طيّب. قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي. فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار.
فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك، جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟
قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» «1» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر «2» البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع «3» فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة.
قال: «كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «4» .
26-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة:
زوجي إذا دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب.
قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة:
زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع، أناس من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟، مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة، بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا؛ قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء
__________
(1) ولا تضاغطوا: أي لا تزدحموا.
(2) يخمّر البرمة: أي يغطيها.
(3) ثم ينزع: أي يأخذ اللحم من البرمة.
(4) البخاري- الفتح 7 (4101) . ومسلم (2039) .(8/3230)
أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» ) * «1» .
27-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم المهاجرون المدينة من مكّة، وليس بأيديهم، (يعني شيئا) ، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أمّه أمّ أنس، أمّ سليم كانت أمّ عبد الله بن أبي طلحة، فكانت أعطت أمّ أنس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عذاقا «2» . فأعطاهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم «3» - من ثمارهم- فردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أمّه عذاقها، فأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مكانهنّ «4» من حائطه «5» » ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الكرم)
28-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينما أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «7» من حنين، فعلقت «8» النّاس يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة، فخطفت رداءه فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه «9» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «10» .
29-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» . قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه ... الحديث) * «11» .
30-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة. فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟. فقال القوم: هي شملة.
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. مسلم (2448) . وسبق تفسير ألفاظه الغريبة في صفات سابقة عديدة فأغنانا ذلك عن إعادته هنا.
(2) العذاق: جمع عذق وهي النخلة.
(3) منائحهم: جمع منيحة والمنيحة هي المنحة.
(4) مكانهن: أي بدلهن.
(5) حائطه: أي بستانه.
(6) البخاري- الفتح 5 (2630) واللفظ له. ومسلم (1771) .
(7) مقفله: زمان رجوعه.
(8) فعلقت: أي طفقت وأخذت.
(9) العضاه: شجر ذو شوك.
(10) البخاري- الفتح 6 (2821) .
(11) مسلم (2055) .(8/3231)
فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت:
يا رسول الله! أكسوك هذه. فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلبسها، فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه، فاكسنيها. فقال: «نعم» . فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها. ثمّ سألته إيّاها وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه. فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الكرم)
1-* (قال حكيم بن حزام- رضي الله عنه-:
«ما أصبحت صباحا قطّ فرأيت بفنائي طالب حاجة قد ضاق بها ذرعا فقضيتها إلّا كانت من النّعم الّتي أحمد الله عليها، ولا أصبحت صباحا لم أر بفنائي طالب حاجة، إلّا كان ذلك من المصائب الّتي أسأل الله- عزّ وجلّ- الأجر عليها» ) * «2» .
2-* (قال جويرية بن أسماء: «قطع برجل بالمدينة فقيل له: عليك بحكيم بن حزام، فأتاه وهو في المسجد فذكر له حاجته، فقام معه، فانطلق معه إلى أهله، فلمّا دخل داره رأى غلمانا له يعالجون أداة من أداة الإبل، فرمى إليهم بخرقة معه فقال: استعينوا بهذه على بعض ما تعالجون، ثمّ أمر له براحلة مقتّبة محقّبة، وزادا» ) * «3» .
3-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-:
«أهدي لرجل رأس شاة، فقال: إنّ أخي وعياله أحوج منّا إلى هذا فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى رجعت إلى الأوّل بعد سبعة» ) * «4» .
4-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «ما احتذى النّعال ولا انتعل ولا ركب المطايا، ولا لبس الكور «5» من رجل بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل من جعفر ابن أبي طالب في الجود والكرم» ) * «6» .
5-* (قال عبد الله بن جعفر- رحمه الله تعالى- «أمطر المعروف مطرا، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا، وإن أصاب اللّئام كنت له أهلا» ) * «7» .
6-* (قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما-:
«المروءة: حفظ الرّجل دينه، وحذره نفسه، وحسن قيامه بضيفه وحسن المنازعة، والإقدام في الكراهية.
والنّجدة: الذّبّ عن الجار، والصّبر في الموان «8» ، والكرم: التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6036) .
(2) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (107) .
(3) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(4) الفتح (7/ 120) وعزاه لابن مردويه.
(5) الكور: العمامة.
(6) أحمد (414) .
(7) الإحياء (3/ 247) .
(8) الموان: يقال مان الرجل أهله يمونهم إذا كفاهم وأنفق عليهم.(8/3232)
المحل «1» ، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل» * «2» .
7-* (قال أبو الأسود: دخل على الحسن بن عليّ- رضي الله عنهم- نفر من أهل الكوفة وهو يأكل طعاما فسلّموا عليه وقعدوا، فقال لهم الحسن: «الطّعام أيسر من أن يقسم عليه، فإذا دخلتم على رجل منزله فقرّب طعامه، فكلوا من طعامه، ولا تنتظروا، فتقدّم القوم فأكلوا، ثمّ سألوه حاجتهم فقضاها لهم» ) * «3» .
8-* (قال عبد الله بن الحارث: «من لم يكرم ضيفه فليس من محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا من إبراهيم عليه السّلام» ) * «4» .
9-* (قال السّلميّ- رحمه الله تعالى-:
«آداب الصّحبة على أوجه ذكر منها: صحبة الوالدين فقال: تكون ببرّهما بالخدمة بالنّفس والمال في حياتهما، وإنجاز وعدهما بعد وفاتهما، والدّعاء لهما في كلّ الأوقات، وإكرام أصدقائهما» ) * «5» .
10-* (قال محمّد بن سيرين- رحمه الله تعالى-: «كانوا يقولون: لا تكرم صديقك بما شقّ عليه» ) * «6» .
11-* (قال أحمد بن عبد الأعلى الشّيبانيّ وأحمد بن عبيد العنيزيّ: «إنّ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنهما- كان في سفر له فمرّ بفتيان يوقدون تحت قدر لهم، فقام إليه أحدهم فقال:
أقول له حين ألفيته ... عليك السّلام أبا جعفر
فوقف، وقال: السّلام عليك ورحمة الله.
قال:
وهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضّني زمن منكر
قال له: فهذي ثيابي مكانها. وكان عليه جبّة خزّ وعمامة خزّ.
فقال الرّجل:
وأنت كريم بني هاشم ... وفي البيت منها الّذي يذكر
قال له: يا ابن أخي ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» * «7» .
12-* (قال مالك بن دينار- رحمه الله تعالى-:
«المؤمن كريم في كلّ حالة، لا يحبّ أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه- ويبكي وهو يقول-: وهو والله مع ذلك غنيّ القلب، لا يملك من الدّنيا شيئا، إن أزلّته عن دينه لم يزلّ، وإن خدعته عن ماله انخدع، لا يرى الدّنيا من الآخرة عوضا، ولا يرى البخل من الجود حظّا، منكسر القلب ذو هموم قد تفرّد بها، مكتئب محزون ليس له في فرح الدّنيا نصيب، إن أتاه منها شيء فرّقه، وإن زوي عنه كلّ شيء فيها لم يطلبه- ويبكي ويقول-: هذا والله الكرم، هذا والله
__________
(1) المحل: الشدة، وقيل: الجوع الشديد، وقيل: الجدب.
(2) الإحياء (3/ 246) .
(3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (110) .
(4) جامع العلوم والحكم (132) .
(5) آداب العشرة، للغزي (ص 44) .
(6) الأدب المفرد، للبخاري (126) .
(7) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (108) .(8/3233)
الكرم» ) * «1» .
13-* (قال جعفر الصّادق رحمه الله تعالى:
«لا مال أعون من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا مظاهرة كالمشاورة، ألا وإنّ الله- عزّ وجلّ- يقول: (إنّي جواد كريم، لا يجاورني لئيم) واللّؤم من الكفر، وأهل الكفر في النّار، والجود والكرم من الإيمان، وأهل الإيمان في الجنّة» ) * «2» .
14-* (قال عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه الله تعالى-: «ليتّق الرّجل دناءة الأخلاق كما يتّقي الحرام، فإنّ الكرم دين» ) * «3» .
15-* (قال محمّد بن يزيد الواسطيّ:
حدّثني صديق لي: «أنّ أعرابيّا انتهى إلى قوم فقال: يا قوم أرى وجوها وضيئة، وأخلاقا رضيّة، فإن تكن الأسماء على أثر ذلك فقد سعدت بكم أمّكم، تسمّوا بأبي أنتم، قال أحدهم: أنا عطيّة، وقال الآخر: أنا كرامة، وقال الآخر: أنا عبد الواسع، وقال الآخر: أنا فضيلة، فأنشأ يقول:
كرم وبذل واسع وعطيّة ... لا أين أذهب أنتم أعين الكرم
من كان بين فضيلة وكرامة ... لا ريب يفقؤ أعين العدم
قال: فكسوه وأحسنوا إليه وانصرف شاكرا) * «4» .
16-* (قال أبو سليمان الدّارانيّ:
«جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر» ) * «5» .
17-* (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-:
«اعلم أنّ الكريم يجتزى بالكرامة واللّطف، واللّئيم يجتزى بالمهانة والعنف، فلا يجود إلّا خوفا، ولا يجيب إلّا عنفا، كما قال الشّاعر:
رأيتك مثل الجوز يمنع لبّه ... صحيحا ويعطي خيره حين يكسر
فاحذر أن تكون المهانة طريقا إلى اجتدائك، والخوف سبيلا إلى عطائك، فيجري عليك سفه الطّغام، وامتهان اللّئام، وليكن جودك كرما ورغبة، لا لؤما ورهبة» ) * «6» .
18-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن، ثمّ قال: ولمّا كان صلاح بني آدم لا يكون في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولّى عنه بإنفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك.
فقال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ
__________
(1) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (108) .
(2) الإحياء (3/ 261) .
(3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (12) .
(4) المنتقى من مكارم الأخلاق، للخرائطي (135) .
(5) عدة الصابرين (144) .
(6) أدب الدنيا والدين (243- 244) .(8/3234)
الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (محمد/ 38) . ثمّ قال رحمه الله:
وبالشّجاعة والكرم في سبيل الله فضّل الله السّابقين، فقال: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (الحديد/ 10) . وقد ذكر الجهاد بالنّفس والمال في سبيله ومدحه في غير آية من كتابه، وذلك هو الشّجاعة والسّماحة في طاعته- سبحانه- وطاعة رسوله» ) * «1» .
19-* (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «لا يقال للرّجل كريم حتّى يظهر ذلك منه، ولمّا كان أكرم الأفعال ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، وإنّما يحصل ذلك من المتّقي. قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ وكلّ فائق في بابه يقال له كريم» ) * «2» .
20-* (قال الشّيخ محمّد بن محمّد الغزّيّ رحمه الله تعالى-: «من آداب العشرة إيثار الإخوان بالكرامة على نفسه. ثمّ قال: قال أبو عثمان: من عاشر النّاس ولم يكرمهم، وتكبّر عليهم فذلك لقلّة رأيه وعقله، فإنّه يعادي صديقه ويكرّم عدوّه، فإنّ إخوانه في الله أصدقاؤه، ونفسه عدوّه» ) * «3» .
21-* (قال بعض الشّعراء:
ليس الكريم الّذي إن زلّ صاحبه ... بثّ الّذي كان من أسراره علما
إنّ الكريم الّذي تبقى مودّته ... ويحفظ السّرّ إن صافى وإن صرما) * «4»
من فوائد (الكرم)
(1) من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) دليل حسن الظّنّ بالله تعالى
(3) الكرامة في الدّنيا ورفع الذّكر في الآخرة.
(4) الكريم محبوب من الخالق الكريم وقريب من الخلق أجمعين.
(5) الكريم قليل الأعداء والخصوم لأنّ خيره منشور على العموم.
(6) الكريم نفعه متعدّ غير مقصور.
(7) حسن ثناء النّاس عليه.
(8) دليل عراقة الأصل.
(9) يبعث على التّكافل الاجتماعيّ والتّوادّ بين النّاس.
(10) هو صفة كمال في الإنسان.
(11) دليل زهد الإنسان في الدّنيا.
(12) هو موافق للفطرة الصّحيحة لذلك كان العرب يتمادحون به.
(13) الكرم يزيد البركة فى الرّزق والعمر.
__________
(1) انتهى باختصار من الاستقامة (2/ 263- 270) .
(2) الفتح (10/ 457) .
(3) آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة لأبي البركات محمد الغزي (21) .
(4) آداب العشرة، للغزي (23) .(8/3235)
كظم الغيظ
الكظم لغة:
مصدر قولهم كظم يكظم وهو مشتقّ من مادّة (ك ظ م) ، الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنى واحد هو الإمساك والجمع للشّيء، ومن ذلك الكظم للغيظ الّذي يعني: اجتراع الغيظ والإمساك عن إبدائه، وكأنّه يجمعه الكاظم في جوفه، والكظوم:
السّكوت، والكظوم: إمساك البعير عن الجرّة، والكظم: مخرج النّفس، لأنّه كأنّه منع نفسه أن يخرج، والكظائم خروق تحفر يجري فيها الماء من بئر إلى بئر، وإنّما سمّيت كظامة لإمساكها الماء، ويقال: كظمت الغيظ كظما وكظوما من باب ضرب، ومعناه: أمسكت على ما في نفسك منه على صفح أو غيظ. وكذلك معناه: تجرّعه واحتمل سببه وربّما قيل فيه كظمت على الغيظ، وكظمني الغيظ فأنا كظيم. ومكظوم، كما يقال:
الغيظ مكظوم، وقوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ (آل عمران/ 134) معناه: الحابسين الغيظ أي لا يجازون عليه «1» .
واصطلاحا:
قال المناويّ: الكظم: الإمساك على ما في النّفس من صفح أو غيظ «2» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 16/ 11
الغيظ لغة:
مصدر قولهم: غاظه يغيظه، وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ظ) الّتي تدلّ على معنى واحد هو «كرب يلحق الإنسان من غيره» يقال: غاظني يغيظني، وقد غظتني يا هذا، ويقال في الوصف رجل غائظ.
وقال الجوهريّ: الغيظ: غضب كامن للعاجز، يقال غاظه فهو مغيظ، ولا يقال: أغاظه.
وقالت قتيلة بنت النّضر:
ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
وجاء فى اللّسان: الغيظ: الغضب، وقيل هو أشدّ منه، وقيل: هو سورته وأوّله، يقال: غاظه فاغتاظ، وغيّظه فتغيّظ، والتّغيّظ والاغتياظ، وفي حديث أمّ زرع: وغيظ جارتها، لأنّها ترى من حسنها ما يغيظها، وفي الحديث: أغيظ الأسماء عند الله رجل تسمّى ب «ملك الأملاك» «3» .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الغيظ تغيّر يلحق المغتاظ، وذلك لا يصحّ إلّا على الأجسام كالضّحك والبكاء ونحوهما «4» .
__________
(1) لسان العرب (7/ 3886- 1887) . والصحاح (5/ 2022- 2023) . والمصباح المنير (534) ومقاييس اللغة (5/ 184) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (282) .
(3) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 405) ، والصحاح (3/ 1176) .
(4) الكليات للكفوي (671) .(8/3236)
وقال المناويّ: الغيظ: أشدّ الغضب، وهو الحرارة الّتي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه، وقيل:
هو الغضب المحيط بالكبد، وهو أشدّ الحنق «1» .
كظم الغيظ اصطلاحا:
لقد ذكرت كتب الاصطلاح كلّا من الغيظ والكظم على حدة، وقد تكفّل المفسّرون ببيان المراد من ذلك، فقال الطّبريّ:
الكاظمين الغيظ: يعني الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال: كظم فلان غيظه: إذا تجرّعه فحفظ نفسه أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه باستمكانها ممّن غاظها وانتصارها ممّن ظلمها «2» .
وقال النّيسابوريّ: كظم غيظه: يعني: سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل، كأنّه كتمه على امتلائه وردّه في جوفه، وكفّ غضبه (الشّديد) عن الإمضاء، وهذا قسم من أقسام الصّبر والحلم «3» .
وقال القرطبيّ: كظم الغيظ: ردّه في الجوف، والسّكوت عليه وعدم إظهاره مع قدرة الكاظم على الإيقاع بعدوّه «4» .
وقال ابن عطيّة: كظم الغيظ: ردّه في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته فضبطه ومنعه «5» .
الفرق بين الغيظ والغضب:
قال القاضي أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة الأندلسيّ (صاحب التّفسير المشهور) : الغيظ أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسّر بعض النّاس الغيظ بالغضب قال: وليس تحرير الأمر كذلك. بل الغيظ فعل النّفس لا يظهر على الجوارح، والغضب حال لها معه ظهور في الجوارح وفعل ما لا بدّ، ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم. ولا يسند إليه تعالى غيظ. والكظم من أعظم العبادة وجهاد النّفس.
وقال الكفوىّ: الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه، والغيظ تغيّر يلحق المغتاظ، ولهذا لا يوصف الله تعالى بالغيظ.
وقال القرطبيّ: الغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان، لكن فرقان ما بينهما، أنّ الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب فإنّه يظهر في الجوارح، مع فعل ما ولا بدّ، ولهذا جاء إسناد الغضب إلى الله تعالى «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحلم- الرفق- الصفح- العفو- اللين- قوة الإرادة- العزم والعزيمة- الرجولة- مجاهدة النفس- الصمت وحفظ اللسان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغضب- الحمق العنف- الطيش- البذاءة- الانتقام- العجلة- السفاهة] .
__________
(1) التوقيف على مهمات التعاريف (282) ، وفي المفردات للراغب (369) «الغيظ: أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه»
(2) تفسير الطبري (4/ 61) .
(3) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان (4/ 75) (منشور بهامش الطبري) .
(4) الجامع لأحكام القرآن (4/ 133) .
(5) المحرر الوجيز (3/ 233) .
(6) المرجع السابق نفسه، والكليات للكفوي (671) ، والجامع لأحكام القرآن (4/ 133) .(8/3237)
الآيات الواردة في «كظم الغيظ»
1-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «1»
الآيات الواردة في «كظم الغيظ» معنى
2- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) «2»
3- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «3»
4-* قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) «4» 5- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86) «5»
__________
(1) آل عمران: 133- 136 مدنية
(2) النحل: 126- 127 مكية
(3) يوسف: 17- 18 مكية
(4) يوسف: 77 مكية
(5) يوسف: 81- 86 مكية(8/3238)
الأحاديث الواردة في (كظم الغيظ)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! أيّ النّاس أحبّ إلى الله تعالى؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ النّاس إلى الله تعالى أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد- يعني مسجد المدينة- شهرا، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى يتهيّأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام» ) * «1» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله» ) * «2» .
3-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ بقوم يصطرعون، فقال: «ما هذا؟» قالوا: فلان، ما يصارع أحدا إلّا صرعه، قال: «أفلا أدلّكم على من هو أشدّ منه؟ رجل كلّمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه» ) * «3» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا، فأومأ عبد الرّحمن بيده إلى الأرض: «من أنظر معسرا أو وضع عنه وقاه الله من فيح جهنّم، ألا إنّ عمل الجنّة حزن «4» بربوة (ثلاثا) ، ألا إنّ عمل النّار سهل بشهوة، والسّعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحبّ إليّ من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلّا ملأ الله جوفه إيمانا» ) * «5» .
5-* (عن معاذ بن أنس عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله- عزّ وجلّ- على رؤوس الخلائق حتّى يخيّره من الحور ما شاء» ) * «6» .
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير (12/ 453) ، واللفظ له وذكره الشيخ الألباني في الصحيحة (2/ 608- 609) وعزاه كذلك لابن عساكر في التاريخ وقال: هذا إسناد ضعيف جدّا، ثم قال: ولكن رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وأبو إسحاق الزكي في الفوائد المنتخبة وابن عساكر بأسانيد وهذا إسناد حسن.
(2) ابن ماجه (4189) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأحمد (2/ 128) برقم (6116) . وقال الشيخ أحمد شاكر (8/ 295) : إسناده صحيح.
(3) ذكره الحافظ في الفتح (10/ 535) في شرح حديث رقم (6116) وقال: رواه البزار بسند حسن. والحديث في كشف الأستار (2/ 439) برقم (2053) .
(4) الحزن: المكان الغليظ الخشن.
(5) أحمد نسخة الشيخ أحمد شاكر (5/ 9- 10) حديث رقم (3017) . وقال ابن كثير في التفسير (1/ 406) : انفرد به أحمد وإسناده حسن ليس فيه مجروح ومتنه حسن.
(6) الترمذي (2021) ، وأبو داود (4777) واللفظ له، وابن ماجه (4186)) وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (8/ 443) وقال محققه: وخرجه أيضا الطبراني وأبو نعيم وهو حديث حسن. قال ابن كثير (1/ 406) : رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ونقل تحسين الترمذي.(8/3239)
الأحاديث الواردة في (كظم الغيظ) معنى
6-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلّا فليضطجع» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أوصني: قال: «لا تغضب» فردّد مرارا، قال: «لا تغضب» ) * «2» .
8-* (عن سليمان بن صرد- رضي الله عنه- أنّه قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل أحدهما تحمرّ عيناه وتنتفخ أوداجه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم» فقال الرّجل: وهل ترى بي من جنون) * «3» .
9-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تعدّون الرّقوب «4»
فيكم؟» قال: قلنا: الّذي لا يولد له. قال: «ليس ذاك بالرّقوب، ولكنّه الرّجل الّذي لم يقدّم من ولده شيئا» قال: «فما تعدّون الصّرعة فيكم؟» قالوا: الّذي لا يصرعه الرّجال. قال: «ليس بذلك ولكنّه الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «5» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «6» .
11-* (عن أبي برزة- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت عند أبي بكر- رضي الله عنه- فتغيّظ على رجل فاشتدّ عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أضرب عنقه؟. قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فأرسل إليّ فقال: «ما الّذي قلت آنفا؟» . قلت: ائذن لي أضرب عنقه، قال: «أكنت فاعلا لو أمرتك؟» .
قلت: نعم. قال: «لا والله! ما كانت لبشر بعد محمّد صلّى الله عليه وسلّم» . قال أبو داود: هذا لفظ يزيد، قال أحمد بن حنبل: أي لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلا إلّا بإحدى ثلاث الّتي قالها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وكان للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقتل) * «7» .
12-* (قال أبو وائل القاصّ: دخلنا على عروة بن محمّد بن السّعديّ فكلّمه رجل فأغضبه، فقام فتوضّأ ثمّ رجع وقد توضّأ فقال: حدّثني أبي عن
__________
(1) رواه أبو داود (4782) واللفظ له، وأحمد (5/ 152) ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وقال محققه (8/ 440) : إسناده حسن.
(2) البخاري- الفتح 10 (6116) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6115) ، ومسلم (2610) واللفظ له
(4) الرقوب: أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد. ومعنى الحديث: إنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعا بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه ويكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه.
(5) رواه مسلم (2608) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6114) ومسلم (2609) متفق عليه.
(7) أبو داود (4363) وهذا لفظه، والنسائي (7/ 109) . وصححه الألباني في صحيح النسائي (3/ 854) برقم (3801) .(8/3240)
جدّي عطيّة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الغضب من الشّيطان، وإنّ الشّيطان خلق من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ) * «1» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي «2»
، فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة.. قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي الّتي كانت تساميني منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّ «3»
كانت فيها، تسرع منها الفيئة. قالت: فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها. على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثمّ وقعت بي فاستطالت عليّ، وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر. قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «4»
حين أنحيت «5»
عليها. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم:
«إنّها ابنة أبي بكر» ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (كظم الغيظ)
14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه رداء نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجبذه «7»
بردائه جبذة شديدة. نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد أثّرت بها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال:
يا محمّد! مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «8» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيت من قومك وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم
__________
(1) أبو داود (4784) وهذا لفظه، وأحمد (4/ 226) ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (8/ 439) وقال محققه: إسناده حسن.
(2) مرطي: أي كسائي.
(3) سورة: السورة الثوران وعجلة الغضب.
(4) لم أنشبها: لم أمهلها.
(5) أنحيت عليها: أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة.
(6) البخاري- الفتح 5 (2581) ، ومسلم (2442) واللفظ له.
(7) فجبذه: جبذ وجذب لغتان مشهورتان.
(8) البخاري- الفتح 10 (6088) . ومسلم (1057) واللفظ له.(8/3241)
يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك. وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم» قال: «فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد إنّ الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك. فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله! إنّ هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله.
فقلت: والله لأخبرنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأتيته فأخبرته. فقال:
«فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى.
فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «2» .
من الآثار الواردة في (كظم الغيظ)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
من اتّقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون) * «3» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
«قدم عيينة بن حصن بن حذيفة على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا أو شبّانا فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) وإنّ هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3231) ، ومسلم (1795) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 6 (3150) واللفظ له، ومسلم (1062) .
(3) مختصر منهاج القاصدين (182) ، والإحياء (3/ 176) . وفيه زيادة أنه رضي الله عنه قال لابنه: يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك واعرف قدرك تنفعك معيشتك.
(4) البخاري- الفتح 8 (4642) .(8/3242)
4-* (جاء غلام لأبي ذرّ- رضي الله عنه- وقد كسر رجل شاة له فقال له: من كسر رجل هذه؟
قال: أنا فعلته عمدا لأغيظك فتضربني فتأثم. فقال:
لأغيظنّ من حرّضك على غيظي، فأعتقه) * «1» .
5-* (شتم رجل عديّ بن حاتم وهو ساكت، فلمّا فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك شيء فقل قبل أن يأتي شباب الحيّ، فإنّهم إن سمعوك تقول هذا لسيّدهم لم يرضوا) * «2» .
6-* (قال محمّد بن كعب- رحمه الله تعالى-:
ثلاث من كنّ فيه استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحقّ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له) * «3» .
7-* (قال رجل لوهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-: «إنّ فلانا شتمك، فقال: ما وجد الشّيطان بريدا غيرك!» ) * «4» .
8-* (أمر عمر بن عبد العزيز بضرب رجل ثمّ قرأ قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال لغلامه:
خلّ عنه) * «5» .
9-* (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ كظم الغيظ يحتاج إليه الإنسان إذا هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوّد ذلك مدّة صار ذلك اعتيادا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وحينئذ يوصف بالحلم) * «6» .
10-* (قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله-: الكاظم إذا كظم لعجز عن التّشفّي في الحال رجع إلى الباطن، فاحتقن فيه فصار حقدا وعلامة ذلك دوام بغض الشّخص، واستثقاله والنّفور منه) * «7» .
11-* (وذكر ابن كثير- رحمه الله- من صفات أصحاب الجنّة عند تفسير قوله تعالى وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ إلى قوله:
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ فقال: إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه وعفوا مع ذلك عمّن أساء إليهم) * «8» .
12-* (ذكر ابن كثير في سيرة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- أنّ رجلا كلّمه يوما حتّى أغضبه فهمّ به عمر ثمّ أمسك نفسه ثمّ قال للرّجل:
أردت أن يستفزّني الشّيطان بعزّة السّلطان فأنال منك ما تناله منّي غدا؟ قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك) * «9» .
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (183) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) الإحياء (3/ 176) .
(4) مختصر منهاج القاصدين (184) .
(5) الإحياء (3/ 173) .
(6) المرجع السابق (3/ 176) بتصرف.
(7) مختصر منهاج القاصدين بتصرف يسير (185) .
(8) تفسير ابن كثير (1/ 404) .
(9) البداية والنهاية (9/ 210) .(8/3243)
من فوائد (كظم الغيظ)
1- كظم الغيظ دليل قوّة النّفس وقهر شهوة الغضب.
2- كظم الغيظ دليل تقوى الله وإيثار وعده بالجنّة.
3- كاظم الغيظ يأمنه النّاس فيألفونه ويقتربون منه ولا يتحاشونه.
4- كظم الغيظ يشيع بين النّاس جوّ الصّفاء والوداد والحبّ والإخاء.
5- كظم الغيظ دليل الصّبر والعفو.
6- فيه عظم الثّواب يوم العرض على ربّ الأرباب.
7- الجزاء من جنس العمل، من ضيّق على نفسه حين الغضب وسّع الله في ثوابه.
8- من كظم غيظا ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة
9- كظم الغيظ عاقبته سكن الإيمان في النّفس.(8/3244)
كفالة اليتيم
الكفالة لغة:
مصدر قولهم: كفل به يكفل كفالة، وهو مأخوذ من مادّة (ك ف ل) الّتي تدلّ على تضمّن الشّيء للشّيء. يقول ابن فارس: ومن الباب الكفيل وهو الضّامن، والكافل، وهو الّذي يكفل إنسانا يعوله «1»
، وقال صاحب البصائر: الكفالة: الضّمان.
يقال: هو كافيه وكافله، وهو يكفيني ويكفلني: أي يعولني وينفق عليّ، وأكفلته إيّاه وكفّلته (بمعنى) ، وهو كفيل بنفسه وبماله.. والكافل: العائل والضّامن «2»
، والكافل (أيضا) الّذي لا يأكل أو يصل الصّيام، والجمع كفل وكفلاء. يقال: كفل بالرّجل يكفل كنصر ينصر، وكفل يكفل كضرب يضرب، وكفل يكفل ككرم يكرم، وكفل يكفل كعلم يعلم، والمصدر (من ذلك كلّه) كفلا وكفولة وكفالة «3»
. وقال
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
22/ 19/ 25
الرّاغب: يقال: تكفّلت بكذا وكفّلته إيّاه، وقد قرئت الآية الكريمة: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا (آل عمران/ 37) بالتّشديد «كفّلها» وبالتّخفيف «كفلها» «4»
فمن شدّد فعلى معنى كفّلها الله زكريّا (جعله كفيلا لها) ، ومن خفّف جعل الفعل لزكريّا والمعنى تضمّنها «5»
، قال قتادة أي ضمّها إليه، وقال أبو عبيدة: ضمن القيام بها، قال: ومن القبول الحسن والنّبات الحسن أن جعل الله تعالى كافلها والقيّم بأمرها وحفظها نبيّا، قيل: وإنّما كفلها زكريّا لأنّ أمّها هلكت وكان أبوها قد هلك وهي في بطن أمّها «6» .
وقال ابن منظور: يقال: تكفّلت بالشّيء ومعناه (كما قال ابن الأنباريّ) ألزمته نفسي وأزلت عنه الضّيعة والذّهاب، وهو مأخوذ من الكفل، وهو ما يحفظ الرّاكب من خلفه، والكفل أيضا: النّصيب وهو
__________
(1) مقاييس اللغة 5/ 187، والصحاح (كفل) .
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 306) ، ويلاحظ هنا أن الفيروزآبادي قد جعل الكافل يشمل معنى الكفيل أيضا وهو الضّامن، وذلك يختلف عما قال به الجوهري وابن فارس.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) قرأ الكوفيون (حمزة- عاصم- الكسائي) بالتشديد، وباقي السبعة (أبو عمرو وابن عامر ونافع وابن كثير) بالتخفيف (البحر المحيط (2/ 460) . وعلى قراءة التخفيف (زكرياء) بالمد والرفع فاعل.
(5) المفردات للراغب (656) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(8/3245)
مأخوذ من هذا، وفي حديث إبراهيم (النخعي) : لا تشرب من ثلمة الإناء ولا عروته فإنّها كفل الشّيطان أي مركبه لما يكون فيه من الأوساخ، والكفل من الرّجال: الّذي يكون في مؤخّر الحرب وهمّته في التّأخّر والفرار، والكفل (أيضا) الّذي لا يثبت على ظهور الخيل وجمعه أكفال، والكفل كذلك الحظّ والضّعف من الأجر أو الإثم «1» ، والكفل أيضا: المثل، وفي التّنزيل العزيز يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (الحديد/ 28) ؛ قيل معناه: يؤتكم ضعفين، وقيل مثلين، وقيل حظّين، قال القرطبيّ: أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام، وتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الرّاكب، وقيل أجر الدّنيا والآخرة «2» . وفي الحديث: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة، له ولغيره» الضّمير في له ولغيره راجع إلى الكافل أي أنّ اليتيم سواء كان الكافل من ذوي رحمه وأنسابه أو كان أجنبيّا لغيره، وقوله كهاتين إشارة إلى إصبعيه: السّبّابة والوسطى «3» .
ومن ذلك أيضا ما جاء في الحديث: «الرّابّ كافل» الرّابّ: زوج أمّ اليتيم لأنّه يكفل تربيته ويقوم بأمره مع أمّه «4» ، والمكفول من كفل في صغره ومن ذلك حديث وفد هوازن «وأنت خير المكفولين» يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن الأثير: المراد خير من كفل في صغره، وأرضع وربّي حتّى نشأ، وكان صلّى الله عليه وسلّم مسترضعا في بني سعد «5» .
اليتيم لغة:
اليتيم في اللّغة اسم على وزن فعيل مأخوذ من قولهم: يتم الصّبيّ ييتم يتما ويتما، قال الجوهريّ: اليتيم في النّاس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأمّ، يقال أيتمت المرأة فهي موتم أي صار أولادها أيتاما، وكلّ شيء مفرد يعزّ نظيره فهو يتيم، يقال: درّة يتيمة (تنبيها على أنّه قد انقطع مادّتها الّتي خرجت منها، ويقال بيت يتيم تشبيها بالدّرّة اليتيمة، وقولهم: يتّمهم الله أي جعلهم أيتاما «6» ، قال الفند الزّمّانيّ:
بضرب فيه تأييم ... وتيتيم وإرنان «7» .
وقال آخر يصف راميا أصاب أتانا (الأتان
__________
(1) لسان العرب (11/ 588- 589) ط. بيروت.
(2) تفسير القرطبي (17/ 266) .
(3) النهاية لابن الأثير (4/) ، 192
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) الصحاح (5/ 2064) .
(7) التأييم: جعل المرأة أيّما والجمع أيامى: وهي من فقدت زوجها، والإرنان: صوت الشّهيق مع البكاء (انظر اللسان 13/ 186) .(8/3246)
أنثى الحمار) وأيتم أطفالها:
فناط بها سهما شدادا غرارها ... وأيتمت الأطفال منها وجوبها «1» .
وقال ابن منظور: اليتم: الانفراد، واليتيم الفرد، واليتم واليتم فقدان الأب، ولا يقال لمن فقد الأمّ من النّاس يتيم ولكن منقطع، وقيل يسمّى عجيّ، والّذي فقد أبويه هو اللّطيم، وقال ابن خالويه: ينبغي أن يكون اليتم في الطّير من قبل الأب والأمّ معا لأنّهما كليهما يزقّان فراخهما، وقال المفضّل: أصل اليتم الغفلة، وبه سمّي اليتيم يتيما لأنّه يتغافل عن برّه. وقال أبو عمرو: اليتم: الإبطاء ومنه أخذ اليتيم لأنّ البرّ يبطىء عنه، ويقال للمرأة يتيمة، ولا يزول عنها اسم اليتم أبدا، وقال أبو عبيدة: تدعى يتيمة ما لم تتزوّج فإذا تزوّجت زال عنها اسم اليتم.
وأنشد المفضّل (الضّبّيّ) :
أفاطم إنّي هالك فتثبّتي ... ولا تجزعي، كلّ النّساء يتيم
وفي التّنزيل العزيز وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ (النساء/ 2) سمّوا يتامى بعد أن أونس منهم الرّشد «2» ، بالاسم الأوّل الّذي كان لهم قبل إيناسه منهم «3» . وقال ابن الأثير: وقد يطلق اليتم على الرّجل والمرأة بعد البلوغ كما كانوا يسمّون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو كبير: يتيم أبي طالب، لأنّه ربّاه بعد موت أبيه، ومن ذلك الحديث الشّريف «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها» أراد باليتيمة: البكر البالغة الّتي مات أبوها قبل بلوغها، فلزمها اسم اليتم فدعيت به وهي بالغة مجازا، وجاء في حديث الشّعبيّ: أنّ امرأة جاءت إليه فقالت: إنّي امرأة يتيمة، فضحك أصحابه، فقال: النّساء كلّهنّ يتامى أي ضعائف «4» .
وقد لخّص التهانويّ ما قيل في أصناف اليتم عندما قال: اليتيم إنسان بلا أب، وحيوان بلا أمّ، وجوهر بلا نظير «5» .
كفالة اليتيم اصطلاحا:
قال ابن حجر: كافل اليتيم: أي القيّم بأمره ومصالحه «6» ، وقال صاحب القاموس الفقهيّ: كافل اليتيم: هو القائم بأمر اليتيم المربّي له «7» ، وإذا كان
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 154) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 380) .
(2) يشير هنا إلى قوله سبحانه في نفس السورة في الآية السادسة فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ.
(3) لسان العرب (12/ 645) .
(4) النهاية لابن الأثير (5/ 292) .
(5) كشاف اصطلاحات الفنون (6/ 1544) ، وقد قمنا بترجمة عبارته من الفارسية إلى العربية (البركاوي) .
(6) فتح الباري (10/ 451) .
(7) القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب (322) .(8/3247)
اليتيم شرعا هو الصّغير الّذي فقد أباه «1» ، فإنّ كفالة اليتيم حينئذ تكون: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا.
كفالة اليتيم ترقق القلب:
لقد كان عليه الصّلاة والسّلام في نور نبوّته، وجلال رحمته يضمّ إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول:
«أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين» ويقول: «امسح رأس اليتيم ... » «2» . إنّه إنسان مقرور يهرؤه فقد الحنان، امسح رأسه، اقترب منه، ابتسم له، طيّب خاطره، أدخل البهجة على روحه الظّامئة، بكلمة، بلمسة، ببسمة، إنّ العلاقات الإنسانيّة تحقّق كلّ مجد لها حين تضفي على هذا اليتيم المحروم من حنانها ودفئها «3» .
محمد صلّى الله عليه وسلّم خير المكفولين:
في سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ما تطيب به خواطر اليتامى في كلّ زمان ومكان فقد توفّي والده قبل أن يولد ونشأ في كفالة جدّه عبد المطّلب يلقى من الرّعاية والعناية ما يعوّضه عن فقد أبيه، يقول ابن إسحاق:
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع جدّه عبد المطّلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطّلب فراش في ظلّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك، حتّى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، قال: (ابن إسحاق) : فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتي وهو غلام جفر، حتّى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه، ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطّلب إذا رأى منهم ذلك: دعوا ابني، فو الله، إنّ له لشأنا، ثمّ يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسرّه ما يراه يصنع «4» . وبعد أن توفّي عبد المطّلب وعمره صلّى الله عليه وسلّم قد جاوز الثّماني سنوات بقليل، انتقلت كفالته- أخذا بوصيّة جدّه- إلى عمّه الشّقيق أبي طالب «5» ، فنهض أبو طالب بحقّ ابن أخيه على أكمل وجه وضمّه إلى ولده، وقدّمه عليهم واختصّه بفضل احترام وتقدير، فكان لا ينام إلّا وهو إلى جواره ويصطحبه معه ما أمكنته الصّحبة «6» .
لقد كانت العرب تعرف ذلك وتحدّث به، وتعرف من وفاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمن قام بكفالته ما جعل خطيب وفد هوازن يخاطبه مستشفعا في أموال هوازن ونسائها قائلا: يا رسول الله: إنّما في الحظائر عمّاتك
__________
(1) القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب (322) ، ويقصد بالصغر عدم بلوغ الحلم في الذكور وعدم الزواج في الإناث.
(2) انظر الحديث رقم (1) ورقم (6) .
(3) كما تحدث الرسول- للأستاذ خالد محمد خالد (2/ 204- 205) .
(4) السيرة النبوية لابن هشام (1/ 194) .
(5) انظر: خاتم النبيين للشيخ أبي زهرة (1/ 166) ، والرحيق المختوم للمباركفوري (66) ، وقارن بالمراجع التي ذكرت هناك.
(6) المرجعان السابقان نفسهما، والصفحات نفسها.(8/3248)
وخالاتك وحواضنك اللّاتي كنّ يكفلنك ... وأنت خير المكفولين. وما كان من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن وفّى لمن كفله وقام برعايته حقّ كافليه قائلا: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» «1» ، وهكذا كان صلّى الله عليه وسلّم مضرب المثل في الوفاء والعرفان بالجميل.
[للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- البر- التعاون على البر والتقوى- تكريم الإنسان- تفريج الكربات- المواساة- العطف- الكرم- الحنان- الشفقة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- القسوة- الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- القسوة] .
__________
(1) انظر قصة وفد هوازن وما كان من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم، سيرة ابن هشام (4/ 128) .(8/3249)
الآيات الواردة في «كفالة اليتيم»
1-* إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «1»
2- وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) «2»
3-* وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) «3»
الآيات الواردة في «كفالة اليتيم» معنى
أولا: الإحسان إلى اليتامى من البر:
4-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4»
__________
(1) آل عمران: 33- 37 مدنية
(2) آل عمران: 42- 44 مدنية
(3) القصص: 12- 13 مكية
(4) البقرة: 177 مدنية(8/3250)
ثانيا: أمر الله- عز وجل- بالإحسان إلى اليتامى وإصلاح أحوالهم:
5- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «1»
6- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «2»
7-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3»
8- وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9)
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10) «4»
9-* وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «5»
ثالثا: حق اليتامى في أموال الغنائم والفيء:
10-* وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «6»
11- ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ
__________
(1) البقرة: 83 مدنية
(2) البقرة: 110 مدنية
(3) البقرة: 219- 220 مدنية
(4) النساء: 8- 10 مدنية
(5) النساء: 36 مدنية
(6) الأنفال: 41 مدنية(8/3251)
مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) «1»
رابعا: إكرام الله عز وجل لليتامى ونعيه على من لم يكرمهم:
12- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «2»
13- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «3»
14- وَالضُّحى (1)
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2)
ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7)
وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) «4»
15- أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) «5»
خامسا: الإقساط إلى اليتامى وعدم ظلمهم:
16- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) «6»
17- وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) «7»
__________
(1) الحشر: 7 مدنية
(2) الكهف: 82 مكية
(3) الفجر: 15- 20 مكية
(4) الضحى: 1- 11 مكية
(5) الماعون: 1- 7 مكية
(6) النساء: 2 مدنية
(7) النساء: 5 مدنية(8/3252)
18- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «1»
19- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152) «2»
20- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) «3»
سادسا: جزاء إكرام اليتيم:
21- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «4»
22- فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15)
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16)
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «5»
__________
(1) النساء: 127 مدنية
(2) الأنعام: 152 مكية
(3) الإسراء: 34 مكية
(4) الإنسان: 5- 12 مدنية
(5) البلد: 11- 18 مكية(8/3253)
الأحاديث الواردة في (كفالة اليتيم)
1-* (عن سهل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا» وأشار بالسّبّابة «1» والوسطى وفرّج بينهما شيئا) * «2» .
2-* (عن أبي أمامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلّا لله كان له بكلّ شعرة مرّت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين» وفرّق بين أصبعيه السّبّابة والوسطى) * «3» .
3-* (عن زينب امرأة عبد الله- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» قال: زينب. قال:
«أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. قال: «نعم، لها أجران «4» : أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أحرّج «6» حقّ الضّعيفين اليتيم والمرأة» ) * «7» .
5-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت:
قلت يا رسول الله، ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة؟
إنّما هم بنيّ. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقت عليهم» ) * «8» .
__________
(1) وفي رواية الكشميهني «بالسباحة» وهما بمعنى والسباحة: هي الأصبع التي تلي الإبهام، سميّت بذلك لأنها يسبّح بها في الصلاة، فيشار في التشهّد لذلك، وهي السبابة أيضا لأنها يسبّ بها الشيطان حينئذ.
(2) البخاري- الفتح 9 (5304) ، 10 (6005) واللفظ له، ومسلم (2983) ولفظه: «كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والوسطى.. ومعنى قوله «له أو لغيره» الذي له: أن يكون قريبا له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته، وغيرهم من أقاربه. والذي لغيره أن يكون أجنبيا.
(3) أحمد (5/ 250) ، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 190) : رواه أبو داود باختصار ورواه أحمد ورجاله رجال صحيح.
(4) ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة: أي أجر صلة الرحم وأجر منفعة الصدقة.
(5) البخاري- الفتح 5 (1466) واللفظ له، ومسلم (1000) .
(6) أحرج: المعنى: أحرج عن هذا الإثم، بمعنى أن يضيّع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. قاله النووي.
(7) أحمد (2/ 439) ، وابن ماجة برقم (3678) في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(8) البخاري- الفتح 3 (1467) واللفظ له، ومسلم (1001) .(8/3254)
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» . فقال رجل: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له:
ما شأنك تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟ فرأينا أنّه ينزل عليه. قال: فمسح عنه الرّحضاء فقال: «أين السّائل؟» - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلّا آكلة الخضراء، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت وبالت ورتعت. وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل- أو كما قال صلّى الله عليه وسلّم- وإنّ من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «1» .
7-* (عن السّائب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جيء بي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة- جاء بي عثمان بن عفّان وزهير- فجعلوا يثنون عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلموني به، قد كان صاحبي في الجاهليّة» . قال: قال نعم يا رسول الله، فنعم الصّاحب كنت. قال: فقال: «يا سائب: انظر أخلاقك الّتي كنت تصنعها في الجاهليّة فاجعلها في الإسلام: اقر الضّيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك» ) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير نساء ركبن الإبل «3» (قال أحدهما: صالح نساء قريش. وقال الآخر: نساء قريش) أحناه «4» على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده «5» » ) * «6» .
9-* (عن المستورد القرشىّ، أنّه قال عن عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس» . فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: لئن قلت ذلك، إنّ فيهم لخصالا أربعا:
إنّهم لأحلم النّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك) * «7» .
10-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى اللّيل» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1465) ، 6 (2842) .
(2) أحمد (3/ 425) . وأبو داود (4836) وصححه الألباني (3/ 917) .
(3) ركبن الإبل: أي نساء العرب، ولهذا قال أبو هريرة في الحديث: لم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط. والمقصود أن نساء قريش خير نساء العرب.
(4) أحناه: أي أشفقه. والحانية على ولدها: التي تقوم عليهم بعد يتم فلا تتزوج. فإن تزوجت فليست بحانية. والمعنى: أحناهن.
(5) ذات يده: أي شأنه المضاف إليه.
(6) مسلم (2527) .
(7) مسلم (2898) .
(8) أبو داود (2873) ، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني (7485) وفي إرواء الغليل (1231) . وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (11/ 642) : حسن بشواهده.(8/3255)
11-* (عن يزيد بن هرمز أنّ نجدة (بن عامر الحروريّ) «1» كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن خمس خلال. فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه «2» . كتب إليه نجدة: أمّا بعد. فأخبرني هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغزو بالنّساء؟ وهل كان يضرب لهنّ بسهم؟ وهل كان يقتل الصّبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟. فكتب إليه ابن عبّاس:
كتبت تسألني هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغزو بالنّساء؟
وقد كان يغزو بهنّ فيداوين الجرحى ويحذين «3» من الغنيمة. وأمّا بسهم فلم يضرب لهنّ. وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يقتل الصّبيان، فلا تقتل الصّبيان. وكتبت تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم «4» فلعمري إنّ الرّجل لتنبت لحيته وإنّه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها. فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ «5» النّاس فقد ذهب عنه اليتم. وكتبت تسألني عن الخمس «6» لمن هو؟ وإنّا كنّا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذاك «7» ) * «8» .
12-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم. قال، فقال: «كل من مال يتيمك «9» غير مسرف، ولا مباذر، ولا متأثّل «10» » ) * «11» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات» . قالوا:
يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات «12» المؤمنات الغافلات» ) * «13» .
14-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أباذرّ، إنّي أراك ضعيفا، وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، لا تأمّرنّ على اثنين،
__________
(1) هو من الخوارج.
(2) لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه: يعني أن ابن عباس يكرهه لبدعته، وهي كونه من الخوارج الذين يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّة. ولكن لما سأله عن العلم لم يمكنه كتمه فاضطر إلى جوابه.
(3) يحذين: أى يعطين الحذوة وهي العطية، وتسمّى الرضخ وهو العطية القليلة.
(4) متى ينقضي يتم اليتيم: أي متى ينتهي حكم يتمه. أما نفس اليتيم فإنه ينقضي بالبلوغ.
(5) فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ: أي فإذا صار حافظا لماله، عارفا بوجوه أخذه وعطائه.
(6) الخمس: أي خمس الغنيمة الذي جعله الله لذوي القربى.
(7) فأبى علينا قومنا ذاك: أي أن ولاة أمرنا من بني أمية رأوا أنه لا يتعيّن صرفه إلينا، بل في المصالح.
(8) مسلم (1812) .
(9) كل من مال يتيمك: حملوه على ما يستحقه من الأجرة، بسبب ما يعمل فيه ويصلح له.
(10) متأثل: أي متخذ منه أصل مال للتجارة ونحوها. وقال ابن الأثير: أي غير جامع.
(11) أبو داود (2872) ؛ والنسائي (3668) ولفظهما واحد؛ وابن ماجة (2718) ، وأحمد (2/ 186،) 215، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(12) المحصنات: العفائف.
(13) البخاري- الفتح 5 (2766) واللفظ له؛ ومسلم برقم (145) وفي روايته قدّم «أكل مال اليتيم» على «أكل الربا» .(8/3256)
ولا تولّينّ مال يتيم» ) * «1» .
15-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها- عن قول الله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء/ 3) فقالت: يابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليّها، تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ من الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل الله وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ- إلى قوله- وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ والّذي ذكر الله أنّه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى الّتي قال فيها وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ قالت عائشة:
وقول الله في الآية الأخرى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يعني هي رغبة أحدكم ليتيمته الّتي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها من يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ» ) * «2» .
16-* (عن ابن عبّاس قال: لمّا أنزل الله وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الإسراء/ 34) وإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى (النساء/ 10) الآيتين: انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشّيء من طعامه فيجلس له حتّى يأكله أو يفسد فيرمي به، فاشتدّ ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى ... الآية. فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم) * «3» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت عند أمّ سليم يتيمة، وهي أمّ أنس «4» .
فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليتيمة فقال: «آنت هيه؟ لقد كبرت، لا كبر سنّك» فرجعت اليتيمة إلى أمّ سليم تبكي. فقالت أمّ سليم: مالك يا بنيّة؟! قالت الجارية:
دعا عليّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يكبر سنّي. فالآن لا يكبر سنّي أبدا. أو قالت قرني «5» . فخرجت أمّ سليم مستعجلة تلوث خمارها «6» . حتّى لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) أخرجه مسلم (1826) ، والنسائي برقم (3667) ؛ قال القرطبي: «قوله (ضعيفا) أي عن القيام بما يتعين على الأمير من مراعاة مصالح الرعية الدنيوية والدينية، ووجه ضعفه عن ذلك أن الغالب عليه كان الزهد واحتقار الدنيا، ومن هذا حاله لا يعتني بمصالح الدنيا ولا أموالها اللذين بمراعاتهما تنتظم مصالح الدين ويتم أمره ... » .
(2) البخاري- الفتح 5 (2494) واللفظ له، ومسلم (3018) .
(3) أبو داود (2871) ، والنسائي (3669) .
(4) أم أنس: يعني أم سليم.
(5) قرني: السن والقرن واحد.
(6) تلوث خمارها: أي تديره على رأسها.(8/3257)
فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مالك يا أمّ سليم!» فقالت:
يا نبيّ الله، أدعوت على يتيمتي؟. قال: «وما ذاك يا أمّ سليم؟» قالت: زعمت أنّك دعوت أن لا يكبر سنّها ولا يكبر قرنها. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال:
«يا أمّ سليم، أما تعلمين أنّ شرطي على ربّي، أنّي اشترطت على ربّي فقلت: إنّما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر. وأغضب كما يغضب البشر. فأيّما أحد دعوت عليه من أمّتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقرّبه بها منه يوم القيامة» ) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (كفالة اليتيم)
18-* (عن عمران بن حصين قال: كنت مع نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في مسير له فأدلجنا ليلتنا. حتّى إذا كان في وجه الصّبح عرّسنا، فغلبتنا أعيننا حتّى بزغت الشّمس. قال: فكان أوّل من استيقظ منّا أبو بكر، وكنّا لا نوقظ نبّيّ الله صلّى الله عليه وسلّم من منامه إذا نام حتّى يستيقظ، ثمّ استيقظ عمر، فقام عند نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يكبّر ويرفع صوته بالتّكبير حتّى استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا رفع رأسه ورأى الشّمس قد بزغت قال: «ارتحلوا» فسار بنا، حتّى إذا ابيضّت الشّمس، نزل فصلّى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصلّ معنا، فلمّا انصرف قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا فلان، ما منعك أن تصلّي معنا؟» قال: يا نبيّ الله، أصابتني جنابة، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتيمّم بالصّعيد، فصلّى، ثمّ عجّلني في ركب بين يديه، نطلب الماء، وقد عطشنا عطشا شديدا. فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة «2» .
رجليها بين مزادتين «3» . فقلنا لها: أين الماء؟ قالت:
أيهاه. أيهاه «4» . لا ماء لكم. قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: مسيرة يوم وليلة. قلنا: انطلقي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: ومن رسول الله؟ فلم نملّكها من أمرها شيئا «5» . حتّى انطلقنا بها، فاستقبلنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألها فأخبرته مثل الّذي أخبرتنا، وأخبرته أنّها موتمة «6» ، لها صبيان أيتام. فأمر براويتها «7» ،
__________
(1) مسلم (2603) .
(2) سادلة: أي مرسلة مدلية.
(3) مزادتين: المزادة: أكبر من القربة، والمزادتان: حمل بعير، وسميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غيرها.
(4) أيهاه. أيهاه: بمعنى هيهات. هيهات، ومعناها البعد عن المطلوب واليأس منه.
(5) لم نملكها من أمرها شيئا: أي لم نخلها وشأنها حتى تملك أمرها.
(6) موتمة: أي ذات أيتام.
(7) براويتها: الراوية هي الجمل الذي يحمل الماء وقد يسمّى مزادة.(8/3258)
فأنيخت، فمجّ في العزلاوين العلياوين «1» ، ثمّ بعث براويتها، فشربنا، ونحن أربعون رجلا عطاش حتّى روينا. وملأنا كلّ قربة معنا وإداوة، وغسلنا صاحبنا «2» ، غير أنّا لم نسق بعيرا، وهي تكاد تنضرج «3» . من الماء (يعني المزادتين) ثمّ قال: «هاتوا ما كان عندكم» فجمعنا لها من كسر «4» وتمر، وصرّ لها صرّة «5» ، فقال لها: «اذهبي فأطعمي هذا عيالك، واعلمي أنّا لم نرزأ «6» من مائك» . فلمّا أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر. أو إنّه لنبيّ كما زعم.
كان من أمره ذيت وذيت «7» . فهدى الله ذاك الصّرم «8» بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا» ) * «9» .
19-* (عن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: «فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة ... » وفيه: أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» قالها ثلاث مرار.
قال (أي عبد الله بن جعفر) فجاءت أمّنا فذكرت له يتمنا، وجعلت تفرح له، فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليّهم في الدّنيا والآخرة؟» ) * «10» .
__________
(1) فمج في العزلاوين العلياوين: المج: زرق الماء بالفم. والعزلاء: هو المثعب الأسفل للمزادة الذي يفرغ منه الماء، ويطلق أيضا على فمها الأعلى.
(2) وغسلنا صاحبنا: يعني الجنب، أعطيناه ما يغتسل به.
(3) تنضرج من الماء: أي تنشق.
(4) كسر: جمع كسرة وهي القطعة من الشيء المكسور.
(5) وصرّ لها صرة: أي شد ما جمعه لها في لفافة.
(6) لم نرزأ: لم ننقص من مائك شيئا.
(7) ذيت وذيت: بمعنى كيت وكيت وكذا وكذا.
(8) الصرم: أبيات مجتمعة.
(9) البخاري- الفتح 6 (3571) ، ومسلم (682) واللفظ له.
(10) أحمد (1/ 204، 205) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح؛ وهو في مجمع الزوائد (6/ 156- 157) ، وقال: روى أبو داود وغيره بعضه.(8/3259)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (كفالة اليتيم)
1-* (قال ابن بطّال: حقّ على من سمع هذا الحديث- يعني قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم-: «أنا وكافل اليتيم الحديث» - أن يعمل به ليكون رفيق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك) * «1» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: إنّي أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة وليّ اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت أخذت منه بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت) * «2» .
3-* (جاء رجل إلى ابن عبّاس فقال: «إنّ في حجري أيتاما، وإنّ لهم إبلا فماذا يحلّ لى من ألبانها؟
فقال: إن كنت تبغي ضالّتها، وتهنا جرباها، وتلوط حوضها، وتسعى عليها فاشرب غير مضرّ بنسل ولا ناهك في الحلب) * «3» .
4-* (عن ابن عبّاس قال: إنّ ناسا يزعمون أنّ هذه الآية نسخت وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ ... (النساء/ 8) الآية. ولا والله ما نسخت، ولكنّه ممّا تهاون به النّاس، هما واليان: وال يرث فذاك الّذي يرزق ويكسو، ووال ليس بوارث فذاك الّذي يقول قولا معروفا. يقول: إنّه مال يتيم وماله فيه شيء) * «4» .
5-* (وعن ابن عبّاس في هذه الآية قال: أمر الله المؤمنين عند قسمة مواريثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم ومساكينهم من الوصيّة إن كان أوصى لهم، فإن لم يكن لهم وصيّة وصل إليهم من مواريثهم) * «5» .
6-* (عن ابن عبّاس في قوله تعالى: ... وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ... الآية. قال: وليّ اليتيم إن كان غنيّا فليستعفف، وإن كان فقيرا أخذ من فضل اللّبن وأخذ بالقوت لا يجاوزه، وما يستر عورته من الثّياب، فإن أيسر قضاه، وإن أعسر فهو في حلّ) * «6» .
7-* (وعن ابن عبّاس في هذه الآية أيضا قال:
إن كان غنيّا فلا يحلّ له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، وإن كان فقيرا فليستقرض منه، فإذا وجد ميسرة فليعطه ما استقرض منه فذلك أكله بالمعروف) * «7» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت في قوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أنزلت في وليّ اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان محتاجا بقدر ماله بالمعروف) * «8» .
__________
(1) الفتح (10/ 451) .
(2) الدر المنثور (4/) 436 وانظر: «التفسير المأثور عن عمر ابن الخطاب» جمع وتعليق إبراهيم بن حسن (ط. الدار العربية للكتاب (277) .
(3) الدر المنثور (4/) 437
(4) المرجع السابق (4/ 440) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق (4/ 436) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) البخاري- الفتح (5/ 460) ، واللفظ له، ومسلم (3019) ولفظه (ولي اليتيم) .(8/3260)
9-* (قال ابن الجوزيّ في قوله تعالى:
... وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ في الأكل بالمعروف أربعة أقوال:
أحدها: أنّه الأخذ على وجه القرض، وهو مرويّ عن عمر، وابن عبّاس، وابن جبير، وأبي العالية، وعبيدة، وأبي وائل، ومجاهد، ومقاتل.
والثّاني: الأكل بمقدار الحاجة من غير إسراف، وهذا مرويّ عن ابن عبّاس والحسن وعكرمة وعطاء والنّخعيّ وقتادة والسّدّيّ.
والثّالث: أنّه الأخذ بقدر الأجرة إذا عمل لليتيم عملا. روي عن ابن عبّاس وعائشة.
والرّابع: أنّه الأخذ عند الضّرورة فإن أيسر قضاه، وإن لم يوسر فهو في حلّ. وهذا قول الشّعبيّ) * «1» .
10-* (عن نافع قال: ما ردّ ابن عمر على أحد وصيّته. وكان ابن سيرين أحبّ الأشياء إليه في مال اليتيم أن يجتمع إليه نصحاؤه وأولياؤه فينظروا الّذي هو خير له. وكان طاوس إذا سئل عن شيء من أمر اليتامى قرأ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.
وقال عطاء في يتامى الصّغير والكبير: ينفق الوليّ على كلّ إنسان بقدره من حصّته) * «2» .
11-* (عن الضّحاك عن ابن عبّاس في قوله تعالى: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي يدفعه عن حقّه) * «3» .
12-* (وقال قتادة في الآية السّابقة يدعّ اليتيم: يقهره ويظلمه) * «4» .
13-* (عن سعيد بن جبير قال: بعث الله محمّدا صلّى الله عليه وسلّم والنّاس على أمر جاهليّتهم إلّا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه، فكانوا يسألون عن اليتامى ولم يكن للنّساء عدد ولا ذكر، فأنزل الله وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ الآية.
وكان الرّجل يتزوّج ما شاء فقال: كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النّساء أن لا تعدلوا فيهنّ، فقصرهم على الأربع) * «5» .
14-* (قال الشّنقيطيّ في قوله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى الآية: ويؤخذ من هذه الآية الكريمة- أيضا- أنّ من كان في حجره يتيمة لا يجوز له نكاحها إلّا بتوفيته حقوقها كاملة، وأنّه يجوز نكاح أربع، ويحرم الزّيادة عليها، كما دلّ على ذلك أيضا إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف الضّالّ) * «6» .
15-* (عن سعيد بن جبير قال: إنّ رجلا من غطفان، كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلمّا بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عنه، فخاصمه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (2/ 16) وابن حجر في الفتح (5/ 461) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2767) .
(3) القرطبي (20/ 211) .
(4) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(5) الدر المنثور (4/) ، 428
(6) أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (4/ 369) .(8/3261)
فنزلت وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ يعني الأوصياء، يقول: أعطوا اليتامى أموالهم، وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ يقول: لا تتبدّلوا الحرام من أموال النّاس بالحلال من أموالكم. يقول: لا تبذّروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام) * «1» .
16-* (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى:
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. اليتيم: هو من قول العرب:
درّة يتيمة، إذا لم يكن لها مثل، فمجاز الآية: ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك، فآواك الله بأصحاب يحفظونك ويحوطونك) * «2» .
17-* (قال مجاهد في قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (الضحى/ 9) : لا تحتقره. وقال ابن سلام:
لا تستذلّه. وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله. وقال الفرّاء: لا تمنعه حقّه. والقهر: هو التّسليط بما يؤذي) * «3» .
18-* (وقال القرطبيّ في تفسير الآية السّابقة: أي لا تسلّط عليه بالظّلم، ادفع إليه حقّه، واذكر يتمك. قال: وخصّ اليتيم؛ لأنّه لا ناصر له غير الله تعالى، فغلّظ فى أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه ...
ودلّت الآية على اللّطف باليتيم، وبرّه والإحسان إليه، حتّى قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرّحيم) * «4» .
19-* (قال أبو حيّان في قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى/ 9- 11) : ويظهر أنّه لمّا تقدّم ذكر الامتنان عليه صلّى الله عليه وسلّم بذكر الثّلاثة أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى * وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أمره بثلاثة: فذكر اليتيم أوّلا، وهي البادية، ثمّ ذكر السّائل ثانيا وهو العائل، وكان أشرف ما امتنّ به عليه هي الهداية) * «5» .
20-* (قال ابن كثير في قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (الماعون/ 1- 2) يقول تعالى أرأيت يا محمّد الّذي يكذّب بالدّين وهو المعاد والجزاء والثّواب فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي هو الّذي يقهر اليتيم ويظلمه حقّه، ولا يطعمه، ولا يحسن إليه) * «6» .
21-* (قال القرطبيّ في تفسير سورة الماعون:
نزلت في العاص بن وائل السّهميّ، وقيل: في رجل من المنافقين، وقيل: في الوليد بن المغيرة، وقيل: في أبي جهل، وقيل: في عمرو بن عائذ. وقال ابن جريج، نزلت في أبي سفيان، وكان ينحر في كلّ أسبوع جزورا، فطلب منه يتيم شيئا فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السّورة) * «7» .
22-* (قال أبو حيّان في قوله تعالى: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ*
__________
(1) الدر المنثور (4/ 425) .
(2) تفسير القرطبي (20/ 96) .
(3) البحر المحيط (8/ 482) .
(4) تفسير القرطبي (20/ 100) .
(5) البحر المحيط (4/ 482) .
(6) تفسير ابن كثير (4/ 592) .
(7) تفسير القرطبي (20/ 210) .(8/3262)
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (الفجر 17- 20) : (كلّا) ردع للإنسان عن قولهم، ثمّ قال: بل هنا شرّ من هذا القول، وهو أنّ الله تعالى يكرمهم بكثرة المال فلا يؤدّون فيه ما يلزمهم من إكرام اليتيم بالتّفقّد والمبرّة، وحضّ أهله على إطعام المسكين، ويأكلونه أكل الأنعام، ويحبّونه فيشحّون به) * «1» .
23-* (قال أبو حيّان: قال المفسّرون في قوله تعالى: ... وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ... الآية (آل عمران/ 37) : إنّ حنّة حين ولدت مريم لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النّذيرة، فتنافسوا فيها، لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم، فقال لهم زكريّا: «أنا أحقّ بها، عندي خالتها» ، فقالوا: لا، حتّى نقترع عليها، فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر، قيل:
هو نهر الأردنّ، وهو قول الجمهور، وقيل: في عين ماء كانت هناك فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريّا، ورسبت أقلامهم فتكفّلها، قيل: واسترضع لها، وقال الحسن: لم تلتقم ثديا قطّ، وقال عكرمة: ألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريّا عكس جرية الماء، ومضت أقلامهم مع جرية الماء، وقيل: عامت مع الماء معروضة وبقي قلم زكريّا واقفا كأنّما ركز في طين.
قال ابن اسحاق: إنّ زكريّا كان تزوّج خالتها، لأنّه وعمران كانا سلفين على أختين، ولدت امرأة زكريّا يحيى، وولدت امرأة عمران مريم. وقال السّدّيّ وغيره:
كان زكريّا تزوّج ابنة أخرى لعمران، ويعضّد هذا القول قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في يحيى وعيسى «ابنا الخالة» وقيل: إنّما كفلها لأنّ أمّها هلكت، وكان أبوها قد هلك وهي في بطن أمّها) * «2» .
24-* (قيل لمحمّد بن جعفر الصّادق: لم أوتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أبويه؟ فقال: لئلّا يكون لمخلوق عليه حق) * «3» .
25-* (قال النّيسابوريّ: قال أهل التّحقيق:
الحكمة في يتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعرف قدر الأيتام، فيقوم بأمرهم، وأن يكرم اليتيم المشارك له في الاسم) * «4» .
__________
(1) البحر المحيط (8/ 466) .
(2) تفسير الطبري المجلد الثالث (3/ 163، 164) ، والقرطبي (4/ 71) ، والبحر المحيط (2/ 460) والنص منه.
(3) تفسير القرطبي (20/ 96) .
(4) غرائب القرآن ورغائب الفرقان- بهامش تفسير الطبري (30/ 111) .(8/3263)
من فوائد (كفالة اليتيم)
(1) صحبة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، وكفى بذلك شرفا وفخرا.
(2) كفالة اليتيم صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء (أجر الصّدقة وأجر القرابة) .
(3) كفالة اليتيم والإنفاق عليه دليل طبع سليم وفطرة نقيّة.
(4) كفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقّق القلب ويزيل عنه القسوة.
(5) كفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير العميم في الدّنيا فضلا عن الآخرة.
(6) كفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهيّة، وتسوده روح المحبّة والودّ.
(7) في إكرام اليتيم والقيام بأمره إكرام لمن شارك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبّته صلّى الله عليه وسلّم.
(8) كفالة اليتيم تزكي المال وتطهّره وتجعله نعم الصّاحب للمسلم.
(9) كفالة اليتيم من الأخلاق الحميدة الّتي أقرّها الإسلام وامتدح أهلها «1» .
(10) كفالة اليتيم دليل على صلاح المرأة إذا مات زوجها فعالت أولادها وخيريّتها في الدّنيا وفوزها بالجنّة ومصاحبة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الآخرة.
(11) في كفالة اليتيم بركة تحلّ على الكافل وتزيد من رزقه.
__________
(1) انظر الحديث رقم (9) .(8/3264)
الكلم الطيّب
الكلم لغة:
جمع كلمة «1» ، وقيل: اسم جنس جمعيّ «2» ، واحده كلمة أمّا الكلام فهو اسم جنس إفراديّ يقع على القليل والكثير، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ك ل م) الّتي تدلّ على معنيين أصليّين:
الأوّل: نطق مفهم، والآخر: الجرح.
ومن الأوّل: الكلام، تقول: كلّمته تكليما، وهو كليمي إذا كلّمك أو كلّمته.
قال ابن فارس: ثمّ يتّسعون فيسمّون اللّفظة الواحدة المفهمة كلمة، والقصّة كلمة، والقصيدة بطولها كلمة، ويجمعون الكلمة كلمات وكلما، ومن الأصل الآخر قولهم: الكلم الجرح، والكلام الجراحات، وجمع الكلم كلوم، ورجل كليم (مجروح) ، والجمع كلمى «3» .
وقد أرجع بعض العلماء معنى الكلام إلى معنى الجرح، وفي ذلك يقول ابن الجوزيّ: الكلام الّذي هو قول من هذا (أي من معنى الجرح) وإنّما سمّي بذلك
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
74/ 18/ 51
لأنّه يشقّ الأسماع بوصوله إليها كما يشقّ الكلم الّذي هو الجرح الجلد واللّحم، وقيل: سمّي بذلك لتشقيقه المعاني المطلوبة من أنواع الخطاب وأقسامه «4» . وقد جمع الرّاغب بين المعنيين (القول والجرح) في أمر واحد هو التّأثير عندما قال: تدلّ المادّة على التّأثير المدرك بإحدى الحاسّتين السّمع أو البصر، فالكلام والكلمة ونحوهما يدرك بحاسّة السّمع والكلم أي الجرح يدرك بحاسّة البصر «5» .
وقال الجوهريّ: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، أمّا الكلم فلا يكون أقلّ من ثلاث كلمات، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلم من العربيّة «6» ، ولم يقل ما الكلام، فجاء بما لا يكون إلّا جمعا.
وحكى الفرّاء في الكلمة ثلاث لغات: كلمة (وهي لغة الحجاز) وكلمة (وهي لغة تميم) ، وكلمة (لبعض العرب) ، وذلك مثل كبد، وكبد وكبد، والفعل من ذلك: كلّمته تكليما وكلّاما مثل: كذّبته تكذيبا وكذّابا، وتكلّمت كلمة وبكلمة «7» ، وكالمته إذا جاوبته، وتكالمنا بعد التّهاجر. يقال: كانا متصارمين فأصبحا
__________
(1) ممّن قال بأنه جمع: الجوهري في الصحاح (5/ 2023) ، وابن فارس في المقاييس (5/ 121) .
(2) ممّن قال بأنه اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا ابن هشام في أوضح المسالك (1/ 12) ، وابن عقيل في شرحه على الألفية (1/ 15) ، والفرق بين اسم الجنس الجمعي والإفرادي أنّ الأول يدلّ على أكثر من اثنين، أمّا الآخر فقد يدلّ على القليل والكثير وذلك مثل ماء- ذهب- كلام ... إلخ.
(3) مقاييس اللغة (5/ 121) .
(4) نزهة الأعين النواظر (523) .
(5) المفردات للراغب (66) بتصرف يسير، وإلى مثل هذا ذهب الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز (4/ 376) .
(6) انظر الكتاب لسيبويه- تحقيق عبد السلام هارون (1/ 6) .
(7) يشير الجوهري بذلك إلى أنّ الفعل «تكلّم» يتعدّى بالباء وبنفسه.(8/3265)
يتكالمان، وقولهم ما أجد متكلّما أي موضع كلام، والكلمانيّ: المنطيق «1» ، وقد ذكر الفيروز آباديّ للكلام معاني عديدة فالكلام (عنده) : إمّا القول (مطلقا) ، أو ما كان مكتفيا بنفسه (وهو الجملة) ، أو الكلام: ما كان ألفاظا منظومة تحتها معان مجموعة «2» .
وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان كما في قول الشّاعر:
فصبّحت والطّير لم تكلّم ... جابية حفّت بسيل مفعم
قال ابن منظور: وكأنّ الكلام في هذا الاتّساع محمول على القول، ألا ترى إلى قلّة الكلام وكثرة القول «3» ، وقال أيضا: القرآن كلام الله، وكلم الله وكلماته وكلمته، وكلام الله لا يحدّ ولا يعدّ، وهو غير مخلوق، تعالى الله عمّا يقول المفترون علوّا كبيرا «4» ، وكلمات الله التّامّات، قال ابن الأثير: قيل: المراد بها القرآن، وإنّما وصف كلامه بالتّمام لأنّه لا يجوز في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام النّاس، وقيل معنى التّمام هنا أنّها تنفع المتعوّذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه، أمّا ما جاء في قوله: (سبحان الله عدد كلماته) فكلمات الله كلامه، وهو صفته، وصفاته تعالى لا تنحصر وذكر العدد هنا مبالغة في الكثرة، وقيل يحتمل أن يكون المراد عدد الأذكار، أو عدد الأجور على ذلك «5» .
لفظ الكلمات في القرآن الكريم:
ورد لفظ الكلمات في القرآن الكريم في سياقات عديدة ومعان مختلفة منها:
1- الكلمات الّتي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليه السّلام، وهي الواردة في قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (البقرة/ 124) ، وقد اختلف المفسّرون في المراد بها اختلافات كثيرة، فقيل المراد بها شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهما، عشرة منها في سورة براءة (التّوبة/ 112) وهي قوله عزّ وجلّ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وعشرة في (الأحزاب) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ إلى قوله تعالى أَجْراً عَظِيماً (الآية/ 35) ، وعشرة في (المومنون) من أوّلها إلى قوله سبحانه يُحافِظُونَ (الآيات/ 1- 9) .
وسَأَلَ سائِلٌ (المعارج) الآيات 22/ 34 من أوّل قوله إِلَّا الْمُصَلِّينَ إلى قوله يُحافِظُونَ، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما-: ما ابتلى الله أحدا بهنّ فقام بها كلّها إلّا إبراهيم عليه السّلام، ابتلي بالإسلام فأتمّه فكتب الله له البراءة، وقال بعضهم: الكلمات (هنا) ما أمر به أو نهي عنه، وقيل ابتلي بذبح ابنه، وقال بعضهم: ابتلي بأداء الرّسالة، قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- والمعنى في ذلك متقارب «6» .
__________
(1) الصحاح (5/ 2023) .
(2) بتصرف عن بصائر ذوي التمييز (4/ 377) .
(3) لسان العرب (12/ 523) .
(4) النهاية (4/ 199، 1/ 197) .
(5) المرجع السابق (4/ 198) .
(6) تفسير القرطبي (2/ 9) ، وقد ذكر آراء أخرى، تنظر تفصيلا في الموضع المذكور.(8/3266)
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: اختلف في تعيين الكلمات، فقال قتادة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- ابتلاه الله بالمناسك، وقيل بالطّهارة:
خمس في الرّأس وخمس في الجسد، فأمّا الّتي في الرّأس فهي قصّ الشّارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسّواك، وفرق الرّأس، وأمّا الّتي في الجسد فتقليم الأظافر، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء (الاستنجاء) «1» .
وقيل غير ذلك «2» .
2- الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه، وذلك قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة/ 37) ، قال الزّجّاج:
المراد- والله أعلم- اعتراف آدم وحوّاء بالذّنب لأنّهما قالا: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (الأعراف/ 23) «3» . وقال الحسن: هي قوله: ألم تخلقني بيدك؟ ألم تسكنّي جنّتك؟ ألم تسجد لي ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك أرأيت إن تبت كنت معيدي إلى الجنّة؟ قال:
نعم، وقيل هي الأمانة المعروضة على السّموات والأرض «4» . قال أبو حيّان: ومعنى تلقّي الكلمات:
أخذها وقبولها، أو الفهم، أو الفطانة، أو الإلهام، أو التّعلّم، أو العمل بها «5» .
3- الكلمات بمعنى القرآن ومنه قول الله تعالى (في الأعراف/ 158) يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ «6» .
4- الكلمات بمعنى علم الله وعجائبه، ومن ذلك قوله سبحانه (في الكهف/ 109) قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي «7» .
5- الكلمات مرادا بها الدّين «8» ، وذلك قوله عزّ وجلّ (في الأنعام/ 115) لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «9» .
6- الكلمات مرادا بها الحجج، وذلك قوله تعالى وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ (الشورى/ 24) «10» .
لفظ الكلمة في القرآن الكريم:
ذكر المفسّرون وعلماء الوجوه والنّظائر للكلمة في القرآن الكريم معاني عديدة منها:
1- الكلمة يراد بها «لا إله إلّا الله» وذلك كما في قوله تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (التوبة/ 40) «11» .
__________
(1) اقتصر ابن منظور في اللسان (12/ 524) ؛ وابن الجوزي في نزهة الأعين النواظر (524) على هذه الخصال العشر في تفسير معنى الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام.
(2) تفسير ابن كثير (1/ 171) .
(3) لسان العرب (12/ 524) .
(4) بصائر ذوي التمييز (4/ 378) .
(5) تفسير البحر المحيط (1/ 318) ، وقد ذكر آراء عديدة في معنى «الكلمات» التي تلقاها آدم، تنظر هناك.
(6) بصائر ذوي التمييز (514) .
(7) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(8) نزهة الأعين النواظر (525) .
(9) قال الفيروزآبادي: عني بالكلمات هنا الآيات والمعجزات، ونبه بذلك إلى أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ، وقيل ردّ لقولهم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ (يونس/ 15) . وقيل: أريد بها الأحكام (بصائر ذوي التمييز 4/ 378- 379) .
(10) بصائر ذوي التمييز (4/ 379) .
(11) نزهة الأعين النواظر (525) .(8/3267)
2- الكلمة يراد بها قول «كن» ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ (النساء/ 171) «1» .
3- الكلمة يراد بها القضيّة وذلك كما في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ (الأنعام/ 115) ، قال الفيروزآباديّ: وكلّ قضيّة تسمّى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، وفي هذا إشارة إلى نحو قوله عزّ وجلّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة/ 3) . وقيل: إشارة إلى ما قاله صلّى الله عليه وسلّم:
«أوّل ما خلق الله القلم فقال له: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة» ، وقيل: الكلمة هي القرآن «2» .
4- الكلمة في قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ (الأعراف/ 137) ، هي قوله عزّ وجلّ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ (القصص/ 5) «3» .
5- الكلمة في قوله سبحانه وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (طه/ 129) يراد بها قوله سبحانه وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء/ 15) ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: لولا الكلمة السّابقة من الله وهو أنّه لا يعذّب أحدا إلّا بعد قيام الحجّة عليه والأجل المسمّى الّذي ضربه الله لهؤلاء المكذّبين إلى مدّة معيّنة لجاءهم العذاب بغتة «4» .
الكلم والكلام والكلمة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الكلام: ما تضمّن كلمتين بالإسناد «5» (أي إسناد إحداهما إلى الأخرى) وذلك كما في قولنا: الله رحيم.
والكلمة: هي اللّفظ الموضوع لمعنى مفرد «6» (كقولنا: محمّد، أسد ... إلخ) .
وقال المناويّ: الكلام: إظهار ما في الباطن على الظّاهر لمن يشهد ذلك الظّاهر على نحو من أنحاء الإظهار، وهو في اصطلاح النّحاة: المعنى المركّب الّذي فيه الإسناد التّامّ، وعبّر عنه أيضا بأنّه ما تضمّن من الكلام إسنادا مفيدا مقصودا لذاته «7» .
وقال ابن الجوزيّ: الكلام عند النّحويّين لا يطلق إلّا على المفيد فإن أوقعوه على غير المفيد قيّدوه بصفة فقالوا: كلام مهمل، وكلام متروك ... إلخ «8» .
وقال ابن عقيل: الكلام: هو اللّفظ المفيد فائدة يحسن السّكوت عليها، ولا يتركّب إلّا من اسمين مثل:
زيد قائم، أو اسم وفعل مثل قام زيد. وهو في اصطلاح اللّغويّين: اسم لكلّ ما يتكلّم به مفيدا كان أو غير مفيد.
والكلم: ما تركّب من ثلاث كلمات فأكثر
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (525) .
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 378) .
(3) المرجع السابق (4/ 379) ، تفسير القرطبي (7/ 272) .
(4) تفسير ابن كثير (3/ 178) ، وقال الفيروز آبادي: هذه الآية إشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضته كلمته وأنه لا تبديل لكلماته، انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 379) .
(5) التعريفات (194) .
(6) السابق، الصفحة نفسها، وانظر التوقيف على مهمات التعاريف (283) .
(7) التوقيف على مهمات التعاريف (283) .
(8) نزهة الأعين النواظر (523) ، قال ابن الجوزي: أمّا عند أهل اللغة فإنهم يطلقونه على المفيد وعلى غير المفيد.(8/3268)
(سواء أفاد أو لم يفد) «1» .
وقال الكفويّ: الكلمة: تقع على واحد من الأنواع الثلاثة: الاسم والفعل والحرف وتقع على الألفاظ المنظومة والمعاني المجموعة، ولهذا استعملت في القضيّة والحكم والحجّة، وبجميع هذه المعاني ورد التّنزيل «2» ، ومن استعمالها في معنى الكلام كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (التوبة/ 40) أي كلامه، ومن ذلك ما جاء في الحديث: «الكلمة الطّيّبة صدقة» أي الكلام.
والكلمة (أيضا) لفظ بالقوّة أو بالفعل مستقلّ دالّ بجملته (أي بجملة حروفه) على معنى بالوضع «3» .
والكلام: في اصطلاح الفقهاء: هو ما تركّب من حرفين فصاعدا، وعلى ذلك فالحرف الواحد ليس بكلام فلا يفسد الصّلاة، والحرفان يفسدانها ويشترط في الكلام القصد، ومن ثمّ لا يسمّى ما ينطق به النّائم والسّاهي وما تحكيه الحيوانات المعلّمة كلاما «4» . ثمّ قال- رحمه الله تعالى- والكلام في العرف: صوت مقتطع مفهوم يخرج من الفم، أمّا الكلام عند أهل الكلام (أي علماء التّوحيد) : ما يضادّ السّكوت سواء كان مركّبا أو لا، مفيدا فائدة تامّة أو لا «5» ، وهو عند أهل العروض: ما تضمّن كلمتين أو أكثر سواء حسن السّكوت عليه أو لا، مع الدّلالة على معنى صحيح.
أمّا الكلم: فهو جنس الكلمة وحقّه أن يقع على الكثير والقليل ولكن غلب على الكثير ولم يقع إلّا على ما فوق الاثنين «6» .
وأمّا التّكلّم: فهو استخراج اللّفظ من العدم إلى الوجود ويعدّى بنفسه (فيقال: تكلّمته) ، وبالباء (فيقال تكلّمت به) «7» .
القول والكلام واللفظ:
قال الكفويّ: القول والكلام واللّفظ من حيث أصل اللّغة بمعنى (واحد) يطلق على كلّ حرف من حروف المعجم (أي حروف المباني مثل الضّاد في ضرب مثلا) أو من حروف المعاني (مثل في ومن) ، وعلى أكثر من ذلك مفيدا كان أو لا، لكنّ القول اشتهر في المفيد، بخلاف اللّفظ، واشتهر الكلام في المركّب من جزءين فصاعدا، ولفظ القول يقع على الكلام التّامّ وعلى الكلمة الواحدة على سبيل الحقيقة، ولفظ الكلمة مختصّ بالمفرد «8» .
وقال ابن عقيل: القول يعمّ الجميع أي الكلمة والكلام والكلم «9» . وقال أبو الفتح ابن جنّي: القول:
كلّ ما مذل به اللّسان تامّا كان أو ناقصا «10» . وقال ابن الجوزيّ: القول والكلام واحد، قال: وقد فرّق قوم بين الكلام والقول فقالوا: كلّ كلام قول، وليس كلّ
__________
(1) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/ 14، 15) .
(2) انظر معاني الكلمة في القرآن الكريم في الفقرة السابقة، ويضاف إليها ما ذكره الكفويّ هنا من أن كلمة التقوى هي: «بسم الله الرحمن الرحيم» وأن الكلمة الباقية هي كلمة التوحيد. انظر الكليات للكفوي (4/ 98- 99) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) الكليات للكفوي (4/ 100) وقد أفاض- رحمه الله- في الحديث عن نوعي الكلام: النفسي والحسّي واختلاف علماء الكلام من معتزلة وغيرهم، واستقصاء ذلك ليس من أغراض هذه الموسوعة فلينظره هناك من أراد.
(5) المرجع السابق (4/ 102) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق (2/ 107) .
(8) الكليات (4/ 18) .
(9) شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 16) .
(10) الخصائص (1/ 17) .(8/3269)
قول كلاما، لأنّ الكلام ما أفاد والقول قد يفيد وقد لا يفيد وقد يطلق القول ويراد به الظّنّ «1» .
لفظ القول في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ القول في القرآن الكريم على خمسة أوجه:
أحدها: القرآن، ومنه قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر/ 17- 18) .
الثّاني: الشّهادتان، ومنه قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) .
الثّالث: السّابق في العلم، ومنه قوله تعالى:
وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ... (السجدة/ 13) .
الرّابع: العذاب، ومن ذلك قول الله تعالى:
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ (النمل/ 82) .
الخامس: نفس القول (أي الكلام مطلقا) ، ومنه قوله عزّ ومن قائل: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ (البقرة/ 59) .
الطيب لغة واصطلاحا:
الطّيّب في اللّغة ضدّ الخبيث ويختلف في الاصطلاح باختلاف ما يوصف به، فإذا وصف به المولى عزّ وجلّ أريد أنّه منزّه عن النّقائص مقدّس عن الآفات والعيوب، وإذا وصف به العبد مطلقا أريد به أنّه المتعرّي عن رذائل الخلق وقبائح الأعمال والمتحلّي بأضداد ذلك، وإذا وصف به الأموال أريد به كونه حلالا من خيار المال «2» ، قلت: وهو إذا وصفت به الأقوال أريد به كونها ممّا يطيب به صاحبها أمام مولاه لكونها ذكرا أو دعاء أو تلاوة للقرآن أو ممّا يستطيبها سامعها لكونها تحيّة أو نحوها ممّا يسعد الخاطر ويجلب السرّور.
الكلم الطيب اصطلاحا:
قال الكفويّ: الكلم الطّيّب: هو الذّكر والدّعاء وقراءة القرآن وعنه صلّى الله عليه وسلّم: «هو: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» «3» .
وقال القرطبيّ: الكلم الطّيّب هو التوحيد الصّادر عن عقيدة طيّبة، وقيل هو التّحميد والتّمجيد وذكر الله ونحو ذلك «4» .
ومن الكلم الطّيّب أيضا حديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم لأنّه يبلّغ عن الله- عزّ وجلّ- ويدعو إليه وقد قال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ (فصلت/ 33) وقد كان صلّى الله عليه وسلّم إمام الدّعاة إلى الله عزّ وجلّ، وقد أقسم الله عزّ وجلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم مؤتمن على الوحي وذو قوّة على تبليغ الرّسالة فقال سبحانه:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ «5» (التكوير 19/ 22) . وقد دعا صلّى الله عليه وسلّم لمن سمع قوله الكريم فبلّغه إلى غيره فقال: «نضّر الله امرأ سمع
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (487) .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (2/ 904) .
(3) الكليات للكفوي (4/ 99) .
(4) تفسير القرطبي (14/ 329) .
(5) هذا أحد تفسيرين للآية الكريمة، وهناك تفسير آخر بأن المقصود بصاحب القول هو جبريل عليه السلام، انظر في هذين الرأيين، تفسير القرطبي ج 19 ص 236، وقد ورد التفسيران أيضا في الآية 40 من سورة الحاقة، انظر المرجع السابق 18/، 274(8/3270)
مقالتي فبلّغها» وقال أيضا: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره» «1» . وقد أوتي صلّى الله عليه وسلّم جوامع الكلم واختصرت له الحكمة اختصارا «2» .
أمّا الكلمة الطّيّبة: فهي قول «لا إله إلّا الله» وقيل: الإيمان «3» .
وقال ابن كثير: الكلم الطّيّب: الذّكر والتّلاوة والدّعاء «4» .
أمّا الطّيّب من القول فقد قيل فيه إنّه القرآن، وقيل لا إله إلّا الله، وقيل الأذكار المشروعة «5» ، ويؤخذ من تفسيره لآية النّور/ 26 الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ أنّ المراد الطّيّبات من القول للطّيّبين من الرّجال والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من القول، قال: نزلت في عائشة وأهل الإفك ووجهه أنّ الكلام القبيح أولى بأهل القبح من النّاس والكلام الطّيّب أولى بالطّيّبين من النّاس، فما نسبه أهل النّفاق إلى عائشة من كلام (خبيث) هم أولى به وهي أولى بالبراءة والنّزاهة منهم «6» .
ونستطيع أن نستنبط من هذا التّفسير أنّ المراد بالكلم الطّيّب أو القول الطّيّب: ما يطيب به خاطر المؤمن من تبرئة ساحته ودفع الرّيبة عنه وأنّ هذا حقيق بالمؤمنين.
أقسام الكلم الطيب:
ينقسم الكلم الطّيّب تبعا لما جاء في التّفسير إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: الذّكر والدّعاء وقراءة القرآن في الدّنيا، وتمجيد الله وتحميده وتسبيحه في الآخرة.
