريخ، والحائط: البستان.
(5) أحمد (3/ 328) واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والبزار وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام وقد وثق (3/ 127) .(9/4034)
من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «1» له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا؛ والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه؛ ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش» ) * «2» .
6-* (عن يعلى بن منبّه الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضمّهما إليه ثمّ قال: «إنّ الولد مبخلة مجبنة محزنة» ) * «3» .
7-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينا أنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقبلا من حنين علقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأعراب يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي. فلو كان عدد هذه العضاه «4» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدونني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «5» .
8-* (عن حسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البخيل من ذكرت عنده ثمّ لم يصلّ عليّ، صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» .
9-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
خرجت ذات يوم فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألا أخبركم بأبخل النّاس؟» قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ، فذاك أبخل النّاس» ) * «7» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
دار عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دورة، قال: «أعندك شيء؟» .
قالت: ليس عندي شيء. قال: «فأنا صائم» قالت: ثمّ دار عليّ الثّانية وقد أهدي لنا حيس «8» فجئت به فأكل فعجبت منه، فقلت: يا رسول الله دخلت عليّ وأنت صائم ثمّ أكلت حيسا. قال: «نعم يا عائشة إنّما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في
__________
(1) لا زبر له- بفتح الزاى وسكون الباء- أي لا عقل له يزبره وينهاه عن الإقدام على ما لا ينبغي.
(2) مسلم (2865) .
(3) ابن ماجة (3666) وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات. والحاكم (3/ 164) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت الذهبي. وأحمد (4/ 172) . وذكره الألباني في صحيح الجامع وعزاه كذلك للطبراني من حديث خولة بنت حكيم (1986) .
(4) العضاه: كل شجر له شوك صغر أو كبر. الواحدة: عضاهة (المعجم الوسيط/ 607) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3148) .
(6) الترمذي (3546) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (1/ 201) واللفظ له وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 176) رقم (1736) . والحاكم (1/ 549) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7) ذكره السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع وعزاه لابن أبي عاصم في الصلاة، وقال مخرجه (بشير عيون) . قال الألباني في تخريجه: حديث صحيح.
(8) الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط.(9/4035)
التّطوّع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل منها بما بقي فأمسكه» ) * «1» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فإنّ الله لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإيّاكم والشّحّ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» ، فقام رجل فقال: يا رسول الله أيّ الإسلام أفضل؟
قال: «أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك» فقام ذاك أو آخر فقال: يا رسول الله أيّ الهجرة أفضل؟
قال: «أن تهجر ما كره ربّك والهجرة هجرتان: هجرة الحاضر والبادي، فهجرة البادي: أن يجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر، والحاضر أعظمهما بليّة وأفضلهما أجرا» ) * «2» .
12-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- كان يأمر بهؤلاء الخمس ويحدّثهنّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» ) * «3» .
13-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كنّا في جنازة في بقيع الغرقد. فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة «4» ، فنكّس فجعل ينكت «5» بمخصرته. ثمّ قال: «ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلّا وقد كتب الله مكانها من الجنّة والنّار، وإلّا وقد كتبت شقيّة أو سعيدة» قال: فقال رجل:
يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال:
«من كان من أهل السّعادة، فسيصير إلى عمل أهل السّعادة، ومن كان من أهل الشّقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشّقاوة» . فقال: اعملوا فكلّ ميسّر؛ أمّا أهل السّعادة فييسّرون لعمل أهل السّعادة؛ وأمّا أهل الشّقاوة فييسّرون لعمل أهل الشّقاوة. ثمّ قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى» ) * «6» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا خلق الله جنّة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على
__________
(1) النسائي (4/ 194) واللفظ له، وقال الألباني: حسن (2/ 493) رقم 2189 وأصل الحديث في مسلم (1154) ، وعزاه الألباني في إرواء الغليل إلى (ابن خزيمة: 2141، 2142) . والدارقطني (236) والبيهقي (4/ 275) وأحمد (6/ 49، 207) . وانظر الإرواء (4/ 135) .
(2) أبو داود (1698) مختصر. وأحمد (2/ 159، 160) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (9/ 251) رقم (6487) وعزاه للطيالسي والحاكم وهذا لفظ أحمد.
(3) البخاري- الفتح 11 (6370) .
(4) المخصر- بكسر الميم- شيء يأخذه الرجل بيده ليتوكأ عليه مثل العصا ونحوها والجمع المخاصر.
(5) النكت: أن تضرب بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها.
(6) البخاري- الفتح 8 (4948) . ومسلم (2647) واللفظ له.(9/4036)
قلب بشر، ثمّ قال لها: تكلّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، قال: وعزّتي لا يجاورني فيك بخيل» ) * «1» .
15-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إيّاه فيبخل عليه إلّا أخرج الله له يوم القيامة من جهنّم حيّة يقال لها:
شجاع، فيطوّق بها» ) * «2» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من رجل له مال لا يؤدّي حقّ ماله إلّا جعل له طوقا في عنقه شجاع أقرع وهو يفرّ منه وهو يتبعه، ثمّ قرأ مصداقه من كتاب الله- عزّ وجلّ- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 180) » ) * «3» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديّهما إلى تراقيهما «4» ؛ فأمّا المنفق فلا ينفق إلّا سبغت، أو وفرت على جلده حتّى تخفي بنانه وتعفو أثره. وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلّا لزقت كلّ حلقة مكانها، فهو يوسّعها ولا تتّسع» ) * «5» .
18-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «6» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يأتي ابن آدم النّذر بشيء لم يكن قدّر له، ولكن يلقيه النّذر إلى القدر قد قدّر له، فيستخرج الله من البخيل فيؤتى عليه ما لم يكن يؤتى عليه من قبل» ) * «7» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ
__________
(1) الطبراني في الكبير (11/ 184) رقم (11439) وقال مخرجه: رواه في الأوسط وإسناده جيد وفي (12/ 147) رقم (12723) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وأحد إسنادي الطبراني في الأوسط جيد (10/ 397) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني في الكبير، والأوسط بإسنادين أحدهما جيد ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة من حديث أنس (3/ 380، 381) واللفظ له.
(2) الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده جيد (8/ 154) ، وهو في الكبير برقم/ 2343 (2/ 322) .
(3) النسائي (5/ 11، 12) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 512) رقم (2289) . وابن ماجة (1784) .
(4) تراقيهما: جمع ترقوة- بفتح التاء- والترقوتان: العظمان المشرفان بين ثغرة النحر والعاتق.
(5) البخاري- الفتح 3 (1443) واللفظ له، ومسلم (1021) .
(6) مسلم (2722) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6694) واللفظ له، ومسلم (1640) .(9/4037)
زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع «1» له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ثمّ يأخذ بلهزمتيه «2» يعني شدقيه ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثمّ تلا وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الآية «3» » ) * «4» .
21-* ( ... لمّا جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديا فنادى: من كان له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دين أو عدة فليأتنا، فأتيته- يعني جابرا- فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي كذا وكذا، فحثا لي ثلاثا، وجعل سفيان يحثو بكفّيه جميعا، ثمّ قال لنا: هكذا قال ابن المنكدر، وقال مرّة: فأتيت أبا بكر فسألت فلم يعطني، ثمّ أتيته فلم يعطني، ثمّ أتيته الثّالثة فقلت:
سألتك فلم تعطني، ثمّ سألتك فلم تعطني، ثمّ سألتك فلم تعطني، فإمّا أن تعطيني وإمّا أن تبخل عنّي، قال: قلت تبخل عليّ: ما منعتك من مرّة إلّا وأنا أريد أن أعطيك، قال سفيان: وحدّثنا عمرو عن محمّد بن عليّ عن جابر فحثا لي حثية وقال:
عدّها فوجدتها خمسمائة، فقال: خذ مثلها مرّتين، وقال- يعني ابن المنكدر-: وأيّ داء أدوأ من البخل) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (البخل) معنى
22-* (عن أبي أميّة الشّعبانيّ قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال:
أيّة آية؟ قلت: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» ، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منّا أو منهم؟
__________
(1) الشجاع الأقرع: الحية الذكر المنزوع الشعر من كثرة السم
(2) بلهزمتيه: بشدقيه.
(3) الآية: 180 من سورة آل عمران.
(4) البخاري- الفتح 3 (1403) واللفظ له. وخرجه النسائي وابن ماجة من حديث ابن مسعود نحوه. وانظر النسائي (5/ 11- 12) وقال الألباني: صحيح (2/ 512) رقم (2289) . وابن ماجة (1784) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3137) .(9/4038)
قال: «بل أجر خمسين منكم» ) * «1» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجتنبوا السّبع الموبقات» قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال: «الشّرك بالله، والشّحّ، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» ) * «2» .
24-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقرأ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: يقول ابن آدم: مالي.
مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟» ) * «3» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يعط فيها حقّها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقّها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها. قال: ومن حقّها أن تحلب على الماء. قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار «4» فيقول: يا محمّد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت. ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء «5» فيقول: يا محمّد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلّغت» ) * «6» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السّرّ والعلانية، والعدل في الرّضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى. وثلاث مهلكات: هوى متّبع، وشحّ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «7» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شرّ ما في رجل: شحّ هالع، وجبن خالع» ) * «8» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قالت هند أمّ معاوية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جناح «9» أن آخذ من ماله سرّا؟ قال: «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف» ) * «10» .
__________
(1) الترمذي (3058) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، وأبو داود (4341) وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وكذا أبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم (2/ 109) .
(2) النسائي (6/ 257) وقال الألباني: صحيح (2/ 780) رقم (3432) وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين وغيرهما.
(3) مسلم (2958) .
(4) يعار: صوت الشّاة.
(5) رغاء: صوت الإبل.
(6) البخاري- الفتح 3 (1402) وهذا لفظه. ومسلم (987) نحوا منه.
(7) زوائد البزار (1/ 8059) . ومجمع الزوائد (1/ 91) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2/ 66) ح 3039 وقال: صحيح وفي الصحيحة (4/ 412) ح 1802.
(8) أحمد (2/ 302، 320) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (15/ 164) رقم 7997. وابن حبان (3250) .
(9) جناح: أي ذنب وإثم.
(10) البخاري- الفتح 4 (2211) واللفظ له. ومسلم (1714) .(9/4039)
29-* (عن الأحنف بن قيس؛ قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش «1» إذ جاء رجل أخشن الثّياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم فقال: بشّر الكانزين برضف «2» يحمى عليه في نار جهنّم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم. حتّى يخرج من نغض كتفيه «3» ، ويوضع على نغض كتفيه حتّى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل. قال: فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا. قال:
فأدبر واتّبعته حتّى جلس إلى سارية «4» فقلت: ما رأيت هؤلاء إلّا كرهوا ما قلت لهم. قال: إنّ هؤلاء لا يعقلون شيئا إنّ خليلي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم دعاني فأجبته، فقال: «أترى أحدا؟» فنظرت ما عليّ من الشّمس «5» وأنا أظنّ أنّه يبعثني في حاجة له. فقلت: أراه. فقال:
«ما يسرّني أنّ لي مثله ذهبا أنفقه كلّه إلّا ثلاثة دنانير، ثمّ هؤلاء يجمعون الدّنيا. لا يعقلون شيئا» . قال: قلت (يعني لأبي ذرّ) . مالك ولإخوتك من قريش، لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: لا، وربّك، لا أسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتّى ألحق بالله ورسوله» ) «6» .
30-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
قلت: يا رسول الله مالي شيء إلّا ما أدخل عليّ الزّبير بيته أفأعطي منه؟ قال: «أعطي، ولا توكي «7» فيوكى عليك» «8» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «9» .
32-* (عن بريدة الأسلميّ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقض قوم العهد قطّ إلّا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قطّ الّا سلّط الله- عزّ وجلّ- عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس الله عنهم القطر» ) * «10» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّحّ
__________
(1) الملأ: الأشراف، وقيل الجماعة.
(2) رضف: جمع رضفة وهي الحجارة المحماة.
(3) نغض كتفيه: العظم الرقيق الذي على طرف الكتف.
(4) سارية: عمود.
(5) ما عليّ من الشمس: أي ما بقى من النهار.
(6) البخاري- الفتح 3 (1407- 1408) . ومسلم (992) واللفظ له.
(7) ولا توكي: أصل الوكاء الرّباط الّذي يربط به فم القربة والمراد: لا تمسكي عن النّفقة.
(8) أبو داود (1699) واللفظ له. والترمذي (1960) وقال: حسن صحيح. والنسائي (5/ 74) . وقال الألباني: صحيح (2/ 538) رقم 2391.
(9) البخاري- الفتح 3 (1442) . ومسلم (1010) متفق عليه.
(10) سنن البيهقي (3/ 346) . والحاكم (2/ 126) واللفظ له وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الألباني: وهو كما قالا: الصحيحة (1/ 169) حديث (107) وعزاه للطبراني في الأوسط. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال أيضا: رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات (1/ 534) .(9/4040)
والإيمان في قلب عبد أبدا» ) * «1» .
34-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين. خمس إذا ابتليتم بهنّ «2» وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة «3» في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين «4» وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم؟ ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر «5» من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلّا سلّط الله عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب الله، ويتخيّروا ممّا أنزل الله، إلّا جعل الله بأسهم بينهم» ) * «6» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتقارب الزّمان، وينقص العمل «7» ويلقى الشّحّ، ويكثر الهرج» قالوا: وما الهرج؟ قال:
«القتل القتل» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البخل)
1-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «البخل جلباب المسكنة، وربّما دخل السّخيّ بسخائه الجنّة» ) «9» .
2-* (وقال أيضا: «إنّه سيأتي على النّاس زمان عضوض، يعضّ الموسر على ما في يده ولم يؤمر بذلك. قال الله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» ) * «10» .
3-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-:
الشّحّ أشدّ من البخل؛ لأنّ الشّحيح هو الّذي يشحّ على ما في يد غيره حتّى يأخذه، ويشحّ بما في يده فيحبسه،
__________
(1) النسائي (6/ 13) واللفظ له، قال الألباني: صحيح (2/ 652) رقم (2913، 2914، 2915، 2917، 2918) ، وأحمد (2/ 256) رقم (7499) ، (2/ 340) رقم (8500) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 218) (16/ 201) ، وهو فيه أيضا (2/ 342، 441) .
(2) إذا ابتليتم: الجزاء محذوف أي: فلا خير، أو حل بكم من أنواع العذاب الذي يذكره بعده.
(3) الفاحشة: أي الزنا.
(4) السنين: جمع سنة والمراد القحط.
(5) القطر: المطر.
(6) ابن ماجة (4019) واللفظ له، وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة، وقال: طريق الحاكم حسنة الإسناد والحديث ثابت حتما وعزاه لابن أبي الدنيا في العقوبات، والروياني في مسنده (1/ 167- 169) رقم (106) .
(7) فى مسلم: وينقص العلم. وقال ابن حجر: في رواية الكشميهنى وينقص العلم وهو المعروف في هذا الحديث.
(8) البخاري- الفتح 10 (6037) . واللفظ له، ومسلم ج 4 (ص 2057) برقم (157) كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن آخر الزمان.
(9) الآداب الشرعية (3/ 312) .
(10) الإحياء (3/ 255) .(9/4041)
والبخيل هو الّذي يبخل بما في يده) * «1» .
4-* (قال طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه:
«إنّا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء لكنّنا نتصبّر» ) * «2» .
5-* (قال أبو سريحة- رضي الله عنه- (حذيفة ابن أسيد) : «حملني أهلي على الجفاء، بعدما علمت من السّنّة. كان أهل البيت يضحّون بالشّاة والشّاتين. والآن يبخّلنا جيراننا» ) * «3» .
6-* (روي أنّ الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى- رأى رجلا في يده درهم فقال: لمن هذا الدّرهم؟ قال: لي، فقال: أما إنّه ليس لك حتّى يخرج من يدك، وفي معناه قيل:
أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك) * «4» .
7-* (قال عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- لرجل قال له: تماكس في درهم وأنت تجود من المال بكذا وكذا؟ فقال: «ذاك مالي جدت به، وهذا عقلي بخلت به» ) * «5» .
8-* (قال محمّد بن المنكدر- رحمه الله تعالى- «كان يقال: إذا أراد الله بقوم شرّا أمّر عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم» ) * «6» .
9-* (قال الضّحّاك- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا (يس/ 8) : قال: «البخل، أمسك الله تعالى أيديهم عن النّفقة في سبيل الله فهم لا يبصرون الهدى» ) * «7» .
10-* (قالت أمّ البنين أخت عمر بن عبد العزيز- رحمها الله تعالى-: «أفّ للبخيل، لو كان البخل قميصا ما لبسته، ولو كان طريقا ما سلكته» ) «8» .
11-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: ما أدري أيّهما أبعد غورا في جهنّم: البخل أو الكذب؟» ) * «9» .
12-* (قال أبو حنيفة- رحمه الله تعالى-: لا أرى أن أعدّل بخيلا، لأنّ البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقّه خيفة من أن يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة» ) * «10» .
13-* (قال أبو محمّد إسحاق الموصليّ- رحمه الله تعالى-:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل
__________
(1) الإحياء (3/ 255) .
(2) المرجع السابق (3/ 255) .
(3) ابن ماجة (3148) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون.
(4) الإحياء (3/ 255) .
(5) المقاصد الحسنة للسخاوي (292) برقم (379) .
(6) الإحياء (3/ 255) .
(7) المرجع السابق (3/ 255) .
(8) الإحياء (3/ 255) .
(9) مساوىء الأخلاق للخرائطي (141) . والإحياء (3/ 255) .
(10) الإحياء (3/ 255) .(9/4042)
أرى النّاس خلّان الجواد ولا أرى ... بخيلا له في العالمين خليل
وإنّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا أن يكون ينيل
عطائي عطاء المكثرين تكرّما ... ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جليل) * «1» .
14-* (قال بشر بن الحارث الحافيّ- رحمه الله تعالى-: «لا تزوّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القاريء أن يكون بخيلا» ) * «2» .
15-* (وقال أيضا: «النّظر إلى البخيل يقسّي القلب، ولقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين» ) * «3» .
16-* (قال حبيش بن مبشّر الثّقفيّ الفقيه:
«قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والنّاس متوافرون فأجمعوا أنّهم لا يعرفون رجلا صالحا بخيلا» ) * «4» .
17-* (قال الأصمعيّ- رحمه الله تعالى- «سمعت أعرابيّا وقد وصف رجلا فقال: لقد صغر فلان في عيني لعظم الدّنيا في عينه، وكأنّما يرى السّائل ملك الموت إذا أتاه» ) * «5» .
18-* (قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى «قيل كان بالبصرة رجل موسر بخيل، فدعاه بعض جيرانه وقدّم طباهجة «6» ببيض فأكل منه فأكثر وجعل يشرب الماء فانتفخ بطنه ونزل به الكرب والموت، فجعل يتلوّى فلمّا جهده الأمر وصف حاله للطّبيب فقال: لا بأس عليك، تقيّأ ما أكلت، فقال: هاه، أتقيّأ طباهجة ببيض؟ الموت ولا ذلك» ) * «7» .
19-* (وقال أيضا:" يقال كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللّحم بخلا حتّى يقرم إليه «8» فإذا قرم إليه أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله فقيل له، نراك لا تأكل إلّا الرّؤوس في الصّيف والشّتاء، فلم تختار ذلك؟ قال: نعم، الرّأس أعرف ثمنه فآمن خيانة الغلام ولا يستطيع أن يغبنني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، إن مسّ عينا أو أذنا أو خدّا وقفت على ذلك، وآكل منه ألوانا، عينه لونا وأذنه لونا وغلصمته لونا ودماغه لونا، وأكفى مؤنة طبخه، فقد اجتمعت فيه مرافق. قال: وخرج يوما يريد الخليفة المهديّ فقالت له امرأة من أهله مالي
__________
(1) وفيات الأعيان (1/ 204) . والبيتان الأخيران ذكرهما الذهبي في ترجمته في السير وذكر أنه أنشدهما الرشيد فأمر له بمائة ألف درهم (11/ 118- 121) .
(2) الإحياء (3/ 25) .
(3) الإحياء (3/ 255) .
(4) المرجع السابق (3/ 256) .
(5) الآداب الشرعية (3/ 313) والإحياء (3/ 255) .
(6) الطباهجة: معرّب وهو اللحم المشرح.
(7) الإحياء (3/ 256) .
(8) القرم- محركة- شدة شهوة اللحم.(9/4043)
عليك إن رجعت بالجائزة؟ فقال: إن أعطيت مائة ألف أعطيتك درهما، فأعطي ستّين فأعطاها أربعة دوانق. واشترى مرّة لحما بدرهم فدعاه صديق له فردّ اللّحم إلى القصّاب بنقصان دانق وقال: أكره الإسراف» . وقال: كان للأعمش جار وكان لا يزال يعرض عليه المنزل ويقول: لو دخلت فأكلت كسرة وملحا فيأبى عليه الأعمش، فعرض عليه ذات يوم فوافق جوع الأعمش، فقال: سر بنا فدخل منزله فقرّب إليه كسرة وملحا، فجاء سائل، فقال له ربّ المنزل:
بورك فيك، فأعاد عليه المسألة فقال له: بورك فيك، فلمّا سأل الثّالثة قال له: اذهب والله وإلّا خرجت إليك بالعصا. قال: فناداه الأعمش وقال: اذهب ويحك، فو الله ما رأيت أحدا أصدق بوعيد منه منذ مدّة يدعوني على كسرة وملح فو الله ما زادني عليها» ) * «1» .
20-* (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-:
تمتّع بمالك قبل الممات ... وإلّا فلا مال إن أنت متّا
شقيت به ثمّ خلّفته ... لغيرك بعدا وسحقا ومقتا
فجاد عليك بزور البكا ... وجدت له بالّذي قد جمعتا
وأعطيته كلّ ما في يديك ... وخلّاك رهنا بما قد كسبتا) * «2» .
21-* (وقال ابن المعتزّ: بشّر مال البخيل بحادث أو وارث) * «3» .
22-* (وقاله نظما:
يا مال كلّ جامع وحارث ... أبشر بريب حادث أو وارث) * «4» .
23-* (وقال: أبخل النّاس بماله أجودهم بعرضه) * «5» .
24-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «الجبن والبخل قرينان، فإن عدم النّفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل» ) * «6» .
25-* (قال الشّاعر:
لا تطلبنّ إلى لئيم حاجة ... واقعد فإنّك قائم كالقاعد
يا خادع البخلاء عن أموالهم ... هيهات تضرب في حديد بارد) * «7» .
26-* (وقال آخر
طعامه النّجم لمن رامه ... وخبزه أبعد من أمسه
كأنّه في جوف مرآته ... يرى ولا يطمع في لمسه) * «8» .
__________
(1) الإحياء (3/ 256، 257) .
(2) مساويء الأخلاق للخرائطي (143) .
(3) الإحياء (3/ 256) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (85) .
(7) الآداب الشرعية (2/ 178) .