الثّاني: كلام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكلّ كلام تضمّن الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ سواء أكان ذلك القول قرآنا أو حديثا
الثّالث: ذلك الكلام الّذي يستطيبه السّامع، ويطيب به خاطره، وفي هذا المعنى فإنّ القول أو الكلم قد يوصف بالحسن وبالمعروف وبالكرم ونحو ذلك من الأوصاف الحميدة «7» .
[للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السلام- التفاؤل- تلاوة القرآن- الدعاء- الذكر- إقامة الشهادة- الأدب- الصدق- الرجاء- الاستغفار- الضراعة والتضرع- البشارة- القنوت.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الإفك- البهتان- السخرية- الغيبة- الكذب- النميمة- السفاهة- التطير- شهادة الزور- البذاءة] .
__________
(1) انظر ذلك بتفصيل أكثر في فضائل أقواله صلّى الله عليه وسلّم في الجزء الأول (المقدمة) ص 391
(2) انظر هذين الحديثين في صفة التبليغ ج 3 ص 889، ص 890 وقد ذكرنا تخريجهما هناك.
(3) المرجع السابق (9/ 359) .
(4) تفسير ابن كثير (3/ 557) .
(5) المرجع السابق (3/ 223) ، وانطلاقا من ذلك أطلق الإمام ابن القيّم على كتابه في الأذكار «الوابل الصيب في الكلم الطيب» .
(6) تفسير ابن كثير (3/ 288) .
(7) انظر في ذلك الآيات الواردة في الكلم الطّيّب معنى.(8/3271)
الآيات الواردة في «الكلم الطيب»
1- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «1»
2- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «2»
3- الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «3»
4- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) «4»
5- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «5»
__________
(1) إبراهيم: 24- 27 مكية
(2) الحج: 23- 24 مدنية
(3) النور: 26 مدنية. أثبتنا هذه الآية الكريمة هنا اعتمادا على ما قاله المفسرون من أن المراد بالطّيّبات: الطّيّبات من القول، انظر في ذلك تفسير القرطبي (12/ 211) وابن كثير (3/ 289) .
(4) النور: 61 مدنية
(5) فاطر: 10 مكية(8/3272)
الآيات الواردة في «الكلم الطيب» معنى*
أولا: الكلم الطيب ذكرا أو دعاء أو دالّا على التوحيد:
6- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «1»
7- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «2»
8- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «3»
9- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) «4»
10- الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «5»
11- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
__________
* القرآن الكريم كله كلم طيب، وقد اقتصرنا على ما كان منه ذكرا أو دعاء أو دالا على التوحيد (وهو النوع الأول من الكلم الطيب) أو ما كان فيه تطييب لخاطر المؤمن (وهو النوع الثاني) . انظر أنواع الكلم الطيب في الفقرة السابقة.
(1) البقرة: 155- 157 مدنية
(2) البقرة: 250- 251 مدنية
(3) البقرة: 285- 286 مدنية
(4) آل عمران: 7- 9 مدنية
(5) آل عمران: 16 مدنية(8/3273)
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «1»
12- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «2»
13- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) «3»
14- ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «4»
15- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «5»
16- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) «6»
17-* وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) «7»
18- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) «8»
__________
(1) آل عمران: 146- 148 مدنية
(2) آل عمران: 173 مدنية
(3) المائدة: 111 مدنية
(4) المائدة: 117- 119 مدنية
(5) الأعراف: 42- 43 مكية
(6) الأعراف: 75 مكية
(7) الأعراف: 117- 125 مكية
(8) الأعراف: 172 مكية(8/3274)
19- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «1»
20- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «2»
21- فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «3»
22- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) «4»
23- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «5»
24-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «6»
25-* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «7»
26-* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «8»
__________
(1) التوبة: 58- 59 مدنية
(2) التوبة: 128- 129 مدنية
(3) يونس: 85- 86 مكية
(4) هود: 45- 47 مكية
(5) هود: 50- 52 مكية
(6) هود: 61 مكية
(7) هود: 84- 86 مكية
(8) يوسف: 101 مكية(8/3275)
27- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «1»
28- وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) «2»
29- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «3»
30- وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) «4»
31- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) «5»
32- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) «6»
33- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «7»
34- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
__________
(1) إبراهيم: 35- 41 مكية
(2) الحجر: 51- 52 مكية
(3) الكهف: 9- 10 مكية
(4) الكهف: 14 مكية
(5) الكهف: 39- 41 مكية
(6) مريم: 1- 4 مكية
(7) طه: 72- 73 مكية(8/3276)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «1»
35- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) «2»
36- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) «3»
37- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) «4»
38- وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) «5»
39- وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) «6»
40- وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «7»
41- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) «8»
42- الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) «9»
43- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «10»
__________
(1) الأنبياء: 87- 90 مكية
(2) المؤمنون: 97- 98 مكية
(3) الشعراء: 46- 50 مكية
(4) النمل: 59 مكية
(5) القصص: 53 مكية
(6) الأحزاب: 22 مدنية
(7) سبأ: 23 مكية
(8) سبأ: 40- 41 مكية
(9) فاطر 35- 36 مكية
(10) الزمر: 73- 75 مكية(8/3277)
44- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «1»
45- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «2»
46- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «3»
47- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «4»
48- قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30) «5»
49- قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) «6»
50- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «7»
51- رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) «8»
52- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3)
وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «9»
__________
(1) فصلت: 33- 35 مكية
(2) الشورى: 15 مكية
(3) الحشر: 10 مدنية
(4) الممتحنة: 4- 5 مدنية
(5) الملك: 29- 30 مكية
(6) القلم: 28- 29 مكية
(7) الإنسان: 23- 26 مدنية
(8) النبأ: 37- 38 مكية
(9) الكافرون: 1- 6 مكية(8/3278)
53- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) «1»
54- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «2»
55- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «3»
ثانيا: الكلم الذي يستطيبه السامع ويسر منه:
56- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «4»
57- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «5»
58- الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
* قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) «6»
59- أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (63)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «7»
60- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
__________
(1) الإخلاص: 1- 4 مكية
(2) الفلق: 1- 5 مكية
(3) الناس: 1- 6 مكية
(4) البقرة: 83 مدنية
(5) البقرة: 235 مدنية
(6) البقرة: 262- 263 مدنية
(7) النساء: 63- 64 مدنية(8/3279)
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «1»
61-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «2»
62- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «3»
63- اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «4»
64- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «5»
65- الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «6»
66- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88)
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «7»
ثالثا: جزاء الكلم الطيب:
67- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «8»
68-* وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) «9»
69- قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «10»
__________
(1) النحل: 125 مكية
(2) الإسراء: 23- 24 مكية
(3) الإسراء: 28 مكية
(4) طه: 42- 44 مكية
(5) الفرقان: 63 مكية
(6) الزمر: 18 مكية
(7) الزخرف: 88- 89 مكية
(8) المائدة: 83- 85 مدنية
(9) النحل: 30- 32 مكية
(10) المؤمنون: 108- 111 مكية(8/3280)
70- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74)
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75)
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (76) «1»
71- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «2»
72- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «3»
73- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) «4»
74- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14) «5»
__________
(1) الفرقان: 73- 76 مكية
(2) القصص: 52- 55 مكية
(3) الأحزاب: 69- 71
(4) فصلت: 30 مكية
(5) الأحقاف: 13- 14 مكية(8/3281)
الأحاديث الواردة في (الكلم الطيب)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» . قالوا: وما الفأل؟ قال: «كلمة طيّبة» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، فأنبئني عن كلّ شيء. فقال: «كلّ شيء خلق من ماء» قال: فأنبئني بعمل إن عملت به دخلت الجنّة. قال: «أفش السّلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيام تدخل الجنّة بسلام» ) * «2» .
3-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: «يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله- قلت فيما بيني وبين نفسي- فأين دعّار طيّيء الّذين قد سعّروا البلاد؟. «ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى» . قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى ابن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه. وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم» .
قال عديّ: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيّبة» . قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج ملء كفّه» ) * «3» .
4-* (وعن عديّ بن حاتم (أيضا) قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا النّار» ، ثمّ أعرض وأشاح «4» ، ثمّ قال: «اتّقوا النّار» ، ثمّ أعرض وأشاح ثلاثا حتّى ظننّا أنّه ينظر إليها، ثمّ قال: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5776) . ومسلم (2224) .
(2) أحمد (2/ 493) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 104) : إسناده صحيح.
(3) البخاري- الفتح 3 (1413) ، 6 (3595) واللفظ له، ومسلم (1016)
(4) أشاح: أي أظهر الحذر منها، وقيل: أشاح بوجهه عن الشيء: نحاه عنه. وقيل: أشاح: أي صد وانكمش، وقيل: صرف وجهه كالخائف أن تناله.
(5) البخاري- الفتح 11 (6540، 6563) واللفظ له،، ومسلم (1016) ، وأحمد (4/، 256)(8/3282)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى «1» من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس: يعدل بين الاثنين صدقة «2» ، ويعين الرّجل على دابّته فيحمل عليها- أو يرفع عليها متاعه- صدقة، والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة يخطوها إلى الصّلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطّريق صدقة» ) * «3» .
6-* (عن سمرة (بن جندب) عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّثتكم حديثا فلا تزيدنّ عليه» ، وقال:
«أربع من أطيب الكلام، وهنّ من القرآن، لا يضرّك بأيّهنّ بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر ... » الحديث) * «4» .
7-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» .
قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال: قلت:
أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال:
«خلق حسن» . قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال:
«طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال:
«أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-. قال: قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه» .
قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل؟ قال: «جوف اللّيل الآخر، ثمّ الصّلاة المكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلّا الرّكعتين حتّى تصلّي الفجر، فإذا صلّيت صلاة الصّبح فأمسك عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت الشّمس فإنّها تطلع في قرني شيطان، وإنّ الكفّار يصلّون لها» ) * «5» .
8-* (عن عبد الرّحمن بن عائش عن بعض أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج عليهم ذات غداة، وهو طيّب النّفس، مسفر الوجه- أو مشرق الوجه- فقلنا: يا رسول الله، إنّا نراك طيّب النّفس، مسفر الوجه- أو مشرق الوجه- فقال: «وما يمنعني وأتاني ربّى- عزّ وجلّ- اللّيلة في أحسن صورة، قال: يا محمّد، قلت: لبّيك ربّى وسعديك.
قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري أي ربّ، قال ذلك مرّتين أو ثلاثا. قال: فوضع كفّيه بين كتفيّ فوجدت بردها بين ثدييّ حتّى تجلّى لي ما في السّموات وما في الأرض، ثمّ تلا هذه الآية:
وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (الأنعام/ 75) . ثمّ قال: يا محمّد،
__________
(1) السّلامى: بضم السين وتخفيف اللام هو المفصل، وجمعه: سلاميات، بفتح الميم وتخفيف الياء. وفي القاموس: السلامى: كحبارى: عظام صغار طول الإصبع في اليد والرجل.
(2) يعدل بين الاثنين صدقة: أي يصلح بينهما بالعدل.
(3) البخاري- الفتح 6 (2989) واللفظ له، ومسلم (1009) .
(4) مسلم (2137) ، وأحمد (5/ 11) واللفظ له، ولفظ مسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع:....» ، وهي روآية أحمد أيضا في (5/ 10، 5/ 21) وفي (5/ 20) لفظه: «أفضل الكلام بعد القرآن أربع ... » ؛ وابن ماجة (3811) ولفظه: «أربع أفضل الكلام ... » .
(5) أحمد (4/ 385) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 54) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب، وقد وثق على ضعف فيه. وأصله عند مسلم.(8/3283)
فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات. قال:
وما الكفّارات؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المسجد خلاف الصّلوات، وإبلاغ الوضوء في المكاره. قال: من فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمّه، ومن الدّرجات: طيب الكلام، وبذل السّلام، وإطعام الطّعام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام. قال: يا محمّد، إذا صلّيت فقل: اللهمّ إنّي أسألك الطّيّبات وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في النّاس فتوفّني غير مفتون» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في (الكلم الطيب) معنى
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب، ولا يصعد إلى الله إلّا الطّيّب، فإنّ الله يتقبّلها بيمينه ثمّ يربّيها لصاحبها كما يربّي أحدكم فلوّه حتّى تكون مثل الجبل» ) * «2» .
10-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفاه الله- عزّ وجلّ- لعباده: سبحان الله وبحمده» ) * «3» .
11-* (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- قال:
كنّا قعودا بالأفنية نتحدّث، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام علينا، فقال: «ما لكم ولمجالس الصّعدات «4» ؟ اجتنبوا مجالس الصّعدات» فقلنا: إنّما قعدنا لغير ما باس. قعدنا نتذاكر ونتحدّث. قال: «إمّا لا «5» فأدّوا حقّها: غضّ البصر، وردّ السّلام، وحسن الكلام» ) * «6» .
12-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» . فقال أبو موسى الأشعريّ:
لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطّعام، وبات لله قائما والنّاس نيام» ) * «7» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان
__________
(1) أحمد في المسند (4/ 66، 5/ 378) ، ورواه الترمذي (3235) من حديث معاذ بن جبل- رضي الله عنه- وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) البخاري- الفتح 31 (7430) واللفظ له؛ ومسلم (1015) .
(3) أحمد (5/ 148) واللفظ له، والترمذي (3593) ولفظه «أي الكلام أحب إلى الله عزّ وجلّ ... » . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(4) الصعدات: هي الطرقات، واحدها صعيد كطريق.
(5) إمّا لا: قال ابن الأثير: أصل هذه الكلمة: إن وما، فأدغمت النون في الميم، وما زائدة في اللفظ لا حكم لها. ومعناه هنا: إن لم تتركوها فأدوا حقها.
(6) مسلم (2120) .
(7) أحمد في المسند (2/ 173) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (10/ 420) وقال: رواه أحمد، ورجاله وثقوا، على ضعف في بعضهم. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 254) وقال: رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. وصححه ابن حبان (641) ، والحاكم (1/ 321) وصححه ووافقه الذهبي.(8/3284)
الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» ) * «1» .
14-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عاقبة- أو قال في ثنيّة- قال: فلمّا علا عليها رجل نادى فرفع صوته لا إله إلّا الله والله أكبر. قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته، قال:
«فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا» . ثمّ قال: «يا أبا موسى- أو يا عبد الله- ألا أدلّك على كلمة من كنز الجنّة؟» قلت: بلى. قال: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك، حتّى يمسي. ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك.
ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «3» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان «4» ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن «5» : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ) * «6» .
17-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن كالأترجّة طعمها طيّب وريحها طيّب، والّذي لا يقرأ كالتّمرة طعمها طيّب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الّذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ، ومثل الفاجر الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ ولا ريح لها» ) * «7» .
18-* (عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهم- قال: قلت: يا رسول الله حدّثني بشيء يوجب لي الجنّة، قال: «موجب الجنّة: إطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، وحسن الكلام» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6478) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6409) واللفظ له، ومسلم (2704) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6403) ، ومسلم (2691) واللفظ له.
(4) شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه. وفي الحديث حث على المواظبة على هذا الذكر وتحريض على ملازمته، لأن جميع التكاليف شاقة على النفس، وهذا سهل ومع ذلك يثقل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة فلا ينبغي التفريط فيه.
(5) حبيبتان إلى الرحمن: المراد أن قائلها محبوب لله، وخص الرحمن من الأسماء الحسنى للتنبيه على سعة رحمة الله، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل. فتح الباري (11/ 212) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6406) ، مسلم (2694) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 13 (7560) . ومسلم (797) .
(8) الترغيب والترهيب (3/ 423) ، قال المنذري: رواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما ثقات.(8/3285)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الكلم الطيب)
انظر المثل التطبيقي في صفات: تلاوة القرآن- الدعاء- الذكر
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الكلم الطيب)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً..
الآية (إبراهيم/ 24) قال: كلمة طيّبة شهادة أن لا إله إلّا الله كشجرة طيّبة وهو المؤمن) * «1» .
2-* (وقال مجاهد وابن جريج في الآية السّابقة: الكلمة الطّيّبة الإيمان. وعن الرّبيع بن أنس: هي المؤمن نفسه، قال القرطبيّ: يجوز أن يكون المعنى أصل الكلمة في قلب المؤمن وهو الإيمان، شبّهه بالنّخلة فى المنبت، وشبّه ارتفاع عمله في السّماء بارتفاع فروع النخلة، وثواب الله له بالثّمر) * «2» .
3-* (ونقل أبو حيّان قول بعضهم أنّ المراد بالكلمة الطّيّبة جميع الطّاعات أو القرآن، وقيل: هي دعوة الإسلام، وقيل هي الثّناء على الله تعالى، أو التّسبيح والتّنزيه) * «3» .
4-* (عن عطيّة العوفيّ في قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً.. الآية (إبراهيم/ 24) قال: ذلك مثل المؤمن، لا يزال يخرج منه كلام طيّب وعمل صالح يصعد إليه، وقوله تعالى وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ قال: ذلك مثل الكافر، لا يصعد له كلم طيّب ولا عمل صالح) * «4» .
5-* (وعن عكرمة- رضي الله عنه- في قوله تعالى كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ قال: هي النخلة، لا يزال فيها شيء ينتفع به، إمّا ثمرة وإمّا حطب، قال: وكذلك الكلمة الطّيّبة، تنفع صاحبها في الدّنيا والآخرة) * «5» .
6-* (وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في قوله عزّ وجلّ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً.. الآية (إبراهيم/ 24) : شبّه سبحانه الكلمة الطّيّبة بالشّجرة الطّيّبة، لأنّ الكلمة الطّيّبة تثمر العمل الصّالح والشّجرة الطّيّبة تثمر الثّمر النّافع، وهذا ظاهر على قول جمهور المفسّرين الّذين يقولون: الكلمة الطّيّبة: هي شهادة ألّا إله إلّا الله، فإنّها تثمر جميع الأعمال الصّالحة، الظّاهرة والباطنة، فكلّ عمل صالح مرضيّ لله تعالى فهو ثمرة هذه الكلمة) * «6» .
7-* (وقال- رحمه الله تعالى- (أيضا) : أخبر
__________
(1) تفسير الطبري (12/ 135) .
(2) تفسير الطبري (9/ 359) ، وانظر أيضا البحر المحيط حيث نقل أبو حيان هذه الأقوال في (5/ 410) .
(3) انظر في هذه الآراء في البحر المحيط (5/ 410) .
(4) الدر المنثور (5/ 21) والتفسير القيّم لابن القيّم (329) ، وتفسير الطبري (12/ 136) .
(5) الدر المنثور (5/ 23) .
(6) التفسير القيّم (327) .(8/3286)
المولى عزّ وجلّ عن فضله وعدله في الفريقين:
أصحاب الكلم الطّيّب، وأصحاب الكلم الخبيث، فأخبر أنّه يثبّت الّذين آمنوا بإيمانهم بالقول الثّابت أحوج ما يكونون إليه في الدّنيا والآخرة، وأنّه يضلّ الظّالمين وهم المشركون عن القول الثّابت، فأضلّ هؤلاء بعدله لظلمهم وثبّت المؤمنين بفضله لإيمانهم) * «1» .
8-* (عن أبي العالية في قوله تعالى وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ (الحج/ 24) قال: في الخصومة، إذ قالوا: الله مولانا ولا مولى لكم) * «2» .
9-* (وعن إسماعيل بن خالد في الآية السّابقة قال: الطّيّب من القول: القرآن) * «3» .
10-* (وعن الضّحّاك في نفس الآية قال:
الطّيّب من القول هو الإخلاص) * «4» .
11-* (وعن ابن زيد في نفس الآية قال:
القول الطّيّب: لا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله، الّذي قال: إليه يصعد الكلم الطّيّب) * «5» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ: هو قولهم: الحمد لله الّذي صدقنا وعده، يلهمهم الله ذلك- أي في الآخرة-) * «6» .
13-* (وعنه- رضي الله عنه- (أيضا) : يريد بالطّيّب من القول: لا إله إلّا الله، والحمد لله) * «7» .
14-* (وقال القرطبيّ: وقيل: القرآن، ثمّ قيل: هذا في الدّنيا، هدوا إلى الشّهادة وقراءة القرآن، وقيل هدوا في الآخرة إلى الطّيّب من القول وهو الحمد لله لأنّهم يقولون غدا: الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن، فليس في الجنّة لغو ولا كذب فما يقولونه فهو طيّب القول، وقيل: الطّيّب من القول ما يأتيهم من الله من البشارات الحسنة) * «8» .
15-* (وقال الطّبريّ في تفسير الآية السّابقة: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ: يعني هداهم ربّهم في الدّنيا إلى شهادة ألّا إله إلّا الله) * «9» .
16-* (وقال أبو حيّان في تفسير الآية الكريمة: إن كانت الهداية فى الدّنيا فهو قول لا إله إلّا الله والأقوال الطّيّبة من الأذكار وغيرها، وإن كان إخبارا عمّا يقع منهم في الآخرة فهو قولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ
__________
(1) المرجع السابق (332) .
(2) الدر المنثور (6/ 24) ، وفي هذا إشارة إلى ما ردّ به المسلمون بإرشاد النبي صلّى الله عليه وسلّم على أبي سفيان بن حرب يوم وقعة أحد عندما قال: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال المسلمون: الله مولانا ولا مولى لكم.
(3) المرجع السابق (6/ 24) .
(4) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، ويشير ابن زيد بذلك إلى قوله تعالى في سورة فاطر إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ... (الآية 10) ؛ وانظر تفسير الطبري (17/ 102) .
(6) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري (بهامش الطبري) (17/ 79) .
(7) تفسير القرطبي (12/ 30) .
(8) المرجع السابق (12/ 31) .
(9) المرجع السابق (17/ 102) .(8/3287)
الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ (الزمر/ 74) ، وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنّة) * «1» .
17-* (وروى أبو حيّان عن الماورديّ أنّ القول الطّيّب هو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر) * «2» .
18-* (وقال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ أي إلى القرآن، وقيل:
لا إله إلّا الله، وقيل: الأذكار المشروعة) * «3» .
19-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ...
(النور/ 26) قال: والطّيّبات من الكلام للطّيّبين من النّاس والطّيّبون من النّاس للطّيّبات من الكلام.
نزلت في الّذين قالوا في زوجة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما قالوا من البهتان) * «4» .
20-* (وعن قتادة- رضي الله عنه- في الآية السّابقة قال: والطّيّبات من القول والعمل للطّيّبين من النّاس والطّيّبون من النّاس للطّيّبات من القول والعمل) * «5» .
21-* (وعن عطاء- رضي الله عنه- في الآية السّابقة قال: والطّيّبات من القول للطّيّبين من النّاس.
ألا ترى أنّك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرّجل الصّالح فتقول: غفر الله لفلان ما هذا من خلقه، ولا من شيمه، ولا ممّا يقول، قال تعالى: أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ أي لا يكون ذلك من شيمهم، ولا من أخلاقهم، ولكنّ الزّلل قد يكون) * «6» .
22-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قول الله تعالى الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ... الآية (النور/ 26) قال: الطّيّبات القول الطّيّب يخرج من الكافر والمؤمن فهو للمؤمن، والخبيثات القول الخبيث يخرج من المؤمن والكافر فهو للكافر، أولئك مبرّأون ممّا يقولون، وذلك أنّه برّأ كليهما ممّا ليس بحقّ من الكلام) * «7» .
23-* (وعن مجاهد (أيضا) في الآية السّابقة: الخبيثات والطّيّبات: القول الحسن والسّيّىء، للمؤمنين الحسن، وللكافرين السّيّىء، أولئك مبرّؤن ممّا يقولون، وذلك بأنّه ما قال الكافرون من كلمة طيّبة فهي للمؤمنين، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة فهي
__________
(1) تفسير البحر المحيط (6/ 335) .
(2) المرجع السابق (6/ 336) .
(3) تفسير ابن كثير (3/ 223) .
(4) تفسير الطبري (18/ 84، 85) ، وقد ذكر هذا التفسير عن كثير من التابعين؛ الدر المنثور (6/ 167) ، وقد نسب القرطبي في تفسيره (12/ 211) هذا القول لمجاهد وابن جبير وعطاء، ونقل عن أبي جعفر النحاس قوله: وهذا من أحسن ما قيل في هذه الآية، ودل على صحة هذا القول قوله سبحانه أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ أي عائشة وصفوان مما يقول الخبيثون والخبيثات.
(5) الدر المنثور (6/ 167) ، وتفسير الطبري (18/ 85، 86) .
(6) الدر المنثور (6/ 167) .
(7) تفسير الطبري (18/ 89) .(8/3288)
للكافرين، وكلّ بريء ممّا ليس بحقّه من الكلام) * «1» .
24-* (وعن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى في الآية السّابقة أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ قال: من كان طيّبا فهو مبرّأ من كلّ قول خبيث لقوله تعالى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، ومن كان خبيثا فهو مبرّأ من كلّ قول صالح يقوله إذ يردّه الله عليه ولا يقبله منه) * «2» .
25-* (عن يحيى الجزّار قال: جاء أسير بن جابر إلى عبد الله (بن مسعود) فقال: قد سمعت الوليد ابن عقبة اليوم تكلّم بكلام أعجبني. فقال عبد الله: إنّ الرّجل المؤمن يكون في فيه الكلمة غير طيّبة تتجلجل في صدره ما تستقرّ حتّى يلفظها، فيسمعها رجل عنده مثلها فيضمّها إليه، وإنّ الرّجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الطّيّبة تتجلجل في صدره ما تستقرّ حتّى يلفظها، فيسمعها الرّجل الّذي عنده مثلها فيضمّها إليه، ثمّ قرأ عبد الله الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ ...
الآية) * «3» .
26-* (عن ابن زيد في قوله الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ ... الآية قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان والفرية فبرّأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبيّ هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له (الكلمة) الخبيثة، ويكون لها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيّبا، وكان أولى أن تكون له الطّيّبة، وكانت عائشة الطّيّبة، فكانت أولى أن يكون لها الطّيّب) * «4» .
27-* (قال الطّبريّ- بعد أن ذكر الآراء المختلفة في الآية السّابقة-: وأولى هذه الأقوال في تفسير هذه الآية قول من قال عنى بالخبيثات الخبيثات من القول، وذلك قبيحه وسيّئه، للخبيثين من الرّجال والنّساء، والخبيثون من النّاس للخبيثات من القول، هم بها أولى لأنّهم أهلها، والطّيّبات من القول وذلك حسنه وجميله للطّيّبين من النّاس، والطّيّبون من النّاس للطّيّبات من القول لأنّهم أهلها وأحقّ بها، وإنّما قلنا إنّ هذا القول أولى بتأويل الآية، لأنّ الآيات قبل ذلك إنّما جاءت فى توبيخ الله للقائلين فى عائشة الإفك والرّامين المحصنات الغافلات المؤمنات، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرّامي والمرميّ به، أشبه من الخبر عن غيرهم) * «5» .
28-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً ...
(النور/ 61) يقول: إذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أهلها تحيّة من عند الله، وهو السّلام، لأنّه اسم الله، وهو تحيّة أهل الجنّة) * «6» .
29-* (عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخلت على أهلك فسلّم عليهم تحيّة من عند الله مباركة طيّبة، قال أبو الزّبير: ما رأيته إلّا أوجبه- أي السّلام-) * «7» .
__________
(1) تفسير الطبري (18/ 89) .
(2) الدر المنثور (6/ 167) .
(3) المرجع السابق (6/ 168) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) تفسير الطبري (18/ 86) .
(6) الدر المنثور (6/ 225) .
(7) تفسير الطبري (18/ 132) .(8/3289)
30-* (عن عطاء قال: إذا دخلت على أهلك فقل: السّلام عليكم تحيّة من عند الله مباركة طيّبة، فإن لم يكن فيها أحد فقل: السّلام علينا من ربّنا) * «1» .
31-* (عن أبي البختريّ قال: جاء الأشعث ابن قيس وجرير بن عبد الله البجليّ إلى سلمان، فقالا:
جئناك من عند أخيك أبي الدّرداء، قال: فأين هديّته الّتي أرسلها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهديّة. قال:
اتّقيا الله، وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلّا جاء معه بهديّة. قالا: والله ما بعث معنا شيئا إلّا أنّه قال: أقرئوه منّي السّلام. قال: فأيّ هديّة كنت أريد منكما غير هذه؟ وأيّ هديّة أفضل من السّلام تحيّة من عند الله مباركة طيّبة؟) * «2» .
32-* (وقال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً: وصف الله تعالى هذه التّحيّة بأنّها مباركة طيّبة لما فيها من الأجر الجزيل والثّواب العظيم) * «3» .
33-* (وقال القرطبيّ: وصفها بالبركة لأنّ فيها الدّعاء واستجلاب مودّة المسلّم عليه، ووصفها بالطّيّبة لأنّ سامعها يستطيبها) * «4» .
34-* (وقال أبو حيّان: وصف التّحيّة بالبركة والطّيب لأنّها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيّب الرّزق) * «5» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قال: الكلم الطّيّب ذكر الله. وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: أداء الفرائض، فمن ذكر الله في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله فصعد به إلى الله، ومن ذكر الله ولم يؤدّ فرائضه حمل كلامه على عمله وكان عمله أولى به) * «6» .
36-* (عن مجاهد- رحمه الله- قال في الآية السّابقة: العمل الصّالح هو الّذي يرفع الكلام الطّيّب) * «7» .
37-* (وعن شهر بن حوشب في الآية الكريمة نفسها قال: (الكلم الطّيّب) القرآن) * «8» .
38-* (وعن مطر- رضي الله عنه- قال:
(الكلم الطّيّب) الدّعاء) * «9» .
39-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- (الكلم الطّيّب) ذكر الله) * «10» .
40-* (قال الفرّاء في قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ: معناه: أنّ العمل الصّالح يرفع الكلام الطّيّب، أي يتقبّل الكلام الطّيّب إذا كان معه عمل صالح) * «11» .
41-* (عن مجاهد: العمل الصّالح يرفع
__________
(1) تفسير الطبري (18/ 132) .
(2) الدر المنثور (6/ 226) .
(3) تفسير الطبري (18/ 133) .
(4) تفسير القرطبي (12/ 318) .
(5) تفسير البحر المحيط (6/ 435) .
(6) الدر المنثور 7/ 9؛ وقد ذكر الطبري نفس الأثر- مع اختلاف طفيف منسوبا لابن عباس، انظر تفسير الطبري (22/ 80) .
(7) الدر المنثور (7/ 9) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) فتح الباري (13/ 427) .
(11) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.(8/3290)
الكلم الطّيّب) * «1» .
42-* (قال البيهقيّ: صعود الكلام الطّيّب والصّدقة الطّيّبة عبارة عن القبول) * «2» .
43-* (عن الحسن- رضي الله عنه- قال في قوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: العمل الصّالح يرفع الكلام الطّيّب إلى الله تعالى، ويعرض القول على العمل، فإن وافقه رفع وإلّا ردّ) * «3» .
44-* (عن المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله (بن مسعود) إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله- عزّ وجلّ-، إنّ العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الحمد لله، لا إله إلّا الله والله أكبر، تبارك الله، أخذهنّ ملك، فجعلهنّ تحت جناحيه، ثمّ صعد بهنّ إلى السّماء، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلّا استغفروا لقائلهنّ حتّى يحيّي بهنّ وجه الرّحمن ثمّ قرأ عبد الله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) * «4» .
45-* (قال ابن بطّال: ... والكلمة الّتي ترفع بها الدّرجات ويكتب بها الرّضوان هي الّتي يدفع بها (صاحبها) عن المسلم مظلمة، أو يفرّج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلوما) * «5» .
46-* (قال الإمام النّوويّ: ... ينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبّر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلّم وإلّا أمسك) * «6» .
47-* (قال ابن بطّال: طيب الكلام من جليل عمل البرّ، لقوله تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* الآية، والدّفع قد يكون بالقول كما يكون بالفعل) * «7» .
48-* (قال ابن بطّال: وجه كون الكلمة الطّيّبة صدقة أنّ إعطاء المال يفرح به قلب الّذي يعطاه ويذهب ما في قلبه، كذلك الكلام الطّيّب، فاشتبها من هذه الحيثيّة) * «8» .
49-* (قال الماورديّ: معنى حسن الخلق أن يكون المسلم سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النفور، طيّب الكلمة) * «9» .
50-* (عن عليّ بن عمرو. قال: «نزل عبيد الله ابن العبّاس بن عبد المطّلب منزلا منصرفه من الشّام نحو الحجاز، فطلب غلمانه طعاما، فلم يجدوا في ذلك المنزل ما يكفيهم؛ لأنّه كان مرّ به زياد بن أبي سفيان، أو عبيد الله بن زياد في جمع عظيم، فأتوا على ما فيه، فقال عبيد الله لوكيله: اذهب في هذه البرّيّة «10» ، فلعلّك أن تجد راعيا، أو تجد أخبية «11» فيها لبن أو
__________
(1) المرجع السابق (13/ 426) .
(2) المرجع السابق (13/ 427) .
(3) الدر المنثور (7/ 9) .
(4) تفسير القرطبي (2/ 80) .
(5) فتح الباري (11/ 317) ، في شرح الحديث «إن العبد ليتكلم بالكلمة ... » .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) الفتح (10/ 463) .
(8) الفتح (10/ 463) .
(9) انظر أدب الدنيا والدين (237) وما بعدها.
(10) البرّيّة: الصحراء.
(11) أخبية: جمع خباء وهو البيت من الوبر أو الشعر أو الصوف يكون على عمودين أو ثلاثة.(8/3291)
طعام، فمضى القيّم ومعه غلمان عبيد الله، فدفعوا إلى عجوز في خباء، فقالوا: هل عندك من طعام نبتاعه «1» منك؟ قالت: أمّا طعام أبيعه فلا، ولكن عندي ما إليه حاجة لي ولبنيّ، قالوا: وأين بنوك؟ قالت: في رعي لهم. وهذا أوان أوبتهم «2» ، قالوا: فما أعددت لك ولهم؟ قالت: خبزة وهي تحت ملّتها «3» أنتظر بها أن يجيئوا، قالوا: فما هو غير ذلك؟ - قالت: لا-. قالوا:
فجودي لنا بنصفها، قالت: أمّا النّصف فلا أجود به، ولكن إن أردتم الكلّ فشأنكم بها، قالوا: ولم تمنعين النّصف وتجودين بالكلّ؟ قالت: لأنّ إعطاء الشّطر نقيصة. وإعطاء الكلّ فضيلة، فأنا أمنع ما يضعني، وأمنح ما يرفعني، فأخذوا الملّة، ولم تسألهم من هم؟
ولا من أين جاؤوها؟ فلمّا أتوا بها عبيد الله، وأخبروه بقصّة العجوز، عجب وقال: ارجعوا إليها فاحملوها إليّ السّاعة، فرجعوا فقالوا: انطلقي نحو صاحبنا فإنّه يريدك، قالت: ومن هو صاحبكم أصحبه الله السّلامة؟ قالوا: عبيد الله بن العبّاس، قالت: ما أعرف هذا الاسم، فمن بعد العبّاس؟ قالوا: العبّاس عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: هذا وأبيكم الشّرف العالي ذروته، الرّفيع عماده، هيه، أبو هذا عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: نعم، قالت: عمّ قريب أم عمّ بعيد؟ قالوا: عمّ هو صنو أبيه، وهو عصبته، قالت: ويريد ماذا؟ قالوا:
يريد مكافأتك وبرّك، قالت: علام؟ قالوا: على ما كان منك. قالت: أوه «4» . لقد أفسد الهاشميّ بعض ما أثّل له ابن عمّه «5» ، والله لو كان ما فعلت معروفا ما أخذت بذنبه، فكيف وإنّما هو شيء يجب على الخلق أن يشارك بعضهم فيه بعضا. قال: فانطلقي، فإنّه يحبّ أن يراك، قالت: قد تقدّم منكم وعيد ما أجد نفسي تسخو بالحركة معه، قالوا: فأنت بالخيار إن بدا لك شيء بين أخذه أو تركه. قالت: لا حاجة لي بشيء من هذا إذ كان هذا أوّله. قالوا: فلا بدّ من أن تنطلقي إليه. قالت: فإنّي أنهض على كره إلّا لواحدة، قالوا:
وما هي؟ قالت: أرى وجها هو جناح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعضو من أعضائه، ثمّ قامت فحملوها على دابّة من دوابّه، فلمّا صارت إليه سلّمت عليه، فردّ عليها السّلام، وقرّب مجلسها، وقال: ممّن أنت؟ فقالت: أنا من كلب، قال: فكيف حالك؟ قالت: أجد القائت «6» وأستمريه، وأهجع أكثر اللّيل، وأرى قرّة العين من ولد بارّ، وكنّة «7» رضيّة. فلم يبق من الدّنيا شيء إلّا وقد وجدته وأخذته وإنّما أنتظر أن يأخذني، قال: ما أعجب أمرك كلّه. قالت: قفني على أوّل عجب، قال:
بذلك لنا ما كان في حواك «8» ، فرفعت رأسها إلى القيّم
__________
(1) نبتاعه: أي نشتريه.
(2) أوان أوبتهم: أى وقت رجوعهم.
(3) الملة: الرماد الحار والجمر.
(4) أوه: كلمة توجع أو تحزن أو شكاية.
(5) أثل له ابن عمه: أي ما تركه له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مجد أثيل أي عميق الجذور.
(6) القائت: ما يقتات به الإنسان.
(7) الكنّة: البيت، والكنة أيضا زوجة الابن.
(8) حوا: مقصور حواء وهي بيوت للعرب مجتمعة تكون من الوبر. انظر: لسان العرب، مادة (ح وا) .(8/3292)
فقالت: هذا ما قلت لك؟ قال عبيد الله: وما قالت لك؟ فأخبره، فازداد تعجّبا وقال: خبّريني، فما ادّخرت لبنيك إذا انصرفوا؟ قالت: ما قال حاتم طيّء:
ولقد أبيت على الطّوى «1» وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل
فازداد منها عبيد الله تعجّبا. وقال: أرأيت لو انصرف بنوك وهم جياع، ولا شيء عندك، ما كنت تصنعين بهم؟ قالت: يا هذا، لقد عظمت هذه الخبزة عندك وفي عينك حتّى أن صرت لتكثر فيها مقالك، وتشغل بذكرها بالك، أله عن هذا وما أشبهه؛ فإنّه يفسد النّفس، ويؤثّر في الحسّ. فازداد تعجّبا، ثمّ قال لغلامه: انطلق إلى فتيانها فإذا أقبل بنوها فجئني بهم، فقالت العجوز: أما إنّهم لا يأتونك إلّا بشريطة.
قال: وما هي؟ قالت: لا تذكر لهم ما ذكرته لي، فإنّهم شباب حداث، تحرجهم الكلمة، ولا آمن بوادرهم إليك، وأنت في هذا البيت الرّفيع والشّرف العالي، فإذا نحن من شرّ العرب جوارا، فازداد عبيد الله تعجّبا، وقال لها: سأفعل ما أمرت به. فقالت العجوز للغلام: انطلق. فاقعد بحذاء الخباء الّذي رأيتني في ظلّه، فإذا أقبل ثلاثة أحدهم دائم الطّرف نحو الأرض، قليل الحركة، كثير السّكون، فذاك الّذي إذا خاصم أفصح وإذا طلب أنجح. والآخر دائم النّظر، كثير الحذر، له أبّهة قد كلمت من حدّه. وأثّرت في نسبه، فذاك الّذي إذا قال فعل، وإذا ظلم قتل.
والآخر كأنّه شعلة نار، وكأنّه يطلب الخلق بثأر، فذاك الموت المائت، وهو والله والموت قسمان. فاقرأ عليهم سلامي، وقل لهم تقول لكم والدتكم: لا يحدثنّ أحد منكم أمرا حتّى تأتوها. فانطلق الغلام، فلمّا جاء الفتية أخبرهم. فما قعد قائمهم، ولا شدّ جمعهم حتّى تقدّموا سراعا. فلمّا دنوا من عبيد الله، ورأوا أمّهم، سلّموا، فأدناهم عبيد الله من مجلسه، وقال: إنّي لم أبعث إليكم ولا إلى أمّكم لما تكرهون. قالوا: فما بعد هذا؟ قال:
أحبّ أن أصلح من أمركم، وألمّ من شعثكم «2» . قالوا:
إنّ هذا قلّ ما يكون إلّا عن سؤال أو مكافأة لفعل قديم. قال: ما هو لشيء من ذلك. ولكن جاورتكم في هذه اللّيلة، وخطر ببالي أن أضع بعض مالي فيما يحبّ الله، قالوا: يا هذا، إنّ الّذي يحبّ الله لا يجب لنا. إذ كنّا في خفض من العيش. وكفاف من الرّزق، فإن كنت هذا أردت فوجّهه نحو من يستحقّ، وإن كنت أردت النّوال مبتدئا لم يتقدّمه سؤال، فمعروفك مشكور وبرّك مقبول، فأمر لهم عبيد الله بعشرة آلاف درهم وعشرين ناقة، وحوّل أثقاله إلى البغال والدّوابّ، وقال: ما ظننت أنّ في العرب والعجم من يشبه هذه العجوز وهؤلاء الفتيان، فقالت العجوز لفتيانها: ليقل كلّ واحد منكم بيتا من الشّعر في هذا
__________
(1) الطّوى: الجوع.
(2) شعثكم: تفرقكم(8/3293)
الشّريف، ولعلّي أن أعينكم:
فقال الكبير:
شهدت عليك بطيب الكلا ... م وطيب الفعال وطيب الخبر
وقال الأوسط:
تبرّعت بالجود قبل السّؤا ... ل فعال كريم عظيم الخطر
وقال الأصغر:
وحقّ لمن كان ذا فعله ... بأن يسترقّ رقاب البشر) * «1» .
51-* (قال الفضيل بن عياض: سمعت الثوريّ يقول: لو رميت رجلا بسهم كان أحبّ إليّ من أن أرميه بلساني، لأنّ رمي اللّسان لا يكاد يخطىء) * «2» .
من فوائد (الكلم الطيب)
أولا: الكلم الطّيّب إن كان ذكرا أو دعاء أو تلاوة للقرآن له فوائد هذه الصّفات مجتمعة، انظر فوائد هذه الصّفات.
ثانيّا: أمّا إذا كان الكلم الطّيّب قولا تطيب به نفس سامعه فإنّ من فوائده:
(1) للكلم الطّيّب أجر الصّدقة (انظر فوائد الصّدقة) .
(2) يدخل صاحبه الجنّة ويقيه من النّار.
(3) طيب الكلام شطر الإسلام (انظر الحديث: 7) .
(4) لمن طاب كلامه غرف مخصوصة في الجنّة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها (انظر الحديث: 9) .
(5) الكلم الطّيّب يصعد إلى الله- عزّ وجلّ- خاصّة مع العمل الصّالح.
(6) الكلم الطّيّب فيه أداء لحقّ المجالس.
(7) الكلم الطّيّب يرفع درجات صاحبه.
(8) الكلم الطّيّب مدعاة للتّذكّر والخشية.
(9) الكلم الطّيّب يزيل العداوة ويحلّ محلّها الصّداقة الحميمة.
__________
(1) انظر المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (137/ 141) .
(2) المرجع السابق (1/ 442) .(8/3294)
[حرف اللام]
اللين
اللين لغة:
مصدر قولهم: لان يلين، وهو مأخوذ من مادّة (ل ي ن) الّتي تدلّ على خلاف الخشونة، يقال: هو في ليان من عيشه أي نعمة، وفلان ملينة أي ليّن الجانب «1» ، ويقال أيضا: فلان ليّن، ولين مخفّف منه، وليّنت الشّيء: صيّرته ليّنا، ويقال فيه (كذلك) ألنته وألينته، واللّيان: الملاينة واللّطف وهو الاسم من اللّين، واستلان الشّيء: عدّه ليّنا «2» ، أو رآه كذلك.
وقال ابن منظور: يقال في فعل الشّيء اللّيّن:
لان الشّيء يلين لينا وليانا، وفي الحديث: «يتلون كتاب الله ليّنا، أي سهلا على ألسنتهم «3» ، وتقول العرب:
فلان هيّن ليّن، وهين لين، بالتّثقيل والتّخفيف، وقولهم: أليناء إنّما هو جمع ليّن (بالتّشديد) ، وليس جمعا ل «لين» بالتّخفيف، لأنّ فعلا لا يجمع على أفعلاء «4» .
وقول الله عزّ وجلّ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (آل عمران/ 159) معناه- كما يقول القرطبيّ:
أنّه عليه الصّلاة والسّلام لمّا رفق بمن تولّى يوم أحد ولم يعنّفهم بيّن الرّبّ تعالى أنّه فعل ذلك بتوفيق الله تعالى إيّاه «5» ، والقول اللّيّن في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه/ 44)
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 12/ 10
يراد به: الكلام الرّقيق السّهل، قال ابن كثير: الحاصل من أقوالهم في هذه الآية: أنّ دعوة موسى وهارون (لفرعون) تكون بكلام رقيق ليّن سهل رفيق ليكون (ذلك) أوقع في النّفوس وأبلغ وأنجع «6» ، أمّا لين الجلود والقلوب في قوله عزّ وجلّ: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر/ 23) ففيه إشارة إلى إذعانهم للحقّ وقبولهم له بعد تأبّيهم منه وإنكارهم إيّاه «7» ، وقال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عندما يسمعون كلام الجبّار «8» .
اللين اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- اللّين مصطلحا، وقد اكتفى اللّغويّون والمفسّرون بذكر المعنى الاستعماليّ أو المعنى المراد، وقد ذكر الفيروزاباديّ اللّين- بحسب ما يتعلّق به- إمّا لين في الأجساد كلين الشّمع والحديد وغيرهما، وإمّا لين في المعاني، كلين الطّبع ولين القول «9» .
وقال الرّاغب: اللّين ضدّ الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام ثمّ يستعار للخلق وغيره من المعاني، فيقال: فلان ليّن وفلان خشن، وكلّ واحد منهما يمدح
__________
(1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس 5/، 225
(2) الصحاح 6/، 2198
(3) النهاية لابن الأثير 4/، 286
(4) لسان العرب (بتصرف يسير) 13/ 294-، 295
(5) تفسير القرطبي 4/، 248
(6) تفسير ابن كثير 3/، 161
(7) المفردات للراغب ص 457 (ت: كيلاني) .
(8) انظر نص كلام ابن كثير في قسم الآثار.
(9) بصائر ذوي التمييز 4/، 472(8/3295)
به طورا، ويذمّ به طورا بحسب اختلاف المواقع «1» .
وفي ضوء ذلك يمكننا أن نستخلص للّين بمعناه الأخلاقيّ تعريفا اصطلاحيّا فنقول:
اللّين: هو سهولة الانقياد للحقّ، والتلطّف في معاملة النّاس وعند التّحدّث إليهم.
أقسام اللين:
ينقسم اللّين بحسب ما يضاف إليه إلى:
1- لين القول، ويعني التلطّف في الحديث مع النّاس وأكثر ما يكون ذلك مرغوبا في مجال الدّعوة إلى الله- عزّ وجلّ-.
2- لين القلب، ويعني رقّته وخشيته من الله عزّ وجلّ، وأكثر ما يكون ذلك عند سماع القرآن.
3- لين المعاملة، ويعني الرّفق في معاملة المقصّرين والتماس العذر لهم وعدم تعنيفهم كما حدث من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، حيث لم يعنّف المقصّرين بتوفيق الله وبرحمة منه.
الفرق بين اللين والرفق:
كما يتّضح من أقسام اللّين فإنّ بين الرّفق واللّين عموما وخصوصا يتّفقان في مجال المعاملة، وينفرد اللّين بمجالي اللّسان والقلب، ومن ثمّ يكون اللّين أعمّ من الرّفق.
[للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- الرفق- الشفقة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الحنان- العطف- الرأفة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغضب- العنف- القسوة- الجفاء- العبوس- سوء المعاملة] .
الآيات الواردة في «اللين»
1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2»
2- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) «3»
3- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «4»
الآيات الواردة في «اللين» معنى
انظر الآيات الواردة في صفات: التيسير- الرأفة- الرحمة- الرفق- الشفقة
__________
(1) المفردات للراغب ص، 457
(2) آل عمران: 159 مدنية.
(3) طه: 43- 45 مكية.
(4) الزمر: 23 مكية.(8/3296)
الأحاديث الواردة في (اللين)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
استأذن «1» رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» ، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت، ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه- اتّقاء فحشه» ) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبا وأرقّ أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، رأس الكفر قبل المشرق» ) * «3» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أرى اللّيلة في المنام ظلّة «4» تنطف «5» السّمن والعسل، فأرى النّاس يتكفّفون «6» منها بأيديهم. فالمستكثر والمستقلّ، وأرى سببا «7» واصلا «8» من السّماء إلى الأرض، فأراك أخذت فانقطع به. ثمّ أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فانقطع به ثمّ وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول الله! بأبي أنت، والله! لتدعنّي فلأعبرنّها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اعبرها» قال أبو بكر: أمّا الظلّة فظلّة الإسلام، وأمّا الّذي ينطف من السّمن والعسل فالقرآن، حلاوته ولينه، وأمّا ما يتكفّف النّاس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأمّا السّبب الواصل من السّماء إلى الأرض فالحقّ الّذى أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله به ثمّ يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثمّ يوصل له فيعلو به، فأخبرني، يا رسول الله! بأبي أنت! أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» «9» ، قال: فو الله! يا رسول الله! لتحدّثني ما الّذي أخطأت؟ قال: «لا
__________
(1) «أنّ رجلا ... إلخ» قال القاضي: هذا الرجل هو عيينة بن حصن، ولم يكن أسلم حينئذ، وإن كان قد أظهر الإسلام، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبيّن حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله. قال: وكان في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبعده، ما دلّ على ضعف إيمانه، وارتد مع المرتدين. وجيىء به أسيرا إلى أبي بكر- رضي الله عنه- ووصف النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه بأنه بئس أخو العشيرة، من أعلام النبوة، لأنه ظهر كما وصف، وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الإسلام، والمراد بالعشيرة: قبيلته، أي بئس هذا الرجل منها.
(2) البخاري- الفتح (6054) .
(3) البخاري- الفتح (4388) ، ومسلم (52) واللفظ له.
(4) ظلة: أي سحابة.
(5) تنطف: أي تقطر قليلا قليلا.
(6) يتكففون: يأخذون بأكفهم.
(7) سببا: السبب الحبل.
(8) واصلا: الواصل بمعنى الموصول.
(9) «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» : اختلف العلماء في معناه. فقال ابن قتيبة وآخرون: معناه: أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن آمرك بها. وقال آخرون: هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد لأنه صلّى الله عليه وسلّم قد أذن له في ذلك وقال: «اعبرها» . وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها. فإنّ الرائي قال: رأيت ظله تنطف السمن والعسل. ففسره الصديق- رضي الله عنه- بالقرآن حلاوته ولينه. وهذا إنما هو تفسير العسل. وترك تفسير السمن، وتفسيره السنة. فكان حقه أن يقول: القرآن والسنة. وإلى هذا أشار الطحاوي. وقال آخرون: الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ(8/3297)
تقسم» ) * «1» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ «2» لم تحصّل من ترابها «3» ، قال: فقسّمها بين أربعة نفر، فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء ...
الحديث، وفيه: فقام إليه عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال:
«لا» ، فقال: «إنّه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله ليّنا رطبا «4» » ) * «5» .
5-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: احتبس عنّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة عن صلاة الصبح حتّى كدنا نتراءى «6» عين الشّمس، فخرج سريعا فثوّب بالصّلاة، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتجوّز في صلاته، فلمّا سلّم دعا بسوطه قال لنا على مصافّكم، كما أنتم ثمّ انفتل «7» إلينا ثمّ قال: «أما إنّي سأحدّثكم ما حبسني عنكم الغداة: إنّي قمت من اللّيل فتوضّأت وصلّيت ما قدّر لي فنعست في صلاتي حتّى استثقلت، فإذا أنا بربّى تبارك وتعالى فى أحسن صورة، فقال: يا محمّد. قلت: لبيك ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قلت: لا أدري، قال: فرأيته وضع كفّه بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت، فقال: يا محمّد، قلت: لبيك ربّ، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفّارات، قال: ما هنّ؟
قلت: مشي الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد بعد الصّلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: فيم؟، قلت: إطعام الطّعام، ولين الكلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام، قال: سل، قل اللهمّ إنّى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة قوم فتوفّني غير مفتون، أسألك حبّك وحبّ من يحبّك، وحبّ عمل يقرّب إلى حبّك» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها حق فادرسوها ثمّ تعلّموها» ) * «8» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقيموا الصّفوف، فإنّما تصفّون بصفوف الملائكة، وحازوا بين المناكب، وسدّوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشّيطان، ومن وصل صفّا وصله الله تبارك وتعالى، ومن قطع صفّا قطعه الله» ) * «9» .
7-* (عن عبد الله بن عمرو (ابن العاص)
__________
بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل به فيعلو به. وعثمان قد خلع قهرا وقتل وولى غيره. فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه (أي بني أمية) .
(1) مسلم (2269) .
(2) أديم مقروظ: أي جلد مدبوغ بالقرظ.
(3) لم تحصل من ترابها: أي لم تصفّ من التراب الذي يخالطها.
(4) لينا رطبا: هكذا هو في أكثر النسخ: لينا، بالنون أي سهلا، وفي كثير من النسخ ليّا، ومعناه: سهلا لكثرة حفظهم.
(5) انظر الحديث كاملا في: مسلم (1064) ، وله روايات عديدة) .
(6) نتراءى: أي نرى عين الشمس.
(7) انفتل: أقبل علينا.
(8) الترمذي (32358، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(9) المسند (2/ 98) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (حديث رقم 5724) ، وأبو داود (666) ، وذكره الألباني في صحيح أبي داود 1/ 131 حديث (620) .(8/3298)
- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» ، فقال أبو موسى الأشعريّ: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطّعام، وبات لله قائما والنّاس نيام» ) * «1» .
8-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «حرّم على النّار كلّ هيّن ليّن سهل قريب من النّاس» ) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكلمة اللّيّنة «3» صدقة، وكلّ خطوة يمشيها إلى الصّلاة- أو قال: إلى المسجد- صدقة» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (اللين) معنى
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الزّرع، لا تزال الرّيح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز «5» ، لا تهتزّ حتّى تستحصد «6» » ) * «7» .
11-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل الخامة «8» من الزّرع، تفيئها الرّيح، تصرعها مرّة وتعدلها أخرى، حتى تهيج. ومثل الكافر كمثل الارزة المجذبة «9» على أصلها لا يفيئها شيء حتّى يكون انجعافها مرّة واحدة» ) * «10» .
12-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله
__________
(1) أحمد (2/ 173) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (10/ 420) وقال: رواه أحمد، ورجاله وثقوا، على ضعف في بعضهم. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 254) وقال: رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. وصححه ابن حبان (641) ، والحاكم (/ 321) وصححه ووافقة الذهبي.
(2) المسند (1/ 415) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، واللفظ له، والترمذي (2488) ، وقال: حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (11698) : حديث حسن. ورواه المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 418) .
(3) ورد في بعض النسخ «الطيبة» بدلا من «اللينة» وهي بمعناها.
(4) المسند (2/ 213) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (حديث رقم 8096) .
(5) «الأرز» : قال العلايلي في معجمه: الأرز جنس شجر حي من فصيلة الصنوبريات، واحدته أرزة، وليس هو الشربين ولا الصنوبر، كما وقع في الأصول القديمة، وعند من جاراها. والأرز من أثمن الأشجار وأعظمها. يعلو قرابة (70- 80) قدما. وأغصانه طويلة غليظة تمتد أفقيا من الجذع، وكثيرا ما يبلغ محيط جذع الشجرة عشرين قدما أو يزيد. يفوح من قشره وأغصانه عبير هو أزكى من المسك.
(6) تستحصد: أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه.
(7) مسلم (2809) .
(8) الخامة: الطاقة الغضة اللينة من الزرع، وألفها منقلبة عن واو.
(9) المجذبة: الثابتة المنتصبة.
(10) مسلم (2810) .(8/3299)
عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إنّ هذه لموعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهتدين، عضّوا عليها بالنّواجذ، وعليكم بالطّاعة، وإن عبدا حبشيّا، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف «1» حيثما قيد انقاد» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (اللين)
1-* (قال عليّ- رضي الله عنه- في وصف العلماء الأتقياء: فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استخشن المترفون، واستوحشوا ممّا أنس منه الجاهلون) * «3» .
2-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه/ 44) ، قال: كنّه) * «4» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-:
خياركم ألاينكم مناكب في الصّلاة) * «5» .
4-* (عن قتادة- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الزمر/ 23) : هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله عزّ وجلّ بأنّه تقشعرّ جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئنّ قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنّما هذا في أهل البدع) * «6» .
5-* (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير الآية الكريمة نفسها هذه (أي لين الجلود والقلوب) صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبّار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتّخويف والتّهديد، تقشعرّ منه أي من خوفه وخشيته جلودهم فتنقبض ثمّ تلين لما يرجون ويؤمّلون من رحمته ولطفه) * «7» .
6-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه/ 44) : أعذرا
__________
(1) الجمل الأنف: الذي جعل الزمام من أنفه فيجره من يشاء من صغير أو كبير إلى حيث يريد.
(2) ابن ماجه (43) .
(3) لسان العرب لابن منظور (13/ 394) .
(4) المراد: ناده بكنيته، وقد روي عن سفيان الثوري: كنه بأبي مرّة، تفسير ابن كثير (3/ 163) .
(5) النهاية لابن الأثير (4/ 286) ، وفيه: ألاين جمع ألين، والمراد: السكون والخشوع والوقار. وانظر اللسان (13/ 295) .
(6) تفسير ابن كثير (4/ 56) .
(7) المرجع السابق (4/ 55) .(8/3300)
إليه «1» ، فقولا له: إنّ لك ربّا ولك معادا، وإنّ بين يديك جنّة ونارا) * «2» .
7-* (وعن السّدّيّ- رحمه الله تعالى- في هذه الآية الكريمة، قال: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، قال: إلى وعد الله) * «3» .
8-* (ورد في شعر منسوب لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لأميّة بن أبي الصّلت ما يشبه أن يكون من القول اللّيّن:
فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا ... إلى الله فرعون الّذي كان باغيا
فقولا له: هل أنت سوّيت هذه ... بلا وتد، حتّى استقلّت كما هيا
وقولا له: آأنت رفّعت هذه ... بلا عمد، أرفق إذن بك بانيا
قولا له: من يخرج الشّمس بكرة ... فيصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا
وقولا له: من ينبت الحبّ في الثّرى ... فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا
ويخرج منه حبّه في رءوسه ... ففي ذاك آيات لمن كان واعيا) * «4» .
9-* (وقال الكميت (في وصف آل البيت) :
هينون لينون في بيوتهم ... سنخ التّقى والفضائل الرّتب
) * «5» .
10-* (قالت جدّة سفيان (لعلّه الثّوريّ) لسفيان:
بنيّ إنّ البّرّ شيء هيّن ... المفرش اللّيّن والطعيّم
ومنطق إذا نطقت ليّن) * «6» ، «7» .
__________
(1) أعذرا إليه: أي اقطعا عذره في التجبّر من قوله: أعذر من أنذر.
(2) تفسير ابن كثير (3/ 161) .
(3) المرجع السابق (4/ 56) .
(4) المرجع السابق (3/ 161) .
(5) شرح هاشميات الكميت ص، 121
(6) وتروى هذه الأبيات أيضا بتخفيف هيّن وليّن: أي هين ولين.
(7) تفسير ابن كثير (4/ 56) .(8/3301)
من فوائد (اللين)
(1) اللّين من صفات المؤمنين البررة.
(2) اللّين أثر من آثار رحمة الله تعالى.
(3) اللّين في القول أدعى إلى الإجابة والقبول خاصّة في مجال الدّعوة إلى الله عزّ وجلّ.
(4) اللّين في المعاملة يعطف قلوب النّاس ويجمعهم حول من يلين لهم.
(5) اللّين في القلب عند سماع آيات الله دليل على كمال الإيمان وقوّة الإسلام.
(6) اللّين يورث الدّرجات العلى من الجنّة.
(7) لين المرء مع أخيه (في تسوية الصّفّ في الصّلاة) يسدّ فرجات الشّيطان ويساعد في تسوية الصّفوف.
(8) اللّين يباعد من النّار في الآخرة، ومن الشّرّ والعداوات في الدّنيا.
(9) اللّين يورث المحبّة والتّعاطف بين الرّؤساء والمرؤسين ويجعلهم صفّا واحدا.
(10) اللّين يجلب السّماحة والمودّة ويستدعي رحمة الله.(8/3302)
[حرف الميم]
مجاهدة النفس
المجاهدة لغة:
مصدر جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ د) الّتي تدلّ على «المشقّة» يقال: جهدت نفسي وأجهدت، والجهد الطّاقة، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) ويقال: إنّ المجهود اللّبن الّذي أخرج زبده، ولا يكاد ذلك يكون إلّا بمشقّة ونصب، وقال الجوهريّ: الجهد والجهد: الطّاقة، وقرئت الآية الكريمة بالوجهين: جُهْدَهُمْ وجُهْدَهُمْ قال الفرّاء: الجهد بالضّمّ الطّاقة، والجهد المشقّة، يقال:
جهد دابّته وأجهدها: إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها، وجهد الرّجل في كذا، أي جدّ فيه وبالغ، وجهد الرّجل فهو مجهود، من المشقّة، يقال: أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادا، والاجتهاد والتّجاهد: بذل الوسع والمجهود.
وقال ابن منظور: الجهد والجهد: الطّاقة والمشقّة وبذل الوسع مصدر من جهد، والمجاهدة مصدر جاهد.
والمجاهدة فطام النّفس عن الشّهوات، ونزع القلب عن الأماني والشّهوات «1» .
النفس لغة:
النّفس في اللّغة: الرّوح، يقال فرحت نفسه، والنّفس (أيضا) الدّم، وذلك أنّه إذا فقد الدّم من
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 18/ 25
الإنسان فقد نفسه. أو لأنّ النّفس تخرج بخروجه، يقال: سالت نفسه، وفي الحديث «ما ليس له نفس سائلة لا ينجّس الماء إذا مات فيه» .
والنّفس أيضا الجسد، والنّفس العين، يقال:
أصابت فلانا نفس، أي عين، والنّافس العائن، ونفس الشّيء عينه يؤكّد به، يقال رأيت فلانا نفسه.
والنّفس بالتّحريك واحد الأنفاس، وقد تنفّس الرّجل وتنفّس الصّعداء، وتنفّس الصّبح، أي تبلّج، ويقال: أنت في نفس من أمرك: أي في سعة، وشيء نفيس. أي يتنافس فيه ويرغب، وهذا أنفس مالي أي أحبّه وأكرمه عندي، ويقال: نفس الشّيء نفاسة أي صار نفيسا، ونافست في الشّيء منافسة ونفاسا، إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم، وتنافسوا فيه: أي رغبوا.
وقال ابن منظور: النّفس في كلام العرب على ضربين: أحدهما: قولك خرجت نفس فلان أي روحه، وفي نفس فلان أن يفعل كذا، أي في روعه.
والآخر: جملة الشّيء وحقيقته، تقول قتل فلان نفسه، وأهلك نفسه، أي أوقع الإهلاك بذاته كلّها، وجمع النّفس أنفس (في القلّة) ونفوس (في الكثرة) ، قال ابن خالويه: النّفس: الرّوح، والنّفس: ما يكون به التّمييز، والنّفس الدّم، والنّفس: الأخ، والنّفس بمعنى عند، أمّا النّفس بمعنى الرّوح، والنّفس ما يكون به
__________
(1) لسان العرب (3/ 133- 135) . والصحاح (2/ 460) . ومقاييس اللغة (1/ 486) .(8/3303)
التّمييز فشاهده قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (الزمر/ 42) ، فالنّفس هي الّتي تزول بزوال الحياة، والنّفس الثّانية هي الّتي تزول بزوال العقل، وأمّا النّفس بمعنى الدّم فشاهده قول السّموأل:
تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا ... وليست على غير الظّبات تسيل
وأمّا النّفس بمعنى الأخ فشاهده قول الله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (النور/ 61) .
وقال ابن الأنباريّ: النّفس: الغيب، لأنّ النّفس لمّا كانت غائبة أوقعت على الغيب، كأنّه قال:
تعلم غيبي يا علّام الغيوب.
والعرب قد تجعل النّفس الّتي يحصل بها التّمييز نفسين، وذلك أنّ النّفس قد تأمر بالشّيء وتنهى عنه، وذلك عند الإقدام على أمر مكروه، فجعلوا الّتي تأمره نفسا، وجعلوا الّتي تنهاه كأنّها نفس أخرى.
والنّفس يعبّر بها عن الإنسان جميعه، كقولهم عندي ثلاثة أنفس، وذلك كما في قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (الزمر/ 56) وروي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لكلّ إنسان نفسان: إحداهما نفس العقل الّذي يكون به التّمييز، والأخرى: نفس الرّوح الّذي به الحياة، وقال بعض اللّغويّين: النّفس والرّوح واحد، وقال آخرون:
هما متغايران إذ النّفس هي الّتي بها العقل، والرّوح هي الّتي بها الحياة، وسمّيت النّفس نفسا لتولّد النّفس منها واتّصاله بها، كما سمّوا الرّوح روحا لأنّ الروح موجود بها.
ومن معاني النّفس أيضا: العظمة والكبر، والعزّة، والهمّة، وعين الشّيء وكنهه وجوهره، والأنفة، والعين (الّتي تصيب المعين أي من أصابته العين الحاسدة) «1» .
النفس اصطلاحا:
النّفس: هي الجوهر البخاريّ اللّطيف الحامل لقوّة الحياة والحسّ والحركة الإراديّة «2» .
أنواع النفس:
1- النّفس الأمّارة: وهي الّتي تميل إلى الطّبيعة البدنيّة وتأمر باللّذّات والشّهوات الحسّيّة، وتجذب القلب إلى الجهة السّفليّة، فهي مأوى الشّرور، ومنبع الأخلاق الذّميمة (وهذه هي النّفس الّتي يجب مجاهدتها) .
2- النّفس اللّوّامة: وهي الّتي تنوّرت بنور القلب قدر ما تنبّهت به عن سنة الغفلة، وكلّما صدرت عنها سيّئة بحكم جبلّتها أخذت تلوم نفسها.
3- النّفس المطمئنّة: وهي الّتي تمّ تنوّرها بنور القلب، حتّى انخلعت عن صفاتها الذّميمة وتخلّقت بالأخلاق الحميدة «3» .
وقال الجاحظ: وللنّفس ثلاث قوى وهي تسمّى أيضا نفوسا، وهي:
النّفس الشّهوانيّة: ويشترك فيها الإنسان وسائر الحيوان.
النّفس الغضبيّة: وهي أيضا قاسم مشترك بين
__________
(1) انظر الصحاح (3/ 984) ، والمقاييس (5/ 460) ، ولسان العرب (6/ 233- 237) ط. بيروت.
(2) التعريفات للجرجاني (262) .
(3) التعريفات (263) (بإيجاز وتصرف يسير) ، وهناك أقسام أخرى ذكرها الجرجاني إلا أنها لا تتعلق بما نحن فيه مثل النفس النباتية والإنسانية والناطقة الخ.(8/3304)
الإنسان والحيوان.
النّفس النّاطقة: وهي الّتي يتميّز بها الإنسان على سائر الحيوان «1» .
مجاهدة النفس اصطلاحا:
محاربة النّفس الأمّارة بالسّوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع «2» .
وقال المناويّ: وقيل (المجاهدة) هي حمل النّفس على المشاقّ البدنيّة ومخالفة الهوى، وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع (أي المولى- عزّ وجلّ) «3» .
منزلة مجاهدة النفس:
قال ابن علّان: المجاهدة: مفاعلة من الجهد:
أي الطّاقة، فإنّ الإنسان يجاهد نفسه باستعمالها فيما ينفعها حالا ومآلا، وهي تجاهده بما تركن إليه «4» .
قال ابن حجر- رحمه الله- في قوله- يعني البخاري- (باب من جاهد نفسه في طاعة الله- عزّ وجلّ-) : يعني بيان فضل من جاهد، والمراد بالمجاهدة: كفّ النّفس عن إرادتها من الشّغل بغير العبادة.
وقال ابن بطّال: جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات/ 40) . ويقع بمنع النّفس عن المعاصي، وبمنعها من الشّبهات، وبمنعها من الإكثار من الشّهوات المباحة لتتوفّر لها في الآخرة. قلت: ولئلّا يعتاد الإكثار فيألفه فيجرّه إلى الشّبهات، فلا يأمن أن يقع في الحرام.
كيفية المجاهدة:
وعن أبي عمرو بن بجيد: من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه. قال القشيريّ: أصل مجاهدة النّفس فطمها عن المألوفات، وحملها على غير هواها.
وللنّفس صفتان: انهماك في الشّهوات، وامتناع عن الطّاعات، فالمجاهدة تقع بحسب ذلك. قال بعض الأئمّة: جهاد النّفس داخل في جهاد العدوّ، فإنّ الأعداء ثلاثة: رأسهم الشّيطان، ثمّ النّفس لأنّها تدعو إلى اللّذّات المفضية إلى الوقوع في الحرام الّذي يسخط الرّبّ، والشّيطان هو المعين لها على ذلك ويزيّنه لها. فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه، فمجاهدة نفسه حملها على اتّباع أوامر الله واجتناب نواهيه. وإذا قوي العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدّين، فالأوّل: الجهاد الباطن والثّاني: الجهاد الظّاهر. وجهاد النّفس أربع مراتب: حملها على تعلّم أمور الدّين، ثمّ حملها على العمل بذلك، ثمّ حملها على تعليم من لا يعلم، ثمّ الدّعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه. وأقوى المعين على جهاد النّفس جهاد الشّيطان بدفع ما يلقي إليه من الشّبهة والشّكّ، ثمّ تحسين ما نهي عنه من المحرّمات، ثمّ ما يفضي الإكثار منه إلى الوقوع في الشّبهات، وتمام المجاهدة أن يكون متيقّظا لنفسه في جميع أحواله، فإنّه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في المنهيّات وبالله التّوفيق «5» .
وقال الغزاليّ- رحمه الله-: قد اتّفق العلماء
__________
(1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 15) .
(2) كتاب التعريفات (204) .
(3) التوقيف (ص 297) ، وقد ذكر تعريفات أخرى أقرب إلى تجليات الصوفية.
(4) دليل الفالحين (1/ 302) .
(5) فتح الباري (11/ 345- 346) .(8/3305)
على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة إلّا بنهي النّفس عن الهوى ومخالفة الشّهوات. فالإيمان بهذا واجب. وأمّا علم تفصيل ما يترك من الشّهوات وما لا يترك فلا يدرك إلّا بطريق الشّرع. وطريق المجاهدة والرّياضة لكلّ إنسان تختلف بحسب اختلاف أحواله. والأصل فيه أن يترك كلّ واحد ما به فرحه من أسباب الدّنيا، فالّذي يفرح بالمال، أو بالجاه، أو بالقبول في الوعظ، أو بالعزّ في القضاء والولاية، أو بكثرة الأتباع في التّدريس والإفادة، فينبغي أن يترك أوّلا ما به فرحه، فإنّه إن منع عن شيء من ذلك وقيل له: ثوابك في الآخرة لم ينقص بالمنع، فكره ذلك وتألّم به فهو ممّن فرح بالحياة الدّنيا واطمأنّ بها، وذلك مهلك في حقّه. ثمّ إذا ترك أسباب الفرح فليعتزل النّاس، ولينفرد بنفسه، وليراقب قلبه، حتّى لا يشتغل إلّا بذكر الله تعالى والفكر فيه. وليترصّد لما يبدو في نفسه من شهوة ووسواس، حتّى يقمع مادتّه مهما ظهر، فإنّ لكلّ وسوسة سببا، ولا تزول إلّا بقطع ذلك السّبب والعلاقة. وليلازم ذلك بقيّة العمر فليس للجهاد آخر إلّا بالموت «1» .
وقال ابن حجر- رحمه الله- في شرح المشكاة في شرح حديث ربيعة بن كعب عندما سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المرافقة في الجنّة: جاهد نفسه بكثرة سجوده حصلت له تلك الدّرجة العليّة الّتي لا مطمع في الوصول إليها إلّا بمزيد الزّلفى عند الله في الدّنيا بكثرة السّجود المومإ إليه بقوله تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (العلق/ 19) فكلّ سجدة فيها قرب مخصوص لتكفّلها بالرّقيّ إلى درجة من درجات القرب وهكذا حتّى ينتهي إلى درجة المرافقة لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم، فنتج من هذا الّذي هو على منوال قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) أنّ القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يحصل إلّا بالقرب من الله تعالى. وأنّ القرب من الله تعالى لا ينال إلّا بالقرب من رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فالقربان متلازمان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر البتّة. ومن ثمّ أوقع تعالى متابعة رسوله بين تلك المحبّتين ليعلّمنا أنّ محبّة العبد لله ومحبّته للعبد متوقّفتان على متابعة رسوله «2» .
النفس التي يجب مجاهدتها:
لا شكّ أنّ كلّا من النّفس المطمئنّة واللّوّامة، لا يصدر عنهما إلّا الأخلاق الحميدة، فعن النّفس الأولى يكون اليقين والطّمأنينة والخشوع والإخبات ونحو ذلك من الصّفات الحميدة، أمّا النّفس اللّوّامة فإنّها مبعث التّوبة والاستغفار والإنابة ونحوها، ولا يتبقّى سوى النّفس الأمّارة بالسّوء، وهي منبع الشّرور وأساس الأخلاق الذّميمة من الحسد والكبر والغضب والعدوان ونحو ذلك.
أمّا إذا نظرنا إلى قوى النّفس الغضبيّة والشّهوانيّة والنّاطقة، وهي كلّها تسمّى أيضا نفوسا فإنّها جميعا في حاجة إلى المجاهدة، لا أنّها جميعا تؤثّر في الأخلاق، محمودها ومذمومها، فالنّفس الشّهوانيّة قويّة جدّا متى لم يقهرها الإنسان ويؤدّبها ملكته واستولت عليه وانقاد لها فكان بالبهائم أشبه منه بالإنسان ومتى كان كذلك اتّصف بالفجور وغلب عليه اللهو واللّعب وارتكب الفواحش.
أمّا النّفس الغضبيّة فلا بدّ أيضا من مجاهدتها وتملّكها وإلّا كثر غضب الإنسان وظهر خرقه واشّتدّ
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 67- 69) .
(2) دليل الفالحين (1/ 318) .(8/3306)
حقده ومال إلى الانتقام، وهذه كلّها أفعال تورّط صاحبها وتوقعه في المهاوي والمهالك إذ يغلب الحسد والطّيش والقحة واللّجاج.
أمّا النّفس النّاطقة وهي الّتي يكون بها الفكر والذّكر، وهذه صفات حميدة، ولكن لهذه النّفس إلى جانب ذلك رذائل لا بدّ من مجاهدتها عليها، وهي الخبث والحيلة والملق والمكر والرّياء ونحو ذلك «1» .
جهاد النّفس يوصل إلى الأخلاق الحميدة:
وجهاد النّفس أساس كبير في تهيّؤ الإنسان للخلافة في الأرض، وحتّى تطهر تلك النّفس بالمجاهدة فإنّ لذلك أسبابه ودواعيه، يقول الرّاغب: والّذي يطهّر النّفس: العلم والعبادات الموظّفة الّتي هي سبب الحياة الأخرويّة، كما أنّ الّذي يطهر به البدن هو الماء الّذي هو سبب الحياة الدّنيويّة، ولذلك سمّاها: الحياة وسمّي ما أنزل الله تعالى في كتابه: الماء، فقال اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ (الأنفال/ 24) . فسمّى العلم والعبادة حياة من حيث إنّ النّفس متى فقدتهما هلكت هلاك الأبد، كما قال في وصف الماء: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء 30) .
وطهارة النّفس تتحقّق بإصلاح الفكر بالتّعلّم حتّي يميز بين الحقّ والباطل في الاعتقاد، وبين الصّدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في الفعال، وإصلاح الشّهوة بالعفّة حتّى تسلس بالجود، والمواساة المحمودة بقدر الطّاقة، وإصلاح الحميّة بإسلاسها حتّى يحصل التّحكّم، وهو كفّ النّفس عن قضاء وطر الخوف وعن الحرص المذمومين، وبإصلاح هذه القوى الثّلاث يحصل للنّفس العدالة والإحسان «2» .
مراتب مجاهدة النّفس:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: جهاد النّفس على أربع مراتب:
الأولى: مجاهدتها على تعلّم الهدى ودين الحقّ.
الثّانية: مجاهدتها على العمل به (أي بالهدى ودين الحقّ) بعد علمه.
الثّالثة: مجاهدتها على الدّعوة إلى الحقّ.
الرّابعة: مجاهدتها على الصّبر على مشاقّ الدّعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمّل ذلك كلّه لله.
ثمّ قال- رحمه الله- عقب ذلك: فإذا استكمل (المسلم) هذه المراتب الأربع صار من الرّبّانيّين، فإنّ السّلف مجمعون على أنّ العالم لا يستحقّ أن يسمّى ربّانيّا حتّى يعرف الحقّ ويعمل به ويعلّمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّموات «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: محاسبة النفس- التواضع- جهاد الأعداء- العزم والعزيمة- كظم الغيظ- القوة والشدة- قوة الإرادة- الصبر والمصابرة الرجولة- التقوى- أكل الطيبات- المراقبة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- التفريط والإفراط- أكل الحرام- الغرور- الغلول- الكبر والعجب- التطفيف- الغش] .
__________
(1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (2015) بتصرف واختصار.
(2) الذريعة للراغب (38، 48) .
(3) زاد المعاد (3/ 10- 11) بتصرف.(8/3307)
الآيات الواردة في «مجاهدة النفس» معنى
1- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «1»
2- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) * وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «2»
3- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3»
4- لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1)
وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3)
بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) «4»
5- وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «5»
6- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7)
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) «6»
__________
(1) الأنعام: 52 مكية
(2) يوسف: 23. 30 مكية
(3) الكهف: 28 مكية
(4) القيامة: 1- 4 مكية
(5) النازعات: 40- 41 مكية
(6) الشمس: 7- 9 مكية(8/3308)
الأحاديث الواردة في (مجاهدة النفس)
1-* (عن فضالة بن عبيد يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «كلّ ميّت يختم على عمله إلّا الّذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنّه ينمّى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر» وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه» ) * «1» .
2-* (عن سبرة بن أبي فاكه- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان قعد «2» لابن آدم بأطرقه، قعد في طريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟
فعصاه وأسلم، وقعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنّما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطّول «3» ، فعصاه فهاجر، ثمّ قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد؟ فهو جهد النّفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فمن فعل ذلك كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، وإن غرق كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، أو وقصته دابّته كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (مجاهدة النفس) معنى
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى. يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. فذلكم الرّباط» «5» ) * «6» .
__________
(1) أحمد في المسند (6/ 20- 22) ، والترمذي (1621) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (2500) إلى قوله «فتنة القبر» وقال محقق جامع الأصول (11/ 21) : إسناده حسن.
(2) إن الشيطان قعد: قد جاء في لفظ الحديث، قال «قعد الشيطان لابن آدم بأطرقه» يريد جمع طريق، والمعروف في جمع طريق: أطرقة، وهو جمع قلة، والكثرة: طرق، فأما أطرق في جمع طريق فلم أسمعه ولا رأيته، وأما أفعلة في جميع فعيل، فقد جاء كثيرا، قالوا: رغيف وأرغفة، وجريب وأجربة، وكثيب وأكثبة، وسرير وأسرة، فأما أفعل في جمع فعيل: فلم يجىء إلا فيما كان مؤنثا نحو: يمين وأيمن، فإن كان نظر في جمع طريق إلى جواز تأنيثها، فجمعها جمع المؤنث، فقال طريق وأطرق، فيجوز فإن الطريق يذكر ويؤنث، تقول: الطريق الأعظم، والطريق العظمى.
(3) الطّول: الحبل.
(4) النسائي (6/ 21- 22) . في الجهاد. وقال محقق جامع الأصول (9/ 540- 541) واللفظ له إسناده حسن وصححه ابن حبان وحسنه الحافظ في الإصابة (3/ 64)
(5) فذلكم الرباط: أي الرباط المرغب فيه، وأصل الرباط على الشيء، كأنه حبس نفسه على هذه الطاعات.
(6) مسلم برقم (251) .(8/3309)
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا «1» فقد آذنته «2» بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مساءته» ) * «3» .
5-* (عن معقل بن يسار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ «4» » ) * «5» .
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله! غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد ابن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد.
قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه «6» .
قال أنس: كنّا نرى- أو نظنّ- أنّ هذه الاية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) إلى آخر
__________
(1) من عادى لي وليا: المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته. وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه، وأجيبب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا، بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر، والمبتدع في بغضه للسني، فتقع المعاداة من الجانبين، أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله، وأما من جانب الآخر فلما تقدم، وكذا الفاسق المجاهر ببغضه الولي في الله وببغضه الآخر لإنكاره عليه ملازمته لنهيه عن شهواته. وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الآخر بالقوة، قال الكرماني: قوله «لي» هو في الأصل صفة لقوله «وليّا» لكنه لما تقدم صار حالا. وقال ابن هبيرة في الإفصاح: قوله «عادى لي وليا» أي اتخذه عدوا ولا أرى المعنى إلا أنه عاداه من أجل ولايته وهو وإن تضمن التحذير من إيذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض. فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة، وبين العباس وعلي، إلى غير ذلك من الوقائع:- فتح الباري (11/ 350) .
(2) فقد آذنته: بالمد وفتح المعجمة بعدها نون أي أعلمته، والإيذان الإعلام، ومنه أخذ الأذان، فتح الباري (11/ 350) .
(3) البخاري. انظر الفتح 11 (6502) .
(4) العبادة في الهرج كهجرة إلي: المراد بالهرج هنا الفتن واختلاط أمور الناس وأن أفرادا هم الذين يجاهدون أنفسهم على لزوم العبادة.
(5) مسلم برقم (2948) .
(6) البنان: أطراف الأصابع.(8/3310)
الآية» ) * «1» .
7-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كان رجل لا أعلم رجلا أبعد من المسجد منه.
وكان لا تخطئه صلاة. قال:- فقيل له: أو قلت له-:
لو اشتريت حمارا تركبه في الظّلماء وفي الرّمضاء. قال:
ما يسرّني أنّ منزلي إلى جنب المسجد. إنّي أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد جمع الله لك ذلك كلّه» ) * «2» .
8-* (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» فقلت:
أسألك مرافقتك في الجنّة. قال «أو غير ذلك؟» قلت:
هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «3» .
9-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ، ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: «الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل شعار الصّالحين «4» ، قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) ثمّ قال: ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك «5» ذلك كلّه؟» قلت: بلى، يا نبيّ الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال:
«ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم؟!» ) * «6» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الجنّة قال لجبريل:
اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء، فقال: أي ربّ، وعزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، ثمّ حفّها بالمكاره، ثمّ قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء فقال: أي
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2805) واللفظ له ومسلم برقم (1903) .
(2) مسلم (663) .
(3) مسلم (489) .
(4) شعار الصالحين: الشعار العلامة، وهو: ما يتنادى به الناس في الحرب مما يكون بينهم علامة يتعارفون بها.
(5) الملاك- بكسر الميم وفتحها- قوام الشيء ونظامه وما يعتمد عليه فيه.
(6) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأحمد في المسند، وابن ماجه، وقال محقق جامع الأصول (9/ 534- 535) : هو حديث صحيح بطرقه.(8/3311)
ربّ، وعزّتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد» قال:
«فلمّا خلق الله النّار قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء فقال: أي ربّ، وعزّتك، لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفّها بالشّهوات، ثمّ قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثمّ جاء فقال: أي ربّ، وعزّتك، لقد خشيت ألّا يبقى أحد إلّا دخلها» ) * «1» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد من يملك نفسه عند الغضب» ) * «2» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي «3» . وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وإن تقرّب إليّ شبرا، تقرّبت إليه ذراعا.
وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا. وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «4» .
13-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال «5» ومواقع القطر «6» يفرّ بدينه من الفتن» ) * «7» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (مجاهدة النفس)
14-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى حتّى انتفخت قدماه. فقيل له:
أتكلّف هذا «8» ؟ وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال «أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «9» .
__________
(1) أبو داود (4744) واللفظ له وقال الألباني (3/ 898) : حسن صحيح. والترمذي (2563) وقال: حسن وأصله في الصحيحين. انظر صحيح مسلم رقم (2822، 2823) . والنسائي (7/ 43) الأيمان والنذور.
(2) البخاري- الفتح 10 (6114) واللفظ له. ومسلم برقم (2609) .
(3) أنا عند ظن عبدي بي: قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية. وقيل: المراد به الرجاء وتأميل العفو. وهذا أصح.
(4) البخاري. انظر الفتح 13 (7405) واللفظ له ومسلم برقم (2675) . وكذلك عند البخاري من حديث أنس (7536) مختصرا.
(5) شعف الجبال: يريد به رأس جبل من الجبال.
(6) مواقع القطر: أي مواطن المطر.
(7) البخاري- الفتح 1 (19) .
(8) أتكلّف هذا؟ أي أتتكلف هذا؟ فحذفت إحدى التاءين.
(9) البخاري- الفتح 3 (1130) . ومسلم (2819) واللفظ له.(8/3312)
15-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء. قلنا: وما هممت؟ قال: أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
16-* (عن حذيفة؛ قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فافتتح البقرة. فقلت «2» : يركع عند المائة. ثمّ مضى. فقلت «3» : يصلّي بها في ركعة.
فمضى. فقلت: يركع بها. ثمّ افتتح النّساء فقرأها. ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا. إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مرّ بسؤال سأل. وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ثمّ قام طويلا. قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه) * «4» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل العشر «5» ، أحيا اللّيل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر) * «6» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى، قام حتّى تفطّر «7» رجلاه. فقالت عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال:
«يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (مجاهدة النفس)
1-* (قال عيسى- عليه السّلام-: «طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره) » * «9» .
2-* (قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- في وصيّته لعمر حين استخلفه: «إنّ أوّل ما أحذّرك:
نفسك الّتي بين جنبيك» ) * «10» .
3-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (الحاقة/ 18)) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1135) .
(2) فقلت أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مائة آية.
(3) فقلت يصلي بها في ركعة: معناه ظننت أنه يسلم بها، فيقسمها ركعتين. وأراد بالركعة الصلاة بكاملها، وهي ركعتان، ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده، وعلى هذا فقوله: ثم مضى، معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة. فحينئذ قلت: يركع الركعة الأولى بها، فجاوز وافتتح النساء.
(4) مسلم (772) .
(5) إذا دخل العشر: أي العشر الأواخر من رمضان.
(6) البخاري- الفتح 4 (2024) . ومسلم (1174) واللفظ له
(7) تفطر: أصلها تتفطر. حذفت إحدى التاءين. أي تتشقق.
(8) البخاري- الفتح 8 (4837) . ومسلم (2820) واللفظ له.
(9) إحياء علوم الدين (3/ 71) .
(10) جامع العلوم والحكم (172) .
(11) مدارج السالكين (1/ 189- 190) .(8/3313)
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت عمر بن الخطّاب- وخرجت معه، حتّى إذا دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط-: «عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ بخ. والله يا ابن الخطّاب لتتّقينّ الله، أو ليعذبنّك» ) * «1» .
5-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-:
«أوّل ما تنكرون من جهادكم أنفسكم» ) * «2» .
6-* (في السّنن لسعيد بن منصور قال:
«حدّثنا عبد الوهّاب بن وهب، أخبرني عمر بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أنّه بلغه أنّ ابن رواحة- فذكر شعرا له- قال: فلمّا التقوا أخذ الرّاية زيد ابن حارثة، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها جعفر، فقاتل حتّى قتل، ثمّ أخذها ابن رواحة فحاد حيدة فقال:
أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... كارهة أو لتطاوعنّه
ما لي أراك تكرهين الجنّه
ثمّ نزل فقاتل حتّى قتل) * «3» .
7-* (سأل أحدهم عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن الجهاد، فقال له: «ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها) » * «4» .
8-* (عن عمّار بن ياسر قال: ثلاث من جمعهنّ جمع الإيمان: «الإنصاف من نفسه، والإنفاق من الإقتار، وبذل السّلام للعالم» ) * «5» .
9-* (قال إبراهيم بن علقمة لقوم جاءوا من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: وما الجهاد الأكبر؟، قال: جهاد القلب) * «6» .
10-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-:
ما عالجت شيئا أشدّ عليّ من نفسي، مرّة لي ومرّة عليّ) * «7» .
11-* (كان أبو العبّاس الموصليّ، يقول لنفسه: يا نفس، لا في الدّنيا مع أبناء الملوك تتنعّمين، ولا في طلب الآخرة مع العبّاد تجتهدين، كأنّى بك بين الجنّة والنّار تحبسين، يا نفس ألا تستحيين) * «8» .
12-* (قال الحسن: ما الدّابّة الجموح بأحوج إلى اللّجام الشّديد من نفسك) * «9» .
13-* (قال ميمون بن مهران: لا يكون الرّجل تقيّا حتّى يحاسب نفسه محاسبة شريكه وحتّى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه) * «10» .
14-* (قال ابن المبارك: فقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ
__________
(1) أخرجه في الموطأ (2/ 992) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 19) : إسناده صحيح.
(2) جامع العلوم والحكم (171) .
(3) فتح الباري (7/ 584) .
(4) جامع العلوم والحكم (171) .
(5) كتاب الزهد لوكيع (2/ 504) .
(6) جامع العلوم والحكم (171) .
(7) إحياء علوم الدين (3/ 71) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) كتاب الزهد لوكيع (2/ 501- 502) .(8/3314)
النّصر مع الصّبر» يشمل النّصر في الجهادين: جهاد العدوّ الظّاهر وجهاد العدوّ الباطن. فمن صبر فيهما نصر وظفر بعدوّه، ومن لم يصبر فيهما وجزع. قهر وصار أسيرا لعدوّه أو قتيلا له) * «1» .
15-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: لا يسيء الظّنّ بنفسه إلّا من عرفها. ومن أحسن الظّنّ بنفسه فهو من أجهل النّاس بنفسه) * «2» .
16-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: إنّ النّفس عدوّ منازع، يجب علينا مجاهدتها) * «3» .
17-* (نقل ابن رجب في مجاهدة النّفس عن أبى بكر قوله: وهذا الجهاد يحتاج أيضا إلى صبر، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبهم، وحصل له النّصر والظّفر، وملك نفسه فصار ملكا عزيزا، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غلب وقهر وأسر، وصار عبدا ذليلا أسيرا في يد شيطانه وهواه كما قيل:
إذا المرء لم يغلب هواه أقامه ... بمنزلة فيها العزيز ذليل «4»
18-* (وقال- رحمه الله- بعد أن ساق كثيرا من الأحاديث والآثار في جهاد العدوّ الخارجيّ:
«وكذلك جهاد العدوّ الباطن، وهو جهاد النّفس والهوى؛ فإنّ جهادهما من أعظم الجهاد» ) * «5» .
19-* (قال الشّاعر:
يا من يجاهد غازيا أعداء دي ... ن الله يرجو أن يعان وينصرا
هلّا غشيت النّفس غزوا إنّها ... أعدى عدوّك كي تفوز وتظفرا
مهما عنيت جهادها وعنادها ... فلقد تعاطيت الجهاد الأكبرا «6» .
20-* (قال الفيروز آباديّ: والحقّ أن يقال:
المجاهدة ثلاثة أضرب: مجاهدة العدوّ الظّاهر ومجاهدة الشّيطان، ومجاهدة النّفس. والمجاهدة تكون باليد واللّسان) * «7» .
21-* (لله درّ من يقول: كلّما عظم المطلوب في قلبك، صغرت نفسك عندك، وتضاءلت القيمة الّتي تبذلها في تحصيله، وكلّما شهدت حقيقة الرّبوبيّة وحقيقة العبوديّة، وعرفت الله وعرفت النّفس، وتبيّن لك أنّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحقّ، ولو جئت بعمل الثّقلين خشيت عاقبته وإنّما يقبله بكرمه وجوده وتفضّله. ويثيبك عليه أيضا بكرمه وجوده وتفضّله) * «8» .
22-* (قال يحيى بن معاذ الرّازيّ: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدّنيا بالزّهد فيها، ومن الشّيطان بمخالفته، ومن النّفس بترك الشّهوات) * «9» .
__________
(1) جامع العلوم والحكم (172) .
(2) مدارج السالكين (1/ 191) .
(3) إحياء علوم الدين (3/ 65) .
(4) جامع العلوم والحكم (172) .
(5) المرجع السابق (171) .
(6) بصائر ذوي التمييز (2/ 402) .
(7) المرجع السابق (2/ 403) .
(8) مدارج السالكين (1/ 196) .
(9) إحياء علوم الدين (3/ 71) .(8/3315)
23-* (وقال أيضا: جاهد نفسك بأسياف الرّياضة. والرّياضة على أربعة أوجه: القوت من الطّعام، والغمض من المنام، والحاجة من الكلام، وحمل الأذى من جميع الأنام، فيتولّد من قلّة الطّعام موت الشّهوات، ومن قلّة المنام صفو الإرادات، ومن قلّة الكلام السّلامة من الآفات، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات. وليس على العبد شيء أشدّ من الحلم عند الجفاء، والصّبر على الأذى، وإذا تحرّكت من النّفس إرادة الشّهوات والآثام، وهاجت منها حلاوة فضول الكلام جرّدت سيوف قلّة الطّعام من غمد التّهجّد وقلّة المنام، وضربتها بأيدي الخمول وقلّة الكلام، حتّى تنقطع عن الظّلم والانتقام، فتأمن من بوائقها من بين سائر الأنام، وتصفّيها من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها، فتصير عند ذلك نظيفة ونوريّة خفيفة روحانيّة، فتجول في ميدان الخيرات، وتسير في مسالك الطّاعات، كالفرس الفاره في الميدان وكالملك المتنزّه في البستان) * «1» .
24-* (كان مالك بن دينار يطوف في السّوق فإذا رأى الشّيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري، فو الله ما أمنعك إلّا من كرامتك عليّ) * «2» .
25-* (قال بعض العارفين في قوله تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا (العنكبوت/ 69) : ومن جملة المجاهدات مجاهدة النّفس بالصّبر عند الابتلاء، ليعقب ذلك أنس الصّفاء، وينزع عنه لباس الجفاء) * «3» .
من فوائد (مجاهدة النفس)
(1) إخضاع النّفس والهوى لطاعة الله عزّ وجلّ.
(2) إبعادها عن الشّهوات وصدّ القلب عن التّمنّي والتّشهّي.
(3) تعوّد الصّبر عند الشّدائد على الطّاعات وعن المعاصي.
(4) طريق قويم يوصّل إلى رضوان الله تعالى والجنّة.
(5) قمع للشّيطان ووساوسه.
(6) نهي النّفس عن الهوى فيه خير الدّنيا والآخرة.
(7) من جاهد نفسه وأدّبها سما بين أقرانه وفي مجتمعه.
(8) سوء الظّنّ بالنّفس يعين على محاسبتها، وتأديبها.
(9) من يجاهد نفسه يمتلك ناصية الخير ويصبح حسن الأخلاق.
(10) تحقّق إنكار الذّات وتصفّي الجماعة من الأثرة الضّارة بالجماعة والمجتمع.
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 66) .
(2) المرجع السابق (3/ 67) .
(3) دليل الفالحين (1/ 302) .(8/3316)
محاسبة النفس
المحاسبة لغة:
مصدر حاسب يحاسب، وهو مأخوذ من مادّة (ح س ب) الّتي تدلّ على العدّ، تقول: حسبت الشّيء أحسبه حسبا وحسبانا، وحسابا وحسابة إذا عددته، والمعدود: محسوب وحسب أيضا والأخير فعل بمعنى مفعول، ومنه قولهم: ليكن عملك بحسب ذلك أي على قدره وعدده، وحاسبته من المحاسبة، واحتسبت عليه كذا: إذا أنكرته عليه، وشيء حساب أي كاف، ومنه قوله تعالى: عَطاءً حِساباً (النبأ/ 36) أي كافيا، وقول الله تعالى: فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً (الطلاق/ 8) . إشارة إلى نحو ما روي «من نوقش في الحساب معذّب» والحسيب والمحاسب: من يحاسبك، ثمّ عبّر به عن المكافىء في الحساب. وفي قول الله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (البقرة/ 212) أوجه عديدة منها: أنّه يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أنّ المؤمن لا يأخذ من الدّنيا إلّا قدر ما يجب، وكما يجب، وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلّا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضرّه كما روي: من حاسب نفسه في الدّنيا لم يحاسبه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
1/ 3/ 15
الله يوم القيامة.
وقال ابن منظور: الحساب والمحاسبة: عدّك الشّيء، وحسب الشّيء يحسبه، بالضّمّ، حسبا وحسابا وحسابة: عدّه. وحاسبه: من المحاسبة. ورجل حاسب من قوم حسّب وحسّاب. وقوله تعالى: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، أي حسابه واقع لا محالة، وكلّ واقع فهو سريع، وسرعة حساب الله، أنّه لا يشغله حساب واحد عن محاسبة الآخر، وقوله- عزّ وجلّ-: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (الإسراء/ 14) ، أي كفى بك لنفسك محاسبا «1» .
النفس لغة واصطلاحا:
(انظر مجاهدة النفس)
المحاسبة اصطلاحا:
قال المناويّ: المحاسبة: هي استيفاء الأعداد فيما للمرء أو عليه «2» .
محاسبة النفس اصطلاحا:
قال الإمام الماورديّ: محاسبة النّفس: أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره فإن كان محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان
__________
(1) لسان العرب (1/ 313- 314) ، ومقاييس اللغة (2/ 59) ، والصحاح (1/ 110) ، والمفردات (117) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (298) وفي الأصل «فيما للمراد وعليه» وهو تصحيف واضح.(8/3317)
مذموما استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله فى المستقبل «1» .
أهمية محاسبة النفس:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ مطالب المتعاملين في التّجارات المشتركين في البضائع عند المحاسبة سلامة الرّبح، وكما أنّ التّاجر يستعين بشريكه فيسلّم إليه المال حتّى يتّجر ثمّ يحاسبه، فكذلك العقل هو التّاجر في طريق الآخرة وإنّما مطلبه وربحه تزكية النّفس لأنّ بذلك فلاحها، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) وإنّما فلاحها بالأعمال الصّالحة. والعقل يستعين بالنّفس في هذه التّجارة إذ يستعملها ويستسخرها فيما يزكّيها كما يستعين التّاجر بشريكه وغلامه الّذي يتّجر في ماله، وكما أنّ الشّريك يصير خصما منازعا يجاذبه في الرّبح فيحتاج إلى أن يشارطه أوّلا ويراقبه ثانيا، ويحاسبه ثالثا، ويعاقبه أو يعاتبه رابعا؛ العقل يحتاج إلى مشارطة النّفس أوّلا فيوظّف عليها الوظائف، ويشرط عليها الشّروط، ويرشدها إلى طريق الفلاح، ويجزم عليها الأمر بسلوك تلك الطّرق، ثمّ لا يغفل عن مراقبتها لحظة، فإنّه لو أهملها لم ير منها إلّا الخيانة وتضييع رأس المال، كالعبد الخائن إذا خلا له الجوّ وانفرد بالمال. ثمّ بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها، ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها، فإنّ هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى، وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشّهداء، فتدقيق الحساب في هذا مع النّفس أهمّ كثيرا من تدقيقه في أرباح الدّنيا مع أنّها محتقرة بالإضافة إلى نعيم العقبى، ثمّ كيفما كانت فمصيرها إلى التّصرّم والانقضاء، ولا خير في خير لا يدوم، بل شرّ لا يدوم خير من خير لا يدوم، لأنّ الشّرّ الّذي لا يدوم إذا انقطع بقي الفرح بانقطاعه دائما وقد انقضى الشّرّ، والخير الّذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائما، وقد انقضى الخير. ولذلك قيل:
أشدّ الغمّ عندي في سرور ... تيقّن عنه صاحبه انتقالا
فحتم على ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتّضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فإنّ كلّ نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فانقباض هذه الأنفاس- ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك- خسران عظيم هائل، لا تسمح به نفس عاقل. فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصّبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النّفس كما أنّ التّاجر عند تسليم البضاعة إلى الشّريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته. فيقول للنّفس: مالي بضاعة إلّا العمر، ومهما فني فقد فني رأس المال، ووقع اليأس من التّجارة وطلب الرّبح، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني
__________
(1) أدب الدنيا والدين (342) .(8/3318)
الله فيه، وأنسأ في أجلي وأنعم عليّ به، ولو توفّاني لكنت أتمنّى أن يرجعني إلى الدّنيا يوما واحدا حتّى أعمل فيه صالحا، فاحسبي أنّك قد توفّيت، ثمّ قد رددت فإيّاك ثمّ إيّاك أن تضيّعي هذا اليوم، فإنّ كلّ نفس من الأنفاس جوهرة لها قيمة «1» .
محاسبة النفس نوعان:
نوع قبل العمل، ونوع بعده.
فأمّا النّوع الأوّل: فهو أن يقف عند أوّل همّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتّى يتبيّن له رجحانه على تركه.
قال الحسن- رحمه الله-: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر.
النّوع الثّاني: محاسبة النّفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصّرت فيها من حقّ الله تعالى؛ فلم توقعها على الوجه الّذي ينبغي.
وحقّ الله تعالى في الطّاعة ستّة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنّصيحة لله فيه، ومتابعة الرّسول فيه، وحصول المراقبة فيه، وشهود منّة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كلّه. فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقّها، وهل أتى بها في هذه الطّاعة.
الثّاني: أن يحاسب نفسه على كلّ عمل كان تركه خيرا له من فعله.
الثّالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدّار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدّنيا وعاجلها؛ فيخسر ذلك الرّبح ويفوته الظّفر به «2» .
وقال الغزاليّ في بيان حقيقة المحاسبة بعد العمل: اعلم أنّ العبد كما يكون له وقت في أوّل النّهار يشارط فيه نفسه على سبيل التّوصية بالحقّ فينبغي أن يكون له في آخر النّهار ساعة يطالب فيها النّفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها، كما يفعل التّجّار في الدّنيا مع الشّركاء في آخر كلّ سنة أو شهر أو يوم، حرصا منهم على الدّنيا، وخوفا من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته! ولو حصل ذلك لهم فلا يبقى إلّا أيّاما قلائل، فكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلّق به خطر الشّقاوة والسّعادة أبد الآباد؟ ما هذه المساهلة إلّا عن الغفلة والخذلان وقلّة التّوفيق- نعوذ بالله من ذلك- «3» .
أركان المحاسبة:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: قال صاحب المنازل: المحاسبة أركان ثلاثة:
أحدها: أن تقايس بين نعمتك وجنايتك يعنى أن تقايس بين ما من الله وما منك، فحينئذ يظهر لك التّفاوت، ومعلوم أنّه ليس إلّا عفوه ورحمته، أو الهلاك والعطب وبهذه المقايسة تعلم حقيقة النّفس وصفاتها وعظمة جلال الرّبوبيّة وتفرّد الرّبّ بالكمال والإفضال وأنّ كلّ نعمة منه فضل، وكلّ نقمة منه عدل. ثمّ
__________
(1) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (97، 98، 99) .
(2) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 394- 395) .
(3) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 405) .(8/3319)
تقايس بين الحسنات والسّيّئات، فتعلم بهذه المقايسة أيّهما أكثر وأرجح قدرا وصفة.
وثانى هذه الأركان: أن تميّز ما للحقّ عليك من وجوب العبوديّة والتزام الطّاعة واجتناب المعصية وبين مالك وما عليك، فالّذي لك هو المباح الشّرعيّ، فعليك حقّ ولك حقّ، فأدّ ما عليك يؤتك مالك.
الثّالث: أن تعرف أنّ كلّ طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكلّ معصية عيّرت بها أخاك فهي إليك؛ لأنّ رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنّه بنفسه، وجهله بحقوق العبوديّة، وعدم عمله بما يستحقّه الرّبّ- جلّ جلاله- ويليق أن يعامل به «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: مجاهدة النفس- التقوى- المراقبة- الورع- الوقاية- الرجولة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الإهمال- التفريط والإفراط- الغلول- التهاون] .
الآيات الواردة في «محاسبة النفس» معنى
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19)
لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «2»
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 190) بتصرف واختصار.
(2) الحشر: 18- 20 مدنية(8/3320)
الأحاديث الواردة في (محاسبة النفس) معنى
1-* (عن ابن شماسة المهريّ قال: حضرنا عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت فبكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول:
يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله منّي، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته.
فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال:
«مالك يا عمرو؟» . قال: قلت أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التّراب شنّا ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور «1» ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «2» .
2-* (عن حنظلة الأسيديّ- رضي الله عنه- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: لقينى أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة.
قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة. حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «3» الأزواج والأولاد والضّيعات فنسينا كثيرا. قال أبو بكر:
فو الله، إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله، نكون عندك. تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين. فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، (ساعة وساعة) » ثلاث مرّات) * «4» .
3-* (عن شدّاد بن أوس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«الكيّس من دان نفسه «5» وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله» ) * «6» .
__________
(1) الجزور: هي الناقة التي تنحر.
(2) مسلم (121) .
(3) عافسنا: عالجنا معايشنا وحظوظنا
(4) مسلم (2750) .
(5) قال الترمذي تعقيبا على هذا الحديث: ومعنى قوله: من دان نفسه يعني من يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة.
(6) الترمذي (2577) ، وقال حديث حسن.(8/3321)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (محاسبة النفس)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا. فإنّه أهون عليكم في الحساب غدا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (الحاقة/ 18)) * «1» .
2-* (كتب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى بعض عمّاله، فكان في آخر كتابه: «أن حاسب نفسك في الرّخاء، قبل حساب الشّدّة؛ فإنّه من حاسب نفسه في الرّخاء، قبل حساب الشّدّة، عاد مرجعه إلى الرّضى والغبطة. ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى النّدامة، والحسرة. فتذكّر ما توعظ به، لكيما تنتهي، عمّا ينهى عنه، وتكون عند التّذكرة والعظة من أولي النّهى» ) * «2» .
3-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- سمعت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوما، وقد خرجت معه، حتّى دخل حائطا فسمعته يقول، وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين بخ، والله لتتّقينّ الله ابن الخطّاب، أو ليعذّبنّك) * «3» .
4-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لفضيل بن زيد الرّقاشيّ: لا يلهينّك النّاس عن ذات نفسك فإنّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النّهار بكيت وكيت، فإنّه محفوظ عليك ما قلته، ولم تر شيئا أحسن طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم) * «4» ..
5-* (عن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس، قال: كنت أصحبه، فكان عامّة صلاته الدّعاء، وكان يجيء المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثمّ يقول: حسّ «5» ، ثمّ يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا) * «6» .
6-* (قال إبراهيم التّيميّ: مثّلت نفسي في الجنّة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثمّ مثّلت نفسي في النّار آكل من زقّومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها، وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي، أيّ شيء تريدين؟ قالت:
أريد أن أردّ إلى الدّنيا، فأعمل صالحا، قال: قلت:
فأنت في الأمنيّة، فاعملي) * «7» .
7-* (قال الحسن- رحمه الله-: «إنّ العبد لا
__________
(1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (22) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (94) .
(2) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (59) ، إغاثة اللهفان (95) .
(3) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (23) .
(4) المرجع السابق (38) .
(5) حسّ: كلمة تقال عند الألم المفاجىء.
(6) إغاثة اللهفان لابن القيم (68) .
(7) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (34)(8/3322)
يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّته) * «1» .
8-* (وقال- رحمه الله-: المؤمن قوّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنّما خفّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدّنيا، وإنّما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إنّ المؤمن يفاجئه الشّيء ويعجبه، فيقول: والله إنّي لأشتهيك. وإنّك لمن حاجتي، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات. حيل بيني وبينك، ويفرط منه الشّيء فيرجع إلى نفسه، فيقول: ما أردت إلى هذا؟ مالي ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا، إنّ المؤمنين قوم أوقفهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إنّ المؤمن أسير في الدّنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتّى يلقى الله؛ يعلم أنّه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كلّه) * «2» .
9-* (قال مالك بن دينار- رحمه الله-:
رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمّ زمّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب الله- عزّ وجلّ- فكان لها قائدا) * «3» .
10-* (عن الحسن- رحمه الله-: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة/ 2) قال: لا تلقى المؤمن إلّا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي، ماذا أردت بأكلتي) * «4» .
11-* (عن وهب بن منبّه، قال: مكتوب في حكمة آل داود: حقّ على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الّذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه، وبين لذّاتها، فيما يحلّ ويحمد، فإنّ في هذه السّاعة عونا على تلك السّاعات، وإجماما للقلوب «5» .
وحقّ على العاقل أن لا يرى ظاعنا إلّا في ثلاث: زاد لميعاد، أو مرمّة «6» لمعاش، أو لذّة في غير محرّم. وحقّ على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه) * «7» .
12-* (عن ميمون بن مهران قال: لا يكون الرّجل تقيّا حتّى يكون لنفسه أشدّ محاسبة من الشّريك لشريكه) * «8» .
13-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: عرف أرباب البصائر من جملة العباد أنّ الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنّهم سيناقشون في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذّرّ من الخطرات واللّحظات، وتحقّقوا أنّه لا
__________
(1) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (34) .
(2) المرجع السابق (32) .
(3) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (ص 26) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (96) ..
(4) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (24) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (96) .
(5) إجماما للقلوب: راحة لها، والجمام بالفتح الراحة.
(6) مرمّة: متاع البيت.
(7) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (30) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (95) .
(8) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (25) ، وإغاثة اللهفان: (95) ، وإحياء علوم الدين (4/ 429) .(8/3323)
ينجيهم من هذه الأخطار إلّا لزوم المحاسبة، وصدق المراقبة، ومطالبة النّفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللّحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابه وحضر عند السّؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيّئاته، فلمّا انكشف لهم ذلك علموا أنّه لا ينجيهم منه إلّا طاعة الله وقد أمرهم بالصّبر والمرابطة فقال عزّ من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا آل عمران/ 200) فرابطوا أنفسهم أوّلا بالمشارطة، ثمّ بالمراقبة، ثمّ بالمحاسبة، ثمّ بالمعاقبة، ثمّ بالمجاهدة. ثمّ بالمعاتبة. فكانت لهم في المرابطة ستّة مقامات، ولا بدّ من شرحها وبيان حقيقتها وفضيلتها وتفصيل الأعمال فيها وأصل ذلك المحاسبة، ولكن كلّ حساب فبعد مشارطة ومراقبة، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة) * «1» .
14-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: قد دلّ على وجوب محاسبة النّفس قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر/ 18) يقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصّالحات الّتي تنجيه، أم من السّيّئات الّتي توبقه؟.
قال قتادة: ما زال ربّكم يقرّب السّاعة حتّى جعلها كغد.
والمقصود أنّ صلاح القلب بمحاسبة النّفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها) * «2» .
15-* (عن ابن أبي مليكة قال: دخلنا على ابن عبّاس- رضي الله عنه- فقال: ألا تعجبون لابن الزّبير قام فى أمره هذا، فقلت: لأحاسبنّ نفسي له، ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر ... الأثر) * «3» .
من فوائد (محاسبة النفس)
(1) تحقيق السّعادة في الدّارين.
(2) تثمر محبّة الله ورضوانه.
(3) دليل على صلاح الإنسان.
(4) البعد عن مزالق الشّيطان.
(5) دليل على الخوف من الله، ومن خاف من الله بلغ المنزلة.
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 418) .
(2) إغاثة اللهفان- ابن القيم (1/ 101) .
(3) البخاري- الفتح (4666) .(8/3324)
المحبة
المحبة لغة:
هي الاسم من الحبّ وكلاهما مأخوذ من مادّة (ح ب ب) الّتي تدلّ على اللّزوم والثّبات «1» ، قال ابن فارس: واشتقاق الحبّ والمحبّة من أحبّه إذا لزمه، والمحبّ هو البعير الّذي يجسر فيلزم مكانه، وقال الرّاغب: حببت فلانا في الأصل بمعنى أصبت حبّة قلبه، نحو: شغفته وكبدته وفأدته (أي أصبت شغفته وكبده وفؤداه) . وأمّا قولهم: أحببت فلانا فمعناه: جعلت قلبي معرّضا لحبّه واستعمل حببت في موضع: أحببت، قال: والمحبّة: إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا، والاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشّيء أن يحبّه كما في قوله تعالى وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى (فصلت/ 18) ومحبّة الله تعالى للعبد: إنعامه عليه ومحبّة العبد له طلب الزّلفى إليه.
وقال الجوهرىّ: والحبّ: المحبّة وكذلك الحبّ بالكسر، والحبّ أيضا: الحبيب، وتقول: ما كنت حبيبا، ولقد حببت بالكسر: أي صرت حبيبا، وحبّ بفلان معناه: ما أحبّه إليّ، وأصله حبب بضمّ الباء ومن ذلك قولهم حبّذا زيد، فحبّ أصله حبب وذا فاعله، وقد جعلا شيئا واحدا بمنزلة اسم يرفع ما بعده، وزيد خبره، وتحابّوا: أحبّ بعضهم بعضا،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
39/ 76/ 19
وتحبّب إليه: تودّد، وقال ابن منظور: الحبّ: الوداد.
والمحبّة والحبّ: نقيض البغض. وكذلك الحبّ بالكسر ويقال للمحبوب. وأحبّه فهو محبّ، وهو محبوب على غير قياس، وقد قيل: محبّ على القياس. قال الأزهريّ:
وحبّه يحبّه بالكسر، فهو محبوب. قال الجوهريّ: وهذا شاذّ. وحكى سيبويه: حببته وأحببته بمعنى. قال:
أبو زيد: أحبّه الله فهو محبوب. واستحبّه كأحبّه والاستحباب كالاستحسان. والمحبّة: اسم للحبّ.
وتحبّب إليه تودّد. والأنثى: حبّة، ومنه حديث فاطمة رضوان الله عليها، قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن عائشة: «إنّها حبّة أبيك» . وجمع الحبّ: أحباب وحبّان، والحبيب والحباب بالضّمّ: الحبّ والأنثى بالهاء. وحبّب إليه الأمر: جعله يحبّه. وهم يتحابّون:
أي يحبّ بعضهم بعضا. والتّحبّب: إظهار الحبّ.
وحبّان وحبّان: اسمان موضوعان من الحبّ. والمحبّة والمحبوبة جميعا: من أسماء مدينة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إيّاها «2» .
المحبة اصطلاحا:
قال الرّاغب: المحبّة ميل النّفس إلى ما تراه وتظنّه خيرا، وذلك ضربان: أحدهما طبيعيّ وذلك يكون في الإنسان والحيوان، وقد يكون في الجمادات،
__________
(1) ولهذه المادة معنيان أصليان هما: الحبة من الشيء ذي الحب، والثاني: القصر (انظر في معاني المادة وأمثلتها مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 26) .
(2) لسان العرب (1/ 289- 290) . والمصباح المنير (1/ 127) . وانظر مختار الصحاح (119) ، المقاييس (2/ 26) ، والمفردات للراغب (105) . والصحاح للجوهري (1/ 106) .(8/3325)
والآخر اختياريّ ويختصّ به الإنسان «1» .
وقال الكفويّ: المحبّة إفراط الرّضا، وهو قسمان: قسم يكون لكلّ مكلّف، وهو ما لا بدّ منه في الإيمان، وحقيقته قبول ما يرد من قبل الله من غير اعتراض على حكمه وتقديره، وقسم لا يكون إلّا لأرباب المقامات وحقيقته ابتهاج القلب وسروره بالمقضيّ، والرّضا فوق التّوكّل لأنّه المحبّة في الجملة «2» .
والمحبّة الميل إلى ما يوافق المحبّ، وقد تكون بحواسّه كحسن الصّورة، أو بفعله إمّا لذاته كالفضل والكمال، وإمّا لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر. انتهى ملخّصا قاله النّوويّ ونقله عنه ابن حجر في الفتح «3» .
أنواع المحبة (بحسب المحبين) :
المحبّة ضربان: طبيعيّ واختياريّ، وهذا الأخير على أربعة أضرب.
الأوّل: ما كان للشّهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.
الثّاني: ما كان للمنفعة، ومن ذلك ما يكون بين التّجّار وأصحاب الصّناعات والمذاهب.
الثّالث: ما كان مركّبا من الضّربين، وذلك كمن يحبّ غيره لنفع، وذلك الغير يحبّه للشّهوة.
الرّابع: ما كان للفضيلة كمحبّة المتعلّم للعالم وهي المحبّة الباقية على مرور الأوقات، أمّا الثّلاثة الأول فقد تطول مدّتها وقد تقصر «4» .
أنواع المحبة (بحسب المحبوبين) :
للمحبّة بحسب من نحبّهم أنواع ثلاثة هي:
محبّة الله تعالى ومحبّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومحبّة الخلق.
أولا: محبة الله تعالى:
هي أن تهب كلّك لمن أحببت. فلا يبقى لك منك شيء. والمراد: أن تهب إرادتك وعزمك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبّه، وتجعلها حبسا في مرضاته ومحابّه. فلا تأخذ لنفسك منها إلّا ما أعطاك، فتأخذه منه له «5» .
معقد نسبة العبودية:
ومعقد نسبة العبوديّة لله تعالى هو المحبّة.
فالعبوديّة معقودة بها، بحيث متى انحلّت المحبّة انحلّت العبوديّة. والله أعلم. وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال. الّتي متى خلت منها فهي كالجسد الّذي لا روح فيه. تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدّنيا والآخرة. إذ لهم من معيّة محبوبهم أوفر نصيب. وقد قضى الله يوم قدّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة: أنّ المرء مع من أحبّ. فيالها من نعمة على المحبّين سابغة. تالله لقد سبق القوم السّعاة، وهم على ظهير الفرش نائمون. وقد تقدّموا الرّكب بمراحل، وهم في سيرهم واقفون.
من لي بمثل سيرك المدلّل ... تمشي رويدا؟ وتجي في الأوّل
أجابوا منادي الشّوق إذ نادى بهم: حيّ على
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (363) .
(2) الكليات للكفوي (478) .
(3) فتح الباري (1/ 74) .
(4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (363) .
(5) تهذيب مدارج السالكين (512) .(8/3326)
الفلاح. وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم. تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم «1» .
وشكروا مولاهم على ما أعطاهم. وإنّما يحمد القوم السّرى عند الصّباح.
إقامة البيّنة: لمّا كثر المدّعون للمحبّة طولبوا بإقامة البيّنة على صحّة الدّعوى. فلو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى الخليّ «2» حرقة الشّجيّ «3» . فتنوّع المدّعون في الشّهود. فقيل: لا تقبل هذه الدّعوى إلّا ببيّنة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) . فتأخّر الخلق كلّهم. وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه. فطولبوا بعدالة البيّنة بتزكية يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة/ 54) . فتأخّر أكثر المحبّين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إنّ نفوس المحبّين وأموالهم ليست لهم. فهلمّوا إلى بيعة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ 111) . فلمّا عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثّمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التّبايع: عرفوا قدر السّلعة، وأنّ لها شأنا. فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس. فعقدوا معه بيعة الرّضوان بالتّراضي، من غير ثبوت خيار. وقالوا: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك» . فلمّا تمّ العقد وسلّموا المبيع، قيل لهم:
مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معها وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. إذا غرست شجرة المحبّة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثّمار. وآتت أكلها كلّ حين بإذن ربّها.
أصلها ثابت في قرار القلب. وفرعها متّصل بسدرة المنتهى. لا يزال سعي المحبّ صاعدا إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ 10) .
وإنّما يتكلّم النّاس في أسبابها وموجباتها، وعلاماتها وشواهدها، وثمراتها وأحكامها. فحدودهم ورسومهم دارت على هذه السّتّة. وتنوّعت بهم العبارات. وكثرت الإشارات، بحسب إدراك الشّخص ومقامه وحاله، وملكه للعبارة.
الأسباب الجالبة لمحبة الله والموجبة لها:
وهي عشرة:
أحدها: قراءة القرآن بالتّدبّر والتّفهّم لمعانيه وما أريد به.
الثّاني: التّقرّب إلى الله بالنّوافل بعد الفرائض.
فإنّها توصّله إلى درجة المحبوبيّة بعد المحبّة.
الثّالث: دوام ذكره على كلّ حال: باللّسان والقلب، والعمل والحال. فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذّكر.
الرّابع: إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها. وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله: أحبّه
__________
(1) سراهم: مسيرهم إلى آخر الليل أي في وقت السرى.
(2) الخلي: يقال رجل خليّ لا زوجة له وامرأة خلية لا زوج لها.
(3) الشّجيّ: الحزين يقال: أشجاه الشيء أغصه، ورجل شج: حزين، والشجي- بتخفيف الياء- هو الذي أصابه الشجى وهو الغصص، وأما الحزين فهو الشجيّ- بتشديد الياء. ومعنى المثل: ويل للمحب من عاذله.(8/3327)
لا محالة.
السّادس: مشاهدة برّه وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظّاهرة. فإنّها داعية إلى محبّته.
السّابع: وهو من أعجبها، انكسار القلب بكلّيّته بين يدي الله تعالى. وليس في التّعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثّامن: الخلوة به وقت النّزول الإلهيّ، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتّأدّب بأدب العبوديّة بين يديه. ثمّ ختم ذلك بالاستغفار والتّوبة.
التّاسع: مجالسة المحبّين الصّادقين، والتقاط أطيب ثمرات كلامهم كما تنتقى أطايب الثّمر. ولا تتكلّم إلّا إذا ترجّحت مصلحة الكلام، وعلمت أنّ فيه مزيدا لحالك، ومنفعة لغيرك.
العاشر: مباعدة كلّ سبب يحول بين القلب وبين الله- عزّ وجلّ- والكلام في هذه المنزلة معلّق بطرفين: طرف محبّة العبد لربّه، وطرف محبّة الرّبّ لعبده. والّذي أجمع عليه العارفون: أنّه يحبّهم، وأنّهم يحبّونه، على إثبات الطّرفين، وأنّ محبّة العبد لربّه فوق كلّ محبّة تقدّر. ولا نسبة لسائر المحابّ إليها. وهي حقيقة «لا إله إلّا الله» وكذلك عندهم محبّة الرّبّ لأوليائه ورسله: صفة زائدة على رحمته، وإحسانه وعطائه. فإنّ ذلك أثر المحبّة وموجبها. فإنّه لمّا أحبّهم كان نصيبهم من رحمته وإحسانه وبرّه أتمّ نصيب.
وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة/ 54) .
فقد ذكر أربع علامات:
الأولى والثّانية: أنّهم: أذلّة، أعزّة. قيل: معناه:
أرقّاء رحماء مشفقين عليهم. عاطفين عليهم، فلمّا ضمّن «أذلّة» هذا المعنى عدّاه بأداة «على» قال عطاء:
للمؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيّده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.
العلامة الثّالثة: الجهاد في سبيل الله بالنّفس واليد، واللّسان والمال، وذلك تحقيق دعوى المحبّة.
العلامة الرّابعة: أنّهم لا تأخذهم في الله لومة لائم. وهذا علامة صحّة المحبّة، فكلّ محبّ يأخذه اللّوم عن محبوبه فليس بمحبّ على الحقيقة. والقرآن والسّنّة مملوءان بذكر من يحبّه الله سبحانه من عباده المؤمنين.
وذكر ما يحبّه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم. كقوله تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* (آل عمران/ 134، 148) . فلو بطلت مسألة المحبّة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان. ولتعطّلت منازل السّير إلى الله. فإنّها روح كلّ مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميّت لا روح فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها.
بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام. فإنّه الاستسلام بالذّلّ والحبّ والطّاعة لله. فمن لا محبّة له لا إسلام له البتّة. بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلّا الله.
فإنّ «الإله» هو الّذي يألهه العباد حبّا وذلّا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له، بمعنى «مألوه» وهو الّذي(8/3328)
تألهه القلوب. أي تحبّه وتذلّ له «1» .
ثانيا: محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
إنّ محبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي دليل الإيمان الصّادق مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والنّاس أجمعين» وليس هذا الحبّ مجرّد عاطفة جوفاء، وإنّما هو حبّ حقيقيّ نابع من القلب ومن العقل معا ودليل صدق تلك المحبّة هو اتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في كلّ ما أمر به، أو نهى عنه، فالمحبّ مطيع دائما لمن يحبّه ولذلك قيل:
لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
واتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وطاعته هما الدّليل على محبّة الله تعالى، يقول أبو سليمان الدّارانيّ: لمّا ادّعت القلوب محبّة الله، أنزل الله لها محنة (أي اختبارا) هي قوله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ 31) فقوله يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ إشارة إلى دليل المحبّة وثمرتها فدليلها، اتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وثمرتها محبّة المرسل لكم (وهو المولى عزّ وجلّ) فما لم تحصل المتابعة فليست محبّتكم له حاصلة ومحبّته لكم منتفية «2» .
ثالثا: محبة الخلق:
لمحبّة الخلق أنواع عديدة أفضلها محبّة المؤمن لأخيه في الله تعالى أي حبّا خالصا لا منفعة من وراءه، وقد أشار ابن حزم إلى هذا النّوع من المحبّة (أي محبّة الخلق) فقال: إنّ المحبّة ضروب فأفضلها محبّة المتحابّين في الله- عزّ وجلّ-: إمّا لاجتهاد في العمل، وإما لاتّفاق في أصل النّحلة والمذهب، وإمّا لفضل علم يمنحه الإنسان، ومحبّة القرابة، ومحبّة الألفة، ومحبّة الاشتراك في المطالب، ومحبّة التّصاحب والمعرفة، ومحبّة البرّ يضعه المرء عند أرضه، ومحبّة الطّمع في جاه المحبوب، ومحبّة المتحابّين بسرّ يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبّة بلوغ اللّذّة، وقضاء الوطر، ومحبّة العشق الّتي لا علّة لها إلّا اتّصال النّفوس «3» .
إنّ محبّة الخلق بعضهم بعضا في الله تعالى، إنّما هي نابعة في الحقيقة من محبّة العبد لله تعالى، وجالبة لمحبّته سبحانه لهذا العبد، وإذا أحبّ الله عبدا جعله من المحبوبين بين خلقه، يقول العلّامة ابن تيميّة: إنّك إذا أحببت الشّخص لله كان الله هو المحبوب لذاته فكلّما تصوّرته في قلبك، تصوّرت محبوب الحقّ فأحببته، فازداد (بذلك) حبّك لله (انظر الأثر 9) «4» ، أمّا ثمرة هذا الحبّ في الله فهي عديدة ومتنوّعة نشير إليها في فوائد المحبّة (انظر ص 3356) .
فضيلة المحبة ومنزلتها:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: هي المنزلة الّتي فيها تنافس المتنافسون. وإليها شخص العاملون.
وإلى علمها شمّر السّابقون. وعليها تفانى المحبّون.
وبروح نسيمها تروّح العابدون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح. وقرّة العيون. وهي الحياة الّتي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنّور الّذي من فقده فهو في بحار الظّلمات. والشّفاء الّذي من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام. واللّذّة الّتي من لم يظفر بها فعيشه
__________
(1) مدارج السالكين (3/ 22) مختصرا. وانظر بصائر ذوي التمييز (2/ 416- 422) .
(2) مدارج السالكين (3/ 22) . وانظر في فوائد محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وثمرتها، المقدمة صفحة (ك ب) .
(3) طوق الحمامة (63) .
(4) انظر أيضا صفتي: الاتباع والإيمان في هذه الموسوعة.(8/3329)
كلّه هموم وآلام «1» .
قال أبو عثمان الجاحظ: ينبغي لمحبّ الكمال أن يعوّد نفسه محبّة النّاس، والتّودّد إليهم، والتّحنّن عليهم، والرّأفة والرّحمة لهم، فإنّ النّاس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانيّة، وحلية القوّة الإلهيّة هي في جميعهم، وفي كلّ واحد منهم، وهي قوّة العقل، وبهذه النّفس صار الإنسان إنسانا. وإذا كانت نفوس النّاس واحدة، والمودّة إنّما تكون بالنّفس، فواجب أن يكونوا كلّهم متحابّين متوادّين، وذلك في النّاس طبيعة، لو لم تقدهم الأهواء الّتي تحبّب لصاحبها التّرؤّس فتقوده إلى الكبر والإعجاب والتّسلّط على المستضعف، واستصغار الفقير وحسد الغنيّ وبغض ذي الفضل، فتسبّب من أجل هذه الأسباب العداوات، وتتأكّد البغضاء بينهم.
فإذا ضبط الإنسان نفسه الغضبيّة، وانقاد لنفسه العاقلة، صار النّاس كلّهم له إخوانا وأحبابا، وإذا أعمل الإنسان فكره رأى أنّ ذلك واجب، لأنّ النّاس إمّا أن يكونوا فضلاء أو نقصاء، فالفضلاء يجب عليهم محبّتهم لموضع فضلهم، والنّقصاء يجب عليهم رحمتهم لأجل نقصهم فيحقّ لمحبّ الكمال أن يكون رحيما لجميع النّاس، متحنّنا عليهم رءوفا بهم، وبخاصّة الملك والرّئيس، فإنّ الملك ليس يكون ملكا مالم يكن محبا لرعيّته رءوفا بهم، وذلك أنّ الملك ورعيّته بمنزلة ربّ الدّار وأهل داره، وما أقبح ربّ الدّار أن يبغض أهل داره، فلا يتحنّن عليهم، ولا يحبّ مصالحهم «2» .
وقال الرّاغب: المحبّة والعدل من أسباب نظام أمور النّاس، ولو تحابّ النّاس، وتعاملوا بالمحبّة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبّة يستعمل حيث لا توجد المحبّة، ولذلك عظّم الله تعالى المنّة بإيقاع المحبّة بين أهل الملّة، فقال عزّ من قائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي محبّة في القلوب، تنبيها على أنّ ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة لأنّ المهابة تنفّر، والمحبّة تؤلّف، وقد قيل: طاعة المحبّة أفضل من طاعة الرّهبة، لأنّ طاعة المحبّة من داخل، وطاعة الرّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكلّ قوم إذا تحابّوا تواصلوا وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمّروا، وإذا عمّروا عمّروا وبورك لهم «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإخاء- التعارف- الحنان- الألفة- الرأفة- الرحمة- الرفق- العطف- بر الوالدين- حسن العشرة- حسن المعاملة- الإيثار- صلة الرحم- المواساة- تفريج الكربات- المعاتبة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغض- الجفاء- القسوة- الهجر- الإساءة- الإعراض- العنف- الأثرة- الجحود- العبوس- عقوق الوالدين- البذاءة] .
__________
(1) المرجع السابق، نفس الموضع.
(2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (55، 56) بتصرف يسير.
(3) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب (364) .(8/3330)
الآيات الواردة في «المحبة»
آيات محبة الله منها لموسى (صلّى الله عليه وسلّم) وهي رمز محبته لأنبيائه:
1- قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37)
إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) «1»
آيات محبة الله فيها للمحسنين:
2- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) «2»
3-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «3»
4- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «4»
5- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «5»
آيات محبة الله فيها للمتقين:
6-* وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
__________
(1) طه: 36- 40 مكية
(2) البقرة: 195 مدنية
(3) آل عمران: 133- 134 مدنية
(4) المائدة: 13 مدنية
(5) المائدة: 93 مدنية(8/3331)
بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) «1»
7- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3)
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) «2»
8- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «3»
آيات محبة الله فيها للمقسطين:
9- سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «4»
10- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «5»
11- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «6»
آيات محبة الله فيها للمتطهرين:
12- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ
__________
(1) آل عمران: 75- 76 مدنية
(2) التوبة: 3- 4 مدنية
(3) التوبة: 7 مدنية
(4) المائدة: 42 مدنية
(5) الحجرات: 7- 9 مدنية
(6) الممتحنة: 8- 9 مدنية(8/3332)
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «1»
13- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107)
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «2»
آيات محبة الله فيها ثمرة اتباع الرسل
14- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) «3»
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4»
16- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2)
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «5»
آيات محبة الله فيها للصابرين:
17- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147)
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «6»
__________
(1) البقرة: 222- 223 مدنية
(2) التوبة: 107- 108 مدنية
(3) آل عمران: 31- 32 مدنية
(4) المائدة: 54 مدنية
(5) الصف: 1- 4 مدنية
(6) آل عمران: 146- 148 مدنية(8/3333)
آيات محبة الله فيها ادعاء مجرد:
18- وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) «1»
آيات الحب فيها لله ولمغفرته والإيمان به:
19- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166)
وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) «2»
20- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «3»
آيات الحب فيها للمال والجاه:
21-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4»
22- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) «5»
23- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «6»
24- وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31)
__________
(1) المائدة: 18 مدنية
(2) البقرة: 165- 167 مدنية
(3) النور: 22 مدنية
(4) البقرة: 177 مدنية
(5) آل عمران: 14 مدنية
(6) آل عمران: 92 مدنية(8/3334)
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32)
رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (33) «1»
25- كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (20)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) «2»
26- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) «3»
27- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا (27) «4»
28- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18)
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «5»
29- إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) «6»
آيات الحب من الإنسان لغيره:
30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) «7»
31-* لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8)
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9)
__________
(1) ص: 30- 33 مكية
(2) القيامة: 20- 21 مكية
(3) الإنسان: 5- 8 مكية
(4) الإنسان: 24- 27 مكية
(5) الفجر: 15- 20 مكية
(6) العاديات: 6- 8 مكية
(7) آل عمران: 118- 119 مدنية(8/3335)
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) «1»
32- إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) «2»
33- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «3»
آيات الحب للنصر:
34- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) «4»
35- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «5»
36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «6»
آيات الحب لما يرضي الله:
37- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
__________
(1) يوسف: 7- 10 مكية
(2) القصص: 56 مكية
(3) الحشر: 8- 9 مدنية
(4) البقرة: 216 مدنية
(5) آل عمران: 152 مدنية
(6) الصف: 10- 13 مدنية(8/3336)
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) «1»
38-* وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33)
فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) «2»
الحب لمجرد الشهرة:
39- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) «3»
__________
(1) التوبة: 23- 24 مدنية
(2) يوسف: 30- 34 مكية
(3) آل عمران: 188 مدنية(8/3337)
الأحاديث الواردة في (المحبة)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار» ) * «1» .
2-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فقال: إنّي أحبّك. فقال: «استعدّ للفاقة» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الصّيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. وأحبّ الصّلاة إلى الله صلاة داود. كان ينام نصف اللّيل، ويقوم ثلثه وينام سدسه» ) * «3» .
4-* (عن عمرو بن الحمق الخزاعيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحبّ الله عبدا عسله «4» » ، فقيل: وما عسله؟. قال: «يوفّق له عملا صالحا بين يدي أجله، حتّى يرضى عنه جيرانه» أو قال- «من حوله» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أشدّ أمّتي لي حبّا، ناس يكونون بعدي، يودّ أحدهم لو رآني، بأهله وماله» ) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص «7» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «8» .
فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عنّي الّذي قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا.
قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر) . شكّ إسحاق) - إلّا أنّ الأبرص أو الأقرع، قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر: البقر- قال فأعطي ناقة عشراء «9» . قال: بارك الله لك فيها. قال:
فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا.
فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال:
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3784) واللفظ له. ومسلم (75) .
(2) الهيثمي في المجمع (1. (274) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
(3) البخاري- الفتح 3 (1131) . ومسلم (1159) واللفظ له.
(4) عسله: العسل: طيب الثناء، مأخوذ من العسل، يقال: عسل الطعام يعسله: إذا جعل فيه العسل. شبّه ما رزقه الله تعالى من العمل الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلولى به ويطيب.
(5) أحمد (4/ 200) عن أبي عنبة عن سريج. وابن حبان في الموارد (1822) . والحاكم (1/ 340) واللفظ له. وصححه ووافقه الذهبي.
(6) مسلم (2832) .
(7) أبرص: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله.
(8) يبتليهم: أي يختبرهم.
(9) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة.(8/3338)
أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره.
قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «1» . فأنتج هذان، وولّد هذا «2» قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته.
فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «3» في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن، والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة.
فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟
فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «4» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم «5» شيئا أخذته لله.
فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «6» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلا زار أخا له في قرية أخرى.
فأرصد «7» الله له، على مدرجته «8» ملكا. فلمّا أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال:
هل لك عليه من نعمة تربّها «9» ؟ قال: لا. غير أنّي أحببته في الله- عزّ وجلّ- قال: فإنّي رسول الله إليك، بأنّ الله قد أحبّك كما أحببته فيه» ) * «10» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: متى السّاعة يا رسول الله؟
قال: «ما أعددت لها؟» . قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكنّي أحبّ الله ورسوله.
قال: «أنت مع من أحببت» ) * «11» .
__________
(1) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها.
(2) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولّد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء.
(3) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق.
(4) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة.
(5) لا أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه.
(6) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له.
(7) فأرصد: أي أقعده يرقبه.
(8) على مدرجته: المدرجة هي الطريق. سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها. أي يمضون ويمشون.
(9) تربها: أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك.
(10) مسلم (2567)
(11) البخاري- الفتح 10 (6171) واللفظ له. ومسلم (2639) .(8/3339)
9-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان اسمه عبد الله وكان يلقّب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قد جلده في الشّراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهمّ العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعنوه، فو الله ما علمت «1» أنّه يحبّ الله ورسوله» ) * «2» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا كان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فمرّ به رجل، فقال:
يا رسول الله، إنّي لأحبّ هذا، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أعلمته؟» . قال: لا، قال: «أعلمه» . فلحقه، فقال:
إنّي أحبّك في الله. قال: «أحبّك الله الّذي أحببتني له» ) * «3» .
11-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمله على جيش ذات السّلاسل، قال: فأتيته فقلت: يا رسول الله، أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: «عائشة» . قال: من الرّجال؟ قال:
«أبوها» ) * «4» .
12-* (عن عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «5» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أحبّ إليه من شيء خرج منه» يعني القرآن) * «6» .
13-* (عن يعلى بن أميّة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يغتسل بالبراز «7» ، فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الله عزّ وجلّ- حييّ ستّير، يحبّ الحياء والسّتر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» ) * «8» .
14-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاده، وأنّ أبا ذرّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: بأبي أنت يا رسول الله، أيّ الكلام أحبّ إلى الله؟ فقال: «ما اصطفاه الله لملائكته، سبحان ربّي وبحمده، سبحان ربّي وبحمده» ) * «9» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» ) * «10» .
__________
(1) يحتمل أن تكون (ما) موصولة وعلم بمعنى عرف وجملة إنه يحب الخ خبر الموصول والتقدير: الذي علمته أنه يحب الله ورسوله، ويحتمل أن تكون زائدة والتقدير: فو الله علمت أنه الخ وجملة أن واسمها وخبرها سدت مسد معمولي (علم) .
(2) البخاري- الفتح 12 (6780) .
(3) أبو داود (5125) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 965) .
(4) الترمذي (3885) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (9/ 135) : هو حديث صحيح
(5) فصلت: 41-، 42
(6) الحاكم في المستدرك (2/ 441) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي
(7) بالبراز: بالخلاء.
(8) أحمد (4/ 224) . والنسائي (1/ 200) واللفظ له. وأبو داود (4012) وقال الألباني (2/ (758) صحيح.
(9) الترمذي (3593) واللفظ له. والحاكم (1/ 501) وصححه ووافقه الذهبي.
(10) مسلم (17) .(8/3340)
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّهم شأن المخزوميّة، فقالوا: «من يجترىء عليه إلّا أسامة بن زيد حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
17-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله- تعالى- ليحمي عبده المؤمن من الدّنيا وهو يحبّه، كما تحمون مريضكم الطّعام والشّراب تخافون عليه» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله إذا أحبّ عبدا دعا جبريل فقال: إنّي أحبّ فلانا فأحبّه. قال: فيحبّه جبريل. ثمّ ينادي في السّماء فيقول: إنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه. فيحبّه أهل السّماء. قال: ثمّ يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إنّي أبغض فلانا فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل. ثمّ ينادي في أهل السّماء: إنّ الله يبغض فلانا فأبغضوه. قال:
فيبغضونه. ثمّ توضع له البغضاء في الأرض» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه. وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «4» .
20-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده» ) * «5» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله يحبّ العطاس، ويكره التّثاؤب، إذا عطس فحمد الله فحقّ على كلّ مسلم سمعه أن يشمّته. وأمّا التّثاؤب فإنّما هو من الشّيطان، فليردّه ما استطاع، فإذا قال: هاء «6» ضحك منه الشّيطان» ) * «7» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقول يوم القيامة:
أين المتحابّون بجلالي «8» اليوم أظلّهم في ظلّي. يوم لا ظلّ إلّا ظلّي» ) * «9» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3732) .
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك: (4/ 208) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) البخاري- الفتح 13 (7485) الى قوله في الأرض. ومسلم (2637) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 11 (6502) .
(5) الترمذي (2819) وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (10/ 658) : إسناده حسن.
(6) فإذا قال: هاء: أي تثاءب، وهاء اسم للصوت الذي يصدر من الإنسان في تلك الحال.
(7) البخاري- الفتح 10 (6223) واللفظ له. ومسلم (2994) .
(8) بجلالي: أي بعظمتي وطاعتي، لا للدنيا.
(9) مسلم (2566) .(8/3341)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لله تسعة وتسعون اسما- مائة إلّا واحدة «1» - لا يحفظها أحد إلّا دخل الجنّة «2» ، وهو وتر يحبّ الوتر» ) * «3» .
24-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الإيمان أن يحبّ الرّجل رجلا لا يحبّه إلّا لله من غير مال أعطاه، فذلك الإيمان» ) * «4» .
25-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلا على سريّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم ب «قل هو الله أحد» فلمّا رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك؟» . فسألوه، فقال: لأنّها صفة الرّحمن، وأنا أحبّ أن أقرأ بها فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أنّ الله يحبّه» ) * «5» .
26-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار لا يحبّهم إلّا مؤمن، ولا يبغضهم إلّا منافق. فمن أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» ) * «6» .
27-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النّار» ) * «7» .
28-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث هنّ حقّ، لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولّى الله عبد فيولّيه غيره «8» . ولا يحبّ رجل قوما إلّا حشر معهم» ) * «9» .
29-* (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ جهوريّ الصّوت، قال: يا محمّد، الرّجل يحبّ القوم ولمّا يلحق بهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء مع من أحبّ» ) * «10» .
__________
(1) إلا واحدة: كذا ورد، وهو لا يجوز في العربية، وجاءت رواية إلّا واحدا، بالتذكير، وهو الصواب، وخرج التأنيث على إرادة التسمية لا الاسم، وقيل: بل المراد بالاسم الصفة.
(2) لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة: أي يقربها ويخضع لها، ومن حفظها عدّا ولم يعمل بها كان كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه، وقيل: المراد العمل بها والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها.
(3) البخاري- الفتح 11 (6410) واللفظ له. ومسلم (2677) . والوتر: بفتح الواو وكسرها: الفرد، ومعناه في حق الله أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته.
(4) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 16) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الأوسط. وقال الهيثمي (10/ 274) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات
(5) البخاري- الفتح 13 (7375) واللفظ له. ومسلم (813) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3783) واللفظ له. ومسلم (74) .
(7) البخاري- الفتح 1 (21) واللفظ له. ومسلم (43) .
(8) أي إن العبد إذا جعل الله وليه فإن الله لا يتخلى عنه.
(9) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 27، 28) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الصغير (2/ 114 برقم 874) بإسناد جيد. وقال الهيثمي (10/. 28) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن ميمون الخياط وقد وثق.
(10) الترمذي (2387) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 558) : إسناده حسن. وعند البخاري ومسلم (2640، 2641) من حديث عبد الله بن مسعود وحديث: أبي موسى بدون ذكر الأعرابي.(8/3342)
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحبّ قوما ولم يلحق بهم؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء مع من أحبّ» ) * «1» .
31-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم. قالت عائشة: فهمتها فقلت:
وعليكم السّام واللّعنة. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«مهلا يا عائشة، إنّ الله يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» .
فقلت: يا رسول الله، أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد قلت: وعليكم» ) * «2» .
32-* (عن أبي إدريس الخولانيّ- رحمه الله- قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى برّاق الثّنايا «3» وإذا النّاس معه، فإذا اختلفوا في شيء، أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل- رضي الله عنه- فلمّا كان من الغد، هجّرت، فوجدته قد سبقني بالتّهجير، ووجدته يصلّي، قال:
فانتظرته حتّى قضى صلاته، ثمّ جئته من قبل وجهه، فسلّمت عليه، وقلت: والله إنّي لأحبّك لله، فقال:
آلله؟ قلت: آلله، فأخذني بحبوة ردائي، فجبذني إليه، فقال: أبشر، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ «4» » ) * «5» .
33-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟
قال: أدومها وإن قلّ» ) * «6» .
34-* (عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال:
«الصّلاة على وقتها» . قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» . قلت: ثمّ أيّ؟. قال: «الجهاد في سبيل الله» ) * «7» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «8» .
36-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6169) واللفظ له. ومسلم (2640)
(2) البخاري- الفتح 10 (6024) واللفظ له. ومسلم (2163)
(3) برّاق الثنايا: أي أبيض الثغر حسنه أو كثير التبسم.
(4) المتباذلين فيّ: الذين يبذلون أنفسهم في مرضاة الله أو: يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته في جميع حالاته في الله.
(5) رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح (2/ 953) وقال مراجع رياض الصالحين (1/ 156) : إسناده صحيح واللفظ له. وصححه ابن حبان (5/ 575) ، والحاكم في المستدرك (4/ 169) ووافقه الذهبي.
(6) البخاري- الفتح 1 (43) . ومسلم (782) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 1 (527) واللفظ له. ومسلم (85) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) .(8/3343)
أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «1» .
37-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما الصّبح فقال:
«أشاهد فلان؟» . قالوا: لا، قال: «أشاهد فلان؟» .
قالوا: لا، قال: «إنّ هاتين الصّلاتين «2» أثقل الصّلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الرّكب، وإنّ الصّفّ الأوّل على مثل صفّ الملائكة، ولو علمتم ما في فضيلته لابتدرتموه، وإنّ صلاة الرّجل مع الرّجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرّجلين أزكى من صلاته مع الرّجل، وما كثر فهو أحبّ إلى الله تعالى» ) * «3» .
38-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال لي جبريل: إنّه قد حبّب إليك الصّلاة، فخذ منها ما شئت» ) * «4» .
39-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهمّ إنّك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عنّي» ) * «5» .
40-* (عن عامر بن سعد، قال: كان سعد ابن أبي وقّاص في إبله. فجاءه ابنه عمر. فلمّا رآه سعد، قال: أعوذ بالله من شرّ هذا الرّاكب. فنزل. فقال له:
أنزلت في إبلك وغنمك وتركت النّاس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب سعد في صدره فقال: اسكت. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ، الغنيّ، الخفيّ «6» » ) * «7» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله! إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» . فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له. ومسلم (1839)
(2) يريد صلاة العشاء وصلاة الفجر كما جاء في مسند أحمد (5/ 140) برقم (21324) .
(3) أحمد (5/ 140) . وأبو داود (554) واللفظ له. والحاكم (1/ 247) وقال: حكم أئمة الحديث لهذا الحديث بالصحة. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 111) : حسن
(4) أحمد (1/ 245) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح وهو في الجامع الصغير (6078) . وذكره الهيثمي في المجمع (2/. 27) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه على بن يزيد وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5) أحمد (6/ 171) . والترمذي (3513) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. والحاكم (1/ 53) . وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي
(6) إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي: المراد بالغنى غنى النفس. هذا هو الغنى المحبوب، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولكنّ الغنى غنى النّفس» . وأما الخفي، فبالخاء المعجمة. ومعناه الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه. وفي هذا الحديث حجة لمن يقول: الاعتزال أفضل من الاختلاط.
(7) مسلم (2965)(8/3344)
جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «1» فسمعت أمّي خشف قدميّ «2» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء «3» قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثمّ قالت:
يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت يا رسول الله! ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين» . فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «4» .
42-* (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كأنّما على رءوسنا الطّير ما يتكلّم منّا متكلّم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحبّ عباد الله إلى الله؟ قال: «أحسنهم خلقا» ) * «5» .
43-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه.
ومنّا من ينتضل «6» . ومنّا من هو في جشره «7» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال «إنّه لم يكن نبيّ قبلي، إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «8» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف.
وتجىء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر، فدنوت منه فقلت له: أنشدك
__________
(1) مجاف: مغلق.
(2) الخشف: أي صوتهما في الأرض.
(3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(4) مسلم (2491) .
(5) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 408) واللفظ له وقال الطبراني في الكبير: ورواته محتج بهم في الصحيجح، وابن حبان في صحيحه، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 24) : رجاله رجال الصحيح.
(6) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب.
(7) في جشره: الجشر هم القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت.
(8) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل معناه يشبه بعضه بعضا.(8/3345)
الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: «أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله» ) * «1» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ) * «2» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا.
ولا تؤمنوا «3» حتّى تحابّوا. أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم «4» » ) * «5» .
46-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتّى يحبّ المرء لا يحبّه إلّا لله، وحتّى أن يقذف في النّار أحبّ إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتّى يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما» ) * «6» .
47-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر» . قال رجل: إنّ الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. قال: «إنّ الله جميل يحبّ الجمال. الكبر بطر الحقّ «7» وغمط النّاس «8» » ) * «9» .
48-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «10» .
49-* (عن أبي سلمة أنّه قال: لقد كنت أرى الرّؤيا فتمرضني، حتّى سمعت أبا قتادة يقول:
وأنا كنت أرى الرّؤيا تمرضني، حتّى سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الرّؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ فلا يحدّث به إلّا من يحبّ. وإذا رأى ما يكره فليتعوّذ بالله من شرّها ومن شرّ الشّيطان، وليتفل ثلاثا، ولا يحدّث بها أحدا، فإنّها لن تضرّه» ) * «11» .
50-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك «12» أبو بكر
__________
(1) مسلم (1844) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6406) . ومسلم (2694) متفق عليه.
(3) ولا تؤمنوا: بحذف النون من آخره. وهي لغة معروفة صحيحة. ومعنى الحديث: «لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتّحاب.
(4) أفشوا السلام بينكم: فيه حث على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم، من عرفت ومن لم تعرف.
(5) مسلم (54) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6041) واللفظ له. ومسلم (43) .
(7) بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا.
(8) غمط الناس: احتقارهم.
(9) مسلم (91) .
(10) البخاري الفتح 1 (13) واللفظ له. ومسلم (45) .
(11) البخاري- الفتح 12 (7044) واللفظ له. ومسلم (2261) .
(12) وعك: أصابه الوعك وهو الحمى.(8/3346)
وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمّى يرفع عقيرته «1» يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر «2» وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
وقال: «اللهمّ العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأميّة بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ. اللهمّ بارك لنا في صاعنا وفي مدّنا، وصحّحها لنا، وانقل حمّاها إلى الجحفة» قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، فكان بطحان «3» يجري نجلا «4» . تعني ماء آجنا «5» ) * «6» .
51-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما أحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا ذا تقى) * «7» .
52-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه. ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه» . فقلت: يا نبيّ الله! أكراهية الموت؟ فكلّنا نكره الموت. فقال:
«ليس كذلك. ولكنّ المؤمن إذا بشّر برحمة الله ورضوانه وجنّته، أحبّ لقاء الله، فأحبّ الله لقاءه. وإنّ الكافر إذا بشّر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله، وكره الله لقاءه» ) * «8» .
53-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيّام العشر» . فقالوا:
يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» ) * «9» .
54-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» ) * «10» .
55-* (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول: «من الغيرة ما يحبّ الله،
__________
(1) رفع عقيرته: أي رفع صوته.
(2) الإذخر: حشيش أخضر طيب الرائحة.
(3) بطحان: بالضم ثم السكون هو واد من وديان المدينة الثلاثة، وورد ضبطها: بطحان، وبطحان.
(4) نجلا: أي نزّا، وهو الماء القليل.
(5) ماء آجنا: الماء المتغير الطعم واللون.
(6) البخاري- الفتح 4 (1889) واللفظ له. مسلم (1376)
(7) الهيثمي في المجمع (10/ 274) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن.
(8) البخاري- الفتح 11 (6507) . ومسلم (2684) واللفظ له
(9) أبوا داود (2438) ، وأخرجه أحمد (1/ 224) ، والترمذي (757) .
(10) أبو داود (4681) واللفظ له. وأحمد (3/ 438، 440) وقال محقق جامع الأصول (1/ 239) : حديث حسن ورجال إسناده ثقات غير عبد الرحمن الشامي، لكن ذكروا أن أحاديث الثقات عنه مستقيمة وهذا منها ويشهد له حديث معاذ بن أنس فيصح به. وقال الألباني (3/ 886) : صحيح. وهو في الصحيحة (380) .(8/3347)
ومنها ما يبغض الله؛ فأمّا الّتي يحبّها الله فالغيرة في الرّيبة، وأمّا الغيرة الّتي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة. وإنّ من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحبّ الله؛ فأمّا الخيلاء الّتي يحبّ الله فاختيال الرّجل بنفسه عند القتال، واختياله عند الصّدقة، وأمّا الّتي يبغض الله فاختياله في البغي والفخر» ) * «1» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «2» .
57-* (عن فاطمة بنت قيس أنّها قالت:
نكحت ابن المغيرة. وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في أوّل الجهاد «3» مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فلمّا تأيّمت «4» خطبني عبد الرّحمن بن عوف، في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وخطبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على مولاه أسامة بن زيد. وكنت قد حدّثت؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّني فليحبّ أسامة ...
الحديث» ) * «5» .
58-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله- عزّ وجلّ- قد حقّت محبّتي للّذين يتحابّون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتزاورون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتباذلون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي. ما من مؤمن ولا مؤمنة يقدّم الله له ثلاثة أولاد من صلبه، لم يبلغوا الحنث «6» إلّا أدخله الله الجنّة بفضل رحمته إيّاهم» .
وفي رواية: «وحقّت محبّتي للّذين يتناصرون من أجلي، وحقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي» ) * «7» .
59-* (عن زرّ، قال: قال عليّ- رضي الله عنه-: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة «8» إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ: «أن لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «9» .
60-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل على النّاس بوجهه، فقال: «يأيّها النّاس، اسمعوا واعقلوا، واعلموا أنّ لله عزّ وجلّ- عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله» فجاء رجل من الأعراب من قاصية النّاس وألوى بيده إلى
__________
(1) النسائي (5/ 78، 79) . وأحمد (5/ 445، 446) . وأبو داود (2659) واللفظ له وقال الألباني (2/ 505) : حديث حسن.
(2) مسلم (2664) .
(3) فأصيب في أول الجهاد: قال العلماء: ليس معناه أنه قتل في الجهاد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتأيمت بذلك. إنما تأيمت بطلاقه البائن.
(4) تأيمت: أي صارت أيمّا، وهي التي لا زوج لها.
(5) مسلم (2942) .
(6) يبلغوا الحنث: أي لم يبلغو مبلغ الرجال.
(7) الهيثمي (10/ 279) واللفظ له وقال: رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات (4/ 113، 386) . وذكر الحاكم نحوه في موضعين (4/ 169 و170) في المستدرك وصححهما ووافقه الذهبي في الثاني وسكت عن الأول. والحديثان من رواية أبي إدريس الخولاني عن معاذ وتصديق عبادة بن الصامت- رضي الله عنه-.
(8) يقسم بالله- عز وجل-.
(9) مسلم (78) .(8/3348)
نبىّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله! ناس من النّاس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشّهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! انعتهم لنا- يعنى: صفهم لنا- فسرّ وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسؤال الأعرابيّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم ناس من أفناء النّاس «1» ونوازع القبائل «2» ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابّوا في الله، وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، ويجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا.
يفزع النّاس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ) * «3» .
61-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والنّاس أجمعين» ) * «4» .
62-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أقرأ من سورة يوسف وسورة هود؟ فقال: «يا عقبة، اقرأ ب أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فإنّك لن تقرأ بسورة أحبّ إلى الله، وأبلغ عنده منها، فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (المحبة) معنى
63-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-:
أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني: إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا، تقرّبت إليه ذراعا. وإذا تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة» ) * «6» .
64-* (عن رجل من بني سليط، قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في أزفلة «7» من النّاس فسمعته يقول:
«المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يحقره، التّقوى هاهنا (وأشار إلى صدره) . وما توادّ رجلان في الله- تبارك وتعالى- فيفرّق بينهما إلّا بحدث «8» يحدثه أحدهما» ) * «9» .
__________
(1) أفناء الناس: أي لم يعلم ممن هو، الواحد فنء.
(2) نوازع القبائل: جمع نازع ونزيع، وهو الغريب الذي نزع أهله وعشيرته، أي بعد وغاب.
(3) أحمد (5/ 343) في المسند واللفظ له. والهيثمي في المجمع (10/ 276) وقال: رواه كله أحمد والطبراني بنحوه ورجاله وثقوا. وله شاهد جيد عنده وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب (4/ 22) : رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.
(4) البخاري- الفتح 1 (15) ، ومسلم (44) .
(5) رواه الحاكم (2/ 540) وصححه ووافقه الذهبي، وأخرجه الطبراني (17/ 861) ، وابن حبان (1843) وإسناده قوي.
(6) مسلم (2675) .
(7) أزفلة: أي جماعة من الناس.
(8) حدث: الحدث الأمر المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنّة. والمعنى: أنه لا ينبغي أن يفترقا إلا بذلك.
(9) الهيثمي في المجمع (10/ 275) واللفظ له وقال: رواه أحمد وإسناده حسن (4/ 66) . والحديث بنحوه عند جمع من أئمة الحديث عن عدد من الصحابة- رضوان الله عليهم- انظر «جامع الأصول» رقم (52) و (4792) و (4794) وتعليق محققه عليها.(8/3349)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المحبة)
65-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر:
«إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم عليّ ابن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، ثمّ لا آذن لهم، إلّا أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم فإنّما ابنتي بضعة منّي، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» ) * «1» .
66-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيّة وسودة، والحزب الآخر أمّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخّرها، حتّى إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعث صاحب الهديّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة. فكلّم حزب أمّ سلمة فقلن لها: كلّمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكلّم النّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديّة فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلّمته أمّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: فكلّميه، قالت: فكلّمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا. فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلّميه حتّى يكلّمك. فدار إليها فكلّمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإنّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلّا عائشة.
قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمّ إنّهنّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقول: إنّ نساءك ينشدنك العدل «2» في بنت أبي بكر. فكلّمته، فقال: يا بنيّة، ألا تحبّين ما أحبّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنّ فأخبرتهنّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت وقالت: إنّ نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتّى تناولت عائشة- وهي قاعدة- فسبّتها، حتّى إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لينظر إلى عائشة هل تكلّم؟ قال: فتكلّمت عائشة تردّ على زينب حتّى أسكتتها. قالت: فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عائشة وقال:
«إنّها بنت أبي بكر «3» » ) * «4» .
67-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: «التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتّى أخرج إلى خيبر» ، فخرج بي أبو
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3767) . ومسلم (2449) واللفظ له.
(2) ينشدنك العدل: أي يطلبن منك العدل.
(3) إنها بنت أبي بكر: أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها.
(4) البخاري- الفتح 5 (2581) واللفظ له. ومسلم (2442)(8/3350)
طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول:
«اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدّين، وغلبة الرّجال» . ثمّ قدمنا خيبر، فلمّا فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفيّة بنت حييّ بن أخطب- وقد قتل زوجها، وكانت عروسا- فاصطفاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه، فخرج بها حتّى بلغنا سدّ الصّهباء حلّت، فبنى بها «1» ، ثمّ صنع حيسا في نطع «2» صغير، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آذن من حولك» . فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على صفيّة. ثمّ خرجنا إلى المدينة قال:
فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحوّي «3» لها وراءه بعباءة، ثمّ يجلس عند بعيره فيضع ركبته، فتضع صفيّة رجلها على ركبته حتّى تركب، فسرنا حتّى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال: «هذا جبل يحبّنا ونحبّه» ثمّ نظر إلى المدينة فقال: «اللهمّ إنّي أحرّم ما بين لابتيها بمثل ما حرّم إبراهيم مكّة. اللهمّ بارك لهم في مدّهم وصاعهم» ) * «4» .
68-* (عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه كان يأخذه والحسن فيقول: «اللهمّ أحبّهما فإنّي أحبّهما» ) «5» .
69-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حبّب إليّ: النّساء والطّيب، وجعل قرّة عيني في الصّلاة» ) * «6» .
70-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّساء والصّبيان مقبلين- قال: حسبت أنّه قال: من عرس- فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممثلا «7» فقال: «اللهمّ أنتم من أحبّ النّاس إليّ» . قالها ثلاث مرار) * «8» .
71-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والحسن بن عليّ على عاتقه يقول:
«اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه» ) * «9» .
72-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد. قبل أن يرجع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها.
حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك
__________
(1) فبنى بها: أي تزوجها.
(2) النّطع: بالكسر والفتح: بساط من الجلد. والحيس: تمر يخلط بسمن وأقط بعد نزع النوى منه، ويعجن بشدة.
(3) التحوية: أي تدير كساء حول سنام البعير ثم تركبه.
(4) البخاري- الفتح 6 (2893) واللفظ له. ومسلم (1365، 1392) .
(5) البخاري- الفتح 7 (3735) .
(6) النسائي (7/ 61) باب عشرة النساء. وأحمد (3/ 128) واللفظ لهما وقال محقق جامع الأصول (4/ 766) : حديث حسن.
(7) ممثلا- بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه-: هكذا ورد من الرباعي، والذي ذكره أهل اللغة أنه من مثل- بفتح الميم وضم الثاء- أي انتصب قائما وهو ثلاثي.
(8) البخاري- الفتح 7 (3785) .
(9) البخاري- الفتح 7 (3749) .(8/3351)
فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ.
قال: قلت: «ما أنا بقارىء» . قال: فأخذنى فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ.
فقلت: «ما أنا بقارىء» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «1» حتّى دخل على خديجة. فقال:
«زمّلوني، زمّلوني» . فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «2» .
ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة! مالي؟!» ، وأخبرها الخبر. قال «لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «3» ، وتكسب المعدوم «4» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «5» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، ياليتني فيها جذعا «6» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» . قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «7» .
73-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله» . قال: فبات النّاس يدوكون «8» ليلتهم:
أيّهم يعطاها؟ فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» . فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال:
«فأرسلوا إليه» فأتي به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الرّاية.
فقال عليّ: يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا.
فقال: «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ
__________
(1) ترجف بوادره: تضطرب في جسده الشريف اللحمتان فوق الثديين أو الثديان وهذا كناية عن شدة اضطرابه صلّى الله عليه وسلّم.
(2) الروع: الفزع.
(3) الكل- بفتح الكاف- هو الثّقل من كل ما يتكلّف.
(4) تكسب المعدوم: أي تعين الفقير على كسبه، وقيل: المراد أنك تعطي الناس الشيء المعدوم عندهم وتوصله إليهم.
(5) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخبر. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(6) ياليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويا، حتى أبالغ في نصرك.
(7) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له.
(8) يدوكون ليلتهم: أي باتوا في اختلاف واختلاط (العيني) .(8/3352)
الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» ) * «1» .
74-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي ما تخلّفت عن سريّة، ولكن لا أجد حمولة، ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشقّ عليّ أن يتخلّفوا عنّي، ولوددت أنّي قاتلت في سبيل الله فقتلت ثمّ أحييت، ثمّ قتلت، ثمّ أحييت» ) * «2» .
75-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يا أبا ذرّ، إنّي أراك ضعيفا. وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي. لا تأمّرنّ «3» على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم» ) * «4» .
76-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيده وقال: «يا معاذ، والله إنّي لأحبّك، والله إنّي لأحبّك» ، فقال: «أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المحبة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: وضع عمر على سريره، فتكنّفه «6» النّاس يدعون ويصلّون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلّا رجل آخذ منكبي، فإذا عليّ بن أبي طالب، فترحّم على عمر وقال: ما خلّفت أحدا أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وايم الله إن كنت لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنّي كثيرا أسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» ) * «7» .
2-* (عن حرملة مولى أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّه بينما هو مع عبد الله بن عمر إذ دخل الحجّاج بن أيمن، فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده فقال:
أعد. فلمّا ولّى، قال لي ابن عمر: من هذا؟ قلت:
الحجّاج بن أيمن بن أمّ أيمن. فقال ابن عمر: «لو رأى هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأحبّه. فذكر حبّه وما ولدته أمّ أيمن» . قال: «وزادني بعض أصحابي عن سليمان:
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4210) واللفظ له. ومسلم (2406) .
(2) البخاري- الفتح 6 (2972) .
(3) لا تأمّرنّ: بحذف إحدى التاءين أي لا تتأمرن وكذلك قوله: تولّينّ.
(4) مسلم (1826) .
(5) أبو داود (1522) وقال الألباني (1/ 284) : صحيح. وقال الأرناؤوط في تعليقه على «جامع الأصول» (4/ 209) : إسناده صحيح.
(6) تكنفه الناس: أحاطوا به.
(7) البخاري- الفتح 7 (3685) .(8/3353)
وكانت حاضنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
3-* (عن مجاهد- رحمه الله- قال: «مرّ على عبد الله بن عبّاس رجل فقال: إنّ هذا يحبّني. فقيل:
أنّى علمت ذلك؟ قال: إنّي أحبّه» ) * «2» .
4-* (عن أبي حيّان التّيميّ- رحمه الله- قال: «رؤي على عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- ثوب كأنّه كان يكثر لبسه، فقيل له فيه. فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إنّ عمر ناصح الله فنصحه» ) * «3» .
5-* (عن ابن عون قال: «ثلاث أحبّهنّ لنفسي ولإخواني: هذه السّنّة أن يتعلّموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهّموه ويسألوا النّاس عنه، ويدعوا النّاس إلّا من خير» ) * «4» .
6-* (قال رجل لخالد بن صفوان: «أخوك أحبّ إليك أم صديقك؟» . فقال: إنّ أخي إذا لم يكن لي صديقا لم أحبّه» ) * «5» .
7-* (عن سفيان بن عيينة، قال: «سمعت مساور الورّاق يحلف بالله- عزّ وجلّ- ما كنت أقول لرجل إنّي أحبّك في الله- عزّ وجلّ- فأمنعه شيئا من الدّنيا» ) * «6» .
8-* (قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: «ما حفظت حدود الله ومحارمه، ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبّته. وهذه الثّلاثة: الحبّ والخوف والرّجاء، هي الّتي تبعث على عمارة الوقت بما هو الأولى لصاحبه، والأنفع له، وهي أساس السّلوك، والسّير إلى الله. وهذه الثّلاثة هي قطب رحى العبوديّة، وعليها دارت رحى الأعمال.
فمتى خلا القلب من هذه الثّلاث فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا، ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضعف إيمانه بحسبه» ) * «7» .
9-* (وقال- رحمه الله-: «إنّك إذا أحببت الشّخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلّما تصوّرته في قلبك، تصوّرت محبوب الحقّ فأحببته، فازداد حبّك لله، كما إذا ذكرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصّالحين، وتصوّرتهم في قلبك، فإنّ ذلك يجذب قلبك إلى محبّة الله المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبّهم لله. فالمحبوب لله يجذب إلى محبّة الله، والمحبّ لله إذا أحبّ شخصا لله فإنّ الله هو محبوبه. فهو يحبّ أن يجذبه إلى الله تعالى، وكلّ من المحبّ لله والمحبوب لله يجذب إلى الله» ) * «8» .
10-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «على حسب المحبّة وقوّتها يكون الرّجاء، فكلّ محبّ راج،
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3737) .
(2) كتاب الإخوان (ص 143) ، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 275) : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
(3) كتاب الإخوان (238) .
(4) فتح الباري (13/ 263) .
(5) الإخوان (134) .
(6) كتاب الإخوان (204) .
(7) مجموع الفتاوى (15/ 21) . ومدارج السالكين (3/ 133) .
(8) مجموع الفتاوى (10/ 608) .(8/3354)
خائف بالضّرورة، فهو أرجى ما يكون لحبيبه وأحبّ ما يكون إليه، وكذلك خوفه فإنّه يخاف سقوطه من عينه، وطرد محبوبه له إبعاده، واحتجابه عنه. فخوفه أشدّ خوف، ورجاؤه ذاتيّ للمحبّة، فإنّه يرجوه قبل لقائه والوصول إليه. فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة. فكلّ محبّة فهي مصحوبة بالخوف والرّجاء، وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه» ) * «1» .
11-* (وقال- رحمه الله-: «المحبّة هي حياة القلوب وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذّة، ولا نعيم، ولا فلاح، ولا حياة إلّا بها. وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، والأنف إذا فقد شمّه، واللّسان إذا فقد نطقه، بل فساد القلب إذا خلا من محبّة فاطره وبارئه وإلهه الحقّ أعظم من فساد البدن إذا خلا من الرّوح، وهذا الأمر لا يصدّق به إلّا من فيه حياة» ) * «2» .
12-* (وقال أيضا: «لا ينال رضا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدّنوّ منه، والزّلفى لديه، إلّا على جسر من الذّلّة والمسكنة وعلى هذا قام أمر المحبّة فلا سبيل إلى الوصول إلى المحبوب إلّا بذلك» ) * «3» .
13-* (وقال: «المحبّ الصّادق: لا بدّ أن يقارنه أحيانا فرح بمحبوبه، ويشتدّ فرحه به، ويرى مواقع لطفه به، وبرّه به، وإحسانه إليه، وحسن دفاعه عنه، والتّلطّف في إيصاله المنافع والمسارّ والمبارّ إليه بكلّ طريق، ودفع المضارّ والمكاره عنه بكلّ طريق» ) * «4» .
14-* (وقال رحمه الله: «قرّة عين المحبّ ولذّته ونعيم روحه: في طاعة محبوبه، بخلاف المطيع كرها، المتحمّل للخدمة ثقلا: الّذي يرى أنّه لولا ذلّ قهره لما أطاع، فهو يتحمّل طاعته كالمكره الّذي أذلّه مكرهه وقاهره، بخلاف المحبّ الّذي يعدّ طاعة محبوبه قوتا ونعيما، ولذّة وسرورا، فهذا ليس الحامل له ذلّ الإكراه» ) * «5» .
15-* (وقال أيضا- رحمه الله-: «إنّ ما يفعله المحبّ الصّادق، ويأتي به في خدمة محبوبه، هو أسرّ شيء إليه، وألذّه عنده، ولا يرى ذلك تكليفا» ) * «6» .
16-* (وقال- رحمه الله-: «المحبّ الصّادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرّك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه استعانة على مرضاة الله، فحبّه لله وبالله ومع الله» ) * «7» .
17-* (قال ابن قدامة: «علامة المحبّة، كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التّنعّم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كلّ ما ينقض عليه الخلوة.
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 42، 43) .
(2) الجواب الكافي (282- 283) .
(3) مفتاح دار السعادة (1/ 24) .
(4) مدارج السالكين (2/ 42- 43) .
(5) تهذيب مدارج السالكين (328) .
(6) مدارج السالكين (3/ 165) .
(7) مفتاح دار السعادة (1/ 160) .(8/3355)
ومتى غلب الحبّ والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرّة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحبّ والأنس قلبه» ) * «1» .
18-* (قال بعضهم:
تعصي الإله وأنت تزعم حبّه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع «2» .
19-* (قال الشّيخ سيّد قطب- رحمه الله-:
«حبّ الله لعبد من عبيده، أمر هائل عظيم، وفضل غامر جزيل لا يقدر على إدراك قيمته إلّا من يعرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه» ) * «3» .
من فوائد (المحبة)
(1) دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) المحبّة تغذّي الأرواح والقلوب وبها تقرّ العيون، بل إنّها هي الحياة الّتي يعدّ من حرم منها من جملة الأموات «4» .
(3) قلب صاحبها تغشاه مباركة الله ونعمه على الدّوام.
(4) تظهر آثار المحبّة عند الشّدائد والكربات.
(5) من ثمار المحبّة النّعيم والسّرور في الدّنيا الموصّل إلى نعيم وسرور الآخرة.
(6) في حبّ الله تعالى حمد المحبوب والرّضى عنه وشكره وخوفه ورجاؤه والتّنعّم بذكره والسّكون إليه والأنس به والإنفاق في سبيله.
(7) حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوجب السّعي إلى إحياء سنّته.
والحفاظ على دعوته.
(8) محبّة النّاس مع التّودّد إليهم تحقّق الكمال الإنسانيّ لمن يسعى إليه.
(9) وحبّه صلّى الله عليه وسلّم يستوجب حبّ من أحبّه وما أحبّه.
(10) محبّة الإخوان في الله من محبّة الله ورسوله.
(11) التّحابّ في الله يجعل المتحابّين في الله من الّذين يستظلّون بظلّ الله تعالى يوم لا ظلّ إلّا ظلّه (الحديث 35) .
(12) لا يكتمل إيمان المرء إلّا إذا تحقّق حبّه لأخيه ما يحبّه لنفسه وفي هذا ما يخلّصه من داء الأنانيّة (الحديث 48) .
(13) أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرّضا وينعم بالرّاحة النّفسيّة (الحديث 27) .
(14) حبّ الله ورسوله وسيلة أكيدة لاستجلاب نصر الله وعونه (الحديث 73) .
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (351) .
(2) زاد المعاد (4/ 194) .
(3) في ظلال القرآن (2/ 773) .
(4) أخذنا هذه الفائدة من كلام ابن القيم (انظر ص 3329 من هذه الموسوعة) .(8/3356)
المداراة
المداراة لغة:
مصدر قولهم دارى فلان فلانا بمعنى ختله وخدعه، يقول ابن فارس: الدّال والرّاء والحرف المعتلّ (الياء) أصلان: أحدهما: قصد الشّيء واعتماده طلبا، والآخر حدّة تكون في الشّيء، وأمّا المهموز (درأ) فأصل واحد وهو دفع الشّيء، ومن المعنى الأوّل للمعتلّ (درى) قولهم: ادّرى بنو فلان مكان كذا، أي اعتمدوه بغزو أو غارة، والدّريّة الدّابّة الّتي يستتر بها الّذى يرمي الصّيد ليصيده، ومن الأصل الآخر قولهم:
شاة مدراة: حديدة القرنين، وأمّا الأصل المهموز فمنه قولهم: درأت الشّيء دفعته، قال تعالى: وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ (النور/ 8) .
وقال الجوهريّ: ومداراة النّاس تهمز ولا تهمز، وهي المداجاة (أي المساندة للعداوة) والملاينة، وتدّراه وادّراه بمعنى أي ختله، قال سحيم:
وماذا تدّري الشّعراء منّي ... وقد جاوزت حدّ الأربعين
وقولهم: السّلطان ذو تدرإ أي ذو عدّة وقوّة على دفع أعدائه عن نفسه، والمدارأة: المخالفة والمدافعة ويقال: فلان لا يدارىء ولا يمارىء، فأمّا المداراة ففي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 6/ 19
حسن الخلق والمعاشرة؛ لأنّه يهمز ولا يهمز، تقول داريته ودارأته، إذا اتّقيته ولاينته.
وقال ابن منظور: المداراة: المخالفة والمدافعة، يقال فلان: ذو تدرأ، أي حفاظ ومنعة وقوّة على أعدائه ومدافعة، وذلك في الحرب والخصومة. وأصله مهموز، فيقال: دارأته مدارأة وغير مهموز فيقال:
داريته وذلك إذا اتّقيته ولاينته. ومنهم من فرّق بين المهموز وغيره فجعل المهموز بمعنى الاتّقاء لشرّه وغير المهموز لمعنى الختل، فيقال: فلان لا يداري ولا يماري، وكذلك في حديث قيس بن السّائب- رضي الله عنه-: قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شريكي فكان خير شريك، لا يداري ولا يماري. قال أبو عبيد: معناه هنا المشاغبة والمخالفة على الشّريك؛ لأنّه من المهموز يعني درأت، ومنه كذلك قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها (البقرة/ 72) يعني اختلافهم في القتل. والمدارأة أيضا:
الاعوجاج والاختلاف والنّشوز، قال الشّعبيّ في المرأة المختلعة: إذا كان الدّرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها. ويقال: درأ الدّريئة للصّيد يدرؤها: إذا ساقها واستتر بها فإذا أمكنه الصّيد رمى، كما يقال: ادّرأت للصّيد إذا اتّخذت له دريئة «1» .
__________
(1) لسان العرب (3/ 1347- 1349) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 272) ، والصحاح (1/ 49، 6/ 2336) .(8/3357)
واصطلاحا:
قال المناويّ: المداراة: الملاينة والملاطفة، وأصلها المخاتلة ومنه: الدّراية وهو العلم مع تكلّف وحيلة «1» .
قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-: المداراة:
خفض الجناح للنّاس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول. وقال ابن حجر: المداراة الدّفع برفق «2» .