(8) مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق إبراهيم الحربي (8) .(9/4044)
27-* (وقال آخر:
إن كنت تطمع في كلامه ... فارفع يديك عن طعامه
سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه) * «1» .
28-* (وقال آخر:
أقاموا الدّيدبان «2» على يفاع «3» ... وقالوا لا تنم للدّيدبان
إذا أبصرت شخصا من بعيد ... فصفّق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلّون الصّلاة بلا أذان) * «4» .
29-* (قال بعض الحكماء: «لا تحمل على نفسك همّ ما لم يأتك، ولا تعدنّ عدة ليس في يديك وفاؤها، ولا تبخلنّ بالمال على نفسك، فكم جامع لبعل حليلته» ) * «5» .
30-* (قال بعض الحكماء: «من برأ من ثلاث نال ثلاثا: من بريء من السّرف نال العزّ، ومن بريء من البخل نال الشّرف، ومن بريء من الكبر نال الكرامة» ) * «6» .
31-* (قال بعض الحكماء: البخيل ليس له خليل) * «7» .
32-* (وقال آخر: البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته) * «8» .
33-* (وقال بعض الشّعراء:
إذا كنت جمّاعا لمالك ممسكا ... فأنت عليه خازن وأمين
تؤدّيه مذموما إلى غير حامد ... فيأكله عفوا وأنت دفين) * «9» .
34-* (وقال آخر: «عجبا للبخيل المتعجّل للفقر الّذي منه هرب، والمؤخّر للسّعة الّتي إيّاها طلب، ولعلّه يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدّنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنّك لم تر بخيلا إلّا غيره أسعد بماله منه، لأنّه في الدّنيا مهتمّ بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدّنيا من همّه، وناج في الآخرة من إثمه» ) * «10» .
35-* (قال الشّاعر:
وقال رسول الله والحقّ قوله ... لمن قال منّا: من تسمّون سيّدا؟
فقالوا هو الجدّ بن قيس على الّتي ... نبخّله فيها وإن كان أسودا
__________
(1) مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق إبراهيم الحربي (5) .
(2) الديدبان: الرقيب.
(3) اليفاع: المكان المرتفع.
(4) مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق الحربي (7) .
(5) مساوئ الأخلاق للخرائطي (143) .
(6) أدب الدنيا والدين (290) .
(7) الآداب الشرعية (3/ 318) .
(8) المرجع السابق نفسه.
(9) المرجع السابق نفسه
(10) المرجع السابق نفسه(9/4045)
فتى ما تخطّى خطوة لدنيّة ... ولا مدّ في يوم إلى سوأة يدا
فسوّد عمرو بن الجموح بجوده ... وحقّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا) * «1» .
36-* (قال حكيم: البخل هو محو صفات الإنسانيّة، وإثبات عادات الحيوانيّة) * «2» .
37-* (وقال آخر: «جود الرّجل يحبّبه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده) * «3» .
38-* (قال بشر بن الحارث الحافي- رحمه الله تعالى-: «البخيل لا غيبة له. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك إذا لبخيل» ومدحت امرأة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا:
صوّامة قوّامة إلّا أنّ فيها بخلا. قال: «فما خيرها إذا» ) * «4» .
من مضار (البخل)
(1) البخل لا يجتمع مع الإيمان.
(2) أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة.
(3) البخيل مكروه من الله عزّ وجلّ، ومبغوض من النّاس.
(4) دليل على سوء الظّنّ بالله عزّ وجلّ.
(5) دليل على قلّة العقل وسوء التّدبير.
(6) مهلك للإنسان ومدمّر للأخلاق.
(7) يضع السّيّد ويؤخّر السّابق.
(8) ليس من صفات الأنبياء الأصفياء ولا السّادة الشّرفاء.
(9) البخيل محروم في الدّنيا مؤاخذ في الآخرة.
__________
(1) الآداب الشرعية (2/ 216) .
(2) التعريفات للجرجاني (43) .
(3) أدب الدنيا والدين (226) .
(4) الآداب الشرعية (3/ 313) .(9/4046)
البذاءة
البذاءة لغة:
البذاءة مثل البذاء، كلاهما مصدر لقولهم بذأ يبذأ، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ أ) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على «خروج الشّيء عن طريقة الإحماد» يقال: بذأت المكان أبذؤه، إذا أتيته فلم تحمده، وبذأه كمنعه: رأى منه حالا يكرهها، وبذأه: احتقره وذمّه، وبذأ الأرض ذمّ مرعاها، وقد بذؤ الرّجل وبذيء وبذأ بمعنى، وبذؤ المكان: أصبح لا مرعى فيه، وقد بذأت على فلان أبذأ بذاء وبذاءة، وقد بذيء به: إذا عيب وازدري، ورجل بذيء من قوم أبذياء، وباذأت الرّجل: إذا خاصمته، وباذأه فبذأه (أي غلبه في البذاء) وأبذأت: جئت بالبذاء. والبذاء: المباذأة وهي المفاحشة والقبح في المنطق وإن كان الكلام صدقا. والبذيء:
الفاحش وتقول بذأ الرّجل بذءا إذا رأيت منه حالا كرهتها، كما تقول: بذأته أبذؤه بذءا: إذا ذممته، أمّا قولهم: بذأته عيني تبذؤه بذاء وبذاءة: يعني ازدرته واحتقرته ولم تقبله، ولم تعجبك مرآته وذلك إذا أطرى الشّيء لك وعندك ثمّ لم تره كذلك وأمّا إذا رأيته كما
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 29/ 10
وصف لك فإنّك تقول: ما تبذؤه العين. وبذأ الشّيء:
ذمّه، وأرض بذيئة: لا مرعى بها. وبذىء الرّجل: إذا ازدري «1» .
البذاءة اصطلاحا:
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: هي التّعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصّريحة.
وقال المناويّ: البذاء هو الفحش والقبح في المنطق، وإن كان الكلام صدقا.
وقال الكفويّ: البذاء (والبذاءة) ، هو التّعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصّريحة، ويجري أكثر ذلك في الواقع (أي في الكلام المطابق للواقع وهو الصّدق) «2» .
الوقاحة والبذاءة أصل الشر والمعاصي:
قال أبو حاتم بن حبّان- رحمه الله تعالى-:
القحّة (ترك الحياء) أصل الجهل وبذر الشّرّ، ومن لم ينصف النّاس منه حياؤه، لم ينصفه منهم قحته، وإذا لزم الوقح البذاء كان وجود الخير منه معدوما، وتواتر الشّرّ منه موجودا، لأنّ الحياء هو الحائل بين المرء وبين
__________
(1) لسان العرب (1/ 236) . والصحاح (1/ 35- 36) . ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 216) ، والقاموس المحيط (42) .
(2) الإحياء (3/ 122) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (73) ، والكليات للكفوي (243) .(9/4047)
المزجورات كلّها، بقوّته يضعف ارتكابه إيّاها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إيّاها. وقد أحسن من قال:
وربّ قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلّا الحياء
فكان هو الدّواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء
ثمّ ذكر- رحمه الله تعالى- سوء عاقبة البذيّ فقال: من ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على النّاس ومقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن فقد عقله، ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له، ولا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ومن قلّ حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحبّ «1» .
دوافع البذاءة والفحش:
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذمومة ومنهيّ عنها ومصدرها الخبث واللّؤم، والباعث عليها إمّا قصد الإيذاء وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ. ومواضع ذلك متعدّدة ويمكن حصرها في كلّ حال تخفى ويستحيا منها، فإنّ التّصريح في مثل هذه الحال فحش وينبغي الكناية عنها. وأكثر ما يكون في ألفاظ الوقاع وما يتعلّق به، فإنّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها. وأمّا أهل الصّلاح فإنّهم يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلّون عليها بالرّموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها، ألم تر أنّ الله- عزّ وجلّ- كنى باللّمس عن الجماع، ولذلك فإنّه تستعمل ألفاظ مثل المسّ واللّمس والدّخول والصّحبة. كما يكون الفحش والبذاء أيضا في حال قضاء الحاجة، فإنّ استعمال البول والغائط أولى من لفظ التّغوّط والخراء. ويدخل الفحش أيضا والبذاء في ذكر النّساء والكلام عنهنّ، فلا يقال: قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة أو من وراء السّتر، أو قالت أمّ الأولاد فالتّلطّف في هذه الألفاظ محمود والتّصريح فيها يفضي إلى الفحش. وكذلك يدخل أيضا في ذكر العيوب الّتي يستحيا منها فلا ينبغي أن يعبّر عنها بصريح اللّفظ، فلا يقال فلان الأبرص والأقرع بل يقال مثلا فلان الّذي به العارض الّذي يشكوه، وهذا كلّه يختلف باختلاف البلاد. وأوائل هذه الأشياء مكروه، وآخرها محظور، وبينهما درجات يتردّد فيها «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستهزاء- الأذى- الإساءة- السخرية- الفحش- البهتان- سوء الخلق- السفاهة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأدب- الصمت وحفظ اللسان- الكلم الطيب- اتباع الهوى- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الخلق] .
__________
(1) روضة العقلاء بتصرف (56- 59) .
(2) الإحياء (3/ 121- 122) بتصرف وفيه تقديم وتأخير.(9/4048)
الآيات الواردة في ذمّ «البذاءة» معنى
1- لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «1»
2- إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «2»
3- أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) «3»
4- إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) «4»
__________
(1) النساء: 148 مدنية
(2) النور: 15- 16 مدنية
(3) الأحزاب: 19 مدنية
(4) الممتحنة: 2 مدنية(9/4049)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاءة)
1-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنّما أنتم ولد آدم، طفّ الصّاع لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلّا بالدّين أو عمل صالح. حسب الرّجل أن يكون فاحشا بذيّا بخيلا جبانا» ) * «1»
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا وقع في أب للعبّاس كان في الجاهليّة فلطمه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا، ألا إنّ البذاء لؤم» ) * «2»
3-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحياء والعيّ شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان «3» شعبتان من شعب النّفاق) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار» ) * «5»
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء» ) * «6»
6-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء» ) * «7»
__________
(1) أحمد (4/ 145) . وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله وثقوا (8/ 84) .
(2) ذكره العراقي في تخريج الإحياء وقال: خرجه النسائي بإسناد صحيح (3/ 130) . وهو عند النسائي بغير القصة (4/ 53) . كما ذكره بمعناه (8/ 33) .
(3) المراد بالبيان: كشف ما لا يجوز كشفه، أو المراد به المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف.
(4) الحاكم (1/ 9) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه وقد احتجا برواته عن آخرهم. وقال العراقي في تخريج الإحياء: خرجه الترمذي وحسنه. والحاكم وصححه على شرطهما (3/ 121) .
(5) الترمذي (2009) وقال: حسن صحيح. والحاكم (1/ 53) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان وقال محققه: حسن (14) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (555) وعزاه أيضا لابن حبان. وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 617) : إسناده حسن.
(6) الترمذي (1977) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأحمد (1/ 405) رقم (3839) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 322) . والحاكم (1/ 12) وصححه ووافقه الذهبي، وقال محقق «جامع الأصول» : هو كما قالا (10/ 757) ، كما عزاه أيضا لابن حبان كما في الموارد.
(7) الترمذي (2002) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 6) : إسناده حسن.(9/4050)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاءة) معنى
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
«ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة. فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة: إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» ) * «1» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناس من اليهود، فقالوا: السّام عليك يا أبا القاسم. قال: «وعليكم» ، قالت عائشة:
قلت: بل عليكم السّام والذّام «2» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة لا تكوني فاحشة» . فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: «أو ليس قد رددت عليهم الّذي قالوا؟ قلت: وعليكم» ) * «3»
9-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دخل على أمّ السّائب أو أمّ المسيّب فقال: «مالك يا أمّ السّائب أو يا أمّ المسيّب تزفزفين «4» ؟» قالت: الحمّى لا بارك الله فيها. فقال:
«لا تسبّي الحمّى، فإنّها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» ) * «5» .
10-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «6» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «7» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «8» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «9» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «10» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «11» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «12» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6054) واللفظ له. مسلم (2591)
(2) «السّام والذّام» السّام: الموت، والذّام: الذّمّ.
(3) البخاري- الفتح 10 (6030) . مسلم (2165) واللفظ له.
(4) تزفزفين: يعني تتحركين حركة شديدة وترتعدين.
(5) مسلم (2575) .
(6) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(7) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(8) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل.
(9) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(10) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(11) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق.
(12) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان.(9/4051)
رأسي «1» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «2» ، وأنفق فسننفق
عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق؛ ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم؛ وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «3» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «4» أهلا ولا مالا؛ والخائن الّذي لا يخفى له طمع «5» ، وإن دقّ إلّا خانه؛ ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «6» «والشّنظير «7» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «8» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رجلا لعن الرّيح، وقال مسلم: إنّ رجلا نازعته الرّيح رداءه على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلعنها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعنها، فإنّها مأمورة، وإنّه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللّعنة عليه» ) * «9» .
12-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّعّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» ) * «10» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والفحش والتّفحّش، فإنّ الله لا يحبّ الفاحش المتفحّش، وإيّاكم والظّلم، فإنّه هو الظّلمات يوم القيامة، وإيّاكم والشّحّ، فإنّه دعا من قبلكم، فسفكوا دماءهم، ودعا من قبلكم فقطعوا أرحامهم، ودعا من قبلكم فاستحلّوا حرماتهم» ) * «11» .
14-* (عن أبي برزة- رضي الله عنه- قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا إلى حيّ من أحياء العرب، فسبّوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أهل عمان «12» أتيت، ما سبّوك
__________
(1) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(2) نغزك: أي نعينك.
(3) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(4) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الإتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(5) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(6) وذكر البخل أو الكذب: في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(7) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السّيّء الخلق.
(8) مسلم (2865)
(9) أبو داود (4908) واللفظ له. والترمذي (1978) وقال: حسن غريب. وقال محقق «جامع الأصول» : خرجه ابن حبان وهو حديث صحيح (10/ 764)
(10) مسلم (2598)
(11) الحاكم (1/ 12) ، وابن حبان (14/ 141) / 6248، والبخاري في الأدب المفرد (487) ، والبيهقي في الآداب الشرعية (108) ، وهو في المسند من طريق أخرى (2/ 431) ، وهو حديث حسن وله شاهد من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما-.
(12) عمان: مدينة بالبحرين. وهي الآن في سلطنة عمان.(9/4052)
ولا ضربوك» ) * «1» .
15-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: «جاء أعرابيّ (ملويّ) جريء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت، أو لقوم خاصّة، أم إلى أرض معلومة، أم إذا متّ انقطعت؟ قال: فسكت عنه يسيرا ثمّ قال: «أين السّائل؟ قال: ها هو ذا يا رسول الله. قال: «الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، ثمّ أنت مهاجر وإن متّ بالحضر. ثمّ قال (عبد الله بن عمرو) : ابتداء من نفسه جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله:
أخبرنا عن ثياب أهل الجنّة خلقا تخلق أم نسجا تنسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ممّ تضحكون؟ من جاهل يسأل عالما» ثمّ أكبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «أين السّائل؟ قال: هو ذا أنا يا رسول الله. قال: «بل تشقّق عنها ثمر الجنّة» ، ثلاث مرّات) * «2» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «3» . على رأس جبل وعر. لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل «4» . قالت الثّانية:
زوجي لا أبثّ خبره «5» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «6» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «7» ، إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق «8» قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «9» لا حرّ ولا قرّ «10» .
ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «11» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «12» وإن شرب اشتفّ.
وإن اضطجع التفّ. ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.
__________
(1) مسلم (2544) .
(2) أحمد (2/ 224 225) وقال شاكر: إسناده صحيح (12/ 4645) .
(3) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشّرح: المراد بالغث المهزول.
(4) هكذا في البخاري- الفتح 9 (5189) وفي المزهر للسيوطي (2/ 532) «ولا سمين فينتقى» ولعله الصواب.
(5) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(6) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه. قال الخطابي وغيره: أرادت بهما عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة.
(7) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل. ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(8) إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق: إن ذكرت عيوبه طلقني وإن سكتّ عنها علقني فتركني لا عزباء ولا مزوّجة.
(9) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ. ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة. لذيذ معتدل. ليس فيه حر ولا برد مفرط. ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه. لا يسأمني ويمل صحبتي.
(10) القر: البرد.
(11) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإن خرج أسد وهو وصف له بالشّجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد.
(12) رواية السيوطي فى المزهر (2/ 533) إن أكل اشتف أي استقصى. قولها: زوجي إن أكل لف: قال العلماء: اللف في(9/4053)
قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «1» . طباقاء. كلّ داء له داء «2» . شجّك «3» أو فلّك «4» أو جمع كلّا لك.
قالت الثّامنة: زوجي الرّيح، ريح زرنب والمسّ مسّ أرنب «5» . قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «6» ، طويل النّجاد «7» ، عظيم الرّماد «8» . قريب البيت من النّادي.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك «9» ؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر1»
أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «11» وملأ من شحم عضديّ «12» . وبجّحني
__________
الطعام الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منها شيء. والاستشفاف في الشراب: أي يستوعب جميع ما في الإناء. مأخوذ من الشفافة، وهي ما بقي في الإناء من الشراب. فإذا شربها قيل اشتفها وتشافها. وقولها: ولا يولج الكف ليعلم البث. قال أبو عبيد: أحسبه كان بجسدها عيب أو داء كنت به. لأن البث الحزن. فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذلك فيشق عليها. فوصفته بالمروءة وكرم الخلق. وقيل: هذا ذم له أرادت وان اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته.
(1) زوجي غياياء: أو عياياء: وهو الذي لا يلقح، وقيل: هو العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وقيل: غياياء، بالمعجمة، صحيح وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة وكل ما أظل الشخص. ومعناه لا يهتدي إلى مسلك. وقيل: هو العيىّ الأحمق.
(2) كل داء له داء: أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه.
(3) شجك: أي جرحك في الرأس.
(4) أو فلك: الفل الكسر والضرب. ومعناه أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو، أو جمع بينهما. وقيل: المراد بالفل هنا الخصومة.
(5) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل: أرادت طيب ريح جسده. وقيل: طيب ثيابه في الناس. وقيل: لين خلقه وحسن عشرته. والمس مس أرنب، صريح في لين الجانب وكرم الخلق.
(6) زوجي رفيع العماد: قال العلماء: معنى رفيع العماد وصفه بالشرف وسناء الذكر. أي بيته في الحسب رفيع في قومه. وقيل إن بيته الّذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد.
(7) طويل النجاد: تصفه بطول القامة. والنجاد حمائل السيف. فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه. والعرب تمدح بذلك.
(8) عظيم الرماد: تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز، فيكثر وقوده فيكثر رماده. وقيل: لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضيفان. والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التلال ومشارف الأرض.
(9) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها.
(10) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات.
(11) أناس من حلي أذني: الحلي بضم الحاء وكسره، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدلّ. ومعناه حلاني قرطة وشنوفا، فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها
(12) وملأ من شحم عضدي: قال العلماء. معناه أسمنني وملأ بدنى شحما. وخصت العضدين لأنهما إذا سمنتا سمن غيرهما.(9/4054)
فبجحت إلىّ نفسيّ «1» وجدني في أهل غنيمة بشقّ.
فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «2» .
فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح وأشرب فأتقنّح «3» أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها رداح «4» وبيتها فساح «5» . ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «6» . ويشبعه ذراع الجفرة «7» . بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها وغيظ جارتها «8» . جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «9» . ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «10» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا «11» . قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «12» . فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «13» فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا. ركب شريّا «14» . وأخذ خطّيّا «15» وأراح عليّ نعما
__________
(1) وبجحني فبجحت إلى نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. ومعناه فرّحني ففرحت. وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر.
(2) ودائس ومنق: الدائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره: يقال: داس الطعام درسه. ومنقّ: من نقى الطعام ينقيه أي يخرجه من تبنه وقشوره. والمقصود أنه صاحب زرع يدوسه وينقيه.
(3) فأتقنح: التقنح: الشرب بعد الرى، وقيل: تكرار الشرب بعد الري والمعنى: أنها تشرب حتى لا تجد مساغا.
(4) عكومها رداح: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. واحدها عكم. ورداح أي عظام كبيرة.
(5) وبيتها فساح: أي واسع. والفسيح مثله. قيل: ويحتمل أنها أرادت كثرة الخيل والنعمة.
(6) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة. لأن الجريدة تشقق منها قضبان رقاق. والمسل هنا مصدر بمعنى المسلول، أي ما سل من قشره. وقيل: أرادت بقولها كمسل شطبة أنه كالسيف سل من غمده.
(7) ويشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به.
(8) وغيظ جارتها: قالوا: المراد بجارتها ضرتها. يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها
(9) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(10) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(11) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه. بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفة.
(12) والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب: وهو جمع قليل النظير. وهي أسقية اللبن التي يمخض فيها. وقيل: هو جمع وطبة. ومخضت اللبن مخضا إذا استخرجت زبده بوضع الماء فيه وتحريكه أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع.
(13) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: قال أبو عبيد: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان
(14) رجلا سريّا ركب شريّا: سريّا معناه سيدا شريفا وقيل سخيّا. وشريّا هو الفرس الذي يستشري في سيره، أي يلح ويمضي بلا فتور ولا انكسار.
(15) وأخذ خطيّا: بفتح الخاء وكسرها. والفتح أشهر. والخطي الرمح. منسوب إلى الخط. عند عمان والبحرين. قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر. وسميت الرماح خطية لأنها تحمل الى هذا الموضع وتثقف فيه.(9/4055)
ثريّا «1» . وأعطاني من كلّ رائحة زوجا «2» . قال: كلي أمّ زرع وميري أهلك «3» . فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كنت لك: كأبي زرع لأمّ زرع» «4» ) * «5» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصّيام جنّة «6» ، فلا يرفث «7» ولا يجهل. وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إنّي صائم- مرّتين- والّذي نفسي بيده لخلوف «8» فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصّيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» ) * «9» .
18-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، من أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات) * «10» .
19-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: كنت جالسا في مجلس فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي سمرة جالس أمامي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الفحش والتّفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وإنّ خير النّاس إسلاما أحسنهم خلقا) * «11» .
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه» ) * «12» .
21-* (عن المعرور بن سويد- رحمه الله تعالى- قال: مررنا بأبي ذرّ بالرّبذة «13» . وعليه برد وعلى غلامه مثله. فقلنا: يا أبا ذرّ لو جمعت بينهما كانت حلّة، فقال: إنّه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمّه أعجميّة، فعيّرته بأمّه، فشكاني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلقيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا أبا ذرّ إنّك امرؤ
__________
(1) وأراح علي نعما ثريا: أي أتى بها إلى مراحها، وهو موضع مبيتها. والنعم الإبل والبقر والغنم. ويحتمل أن المراد ههنا بعضها وهي الإبل. والثري الكثير المال وغيره. ومنه الثروة في المال وهي كثرته.
(2) وأعطاني من كل رائحة زوجا: قولها من كل رائحة أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد، زوجا أي اثنين. ويحتمل أنها أرادت صنفا. والزوج يقع على الصنف ومنه قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً.