المداراة لا بد منها في الحياة:
قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مفارقة المداهنة، إذ المداراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المداراة والمداهنة: هو أن يجعل المرء وقته في الرّياضة لإصلاح الوقت الّذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدّين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلّق المرء بخلق شابه بعض ما كره الله منه في تخلّقه فهذا هو المداهنة، لأنّ عاقبتها تصير إلى قلّ ويلازم المداراة لأنّها تدعو إلى صلاح أحواله، ومن لم يدار النّاس ملّوه، وقد أنشد عليّ بن محمّد البسّاميّ:
دار من النّاس ملا لاتهم ... من لم يدار النّاس ملّوه
ومكرم النّاس حبيب لهم ... من أكرم النّاس أحبّوه
فالواجب على العاقل أن يداري النّاس مداراة الرّجل السّابح في الماء الجاري، ومن ذهب إلى عشرة النّاس من حيث هو كدّر على نفسه عيشه، ولم تصف له مودّتهم، لأنّ وداد النّاس لا يستجلب إلّا بمساعدتهم على ما هم عليه. إلّا أن يكون مأثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة، والبشر قد ركّب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة، فكما يشقّ عليك ترك ما جبلت عليه فكذلك يشقّ على غيرك مجانبة مثله، فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلّا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاء عن مخالفتهم في كلّ الأوقات، إذ إنّ من لم يعاشر النّاس على لزوم الإغضاء عمّا يأتون من المكروه، وترك التّوقّع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد، وترك الشّحناء، ومن لم يدار صديق السّوء كما يداري صديق الصّدق ليس بحازم، ولقد أحسن الّذي يقول:
تجنّب صديق السّوء واصرم حباله ... وإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصّدق واحذر مراءه ... تنل منه صفو الودّ ما لم تماره
وذلك لأنّه إذا كان كلّما رأى من أحد زلّة رفضه لزلّته بقي وحيدا، لا يجد من يعاشر، وفريدا لا يجد من يخادن، بل يغضي على الأخ الصّادق زلّاته ولا يناقش الصّديق السّيّيء على عثراته.
وقد قال منصور بن محمّد الكريزيّ:
__________
(1) التوقيف (301) .
(2) الفتح (10/ 528) .(8/3358)
أغمّض عيني عن صديقي كأنّني ... لديه بما يأتي من القبح جاهل
وما بي جهل غير أنّ خليقتي ... تطيق احتمال الكره فيما أحاول
متى ما يربني مفصل فقطعته ... بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريه، وإن صحّ شدّني ... فإن هو أعيا كان فيه تحامل «1»
مداراة الأعداء واجب للحذر من شرهم:
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: إذا كان للإنسان عدوّ وقد استحكمت شحناؤه، واستوعرت سرّاؤه، واستخشنت ضرّاؤه، فهو يتربّص بدوائر السّوء انتهاز فرصة ويتجرّع بمهانة العجز مرارة غصّة، فإذا ظفر بنائبة ساعدها، وإذا شاهد نعمة عاندها، فالبعد عن هذا حذرا أسلم، والكفّ عنه متاركة أغنم، لأنّه لا يسلم من عواقب شرّه، ولا يفلت من غوائل مكره إلّا بالبعد عنه أو مداراته. وقد قال لقمان لابنه: يا بنيّ، كذب من قال إنّ الشّرّ بالشّرّ يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين، ولينظر هل تطفىء إحداهما الأخرى، وإنّما يطفىء الخير الشّرّ كما يطفىء الماء النّار.
وأمّا إذا كان هذا العدوّ لئيم الطّبع خبيث الأصل فمثل هذا لا يستقبح الشّرّ، ولا يكفّ عن المكروه فهذا حاله أطمّ وضرره أعمّ ولا سلامة من مثله إلّا بالبعد عنه والانقباض، ولا خلاص منه إلّا بالصّفح والإعراض لأنّه كالسّبع الضّاري في سوارح الغنم وكالنّار بطبع لا يزول، وجوهر لا يتغيّر «2» .
الفرق بين المداراة والمداهنة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذمّ، والفرق بينهما أنّ المداري يتلطّف بصاحبه حتّى يستخرج منه الحقّ أو يردّه عن الباطل، والمداهن يتلطّف به ليقرّه على باطله ويتركه على هواه. فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النّفاق.
وقد ضرب مثل لذلك مطابق، وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطّبيب المداوي الرّفيق، فتعرّف حالها ثمّ أخذ في تليينها، حتّى إذا نضجت أخذ في بطّها برفق وسهولة، حتّى إذا أخرج ما فيها وضع على مكانها من الدّواء والمرهم ما يمنع فسادها، ثمّ تابع عليها بالمراهم الّتي تنبت اللّحم، ثمّ يذرّ عليها بعد نبات اللّحم ما ينشّف رطوبتها، ثمّ يشدّ عليها الرّباط، ثمّ لم يزل يتابع ذلك حتّى صلحت، أمّا المداهن فقال لصاحبها لا بأس عليك منها وهذه لا شيء فاسترها عن العيون بخرقة ثمّ اله عنها، فلا تزال مدّتها تقوى وتستحكم حتّى عظم فسادها «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: التودد- الحكمة- الشفقة- حسن الخلق- الحلم- حسن المعاملة- الستر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البذاءة- الفحش- الفضح- المجاهرة بالمعصية- الطيش- الحمق- الإساءة- سوء الخلق- سوء المعاملة- النفاق] .
__________
(1) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (70- 73) بتصرف واختصار.
(2) أدب الدنيا والدين (223- 224) بتصرف يسير.
(3) الروح لابن القيم ص 208(8/3359)
الآيات الواردة في «المداراة» معنى
1-* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «1»
2- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «2»
3- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) «3»
4- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37)
إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42)
اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)
__________
(1) هود: 84- 86
(2) النحل: 125 مكية
(3) مريم: 41- 47 مكية(8/3360)
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45)
قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46)
فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) «1»
5- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «2»
6- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27)
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29)
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30)
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31)
وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «3»
__________
(1) طه: 37- 47 مكية
(2) لقمان: 14- 15 مكية
(3) غافر: 27- 33 مكية(8/3361)
الأحاديث الواردة في (المداراة)
1-* (عن السّائب- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعلوا يثنون عليّ ويذكروني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلمكم به، قلت: صدقت بأبي وأمّي- كنت شريكي فنعم الشّريك، كنت لا تداري ولا تماري» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مداراة النّاس صدقة» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (المداراة) معنى
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله «3» ، قوله: إنّي سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا.
وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة، وكانت أحسن النّاس، فقال لها: إنّ هذا الجبّار، إن يعلم أنّك امرأتي يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي، فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار أتاه فقال له: لقد دخل أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها.
فقام إبراهيم عليه السّلام إلى الصّلاة. فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك. فعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى.
فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد، فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله «4» أن لا أضرّك، ففعلت. وأطلقت يده. ودعا
__________
(1) أبو داود (4836) واللفظ له. وقال المنذري في مختصر أبي داود: أخرجه النسائي. وذكره الألباني في صحيحه (3/ 917) رقم (4049) . قال أبو عبيد: معناه هنا المشاغبة والمخالفة على الشريك لأنه من المهموز يعني درأت، ومنه كذلك قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها (البقرة/ 72) يعني اختلافهم في القتل. والمدارأة أيضا: الاعوجاج والاختلاف والنشوز، قال الشعبي في المرأة المختلعة: إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها.
(2) رواه ابن حبان (2/ 216) / 471) ، وذكره في الفتح (10/ 545) ، وقال: رواه والطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر، ضعّفوه وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 96) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه وهو حديث حسن. وانظر المقاصد الحسنة (ص 377) والميزان للذهبي (4/ 462) .
(3) ثنتين في ذات الله: معناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع، وأما في نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين: أحدهما أنه ورى بها، فقال في سارة: أختي في الإسلام، وهو صحيح في باطن الأمر، والوجه الثاني أنه لو كان كذبا لا تورية فيه، لكان جائزا في دفع الظالمين، فنبه النبي صلّى الله عليه وسلّم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم.
(4) فلك الله: أي شاهد وضامن أن لا أضرك. وهو قسم.(8/3362)
الّذي جاء بها فقال له: إنّك إنّما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر.
قال: فأقبلت تمشي، فلمّا رآها إبراهيم عليه السّلام انصرف، فقال لها: مهيم؟ «1» قالت: خيرا. كفّ الله يد الفاجر. وأخدم خادما) * «2»
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المداراة)
4-* (عن عروة بن الزّبير أنّ عائشة أخبرته أنّه استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة» . فلمّا دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثمّ ألنت له في القول. فقال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس منزلة عند الله من تركه أو ودعه النّاس اتّقاء فحشه» ) * «3» .
5-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا نكشر «4» في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم» ) * «5»
6-* (عن ابن أبي مليكة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أهديت له أقبية من ديباج مزرّدة بالذّهب، فقسمها فى أناس من أصحابه، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة، فقام على الباب، فقال: ادعه لي، فسمع النّبىّ صلّى الله عليه وسلّم صوته فأخذ قباء فتلقّاه به واستقبله بأزراره فقال: يا أبا المسور، خبأت هذا لك، وكان في خلقه شيء» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المداراة)
1-* (روي أنّ داود- عليه السّلام- جلس كئيبا خاليا فأوحى الله إليه يا داود، مالي أراك خاليا؟
قال: «هجرت النّاس فيك قال: أفلا أدلّك على شيء تبلغ به رضائي؟ خالق النّاس بأخلاقهم واحتجر الإيمان فيما بيني وبينك» ) * «7» .
2-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه- لأمّ
__________
(1) مهيم: يعني ما شأنك وما خبرك.
(2) البخاري الفتح 6 (3358) . ومسلم (2371) واللفظ له، وأخدم خادما: أي وهبني خادما وهي هاجر.
(3) البخاري الفتح 10 (6131) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ولفظه عند الحارث بن أسامة «إنه منافق أداريه عن نفاقه، وأخشى أن يفسد علي غيره (الفتح: 10/ 529) .
(4) نكشر في وجوه أقوام: نبسم في وجوههم. يقال: كشر عن أسنانه أبدى يكون ذلك في الضحك وغيره، والمقصود هنا الضحك بقرينة مقابلته بلعن القلوب.
(5) ذكره البخاري معلقا موقوفا على أبي الدرداء. وقال الحافظ في الفتح (10/ 544) : وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة وأخرجه أبو نعيم في الحلية، فهو على شرطه إما حسن أو صحيح.
(6) البخاري- الفتح 6 (3127) .
(7) الآداب الشرعية (3/ 470) .(8/3363)
الدّرداء: «إذا غضبت فرضّيني، وإذا غضبت رضّيتك فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق» ) * «1» .
3-* (قال معاوية- رضي الله عنه-: «لو أنّ بيني وبين النّاس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟
قال: لأنّهم إن مدّوها خلّيتها، وإن خلّوا مددتها» ) * «2» .
4-* (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-:
«أعطى الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- شاعرا فقيل له: لم تعطي من يقول البهتان ويعصي الرّحمن؟
فقال: إنّ خير ما بذلت من مالك ما وقيت به من عرضك، ومن ابتغى الخير اتّقى الشّرّ» ) * «3» .
5-* (قال محمّد ابن الحنفيّة- رحمه الله تعالى-: «ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدّا، حتّى يجعل الله له فرجا- أو قال مخرجا- وأنشد المتنبّي:
ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ «4»
6-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«كانوا يقولون: المداراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلّه» ) * «5» .
7-* (قال أبو يوسف- رحمه الله تعالى-:
«خمسة يجب على النّاس مداراتهم: الملك المسلّط، والقاضي المتأوّل، والمريض، والمرأة، والعالم ليقبس من علمه» ) * «6» .
8-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من همّ العداوات
إنّي أحيّي عدوّي عند رؤيته ... لأدفع الشّرّ عنّي بالتّحيّات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنّما قد حشا قلبي محبّات
النّاس داء وداء النّاس قربهم ... وفي اعتزالهم قطع المودّات «7»
9- (قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-:
«من التمس رضا جميع النّاس التمس ما لا يدرك، ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد من معاشرته بدّا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها واستقباح أشياء كان يستحسنها، ما لم يكن مأثما، فإنّ ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم فكيف توجد السّلامة لمن لا يداري» ) * «8» .
10-* (قال أبو سليمان الخطّابيّ- رحمه الله تعالى-:
ما دمت حيّا فدار النّاس كلّهم ... فإنّما أنت في دار المداراة
__________
(1) روضة العقلاء لابن حبان (72) .
(2) روضة العقلاء لابن حبان (72) .
(3) الآداب الشرعية (2/ 11) .
(4) المرجع السابق (3/ 469) .
(5) المرجع السابق (3/ 468) .
(6) المرجع السابق (3/ 477) .
(7) أدب الدنيا والدين (223) .
(8) روضة العقلاء (71- 72) .(8/3364)
من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى ... عمّا قليل نديما للنّدامات «1»
11-* (قال القاضي التّنوخيّ:
الق العدوّ بوجه لا قطوب به ... يكاد يقطر من ماء البشاشات
فأحزم النّاس من يلقى أعاديه ... في جسم حقد وثوب من مودّات
الرّفق يمن وخير القول أصدقه ... وكثرة المزح مفتاح العداوات «2»
12-* (قال صالح بن عبد القدّوس:
أرضى عن المرء ما أصفى مودّته ... وليس شيء من البغضاء يرضينى
والله لو كرهت كفّى مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت يوما لها بيني
ثمّ انثنيت على الأخرى فقلت لها ... إن تسعديني وإلّا مثلها كوني
إنّي كذاك إذا أمر تعرّض لي ... خشيت منه على دنياي أو ديني خرجت منه
وعرضي ما أدنّسه ... ولم أقم غرضا للنّذل يرميني
وملطف بي مدار ذي مكاشرة ... مغض على وغر في الصّدر مكنون
ليس الصّديق الّذي تخشى بوادره ... ولا العدوّ على حال بمأمون
يلومني النّاس فيما لو أخبّرهم ... بالعذر فيه يوما لم يلوموني «3»
13-* (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-:
المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي من أقوى أسباب الألفة بينهم. فإن قال بعضهم إنّ المداراة هي المداهنة، وهذا غلط، لأنّ المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرّمة، والفرق بينهما أنّ المداهنة من الدّهان، وهو الّذي يظهر الشّيء، ويستر باطنه وقد فسّرها العلماء بأنّها معاشرة الفاسق وإظهار الرّضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة: هي الرّفق بالجاهل في التّعليم وبالفاسق في النّهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيّما إذا احتيج إلى تألّفه) * «4» .
14-* (وقال الماورديّ- رحمه الله تعالى- أيضا: إنّ الإنسان إن كان مأمورا بتألّف الأعداء، ومندوبا إلى مقاربتهم، فإنّه لا ينبغي له أن يكون لهم راكنا وبهم واثقا، بل يكون منهم على حذر، ومن مكرهم على تحرّز، فإنّ العداوة إذا استحكمت في الطّباع صارت طبعا لا يستحيل، وجبلّة لا تزول، وإنّما يستكفي بالتّألّف إظهارها «5» ، ويستدفع به
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 54) .
(2) أدب الدنيا والدين (223) .
(3) الآداب الشرعية (3/ 561) .
(4) فتح الباري (10/ 545) .
(5) يستكفي: أي يستكفئ من قولهم كفأ القدر غطاه.(8/3365)
أضرارها، كالنّار يستدفع بالماء إحراقها، ويستفاد به إنضاجها، وإن كانت محرقة متأجّجة في يابس الحطب لا يقربها إلّا تالف، ولا يدنو منها إلّا هالك) * «1» .
15-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
من الابتلاء العظيم إقامة الرّجل في غير مقامه، مثل أن يحتاج الرّجل الصّالح إلى مداراة الظّالم والتّردّد إليه، وإلى مخالطته من لا يصلح، وإلى أعمال لا تليق به، وإلى أمور تقطع عليه مراده الّذي يؤثره، فقد يقال للعالم: تردّد على الأمير وإلّا خفنا عليك سطوته، فيتردّد فيرى ما لا يصلح له ولا يمكنه أن ينكر أو يحتاج إلى شيء من الدّنيا وقد منع حقّه، فيحتاج أن يعرّض بذكر ذلك أو يصرّح لينال بعض حقّه، ويحتاج إلى مداراة من تصعب مداراته، بل يتشتّت همّه لتلك الضّرورات) * «2» .
16-* (قال بعض العلماء: رأس المداراة ترك المماراة) * «3» .
17-* (وقال شاعر:
ما يقي عنك قوما أنت خائفهم ... كمثل دفعك جهّالا بجهّال
قعّس «4» إذا حدبوا واحدب إذا قعسوا ... ووازن الشّر مثقالا بمثقال) * «5» .
18-* (قال زهير:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم) * «6» .
19-* (قال النّمر بن تولب:
وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما
وأحبب حبيبك حبّا رويدا ... فليس يعولك أن تصرما) * «7» .
من فوائد (المداراة)
1- الرّاحة في الدّنيا، والأجر والثّواب في الآخرة.
2- لا بدّ منها لاتّقاء شرّ الأشرار، ودوام معاشرة الأخيار.
3- يحتاج إليها مع الأصدقاء كما يحتاج إليها مع الأعداء.
4- دليل كمال العقل، وحسن الخلق، ومتانة الدّين.
5- المداراة تكون في الأمور الدّنيويّة فقط، وتحرم إذا كانت في أمور الدّين وهذه هي المداهنة.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (405) بتصرف.
(2) صيد الخاطر (290- 291) .
(3) الآداب الشرعية (3/ 469) .
(4) القعس: خروج الصدر ودخول الظهر وهو ضد الحدب
(5) الآداب الشرعية (2/ 11) .
(6) المرجع السابق نفسه (1/ 54) . والمنسم- بفتح الميم وكسر السين طرف خف البعير والنعامة والفيل.
(7) الآداب الشرعية (1/ 53) .(8/3366)
المراقبة
المراقبة لغة:
مصدر قولهم: راقب مراقبة وهو مأخوذ من مادّة رقب الّتي تدلّ على «انتصاب» لمراعاة شيء ومن ذلك: الرّقيب وهو الحافظ، يقال منه: رقبت أرقب رقبة ورقبانا، والمرقب: المكان العالي يقف عليه النّاظر ومن ذلك اشتقاق الرّقبة لأنّها منتصبة، ولأنّ النّاظر لا بدّ ينتصب عند نظره، ويقال أرقبت فلانا هذه الدّار، وذلك أن تعطيه إيّاها يسكنها، ثمّ يقول له إن متّ قبلي رجعت إليّ، وإن متّ قبلك فهي لك، وهذا من المراقبة كأنّ كلّ واحد منهما يرقب موت صاحبه، والرّقوب: المرأة الّتي لا يعيش لها ولد كأنّها ترقبه لعلّه يبقى لها، وجاء في الصّحاح: والرّقيب: المنتظر، والرّقيب الموكّل بالضّريب، والرّقيب: الثّالث من سهام الميسر، والتّرقّب: الانتظار، وكذلك: الارتقاب.
قال تعالى: وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (هود/ 93) .
وقال ابن منظور: راقب الله تعالى في أمره أي خافه، ورقبه يرقبه رقبة ورقبانا، بالكسر فيهما، ورقوبا، وترقّبه، وارتقبه: انتظره ورصده، وارتقب: أشرف وعلا، والمرقب والمرقبة: الموضع المشرف، يرتفع عليه الرّقيب.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
5/ 19 ورقب الشّيء يرقبه: حرسه، وفي أسماء الله تعالى:
(الرّقيب) : وهو الحافظ الّذي لا يغيب عنه شيء، فعيل بمعنى فاعل «1» .
المراقبة اصطلاحا:
قال ابن القيّم: المراقبة دوام علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه «2» .
وقال المحاسبيّ: المراقبة: دوام علم القلب بعلم الله- عزّ وجلّ- في السّكون والحركة علما لازما مقترنا بصفاء اليقين.
أمّا أوّل المراقبة فهو علم القلب بقرب الرّبّ عزّ وجلّ «3» .
بيان حقيقة المراقبة ودرجاتها:
اعلم أنّ حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرّقيب وانصراف الهمم إليه، فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره، يقال إنّه يراقب فلانا، ويراعي جانبه، ويعني بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة، وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب. أمّا الحالة فهي مراعاة القلب للرّقيب واشتغاله
__________
(1) مقاييس اللغة (2/ 427) ولسان العرب (1/ 424/ 426) .
(2) مدارج السالكين (2/ 68) .
(3) الوصايا للمحاسبى (313) بتصرف واختصار.(8/3367)
به والتفاته إليه وملاحظته إيّاه وانصرافه إليه. وأمّا المعرفة الّتي تثمر هذه الحالة فهي العلم بأنّ الله مطّلع على الضّمائر، عالم بالسّرائر، رقيب على أعمال العباد، قائم على كلّ نفس بما كسبت، وأنّ سرّ القلب في حقّه مكشوف كما أنّ ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل أشدّ من ذلك. فهذه المعرفة إذا صارت يقينا- أعني أنّها خلت عن الشّكّ- ثمّ استولت بعد ذلك على القلب قهرته؛ فربّ علم لا شكّ فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت، فإذا استولت على القلب استجرّت القلب إلى مراعاة جانب الرّقيب وصرفت همّه إليه؛ والموقنون بهذه المعرفة هم المقرّبون، وهم ينقسمون إلى الصّدّيقين وإلى أصحاب اليمين «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- مجاهدة النفس- محاسبة النفس- القوة- قوة الإرادة- اليقين- الخوف- الخشية.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الشك- الغفلة- اتباع الهوى- أكل الحرام] .
__________
(1) انظر إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 398) .(8/3368)
الأحاديث الواردة في (المراقبة) معنى
1-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل.
فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «1» ، حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وإنّه نأى بي ذات يوم الشّجر فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبّية يتضاغون «2» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا السّماء. وقال الآخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «3» قالت: يا عبد الله! اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «4» فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت:
اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها. فقال: اتّق الله، ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزئ بك. خذ ذلك البقر ورعاءه. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي» ) * «5» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل
__________
(1) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم.
(2) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع.
(3) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع.
(4) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقوله بحقه: أي بنكاح لا بزنى.
(5) البخاري- الفتح 01 (5974) . ومسلم (2743) واللفظ له.(8/3369)
ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ- إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل.
فإن عملها أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قالت الملائكة ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة. فإنّه تركها من جرّاي «2» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه وبرسله وتؤمن بالبعث» . قال: ما الإسلام؟ قال:
«الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة وتؤدّي الزّكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّتها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية (لقمان/ 34) ، ثمّ أدبر فقال: ردّوه فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «4» .
5-* (عن معاذ- رضي الله عنه-، قال:
يا رسول الله، أوصني. قال: «اعبد الله كأنّك تراه، واعدد نفسك من الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كلّه؟ قال: هذا» وأشار بيده إلى لسانه) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المراقبة)
1-* (قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى مكّة فعرّسنا في بعض الطّريق فانحدر عليه راع من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم؟ فقال: إنّي مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذّئب؟ قال: فأين الله؟
قال: فبكى عمر- رضي الله عنه- ثمّ غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه وقال: أعتقتك في الدّنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة) * «6» .
2-* (قال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال: كن أبدا كأنّك ترى الله عزّ
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له.
(2) من جراي: من أجلي.
(3) البخاري- الفتح 13 (7501) . ومسلم (129) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. ومسلم (90) .
(5) قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 532) : رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد.
(6) انظر إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 396) .(8/3370)
وجلّ) * «1» .
3-* (قال سفيان الثّوريّ: عليك بالمراقبة ممّن لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرّجاء ممّن يملك الوفاء) * «2» .
4-* (قال أبو عثمان: قال لي أبو حفص: إذا جلست للنّاس فكن واعظا لنفسك وقلبك، ولا يغرّنّك اجتماعهم عليك فإنّهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك) * «3» .
5-* (قال الجريريّ: أمرنا هذا مبنيّ على أصلين: أن تلزم نفسك المراقبة لله- عزّ وجلّ- ويكون العلم على ظاهرك قائما) * «4» .
6-* (قال أبو عثمان المغربيّ: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطّريقة المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم) * «5» .
7-* (قال رجل للجنيد: بم أستعين على غضّ البصر؟ فقال: بعلمك أنّ نظر النّاظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه) * «6» .
8-* (قال حميد الطّويل لسليمان بن عليّ:
عظني، فقال: لئن كنت إذا عصيت خاليا ظننت أنّه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظنّ أنّه لا يراك فلقد كفرت) * «7» .
9-* (سئل ذو النّون: بم ينال العبد الجنّة؟
فقال: بخمس: استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، ومراقبة الله تعالى في السّرّ والعلانية، وانتظار الموت بالتّأهّب له، ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب) * «8» .
10-* (قال عبد الواحد بن زيد: إذا كان سيّدي رقيبا عليّ فلا أبالي بغيره) * «9» .
11-* (قال ابن عطاء: أفضل الطّاعات مراقبة الحقّ على دوام الأوقات) * «10» .
12-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: الحقّ عزّ وجلّ- أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنّه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيّته، ورفع اليدين إليه، والسّؤال له. فقلوب الجهّال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتهم للحاضر النّاظر لكفّوا الأكفّ عن الخطايا. والمتيقّظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط) * «11» .
13-* (سئل المحاسبيّ عن المراقبة فقال:
أوّلها علم القلب بقرب الله تعالى) * «12» .
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 297) .
(2) المرجع السابق (4/ 397) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق (4/ 395) .
(8) المرجع السابق (4/ 398)
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) المرجع السابق (4/ 397) .
(11) صيد الخاطر (236) .
(12) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 397)(8/3371)
14-* (قال ابن منظور- رحمه الله-: فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسان حين سأله جبريل، صلوات الله عليهما وسلامه، فقال: «هو أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة فإنّ من راقب الله أحسن عمله) * «1» .
15-* (ينبغي أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفي العمل، هل يحرّكه عليه هوى النّفس أو المحرّك له هو الله تعالى خاصّة؟ فإن كان الله تعالى، أمضاه، وإلّا تركه، وهذا هو الإخلاص.
قال الحسن: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر.
فهذه مراقبة العبد في الطّاعة، وهو أن يكون مخلصا فيها، ومراقبته في المعصية تكون بالتّوبة والنّدم والإقلاع، ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشّكر على النّعم، فإنّه لا يخلو من نعمة لا بدّ له من الشّكر عليها، ولا يخلو من بليّة لا بدّ من الصّبر عليها، وكلّ ذلك من المراقبة) * «2» .
16-* (سئل بعضهم عن قوله تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (البينة/ 8) فقال: معناه: ذلك لمن راقب ربّه- عزّ وجلّ- وحاسب نفسه وتزوّد لمعاده) * «3» .
17-* (قيل: من راقب الله في خواطره، عصمه في حركات جوارحه) * «4» .
18- (وقيل لبعضهم: متى يهشّ الرّاعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة؟ فقال: إذا علم أنّ عليه رقيبا) * «5» .
19-* (قال الشّاعر:
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة ... ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيب
ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب ... وأنّ غدا للنّاظرين قريب) * «6» .
من فوائد (المراقبة)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
(3) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(4) تثمر محبّة الله تعالى ورضاه.
(5) دليل على حسن الخاتمة.
(6) مظهر من مظاهر صلاح العبد واستقامته.
__________
(1) لسان العرب (13/ 115- 117) .
(2) إغاثة اللهفان لابن القيم (392) .
(3) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 397) .
(4) المرجع السابق (4/ 396) .
(5) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 396) .
(6) المرجع السابق (4/ 395) .(8/3372)
المروءة
المروءة لغة:
مصدر مرؤ الرّجل يمرؤ، وهو مأخوذ من مادّة (م ر أ) الّتى ذكر ابن فارس أنّها لا تنقاس (أي ليس لها معنى واحد ترجع إليه مشتقّاتها) ، يقال امرؤ وامرآن وامريء، وامرأة تأنيث امرىء، المروءة: كمال الرّجوليّة.
وقال الأزهريّ: قد مرؤ الرّجل، وتمرّأ إذا تكلّف المروءة، والمرآة مصدر الشّيء المرئيّ، وجمع المرآة مراء، والعوامّ يقولون في جمع المرآة مرايا، قال: وهو خطأ والمراء: المماراة والجدل، والمريء الرّجل المقبول في خلقه وخلقه، وقال الجوهريّ: المروءة الإنسانيّة، ولك أن تشدّد (بعد قلب الهمزة واوا فتقول: مروّة) والمرأ:
الرّجل، يقال: هذا مرأ صالح، وضمّ الميم لغة، وهما مرءان صالحان، ولا يجمع على لفظه، وبعضهم يقول:
هذه مرأة صالحة ومرة أيضا بترك الهمزة وتحريك الرّاء بحركتها، والنّسبة إلى امرىء: مرئيّ.
وقال ابن منظور: المروءة: كمال الرّجوليّة. مرؤ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
14/ 28 الرّجل يمرؤ مروءة، فهو مريء على فعيل، وتمرّأ على تفعّل: صار ذا مروءة. وتمرّأ: تكلّف المروءة. وتمرّأ بنا أي طلب بإكرامنا اسم المروءة. وفلان يتمرّأ بنا أي يطلب المروءة بنقصنا أو عيبنا. وفي حديث عليّ- رضي الله عنه-: لمّا تزوّج فاطمة، قال له يهوديّ، أراد أن يبتاع منه ثيابا- لقد تزوّجت امرأة، يريد: امرأة كاملة، كما يقال: فلان رجل أي كامل في الرّجال «1» .
المروءة اصطلاحا:
قال الماورديّ: المروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون «2» على أفضلها، حتّى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجّه إليها ذمّ باستحقاق «3» .
وقال الكفويّ: المروّة هي الإنسانيّة. وقيل هي الرّجوليّة الكاملة «4» .
وقال الجرجانيّ: هي قوّة للنّفس مبدأ لصدور الأفعال الجميلة عنها المستتبعة للمدح شرعا وعقلا (وعرفا) «5» .
وقال المقّريّ: المروءة آداب نفسانيّة، تحمل
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 315) تهذيب اللغة (15/ 288) الصحاح (1/ 72) لسان العرب (1/ 156) .
(2) الضمير فى تكون يرجع إلى النفس، ويؤيد هذا قوله فيما بعد: فكتب أن مراعاة النفس على أفضل أحوالها، انظر (هامش 1 ص 306) من كتاب (أدب الدنيا والدين) .
(3) أدب الدنيا والدين (306) .
(4) الكليات للكفوي (874) .
(5) التعريفات (210) .(8/3373)
مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات «1» .
وقال ابن القيّم: حقيقة المروءة: اتّصاف النّفس بصفات الإنسان الّتي فارق بها الحيوان البهيم، والشّيطان الرّجيم، فإنّ في النّفس ثلاثة دواع متجاذبة:
داع يدعوها إلى الاتّصاف بأخلاق الشّيطان، من الكبر، والحسد والعلوّ والبغي، والشّرّ والأذى، والفساد والغشّ.
وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشّهوة، وداع يدعوها إلى أخلاق الملك، من الإحسان، والنّصح، والبرّ، والطّاعة، والعلم. والمروءة بغض الدّاعيين الأوّلين وإجابة الدّاعي الثّالث، ولهذا قيل في حدّ المروءة: إنّها غلبة العقل للشّهوة، ونقل عن الفقهاء قولهم:
حدّ المروءة: استعمال ما يجمّل العبد ويزينه، وترك ما يدنّسه ويشينه «2» ، سواء تعلّق ذلك به وحده أو تعدّاه إلى غيره «3» .
مروءة كلّ شيء بحسبه:
وقال- رحمه الله تعالى-: مروءة اللّسان:
حلاوته وطيبه ولينه.
ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض.
ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة عقلا وعرفا وشرعا.
ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه.
ومروءة الإحسان والبذل: تعجيله وتيسيره، وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه.
درجات المروءة:
للمروءة ثلاث درجات:
الأولى: مروءة المرء مع نفسه، وهي أن يحملها قسرا على فعل ما يجمّل ويزين، وترك ما يقبّح ويشين، ليصير لها ملكة في العلانية، ولا يفعل خاليا ما يستحي من فعله في الملإ، إلّا مالا يحظره الشّرع والعقل.
الثّانية: مروءة المرء مع الخلق، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء، والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه.
الثّالثة: المروءة مع الحقّ سبحانه، ويكون ذلك بالاستحياء من نظره إليك، واطّلاعه عليك في كلّ لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان فإنّه قد اشتراها منك، وأنت ساع في تسليم المبيع، وليس من المروءة تسليمه معيبا «4» .
حقوق المروءة وشروطها:
قال بعض البلغاء من شرائط المروءة:
1- أن يتعفّف المرء عن الحرام.
2- أن ينصف في الحكم.
3- أن يكفّ عن الظّلم.
__________
(1) المصباح المنير (2/ 234) وانظر الصحاح في اللغة والعلوم للمرعشلي (2/ 485) .
(2) مدارج السالكين 2/ 366
(3) هذه الاضافة مما ذكره في 2/ 353 عند حديثه عن الفتوة.
(4) مدارج السالكين 2/ 368(8/3374)
4- ألّا يطمع فيما لا يستحقّ.
5- ألّا يعين قويّا على ضعيف.
6- ألّا يؤثر دنيّ الأفعال علي شريفها.
7- ألّا يسرّ ما يعقبه الوزر والإثم.
8- ألّا يفعل ما يقبّح الاسم والذّكر.
وقال الماورديّ: إذا كانت مراعاة النّفس على أفضل أحوالها هي المروءة، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ، حذرا من الذّمّ، ولذا قيل: سيّد القوم أشقاهم، وقد لحظ المتنبّيّ ذلك فقال:
لولا المشقّة، ساد النّاس كلّهم ... الجود يفقر والإقدام قتّال
وله أيضا:
وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
إنّ حقوق المروءة أكثر من أن تحصى ... فلذلك أعوز استيفاء شروطها، والأظهر من ذلك ينقسم إلى قسمين: شروط المروءة في النّفس، وشروطها في الغير.
شروط المروءة في نفس المرء:
أي شروطها في نفسه، بعد التزام ما أوجبه الشّرع من أحكامه فيكون بثلاثة أمور:
الأوّل: العفّة وهي نوعان: العفّة عن المحارم، والآخر: العفّة عن المآثم (انظر في تفصيل ذلك صفة العفّة) .
الثّاني: النّزاهة وهي أيضا نوعان: النّزاهة عن المطامع الدّنيويّة، والثّاني النّزاهة عن مواقف الرّيبة (انظر في تفصيل ذلك صفة النّزاهة) .
الثّالث: الصّيانة وهي أيضا على نوعين:
أ- صيانة النّفس بالتزام كفايتها، ذلك أنّ المحتاج إلى النّاس كلّ مهتضم، وذليل مستثقل، وهو لما فطر عليه محتاج إلى ما يستمدّه ليقيم أود نفسه، ويدفع ضرورتها ولذلك قالت العرب: كلب جوّال خير من أسد رابض.
ب- صيانتها عن تحمّل المنن، ذلك لأنّ المنّة استرقاق للأحرار تحدث ذلّة في الممنون عليه، وسطوة في المانّ، والاسترسال في الاستعانة تثقيل، ومن ثقل على النّاس هان، ولا قدر عندهم لمهان.
شروط المروءة في الغير:
شروط المروءة في الغير ثلاثة:
الأوّل: المؤازرة وهي على نوعين:-
الإسعاف بالجاه، ويكون من الأعلى قدرا والأنفذ أمرا، وهو أرخص المكارم يمنا، وألطف الصّنائع موقعا، وربّما كان أعظم من المال نفعا، وهو الظّلّ الّذى يلجأ إليه المضطرّون، والحمى الّذى يأوي إليه الخائفون، ولا عذر لمن منح جاها أن يبخل به، فيكون أسوأ حالا من البخيل بماله.
الإسعاف فى النّوائب، وهو إمّا واجب فيما يتعلّق بالأهل والإخوان والجيران، وإمّا تبرّع في من عدا هؤلاء الثّلاثة، أمّا الأهل فلمماسّة الرّحم وتعاطف النّسب.
وقد قيل: لم يسد من احتاج أهله إلى غيره، وأمّا الإخوان فلمستحكم الودّ، ومتأكّد العهد وقد سئل(8/3375)
الأحنف بن قيس عن المروءة، فقال: صدق اللّسان ومواساة الإخوان. وأمّا الجار فلدنوّ داره واتّصال مزاره.
وللجار حقّ فاحترز من أذاته ... وما خير جار لم يزل لك مؤذيا
فيجب في حقوق المروءة وشروط الكرم في هؤلاء الثّلاثة تحمّل أثقالهم وإسعافهم في نوائبهم، ولا فسحة لذي مروءة عند ظهور المكنة، أن يكلهم إلى غيره، أو يلجئهم إلى سؤاله، وليكن السّائل عنهم كرم نفسه، فإنّهم عيال كرمه، وأضياف مروءته. أمّا التّبرّع لغير هؤلاء، فإنّه تبرّع بفضل الكرم وفائض المروءة، فمن تكفّل بنوائب هؤلاء فقد زاد على شرط المروءة وتجاوزها إلى شروط الرّياسة.
الثانى: المياسرة وهى أيضا على نوعين:
العفو عن الهفوات.
المسامحة في الحقوق.
فأمّا العفو عن الهفوات، فلأنّه لا مبرّأ من سهو وزلل، ولا سليم من نقص أو خلل، وإذا كان الإغضاء حتما والصّفح كرما، ترتّب ذلك بحسب الهفوة، والهفوات نوعان: صغائر وكبائر، أمّا الصّغائر فمغفورة، والنّفوس بها معذورة، وأمّا الكبائر فنوعان أحدهما: أن يهفو بها خاطيا، ويزلّ بها ساهيا، فالحرج فيها مرفوع، والعتب عليها موضوع، لأنّ هفوة الخاطئ هدر، ولومه هذر.
والثّاني: أن يعتمد ما اجترم من كبائره، ويقصد ما اجترح من سيّئاته، وهو في ذلك إمّا موتور، فالّلائمة على من وتره. وإمّا عدوّ قد استحكمت شحناؤه، وحينئذ فالبعد منه حذرا أسلم، وإمّا أن يكون لئيم الطّبع خبيث النّفس ولا سلامة من مثله إلّا بالصّفح والإعراض، وإمّا أن يكون صديقا قد استحدث نبوة وتغيّرا، أو أخا قد استجدّ جفوة وتنكّرا، فأبدى صفحة عقوقه، واطّرح لازم حقوقه فهذا- ومثله- قد يعرض في المودّات المستقيمة، كما تعرض الأمراض في الأجسام السّليمة، فإن عولجت أقلعت، وإن أهملت أسقمت ثمّ أتلفت.
أمّا المسامحة فنوعان:
المسامحة في العقود، بأن يكون فيها سهل المناجزة، قليل المحاجزة مأمون الغيبة بعيدا من المكر والخديعة، والمسامحة في الحقوق، قال- رحمه الله-:
وأمّا الحقوق فتتنوّع المسامحة فيها نوعين:
أحدهما: في الأحوال، والثّاني في الأموال. فأمّا المسامحة في الأحوال فهي اطّراح المنازعة في الرّتب، وترك المنافسة في التّقدّم، فإنّ مشاحّة النّفوس فيها أعظم، والعناد عليها أكثر، فإن سامح فيها ولم ينافس.
كان مع أخذه بأفضل الأخلاق واستعماله لأحسن الآداب، أوقع في النّفوس من إفضاله برغائب الأموال ثمّ هو أزيد فى رتبته، وأبلغ في تقدّمه.
وأمّا المسامحة في الأموال، فتتنوّع ثلاثة أنواع:
أ- مسامحة إسقاط لعدم.
ب- مسامحة تخفيف لعجز.
ج- مسامحة إنظار لعسرة.
والمسامحة مع اختلاف أسبابها تفضّل مأثور، وتألّف مشكور، وإذا كان الكريم قد يجود بما تحويه(8/3376)
يده، كان أولى أن يجود بما خرج عن يده فطاب نفسا بفراقه.
الثّالث: الإفضال: وهو نوعان:-
إفضال اصطناع، ويتضمّن ما أسداه جودا في شكور أو ما تألّف به نبوة نفور، وكلاهما من شروط المروءة لأنّ من قلّت صنائعه في الشّاكرين، وأعرض عن تألّف النّافرين، كان فردا مهجورا، وقابعا «1» محقورا، ولا مروءة لمتروك مطروح ولا قدر لمحقور مهتضم.
إفضال استكفاف (أي بالكفّ عن السّفهاء) لأنّ ذا الفضل، لا يعدم حاسد نعمة يبعثه اللّؤم على البداء بسفهه، فإن غفل ذو المروءة عن استكفاف السّفهاء صار عرضه هدفا للمثالب، وحاله عرضة للنّوائب، فإن استكفّهم صان عرضه، وحمى نعمته، وعليه أن يخفي ذلك حتّى لا تنتشر فيه مطامع السّفهاء، وأن يتطلّب له في المجاملة وجها ويجعل في الإفضال عليه سببا «2» .
بما تكون المروءة:
قال أبو حاتم البستيّ رحمه الله: اختلف النّاس في كيفية المروءة، على أقوال منها: المروءة: إكرام الرّجل إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره ويقصد، بهذا: كرمه. وإتيان الحقّ. وتقوى الله وإصلاح الضّيعة. وإنصاف الرّجل من هو دونه والسّموّ إلى من هو فوقه، والجزاء بما أتي إليه (يقبل الهديّة ويثيب عليها) .
ومروءة الرّجل: صدق لسانه واحتمال عثرات جيرانه وبذل المعروف لأهل زمانه وكفّه الأذى عن أباعده وجيرانه.
وحسن العشرة وحفظ الفرج واللّسان وترك المرء ما يعاب منه ... وقال ربيعة: المروءة مروءتان فللسّفر مروءة وللحضر مروءة، فأمّا مروءة السّفر:
فبذل الزّاد، وقلّة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله. وأمّا مروءة الحضر:
فالإدمان إلى المساجد، وكثرة الإخوان في الله، وقراءة القرآن.
قال أبو حاتم: اختلفت ألفاظهم في كيفيّة المروءة، ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض، أورد لها أكثر من عشرين تعريفا، ثمّ يقول: والمروءة عندي خصلتان: اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحبّ الله والمسلمون من الخصال «3» .
الفرق بين المروءة والرجولة والفتوة:
انظر صفة الرجولة.
[للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- تفريج الكربات- حسن الخلق- الرجولة- الشهامة- العفة- النزاهة- النبل- الإيثار- أكل الطيبات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإمعة- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الإعراض- أكل الحرام- الأثرة] .
__________
(1) من قولهم: قبع القنفذ إذا أدخل رأسه في جلده حتى لا يراه أحد.
(2) أدب الدنيا والدين (306- 334) بتصرف.
(3) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (304- 310) .(8/3377)
الأحاديث الواردة في (المروءة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في (المروءة) معنى
2-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- كريم يحبّ الكرماء ويحبّ معالي الأمور، ويكره سفسافها «2» » * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلّا الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من يضمّ أو يضيّف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك، وأصبحي سراجك «4» ، ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان، فباتا طاويين «5» . فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ضحك الله اللّيلة أو عجب من فعالكما «6» .» فأنزل الله:
وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ موسى كان رجلا حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة «8» ، وإمّا آفة. وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوما وحده،
__________
(1) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 405) وقال: رواه ابن حبّان في صحيحه. والحاكم (1/ 123) وقال: صحيح على شرط مسلم.
(2) السفساف: الرديء من كل شيء، والأمر الحقير.
(3) الخرائطي في مكارم الأخلاق. وذكره الهيثميّ في مجمع الزوائد (8/ 188) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه إلا أنه قال: يحبّ معالي الأخلاق، ورجال الكبير ثقات.
(4) أصبحي سراجك: أي أوقديه.
(5) طاويين: أي لم يأكلا شيئا.
(6) ضحك الله الليلة أو أعجب من فعالكما: أي رضي الله عن صنيعكما، والفعال: بفتح الفاء: اسم الفعل الحسن، قيل: وقد يستعمل في الشر، والفعال بالكسر إذا كان بين اثنين.
(7) البخاري الفتح 7 (3798) واللفظ له، ومسلم (2054)
(8) والمأدور: من يصيبه فتق فى إحدى خصيتيه. انظر تاج العروس للزبيدى (6/ 18) .(8/3378)
فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل. فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر «1» . حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه ممّا يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إنّ بالحجر لندبا «2» من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله (الأحزاب: 69) :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) * «3» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق، اشتدّ عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثمّ خرج فإذا كلب يلهث «4» يأكل الثّرى «5» من العطش، فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثمّ أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له. فغفر له» قالوا: يا رسول الله! وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر «6» » ) * «7» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما كلب يطيف «8» بركيّة «9» كاد يقتله العطش. إذ رأته بغيّ «10» من بغايا بني إسرائيل. فنزعت موقها «11» ، فسقته، فغفر لها به» ) * «12» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها. فأطعمتها ثلاث تمرات. فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها. فاستطعمتها ابنتاها. فشقّت التّمرة، الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما. فأعجبني شأنها. فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار» ) * «13» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه
__________
(1) ثوبي حجر: أي أعطني ثوبي يا حجر.
(2) الندب: بفتحتين جمع ندبة وهي أثر الجرح وشبه هنا أثر الضرب في الحجر بأثر الجرح.
(3) البخاري- الفتح 6 (3404) .
(4) يلهث: يقال: لهث بفتح الهاء وكسرها، يلهث، بفتحها لا غير، لهثا، بإسكانها. والاسم اللهث، بالفتح واللهاث، بضم اللام. ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى. وهو الذي أخرج لسانه من شدة العطش والحر.
(5) الثرى: التراب النديّ.
(6) في كل ذات كبد رطبة أجر: معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي يسقيه، ونحوه، أجر. وسمي الحي ذا كبد رطبة لأن الميت يجف جسمه وكبده.
(7) البخاري- الفتح 10 (6009) واللفظ له. ومسلم (2244) .
(8) يطيف بالشيء: أي يدور حوله. يقال: طاف به وأطاف، إذا دار حوله.
(9) بركيّة: الركية البئر.
(10) بغيّ: البغي هي الزانية. والبغاء، بالمد: هو الزنى.
(11) موقها: الموق هو الخف، فارسي معرب. ومعنى نزعت موقها أي استقت. يقال: نزعت بالدلو إذا استقت به من البئر ونحوها، ونزعت الدلو أيضا.
(12) البخاري- الفتح 6 (3467) واللفظ له. ومسلم (2245) .
(13) البخاري- الفتح 3 (1418) نحوه. ومسلم (2630) واللفظ له.(8/3379)
قال: «دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فألقى إليّ وسادة حشوها ليف، فلم أقعد عليها، بقيت بيني وبينه) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّاعي «2» على الأرملة «3» والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال:
وكالقائم لا يفتر، وكالصّائم لا يفطر» ) * «4» .
10-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيله» . قلت: فأيّ الرّقاب أفضل؟
قال: «أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها» : قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا، أو تصنع لأخرق «5» » . قال:
فإن لم أفعل؟ قال: «تدع النّاس من الشّرّ، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك» ) * «6» .
11-* (عن شهاب بن عبّاد أنّه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاشتدّ فرحهم بنا، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحّب بنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعا لنا، ثمّ نظر إلينا فقال: «من سيّدكم وزعيمكم؟» فأشرنا جميعا إلى المنذر بن عائذ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أهذا الأشجّ؟» فكان أوّل يوم وضع عليه هذا الاسم لضربة بحافر حمار، قلنا: نعم، يا رسول الله. فتخلّف بعد القوم فعقل رواحلهم، وضمّ متاعهم، ثمّ أخرج عيبته «7» فألقى عنه ثياب السّفر، ولبس من صالح ثيابه، ثمّ أقبل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد بسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجله واتّكأ، فلمّا دنا منه الأشجّ، أوسع القوم له وقالوا: ههنا يا أشجّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستوى قاعدا وقبض رجله: «ههنا يا أشجّ» فقعد عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرحّب به وألطفه وسألهم عن بلادهم وسمّى لهم قرية الصّنفا والمنقيرة وغير ذلك من قرى هجر فقال: بأبي وأمّي يا رسول الله، لأنت أعلم بأسماء قرانا منّا، فقال: «إنّي وطئت بلادكم وفسح لي فيها» . قال: ثمّ أقبل على الأنصار، فقال: «يا معشر الأنصار، أكرموا إخوانكم فإنّهم أشباهكم في الإسلام أشبه شيء بكم أشعارا وأبشارا، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين، إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قتلوا» . قال: فلمّا أصبحوا قال: «وكيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إيّاكم؟» . قالوا: خير إخوان ألانوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّموننا كتاب ربّنا- تبارك
__________
(1) ذكره الهيثمي في المجمع (8/ 174) واللفظ له وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو في المسند 2 (5677) .
(2) الساعي: المراد بالساعي: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما.
(3) الأرملة: من لا زوج لها. سواء كانت تزوجت قبل ذلك أم لا. وقيل: هي التي فارقت زوجها. قال ابن قتيبة: سميت أرملة. لما يحصل لها من الإرمال. وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج. يقال: أرمل الرجل، إذا فني زاده.
(4) البخاري- الفتح 10 (6007) واللفظ له. ومسلم (2982)
(5) والأخرق: الأحمق الجاهل، أو من لا يحسن الصنعة، ومنه الحديث تعين صانعا، أو تصنع لأخرق أي لجاهل بما يجب أن يعمله، ولم يكن في يديه صنعة يكتسب بها.
(6) البخاري الفتح 5 (2518) واللفظ له. ومسلم (84) .
(7) العيبة: ما يوضع فيه الثياب.(8/3380)
وتعالى- وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فأعجبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفرح بها ثمّ أقبل علينا رجلا رجلا يعرضنا على من يعلّمنا وعلّمنا، فمنّا، من علم التّحيّات وأمّ الكتاب والسّورة والسّورتين والسّنن، فأقبل علينا بوجهه فقال: «هل معكم من أزوادكم» . ففرح القوم بذلك، وابتدروا رواحلهم، فأقبل كليب- رجل منهم- معه صرّة من تمر فوضعها على نطع بين يديه وأومأ بجريدة في يده كان يتخصّر بها فوق الذّراع ودون الذّراعين فقال:
تسمّون هذا التّعضوض «1» » قلنا: نعم. ثمّ أومأ إلى صرّة أخرى. فقال: «تسمّون هذا الصّرفان «2» » . قلنا:
نعم. ثمّ أومأ إلى صرّة أخرى. فقال: «تسمّون هذا البرنيّ «3» » قلنا: نعم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه من خير تمركم وأنفعه لكم» قال: فرجعنا من وفادتنا تلك فأكثرنا الغرز منه وعظمت رغبتنا فيه حتّى صار أعظم نخلنا وتمرنا البرنيّ. قال: فقال الأشجّ: يا رسول الله، إنّ أرضنا أرض ثقيلة وخمة «4» وإنّا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيّجت ألواننا وعظمت بطوننا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تشربوا في الدّبّاء والحنتم والنّقير «5» ، وليشرب أحدكم على سقاء يلاث على فيه «6» » . فقال له الأشجّ: بأبي وأمّي يا رسول الله، رخّص لنا في مثل هذه، وأومأ بكفّيه. فقال: يا أشجّ، إنّي إن رخّصت لك في مثل هذه،. وقال بكفّيه هكذا- شربته في مثل هذه وفرّج بين يديه وبسطهما- يعني أعظم منها حتّى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمّه فهزر «7» ساقه بالسّيف» . وكان في القوم رجل من بني عقيل يقال له الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم في بيت من الشّعر تمثّل به في امرأة منهم، فقام بعض أهل ذلك البيت فهزر ساقه بالسّيف، فقال الحارث: لمّا سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعلت أسدل ثوبي فأغطّي الضّربة بساقي، وقد أبداها لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم) * «8» .
__________
(1) التّعضوض نوع من أنواع التمر.
(2) الصرفان: وهو نوع من أجود أنواع التمر وأوزنه.
(3) البرني: نوع من التمر.
(4) أرض وخمة: لا ينجع كلؤها ولا توافق ساكنها.
(5) الدّباء: القرع ينتبذ فيه، والحنتم: جرار خضر تميل إلى الحمرة كانت تحمل إلى المدينة فيها الخمر، والنقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء فيصير نبيذا مسكرا.
(6) أي يشد على فمه برباط.
(7) هزر: أي ضرب.
(8) شيء منه عند البخاري 7 (4368) . وعند مسلم (17) . وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 177، 178) واللفظ له وقال: رواه أحمد (4/ 207) ورجاله ثقات، وصححت بعض الألفاظ من أحمد، لأن نص المجمع به تصحيف في بعض العبارات.(8/3381)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المروءة)
12-* (عن سهل- رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة منسوجة فيها حاشيتها.
أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشّملة. قال: نعم. قالت:
نسجتها بيدي، فجئت لأكسوكها، فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنّها إزاره، فحسّنها فلان، فقال: اكسنيها، ما أحسنها!. قال القوم: ما أحسنت.
لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها، ثمّ سألته وعلمت أنّه لا يردّ. قال: إنّي والله ما سألته لألبسها، إنّما سألته لتكون كفني. قال: سهل فكانت كفنه) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي خير. يا محمّد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال:
أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.
يا محمّد، والله، ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله، ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ. والله، ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ. وإنّ خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل:
صبوت؟ قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
14-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة نجد، فلمّا أدركته القائلة «3» وهو في واد كثير العضاه «4» فنزل تحت شجرة واستظلّ بها وعلّق سيفه، فتفرّق النّاس في الشّجر يستظلّون. وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئنا. فإذا أعرابيّ قاعد بين يديه، فقال: «إنّ هذا أتاني وأنا نائم، فاخترط سيفي «5» ، فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط سيفي صلتا «6» ، قال: ما يمنعك منّي؟ قلت: الله، فشامه «7» ثمّ قعد، فهو هذا. قال: ولم يعاقبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1277) و4 (2093) و (6036) .
(2) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764)
(3) القائلة: نصف النهار، وفي الصحاح: الظهيرة.
(4) العضاهة: بالكسر أعظم الشجر أو كل ذات شوك، والجمع عضاه وعضون.
(5) اخترط سيفي: استله.
(6) الصّلت من السيوف: الصقيل الماضي.
(7) شامه: أي أغمده.
(8) البخاري الفتح 7 (4139) واللفظ له. ومسلم (843) .(8/3382)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المروءة)
1-* (عن يحيى بن سعيد أنّ عمر بن الخطّاب، قال: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب «1» به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف «2» والشّهيد من احتسب نفسه على الله» ) * «3» .
2-* (كتب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه-:
«خذ النّاس بالعربيّة، فإنّه يزيد في العقل، ويثبت المروءة» ) * «4» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: «لا تصغرنّ هممكم، فإنّي لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم» ) * «5» .
4-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لابنه الحسن في وصيّته له: «يا بنيّ، إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، ولا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حرّا، فإنّ اليسير من الله تعالى أكرم وأعظم من الكثير من غيره، وإن كان كلّ منه كثيرا» ) * «6» .
5-* (حكي أنّ معاوية سأل عمرا «7» - رضي الله عنهما- عن المروءة؟ فقال: تقوى الله تعالى وصلة الرّحم.
وسأل المغيرة؟ فقال: هي العفّة عمّا حرّم الله تعالى، والحرفة فيما أحلّ الله تعالى.
وسأل يزيد؟ فقال: هي الصّبر على البلوى، والشّكر على النّعمى، والعفو عند المقدرة «8» . فقال معاوية: أنت منّي حقّا» ) * «9» .
6-* (قال زياد لبعض الدّهاقين «10» : «ما المروءة فيكم؟ قال: اجتناب الرّيب فإنّه لا ينبل مريب، وإصلاح الرّجل ماله فإنّه من مروءته، وقيامه بحوائجه وحوائج أهله فإنّه لا ينبل من احتاج إلى أهله ولا من احتاج أهله إلى غيره» ) * «11» .
7-* (وقيل: «لا مروءة لمن لا أدب له، ولا أدب لمن لا عقل له» ) * «12» .
8-* (وقال بعض الشّعراء:
__________
(1) آب من يئوب أوبا ومآبا رجع.
(2) الحتوف: جمع حتف وهو الموت.
(3) الموطأ: (2/ 19) باب ما تكون فيه الشهادة. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 695) : قال الزرقاني في شرح الموطأ: رواه البيهقي في السنن من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن حسان بن فائد عن عمر.
(4) لسان العرب: (1/ 155) .
(5) أدب الدنيا والدين للماوردي: (307) .
(6) أدب الدنيا والدين (318) .
(7) عمرا: أي عمرو بن العاص.
(8) المقدرة: القدرة.
(9) أدب الدنيا والدين (310) .
(10) الدهاقين: واحدة دهقان بكسر الدال وضمها وهو من كانت له رياسة قريته أو جماعته عند العجم.
(11) أدب الدنيا والدين (318) .
(12) المروءة الغائبة (38) .(8/3383)
وكنت إذا صحبت رجال قوم ... صحبتهم وشيمتي الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنوهم ... وأجتنب الإساءة إن أساءوا
وأبصر ما يعيبهم بعين ... عليها من عيوبهم غطاء
أريد رضاهم أبدا وآتي ... مشيئتهم وأترك ما أشاء
) * «1» .
9-* (سئل محمّد بن عليّ عن المروءة، فقال: «أن لا تعمل عملا في السّرّ تستحيي منه في العلانية» ) * «2» .
10-* (قال مسروق،: «كان يقال: مجالسة أهل الدّيانة تجلو عن القلب صدأ الذّنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكّي القلوب» ) * «3» .
11-* (سئل الأحنف بن قيس عن المروءة فقال: «صدق اللّسان، ومواساة الإخوان، وذكر الله تعالى في كلّ مكان» ) * «4» .
12-* (وقال مرّة: «العفّة والحرفة» ) * «5» .
13-* (قال أبو حاتم البستيّ- رحمه الله- بعد أن ساق حديث «كرم المومن دينه، ومروءته عقله» صرّح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الخبر: «بأنّ المروءة هي العقل: أي اسم يقع على العلم بسلوك الصّواب واجتناب الخطإ» وقال: فالواجب على العاقل: أن يلزم إقامة المروءة بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة» ) * «6» .
14-* (وقال رحمه الله: «الواجب على العاقل تفقّد الأسباب المستحقرة عند العوامّ من نفسه حتّى لا يثلم «7» مروءته، فإنّ المحقّرات ضدّ المروءات تؤذي الكامل في الحال بالرّجوع القهقرى إلى مراتب العوامّ وأوباش «8» النّاس» ) * «9» .
15-* (قال الماورديّ: «وأمّا الإسعاف في النّوائب فلأنّ الأيام غادرة، والنّوازل غائرة، والحوادث عارضة، والنّوائب راكضة. والإسعاف في النّوائب نوعان: واجب وتبرّع. فأمّا الواجب فيما اختصّ بثلاثة أصناف وهم الأهل والإخوان والجيران ... فيجب من حقوق المروءة وشروط الكرم في هؤلاء الثّلاثة تحمّل أثقالهم وإسعافهم في نوائبهم. وأمّا التّبرّع ففيمن عدا هؤلاء الثّلاثة من البعداء» ) * «10» .
16-* (وقال: «اعلم أنّ من شواهد الفضل ودلائل الكرم المروءة الّتي هي حلية النّفوس، وزينة الهمم» ) * «11» .
__________
(1) المروءة الغائبة (42) .
(2) أدب الدنيا والدين (3152، وتهذيب اللغة للأزهري (15/ 287) .
(3) المروءة الغائبة (60) .
(4) أدب الدنيا والدين (323) .
(5) تهذيب اللغة للأزهري (15/ 287) .
(6) المروءة الغائبة (55) .
(7) يثلم: من الثلم وهو الخلل.
(8) أوباش الناس: أخلاطهم وسفلهم.
(9) المروءة الغائبة (61) .
(10) أدب الدنيا والدين (323) .
(11) المرجع السابق (306) .(8/3384)
17-* (وقال أيضا: «شرف النّفس مع صغر الهمّة أولى من علوّ الهمّة مع دناءة النّفس، لأنّ من علت همّته مع دناءة نفسه كان متعدّيا إلى طلب ما لا يستحقّه، ومتخطّيا إلى التماس مالا يستوجبه. ومن شرفت نفسه مع صغر همّته فهو تارك لما يستحقّ، ومقصّر عمّا يجب له، وفضل ما بين الأمرين ظاهر، وإن كان لكلّ واحد منهما من الذّمّ نصيب» ) * «1» .
18-* (وقال: «أمّا شرف النّفس فإنّ به يكون قبول التّأديب واستقرار التّقويم والتّهذيب، لأنّ النّفس ربّما جمحت عن الأفضل وهي به عارفة ونفرت عن التّأديب وهي له مستحسنة، لأنّها عليه غير مطبوعة، وله غير ملائمة فتصير منه أنفر، ولضدّه الملائم آثر» ) * «2» .
19-* (قال الحصين بن المنذر الرّقاشيّ:
إنّ المروءة ليس يدركها امرؤ ... ورث المكارم عن أب فأضاعها
أمرته نفس بالدّناوة والخنا ... ونهته عن سبل العلا فأطاعها
فإذا أصاب من المكارم خلّة ... يبني الكريم بها المكارم باعها
) * «3» .
20-* (يقول شيخ الأزهر السّابق محمّد الخضر حسين: «وتنتظم المروءة أخلاقا سنيّة وآدابا مضيئة، ورسوخ هذه الأخلاق والآداب في النّفس يحتاج إلى صبر ومجاهدة ودقّة ملاحظة وسلامة ذوق) * «4» .
21-* (قال وحيد الدّين خان في كتابه «البعث الإسلاميّ» : «إنّ هؤلاء الّذين نشأوا في جزيرة العرب، وشبّوا في الكثبان الرّمليّة والصّحارى القاحلة الجدباء، كانوا يتمتّعون بميزات يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي المروءة» ) * «5» .
22-* (قال حافظ إبراهيم:
إنّي لتطربني الخلال كريمة ... طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزّني ذكرى المروءة والنّدى ... بين الشّمائل هزّة المشتاق
) * «6» .
23-* (وقال بعضهم:
«من حقوق المروءة وشروطها مالا يتوصّل إليه إلّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلّا بالتّفقّد والمراعاة.
فثبت أنّ مراعاة النّفس على أفضل أحوالها هي المروءة، وإذا كانت كذلك فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ حذرا من الذّمّ، ولذلك قيل: سيّد القوم أشقاهم» ) * «7» .
42-* (قيل لبعض الحكماء: ما أصعب شيء
__________
(1) أدب الدنيا والدين (307) .
(2) المرجع السابق نفسه.
(3) المرجع السابق (309) .
(4) عن كتاب المروءة الغائبة (98) .
(5) المروءة لمحمد ابراهيم سليم (9) .
(6) كتاب المروءة الغائبة (10) .
(7) أدب الدنيا والدين (307) .(8/3385)
على الإنسان؟ قال: «أن يعرف نفسه، ويكتم الأسرار فإذا اجتمع الأمران واقترن بشرف النّفس علوّ الهمّة كان الفضل بهما ظاهرا، والأدب بهما وافرا، ومشاقّ الحمد بينهما مسهّلة، وشروط المروءة بينهما متينة» ) * «1» .
25-* (قال بعضهم: الكامل المروءة من حصّن دينه، ووصل رحمه، وأكرم إخوانه) * «2» .
26-* (سئل بعض الحكماء عن الفرق بين العقل والمروءة، فقال «العقل يأمرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل» وقال الماورديّ «ولن تجد الأخلاق على ما وصفنا من حدّ المروءة منطبعة، ولا عن المراعاة مستغنية، وإنّما المراعاة هي المروءة لا ما انطبعت عليه من فضائل الأخلاق، لأنّ غرور الهوى ونازع الشّهوة يصرفان النّفس أن تركب الأفضل من خلائقها، والأجمل من طرائقها، وإن سلمت منها، وبعيد أن تسلم إلّا لمن استكمل شرف الأخلاق طبعا، واستغنى عن تهذيبها تكلّفا وتطبّعا» ) * «3» .
27-* (قال أحدهم:
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه عسير
) * «4» .
28-* (قال بعض الشّعراء:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقّها ... هوانا بها كانت على النّاس أهونا
فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكن ... عليك لها فاطلب لنفسك مسكنا
وإيّاك والسّكنى بمنزل ذلّة ... يعدّ مسيئا فيه من كان محسنا
) * «5» .
من فوائد (المروءة)
(1) تعلّم الإنصاف والصّدق والاحتمال والصّبر.
(2) تبعد المسلم عمّا يكره الله والمسلمون.
(3) رفع الهمم للملمّات، والتّرفّع عن المحقّرات.
(4) شكر المنعم على ما أنعم.
(5) التّحلّي بالحزم عند العزم والعفو عند المقدرة.
(6) تكسب الإنسان مكارم الأخلاق.
(7) تبتعد بالإنسان عن كلّ ما يؤذي صفة الكمال في الإنسان.
(8) مساعدة الأهل والإخوان والجيران.
(9) تعلي شرف النّفس وقدرها.
(10) تخلّص الانسان من غرور الهوى ونوازع الشّهوة.
(11) تدعو الإنسان إلى الأنفة من الخمول والكسل.
(12) تدعو الإنسان إلى استنكار مهانة النّقص.
(13) دعوة للإنسان إلى تجنّب الأماني بلا عمل، لأنّ التّمنّي استصغار لنعم الله تعالى.
(14) تضفي على الإنسان عزّا، وعلى المجتمع ترابطا.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (309) .
(2) المرجع السابق (310) .
(3) المرجع السابق (306) .
(4) المروءة لمحمد ابراهيم سليم (9) .
(5) أدب الدنيا والدين (308)(8/3386)
المسارعة في الخيرات
المسارعة لغة:
مصدر قولنا: سارع فلان إلى كذا، وهو مأخوذ من مادّة (س ر ع) الّتي تدلّ على خلاف البطء، ومنه قول العرب: لسرعان ما صنعت كذا، أي ما أسرع ما صنعته، وأمّا السّرع من الكرم فهو أسرع ما يطلع منه» «1» .
وقال الجوهريّ: يقال: سرع سرعا مثل صغر صغرا فهو سريع، وقولهم «سرعان ذا خروجا» ، وسرعان وسرعان ثلاث لغات، أي سرع ذا خروجا، وأسرع القوم، إذا كانت دوابّهم سراعا» «2» .
وقال الفيروزاباديّ: السّرعة ضدّ البطء، وتستعمل في الأجسام والأفعال يقال: سرع فهو سريع، وأسرع فهو مسرع، كما يقال: سير سريع، وفرس سريع، والمصدر من سرع هو السّرعة، والسّراعة والسّرع «3» ، وسارع إلى الخير وتسارع «4» (بمعنى) ، قال تعالى: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (المؤمنون/ 61)
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
18/ 20/ 28
يسارعون أي يسابقون من سابقهم إليها «5» ، وقريء يسرعون في الخيرات، أي يكونون سراعا إليها، أمّا سابقون في الآية الكريمة فقد ذكر القرطبيّ أنّ المراد السّبق إلى أوقاتها، وكلّ من تقدّم في شيء فهو سابق إليه، وكلّ من تأخّر عنه فقد سبقه وفاته، ومن ثمّ تكون اللّام في «لها» بمعنى إلى كما جاء في قوله عزّ وجلّ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (الزلزلة/ 5) أي إليها «6» .
وسرعان النّاس: أوائلهم الّذين يتسارعون إلى الشّيء، ويقبلون عليه بسرعة، ويجوز فيها تسكين الرّاء، والمساريع، جمع مسراع، وهو الشّديد الإسراع في الأمور، وهو من أبنية المبالغة «7» ، والمتسرّع: المبادر إلى الشّرّ، يقال تسرّع إلى الشّرّ، والمسرع: السّريع إلى خير أو شرّ، وسارع إلى الأمر كأسرع إليه، وسارع إلى كذا وتسرّع إليه بمعنى «8» ، والمسارعة إلى الشّيء المبادرة إليه «9» ، والفرق بين السّرعة والإسراع أنّ الإسراع فيه
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 153
(2) الصحاح للجوهري 3/ 1228
(3) أضاف ابن منظور ثلاثة مصادر أخرى هي: السّرع والسّرعو السّرع، انظر اللسان 8/ 151
(4) بصائر ذوي التمييز 3/ 214
(5) يفيد هذا القول أن المفاعلة هنا على بابها أي أنها تدل على المشاركة.
(6) تفسير القرطبي 12/ 133 (بتصرف يسير) .
(7) انظر النهاية لابن الاثير 2/ 361
(8) يشير صاحب اللسان بهذه العبارة الى أن تسرع تستعمل بمعنى سارع الى الأمر مطلقا خيرا كان أو شرا.
(9) لسان العرب 8/ 151 (ط. بيروت) .(8/3387)
طلب وتكلّف، وأمّا السّرعة فكأنّها غريزة، يقال: أسرع أي طلب ذلك من نفسه وتكلّفه كأنّه أسرع المشي أي عجّله، وأمّا سرع فلان، فالمعنى أنّ السّرعة فيه طبع وسجيّة «1» ، أمّا قول الله عزّ وجلّ: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (آل عمران/ 133) فالمعنى سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطّاعة، وقيل أداء الفرائض، وقيل الإخلاص، وقيل: التّوبة من الرّبا، وقيل: الثّبات في القتال، وقيل غير هذا، قال القرطبيّ: والآية عامّة في الجميع، ومعناها معنى اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
(البقرة/ 148) الّتي تتضمّن الحثّ والاستعجال على جميع الطّاعات بالعموم» «2» .
المسارعة في الخيرات اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- «المسارعة» في الخيرات مصطلحا، ويمكن أن نعرّف ذلك من خلال ما كتبه اللّغويّون والمفسّرون فنقول: المسارعة في الخيرات: هي المبادرة إلى الطّاعات والسّبق إليها والاستعجال في أدائها وعدم الإبطاء فيها أو تأخيرها.
المسارعة والمسابقة والمبادرة:
هذه الألفاظ الثّلاثة متقاربة المعنى إلى حدّ كبير، ومع أنّ بينها فروقا في الاستعمال في كثير من السّياقات، إلّا أنّ بينها ما يسمّيه بعض اللّغويّين بالتّرادف الجزئيّ ويراد به أن يستعمل اللّفظان أو الألفاظ استعمالا واحدا في بعض السّياقات دون بعضها الآخر، والألفاظ الثّلاثة (المسارعة- المسابقة- المبادرة) من هذا القبيل، أي إنّها عند الاقتران بالخيرات أو العمل الصّالح يكون لها المعنى نفسه، وقد كثر لفظ «المبادرة» في الحديث الشّريف، ولفظ المسارعة في القرآن الكريم، أمّا المسابقة فقد وردت فيهما على سواء، ومن الألفاظ الحديثيّة الّتي تؤدّي معنى المسارعة أو المبادرة، لفظ التّبكير وخاصّة إذا اقترن بأداء الصّلاة.
[للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- البر- بر الوالدين- التعاون على البر والتقوى- الطاعة- العبادة- الإحسان- الكرم- المروءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإهمال- البخل- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الشح- الإعراض- اتباع الهوى] .
__________
(1) لسان العرب 8/ 151 (ط. بيروت) ، وقد نقل هذا الفرق عن سيبويه.
(2) تفسير القرطبي 4/ 203، وفي معنى «استبقوا الخيرات» 2/ 165(8/3388)
الآيات الواردة في «المسارعة في الخيرات»
1-* لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)
* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «2»
3- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60)
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «4»
__________
(1) آل عمران: 113- 114 مدنية
(2) آل عمران: 130- 136 مدنية
(3) الأنبياء: 89- 90 مكية
(4) المؤمنون: 57- 61 مكية(8/3389)
الآيات الواردة في «المسارعة إلى الخيرات» معنى
5- لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(148) «1»
6- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «2»
7- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «3»
8-* وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ
وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
(141) «4»
9- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «5»
10- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) «6»
11- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «7»
12- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)
فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ
__________
(1) البقرة: 148 مدنية
(2) المائدة: 48 مدنية
(3) الأنعام: 14 مكية
(4) الأنعام: 141 مكية
(5) الأنعام: 161- 163 مكية
(6) الأعراف: 143 مكية
(7) التوبة: 100 مدنية(8/3390)
تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46)
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «1»
13- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) «2»
14- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) «3»
15- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «4»
16- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «5»
17- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «6»
18- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23)
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) «7»
__________
(1) الشعراء: 41- 51 مكية
(2) فاطر: 32 مكية
(3) الزمر: 11- 13 مكية
(4) الحديد: 10 مدنية
(5) الحديد: 20- 21 مدنية
(6) الحشر: 8- 9 مدنية
(7) المطففين: 22- 26 مكية(8/3391)
الأحاديث الواردة في (المسارعة في الخيرات)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح وهو مردف أسامة على القصواء- ومعه بلال وعثمان بن طلحة- حتّى أناخ عند البيت، ثمّ قال لعثمان: ائتنا بالمفتاح، فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب، فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسامة وبلال وعثمان، ثمّ أغلقوا عليه الباب، فمكث نهارا طويلا، ثمّ خرج، وابتدر النّاس الدّخول فسبقتهم، فوجدت بلالا قائما من وراء الباب، فقلت له: أين صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: صلّى بين ذينك العمودين المقدّمين، وكان البيت على ستّة أعمدة سطرين، صلّى بين العمودين من السّطر المقدّم، وجعل باب البيت خلف ظهره، واستقبل بوجهه الّذي يستقبلك حين تلج البيت، بينه وبين الجدار. قال: ونسيت أن أسأله كم صلّى. وعند المكان الّذي صلّى فيه مرمرة حمراء» ) * «1» .
2-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ أسماء لمّا قدمت لقيها عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه- في بعض طرق المدينة فقال: آلحبشيّة هي؟
قالت: نعم. فقال: نعم القوم أنتم لولا أنّكم سبقتم بالهجرة، فقالت هي لعمر: كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحمل راجلكم، ويعلّم جاهلكم، وفررنا بديننا، أما إنّي لا أرجع حتّى أذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرجعت إليه، فقالت له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل لكم الهجرة مرّتين؛ هجرتكم إلى المدينة، وهجرتكم إلى الحبشة» ) * «2» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نتصدّق، فوافق ذلك مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال:
فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكلّ ما عنده، فقال: يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبدا» ) * «3» .
4-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه وأبو بكر على عبد الله ابن مسعود وهو يقرأ، فقام فسمع قراءته، ثمّ ركع عبد الله وسجد، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سل تعطه» قال: ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه من ابن أمّ عبد» . قال:
فأدلجت إلى عبد الله بن مسعود لأبشّره بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فلمّا ضربت الباب، أو قال: لمّا سمع صوتي قال: ما جاء بك هذه السّاعة؟ قلت: جئت لأبشّرك بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قد سبقك أبو بكر، قلت: إن يفعل فإنّه سبّاق بالخيرات، ما استبقنا خيرا قطّ إلّا سبقنا إليه أبو بكر» ) * «4» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4400) .
(2) البخاري- الفتح 7 (4230) ، ومسلم (2503) ..
(3) الترمذي برقم (3675) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4) مسند أحمد 1/ 38، 1/ 26، ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (265) وقال: اسناده صحيح، وكذا برقم (175) .(8/3392)
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «عرضت عليّ الأمم فأخذ النّبيّ يمرّ معه الأمّة، والنّبيّ يمرّ معه العشرة، والنّبيّ يمرّ معه الخمسة، والنّبيّ يمرّ وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمّتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمّتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوكّلون، فقام إليه عكّاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم.
قال: «اللهمّ اجعله منهم» ، ثمّ قام إليه رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال «سبقك بها عكّاشة» ) * «1» .
6-* (عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر أصحابه بالغزو، وأنّ رجلا تخلّف وقال لأهله:
أتخلّف حتّى أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر ثمّ أسلّم عليه وأودّعه فيدعو لي بدعوة تكون شافعة يوم القيامة. فلمّا صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبل الرّجل مسلّما عليه فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والّذي نفسي بيده لقد سبقوك بأبعد ما بين المشرقين والمغربين في الفضيلة» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (المسارعة في الخيرات) معنى
7-* (عن يزيد بن الأخنس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تنافس بينكم إلّا في اثنتين: رجل أعطاه الله عزّ وجلّ القرآن فهو يقوم به آناء اللّيل وآناء النّهار ويتّبع ما فيه فيقول رجل: لو أنّ الله تعالى أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به. ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق ويتصدّق فيقول رجل: لو أنّ الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدّق به ...
الحديث» ) * «3» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا الصّبح بالوتر» ) * «4» .
9-* (عن عبد الله بن شفيق قال: سألت ابن عمر عن صلاة اللّيل، فقال ابن عمر: سأل رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صلاة اللّيل وأنا بينهما فقال: صلاة اللّيل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصّبح فبادر الصّبح بركعة، وركعتين قبل صلاة الغداة) * «5» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6541) واللفظ له، ومسلم (367) .
(2) مسند أحمد 3/، 438 وهو من مسند سهل بن معاذ وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن.
(3) البخاري- الفتح 9 (5025) ، ومسلم (815) ، ومسند أحمد 4/ 105 واللفظ له.
(4) المصدر السابق 2/ 37، قال الشيخ أحمد شاكر (4952) : إسناده صحيح.
(5) المصدر السابق 2/ 71 وقال الشيخ أحمد شاكر (5399) : إسناده صحيح.(8/3393)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال، فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ) * «1» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع اللّيل المظلم، يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا) * «2» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تبادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشّمس من مغربها، والدّجّال، والدّخان، ودابّة الأرض، وخويصة أحدكم، وأمر العامّة» قال عفّان في حديثه: وكان قتادة إذا قال وأمر العامّة وأمر السّاعة.) * «3» .
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان المؤذّن إذا أذّن قام ناس من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبتدرون السّواري حتّى يخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم كذلك يصلّون الرّكعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء، قال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة «لم يكن بينهما إلّا قليل» ) * «4» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» ) * «5» .
15-* (عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال الأعمش: ولا أعلمه إلّا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«التؤدة» «6» في كلّ شيء إلّا في عمل الآخرة) * «7» .
16-* (عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ قال: لمّا حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره، ثمّ قال: أذكّركم بالله هل تعلمون أنّ حراء حين انتفض، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اثبت حراء، فليس عليك إلّا نبي أو صدّيق أو شهيد؟ قالوا: نعم. قال: أذكّركم بالله، هل تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في جيش العسرة: «من ينفق نفقة متقبّلة» والنّاس مجهدون معسرون فجهّزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم. ثمّ قال: أذكّركم بالله، هل تعلمون أنّ بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلّا بثمن فابتعتها
__________
(1) الترمذي (2307) وقال: حسن، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 250، وقال حديث حسن.
(2) مسلم (186) .
(3) مسند أحمد 2/ 324 وقال الشيخ أحمد شاكر (8286) إسناده صحيح، ونسبه في التهذيب 3/ 366 لصحيح مسلم، وابن ماجه برقم (4056) وقال في الزوائد: اسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب 4/، 250
(4) البخاري/ الفتح 2 (625) .
(5) المنذري في الترغيب والترهيب 4/ 251 وقال رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
(6) التؤدة: ساكنة وتفتح: التأني والتمهل والرزانة.
(7) أبو داود برقم (4811) واللفظ له، والحاكم (4/ 306) وقال: على شرطهما، ووافقه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 252) وقال: رواه أبو داود والحاكم والبيهقي.(8/3394)
فجعلتها للغنيّ والفقير وابن السّبيل؟ قالوا: اللهمّ نعم، وأشياء عدّدها» ) * «1» .
17- عن محمّد بن سعد عن أبيه قال:
«استأذن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوته، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال: أضحك الله سنّك يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. فقال: عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، لمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب. فقال:
أنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله، ثمّ أقبل عليهنّ فقال:
يا عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فقلن: إنّك أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إيه يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «3» .
19-* (عن أبي قلابة عن أبي المليح قال كنّا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكّروا بصلاة العصر، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» ) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المسارعة في الخيرات)
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس، وأجود النّاس، ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرس، وقال: وجدناه بحرا) * «5» .
__________
(1) الترمذي برقم 3699، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(2) البخاري- الفتح 10/ 6085) ، 7 (3683) وأحمد (1/ 171) ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (1472) .
(3) البخاري- الفتح 2 (881) .
(4) المصدر السابق 2 (553) .
(5) المصدر السابق 6 (2820)(8/3395)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (المسارعة في الخيرات)
1-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: تقوى الله مفتاح سداد «1» ، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا «2» ، أو مرضا حابسا «3» ، أو موتا خالسا «4» ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم «5» ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم «6» غوائله، وأقصدتكم معابله «7» ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس «8» غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة «9» مذاقه، فأسكت نجيّكم «10» ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنّكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها «11» ، وأصابوا عزّتها، وأفنوا عدّتها، وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة «12» خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها» ) * «13» .
2-* (عن ابن عبّاس في قوله أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ (المؤمنون/ 61) : قال:
«سبقت لهم السّعادة من الله» ) * «14» .
3-* (عن أبي زيد في قوله تعالى اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
(البقرة/ 148) قال: فسارعوا في الخيرات) * «15» .
4-* (عن سعيد بن جبير في قوله تعالى:
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (آل عمران/ 133) .
يقول: سارعوا بالأعمال الصّالحة إلى مغفرة من ربّكم) * «16» .
5-* (وعن أنس بن مالك في الآية قال: هي التّكبيرة الأولى) * «17» .
6-* (عن ابن مسعود في الآية وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ (فاطر/ 32) . قال: «يدخلون الجنّة بغير حساب» ) * «18» .
7-* (وعن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-
__________
(1) السداد: ما يسد به الشيء ومنه سداد الثغر.
(2) الناكس: الراجع.
(3) الحابس: الذي يمنع صاحبه من العمل.
(4) الموت الخالس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة.
(5) الطيات: النيات.
(6) التكنف: الحلول بالأكناف وهي الضواحي.
(7) المعابل: نصل عريض طويل.
(8) الحنادس: الظلم.
(9) الجشوبة: خشونة المذاق.
(10) النجي: القوم يتناجون.
(11) الدرة: اللبن.
(12) غرارة: فعالة من الغرور.
(13) منال الطالب لابن الأثير 364
(14) الدر المنثور 5/ 22
(15) المرجع السابق 1/ 272
(16) المرجع السابق 2/ 128
(17) المرجع السابق 2/ 128، وتفسير القرطبي 4/ 203
(18) المرجع السابق 5/ 473(8/3396)
في الآية وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. قال سابقنا سابق) * «1» .
8-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال في الآية السّابقة وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ قال:
«السّابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب» ) * «2» .
9-* (عن قتادة قال في الآية وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. قال: «هذا المقرّب» ) * «3» .
10-* (عن ابن زيد في قوله تعالى: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء/ 51) . قال: كانوا كذلك يومئذ أوّل من آمن بآياته حين رآها) * «4» .
11-* (قال القرطبيّ في الآية وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ (آل عمران/ 114) . الّتي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفتهم بقدر ثوابهم. وقيل:
يبادرون بالعمل قبل الفوت) * «5» .
12-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى:
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (آل عمران/ 133) .
المسارعة: المبادرة، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطّاعة) * «6» .
13-* (وذكر عن عليّ بن أبي طالب في الآية السّابقة: «إلى أداء الفرائض» ، وعن عثمان بن عفّان:
إلى الإخلاص. وعن الكلبيّ: إلى التّوبة من الرّبا، وقيل: إلى الثّبات في القتال) * «7» .
14-* (يقول القرطبيّ في قوله تعالى اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
(البقرة/ 148) . أي إلى الخيرات، أي بادروا إلى ما أمركم به الله عزّ وجلّ من استقبال البيت الحرام، وإن كان يتضمّن الحثّ على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطّاعات بالعموم.
يقول: والمعنى المراد بالمبادرة بالصّلاة أوّل وقتها) * «8» .
15-* (قال أبو حيّان الأندلسيّ في قوله تعالى: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
(البقرة/ 148) هذا أمر بالتّبكير إلى فعل الخير والعمل الصّالح وناسب هذا أنّ من جعل الله له شريعة أو قبلة أو صلاة فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها) * «9» .
16-* (قال قتادة: الاستباق في أمر الكعبة رغما لليهود بالمخالفة) * «10» .
17-* (قال ابن زيد: معناه سارعوا إلى الأعمال الصّالحة من التّوجّه إلى القبلة وغيره) * «11» .
18-* (قال الزّمخشريّ: ويجوز أن يكون المعنى فاستبقوا الفاضلات من الجهات وهي الجهات المسامتة للكعبة وإن اختلفت) * «12» .
19-* (يقول أبو حيّان في قوله تعالى
__________
(1) الدر المنثور 5/ 473
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق ر 5/ 156
(5) تفسير القرطبي 4/ 113
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق 2/ 112
(9) البحر المحيط (1/ 612) .
(10) المرجع السابق (1/ 612) .
(11) المرجع السابق (1/ 612) .
(12) المرجع السابق (1/ 612) .(8/3397)
وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ (آل عمران/ 114) :
المسارعة في الخير ناشئة عن فرط الرّغبة فيه، لأنّ من رغب في أمر بادر إليه وإلى القيام به، وآثر الفور على التّراخي) * «1» .
20-* (عن أنس قال: «كنّا نبكّر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة) * «2» .
21-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: إنّ للقلوب شهوة وإدبارا، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها) * «3» .
22-* (قال أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-:
كلّ شيء من الخير يبادر به) * «4» .
23-* (وقال محمّد بن نصر العابد: «وشاورته (أي الإمام أحمد) في الخروج إلى الثّغر فقال: بادر، بادر» ) * «5» .
24-* (كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه، فيقال له: في هذا الوقت؟! فيقول: أبادر طيّ صحيفتي) * «6» .
25-* (قال ابن الجوزيّ: من علم قرب الرّحيل عن مكّة استكثر من الطّواف، خصوصا إن كان لا يؤمّل العود لكبر سنّه وضعف قوّته، فكذلك ينبغي لمن قاربه ساحل الأجل بعلوّ سنّه أن يبادر اللّحظات، وينتظر الهاجم بما يصلح له، فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشّباب) * «7» .
26-* (وقال ابن الجوزيّ- أيضا-: «.. كم يضيّع الآدميّ من ساعات يفوته فيها الثّواب الجزيل، وهذه الأيّام مثل المزرعة، فكأنّه قيل للإنسان: كلّما بذرت حبّة أخرجنا لك ألف كرّ «8» ، فهل يجوز للعاقل أن يتوقّف في البذر ويتوانى؟!» ) * «9» .
27-* (وقال ابن الجوزيّ- أيضا-: «من عجائب ما أرى من نفسي ومن الخلق كلّهم الميل إلى الغفلة عمّا في أيدينا مع العلم بقصر العمر، وأنّ زيادة الثّواب هناك بقدر العمل ههنا. فيا قصير العمر، اغتنم يومي منّي، وانتظر ساعة النّفر، وإيّاك أن تشغل قلبك بغير ما خلق له، واحمل نفسك على المرّ، واقمعها إذا أبت، ولا تسرح لها في الطّول، فما أنت إلّا في مرعى.
وقبيح بمن كان بين الصّفّين أن يتشاغل بغير ما هو فيه» ) * «10» .
28-* (وقال أيضا: « ... البدار البدار يا أرباب الفهوم، فإنّ الدّنيا معبر إلى دار إقامة، وسفر إلى المستقرّ والقرب من السّلطان ومجاورته،. فتهّيئوا للمجالسة، واستعدّوا للمخاطبة، وبالغوا في استعمال الأدب، لتصلحوا للقرب من الحضرة. ولا يشغلنّكم
__________
(1) تفسير البحر المحيط 3/ 38
(2) البخاري- الفتح 2 (905) ، 2 (940) .
(3) الفوائد ص 202
(4) الآداب الشرعية لابن مفلح 2/ 239
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) صيد الخاطر 372
(7) المرجع السابق 354
(8) الكرّ: مكيال ضخم يساوي ستين قفيزا.
(9) صيد الخاطر 603
(10) المرجع السابق 492(8/3398)
عن تضمير الخيل تكاسل، وليحملكم على الجدّ في ذلك تذكّركم يوم السّباق ... فليتذكّر السّاعي حلاوة التّسليم إلى الأمين، وليتذكّر في لذاذة المدح يوم السّباق، وليحذر المسابق من تقصير لا يمكن استدراكه» ) * «1» .
من فوائد (المسارعة في الخيرات)
(1) المسارعة في الخيرات والأعمال الصّالحة مرضاة للرّبّ عزّ وجلّ ومغضبة للشّيطان.
(2) المسارعة في الخيرات ترفع صاحبها إلى جنّات عدن حيث النّعيم المقيم والفضل العظيم.
(3) السّبق إلى الخيرات يجعل صاحبه من المفلحين في الدّنيا والآخرة.
(4) المبادرة إلى العمل الصّالح توجد نوعا من التّنافس الحميد الّذي يرقى بالمجتمع.
(5) السّابق إلى الخيرات يغبطه أصحابه ويتمنّون أن يصيروا مثله ويمتد حونه بهذا السّبق.
(6) السّابقون إلى الخيرات يدركون مقاصدهم ولا يرجعون خائبين أبدا.
(7) المبادرة إلى الصّلاة في أوقاتها وعدم التّخلّف عن الجماعة الأولى تجعل لصاحبها من الفضيلة ما يسبق به المتخلّفين بما هو أبعد ممّا بين المشرقين والمغربين «2» .
(8) المبادرة بالأعمال الصّالحة تجعل صاحبها في مأمن من الفتن أو الأمور الّتي قد تشغل الإنسان وتلهيه مثل المرض أو الفقر أو الغنى المطغي أو الهرم.
(9) المسارعة إلى صلاة الجمعة والذّهاب إليها في السّاعة الأولى يعظّم الأجر ويجزل الثّواب.
(10) السّابقون إلى الخيرات يدخلون الجنّة بغير حساب.
__________
(1) صيد الخاطر 372
(2) الحديثين (6/ 18) .(8/3399)
المسئولية
المسئولية لغة:
المسئوليّة مصدر صناعيّ «1» مأخوذ من مادّة (س أل) الّتي تدلّ على استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة، أو استدعاء مال أو ما يؤدّي إلى المال، قال الرّاغب: فاستدعاء المعرفة جوابه على اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد أو بردّ، والسّؤال للمعرفة يكون تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت كما في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (التكوير/ 8) والسّؤال إذا كان للتّعريف تعدّى إلى المفعول الثّاني تارة بنفسه وتارة بالجارّ، تقول سألته كذا، وسألته عن كذا وبكذا، والأكثر «عن» ، وإذا كان السّؤال لاستدعاء مال فإنّه يتعدّى بنفسه أو بمن، وذلك كما في قول الله تعالى وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً ...
(الأحزاب/ 53) وقوله عزّ من قائل: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ (النساء/ 32) . يقال: سألته الشّيء، وسألته عن الشّيء سؤالا، ومسألة والأمر منه اسأل، وقد تخفّف همزته فيقال: سال، والأمر منه سل، وقال ابن سيده: والعرب قاطبة تحذف الهمز منه في الأمر فإذا وصلوا بالفاء أو الواو همزوا وكقولك: فاسأل واسأل،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
29/ 10/ 5
ورجل سؤلة: كثير السّؤال، وتساءلوا: سأل بعضهم بعضا، وأسألته سؤلته ومسألته، أي قضيت حاجته، وقول الله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (الصافات/ 24) قال الزّجّاج: سؤالهم سؤال توبيخ وتقرير، لإيجاب الحجّة عليهم لأنّ الله- جلّ ثناؤه- عالم بأعمالهم. أمّا قوله سبحانه فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (الرحمن/ 39) أي لا يسأل ليعلم ذلك منه، لأنّ الله قد علم أعمالهم، وقال ابن برّيّ:
يقال: سألته الشّيء بمعنى استعطيته، وسألته عن الشّيء استخبرته، وقال ابن الأثير: السّؤال في كتاب الله والحديث الشّريف نوعان:
أحدهما: ما كان على وجه التّبيّن والتّعلّم ممّا تمسّ الحاجة إليه فهو مباح أو مندوب، أو مأمور به.
والآخر: ما كان على طريق التّكلّف والتّعنّت فهو مكروه ومنهيّ عنه، فكلّ ما كان من هذا الوجه ووقع السّكوت عن جوابه فإنّما هو ردع وزجر للسّائل، وإن وقع الجواب عنه، فهو عقوبة وتغليظ، قال ابن منظور: وما جاء في الحديث من أنّه «كره المسائل وعابها» أراد المسائل الدّقيقة الّتي لا يحتاج إليها، وفي حديث الملاعنة: لمّا سأله عاصم عن أمر من يجد مع
__________
(1) معنى المصدر الصناعى: كون الشيء منسوبا إلى أصل الفعل كالحرية والرفاهية ونحوهما، ويصاغ بإضافة ياء مشددة تليها تاء مربوطة.(8/3400)
أهله رجلا..» فأظهر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكراهة في ذلك إيثارا لستر العورة، وكراهة لهتك الحرمة، وفي الحديث: أنّه نهى عن كثرة السّؤال، قيل هو من هذا، وقيل هو سؤال النّاس أموالهم من غير حاجة «1» ولفظ «المسئوليّة» من الألفاظ المحدثة الّتي يراد بها التّبعة يقال: أنا بريء من مسئوليّة هذا العمل أي من تبعته، وقيل: المسئوليّة ما يكون به الإنسان مسئولا ومطالبا عن أمور أو أفعال أتاها. والمسئوليّة عند أرباب السّياسة: هي الأعمال الّتي يكون الإنسان مطالبا بها «2» .
واصطلاحا:
قال الدّكتور دراز: تعني المسئوليّة كون الفرد مكلّفا بأن يقوم ببعض الأشياء وبأن يقدّم عنها حسابا إلى غيره وينتج عن هذا التّحديد أنّ فكرة المسئوليّة تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال، والمسئوليّة قبل كلّ شيء هي استعداد فطريّ، إنّها هذه المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أوّلا، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بوساطة جهوده الخاصّة «3» .
وقال الخاقانيّ: يراد بالمسئوليّة الشّعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل وليست المسئوليّة مجرّد الإقرار فإنّ الجزم بالشّيء لا يعطي صفة المسئوليّة وإنّما يجد المتحسّس بها أنّ هناك واجبات لا بدّ من الانقياد إليها بغضّ النّظر عن النّتائج، فإنّ إنقاذ الغريق ممّا يشعر الشّخص بالمسئوليّة في إنقاذه إذا كانت له القدرة على الإنقاذ وإنّ دفع الظّلم ممّن له القدرة على دفع الظّلم يجب على ذلك الشّخص أن يدفع عن المظلوم وهو مسئول عن التّرك، فالمسئوليّة تختلف بلحاظ الأفراد وبلحاظ المجتمعات «4» .
وقيل: المسئوليّة حالة يكون فيها الإنسان صالحا للمؤاخذة على أعماله وملزما بتبعاتها المختلفة.
وقد قرّرها القرآن في آيات كثيرة، فقال تعالى:
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (المؤمنون/ 115) .
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (القيامة/ 26) .
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الجاثية/ 29) .
مسئوليّة الإنسان أمام الخالق- عزّ وجلّ-:
ذكرنا في صفة «الأمانة» أنّ جمهور المفسّرين قد ذكروا أنّ الأمانة تعمّ جميع وظائف الدّين، وأنّ جميع الأقوال في تفسير قول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ (الأحزاب/ 72) متّفقة وراجعة إلى أنّ الأمانة هي التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي «5» .
إنّ حمل هذه الأمانة يعني مسئوليّة الإنسان
__________
(1) المفردات للراغب (250) ، والصحاح (5/ 1723) ، والنهاية (2/ 328) ، ولسان العرب (س أل) (3/ 1906) ط. دار المعارف.
(2) انظر المعجم الوسيط 1/ 413 والمنجد (316) ، ومحيط المحيط (390) .
(3) دستود الأخلاق فى القرآن (138) .
(4) علم الأخلاق- النظرية والتطبيق (141) .
(5) انظر صفة الأمانة، (الفقرة الخاصة بالأمانة والتكليف) .(8/3401)
عنها واستعداده لتحمّل نتائجها وقبوله بمبدإ الثّواب والعقاب المنوطين بها، أمّا السّموات والأرض والجبال المشار إليها في الآية الكريمة فلا تعدو وظيفتها أداء الدّور الّذي خلقها الله لتؤدّيه بطريقة عفويّة، وعلى نسق واحد «وليس هناك أيّ تدخّل ممكن لمبادرتها الخاصّة، لا من أجل صيانة النّظام الثّابت، ولا من أجل تغييره، أو تعديله في أيّ صورة ما كان، وإذن فلا مسئوليّة مطلقا «1» تقع عليها.
يقول الدّكتور دراز: أمّا في النّظام الأخلاقيّ، فالأمر بالعكس حيث يواجه الفاعل (وهو هنا الإنسان) إمكانات متعدّدة، يستطيع أن يختار من بينها واحدة، توافق هواه، سواء احترم القاعدة (الأخلاقيّة) أو اخترمها، وعلى ذلك فإنّ الإمكان والضّرورة هما الصّفتان اللّتان تكوّنان مجال المسئوليّة أو عدم المسئوليّة «2» ، وجانب الإمكان هو الّذي رصد له الإنسان استعداده.
لقد أبرز القرآن الكريم هذا التّباين الّذي يضع الإنسان العاقل «3» في مقابل الكائنات غير المزوّدة بالعقل من حيث مقدرتها الأخلاقيّة، وذلك قول الله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الآية، والحمل هنا يعني في رأي أكثر المفسّرين- تحمّل التّكاليف، كما في قوله عزّ وجلّ عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ..
(النور/ 54) أو قوله سبحانه مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ (الجمعة/ 5) «4» ، وعلى هذا التّفسير يكون المراد بالإنسان جنس الإنسان عامّة كما قال النّيسابوريّ وغيره «5» .
أمّا المعنى الآخر للحمل وهو تحمّل الخطإ أو الوزر- وهو أيضا معنى وارد، وقال به بعض المفسّرين، فإنّه يحصر الإنسان في الكافر أو المنافق (أو قابيل) ، خاصّة «6» .
وقد لخّص الشّيخ دراز وجهة من قال بذلك من المفسّرين فقال: المعنى: مع أنّ المخلوقات الأخرى قد وفت بمهمّتها حين خضعت للقانون الكونيّ (الّذي خلقها الله عليه) دون اعتراض أو مقاومة قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (فصلت/ 11) ، فإنّ الإنسان الّذي لم يطع القانون الأخلاقيّ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ... الآية (الأعراف/ 172) يبقى محمّلا به وعلى ذلك فالأمر لا يتعلّق بالإنسان بعامّة، بل بالكفّار والعصاة وحدهم، وقال- رحمه الله تعالى- معقّبا على هذا التّفسير: وهو تفسير- لا ريب معقول، في ذاته، ولكنّه فضلا عن ذلك التّقييد الّذي يفرضه على مفهوم الإنسان الّذي جاء غير محدّد في النّصّ، فإنّه لا يحدّد
__________
(1) دستور الأخلاق في القرآن الكريم للدكتور دراز ص، 138
(2) المقصود بذلك أن الإمكان يشكل مجال المسئولية بالنسبة للإنسان المكلف، والضرورة تشكل مجال عدم المسئولية بالنسبة للمخلوقات الأخرى غير المكلفة كالأرض والجبال إلخ.
(3) يلاحظ أن من المفسرين من جعل الأمانة هي العقل حيث به تتحصل معرفة التوحيد وتجري العدالة. انظر المقدمة اللغوية لصفة الأمانة.
(4) دستور الأخلاق في القرآن ص، 138
(5) انظر تفسير النيسابوري للآية الكريمة ح 22 ص 35 (بهامش الطبري) وتفسير ابن كثير 3/، 532
(6) انظر تفسير القرطبي 14/، 255(8/3402)
على وجه الدّقة التّطابق بين الأسماء والضّمائر الّتي ترجع إليها، ولم تعد الأمانة المعروضة كما هي وصار من اللّازم اللّجوء إلى فكرة بعيدة «1» حتّى يتقرّر للكائنات غير العاقلة نوع من الالتزام أو المسئوليّة.
أنواع المسئولية:
1- المسئوليّة الدّينيّة: وهي التزام المرء بأوامر الله ونواهيه، وقبوله في حال المخالفة لعقوبتها ومصدرها الدّين.
2- المسئوليّة الاجتماعيّة: هي التزام المرء بقوانين المجتمع ونظمه وتقاليده.
وقيل: هي المسئوليّة الذّاتيّة عن الجماعة، وتتكوّن من عناصر ثلاثة هي: الاهتمام والفهم والمشاركة «2» .
3- المسئوليّة الأخلاقيّة: هي حالة تمنح المرء القدرة على تحمّل تبعات أعماله وآثارها، ومصدرها الضّمير «3» .
وكلّ مسئوليّة قبلناها، وارتضينا الالتزام بها فهي مسئوليّة أخلاقيّة بدليل:
أ- أنّ القرآن يقدّم المسئوليّة الدّينيّة ذاتها في صورة أخلاقيّة محضة حين تحايل بعض النّاس على التّخلّص من بعض تعاليم الصّوم سرّا: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ (البقرة/ 178) .
ب- أنّ القرآن لا يكتفي بتذكير النّاس في كثير من الأحيان بالأمر الإلهيّ، وإنّما يذكّرهم بالعهد الّذي قطعوه على أنفسهم، يقول الله تعالى: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الحديد/ 8) . وقوله تعالى:
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (المائدة/ 7) .
مدى شمولها:
قرّر القرآن أنّ شرط هذه المسئوليّة الشّمول:
1- من ناحية الفرد يقول الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ 92 93) . فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (الأعراف/ 6) .
2- من ناحية الأعمال الخيّرة والشّرّيرة صغيرة وكبيرة.. ظاهرة وخفيّة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7- 8) .
3- من ناحية الأقوال والألفاظ سرّها ونجواها. يقول الله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق/ 18) .
__________
(1) انظر في هذه الفكرة المجازية التي يمكن الاستغناء عنها، تفسير القرطبي 14/ 256، بتلخيص وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن ص 138 هامش 2
(2) انظر فى تفصيل: ذلك المسئولية الاجتماعية والشخصية المسلمة للدكتور أحمد سيد عثمان (269) .
(3) جمع الدكتور دراز بين النوعين الأول والثالث وتحدث بإفاضة عن شروط هذه المسئولية وخلاصتها: أن يكون العمل شخصيّا، إفراديّا، ثم أداؤه بحرية وأن يكون على وعي كامل ومعرفة بالشرع. انظر فى تفصيل ذلك دستور الأخلاق فى القرآن (148- 222) .(8/3403)
4- من ناحية السّمع والبصر والملكات:
يقول تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 26) .
5- من ناحية النّعيم والمال: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (التكاثر/ 8) .
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزول قدما عبد حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه. وعن شبابه فيم أبلاه. وعن علمه فيم عمل فيه. وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟» .
المسئولية شخصية:
من المبادىء الّتي قرّرها الإسلام قصر المسئوليّة على المسئول وحده. قال تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (البقرة/ 141) . قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (سبأ/ 25)
فلا يؤخذ بريء بجريرة مذنب، ولا يشترك أهله فيما اقترفت يداه، أو نسب إليه.
وقد كان التّشريع اليونانيّ القديم يقضي بالإعدام على المجرم نفسه، وعلى جميع أفراد أسرته في الخيانة العظمى، وفي انتهاك الأشياء المقدّسة.
وحماية للإمام المسلم من الانزلاق في الظّلم جاء قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (الإسراء/ 15) . وقوله تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (الإسراء/ 33) .
اشتراك الراعي والرعية:
الرّاعي والرّعيّة يدان تتعاونان على خير الأمّة.
ورعاية مصالحها. وكفالة الأمن على حياة النّاس وأعراضهم وأموالهم.
ولا يستقيم أمر الأمّة. ولا تتّسق شئونها إلّا إذا قام كلّ من الحاكم والمحكوم بمسئوليّاته، وأخلص المعاونة لصاحبه. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته: الإمام راع ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيّته. وكلّكم راع ومسئول عن رعيّته» .
ولكي تنجح الأمّة في مسيرتها. وتحقّق غايتها لا بدّ من أن ينهض كلّ بمسئوليّاته. وإليك تفصيل ذلك:
أوّلا: مسئوليّة الرّاعي:
1- التّسوية بين الرّعيّة: أمر الله الحاكم بالعدالة حتّى يسوّي بين النّاس جميعا. قال تعالى:
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (المائدة/ 8) . وقال تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا (النساء/ 135) . وقال تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى (ص/ 20) .
وخرج صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الأخير بين الفضل بن العبّاس وعليّ بن أبي طالب حتّى جلس على المنبر ثمّ قال: «أيّها النّاس، من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالا فهذا(8/3404)
مالي فليأخذ منه. ولا يخش الشّحناء، فإنّها ليست من شأني. ألا وإنّ أحبّكم إليّ من أخذ منّي حقّا إن كان له، أو حلّلني فلقيت ربّي وأنا طيّب النّفس» .
وقال صلّى الله عليه وسلّم لأهل بيته: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عبّاس بن عبد المطّلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفيّة عمّة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمّد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا» .
هذا الينبوع الفيّاض الغزير سرت منه العدالة إلى الخلفاء والولاة.
2- رعاية مصالح النّاس: على الحاكم رعاية المصالح الدّينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة بإقامة المساجد للعبادة. وإنشاء المدارس للتّعليم.
ونشر المستشفيات للعلاج. وشقّ التّرع لإحياء الأرض، وتكوين المجتمعات اهتماما للزّراعة والصّناعة والتّجارة. وفتحا لمجالات العمل أمامهم.
فمن عجز عن العلم قامت الدّولة برعايته،:
يحفظ التّاريخ أنّ عمر- رضي الله عنه- رأى شيخا من أهل الذّمّة يسأل، فقال له: ما الّذي يحملك على ذلك؟ قال: الحاجة. قال عمر: لقد فرضنا لك سهما في بيت مال المسلمين. ما كنّا لنأخذ منك الجزية وأنت شابّ، ونضيّعك وأنت شيخ.
قال ابن عمر: إنّ رفقة من التّجّار نزلوا المصلّى، فقال عمر لعبد الرّحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم اللّيلة من السّرقة؟ فباتا يحرسان ويصلّيان ما كتب الله، فسمع عمر في جوف اللّيل بكاء طفل فتوجّه نحوه وقال لأمّه: اتّقي الله، وأصغي إلى طفلك.
ثمّ عاد إلى مكانه. فسمع بكاءه، فعاد إلى أمّه وقال مقالته، وعاد إلى مكانه، فلمّا كان آخر اللّيل سمع بكاء الصّبيّ، فقال لأمّه: ويحك، مالي أرى ابنك لا يقرّ منذ اللّيلة؟ قالت:- وهي لا تعرفه- يا عبد الله، قد أبرمتني طول اللّيل، إنّي أعالجه على الفطام فيأبى إلّا رضاعا. قال عمر: ولم؟ قالت: لأنّ عمر لا يفرض إلّا للفطيم. قال: وكم لابنك؟ قالت: كذا وكذا شهرا. قال لها: ويحك لا تعجليه. ثمّ صلّى الفجر، وما يستبين النّاس قراءته من غلبة البكاء!! فلمّا انتهى من صلاته قال: يا بؤسا لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين؟ ثمّ أمر مناديا ينادي: لا تعجلوا صبيانكم على الفطام، فإنّا نفرض لكلّ مولود في الإسلام.
3- حسن اختيار البطانة: حسن اختيار الأعوان من الأمناء المخلصين ذوي الدّراية والكفاية ممّا يحقّق الغايات والأهداف. ويزيل من دنيا النّاس الوساطة والمحسوبيّة والرّشوة. قال صلّى الله عليه وسلّم: «من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه» . وقال عمر لبعض عمّاله:
إنّي لم أستعملكم على أمّة محمّد، على أعشارهم ولا على أبشارهم- جلودهم- وإنّما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصّلاة، وتقضوا بينهم بالحقّ، وتقسموا بينهم بالعدل، لا تجلدوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تضيّعوا حقوقهم فتفتنوهم.
4- إعطاء القدوة الحسنة: الحاكم سوق ما(8/3405)
راج عنده راج عند النّاس. حينما عهد أبو بكر لعمر بالخلافة أوصاه قائلا: اعلم أنّهم لن يزالوا منك خائفين ما خفت الله. وقال عمر في خطبة له بعد توليته: من رأى فيّ اعوجاجا فليقوّمه، فقال أعرابيّ:
والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا. ومن شدّة حرصه على مال الدّولة وخوفه من سؤال الله عن الأموال العامّة يقول: لو ماتت شاة على شطّ الفرات ضائعة لظننت أنّ الله سائلني عنها يوم القيامة.
تكافؤ المسئولية والجزاء:
حدّد القرآن الجزاء بقدر المسئوليّة مع إيثار جانب الرّحمة والعفو. ومضاعفة الحسنة. قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها (الأنعام/ 160) . مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (القصص/ 84) .
ويمثّل القرآن العدل الإلهي بالميزان. ذلك الميزان الّذي جعله أركان رسالة الأنبياء. قال تعالى:
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (الحديد/ 25) .
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (الرحمن/ 7- 9) .
هذه معالم المسئوليّة في الإسلام: فالإنسان مسئول عن كسبه من خير وشرّ ومجازى عنه. وباب التّوبة مفتوح له ما بقيت الحياة، والجزاء العادل يوم القيامة «1» .
يقول الدّكتور عليّ أبو العينين:
ومسئوليّة الفرد نحو المجتمع تتلخّص في التّالي:
1- الالتزام بقانون الجماعة، وهذا يستلزم من الأفراد الالتزام بعقيدة المجتمع الأساسيّة، الّتي تعتبر أمانة اجتماعيّة.
2- التّعاون مع الجماعة في سبيل الخير العامّ:
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) . من مساهمة الاقتصاد وغير ذلك.
3- تقديم العمل الصّالح والتّنافس في هذا السّبيل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (هود/ 7) .
حيث يجب الإنفاق في سبيل الله، واستثمار الأموال، والاعتدال في الإنفاق وغير ذلك من الجوانب الأخلاقيّة.
4- نشر العلم الّذي يسهم إسهاما إيجابيّا في بناء المجتمع وتطويره واستغلال الذّكاء في هذا السّبيل: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ (التوبة/ 122) . ومن ذلك، الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
__________
(1) انظر دستور الأخلاق في القرآن لدراز (148- 222) . وقارن بما ذكره الدكتور كمال عيسي في «كلمات في الأخلاق الإسلامية (122- 130) » .(8/3406)
أمّا مسئوليّة الدّولة نحو الأفراد فتتلخّص فيما يلي:
1- توفير العلم لجميع أفراد المجتمع انطلاقا من قاعدة وجوب نشر العلم.
2- إقرار النّظام العامّ المستمدّ من شريعة الله وتوفير الأمن والطّمأنينة للفرد والمجتمع ويشمل ذلك الأقلّيّات..
3- الحفاظ على الوحدة الإسلاميّة.
4- توفير الأمن لجميع أفراد المجتمع، فالمجتمع مسئول عن رفع مستوى أفراده، وتعاونه في سبيل تقوية نفسه.
أمّا قيادة المجتمع، فمهمّتها صعبة، ونجاح القيادة نجاح للمجتمع، وفشلها يعوق المجتمع، ولهذا نجد القرآن يلزم القيادة بالعدل والرّحمة بالجميع واتّباع الحقّ، ويبعدها عن انتظار الأجر من المجتمع، ويحذّرها من الفتنة والميل، ويمنعها من الطّغيان والفرديّة، والإفساد في الأرض، ويوجب عليها استشارة الأمّة، والاستماع إلى آرائها بما فيها الآراء المعارضة «1» .
تحمل الفرد مسئولية إصلاح المجتمع:
قال الدّكتور عبد الكريم زيدان: ومن خصائص النّظام الاجتماعيّ في الإسلام تحميل الفرد مسئوليّة إصلاح المجتمع، بمعنى أنّ كلّ فرد فيه مطالب بالعمل على إصلاح المجتمع وإزالة الفساد منه على قدر طاقته ووسعه، والتّعاون مع غيره لتحقيق هذا المطلوب. قال تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) .
تعليل مسئولية الفرد عن إصلاح المجتمع:
وإذا كان الفرد مسئولا عن إصلاح المجتمع، فما تعليل ذلك؟ ولماذا يطالب الفرد بهذا الواجب مع مطالبته بإصلاح نفسه؟ الّذي نراه، أنّ تعليل هذه المسئوليّة أو هذه المطالبة، ما يأتي:
أوّلا: الفرد يتأثّر بالمجتمع: الإنسان كائن اجتماعيّ يتأثّر بالمجتمع الّذي يعيش فيه، فتمرض روحه أو تهزل، أو تصحّ وتقوى تبعا لصلاح المجتمع أو فساده. وقد أشار النّبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى هذه الحقيقة، فقد جاء في الحديث الشّريف «ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ... الخ» فالأبوان بالنّسبة للصّغير مجتمعه الصّغير الّذي يؤثّر فيه، فيدفعه إلى الفساد أو الصّلاح، فإذا كان الأبوان ضالّين دفعاه إلى الضّلال، وأخرجاه عن مقتضى الفطرة السّليمة الّتي خلقه الله عليها، وإذا كانا صالحين أبقياه على الفطرة الّتي خلقه الله عليها. ونمّيا فيه جانب الخير. وهكذا شأن المجتمع الكبير في تأثيره في الفرد صلاحا وفسادا.
ثانيا: ضرورة قيام المجتمع الصّالح:
وقيام المجتمع الصّالح ضروريّ للفرد، لأنّ المطلوب من المسلم تحقيق الغرض الّذي خلق من أجله وهو عبادة الله وحده، قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) . والعبادة اسم جامع لما يحبّه الله تعالى من الأقوال والأفعال والأحوال الظّاهرة
__________
(1) فلسفة التربية الإسلامية في القرآن (200- 201) .(8/3407)
والباطنة وهذا المعنى الواسع للعبادة يقتضي أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وتصرّفاته وعلاقاته مع النّاس على وفق ما جاءت به الشّريعة الإسلاميّة، والمسلم لا يستطيع أن يصوغ حياته هذه الصّياغة الإسلاميّة إلّا إذا كان المجتمع الّذي يعيش فيه منظّما على نحو يسهّل عليه هذه الصّياغة أي أن يكون مجتمعا إسلاميّا صحيحا. فإن لم يكن كذلك بأن كان مجتمعا جاهليّا صرفا، أو مجتمعا مشوبا بمعاني الجاهليّة، فإنّ المسلم لا يستطيع فيه أن يحيا الحياة الإسلاميّة المطلوبة أو يتعذّر عليه ذلك. ولهذا يأمر الإسلام بالتّحوّل من المجتمع الجاهليّ إلى المجتمع الإسلاميّ، ما دام عاجزا عن إزالة جاهليّته، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (النساء/ 97) وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أنّها نزلت:
في كلّ من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكّنا من إقامة الدّين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع. ولهذا يجب على كلّ مسلم تعهّد المجتمع الّذي يعيش فيه وإزالة المنكر حال ظهوره أو وقوعه وأن لا يستهين به، لأنّ المنكرات كالجراثيم الّتي تؤثّر في الجسد قطعا، وإذا لم تمرض البعض فإنّها تضعف مقاومته فيسهل عليها فيما بعد التّغلّب عليه. ولهذا كانت أولى مهمّات الدّولة الإسلاميّة إقامة هذا المجتمع الإسلاميّ الفاضل وإزالة المنكرات منه، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج/ 41) .
ثالثا: النّجاة من العقاب الجماعيّ:
وقيام الأفراد بإصلاح المجتمع ينجّيهم وينجّي المجتمع من الهلاك الجماعيّ أو العقاب الجماعيّ أو الضّيق والضّنك والقلق والشّرّ الّذي يصيب المجتمع.
وتوضيح هذه الجملة يحتاج إلى شيء من التّفصيل لأهميّة الموضوع وخطورته، فنقول: من سنّة الله تعالى، أنّ المجتمع الّذي يشيع فيه المنكر، وتنتهك فيه حرمات الله، وينتشر فيه الفساد، ويسكت الأفراد عن الإنكار والتّغيير، فإنّ الله تعالى يعمّهم بمحن غلاظ قاسية، تعمّ الجميع، وتصيب الصّالح والطّالح، وهذه في الحقيقة سنّة مخيفة وقانون رهيب يدفع كلّ فرد لا سيّما من كان عنده علم وفقه أو سلطان إلى المسارعة والمبادرة فورا لتغيير المنكر دفعا للعذاب والعقاب عن نفسه وعن مجتمعه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- النظام- الوفاء- الرجولة- الشهامة- القوة- قوة الإرادة- النزاهة- النبل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمعة- الإهمال- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الخيانة- نقض العهد- الغلول- الغدر] .
__________
(1) أصول الدعوة (132- 136) بتصرف واختصار.(8/3408)
الآيات الواردة في «المسئولية»
1- فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) «1»
2- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «2»
3- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) «3»
4- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) «4»
5- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) «5»
6- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) «6»
7- وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (13) «7»
8- وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (15) «8»
9-* قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «9»
10- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) «10»
__________
(1) الحجر: 92- 93 مكية
(2) النحل: 56- 59 مكية
(3) النحل: 93 مكية
(4) الإسراء: 34- 36 مكية
(5) الأنبياء: 11- 13 مكية
(6) الأنبياء: 22- 23 مكية
(7) العنكبوت: 13 مكية
(8) الأحزاب: 15 مدنية
(9) سبأ: 24- 26 مكية
(10) الزخرف: 43- 44 مكية(8/3409)
الآيات الواردة في «المسئولية» معنى
11- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) «1»
12- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) «2»
13- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «3»
14- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «4»
15- وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) «5»
16- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115)
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) «6»
17- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55)
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «7»
18- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «8»
19- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) «9»
__________
(1) الأنعام: 104 مكية
(2) الأنعام: 160 مكية
(3) الأنعام 164 مكية
(4) هود: 7 مكية
(5) الاسراء: 13- 15 مكية
(6) المؤمنون: 115- 116 مكية
(7) النور: 55- 56 مدنية
(8) القصص: 84 مكية
(9) الأحزاب: 72 مدنية(8/3410)
20- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «1»
21- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «2»
22- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «3»
23- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) «4»
24- أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) «5»
25- وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «6»
26- مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) «7»
27- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) «8»
28- إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) «9»
29- يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) «10»
__________
(1) فاطر: 18 مكية
(2) فصلت: 46 مكية
(3) الجاثية: 29- 31 مكية
(4) ق: 16- 18 مكية
(5) النجم: 33- 41 مكية
(6) الحديد: 8 مدنية
(7) الجمعة: 5 مدنية
(8) المدثر: 38- 41 مكية
(9) القيامة: 12- 14 مكية
(10) الزلزلة: 6- 8 مدنية(8/3411)
الأحاديث الواردة في (المسئولية)
1-* (عن لقيط بن عامر- رضي الله عنه- أنّه خرج وافدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له، يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق. قال لقيط فخرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في النّاس خطيبا، فقال «أيّها النّاس، إنّي قد خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، ألا لأسمعنّكم ألا فهل من امرئ بعثه قومه» . فقالوا:
اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ألا ثمّ لعلّه أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال ألا إنّي مسئول هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، ألا اجلسوا، قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله، وهزّ رأسه، وعلم أنّي أبتغي لسقطه، فقال «ضنّ ربّك- عزّ وجلّ- بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله» ، وأشار بيده ... الحديث) * «1» .
2-* (عن محمّد بن عليّ، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله. فسأل عن القوم «2» . حتّى انتهى إليّ.
فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى «3» . ثمّ نزع زرّي الأسفل. ثمّ وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شابّ. فقال:
«مرحبا بك. يا ابن أخي! سل عمّا شئت» . فسألته ...
الحديث وفيه: فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا «4» ، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس ابن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واسحللتم فروجهنّ بكلمة الله «5» ، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «6» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ
__________
(1) أحمد (4/ 13- 14) واللفظ له وقال الهيثمي في المجمع (01/ 38 3) : رواه عبد الله والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات.
(2) فسأل عن القوم: أي عن جماعة الرجال الداخلين عليه، فإنه إذ ذاك كان أعمى. عمي في آخر عمره.
(3) فنزع زري الأعلى: أي أخرجه من عروته ليتكشف صدري عن القميص.
(4) كحرمة يومكم هذا: معناه متأكدة التحريم، شديدته.
(5) بكلمة الله: قيل: معناه قوله تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ. وهذا الثالث هو الصحيح.
(6) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو
أحدا من محارم الزوجة.(8/3412)
ضربا غير مبرّح «1» ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله «2» ، وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس «3» : «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. ثلاث مرّات ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات «4» وجعل حبل المشاة بين يديه «5» واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص «6» ، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد شنق للقصواء «7» الزّمام.. الحديث) * «8» .
3-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته، الإمام راع ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسئول عن رعيّته» . قال:
وحسبت أنّه قد قال: «والرّجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيّته، وكلّكم راع ومسئول عن رعيّته» ) * «9» .
الأحاديث الواردة في تحمل (المسئولية) معنى
4-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأسد «10» يقال له ابن اللّتبيّة- قال عمرو وابن أبي عمر: على الصّدقة- فلمّا قدم قال: هذا لكم. وهذا لي، أهدي لي.
__________
(1) فاضربوهن ضربا غير مبرح: الضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق. ومعناه اضربوهن ضربا ليس بشديد ولا شاق. والبرح المشقة.
(2) كتاب الله: بالنصب، بدل مما قبله. وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
(3) وينكتها إلى الناس: ينكتها. كذا الرواية فيه، بالتاء المثناة فوق. وهو بعيد المعنى. وقيل صوابه ينكبها. قيل: وروي في سنن أبي داود بالتاء المثناة من طريق ابن العربي. وبالموحدة من طريق أبي بكر التمار. ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيرا إليهم. ومنه: نكب كنانته إذا قلبها
(4) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب.
(5) وجعل حبل المشاة بين يديه: روى حبل وروي جبل، قال القاضي عياض رحمه الله: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم.
(6) حتى غاب القرص: قيل صوابه حين غاب القرص.. ويحتمل أن الكلام على ظاهره. ويكون قوله: حتى غاب القرص بيانا لقوله غربت الشمس وذهبت الصفرة. فإن هذه تطلق مجازا على مغيب معظم القرص فأزال ذلك الاحتمال بقوله: حتى غاب القرص والله أعلم.
(7) وقد شنق للقصواء: شنق: ضمّ وضيّق.
(8) مسلم (1218) .
(9) البخاري- الفتح 2 (893) واللفظ له. ومسلم (1829) .
(10) الأسد: ويقال له: الأزدي، من أزد شنوءة. ويقال لهم: الأسد والأزد.(8/3413)
قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فحمد الله وأثنى عليه. وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا. والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء. أو بقرة لها خوار. أو شاة تيعر «1» » .
ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه «2» » . ثمّ قال: اللهمّ! هل بلّغت؟» . مرّتين) * «3» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن- وكلتا يديه يمين- الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ) * «4» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تضمّن الله «5» لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي «6» . فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه. نائلا ما نال من أجر أو غنيمة «7» . والّذي نفس محمّد بيده! ما من كلم يكلم في سبيل الله «8» ، إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك. والّذي نفس محمّد بيده! لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة «9» تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم «10» . ولا يجدون سعة «11» . ويشقّ عليهم أن
__________
(1) تيعر: معناه تصيح. واليعار صوت الشاة.
(2) عفرتي إبطيه: بضم العين وفتحها. والأشهر الضم. قال الأصمعي وآخرون: عفرة الإبط هي البياض ليس بالناصع، بل فيه شيء كلون الأرض. قالوا: وهو مأخوذ من عفر الأرض، وهو وجهها.
(3) البخاري- الفتح 13 (7197) . ومسلم (1832) واللفظ له
(4) مسلم (1827) .
(5) تضمن الله: وفي الرواية الأخرى: تكفل الله. ومعناهما أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه، سبحانه وتعالى. وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الآية.
(6) إلا جهادا في سبيلي: هكذا: جهادا، بالنصب. وكذا قال بعده: وإيمانا بي، وتصديقا. وهو منصوب على أنه مفعول له. وتقديره: لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق. ومعناه: لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى.
(7) نائلا ما نال من أجر: قالوا: معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة، إن لم يغنموا. أو من الأجر والغنيمة مما غنموا. وقيل: إن أو هنا بمعنى الواو، أي من أجر وغنيمة. ومعنى الحديث أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيرا بكل حال فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.
(8) ما من كلم يكلم في سبيل الله: أما الكلم فهو الجرح. ويكلم أي يجرح. والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته، أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى.
(9) خلاف سرية: أي خلفها وبعدها.
(10) لا أجد سعة فأحملهم: أي ليس لي من سعة الرزق ما أجد به لهم دواب فأحملهم عليها.
(11) ولا يجدون سعة: فيه حذف يدل عليه ما ذكر قبله. أي ولا يجدون سعة يجدون بها من الدواب ما يحملهم ليتبعوني ويكونوا معي.(8/3414)
يتخلّفوا عنّي «1» . والّذي نفس محمّد بيده! لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل. ثمّ أغزو فأقتل. ثمّ أغزو فأقتل» ) * «2» .
7-* (عن أبي مريم الأزديّ- رحمه الله- قال: دخلت على معاوية، فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان؟ - وهي كلمة تقولها العرب- فقلت: حديثا سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من ولّاه الله- عزّ وجلّ- شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلّته وفقره» ، قال: فجعل رجلا على حوائج النّاس) * «3» .
وفي رواية التّرمذيّ: عن عمرو بن مرّة الجهنيّ:
أنّه قال لمعاوية: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلّة والمسكنة، إلّا أغلق الله أبواب السّماء دون خلّته وحاجته ومسكنته» .
فجعل معاوية رجلا على حوائج النّاس) * «4» .
8-* (عن الحسن، قال: عاد عبيد الله بن زياد، معقل بن يسار المزنيّ. في مرضه الّذي مات فيه. فقال معقل: إنّي محدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. لو علمت أنّ لي حياة ما حدّثتك. إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته، إلّا حرّم الله عليه الجنّة» » ) * «5» .
9-* (عن عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود، من الأنصار. كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول الله، اقبل عنّي عملك. قال: «ومالك؟» قال:
سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن. من استعملناه منكم على عمل فليجأ بقليله وكثيره. فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» ) * «6» .
10-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبيّ. ثمّ قال: «يا أبا ذرّ، إنّك ضعيف. وإنّها أمانة «7» . وإنّها يوم القيامة خزي وندامة. إلّا من أخذها بحقّها، وأدّى الّذي عليه فيها» ) * «8» .
__________
(1) ويشق عليهم أن يتخلفوا عني: أي ويوقعهم تأخرهم عني في المشقة، يعني يصعب عليهم ذلك.
(2) البخاري- الفتح 1 (36) . ومسلم (1876) .
(3) أبو داود (2948) وقال الألباني (2/ 569) : صحيح واللفظ من تحقيق الألباني. وقال محقق جامع الأصول (4/ 52) : إسناده حسن.
(4) الترمذي (1332 و1333) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7150) . ومسلم (142) واللفظ له.
(6) مسلم (1833) .
(7) إنك ضعيف وإنها أمانة: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية. وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط. وأما من كان أهلا للولاية، وعدل فيها، فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة.
(8) مسلم (1825) .(8/3415)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المسئولية)
1-* (دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك، فقال: تكلّم يا أعرابيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي مكلّمك بكلام فاحتمله وإن كرهته، فإنّ وراءه ما تحبّ إن قبلته. فقال: «يا أعرابيّ، إنّا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا نأمن غشّه فكيف بمن نأمن غشّه ونرجو نصحه؟ فقال الأعرابيّ:
يا أمير المؤمنين، إنّه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، ابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربّهم، خافوك في الله تعالى، ولم يخافوا الله فيك، فلا تأمنهم على من ائتمنك الله عليه، فإنّهم لم يألوا في الأمانة تضييعا، وفي الأمّة خسفا وعسفا، وأنت مسئول عمّا اجترحوا، وليسوا بمسئولين عمّا اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإنّ أعظم النّاس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره» ) * «1» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنّه فاعل. قال: فحلفت أنّي أكلّمه في ذلك. فسكتّ.
حتّى غدوت. ولم أكلّمه. قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جبلا حتّى رجعت فدخلت عليه. فسألني عن حال النّاس. وأنا أخبره. قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت النّاس يقولون مقالة. فآليت أن أقولها لك.
زعموا أنّك غير مستخلف. وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع.
فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي. فوضع رأسه ساعة ثمّ رفعه إليّ. فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- يحفظ دينه. وإنّي لئن لا أستخلف فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستخلف. وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف.
قال: فو الله! ما هو إلّا أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر.
فعلمت أنّه لم يكن ليعدل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. وأنّه غير مستخلف» ) * «2» .
3-* (قال د. حسن عليّ الحجّاجيّ: يرى ابن القيّم أنّ مسئوليّة التّربية تقع على الآباء والمربّين لا سيّما إذا كان النّاشىء في أوّل مراحل نموّه، فإنّه في أمسّ الحاجة إلى تقويم أخلاقه
وتوجيه سلوكه، وهو بمفرده لا يستطيع القيام بذلك، فالمسئوليّة على وليّ أمره، يقول- رحمه الله-: ( ... وممّا يحتاج إليه الطّفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنّه ينشأ على ما عوّده المربّي في صغره من حرد وغضب، ولجاج، وعجلة، وخفّة مع هواه وطيش، وحدّة، وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك. وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة، فلو تحرّز منها غاية التّحرّز فضحته ولا بدّ يوما ما، ولهذا تجد أكثر النّاس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التّربية الّتي نشأ
__________
(1) كلمات في الأخلاق الإسلامية (129) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7218) . ومسلم (1823) واللفظ له.(8/3416)
عليها) . فابن القيّم يبيّن أنّ للتّربية أهمّية قصوى في تهذيب الخلق وتقويم السّلوك، كما يوضّح أنّ التّربية السّليمة هي الّتي تجعل للتّدريب والتّعويد شأنا في رسوخ الصّفات الطّيّبة. وفي هذا القول أيضا يحمّل ابن القيّم التّربية مسئوليّة انحراف الأخلاق والسّلوك» ) * «1» .
4-* (قال د. محمّد عليّ الهاشميّ: «الفرد المسلم يشعر بمسئوليّته عن رعيّته: ذلك أنّه ما من تقصير أو تهاون أو تفريط في جنب الله ورسوله، يقع فيه أحد أفراد أسرة هذا المسلم إلّا وهو مسئول عنه:
«كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته ... » . وهذه المسئوليّة الّتي يحسّها المسلم الصّادق من جرّاء تفريط أحد أفراد أسرته تخزّ جنبه، فلا يطيق عليها صبرا، ويسارع في إزالة أسبابها مهما تكن النّتائج، فما يصبر على هذه المسئوليّة، وما يطيق السّكوت عليها إلّا رجل في إيمانه ضعف، وفي دينه رقّة) * «2» .
5-* (قال الدّكتور عليّ أبو العينين: «من المقوّمات الأساسيّة الّتي يقوم عليها المجتمع المسلم أنّه مجتمع مسئول، كلّ فرد فيه مطالب بالمشاركة في تسيير أمور مجتمعه، والمسلمون مسئولون عن بعضهم، ومأمورون بالدّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «3» .
من فوائد (المسئولية)
(1) تشعر بوجوب أداء الأمانة أمام الله وأمام النّاس.
(2) الإخلاص في العمل والثّبات عليه.
(3) كسب ثقة النّاس واعتزازهم به.
(4) يشعر الشّخص المسئول بالسّعادة تغمره كلّما قام بتنفيذ عمل نافع.
(5) كلّ مسئول بقدر استطاعة تحمّله ولا يخلو أحد من المسئوليّة مهما قلّت منزلته في المجتمع.
(6) تجعل بنيان الدّولة قويّا غير قابل للتّصدّع عند التّعرّض للمحن والحروب.
(7) المسئوليّة تجعل للإنسان قيمة في مجتمعه.
__________
(1) عن كتاب الفكر التربوي عند ابن القيم (162) .
(2) شخصية المسلم (14- 15) .
(3) التربية الإسلامية وتنمية المجتمع الإسلامي (54) .(8/3417)
المعاتبة والمصارحة
المعاتبة لغة:
المعاتبة مصدر قولهم: عاتب يعاتب، وهو مأخوذ من مادّة (ع ت ب) الّتي تدلّ على «الأمر فيه صعوبة من كلام أو غيره» من ذلك العتبة، وهي أسكفّة الباب، وإنّما سمّيت بذلك لارتفاعها عن المكان المطمئنّ السّهل، ومن الباب العتب بمعنى الموجدة، تقول عتبت على فلان عتبا ومعتبة، أي وجدت عليه، ثمّ يشتقّ منها فيقال: أعتبني، أي ترك ما كنت أجد عليه «1» ورجع إلى مسرّتي، وهو معتب أي راجع عن الإساءة، ويقولون: أعطاني العتبى أي أعتبني، والتّعتّب: إذا قال هذا وهذا يصفان الموجدة وكذلك المعاتبة، ويقال للرّجل إذا طلب أن يعتب: قد استعتب. قال أبو الأسود:
فعاتبته ثمّ راجعته ... عتابا رقيقا وقولا أصيلا
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلّا قليلا
وقال الرّاغب: إنّ قولهم: أعتبت فلانا أي أبرزت الغلظة الّتي وجدت له في الصّدر، وأعتبته أيضا: حملته على العتب، وأعتبته أي أزلت عتبه، نحو أشكيته (أي أزلت شكواه) قال تعالى: فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
14/ 13/ 15
والاستعتاب: أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب، والعتبى إزالة ما لأجله يعتب، وبينهم أعتوبة: أي ما يتعاتبون به، وقال الجوهريّ:
يقال: عتب عليه، أي وجد عليه عتبا ومعتبا، والتّعتّب مثله، والاسم المعتبة والمعتبة (بفتح التّاء وكسرها) ، وتقول: عاتبه معاتبة (وعتابا) ، وأعتبني فلان، إذا عاد إلى مسرّتي راجعا عن الإساءة، واستعتب وأعتب بمعنى (واحد) ، واستعتب أيضا طلب أن يعتب، ومن ذلك استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني، والاعتتاب:
الانصراف عن الشّيء، وقال الفيروز آباديّ: والعتوب من لا يعمل فيه العتاب، وقراءة عبيد بن عمير: (وإن يستعتبوا) على ما لم يسمّ فاعله (مبنيّ للمجهول) معناه:
إن أقالهم الله، وردّهم إلى الدّنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق في علم الله تعالى لهم من الشّقاء، وذلك كما في قوله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «2» .
وقال ابن منظور: العتب: الموجدة، يقال:
عتب عليه يعتب ويعتب عتبا وعتابا ومعتبا ومعتبة ومعتبة: وجد عليه.
قال الغطمّش الضّبّيّ:
__________
(1) أجد عليه: أي أغضب منه ويشير ابن فارس بهذه العبارة إلى أنّ صيغة أفعل هنا تفيد السّلب والإزالة، كما يقال: أعجمت الكتاب، أى أزلت عجمته.
(2) والقراءة الأخرى وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا (بالبناء للمعلوم) . ومعناه: إن يستقيلوا لا يقالوا.(8/3418)
أقول وقد فاضت بعيني عبرة ... أرى الدّهر يبقى والأخلّاء تذهب
أخلّاي! لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ليس للدّهر معتب
قوله: عتبت أي سخطت، أي لو أصبتم في حرب لأدركنا بثأركم وانتصرنا، ولكنّ الدّهر لا ينتصر منه.
وعاتبه معاتبة وعتابا: لامه. قال الشّاعر:
أعاتب ذا المودّة من صديق ... إذا ما رابني منه اجتناب
إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب
والعتبى: الرّضا، وأعتبه: أعطاه العتبى وأرضاه، والعتبى (أيضا) رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، والإعتاب كذلك، والاستعتاب طلبك إلى المسيء الرّجوع عن إساءته، وقال أبو منصور: العتب والعتبان: لومك الرّجل على إساءة كانت له إليك، فاستعتبته منها، وكلّ واحد من اللّفظين (العتب والعتبان) يخلص للعاتب، فإذا اشتركا في ذلك، وذكّر كلّ واحد منهما صاحبه ما فرط منه إليه من الإساءة، فهو العتاب والمعاتبة، وفي الحديث: كان يقول لأحدنا عند المعتبة «1» :
ماله تربت يمينه! والعتب: الرّجل الّذي يعاتب صاحبه أو صديقه في كلّ شيء إشفاقا عليه ونصيحة له، والعتوب: الّذي لا يعمل فيه العتاب، ويقال إذا تعاتبوا: أصلح ما بينهم العتاب، وروي عن أبي الدّرداء أنّه قال: معاتبة الأخ خير من فقده، والعتبى اسم على فعلى، يوضع موضع الإعتاب وهو الرّجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب، وفي الحديث: لا يعاتبون في أنفسهم، يعني لعظم ذنوبهم وإصرارهم عليها، وإنّما يعاتب من ترجى عنده العتبى، وفي الحديث الشّريف: لا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه يزداد، وإمّا مسيئا فلعلّه يستعتب، أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرّضا، ومنه الحديث. «ولا بعد الموت من مستعتب» معناه: ليس بعد الموت من استرضاء، لأنّ الأعمال بطلت، وانقضى زمانها، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل «2» .
المعاتبة اصطلاحا:
قال المناويّ: العتاب هو مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة «3» .
وقال أبو منصور الأزهريّ:
التّعتّب والمعاتبة والعتاب: كلّ ذلك مخاطبة المدلّين أخلّاءهم، طالبين حسن مراجعتهم ومذاكرة بعضهم بعضا ما كرهوه ممّا كسبهم الموجدة «4» .
التوسط فى المعاتبة:
قال الماورديّ- رحمه الله-: إنّ كثرة العتاب تكون سببا للقطيعة، واطّراح جميعه دليل علي قلّة الاكتراث بأمر الصّديق، وقد قيل: علّة المعاداة قلّة المبالاة، والمفروض أن تتوسّط الحال بين العتاب وتركه،
__________
(1) المعتبة: بفتح التاء وكسرها: من الموجدة أي الغضب.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 226) المفردات للراغب (321) الصحاح للجوهرى (1/ 176) لسان العرب «عتب» (2793) ط. دار المعارف، وبصائر ذوى التمييز (4/ 17) .
(3) التوقيف (236) .
(4) تهذيب اللغة للأزهرى (2/ 278) .(8/3419)
فيسامح بالمتاركة، ويستصلح بالمعاتبة، لأنّ المسامحة والاستصلاح إذا اجتمعا، لم يلبث معهما نفور، ولم يبق معهما وجد، وقد قال بعضهم: لا تكثرنّ معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطك «1» .
المصارحة لغة:
المصارحة مصدر قولهم: صارحه بكذا إذا صرّح له بما في نفسه أي أظهره، وهي مأخوذة من مادّة (ص ر ح) الّتي تدلّ على ظهور الشّيء وبروزه، ومن ذلك الشّيء الصّريح (أي الخالص) ، وكلّ خالص صريح، يقال هو بيّن الصّراحة والصّروحة «2» ، والصّريح اللّبن إذا ذهبت رغوته، وجاء بنوا تميم صريحة: إذا لم يخالطهم غيرهم ويقال: انصرح الحقّ أي بان، وشتمت فلانا مصارحة، أي كفاحا ومواجهة، والتّصريح خلاف التّعريض، ويوم مصرّح أي ليس فيه سحاب، وفي المثل: صرّح الحقّ عن محضه أي انكشف «3» ، وقال ابن منظور: الصّرح والصّريح والصّراح والصّراح والصّراح المحض الخالص من كلّ شيء «4» ، وفي حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل متى يحلّ شراء النّخل؟ قال: حين يصرّح. قيل:
وما التّصريح؟ قال: حين يستبين الحلو من المرّ، والتّصريح ضدّ الكناية «5» ، وفي المثل: ظهر الصّريح بجانب المتن، يضرب هذا للأمر الّذي وضح، ويقال صرّح فلان ما في نفسه (تصريحا) ، وصارح (غيره به) مصارحة إذا أبدى ما في نفسه وأظهره «6» .
المصارحة اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها «المصارحة» مصطلحا ومن ثمّ تكون باقية على أصل معناها الّذي ذكره اللّغويّون وهو: أن يظهر كلّ متحدّث للآخر رأيه واضحا جليّا دون لبس أو غموض.
أمّا التّصريح عند علماء البلاغة فهو ما ليس بكناية أو تعريض والمراد بالكناية أن تعبّر عن الشّيء وأنت تريد لازم معناه دون أن تصرّح بذلك المعنى كقولك: فلان كثير الرّماد تريد كونه كريما، أمّا التّعريض فهو أن تستعمل اللّفظ في معناه لكي تلوّح به إلى غيره كأن تخاطب شخصا بشيء وأنت تريد اتّصاف غيره به (إيّاك أعني واسمعي يا جارة) ، ولكلّ من التّصريح والكناية والتّعريض موطنه الّذي يستعمل فيه ومقامه الّذي يتطلّبه وإذا استعمل في غير ذلك كان غير مطلوب.
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- التذكير- التودد- الصدق- النصيحة- الوعظ- الإرشاد- المحبة.
وفي ضد ذلك: الإهمال- الجفاء- الحقد- الهجر الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- البغض النفاق- الرياء] .
__________
(1) أدب الدنيا والدين (179) بتصرف واختصار.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 347) .
(3) الصحاح للجوهري (1/ 382) .
(4) لسان العرب ص 2425 (ط. دار المعارف) .
(5) النهاية لابن الأثير (3/ 20) ، والصّراحة في القول أشبه بذلك إذ عندما يستبين الحلو من المر في الحوار الصرح الصادق بين الأطراف المعنية بأمر ما.
(6) اللسان ص 2425 (ط. دار المعارف) .(8/3420)
الآيات الواردة في «المعاتبة»
1- وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) «1»
2- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) «2»
3- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) «3»
4- وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) «4»
الآيات الواردة في «المعاتبة» معنى
5- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) «5»
6- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ
__________
(1) النحل: 84 مكية
(2) الروم: 55- 57 مكية
(3) فصلت: 19- 24 مكية
(4) الجاثية: 31- 35 مكية
(5) الأنفال: 67- 68 مدنية(8/3421)
بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «1»
7-* قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) «2»
8- قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) «3»
9- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) «4»
10- يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) «5»
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «6»
12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ
مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «7»
13- قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) «8»
14- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) «9»
__________
(1) التوبة: 42- 43 مدنية
(2) الكهف: 75 مكية
(3) الشعراء: 18- 19 مكية
(4) الأحزاب: 36- 38 مدنية
(5) الأحزاب: 63 مدنية
(6) الصف: 2- 4 مدنية
(7) التحريم: 1- 5 مدنية
(8) القلم: 28 مكية
(9) عبس: 1- 10 مكية(8/3422)
الأحاديث الواردة في (المعاتبة)
1-* (عن أميّة أنّها سألت عائشة- رضي الله عنها- عن قول الله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ وعن قوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمّى والنّكبة، حتّى البضاعة يضعها في كمّ قميصه، فيفقدها فيفزع لها، حتّى إنّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر «1» الأحمر من الكير «2» » ) * «3» .
2-* (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بمال- أو سبي- فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أنّ الّذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثمّ أثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فو الله إنّي لأعطي الرّجل، والّذي أدع أحبّ إليّ من الّذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع «4» ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب» . فو الله ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمر النّعم «5» ) * «6» .
3-* (عن سعيد بن جبير- رحمه الله. قال:
قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إنّ نوفا البكاليّ «7» يزعم أنّ موسى- عليه السّلام- صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر «8» عليه السّلام- فقال: كذب عدوّ الله «9» سمعت أبيّ ابن كعب يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا
__________
(1) التبر: الذهب، وقيل: هو ما كان من الذهب غير مضروب.
(2) الكير: الزقّ الذي ينفخ فيه الحداد، والجمع أكيار وكيرة
(3) الترمذي (2991) وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، وأحمد (6/ 218) وفي سنده عندهما: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف احتج به مسلم في المتابعات والشواهد، والحديث بمعناه عند أبي داوود 3093 وله شواهد كثيرة ضعيفة وحسنة وصحيحة جمعها الحافظ ابن كثير في تفسير الآية 123 من سورة النساء.
(4) الهلع: هو أسوأ الجزع وأفحشه، وقيل: الحرص.
(5) حمر النّعم: الإبل والشاء وقيل: الإبل والبقر والغنم يذكّر ويؤنث، والجمع أنعام وجمع الجمع أناعيم، وبعير أحمر وإبل حمراء والجمع حمر- بسكون الميم- والعرب تقول: خير الإبل حمرها، لأنها أصبر على السير في الهواجر.
(6) البخاري- الفتح 2 (923) .
(7) نوف البكالي: نسبة إلي بني بكال من حمير وهو صاحب عليّ- عليه السلام- والمحدّثون يقولون: نوف البكّاليّ- بفتح الباء وتشديد الكاف-.
(8) الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد- اختلف في اسمه وفي كونه نبيّا أو وليا في أقوال عديدة أوردها ابن حجر في فتح الباري (6/ 499- 205) وورد في حديث صحيح في البخاري 6 (3402) عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء.
(9) كذب عدو الله: قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله. لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة. إنما قاله مبالغة في إنكار قوله، لمخالفته قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكان ذلك في حال غضب ابن عباس. لشدة إنكاره. وحال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد بها حقائقها.(8/3423)
من عبادي بمجمع البحرين «1» هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا «2» في مكتل «3» فحيث تفقد «4» الحوت فهو ثمّ «5» . فانطلق وانطلق معه فتاه «6» وهو يوشع بن نون. فحمل موسى عليه السّلام- حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصّخرة فرقد موسى- عليه السّلام- وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق «7» ، فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما «8» ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى عليه السّلام- قال لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «9» قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا «10» . قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ «11» فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى «12» عليه بثوب فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام «13» . قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم
من علم الله علّمكه الله، لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه، لا تعلمه. قال له موسى- عليه السّلام-:
هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال:
إنّك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة. فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «14» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير
__________
(1) بمجمع البحرين: قال القسطلانيّ: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق. أو بإفريقية أو طنجة.
(2) الحوت: السمكة
(3) مكتل: هو القفّة أو الزنبيل
(4) تفقد: أي يذهب منك
(5) فهو ثمّ: أي هناك
(6) فتاه: أي صاحبه
(7) الطاق: عقد البناء.
(8) وليلتهما: ضبطوه بنصب ليلتهما وجرّها.
(9) نصبا: النصب: التعب.
(10) واتخذ سبيله في البحر عجبا: قيل: إن لفظة عجبا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع وقيل: من كلام موسى. أي قال موسى: عجبت من هذا عجبا. وقيل: من كلام الله تعالى. ومعناه اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.
(11) نبغي: أي نطلب. معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت.
(12) مسجّى: مغطى.
(13) أنّى بأرضك السلام: أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام. قال العلماء: أنّى تأتي بمعنى أين ومتى وحيث وكيف.
(14) بغير نول: بغير أجر.(8/3424)
نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا «1» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا «2» . ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية «3» بغير «4» نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا «5» .
قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال:
وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا «6» .
فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «7» فأقامه. يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا «8» فأقامه.
قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «9» .
4-* (عن زاذان أبي عمر عن عليم- رحمهما الله- قال: كنّا جلوسا على سطح، معنا رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عليم» : لا أحسبه إلّا قال:
«عبس الغفاريّ» . والنّاس يخرجون في الطّاعون.
فقال عبس: يا طاعون خذني، ثلاثا يقولها. فقال له عليم: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّ أحدكم الموت عند انقطاع عمله، ولا يردّ فيستعتب» .
فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بادروا بالموت ستّا «10» : إمرة السّفهاء، وكثرة الشّرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدّم، وقطيعة الرّحم، ونشوا «11» . يتّخذون القرآن مزامير، يقدّمون الرّجل يغنّيهم، وإن كان أقلّ منهم فقها» ) * «12» .
__________
(1) إمرا: عظيما.
(2) ولا ترهقني من أمري عسرا: قال الإمام الزمخشريّ: يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه. أي ولا تغشني عسرا من أمري. وهو اتباعه إياه. يعني ولا تعسّر عليّ متابعتك ويسّرها عليّ بالإغضاء وترك المناقشة.
(3) زاكية: قريء في السبع زاكية وزكية. قال: ومعناه طاهرة من الذنوب.
(4) بغير نفس: أي بغير قصاص لك عليها.
(5) نكرا: النكر هو المنكر.
(6) قد بلغت من لدني عذرا: معناه قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي.
(7) فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض: هذا من المجاز. لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة. ومعناه قرب من الانقضاض، وهو السقوط.
(8) قال الخضر بيده هكذا: أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول. وهو شائع.
(9) البخاري الفتح 6 (3401) مسلم (2380) واللفظ له.
(10) بادروا بالموت: أي ارضوا بالموت.
(11) نشوا: يقال: نشي الرجل من الشراب نشوا ونشوة ونشوة: سكر فهو نشوان، والأنثى: نشوى وجمعها نشاوى.
(12) أحمد (3/ 494) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 245) واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير (18/ 34) بنحوه إلا أنه قال: عن عابس الغفاري قال: سمعت رسول الله يتخوف على أمته من ست خصال. إمرة الصبيان، وكثرة الشّرط، والرشوة في الحكم، وقطيعة الرحم، واستخفاف بالدم، ونشو يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا بأفضلهم يغنيهم غناء» وفي إسناد أحمد عثمان بن عمير البجلي وهو ضعيف وأحد إسنادي الكبير ورجاله رجال الصحيح.(8/3425)
5-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يعاتبهم الله بها إلّا أربع سنين وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) * «1» .
6-* (عن يحيى بن سعيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رؤي وهو يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال: «إنّي عوتبت اللّيلة في الخيل» ) * «2» .
7-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة «3» ، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت: يا أمير المؤمنين! من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ فقال:
واعجبا لك يا ابن عبّاس! عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله! إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل. فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم. ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة! أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت:
خابت وخسرت. أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا، وقال: أثمّ هو؟
ففزعت فخرجت إليه وقال: حدث أمر عظيم، قلت:
ما هو؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه
__________
(1) ابن ماجة (4192) قال المحقق: في الزوائد: هذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(2) تنوير الحوالك (2/ 23) واللفظ له والحديث وصله ابن عبد البر من طريق عبد الله بن عمرو الفهري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس ووصله أبو عبيدة في كتاب الخيل من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار ورواه أبو داود في المراسيل من مرسل نعيم بن أبي هند. قال ابن عبد البر: روى موصولا عنه عن عروة البارقي وقال: «عوتبت الليلة في الخيل» في رواية أبي عبيدة في إذالة الخيل له من مرسل عبد الله بن دينار وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل أي امتهانها. وانظر جامع الأصول (5/ 51) في حاشية المحقق.
(3) الإداوة: بكسر الهمزة- إناء صغير من جلد يتخذ للماء وتجمع على أداوي.(8/3426)
وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت. كنت أظنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت: ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله، فلمّا ولّيت منصرفا، فإذا الغلام يدعوني، قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكىء على وسادة من أدم حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت- وأنا قائم- طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: «لا» ثمّ قلت- وأنا قائم-: أستأنس يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأمنك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة ثلاث «1» ، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال:
«أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: «ما أنا بداخل عليهنّ شهرا» من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى
__________
(1) أهبة ثلاث: هكذا وردت، ولعل صوابها آهبة علي أنها جمع قليل للإهاب وهو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ، والجمع الكثير: أهب، وأهب.(8/3427)
قوله- عَظِيماً قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «1» .
8-* (عن أمّ سلمة ابنة أبي أميّة بن المغيرة رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلّا أهدوا له هديّة، ثمّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن ربيعة بن المغيرة المخزوميّ وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما. ادفعوا إلى كلّ بطريق هديّته قبل أن تكلّموا النّجاشيّ فيهم، ثمّ قدّموا للنّجاشيّ هداياه، ثمّ سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلّمهم،. قالت: فخرجا فقدما على النّجاشيّ، ونحن عنده بخير دار وعند خير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلّا دفعا إليه هديّته قبل أن يكلّما النّجاشيّ، ثمّ قالا لكلّ بطريق منهم: إنّه قد صبأ إلى بلد الملك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردّهم إليهم، فإذا كلّمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلّمهم إلينا ولا يكلّمهم، فإنّ قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهما: نعم، ثمّ إنّهما قرّبا هداياهم إلى النّجاشيّ، فقبلها منهما، ثمّ كلّماه فقالا له: أيّها الملك، إنّه صبأ إلى بلدك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النّجاشيّ كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم، قال:
فغضب النّجاشيّ، ثمّ قال: لاها الله، وايم الله! إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد ... ) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يدخل أحدا عمله الجنّة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا إلّا أن يتغمدّني الله بفضل ورحمة فسدّدوا وقاربوا، ولا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه أن يزداد خيرا، وإمّا مسيئا فلعلّه أن يستعتب «3» » ) * «4» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2468) واللفظ له، وعند مسلم مختصرا (1083) .
(2) أحمد (1/ 202- 203) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح.
(3) وإما مسيئا فلعله أن يستعتب: أي يرجع عن موجب العتب عليه.
(4) البخاري- الفتح 10 (5673) .(8/3428)
عمر: وافقت الله في ثلاث- أو وافقني ربّي في ثلاث- قلت: يا رسول الله! لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى، وقلت: يا رسول الله! يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ الله رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر! أما في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ الآية) * «1» .
الأحاديث الواردة في (المعاتبة) معنى
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا فرخّص فيه، فتنزّه عنه قوم «2» فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخطب فحمد الله، ثمّ قال: «ما بال أقوام «3» يتنزّهون عن الشّيء أصنعه، فو الله إنّي لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «4» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبّابا ولا فحّاشا ولا لعّانا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة «5» : «ما له ترب جبينه «6» » ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4483) .
(2) فتنزه عنه قوم: أي تباعد عنه قوم.
(3) ما بال أقوام: في رواية جرير ما بال رجال قال ابن بطال: هذا لا ينافي الترجمة، لأن المراد بها المواجهة مع التعيين كأن يقول ما بالك يا فلان تفعل كذا، وما بال فلان يفعل كذا. فأما مع الإبهام فلم تحصل المواجهة وإن كانت صورتها موجودة وهي مخاطبة من فعل ذلك، لكنه لما كان جملة المخاطبين ولم يميز عنهم صار كأنه لم يخاطب.
(4) البخاري- الفتح 10 (6101) واللفظ له مسلم (2356) وترجم له البخاري في باب من لم يواجه الناس بالعتاب
(5) كان يقول لأحدنا عند المعتبة: بفتح الميم وسكون المهملة وكسر المثناة الفوقية- ويجوز فتحها- بعدها موحدة وهي مصدر عتب عليه يعتب عتبا وعتابا ومعتبة ومعاتبة، قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة.
(6) ما له ترب جبينه: قال الخطابي: يحتمل أن يكون المعنى خر لوجهه فأصاب التراب جبينه ويحتمل أن يكون دعاء له بالعبادة كأن يصلي فيترب جبينه، والأول أشبه لأن الجبين لا يصلى عليه، قال ثعلب: الجبينان يكتنفان الجبهة ومنه قوله تعالى: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي ألقاه على جبينه، قلت: وأيضا فالثاني بعيد جدّا، لأن هذه الكلمة استعملها العرب قبل أن يعرفوا وضع الجبهة بالأرض في الصلاة وقال الداودي: قوله ترب جبينه كلمة تقولها العرب جرت على ألسنتهم، وهي من التراب، أي سقط جبينه للأرض، وهو كقولهم رغم أنفه، ولكن لا يراد معنى قوله ترب جبينه، بل هو نظير قوله تربت يمينك، أي أنها كلمة تجري على اللسان ولا يراد حقيقتها.
(7) البخاري- الفتح 10 (6031) .(8/3429)
ومن الأحاديث الواردة في (المصارحة)
13-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ فقال: يا رسول الله آن كان ابن عمّتك. فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «اسق، ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر» . فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزّبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65) » ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (المعاتبة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره، حتّى إذا كنّا بالبيداء (أو بذات الجيش) انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبالنّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت:
فعاتبني أبو بكر. وقال ما شاء الله أن يقول. وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التّيمّم فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير (وهو أحد النّقباء) : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته) * «2» .
2-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضى الله عنها- أنّها خطبت على عبد الرّحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أميّة فزوّجوه، ثمّ إنّهم عتبوا على عبد الرّحمن وقالوا: ما زوّجنا إلّا عائشة، فأرسلت عائشة إلى عبد الرّحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها فاختارت زوجها، فلم يكن ذلك طلاقا) * «3» .
3-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
__________
(1) البخاري- الفتح (2708) .
(2) البخاري- الفتح 1 (334) ، مسلم (367) واللفظ له.
(3) تنوير الحوالك شرح موطأ مالك (2/ 82) .(8/3430)
«معاتبة الأخ خير من فقده» ) * «1» .
4-* (قال الزّجّاج: قال الحسن في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً قال: من فاته عمله من الذّكر والشّكر بالنّهار، كان له في اللّيل مستعتب، ومن فاته باللّيل، كان له في النّهار مستعتب، قال: أراه يعني وقت استعتاب أي وقت طلب عتبى، كأنّه أراد وقت استغفار) * «2» .
5-* (قال أبو الحسن بن منقذ:
أخلاقك الغرّ السّجايا ما لها ... حملت قذى الواشين وهي سلاف
ومرآة رأيك في عبيدك ما لها ... صدئت وأنت الجوهر الشّفّاف
) * «3» .
6-* (قيل: العتاب خير من الحقد، ولا يكون العتاب إلّا على زلّة، وقد مدحه قوم فقالوا: العتاب حدائق المتحابّين، ودليل على بقاء المودّة ... وذمّه بعضهم، قال إياس بن معاوية: وخرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلمّا كان في بعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا، وتعاتبا وإلى جانبهما شيخ من الحيّ. فقال لهما: أنعما عيشا، إنّ المعاتبة تبعث التّجنّي، والتّجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة، قال الشّاعر:
فدع العتاب فربّ شرر ... هاج أوّله العتاب
) * «4» .
7-* (كان ابن عرادة السّعديّ مع سلم بن زياد بخراسان، وكان له مكرما، وابن عرادة يتجنّى عليه، ففارقه وصاحب غيره، ثمّ ندم ورجع إليه، وقال:
عتبت على سلم فلمّا فقدته ... وصاحبت أقواما بكيت على سلم
رجعت إليه بعد تجريب غيره ... فكان كبرء بعد طول من السّقم
) * «5» .
8-* (قال الغطمّش الضّبّيّ:
أقول وقد فاضت بعيني عبرة ... أرى الدّهر يبقى والأخلّاء تذهب
أخلّاي لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ليس للدّهر معتب
) * «6» .
9-* (وقال أبو الأسود:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلّا قليلا
) * «7» .
10-* (قال الشّاعر:
أعاتب ذا المودّة من صديق ... إذا ما رابني منه اجتناب
إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب
) * «8» .
__________
(1) لسان العرب «عتب» .
(2) لسان العرب «عتب» .
(3) المستطرف (1/ 283) .
(4) المستطرف (1/ 282) واللسان «عتب» .
(5) المستطرف (1/ 283) .
(6) لسان العرب «عتب» .
(7) المصدر السابق «عتب» .
(8) لسان العرب «عتب» .(8/3431)
11-* (قال بشّار بن برد:
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لن تلقى الّذي لا تعاتبه.
وإن أنت لم تشرب مرارا علي القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟
فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه ... مقارف ذنب مرّة ومجانبه
) * «1» .
12-* (وقال آخر:
دعوت الله أن تسمو وتعلو ... علوّ النّجم في أفق السّماء
فلمّا أن سموت بعدت عنّي ... فكان إذا على نفسي دعائي
) * «2» .
13-* (وقال آخر يعاتب صديقه على كتاب أرسله إليه:
اقرأ كتابك، واعتبره قريبا ... فكفى بنفسك لي عليك حسيبا
أكذا يكون خطاب إخوان الصّفا ... إن أرسلوا جعلوا الخطاب خطوبا
ما كان عذري إن أجبت بمثله ... أو كنت بالعتب العنيف مجيبا
لكنّني خفت انتقاص مودّتي ... فيعدّ إحساني إليك ذنوبا
) * «3» .
14-* (وقال آخر:
أراك إذا ما قلت قولا قبلته ... وليس لأقوالي لديك قبول
وما ذاك إلّا أنّ ظنّك سيّء ... بأهل الوفا والظّنّ فيك جميل
فكن قائلا قول الحماسيّ تائها ... بنفسك عجبا وهو منك قليل
وننكر إن شئنا على النّاس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
) * «4» .
15-* (ومن أحسن ما قيل في العتاب:
وفي العتاب حياة بين أقوام ... وهو المحكّ لدى لبس وإيهام
فما ثمّ شيء أحسن من معاتبة الأحباب، ولا ألذّ من مخاطبة ذوي الألباب» ) * «5» .
من فوائد (المعاتبة)
(1) تزيل صدأ البغض والكراهية من القلوب.
(2) تزيد المحبّة والألفة.
(3) تذهب نزغ الشّيطان ووساوسه.
(4) تنقّي النّفوس وتطهّرها من ظنون الإثم.
(5) تقوّي أواصر الودّ والتّفاهم في المجتمع.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (179) .
(2) المستطرف (1/ 283) .
(3) المرجع السابق (1/ 283) .
(4) المرجع السابق (283) .
(5) المرجع السابق (284) .(8/3432)
معرفة الله- عزّ وجلّ-
المعرفة لغة:
مصدر قولهم: عرف الشّيء يعرفه، وهي مأخوذة من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على السّكون والطّمأنينة، يقول ابن فارس: العين والرّاء والفاء أصلان «1» صحيحان يدلّ أحدهما على تتابع الشّيء الشّيء متّصلا بعضه ببعض، والآخر على السّكون والطّمأنينة، ومن الأصل الأوّل: عرف الفرس لتتابع الشّعر عليه، وجاءت القطا عرفا عرفا أي بعضها خلف بعض، والأصل الآخر، المعرفة والعرفان، تقول: عرف فلان فلانا عرفانا ومعرفة، وهذا أمر معروف لأنّ من عرف شيئا سكن إليه ومن أنكره توحّش منه ونبا عنه «2» ، وقال الخليل: ونفس عروف، إذا حملت على أمر بسأت به أي اطمأنّت، قال الشّاعر:
فآبوا بالنّساء مردّفات ... عوارف بعد كنّ واتّجاح «3» .
والعرف: ريح طيّب، تقول: ما أطيب عرفه، وقال الله عزّ وجلّ: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
34/ 6/ 32
(محمد/ 6) أي طيّبها «4» ، قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: المعنى في الآية الكريمة: طيّبها لهم بأنواع الملاذّ، وقيل: المعنى: إذا دخلوها يقال لهم: تفرّقوا إلى منازلكم، فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم «5» .
وقال الرّاغب: المعرفة (كالعرفان) من قولهم:
عرفت الشّيء أي أصبت عرفه أي رائحته أو حدّه «6» ، وقال الفيروزاباديّ: يقال: عرفه يعرفه إذا علمه (علما خاصّا) ، أي أدركه بتفكّر وتدبّر لأثره، قال: وهي أخصّ من العلم، يقال: فلان يعرف الله ولا يقال:
يعلم الله لأنّ معرفة البشر لله تعالى هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، ويقال: الله يعلم كذا، ولا يقال: يعرف كذا لأنّ المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر وتدبّر «7» .
ويرادف المعرفة العرفان والعرفة، قال في القاموس: يقال: عرفه يعرفه معرفة وعرفانا وعرفة (بالكسر) ، وعرفّانا، والوصف من ذلك عارف
__________
(1) معنى «أصلان» في قول ابن فارس: أن له معنيين أصليين تقاس عليهما مشتقات المادة.
(2) مقاييس اللغة 4/ 281 (بتصرف) .
(3) الاتجاح من الوجاح وهو الستر، والمراد: معترفات بالذلّ والهوان.
(4) كتاب العين 2/ 123
(5) انظر هذين الرأين وغيرهما في تفسير القرطبي مجلد 8 ج 16 ص 153، والرأي الأول يجعل اللفظ مشتقا من العرف وهو الرّائحة، والثاني يجعله مشتقا من التّعريف وهو الإعلام بالشيء، وكلاهما راجع إلى معنى السكون والطمأنينة.
(6) المفردات للراغب ص 333
(7) بصائر ذوي التمييز 4/ 47(8/3433)
وعريف وعروفة «1» ، قال الجوهريّ: (ومن معاني) العارف: الصّبور، يقال: أصيب فلان فوجد عارفا، والعروف مثله، قال عنترة:
فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
وقولهم: رجل عروفة بالأمور أي عارف بها، والهاء للمبالغة، والعارف والعريف بمعنى، وأنشد الأخفش لطريف بن عمرو الغنويّ:
أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
والتّعريف: الإعلام، والتّعريف: إنشاد الدّابّة، والتّعريف: التّطييب (من العرف) ، والتّعريف:
الوقوف بعرفات، والعرّاف: الكاهن، والعرّاف:
الطّبيب «2» ، وقولهم: أمر عريف وعارف أي معروف (فعيل بمعنى مفعول) ، ويقال: أعرف فلان فلانا وعرّفه: وقّفه على ذنبه، ثمّ عفا عنه، وعرّفه الأمر:
أعلمه إيّاه، وعرّفه بيته: أعلمه بمكانه، وعرّفه به: وسمه (أي وصفه له) . قال سيبويه: وأمّا عرّفته بزيد فإنّما عرّفته بهذه العلامة وأوضحته بها، وقولهم: اعترف القوم: سألهم، وقيل: سألهم عن خبر ليعرفه، وربّما وضعوا عرف موضع اعترف، كما وضعوا اعترف موضع عرف، وقولهم: تعرّفت ما عند فلان، أي تطلّبت حتّى عرفت، وتقول: ائت فلانا فاستعرف إليه حتّى يعرفك، وتعارف القوم: عرف بعضهم بعضا «3» ، وجاء في حديث ابن مسعود: « ... فيقال لهم: هل تعرفون ربّكم؟ فيقولون: إذا اعترف لنا عرفناه» قال ابن الأثير: أي إذا وصف نفسه بصفة نحقّقه بها عرفناه «4» ، وقول الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ (البقرة/ 146) الضّمير في «يعرفونه» يرجع إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم والمعنى أنّهم يعرفون نبوّته وصدق رسالته «5» ، أمّا قوله سبحانه: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (النحل/ 83) النّعمة هي نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وإنكارها تكذيبه، وقيل: يعرفون نعمة الله بتقلّبهم فيها، وينكرونها بترك الشّكر عليها «6» ، وقال ابن كثير:
(المعنى) يعرفون أنّ الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك (الفضل) وهو المتفضّل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون الرّزق والنّصر لسواه «7» .
لفظ الجلالة لغة:
اختلف اللّغويّون في لفظ الجلالة «الله» فقال بعضهم إنّه علم غير مشتقّ، وهو اسم موضوع هكذا «الله» وليس أصله «إلاه» وليس من الأسماء الّتي يجوز فيها اشتقاق فعل، كما يجوز في الرّحمن الرّحيم.
__________
(1) القاموس المحيط (عرف) ص 1080 (ط. بيروت) .
(2) الصحاح 4/ 1403
(3) لسان العرب (عرف) ص 2898 (ط. دار المعارف) .
(4) النهاية لابن الأثير 3/ 217
(5) تفسير القرطبي 2/ 110
(6) السابق 10/ 106 المرجع، وقد ذكر في الآية الكريمة ستة وجوه أخرى تنظر في الموضع المذكور.
(7) تفسير ابن كثير ج 3 ص 580 (بتصرف يسير) .(8/3434)
وقيل إنّه مشتقّ، وأصله إلاه، ثمّ دخلت عليه الألف واللّام، فقيل الإلاه، ثمّ حذفت همزته تخفيفا لكثرة الاستعمال، وأدغم اللّامان «1» مع التّفخيم، ولكنّ اللّام ترقّق إذا كسر ما قبلها.
وقال الغزاليّ: فأمّا قوله «الله» «2» . فهو اسم للموجود الحقّ، الجامع لصفات الإلهيّة، المنعوت بنعوت الرّبوبيّة، المتفرّد بالوجود الحقيقيّ، فإنّ كلّ موجود سواه غير مستحقّ الوجود بذاته، وإنّما استفاد الوجود منه- سبحانه- وكلّ ما عداه من حيث ذاته هالك، ومن الجهة الّتي تليه موجود، فكلّ موجود هالك إلّا وجهه، والأشبه أنّه جار في الدّلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام، وكلّ ما ذكر في اشتقاقه وتعريفه تعسّف وتكلّف «3» .
وقال السّفارينيّ: «الله» علم للذّات الواجب الوجود لذاته، المستحقّ لجميع الكمالات، وهو مشتق عند سيبويه، واشتقاقه من أله (على وزن فعل) إذا تحيّر، لتحيّر الخلق في كنه ذاته تعالى وتقدّس. وقيل:
من لاه يليه إذا علا، أو من لاه يلوه، إذا احتجب، وهذا الاسم عربيّ عند الأكثر، وزعم بعضهم أنّه معرّب، فقيل عبريّ وقيل سوريانيّ، قالى السّفارينيّ: والقول بأنّه معرّب ساقط لا يلتفت إليه «4» .
وقولهم «اللهمّ» معناه: يا ألله وهذه الميم المشدّدة عوض من «يا» (الّتي للنّداء) ، لأنّهم لم يجدوا «يا» مع هذه الميم في كلمة واحدة، ووجدوا اسم الله مستعملا ب «يا» إذا لم يذكروا الميم في آخر الكلمة، فعلموا أنّ الميم في آخر الكلمة بمنزلة «يا» في أوّلها، والضّمة الّتي هي في الهاء هي ضمّة الاسم المنادى المفرد، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها «5» ، ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا ألله اغفر لي (بهمزة) ، ومنهم من يقول: يا الله (بغير همز) ، فمن حذف الهمزة فهو على السّبيل (المعتاد) في حذف الهمزة مع ياء النّداء، ومن همزها فعلى توهّم أصالتها نظرا لعدم سقوطها (في غير النّداء) «6» .
المعرفة اصطلاحا:
قال الكفويّ: المعرفة هي الإدراك المسبوق بالعدم، وتقال أيضا لثاني الإدراكين إذا تخلّلهما عدم، ولإدراك الأمر الجزئيّ أو البسيط «7» .
وقال الجرجانيّ: المعرفة إدراك الشّيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم، ولذلك يسمّى الحقّ تعالى بالعالم دون العارف «8» .
وقال صاحب التّوقيف (بعد أن ذكر تعريف
__________
(1) المعجم الكبير 1/ 433
(2) قوله «الله» يشير الغزالي إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الشريف الذي رواه مسلم (2677) عن أبي هريرة، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ لله- عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسما» .
(3) المقصد الأسنى ص 61
(4) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب 1/ 10
(5) لسان العرب 13/ 470 (ط. بيروت) ، وقد نسب هذا الرأي للخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بهم.
(6) بتصرف يسير عن المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(7) الكليات للكفوي ص 824
(8) التعريفات ص 336(8/3435)
الجرجانيّ) : المعرفة عند القوم سموّ اليقين، وقيل:
سقوط الوهم لوضوح الاسم «1» .
وقال الفيروزاباديّ: المعرفة إدراك الشّيء بتفكّر وتدبّر لأثره، يقال: فلان يعرف الله، لأنّ معرفة البشر لله إنّما هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، وهي أخصّ من العلم «2» .
الفرق بين المعرفة والعلم:
قال الفيروزاباديّ: الفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظا ومعنى، أمّا من جهة اللّفظ ففعل المعرفة (عرف- يعرف ... ) يتعدّى لمفعول واحد، تقول عرفت زيدا، وفعل العلم (علم- يعلم ... ) يتعدّى لمفعولين، كما في قولك علمته مؤمنا، وإذا تعدّى لمفعول واحد كان بمعنى المعرفة كقولك: هذا أمر لا تعلمه أي لا تعرفه «3» .
أمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه:
الأوّل: المعرفة تتعلّق بذات الشّيء، والعلم يتعلّق بأحواله ولذلك جاء الأمر في القرآن بالعلم دون المعرفة، وذلك كما في قوله سبحانه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد/ 19) .
الثّاني: المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه فإذا أدركه قيل: عرفه وذلك كما في قوله تعالى: فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (يوسف/ 58) ، والمعرفة على هذا نسبة الذّكر النّفسيّ وهو حضور ما كان غائبا عن الذّاكر، ولذا فإنّ ضدّ المعرفة الإنكار وضدّ العلم الجهل.
الثّالث: أنّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره، ذلك أنّ التّمييز الحاصل عن المعرفة يرجع إلى إدراك الذّات وإدراك صفاتها، أمّا تمييز العلم فإنّه يرجع إلى تخليص الذّات وتخليص صفاتها من غيرها «4» .
الرّابع: المعرفة علم بعين الشّيء مفصّلا عمّا سواه، بخلاف العلم فإنّه قد يتعلّق بالشّيء مجملا «5» .
الخامس: وأضاف الكفويّ إلى ذلك فرقا آخر هو أنّ العلم أعمّ من المعرفة، فالمعرفة تقال فيما لا يعرف إلّا كونه موجودا فقط، والعلم يقال في ذلك وفي غيره «6» .
لفظ الجلالة اصطلاحا: «الله»
قال الغزاليّ: هو الاسم الدّالّ على الذّات الجامعة لصفات الإلهيّة كلّها حتّى لا يشذّ منها شيء،
__________
(1) انظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 310
(2) بصائر ذوي التمييز 4/ 47
(3) بصائر ذوي التمييز (بتصرف) وقد استبدلنا الأمثلة التي ذكرها الفيروزابادي، وهي أمثلة قرآنية تحتاج إلى التفسير بأمثلة مبسطة قصدا للإيجاز.
(4) ذكر الفيروزابادي فرقا آخر يتعلق بهذا الفرق ويرجع إليه وهو أنك إذا قلت: علمت زيدا لم تفد المخاطب شيئا لأنّه ينتظر أن تخبره على أي حال علمته، فإذا قلت: كريما أو شجاعا حصلت له الفائدة، وإذا قلت: عرفت زيدا استفاد المخاطب أنك أثبتّه وميّزته عن غيره ولم ينتظر شيئا، ولهذا الفرق أيضا علاقة بالتعدي واللزوم الراجعين إلى المجال اللغوي.
(5) بصائر ذوي التمييز (بتصرف واختصار) 4/ 49- 51
(6) الكليات ص 824(8/3436)
وسائر الأسماء لا يدلّ آحادها إلّا على آحاد المعاني، من علم وقدرة أو فعل أو غير ذلك، وهو أخصّ أسمائه تعالى، إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا، وسائر الأسماء قد يسمّى بها غيره، ولهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء «1» .
وقال السّفارينيّ: وهو (أي لفظ الجلالة) الاسم الأعظم عند أكثر أهل العلم، وعدم الإجابة لأكثر النّاس مع الدّعاء به لتخلّف بعض شروطه الّتي من أهمّها الإخلاص وأكل الحلال، وقد قدّم على الرّحمن الرّحيم (في البسملة) لأنّه اسم ذات في الأصل، وهما اسما صفة في الأصل والذّات متقدّمة على الصّفة «2» .
وقال مؤلّفو المعجم الكبير: الله: علم على الإله المعبود بحقّ، الجامع لكلّ صفات الكمال، وتفرّد سبحانه بهذا الاسم فلا يشركه فيه غيره «3» .
معرفة الله عزّ وجلّ اصطلاحا:
قال الكفويّ: المعرفة في اصطلاحهم: هي معرفة الله عزّ وجلّ بلا كيف ولا تشبيه «4» .
وقال بعضهم: معرفة الله عزّ وجلّ هي ثمرة التّوحيد، والمراد بها: معرفته عزّ وجلّ بصفاته الواجبة له مع تننزيهه عمّا يستحيل اتّصافه به، معرفة صحيحة ناشئة عن الأدلّة اليقينيّة «5» .
حكم معرفة الله عزّ وجلّ:
قال الكفويّ: معرفة الله عزّ وجلّ بالدّليل الإجماليّ فرض عين لا مخرج عنه لأحد من المكلّفين، وهي بالتّفصيل فرض كفاية لا بدّ أن يقوم به البعض «6» .
تفاضل الناس في المعرفة:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: أصل التّفاضل بين النّاس إنّما هو بمعرفة الله ومحبّته. وإذا كانوا يتفاضلون فيما يعرفونه من المعروفات، وإذا كانوا يتفاضلون في معرفة الملائكة وصفاتهم والتّصديق بهم، فتفاضلون في معرفة الله وصفاته والتّصديق به أعظم، وكذلك إن كانوا يتفاضلون في معرفة روح الإنسان وصفاتها، والتّصديق بها، أو في معرفة الجنّ وصفاتهم وفي التّصديق بهم، أو في معرفة ما في الآخرة من النّعيم والعذاب، فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته (أعظم) ، بل إن كانوا متفاضلين في معرفة أبدانهم وصفاتها، وصحّتها ومرضها، وما يتبع ذلك فتفاضلهم في معرفة الله تعالى أعظم وأعظم، إنّ كلّ ما يعلم ويقال يدخل في معرفة الله تعالى، إذلا موجود إلّا وهو خلقه وكلّ ما في المخلوقات من الصّفات والأسماء والأقدار والأفعال شواهد ودلائل على ما لله سبحانه من الأسماء الحسنى والصّفات العلى، وكلّ
__________
(1) المقصد الأسنى ص 60
(2) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب 1/ 10
(3) المعجم الكبير، تأليف لجنة من أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة (انظر قائمة المراجع) .
(4) الكليات ص 825
(5) انظر توضيح العقيدة المفيدة في علم التوحيد ص 7
(6) الكليات ص 825، والمراد بالمعرفة التفصيلية معرفة ما جاء به القرآن الكريم والسّنّة المطهرة عن الله- عزّ وجلّ- وأسمائه وصفاته، لا ما ادخره الله في علم الغيب عنده.(8/3437)
كمال في المخلوقات من أثر كماله، وكلّ كمال ثبت لمخلوق فالخالق أحقّ به، وكلّ نقص تنزّه عنه مخلوق فالخالق أحقّ بتنزيهه عنه، لقد ثبت في الحديث الشّريف أنّ لله أسماء استأثر بها «1» في علم الغيب عنده، وأسماء الله متضمّنة لصفاته، وليست أسماء أعلام محضة، وإذا كان من أسمائه ما اختصّ هو بمعرفته، ومن أسمائه ما خصّ به ما شاء من عباده، علم أنّ تفاضل النّاس في معرفته أعظم من تفاضلهم في معرفة كلّ ما يعرفونه «2» .