(3) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم.
(4) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها. ومعناه: أنا لك كأبي زرع. وكقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً* أي كان فيما مضى وهو باق كذلك.
(5) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له.
(6) جنّة- بضم الجيم- أي وقاية.
(7) قال ابن حجر في الفتح: المراد بالرفث هنا: الكلام الفاحش (4/ 104) .
(8) الخلوف تغير رائحة الفم من أثر الصيام، لخلو المعدة من الطعام.
(9) البخاري- الفتح 4 (1894) . ومسلم (1151) .
(10) أبو داود (1609) ، وقال الألباني: حسن (1/ 303) برقم (1420) . وابن ماجة (1827) . وذكره في جامع الأصول من حديث ابن عمر وقال محققه: إسناده حسن (4/ 644) .
(11) أحمد (5/ 89 و99) . وأبو يعلى في «مسنده» رقم (7468) بإسناد جيد، وابن أبي شيبة (8/ 514) ، والبخاري في «التاريخ» (6/ 291) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (2/ 256) ، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 25) : رجاله ثقات، وقال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه أحمد وابن أبي الدنيا بإسناد صحيح (3/ 122)
(12) الترمذي (1974) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (4185) . وأحمد (3/ 165) .
(13) الربذة: موضع بالبادية بينه وبين المدينة ثلاث مراحل، وهو في شمال المدينة سكنه أبو ذر وتوفي ودفن فيه.(9/4056)
فيك جاهليّة» قلت: يا رسول الله، من سبّ الرّجال سبّوا أباه وأمّه. قال: «يا أبا ذرّ، إنّك امرؤ فيك جاهليّة، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم ممّا تأكلون، وألبسوهم ممّا تلبسون، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حجّ لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمّه» ) *» .
23-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من الكبائر شتم الرّجل والديه» . قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرّجل والديه؟ قال: «نعم، يسبّ أبا الرّجل فيسبّ أباه ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه» ) * «3» .
24-* (عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال:
رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا (هذا) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول الله- مرّتين- قال: «لا تقل عليك السّلام! فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت قل: السّلام عليك» قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «4» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة «5» فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك، قلت: اعهد إليّ، قال:
«لا تسبّنّ أحدا» قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار «6» فإنّها من المخيلة، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه «7» » ) * «8» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، لا تسبّوا أصحابي. فو الّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم «9» ، ولا نصيفه» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (30) . ومسلم (1661) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 3 (1521) . ومسلم (1350) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5973) ، ومسلم (90) واللفظ له.
(4) عام سنة: عام قحط وجدب.
(5) فلاة: صحراء.
(6) إسبال الإزار: إطالته.
(7) وبال ذلك عليه: أي إثمه وذنبه عليه.
(8) أبو داود (4084) وهو عند الألباني (3/ 769، 770) وقال: صحيح.
(9) مدّ أحدهم: المد ضرب من المكاييل وهو ربع صاع والصاع خمسة أرطال، وقدره بالمد لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة، وأصل المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه.
(10) البخاري- الفتح 7 (3673) من حديث أبي سعيد. ومسلم (2540) واللفظ له.(9/4057)
26-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا الدّيك، فإنّه يوقظ للصّلاة» ) * «1»
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تهجّروا «2» ، ولا تدابروا، ولا تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «3» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّانا» ) * «4»
29-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه- في قصصه يوما وهو يذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث- يعني عبد الله بن رواحة- وذكر أبياته وهي:
وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (البذاءة)
1-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-: «إنّ أبغض النّاس إلى الله كلّ طعّان لعّان» ) * «6» .
2-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «ألأم شيء في المؤمن الفحش» ) * «7» .
3-* (قال الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى:
«ألا أخبركم بأدوإ الدّاء: اللّسان البذيء، والخلق الدّنيء» ) * «8» .
4-* (قال عطاء- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ (الأنبياء/ 90) قال: «كان في خلقها سوء، وكان في لسانها طول، وهؤلاء بذاء، فأصلح له ذلك منها» ) * «9» .
5-* (عن سعيد بن عبد العزيز- رحمه الله- قال: «رأى أبو الدّرداء- رضي الله عنه- امرأة سليطة اللّسان، فقال: لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها) * «10» .
6-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- للعلاء بن هارون لمّا سأله عن خرّاج تحت إبطه: من أين مخرجه. فتحفّظ في منطقه وقال: «من
__________
(1) أبو داود (5101) ، وقال الألباني: صحيح (3/ 961) برقم (4254) . وذكره في جامع الأصول وقال محققه: إسناده حسن (10/ 767) .
(2) لا تهجروا: أي لا تتكلموا بالهجر وهو الكلام القبيح.
(3) مسلم (2563) .
(4) مسلم (2597) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1155) .
(6) الإحياء (3/ 126) .
(7) روضة العقلاء (57) .
(8) الإحياء (3/ 123) .
(9) مساويء الأخلاق للخرائطي (40) . وتفسير ابن كثير (3/ 193) .
(10) الإحياء (3/ 125) .(9/4058)
باطن اليد» ) * «1» .
7-* (قال إبراهيم بن ميسرة- رحمه الله تعالى-:
«يقال يؤتى بالفاحش المتفحّش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب» ) * «2» .
8-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «خمس من علامات الشّقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلّة الحياء، والرّغبة في الدّنيا، وطول الأمل» ) * «3» .
9-* (قال محمّد بن عبد الله البغداديّ:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... فلا خير في وجه إذا قلّ ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنّما ... يدلّ على وجه الكريم حياؤه) * «4» .
10-* (قال الشّاعر:
انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب
وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي لم تسل عنه فلا تجب) *
«5» .
من مضار (البذاءة)
(1) دليل ضعف الإيمان وقلّة الدّين.
(2) دليل خبث الطّويّة.
(3) تسبّب قلّة الأصحاب، وبعد الأهل والأحباب.
(4) يكثر اعتذاره إن كان رجّاعا وإن لا فلا يرعوي لسرعة وقوعه في النّاس.
(5) يؤذي المسلمين بل جميع العالمين لما يصدر عنه من الغلط المبين.
(6) تؤدّي إلى الهوان على النّاس.
(7) دليل قلّة الحياء.
(8) تؤدّي إلى إشاعة الفحش والفاحشة في المجتمع وبين النّاس.
__________
(1) الإحياء (3/ 123) .
(2) المرجع السابق (3/ 131) .
(3) مدارج السالكين (2/ 270) .
(4) روضة العقلاء (57) .
(5) حسن السمت في الصمت (47) .(9/4059)
البذاذة والتبذل
البذاذة والتبذل لغة:
مصدر قولهم: بذّت هيئته بذاذة، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ ذ) الّتي تدلّ على الغلبة والقهر والإذلال، يقال: بذّ فلان أقرانه يبذّهم فهو باذّ: إذا غلبهم، وإلى هذا يرجع قولهم: هو باذّ الهيئة وبذّ الهيئة، وبيّن البذاذة، أي أنّ الأيام أتت عليها فأخلقتها فهي مقهورة، ويكون فاعل (باذّ) في معنى مفعول (أي مبذوذ) ، ومعنى قولهم: حال فلان بذّة: سيّئة وقد بذذت بعدي (بالكسر) فأنت باذّ الهيئة وبذّها أي رثّها، وقيل: رثّ اللّبسة ويكنى بذلك عن التّواضع في اللّباس وترك التّبجّح به، وقال ابن منظور: يقال:
بذذت بذذا وبذاذة وبذوذة: أي رثّت هيئتك وساءت حالتك وفي الحديث: «البذاذة من الإيمان» البذاذة:
رثاثة الهيئة وهي أن يكون الرّجل متقهّلا «1» ، يقال منه:
رجل باذّ الهيئة، وفي هيئته بذاذة وقال بعضهم: البذّ:
الرّجل المتقهّل الفقير، وقيل: البذاذة: أن يكون يوما متزيّنا، ويوما شعثا، أو هي ترك مداومة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 14/ 5
الزّينة، وحال بذّة أي سيّئة، ورجل بذّ البخت: سيّئه، رديئه، وتمر بذّ: متفرّق لا يلزق بعضه ببعض «2» .
التبذّل والبذاذة قريبة في معناها اللّغويّ من التبذّل والابتذال، يقول ابن الأثير: وفي حديث الاستسقاء: «فخرج متبذّلا..» التّبذّل: ترك التّزيّن والتّهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التّواضع، وبمثل ذلك فسّر حديث سلمان «فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة» وفي رواية «مبتذلة «3» » والبذلة من الثّياب، ما يلبس ويمتهن ولا يصان، وابتذال الثّوب وغيره امتهانه، والتّبذّل: ترك التّصاون «4» .
البذاذة والتبذل اصطلاحا:
قال فيها ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
هي سوء الهيئة والتّجوّز في الثّياب ونحوها، يقال: رجل باذّ الهيئة: إذا كان رثّ الهيئة والثّياب «5» .
وقال فيه ابن حجر- رحمه الله تعالى-:
التّبذّل والابتذال بمعنى واحد، وهو لبس ثياب البذلة وهي المهنة «6» .
__________
(1) المتقهّل: الذي لا يتعهد جسده بالماء والنّظافة، وقيل: هو يابس الجلد سيء الحال.
(2) مقاييس اللغة (1/ 177) ، الصحاح (2/ 561) ، النهاية في غريب الحديث (1/ 112) ، ولسان العرب (بذل) (ص 238) (ط. دار المعارف) .
(3) النهاية لابن الأثير (1/ 111) .
(4) لسان العرب (1/ 238) (ط. دار المعارف) .
(5) مختصر سنن أبي داود (6/ 84، 85) بتعليق محمد حامد الفقي.
(6) فتح الباري (4/ 248) .(9/4060)
وقال المناويّ: البذلة: ما يمتهن من الثّياب في الخدمة، يقال: بذل الثّوب وابتذله: لبسه في أوقات الخدمة والامتهان «1» .
البذاذة والتبذل بين المدح والذم:
إنّ الغنى الحقيقيّ للإنسان ليس في مظهره فحسب، وإنّما في مخبره وخبيئة نفسه، وقد يعتري المسلم حالات توجب عليه ارتداء الثّياب الحسنة، والظّهور بمظهر لائق تحدّثا بنعمة الله عليه شريطة ألّا يؤدّي ذلك إلى الغرور أو الافتتان، وقد أمرنا الله- عزّ وجلّ- بأن نأخذ زينتنا عند كلّ مسجد، وقال سبحانه مشدّدا النّكير على من يحرّم زينته قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ (الأعراف/ 32) ولا شكّ أنّ رثاثة الهيئة وقبح المنظر ممّا يتنافى مع هذه الزّينة، ومن ثمّ كانت البذاذة من المظاهر الرّديئة الّتي يأباها الإسلام، واستعاذ منها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم في الأحوال العاديّة، وقد استنكر سلمان الفارسيّ تبذّل أمّ الدّرداء وأقرّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، قال ابن حجر رحمه الله تعالى-: وفي هذا مشروعيّة تزيّن المرأة لزوجها، وثبوت حقّ المرأة على الزّوج في حسن العشرة «2» ، وقد تجدّ أحوال أخرى تقتضي إظهار التّواضع والخشوع وإظهار المذلّة، كما حدث من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الاستسقاء حيث خرج «متبذّلا متخضّعا»
» وقد فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم على جهة التّواضع لله عزّ وجلّ- وقد يكون التّبذّل ناجما عن عدم القدرة على ارتداء غير ثياب المهنة أو الثّياب القديمة، فإذا قبل ذلك المسلم صابرا كان علامة على إيمانه ورضا بما قسم الله له، وهذا يفسّر الحديث الآخر: «البذاذة من الإيمان» أي أنّ التّواضع في اللّباس لغير القادر وترك التّبجّح به للقادر من علامات الإيمان الصّحيح، وقد دخل عبد الله بن نهيك على سعد وعنده متاع رثّ ومثال رثّ، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» قال أبو عبيد: كان سفيان بن عيينة يقول معناه: من لم يستغن به، وذكره رثاثة المتاع والمثال ينبئك أنّه إنّما أراد الاستغناء بالمال القليل «4» ، وإن دلّ هذا على شيء فعلى أنّ الغنى الحقيقيّ ليس في المتاع الحسن أو الأثاث الفاخر أو الثّياب الرّفّافة، وإنّما فيما يحمله المسلم من القرآن «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإهمال- التهاون- التفريط والإفراط- التخاذل- النجاسة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن السمت- الطهارة- المروءة- النظام- النزاهة] .
__________
(1) التوقيف على مهمات التعاريف (73) .
(2) فتح الباري (4/ 249) .
(3) انظر النهاية (1/ 111) .
(4) غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 385) ت: حسين محمد شرف.
(5) استخلصت هذه الفقرة مما أوردته كتب الأحاديث.(9/4061)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاذة والتبذل)
1-* (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة «1» فقال لها:
ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما فقال له: كل.
قال: فإنّي صائم، قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال:
فأكل، فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثمّ ذهب يقوم فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «2» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخلت عليّ خولة بنت حكيم بن أميّة، وكانت عند عثمان بن مظعون- قالت: فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذاذة هيئتها، فقال لي: «يا عائشة، ما أبذّ هيئة خويلة» .
قالت: فقلت: يا رسول الله، امرأة لا زوج لها «3» ، يصوم النّهار ويقوم اللّيل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها. قالت: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: «يا عثمان أرغبة عن سنّتي؟» قال: فقال: لا والله يا رسول الله ولكن سنّتك أطلب، قال: «فإنّي أنام وأصلّي، وأصوم وأفطر، وأنكح النّساء. فاتّق الله يا عثمان، فإنّ لأهلك عليك حقّا، وإنّ لضيفك عليك حقّا، وإنّ لنفسك عليك حقّا فصم وأفطر، وصلّ ونم» ) * «4» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: دخل رجل المسجد يوم الجمعة والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- فدعاه فأمره أن يصلّي ركعتين، ثمّ دخل الجمعة الثّانية- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- فدعاه فأمره، ثمّ دخل الجمعة الثّالثة فأمره أن يصلّي ركعتين، ثمّ قال:
«تصدّقوا» ففعلوا فأعطاه ثوبين ممّا تصدّقوا ثمّ قال:
«تصدّقوا» فألقى أحد ثوبيه، فانتهره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكره ما صنع ثمّ قال: «انظروا إلى هذا فإنّه دخل المسجد في هيئة بذّة، فدعوته فرجوت أن تعطوا له فتصدّقوا عليه وتكسوه فلم تفعلوا، فقلت: تصدّقوا، فأعطيته ثوبين ممّا تصدّقوا ثمّ قلت: تصدّقوا فألقى أحد ثوبيه. خذ ثوبك، وانتهره» ) * «5» .
__________
(1) معنى هذا أن أبا الدرداء كان غائبا فاستقبلته أم الدرداء فرآها متبذلة انظر: فتح الباري (4/ 248) .
(2) البخاري- الفتح 4 (1968) .
(3) هكذا وقع في الأصل، والمراد أنها كمن لا زوج لها نظرا لانشغاله عنها بصيام النهار وقيام الليل.
(4) أحمد (6/ 268) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 301) : رواه أحمد ورجاله ثقات.
(5) رواه أحمد في «المسند» (3/ 25) واللفظ له، والنسائي رقم (1407) و (2535) وأبو داود رقم (1675) ، والترمذي (151) مختصرا.(9/4062)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البذاذة والتبذل) معنى
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: «أتانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرأى رجلا ثائر الرّأس فقال: «أما يجد هذا ما يسكّن به شعره» ) * «1» .
5-* (عن أبي الأحوص عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في ثوب دون فقال:
«ألك مال؟» قال: نعم من كلّ المال. قال: من أيّ المال؟» . قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرّقيق. قال: فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» ) * «2» .
6-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولي جمّة «3» . قال: «ذباب «4» » وظننت أنّه يعنيني فانطلقت فأخذت من شعري.
فقال: «إنّي لم أعنك، وهذا أحسن» ) * «5» .
7-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده.
اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل» وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: «آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون» ) * «6» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن القزع «7» ) * «8» .
9-* (عن عبد الله بن شقيق أنّه قال: كان رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عاملا بمصر فأتاه رجل من أصحابه فإذا هو شعث الرّأس مشعانّ «9» ، قال:
«مالي أراك مشعانّا وأنت أمير؟» قال: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ينهانا عن الإرفاه. قلنا: وما الإرفاه؟ قال:
«التّرجّل كلّ يوم» ) * «10» .
10-* (عن عبد الله بن سرجس- رضي الله
__________
(1) النسائي (8/ 183- 184) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (4/ 751) . وصحيح سنن النسائي (4832) وقال الألباني: صحيح.
(2) أبو داود (4063) . والنسائي (8/ 181) وقال الألباني: صحيح (3/ 1062) رقم (4820) . ورواه أيضا أحمد في «المسند» (3/ 473) .
(3) الجمة: بضم الجيم وتشديد الميم- مجتمع شعر الرأس وقيل: ما سقط منه على المنكبين.
(4) المراد بالذباب: الشر.
(5) النسائي (8/ 135) وقال الألباني: صحيح (3/ 1042) رقم (4691) . وأبو داود (4190) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (4/ 755) .
(6) مسلم (1342) .
(7) القزع: حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه وذلك لسوء هيئة فاعله.
(8) البخاري- الفتح 10 (5920) . ومسلم (2120) واللفظ له
(9) مشعانّ الرأس: المنتفش الشعر الثائر الرأس.
(10) النسائي (8/ 132) وقال الألباني: صحيح (3/ 104) رقم (4683) والإرفاه: كثرة التدهن والتنعم.(9/4063)
عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا سافر يتعوّذ من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون «1» ، ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال) * «2» .
11-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعني- ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» قال فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة:
«إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي:
انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «3» فيتدهده «4» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال:
قالا لي: انطلق، انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب «5» من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر شدقه «6» إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال: وربّما قال أبو رجاء فيشقّ. قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل، فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال قلت:
سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور. قال- وأحسب أنّه كان يقول-: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «7» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال:
فانطلقنا فأتينا على نهر- حسبت أنّه كان يقول- أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «8» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة «9» كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي:
انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة «10» فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل
__________
(1) الحور بعد الكون هكذا هي في معظم النسخ بالنون في الكون وقد وردت الحور بعد الكور بالراء وكلاهما بمعنى النقصان بعد الزيادة.
(2) مسلم (1343) .
(3) يثلغ رأسه: أي يشدخه، الشدخ: كسر الشيء الأجوف.
(4) تدهده: إذا انحط.
(5) كلوب من حديد: بفتح الكاف وتشديد اللام: حديدة معوجّة الرأس.
(6) يشرشر شدقه: أي يقطعه شقا، والشدق: جانب الفم.
(7) ضوضوا: أي رفعوا أصواتهم مختلطة.
(8) يفغر فاه: أي يفتحه.
(9) كريه المرآة: أي قبيح المنظر.
(10) روضة معتمة: من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة، كقوله تعالى مُدْهامَّتانِ.(9/4064)
طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ «1» . قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق.
فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي: ارق، فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة «2» ، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض «3» من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة. قال قالا لي: هذه جنّة عدن، وهذاك منزلك. قال فسما بصري صعدا «4» . فإذا قصر مثل الرّبابة»
البيضاء. قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا:
أمّا الآن فلا، وأنت داخله قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصّلاة المكتوبة، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها، فإنّه مالك خازن جهنّم، وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين وأمّا القوم الّذين كانوا شطر منهم حسن وشطر قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم» ) * «6» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّاس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ «7» فإذا أصابهم الرّوح «8» سطعت أرواحهم «9» فيتأذّى بها النّاس فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أو لا يغتسلون؟» ) * «10» .
ولفظه عند البخاريّ: كان النّاس مهنة «11»
__________
(1) أصل العبارة: وإذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم.
(2) لبن ذهب ولبن فضة- بكسر الباء- جمع لبنة: وهو ما يبنى به من طين.
(3) قال الحافظ ابن حجر: المحض: هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا. «فتح الباري» (12/ 444) .
(4) صعدا- بضم أوله وثانيه- أي ارتفع كثيرا.
(5) قال ابن الأثير: الرّبابة: السّحابة التي ركب بعضها بعضا. «النهاية» (2/ 181) .
(6) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. ومسلم (2275) .
(7) وسخ: أي قذر وذلك لا نشغالهم بأمر المعاش.
(8) الرّوح: بالفتح نسيم الريح.
(9) سطعت أرواحهم: المراد أنهم كانوا إذا مر النسيم عليهم تكيف بأرواحهم فحمل رائحة عرقهم إلى الناس وذلك لمجيئهم مشيا من مكان بعيد.
(10) النسائي (3/ 94) وقال الألباني: صحيح (1/ 298) رقم (1306) .
(11) مهنة أنفسهم: جمع ماهن أي خدم أنفسهم.(9/4065)
أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم» «1» .
13-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «2» أو العباء «3» ، متقلّدي السّيوف. عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر.
فتمعّر «4» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام، فصلّى ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الآية إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين «5» من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «6» . كأنّه مذهبة «7» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «8» .
14-* (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على المنبر في يوم الجمعة: «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته؟» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (903) .
(2) مجتابي النمار: نصب على الحالية. أي لابسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة. وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب. كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف.
(3) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية.
(4) فتمعر: أي تغير.
(5) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. قال القاضي: ضبطه بعضهم بالفتح وبعضهم بالضم قال ابن سراج: هو بالضم اسم لما كوّم. وبالفتح المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضمّ، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء والكوم المكان المرتفع كالرابية. قال القاضي: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية.
(6) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا.
(7) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما وهو المشهور، وبه جزم القاضي والجمهور: مذهبة. والثاني، ولم يذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين غيره: مدهنة. وقيل: هذا تصحيف. وذكر القاضي وجهين في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه. والثّاني: شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلو، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
(8) مسلم (1017) .
(9) أبو داود (1078) . وابن ماجة (1095) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (7/ 330) .(9/4066)
من الآثار الواردة في ذمّ (البذاذة والتبذل)
1-* (قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ- رحمه الله تعالى-: «الواجب على العاقل أن يكون حسن السّمت، طويل الصّمت؛ فإنّ ذلك من أخلاق الأنبياء، كما أنّ سوء السّمت وترك الصّمت من شيم الأشقياء» ) * «1» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «إيّاكم ولبستين: لبسة مشهورة، ولبسة محقورة» ) * «2» .
3-* (وقيل: المروءة الظّاهرة في الثّياب الطّاهرة) * «3» .
4-* (وقيل في منثور الحكم: البس من الثّياب ما يخدمك ولا يستخدمك) * «4» .
5-* (وقيل: العري الفادح، خير من الزّيّ الفاضح) * «5» .
من مضار (البذاذة والتبذل)
(1) سوء المظهر وقبح الصّورة ينفّر كثيرا من الخلق.
(2) دليل على جحد نعمة الله وكفرها وعدم إظهارها.
(3) دليل على شقاء النّفس.
(4) تناقض الصورة الّتي يحبّ الله أن يرى عبده فيها.
(5) تناقض صفة الأنبياء والصّالحين.
(6) تعطي صورة سيّئة عن المسلم في ظلّ المجتمع المسلم.
__________
(1) روضة العقلاء (25) .
(2) أدب الدنيا والدين (340) .
(3) المرجع السابق (341) .
(4) المرجع السابق (340) .
(5) المرجع السابق (339) .(9/4067)
البطر
البطر لغة:
مصدر قولهم: بطر، وهو مأخوذ من مادّة (ب ط ر) الّتي تدلّ على الشّقّ، قال ابن فارس: ويحمل عليها البطر وهو تجاوز الحدّ في المرح، وقيل: البطر الأشر وهو شدّة المرح وقد بطر (بالكسر) يبطر، وأبطره المال، والبطر أيضا: الحيرة والدّهش وأبطره: أدهشه، ويقال: بطرت الشّيء أبطره بطرا: شققته ومنه سمّي البيطار «1» ، وذهب دمه بطرا (بالكسر) أي هدرا، والبطر أيضا: الطّغيان عند النّعمة وطول الغنى، ومنه الحديث الشّريف.. «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا» وبطر الحقّ: التّكبّر عنه والتّجبّر عنده ورؤيته باطلا، وفي الحديث: «الكبر بطر الحقّ» ، قال ابن الأثير هو أن يجعل ما جعله الله حقّا من توحيده وعبادته باطلا، وقيل: هو أن يتجبّر عنده فلا يراه حقّا، وقيل هو أن يتكبّر عن الحقّ فلا يقبله، وذلك من قولهم: بطر فلان هدية أمره، إذا لم يهتد له وجهله ولم يقبله، وبطر النّعمة بطرا فهو بطر، وفي التّنزيل العزيز:
بَطِرَتْ مَعِيشَتَها (القصص/ 58) قيل: أوصل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 4/ 5
الفعل وحذف الجارّ (أي بطرت من معيشتها) كما في قوله تعالى وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أي من قومه، وقيل معناه: إمّا بطرت أيّام معيشتها، وإمّا بتضمين بطرت معنى كفرت وغمطت، وقال القرطبيّ: البطر هنا هو الطّغيان بالنّعمة، وقيل البطر: سوء احتمال الغنى بأن لا يحفظ حقّ الله فيه «2» .
وأورد ابن منظور للبطر معاني عديدة منها:
البطر: النّشاط، والبطر: التّبختر، والبطر قلّة احتمال النّعمة، والبطر: الدّهش والحيرة والبطر:
الطّغيان في النّعمة، والبطر: كراهة الشّيء من غير أن يستحقّ الكراهية، يقال: بطر النّعمة يبطرها لم يشكرها، وبطر بالأمر ثقل به ودهش وأبطره المال، وأبطره حلمه، أي أدهشه وبهته، وأبطره ذرعه: حمّله فوق ما يطيق (والذّرع البدن، وقيل: العنق «3» ) ، والبطر في قول الله تعالى وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ (الأنفال/ 47) معناه كما يقول القرطبيّ: التّقوّي على المعاصي بنعم الله- عزّ وجلّ- وما ألبسه من العافية، والمعنى: خرجوا بطرين
__________
(1) البيطار: معالج الدواب.
(2) تفسير القرطبي (13/ 198) .
(3) مقاييس اللغة (1/ 216) ، النهاية لابن الأثر (1/ 135) ن والصحاح (2/ 593) ولسان العرب (1/ 300) (ط. دار المعارف) .(9/4068)
مرائين، وقد نزلت في أبي جهل وأصحابه الّذين خرجوا يوم بدر لنصرة العير. وقد جرى ما جرى من إهلاكهم «1» ، وقال أبو حيّان: هذا تخويف لأهل مكّة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام الله عليهم بالرّقود في ظلال الأمن، وخفض العيش فغمطوا النّعمة، وقابلوها بالأشر والبطر فدمّرهم الله وخرّب ديارهم «2» .
البطر اصطلاحا:
البطر: محرّكا- دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النّعمة، وقلّة القيام بحقّها، وصرفها إلى غير وجهها.
وقال العزّ بن عبد السّلام: البطر: سوء احتمال الغنى ومعناه التّقصير في شكره، ورؤية المنّة به، وهو والمرح وسيلتان إلى الطّغيان «3» .
أنواع البطر:
للبطر أنواع عديدة أهمّها:
1- بطر الغنى.
2- بطر الملك.
وكلاهما ممّا يجب التّحرّز منه، قال تعالى في النّوع الأوّل: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (العلق/ 6- 7) وقال في النّوع الثّاني في حقّ فرعون فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (النازعات/ 23- 24) «4» ، ويمكن أن يضاف إلى ذلك:
3- بطر المنصب والوظيفة.
4- بطر الجاه والمكانة الاجتماعيّة.
وكلاهما يمكن حمله على النّوعين الأوّلين.
[للاستزادة: انظر صفات: الغرور- الكبر والعجب- نكران الجميل- الجحود- الطمع- السخط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإنصاف- التواضع- الحمد- الشكر- العدل والمساواة- الاعتراف بالفضل- الرضا- القناعة- الزهد] .
__________
(1) انظر تفسير القرطبي (8/ 63) .
(2) تفسير البحر المحيط 7/ 121.
(3) المفردات (50) والتوقيف (79) وشجرة المعارف (324) .
(4) انظر شجرة المعارف والأحوال، الفقرة (738، 739) .(9/4069)
الآيات الواردة في «البطر»
1- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) «1»
2- وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58) «2»
__________
(1) الأنفال: 47 مكية
(2) القصص: 58 مكية(9/4070)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البطر)
1-* (عن أبي عبد الرّحمن الفهريّ- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلّ شجرة ...
الحديث وفيه «فقال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا دفّتاه من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر، فركب وركبنا وساق الحديث) * «1» .
2-* (عن محمّد- وهو ابن زياد-، قال:
سمعت أبا هريرة، ورأى رجلا يجرّ إزاره، فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير، جاء الأمير، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ الله لا ينظر إلى من يجرّ إزاره بطرا» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ إزاره بطرا» ) *» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب كنز لا يؤدّي زكاته إلّا أحمي عليه في نار جهنّم.... الحديث وفيه:
«الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر. فأمّا الّتي هي له أجر، فالرّجل يتّخذها في سبيل الله ويعدّها له، فلا تغيّب شيئا في بطونها إلّا كتب الله له أجرا، ولو رعاها في مرج، ما أكلت من شيء إلّا كتب الله له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكلّ قطرة تغيّبها في بطونها أجر، ولو استنّت شرفا أو شرفين كتب له بكلّ خطوة تخطوها أجر. وأمّا الّذي هي له ستر فالرّجل يتّخذها تكرّما وتجمّلا ولا ينسى حقّ ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأمّا الّذي عليه وزر فالّذي يتّخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء النّاس، فذاك الّذي هي عليه وزر ... الحديث) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البطر)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ (الأنفال/ 47) : يعني المشركين الّذين قاتلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر) * «5» .
2-* (قال النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- على المنبر: إنّ للشّيطان مصائد وفخوخا، وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتّباع الهوى في غير ذات الله) * «6» .
3-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في الآية وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً، قال:
__________
(1) أبو داود (5233) ، وحسّنه الألباني، صحيح سنن أبي داود (4360) .
(2) البخاري- الفتح 10 (5788) ، مسلم (2087) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 10 (5788) واللفظ له، مسلم (2087) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2860) ، مسلم (987) واللفظ له.
(5) الدر المنثور (4/ 77) .
(6) إحياء علوم الدين (3/ 339) .(9/4071)
كان مشركوا قريش الّذين قاتلوا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر) * «1» .
4-* (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً (الأنفال/ 47) قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر) * «2» .
5-* (قال ابن كثير- رحمه الله-: يقول الله تعالى معرّضا بأهل مكّة في قوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها (القصص/ 58) أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ إلى قوله تعالى فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (النحل/ 112- 113) ، ولهذا قال تعالى:
فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، أي دثرت ديارهم فلا ترى إلّا مساكنهم، وقوله تعالى:
وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (القصص/ 58) أي رجعت خرابا ليس فيها أحد) * «3» .
من مضار (البطر)
انظر مضار صفة ((الكبر والعجب))
__________
(1) الدر المنثور (4/ 77) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) تفسير ابن كثير (3/ 395) .(9/4072)
البغض
البغض لغة:
البغض مصدر قولهم بغض يبغض، وهو مأخوذ من مادّة (ب غ ض) الّتي تدلّ على خلاف الحبّ، وقال الرّاغب: البغض نفار النّفس عن الشّيء الّذي ترغب عنه، وضدّه الحبّ من حيث إنّ الحبّ هو انجذاب النّفس إلى الشّيء الّذي ترغب فيه، والفعل من ذلك: بغض وبغض، وبغض، يقال بغض الشّيء يبغضه بغضا وبغضة، وبغضت الشّيء بغضاء، وبغض الشّيء بغاضة فهو بغيض، وقيل:
البغضاء والبغضة: أشدّ البغض، والتّبغيض، والتّباغض والتّبغّض ضدّ التّحبيب والتّحابب والتّحبّب، ويقال: بغّضه الله إلى النّاس تبغيضا فأبغضوه أي مقتوه، فهو مبغض، وقول الله تعالى:
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (آل عمران/ 118) يعني ظهرت العداوة «1» والتّكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضدّ الحبّ. وخصّ تعالى الأفواه دون الألسنة إشارة إلى تشدّقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستّر الّذي تبدو البغضاء في عينيه. وفي قوله تعالى:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 22/ 7
وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (آل عمران/ 118) :
إخبار وإعلام بأنّهم يبطنون من البغضاء أكثر ممّا يظهرون بأفواههم «2» .
وقال ابن منظور: البغض والبغضة نقيض الحبّ. والبغضاء والبغاضة جميعا شدّة البغض.
البغض اصطلاحا:
نقل المناويّ ما ذكره الرّاغب عن البغض فقال: البغض: نفور النّفس عن الشّيء الّذي يرغب عنه «3» .
وقال الكفويّ: البغض: عبارة عن نفرة الطّبع عن المؤلم المتعب، فإذا قوي يسمّى مقتا «4» .
وقيل: البغض: النّفرة عن الشّيء لمعنى فيه مستقبح، وترادفه الكراهة.
قال ابن علّان- رحمه الله-: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تعاطي أسباب البغض، لأنّه قهريّ كالحبّ لا قدرة للإنسان على اكتسابه، ولا يملك التّصرّف فيه، والبغض يقع بين اثنين، إمّا بين جانبيهما أو من جانب أحدهما، وعلى كلّ فهو لغير الله تعالى حرام. وله واجب ومندوب. وبغض إنسان لمن خالفه المتّجه، فهذه
__________
(1) لسان العرب (7/ 121- 122) .
(2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (4/ 180- 181) .
(3) التوقيف (81) ، المفردات في غريب القرآن (55) .
(4) الكليات (398) .(9/4073)
المخالفة إن علم أنّها نشأت عن اجتهاد لكونه من أهله لا يجوز له بغضه، لأنّه ليس لله. وإن علم أنّها نشأت عن تعصّب وهوى نفس أو تقصير في البحث جاز «1» .
البغض بين المدح والذم:
قال ابن رجب رحمه الله: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تباغضوا» نهى المسلمين عن التّباغض بينهم في غير الله تعالى بل على أهواء النّفوس، فإنّ المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابّون بينهم ولا يتباغضون.
وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه، تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم» أخرجه مسلم. وقد حرّم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء كما قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة/ 91) وامتنّ على عباده بالتّأليف بين قلوبهم كما قال تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ 103) وقال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (الأنفال/ 62- 63) . ولهذا المعنى حرّم المشي بالنّميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء. وأمّا البغض في الله فهو من أوثق عرى الإيمان وليس داخلا في النّهي، ولو ظهر لرجل من أخيه شرّ فأبغضه عليه- وكان الرّجل معذورا فيه في نفس الأمر- أثيب المبغض له، وإن عذر أخوه كما قال عمر: إنّا كنّا نعرفكم، إذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وإذ ينزل الوحي وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق به، وانقطع الوحي، وإنّما نعرفكم بما نخبركم. ألا من أظهر منكم لنا خيرا ظننّا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرّا ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربّكم تعالى.
وقال الرّبيع بن خثيم: لو رأيت رجلا يظهر خيرا ويسرّ شرّا أحببته عليه آجرك الله على حبّك الخير، ولو رأيت رجلا يظهر شرّا ويسرّ خيرا بغضته عليه آجرك الله على بغضك الشّرّ، ولمّا كثر اختلاف النّاس في مسائل الدّين وكثر تفرّقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلا عنهم، وكلّ منهم يظهر أنّه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذورا وقد لا يكون معذورا بل يكون متّبعا لهواه مقصّرا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه، فإنّ كثيرا من البغض كذلك إنّما يقع لمخالفة متبوع يظنّ أنّه لا يقول إلّا الحقّ وهذا الظّنّ خطأ قطعا، وإن أريد أنّه لا يقول إلّا الحقّ فيما خولف فيه.
فهذا الظّنّ قد يخطىء ويصيب، وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرّد الهوى والألفة أو العادة، وكلّ هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرّز في هذا غاية التّحرّز «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحسد- الحقد- الغل- الخبث.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التودد- الإخاء- المحبة- الرضا- القناعة] .
__________
(1) دليل الفالحين (2/ 20) .
(2) جامع العلوم والحكم (288- 289) .(9/4074)
الآيات الواردة في «البغض»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
(118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
(120) «1»
2- وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14) «2»
3- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «4»
5- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «5»
__________
(1) آل عمران: 118- 120 مدنية
(2) المائدة: 14 مدنية
(3) المائدة: 64 مدنية
(4) المائدة: 90- 92 مدنية
(5) الممتحنة: 4- 5 مدنية(9/4075)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البغض)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» ) * «1» .
2- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام» ) * «2» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آية المنافق بغض الأنصار «3» .
وآية المؤمن حبّ الأنصار» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله إذا أحبّ عبدا دعا جبريل فقال: إنّي أحبّ فلانا فأحبّه. قال: فيحبّه جبريل. ثمّ ينادي في السّماء فيقول: إنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه، فيحبّه أهل السّماء. قال: ثمّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إنّي أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل. ثمّ ينادي في أهل السّماء: إنّ الله يبغض فلانا فأبغضوه. قال:
فيبغضونه. ثمّ توضع له البغضاء في الأرض» ) * «5» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث كأنّي أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبّاس: «يا عبّاس ألا تعجب من حبّ مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو راجعته» . قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال:
«إنّما أنا أشفع» ، قالت: لا حاجة لي فيه) * «6» .
6-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار لا يحبّهم إلّا مؤمن، ولا يبغضهم إلّا منافق. فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» ) * «7» .
7-* (عن أبي سنان الدّؤليّ: أنّه دخل على عمر بن الخطّاب وعنده نفر من المهاجرين الأوّلين، فأرسل عمر إلى سفط «8» أتي به من قلعة من العراق،
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6064) واللفظ له، ومسلم (2563) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6065) واللفظ له، وطرفه في 10. (6076) ، ومسلم (2559) .
(3) آية المنافق بغض الأنصار ... إلخ: الآية هي العلامة. ومعنى هذا الحديث أن من عرف مرتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة دين الإسلام والسعي في إظهاره وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، وحبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحبه إياهم، وبذلهم أموالهم وأنفسهم بين يديه، وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارا للإسلام. ومن أبغضهم كان بضد ذلك. واستدل به على نفاقه وفساد سريرته.
(4) البخاري الفتح 1 (17) . ومسلم (74) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 10 (6040) ، ومسلم (2637) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 9 (5283) .
(7) البخاري- الفتح 7 (3783) واللفظ له. ومسلم (74) .
(8) السّفط: الذي يعبّى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء والجمع أسفاط.(9/4076)
فكان فيه خاتم، فأخذه بعض بنيه فأدخله في فيه، فانتزعه عمر منه، ثمّ بكى عمر، فقال له من عنده: لم تبكي وقد فتح الله لك وأظهرك على عدوّك وأقرّ عينك؟ فقال عمر: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«لا تفتح الدّنيا على أحد إلّا ألقى الله- عزّ وجلّ- بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة» وأنا أشفق من ذلك» ) * «1» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والرّوم، أيّ قوم أنتم؟» قال عبد الرّحمن ابن عوف: نقول كما أمرنا الله «2» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو غير ذلك تتنافسون، ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون «3» ، ثمّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض «4» » ) * «5» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد. فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال. سيّد أهل اليمامة.
فربطوه بسارية من سواري المسجد. فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة «6» ؟» فقال: عندي يا محمّد خير. إن تقتل تقتل ذا دم»
، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ماشئت. فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان بعد الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان من الغد. فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» فقال:
عندي ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطلقوا ثمامة» فانطلق إلى نخل «8» قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. يا محمّد: والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلّها إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ، والله ما كان
__________
(1) أحمد (1/ 16) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 194) : إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 236) : رواه أحمد والبزار وأبو يعلى في الكبير وإسناده حسن.
(2) نقول كما أمرنا الله: معناه نحمده ونشكره، ونسأله المزيد من فضله
(3) تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون.. الخ: قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه، وهو أول درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة عن صاحبها والتدابر التقاطع. وقد يبقى مع التدابر شيء من المودة، أو لا يكون مودة ولا بغض. وأما التباغض فهو بعد هذا. ولهذا رتبت في الحديث.
(4) ثم تنطلقون في مساكين.. الخ: أي ضعفائهم. فتجعلون بعضهم أمراء على بعض. هكذا فسروه.
(5) مسلم (2962) .
(6) ماذا عندك؟ يا ثمامة: أي ما الظن بي أن أفعل بك؟.
(7) إن تقتل تقتل ذا دم: اختلفوا في معناه. فقيل: معناه إن تقتل تقتل صاحب دم، لدمه موقع يشتفي بقتله قاتله، ويدرك قاتله به ثأره أي لرياسته وفضيلته. وحذف هذا لأنهم يفهمونه في عرفهم. وقال آخرون: معناه تقتل من عليه دم مطلوب به، وهو مستحق عليه. فلا عتب عليك في قتله.
(8) فانطلق إلى نخل: هكذا هو في البخاري ومسلم وغيرهما: نخل بالخاء المعجمة. وتقديره: انطلق إلى نخل فيه ماء فاغتسل منه.(9/4077)
من بلد أبغض إليّ من بلدك. فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: أصبوت «1» ؟ فقال: لا. ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا، والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
10-* (عن بريدة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليّا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليّا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكرت ذلك له، فقال: «يا بريدة أتبغض عليّا؟» فقلت نعم. قال: «لا تبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك» ) * «3» .
11-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ونحن باليمن- فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم:
أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم إمّا قال: في بضع، وإمّا قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر.
وكان أناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة-: سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس- وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة،- وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر،- فدخل عمر على حفصة- وأسماء عندها- فقال عمر- حين رأى أسماء-: من هذه؟
قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟
البحريّة هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم. فغضبت وقالت: كلّا والله. كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار- أو في أرض- البعداء البغضاء «4» بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال: «فما قلت له؟» قالت: قلت له كذا وكذا. قال: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتونني أرسالا «5» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال
__________
(1) أصبوت: هكذا هو في الأصول: وهي لغة. والمشهور: أصبأت، بالهمز وعلى الأول جاء قولهم: الصباة. كقاض وقضاة. والمعنى: أخرجت من دينك.
(2) البخاري- الفتح 8 (4372) . ومسلم (1764) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 8 (4350) .
(4) البعداء البغضاء: أي البعداء في النسب البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشيّ وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم.
(5) أرسالا: يعنى أفواجا.(9/4078)
أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي) * «1» .
12-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم. وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمّتكم الّذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قالوا قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال:
«لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يدا من طاعة» .
قال ابن جابر: فقلت (يعني لرزيق) ، حين حدّثني بهذا الحديث: آلله يا أبا المقدام لحدّثك بهذا، أو سمعت هذا من مسلم بن قرظة يقول: سمعت عوفا يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: فجثا على ركبتيه «2» واستقبل القبلة فقال: إي. والله الّذي لا إله إلّا هو لسمعته من مسلم بن قرظة يقول: سمعت عوف بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
13-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دبّ إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء. هي الحالقة. لا أقول: تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أفلا أنبّئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السّلام بينكم» ) * «4» .
14-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتّى بهتوا «5» أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة الّتي ليس به» ثمّ قال: «يهلك فيّ رجلان، محبّ مفرط يقرّظني «6» بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني «7» على أن يبهتني» ) * «8» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «سيصيب أمّتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟ قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4230- 4231) واللفظ له. ومسلم (2503) .
(2) فجثا على ركبتيه: أي جلس عليهما.
(3) مسلم (1855) .
(4) الترمذي (2510) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (3/ 626) له شواهد هو بها حسن. والمنذري في الترغيب (3/ 548) وقال: رواه البزار بإسناد جيد، وفي سنده جهالة مولى الزبير رضي الله عنه، ولكن للحديث شاهد لأوله عند الترمذي من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء رضي الله عنهما، ولآخره شاهد عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (45) في الإيمان بلفظ «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» فالحديث بمجموعه بهذه الشواهد حسن، وقد ذكر الفقرة الأولى من الحديث المنذري في «الترغيب والترهيب» عن حديث الزبير وقال: رواه البزار بإسناد جيد. والبيهقي وغيرهما.
(5) بهتوا: من البهتان وهو أشد الكذب.
(6) يقرظني: يمدحني.
(7) شنآني: بغضي وكرهي.
(8) أحمد (1/ 160) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 355) : إسناده حسن. وقال الحاكم (3/ 123) : صحيح الإسناد.(9/4079)
«الأشر «1» والبطر والتّكاثر والتّناجش في الدّنيا والتّباغض والتّحاسد حتّى يكون البغي» ) * «2» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني» ) * «3» .
17-* (عن زرّ، قال: قال عليّ: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ: أن لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق) * «4» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تسلموا، ولا تسلموا حتّى تحابّوا، وأفشوا السّلام تحابّوا، وإيّاكم والبغضة، فإنّها هي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشّعر، ولكن تحلق الدّين» ) * «5» .
19-* (عن عمرو بن أبي قرّة قال: كان حذيفة بالمداين، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأناس من أصحابه في الغضب فينطلق ناس ممّن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول. فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له: قد ذكرنا قولك لسلمان فما صدّقك ولا كذّبك فأتى حذيفة سلمان- وهو في مبقلة- فقال: يا سلمان ما يمنعك أن تصدّقني بما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال سلمان: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرّضا لناس من أصحابه.
أما تنتهي حتّى تورّث رجالا حبّ رجال، ورجالا بغض رجال، وحتّى توقع اختلافا وفرقة؟ ولقد علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خطب فقال: «أيّما رجل من أمّتي سببته سبّة، أو لعنته لعنة في غضبي فإنّما أنا من ولد آدم، أغضب كما يغضبون، وإنّما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة، والله لتنتهينّ أو لأكتبنّ إلى عمر) * «6» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (البغض) معنى
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني.