طرق المعرفة بالله عزّ وجلّ:
قال ابن القيّم: الرّبّ تعالى يدعو عباده في القرآن الكريم إلى معرفته من طريقين:
أحدهما: النّظر في مفعولاته.
والثّاني: التّفكّر في آياته وتدبّرها، فتلك «3» وهذه آياته المسموعة المعقولة.
فالنّوع الأوّل كقوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ (البقرة/ 164) ، وقوله عزّ من قائل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) . ومثل هذا كثير في القرآن «4» .
الثّاني: كقوله سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (النساء/ 82) .
وقوله عزّ من قائل: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون/ 68) ، وقوله سبحانه: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ (ص/ 29) وهو كثير أيضا «5» .
فأمّا المفعولات فإنّها دالّة على الأفعال، والأفعال دالّة على الصّفات، فإنّ المفعول يدلّ على فاعل فعله، وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لاستحالة صدور الفعل الاختياريّ من معدوم، أو موجود لا قدرة له ولا حياة، ولا علم ولا إرادة، ثمّ ما في المفعولات من التّخصيصات المتنوّعة دالّ على إرادة الفاعل، وأنّ فعله ليس بالطّبع بحيث يكون واحدا غير متكرّر، وما فيها «6» من المصالح
__________
(1) جاء في الحديث الذي رواه ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم « ... أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقلك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ... إلخ» انظر الحديث. كلاملا في مجمع الزوائد 10/ 136، وفي المسند 5 (3712) ، قال شاكر: إسناده صحيح.
(2) بتصرف واختصار عن الفتاوى 7/ 569- 571
(3) تلك: إشارة إلى مفعولات الله أي مخلوقاته، وهذه: إشارة إلى آي القرآن الكريم.
(4) ذكر الإمام الغزالي في الإحياء آيات أخرى عديدة ورد فيها ذكر عجائب صنعته سبحانه، ثم قال: ليس يخفى على من له أدنى مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسماوات، وبدائع فطرة الحيوانات والنبات، أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره، وفاعل يحكمه ويقدره، بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرّفة بمقتضى تدبيره (إحياء علوم الدين 1/ 105) .
(5) انظر صفة تدبر القرآن.
(6) أي ما في مصنوعات الله ومخلوقاته.(8/3438)
والحكم والغايات المحمودة دالّ على حكمته تعالى، وما فيها من النّفع والإحسان والخير دالّ على رحمته، وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دالّ على غضبه، وما فيها من الإكرام والتّقريب والعناية دالّ على محبّته، وما فيها من الإهانة والإبعاد والخذلان دالّ على بغضه ومقته، وما فيها من ابتداء الشّيء في غاية النّقص والضّعف ثمّ سوقه إلى تمامه ونهايته دالّ على وقوع المعاد، وما فيها من أحوال النّبات والحيوان (وتصريف الرّياح والسّحاب والمياه) دليل على إمكان المعاد، وما فيها من ظهور آثار الرّحمة والنّعمة على خلقه دليل على صحّة النّبوّات، وما فيها من الكمالات الّتي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أنّ معطي تلك الكمالات أحقّ بها، فمفعولاته من أدلّ شيء على صفاته، وصدق ما أخبرت به رسله عنه، وهي شاهدة تصدّق الآيات المسموعات، ومنبّهة على الاستدلال بالآيات المصنوعات قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت/ 53) ، أي إنّ القرآن حقّ، وقد أخبر سبحانه أنّه لا بدّ أن يريهم من آياته المشهودة ما يبيّن لهم أنّ آياته المتلوّة حقّ، ثمّ أخبر بكفاية شهادته على صحّة خبره بما أقام من الدّلائل والبراهين على صدق رسوله، فآياته (الكونيّة) شاهدة بصدقه وهو (أي القرآن) شاهد بصدق رسوله بآياته (المتلوّة) ، فهو عزّ وجلّ الشّاهد والمشهود له، وهو الدّليل والمدلول عليه، وهو سبحانه أعرف من كلّ معروف، وأبين من كلّ دليل، فالأشياء عرفت به في الحقيقة، وإن كان عرف بها في النّظر والاستدلال «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإسلام الحكمة- العلم- الفطنة- النظر والتبصر- البصيرة- التدبر- العبادة- التفكر- التذكر- التأمل- الفقه.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجهل- السفاهة- الكفر- الإعراض- البلادة والغباء- الضلال- الغي والإغواء- نكران الجميل- اتباع الهوى- التفريط والإفراط] .
__________
(1) الفوائد لابن القيم بتصرف ص 31- 33(8/3439)
الآيات الواردة في «معرفة الله عزّ وجلّ»
1- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)
وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «1»
2- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) «2»
3-* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «3»
4- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) «4»
__________
(1) البقرة: 87- 90 مدنية
(2) البقرة: 145- 147 مدنية
(3) المائدة: 82- 85 مدنية
(4) الأنعام: 20 مكية(8/3440)
5- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) «1»
6- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «2»
الآيات الواردة في «معرفة الله- عزّ وجلّ-» معنى
7- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) «3»
8- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «4»
9- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) «5»
10- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «6»
11- وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا
__________
(1) النحل: 82- 83 مكية
(2) النمل: 91- 93 مكية
(3) البقرة: 72- 73 مدنية
(4) البقرة: 259 مدنية
(5) النساء: 78 مدنية
(6) الأنعام: 65 مكية(8/3441)
مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) «1»
12- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) «2»
13- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «3»
14- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) «4»
15- المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) «5»
16- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
__________
(1) الأنعام: 99 مكية
(2) الأعراف: 146 مكية
(3) الأعراف: 182- 185 مكية
(4) يونس: 101 مكية
(5) الرعد: 1- 2 مدنية(8/3442)
وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «1»
17- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «2»
18- قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23)
قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25)
قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) «3»
19- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)
وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «4»
20- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «5»
21- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «6»
22- فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ
__________
(1) النحل: 10- 18 مكية
(2) الإسراء: 44 مكية
(3) الشعراء: 23- 28 مكية
(4) النمل: 13- 14 مكية
(5) القصص: 71- 73 مكية
(6) الروم: 8- 10 مكية(8/3443)
وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «1»
23- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) «2»
24- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23)
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «3»
25- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «4»
26- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79)
__________
(1) الروم: 17- 24 مكية
(2) الروم: 48- 50 مكية
(3) السجدة: 23- 27 مكية
(4) غافر: 13 مكية(8/3444)
وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)
وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «1»
27- وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) «2»
28- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) «3»
29- وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30)
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) «4»
30- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) «5»
31- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «6»
__________
(1) غافر: 79- 82 مكية
(2) فصلت: 37- 39 مكية
(3) فصلت: 53- 54 مكية
(4) الشورى: 28- 34 مكية
(5) الجاثية: 3- 6 مكية
(6) الجاثية: 20 مكية(8/3445)
32- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6)
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) «1»
33- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22)
فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) «2»
34- أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) «3»
__________
(1) ق: 6- 11 مكية
(2) الذاريات: 20- 23 مكية
(3) الغاشية: 17- 20 مكية(8/3446)
الأحاديث الواردة في (معرفة الله- عز وجل-)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام- أو يا غليّم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا
أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه. واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله عزّ وجلّ، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم» ) * «2» .
3-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السّراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفّح، فأمّا القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره، وأمّا القلب الأغلف فقلب الكافر، وأمّا القلب المنكوس فقلب المنافق، عرف ثمّ أنكر، وأمّا القلب المصفّح فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدّها الماء الطّيّب، ومثل النّفاق فيه كمثل القرحة يمدّها القيح والدّم، فأيّ المدّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» ) * «3» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم» . قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟، وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» . قالوا:
__________
(1) المسند (1/ 307) ، وهو في نسخة الشيخ أحمد شاكر رقم (2804) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: رواه أحمد بثلاثة أسانيد أحدها صحيح متصل (وهو الذي عولنا عليه هنا) ، ورواه أيضا الترمذي برقم (2516) بلفظ مختلف، وقال: حسن صحيح.
(2) مسلم (31) .
(3) المسند (3/ 17) ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (11135) .(8/3447)
لا. يا رسول الله! قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «1» . إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن ليتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «2» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟. قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله.
فيقال: كذبتم، ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟. قالوا: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. فيشار إليهم:
ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب «3» يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النّار. ثمّ يدعى النّصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟
فيقولون: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. قال فيشار إليهم:
ألا تردون؟. فيحشرون إلى جهنّم كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا «4» فيتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر، أتاهم ربّ العالمين- سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربّنا فارقنا النّاس في الدّنيا أفقر ما كنّا إليهم «5» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون:
نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب «6» . فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق «7» . فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسّجود. ولا يبقى من كان يسجد اتّقاء ورياء إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة «8» .
كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه. ثمّ يرفعون
__________
(1) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.
(2) وغبّر أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر.
(3) كأنها سراب: السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
(4) يحطم بعضها بعضا: معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك. والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها.
(5) فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم: معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم.
(6) ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.
(7) فيكشف عن ساق: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها. وهما صحيحان.
(8) ظهره طبقة واحدة: قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى.(8/3448)
رؤوسهم، وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فقال: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. ثمّ يضرب الجسر على جهنّم. وتحلّ الشّفاعة «1» . ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم» . قيل: يا رسول الله وما الجسر؟
قال: «دحض مزلّة «2» فيه خطاطيف وكلاليب وحسك «3» . تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان. فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالرّيح وكالطّير وكأجاويد الخيل والرّكاب «4» . فناج مسلّم. ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنّم «5» .
حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله، في استقصاء الحقّ «6» ، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم. فتحرّم صورهم على النّار. فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النّار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه. ثمّ يقولون: ربّنا ما بقي فيها أحد ممّن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير «7» فأخرجوه.
فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها أحدا ممّن أمرتنا. ثمّ يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها ممّن أمرتنا أحدا. ثمّ يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرا «8» » . وكان أبو سعيد الخدريّ يقول: إن لم تصدّقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) » . فيقول الله- عزّ وجلّ-: شفعت الملائكة وشفع النّبيّون وشفع المؤمنون. ولم يبق إلّا أرحم
__________
(1) ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة: الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان: وهو الصراط. ومعنى تحل الشفاعة: بكسر الحاء وقيل بضمها: أي تقع ويؤذن فيها.
(2) دحض مزلة: الدحض والمزلة بمعنى واحد. وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر. ومنه: دحضت الشمس أي مالت. وحجة داحضة أي لا ثبات لها.
(3) فيها خطاطيف وكلاليب وحسك: أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد والكلاليب بمعناه. وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد.
(4) وكأجاويد الخيل والركاب: من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال في النهاية: الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي. والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها. فهو عطف على الخيل. والخيل جمع الفرس من غير لفظه.
(5) ناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم: معناه أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص. وقسم يكدس ويلقى فيسقط في جهنم. قال في النهاية: وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا.
(6) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.
(7) من خير: قال القاضي عياض- رحمه الله-: قيل: معنى الخير هنا اليقين. قال: والصحيح إن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان. لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق، لا يتجزأ. وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة.
(8) لم نذر فيها خيرا: هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير.(8/3449)
الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «1» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد عادوا حمما «2» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «3» يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «4» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر. ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظّلّ يكون أبيض «5» ؟» . فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «6» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «7» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة، فما رأيتموه، فهو لكم.
فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين.
فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟. فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «8» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال أناس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فهل تضارّون في رؤية الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا:
لا. قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته الّتي يعرفون فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه ... الحديث» ) * «9» .
__________
(1) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة.
(2) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
(3) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
(4) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.
(5) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
(6) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ.
(7) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله.
(8) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح (806) ، ومسلم (299) واللفظ له.(8/3450)
الأحاديث الواردة في (معرفة الله- عز وجل-) معنى
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه ثمّ يقول: «إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (معرفة الله- عز وجل-)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (الأعراف/ 172) قال: إنّ الله تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن فخرجت كلّ نفس مخلوقة للجنّة بيضاء نقيّة، فقال: هؤلاء أهل الجنّة ثمّ ضرب منكبه الأيسر فخرجت كلّ نفس مخلوقة للنّار سوداء، فقال: هؤلاء أهل النّار، ثمّ أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره والتّصديق به وبأمره وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدّقوا وعرفوا وأقرّوا وبلغني أنّه أخرجهم على كفّه أمثال الخردل) * «2» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (الأنعام/ 75) إنّه تعالى جلّى له الأمر سرّه وعلانيته فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلمّا جعل يلعن أصحاب الذّنوب قال الله: إنّك لا تستطيع هذا، فردّه كما كان قبل ذلك. قال ابن كثير: فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتّى رأى ذلك عيانا ويحتمل أن يكون كشف عن بصيرته حتّى شاهده بفؤاده وتحقّقه وعرفه وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدّلالات القاطعة كما رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ وصحّحه عن معاذ بن جبل في حديث المنام «أتاني ربّي في أحسن صورة فقال: يا محمّد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت:
لا أدري يا ربّ، فوضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت ذلك» ) * «3» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (20) ، قال ابن حجر: كذا في رواية أبي ذر، وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه، وفي رواية الأصيلي: «أعرفكم» وكأنه مذكور بالمعنى حملا على ترادفهما هنا، وهو ظاهر هنا وعليه عمل المصنف.
(2) تفسير الطبري مجلد 6 ج 9 ص 78
(3) ابن كثير ج 2 ص 156(8/3451)
3-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قول الله عزّ وجلّ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام/ 79) ، نُورٌ عَلى نُورٍ (النور/ 35) قال:
كذلك قلب المؤمن يعرف الله عزّ وجلّ ويستدلّ عليه بقلبه، فإذا عرفه ازداد نورا على نور، وكذا إبراهيم عليه السّلام عرف الله عزّ وجلّ بقلبه واستدلّ عليه بدلائله، فعلم أنّ له ربّا وخالقا، فلمّا عرّفه الله عزّ وجلّ بنفسه ازداد معرفة فقال أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ (الأنعام/ 80)) * «1» .
4-* (وعنه أيضا- رضي الله عنه-: أفضل العبادة الفقه في الدّين، والحقّ سبحانه وتعالى جعل الفقه صفة القلب فقال: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها (الأعراف/ 179) ، فلمّا فقهوا علموا، ولمّا علموا عملوا، ولمّا عملوا عرفوا، ولمّا عرفوا اهتدوا، فكلّ من كان أفقه كانت نفسه أسرع إجابة وأكثر انقيادا لمعالم الدّين وأوفر حظّا من نور اليقين، فالعلم جملة موهوبة من الله للقلوب والمعرفة تميّز تلك الجملة) * «2» .
5-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: رحم الله تعالى صهيبا لو لم يخف الله لم يعصه، يعني لو كتب له كتاب الأمان من النّار حمله صرف «3» المعرفة بعظيم أمر الله على القيام بواجب حقّ العبوديّة) * «4» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: اختصم رجلان، فدارت اليمين على أحدهما، فحلف بالله الّذي لا إله إلّا هو ما له عليه حقّ فنزل جبريل فقال: مره فليعطه حقّه، فإنّ الحقّ قبله، وهو كاذب، وكفّارة يمينه معرفته بالله أنّه لا إله إلّا هو، أو شهادته أنّه لا إله إلّا هو) * «5» .
7-* (قال البخاريّ: وباب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «أنا أعلمكم بالله» وأنّ المعرفة فعل القلب لقول الله تعالى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (البقرة/ 225)) * «6» .
8-* (قال النّوويّ في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة ... إلى آخره» : أمّا العبادة، فهي: الطّاعة مع خضوع، فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا: معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيّته، فعلى هذا يكون عطف الصّلاة والصّوم والزّكاة عليها لإدخالها في الإسلام.
فإنّها لم تكن دخلت في العبادة، وعلى هذا إنّما اقتصر على هذه الثّلاث لكونها من أركان الإسلام وأظهر شعائره والباقي ملحق بها) * «7» .
__________
(1) تفسير القرطبي 7/ 219
(2) إحياء علوم الدين وكتاب عوارف المعارف للسهروردي ص 46 (ط. دار المعرفة، بيروت) .
(3) صرف المعرفة: أي المعرفة الصّرفة بمعنى المعرفة المجرّدة.
(4) إحياء علوم الدين وكتاب عوارف المعارف للسهروردي ص 58 (ط. دار المعرفة، بيروت) .
(5) المسند 1/ 322، ونسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (2959) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(6) الفتح 1/ 88
(7) صحيح مسلم في شرح الحديث رقم (7) ص 196(8/3452)
9-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: أخوف النّاس لربّه أعرفهم بنفسه وبربّه، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم:
«أنا أخوفكم لله» ، وكذلك قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) ثمّ إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب) * «1» .
10-* (وقال أيضا: الخوف من المعصية خوف الصّالحين، والخوف من الله خوف الموحّدين والصّدّيقين وهو ثمرة المعرفة بالله تعالى، وكلّ من عرفه وعرف صفاته علم من صفاته ما هو جدير بأن يخاف من غير جناية) * «2» .
11-* (وقال- رحمه الله- كذلك: لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلّا بتحصيل محبّته والأنس به في الدّنيا، ولا تحصل المحبّة إلّا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلّا بدوام الفكر) * «3» .
12-* (وقال أيضا: من عرف الله تعالى عرف أنّه يفعل ما يشاء ولا يبالي، ويحكم ما يريد ولا يخاف) * «4» .
13-* (قال ابن القيّم: اعلم أنّ الله تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب، ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى وهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه. والمثل الأعلى من معرفته ومحبّته وتوحيده مستو على سرير القلب وعلى السّرير بساط من الرّضا، ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره. وفتح إليه بابا من جنّة رحمته والأنس به والشّوق إلى لقائه. وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرّياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطّاعات. والتّهليل والتّسبيح والتّحميد والتّقديس. وجعل في وسط البستان شجرة معرفته تعالى، فهي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها من المحبّة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه وأجرى إلى تلك الشّجرة ما يسقيها من تدبّر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه، وعلّق في ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده فهو يستمدّ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ (النور/ 35)) * «5» .
14-* (قال بعضهم: من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة، فمن ازدادات معرفته زادت هيبته.
وقال أيضا: المعرفة توجب السّكينة. وقيل: علامتها أن يحسّ بقرب قلبه من الله فيجده قريبا منه) * «6» .
15-* (وقال الشّبليّ: ليس لعارف علاقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لعبد دعوى، ولا لخائف قرار، ولا لأحد من الله فرار) * «7» .
__________
(1) إحياء علوم الدين ج 4 ص 164
(2) المرجع السابق ج 4 ص 167
(3) المرجع السابق ج 4 ص 168 (ط. دار الريان، القاهرة) .
(4) المرجع السابق، ص 177
(5) الفوائد ص 242، 243
(6) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 52
(7) المرجع السابق، نفسه، الصفحة نفسها.(8/3453)
16-* (قال الفيروزاباديّ (تعقيبا على كلام الشّبليّ في الأثر السّابق) : وهذا كلام جيّد، فإنّ المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلّها، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه علاقة لغيره، ولا تمرّ به العلائق إلّا وهي مجتازة) * «1» .
17-* (وقال أحمد بن عاصم: من كان بالله أعرف كان من الله أخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) .
وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعرفكم بالله وأشدّكم له خشية» ) * «2» .
18-* (وقال هرم بن حيّان: المؤمن إذا عرف ربّه عزّ وجلّ أحبّه، وإذا أحبّه أقبل إليه) * «3» .
19-* (وقال أيضا: من عرف نفسه وعرف ربّه عرف قطعا أنّه لا وجود له من ذاته إنّما وجود ذاته ودوام وجوده وكمال وجوده من الله وإلى الله وبالله) * «4» .
20-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: من عرف ربّه أحبّه، ومن عرف الدّنيا زهد فيها، ومن خلا عن الحبّ هذا فلأنّه اشتغل بنفسه وشهواته وذهل عن ربّه وخالقه فلم يعرفه حقّ معرفته وقصر نظره على شهواته ومحسوساته) * «5» .
21-* (وقال ذو النّون: الزّهّاد ملوك الآخرة، وهم فقراء العارفين) *.
22-* (سئل الجنيد عن العارف فقال: لون الماء لون إنائه. وهذه كلمة رمز بها إلى حقيقة العبوديّة، وهو أنّه يتلّون في أقسام العبوديّة، فبينا تراه مصلّيا، إذ رأيته ذاكرا أو قارئا، أو متعلّما، أو معلّما، أو مجاهدا، أو حاجّا، أو مساعدا للضّعيف، أو معينا للملهوف، فيضرب في كلّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب، ومع المتعلّمين متعلّم، ومع الغزاة غاز، ومع المصلّين مصلّ، ومع المتصدّقين متصدّق. وهكذا ينتقل في منازل العبوديّة من عبوديّة إلى عبوديّة، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إلى غيره) * «6» .
23-* (وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أركان: الهيبة، والحياء، والأنس) *.
24-* (وقيل: العارف ابن وقته. وهذا من أحسن الكلام وأخصره، فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار في العدم، وعمّا لم يدخل بعد في الوجود، فهمّه عمارة وقته الّذي هو مادّة حياته الباقية. ومن علاماته أنّه مستوحش ممّن يقطعه عنه. ولهذا قيل:
__________
(1) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 25.
(2) المرجع السابق، نفسه، الصفحة نفسها.
(3) الإحياء ج 4 ص 313 (ط. الريان) .
(4) المرجع السابق، ج 4 ص 318
(5) المرجع السابق، ص 318، 319
(6) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 55(8/3454)
العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلّ لله فأعزّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغفر بالله فأحوجهم إليه) *.
25-* (وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول. يعني: أنّ العالم علمه أوسع من حاله وصفته والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره) * «1» .
26-* (قال الفيروزاباديّ: وعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الّذي دعا إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى فيها سبحانه والدّار الآخرة والجنّة والنّار والملائكة والرّسل، كما قيل:
إذا سكن الغدير على صفاء ... فيشبه أن يحرّكه النّسيم
بدت فيه السّماء بلا مراء ... كذاك الشّمس تبدو والنّجوم
كذاك قلوب أرباب التجلّي ... يرى في صفوها الله العظيم
ومن علامات المعرفة أن يبدو لك الشّاهد وتفنى الشّواهد، وتنجلي العلائق وتنقطع العوائق، وتجلس بين يدي الرّبّ، وتقوم وتضطجع على التّأهّب للقائه كما يجلس الّذي قد شدّ
أحماله وأزمع السّفر، على تأهّب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه.
ومن علامات العارف: أنّه يأسف على فائت ولا يفرح بآت ولأنّه ينظر في الأشياء الفناء والزّوال، وأنّها في الحقيقة كالظّلال والخيال. وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفا حتّى يكون كالأرض يطؤها البرّ والفاجر، وكالسّحاب يظلّ كلّ شيء، وكالمطر يسقي ما يحبّ وما لا يحبّ) * «2» .
27-* (وقال يحيى بن معاذ: يخرج العارف من الدّنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أحسن ما قيل، لأنّه يدلّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإزراء على نفسه، لهج بالثّناء على ربّه) * «3» .
28-* (وقال أبو يزيد: إنّما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم، والوقوف مع ما له. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر:
لا يكون العارف عارفا حتّى لو أعطي ملك سليمان لم يشغله عن الله طرفة عين. وهذا يحتاج إلى شرح، فإنّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله) * «4» .
29-* (حكى الفيروزاباديّ عن بعضهم قوله: من عرف الله ضاقت عليه الأرض بسعتها.
وقال غيره: من عرف الله اتّسع عليه كلّ ضيق.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 54
(2) المرجع السابق ج 4 ص 53
(3) المرجع السابق ج 4 ص 54
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(8/3455)
قال الفيروزاباديّ: ولا تنافي بين هذين الكلامين فإنّه يضيق عليه كلّ مكان لاتّساعه فيه على شأنه ومطلوبه، ويتّسع له ما ضاق على غيره لأنّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه، فقلبه غير محبوس فيه.
والأوّل في بداية المعرفة، والثّاني في غايتها الّتي يصل إليها العبد.
وقال: من عرف الله تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلّ شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنس بالله) * «1» .
30-* (وقال غيره: من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلّ عين، ومن لم يعرف الله تقطّع قلبه على الدّنيا حسرات، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه) * «2» .
31-* (قال ابن الجوزيّ: من ذاق طعم المعرفة وجد طعم المحبّة، فالرّضا من جملة ثمرات المعرفة، فإذا عرفته سبحانه رضيت بقضائه) * «3» .
32-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: ليس في الدّنيا ولا في الآخرة أطيب عيشا من العارفين بالله تعالى، فإنّ العارف به مستأنس به في خلوته، فإن عمّت نعمة علم من أهداها، وإن مرّ مرّ حلا مذاقه في فيه لمعرفته بالمبتلي، وإن سأل فتعوّق مقصوده، صار مراده ما جرى به القدر، علما منه بالمصلحة، بعد يقينه بالحكمة، وثقته بحسن التّدبير) * «4» .
من فوائد (معرفة الله- عز وجل-)
(1) معرفة الله عزّ وجلّ هي أساس الإيمان به، والتّصديق برسله، وما أرسلوا به.
(2) معرفة الله عزّ وجلّ تورث السّكينة والرّضا، وتبعد عن العبد السّخط والغضب.
(3) العارف بالله تعالى من أطيب النّاس عيشا.
(4) المعرفة بالله عزّ وجلّ تورث محبّته سبحانه.
(5) معرفة الله عزّ وجلّ هي جماع السّعادة في الدّنيا والآخرة.
(6) من عرف الله عزّ وجلّ في الرّخاء عرفه الله عزّ وجلّ في شدّته وأنقذه منها.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز ج 4 ص 52
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) صيد الخاطر ص 102
(4) المرجع السابق ص 158(8/3456)
(7) المعرفة في قلب المؤمن سراج ينير طريقه، أمّا معرفة المنافق الّتي يعقبها إنكار فإنّها تجعل قلبه منكوسا.
(8) العارفون بالله يوم القيامة يهديهم ربّهم بإيمانهم فيتّبعونه عندما يأتيهم في صورته الّتي يعرفونها (الحديث رقم 5) .
(9) العارفون بالله تعالى لهم أوفر حظّ من نور اليقين وأصحاب اليقين هم الفائزون في الدّنيا والآخرة.
(10) المعرفة تورث الخوف من الله عزّ وجلّ وتؤدّي إلى الخشية منه والبعد عن معاصيه.
(11) من ثمرات المعرفة الإقبال على الله عزّ وجلّ.
(12) قلب العارف يزداد نورا على نور.(8/3457)
المواساة
المواساة لغة:
المواساة مصدر قولهم: واسيته وهي لغة في آسيته، يقول ابن فارس: الهمزة والسّين والواو أصل واحد يدلّ على المداواة والإصلاح.
يقال: أسوت الجرح إذا داويته، ولذلك يسمّى الطّبيب الآسي.
قال الحطيئة:
هم الآسون أمّ الرّأس لمّا ... تواكلها الأطبّة والإساء
ويقال: أسوت بين القوم، إذا أصلحت بينهم، ومن هذا الباب قولهم: لي في فلان أسوة (بضمّ الهمزة وكسرها) ، أي قدوة، أي أنّي أقتدي به، وأسّيت فلانا إذا عزّيته من هذا، أي قلت له: ليكن لك بفلان أسوة فقد أصيب بمثل ما أصبت به فرضي وسلّم، ومن هذا الباب آسيته بنفسي (وواسيته) .
وقال الرّاغب: الأسو: إصلاح الجرح وأصله:
إزالة الأسى، والآسى: طبيب الجرح، جمعه: إساء وأساة، والمجروح مأسيّ وأسيّ معا، ويقال آسيته (أصلحته) ، قال الشّاعر:
آسى أخاه بنفسه.
وقال: آخر:
فآسى وآذاه فكان كمن جنى.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
27/ 15 وقال الجوهريّ: في مادّة (وس ى) : وواساه لغة ضعيفة في آساه، تبنى على يواسي، وقد استوسيته:
أي قلت له واسني، وقال في مادّة (أسا) يقال: آسيته بمالي مواساة، أي جعلته أسوتي فيه، والإسوة والأسوة (بالكسر والضّمّ) هي ما يأتسي به الحزين ويتعزّى به، والجمع إسى وأسى، ثمّ سمّي الصّبر أسى، وتآسوا:
أي آسى بعضهم بعضا، والأسى: المداواة والعلاج، وهو الحزن أيضا والإساء: الدّواء بعينه والإساء (أيضا) الأطبّة. جمع الآسي.
وقال ابن منظور: الأسا (مفتوح مقصور) المداواة والعلاج، وهو الحزن أيضا، وأسا الجرح أسوا وأسا: داواه، والأسوّ على فعول: دواء تأسو به الجرح، ويقال: أسا بينهم أسوا أصلح، وتآسوا أي آسى بعضهم بعضا، قال الشّاعر:
وإنّ الألى بالطّفّ من آل هاشم ... تآسوا فسنّوا للكرام التّآسيا
قال ابن برّيّ: وهذا البيت تمثّل به مصعب (بن الزّبير) يوم قتل، وتآسوا فيه من المؤاساة لا من التّأسّي، والمواساة: المساواة والمشاركة في المعاش والرّزق وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا وفي حديث الحديبية:
إنّ المشركين واسونا للصّلح، جاء به على التّخفيف، وعلى الأصل جاء الحديث الآخر: ما أحد عندي(8/3458)
أعظم يدا من أبي بكر آساني بنفسه وماله، ويقال: آساه بماله: أناله منه وجعله فيه أسوة، وقيل لا يكون منه ذلك إلّا من كفاف، فإن كان من فضلة فليس بمؤاساة.
قال أبو طالب: أصل الكلمة إمّا أن يكون أساه يأسوه، إذا عالجه وداواه، وإمّا أن يكون من آس يئوس: إذا عاض، فأخّر الهمزة وليّنها ولكلّ مقال.
وأمّا قولهم: واساه فلغة ضعيفة في آساه. وقال أبو بكر في قولهم: ما يواسي فلان فلانا ثلاثة أقوال:
أحدها: ما يشارك فلان فلانا فالمواساة المشاركة. وأنشد لهذا المعنى:
فإن يك عبد الله آسى ابن أمّه ... وآب بأسلاب الكميّ المغاور
وثانيها: ما يصيبه بخير. من قول العرب: آس فلانا بخير أي أصبه.
ثالثها: ما يعوّضه من مودّته ولا قرابته شيئا أي ما يعوّضه وهو مأخوذ من الأوس وهو العوض.
ويقال: قد استوسيته: أي قلت له: واسني «1» .
واصطلاحا:
قال ابن مسكويه: المواساة: معاونة الأصدقاء والمستحقّين ومشاركتهم في الأموال والأقوات «2» .
وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: المواساة: أن يجعل صاحب المال يده ويد صاحبه في ماله سواء «3» .
وقال غيرهما: المواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرّزق «4» .
أنواع المواساة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: المواساة للمؤمنين أنواع:
الأوّل: مواساة بالمال.
الثّاني: مواساة بالجاه.
الثّالث: مواساة بالبدن والخدمة.
الرّابع: مواساة بالنّصيحة والإرشاد.
الخامس: مواساة بالدّعاء والاستغفار لهم.
السّادس: مواساة بالتّوجّع لهم.
قال: وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلّما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلّما قوي قويت، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم النّاس مواساة لأصحابه بذلك، فلا أتباعه من المواساة بحسب اتّباعهم له، ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وقد تجرّد وهو ينتفض، فقالوا: ما هذا يا أبا نصر؟
فقال: ذكرت الفقراء وبردهم، وليس لي ما أواسيهم، فأحببت أن أواسيهم في بردهم» «5» .
وهذا النّوع الأخير الّذي يعني المشاركة إنّما يرمي إلى جبر خاطر المحتاجين عندما يتعذّر القيام بسدّ هذه الحاجة، وفي هذا ما يعينهم على الرّضا الصّبر وتحمّل المشاقّ.
__________
(1) تهذيب اللغة للأزهرى (13/ 138- 139) . ولسان العرب (8/ 4840) . والصحاح (6/ 2524) . وتاج العروس (10/ 390- 391) ومقاييس اللغة (1/ 107) ، المفردات (18) .
(2) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (3/ 31) .
(3) الفتح (7/ 25) .
(4) لسان العرب لابن منظور (1/ 82) ط. دار المعارف.
(5) الفوائد ص 224(8/3459)
من المواساة جبر خاطر المسلم وإدخال السّرور على قلبه:
لمّا كانت المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه في المال والجاه أو الخدمة والنّصيحة.. أو غير ذلك فإنّ من المواساة مشاركة المسلم في مشاعره خاصّة في أوقات حزنه، وعند تعرّضه لما يعكّر صفوه، وهنا فإنّ إدخال السّرور عليه وتطييب خاطره بالكلمة الطّيّبة، أو المساعدة الممكنة بالمال أو الجاه، أو المشاركة الوجدانيّة هو من أعظم المواساة وأجلّ أنواعها، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يواسي بالقليل والكثير «1» ، وقد علّمنا؟ أنّ من أقال مسلما من عثرته أقال الله عثرته «2» ، وأنّ الله عزّ وجلّ لا يزال في حاجة العبد مادام العبد في حاجة أخيه «3» .
إنّ حاجة المسلم تتنوّع وتختلف من موقف إلى آخر، فهناك من تكون حاجته إلى المال، وهناك من تكون حاجته إلى عمل أو وظيفة، وهناك من تكون حاجته إلى كلمة طيّبة، وهناك من تكون حاجته إلى دفع الظّلم عنه، وهناك من تكون حاجته إلى مشاركة النّاس له في أتراحه أو أفراحه، وهناك من تكون حاجته في وضع الدّين عنه أو إرجائه، إلى غير ذلك من الحاجات وكلّ ذلك يدخل في إطار القاعدة العامّة للمواساة، وهي أن يكون المسلم في حاجة أخيه، وعلى المسلم أن يعرف أنّ فائدة هذه المواساة لا ترجع إلى صاحب الحاجة (المواسى) فقط، وإنّما تشمل أيضا المواسي لأنّ الله عزّ وجلّ يقف إلى جانبه ويكون في حاجته، هذا في الدّنيا، ويجازيه عليها أفضل جزاء يوم القيامة، وقد أخبر الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم أنّ من لقي أخاه بما يحبّ ليسرّه بذلك سرّه الله عزّ وجلّ يوم القيامة «4» ، لقد حفلت سير أعلام النّبلاء بنماذج مشرّفة من المواساة، ومن تأمّل هذه الصّفحات المشرقة الّتي حفلت بها سير هؤلاء يتّضح أنّ مجالسة المساكين والتّحدّث معهم فيه جبر خاطرهم وإدخال السّرور عليهم «5» ، وإذا كان الإنسان واجدا فإنّه كان يتكفّل بنفقة هؤلاء وإعالتهم مع المحافظة على كرامتهم وتقديم المعونة لهم سرّا «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- الإنفاق- البر- بر الوالدين- تفريج الكربات- حق الجار- السخاء- صلة الرحم- عيادة المريض- كفالة اليتيم تكريم الإنسان- الكرم- الجود- الصدقة.
وفي ضد ذلك انظر صفات: الأثرة- البخل- التخاذل- الشح- الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- قطيعة الرحم- عقوق الوالدين- الكنز] .
__________
(1) انظر الحديث رقم 21
(2) انظر الحديث رقم 12
(3) انظر الحديث رقم 11
(4) انظر الحديث رقم 22
(5) انظر الأثر رقم 11
(6) انظر الأثر رقم 9(8/3460)
الأحاديث الواردة في (المواساة)
1-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر» فسلّم وقال: يا رسول الله إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء «فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر» (ثلاثا) ثمّ إنّ عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر (أي تذهب نضارته من الغضب) حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال:
يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر:
صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» (مرّتين) فما أوذي بعدها) * «1» .
2-* (عن أنس قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم» ) * «2» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثّناء. قالت: فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشّدق، قد أبدلك الله- عزّ وجلّ- بها خيرا منها. قال: «ما أبدلني الله- عزّ وجلّ- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بمالها إذ حرمني النّاس، ورزقني الله عزّ وجلّ- ولدها إذ حرمني أولاد النّساء» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (المواساة) معنى
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت شعب الأنصار أو وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» فقال أبو هريرة: فما ظلم بأبي وأمّي صلّى الله عليه وسلّم، لآووه ونصروه، قال: وأحسبه قال: وواسوه) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3661) .
(2) الترمذي (2487) وقال: حسن صحيح، واللفظ له، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 227) وقال: رواه أحمد على شرط الشيخين.
(3) أحمد (6/ 117- 118) واللفظ له، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 126) وقال: إسناده لا بأس به، وذكره الحافظ في الإصابة (4/ 283) وعزاه لابن عبد البر، وهو في الاستيعاب (4/ 286، 287) حاشية على الإصابة.
(4) أحمد (2/ 414) واللفظ له في هذا الرقم وقريب منه في رقم (469) وقال مخرجه: إسناده صحيح. وأصل الحديث في الصحيحين من أحاديث عدة من الصحابة. انظر مثلا البخاري. الفتح 13 (7244) ، مسلم (1059) ، وحديث عائشة- رضي الله عنها- أيضا فيه.(8/3461)
5-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «1» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أربعون خصلة- أعلاهنّ منيحة العنز- ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها، وتصديق موعودها، إلّا أدخله الله بها الجنّة» قال حسّان بن عطيّة- أحد الرّواة- فعددنا ما دون منيحة «3» العنز. من ردّ السّلام وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطّريق ونحوه فما استطعنا أن نبلّغ خمس عشرة خصلة) * «4» .
7-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكّوا العاني» ) * «5» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعسّ «6» وتروح بعسّ إنّ أجرها لعظيم» ) * «7» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» ) * «8» .
10-* (عن إياس بن سلمة عن أبيه قال:
خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة فأصابنا جهد «9» حتّى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا «10» ، فأمر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فجمعنا مزاودنا «11» فبسطنا له نطعا «12» فاجتمع زاد القوم على النّطع. قال: فتطاولت لأحزره «13» كم هو؟
فحزرته كربضة العنز «14» ونحن أربع عشرة مائة. قال:
فأكلنا حتّى شبعنا جميعا ثمّ حشونا جربنا «15» فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «فهل من وضوء» ؟ قال: فجاء رجل بإداوة «16»
__________
(1) أرملوا: أي فني طعامهم.
(2) البخاري- الفتح 5 (2486) ، مسلم (2500) متفق عليه.
(3) المنيحة- بوزن عظيمة- العطية.
(4) البخاري- الفتح 5 (2631) .
(5) البخاري- الفتح 9 (5373) .
(6) العس: القدح الكبير.
(7) البخاري- الفتح 5 (2629) ، مسلم (1019) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 9 (5392) ، مسلم (2058) واللفظ لهما. قال المهلب رحمه الله تعالى: المراد بهذا الحديث وأمثاله الحض على المكارم والتقنع بالكفاية والمواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر. الفتح (9/ 535) .
(9) الجهد- بفتح الجيم- وهو المشقة.
(10) ننحر بعض ظهرنا: أي نذبح بعض إبلنا.
(11) مزاودنا: جمع مزود وهو الوعاء الذي يحمل فيه الزاد.
(12) نطعا: أي سفرة من أديم، أو بساطا.
(13) فتطاولت لأحزره: أي أظهرت طولي لأقدره وأخمنه.
(14) كربضة العنز: أي كمبركها، أو كقدرها وهي رابضة.
(15) جربنا: الجرب جمع جراب ككتاب وكتب وهو الوعاء من الجلد يجعل فيه الزاد.
(16) الإداوة هي المطهرة.(8/3462)
له فيها نطفة «1» فأفرغها في قدح فتوضّأنا كلّنا ندغفقه دغفقة «2» أربع عشرة مائة) * «3» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النّخل، قال:
«لا» قال: «يكفوننا المئونة، ويشركوننا في الثّمر» قالوا:
سمعنا وأطعنا) * «4» .
12-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه» ) * «5» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أقال مسلما أقاله الله عثرته» ) * «6» .
14-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ضحّى منكم فلا يصبحنّ في بيته بعد ثالثة شيئا، فلمّا كان في العام المقبل، قالوا: يا رسول الله!، نفعل كما فعلنا عام أوّل؟ فقال:
«لا، إنّ ذاك عام كان النّاس فيه بجهد فأردت أن يفشو فيهم «7» » ) * «8» .
15-* (عن جابر بن عبد الله قال: كنّا فى زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نأخذ الأرض بالثّلث أو الرّبع الماذيانات «9» ، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى ذلك فقال: من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها، فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها» ) * «10» .
16-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّ أصحاب الصّفّة كانوا ناسا فقراء، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال مرّة: «من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثلاثة. ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس» أو كما قال: وإنّ أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم بعشرة، وأبو بكر بثلاثة، قال: فهو وأنا وأبي وأمّي- ولا أدري هل قال: وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر- قال: وإنّ أبا بكر تعشّى عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ لبث حتّى صلّيت العشاء، ثمّ رجع فلبث حتّى نعس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء بعدما مضى من اللّيل ما شاء الله، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ - أو قالت: ضيفك- قال: أو ما عشيّتهم؟ قالت: أبوا حتّى تجيء. قد عرضوا عليهم
__________
(1) نطفة: قليل من الماء.
(2) ندغفقه دغفقة: أي نصبه صبا شديدا.
(3) مسلم (1729) .
(4) البخاري- الفتح 7 (3782) .
(5) الطبراني في الكبير (5/ 118) ، وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (537) وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد، وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات (8/ 193) . واللفظ فيه.
(6) أبو داود (3460) واللفظ له، أحمد (2/ 252) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 168) حديث (7425) ، والحاكم (2/ 45) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 440) : إسناده صحيح.
(7) يفشو فيهم: أي يشيع لحم الأضاحي في الناس.
(8) البخاري- الفتح 10 (5569) ، مسلم (1974) واللفظ له.
(9) الماذيانات: هي مسايل المياه وقيل: ما ينبت على حافتي مسيل الماء وقيل: ما ينبت حول السواقي لفظة معربة.
(10) مسلم (1536) ، ومن حديث أبي هريرة (1544) .(8/3463)
فغلبوهم. قال: فذهبت أنا فاختبأت. وقال: يا غنثر! فجدّع وسبّ «1» ، وقال: كلوا. لا هنيئا. وقال: والله لا أطعمه أبدا. قال: فايم الله! ما كنّا نأخذ من لقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها. قال: حتّى شبعنا وصارت أكثر ممّا كانت قبل ذلك. فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر. قال لامرأته: يا أخت بني فراس! ما هذا؟ قالت: لا. وقرّة عيني! لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار. قال: فأكل منها أبو بكر وقال: إنّما كان ذلك من الشّيطان. يعني يمينه. ثمّ أكل منها لقمة. ثمّ حملها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأصبحت عنده، قال: وكان بيننا وبين قوم عقد فمضى الأجل. فعرّفنا «2» اثنا عشر رجلا، مع كلّ رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كلّ رجل، إلّا أنّه بعث معهم فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال) * «3» .
17-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر «4» فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «5» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي مجهود «6» .
فأرسل إلى بعض نسائه. فقالت: والّذي بعثك بالحقّ! ما عندي إلّا ماء. ثمّ أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك. حتّى قلن كلّهنّ مثل ذلك: لا. والّذي بعثك بالحقّ! ما عندي إلّا ماء. فقال: «من يضيف هذا، اللّيلة، رحمه الله» فقام رجل من الأنصار فقال: أنا. يا رسول الله!، فانطلق به إلى رحله. فقال لامرأته: هل عندك شيء؟. قالت: لا. إلّا قوت صبياني. قال:
فعلّليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السّراج وأريه أنّا نأكل. فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتّى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضّيف، فلمّا أصبح غدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة» ) * «7» .
19-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثلاثين ومائة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل مع أحد منكم طعام؟» فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثمّ جاء رجل مشرك مشعانّ «8» طويل بغنم يسوقها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أبيع أم عطيّة- أو قال: هبة-؟» قال: لا، بل بيع. قال:
__________
(1) (يا غنثر فجدع وسب) غنثر: الثقيل الوخيم، وقيل: الجاهل أو السفيه. وجدع: أي دعا بالجدع وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء. والسب: الشتم.
(2) عرّفناه: أي جعلنا عرفاء.
(3) مسلم (2057) .
(4) الظهر: يراد به ما يركب من الدواب وخصه اللغويون بالإبل. والفضل: ما زاد عن الحاجة.
(5) مسلم (1728) .
(6) مجهود: أصابني الجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع.
(7) البخاري- الفتح 7 (3798) ، ومسلم (2054) واللفظ له.
(8) مشعانّ: أي منتفش الشعر ثائر الرأس.(8/3464)
فاشترى منه شاة. فصنعت، فأمر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم بسواد البطن «1» يشوى، وايم الله ما من الثّلاثين ومائة إلّا قد حزّ له حزّة «2» من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاها إيّاه، وإن كان غائبا خبّأها له، ثمّ جعل فيها قصعتين، فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملته على البعير، أو كما قال) * «3» .
20-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قدم علينا عبد الرّحمن بن عوف وآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع- وكان كثير المال- فقال سعد: قد علمت الأنصار أنّي من أكثرها مالا، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلّقها حتّى إذا حلّت تزوّجتها. فقال عبد الرّحمن: بارك الله لك في أهلك، فلم يرجع يومئذ حتّى أفضل شيئا من سمن وأقط، فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه وضر من صفرة «4» ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم؟» «5» قال: تزوّجت امرأة من الأنصار. قال: «ما سقت فيها؟» قال: وزن نواة من ذهب- أو نواة من ذهب- فقال: «أولم ولو بشاة» ) * «6» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل يداين النّاس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعلّ الله يتجاوز عنّا، فلقي الله تعالى فتجاوز عنه» ) * «7» .
22-* (عن عبد الله بن أبي قتادة- رضي الله عنهما- أنّ أبا قتادة طلب غريما له، فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله «8» ، قال:
فإنّي سمعت، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «9» .
23-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لقي أخاه المسلم بما يحبّ ليسرّه بذلك، سرّه الله عزّ وجلّ يوم القيامة» ) * «10» .
24-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السّرور على المسلم» ) * «11» .
__________
(1) بسواد البطن: أي الكبد.
(2) حزّ حزّة: أي قطع قطعة.
(3) البخاري- الفتح 9 (5382) واللفظ له، ومسلم (2056) .
(4) معنى الحديث أنه وجد به لطخامن طيب له لون فسأل عنه فأخبره أنه تزوج وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته.
(5) مهيم: أي ما شأنك وما حالك؟
(6) البخاري. الفتح 7 (3781) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6480) من حديث حذيفة، و (6481) من حديث أبي سعيد، ومسلم (1562) واللفظ له.
(8) آلله الأولى قسم سؤال أي أبا لله، والثانية قسم جواب وقد حذف حرف القسم وعوض عنه همزة الاستفهام.
(9) مسلم (1563) .
(10) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 394، وقال رواه الطبراني باسناد حسن.
(11) المرجع السابق، الصفحة نفسها، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير.(8/3465)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (المواساة)
25-* (عن المقداد- رضي الله عنه- أنّه قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فليس أحد منهم يقبلنا «2» .
فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه. قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما. ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «3» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «4» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان.
فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟
فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم. وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم.
ثمّ أتى المسجد فصلّى. ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهمّ! أطعم من أطعمني. واسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ.
وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي حافلة «5» . وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة «6» . فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت: يا رسول الله! اشرب، فشرب ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك «7» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني،
__________
(1) الجهد: بفتح الجيم، هو الجوع والمشقة.
(2) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به.
(3) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره، والفعل منه جرعت.
(4) وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه.
(5) (حافلة) الحفل في الأصل الاجتماع. ويقال للضرع الملوء باللبن: ضرع حافل، وجمعه حفّل.
(6) (رغوة) هي زبد اللبن الذي يعلوه، وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات.
(7) (إحدى سوآتك) أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي؟(8/3466)
فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ! ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك. من أصابها من النّاس) * «1» .
26-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه قال وهو يخطب: إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإنّ ناسا يعلموني به عسى أن لا يكون أحدهم رآه قطّ) * «2» .
27-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت جالسا في داري. فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأشار إليّ. فقمت إليه. فأخذ بيدي. فانطلقنا حتّى أتى بعض حجر نسائه. فدخل. ثمّ أذن لي.
فدخلت الحجاب عليها «3» . فقال: «هل من غداء» فقالوا: نعم. فأتي بثلاثة أقرصة. فوضعن على نبيّ «4» .
فأخذ رسول الله قرصا فوضعه بين يديه. وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يديّ. ثمّ أخذ الثّالث فكسره باثنين.
فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يديّ. ثمّ قال: «هل من أدم؟» قالوا: لا. إلّا شيء من خلّ. قال: «هاتوه.
فنعم الأدم هو» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المواساة)
1-* (قال إبراهيم بن أدهم- رحمه الله تعالى-:
المواساة من أخلاق المؤمنين) * «6» .
2-* (قال أبو الأعرج- رضي الله عنه- لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم- رضي الله عنه- أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التّواسي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه مماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا) * «7» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنّا نسمّي جعفرا أبا المساكين، كان يذهب إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئا، أخرج لنا عكّة أثرها عسل، فنشقّها ونلعقها) * «8» .
4-* (قال الذّهبيّ: قيل: كانت لأبي برزة الأسلميّ جفنة من ثريد غدوة، وجفنة عشيّة للأرامل واليتامى والمساكين) * «9» .
__________
(1) مسلم (2055) .
(2) أحمد (1/ 69- 70) برقم (504) . وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 378) : إسناده حسن.
(3) فدخلت الحجاب عليها: معناه دخلت الحجاب إلى الموضع الذي فيه المرأة، وليس فيه أنه رأى بشرتها.
(4) على نبيّ: أي على مائدة من خوص، وروى «بتي» والبتّ: كساء من وبر أو صوف، فلعله منديل وضع عليه هذا الطعام. ورواه بعضهم بنيّ: وهو الصواب وهو طبق من خوص.
(5) مسلم (2052) .
(6) حلية الأولياء (7/ 370) .
(7) نزهة الفضلاء 1/ 493
(8) المرجع السابق 1/ 39
(9) المرجع السابق، 1/ 216(8/3467)
5-* (عن شعبة- رضي الله عنه- قال: لمّا توفّي الزّبير لقي حكيم (بن حزام) عبد الله بن الزّبير، فقال: كم ترك أخي من الدّين؟ قال: ألف ألف، قال:
عليّ خمسمائة ألف) * «1» .
6-* (قال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا قصده سائل وليس عنده شيء قال: اكتب عليّ سجلا بمسألتك إلى الميسرة) * «2» .
7-* (عن أبي حمزة الثّماليّ- رضي الله عنه- قال: إنّ عليّ بن الحسين كان يحمل الخبز باللّيل على ظهره يتّبع به المساكين في الظّلمة، ويقول: إنّ الصّدقة في سواد اللّيل تطفيء غضب الرّبّ) * «3» .
8-* (عن عمرو بن ثابت- رضي الله عنه- قال: لمّا مات عليّ بن الحسين وجدوا بظهره أثرا ممّا كان ينقل الجرب «4» باللّيل إلى منازل الأرامل) * «5» .
9-* (عن محمّد بن إسحاق- رضي الله عنه- قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين، فقدوا ذلك الّذي كانوا يؤتون باللّيل) * «6» .
10-* (وقال شيبة بن نعامة: لمّا مات عليّ (بن الحسين) - رضي الله عنهما- وجدوه يعول مائة أهل بيت، قال الذّهبيّ: قلت ولهذا كان يبخّل فإنّه كان ينفق سرّا ويظنّ أهله أنّه كان يجمع الدّراهم) * «7» .
11-* (عن بكر بن عبد الله «8» - رضي الله عنه- قال: إنّي لأرجو أن أعيش عيش الأغنياء، وأموت موت الفقراء، قال الذّهبيّ: فكان رحمه الله كذلك، يلبس كسوته، ثمّ يجيء إلى المساكين، فيجلس معهم يحدّثهم ويقول: لعلّهم يفرحون بذلك) * «9» .
12-* (قال أبو حمزة- رضي الله عنه- اختلفت إلى إبراهيم الصّائغ نيّفا وعشرين سنة، ما علم أحد من أهل بيتي أين ذهبت، ولا من أين جئت، قال الذّهبيّ لأنّ إبراهيم كان في السّجن، ولا يذهب إليه أحد إلّا متخفّيا) * «10» .
13-* (عن محمّد بن عليّ بن الحسن- رضي الله عنهم- قال: أراد جار لأبي حمزة السّكّريّ أن يبيع داره، فقيل له: بكم؟ قال: بألفين ثمن الدّار، وبألفين جوار أبي حمزة، فبلغ ذلك أبا حمزة، فوجّه إليه بأربعة آلاف، وقال لا تبع دارك» ) * «11» .
14-* (قال الحاكم (النّيسابوريّ) صحبت ابن أبي ذهل حضرا وسفرا ... قيل لي: إنّ عشر غلّته
__________
(1) نزهة الفضلاء 1/ 219
(2) السابق، 1/ 295
(3) السابق، 1/ 406
(4) الجرب جمع جريب وهو وعاء يحمل فيه الطعام والدقيق ونحوهما.
(5) نزهة الفضلاء 1/ 406- 407
(6) نزهة الفضلاء 1/ 406
(7) السابق 1/ 407
(8) بكر بن عبد الله بن عمرو المزني إمام قدوة واعظ يذكر مع الحسن وابن سيرين (سير أعلام النبلاء 4/ 532- 536) .
(9) نزهة الفضلاء 1/ 438
(10) السابق، 1/ 594- 595
(11) نزهة الفضلاء 1/ 595(8/3468)
تبلغ ألف حمل، وحدّثني أبو أحمد الكاتب أنّ النّسخة بأسامي من يمونهم تزيد على خمسة آلاف بيت، وقد عرضت عليه ولايات جليلة فأبى» ) * «1» .
15-* (حكى الذّهبيّ أنّ الرّفاعيّ (أبا العبّاس أحمد بن أبي الحسن المغربيّ ثمّ البطائحيّ، كان يجمع الحطب، ويجيء به إلى بيوت الأرامل، ويملأ لهم بالجرّة» ) * «2» .
من فوائد (المواساة)
(1) تورث حبّ الله- عزّ وجلّ- ثمّ حبّ الخلق.
(2) دليل حبّ الخير للآخرين.
(3) تشيع روح الأخوّة بين المسلمين.
(4) تقوّي العلاقات بين المسلمين.
(5) تساعد على قضاء حاجات المحتاجين وسدّ عوز المعوزين.
(6) تدخل السّرور على المسلم وترفع من معنويّاته فيقبل على الحياة مسرورا.
(7) المواساة تجعل صاحبها من المسرورين يوم القيامة.
(8) المواساة من أحبّ الأعمال إلى الله- عزّ وجلّ-.
(9) المواساة تدعو إلى الألفة وتؤكّد معنى الإخاء وتنشر المحبّة.
(10) المواساة تدفع الغيظ وتذهب الغلّ وتميت الأحقاد.
__________
(1) نزهة الفضلاء 2/، 1182
(2) المرجع السابق 2/، 1471(8/3469)
[حرف النون]
النبل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
4/ 9
النبل لغة:
مصدر قولهم: نبل فلان أي صار نبيلا، وهو مأخوذ من مادّة (ن ب ل) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على فضل وكبر، ثمّ يستعار منه الحذق في العمل، فيقال للفضل في الإنسان نبل، والمعنى في الحذق قولهم: إنّ النّابل: الحاذق بالأمر، والفعل (أي المصدر) النّبالة، وفلان أنبل النّاس بالإبل: أي أعلمهم بما يصلحها، قال الشّاعر:
تدلّى عليها بالحبال موثّقا ... شديد الوصاة نابل وابن نابل
وفي الباب قياس آخر يدلّ على رمي الشّيء ونبذه وخفّة أمره، ومن ذلك: النّبل: السّهام العربيّة، والنّابل صاحب النّبل، والنّبّال الّذي يعمله، ونبلته:
أي رميته بالنّبل.
وقال الجوهريّ: النّبل: النّبالة والفضل، وقد نبل- بالضّمّ- فهو نبيل، والجمع نبل- بالتّحريك- مثل كريم وكرم، يقال: نابلته فنبلته، إذا كنت أجود نبلا منه، وقد يكون ذلك في النّبل أيضا، وتنبّل تكلّف النّبل، وتنبّل (أيضا) أخذ الأنبل فالأنبل وتنبّل البعير:
مات، قال ابن الأعرابيّ ويقال: تنبّل الإنسان أيضا (مات) ، والنّبيلة: الجيفة «1» والنّابل: الحاذق بالأمر، يقال فلان نابل وابن نابل، أي حاذق وابن حاذق، ويقال ما انتبل نبله إلّا بأخرة، أي ما انتبه له وما بالى به، وقال ابن منظور:
النّبل، بالضّمّ: الذّكاء والنّجابة، وقد نبل نبلا ونبالة وتنبّل، وهو نبيل ونبل، والأنثى نبلة، والجمع نبال بالكسر، ونبل، بالتّحريك ونبلة. والنّبيلة:
الفضيلة، وأمّا النّبالة فهي أعمّ، تجري مجرى النّبل، وتكون مصدرا للشّيء النّبيل أي الجسيم قال: والنّبل في معنى جماعة النّبيل، كما أنّ الأدم جماعة الأديم، والكرم قد يجيء جماعة الكريم، وفي بعض القول:
رجل نبل وامرأة نبلة وقوم نبال، وفي المعنى الأوّل، قوم نبلاء. وقال ابن سيده: وكلّ حاذق نابل ويقال: نبل الرّجل بالطّعام ينبله: علّله به. وناوله الشّيء بعد الشّيء، ونبل به ينبله: رفق به، ولأنبلنّك بنبالتك، أي لأجزينّك جزاءك، والنّبل (بالفتح) حسن السّوق، والنّابل: المحسن للسّوق وقولهم: انبل بقومك أي ارفق بهم، والنّبل (بضمّتين) الرّفق، والنّبل:
__________
(1) فى هذا إشارة إلى أنّ تنبّل بمعنى مات مأخوذ من النبيلة بمعنى الجيفة.(8/3470)
الحذق، والنّبالة والنّبل في الرّجال، ويقال: ثمرة نبيلة وقدح نبيل (أي ضخم) «1» .
النبل اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات لفظ «النّبل» أو النّبالة ضمن الاصطلاحات، ومن ثمّ يكون النّبل باعتباره خلقا حميدا باقيا على أصل معناه في اللّغة، ويمكن أن نستخلص له تعريفا من جملة ما أوردته كتب اللّغة فنقول:
النّبل: خلق حميد يتحلّى صاحبه بالذّكاء والنّجابة في ذاته، والفضل والرّفق في تعامله مع النّاس، مع حذق في الرّأي والعمل.
[للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- الشرف- الشهامة- علو الهمة- قوة الإرادة- المروءة- النزاهة العفة- الورع- القوة والشدة- المسئولية- النشاط.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الخنوثة- التخاذل- الدياثة- صغر الهمة- الضعف- التهاون] .
__________
(1) لسان العرب (11/ 640) ، الصحاح (5/ 823) ، مقاييس اللغة (5/ 384)(8/3471)
الأحاديث الواردة في (النبل)
1-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للقرشيّ مثلي قوّة الرّجل من غير قريش» . فقلت للزّهريّ: ما عنى بذلك؟ قال:
نبل الرّأي) * «1» .
الأحاديث الواردة في (النبل) معنى
2-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة، ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة، ولا فخر ... الحديث) * «2» .
3-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لبني ساعدة: «من سيّدكم؟» .
قالوا: جدّ بن قيس. قال: «بم سوّدتموه؟» . قالوا: إنّه أكثرنا مالا، وإنّا على ذلك لنزنّه «3» بالبخل؟. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأيّ داء أدوى من البخل؟» . قالوا: فمن سيّدنا؟. قال: «بشر بن البراء بن معرور «4» » ) * «5» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أبي بكر وعمر: «هذان سيّدا كهول «6» أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلّا النّبيّين والمرسلين» ) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (النبل)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«ما رأيت أحدا كان أسود من معاوية بن أبي سفيان» .
قلت: ولا عمر؟. قال: «كان عمر خيرا من معاوية، وكان معاوية أسود منه» ) * «8» .
__________
(1) أحمد (4/ 81) واللفظ له وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 178) : رواه أحمد ورجال أحمد رجال الصحيح.
(2) أحمد (3/ 144) واللفظ له، وابن ماجه في الزهد (37) ، والترمذي بنحوه رقم (3615) ، وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) كما قال الترمذي.
(3) زنّه: ظنه به واتهمه. وفي الحديث: إنا لنزنّه بالبخل: أي نتهمه به.
(4) البراء بن معرور: أول من استقبل الكعبة حياّ وميتّا، وكان يصلي إلى الكعبة والنبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي إلى بيت المقدس، فأطاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما حضره الموت قال لأهله: استقبلوا الكعبة.
(5) المستدرك (4/ 163) عن أبي هريرة والإصابة (1/ 155) .، وقال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبي، مكارم الأخلاق (564- 607) واللفظ له.
(6) كهول: الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلي الأربعين وقيل: إلى تمام الخمسين، ووخطه الشيب. (المعجم الوسيط)
(7) الترمذي (3665- 3666) وحسّنه محقق جامع الأصول (8/ 629) واللفظ له.
(8) المنتقى من مكارم الأخلاق (ص 115) والسواد هنا من السؤدد وهو النبل والشرف وليس سواد اللون.(8/3472)
2-* (قيل لمعاوية: من أسود النّاس؟ قال:
«أسخاهم نفسا حين يسأل، وأحسنهم في المجالس خلقا، وأحلمهم حين يستجهل» ) * «1» .
3-* (ذكر بعض خصال النّبلاء*:
قال ابن الجوزيّ: خلقت لي همّة عالية تطلب الغايات. فقلّت السّنّ وما بلغت ما أمّلت، فأخذت أسأل تطويل العمر، وتقوية البدن، وبلوغ الآمال.
فأنكرت عليّ العادات، وقالت: ما جرت عادة بما تطلب. فقلت: إنّما أطلب من قادر يخرق العادات.
وقد قيل لرجل: لنا حويجة. فقال: اطلبوا لها رجيلا.
وقيل لآخر: جئناك في حاجة لا ترزؤك، فقال:
هلّا طلبتم لها سفاسف النّاس؟.
فإذا كان أهل الأنفة من أرباب الدّنيا يقولون هذا، فلم لا نطمع في فضل كريم قادر؟ «2» .
إلى أن يقول: فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السّلف، ومطالعة تصانيفهم، وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قال:
فاتني أن أرى الدّيار بطرفي ... فلعلّي أرى الدّيار بسمعي
وإنّي أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره، فكأنّي وقعت على كنز.
ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النّظاميّة، فإذا به يحتوي على نحو ستّة آلاف مجلّد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميديّ، وكتب شيخنا عبد الوهّاب وابن ناصر، وكتب أبي محمّد بن الخشّاب، وكانت أحمالا، وغير ذلك من كلّ كتاب أقدر عليه.
ولو قلت: إنّي طالعت عشرين ألف مجلّد كان أكثر وأنا بعد في الطّلب. فاستفدت بالنّظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم، ما لا يعرفه من لم يطالع.
فصرت أستزري ما النّاس فيه، وأحتقر همم الطلّاب ولله الحمد.
وقال أيضا: ما يتناهى في طلب العلم إلّا عاشق العلم، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره، ومن ضرورة المتشاغل به البعد عن الكسب، ومذ فقد التّفقّد لهم من الأمراء ومن الإخوان لازمهم الفقر ضرورة. والفضائل تنادي: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً.
فكلّما خافت من ابتلاء قالت:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتّى تلعق الصّبرا
ولمّا آثر أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- طلب العلم وكان فقيرا، بقي أربعين سنة يتشاغل به ولا يتزوّج، فينبغي للفقير أن يصابر فقره كما فعل أحمد.
ومن يطيق ما أطاق!؟ فقد ردّ من المال خمسين ألفا،
__________
(1) المنتقى من مكارم الأخلاق (116) .
* ومن يتعشق أخبار النبلاء فعليه مراجعة كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي. وكتاب «تعريف ذوي العلا بمن لم يذكره الذهبي في النبلا» لمؤرّخ مكة الشهير تقي الدّين الفاسي.
(2) صيد الخاطر (297) .(8/3473)
وكان يأكل الكامخ ويتأدّم بالملح. فما شاع له الذّكر الجميل جزافا، ولا تردّدت الأقدام إلى قبره إلّا لمعنى عجيب، فياله ثناء ملأ الآفاق!، وجمالا زيّن الوجود، وعزّا نسخ كلّ ذلّ. هذا في العاجل، وثواب الآجل لا يوصف. فالصّبر الصّبر أيّها الطّالب للفضائل، فإنّ لذّة الرّاحة بالهوى أو البطالة، تذهب، ويبقى الأسى، وقال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
يا نفس ما هو إلّا صبر أيّام ... كأنّ مدّتها أضغاث أحلام
يا نفس جوزي عن الدّنيا مبادرة ... وخلّ عنها فإنّ العيش قدّامي
) * «1» .
4-* (قال المتنبّي:
وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
) * «2» .
5-* (قال عكرمة: السّيّد الّذي لا يغلبه غضبه) * «3» .
6-* (قال الضّحّاك: السّيّد الحسن الخلق) * «4» .
7-* (قال الضّحّاك: السّيّد: الحليم التّقيّ) * «5» .
8-* (قال كشاجم:
لا أستلذّ العيش لم أدأب له ... طلبا وسعيا في الهواجر والغلس
وأرى حراما أن يواتيني الغنى ... حتّى يحاول بالعناء ويلتمس
فاصرف نوالك عن أخيك موفّرا ... فاللّيث ليس يسيغ إلّا ما افترس
) * «6» .
9-* (قال الشّاعر:
تفضّل على من شئت واعن بأمره ... فأنت ولو كان الأمير أميره
وكن ذا غنى عن من تشاء من الورى ... ولو كان سلطانا فأنت نظيره
ومن كنت محتاجا إليه وواقفا ... على طمع منه فأنت أسيره
) * «7» .
من فوائد (النبل)
1- يثمر قوّة العقل.
2- فيه تأسّ بسيّد النّبلاء وأشرف الخلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
3- النّببل سيّد في قومه.
4- يثمر الكرم والجود.
5- يثمر الحلم والعفو والصّفح.
__________
(1) صيد الخاطر (552- 553) .
(2) أدب الدنيا والدين للماوردي (278) .
(3) المنتقى من مكارم الأخلاق (115) .
(4) المرجع السابق (115) .
(5) المرجع السابق (115) .
(6) أدب الدنيا والدين (288) .
(7) صيد الخاطر (426) .(8/3474)
النزاهة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
17/ 11
النزاهة لغة:
هي الاسم من التّنزّه، وهذا الاسم مأخوذ من مادّة (ن ز هـ) الّتي تدلّ على بعد في مكان أو غيره، يقال منه: رجل نزيه أي بعيد عن المطامع الدّنيّة، ونزه النّفس، ونازه النّفس: ظلفها (أي بعيدها) عن المدانس، وقولهم:
خرجنا نتنزّه، إذا تباعدوا عن الماء والرّيف، ومكان نزيه:
خال ليس به أحد. وقال ابن الأثير: أصل النّزه: البعد، وتنزيه الله تعالى: تبعيده عمّا لا يجوز عليه من النّقائص.
قال ابن منظور: والتّنزّه: التّباعد، والاسم النّزهة.
ومكان نزه ونزيه، وقد نزه نزاهة ونزاهية. وخرجنا نتنزّه في الرّياض وأصله من البعد، وقد نزهت الأرض. وهو يتنزّه عن الشّيء إذا تباعد عنه. وفي حديث عمر رضي الله عنه: الجابية أرض نزهة أي بعيدة عن الوباء (والجابية قرية بدمشق) قال ابن سيده: وتنزّه الإنسان خرج إلى الأرض النّزهة. قال: والعامّة يضعون الشّيء في غير موضعه ويغلطون فيقولون خرجنا نتنزّه: إذا خرجوا إلى البساتين فيجعلون التّنزّه الخروج إلى البساتين والخضر والرّياض، وإنّما التّنزّه: التّباعد عن الأرياف والمياه حيث لا يكون ماء ولا ندى ولا جمع ناس. ومنه قيل: فلان يتنزّه عن الأقذار وينزّه نفسه عنها، أي يباعد نفسه عنها.
ورجل نزه الخلق ونزهه. ونازه النّفس: عفيف متكرّم يحلّ وحده ولا يخالط البيوت بنفسه ولا ماله.
والاسم النّزه والنّزاهة. ونزّه نفسه عن القبيح: نحّاها.
والنّزاهة: البعد عن السّوء. وإنّ فلانا لنزيه كريم إذا كان بعيدا من اللّؤم، وهو نزيه الخلق. قال الأزهريّ:
التّنزّه: رفعه نفسه عن الشّيء تكرّما ورغبة عنه.
والتّنزيه: تسبيح الله- عزّ وجلّ- وإبعاده عمّا يقول المشركون وتقديسه عن الأنداد والأشباه. وفي الحديث: كان يصلّي من اللّيل فلا يمرّ بآية فيها تنزيه الله إلّا نزّهه. ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
الإيمان نزه أي بعيد عن المعاصي.
ومنه الحديث في تفسير سبحان الله: هو تنزيهه أي إبعاده عن السّوء وتقديسه.
وفي حديث المعذّب في قبره: كان لا يستنزه من البول أي لا يستبرأ ولا يتطهّر ولا يستبعد منه، وقوم أنزاه أي يتنزّهون عن الحرام، الواحد نزيه مثل مليء وأملاء، ورجل نزيه ونزه أي ورع، ويقال أيضا: فلان نزيه أي بعيد (عن الماء) ، وتنزّهوا بحرمكم عن القوم أي تباعدوا، وهذا مكان نزيه: خلاء بعيد عن النّاس ليس فيه أحد، فأنزلوا فيه حرمكم، ونزه الفلا: ما تباعد منها عن المياه والأرياف «1» .
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (13/ 548- 549) . وانظر النهاية في غريب الحديث (5/ 43) . ومختار الصحاح: (655) ، ومقاييس اللغة (5/ 418) .(8/3475)
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: النّزاهة: هي عبارة عن اكتساب مال من غير مهانة ولا ظلم للغير «1» وأضاف المناويّ إلى عدم المهانة والظّلم قيدا آخر في تعريف النّزاهة:
هو «الإنفاق في المصارف الحميدة، فقال: النّزاهة: هي اكتساب المال من غير مهانة ولا ظلم، وإنفاقه في المصارف الحميدة «2» .
وقال الماورديّ: النّزاهة تكون عن المطامع الدّنيّة ومواقف الرّيبة «3» .
أنواع النزاهة:
قال الماورديّ: النّزاهة نوعان: أحدهما:
النّزاهة عن المطامع الدّنيّة. والثّاني: النّزاهة عن مواقف الرّيبة، فأمّا المطامع الدّنيّة، فلأنّ الطمع ذلّ، والدّناءة لؤم، وهما أدفع شيء للمروءة وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في دعائه: اللهمّ إنّي أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع، أي إلى شين وعيب.
وقال بعض الشّعراء:
لا تخضعنّ لمخلوق على طمع ... فإنّ ذلك نقص منك في الدّين
واسترزق الله ممّا في خزائنه ... فإنّما هو بين الكاف والنّون
والباعث على ذلك شيئان: الشّره، وقلّة الأنفة، فلا يقنع بما أوتي وإن كان كثيرا، لأجل شرهه، ولا يستنكف ممّا منع وإن كان حقيرا، لقلّة أنفته. وهذه حال من لا يرضى لنفسه قدرا، ويرى المال أعظم خطرا، فيرى بذل أهون الأمرين لأجلّهما مغنما، وليس لمن كان المال عنده أجلّ، ونفسه عليه أقلّ، إصغاء لتأنيب، ولا قبول لتأديب. وحسم هذه المطامع شيئان: اليأس، والقناعة. وقد روى عبد الله بن مسعود، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّ روح القدس نفث في روعي «4» : أنّ نفسا لن تموت حتّى تستوفي رزقها؛ فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب، ولا يحملنّكم إبطاء الرّزق على أن تطلبوه بمعاصي الله تعالى، فإنّ الله- عزّ وجلّ- لا يدرك ما عنده إلّا بطاعته» فهذا شرط. وأمّا مواقف الرّيبة فهي التّردّد بين منزلتي حمد وذمّ، والوقوف بين حالتي سلامة وسقم، فتتوجّه إليه لائمة المتوهّمين، ويناله ذلّة المريبين، وكفى بصاحبها موقفا، إن صحّ افتضح، وإن لم يصحّ امتهن. وقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» . والدّاعي إلى هذه الحال شيئان: الاسترسال، وحسن الظّنّ.
والمانع منهما شيئان: الحياء والحذر. وربّما انتفت الرّيبة بحسن الثّقة، وارتفعت التّهمة بطول الخبرة «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الشهامة- العفة- المروءة- الورع- الرجولة- الشرف- علو الهمة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاحتكار- أكل الحرام- التطفيف- الغلول- التناجش- صغر الهمة- الدياثة- الخنوثة] .
__________
(1) التعريفات (260) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (323) .
(3) أدب الدنيا والدين (314) .
(4) الروع: القلب والفؤاد (انظر: المعجم الوسيط «روع» ) .
(5) أدب الدنيا والدين (314، 315) .(8/3476)
الأحاديث الواردة في (النزاهة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قبرين. فقال: «أما إنّهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنّميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله» . قال:
فدعا بعسيب «1» رطب فشقّه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا، ثمّ قال: «لعلّه أن يخفّف عنهما، ما لم ييبسا» .
وعن سليمان الأعمش، بهذا الإسناد. غير أنّه قال: «وكان الآخر لا يستنزه عن البول (أو من البول) » ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (النزاهة) معنى
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا «3» له. فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة «4» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي. إنّما اشتريت منك الأرض. ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «5» : إنّما بعتك الأرض وما فيها.
قال: فتحاكما إلى رجل. فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية.
قال: أنكحوا الغلام الجارية. وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا» ) * «6» .
3-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ الكلام أفضل؟. قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده» ) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله- تبارك وتعالى- ملائكة سيّارة «8» فضلا «9» يتّبّعون «10» مجالس الذّكر. فإذا
__________
(1) بعسيب: العسيب هو الجريد والغصن من النخل.
(2) البخاري- الفتح 1 (216) . ومسلم (292) واللفظ له.
(3) عقارا: العقار هو الأرض وما يتصل بها. وحقيقة العقار الأصل. سمي بذلك من العقر، بضم العين وفتحها، وهو الأصل. ومنه: عقر الدار، بالضم والفتح.
(4) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
(5) شرى الأرض: وفي بعض النسخ اشترى. قال العلماء: الأول أصح. وشرى بمعنى باع، كما في قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ولهذا قال: فقال الذي شرى الأرض إنما بعتك.
(6) البخاري- الفتح 6 (3472) . ومسلم (1721) واللفظ له.
(7) مسلم (2731) .
(8) سيارة: معناه: سياحون في الأرض.
(9) فضلا: ضبطوه على أوجه. أرجحها وأشهرها فضلا. والثانية فضلا ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة: فضلا. والرابعة: فضل على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة فضلاء، جمع فاضل. قال العلماء: معناه على جميع الروايات، أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق. فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر
(10) يتّبّعون: أي يتتبعون، من التّتبّع، وهو البحث عن الشيء والتفتيش. والوجه الثاني: يبتغون، من الابتغاء، وهو الطلب. وكلاهما صحيح.(8/3477)
وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم. وحفّ «1» بعضهم بعضا بأجنحتهم. حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال: فيسألهم الله- عزّ وجلّ- وهو أعلم بهم:
من أين جئتم؟. فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك ويكبّرونك ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: وما يسألوني؟. قالوا: يسألونك جنّتك. قال: وهل رأوا جنّتي؟. قالوا: لا. أي ربّ، قال: فكيف لو رأوا جنّتي؟. قالوا:
ويستجيرونك «2» . قال: وممّ يستجيرونني؟. قالوا: من نارك. يا ربّ، قال: وهل رأوا ناري؟. قالوا: لا. قال:
فكيف لو رأوا ناري؟. قالوا: ويستغفرونك. قال:
فيقول: قد غفرت لهم. فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم ممّا استجاروا. قال: فيقولون: ربّ، فيهم فلان. عبد خطّاء «3» . إنّما مرّ فجلس معهم. قال: فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «4» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن جويرية- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها «5» ، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد «6» كلماته» ) * «7» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا. قال:
فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها «8» ، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بذلك. وإنّي جهدت
__________
(1) وحف: وفي بعض النسخ: حض، أي حث على الحضور والاستماع. وروي: وحط ومعناه أشار إلى بعض بالنزول. ويؤيد هذه الرواية قوله بعده، في البخاري: هلمّوا إلى حاجتكم. ويؤيد الرواية الأولى، وهي حف، قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم.
(2) ويستجيرونك من نارك: أي يطلبون الأمان منها.
(3) خطّاء: أي كثير الخطايا.
(4) البخاري- الفتح 11 (6408) . ومسلم (2689) واللفظ له
(5) في مسجدها: أي موضع صلاتها.
(6) مداد (بكسر الميم) : قيل معناه مثلها في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفد. وقيل في الثواب. والمداد، هنا، مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء قال العلماء: واستعماله، هنا، مجاز. لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعد ولا غيره، والمراد المبالغة به في الكثرة.
(7) مسلم (2726) .
(8) زجج موضعها: أي سوى موضع النقر وأصلحه.(8/3478)
أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركبة لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟. قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «1» .
7-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له:
إعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق، فساقها، دفإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا.
فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون. قال:
«ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم،
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2291) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) .(8/3479)
ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمّدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين» ، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمّد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين. فرجعت إليه، فقال: «تقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «1» .
9-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه. ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «2» .
10-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني. ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة «3» ، فمن أخذه بطيب نفس «4» بورك له فيه. ومن أخذه بإشراف نفس «5» لم يبارك له فيه. وكان كالّذي يأكل ولا يشبع «6» . واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «7» .
11-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن معه بالمدينة الظّهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوت به على البيداء، حمد «8» الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهلّ بحجّ وعمرة، وأهلّ النّاس بهما، فلمّا قدمنا أمر النّاس فحلّوا، حتّى كان يوم التّروية أهلّوا بالحجّ. قال: ونحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين أملحين) * «9» .
12-* (عن أبي الحوراء السّعديّ؛ قال:
قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (843) وهذا لفظ البخاري. ومسلم (595) .
(2) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. ومسلم (1599) .
(3) خضرة حلوة: شبهه في الرغبة فيه، والميل إليه، وحرص النفوس عليه، بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة، فإنّ الأخضر مرغوب فيه على انفراده، والحلو كذلك على انفراده. فاجتماعهما أشد، وفيه إشارة إلى عدم بقائه. لأن الخضراوات لا تبقى ولا تراد للبقاء.
(4) بطيب نفس: فيه احتمالان: أظهرهما أنه عائد على الآخذ. ومعناه من أخذه بغير سؤال ولا إشراف ولا تطلع بورك له فيه. والثاني أنه عائد إلى الدافع. ومعناه أنه من أخذ ممن يدفع منشرحا بدفعه إليه طيب النفس، لا بسؤال اضطره إليه أو نحوه، مما لا تطيب معه نفس الدافع.
(5) بإشراف نفس: قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه وتعرضها له وطمعها فيه.
(6) كالذي يأكل ولا يشبع: قيل: هو الذي به داء لا يشبع بسببه. وقيل: يحتمل أن المراد التشبيه بالبهيمة الراعية.
(7) البخاري- الفتح 3 (1472) . ومسلم (1035) واللفظ له.
(8) المراد: فحمد الله.
(9) البخاري- الفتح 3 (1551) .(8/3480)
لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده» ) * «2» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنت إذا بقيت في حثالة من النّاس؟» . قال: قلت: يا رسول الله، كيف ذلك؟. قال: «إذا مرجت عهودهم وأماناتهم وكانوا هكذا» ، وشبّك يونس بين أصابعه، يصف ذاك، قال: قلت: ما أصنع عند ذاك يا رسول الله؟. قال:
«اتّق الله- عزّ وجلّ- وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصّتك، وإيّاك وعوامّهم» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (النزاهة)
15-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة قال فافتتح (البقرة) فقرأ حتّى بلغ رأس المائة. فقلت: يركع ثمّ مضى حتّى بلغ المائتين. فقلت: يركع ثمّ مضى حتّى ختمها قال: فقلت: يركع. ثمّ افتتح سورة آل عمران حتّى ختمها، قال: فقلت: يركع. ثمّ افتتح سورة النّساء فقرأها، قال: ثمّ ركع، قال: فقال في ركوعه: «سبحان ربّي العظيم» . قال: وكان ركوعه بمنزلة قيامه، ثمّ سجد فكان سجوده مثل ركوعه، وقال في سجوده: «سبحان ربّي الأعلى» . قال: وكان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية فيها عذاب تعوّذ، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله عزّ وجلّ- سبّح) * «4» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:» «إنّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التّمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) «5» .
17-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: كنت أرتمي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ كسفت الشّمس. فنبذتها، فقلت: والله! لأنظرنّ إلى ما حدث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كسوف الشّمس، قال: فأتيته وهو قائم في الصّلاة. رافع يديه، فجعل يسبّح ويحمّد ويهلّل ويكبّر ويدعو، حتّى حسر عنها. قال: فلمّا حسر عنها، قرأ سورتين وصلّى ركعتين) * «6» .
__________
(1) الترمذي (2518) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 327 و328) . وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 444) : إسناده صحيح واللفظ فى الترمذى والجامع.
(2) البخاري- الفتح 11 (6406) واللفظ له. ومسلم (2694) .
(3) أحمد (2/ 162) وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 9) : إسناده صحيح.
(4) أصله وسياقه عند مسلم (772) بنفس السند، وهذا لفظ أحمد (5/ 384) . وابن ماجة (1351) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2432) واللفظ له. ومسلم (1070) .
(6) مسلم (913) .(8/3481)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (النزاهة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- «قالت: «كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: وما هو؟ قال: (كنت) تكهّنت لإنسان في الجاهليّة، وما أحسن الكهانة، إلّا أنّي خدعته فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الّذي أكلت منه، قالت: فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه» ) * «1» .
2-* (عن عاصم بن عمر بن الخطّاب قال:
بعث إليّ عمر عند الفجر أو عند صلاة الصّبح، فأتيته فوجدته جالسا في المسجد، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّي لم أكن أرى شيئا من هذا المال يحلّ لي قبل أن أليه إلّا بحقّه، ثمّ ما كان أحرم عليّ منه يوم وليته، فعاد بأمانتي، وإنّي كنت أنفقت عليك من مال الله شهرا، فلست بزايدك عليه وإنّي كنت أعطيتك ثمرتي بالعالية العام، فبعه فخذ ثمنه، ثمّ ائت رجالا من تجّار قومك فكن إلى جنبه، فإذا ابتاع شيئا فاستشركه، وأنفقه عليك وعلى أهلك» ، قال: «فذهبت ففعلت» ) * «2» .
3-* (عن الحسن قال: «بينما عمر بن الخطّاب يمشي ذات يوم في نفر من أصحابه، إذا صبيّة في السّوق يطرحها الرّيح لوجهها من ضعفها، فقال عمر: يا بؤس هذا، من يعرف هذه؟ قال له عبد الله:
أو ما تعرفها؟ هذه إحدى بناتك، قال: وأيّ بناتي؟
قال: بنت عبد الله بن عمر، قال: فما بلغ بها ما أرى من الضّيعة؟ قال: إمساكك ما عندك، قال: إمساكي ما عندي عنها يمنعك أن تطلب لبناتك ما تطلب الأقوام، أما والله ما لك عندي إلّا سهمك مع المسلمين، وسعك أو عجز عنك، بيني وبينكم كتاب الله» ) * «3» .
4-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «إنّه لا أجده يحلّ لي، أن آكل من مالكم هذا، إلّا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزّيت، والخبز والسّمن، قال: فكان ربّما يؤتى بالجفنة قد صنعت بالزّيت، وممّا يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم ويقول: إنّي رجل عربيّ، ولست أستمري الزّيت» ) * «4» .
5-* (وعن زيد بن أسلم أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- شرب لبنا فأعجبه، فقال للّذي سقاه: من أين لك هذا اللّبن؟ فأخبره أنّه ورد على ماء قد سمّاه، فإذا نعم من نعم الصّدقة وهم يسقون فحلبوه لي من ألبانها، فجعلته في سقائي وهو هذا، فأدخل عمر يده فاستقاءه» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3842) .
(2) الورع لابن أبي الدنيا (112) .
(3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) مختصر شعب الايمان (53) .(8/3482)
6-* (وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «سبحان الله» . قال: «تنزيه الله نفسه عن السّوء» ) * «1» .
7-* (عن عبد الرّحمن بن يزيد، قال: أكثروا على عبد الله (ابن مسعود) ذات يوم، فقال عبد الله:
«إنّه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك، ثمّ إنّ الله- عزّ وجلّ- قدّر علينا: أن بلغنا ما ترون، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم، فليقض بما في كتاب الله، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله، فليقض بما قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيّه، فليقض بما قضى به الصّالحون، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، ولا قضى به الصّالحون، فليجتهد رأيه، ولا يقل: إنّي أخاف، فإنّ الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور متشابهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ) * «2» .
8-* (قال محمّد بن المنكدر- رحمه الله تعالى:- «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الّذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن مجالس اللهو ومزامير الشّيطان، أسكنوهم بياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوهم تمجيدي وتحميدي» ) * «3» .
9-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-:
«الكمال عزيز، والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق، فالطّبائع العفّة والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره، والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل.
فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص» ) * «4» .
10-* (قال أبو يزيد الفيض: «سألت موسى ابن أعين عن قول الله- عزّ وجلّ- إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة/ 27) ، قال: «تنزّهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسمّاهم متّقين» ) * «5» .
11-* (قال ابن أبي الدّنيا: أنشدني الحسين ابن عبد الرّحمن:
نزهة المؤمن الفكر ... لذّة المؤمن العبر
نحمد الله وحده ... نحن كلّ على خطر
ربّ لاه وعمره ... قد تقضّى وما شعر
ربّ عيش قد كان فو ... ق المنى مونق الزّهر
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 77) .
(2) أخرجه النسائي (8/ 230) وهذا لفظه وقال: هذا الحديث جيد وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 179) : إسناده حسن. وجاء نحوه عند الترمذي من حديث الحسن بن علي (2520) .
(3) الورع لابن أبي الدنيا (71) .
(4) صيد الخاطر (289) .
(5) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (59) .(8/3483)
في خرير من العيو ... ن وظلّ من الشّجر
وسرور من النّبا ... ت وطيب من الثّمر
غيّرته وأهله ... سرعة الدّهر بالغير
نحمد الله وحده ... إنّ في ذا لمعتبر
إنّ في ذا لعبرة ... للبيب إن اعتبر
) * «1»
من فوائد (النزاهة)
(1) تنزيه الله- عزّ وجلّ- عمّا لا يليق به من الأسماء والصّفات والأفعال وهو التّسبيح.
(2) المؤمن التّقيّ يتنزّه عن أشياء من الحلال مخافة أن يقع في الحرام، لتبقى العلاقة بينه وبين الله- عزّ وجلّ- ناصعة لا تشوبها شائبة.
(3) من نزّه نفسه عمّا في أيدي النّاس وصانها عن مواقف الرّيبة والتّهم أحبّه النّاس وكان موضع ثقتهم.
(4) إنّ الّذين ينزّهون أنفسهم وأسماعهم في الحياة الدّنيا عن مجالس اللهو ومزامير الشّيطان يسكنهم الله في الآخرة بياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوهم تمجيدي وتحميدي.
(5) النّزيه يحبّه الله ويحبّه النّاس.
(6) النّزاهة تثمر الورع وتنمّي التّقوى.