وأحسن إليهم ويسيئون إليّ. وأحلم عنهم ويجهلون عليّ «7» . فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنّما تسفّهم
__________
(1) الأشر: المرح وقيل: هو البطر، والبطر: هو الطغيان في النعمة، والتناجش هو أن يزيد الرجل ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها.
(2) الحاكم في المستدرك (4/ 168) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(3) ابن ماجة مقدمة (143) . وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(4) مسلم (78) .
(5) الأدب المفرد حديث رقم (260) ، وقال محققه: أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الأدب (1/ 260) .
(6) أبو داود (4659) وقال الألباني (3/ 882) : صحيح.
(7) ويجهلون علي: أي يسيئون والجهل هنا: القبيح من القول.(9/4080)
الملّ «1» ، ولا يزال معك من الله ظهير «2» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «3» .
21-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال «4» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «5» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «6» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «7» ، عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب «8» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «9» ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «10» .
تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا.
فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي 1»
فيدعوه خبزة. قال:
استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «12» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «13» الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «14» أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع «15» وإن دقّ
__________
(1) تسفهم المل: المل هو الرماد الحار. أي كأنما تطعمهم. وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم، بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم.
(2) ظهير: الظهير المعين والدافع لأذاهم.
(3) مسلم (2558) .
(4) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(5) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(6) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل.
(7) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(8) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(9) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق.
(10) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان.
(11) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(12) نغزك: أي نعينك.
(13) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(14) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الإتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(15) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.(9/4081)
إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «1» «والشّنظير «2» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه: «وأنفق فسننفق عليك» ) * «3» .
22-* (عن زيد بن أرقم قال: «كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي- أو لعمر- فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ، فجلست في البيت، فقال لي عمّي:
ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومقتك، فأنزل الله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ فقال: «إنّ الله قد صدّقك يا زيد» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البغض)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا «5» ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما» ) * «6» .
2-* (عن أيّوب قال: «كذب على الحسن ضربان من النّاس: قوم القدر رأيهم وهم يريدون أن ينفقوا بذلك رأيهم «7» . وقوم له في قلوبهم شنآن وبغض يقولون: أليس من قوله كذا؟ أليس من قوله كذا؟» ) * «8» .
3-* (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (آل عمران/ 118) «أي قد لاح على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من العداوة مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل» ) * «9» .
4-* (عن كثير بن مرّة قال: «لا تحدّث
__________
(1) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(2) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق.
(3) مسلم (2865) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4900) .
(5) هونا ما: الهون: الرفق والسكينة، المعنى: أحببه حبا قصدا ذا رفق لا إفراط فيه، وأضافه إلى «ما» التي تفيد التقليل، أي: حبا قليلا، أراد: اقتصد إذا أحببت وإذا أبغضت، فعسى أن يصير الحبيب بغيضا، فلا تكون قد أسرفت في حبه فتندم على فعلك، وعسى أن يكون البغيض حبيبا، فلا تكون قد أفرطت في بغضه فتستحي منه.
(6) الترمذي (1997) . واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد بمعناه عن عليّ- رضي الله عنه- رقم (1132) . قال محقق «جامع الأصول» (6/ 549) بعد أن أطال الكلام عليه: فهو موقوف صحيح، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 505) ، وعزاه لرزين عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعا، وقال محققه: ولم أجده وهو بمعنى الذي قبله.
(7) ينفقوا: أي ينشروه ويروجوا له.
(8) أبو داود (4622) وقال الألباني (3/ 875) : صحيح.
(9) تفسير ابن كثير (1/ 407) .(9/4082)
الباطل للحكماء فيمقتوك، ولا تحدّث الحكمة للسّفهاء فيكذّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل. إنّ عليك في علمك حقّا، كما أنّ عليك في مالك حقّا» ) * «1» .
5-* (جاء في المثل: «كثرة العتاب توجب البغضاء» ) * «2» .
6-* (وجاء أيضا: «إذا أبغضك جارك حوّل باب دارك» ) * «3» .
7-* (قال الشّاعر:
بني عمّنا إنّ العداوة شأنها ... ضغائن تبقى في نفوس الأقارب» ) * «4» .
من مساوئ (البغض)
(1) البغض المذموم هو كراهية النّاس والحقد عليهم بغير ذنب جنوه.
(2) ولهذا كان من تلبّس بهذا الوصف مبغوضا عند الله وعند النّاس.
(3) البغض يعمي القلب ويطفىء نور العبادة.
(4) إنّ من سكن قلبه البغض والعداء للنّاس لا يستطيع أن يعيش بين النّاس بل ينطوي على نفسه ويعيش في عزلة.
(5) وعلى هذا فهو غريب في كلّ مجتمع.
(6) سبب في تمزيق المجتمع وتفريق كلمة المسلمين.
(7) دليل خبث النّفس ولؤمها.
__________
(1) سنن الدارمي (1/ 88) .
(2) المستطرف (1/ 46) .
(3) المستطرف (1/ 55) .
(4) المرجع السابق (1/ 49) .(9/4083)
البغي
البغي لغة:
البغي مصدر قولهم: بغى يبغي، وهو مأخوذ من مادّة (ب غ ي) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس- على معنيين: الأوّل، طلب الشّيء، يقال: بغيت الشّيء:
إذا طلبته، والبغية: الحاجة (الّتي يطلبها الإنسان) ، والثّاني: جنس من الفساد، ومنه قولهم: بغى الجرح إذا ترامى إلى فساد، ثمّ يشتقّ من هذا ما بعده، فالبغيّ الفاجرة، يقال: بغت تبغى بغاء فهي بغيّ، ومنه أن يبغي الإنسان على آخر فيظلمه، والبغي: الظّلم، قال الشّاعر:
ولكنّ الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم
وأرجع الرّاغب معاني المادّة إلى معنى واحد ردّ إليه جميع مشتقّاتها فقال: البغي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، حدث التّجاوز أو لم يحدث، يقال: بغيت الشّيء: إذا طلبته أكثر ممّا يجب، والابتغاء مثله، وبغت السّماء: تجاوزت في المطر الحدّ المحتاج إليه، وبغى الإنسان: تكبّر، لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، وبغت المرأة فهي بغيّ لتجاوزها ما ليس لها أن تتجاوزه، وبغى
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
18/ 11/ 14
الجرح إذا تجاوز الحدّ في فساده.
وقيل: البغي: التّعدّي، يقال: بغى الرّجل على الرّجل: استطال وعدل عن الحقّ، قال تعالى: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات/ 9) ، البغي هنا هو الاستطالة والظّلم وإباء الصّلح «1» ، والفرقة الباغية هي الّتي خالفت الإمام بتأويل باطل بطلانا بحسب الظّنّ لا القطع «2» . وقيل: هي الظّالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل.
ويقال: بغى الوالي: ظلم، وكلّ مجاوزة للحدّ وإفراط على المقدار الّذي هو حدّ الشّيء فهو بغي، وقول الله تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (يونس/ 33) ، معناه: يعملون في الأرض بالفساد والمعاصي، وقيل يطلبون الاستعلاء بالفساد، وبغير الحقّ أي بالتّكذيب «3» ، وتباغوا: بغى بعضهم على بعض، والبغي في قول الله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الأعراف/ 33) ، البغي هنا هو الاستطالة على النّاس، وقيل: الكبر، وقيل: الظّلم والفساد، وقال
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 218، والمفردات للراغب ص 55.
(2) رغائب الفرقان للنيسابوري (بهامش الطبري) ح 26 ص 84.
(3) تفسير القرطبي (8/ 208) .(9/4084)
ثعلب: البغي أن يقع الرّجل في الرّجل فيتكلّم فيه، ويبغي عليه بغير الحقّ، والباغي اسم فاعل من البغي، قال تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ (البقرة:
173) قيل في معناه، أي أنّه غير طالب ما ليس له طلبه، وقيل: اضطّرّ جائعا غير باغ أكلها تلذّذا، وقيل:
غير باغ: أي غير طالب مجاوزة قدر حاجته، وقيل غير باغ على الإمام وغير متعدّ على أمّته، قال القرطبيّ:
ويدخل في الباغي والعادي، قطّاع الطّرق والخارج على السّلطان والمسافر في قطع الرّحم، والغارة على المسلمين وما شاكله «1» ، ويقال: فلان يبغي على النّاس:
إذا ظلمهم وطلب أذاهم، ومن البغي الّذي هو مجاوزة الحدّ ما جاء في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- من قوله لرجل: أنا أبغضك، قال: لم؟ قال: لأنّك تبغي في أذانك. أراد التّطريب فيه والتّمديد، وقال بعضهم: بغى على أخيه بغيا: حسده، والبغي: قصد الفساد.
البغي اصطلاحا:
هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أو لم يتجاوزه. فتارة يعتبر في القدر الّذي هو الكمّيّة، وتارة يعتبر في الوصف الّذي هو الكيفيّة «2» .
وقال المناويّ: البغيّ: هو طلب الاستعلاء بغير حقّ، ونسب هذا التّعريف إلى الحرّاليّ «3» . وقال الكفويّ: البغي: طلب تجاوز قدر الاستحقاق، تجاوزه (الباغي) أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل «4» .
وقال التّهانويّ: الباغي شرعا: هو الخارج عن طاعة الإمام الحقّ «5» ، ومن ثمّ يكون البغي: هو الخروج عن طاعة الإمام الحقّ.
أنواع البغي:
والبغي على ضربين:
أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التّطوّع.
والثّاني مذموم، وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشّبه؛ كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» .
ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما. قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الشورى/ 42) فخصّ العقوبة بمن بغيه بغير الحقّ «6» .
حكم البغي وأثره في الفرد والمجتمع:
البغي بمعنى الخروج على الإمام- ولو جائرا- بلا تأويل أو مع تأويل يقطع ببطلانه هو إحدى الكبائر كما قال ابن حجر «7» ، أمّا البغي بمعناه العامّ: أي تجاوز قدر الاستحقاق أو طلب الاستعلاء بغير حقّ، فهو أيضا من الكبائر الباطنة الّتي يجب على المكلّف معرفتها
__________
(1) تفسير القرطبي (7/ 128) ، ولسان العرب بغى (322) ط. دار المعارف.
(2) المفردات للراغب (55) .
(3) التوقيف (81) .
(4) الكليات (584) .
(5) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 227) .
(6) بصائر ذوي التمييز (2/ 262) .
(7) انظر «الكبيرة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة» في الزواجر (513) .(9/4085)
ليعالج زوالها؛ لأنّ من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه يذمّ عليها أعظم ممّا يذمّ على الزّنا والسّرقة وغيرها من كبائر البدن، وذلك لعظيم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه، وإذا دامت هذه الكبائر صارت حالا وهيئة راسخة في القلب بخلاف آثار معاصي الجوارح الّتي تزول بالتّوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة «1» ، أمّا البغي بمعنى الخروج على الإمام فهو أيضا من الكبائر- خلافا لبعضهم- لما يترتّب على ذلك من المفاسد الّتي لا يحصى ضررها ولا ينطفىء شررها مع عدم عذر الخارجين «2» .
من معاني كلمة «البغي» في القرآن الكريم:
ورد في القرآن لفظ البغي على خمسة أوجه:
الأوّل: بمعنى الظّلم: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ (الأعراف/ 33) ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ (النحل/ 90) .
الثّاني: بمعنى المعصية، والزّلّة. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ (يونس/ 23) أي يعصون، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) .
الثّالث: بمعنى الحسد: بَغْياً بَيْنَهُمْ (الشورى/ 14) أي حسدا.
الرّابع: بمعنى الزّنى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ (النور/ 33) .
الخامس: بمعنى الطّلب: وَيَبْغُونَها عِوَجاً (الأعراف/ 45) أي يطلبون لها اعوجاجا «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الظلم- الإجرام- الأذى- الإساءة- الإرهاب- العدوان- العتو- الطغيان- الفجور- الحرب والمحاربة- الفتنة- الكبر والعجب- القسوة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- التوسط- الطاعة- الإنصاف- العدل والمساواة- السلم- الإحسان- القسط- الصلح] .
__________
(1) الزواجر (بتصرف) ص (98، 99) .
(2) المرجع السابق (514) .
(3) بصائر ذوي التمييز (2/ 262، 263) .(9/4086)
الآيات الواردة في «البغي»
البغي في سياق رد رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكتاب أو عنهم:
1- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «1»
2- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) »
3- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «3» 4- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) «4»
5- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16)
__________
(1) البقرة: 87- 90 مدنية
(2) البقرة: 213 مدنية
(3) آل عمران: 19- 20 مدنية
(4) الشورى: 13- 14 مكية(9/4087)
وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) «1»
البغي في سياق تجاوز شرع الله:
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2»
7-لْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ
(146) «3»
8- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «4»
9- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «5»
__________
(1) الجاثية: 16- 17 مكية
(2) البقرة: 172- 173 مدنية
(3) الأنعام: 145- 146 مكية
(4) الأعراف: 31- 33 مكية
(5) النحل: 112- 116 مكية(9/4088)
1
البغي في سياق النهي عنه أو الانتصاف من الباغي:
10- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «1»
11- ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «2»
12- إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) «3»
13- وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23)
قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «4»
14- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) «5»
15- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «6»
__________
(1) النحل: 90 مكية
(2) الحج: 60 مدنية
(3) القصص: 76- 77 مكية
(4) ص: 21- 24 مكية
(5) الشورى: 36- 42 مكية
(6) الحجرات: 9 مدنية(9/4089)
البغي في سياق رفض دين الله:
16- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) «1»
17- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «2»
البغي في سياق سعة الرزق:
18- وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) «3»
__________
(1) يونس: 22- 23 مكية
(2) يونس: 90- 92 مكية
(3) الشورى: 27 مكية(9/4090)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البغي)
1-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ فقال: «حرّ وعبد» ومعه أبو بكر وبلال- رضي الله تعالى عنهما-. فقال لي:
«ارجع حتّى يمكّن الله- عزّ وجلّ- لرسوله» فأتيته بعد فقلت: يا رسول الله: جعلني الله فداءك، شيئا أتعلّمه وأجهله لا يضرّك. وينفعني الله عزّ وجلّ به «1» .
هل من ساعة أفضل من ساعة وهل من ساعة يتّقى فيها؟ فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك: إنّ الله- عزّ وجلّ- يتدلّى في جوف اللّيل فيغفر إلّا ما كان من الشّرك والبغي، فالصّلاة مشهودة محضورة. فصلّ حتّى تطلع الشّمس فإذا طلعت فأقصر عن الصّلاة، فإنّها تطلع بين قرني شيطان وهي صلاة الكفّار حتّى ترتفع. فإذا استقلّت الشّمس فصلّ؛ فإنّ الصّلاة محضورة مشهودة حتّى يعتدل النّهار، فإذا اعتدل النّهار فأقصر عن الصّلاة فإنّها ساعة تسجر فيها جهنّم حتّى يفيء الفيء فإذا فاء الفيء فصلّ؛ فإنّ الصّلاة محضورة مشهودة حتّى تدلّى الشّمس للغروب فإذا تدلّت فأقصر عن الصّلاة حتّى تغيب الشّمس؛ فإنّها تغيب على قرني شيطان وهي صلاة الكفّار» ) * «2» .
2-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء. تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «4» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «5» ، وأنفق فسننفق عليك.
وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر
__________
(1) في الكلام حذف والتقدير: بيّن لي شيئا أتعلمه، وأنا الآن أجهله، وعلمي به لا يضرك ولكنه ينفعني.
(2) أحمد (4/ 385) وأصل الحديث في صحيح مسلم (832) .
(3) اجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم.
(4) يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه.
(5) نغزك: أي نعينك.
(6) لا زبر له: أي لا عقل له، وهي بفتح الزاي وسكون الباء.(9/4091)
البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش «1» وإنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» ) * «2» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: أخبرني من هو خير منّي «3» أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمّار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: «بؤس ابن سميّة «4» . تقتلك فئة باغية» ) * «5» .
4-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول-:
لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا) * «6» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ. اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا «7» أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «8» . وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي «9» » ) *1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيصيب أمّتي داء الأمم» فقالوا: يا رسول الله وماداء الأمم؟ قال: الأشر، والبطر، والتّكاثر، والتّناجش في الدّنيا، والتّباغض.
والتّحاسد، حتّى يكون البغي» ) * «11» .
7-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قيل يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب، صدوق اللّسان» . قالوا: صدوق اللّسان نعرفه، فما مخموم
__________
(1) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السيىء الخلق.
(2) مسلم (2865) .
(3) أخبرني من هو خير مني: يعني به أبا قتادة الأنصاري.
(4) بؤس ابن سمية: ما أشده وأعظمه.
(5) البخاري- الفتح 1 (447) . ومسلم (2915) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له ومسلم (1803) .
(7) مخبتا: أي خاشعا مطيعا.
(8) حوبتي: يعني المأثم وقيل: تخشعي وتمسكني.
(9) سخيمة قلبي: السخيمة: الحقد والضغينة.
(10) أبو داود (1510) واللفظ له. والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح. ابن ماجة (3830) . أحمد (1/ 227) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 309) : إسناده صحيح. ونقل عن شارح الترمذي عزوه إلى النسائي وابن حبان. والحاكم وابن أبي شيبة وعزاه في التهذيب إلى البخاري في الأدب المفرد كذلك.
(11) الحاكم (4/ 168) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال العراقي في تخريج الإحياء (3/ 187) : أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد والطبراني في الأوسط وقال: إسناده جيد.(9/4092)
القلب؟ قال: «هو التّقيّ النّقيّ، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غلّ ولا حسد» ) * «1» .
8-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم» ) * «2» .
9-* (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «من الغيرة ما يحبّ الله، ومنها ما يبغض الله. فأمّا الّتي يحبّها الله: فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإنّ من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبّ الله.
فأمّا الخيلاء الّتي يحبّ الله فاختيال الرّجل نفسه عند القتال، واختياله عند الصّدقة، وأمّا الّتي يبغض الله فاختياله في البغي» ) * «3» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع «4» » ) * «5» .
الأحاديث الواردة في ذمّ (البغي) معنى
11-* (عن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» ) * «6» .
__________
(1) ابن ماجة (4216) وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 669) حديث (948) وعزاه أيضا لابن عساكر.
(2) الترمذي (2511) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (4902) . وابن ماجه (4211) . الحاكم (2/ 356) ، والبخاري في الأدب المفرد حديث (29) (ص 24، 25) . وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 623) حديث (918) وعزاه لابن المبارك في الزهد وابن حبان والبغوي وأحمد.
(3) أبو داود (2659) واللفظ له. وصحيح سنن النسائي حديث (2398) نسخة الألباني وقال: حسن. وأحمد (5/ 445) .
(4) البلاقع جمع بلقع وهي التي لا شيء فيها، والمعنى أن يفتقر الحالف ويذهب ما في بيته من الخير والمال، سوى ما ذخر له في الآخرة من الإثم.
(5) البيهقي في السنن الكبرى (10/ 35) . وذكر نحوه المنذري في الترغيب والترهيب من حديث جابر بن عبد الله وعزاه للطبراني في الأوسط (3/ 91) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (3/ 91) رقم (5267) والصحيحة (2/ 706) رقم (978) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق ص (45) .
(6) أبو داود (4876) واللفظ له. وأحمد (1/ 190) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (8/ 449) .(9/4093)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البغي)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«لو بغى جبل على جبل لجعل الله- عزّ وجلّ- الباغي منهما دكّا» ) * «1» .
2-* (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «تكلّم ملك من الملوك كلمة بغي وهو جالس على سريره فمسخه الله- عزّ وجلّ- فما يدرى أيّ شيء مسخ؟
أذباب أم غيره؟ إلّا أنّه ذهب فلم ير» ) * «2» .
3-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-:
«لقد عرفت أهل بيت من قريش، أهل بيت لا يوصمون في نسبهم، ما زال بهم عرامهم «3» وبغيهم على قومهم حتّى ألحق بهم ما ليس فيهم، ورغب عنهم، واستهجنوا، وأهل بيت كانوا يوصمون في أنسابهم فما زال بهم حلمهم على قومهم وحرصهم على مسارهم حتّى صحبوا ورغب إليهم وكانوا أصحّاء» ) * «4» .
4-* (عن سلمة بن سلامة بن وقش. وكان من أصحاب بدر قال: «كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال: فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل- قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنّا عليّ بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي- فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنّة والنّار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أنّ بعثا كائن بعد الموت.
فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنا أنّ النّاس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنّة ونار يجزون فيها بأعمالهم، قال: نعم. والّذي يحلف به لو أنّ له بحظّه من تلك النّار أعظم تنّور في الدّنيا يحمونه ثمّ يدخلونه إيّاه فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النّار غدا. قالوا له: ويحك، وما آية ذلك؟ قال: نبيّ يبعث من نحو هذه البلاد- وأشار بيده نحو مكّة واليمن- قالوا:
ومتى تراه؟ قال: فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنّا فقال:
إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة: فو الله ما ذهب اللّيل والنّهار حتّى بعث الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم وهو حيّ بين أظهرنا فآمنّا به. وكفر به بغيا وحسدا! فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، وليس به» ) * «5» .
5-* (قال سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) : «أي بغيا» ) * «6» .
6-* (قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى-: «ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه:
__________
(1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص 54) .
(2) المرجع السابق (ص 85) .
(3) العرام: بضم العين: الغلظة والقسوة.
(4) ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص 68) .
(5) أحمد (3/ 467) . وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع (8/ 230) .
(6) ذم البغي، لابن أبي الدنيا (ص 91) .(9/4094)
البغي، والنّكث، والمكر. وقرأ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس/ 23) ، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر/ 43) ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح/ 10) » ) * «1» .
7-* (قال أبو عبيد معمر بن المثنّى- رحمه الله تعالى-: «كان أوّل بغي كان في قريش بمكّة أنّ بني قيس. من بني سهم- تباغوا فيما بينهم، فبعث الله عزّ وجلّ- فأرة على ذبالة فيها نار فجرّتها إلى خيام لهم فاحترقوا. ثمّ كان ظلم وبغي بني السّبّاق بن عبد الدّار ابن قصيّ. فبعث الله عليهم الفناء فقالت سبيعة بنت لاحب بن دبنبة لابن لها يقال له خالد وكان به رهق فحذّرته ما لقي المقاييس وبنو السّبّاق:
أبنيّ لا تظلم بمكّة ... لا الصّغير ولا الكبير
واحفظ محارمها ولا ... يغررك بالله الغرور
أبنيّ من يظلم بمكّة ... يلق أطراف الشّرور
والله آمن وحشها ... والطّير يعقل في ثبير
ولقد أتاهم تبّع ... وكسا بنيّتها الحبير
والفيل أهلك جيشه ... يرمون فيها بالصّخور
فاسمع إذا جرّبت واف ... هم كيف عاقبة الأمور «2» .
8-* (قال عبد الله بن معاوية الهاشميّ: «إنّ عبد المطّلب جمع بنيه عند وفاته وهم يومئذ عشرة وأمرهم ونهاهم وقال: إيّاكم والبغي، فو الله ما خلق الله عزّ وجلّ- شيئا أعجل عقوبة من البغي ولا رأيت أحدا بقي على البغي إلّا إخوتكم من بني عبد شمس» ) * «3» .
9-* (قال الفرزدق: «إنّ قيس بن عاصم كان له ثلاثة وثلاثون ابنا، وكان ينهاهم عن البغي، ويقول: إنّه والله ما بغى قوم قطّ إلّا ذلّوا. ثمّ قال: فإن كان الرّجل من بنيه يظلمه بعض قومه فينهى إخوانه أن ينصروه مخافة البغي» ) * «4» .
10-* (قال عبد الله بن أشهب التّميميّ: عن أبيه «كانوا يقفون في الجاهليّة بالموقف، فيسمعون صوتا من الجبل:
البغي يصرع أهله ويحلّهم ... دار المذلّة والمعاطس رغّم
فيطوفون بالجبل فلا يرون شيئا ويسمعون الصّوت بذلك» ) * «5» .
11-* (قال شرقيّ بن قطاميّ- رحمه الله- وصّى رجل من العرب بنيه فقال: «اهجروا البغي فإنّه منبوذ، ولا يدخلنّكم العجب؛ فإنّه ممقتة والتمسوا المحامد من مكانها، واتّقوا القدر؛ فإنّ فيه النّقمة» ) * «6» .
12-* (قال محمّد بن أبي رجاء مولى بني هاشم القرشيّ، ابن الأعرابيّ- رحمه الله تعالى-: «قال دهقان لأسد بن عبد الله وهو على خراسان: يا أسد! إنّ البغي يصرع أهله، والبغي مصرعه وخيم فلا تغترّ
__________
(1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (88) .
(2) المرجع السابق (70- 71) بتصرف.
(3) المرجع السابق (56) .
(4) المرجع السابق (69) .
(5) المرجع السابق (55) .
(6) المرجع السابق (89) .(9/4095)
بإبطاء الغياث من ناصر متى شاء أن يغيث أغاث. وقد أملى لقوم كي يزدادوا إثما. وجميع أهل السّعادة إمّا تارك سالم من الذّنب، وإمّا تارك الإصرار. ومن رغب عن التّمادي فقد نال إحدى الغنيمتين، ومن خرج من السّعادة فلا غاية إلّا الشّقاوة» ) * «1» .
13-* (قال صيفيّ بن رباح التّميميّ لبنيه:
«يا بنيّ: اعلموا أنّ أسرع الجرم عقوبة: البغي، وشرّ النّصرة التّعدّي، وألأم الأخلاق الضّيق، وأسوأ الأدب كثرة العتاب» ) * «2» .
14-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «سبحان الله! في النّفس كبر إبليس، وحسد قابيل وعتوّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السّبت، وتمرّد الوليد، وجهل أبي جهل، وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطّاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضّبّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحيّة، وعبث القرد، وجمع النّملة، ومكر الثّعلب، وخفّة الفراش، ونوم الضّبع، غير أنّ الرّياضة والمجاهدة تذهب ذلك» ) * «3» .
من مضار (البغي)
انظر: مضار صفة ((الظلم))
__________
(1) ذم البغي لابن أبي الدنيا (ص 79) .
(2) المرجع السابق (ص 73) .
(3) الفوائد (74) .(9/4096)
البلادة (عدم الفقه)
البلادة لغة:
البلادة: ضدّ الذّكاء. وقد بلد بالضّمّ فهو بليد.
وقد أرجع ابن فارس مادّة «بلد» إلى أصل واحد يتقارب فروعه فقال: الباء واللام والدّال أصل واحد يتقارب فروعه عند النّظر في قياسه، والأصل: الصّدر، يقال: وضعت النّاقة بلدتها بالأرض، إذا بركت، ويقال: تبلّد الرّجل إذا وضع يده على صدره عند تحيّره في الأمر ...
وردّه الرّاغب إلى البلد، وهو المكان، فقال:
«ولمّا كان اللّازم لموطنه كثيرا ما يتحيّر إذا حصل في غير موطنه، قيل للمتحيّر: بلد في أمره، وأبلد، وتبلّد ولكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن، قيل: رجل أبلد، عبارة عن العظيم الخلق.
وقال ابن منظور: بلد بلادة فهو بليد، والتّبلّد نقيض التّجلّد والبلدة والبلدة والبلادة: ضدّ النّفاذ والذّكاء والمضاء في الأمور. ورجل بليد إذا لم يكن ذكيّا، وقد بلد، بالضّمّ، فهو بليد. وتبلّد: تكلّف البلادة، وقول أبي زبيد:
من حميم ينسي الحياء جليد ال ... قوم، حتّى تراه كالمبلود
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
14/ 3/ 23
قال: المبلود الّذي ذهب حياؤه أو عقله، وهو البليد، يقال للرّجل يصاب في حميمه فيجزع لموته وتنسيه مصيبته الحياء حتّى تراه كالذّاهب العقل.
والمبلود: المتحيّر لا فعل له. وقيل هو المعتوه. وكلّه من البلادة.
والتّبلّد: ضدّ التّجلّد، وهو استكانة وخضوع.
والتّبلّد: السّقوط إلى الأرض من ضعف. وبلّد الرّجل تبليدا، إذا لم يتّجه لشيء، وبلّد الإنسان، إذا بخل ولم يجد «1» .
البلادة اصطلاحا:
هي ضعف الفكر في الأشياء العمليّة الّتي تتعلّق بحسن التّدبير وجودة المعاش ومخالطة النّاس والمعاملة معهم.
وقيل هي فتور الطّبع من الابتهاج إلى المحاسن العقليّة «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الغفلة- الإهمال- الكسل- صغر الهمة- التخاذل- الوهن- التهاون- الضعف- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- الحمق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الفقه- العلم- علو الهمة- النشاط- الفطنة- اليقظة- الحذر] .
__________
(1) الصحاح (2/ 449) ، والمقاييس (1/ 298، 299) ، والمفردات (59، 60) ، وتاج العروس (4/ 364، 365) ، ولسان العرب (3/ 94- 96) .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 337) ، والكليات للكفوي (250) . ولسان العرب (3/ 94- 96) .(9/4097)
الآيات الواردة في «البلادة» معنى
أهل البلادة أهل جهنم:
1- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «1»
البليد هو من لا يعرف الحق:
2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «2»
3- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «3»
4- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125)
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
__________
(1) الأعراف: 179 مكية
(2) النساء: 77- 79 مدنية
(3) الأنعام: 21- 25 مكية(9/4098)
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) «1»
5- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) «2»
6- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45)
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) «3»
7- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «4»
8- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)
__________
(1) التوبة: 124- 127 مدنية
(2) هود: 87- 95 مكية
(3) الإسراء: 45- 46 مكية
(4) الكهف: 57 مكية(9/4099)
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3)
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) »
البلادة تضعف العزيمة:
9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «2»
10- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82)
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83)
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84)
وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85)
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) «3»
__________
(1) المنافقون: 1- 7 مدنية
(2) الأنفال: 65 مدنية
(3) التوبة: 81- 87 مدنية(9/4100)
11- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) «1»
12- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) «2»
البلادة بمعنى عدم الفهم:
13- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92)
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95)
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96)
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97)
قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) «3»
14- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) «4»
__________
(1) الفتح: 15 مدنية
(2) الحشر: 11- 13 مدنية
(3) الكهف: 92- 98 مكية
(4) محمد: 16 مدنية(9/4101)
الأحاديث الواردة في ذمّ البلادة (عدم الفقة) معنى
1-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟، أهما الخيطان؟ قال: «إنّك لعريض القفا «1» إن أبصرت الخيطين» . ثمّ قال: «لا. بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار» ) * «2» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
كان رجل يخدع في البيع، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا بايعت فقل لا خلابة «3» ، فكان يقوله» ) * «4» .
3-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «5» أو العباء «6» ، متقلّدي السّيوف، عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر «7» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الآية: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) .
تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» . قال:
فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها.
بل قد عجزت قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين «8» من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «9» كأنّه مذهبة «10» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
__________
(1) إنك لعريض القفا: كناية عن الغباء والبلادة.
(2) البخاري- الفتح 8 (4510) واللفظ له. ومسلم (1090) .
(3) لا خلابة: أي لا تحل لك خديعتي أو لا يلزمني خديعتك.
(4) البخاري- الفتح 5 (2414) واللفظ له. ومسلم (1533) .
(5) مجتابي النمار: نصب على الحالية، أي لابسيها خارقين أوساطها مقورين. يقال: اجتبت القميص أي دخلت فيه. والنمار جمع نمرة، وهي ثياب صوف فيها تنمير. وقيل: هي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب، كأنها أخذت لون النمر لما فيها من السواد والبياض. أراد أنه جاءه قوم لابسوا ثياب خشنة.
(6) العباء: بالمد وبفتح العين، جمع عباءة وعباية، لغتان. نوع من الأكسية.
(7) فتمعر: أي تغير.
(8) كومين: هو بفتح الكاف وضمها. وهو بالضم: اسم لما كوم. وبالفتح: المرة الواحدة. قال: والكومة، بالضم، الصبرة. والكوم العظيم من كل شيء. والكوم المكان المرتفع كالرابية. قيل: فالفتح هنا أولى، لأن مقصوده الكثرة والتشبيه بالرابية.
(9) يتهلل: أي يستنير فرحا وسرورا.
(10) مذهبة: ضبطوه بوجهين: أحدهما، وهو المشهور، مذهبة. والثاني مدهنة. قيل: هذا تصحيف. في تفسيره: أحدهما معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه. والثاني: شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب. وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض.(9/4102)
ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ البلادة (عدم الفقه)
1-* (أثر عن الإمام عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «تغاب «2» عن كلّ مالا يصحّ لك» ) * «3» .
2-* (عن أنس بن سيرين. قال: «سألت ابن عمر، قلت: أرأيت الرّكعتين قبل صلاة الغداة أأطيل فيهما القراءة؟ قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من اللّيل مثنى مثنى، ويوتر بركعة. قال: قلت: إنّي لست عن هذا أسألك. قال: إنّك لضخم «4» ، ألا تدعني استقرىء لك الحديث «5» ؟ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من اللّيل مثنى مثنى. ويوتر بركعة. ويصلّي ركعتين قبل الغداة، كأنّ الأذان «6» بأذنيه» ) * «7» .
3-* (عن طاهر الزّهريّ؛ قال: «كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصّمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلّم؟ قال: بلى، متى يفطر الصّائم؟
قال: إذا غابت الشّمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف اللّيل؟ فضحك أبو يوسف وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعائي لنطقك، ثمّ قال:
عجبت لإزراء العييّ بنفسه ... وسمت الّذي قد كان بالصّمت أعلما
وفي الصّمت ستر للعييّ وإنّما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلّما) * «8» .
4-* (عن الشّعبيّ؛ قال: «إنّما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنّسك، فإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال: هذا أمر لا يناله إلّا العقلاء فلم يطلبه، وإن كان عاقلا ولم يكن ناسكا قال: هذا أمر لا يناله إلّا النّسّاك فلم يطلبه فقال الشّعبيّ: ولقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليست فيه واحدة منهما، لا عقل ولا نسك» ) * «9» .
5-* (قال الخليل بن أحمد: «النّاس أربعة:
__________
(1) مسلم (1017) .
(2) تغاب: أي تغافل.
(3) النهاية في غريب الحديث: 3/ 342. ولسان العرب: (10/ 115) .
(4) إنك لضخم: إشارة إلى الغباوة والبلادة وقلة الأدب. قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم غالبا. وإنما قال ذلك لأنه قطع عليه الكلام وعاجله قبل تمام حديثه.
(5) ألا تدعني أستقري لك الحديث: أي ألا تتركني أن أذكره على نسقه. قال النووي: هو بالهمزة، من القراءة ومعناه أذكره وآتي به على وجه بكماله. وقيل: وقد يكون غير مهموز. ومعناه أقصد إلى ما طلبت، من قولهم: قروت إليه قروا، أي قصدت نحوه.
(6) كأن الأذان بأذنيه: المراد هنا الإقامة. وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلّى الله عليه وسلّم.
(7) مسلم (749) .
(8) أخبار الحمقى (149) .
(9) الدارمي (371) المقدمة.(9/4103)
رجل يدري ويدري أنّه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنّه يدري فذاك ناس فذكّروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنّه لا يدري فذاك طالب فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه» ) * «1» .
6- قال الأصمعيّ: «إذا أردت أن تعرف عقل الرّجل في مجلس واحد فحدّثه بحديث لا أصل له. فإن رأيته أصغى إليه وقبله فاعلم أنّه أحمق، وإن أنكره فهو عاقل» ) * «2» .
7-* (من أخبار هبنّقة المغفّل: «أنّه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال: أخشى أن أضلّ نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به، فحوّلت القلادة ذات ليلة من عنقه إلى عنق أخيه فلمّا أصبح قال:
يا أخي أنت أنا، فمن أنا؟. وأضلّ بعيرا فجعل ينادي:
من وجده فهو له، فقيل له: فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان؟» ) * «3» .
8-* (يروى عن أزهر الحمّار أنّه كان جالسا بين يدي الأمير عمرو بن اللّيث يوما وقدم على الأمير رسول من عند السّلطان، فأحضر مائدته، فقيل لأزهر جمّلنا بسكوتك اليوم، فسكت طويلا، ثمّ لم يصبر فقال: بنيت في القرية برجا ارتفاعه ألف خطوة، فأومأ إليه الحاجب أن اسكت، فقال له الرّسول: «في عرض كم؟» قال: في عرض خطوة، فقال له الرّسول: «ما كان ارتفاعه ألف خطوة لا يكفي عرضه خطوة؟» قال:
أردت أن أزيد فيه فمنعني هذا الواقف) * «4» .
9-* (ومن أخبار أبي محمّد جامع الصّيد لانيّ: أنّه مضى إلى السّوق ليشتري لابنه نعلا فقيل له: كم سنّه؟ فقال: «ما أدري ولكنّه ولد أوّل ما جاء العنب الدّارانيّ، ومحمّد ابني- أستودعه الله- أكبر منه بشهرين ونصف سنة» ) * «5» .
10-* (ومنهم أيضا أبو عبد الله بن الجصّاص: «قيل إنّه نظر يوما في المرآة فقال لإنسان عنده: ترى لحيتي طالت؟ فقال له المرآة في يدك.
فقال: صدقت، ولكن الشّاهد يرى ما لا يراه الغائب» ) * «6» .
11-* (وذكر محمّد بن أحمد التّرمذيّ فقال:
كنت عند الزّجّاج أعزّيه بأمّه وعنده الخلق من الرّؤساء والكتّاب، إذ أقبل ابن الجصّاص فدخل ضاحكا وهو يقول: الحمد لله قد سرّني والله يا أبا إسحاق. فدهش الزّجّاج ومن حضر وقيل له: يا هذا كيف سرّك ما غمّه وغمّنا؟ فقال ويحك. بلغني أنّه هو الّذي مات. فلمّا صحّ عندي أنّها هي الّتي ماتت سرّني ذلك، فضحك النّاس جميعا» ) *» .
12-* (كان لمحمّد بن بشير الشّاعر ابن
__________
(1) أخبار الحمقى والمغفلين: (36) .
(2) المرجع السابق (34) .
(3) المرجع السابق (41) .
(4) المرجع السابق (48) .
(5) المرجع السابق: (49) .
(6) المرجع السابق (52)
(7) المرجع السابق (35) .(9/4104)
جسيم، فأرسله في حاجته فأبطأ عليه ثمّ عاد ولم يقضها، فنظر إليه ثمّ قال:
عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل
فأجابه:
مشبّه بك يا أبي ... ليس عنك منتقل) * «1» .
13-* (أنشد بعض الحكماء:
وعلاج الأبدان أيسر خطبا ... حين تعتلّ من علاج العقول) * «2» .
14-* (من أخبار البلداء: «قال رجل لولده وهو في المكتب: في أيّ سورة أنت؟ قال: لا أقسم بهذا البلد، ووالدي بلا ولد. فقال الأب: لعمري من كنت أنت ولده فهو بلا ولد» ) * «3» .
15-* (من النّوكى عجل بن لجيم. قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا في حلبة فجاء سابقا، فقال لأبيه: كيف ترى أن أسمّيه يا أبت؟ قال:
افقأ إحدى عينيه وسمّه الأعور: قال الشّاعر:
رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وأيّ عباد الله أعجل من عجل
أليس أبوهم عار عين جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل) * «4» .
16-* (ومن نوكى الأشراف: عبيد الله بن مروان، عمّ الوليد بن عبد الملك. بعث إلى الوليد قطيفة حمراء، وكتب إليه: إنّي قد بعثت إليك قطيفة حمراء حمراء، فكتب إليه قد وصلت القطيفة، وأنت والله يا عمّ أحمق أحمق) * «5» .
17-* (ومنهم معاوية بن مروان، وقف على باب طحّان، فرأى حمارا يدور بالرّحى في عنقه جلجل، فقال للطّحّان: لم جعلت الجلجل في عنق الحمار؟ قال:
ربّما أدركتني سآمة أو نعاس فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنّه واقف فصحت به، فانبعث. قال:
أفرأيت إن وقف وحرّك رأسه بالجلجل، وقال هكذا وهكذا- وحرّك رأسه-؟ فقال له: ومن لي بحمار يكون عقله مثل عقل الأمير؟. وهو القائل، وضاع له باز: أغلقوا أبواب المدينة حتّى لا يخرج البازي، وأقبل إليه قوم من جيرانه فقالوا: مات جارك أبو فلان فمر له بكفن فقال: ما عندنا اليوم شيء، ولكن عودوا إلينا إذا نبش، وأقبل إليه رجل أحمق منه فقال له: تعيرنا أصلحك الله ثوبا نكفّن فيه ميّتا؟ قال: أخشى أنّه ينجّسه فلا تلبسه إيّاه حتّى يغسّل ويطهّر) * «6» .
18-* (خطب وكيع بن أبي سود وهو والي خراسان فقال في خطبته: إنّ الله خلق السّماوات والأرض في ستّة أشهر، فقالوا له: بل في ستّة أيّام، فقال: والله لقد قلتها وأنا أستقلّها) * «7» .
19-* (دخل قوم دار كردم السّدوسيّ فقالوا
__________
(1) المستطرف: (1/ 363) .
(2) أخبار الحمقى والمغفلين: (24) .
(3) المستطرف: (1/ 363) .
(4) العقد الفريد (6/ 156، 157) .
(5) المرجع السابق (6/ 157) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق (6/ 159) .(9/4105)
له: أين القبلة في دارك هذه؟ فقال: إنّما سكنّاها منذ ستّة أشهر) * «1» .
20-* (قال الأصمعيّ: كان بين رجلين من النّوكى عبد فقام أحدهما يضربه فقال له شريكه ما تصنع؟ قال: أنا أضرب نصيبي منه. قال: وأنا أضرب حصّتي فيه وقام فضربه، فكان من رأي العبد أن سلح عليهما «2» وقال: اقتسما هذه على قدر الحصص) * «3» .
21-* (ومرّ بعضهم بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فقال لها: ما هذا الميّت منك؟ قالت:
زوجي. قال: وما كان عمله؟ قالت: كان يحفر القبور، قال: أبعده الله! أما علم أنّه من حفر حفرة وقع فيها؟) * «4» .
22-* (طلب رجل من النّوكى من ثمامة بن أشرس أن يسلفه مالا ويؤخّره به، فقال هاتان حاجتان وأنا أقضي لك إحداهما. قال: رضيت. قال: أنا أؤخّرك ما شئت ولا أسلّفك) * 5.
23-* (أقبل رجل إلى محمّد بن سيرين فقال:
ما تقول في رؤيا رأيتها؟ قال: وما رأيت؟ قال: كنت أرى أنّ لي غنما، فكنت أعطى بها ثمانية دراهم فأبيت من البيع ففتحت عينيّ فلم أر شيئا. فقال له ابن سيرين: لعلّ القوم اطّلعوا على عيب في الغنم فكرهوها. قال: يمكن الّذي ذكرت) * «6» .
من مضار (البلادة (عدم الفقه)
(1) أنّها صفة ذميمة إذا استقرّت بالإنسان ورّثته الخمول في نفسه حتّى يرى نفسه غير مرغوب فيه بين أفراد المجتمع.
(2) بعض البلداء والأغبياء يتّخذهم النّاس أضحوكة ومحلّ استهزاء وسخرية.
(3) البلادة النّاشئة عن استرخاء وكسل تجعل البليد محتقرا في مجتمعه.
(4) تضيّع على صاحبها كثيرا من الفرص والمناسبات الّتي يمكن أن تسعده في دنياه وآخرته.
(5) قد يتمثّل البعض بالتّغابي لمأرب في نفسه يريد قضاءه ولكن إذا اكتشفه مخالطوه احتقروه.
__________
(1) العقد الفريد (6/ 160) .
(2) سلح عليهما: أي تغوّط.
(3) العقد الفريد (6/ 162) .
4، 5 المرجع السابق (6/ 162، 163) .
(6) المرجع السابق (6/ 163) .(9/4106)
البهتان
البهتان لغة:
البهتان: هو الاسم من البهت، وهو مأخوذ من مادّة (ب هـ ت) الّتي يدور معناها حول الدّهش والحيرة، وتتّصل فروعها بهذا الأصل وتتقارب، يقول ابن فارس: «الباء والهاء والتّاء أصل واحد، وهو كالدّهش والحيرة، يقال: بهت الرّجل، يبهت بهتا، والبهتة الحيرة، فأمّا البهتان فالكذب، يقول العرب:
يا للبهتة، أي ياللكذب» ، قال- تعالى- هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (النور/ 16) أي كذب يبهت سامعه لفظاعته.
يقول الجوهريّ: وبهت الرّجل- بالكسر- إذا دهش وتحيّر، وبهت- بالضّمّ- مثله، وأفصح منهما بهت، كما قال: جلّ ثناؤه فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ (البقرة/ 258) لأنّه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال:
باهت، ولا بهيت.
والبهيتة: الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه.
والبهتان: من بهت الرّجل يبهته بهتا، وبهتا، وبهتانا، فهو بهّات: أي قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. وبهته بهتا: أخذه بغتة، وفي التّنزيل العزيز:
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ (الأنبياء/ 40) .
والبهتان: افتراء. وفي التّنزيل العزيز: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ (الممتحنة/ 12) .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 8/ 5
وباهته: استقبله بأمر يقذفه به، وهو منه بريء لا يعلمه فيبهت منه، والاسم البهتان.
وبهتّ الرّجل أبهته بهتا إذا قابلته بالكذب، وقوله عزّ وجلّ: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (النساء/ 20) أي مباهتين آثمين. قال أبو إسحاق:
البهتان: الباطل الّذي يتحيّر من بطلانه، وهو من البهت وهو التّحيّر، والألف والنّون زائدتان، وبهتانا موضع المصدر، وهو حال، والمعنى: أتأخذونه مباهتين وآثمين؟.