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 440) .(8/3484)
النشاط
الآيات/ الأحاديث/ الآثر/ 7/-
النشاط لغة:
مصدر قولهم «نشط ينشط» وهو مأخوذ من مادّة (ن ش ط) الّتي تدلّ على اهتزاز وحركة وسمّيت الحالة الّتي ينشط فيها الإنسان ويخفّ للعمل ويسرع إليه نشاطا لما يصاحبها من الحركة والاهتزاز والتّفتّح، وسمّي الثّور ناشطا لأنّه ينشط من بلد إلى بلد، ويقال: أنشط القوم إذا كانت دوابّهم نشيطة، ونشطت النّاقة في سيرها إذا شدّت، والأنشوطة: العقدة مثل عقدة السّراويل، يقال: أنشطته بأنشوطة، وأنشطت العقال: مددت أنشوطته فانحلّت وقال قوم:
الإنشاط: الحلّ، والتّنشيط: العقد، والنّاشطات في قوله تعالى: (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) ، قيل أراد بها النّجوم الخارجات من الشّرق إلى الغرب بسير الفلك أو السّائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها من قولهم ثور ناشط أي خارج من أرض إلى أرض، وقيل الملائكة الّتي تنشط أرواح النّاس أي تنزعها، وقيل الملائكة الّتي تعقد الأمور من قولهم نشطت العقدة، وتخصيص النّشط وهو العقد الّذي يسهل حلّه تنبيها على سهولة الأمر عليهم، والنّشيطة ما ينشط الرّئيس لأخذه (أي يخفّ له ويسرع إليه) قبل القسمة، وفي القاموس: يقال نشط كسمع فهو ناشط ونشيط أي طابت نفسه للعمل وغيره ونشط الحبل كنصر عقده، ونشط من المكان كضرب: خرج، ونشط الدّلو ينشطها (بالكسر) نزعها بلا بكرة.
وقال الجوهريّ: يقال نشط الرّجل نشاطا فهو نشيط، وتنشّط لأمر كذا والنّاشط الثّور الوحشيّ يخرج من أرض إلى أرض وقوله سبحانه: وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً يعنى النّجوم تنشط من برج إلى برج كالثّور النّاشط من بلد إلى بلد، والهموم تنشط بصاحبها (أي تخفّ به وتخرجه من بلد إلى بلد) قال هميان بن قحافة:
أمست همومى تنشط المناشطا ... الشّام بي طورا وطورا واسطا
وقال ابن منظور: النّشاط ضدّ الكسل، يكون ذلك فى الإنسان والدّابّة يقال: نشط نشاطا، ونشط إليه، فهو نشيط، ونشّطه هو وأنشطه وقولهم «نشيط» أي طيّب النّفس للعمل، والنّعت: ناشط، وفي حديث عبادة: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنشط والمكره» المنشط هنا مفعل من النّشاط وهو الأمر الّذى تنشط له وتخفّ إليه وتؤثر فعله وهو مصدر بمعنى النّشاط، ويقال رجل نشيط ومنشط أي نشط دوابّه وأهله، ورجل متنشّط إذا كانت له دابّة يركبها، فإذا سئم الرّكوب نزل عنها وقيل منتشط (من الانتشاط وهو النّزول عن الدّابة من طول الرّكوب) ولا يقال ذلك للرّاجل، وأنشط القوم إذا(8/3485)
كانت دوابّهم نشيطة، وأنشطه الكلأ أسمنه «1» .
النشاط اصطلاحا:
قال ابن الأثير: المنشط: مفعل من النّشاط وهو الأمر الّذى تنشط له وتخفّ إليه وتؤثر فعله، وهو مصدر بمعنى النّشاط، ومن ثمّ يكون النّشاط هو أن يخفّ الإنسان إلى الأمر ويؤثر فعله.
وقال الإمام ابن حجر في شرح قوله صلّى الله عليه وسلّم «بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا، أي في حالة نشاطنا، وفي الحالة الّتي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به، والظّاهر أنّه أراد في وقت الكسل والمشقّة في الخروج ليطابق قوله «منشطنا» قال ابن حجر- رحمه الله-: ويؤيّده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد «في النّشاط والكسل» ، ونستنبط من ذلك أنّ النّشاط يقابله الكسل، وإذا كانت كتب المصطلحات لم تعرّف النّشاط فإنّها عرّفت الكسل، فقال ابن المناويّ: الكسل هو التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه، وقال الرّاغب: الكسل هو التّثاقل عمّا لا ينبغي التّثاقل عنه. ونستطيع على ضوء ذلك أن نعرّف النّشاط اصطلاحا فنقول: النّشاط هو عدم التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه أو هو عدم التّثاقل عمّا لا ينبغي التّثاقل عنه.
أهمية النشاط واطّراح الكسل:
قال الرّاغب في الذّريعة: من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانيّة، بل من الحيوانيّة، وصار من جنس الموتى، وحقّ الإنسان أن يتأمّل قوّته ويسعى بحسب ذلك إلى ما يفيده السّعادة، ويتحقّق أنّ اضطرابه (أي نشاطه) سبب وصوله من الذّلّ إلى العزّ، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضّعة إلى الرّفعة، ومن الخمول إلى النّباهة، وعليه أن يعلم أنّ من تعوّد الكسل ومال إلى الرّاحة فقد الرّاحة (فحبّ الهوينى يكسب النّصب) ، وقد قيل: إذا أردت ألّا تتعب، فاتعب لئلّا تتعب، وقد قيل (أيضا) إيّاك والكسل والضّجر فإنّك إن كسلت لم تؤدّ حقّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحقّ، وإذا تأمّلت قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «سافروا تغنموا» ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنّه حثّك على التّحرّك (أي النّشاط) الّذي يثمر لك جنّة المأوى، ومصاحبة الملإ الأعلى بل مجاورة الله تعالى «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- القوة- قوة الإرادة- العمل- علو الهمة- العزم والعزيمة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التهاون- الضعف- الكسل- الوهن- التفريط والإفراط] .
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 426) ، والمفردات للراغب (493) ، والصحاح (3/ 1193) ، اللسان (7/ 4428) ، القاموس المحيط (890) ط. بيروت.
(2) كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص 383 وما بعدها.(8/3486)
الأحاديث الواردة في (النشاط)
1-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا «1» ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحقّ أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم) * «2» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل زينب، فإذا فترت تعلّقت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد» ) * «3» .
3-* (عن زيد بن أرقم قال: سحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيّاما، فأتاه جبريل- عليه السّلام- فقال: إنّ رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عقدا في بئر كذا وكذا. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستخرجوها، فجأ بها، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما نشط من عقال «4» ، فما ذكر ذلك لذلك اليهوديّ، ولا رآه في وجهه قطّ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كلّ عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة، فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (النشاط)
5-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى بياض بطنه- وهو يقول:
«لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزل السّكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
» ) * «7» .
6-* (قالت عائشة- رضي الله- عنها للأسود بن يزيد سألها عن قيام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره، ثمّ إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثمّ ينام، فإذا كان عند النّداء وثب (ولا والله ما قالت: قام) فأفاض عليه الماء (ولا والله ما قالت: اغتسل) وإن لم يكن جنبا توضّأ وضوء الرّجل
__________
(1) الأثرة: بفتحتين- الاسم من آثر إذا أعطى، أراد أنه يتأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه.
(2) البخاري- الفتح 13 (7199) ، مسلم (1709) ص (1470) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 3 (1150) .
(4) العقال- بكسر العين- الرباط الذي يعقل به والجمع عقل.
(5) النسائي (7/ 113) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (5/ 68) ، إسناده صحيح. ورواه البخاري من حديث عائشة- رضي الله عنها-، (5763) ، وكذا مسلم (2189) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1142) واللفظ له، مسلم (776) .
(7) البخاري. الفتح 6 (2837) واللفظ له، ومسلم (1802) .(8/3487)
للصّلاة، ثمّ صلّى ركعتين) * «1» .
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة نزل في علو المدينة «2» ، في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال:
فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى ملأ بني النّجّار، قال: فجاء وا متقلّدي سيوفهم، قال وكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النّجّار «3» حوله حتّى ألقى بفناء أبي أيّوب، قال: فكان يصلّي حيث أدركته الصّلاة ويصلّي في مرابض الغنم، قال: ثمّ إنّه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ بني النّجّار، فجاءوا، فقال: يا بني النّجّار ثامنوني بحائطكم هذا «4» ، فقالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع، قال: فصفّوا النّخل قبلة المسجد، قال: وجعلوا عضادتيه «5» حجارة، قال:
جعلوا ينقلون ذاك الصّخر. وهم يرتجزون- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم يقول:
اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره ... فانصر الأنصار والمهاجره
) * «6» .
من فوائد (النشاط)
1- دليل اليقين والإيمان.
2- علامة من علامات إزهاق الشّيطان بذكر الله.
3- كثرة تحصيل الثّواب.
4- الاجتهاد في الطّاعات، وبلوغ أعلى المقامات.
5- يرفع قدر الضّعيف.
6- النّشاط في العبادة دليل رضا الله وعلامة القرب منه.
7- النّشاط في عمل الخير يكسب المرء حبّ الله ورضا الناس ويرفع ذكره في العالمين.
8- به تعمر الدّنيا، وتفتح البلدان لنشر دين الله.
9- به يزاد عن الأوطان، وتحمى الأعراض وتنشر الفضيلة، وتدحر الرّذيلة.
__________
(1) البخاري. الفتح 3 (1146) ، ومسلم (739) واللفظ له.
(2) علو المدينة: كل ما في جهة نجد يسمى العالية، وقباء من عوالي المدينة. وما في جهة تهامة يسمى السافلة.
(3) ملأ بني النجار: أي جماعتهم.
(4) ثامنوني بحائطكم هذا: أي قرروا معي ثمن بستانكم هذا، أو ساوموني بثمنه.
(5) عضادتيه: تثنية عضادة- بكسر العين- وهي الخشبة التي على كتف الباب، ولكل باب عضادتان.
(6) البخاري- الفتح 7 (3932) واللفظ له، ومسلم (1804) .(8/3488)
النصيحة والتواصي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
21/ 36/ 26
النصيحة لغة:
هي الاسم من النّصح، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ن ص ح) الّتي تدلّ على ملاءمة بين شيئين وإصلاح لهما، وأصل ذلك النّاصح وهو الخيّاط، والنّصاح: هو الخيط يخاط به، ومن المادّة النّصح، والنّصيحة: خلاف الغشّ، يقال: نصحته أنصحه، وهو ناصح الجيب مثل يضرب لمن وصف بخلوص العمل، والتّوبة النّصوح منه «1» ، كأنّها صحيحة ليس فيها خرق ولا ثلمة. وناصح العسل خالصه، كأنّه الخالص الّذي لا يتخلّله ما يشوبه، وقال الرّاغب: النّصح مأخوذ من قولهم: نصحت له الودّ، أي أخلصته أو من قولهم: نصحت الجلد: خطته.
واستخدام الفعل باللّام أفصح، قال تعالى:
وَأَنْصَحُ لَكُمْ (الأعراف/ 62) ، والنّصيح:
النّاصح، وجمعه نصحاء، ورجل ناصح الجيب أي:
نقيّ القلب، قال الأصمعيّ: النّاصح: الخالص من العسل وغيره، وكلّ شيء خلص فقد نصح، وانتصح فلان أي قبل النّصيحة، يقال: انتصحني إنّني لك ناصح، وتنصّح أي تشبّه بالنّصحاء، واستنصحه: عدّه نصيحا، والتّوبة النّصوح هي الصّادقة، والنّصح بالفتح مصدر قولهم نصحت الثّوب: خطته.
وقال ابن منظور: نصح الشّيء: خلص والنّاصح الخالص من العمل وغيره.
والنّصح: الإخلاص والصّدق في المشورة والعمل.
وقال ابن الأثير: النّصيحة كلمة يعبّر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له «2» .
واصطلاحا:
كلمة جامعة تتضمّن قيام النّاصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا، وتشمل النّصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم «3» .
وقال الجرجانيّ: هي الدّعاء إلى ما فيه الصّلاح والنّهي عمّا فيه الفساد «4» .
وقال الكفويّ: النّصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظّ للمنصوح له «5» .
وقال الرّاغب: النّصح: تحرّي فعل أو قول فيه صلاح صاحبه «6» .
__________
(1) هكذا قال ابن فارس (المقاييس 5/ 435) ، وقال الراغب: إن التّوبة النصوح قد تكون من هذا (أى الإخلاص) وإمّا من معنى الإحكام من قولهم نصحت الجلد أى خطته.
(2) لسان العرب (7/ 4438) . وانظر الصحاح (1/ 410، 411) . والمصباح المنير (2/ 276) ، مقاييس اللغة (5/ 435) ، المفردات للراغب (494) .
(3) جامع العلوم والحكم (76) .
(4) التعريفات (360) ، وإلى مثل هذا ذهب المناوي في التوقيف (325) .
(5) الكليات (908) .
(6) المفردات (494) .(8/3489)
وقال في الذّريعة: النّصح إخلاص المحبّة للغير بإظهار ما فيه صلاحه «1» .
أول النصح:
أوّل النّصح أن ينصح الإنسان نفسه، فمن غشّها فقلّما ينصح غيره، وحقّ من استنصح أن يبذل غاية النّصح وإن كان ذلك في شيء يضرّه، ويتحرّى فيه قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (النساء/ 135) ، وقال تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
(الأنعام/ 152) ، وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لا يزال الرّجل يزداد فى صحّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشّه سلبه الله نصحه ورأيه، ولا يلتفتنّ إلى من قال: إذا نصحت الرّجل فلم يقبل منك فتقرّب إلى الله بغشّه، فذلك قول ألقاه الشّيطان على لسانه، اللهمّ إلّا أن يريد بغشّه السّكوت عنه، فقد قيل: كثرة النّصيحة تورث الظّنّة، ومعرفة النّاصح من الغاشّ صعبة جدّا، فالإنسان- لمكره- يصعب الاطّلاع على سرّه، إذ هو قد يبدي خلاف ما يخفي، وليس كالحيوانات الّتي يمكن الاطّلاع على طبائعها «2» .
لمن تكون النصيحة؟ وكيف؟
النّصيحة- كما جاء في الحديث- تكون لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم «3» . وقد أوضح العلماء معنى هذه النّصيحة فيما يحكيه ابن حجر قال: النّصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطنا، والرّغبة في محابّه بفعل طاعته، والرّهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في ردّ العاصين إليه. والنّصيحة لكتاب الله تعلّمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التّلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهّم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذبّ تحريف المبطلين عنه، والنّصيحة لرسوله تعظيمه، ونصره حيّا وميّتا، وإحياء سنّته بتعلّمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبّته ومحبّة أتباعه، والنّصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حمّلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسدّ خلّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، وردّ القلوب النّافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظّلم بالّتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النّصيحة لهم ببثّ علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظّنّ بهم، والنّصيحة لعامّة المسلمين الشّفقة عليهم، والسّعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكفّ وجوه الأذى عنهم، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه «4» .
وقال عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: النّصيحة لله ورسوله تكون بصدق الإيمان، وإخلاص النّيّة في الجهاد والعزم عليه عند القدرة، وفعل المستطاع من الحثّ والتّرغيب والتّشجيع للمسلمين عليه «5» .
التواصي لغة:
التّواصي مصدر قولهم: تواصى فلان وفلان
__________
(1) الذريعة (295) .
(2) المرجع السابق (295- 296) .
(3) انظر الحديث رقم (7) .
(4) فتح الباري 1/ 167
(5) تيسير الكريم الرحمن 10/ 275 (بتصرف) .(8/3490)
أي أوصى كلّ منهما صاحبه بمعنى عهد إليه، وأوصى الرّجل ووصّاه بمعنى، والاسم من ذلك: الوصيّة والوصاة، قال الشّاعر:
ألا من مبلغ عنّي يزيدا ... وصاة من أخي ثقة ودود «1» .
وقول الله تعالى: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام/ 151) إشارة إلى ما تقدّم من قوله سبحانه قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ... قال القرطبيّ:
هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيّه بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرّم الله، وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلّغوا النّاس ويبيّنوا لهم ما حرّم عليهم ممّا أحلّ. وقوله ذلِكُمْ إشارة إلى هذه المحرّمات (والمأمورات) ، والوصيّة هي الأمر المؤكّد المقدور «2» ، وقال أبو حيّان: في لفظ وصّاكم من اللّطف والرّأفة ما لا يخفى من الإحسان، قال الأعشى:
أجدّك لم تسمع وصاة محمّد ... نبيّ الإله حين أوصى وأشهدا
وقد وصف بها (أي الوصيّة) ما فرضه الله عزّ وجلّ على عباده في كلّ الشّرائع كما يقول ابن عبّاس رضي الله عنهما- في هذه الآية الكريمة والآيتين بعدها (الآيات 151- 153 من سورة الأنعام) «3» .
فهذه هي الآيات المحكمات الّتي أجمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قطّ في ملّة «4» ، وقال الطّبريّ في معنى قوله تعالى: وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر/ 3) أي أوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل في كتابه من أمره واجتناب ما نهى عنه فيه، والحقّ كتاب الله تعالى، أمّا التّواصي بالصّبر فمعناه: أوصى بعضهم بعضا بالصّبر على العمل بطاعة الله «5» . وقال النّيسابوريّ وفي لفظ التّواصي دون الدّعاء أو النّصيحة تأكيد بليغ كأنّه أمر مهتمّ به كالوصيّة «6» .
التواصي اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- التّواصي مصطلحا، ويمكن تعريفه في ضوء ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون: أن يوصي بعض النّاس بعضا بالعمل بكتاب الله وبطاعته وبالانتهاء عمّا نهى الله عنه.
أمّا الوصيّة (يرادفها الوصاة) فإنّ لها في الشّرع معنيان:
الأوّلّ: عهد خاصّ مضاف إلى ما بعد الموت، وقد يصحبه التّبرّع «7» ، وعرّف صاحب المغني هذا النّوع فقال: هي التّبرّع بالمال بعد الموت «8» ، وقد عقد الفقهاء لذلك باب الوصايا.
الآخر: وهو المراد هنا، ما يقع به الزّجر عن المنهيّات والحثّ على المأمورات «9» ويكون ذلك من
__________
(1) انظر لسان العرب 15/ 394
(2) تفسير القرطبي 7/ 134
(3) انظر هذه الآيات في الشاهد القرآني رقم (14) .
(4) تفسير البحر المحيط 4/ 250
(5) تفسير الطبري ج 30 (مجلد 12) ص 188
(6) تفسير النيسابوري، بهامش الطبري ج 30 (مجلد 12) ص 160
(7) فتح الباري ج 5، ص 419
(8) المغني لابن قدامة 6/ 414، وانظر أيضا الشرح الكبير، المجلد نفسه والصفحة نفسها.
(9) فتح الباري ج 5، ص 419(8/3491)
المولى عزّ وجلّ ومن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومن صالح المسلمين، والموصى به في هذا النّوع يشمل أمورا كثيرة منها: الوصيّة بكتاب الله تعالى، وبتقواه والصّبر على الطّاعة وبرّ الوالدين وإكرام الجار، ونحو ذلك.
الوصية بكتاب الله عزّ وجلّ:
قال ابن حجر: المراد بالوصيّة بكتاب الله تعالى حفظه حسّا ومعنى، فيكرّم ويصان، ولا يسافر به إلى أرض العدوّ، ويتّبع ما فيه فيعمل بأوامره وتجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته وتعلّمه وتعليمه «1» .
النّصيحة والوصيّة (الوصاة) والتّواصي:
بين هذه الأمور الثّلاثة تقارب في المعنى، فجميعها يراعى فيه إرادة الخير للمنصوح أو الموصى ودعاؤه إلى ما فيه صلاحه، بيد أنّ النّصيحة يراعى فيها قيد الإخلاص وضدّها الغشّ، أمّا الوصيّة فيراعى فيها المحبّة والتّأكيد ومزيد الاهتمام، وكلاهما يقتضي طرفين أحدهما معط والآخر متلقّ فالمعطي هو النّاصح أو الموصي، أمّا المتلقّي فهو المنصوح أو الموصى، أمّا في التّواصي فإنّ كلا الطرفين معط ومتلقّ في آن واحد، لأنّه يوصي غيره ويوصيه غيره في حال حياتهما.
التواصي والشورى:
لقد أقسم المولى- عزّ وجلّ- أنّ الإنسان لفي خسر واستثنى من ذلك من توفّرت فيه أربع خصال هي: الإيمان، والعمل الصّالح، والتّواصي بالحقّ، والتّواصي بالصّبر، وذلك قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وقد قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «لو تدبّر النّاس هذه السّورة لوسعتهم» «2» ، وقد صدق أبو عبد الله (الشّافعيّ) ، لأنّها تنظّم حياة الفرد والمجتمع، ونصيب الفرد فيها الإيمان والعمل الصّالح، أمّا نصيب المجتمع فهو أن يوصى بعض النّاس بعضا بالحقّ وبالصّبر أي بأداء الطّاعات وترك المحرّمات من ناحية، وعلى تحمّل البلايا والأذى من ناحية أخرى، ولا يتحقّق هذا التّواصي إلّا عند الاجتماع والتّشاور في أمور الدّين والدّنيا، وأمر المؤمنين- كما أخبر المولى عزّ وجلّ- إنّما هو- شورى بينهم «3» ، ولا تكون هذه الشّورى ذات جدوى إلّا إذا تضمّنت التّواصي بالحقّ وبالصّبر وبالمرحمة ونحو ذلك ممّا أمرنا الله به ورسوله، وهكذا فإنّه إذا صلح أمر المسلم بالإيمان والعمل الصّالح، صلح أمر الأمّة كلّها بالشّورى القائمة على التّواصي بالحقّ ونحوه.
[للاستزادة: انظر صفات: الإصلاح- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- التذكير- الشورى- الكلم الطيب- الإرشاد- الإيمان- التبليغ- الهدى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الضلال- الغي والإغواء- الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون] .
__________
(1) فتح الباري 8/ 686
(2) تفسير ابن كثير 4/ 585
(3) انظر صفة الشورى.(8/3492)
الآيات الواردة في «النصيحة»
آيات فيها نصح من الرسل:
1- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60)
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «1»
2-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66)
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «2»
3- فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) «3»
4- وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91)
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) «4»
آيات فيها نفع النصح مرهون بإرادة الله:
5- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)
قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)
__________
(1) الأعراف: 59- 62 مكية
(2) الأعراف: 65- 68 مكية
(3) الأعراف: 77- 79 مكية
(4) الأعراف: 90- 93 مكية(8/3493)
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) «1»
آيات النصح فيها علامة إخلاص:
6- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «2»
7- وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) * وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) «3»
8- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) «4»
9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «5»
آيات النصح فيها مدّعى:
10- لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)
إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (10) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (11) «6»
11- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) «7»
__________
(1) هود: 32- 34 مكية
(2) التوبة: 91 مدنية
(3) القصص: 11- 12 مكية
(4) القصص: 20 مكية
(5) التحريم: 8 مدنية
(6) يوسف: 7- 11 مكية
(7) الأعراف: 19- 21 مكية(8/3494)
الآيات الواردة في «الوصية والتواصي»
12- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) «1»
13- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) «2»
14-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «3»
15- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) «4»
16- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «5»
17- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) «6»
__________
(1) البقرة: 130- 132 مدنية
(2) النساء: 131 مدنية
(3) الأنعام: 151- 153 مكية
(4) مريم: 30- 31 مكية
(5) العنكبوت: 8 مكية
(6) لقمان: 14 مكية(8/3495)
18-* شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ
اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ
(13) «1»
19- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «2»
20- وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15)
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16)
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «3»
21- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «4»
__________
(1) الشورى: 13 مكية
(2) الأحقاف: 15- 16 مكية
(3) البلد: 12- 18 مكية
(4) العصر: 1- 3 مكية(8/3496)
الأحاديث الواردة في (النصيحة)
1-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نصح العبد لسيّده وأحسن عبادة الله فله أجره مرّتين» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ ... » - حديث صفة حجّته صلّى الله عليه وسلّم وفيه: «وأنتم مسئولون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت) * «2» .
3-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنّصح لكلّ مسلم» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حقّ المسلم على المسلم ستّ» . قيل: ما هنّ يا رسول الله؟. قال: «إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمّته «4» . وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتّبعه» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح» ) * «6» .
6-* (عن يزيد بن حكيم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوا النّاس يرزق الله بعضهم من بعض، وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه» ) * «7» .
7-* (عن تميم الدّاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّين النّصيحة» . قلنا:
لمن؟. قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» ) * «8» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا ثلاث: فرؤيا حقّ، ورؤيا يحدّث بها الرّجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشّيطان.
فمن رأى ما يكره فليقم فليصلّ» . وكان يقول: «يعجبني القيد وأكره الغلّ. القيد ثبات في الدّين» . وكان يقول: «من رآني فإنّي أنا هو، فإنّه ليس
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2550) . ومسلم (1664) واللفظ له.
(2) أبو داود (1905) . وابن ماجه (3074) . وأصله في صحيح مسلم (1218) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1401) .، ومسلم (56)
(4) فسمّته: تشميت العاطس أن يقول له: يرحمك الله، ويقال بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان.
(5) مسلم (2162) ، وقوله: إذا مات فاتبعه: أي اتبع جنازته.
(6) أحمد (2/ 334) حديث (8433) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال ذكره السيوطي في الجامع الصغير وأشار إلى حسنه وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 132) حديث (3278) وقال: حسن.
(7) الإصابة (6/ 339) : أخرجه أبو داود الطيالسي (ص 185) ، وجامع المسانيد (12/ 425) برقم (9861) .
(8) مسلم (55) .(8/3497)
للشّيطان أن يتمثّل بي» ، وكان يقول: «لا تقصّ الرّؤيا إلّا على عالم أو ناصح» ) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرض عليّ أوّل ثلاثة يدخلون الجنّة: شهيد، وعفيف متعفّف، وعبد أحسن عبادة الله، ونصح لمواليه» ) * «2» .
10-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنهما-:
«قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: عليكم باتّقاء الله وحده لا شريك له والوقار والسّكينة، حتّي يأتيكم أمير (وكان المغيرة أميرا عليهم) فإنّما يأتيكم الآن. ثمّ قال: استغفروا لأميركم، فإنّه كان يحبّ العفو. ثمّ قال:
أمّا بعد، فإنّي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ «والنّصح «3» لكلّ مسلم» فبايعته على ذلك، وربّ هذا المسجد إنّي لناصح لكم، ثمّ استغفر ونزل) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للمؤمن على المؤمن ستّ خصال: يعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات، ويجيبه إذا دعاه، ويسلّم عليه إذا لقيه، ويشمّته إذا عطس، وينصح له إذا غاب أو شهد» ) * «5» .
12-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للمملوك الّذي يحسن عبادة ربّه، ويؤدّي إلى سيّده الّذي له عليه من الحقّ والنّصيحة والطّاعة، أجران» ) * «6» .
13-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنّة» ) * «7» .
14-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن:
إخلاص العمل لله، والنّصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» ) «8» .
__________
(1) الترمذي (2280) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وانظر «جامع الأصول» (2/ 515- 518) والتعليق عليه.
(2) الترمذي (1642) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (2/ 425) برقم (9504) وقال مخرجه: إسناده حسن (18/ 137، 138) . والحديث في المشكاة (2/ 1126) حديث (2832) وعزاه للترمذي، ولم يذكر الشيخ ناصر فيه شيئا. وقال مخرج جامع الأصول (10/ 535) : رواه أيضا الحاكم والبيهقي والحديث كما قال الترمذي.
(3) والنصح- بالجر- عطفا على الإسلام. ويجوز نصبه عطفا على مقدر أي شرط على الإسلام والنصح (الفتح 1/ 169) .
(4) البخاري- الفتح 1 (58) واللفظ له. ومسلم (56) .
(5) الترمذي (2737) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وذكره الشيخ الألباني في صحيح النسائي (2/ 4170) برقم (1830) ..
(6) البخاري- الفتح 5 (2551) واللفظ له، ومسلم (1665) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7150) واللفظ له. ومسلم (142)
(8) الترمذي (2658) ، وأحمد (4/ 80) ، وابن ماجة (3056) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده فيه محمد بن اسحاق وهو مدلس، وقد عنعنه. والمتن على حاله صحيح، وذكره الألباني في صحيح الجامع (6642) . واللفظ لابن ماجة. وقال ابن رجب: إسناده جيد، جامع العلوم والحكم (73) .(8/3498)
الأحاديث الواردة في (النصيحة) معنى
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار «1» في عقاره جرّة «2» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «3» : إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل. فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟. فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية.
قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا» ) * «4» .
16-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- أو قال حتّى يتفرّقا- فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» ) * «5» .
17-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة، إلّا كانت له بطانتان. بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ) * «6» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المستشار مؤتمن» ) * «7» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه» ) * «8» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (النصيحة)
20-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر «9» فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ألك مال غيره؟» فقال: لا.
فقال: «من يشتريه منّي؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله العدويّ بثمانمائة درهم. فجاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدفعها إليه. ثمّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها.
__________
(1) العقار: الأرض وما يتصل بها.
(2) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
(3) شرى الأرض: أي باعها.
(4) البخاري- الفتح 6 (3472) ، ومسلم (1721) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 4 (2079) واللفظ له. ومسلم (1532) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7198) .
(7) الترمذي (2823) وقال: حسن غريب. وأبو داود (5128) وقال المنذري: أصح طرق هذا الحديث حديث أبي هريرة وعزاه أيضا للنسائي. مختصر السنن (8/ 28- 29) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 562) : وهو حديث حسن.
(8) أبو داود (4918) واللفظ له. والأدب المفرد (239) للبخاري. وذكره الألباني في صحيح الجامع (6/ 6) برقم (6532) وقال: حسن.
(9) عن دبر: أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر يوم أموت.(8/3499)
فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) * «1» .
21-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ عبد الله هلك وترك تسع بنات (أو قال: سبع) فتزوّجت امرأة ثيّبا. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا جابر، تزوّجت؟» قال: قلت: نعم. قال:
فبكر أم ثيّب؟» قال: قلت: بل ثيّب يا رسول الله! قال: «فهلّا جارية تلاعبها وتلاعبك (أو قال تضاحكها وتضاحكك) » قال: قلت له: إنّ عبد الله هلك وترك تسع بنات (أو سبع) وإنّي كرهت أن آتيهنّ أو أجيئهنّ بمثلهنّ. فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهنّ وتصلحهنّ. قال: «فبارك الله لك» أو قال لي خيرا) * «2» .
22-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم، إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان «3» ، فالنّجاء «4» ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا «5» فانطلقوا على مهلتهم. وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم.
فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم «6» . فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحقّ» ) * «7» .
23-* (عن فاطمة بنت قيس- رضي الله عنها- أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقها البتّة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال:
والله! ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شريك، ثمّ قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم، فإنّه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني «8» ، قالت: فلمّا حللت ذكرت له أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه «9» ، وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» فكرهته، ثمّ قال:
«انكحي أسامة» ، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا كثيرا واغتبطت) * «10» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تنكح المرأة لأربع. لمالها،
__________
(1) مسلم (997) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5080) . ومسلم (715) ، (1087) كتاب الرضاع واللفظ له.
(3) أنا النذير العريان: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدا منهم ليخبرهم بما دهمهم. وأكثر ما يفعل هذا طليعة القوم ورقيبهم.
(4) النجاء: اطلبوا النجاة.
(5) فأدلجوا: ساروا من أول الليل.
(6) اجتاحهم: استأصلهم.
(7) البخاري- الفتح 11 (6482) . ومسلم (2283) واللفظ له.
(8) آذنيني: أي أعلميني.
(9) فلا يضع عصاه عن عاتقه: دلالة على كثرة الأسفار، أو كثرة الضرب للنساء.
(10) مسلم (1480) .(8/3500)
ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدّين تربت يداك «1» » ) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتاه رجل فأخبره أنّه تزوّج امرأة من الأنصار. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنظرت إليها؟» قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإنّ في أعين الأنصار شيئا «3» » ) * «4» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش «5» وهذه الدّوابّ الّتي في النّار يقعن فيها. وجعل يحجزهنّ ويغلبنه فيتقحّمن فيها. قال فذلكم مثلى ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم «6» عن النّار. هلمّ عن النّار، هلمّ عن النّار، فتغلبوني تقحّمون «7» فيها» ) * «8» .
الأحاديث الواردة في (الوصية والتواصي)
27-* (عن مصعب بن سعد عن أبيه- رضي الله عنهما-، أنّه نزلت فيه آيات من القرآن، قال:
حلفت أمّ سعد ألّا تكلّمه أبدا حتّى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أنّ الله وصّاك بوالديك، وأنا أمّك وأنا آمرك بهذا، قال (سعد) :
مكثت ثلاثا حتّى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عزّ وجلّ في القرآن هذه الآية: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ وفيها: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (لقمان 14/ 15) » ) * «9» . الحديث «10» .
28-* (عن طلحة بن مصرّف- رضي الله عنه- قال: «سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: لا، قلت: فلم كتب على المسلمين الوصيّة «11» ، أو فلم أمروا بالوصيّة؟ قال:
أوصى بكتاب الله «12» عزّ وجلّ» ) *.
29-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) تربت يداك: ترب الرجل إذا افتقر، أي لصق بالترب، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب والمراد بها الحث والتحريض.
(2) البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له.
(3) شيئا: المراد صغر وقيل زرقة.
(4) مسلم (1424) .
(5) الفراش: الذي يطير كالبعوض.
(6) بحجزكم: جمع حجزه، وهي معقد الازار والسراويل.
(7) تقحمون: تقدمون وتقعون في الأمور الشاقة من غير تثبت.
(8) البخاري- الفتح 11 (6483) . ومسلم (2284) واللفظ له.
(9) مسلم (1748) .
(10) للحديث بقية تتضمن آيات أخرى نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه-.
(11) الوصية المسئول عنها أولا هي وصية الرجل في ماله، أي في الأمور المادية، ولما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس عنده شيء يوصي به من نحو العقارات والأموال فقد انصرفت وصيته إلى الجانب الأهم وهو كتاب الله عز وجل، وبهذا يفسر تركه للوصية في حديث عائشة رقم (1635) في صحيح مسلم حيث قالت: «ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء» أي بشيء من أمور الدنيا.
(12) البخاري، الفتح (5022) ومسلم (1634) واللفظ له.(8/3501)
قال: «يوم الخميس! وما يوم الخميس! «1» ، ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى، الحديث، وفيه: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم «2» ، قال: وسكت عن الثّالثة، أو قالها فأنسيتها» ) * «3» ، «4» .
30-* (عن سليمان بن بريدة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة، أوصاه في خاصّته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا «5» ، ثمّ قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ... » ) * الحديث «6» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث: بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى، وأن أوتر قبل أن أرقد» ) * «7» .
32-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «8» .
33-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: «إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) * «9» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرا فليتكلّم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنّساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنّساء خيرا» ) * «10» .
35-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط «11» فاستوصوا بأهلها خيرا فإنّ لهم ذمّة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها» ) * «12» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوصني، قال: لا تغضب، فردّد مرارا، قال: لا تغضب» ) * «13» .
__________
(1) في هذه العبارة تفخيم أمر هذا اليوم في الشدة والمكروه.
(2) معنى هذه العبارة: الأمر بضيافة الوفود وإكرامهم تطييبا لنفوسهم وترغيبا لغيرهم، وإعانة لهم على سفرهم.
(3) الساكت هنا هو ابن عباس، والناسي هو سعيد بن جبير الذي روى حديثه، قال المهلب: والثالثة هي تجهيز جيش أسامة.
(4) البخاري 6 (3053) ، ومسلم 2 (1627) ، واللفظ له.
(5) المراد أوصاه بمن معه.
(6) مسلم 3 (1731) .
(7) البخاري، الفتح 3 (1178) ، ومسلم (721) ، واللفظ له.
(8) البخاري، الفتح 10 (6014) ، ومسلم (2625) ، واللفظ واحد.
(9) مسلم (2625) .
(10) البخاري 6 (3331) ، ومسلم 2 (1468) .
(11) القيراط جزء من أجزاء الدينار، والدرهم، وهو الآن كذلك ويستعمل أيضا اسما لجزء من أربعة وعشرين جزءا من الفدان وكان أهل مصر- ولا يزالون- يكثرون من استعماله والتحدث به، وقد ورد التصريح باسم مصر في الحديث الذي أورده مسلم عقيب هذا.
(12) مسلم 4 (2543) .
(13) البخاري، الفتح 10 (6116) .(8/3502)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (النصيحة)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضوان الله عليه- وهو على المنبر: «أنشدكم الله! لا يعلم أحد منّي عيبا إلّا عابه» فقال رجل: نعم يا أمير المؤمنين، فيك عيبان. قال: وما هما: قال: تديل
بين البردين «1» ، وتجمع بين الأدمين «2» ولا يسع ذلك النّاس. قال: فما أدال بين بردين، ولا جمع بين أدمين حتّى لقي الله تعالى» ) * «3» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «ولكلّ جعلنا موالي» قال: ورثة: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوّة الّتي آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ...
(النساء/ 133) نسخت، ثمّ قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ... (النساء/ 13) من النّصر والرّفادة والنّصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصي له» ) * «4» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرىء عبد الرّحمن بن عوف، فلمّا كان آخر حجّة حجّها عمر، فقال عبد الرّحمن بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل قال: إنّ فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا، فقال عمر: لأقومنّ العشيّة فأحذّر هؤلاء الرّهط الّذين يريدون أن يغصبوهم، قلت: لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزّلوها على وجهها، فيطير بها كلّ مطير، فأمهل حتّى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السّنّة فتخلص بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك وينزّلوها على وجهها. فقال: والله لأقومنّ به في أوّل مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة، فقال: إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل آية الرّجم» ) * «5» .
4-* (عن المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث- رضي الله عنهما- أنّهما قالا لعبيد الله بن عديّ بن الخيار: ما يمنعك أن تكلّم خالك عثمان (يعني ابن عفّان) في أخيه الوليد بن عقبة (يعني أخاه من الرّضاع) وكان أكثر النّاس فيما فعل به. قال عبيد الله: فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصّلاة فقلت له: إنّ لي إليك حاجة، وهي نصيحة.
فقال: أيّها المرء، أعوذ بالله منك. فانصرفت. فلمّا قضيت الصّلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدّثتهما بما قلت لعثمان وقال لي. فقالا: قد قضيت الّذي كان عليك. فبينما أنا جالس معهما جاءني رسول عثمان، فقالا لي قد ابتلاك الله. فانطلقت حتّى دخلت عليه، فقال: ما نصيحتك الّتي ذكرت آنفا؟
قال: فتشهّدت ثمّ قلت: إنّ الله بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل عليه الكتاب وكنت ممّن استجاب لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وآمنت به وهاجرت الهجرتين الأوليين، وصحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورأيت هديه. وقد أكثر النّاس في شأن الوليد بن عقبة، فحقّ عليك أن تقيم عليه الحدّ ... الأثر» ، وفيه «فجلد الوليد أربعين
__________
(1) تديل بين البردين: أي تلبسه وتخليه وتلبس غيره.
(2) الأدمين: مثنّى أدم، وهو ما يؤكل به الخبز أي شيء كان
(3) الدارمي (1/ 169) ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (154) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4580) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7323) .(8/3503)
جلدة، وأمر عليّا أن يجلده، وكان هو يجلده» ) * «1» .
5-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حقّ الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنّصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض» ) * «2» .
6-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- يوصي ابنه عبد الملك بعد ما تولّى الخلافة: «أمّا بعد: فإنّ أحقّ من تعاهدت بالوصيّة والنّصيحة بعد نفسي أنت، وإنّ أحقّ من رعى ذلك وحفظه عنّي أنت، وإنّ الله- تعالى- له الحمد قد أحسن إلينا إحسانا كثيرا بالغا في لطيف أمرنا وعامّته، ... إلى أن قال له: وإنّي لأعظك بهذا، وإنّي لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أنّ المرء لم يعظ أخاه حتّى يحكم نفسه، ويكمل في الّذي خلق له لعبادة ربّه، إذا تواكل النّاس الخير، وإذا يرفع الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، واستحلّت المحارم، وقلّ الواعظون والسّاعون لله بالنّصيحة في الأرض، فلله الحمد ربّ السّموات والأرض ربّ العالمين وله الكبرياء في السّموات والأرض وهو العزيز الحكيم» ) * «3» .
7-* (قال مسعر بن كدام- رحمه الله تعالى:
«رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سرّ بيني وبينه، فإنّ النّصيحة في الملأ تقريع» ) * «4» .
8-* (قال معمر بن راشد بن همّام الصّنعانيّ: «كان يقال: أنصح النّاس لك من خاف الله فيك» ) * «5» .
9-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
تعهّدني بنصحك في الفرادى ... وجنّبني النّصيحة في الجماعه
فإنّ النّصح بين النّاس نوع ... من التّوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت قولي ... فلا تغضب إذا لم تعط طاعه
) * «6» .
10-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «الحبّ أفضل من الخوف، ألا ترى إذا كان لك عبدان، أحدهما يحبّك والآخر يخافك، فالّذي يحبّك ينصحك شاهدا كنت أو غائبا لحبّه إيّاك، والّذي يخافك عسى أن ينصحك إذا شهدت لما يخافك ويغشّك إذا غبت ولا ينصحك» .
وقال أيضا: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعيّر» ) * «7» .
11-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
«ليس على المسلم نصح الذّمّيّ، وعليه نصح المسلم» ) * «8» .
12-* (قال الآجرّيّ- رحمه الله تعالى-: «لا يكون ناصحا لله تعالى ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم إلّا من بدأ بالنّصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3872) .
(2) بصائر ذوي التمييز (5/ 67، 68) .
(3) حلية الأولياء (5/ 275- 277) .
(4) الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 290) .
(5) جامع العلوم والحكم (71) .
(6) التعليق على الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب (39) .
(7) جامع العلوم والحكم (68- 71) .
(8) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 290) . جامع العلوم والحكم (78) .(8/3504)
عداوة الشّيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النّفس حتّى يخالفها بعلم» ) * «1» .
13-* (قال ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى:
محّض أخاك النّصيحة وإن كانت عنده فضيحة) * «2» .
14-* (قال أبو زكريّا (النّوويّ) - رحمه الله تعالى: قالوا مدار الدّين على أربعة أحاديث، وأنا أقول بل مداره على حديث «الدّين النّصيحة» ) * «3» .
15-* (قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-:
«الواجب على المسلم أن يحبّ ظهور الحقّ ومعرفة المسلمين له، سواء كان ذلك في موافقته أو مخالفته. وهذا من النّصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمّة المسلمين وعامّتهم، وذلك هو الدّين كما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» .
16-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «من عرف منه أنّه أراد بردّه على العلماء النّصيحة لله ورسوله، فإنّه يجب أن يعامل بالإكرام والاحترام والتّعظيم كسائر أئمّة المسلمين الّذين كان يردّ على المخطىء منهم، ومن عرف أنّه أراد بردّه عليهم التّنقيص والذّمّ وإظهار العيب، فإنّه يستحقّ أن يقابل بالعقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرّذائل المحرّمة» ) * «5» .
17-* (وقال- رحمه الله-: «فشتّان بين من قصده النّصيحة، وبين من قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلّا على من ليس من ذوي العقول الصّحيحة» ) * «6» .
18-* (وقال- رحمه الله-: «إنّ النّاصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنّما غرضه إزالة المفسدة الّتي وقع فيها، ولذلك فإنّه ينبغي أن تكون سرّا فيما بين الآمر والمأمور، وأمّا الإشاعة وإظهار العيوب فهو ممّا حرّمه الله ورسوله، ومن حبّ إشاعة الفاحشة في المؤمنين» ) * «7» .
19-* (قال عبّاد بن عبّاد الخوّاص الشّاميّ أبو عتبة: «أمّا بعد: اعقلوا والعقل نعمة، فربّ ذي عقل قد شغل قلبه بالتّعمّق فيما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتّى صار عن ذلك ساهيا ... إلى أن قال:
وناصحوا الله في أمّتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسّنّة. فإنّ الكتاب لا ينطق حتّى ينطق به، وإنّ السّنّة لا تعمل حتّى يعمل بها، فمتى يتعلّم الجاهل إذا سكت العالم، فلم ينكر ما ظهر ولم يأمر بما ترك، وقد أخذ الله ميثاق الّذين أوتوا الكتاب ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه ... ولا تكتفوا من السّنّة بانتحالها بالقول دون العمل بها، فإنّ انتحال السّنّة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العلم، ولا تعيبوا بالبدع تزيّنا بعيبها فإنّ فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم، ولا تعيبوها بغيا على أهلها. فإنّ البغي من فساد أنفسكم، وليس ينبغي للمطبّب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه، فإنّه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم، ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصّحّة ليقوى بها على علاج المرضى، فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربّكم، وشفقة منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب
__________
(1) بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (5/ 67) .
(2) المرجع السابق (3/ 605) .
(3) بصائر ذوي التمييز للفيروزآبادي (5/ 64) .
(4) الفرق بين النصيحة والتعيير (32- 33) .
(5) الفرق بين النصيحة والتعيير (36) بتصرف يسير.
(6) الفرق بين النصيحة والتعيير (41) .
(7) المرجع السابق (39) بتصرف.(8/3505)
أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم، وأن يستعظم بعضكم بعضا النّصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم. وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله تعالى عنه-:
«رحم الله من أهدى إليّ عيوبي» ، تحبّون أن تقولوا فيحتمل لكم، وإن قيل لكم مثل الّذي قلتم غضبتم، تجدون على النّاس فيما تنكرون من أمورهم وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبّون أن يؤخذ عليكم ... » ) * «1» .
20-* (قال بعض الشّعراء:
اصف ضميرا لمن تعاشره ... واسكن إلى ناصح تشاوره
وارض عن المرء في مودّته ... ممّا يؤدّي إليك ظاهره
من يكشف النّاس لا يجد أحدا ... تنصح منهم له سرائره
أوشك أن لا يدوم وصل أخ ... في كلّ زلّاته تنافره
«2» .
21-* (وقال آخر:
وأجب أخاك إذا استشارك ناصحا ... وعلى أخيك نصيحة لا تردد
«3» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الوصية والتواصي)
22-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عندما قيل له: أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: أوصيكم بذمّة الله، فإنّه ذمّة نبيّكم، ورزق عيالكم» ) * «4» .
23-* (عن جابر- رضي الله عنه- لمّا حضر أحد «5» . دعاني أبي من اللّيل فقال: ما أراني إلّا مقتولا في أوّل من يقتل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنّي لا أترك بعدي أعزّ عليّ منك، غير نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّ عليّ دينا فاقضه «6» ، واستوص بأخواتك خيرا) * «7» .
24-* (قال جندب لأصحابه وهو يوصيهم:
إنّ أوّل ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألّا يأكل إلّا طيّبا فليفعل، ومن استطاع ألّا يحال بينه وبين الجنّة بملء كفّ من دم هراقه فليفعل» ) * «8» .
25-* (عن الشّافعيّ- رضي الله عنه- قال في قوله تعالى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (العصر/ 1- 3) . لو تدبّر النّاس هذه السّورة لوسعتهم» ) * «9» .
26-* (سأل بعضهم شيخ الإسلام ابن تيميّة أن يوصيه بما فيه صلاح دينه ودنياه، فأجاب- رحمه الله-: أمّا الوصيّة فما أعلم وصيّة أنفع من وصيّة الله
__________
(1) الدارمي (1/ 166- 167) .
(2) أدب الدنيا والدين (291) .
(3) المرجع السابق (294) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3162) .
(5) المراد: لما كان يوم غزوة أحد.
(6) أي اقض عني هذا الدين.
(7) البخاري- الفتح 3 (1351) .
(8) البخاري- الفتح 3 (7152) ، قال ابن حجر: وقع هذا الحديث من هذا الوجه موقوفا، وهكذا أخرجه الطبراني عن الحسن عن جندب موقوفا، قال: وسياقه يحتمل الرفع والوقف.
(9) تفسير ابن كثير (4/ 585) .(8/3506)
ورسوله لمن عقلها واتّبعها، قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ (النساء/ 131) ، ووصّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاذا لمّا بعثه إلى اليمن فقال: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» «1» . فهذه وصيّة جامعة لمن عقلها، مع أنّها تفسير للوصيّة القرآنيّة، أمّا بيان جمعها فلأنّ العبد عليه حقّان: حقّ لله عزّ وجلّ، وحقّ لعباده، ثمّ الحقّ الّذي عليه لا بدّ أن يخلّ ببعضه أحيانا، إمّا بترك المأمور به أو فعل المنهيّ عنه، وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت» تحقيق لحاجته إلى التّقوى في السّرّ والعلانيّة (وفي كلّ زمان ومكان) ، ثمّ قال: «وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها» لأنّه لمّا كان الذّنب للعبد كأنّه أمر حتم كان الكيّس هو الّذي لا يزال يأتي من الحسنات ما يمحو به السّيئات، وفي هذا إرشاد للخاصّة والعامّة بما يخلّص النّفوس من ورطات الذّنوب وهو إتباع السّيّئات الحسنات، ولمّا قضى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بهاتين الكلمتين حقّ الله من عمل الصّالح وإصلاح الفاسد، قال: «وخالق النّاس بخلق حسن» وهو حقّ النّاس، وأمّا بيان أنّ هذا كلّه في وصيّة الله فهو أنّ اسم «تقوى الله يجمع فعل كلّ ما أمر به الله به إيجابا واستحبابا، وما نهى عنه تحريما وتنزيها، وهذا يجمع حقوق الله وحقوق العباد) * «2» .
من فوائد (النصيحة والتواصي)
(1) النّصيحة لبّ الدّين وجوهر الإيمان.
(2) دليل حبّ الخير للآخرين، وبغض الشّرّ لهم.
(3) تكثير الأصحاب؛ إذ إنّه يؤمن منه الجانب، وتقليل الحسّاد؛ إذ إنّه لا يحبّ لغيره الشّرّ والفساد.
(4) صلاح المجتمع؛ إذ تشاع فيه الفضيلة، وتستر فيه الرّذيلة.
(5) إحلال الرّحمة والوداد مكان القسوة والشّقاق.
(6) الاشتغال بالنّفس لاستكمال الفضائل من تمام النّصح.
(7) بيان خطأ المخطىء في المسألة والمسائل- وإن كرهه- من النّصيحة الواجبة لا من الغيبة المحرّمة.
(8) من قام بها على وجهها يستحقّ الإكرام لا اللّوم والتّقريع.
(9) في التّواصي بالحقّ وبالصّبر ونحوهما ما يكفل حياة مستقرّة للمجتمع الإسلاميّ.
(10) في الأخذ بوصيّة الله- عزّ وجلّ- ووصيّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم صلاح حال الفرد والمجتمع معا.
(11) للوصيّة الصّادقة تأثير بالغ في النّفس وهي دافع قويّ لتنفيذ الموصى به.
(12) الوصيّة وسيلة من وسائل التّقوى والتّذكّر والتّعقّل «3» .
__________
(1) انظر هذا الحديث في صفة حسن الخلق، ج 5 ص 1575 (حديث رقم 1) .
(2) باختصار وتصرف يسير عن الفتاوى 10/ 653-، 654
(3) انظر الشاهد القرآني رقم (14) .(8/3507)
النظام
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
7/ 12/-
النظام لغة:
مصدر قولهم: نظمت الشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ن ظ م) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على تأليف الشّيء وتآلفه «1» ، وقال الجوهريّ: يقال: نظمت اللّؤلؤ أي جمعته في السّلك، والتّنظيم مثله، ومنه نظمت الشّعر (نظما) ، ونظّمته (تنظيما) ، والنّظام الخيط الّذي ينظم به اللّؤلؤ، ونظم من لؤلؤ، وهو في الأصل مصدر (سمّي به) ، وقال ابن الأثير: وفي حديث أشراط السّاعة «وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه» النّظام العقد من الجوهر والخرز ونحوهما، وسلكه خيطه.
وقال ابن منظور: النّظم التّأليف، يقال نظمه نظما ونظاما، ونظّمه فانتظم وتنظّم، ويقال: نظمت اللّؤلؤ أي جمعته في السّلك، وكلّ شيء قرنته بآخر أو ضممت بعضه إلى بعض فقد نظمته، والنّظم (يستعمل أيضا) بمعنى المنظوم، وذلك وصف بالمصدر، والنّظام ما نظمت فيه الشّيء من خيط وغيره، ونظام كلّ أمر: ملاكه، والجمع أنظمة وأناظيم ونظم، والنّظم (أيضا) نظمك الخرز بعضه إلى بعض في نظام واحد، ويقال: ليس لأمره نظام أي لا تستقيم طريقته، والانتظام: الاتّساق، والنّظام: الهدي والسّيرة، وليس لأمرهم نظام، أي ليس له هدي ولا متعلّق ولا استقامة، وما زال على نظام واحد أي عادة، ويقال:
تناظمت الصّخور: تلاصقت، جاء في المعجم الوسيط: النّظام التّرتيب والاتّساق، ونظام الأمر:
قوامه وعماده، والنّظام: الطّريقة: يقال ما زال على نظام واحد (أي طريقة واحدة) «2» .
قلت: وفي حديث أمّ معبد جاء في صفته صلّى الله عليه وسلّم كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن، يعني أنّ كلامه- عليه الصّلاة والسّلام- كان ينساب مرتّبا منسّقا كأنّه خرزات عقد تنساب في سلاسة وترتيب، فلا يتأخّر ما حقّه التّقديم، ولا يتقدّم اللّاحق على السّابق، وإنّما وضع كلّ في مكانه اللّائق به «3» .
__________
(1) فى الأصل «على تأليف الشيء وتأليفه» بتكرير لفظ تأليفه، وهذا التكرير لا معنى له وقد ذكر المحقق في هامش (3) أنه ربما كان المقصود «وتكثيفه» وهذا بعيد جدا من حيث اللفظ والمعنى، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2) مقاييس اللغة (5/ 443) ، والصحاح (5/ 2041) ، والنهاية (5/ 79) ، ولسان العرب (نظم) (1469) (ط. دار المعارف) ، والمعجم الوسيط (2/ 941) .
(3) منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير (172) .(8/3508)
النظام اصطلاحا:
لم تذكر كتب الاصطلاحات القديمة الّتى وقفنا عليها لفظ «نظام» باعتباره مصطلحا خاصّا بفنّ معيّن ومن ثمّ يكون اللّفظ في معناه الأخلاقيّ باقيا على أصل معناه في الاستعمال اللّغويّ، وإذا استرشدنا بما جاء في حديث أمّ معبد من وصف كلامه صلّى الله عليه وسلّم بأنّه «خرزات نظم يتحدّرن» وبما جاءت به معاجم اللّغة، من أنّ النّظام يعني الاتّساق والاستقامة، فإنّنا نستطيع القول بأنّ «النّظام» في الاصطلاح (الأخلاقيّ) هو:
أن يرتّب الفرد أو الجماعة الأمور ترتيبا يجعلها متناسقة مؤتلفة لا تناقض فيها ولا تنافر (بحيث يتقدّم ما حقّه التّقديم ويتأخّر ما ينبغي فيه التّأخير) ولا يكون ذلك إلّا باتّباع منهج الشّرع الحنيف، وما أقرّته الجماعة بما لا يتعارض مع هذا المنهج.
أمّا في المعاجم المتخصّصة الحديثة؛ فقد وردت للنّظام التّعاريف الاصطلاحيّة الآتية:
النّظام: قواعد ضبط السّلوك أو العمل ورقابتهما «1» وقيل: هو قواعد ضبط السّلوك أو العمل به «2» .
ويقال: النّظام: وضع الأشياء أو الأفكار على صورة مرتّبة.
أمّا النّظام الاجتماعيّ فهو جملة القوانين الّتي يخضع لها المجتمع «3» .
وفي المجال الإداريّ يعرّف النّظام بأنّه:
المبدأ الّذي يقضي بضرورة ترتيب العناصر المادّيّة والبشريّة في المشروع بطريقة منطقيّة ومنسّقة «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الطاعة- المراقبة- المسئولية- الرجولة- التأني.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإهمال- التفريط والإفراط- التهاون- البذاءة- الطيش- العجلة] .
__________
(1) فى الأصل: قواعد ضبط ورقابة السلوك أو العمل، وقد أصلحنا العبارة بما يتفق مع الاستعمال الفصيح فى اللغة.
(2) معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (111) وانظر أيضا معجم مصطلحات العلوم الإنسانية (109) .
(3) المعجم الفلسفي (201) .
(4) معجم مصطلحات العلوم الإدارية (319) .(8/3509)
الآيات الواردة في «النظام» معنى
1- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) «1»
2- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «2»
3- قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (110) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ
ساحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (113) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) * وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118)
__________
(1) آل عمران: 121- 125 مدنية
(2) النساء: 102- 103 مدنية(8/3510)
فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) «1»
4- وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «2»
5- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) «3»
6- قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30)
__________
(1) الأعراف: 106- 120 مكية
(2) النور: 59- 62 مدنية
(3) النمل: 17- 21 مكية(8/3511)
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)
قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33)
قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) «1»
7- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «2»
__________
(1) النمل: 29- 34 مكية
(2) الصف: 4 مدنية(8/3512)
الأحاديث الواردة في (النظام) معنى
1-* (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال عمرو: كان النّاس إذا نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا، تفرّقوا في الشّعاب والأودية، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ تفرّقكم في هذه الشّعاب والأودية، إنّما ذلكم من الشّيطان» فلم ينزل بعد ذلك منزلا إلّا انضمّ بعضهم إلى بعض حتّى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمّهم) * «1» .
2-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخازن المسلم الأمين الّذي (ينفذ وربّما قال يعطى) ما أمر به، فيعطيه كاملا موفّرا، طيّبة به نفسه، فيدفعه إلى الّذي أمر له به، أحد المتصدّقين» ) * «2» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله- عزّ وجلّ-، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم.
فإذا فعلوا، فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم» .
وفي لفظ آخر: «واتّق دعوة المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب) » * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربّنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون، وأقيموا الصّفّ في الصّلاة، فإنّ إقامة الصّفّ من حسن الصّلاة» ) * «4» .
5-* (عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمّروا أحدهم» ) * «5» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سوّوا صفوفكم، فإنّ تسوية الصّفّ من تمام الصّلاة» ) * «6» .
7-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نجد، فوازينا العدوّ فصاففنا لهم، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي لنا، فقامت طائفة معه تصلّي، وأقبلت طائفة على العدوّ، وركع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن معه وسجد
__________
(1) أبو داود (2628) واللفظ له. وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 21) وقال محققه هو حديث حسن.
(2) البخاري- الفتح 3 (1438) . ومسلم (1023) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 5 (2448) . ومسلم (19) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (722) واللفظ له. ومسلم (414) .
(5) أبو داود (2608) وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (5/ 18) وقال محققه: إسناده حسن.
(6) البخاري- الفتح 2 (723) . ومسلم (433) واللفظ له.(8/3513)
سجدتين، ثمّ انصرفوا مكان الطّائفة الّتي لم تصلّ فجاءوا، فركع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهم ركعة وسجد سجدتين، ثمّ سلّم، فقام كلّ واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين) * «1» .
8-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: «كنّا نبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، يقول لنا: فيما استطعت» ) * «2» .
9-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصّلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. ليليني منكم أولو الأحلام والنّهى «3» ، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم) * «4» .
10-* (عن أبي عبد الله النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ) * «5» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلّا بإذنه «6» .، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلّا بإذنه) * «7» .
12-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما. ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلّا بإذنه» ) * «8» .
من فوائد (النظام)
(1) دليل الالتزام بأحكام الشّرع.
(2) إمكان القيام بالأعمال الكثيرة في الأوقات القليلة.
(3) القيام بالأعباء على قدر التّحمّل والإمكانات.
(4) التزام النّظام يبعد الشّيطان ويجلب البركة.
(5) النّظام يحفظ أمر الجماعة ويقيها من الاختلاف والتفرّق.
(6) النّظام يؤدّي إلى ألفة الجماعة وعدم اختلافها.
(7) النّظام يوطّد أركان الأسرة ويدعّم العلاقات الاجتماعيّة.
(8) النّظام يبعد الشّحناء ويؤدّي إلى تولية الأحقّ في الإمامة وغيرها.
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (942) واللفظ له. ومسلم (839) .
(2) مسلم (1867) .
(3) الأحلام والنهي: أي ذوو الألباب والعقول.
(4) مسلم (432) .
(5) البخاري- الفتح 2 (717) . ومسلم (436) واللفظ له.
(6) شاهد: أي حاضر. وهذا في صوم التطوع أما صوم الفريضة فلا تحتاج إلى إذنه.
(7) البخاري- الفتح 9 (5195) . ومسلم (1026) واللفظ له.
(8) مسلم (673) .(8/3514)
النظر والتبصر
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
145/ 13/ 16
النّظر والتّبصّر لغة: النّظر لغة:
اسم لحسّ العين، ومصدر لقولهم: نظره، ونظر إليه نظرا ومنظرا ونظرانا ومنظرة وتنظارا بمعنى: تأمّله بعينه، ويقال: نظر لهم بمعنى رثى لهم وأعانهم، ونظر بينهم: حكم «1» ، وقال ابن منظور: النّظر: الفكر في الشّيء تقدّره وتقيسه منك، والنّظرة: اللّمحة بالعجلة، وقول بعضهم: من لم يعمل نظره لم يعمل لسانه، معناه: من لم يرتدع بالنّظر إلى نفسه من ذنب أذنبه لم يرتدع بالقول، أمّا قوله سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (القيامة/ 22) فالمراد أنّها نضرت بنعيم الجنّة والنّظر إلى ربّها «2» ، والنّظر يقع على الأجسام والمعاني، فما كان بالأبصار فهو للأجسام وما كان بالبصائر كان للمعاني «3» ، أمّا قوله سبحانه وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (الأعراف/ 198) فالمراد بالنّظر- كما يقول القرطبيّ:
فتح العينين إلى المنظور إليه، أي وتراهم (أي الأصنام) كالنّاظر إليك وقيل كانت لهم أعين من جواهر مصنوعة فلذلك قال: وتراهم ينظرون، وقيل المراد بذلك المشركون، أخبر عنهم بأنّهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم «4» ، وقال صاحب البصائر:
واستعمال النّظر في البصر أكثر استعمالا عند العامّة، وفي البصيرة عند الخاصّة، ويقال: نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أم لم تره، ونظرت إليه: إذا رأيته وتدبّرته ومن ذلك قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (الغاشية/ 17) ، أمّا قولهم:
نظرت في كذا. فالمعنى تأمّلته وذلك كما في قوله تعالى:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ..
(الأعراف/ 185) إذ يراد منه الحثّ على تأمّل حكمته في خلقها، والنّظر أيضا: الانتظار، ومنه قوله تعالى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (الحديد/ 13) ، ويستعمل النّظر أيضا في التّحيّر في الأمر نحو قوله تعالى: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (البقرة/ 55) ، والنّظر: البحث، وهو أعمّ من القياس، لأنّ كلّ
__________
(1) القاموس المحيط 663 (ط. بيروت) ، وقد حكى الفيروزابادي فتح العين وكسرها في الماضي، فقال: نظره كنصره وسمعه، لكن الفتح هو الأكثر استعمالا.
(2) نقل ابن منظور في هذا الموضع عن الأزهري قوله: ولا وجه لمن قال في معنى الآية الكريمة أن النظر هنا معناه الانتظار لأن الفعل «نظر» إذا تعدى بإلى فإنه لا يكون (النظر) إلا بالعين. انظر اللسان 5/ 216، 217
(3) لسان العرب 5/ 218
(4) تفسير القرطبي 7/ 344، وقد ذهب أبو عبيد إلى المعنى الأول ولكنه ذكر أن المراد المقابلة لأن النظر لا يكون إلا بها، انظر اللسان 5/ 218(8/3515)
قياس نظر، ولا عكس، والنّظير المثل، والجمع نظراء، وأصله المناظر، كأنّ كلّ واحد منهما ينظر إلى صاحبه فيباريه، والمناظرة المباحثة والمباراة في النّظر، واستحضار كلّ ما يراه (المناظر) ببصيرته «1» .
التّبصّر لغة:
التّبصّر في اللّغة مصدر قولهم: تبصّر الشّيء إذا نظر إليه هل يعرفه؟ وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء «2» ، ومعناه: التّأمّل والتّعرّف، أمّا التّبصير فهو التّعريف والإيضاح، يقال: بصّره بالأمر تبصيرا وتبصرة فهّمه إيّاه، أمّا البصر فهو اسم لحاسّة الإبصار، أي الرّؤية «3» والبصيرة:
عقيدة القلب، وقيل هي اسم لما اعتقد في القلب من الدّين وتحقيق الأمر، وقيل: هي الفطنة، وقيل: هي الثّبات في الدّين، وقولهم: فعل ذلك علي بصيرة أي على عمد، وعلى غير بصيرة أي على غير يقين ويقال:
تبصّر في رأيه واستبصر: تبيّن ما يأتيه من خير وشرّ، أمّا قولهم: استبصر في أمره ودينه، فمعناه: كان ذا بصيرة، أمّا قوله سبحانه (في عاد وثمود) وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (العنكبوت/ 38) فمعناه: أنّهم أتوا ما أتوه وقد تبيّن لهم أنّ عاقبته عذابهم «4» .
وقال القرطبيّ: في ذلك قولان (آخران) أحدهما: كانوا مستبصرين في الضّلالة «5» ، والآخر:
كانوا مستبصرين قد عرفوا الحقّ من الباطل بظهور البراهين، وهذا القول أشبه، لأنّه إنّما يقال: فلان مستبصر إذا عرف الشّيء على الحقيقة، قال الفرّاء:
كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم «6» .
وقال الفيروزاباديّ: البصيرة هي قوّة القلب المدركة، ويقال لها بصر أيضا، ولا يكاد يقال للجارحة النّاظرة بصيرة، إنّما هي بصر، وقول الله عزّ وجلّ أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ (يوسف/ 108) فالمعنى:
على معرفة وتحقّق، أمّا قوله سبحانه: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
فالمعنى عليه من جوارحه بصيرة تبصره وتشهد عليه يوم القيامة، وقيل جعله على نفسه بصيرة كما يقال: فلان جود لأنّ الإنسان ببديهة عقله يعلم أنّ ما يقرّبه إلى الله هو السّعادة، وما يبعده عن طاعته هو الشّقاوة، وقيل الهاء (أي التّاء) في بصيرة للمبالغة، (والمعنى أنّ الإنسان بصير على نفسه بدرجة تشرف على الغاية) «7» ، وقال القرطبيّ: جاء تأنيث البصيرة لأنّ المراد بالإنسان هنا الجوارح لأنّها شاهدة على نفس الإنسان، فكأنّه قال: بل الجوارح على نفس
__________
(1) بتصرف يسير عن: بصائر ذوي التمييز 5/ 82- 84، ومقاييس اللغة لابن فارس 1/ 253
(2) انظر في مدلول لفظ «البصر» ما ذكرناه عن أئمة اللغة في صفة «غض البصر» .
(3) لسان العرب 4/ 65 (ط. بيروت) .
(4) نقل القرطبي هذا القول عن مجاهد، تفسير القرطبي 13/ 344
(5) السابق، الصفحة نفسها.
(6) بصائر ذوي التميير 2/ 223
(7) تفسير القرطبي 19/ 100، وقد ذكر آراء أخرى في تفسير الآية الكريمة عن بعض التابعين سنذكرها في قسم الآثار.(8/3516)
الإنسان بصيرة «1» ، أمّا جعل آية النّهار مبصرة في قوله سبحانه: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً (الإسراء/ 12) فالمعنى: صار أهله بصراء «2» ، وقيل:
منيرة أو مضيئة، يبصر فيها «3» ، والمستبصر في حديث أمّ سلمة «أليس الطّريق يجمع التّاجر وابن السّبيل والمستبصر والمجبور» يقصد به: المستبين للشّيء، أي أنّهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم، أرادت أنّ تلك الرّفقة قد جمعت الأخيار والأشرار «4» .
مادّة البصر في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض أهل التّفسير أنّ البصر «5» في القرآن الكريم على أربعة أوجه:
الأوّل: البصر بالقلب ومنه قوله تعالى: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (الأعراف/ 198) «6» .
الثّاني: البصر بالعين، ومنه قوله تعالى:
فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق/ 22) .
الثّالث: البصر بالحجّة، ومنه قوله تعالى: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (طه/ 125) .
الرّابع: البصر: الاعتبار، ومنه قوله تعالى:
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (الذاريات/ 21) أي تعتبرون وقد جعل بعضهم هذا الوجه من النّوع الأوّل وهو البصر بالقلب «7» .
النّظر والتّبصّر اصطلاحا:
النّظر اصطلاحا:
قال الفيروزاباديّ: النّظر: تقليب البصيرة لإدراك الشّيء ورؤيته وقد يراد به التّأمّل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص «8» .
أمّا التّبصّر:
فلم يرد ضمن ما أوردته كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها- ومن ثمّ فإنّه يكون باقيا على أصل استعماله في اللّغة، وإذا تأمّلنا ما ذكره صاحب اللّسان من أنّ التّبصّر هو النّظر إلى الشّيء بقصد معرفته «9» ، وأنّ تبصّر واستبصر بمعنى، يقال تبصّر في رأيه واستبصر: تبيّن ما يأتيه من خير وشرّ، وتأمّلنا أيضا ما ذكره القرطبيّ من أنّ الاستبصار هو معرفة الشّيء على الحقيقة (من خلال البراهين) «10» ، وأنّ الألف والسّين والتّاء تدلّ على الطّلب (وهذا هو المعنى الصّرفيّ للصّيغة) ؛ إذا كان الأمر كذلك فإنّه يمكن تعريف التّبصّر من خلال ما ذكره اللّغويّون والمفسّرون بالقول:
التّبصّر:
طلب معرفة الأمور على حقيقتها من خلال البراهين الحسّيّة الّتي يمكن للعين رؤيتها وللبصيرة
__________
(1) تفسير القرطبي 19/ 100
(2) بصائر ذوي التمييز 2/ 223
(3) تفسير ابن كثير 3/ 29، والبحر المحيط 6/ 3
(4) النهاية لابن الأثير 1/ 132
(5) في الأصل «البصير» ، وما ذكرناه أولى لأن الوجه الرابع يتعلق بالبصر مطلقا لا بلفظ «بصر» فقط.
(6) مبنى هذا التفسير على أن المراد هنا هم المشركون وليس الأصنام (انظر المقدمة اللغوية) .
(7) نزهة الأعين النواظر ص 200- 201
(8) بصائر ذوي التمييز 5/ 82
(9) عبارة ابن منظور في اللسان: تبصر الشيء: نظر إليه، هل يعرفه؟ (اللسان 4/ 65) .
(10) انظر تفسير القرطبي 13/ 343(8/3517)
(أي قوّة القلب المدركة) تأمّلها واعتقاد صحّتها..
وهذه خطوة نحو تحقيق النّظر بمعناه الأخير الّذي ذكره الفيروز اباديّ، أمّا المعنيان الأوّلان للنّظر وهما:
تقليب البصيرة، والتأمّل والفحص فهما من أعمال العقل الخالصة، ولهذا فقد ربطنا بين الأمرين النّظر والتّبصّر لأنّ كلّا منهما لا يغني عن الآخر من ناحية، ولأنّ النّاس مختلفون في قدراتهم من ناحية ثانية، فهناك من قويت بصائرهم ويستطيعون من خلالها تحقيق المعرفة واليقين المطلوبين، وهناك من لم يزوّدوا بمثل هذه القوّة، وهؤلاء عليهم النّظر في البراهين الحسّيّة الّتي توصّلهم إلى الغاية المطلوبة.
والخلاصة أنّ بين الأمرين (النّظر والتّبصّر) تكاملا وهما معا يسدّان حاجة جميع النّاس على اختلاف عقولهم، فالنّظر (العقليّ) قد يكتفي به البعض، أمّا البعض الآخر فعليه أن يطلب المعرفة (وخاصّة ما يتعلّق بمعرفة الله عزّ وجلّ) من خلال رؤيته لعجائب الصّنعة وعظيم الإتقان فيها، وفي ضوء ذلك نستطيع أن نصوغ تعريفا للأمرين معا على النّحو التّالي:
النّظر والتّبصّر: تقليب البصيرة لإدراك حقائق الأشياء ومعرفتها بعد التّأمّل فيها وفحصها وطلب ذلك من خلال البراهين الحسّيّة المشاهدة «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاعتبار- التأمل التبين- التدبر- التفكر- البصيرة- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب- التفريط والإفراط- طول الأمل] .
__________
(1) استنبطنا هذه الفقرة من أقوال العلماء في هذه المادة.(8/3518)
الآيات الواردة في «النظر والتبصر»
أولا: الآيات الواردة في النظر:
أ- الأمر بالنظر في مخلوقات الله عز وجل-:
1- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(259) «1»
2- وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) «2»
3- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) «3»
4- أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «4»
5- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) «5»
6- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «6»
7- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) «7»
8- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) «8»
__________
(1) البقرة: 259 مدنية
(2) الأنعام: 99 مكية
(3) الأعراف: 133 مكية
(4) الأعراف: 185 مكية
(5) يونس: 101 مكية
(6) العنكبوت: 20 مكية
(7) الروم: 50 مكية
(8) ق: 6- 7 مكية(8/3519)
9- أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) «1»
ب- الأمر بالنظر في أحوال الأمم السابقة:
10- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) «2»
11- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) «3»
12- وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «4»
13- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) «5»
14- فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «6»
15- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «7»
16- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) «8»
17- وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) «9»
__________
(1) الغاشية: 17- 20 مكية
(2) آل عمران: 137 مدنية
(3) الأنعام: 11 مكية
(4) الأعراف: 84- 86 مكية
(5) الأعراف: 103 مكية
(6) يونس: 73 مكية
(7) يوسف: 109 مكية
(8) النحل: 36 مكية
(9) النمل: 14 مكية(8/3520)
18- وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «1»
19- لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) «2»
20- فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) «3»
21- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «4»
22- ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) «5»
23- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «6»
24- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) «7»
25-* أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) «8»
26- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «9»
27-* أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) «10»
__________
(1) النمل: 50- 51 مكية
(2) النمل: 68- 69 مكية
(3) القصص: 40 مكية
(4) الروم: 9 مكية
(5) الروم: 41- 42 مكية
(6) فاطر: 44 مكية
(7) الصافات: 72- 73 مكية
(8) غافر: 21 مكية
(9) غافر: 82 مكية
(10) محمد: 10 مدنية(8/3521)
ج- الأمر بالنظر في أحوال المكذبين والمشركين:
28- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) «1»
29- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) «2»
30- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24) «3»
31- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) «4»
32- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «5»
33- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) «6»
34- انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) «7»
35- قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) «8»
36- وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ
__________
(1) النساء: 49- 50 مدنية
(2) المائدة: 75 مدنية
(3) الأنعام: 22- 24 مكية
(4) الأنعام: 46 مكية
(5) الأنعام: 65 مكية
(6) يونس: 38- 39 مكية
(7) الإسراء: 48- 49 مكية
(8) طه: 97 مكية(8/3522)
يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «1»
37-* قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) «2»
د- الأمر بالنظر في أحوال الدنيا وخلق الإنسان:
38- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) «3»
39- اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33) «4»
40- فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) «5»
41- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (29)
وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32) «6»
42- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5)
خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6)
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7)
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) «7»
__________
(1) الفرقان: 7- 9 مكية
(2) الزخرف: 24- 25 مكية
(3) الإسراء: 18- 20 مكية
(4) النمل: 28- 33 مكية
(5) الصافات: 102 مكية
(6) عبس: 24- 33 مكية
(7) الطارق: 5- 8 مكية(8/3523)
ثانيا: التبصر:
أ- البصير من أسماء المولى- عز وجل- وصفاته*:
43- وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96) «1»
44- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «2»
45-* وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «3»
46- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4»
47- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
(265) «5»
ب- البصر من نعم الله- عز وجل- التي وهبها الإنسان (يحفظها عليه ويسأله عنها) :
48- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «6»
49- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ
__________
* اكتفينا بما ورد في سورة البقرة، وقد ورد الإسم الكريم «البصير» الوصف «بصير» في ثمان وثلاثين آية أخرى، تنظر في المصحف الشريف وهي: آل عمران، الآيات/ 15، 15620، 163، والنساء: الآيتان/ 58، 134، المائدة/ 71، الأنفال/ 39، 72، هود/ 112، الإسراء/ 1، 17، 30، 96، طه/ 35، الحج/ 61، 75، الفرقان/ 20، لقمان/ 28، الأحزاب/ 9، سبأ/ 11، فاطر/ 31، 45، غافر/ 20، 44، 56، فصلت/ 40، الشورى/ 11، 27، الفتح/ 24، الحجرات/ 18، الحديد 4، المجادلة/ 1، الممتحنة/ 3، التغابن/ 2، الملك/ 19، الإنسان/ 2، الإنشقاق 15
(1) البقرة: 96 مدنية
(2) البقرة: 110 مدنية
(3) البقرة: 233 مدنية
(4) البقرة: 237 مدنية
(5) البقرة: 265 مدنية
(6) البقرة: 20 مدنية(8/3524)
كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) «1»
50- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) «2»
51- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) «3»
52- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (78) «4»
53- ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (9) «5»
54- وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «6»
55- قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (23) «7»
ج- البصر وسيلة لإدراك نعم الله- عز وجل- ومعرفته:
56- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) «8»
57- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «9»
58- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) «10»
59- هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14)
أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) «11»
__________
(1) الأنعام: 46 مكية
(2) النحل: 78 مكية
(3) الإسراء: 36 مكية
(4) المؤمنون: 78 مكية
(5) السجدة: 6- 9 مكية
(6) الأحقاف: 26 مكية
(7) الملك: 23 مكية
(8) القصص: 72 مكية
(9) السجدة: 27 مكية
(10) الذاريات: 20- 21 مكية
(11) الطور: 14- 15 مكية(8/3525)
60- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «1»
61- الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) «2»
د- مجالات التبصر ووسائلة:
62- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) «3»
63- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) «4»
64- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12)
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) «5»
65- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «6»
66- قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) «7»
67- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) «8»
68- أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) «9»
69- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «10»
__________
(1) الحشر: 2 مدنية
(2) الملك: 3- 4 مكية
(3) الأعراف: 203 مكية
(4) يونس: 67 مكية
(5) الإسراء: 12- 13 مكية
(6) الإسراء: 59 مكية
(7) الإسراء: 102 مكية
(8) النمل: 13 مكية
(9) النمل: 86 مكية
(10) القصص: 43 مكية(8/3526)
70- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) «1»
71- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «2»
72- وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) «3»
هـ- التبصر من صفات الأنبياء والمؤمنين:
73- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «4»
74- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) «5»
75- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) «6»
76- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «7»
77- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23)
* مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) «8»
78- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «9»
79- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «10»
__________
(1) غافر: 61 مكية
(2) الجاثية: 20 مكية
(3) ق: 7- 8 مكية
(4) آل عمران: 13 مدنية
(5) الأنعام: 50 مكية
(6) الأنعام: 104 مكية
(7) الأعراف: 201 مكية
(8) هود: 23- 24 مكية
(9) يوسف: 108 مكية
(10) الرعد: 16 مدنية(8/3527)
80- قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) «1»
81- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) «2»
82- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (19)
وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (20)
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) «3»
83- وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178)
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) «4»
84- وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45)
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) «5»
85- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «6»
86- وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16)
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17)
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «7»
87- وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) «8»
88- يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) «9»
__________
(1) طه: 96 مكية
(2) النور: 43- 44 مدنية
(3) فاطر: 19- 22 مكية
(4) الصافات: 175- 179 مكية
(5) ص: 45- 47 مكية
(6) غافر: 58 مكية
(7) النجم: 13- 18 مكية
(8) القلم: 3- 6 مكية
(9) القيامة: 13- 15 مكية(8/3528)
و الكفار والمنافقون لا ينفعهم الله- عز وجل- بالتبصر:
89- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) «1»
90- وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) «2»
91- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «3»
92- أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) «4»
93- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «5»
94- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) «6»
95- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «7»
96- وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) «8»
97- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107)
أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) «9»
__________
(1) البقرة: 7 مدنية
(2) الأنعام: 110 مكية
(3) الأعراف: 179 مكية
(4) الأعراف: 195 مكية
(5) الأعراف: 198 مكية
(6) يونس: 42- 43 مكية
(7) هود: 19- 20 مكية
(8) الحجر: 14- 15 مكية
(9) النحل: 106- 108 مكية(8/3529)
98- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) «1»
99- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) «2»
100- وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) «3»
101- الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) «4»
102- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «5»
103- وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (26) «6»
104- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) «7»
ز- التبصر في غير وقته لا جدوى فيه:
105- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38) «8»
106- وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) «9»
107- وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62)
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63)
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) «10»
__________
(1) الحج: 46 مدنية
(2) العنكبوت: 38 مكية
(3) يس: 9 مكية
(4) يس: 65- 66 مكية
(5) الجاثية: 23 مكية
(6) الأحقاف: 26 مكية
(7) محمد: 22- 23 مدنية
(8) مريم: 37- 38 مكية
(9) السجدة: 12 مكية
(10) ص: 62- 64 مكية(8/3530)
108- لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «1»
109- وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) «2»
ح- التبصر يمنع من الموبقات:
110- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) «3»
111- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) «4»
الآيات الواردة في «التبصر» معنى
112- فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(73) «5»
113- أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (6) «6»
114- أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) «7»
115- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) «8»
116-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) «9»
117- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) «10»
118- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) «11»
__________
(1) ق: 22 مكية
(2) المعارج: 10- 11 مكية
(3) الأنبياء: 2- 3 مكية
(4) النمل: 54- 55 مكية
(5) البقرة: 73 مدنية
(6) الأنعام: 6 مكية
(7) التوبة: 126 مدنية
(8) الرعد: 12 مدنية
(9) الرعد: 19 مدنية
(10) الرعد: 41 مدنية
(11) النحل: 48 مكية(8/3531)
119- أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) «1»
120-* أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «2»
121- فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88)
أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) «3»
122- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) «4»
123- بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) «5»
124- وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40) «6»
125- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «7»
126- أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) «8»
127- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «9»
128- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) «10»
129- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) «11»
130- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «12»
__________
(1) النحل: 79 مكية
(2) الإسراء: 99 مكية
(3) طه: 88- 89 مكية
(4) الأنبياء: 30 مكية
(5) الأنبياء: 44 مكية
(6) الفرقان: 40 مكية
(7) الشعراء: 7- 8 مكية
(8) النمل: 86 مكية
(9) النمل: 93 مكية
(10) العنكبوت: 19 مكية
(11) العنكبوت: 67 مكية
(12) الروم: 24 مكية(8/3532)
131- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «1»
132- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) «2»
133- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «3»
134- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «4»
135- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) «5»
136- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) «6»
137- أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) «7»
138- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «8»
139- يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
(81) «9»
140- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) «10»
141- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) «11»
142- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) «12»
__________
(1) الروم: 37 مكية
(2) لقمان: 20 مكية
(3) لقمان: 31 مكية
(4) السجدة: 27 مكية
(5) سبأ: 9 مكية
(6) يس: 71 مكية
(7) يس: 77 مكية
(8) غافر: 13 مكية
(9) غافر: 81 مكية
(10) فصلت: 15 مكية
(11) فصلت: 53 مكية
(12) الأحقاف: 33 مكية(8/3533)
143- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) «1»
144- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) «2»
145- أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (16) «3»
__________
(1) القمر: 1- 3 مكية
(2) الملك: 19 مكية
(3) نوح: 15- 16 مكية(8/3534)
الأحاديث الواردة في (النظر والتبصر)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم، فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة «1» ، فقال: أنّا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد «2» واحد، فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر «3» ، وتدنو الشّمس، فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون، فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم، فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم ... » الحديث» ) * «4» .
2- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حديثا طويلا عن الدّجّال، فكان فيما حدّثنا قال: «يأتي «5» ، وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة «6» ، فينتهي إلى بعض السّباخ الّتي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير النّاس- أو من خير النّاس «7» - فيقول له أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثه، فيقول الدّجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته، أتشكّون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيقتله ثمّ يحييه، فيقول حين يحييه «8» : والله! ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة منّي الآن، قال فيريد الدّجّال أن يقتله، فلا يسلّط عليه» ) * «9» .
3-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
اصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت.
لبّيك وسعديك «10» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك «11» . تباركت وتعاليت.
أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك
__________
(1) نهس نهسة، أي أخذ قطعة بأطراف أسنانه.
(2) الصعيد: الأرض الواسعة المستوية.
(3) المعنى ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم.
(4) البخاري، الفتح 8 (4712) ، ومسلم 1 (194) ، واللفظ له.
(5) أي الدجال.
(6) نقاب المدينة أي طرقها وفجاجها، والنقاب جمع نقب، وهو الطريق بين جبلين.
(7) الشك من الراوي.
(8) القائل هو الرجل الذي وصفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأنه خير الناس أو من خير الناس.
(9) البخاري- الفتح 13 (7132) ، ومسلم 4 (2938) ، واللفظ له.
(10) سعديك: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة.
(11) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك.(8/3535)
ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» .
وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت. وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر. لا إله إلّا أنت» ) * «1» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله- تعالى- قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته» ) * «2»
5-* (عن ابن شهاب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام من اللّيل فنظر في أفق السّماء فقال:
«ماذا فتح اللّيلة من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟
كم من كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة، أيقظوا صواحب الحجر «3» » ) * «4» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في سجود القرآن باللّيل:
سجد وجهي للّذي خلقه، وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوّته» ) * «5» .
7-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سجد يقول: اللهمّ لك سجدت، ولك أسلمت، وبك آمنت، سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره فأحسن صورته، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» ) * «6» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا نظر أحدكم إلى من فضّل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممّن فضّل عليه» ) * «7» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) مسلم (771) .
(2) البخاري، الفتح (6502) .
(3) صواحب الحجر: هن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، والحجر هي منازلهن، وانما خصهن بالايقاظ لأنهن الحاضرات حينئذ.
(4) الموطأ 2/ 913 (كتاب اللباس ح 8) ، هكذا رواه مالك مرسلا، وقد رواه الإمام البخاري موصولا عن أم سلمة- رضي الله عنها- غير أنه لم يذكر عبارة «فنظر في أفق السماء» ، انظر: البخاري- الفتح 1 (115) .
(5) الترمذي (580) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 2/، 222
(6) النسائي 2/ 221 (ح 1126) ، وقد روى مثله ايضا عن جابر بن عبد الله حديث رقم (1127) ، ومحمد بن مسلمة (ح 1128) إلا انه قيد هذا الدعاء بسجود صلاة التطوع، وابن ماجه (1054) .
(7) البخاري، الفتح (6490) ، ومسلم (2963) .(8/3536)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألّا تزدروا نعمة الله «1» » . قال أبو معاوية «عليكم» ) * «2» . «3» .
10-* (عن أبي شريح- رضي الله عنه- أنّه قال لعمرو بن سعيد- وهو يبعث البعوث إلى مكّة- ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قام به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به: حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثمّ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب» ) * «4» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ ليلة عند خالتي ميمونة، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من اللّيل، فأتى حاجته «5» ، ثمّ غسل وجهه ويديه، ثمّ نام، ثمّ قام فأتى القربة، فأطلق شناقها «6» ، ثمّ توضّأ وضوءا بين الوضوءين، ولم يكثر، وقد أبلغ، ثمّ قام فصلّى. فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أنّي كنت أنتبه له، فتوضّأت. فقام فصلّى. فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه. فتتامّت صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اللّيل ثلاث عشرة ركعة، ثمّ اضطجع. فنام حتّى نفخ. وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصّلاة. فقام فصلّى ولم يتوضّأ وكان في دعائه «اللهم! اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وعظّم لي نورا» ) * «7» .
12-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فصلّى الغداة ثمّ جلس، حتّى إذا كان من الضّحى ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ جلس مكانه حتّى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كلّ ذلك لا يتكلّم، حتّى صلّى العشاء الآخرة، ثمّ قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شأنه؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قطّ، قال: فسأله، فقال: نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس «8» بذلك،
__________
(1) مسلم (2963) .
(2) أبو معاوية هو الذي روى الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.
(3) الفرق بين هذا الحديث والذي قبله أن هنا حثا على النظر من أول الأمر إلى من هو أسفل، كما أن فيه ذكرا لسبب النظر، أما الحديث السابق فإن الإنسان هو الذي يبدأ بالنظر إلى من هو فوقه، وربما لحقه من ذلك حرن أو نحوه، فأرشده الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى علاج هذه الحالة ومن ثم أثبتنا الحديثين معا.
(4) البخاري، الفتح (104) .
(5) أتى حاجته أي قضى حاجته في المحل الخاص بذلك.
(6) أطلق شناقها أي فك الخيط الذي تربط به في الوتد، والشناق الخيط.
(7) مسلم (763) .
(8) فظع من الفظاعة وهو الأمر الشديد الشنيع ومعنى فظع الناس أي اشتد عليهم الأمر وهالهم.(8/3537)
حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر، وأنت اصطفاك الله عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك، قال: لقد لقيت مثل الّذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (آل عمران/ 33) قال فينطلقون إلى نوح عليه السّلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديّارا، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ اتّخذه خليلا، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول:
ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ كلّمه تكليما، فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ، قال: فينطلق، فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه، فيقول الله- عزّ وجلّ-: ائذن له وبشّره بالجنّة، قال فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدا قدر جمعة، ويقول الله عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول الله عزّ وجلّ: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال:
فيذهب ليقع ساجدا، فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه «1» ، فيفتح الله- عزّ وجلّ- عليه من الدّعاء شيئا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ، خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون، ثمّ يقال: ادعو الأنبياء، قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء، فيشفعون لمن أرادوا، وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال:
يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئا، قال: فيدخلون الجنّة، قال: ثمّ يقول الله- عزّ وجلّ انظروا في النّار هل تلقون من أحد عمل خيرا قطّ؟ قال: فيجدون في النّار رجلا. فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء، فيقول الله- عزّ وجلّ-: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثمّ يخرجون من النّار رجلا فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الرّيح، فو الله لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدا! فقال الله- عزّ وجلّ-:
لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال فيقول الله
__________
(1) أخذ بضبعيه: أي أخذ بعضديه.(8/3538)
- عزّ وجلّ-: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله، قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟ قال: وذاك الّذي ضحكت منه من الضّحى» ) * «1» .