وبهت فلان فلانا إذا كذب عليه، وبهت وبهت إذا تحيّر، وقوله عزّ وجلّ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ (الممتحنة/ 12) أي لا يأتين بولد عن معارضة من غير أزواجهنّ، فينسبنه للزّوج، فإنّ ذلك بهتان وفرية، يقال: كانت المرأة تلتقطه فتتبنّاه.
والبهوت: المباهت، والجمع بهت وبهوت.
والبهت والبهيتة: الكذب، وفي حديث الغيبة:
«وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهتّه» أي كذبت وافتريت عليه، وفي حديث ابن سلام في ذكر اليهود: إنّهم قوم بهت، قال ابن الأثير: هو جمع بهوت، من بناء المبالغة في البهت، مثل صبور وصبر، ثمّ يسكّن تخفيفا «1» .
__________
(1) المقاييس (1/ 307) ، والصحاح (1/ 244) ، والمفردات (61) ، والقاموس المحيط (1/ 144) ، لسان العرب (2/ 12- 13) ، نزهة الأعين النواظر (193) .(9/4107)
واصطلاحا:
البهتان: هو الكذب والافتراء الباطل الّذي يتحيّر منه.
وقال المناويّ: البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته، وسمّي بذلك لأنّه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته، ثمّ ينكشف عند التّأمّل.
وقال الكفويّ: البهتان: هو الكذب الّذي يبهت سامعه أي يدهش له ويتحيّر. وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء.
وقيل: كلّ ما يبهت له الإنسان من ذنب وغيره «1» .
الفرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك:
تتقارب معاني هذه الألفاظ، بيد أنّها عند التّدقيق ممّا تختلف دلالته وتتفاوت، فالاغتياب هو أن يتكلّم شخص خلف إنسان مستور، بكلام هو فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بهتان، والكذب الفاحش الّذي يدهش له سامعه هو بهتان إن لم يكن بحضرة المقول فيه، فإن كان بحضرته كان افتراء، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكا «2» .
حكم البهتان:
عدّ ابن حجر البهتان من كبائر الذّنوب، وذكر أنّه أشدّ من الغيبة، إذ هو كذب فيشقّ على كلّ أحد، بخلاف الغيبة الّتي لا يشقّ على بعض العقلاء لأنّها فيه، وقد جاء في الحديث الّذي خرّجه أحمد: «خمس ليست لهنّ كفّارة: الشّرك بالله، وقتل النّفس بغير حقّ، وبهت مؤمن، والفرار يوم الزّحف، ويمين صابرة (أي كاذبة) يقتطع بها مالا بغير حقّ» .
ولما رواه الطّبرانيّ: «من ذكر امرأ بشيء ليعيبه به حبسه الله في نار جهنّم حتّى يأتي بنفاذ ما قال فيه» .
ووجه من عدّ البهت من الكبائر مع عدّه الكذب كبيرة أخرى أنّ هذا كذب خاصّ فيه هذا الوعيد الشّديد، فلهذا أفرد بالذّكر «3» .
معاني البهتان في القرآن الكريم:
من معاني البهتان الّتي وردت في القرآن الكريم ما يلي:
الأوّل: الكذب. ومنه قوله تعالى في النّور:
سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ «4» .
والثّاني: الزّنا. ومنه قوله تعالى في الممتحنة:
وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ «5» .
والثّالث: الحرام. ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً «6» «7» .
[للاستزادة: انظر صفات: الافتراء- الإفك- شهادة الزور- الغيبة- القذف- الكذب- السفاهة- الاستهزاء- الأذى- النميمة- الإساءة- المن بالعطية- التحقير- السخرية.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصدق- إقامة الشهادة- الصمت وحفظ اللسان- الكلم الطيب- تكريم الإنسان- الأدب- الاستقامة] .
__________
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 165) ، والتوقيف للمناوى (84) والكليات للكفوي (154، 226) .
(2) بتلخيص عن الكفوي في الكليات (154- 669) .
(3) الزواجر (357) بتصرف.
(4) آية (16)
(5) آية (12) .
(6) آية (20) .
(7) نزهة الأعين النواظر (193- 194) .(9/4108)
الآيات الواردة في «البهتان»
1- وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20)
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) «1»
2- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111)
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (112) «2»
3- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) «3»
4- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) «5»
6- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «6»
__________
(1) النساء: 20- 21 مدنية
(2) النساء: 111- 112 مدنية
(3) النساء: 155- 156 مدنية
(4) النور: 14- 16 مدنية
(5) الأحزاب: 57- 58 مدنية
(6) الممتحنة: 12 مدنية(9/4109)
الأحاديث الواردة في ذمّ (البهتان)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره» قيل:
أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه «1» » ) «2» .
2-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه:
«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «3» .
3-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فأتاه فقال:
إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال: ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟، ومن أيّ شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أيّ شيء ينزع إلى أخواله؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خبّرني بهنّ آنفا جبريل» . قال: فقال عبد الله: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت. وأمّا الشّبه في الولد فإنّ الرّجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشّبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشّبه لها» . قال: أشهد أنّك رسول الله. ثمّ قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك.
فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا:
أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه) * «4» .
4-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته يهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الّذي ليس به» ألا وإنّه
__________
(1) بهته: يقال: بهتّه، قلت فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان، لكن تباح الغيبة لغرض شرعي.
(2) مسلم (2589) .
(3) البخاري- الفتح 1 (18) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3329) .(9/4110)
يهلك فيّ اثنان، محبّ يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إنّي لست بنبيّ، ولا يوحى إليّ، ولكنّي أعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم) * «1» .
5-* (عن سعيد بن زيد، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إنّ من أربى الرّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ»
» ) * «3» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الّذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم» ) * «4» .
7-* (عن معاذ بن أنس الجهنيّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال- من حمى مؤمنا من منافق- أراه قال- بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنّم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه «5» به حبسه الله على جسر جهنّم حتّى يخرج ممّا قال» ) * «6» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما تشيرون عليّ في قوم يسبّون أهلي ما علمت عليهم من سوء قطّ» ، وعن عروة قال: لمّا أخبرت عائشة بالأمر قالت: يا رسول الله أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها وأرسل معها الغلام، وقال رجل من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلّم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (البهتان)
1-* (عن أسلم مولى عمر: أنّ عمر دخل يوما على أبي بكر الصّدّيق وهو يجبذ لسانه، فقال عمر:
مه؟ غفر الله لك. فقال له أبو بكر: إنّ هذا أوردني الموارد) * «8» .
2-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
__________
(1) أحمد (1/ 160) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 356) : إسناده حسن.
(2) الاستطالة في عرضه: التعرض لعرضه بما لا يليق من قول أو فعل.
(3) أحمد (1/ 190) ، أبو داود (4876) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 923) : صحيح، المشكاة (5045) التحقيق الثاني، الصحيحة (1433، 1871) .
(4) أحمد (3/ 224) ، أبو داود (4878) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 923) : صحيح.
(5) شينه: أي عيبه وذمّه.
(6) أبو داود (4883) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 924) : حسن، المشكاة (4986/ التحقيق الثاني) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7370) .
(8) الموطأ (2/ 988) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (11/ 728 و729) : إسناده صحيح.(9/4111)
أي ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (الأحزاب/ 58) ، وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتّنقّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثمّ الرّافضة الّذين ينتقصون الصّاحبة ويعيبونهم بما قد برّأهم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم فإنّ الله- عزّ وجلّ- قد أخبر أنّه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبّونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكّسوا القلوب، يذمّون الممدوحين، ويمدحون المذمومين) * «1» .
3-* (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (النور/ 16) أي سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسوله وحليلة خليله، أي ما ينبغي لنا أن نتفوّه بهذا الكلام) * «2» .
4-* (قال ابن كثير في قوله تعالى:
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (النساء/ 156) . عن ابن عبّاس: يعني أنّهم رموها بالزّنا ورموها وابنها بالعظائم ... فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة) * «3» .
5-* (يقال: رأس المآثم الكذب، وعموم الكذب البهتان) * «4» .
من مضار (البهتان)
(1) تستجلب سخط الله عزّ وجلّ والملائكة المقرّبين.
(2) صاحب البهتان مبغوض من النّاس، ومحتقر عند عباد الله.
(3) البهتان يفسد المجتمع ويشيع الفواحش.
(4) يعيش صاحب البهتان مضطرب النّفس لا يهنأ بعيش ولا يعرف للسّعادة سبيلا.
(5) صفة من صفات المنافقين وهم في الدّرك الأسفل من النّار.
(6) يقلب صاحبها الحقّ باطلا، والباطل حقّا ويبرّيء المتّهم ويتّهم البريء.
__________
(1) تفسير ابن كثير. (3/ 517، 518) .
(2) المرجع السابق (3/ 274) بتصرف.
(3) المرجع السابق (1/ 573) بتصرف.
(4) المستطرف (1/ 357) .(9/4112)
[حرف التاء]
التبذير
التبذير لغة:
مصدر قولهم: بذّر يبذّر تبذيرا، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ ر) الّتي تدلّ- فيما يقول ابن فارس على معنى واحد هو نثر الشّيء وتفريقه، يقال: بذرت البذر أبذره بذرا إذا زرعته وبذّرت المال أبذّره تبذيرا، إذا فرّقته إسرافا، ويقال رجل تبذارة للّذي يبذر ماله ويفسده، ورجل بذور: يذيع الأسرار، وجمعه بذر، وهم القوم لا يكتمون حديثا، ولا يحفظون ألسنتهم، ومن ذلك قول عليّ- رضي الله عنه-: ليسوا بالمساييح ولا المذاييع البذر، قال ابن فارس: فالمذاييع هم الّذين يذيعون، والبذر هم الّذين ذكرناهم «1» .
وقال ابن دريد: بذّر الرّجل ماله تبذيرا إذا فرّقه، وبذّر الله الخلق: فرّقهم في الأرض «2» . وقيل بذّر المال: خرّبه وفرّقه إسرافا «3» .
وقال ابن منظور: يقال: تفرّق القوم شذر بذر، وشذر بذر، أي في كلّ وجه، وتفرّقت إبله كذلك، وبذّر ماله أفسده وأنفقه في السّرف، وكلّ ما فرّقته وأفسدته، فقد بذّرته، يقال: فيه بذارّة وبذارة (بتشديد
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 2/ 19
الرّاء وتخفيفها) أي تبذير، ورجل تبذارة أي يبذّر ماله ويفسده، وقيل أن ينفق المال في المعاصي، وقيل هو أن يبسط يده في إنفاقه حتّى لا يبقى منه ما يقتاته، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- ولوليّه أن يأكل منه غير مباذر، المباذر والمبذّر هو المسرف في النّفقة، يقال من ذلك باذر مباذرة، وبذّر تبذيرا، وقول المتنخّل يصف سحابا:
مستبذرا يرغب قدّامه.
فسّر بأنّه يفرّق الماء، والبذير من النّاس: الّذي لا يستطيع أن يمسك سرّه، ورجل بذير وبذور، يذيع الأسرار ولا يكتم سرّا «4» ، وفي حديث فاطمة- رضي الله عنها- عند وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت عائشة- رضي الله عنها-: إنّي إذن لبذرة: البذر هو الّذي يفشي السّرّ ويظهر ما يسمعه «5» . وبذرت الكلام بين النّاس (أي فرّقته) كما تبذر الحبوب والمعنى: أفشيته ويقال: تبذّر الماء، إذا تغيّر واصفرّ، قال ابن مقبل:
تنفي الدّلاء بآجن متبذّر.
المتبذّر: المتغيّر الأصفر، وقولهم: كثير بثير
__________
(1) مقاييس اللغة 1/ 216، والصحاح للجوهري 2/ 587.
(2) الجمهرة 1/ 250.
(3) القاموس المحيط (بذر) ص 444 (ط. بيروت) ، واكتفى الرازي بالقيد الثاني في التعريف فقال: بذّر المال: فرّقه إسرافا ولم يذكر التّخريب. انظر مختار الصحاح ص 45 (ط. دار الكتب) .
(4) لسان العرب 4/ 50 (ط. دار المعارف) .
(5) النهاية لابن الأثير 1/ 110.(9/4113)
وبذير، بذير قيل إتباع، وقيل لغة «1» .
أمّا التّبذير في قول الله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (الاسراء/ 26) .
فقد ذكر الطّبريّ أنّ أصل التّبذير هو الإنفاق في السّرف ومنه قول الشّاعر:
أناس أجارونا فكان جوارهم ... أعاصير من فسق العراق المبذّر «2» .
وقال القرطبيّ: المعنى: لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ «3» ، ومن ثمّ يكون التّبذير المقصود في الآية الكريمة: هو النّفقة في غير وجوه البرّ الّتي يتقرّب بها إلى الله تعالى، وقال ابن كثير: لمّا أمر المولى سبحانه بالإنفاق في صدر الآية: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ.. نهى عن الإسراف في الإنفاق بأن يكون وسطا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى.. وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا (الفرقان/ 67) «4» .
التبذير اصطلاحا:
قال المناويّ: التّبذير: تفريق المال على وجه الإسراف «5» ، وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكلّ مضيّع لماله «6» ، فتبذير البذر تفريق في الظّاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه «7» .
ونقل القرطبيّ عن الإمام الشّافعّيّ- رحمه الله- قوله:
التبذير: إنفاق المال في غير حقّه، ولا تبذير في عمل الخير «8» .
وروي عن الإمام مالك- رضي الله عنه- قوله:
التّبذير: هو أخذ المال من حقّه ووضعه في غير حقّه.
الفرق بين التبذير والإسراف:
قال الكفويّ: الإسراف: هو صرف فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي، أمّا التّبذير فإنّه صرف الشّيء فيما لا ينبغي وأيضا فإنّ الإسراف تجاوز في الكمّيّة إذ هو جهل بمقادير الحقوق، والتّبذير تجاوز في موضع الحقّ، إذ هو جهل بمواقعها (أي الحقوق) ، يرشد إلى هذا قول الله سبحانه في تعليل (النّهي عن) الإسراف إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأنعام/ 141) ، وقوله عزّ وجلّ في تعليل النّهي عن التّبذير: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (الإسراء/ 27) . فإنّ تعليل الثّاني فوق
__________
(1) لسان العرب 4/ 51 ومعنى كونها اتباعا أنها كلمة أتى بها لتقوية المعنى فقط أما كونها لغة فهو أن بعض العرب قد أبدلوا الثاء في بثير ذالا فقالوا بذير.
(2) تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 53.
(3) تفسير القرطبي 10/ 247.
(4) تفسير ابن كثير 3/ 39.
(5) التوقيف على مهمات التعاريف ص 9، والتعريفات للجرحاني ص 52.
(6) انظر المفردات للراغب ص 52 (ت محمد أحمد خلف الله)
(7) تفسير القرطبي 10/ 247.
(8) السابق، الصفحة نفسها، وانظر آراء أخرى عن الصحابة والتابعين في الجزء الخاص بالآثار.(9/4114)
الأوّل «1» .
لقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الإسراف والتبذير قد يردان بمعنى واحد، ومن ثمّ فقد يرد أحدهما ويراد به الآخر، من ذلك ما ذكره الماورديّ من أنّ التّبذير هو الإسراف المتلف للمال «2» ، وروى أشهب عن مالك أنّ التّبذير هو الإسراف «3» . وذكر القرطبيّ في تفسير قوله تعالى وَلا تُبَذِّرْ قال:
(معناه) لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ «4» ، وقال ابن كثير في نفس الآية الكريمة: لمّا أمر الله عزّ وجلّ بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه «5» .
والخلاصة أنّ بين الأمرين عموما وخصوصا إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانا وقد ينفرد الأعمّ وهو الإسراف.
حكم التبذير:
نقل عن الإمام مالك- رحمه الله- أنّ التّبذير حرام لقوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ (الإسراء/ 27) «6» .
وقال القرطبيّ: من أنفق درهما في حرام فهو مبذّر، ويحجر عليه في نفقته الدّرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشّهوات إلّا إذا خيف عليه النّفاد «7» .
وأبو حنيفة- رحمه الله- لا يرى الحجر للتّبذير، وإن كان (حراما) منهيّا عنه، وذكر الماورديّ أنّ التّبذير هو الإسراف المتلف للمال، وأنّ المبذّر يحجر عليه للآية الكريمة (السّابقة) ، ومن واجب الإمام منعه منه (أي التّبذير) بالحجر والحيلولة بينه وبين ماله إلّا بمقدار نفقة مثله «8» .
الفرق بين الجود والتبذير:
يتجلّى الفرق بين الأمرين في أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه، وأنّ المبذّر (أو المسرف) كثيرا ما لا يصادف عطاؤه موضعه، فالجواد من يتوخّى بماله أداء الحقوق الواجبة عليه حسب مقتضى المروءة من قرى الضّيف، ومكافأة المهدي، وما يقي به عرضه على وجه الكمال، طيّبة بذلك نفسه راضية مؤمّلة للخلف في الدّنيا والآخرة، والمبذّر ينفق بحكم هواه وشهوته من غير مراعاة مصلحة ولا تقدير، ولا يريد أداء الحقوق» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسراف- السفاهة شرب الخمر- الميسر- اللهو واللعب- التفريط والإفراط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الجود- الكرم- محاسبة النفس- السخاء- مجاهدة النفس] .
__________
(1) الكليات للكفوي 1/ 172، وانظر أيضا التعريفات للجرجاني 23، 24.
(2) البحر المحيط 6/ 27.
(3) تفسير القرطبي 10/ 247.
(4) السابق، الصفحة نفسها.
(5) تفسير ابن كثير 3/ 39.
(6) تفسير القرطبي 10/ 247.
(7) السابق، 10/ 248.
(8) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 6/ 23.
(9) فضل الله الصمد 1/ 533 (هامش 1) .(9/4115)
الآيات الواردة في «التبذير»
1- وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) «1»
الآيات الواردة في «التبذير» معنى
2- وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5)
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «2»
3- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) «3»
4- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) «4»
5- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) «5»
6- وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «6»
__________
(1) الإسراء: 26- 27 مكية
(2) النساء: 5- 6 مدنية
(3) الأنعام: 141 مكية
(4) الأعراف: 31 مكية
(5) الإسراء: 29 مكية
(6) الفرقان: 67 مكية(9/4116)
الأحاديث الواردة في ذمّ (التبذير)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله؛ إنّي ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك وتعرف حقّ المسكين والجار والسّائل» فقال:
يا رسول الله؛ أقلل لي. فقال: «آت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا» . فقال: يا رسول الله؛ إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم، إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها وإثمها على من بدّلها» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذّر ولا متأثّل «2» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التبذير)
1-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير، وما تصدّقت (به) ، فهو لك، وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظّ الشّيطان) * «4» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
في قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ قال: هم الّذين ينفقون المال في غير حقّه) * «5» .
3-* (عن عطاء عن ابن عبّاس قال: لا تنفق في الباطل فإنّ المبذّر هو المنفق في غير حقّ) * «6» .
4-* (عن أبي العبيدين قال: سألت عبد الله (ابن مسعود) عن المبذّرين، قال: الّذين ينفقون في غير حقّ) * «7» .
5-* (وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «المرّان: الإمساك في الحياة والتّبذير عند الموت) * «8» .
6-* (وعنه- رضي الله عنه- قال: كنّا أصحاب محمّد نتحدّث أنّ التّبذير: النّفقة في غير حقّ) * «9» .
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 63) وقال: رواه أحمد في المسند وهو فيه في (3/ 136) ، والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.
(2) تأثّل المال: جمعه، ومال مؤثّل، ومجد مؤثل. أي مجموع ذو أصل (النهاية 1/ 23) .
(3) النسائي (2/ 216) ، وأبو داود (2872) ، والنسائي (6 لا 3668) وصححه الألباني- صحيح سنن أبي داود.
(4) الدّر المنثور 5/ 275.
(5) المرجع السابق 5/ 274، وفضل الله الصمد 1/ 534.
(6) تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 54.
(7) فضل الله الصمد 1 (444) ص 533، والدر المنثور 5/ 274، وتفسير ابن كثير 3/ 39.
(8) الدارمي 2/ 509 وتفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 53.
(9) الدر المنثور 5/ 274، وتفسير ابن كثير 3/ 39 (ولم يذكر ابن كثير صدر الأثر واكتفى بعبارة: التبذير: الانفاق في غير حق) .(9/4117)
7-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: التّبذير:
النّفقة في معصية الله تعالى وفي غير الحقّ وفي الفساد) * «1» .
8-* (وقال مجاهد- رحمه الله تعالى-: لو أنفق إنسان ماله كلّه في الحقّ لم يكن مبذّرا، ولو أنفق مدّا في غير حقّ كان مبذّرا) * «2» .
9-* (عن السّدّيّ- رحمه الله تعالى- قال: في قوله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي لا تعط مالك كلّه) * «3» .
10-* (عن وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى- قال: من السّرف أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب ممّا ليس عنده، وما جاوز الكفاف فهو التّبذير) * «4» .
11-* (عن شعبة- رحمه الله تعالى- قال:
كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة، فأتى على دار تبنى بجصّ وآجر، فقال هذا التّبذير) * «5» .
12-* (قال ابن زيد- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.. الآية.. قال:
قوله وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً أي لا تعط في معاصي الله، وأمّا قوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ فإنّه يعني أنّ المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشّياطين، وكذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنّة قوم وتابع أثرهم هو أخوهم) * «6» .
13-* (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى:
وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً المعنى: أي لا تفرّق يا محمّد ما أعطاك الله من مال في معصيته تفريقا) *.
14-* (قال القرطبيّ: من أنفق ماله في الشّهوات زائدا على قدر الحاجات وعرّضه بذلك للنّفاد فهو مبذّر، ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الرّقبة (أي الأصل) فليس بمبذّر) * «7» .
15-* (وقال- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ المعنى أنّهم في حكمهم، إذ المبذّر ساع في إفساد كالشّياطين، أو أنّهم يفعلون ما تسوّل لهم أنفسهم (كما تسوّل الشّياطين فعل الشّرّ) ، أو أنّهم يقرنون بهم غدا في النّار) * «8» .
16-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: قال الله تعالى منفّرا عن التّبذير والسّرف: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي أشباههم في ذلك أي في التّبذير والسّفه وترك طاعته وارتكاب معصيته، ولذلك قال وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي جحودا لأنّه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته) * «9» .
17-* (قال أبو حيّان- رحمه الله تعالى-: في قوله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً نهى الله تعالى عن
__________
(1) تفسير ابن كثير 3/ 39.
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) الدر المنثور 5/ 274.
(4) المرجع السابق 5/ 274- 275.
(5) تفسير الطبري مجلد 8 ج 15 ص 54.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) تفسير القرطبي 10/ 248.
(8) قال القرطبي (10/ 248) ، فهذه ثلاثة أقوال.
(9) تفسير ابن كثير 3/ 39- 40.(9/4118)
التّبذير، وكانت الجاهليّة تنحر إبلها وتتياسر عليها «1» ، وتبذّر أموالها في الفخر والسّمعة وتذكر ذلك في أشعارها فنهى الله تعالى عن النّفقة في غير وجوه البرّ، وما يقرّب منه تعالى) * «2» .
18-* (وقال- رحمه الله تعالى- أيضا: وأخوّة المبذّرين للشّياطين في قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ.. الآية) تعني كونهم قرناءهم في الدّنيا، وفي النّار في الآخرة، وتدلّ هذه الأخوّة على أنّ التّبذير هو في معصية الله تعالى (أو المعنى) أنّهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف في الدّنيا) * «3» .
19-* (وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى:
العاقل يدبّر بعقله معيشته في الدّنيا، فإن كان فقيرا اجتهد في كسب وصناعة تكفّه عن الذّلّ للخلق، وقلّل العلائق «4» ، واستعمل القناعة، فعاش سليما من منن النّاس عزيزا بينهم وإن كان غنيّا فينبغي له أن يدبّر في نفقته خوف أن يفتقر فيحتاج إلى الذّلّ للخلق، ومن البليّة أن يبذّر في النّفقة ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنّه يتعرّض بذلك- إن أكثر- لإصابته بالعين، وينبغي التّوسّط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، ولقد وجد بعض الغسّالين مالا، فأكثر النّفقة، فعلم به، فأخذ منه المال، وعاد إلى الفقر، وإنّما التّدبير حفظ المال، والتّوسّط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره) * «5» .
من مضار (التبذير)
(1) فيه طاعة للشّيطان ومعصية للرّحمن.
(2) يباعد من الجنّة ويقرّب من النّار.
(3) المبذّر أخ للشّيطان.
(4) في التّبذير رجوع إلى الجاهليّة وعاداتها القبيحة وفيه مفاخرة ممقوتة.
(5) في التّبذير إتلاف للمال، وتضييع له.
(6) التّبذير عند الموت لا يعدّ من الصّدقة المقبولة وهو مردود على صاحبه.
(7) التّبذير يؤدّي للفقر ويحتاج صاحبه- فيما بعد- إلى الذّلّ للخلق.
(8) المبذّر معرّض للعين، والحسد والحقد عليه.
(9) في التّبذير اتّباع للهوى وبعد عن الحقّ.
(10) التّبذير يشعر الإنسان بالمرارة خاصة إذا اقترب الأجل.
__________
(1) تتياسر عليها أي تضرب عليها بالقداح وهو الميسر المنهي عنه.
(2) تفسير البحر المحيط 6/ 27.
(3) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(4) العلائق، ما يتعلق به الإنسان ويرى اقتناءه، وهو يشبه ما نسميه بالطموحات في أمور المعيشة.
(5) صيد الخاطر 610.(9/4119)
التبرج
التبرج لغة:
مصدر قولهم: تبرّجت المرأة تتبرّج، وهو مأخوذ من مادّة (ب ر ج) الّتي تدلّ على معنيين:
الأوّل: البروز والظّهور، والثّاني: الوزر والملجأ فمن الأوّل: البرج وهو سعة العين في شدّة سواد وشدّة بياض بياضها، ومن ذلك أخذ التّبرّج، وهو إظهار محاسنها، ومن الأصل الثّاني: البرج وهو واحد بروج السّماء، وأصل البروج: الحصون والقصور، وذكر الرّاغب: أنّ التّبرّج مأخوذ من الثّوب المبرّج أي الّذي صوّر عليه البروج، يقال: ثوب مبرّج: صوّرت عليه بروج فاعتبر حسنه، فقيل تبرّجت المرأة أي تشبّهت به في إظهار المحاسن، وقيل: اشتقاق ذلك من البرج وهو القصر، ومن ثمّ يكون معنى تبرّجت ظهرت من برجها أي قصرها، وقال المبرّد: إنّ التّبرّج مأخوذ من السّعة، يقال في أسنانه برج إذا كانت متفرّقة.
وقال ابن منظور:
يقال تبرّجت المرأة: يعني أظهرت وجهها.
وكذلك إذا أبدت محاسن جيدها ووجهها.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 13/ 15
والتّبرّج إظهار الزّينة للنّاس الأجانب وهو المذموم، فأمّا للزّوج فلا، وقيل: هو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرّجال.
وفي الحديث: كان يكره عشر خلال، منها التّبرّج بالزّينة لغير محلّها.
وقد مدح الله قوما من النّساء فقال سبحانه:
غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ (النور/ 60) : يعني لا يتكسّرن في مشيهنّ ولا يتبخترن. وأمّا ما نهى الله عنه المؤمنات من التّشبّه بالكافرات في التّبرّج في قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) . هذا كان في زمن ولد فيه إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- إذ كانت المرأة تلبس الدّرع من اللّؤلؤ غير مخيط الجانبين، وقيل: كانت تلبس الثّياب تبلغ المال لا تواري جسدها (ومعنى تبلغ المال أنّها ثياب غالية الثّمن) «1» .
التبرج اصطلاحا:
قال الطّبريّ: التّبرّج هو التّبختر، وقيل: هو إشهار الزّينة، وإبراز المرأة محاسنها للرّجال «2» .
وقال القرطبيّ: التّبرّج: التّكشّف والظّهور للعيون، وقيل التّبرّج في قوله تعالى: غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ
__________
(1) المقاييس (1/ 238) والمفردات (38، 39) ، لسان العرب (1/ 243) . والصحاح (1/ 299) ، وتفسير القرطبي (14/ 117) .
(2) تفسير الطبري (10/ 294) .(9/4120)
بِزِينَةٍ (النور/ 60) ، أنّهنّ كاسيات عاريات من لباس التّقوى، قال القرطبيّ: وهذا التّأويل أصحّ، وهو اللّائق بهنّ في هذه الأزمان وخاصّة الشّباب منهنّ، فإنّهنّ يتزيّنّ ويخرجن متبرّجات، فهنّ كاسيات بالثّياب عاريات من التّقوى حقيقة ظاهرا وباطنا، حيث تبدي زينتها، ولا تبالي بمن ينظر إليها، بل ذلك مقصودهنّ، وذلك مشاهد في الوجود منهنّ، ولو كان عندهنّ شيء من التّقوى لما فعلن ذلك، ولم يعلم ما هنالك» .
وقال- رحمه الله تعالى-: في تفسير قوله- عزّ وجلّ- وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) حقيقة التّبرّج: إظهار ما ستره أفضل «2» .
لبس النساء بين التبرج والاحتشام:
قال ابن الحاجّ- رحمه الله تعالى- فيما يتعلّق بلبس النّساء: العالم أولى من يأخذ على أهله ويردّهنّ للاتّباع مهما استطاع في كلّ الأحوال فمن ذلك (منع) ما يلبسن من هذه الثّياب الضّيّقة القصيرة، وهما منهيّ عنهما، ووردت السّنّة بضدّهما، لأنّ الضّيّق من الثّياب يصف جسمها ويحدّده، هذا في الضّيّق، وأمّا القصير فإنّ الغالب منهنّ أن يجعلن القميص إلى الرّكبة، فإن انحنت أو جلست أو قامت انكشفت عورتها. ووردت السّنّة أنّ ثوب المرأة تجرّه خلفها، ويكون فيه وسع بحيث إنّه لا يصفها «3» .
وقال- رحمه الله تعالى- وعلى العالم أن ينهاهنّ عن لبس العمائم، ويمنعهنّ من توسيع الأكمام وتقصيرها. لأنّها تظهر ما لا بدّ من إخفائه «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: إطلاق البصر- الغي والإغواء- الفتنة- الزنا- الخنوثة- الدياثة- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- العصيان- الفجور- انتهاك الحرمات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحجاب- حسن السمت- غض البصر- الستر- العفة- حفظ الفرج- تعظيم الحرمات- الاستقامة- الغيرة- الشرف] .
__________
(1) تفسير القرطبي (12/ 60) .
(2) المرجع السابق (14/ 117) .
(3) المدخل لابن الحاج (2/ 142) .
(4) المرجع السابق (2/ 243) .(9/4121)
الآيات الواردة في «التبرج»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «1»
2- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28)
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)
يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31)
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «2»
__________
(1) النور: 58- 60 مدنية
(2) الأحزاب: 28- 34 مدنية(9/4122)
الأحاديث الواردة في ذمّ (التبرج)
1-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تسأل عنهم:
رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدّنيا فتبرّجت بعده. فلا تسأل عنهم.
وثلاثة لا تسأل عنهم، رجل نازع الله- عزّ وجلّ- رداءه، فإنّ رداءه الكبرياء وإزاره العزّة، ورجل شكّ في أمر الله، والقنوط من رحمة الله» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: «جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبايعه على الإسلام فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي ولا تبرّجي تبرّج الجاهليّة الأولى» ) «2» .
3-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكره عشر خلال: تختّم الذّهب، وجرّ الإزار، والصفرة،- يعني الخلوق «3» .
وتغيير الشّيب- قال جرير: إنّما يعني بذلك نتفه- وعزل الماء عن محلّه، والرّقى إلّا بالمعوّذات، وفساد الصّبيّ غير محرّمه «4» ، وعقد التّمائم، والتّبرّج بالزّينة لغير محلّها «5» ، والضّرب بالكعاب «6» » ) * «7» .
__________
(1) أحمد (6/ 19) واللفظ له وقال الهيثمي في المجمع (1/ 105) : رجاله ثقات. والأدب المفرد للبخاري رقم (593) . والحاكم (1/ 119) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وذكر بعضه في السنة لابن أبي عاصم رقم (89) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 70) رقم (3053) . وكذا في الصحيحة (2/ 71) رقم (542) وعزاه أيضا لابن حبان وابن عساكر ونقل قول ابن عساكر عنه أنه حديث حسن غريب ورجال إسناده ثقات.
(2) أحمد (2/ 196) واللفظ له رقم (6862) . بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وقال: إسناده صحيح (11/ 75) . ونحوه عند الترمذي (1597) وقال: حديث حسن صحيح. وكذا النسائي (7/ 149) وقال الألباني: صحيح (3/ 876) رقم (3897) والموطأ (982، 983) . وذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 352) وقال: هذا إسناد صحيح.
(3) الخلوق: طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء.
(4) فساد الصبي.. الخ: هو أن يطأ المرأة المرضع فإذا حملت فسد لبنها وكان من ذلك فساد الصبي. وقوله: غير محرمه: أي أنه كرهه ولم يبلغ حد التحريم.
(5) التبرج بالزينة لغير محلها: يعني لغير ما يحل لها ذلك يعني الزوج مثلا.
(6) ضرب الكعاب: النرد وغيره.
(7) أبو داود (4222) . وأحمد (1/ 380) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 213، 214) رقم (3605) وكذلك في ص 291.(9/4123)
الأحاديث الواردة في ذمّ (التبرج) معنى
4-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استعطرت المرأة فمرّت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا» . وقال قولا شديدا) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معناه العشاء الآخرة» ) * «2» .
6-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيكون في آخر أمّتي نساء كاسيات عاريات «3» على رؤوسهنّ كأسنمة البخت «4» ، العنوهنّ، فإنّهنّ ملعونات» ) * «5» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صنفان من أهل النّار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة. لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها. وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ) * «6» .
8-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّه قال: كساني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبطيّة «7» كثيفة كانت ممّا أهداها دحية الكلبيّ فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك لم تلبس القبطيّة» . قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مرها فلتجعل تحتها غلالة. إنّي أخاف أن تصف حجم عظامها» ) * «8» .
9-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) أبو داود (4172) واللفظ له. والنسائي (8/ 153) وقال فيه: فهي زانية. والترمذي (2786) وقال: حسن صحيح. والحاكم (2/ 396) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وأحمد (4/ 414، 418) . وذكره الألباني في حجاب المرأة المسلمة (64) وعزاه أيضا لابن خزيمة وابن حبان وقال: صحيح كما قال الحاكم والذهبي.
(2) أبو داود (4175) . والنسائي (8/ 154) واللفظ لهما. وقال الألباني: صحيح (3/ 1049) برقم (4739) .
(3) كاسيات عاريات: يعني تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه، وقيل معناه: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها.
(4) البخت: كلمة معربة ومعناها الإبل الخراسانية لأنها تنتج من بين عربية وفالج، ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أي يكبرنها ويعظمنها بلف عصابة أو عمامة وغيرها.
(5) الطبراني في الصغير برقم (1125) وقال الألباني في حجاب المرأة المسلمة: سنده صحيح (56) .
(6) مسلم (2128) .
(7) القبطية: ثياب رقاق بيض تعمل بمصر وتنسب إلى القبط..
(8) أحمد (5/ 205) واللفظ له. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبزار وابن سعد والروياني والبارودي والطبراني والبيهقي والضياء في المختارة وأخرج نحوه أبو داود من حديث دحية الكلبي. وذكره الألباني في حجاب المرأة المسلمة (59، 60) وقال: أخرجه الضياء المقدسي في المختارة (1/ 441) وأحمد والبيهقي بسند حسن.(9/4124)
لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنّامصات «1» والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن «2» المغيّرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد. يقال لها: أمّ يعقوب وكانت تقرأ القرآن. فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك؛ أنّك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق الله؟
فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه. قال الله- عزّ وجلّ-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر/ 7) . فقالت المرأة: فإنّي أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن. قال:
اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا. فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا. فقال: أمّا لو كان ذلك لم نجامعها «3» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه لقيته امرأة وجد منها ريح الطّيب ينفح ولذيلها إعصار، فقال: يا أمة الجبّار، جئت من المسجد؟
قالت: نعم، قال: وله تطيّبت؟ قالت: نعم. قال: إنّي سمعت حبّي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقبل صلاة لامرأة تطيّبت لهذا المسجد حتّى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة» ) * «5» .
11-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّه قال:
جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي يدها فتخ فقال كذا في كتاب أبي (أي خواتيم ضخام) فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضرب يدها فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشكو إليها الّذي صنع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت هذه أهداها إليّ أبو حسن فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والسّلسلة في يدها فقال: يا فاطمة أيغرّك أن يقول النّاس ابنة رسول الله في يدها سلسلة من نار؟ ثمّ خرج ولم يقعد، فأرسلت فاطمة بالسّلسلة إلى السّوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وقالت مرّة عبدا، وذكر كلمة معناها فأعتقته فحدّث بذلك فقال: «الحمد لله الّذي أنجى فاطمة من النّار» ) * «6» .
12-* (عن عبد الرّحمن بن عوف أنّه سمع
__________
(1) النامصات: النامصة هي التي تزيل الشعر من الوجه، والمتنمصة هي التي تطلب فعل ذلك بها.
(2) والمتفلجات للحسن: المراد مفلجات الأسنان. بأن تبرد ما بين أسنانها، الثنايا والرباعيات. وهو من الفلج. وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان. لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار. فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت، فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة. ويقال له أيضا الوشر.
(3) لم نجامعها: قال جماهير العلماء: معناه لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي. بل كنا نطلقها ونفارقها.
(4) البخاري- الفتح 10 (5931) . ومسلم (2125) واللفظ له.
(5) أبو داود (4174) واللفظ له. والنسائي (8/ 153، 154) مختصرا. وقال الألباني (3/ 1049 و4738) : صحيح. وسنن البيهقي (3/ 133- 134) .
(6) النسائي (8/ 158) واللفظ له. وقال الألباني (3/ 1051) / (4748) : صحيح.(9/4125)
معاوية بن أبي سفيان عام حجّ وهو على المنبر، وتناول قصّة «1» من شعر كانت في يد حرسيّ «2» . يقول: يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن مثل هذه ويقول «إنّما هلكت بنو إسرائيل حين اتّخذ هذه نساؤهم» ) * «3» .
13-* (قال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى- في شرح حديث ابن عمرو: «سيكون في آخر أمّتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهنّ كأسنمة البخت. العنوهنّ فإنّهنّ ملعونات» .
قال: أراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّساء اللّواتي يلبسن من الثّياب الشّيء الخفيف الّذي يصف ولا يستر، فهنّ كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (التبرج)
1-* (قال عبد الله بن أبي سلمة: إنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كسا النّاس القباطيّ «5» ثمّ قال: «لا تدرّعنّها نساءكم. فقال رجل: يا أمير المؤمنين قد ألبستها امرأتي فأقبلت في البيت وأدبرت فلم أره يشفّ، فقال عمر: «إن لم يكن يشفّ فإنّه يصف» ) *» .
2-* (عن أمّ الضّياء أنّها قالت لعائشة- رضي الله عنهما-: يا أمّ المؤمنين ما تقولين في الخضاب والصّباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذّهب وثياب الرّقاق؟. فقالت لها- رضي الله عنها-: «يا معشر النّساء قصّتكنّ كلّها واحدة أحلّ الله لكنّ الزّينة غير متبرّجات، أي لا يحلّ لكنّ أن يروا منكنّ محرّما» ) * «7» .
3-* (وقالت أمّ علقمة بنت أبي علقمة:
دخلت حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر على عائشة أمّ المؤمنين وعليها خمار رقيق فشقّته عائشة عليها وكستها خمارا كثيفا» ) * «8» .
4-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «لو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى ما أحدث النّساء لمنعهنّ المسجد، كما منعت نساء بني إسرائيل» ) * «9» .
5-* (قال هشام بن عروة- رحمه الله تعالى:
إنّ المنذر بن الزّبير قدم من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مرويّة «10» وقوهيّة رقاق عتاق بعدما كفّ بصرها فلمستها بيدها ثمّ قالت:
أفّ. ردّوا عليه كسوته، فشقّ ذلك عليه وقال: يا أمّه
__________
(1) قصة من شعر أي خصلة.
(2) حرسيّ: نسبه إلى الحرس وهم خدم الأمير.
(3) البخاري- الفتح 10 (5932) . ومسلم (2127) واللفظ له.
(4) تنوير الحوالك للسيوطي (3/ 103) .
(5) القباطي: جمع قبطي وهي ثياب بيضاء رقيقة من مصر.
(6) سنن البيهقي (2/ 234- 235) .
(7) تفسير ابن كثير (3/ 304) .
(8) الطبقات لابن سعد (8/ 71) .
(9) مسلم (445) .
(10) ثياب مروية: يعني مصنوعة في مرو بلدة تابعة للكوفة. وكذلك قوهية: يعني منسوجة في قوهستان ناحية بخراسان.(9/4126)
إنّه لا يشفّ. قالت: إنّها إن لم تشفّ فإنّها تصف) * «1» .
6-* (قال مجاهد بن جبر- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) : «ذلك أنّ المرأة منهنّ كانت تخرج تمشي بين يدي الرّجال» ) * «2» .
7-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى (الأحزاب/ 33) : «كانت لهنّ مشية وتكسّر وتغنّج، فنهى الله تعالى المؤمنات عن ذلك إذا خرجن من بيوتهنّ» ) * «3» .
8-* (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب/ 59) : «يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم:
يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا تتشبّهن بالإماء في لباسهنّ إذ هنّ خرجن من بيوتهنّ لحاجتهنّ فكشفن شعورهنّ ووجوههنّ، ولكن ليدنين عليهنّ من جلابيبهنّ لئلّا يعرض لهنّ فاسق ... » ) * «4» .
9-* (قال مقاتل بن حيّان- رحمه الله تعالى:
«التّبرّج المنهيّ عنه هو: أن تلقي المرأة الخمار على رأسها ولا تشدّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ولكن يبدو ذلك كلّه منها» ) * «5» .
10-* (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ سبب نزول قول الله تعالى وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ (النور/ 31) : «أنّ النّساء كنّ في ذلك الزّمان إذا غطّين رؤوسهنّ بالأخمرة، وهي المقانع، سدلنها من وراء الظّهر كما يصنع النّبط، فيبقى النّحر والعنق والأذنان لا يستر على ذلك فأمر الله تعالى بليّ الخمار على الجيوب» ) * «6» .
11-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إنّ المرأة المتشبّهة بالرّجال تكتسب من أخلاقهم حتّى يصير فيها من التّبرّج والبروز ومشابهة الرّجال ما قد يفضي ببعضهنّ إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرّجل وتطلب أن تعلو على الرّجال كما يعلو الرّجال على النّساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنّساء» ) * «7» .
12-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ كشف النّساء وجوههنّ بحيث يراهنّ الأجانب غير جائز» ) * «8» .
13-* (قال الذّهبيّ- رحمه الله تعالى-:
«من الأفعال الّتي تلعن عليها المرأة إظهار الزّينة والذّهب واللّؤلؤ تحت النّقاب، وتطيّبها بالمسك والعنبر والطّيب إذا خرجت، ولبسها الصّباغات
__________
(1) الطبقات لابن سعد (8/ 252) .
(2) تفسير ابن كثير (3/ 482) .
(3) المرجع السابق (3/ 482) بتصرف.
(4) تفسير الطبري (22/ 23) .
(5) تفسير ابن كثير (3/ 483) بتصرف.
(6) حجاب المرأة المسلمة (35) .
(7) المرجع السابق (77) .
(8) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 280) .(9/4127)
والأزر الحريريّة والأقبية القصار، مع تطويل الثّوب وتوسعة الأكمام وتطويلها، وكلّ ذلك من التّبرّج الّذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدّنيا والآخرة، ولهذه الأفعال الّتي غلبت على أكثر النّساء قال عنهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اطّلعت على النّار فرأيت أكثر أهلها النّساء» ) * «1» .
14-* (قال الشّاعر:
بنيّة إن أردت ثياب حسن ... تزيّن من تشا جسما وعقلا
فانبذي عادة التّبرّج نبذا ... فجمال النّفوس أسمى وأعلى «2» .
15-* (وقال آخر:
قل للجميلة أرسلت أظفارها ... إنّي لخوفي كدت أمضي هاربا
إنّ المخالب للوحوش تخالها ... فمتى رأينا للظّباء مخالبا؟
بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة ... ونقلت عن وضع الطّبيعة حاجبا
وغدا نراك نقلت ثغرك للقفا ... وأزحت أنفك رغم أنفك جانبا
من علّم الحسناء أنّ جمالها ... في أن تخالف خلقها وتجانبا؟) * «3» .
من مضار (التبرج)
(1) دليل ضعف إيمان المرأة وقلّة حيائها.
(2) سبب الطّرد والإبعاد من رحمة الله.
(3) يورد النّيران ويحرم من الجنان.
(4) من أعمال الجاهليّة والفسّاق.
(5) يعرّض المرأة لغمز ولمز المجرمين ومن في قلبه نفاق.
(6) من أسباب إشاعة الفاحشة بين النّاس.
(7) التّشبه بالكافرات الفاجرات.
(8) تقلّل من رغبة الإنسان المسلم في الإرتباط بها وتزهّده في الزّواج بها.
(9) تحرم المرأة من نعمة رضا الله عنها بخروجها عن آدابه.
(10) تعرّض نفسها لطمع الطّامعين ونهش النّاهشين.
(11) من أكبر أسباب شيوع الفاحشة في المجتمعات، فتنحلّ ويذهب ريحها.
__________
(1) الكبائر (135) طبعة الريان.
(2) بواسطة التبرج لنعمان صدقي (34) .
(3) بواسطة التبرج لنعمان صدقي (34) .(9/4128)