13-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكن فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (النظر والتبصر) معنى
[انظر صفات: الفراسة والبصيرة- التفكر- التدبر]
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (النظر والتبصر)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
لمّا كان يوم أحد هزم المشركون، فصرخ إبليس- لعنة الله عليه- أي عباد الله، أقراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان «3» ، فقال: أي عباد الله، أبي أبي، قال: قالت:
فو الله ما احتجزوه حتّى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، قال عروة: فو الله ما زالت في حذيفة بقيّة خير حتّى لحق بالله» ) * «4» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت «5» :
«لقد بصّر أبو بكر النّاس الهدى، وعرّفهم الحقّ الّذي عليهم وخرجوا من عنده يتلون وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... .. إلى والشّاكرين (آل عمران/ 144) » ) * «6» .
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
(القيامة/ 14) : بصيرة أي شاهد وهو شهود
__________
(1) أحمد: (1/ 4- 5) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 161) .
(2) الترمذي (2512) واللفظ له وقال: حسن غريب وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة (2963) . وابن ماجة (4142) . والحديث في المشكاة (3/ 1446) برقم (5256) وعزاه إلى الترمذي.
(3) قال الإمام البخاري عقب إيراده الحديث: بصرت: علمت من البصيرة في الأمر، وأبصرت من «بصر العين» ، ويقال: بصرت وأبصرت واحد.
(4) البخاري، الفتح (4065) .
(5) جاء ذلك في سياق حديث عائشة عن انتقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى، وما حدث من أبي بكر وعمر حينذاك.
(6) البخاري، الفتح (3670) .(8/3539)
جوارحه عليه، يداه بما يبطش بهما، ورجلاه بما مشى عليهما، وعيناه بما أبصر بهما» ) * «1» .
4-* (وقال الحسن- رضي الله عنه- في الآية الكريمة السّابقة: يعني أنّ الإنسان بصير بعيوب غيره جاهل بعيوب نفسه» ) * «2» .
5-* (عن اللّيث- رضي الله عنه- قال:
وكان الّذي نهي عنه من ذلك- أي من كراء الأرض- ما لو نظر فيه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه، لما فيه من المخاطرة» ) * «3» .
6-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى:
«من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، ونجا من شرّها، ومن لم ير العواقب غلب عليه الحسّ، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السّلامة، وبالنّصب مارجا منه الرّاحة» ) * «4» .
7-* (وقال ابن الجوزيّ- أيضا-: قرأت هذه الآية قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ (الأنعام/ 46) ، فلاحت لي إشارة كدت أطيش منها، وذلك أنّه إن كان عني بالآية نفس السّمع والبصر فإنّ السّمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات فهما يعرضان ذلك على القلب فيتدبّر ويعتبر، فإذا عرضت المخلوقات على السّمع والبصر أوصلا إلى القلب أخبارها، وأنّها تدلّ على الخالق، وتحمل على طاعة الصّانع، وتحذّر من بطشه عند مخالفته. وإن عني معنى (حقيقة) السّمع والبصر، فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا (لأنّهما) شغلا بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى وكأنّه ما رأى، ويسمع وكأنّه ما سمع» ) * «5» .
8-* (وقال ابن الجوزيّ- أيضا- «رأيت كلّ من يعثر بشيء أو ينزلق في مطر يلتفت إلى ما عثر به، فينظر إليه، طبعا موضوعا في الخلق، إمّا ليحذر منه إن جاز عليه مرّة أخرى أو لينظر- مع احترازه وفهمه- كيف فاته التّحرّز من مثل هذا؟ فأخذت من ذلك إشارة، وقلت: يا من عثر مرارا، هلّا أبصرت ما الّذي عثّرك؟ أو، هلّا قبّحت- مع حزمها- تلك الواقعة» ) * «6» .
9-* (وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
إذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه، رأى أشياء لا يقتضيها عقله، مثل الآلام والذّبح للحيوان، وتسليط الأعداء على الأولياء- مع قدرته سبحانه على منع ذلك- وكالابتلاء بالمجاعة للصّالحين..
وأشياء كثيرة من هذا الجنس يعرضها العقل على العادات في تدبيره فيرى أنّه لا حكمة تظهر له فيها.
__________
(1) تفسير القرطبي 19/ 100
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) البخاري، الفتح (2347) ، وهذا الأثر عن الليث جاء تعقيبا على حديث رافع بن خديج عن غميه أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنهى عن ذلك.
(4) صيد الخاطر ص 3
(5) المرجع السابق، 114- 115 (بتصرف واختصار) .
(6) المرجع السابق 146- 147(8/3540)
فالاحتراز من العقل به (أي بالعقل أيضا) أن يقال له: ألم يثبت عندك أنّه سبحانه مالك حكيم وأنّه لا يفعل شيئا عبثا؟ فيقول: بلى. فيقال له: نحن نحترز من تدبيرك الثّاني بما ثبت عندك في الأوّل، فلم يبق إلّا أنّه خفي عليك وجه الحكمة في فعله تعالى..
واعتبر بحال الخضر وموسى- عليهما السّلام- إذ لمّا فعل الخضر أشياء تخرج عن العادات أنكر موسى ونسي إعلام الخضر له بأنّه ينظر فيما لا يعلمه من العواقب، فإذا خفيت العاقبة على موسى مع مخلوق، فأولى أن يخفى علينا كثير من حكمة الحكيم، وهذا أصل إن لم يثبت عند الإنسان أخرجه إلى الاعتراض والكفر، وإن ثبت استراح عند نزول كلّ آفة» ) * «1» .
10-* (وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
النّظر في العواقب، وفيما يجوز أن يقع شأن العقلاء وأمّا النّظر في الحالة الرّاهنة فحسب، فحالة الجهلة الحمقى، مثل أن يرى نفسه معافى وينسى المرض، أوغنيّا وينسى الفقر أو يرى لذّة عاجلة وينسى ما تجني عواقبها، وليس للعقل شغل إلّا النّظر في العواقب، وهو يشير بالصّواب، من أين يقبل؟) * «2» .
11-* (وقال ابن مفلح (عن أبي الفرج) :
إنّما فضّل العقل على الحسّ بالنّظر في العواقب فإنّ الحسّ لا يرى إلّا الحاضر، والعقل يلاحظ الآخرة «3» ويعمل على ما يتصوّر أن يقع، فلا ينبغي للعاقل أن يغفل عن تلمّح العواقب، فمن ذلك إنّ التّكاسل في طلب العلم وإيثار عاجل الرّاحة يوجب (عند النّظر والتّبصّر) حسرات دائمة لا تفي لذّة البطالة بمعشار تلك الحسرة) * «4» .
12-* (قال ابن مفلح المقدسيّ في الفصل الّذي عقده للبصيرة (التّبصّر) والنّظر في العواقب:
كان ملوك فارس يعتبرون أحوال الحواشي (رجال حاشيتهم) بإيفاد التّحف على أيدي مستحسنات الجواري، حتّى إذا أطالوا الجلوس، ودبّت بوادي الشّهوة، قتلوهم، وكانوا إذا أرادوا مطالعة عقائد النّسّاك دسّوا من يتابعهم على ذمّ الدّولة، فإذا أظهروا ما في نفوسهم استأصلوهم. قال بعضهم: لذلك ينبغي الحذر من هذه الأحوال، ومن مخض الرّأي كانت زبدته الصّواب» ) * «5» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أيضا: (يقول الشّيطان لأعوانه) امنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتبارا، بل اجعلوه تفرّجا واستحسانا وتلهّيا، فإن استرق (البصر) نظرة عبرة فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة والاستحسان والشّهوة، فإنّ ذلك أقرب إليه وأعلق بنفسه، وأخفّ عليه، وعليكم بثغر العين فإنّكم تنالون منه بغيتكم، وإنّي ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النّظر، فإنّي أبذر به في القلب بذر الشّهوة، ثمّ أسقيه بماء الأمنية، ثمّ لا أزال أعده وأمنّيه،
__________
(1) صيد الخاطر ص 463- 464
(2) المرجع السابق ص 529
(3) الآخرة هنا ما يقع بأخرة.
(4) الآداب الشرعية 2/ 229، وقد ذكر أمثلة أخرى عديدة مشابهة.
(5) المرجع السابق 2/ 229(8/3541)
وأقوده بزمام الشّهوة إلى الانخلاع من العصمة، فلا تهملوا أمر هذا الثّغر» ) * «1» .
14-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«الرّبّ تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين:
أحدهما: النّظر في مفعولاته.
والثّاني: التّفكّر في آياته وتدبّرها.
فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة.
فالنّوع الأوّل كما في قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) ، ومثل هذا في القرآن كثير «2» والثّاني كقوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (النساء/ 82)) * «3» ، «4» .
15-* (وقال الشّاعر:
النّاس في غفلة والموت يوقظهم ... وما يفيقون حتّى ينفد العمر
يشيّعون أهاليهم بجمعهم ... وينظرون إلى ما فيه قد قبروا
ويرجعون إلى أحلام غفلتهم ... كأنّهم ما رأوا شيئا ولا نظروا
) * «5» .
16-* (وقال أبو جعفر القرشيّ:
وإذا نظرت تريد معتبرا ... فانظر إليك ففيك معتبر
) * «6» .
من فوائد (النظر والتبصر)
(1) في النّظر والتّبصّر تنفيذ لأمر الله- عزّ وجلّ- حيث أمر بذلك في مواضع عديدة من القرآن الكريم «7» .
(2) في النّظر في عجائب مخلوقات الله- عزّ وجلّ- ما يوصّل إلى معرفته سبحانه عن اقتناع.
(3) النّظر والتّبصر وسيلة الإنسان العاقل إلى اليقين.
(4) النّظر والتّبصر من وسائل العلم الّتي يهتدي بها الإنسان إلى معرفة صدق الرّسل فيما أخبروا به عن الله- عزّ وجلّ-.
__________
(1) الداء والدواء ص 181
(2) انظر القسم الخاص بالآيات الواردة في الحث على النظر في مخلوقات الله- عز وجل-.
(3) انظر صفة التدبر، ومعرفة الله- عز وجل-.
(4) الفوائد ص 31، 32
(5) صيد الخاطر ص 116
(6) هذا أوّل أبيات ستة ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار، ونقلها عنه ابن كثير في تفسيره 4/ 113
(7) انظر الآيات الواردة في الحث على النظر.(8/3542)
(5) النّظر في عواقب الأمور يقي الإنسان من مخاطر العجلة والوقوع في المهالك.
(6) النّظر في الأمور والتّبصّر فيها يعوّدان الإنسان على التّأنّي فتأتي قراراته سليمة وأفعاله متّزنة.
(7) النّظر في أحوال الأمم السّابقة يؤدّي إلى الاتّعاظ بأحوالهم ويدفع إلى طاعة الله- عزّ وجلّ- حتّى لا يصيبنا ما أصابهم.
(8) النّظر في آلاء الله وعجائب قدرته يدفعان المرء إلى التّصديق والإيمان بما أعدّه للمتّقين في الدّار الآخرة.
(9) النّظر والتّبصّر يرتفعان بالإنسان عن درجة الحيوانيّة ويرقيان به إلى أعلى مراتب المخلوقات.
(10) في النّظر اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ومن يطع الرّسول فقد أطاع الله.
(11) نظر الإنسان إلى من هو دونه في أمور الدّنيا يؤدّي به إلى الرّضا والقناعة وشكر الله- عزّ وجلّ.(8/3543)
[حرف الهاء]
الهجرة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
21/ 40/ 9
الهجرة لغة:
الهجرة هي الاسم من الهجر أو الهجران، وهي مأخوذة من مادّة (هـ ج ر) الّتي تدلّ على معنيين:
الأوّل: القطيعة، والآخر: شدّ شيء وربطه «1» . فمن الأوّل؛ أخذ الهجر ضدّ الوصل وكذلك الهجران، وقولهم: هاجر القوم من دار إلى دار: تركوا الأولى للثّانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكّة إلى المدينة، وقال الرّاغب: المهاجرة في الأصل: مصارمة الغير ومتاركته، من قوله- عزّ وجلّ- وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا (البقرة/ 218) . والهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره، إمّا بالبدن أو باللّسان أو بالقلب قال تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ (النساء/ 34) وهذا كناية عن عدم قربهنّ (مفارقة بالبدن) وقوله سبحانه: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان/ 30) فهذا هجر بالقلب واللّسان، أمّا قوله- عزّ وجلّ- وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (المزمل/ 10) فيحتمل الثّلاثة، وقوله سبحانه: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدّثّر/ 5) حثّ على المفارقة بالوجوه كلّها.
وقال الجوهريّ: الهجر ضدّ الوصل، والمهاجرة من أرض إلى أرض، ترك الأولى للثّانية، والتّهاجر:
التّقاطع، والهجر أيضا: الهذيان، يقال من ذلك هجر المريض يهجر هجرا، فهو هاجر، والكلام مهجور، والهجر بالضّمّ: الاسم من الإهجار، وهو الإفحاش في المنطق، والخنا.
وقال ابن منظور: الهجرة والهجرة: الخروج من أرض إلى أرض. والمهاجرون: الّذين ذهبوا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، مشتقّ منه.
ويقال: هجره يهجره هجرا وهجرانا: صرمه.
وهما يهتجران ويتهاجران، والاسم الهجرة.
وتهجّر فلان أي تشبّه بالمهاجرين.
وقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: هاجروا ولا تهجّروا، قال أبو عبيد: يقول أخلصوا الهجرة لله ولا تشبّهوا بالمهاجرين على غير صحّة منكم. فهذا هو التّهجّر، وهو كقولك فلان يتحلّم وليس بحليم، ويتشجّع أي أنّه يظهر ذلك وليس فيه، قال الأزهريّ: وأصل المهاجرة عند العرب خروج
__________
(1) ذكر ذلك ابن فارس ولم يذكر له مثالا، ويبدو أن المقصود بذلك قولهم: حبل هجار للذي يشد به الفحل، وفحل مهجور أي مربوط به، وقد أرجع الراغب هذا المعنى الثاني إلى الأول فقال: والهجار حبل يشد به الفحل فيصير سببا لهجرانه الإبل. انظر المفردات للراغب ص (537) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (6/ 34) .(8/3544)
البدويّ من باديته إلى المدن. يقال: هاجر الرّجل إذا فعل ذلك، وكذلك كلّ مخل بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه. فقد هاجر قومه. وسمّي المهاجرون مهاجرين لأنّهم تركوا ديارهم ومساكنهم الّتى نشأوا بها لله. ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة، فكلّ من فارق بلده من بدويّ أو حضريّ أو سكن بلدا آخر، فهو مهاجر. قال الله- عزّ وجلّ-:
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً (النساء/ 100) وكلّ من أقام من البوادي ببواديهم ومحاضرهم في القيظ ولم يلحقوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يتحوّلوا إلى أمصار المسلمين الّتي أحدثت في الإسلام وإن كانوا مسلمين، فهم غير مهاجرين، وليس لهم في الفيء نصيب ويسمّون الأعراب «1» .
واصطلاحا:
هي ترك الوطن الّذي بين الكفّار، والانتقال إلى دار الإسلام «2» .
وقال الرّاغب: الهجرة: الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكّة إلى المدينة، قيل:
ومقتضى ذلك هجران الشّهوات والأخلاق الذّميمة والخطايا وتركها ورفضها «3» .
وقال الكفويّ: الهجرة: هجرتان: أولاهما:
هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة فرارا من أذى قريش، وثانيتهما: هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين قبله وبعده ومعه إلى المدينة، وقد كانت الهجرة من فرائض الإسلام بعد هجرته صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نسخت بعد فتح مكّة لقوله صلّى الله عليه وسلّم «لا هجرة بعد الفتح» «4» .
أنواع الهجرة:
قال ابن الأثير: الهجرة هجرتان: إحداهما الّتي وعد الله عليها الجنّة في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ 111) فكان الرّجل يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويدع أهله وماله، لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يموت الرّجل بالأرض الّتي هاجر منها، فمن ثمّ قال: «لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة. وقال حين قدم مكّة: «اللهمّ لا تجعل منايانا بها» فلمّا فتحت مكّة صارت دار إسلام كالمدينة، وانقطعت الهجرة.
والهجرة الثّانية: من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى.
فهو مهاجر وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة وهو المراد بقوله «لا تنقطع الهجرة حتّى تنقطع التّوبة» فهذا وجه الجمع بين الحديثين. وإذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنّما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة «5» .
__________
(1) الصحاح (2/ 851) ، مقاييس اللغة (6/ 34) ، بصائر ذوي التمييز (5/ 304) ، مفردات الراغب (537) ، لسان العرب (5/ 250) (ط بيروت) .
(2) التعريفات للجرجاني (256) والمراد بالوطن هنا الإقامة والتوطن.
(3) المفردات (537) .
(4) الكليات (ص 692) .
(5) النهاية لابن الأثير (5/ 244) .(8/3545)
الهجرة إلى الله ورسوله:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الهجرة هجرتان:
هجرة إلى الله بالطّلب والمحبّة والعبوديّة والتّوكّل والإنابة والتّسليم والتّفويض والخوف والرّجاء والإقبال عليه وصدق اللّجأ والافتقار في كلّ نفس إليه. وهجرة إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حركاته وسكناته الظّاهرة والباطنة بحيث تكون موافقة لشرعه الّذي هو تفصيل محابّ الله ومرضاته. ولا يقبل الله من أحد دينا سواه، وكلّ عمل سواه فعيش النّفس وحظّها لا زاد المعاد «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الفرار إلى الله- مجاهدة النفس- الولاء والبراء- محاسبة النفس الرغبة والترغيب- التعارف.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- موالاة الكفار- الإعراض- التخاذل- التفريط والإفراط] .
__________
(1) طريق الهجرتين لابن القيم (1/ 20) .(8/3546)
الآيات الواردة في «الهجرة»
هجرة الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين:
1- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) «1»
2- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) «2»
__________
(1) القصص: 20- 24 مكية
(2) العنكبوت: 16- 26 مكية(8/3547)
ثواب المهاجرين:
3- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «1»
4- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «2»
5-* وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) «3»
6- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «4»
7- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «5»
8- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) «6»
9- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) «7»
10- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «8»
11- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
__________
(1) البقرة: 218 مدنية
(2) آل عمران: 193- 195 مدنية
(3) النساء: 100 مدنية
(4) التوبة: 20- 22 مدنية
(5) التوبة: 100 مدنية
(6) التوبة: 117 مدنية
(7) النحل: 41- 42 مكية
(8) النحل: 110 مكية(8/3548)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «1»
موالاة المهاجرين ومعاملتهم:
12- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) «2»
13- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «3»
14- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «4»
15-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «5»
16- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «6»
17 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ
__________
(1) الحج: 58- 59 مدنية
(2) النساء: 89- 90 مدنية
(3) الأنفال: 72 مدنية
(4) الأنفال: 74- 75 مدنية
(5) النور: 21- 22 مدنية
(6) الأحزاب: 6 مدنية(8/3549)
يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) «1»
18- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «2»
19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «3»
لا عذر عن عدم الهجرة:
20- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «4»
ومن الآيات الواردة في «الهجرة» معنى
هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
21 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «5»
__________
(1) الأحزاب: 50 مدنية
(2) الحشر: 8- 10 مدنية
(3) الممتحنة: 10 مدنية
(4) النساء: 97- 99 مدنية
(5) التوبة: 40 مدنية(8/3550)
الأحاديث الواردة في (الهجرة)
1-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام وإطعام الطّعام» .
قلت: ما الإيمان؟ قال «الصّبر والسّماحة» قال:
قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟
قال: «خلق حسن» قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟
قال: «طول القنوت» قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟
قال: «أن تهجر ما هجر ربّك- عزّ وجلّ-» قال:
قلت: أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده، وأهريق دمه» قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل، قال: «جوف اللّيل الآخر» ثمّ الصّلاة مكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر ... الحديث» ) * «1» .
2-* (عن مجاشع بن مسعود السّلميّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخي بعد الفتح فقلت: يا رسول الله! جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة.
قال: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» فقلت: على أيّ شيء تبايعه؟. قال «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله. قال: «فهل من والديك أحد حيّ؟» قال: نعم. بل كلاهما. قال:
«فتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم. قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «3»
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-:
أنّ أعرابيّا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الهجرة فقال:
«ويحك، إنّ شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدّي صدقتها؟» قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار، فإنّ الله لن يترك «4» من عملك شيئا» ) * «5» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ ثلاثة نفر جاءوه. فقالوا: يا أبا محمّد! إنّا والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابّة ولا متاع. فقال لهم: إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسّر الله لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسّلطان. وإن شئتم صبرتم. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفا» قالوا: فإنّا نصبر لا نسأل شيئا) * «6» .
6-* (عن جنادة بن أبي أميّة- رضي الله عنه-
__________
(1) مسند أحمد (4/ 385) واللفظ له، وعبد بن حميد (300) ، وابن ماجة (2794) مختصرا، وأصله عند مسلم.
(2) البخاري- الفتح 7 (4305، 4306) واللفظ له. ومسلم (1863) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5972) . ومسلم (2549) واللفظ له.
(4) يترك: أي ينقصك.
(5) البخاري- الفتح 3 (1452) واللفظ له. ومسلم (1865)
(6) مسلم (2979) .(8/3551)
أنّ رجالا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال بعضهم:
الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك. فانطلقت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إنّ ناسا يقولون إنّ الهجرة قد انقطعت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد» ) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن زيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح حنينا قسّم الغنائم فأعطى المؤلّفة قلوبهم، فبلغه أنّ الأنصار يحبّون أن يصيبوا ما أصاب النّاس، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلّالا فهداكم الله بي؟، وعالة فأغناكم الله بي؟، ومتفرّقين فجمّعكم الله بي؟» . ويقولون: الله ورسوله أمنّ. فقال: «ألا تجيبوني؟» ، فقالوا: الله ورسوله أمنّ. فقال: «أما إنّكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا- لأشياء عدّدها زعم عمرو أن لا يحفظها-. فقال: ألا ترضون أن يذهب النّاس بالشّاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، الأنصار شعار «2» والنّاس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النّاس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم» «3» ) * «4» .
8-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ الطّفيل ابن عمرو الدّوسيّ أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة «5» ؟ (قال: حصن كان لدوس في الجاهليّة) فأبى ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. للّذي ذخر الله للأنصار. فلمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو. وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة «6» . فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص «7» له، فقطع بها براجمه «8» ، فشخبت يداه «9» حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه. فرآه وهيئته حسنة. ورآه مغطّيا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اللهمّ، وليديه فاغفر» ) * «10» .
9-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟
قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على
__________
(1) الهيثمي في المجمع (5/ 251) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وهو في أحمد (4/ 62، 5/ 375) .
(2) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، والدثار فوقه.
(3) معنى الحديث: أن الأنصار هم البطانة والخاصة وألصق الناس بي من سائر الناس.
(4) البخاري- الفتح 7 (3779) من حديث أبي هريرة ومسلم (1061) واللفظ له.
(5) منعة: بفتح النون وإسكانها: العزة والامتناع وقيل: منعة جمع مانع، أي جماعة يمنعوك ممن يقصدك بمكروه.
(6) فاجتووا المدينة: أي كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم.
(7) مشاقص: جمع مشقص وهو سهم فيه نصل عريض.
(8) براجمه: البراجم مفاصل الأصابع.
(9) شخبت يداه: أي سال دمها.
(10) مسلم (116) .(8/3552)
أطباق ثلاث «1» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار.
فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت:
ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال:
«أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عينيّ منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها.
فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التّراب شنّا، ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «2» .
10-* (عن أبي فاطمة- رضي الله عنه-:
أنّه قال: يا رسول الله! حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بالهجرة، فإنّه لا مثل لها» ) * «3» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن أربعين، فمكث بمكّة ثلاث عشرة سنة، ثمّ أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين ثمّ توفّي صلّى الله عليه وسلّم) «4» .
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ فقراء المهاجرين يدخلون الجنّة قبل أغنيائهم بمقدار خمسمائة سنة» ) * «5» .
13-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «6» .
14-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما، أحدهما: أبو بردة. والآخر: أبو رهم.- إمّا قال في بضع وإمّا قال ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي- قال: فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ
__________
(1) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث.
(2) مسلم (121) .
(3) النسائي (7/ 145) وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3924) ، وانظر الصحيحة (1937) .
(4) البخاري- الفتح 7 (3851) .
(5) ابن ماجة (4123) . وحسنه الألباني صحيح ابن ماجة (3327) ، وأصله عند مسلم عن حديث عبد الله بن عمرو.
(6) البخاري- الفتح 11 (6689) . ومسلم (1907) متفق عليه.(8/3553)
بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا.
قال: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا.. أو قال: أعطانا منها-، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا. إلّا لمن شهد معه. إلّا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه. قسم لهم معهم، قال:
فكان ناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة-: نحن سبقناكم بالهجرة) * «1» .
15-* (عن العلاء بن الحضرميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث للمهاجر بعد الصّدر «2» » ) * «3» .
16-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت. يا عمر! كلّا والله! كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «4» في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله، لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله! لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله! إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «5» .
يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
17-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي «7» إلى أنّها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة، يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنّي هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثمّ هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضا
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4230) . ومسلم (2502) واللفظ له.
(2) معنى الحديث: أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح، لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها.
(3) البخاري- الفتح 7 (3933) واللفظ له، مسلم (1352) .
(4) البعداء البغضاء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين، لأنهم كفار، إلا النجاشي.
(5) أرسالا: أفواجا.
(6) البخاري- الفتح 7 (4230- 4231) . ومسلم (2503) واللفظ له.
(7) وهلي: أي وهمي واعتقادي.(8/3554)
بقرا «1» ، والله خير «2» ، فإذا هم النّفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصّدق الّذي آتانا الله بعد، يوم بدر» ) * «3» .
18-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبادة في الهرج «4» كهجرة إليّ» ) * «5» .
19-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رجل: يا رسول الله! أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر، وهجرة البادي. فأمّا البادي فيجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر. وأمّا الحاضر فهو أعظمهما بليّة وأعظمهما أجرا» ) * «6» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم- عليه السّلام- بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك، أو جبّار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه: أن يا إبراهيم، من هذه الّتي معك؟ قال: أختي، ثمّ رجع إليها، فقال: لا تكذّبي حديثي، فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله، إن «7» على الأرض من مؤمن غيري وغيرك، فأرسل بها إليه، فقام إليها، فقامت توضّأ وتصلّي، فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي «8» إلّا على زوجي، فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ «9» حتّى ركض «10» برجله. قالت: اللهمّ! إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها، فقامت توضّأ وتصلّي، وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجى إلّا على زوجى، فلا تسلّط عليّ هذا الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله. فقالت: اللهمّ! إن يمت فيقال هي قتلته. فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة. فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا. أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر «11» . فرجعت إلى إبراهيم- عليه السّلام- فقالت: أشعرت أنّ الله كبت «12» الكافر وأخدم وليدة» ) * «13» .
21-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم افتتح مكّة: «لا هجرة «14»
__________
(1) جاء في غير مسلم: ورأيت بقرا تنحر، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر. فنحر البقر هو قتل الصحابة- رضي الله عنهم- الذين قتلوا بأحد.
(2) قال القاضي: قال أكثر شراح الحديث معناه ثواب الله خير.
(3) البخاري- الفتح 6 (3622) . ومسلم (2272) واللفظ له
(4) المراد بالهرج: الفتنة واختلاف أمور الناس.
(5) مسلم (2948) .
(6) النسائي (7/ 144) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (11/ 608) : حديث حسن.
(7) إن هنا نافيه: أي ما على الأرض ... إلخ.
(8) أحصنت: منعت.
(9) غط: من الغطيط وهو صوت يخرج مع نفس النائم.
(10) ركض: أي ضرب برجله.
(11) آجر: وفي رواية هاجر.
(12) كبت الكافر: أي أخزاه أو أحزنه.
(13) البخاري الفتح 4 (2217) واللفظ له. ومسلم (2371) .
(14) لا هجرة بعد الفتح: أي لا هجرة من مكة لأنها صارت دار إسلام. وأما الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام فهي باقية الى يوم القيامة.(8/3555)
ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا، فإنّ هذا بلد حرّم الله يوم خلق السّماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد «1» شوكه ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها «2» » قال العبّاس: يا رسول الله! إلّا الإذخر «3» فإنّه لقينهم «4» ولبيوتهم. قال: قال «إلّا الإذخر» ) * «5» .
22-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
«قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فنزل أعلى المدينة في حيّ يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أرسل إلى بني النّجّار فجاءوا متقلّدي السّيوف، كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النّجّار حوله، حتّى ألقى بفناء أبي أيّوب، وكان يحبّ أن يصلّي حيث أدركته الصّلاة ويصلّي في مرابض «6» الغنم، وأنّه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ من بني النّجّار فقال: «يا بني النّجّار! ثامنوني «7» بحائطكم هذا» قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله. فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم:
قبور المشركين، وفيه خرب «8» ، وفيه نخل. فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، ثمّ بالخرب فسوّيت، وبالنّخل فقطع. فصفّوا النّخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه «9» الحجارة، وجعلوا ينقلون الصّخر وهم يرتجزون، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معهم وهو يقول:
اللهمّ لا خير إلّا خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره
» ) * «10» .
23-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة ثمّ أمر بالهجرة، وأنزل الله عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ (الإسراء/ 80 مكية) » ) * «11» .
24-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال: «لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-، إنّك أن تذر
__________
(1) لا يعضد: لا يقطع.
(2) الخلا: الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه.
(3) الإذخر: نبات عشبي له رائحة عطرة.
(4) لقينهم: القين: الحدّاد. وقال الطبري: القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه.
(5) البخاري الفتح 4 (1834) واللفظ له. ومسلم (1353) .
(6) مرابض الغنم: هي جمع مربض بكسر الباء أي أماكن بولها وإبعارها.
(7) ثامنوني: اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي أختاره كالمساومة.
(8) خرب: هي جمع خربه.
(9) عضاديته: هما خشبتان منصوبتان مثبتتان في الحائط على جانبيه.
(10) البخاري- الفتح 1 (428) واللفظ له. ومسلم 3 (1805)
(11) الترمذي (3139) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (1/ 223 برقم 1953) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 291 برقم 1948) .(8/3556)
ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» . فقلت: يا رسول الله! أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف «2» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة» ، يرثي «3» له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «4» .
25-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كانت المؤمنات، إذا هاجرن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمتحنهنّ. يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ (الممتحنة/ 20 مدنية) إلى آخر الآية. قالت عائشة:
فمن أقرّ بهذا الشّرط من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة «5» ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أقررن بذلك من قولهنّ. قال لهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انطلقن فقد بايعتكنّ» لا والله ما مسّت يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يد امرأة قطّ، غير أنّه بايعهنّ بالكلام، والله ما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على النّساء إلّا بما أمر الله، يقول لهنّ، إذا أخذ عليهنّ: «قد بايعتكنّ «كلاما» ) * «6» .
26-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حين طلعت الشّمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيأتي أناس من أمّتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس» .
قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: «فقراء المهاجرين، الّذين تتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض» ) * «7» .
27-* (عن عبد الله بن السّعديّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل» . فقال معاوية وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهم-: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر السّيّئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله.
ولا تنقطع الهجرة ما تقبّلت التّوبة، ولا تزال التّوبة مقبولة حتّى تطلع الشّمس من المغرب، فإذا طلعت
__________
(1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم.
(2) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه.
(3) يرثى له: يتوجع له ويرق له لكونه مات بمكة. وقيل: إن القائل يرثى له ... الخ. هو الزهري، وراجع ابن حجر في شرح هذا الحديث (3/ 196/ 197) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له. ومسلم (1628)
(5) أقر بالمحنة: أي بايع البيعة الشرعية.
(6) البخاري- الفتح 9 (5288) واللفظ له. ومسلم (1866)
(7) أحمد في المسند (2/ 177 برقم 6659) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 136 برقم 6650) . والهيثمي في المجمع 10 (258، 259) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط
وله في الكبير أسانيد رجال أحدها رجال الصحيح.(8/3557)
طبع على كلّ قلب بما فيه، وكفي النّاس العمل» ) * «1» .
28-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم المهاجرون المدينة من مكّة، وليس بأيديهم يعني شيئا-، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كلّ عام، ويكفوهم العمل والمؤونة، وكانت أمّه، أمّ أنس، أمّ سليم، كانت أمّ عبد الله بن أبي طلحة، فكانت أعطت أمّ أنس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عذاقا «2» . فأعطاهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيد، قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم «3» - من ثمارهم- فردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أمّه عذاقها، فأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّ أيمن مكانهنّ من حائطه «4» ) * «5» .
29-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ) * «6» .
30-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من اليمن، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هجرت الشّرك، ولكنّه الجهاد، هل باليمن أبواك؟» قال: نعم. قال: «أذنا لك؟» قال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى أبويك فإن فعلا وإلّا فبرّهما» ) * «7» .
31-* (عن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسّنّة، فإن كانوا في السّنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما «8» ، ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته «9» إلّا بإذنه» ) * «10» .
32-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف الله له خيرا منها. قالت: فلمّا مات أبو سلمة، قلت: أيّ المسلمين خير من أبي سلمة، أوّل
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 192 برقم 1676) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 133، 134) برقم 1671) . والهيثمي في المجمع (5/ 250، 251) وقال: روى أبو داود والنسائي بعض حديث معاوية، رواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير من غير ذكر حديث ابن السعدي.
(2) العذاق: جمع عذق وهي النخلة.
(3) منائحهم: جمع منيحة والمنيحة هي المنحة.
(4) من حائطه: أي من بستانه.
(5) البخاري- الفتح 5 (2630) واللفظ له. ومسلم (1771)
(6) البخاري- الفتح 11 (6484) واللفظ له. ومسلم (40) .
(7) الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.
(8) سلما: أي إسلاما.
(9) تكرمته: التكرمة الفراش ونحوه.
(10) مسلم (673) .(8/3558)
بيت هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ إنّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: أرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاطب ابن أبي بلتعة يخطبني له. فقلت: إنّ لي بنتا وأنا غيور. فقال: «أمّا ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها.
وأدعو الله أن يذهب بالغيرة» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في (الهجرة) معنى
33-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النّجاشيّ، ونحن نحو من ثمانين رجلا، فيهم عبد الله بن مسعود، وجعفر، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى.
فأتوا النّجاشيّ، وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، بهديّة، فلمّا دخلا على النّجاشيّ، سجدا له، ثمّ ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثمّ قالا له:
إنّ نفرا من بني عمّنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنّا وعن ملّتنا، قال: فأين هم؟ قال: هم في أرضك فابعث إليهم، فبعث إليهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم، فاتّبعوه، فسلّم، ولم يسجد، فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنّا لا نسجد إلّا لله- عزّ وجلّ-. قال:
وما ذاك: قال: إنّ الله- عزّ وجلّ- بعث إلينا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلّا لله- عزّ وجلّ- وأمرنا بالصّلاة والزّكاة، قال عمرو بن العاص: فإنّهم يخالفونك في عيسى ابن مريم. قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمّه؟ قالوا: نقول كما قال الله- عزّ وجلّ-: هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول الّتي لم يمسّها بشر، ولم يفرضها ولد «2» . قال: فرفع عودا من الأرض، ثمّ قال: يا معشر الحبشة والقسّيسين والرّهبان، والله ما يزيدون على الّذي نقول فيه ما يسوى هذا، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنّه رسول الله، فإنّه الّذي نجد في الإنجيل، وإنّه الرّسول الّذي بشّر به عيسى ابن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتّى أكون أنا أحمل نعليه وأوضّئه. وأمر بهديّة الآخرين فردّت إليهما، ثمّ تعجّل عبد الله بن مسعود حتّى أدرك بدرا، وزعم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استغفر له حين بلغه موته) * «3» .
34-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل مكّة قال: «اللهمّ لا تجعل منايانا بها حتّى تخرجنا منها» «4» ) * «5» .
__________
(1) مسلم (918) .
(2) ولم يفرضها ولد: أي لم يؤثّر فيها ولم يحزّها قبل المسيح عليه السلام. والفرض: الحز في الشيء والقطع.
(3) أحمد في المسند (1/ 461 برقم 4399) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن، (6/ 186 برقم 4400) .
(4) المعنى: أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يكره أن يموت هو أو أحد من المهاجرين بمكة حتى تثبت لهم هجرتهم.
(5) أحمد في المسند (2/ 25 برقم 4777) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 9 برقم 4778) وهو في مجمع الزوائد (5/ 253) وقال: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح.(8/3559)
35-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك «1» أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت! كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله.)
* «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الهجرة)
36-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف. قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله! هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: اللهمّ اصرعه» فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة «3» له، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر فسلّموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله.
فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «4» لهم، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال فانطلق فهيّء لنا مقيلا «5» .
قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن
__________
(1) وعك: بالبناء للمجهول- أي أصابه الوعك وهي الحمى، قاله ابن حجر في الفتح (7/ 308) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3926) .
(3) مسلحة: المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو.
(4) يخترف: يجتني الثمار.
(5) مقيلا: أي مكانا تقع فيه القيلولة.(8/3560)
سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت، قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يا معشر اليهود! ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام، اخرج عليهم فخرج» فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا:
كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
37-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم، وكانوا يقرئون «2» النّاس، فقدم بلال وسعد وعمّار بن ياسر، ثمّ قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما قدم حتّى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (الأعلى/ 1) في سور من المفصّل» ) * «3» .
38-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهّز أبو بكر مهاجرا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر: أو ترجوه بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر. قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة، قال قائل لأبي بكر:
هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فدا لك بأبي وأمّي. والله إن جاء به في هذه السّاعة إلّا لأمر. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال حين دخل لأبي بكر:
أخرج من عندك. قال: إنّما هم أهلك «4» بأبي أنت يا رسول الله! قال: فإنّى قد أذن لي في الخروج، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله! قال: نعم. قال فخذ بأبي أنت يا رسول الله! إحدى راحلتيّ هاتين. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بالثّمن. قالت: فجهّزناهما أحثّ «5» الجهاز، ووضعنا لهما سفرة «6» في جراب، فقطعت
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3911) .
(2) وكانوا يقرئون الناس: هكذا وردت. ووجهها ابن حجر على أن أقل الجمع اثنان، وإما على أن من كان يقرأ بأنه كان يقرأ معهما أيضا. وفي رواية الأصيلي وكريمة «فكانا يقرئان الناس» قال ابن حجر: وهو أوجه. راجع فتح الباري (7/ 306) .
(3) البخاري الفتح 7 (3925) .
(4) أهلك: أي زوجته عائشة رضي الله عنها.
(5) أحث الجهاز: أي أسرعه.
(6) السفرة: طعام يتخذ لمسافر.(8/3561)
أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكأت «1» به الجراب- ولذلك كانت تسمّى ذات النّطاقين- ثمّ لحق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر- وهو غلام شابّ لقن ثقف «2» فيرحل من عندهما سحرا فيصبح من قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلّا وعاه، حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتّى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس «3» . يفعل ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث» ) * «4» .
39-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أبو بكر- رضي الله عنه- إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر، حدّثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد حتّى قام قائم الظّهيرة، وخلا الطّريق لا يمرّ فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظلّ لم تأت عليه الشّمس فنزلنا عنده، وسوّيت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكانا بيدي ينام عليه، وبسطت عليه فروة وقلت له: نم يا رسول الله! وأنا أنفض لك ما حولك. فنام وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصّخرة يريد منها مثل الّذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟
فقال: لرجل من أهل المدينة- أو مكّة- قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال: نعم.
فأخذ شاة، فقلت: انفض الضّرع من التّراب والشّعر والقذى. قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض. فحلب في قعب «5» كثبة «6» من لبن، ومعي إداوة حملتها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرتوي منها يشرب ويتوضّأ. فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللّبن حتّى برد أسفله. فقلت: اشرب يا رسول الله! فشرب حتّى رضيت، ثمّ قال: ألم يأن للرّحيل: قلت: بلى.
قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشّمس، واتّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله، فقال: لا تحزن، إنّ الله معنا. فدعا عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتطمت به فرسه إلى بطنها- أرى في جلد من الأرض «7» ، (شكّ زهير) - فقال: إنّي أراكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب. فدعا له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنجا. فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلّا ردّه، قال: ووفى لنا» ) * «8» .
40-* (عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة
__________
(1) فأوكأت: من الوكاء وهو ما يشد به الكيس.
(2) رجل لقن ثقف: إذا كان ضابطا لما يحويه قائما به.
(3) الغلس: ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح.
(4) البخاري الفتح 10 (5807) .
(5) قعب: هو القدح الضخم الغليظ والجمع قعاب وأقعب.
(6) كثبة: هي حلبة خفيفة ويطلق على القليل من الماء واللبن وعلى الجرعة تبقى في الإناء وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما من كل مجتمع.
(7) جلد من الأرض: أي أرض صلبة.
(8) البخاري- الفتح 6 (3615) واللفظ له. ومسلم (2009) .(8/3562)
- رضي الله عنه- قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطّعام، فكان أبو هريرة ممّا يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثمّ لقيت أبا هريرة من العشيّ. فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة. فقال: سبقتني. قلت: نعم. فدعوتهم.
فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار! ثمّ ذكر فتح مكّة. فقال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى قدم مكّة. فبعث الزّبير على إحدى المجنّبتين «1» ، وبعث خالدا على المجنّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر «2» . فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة. قال: فنظر فرآني، فقال:
«أبو هريرة؟» قلت: لبّيك يا رسول الله! فقال: «لا يأتينى إلّا أنصاريّ» فقال: «اهتف لي بالأنصار «قال:
فأطافوا به. ووبّشت قريش أوباشا لها «3» وأتباعا.
فقالوا: نقدّم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنّا معهم. وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثمّ قال بيديه، إحداهما على الأخرى. ثمّ قال: «حتّى توافوني بالصّفا» قال: فانطلقنا. فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلّا قتله. وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا. قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله! أبيحت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم. ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقالت الأنصار، بعضهم لبعض: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة:
وجاء الوحي. وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا. فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ينقضي الوحي. فلمّا انقضى الوحي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار؟» . قالوا: لبّيك يا رسول الله! قال: «قلتم أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته. قالوا:
قد كان ذاك. قال: «كلّا. إنّي عبد الله ورسوله. هاجرت إلى الله وإليكم. والمحيا محياكم. والممات مماتكم» .
فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله، ما قلنا الّذي قلنا إلّا الضّنّ «4» بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» قال: فأقبل النّاس إلى دار أبي سفيان. وأغلق النّاس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل إلى الحجر. فاستلمه. ثمّ طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه. قال: وفي يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوس. وهو آخذ بسية القوس «5» . فلمّا أتى على الصّنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاء الحقّ وزهق الباطل» . فلمّا فرغ من طوافه أتى الصّفا فعلا عليه. حتّى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو» ) * «6» .
__________
(1) المجنبتين: هما الميمنة والميسرة ويكون القلب بينهما.
(2) الحسر: الذين لا دروع لهم.
(3) أي جمعت جموعا من قبائل شتى.
(4) إلا الضن: هو الشح.
(5) بسية القوس: أي بطرفها المنحنى. قال في المصباح: هي خفيفة الياء ولا مها محذوفة. وترد في النسبة فيقال: سيوي. والهاء عوض عنها. ويقال لسيتها العليا يدها، ولسيتها السفلى رجلها. وقال النووي: هي المنعطف من طرفي القوس.
(6) مسلم (1780) .(8/3563)
من الآثار الواردة في (الهجرة)
1-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان فرض للمهاجرين الأوّلين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين. فلم نقصته من أربعة آلاف؟
فقال: «إنّما هاجر به أبواه. يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه» ) * «1» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها-. فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت: كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال:
ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا، ثمّ قل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «2» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب قال: وقدمت أنا وعمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدناه قائلا «3» فرجعنا إلى المنزل فأرسلني عمر، وقال: اذهب فانظر هل استيقظ؟ فأتيته فدخلت عليه فبايعته، ثمّ انطلقت إلى عمر فأخبرته أنّه قد استيقظ، فانطلقنا إليه نهرول هرولة حتّى دخل عليه فبايعه، ثمّ بايعته» ) * «4» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال لابن أبي موسى الأشعريّ: هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال: قلت: لا. قال: فإنّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى، هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد «5» لنا،
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3912) .
(2) البخاري الفتح 3 (1392) .
(3) قائلا: من القيلولة.
(4) البخاري- الفتح 7 (3916) .
(5) برد لنا: ثبت لنا ودام.(8/3564)
وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا، رأسا برأس. فقال أبي: لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنّا لنرجو ذلك، فقال أبي: لكنّى أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملنا بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس. فقلت:
إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «1» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت أقرىء عبد الرّحمن بن عوف، فلمّا كان آخر حجّة حجّها عمر، فقال عبد الرّحمن بمنى: لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل، قال: إنّ فلانا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا. فقال لعمر: لأقومنّ العشيّة فأحذّر هؤلاء الرّهط الّذين يريدون أن يغصبوهم.
قلت: لا تفعل، فإنّ الموسم يجمع رعاع النّاس يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطير بها كلّ مطير، فأمهل حتّى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السّنّة فتخلص بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك، وينزلوها على وجهها. فقال: والله لأقومنّ به في أوّل مقام أقومه بالمدينة» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر كانوا من المهاجرين، لأنّهم هجروا المشركين وكان من الأنصار مهاجرون، لأنّ المدينة كانت دار شرك فجاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة) * «3» .
7-* (عن خبّاب- رضي الله عنه-؛ قال:
هاجرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها «4» ، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه إلّا بردة إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن نغطّي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر «5» » ) * «6» .
8-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: ما عدّوا من مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا من وفاته ما عدّوا إلّا من مقدمه المدينة» ) * «7» .
9-* (قال العزّ بن عبد السّلام- رحمه الله تعالى- «الهجرة هجرتان: هجرة الأوطان، وهجرة الإثم والعدوان. وأفضلهما هجرة الإثم والعدوان. لما فيها من إرضاء الرّحمن، وإرغام النّفس والشّيطان» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3915) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7323)
(3) النسائي (7/ 145) وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح.
(4) يهدبها: يجتنيها.
(5) الإذخر: نبت طيب الريح.
(6) البخاري- الفتح 3 (1276) واللفظ له. ومسلم (940) .
(7) البخاري- الفتح 7 (3934) .
(8) شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال للعز بن عبد السلام (383) .(8/3565)
من فوائد (الهجرة)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) إعلان العبوديّة الكاملة لله- عزّ وجلّ- والانقياد له.
(3) دليل محبّة الله ومحبّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
(4) دليل صلاح العبد واستقامته.
(5) الوعد بالكرامة والفوز بالجنّة.
(6) تفريج الكربات وحصول الخيرات.
(7) تمحيص للإيمان واختبار للإنسان.(8/3566)
الهدى
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
171/ 52/ 14
الهدى لغة:
الهدى والهداية مصدران لقولهم: هدى يهدي، وهما مأخوذان من مادّة (هـ د ى) الّتى تدلّ على أصلين: أحدهما: التّقدّم للإرشاد، والآخر: بعثة لطف «1» ، فالأوّل قولهم: هديته الطّريق هداية أي تقدّمته لأرشده، وكلّ متقدّم لذلك هاد، وينشعب هذا المعنى فيقال: الهدى خلاف الضّلالة، ومن الباب قولهم: نظر فلان هدي أمره أي جهته، وما أحسن هديته أي هديه، والأصل الآخر الهديّة: وهي ما أهديت من لطف إلى ذي مودّة، يقال: أهديت أهدي إهداء. ومن الباب الهدي والهديّ: ما أهدي من النّعم إلى الحرم قربة إلى الله تعالى، وقال الرّاغب: الهداية دلالة بلطف، من ذلك هوادي الوحش أي متقدّماتها الهادية لغيرها، وخصّ ما كان دلالة ب «هديت» وما كان إعطاء بأهديت، والهدى والهداية في موضوع اللّغة واحد، لكن قد خصّ الله عزّ وجلّ لفظة الهدى بما تولّاه وأعطاه واختصّ هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو قوله تعالى هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة/ 2) ، وقوله عزّ وجلّ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة/ 5) ، والاهتداء يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار إمّا في الأمور الدّنيويّة أو الأخرويّة كما في قوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها (الأنعام/ 97) وقوله عزّ وجلّ: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (البقرة/ 53) ، ويقال المهتدي لمن يقتدي بعالم كما في قوله سبحانه: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (المائدة/ 104) تنبيها إلى أنّهم لا يعلمون بأنفسهم ولا يقتدون بعالم) .
وقال الجوهريّ: الهدى: الرّشاد والدّلالة؛ يؤنّث ويذكّر، يقال: هداه الله للدّين هدى، والهدى في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (السجدة/ 26) أي لم يبيّن لهم، والهداء مصدر قولك: هديت المرأة إلى زوجها هداء وقد هديت إليه، ويقال: هدى هدي فلان أي سار سيرته، وفي الحديث: واهدوا هدي عمّار (أي سيروا سيرته) ، والتّهادي أن يهدي بعضهم إلى بعض، وفي الحديث: «تهادوا تحابّوا» .
وقال ابن منظور: هو من هداه يهديه هدى وهديا وهداية وهدية. والهدى: ضدّ الضّلال وهو الرّشاد والبيان، لازم ومتعدّ، يقال: هداه الله الطّريق وهي لغة الحجاز. ولغة غيرهم يتعدّى بالحرف فيقال
__________
(1) اللطف بالتحريك التحفة والهدية، والبعثة المرة من البعث أي الإرسال.(8/3567)
هداه إلى الطّريق وللطّريق أي بيّنه له وعرّفه به.
وهداه الله إلى الإيمان وللإيمان أي أرشده إليه.
وهدي هدي فلان سار سيرته، وهدى فلانا تقدّمه. وهدى الشّيء تهدية وهو لا يهدّي إلّا أن يهدى: أي لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلّا أن ينقلوه.
ومعنى لا يهدّي: لا يهتدي.
والهدى: مؤنّث ويذكّر، يقال: هو على الهدى، وسل الله الهدى: أي الدّلالة على الرّشاد. والهدى:
النّهار أيضا «1» .
الهادي من أسماء الله تعالى:
قال الزّجّاج: الهادي: هو الّذي هدى خلقه إلى معرفته وربوبيّته وهو الّذي هدى عباده إلى صراطه المستقيم «2» .
وقال الزّجّاجيّ- رحمه الله-: الله عزّ وجلّ الهادي يهدي عباده إليه، ويدلّهم عليه وعلى سبيل الخير والأعمال المقرّبة منه عزّ وجلّ، وقال الغزاليّ رحمه الله- الهادي- في أسمائه تعالى- هو الّذي هدى خواصّ عباده أوّلا إلى معرفة ذاته حتّى استشهدوا بها على الأشياء، وهدى عوامّ عباده إلى مخلوقاته حتّى استشهدوا بها على ذاته، وهدى كلّ مخلوق إلى ما لا بدّ له منه في قضاء حاجاته فهدى الطّفل إلى التقام الثّدي عند انفصاله، والفرخ إلى التقاط الحبّ وقت خروجه «3» .
والهداة من العباد: الأنبياء والعلماء الّذين أرشدوا الخلق إلى السّعادة وهدوهم إلى صراط الله المستقيم، يكون المولى- عزّ وجلّ- هو الهادي على ألسنتهم، وهم مسخّرون تحت قدرته وتدبيره «4» .
الهدى اصطلاحا:
قال الرّاغب: الهداية دلالة بلطف، فإن قيل كيف جعلت الهداية دلالة بلطف وقد قال تعالى:
فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (الصافات/ 23) قيل: استعمال اللّفظ في ذلك على سبيل التّهكّم مبالغة في المعنى كما في قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (التوبة/ 34) .
وقال الجرجانيّ: الهداية الدّلالة على ما يوصّل إلى المطلوب «5» وقيل: هي سلوك طريق يوصّل إلى المطلوب. والملاحظ هنا أنّه أضاف قيد «التّوصيل إلى المطلوب» وحذف قيد «كونها بلطف» وقد جمع المناويّ بين كلّ من الرّاغب والجرجانيّ فقال: الهداية: دلالة بلطف إلى ما يوصّل إلى المطلوب «6» .
وقال الكفويّ: الهداية هي الدّلالة على طريق من شأنه الإيصال (إلى المطلوب) سواء حصل الوصول بالفعل في وقت الاهتداء أو لم يحصل «7» .
وقال ابن القيّم: الهداية: هي البيان والدّلالة، ثمّ التّوفيق والإلهام، وهو بعد البيان والدّلالة. ولا سبيل إلى البيان والدّلالة إلّا من جهة الرّسل، فإذا
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (6/ 24- 43) ، والمفردات للراغب (540) وما بعدها، والصحاح (6/ 2533) .
(2) الأسماء الحسنى (64) .
(3) اشتقاق أسماء الله الحسني (187) .
(4) المقصد الأسني (146) .
(5) التعريفات للجرجاني (277) .
(6) التوقيف (343) .
(7) الكليات (952) ، وقد نقل الكفوي نقاشا طويلا حول قيد الإيصال هذا بين المعتزلة وأهل السنة ليس هنا محل إيراده.(8/3568)
حصل البيان والدّلالة والتّعريف ترتّب عليه هداية التّوفيق «1» .
وقال ابن كثير: الهداية: الإرشاد والتّوفيق، وقد تعدّى الهداية بنفسها كما في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/ 6) ، فتضمّن معنى ألهمنا أو وفّقنا أو ارزقنا أو أعطنا. ووَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (البلد/ 10) أي بيّنّا له الخير والشّرّ. وقد تعدّى ب* (إلى) * كما في قوله تعالى: اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل/ 121) ، وذلك بمعنى الإرشاد والدّلالة. وقد تعدّى باللّام كقول أهل الجنّة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (الأعراف/ 43) أي وفّقنا وجعلنا له أهلا «2» .
وقال البغويّ: اهدنا: أرشدنا، وقال عليّ وأبيّ ابن كعب- رضي الله عنهما-: ثبّتنا «3» .
أنواع الهداية:
قال القرطبيّ: والهدى هديان:
1- هدى دلالة: وهو الّذي تقدر عليه الرّسل وأتباعهم، قال تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) وقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى/ 52) ، فأثبت لهم الهدى الّذي معناه الدّلالة والدّعوة والتّنبيه.
2- وهدى تأييد وتوفيق: وهو الّذي تفرّد به سبحانه، فقال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص/ 56) فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ... «4» .
وقال الطّبريّ: هدى أي من الضّلالة وهدى للمتّقين نور للمتّقين والهدى مصدر من قولك هديت فلانا الطّريق إذا أرشدته إليه ودللته عليه وبيّنته له أهديه هدى وهداية. ا. هـ «5» .
ويقول الفيروز ابادىّ: وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب:-
الأوّل: الهداية الّتي عمّ بها كلّ مكلّف من العقل والفطنة والمعارف الضّروريّة، بل عمّ بها كلّ شيء حسب احتماله، كما قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه/ 50) .
الثّاني: الهداية الّتي جعلت للنّاس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك، والمقصود بقوله: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (الأنبياء/ 73) .
الثّالث: التّوفيق الّذي يختصّ به من اهتدى، وهو المعنيّ بقوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً (محمد/ 17) ، وقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن/ 11) .
الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة، وهو المعنيّ بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (الأعراف/ 43) .
وهذه الهدايات الأربع مترتّبة. فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثّانية، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثّانية لا تحصل له الثّالثة والرّابعة.
__________
(1) فتح الباري (1/ 211) .
(2) تفسير القرأن العظيم (1/ 29) . وانظر: عمدة التفسير (80) .
(3) معالم التنزيل (1/ 41) .
(4) معالم التنزيل (1/ 160) .
(5) جامع البيان (1/ 76) .(8/3569)
والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلّا بالدّعاء وتعريف الطّرق دون سائر الهدايات، وإلى الأوّل أشار بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى/ 52) ، وبقوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) أي راع، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص/ 56) . وكلّ هداية ذكر الله تعالى أنّه منع الكافرين والظّالمين فهي الهداية الثّالثة، الّتي هي التّوفيق الّذي يختصّ به المهتدون.
والرّابعة الّتي هي الثّواب في الآخرة، وإدخال الجنّة المشار إليها بقوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ (آل عمران/ 86) إلى قوله وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة/ 5) «1» .
الهدى في القرآن الكريم:
أجمعت كتب الوجوه والنّظائر في القرآن الكريم أنّ لفظ الهدى وما اشتقّ منه أكثر الألفاظ وجوها وقد ذكر له مقاتل بن سليمان البلخيّ في الأشباه والنّظائر ويحيى بن سلّام في «التّصاريف» والسّيوطيّ في «الإتقان» سبعة عشر وجها، وذكر ابن الجوزيّ في «نزهة الأعين النّواظر» أربعة وعشرين وجها انفرد فيها بعشرة أوجه، وانفرد مقاتل وابن سلّام والسّيوطيّ بثلاثة، ومن ثمّ تصبح جملة الأوجه سبعة وعشرين وجها.
قال يحيى بن سلّام في تفسير لفظ «الهدى» وما اشتقّ منه سبعة عشر وجها:
الوجه الأوّل: هدى يعنى بيانا، وذلك قوله في البقرة: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (البقرة/ 5) يعني على بيان من ربّهم، وقوله قَدَّرَ فَهَدى (الأعلى/ 3) يعني بيّن له سبيل الهدى وسبيل الضّلالة.
الوجه الثّاني: هدى يعني دين الإسلام، وذلك قوله في الحجّ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (الحج/ 67) يعني على دين مستقيم حقّ، وهو الإسلام. وقال في آل عمران قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ (آل عمران/ 73) يعني: إنّ الدّين دين الله وهو الإسلام، وهو الحقّ ونحوه كثير.
الوجه الثّالث: هدى يعني الإيمان. وذلك قوله في سورة مريم: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (مريم/ 76) يعني يزيدهم إيمانا. وفي سورة سبأ أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى (سبأ/ 32) يعني عن الإيمان.
الوجه الرّابع: هدى يعنى دعاء، وذلك قوله فى الرّعد: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ 7) يعنى داعيا يعنى نبيّا، وفى الأنبياء وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ (الأنبياء/ 73) يعنى يدعون «بأمرنا» .
الوجه الخامس: هدى يعني معرفة وذلك قوله في النّحل: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (النحل/ 16) يعني يعرفون الطّرق، وفي سورة طه ثُمَّ اهْتَدى (طه/ 82) ، ثمّ عرف الصّواب. وفي الأنبياء فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (الأنبياء/ 31) يعني لعلّهم يعرفون الطّريق.
الوجه السّادس: هدى يعني أمرا، يعني أمر
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (5/ 313- 413) وانظر المفردات للراغب (538) .(8/3570)
النّبىّ، وذلك قوله فى الّذين كفروا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى (محمد/ 25) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله وقامت عليهم الحجّة بالنّبيّ والقرآن. وفي البقرة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى (البقرة/ 159) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله. وقال قتادة:
وكتموا الإسلام، وكتموا محمّدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
الوجه السّابع: هدى يعنى رشدا. وذلك قوله فى القصص عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي (القصص/ 22) قال قتادة: أن يرشدني (سواء السّبيل) وفي ص وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (ص/ 22) يعني أرشدنا.
الوجه الثّامن: هدى يعني رسلا وكتبا. وذلك قوله في البقرة فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً (البقرة/ 38) يعني رسلا وكتبا، وفي سورة طه فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ يعني رسلي وكتبي، فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (طه/ 123) .
الوجه التّاسع: هدى يعني القرآن، وذلك قوله في النّجم وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ 23) يعني القرآن فيه بيان كلّ شيء. وفي سورة الكهف وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى (الكهف/ 55) يعني القرآن.
الوجه العاشر: هدى يعني التّوراة، وذلك قوله فى سورة «غافر» : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى (غافر/ 53) يعني التّوراة. وفي الم السّجدة: وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (السجدة/ 23) يعني التّوراة.
الوجه الحادي عشر: هدى يعني التّوفيق.
وذلك قوله في البقرة: أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ((البقرة 157) إلى الاسترجاع والصّبر، يعني هم الموفّقون. وفي التّغابن وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن/ 11) يعني يوفّق قلبه إلى الاسترجاع عند المصيبة ويسلّم ويرض ويعرف أنّها من الله.
الوجه الثّاني عشر: هدى يعني إقامة الحجّة.
وذلك قوله في البقرة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة/ 258) . المشركين، لا يهديهم إلى الحجّة ولا يهديهم من الضّلالة إلى دينه.
الوجه الثّالث عشر: هدى يعني التّوحيد، وذلك قوله في القصص إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا (القصص/ 57) يعنى التّوحيد وهو الإيمان. وفي: إنّا فتحنا لك: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى (الفتح/ 28) يعني التّوحيد وَدِينِ الْحَقِّ يعني الإسلام.
الوجه الرّابع عشر: هدى يعني سنّة، وذلك قوله في الزّخرف وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (الزخرف/ 22) يعني مستنّون سنّتهم في الكفر. وفي الأنعام يقول للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (الأنعام/ 90) يعني بسنّتهم، التّوحيد «اقتده» يعني استنّ بها.
الوجه الخامس عشر: هدى يعني التّوبة، وذلك قوله في الأعراف إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ (الأعراف/ 156) تفسير مجاهد وقتادة: إنّا تبنا إليك.
الوجه السّادس عشر: يهدي يصلح، وذلك(8/3571)
قوله في سورة يوسف وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (يوسف/ 52) يعني لا يصلح عمل الزّناة.
الوجه السّابع عشر: هدى يعني الإلهام، وذلك قوله في طه الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه/ 50) يعني ألهمه لمرعاه، فمنها ما يأكل النّبت، ومنها ما يأكل الحبّ، ومنها ما يأكل اللّحم. وقوله (خلقه) يعني صورته الّتي تصلح له. قال: ثُمَّ هَدى يعني ألهمه كيف يأتي معيشته ومرعاه، وذلك قوله في سبّح اسم ربّك الأعلى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (الأعلى/ 3) يعني قدّر الخلق، الذّكر والأنثى، فهدى يعني ألهم كيف يأتيها وتأتيه.
وأضاف ابن الجوزيّ: في نزهة الأعين النّواظر عدّة أوجه أخرى وهي:
الوجه الثّامن عشر: الاستبصار، ومنه قوله تعالى في البقرة فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة/ 16) .
الوجه التّاسع عشر: الدّليل ومنه قوله تعالى في سورة طه أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (طه/ 10) قيل معناه (إن لم يكن هذه) نارا فعلّني أرى من يدلّني على النّار.
الوجه العشرون: التّعليم: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (النساء/ 26) .
الوجه الحادي والعشرون: الفضل: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (النساء/ 50) أي: أفضل.
الوجه الثّاني والعشرون: التّقديم: ومنه قوله تعالى في سورة الصّافّات فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (الصافات/ 23) .
الوجه الثّالث والعشرون: الموت على الإسلام:
ومنه قوله تعالى في سورة طه وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (طه/ 82) .
الوجه الرّابع والعشرون: الثّواب: ومنه قوله تعالى في سورة اللّيل: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (الليل/ 12) .
الوجه الخامس والعشرون: الإذكار: ومنه قوله تعالى فى سورة الضّحى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى الضحى/ 7) أي ناسيا فذكّرك.
الوجه السّادس والعشرون: الصّواب: ومنه قوله تعالى: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (العلق/ 11) .
الوجه السّابع والعشرون: الثّبات: ومنه قوله تعالى في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/ 6) ، (أي ثبّتنا عليه) «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإرشاد الإسلام- الإيمان- التبليغ- الثبات- الكلم الطيب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضلال- الغي والإغواء- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإعراض- التفريط والإفراط] .
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (629- 630)(8/3572)
الآيات الواردة في «الهدى»
الهدى على سبيل الرجاء:
1- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1»
2- وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) «2»
3- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) «3»
4- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) «4»
5- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) «5»
6- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «6»
7- وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) «7»
8- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «8»
__________
(1) الفاتحة: 6- 7 مكية
(2) البقرة: 53 مدنية
(3) البقرة: 150 مدنية
(4) آل عمران: 103 مدنية
(5) الأعراف: 158- 159 مكية
(6) التوبة: 17- 18 مدنية
(7) النحل: 14- 16 مكية
(8) الكهف: 23- 24 مكية(8/3573)
9- وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) «1»
10- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) «2»
11- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) «3»
12- الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) «4»
13-* وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85)
أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) «5»
14-* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21)
إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «6»
15- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) «7»
16- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) «8»
__________
(1) الأنبياء: 31 مكية
(2) المؤمنون: 49 مدنية
(3) القصص: 20- 22 مكية
(4) السجدة: 1- 3 مكية
(5) الصافات: 83- 99 مكية
(6) ص: 21- 22 مكية
(7) الزخرف: 9- 10 مكية
(8) الزخرف: 26- 27 مكية(8/3574)
الهدى وصف للوحي (الكتب السماوية) :
17- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
18- قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) «2»
19- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) «3»
20- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «4»
21- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «5»
22- الم (1)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «6»
23- هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «7»
24- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15)
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) «8»
__________
(1) البقرة: 1- 5 مدنية
(2) البقرة: 38 مدنية
(3) البقرة: 97 مدنية
(4) البقرة: 120 مدنية
(5) البقرة: 185 مدنية
(6) آل عمران: 1- 4 مدنية
(7) آل عمران: 138 مدنية
(8) المائدة: 15- 16 مدنية(8/3575)
25- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) «1»
26- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86)
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) «2»
27- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) «3»
28- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ
__________
(1) المائدة: 44- 46 مدنية
(2) الأنعام: 84- 91 مكية
(3) الأنعام: 154 مكية(8/3576)
دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «1»
29- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «2»
30- وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «3»
31- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) «4»
32- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) «5»
33- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) «6»
34- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «7»
35- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) «8»
36- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «9»
37- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «10»
38- وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) «11»
__________
(1) الأنعام: 155- 157 مكية
(2) الأعراف: 52 مكية
(3) الأعراف: 154- 155 مكية
(4) الأعراف: 203 مكية
(5) التوبة: 33 مدنية
(6) يونس: 57 مكية
(7) يوسف: 111 مكية
(8) النحل: 64 مكية
(9) النحل: 89 مكية
(10) النحل: 101- 102 مدنية
(11) الإسراء: 2 مكية(8/3577)
39- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) «1»
40- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94)
قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «2»
41- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)
قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45)
قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46)
فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) «3»
42- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «4»
43-* اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) «5»
44- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1)
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «6»
45- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «7»
46- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «8»
47- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2)
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
__________
(1) الإسراء: 9 مكية
(2) الإسراء: 94- 96 مكية
(3) طه: 43- 47 مكية
(4) الحج: 23- 24 مدنية
(5) النور: 35 مدنية
(6) النمل: 1- 3 مكية
(7) النمل: 76- 77 مكية
(8) القصص: 43 مكية(8/3578)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
48- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) «2»
49- وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «3»
50- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ
اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ
(23) «4»
51- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53)
هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) «5»
52- وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) «6»
53- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «7»
54- هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) «8»
55- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «9»
56- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) «10»
__________
(1) لقمان: 1- 5 مكية
(2) السجدة: 23- 26 مكية
(3) سبأ: 6 مكية
(4) الزمر: 23 مكية
(5) غافر: 53- 54 مكية
(6) فصلت: 44 مكية
(7) الشورى: 52- 53 مكية
(8) الجاثية: 11 مكية
(9) الجاثية: 20 مكية
(10) الأحقاف: 29- 30 مكية(8/3579)
57- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) «1»
58- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21)
تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) «2»
59- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) «3»
60- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «4»
61- وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) «5»
62- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) «6»
الهدى واقع من الله وفضل منه:
63- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «7»
64- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «8»
65- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) «9»
66- وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) «10»
__________
(1) الفتح: 28 مدنية
(2) النجم: 19- 23 مكية
(3) الصف: 9 مدنية
(4) الجن: 1- 2 مكية
(5) الجن: 13 مكية
(6) العلق: 9- 12 مكية
(7) البقرة: 198 مدنية
(8) البقرة: 213 مدنية
(9) آل عمران: 8 مدنية
(10) آل عمران: 73 مدنية(8/3580)
67- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) «1»
68- وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) «2»
69- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «3»
70- وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66)
وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67)
وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) «4»
71- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «5»
72- وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76)
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80)
وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «6»
__________
(1) آل عمران: 96 مدنية
(2) آل عمران: 101 مدنية
(3) النساء: 26 مدنية
(4) النساء: 66- 68 مدنية
(5) الأنعام: 71 مكية
(6) الأنعام: 75- 82 مكية(8/3581)
73- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) «1»
74- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42)
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «2»
75- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) «3»
76- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) «4»
77- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «5»
78- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) «6»
79- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «7»
80- قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «8»
__________
(1) الأنعام: 161 مكية
(2) الأعراف: 42- 43 مكية
(3) الأعراف: 181 مكية
(4) التوبة: 115 مدنية
(5) يونس: 9- 10 مكية
(6) يونس: 24- 25 مكية
(7) يونس: 35 مكية
(8) إبراهيم: 11- 12 مكية(8/3582)
81- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) «1»
82- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) «2»
83- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) «3»
84- وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) «4»
85- قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (49)
قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) «5»
86- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «6»
87- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «7»
88- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «8»
89- وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31) «9»
__________
(1) النحل: 120- 121 مكية
(2) الكهف: 13 مكية
(3) مريم: 58 مدنية
(4) مريم: 76 مكية
(5) طه: 49- 50 مكية
(6) طه: 116- 123 مكية
(7) الحج: 36- 37 مدنية
(8) الحج: 54 مدنية
(9) الفرقان: 31 مكية(8/3583)
90-* وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53)
إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55)
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56)
فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)
وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58)
كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59)
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) «1»
91- قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)
أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) «2»
92- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «3»
93- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) «4»
94- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114)
وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116)
وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) «5»
95- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «6»
96- يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) «7»
97- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) «8»
__________
(1) الشعراء: 52- 62 مكية
(2) الشعراء: 75- 78 مكية
(3) النمل: 63 مكية
(4) الأحزاب: 4 مدنية
(5) الصافات: 114- 118 مكية
(6) الزمر: 17- 18 مكية
(7) الحجرات: 17 مدنية
(8) التغابن: 11 مدنية(8/3584)
98- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2)
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) «1»
99- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) «2»
100- أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9)
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) «3»
101- وَالضُّحى (1)
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2)
ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7)
وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) «4»
الهدى رهن بمشيئة الله وإرادته:
102- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71) «5»
103-* سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «6»
104-* لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) «7»
__________
(1) الإنسان: 2- 3 مدنية
(2) الأعلى: 1- 3 مكية
(3) البلد: 8- 10 مكية
(4) الضحى: 1- 11 مكية
(5) البقرة: 70- 71 مدنية
(6) البقرة: 142- 143 مدنية
(7) البقرة: 272 مدنية(8/3585)
105- وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) «1»
106- فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) «2»
107- قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (149) «3»
108- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) «4»
109- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «5»
110- وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) «6»
111- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) «7»
112- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) «8»
113- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) «9»
114- إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِ
__________
(1) الأنعام: 35 مكية
(2) الأنعام: 125 مكية
(3) الأنعام: 149 مكية
(4) الرعد: 27 مدنية
(5) إبراهيم: 4 مكية
(6) النحل: 5- 9 مكية
(7) النحل: 93 مكية
(8) الحج: 16 مدنية
(9) النور: 46 مدنية(8/3586)
شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) «1»
115- وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) «2»
116- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «3»
117-* شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) «4»
118- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «5»
الهدى في مقابل الضلال من الله أو من العبد:
119-* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «6»
120- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «7»
121- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ
__________
(1) القصص: 56- 57 مكية
(2) السجدة: 13 مكية
(3) فاطر: 8 مكية
(4) الشورى: 13 مكية
(5) المدثر: 31 مكية
(6) البقرة: 26 مدنية
(7) آل عمران: 20 مدنية(8/3587)
تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «1»
122- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) «2»
123- وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) «3»
124- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)
فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «4»
125- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178) «5»
126- وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43) «6»
127- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) «7»
128- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (37) «8»
__________
(1) المائدة: 104- 108 مدنية
(2) الأنعام: 56 مكية
(3) الأنعام 116- 117 مكية
(4) الأعراف: 29- 30 مكية
(5) الأعراف: 178 مكية
(6) يونس: 43 مكية
(7) يونس: 108 مكية
(8) النحل: 36- 37 مكية(8/3588)
129- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «1»
130- مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) «2»
131- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) «3»
132-* وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) «4»
133- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) «5»
134- وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) «6»
135- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) «7»
136-* قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) «8»
137- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) «9»
138- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «10»
__________
(1) النحل: 125 مكية
(2) الإسراء: 15 مكية
(3) الإسراء: 97 مكية
(4) الكهف: 17 مكية
(5) النمل: 91- 92 مكية
(6) القصص: 37 مكية
(7) القصص: 85 مكية
(8) سبأ: 24 مكية
(9) سبأ: 50 مكية
(10) الزمر: 36- 37 مكية(8/3589)
139- إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) «1»
140- ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «2»
141- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) «3»
142- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) «4»
الهدى وعد من الله أو من غيره:
143- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «5»
144- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)
يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) «6»
145- وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) «7»
146- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) «8»
147- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) «9»
__________
(1) الزمر: 41 مكية
(2) النجم: 30 مكية
(3) الحديد: 26 مدنية
(4) القلم: 7 مكية
(5) النساء: 174- 175 مدنية
(6) مريم: 41- 43 مكية
(7) العنكبوت: 69 مكية
(8) غافر: 38 مكية
(9) محمد: 2- 5 مدنية(8/3590)
148- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) «1»
149- وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) «2»
150- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15)
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16)
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18)
وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) «3»
151- إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12)
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) «4»
الهدى وصفا للبشر إثباتا أو نفيا:
152- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «5»
153- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156)
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «6»
154- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97)
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) «7»
155- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) «8»
156- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) «9»
__________
(1) الفتح: 1- 3 مدنية
(2) الفتح: 20 مدنية
(3) النازعات: 15- 19 مدنية
(4) الليل: 12- 13 مكية
(5) البقرة: 137 مدنية
(6) البقرة: 155- 157 مدنية
(7) النساء: 97- 98 مدنية
(8) الأنعام: 97 مكية
(9) الأعراف: 100 مكية(8/3591)
157- وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «1»
158- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) «2»
159- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9)
إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) «3»
160- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «4»
161- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) «5»
162- قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135) «6»
163- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69)
وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71)
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72)
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «7»
164- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (4) «8»
165- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «9»
166- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) «10»
__________
(1) الرعد: 7 مدنية
(2) الإسراء: 84 مكية
(3) طه: 9- 10 مكية
(4) طه: 81- 82 مكية
(5) طه: 128 مكية
(6) طه: 135 مكية
(7) الأنبياء: 69- 73 مكية
(8) الحج: 3- 4 مدنية
(9) الحج: 67 مدنية
(10) النور: 54 مدنية(8/3592)
167- فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37)
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) «1»
168- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) «2»
169- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) «3»
170- وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) «4»
171- أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) «5»
__________
(1) النمل: 36- 41 مكية
(2) سبأ: 32 مكية
(3) يس: 20- 21 مكية
(4) محمد: 17 مدنية
(5) الملك: 22 مكية(8/3593)
الأحاديث الواردة في (الهدى)
1-* (عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممّن نزل فيه وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة/ 92) فسلّمنا، وقلنا:
أتيناك، زائرين، وعائدين، ومقتبسين. قال العرباض:
صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟. فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه- أو صاحبه- يرحمك الله، فإذا قال يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم» ) * «2» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟. فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه» ، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله، مرني بما شئت. قال: «فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا» .
قال: فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة له «3» ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين.
فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبيّ الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم «4» ، فعجل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» . فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال
__________
(1) أبو داود (4607) واللفظ له. وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 871) حديث رقم (3851) : صحيح. والترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (1/ 279) : إسناده صحيح.
(2) البخاري- الفتح 10 (6224) .
(3) مسلحة له: أي حارسا له.
(4) يخترف لهم: أي يجتني من الثمار.(8/3594)
فانطلق فهيّأ لنا مقيلا «1» . قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ. وقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو، إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا» . قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالها ثلاث مرار- قال: «فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» . قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» .
قالوا: حاشا لله، ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام! اخرج عليهم» فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو! إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ. فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
4-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟ وكان بيتا في خثعم يسمّى كعبة اليمانيّة.
فانطلقت في خمسين ومائة من أحمس- وكانوا أصحاب خيل- فأخبرت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّي لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتّى رأيت أثر أصابعه في صدري، فقال: «اللهمّ ثبّته، واجعله هاديا مهديّا» . فانطلق إليها فكسرها وحرّقها، فأرسل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبشّره، فقال رسول جرير لرسول الله: يا رسول الله، والّذي بعثك بالحقّ، ما جئتك حتّى تركتها كأنّها جمل أجرب. فبارك على خيل أحمس ورجالها مرّات) * «3» .
5-* (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا عرض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في سفر. فأخذ بخطام ناقته «4» أو بزمامها. ثمّ قال: يا رسول الله أو يا محمّد! أخبرني بما يقرّبني من الجنّة وما يباعدني من النّار؟ قال: فكفّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نظر في أصحابه. ثمّ قال: «لقد وفّق أو لقد هدي» . قال: كيف قلت؟ قال فأعاد. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تعبد الله لا تشرك به شيئا.
وتقيم الصّلاة. وتؤتي الزّكاة. وتصل الرّحم. دع النّاقة» ) * «5» .
6-* (عن أبي الأشعث الصّنعانيّ أنّ خطباء قامت بالشّام وفيهم رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام آخرهم رجل يقال له مرّة بن كعب، فقال:
لولا حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قمت، وذكر الفتن فقرّبها، فمرّ رجل مقنّع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفّان، قال:
__________
(1) مقيلا: أي مكانا نستريح فيه وقت القيلولة وهى الظهيرة.
(2) البخاري- الفتح 7 (3911) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3076) واللفظ له ومسلم (2476) .
(4) بخطام ناقته: الخطام- بكسر الخاء حبل من ليف أو كتان يجعل في أنف البعير ليقاد به.
(5) مسلم (13) .(8/3595)
فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال نعم) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن عمر. رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو على أربعة، فأنزل الله:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (الأعراف/ 128) قال: فهداهم الله للإسلام) * «2» .
8-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في دعائه أن يقول: «اللهمّ مقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك» . قالت: قلت يا رسول الله! أو أنّ القلوب لتتقلّب؟ قال: «نعم، ما من خلق الله من بني آدم من بشر إلّا أنّ قلبه بين أصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله- عزّ وجلّ- أقامه وإن شاء الله أزاغه، فنسأل الله ربّنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لّدنه رحمة إنّه هو الوهّاب» . قالت: قلت: يا رسول الله ألا تعلّمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: «بلى. قولي: اللهمّ! ربّ محمّد النّبيّ اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلّات الفتن ما أحييتنا» ) * «3» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله- تعالى- تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنّة، هو الله الّذي لا إله إلّا هو، الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارىء، المصوّر، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظّاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ، الرّؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور» ) * «4» .
__________
(1) الترمذي (3704) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح وأحمد (4/ 236) . وابن ماجة في المقدمة (111) ورواية أحمد فيها: (هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى) .
(2) أحمد (2/ 104) واللفظ له، وأصله عند البخاري (8/ 74) برقم (4560) وذكره ابن حجر وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(3) أحمد (6/ 302) . ونحوه عند مسلم (2654) من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- وأقرب منه عند الترمذي (2140- 2141) وقال: حديث حسن صحيح. والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 325) وقال: روى الترمذي بعضه ورواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق.
(4) الترمذي (3507) وقال: هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلّا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. وابن ماجة (3861) وقال في الزوائد: طريق الترمذي أصح شيء في الباب. وقال النووي في الأذكار (128) : حديث حسن رواه الترمذي وغيره.(8/3596)
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم دخل نخلا لبني النّجّار، فسمع صوتا ففزع، فقال: «من أصحاب هذه القبور؟» .
قالوا: يا رسول الله، ناس ماتوا في الجاهليّة، فقال:
«تعوّذوا بالله من عذاب النّار، ومن فتنة الدّجّال» قالوا: وممّ ذاك يا رسول الله؟. قال: «إنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء، غيرها، فينطلق به إلى بيت كان له في النّار فيقال له: هذا بيتك كان لك في النّار ولكنّ الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنّة، فيقول: دعوني حتّى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن، وإنّ الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول النّاس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثّقلين» ) * «1» .
11-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الهدى الصّالح، والسّمت الصّالح، والاقتصاد، جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «2» .
12-* (عن رافع بن سنان أنّه أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع: ابنتي، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقعد ناحية» . وقال لها: «اقعدي ناحية» قال:
وأقعد الصّبيّة بينهما، ثمّ قال: «ادعواها» فمالت الصّبيّة إلى أمّها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهدها» . فمالت الصّبيّة إلى أبيها، فأخذها) * «3» .
13-* (عن يزيد بن حيّان. قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم.
فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت، يا زيد خيرا كثيرا. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمعت حديثه. وغزوت معه. وصلّيت خلفه. لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا.
حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سنّي. وقدم عهدي. ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فما حدّثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلّفونيه. ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا خطيبا. بماء يدعى خمّا، بين مكّة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال:
«أمّا بعد. ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله.
__________
(1) أبو داود (4/ 4751) . واللفظ له وذكره الألباني في الصحيحة (ح 1344) وقال: أخرجه أحمد (3/ 331) . وهذا إسناد جيد رجاله رجال الصحيح. وذكره في صحيح أبي داود (ح 3977) وقال عنه: صحيح والثقلان هما الإنس والجن.
(2) أبو داود (4776) وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 79) ، 3996: حسن.
(3) أبو داود (2/ 2244) وقال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 422) : صحيح. والنسائي (6/ 185) .(8/3597)
واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: «وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي» . فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟ قال: نعم) * «1» .
14-* (عن عثمان بن أبي العاص وامرأة من قيس أنّهما سمعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال أحدهما: سمعته يقول:
«اللهمّ اغفر لي ذنبي خطئي وعمدي» . قال الآخر:
سمعته يقول: «اللهمّ أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شرّ نفسي» ) * «2» .
15-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء؟
فقال: «إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» . قال: فما زلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد) * «3» .
16-* (عن سعد- رضي الله عنه- قال:
جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟ قال: «قل: اللهمّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني» ) * «4» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حين أسري بي لقيت موسى عليه السّلام، (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا رجل (حسبته قال) مضطرب «5» . رجل الرّأس. كأنّه من رجال شنوءة.
قال، ولقيت عيسى (فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) فإذا ربعة «6» أحمر كأنّما خرج من ديماس» . (يعني الحمّام) «7» قال، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به.
قال، فأتيت بإناءين في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر.
فقيل لي: خذ أيّهما شئت. فأخذت اللّبن فشربته.
فقال: هديت الفطرة- أو أصبت الفطرة- أما إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك) * «8» .
18-* (عن لقيط بن عامر أنّه خرج وافدا
__________
(1) مسلم (2408) .
(2) أحمد 4/، 217 ومجمع الزوائد 10/ 177 واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: وامرأة من قريش ورجالهما رجال الصحيح.
(3) أبو داود 3 (3582) . قال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 684) : حسن. وأحمد (1/ 136) . وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 73) : إسناده صحيح.
(4) مسلم (2696) .
(5) المضطرب: الطويل غير الشديد.
(6) ربعة: بفتح الراء- هو المربوع، والمراد: أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط.
(7) والمراد وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كنّ فخرج منه وهو عرقان.
(8) البخاري- الفتح 6 (3437) . ومسلم (168) .(8/3598)
إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق «1» قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتّى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لانسلاخ رجب فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة «2» فقام فى النّاس خطيبا فقال: «أيّها النّاس، ألا إنّي خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيّام، ألا لأسمعنّكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه» فقالوا:
اعلم لنا ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا ثمّ لعلّه أن يلهيه حديث نفسه، أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضّلال ألا إنّي مسئول: هل بلّغت؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا ألا اجلسوا، قال: فجلس النّاس وقمت أنا وصاحبي حتّى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره «3» قلت: يا رسول الله، ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله وهزّ رأسه وعلم أنّي أبتغي لسقطه فقال «ضنّ ربّك عزّ وجلّ بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلّا الله» وأشار بيده قلت: وما هي؟ قال: «علم المنيّة، قد علم منيّة أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المنيّ حين يكون فى الرّحم، قد علمه ولا تعلمون، وعلم ما في غد، وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين «4» . فيظلّ يضحك قد علم أنّ غيركم إلى قرب، قال لقيط: لن نعدم من ربّ يضحك خيرا، وعلم يوم السّاعة، قلت يا رسول الله! علّمنا ممّا تعلّم النّاس وما تعلم، فأنا من قبيل لا يصدّقون تصديقنا أحد من مذحج الّتي تربو علينا وخثعم الّتي توالينا وعشيرتنا الّتي نحن منها قال:
تلبثون ما لبثتم ثمّ يتوفّى نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تلبثون ما لبثتم ثمّ تبعث الصّائحة لعمر إلهك، ما تدع على ظهرها من شيء إلّا مات والملائكة الّذين مع ربّك- عزّ وجلّ- فأصبح ربّك- عزّ وجلّ- يطيف في الأرض وخلت عليه البلاد فأرسل ربّك عزّ وجلّ السّماء بهضب «5» من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميّت إلّا شقّت القبر عنه حتّى تجعله من عند رأسه فيستوي جالسا، فيقول ربّك: مهيم «6» لما كان فيه، يقول: يا ربّ أمس اليوم «7» ولعهده الحياة يحسبه حديثا بأهله، فقلت:
يا رسول الله! كيف يجمعنا بعد ما تمزّقنا الرّياح والبلى والسّباع؟ قال: «أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة «8» بالية فقلت لا تحيا أبدا، ثمّ أرسل ربّك- عزّ وجلّ- عليها السّمآء فلم تلبث عليك إلّا أيّام حتّى أشرفت عليها وهي شرية «9»
__________
(1) في الأصل ليست منقوطة، وهو مشهور.
(2) زاد في نسخة «فقام في الغداة خطيبا» .
(3) في النسخ: وحصره. وفي هامش إحداها: صوابه بصره. المصنف.
(4) أزلين مشفقين: أي في حال ضيق وشدة وخوف.
(5) أي بمطر، وفي الأصل (تهضب) والتصويب من النهاية.
(6) مهيم: أى ما شأنك وما حالك؟.
(7) أمس اليوم: أي أمس كأنه صار اليوم.
(8) المدرة: قطعة الطين اليابس.
(9) شرية: الشرية الحنظلة، أراد أن الأرض اخضرت بالنبات فكأنها حنظلة واحدة، قال ابن الأثير: والرواية شربة بالباء الموحدة.(8/3599)
واحدة ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعهم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فيخرجون من الأصواء «1» ومن مصارعهم فتنظرون إليه وينظر إليكم» قال:
قلت: يا رسول الله! وكيف نحن ملء الأرض وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال: أنبّئك بمثل ذلك في آلاء الله «2» - عزّ وجلّ- الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارّون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارّون في رؤيتهما» .
قلت: يا رسول الله! فما يفعل بنا ربّنا عزّ وجلّ إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه بادية له صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية فيأخذ ربّك- عزّ وجلّ- بيده غرفة من الماء فينضح «3» قبيلكم بها، فلعمر إلهك ما تخطىء وجه أحدكم منها قطرة، فأمّا المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة «4» البيضاء، وأمّا الكافر فتخطمه مثل الحميم الأسود «5» ألا ثمّ ينصرف نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ويفترق على أثره الصّالحون فيسلكون جسرا من النّار فيطأ أحدكم الجمر فيقول حسّ «6» ، يقول ربّك عزّ وجلّ- أو أنّه: ألا فتطّلعون على حوض الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أظمأ والله ناهلة عليها قطّ ما رأيتها فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلّا وضع عليها قدح يطهّره من الطّوف «7» والبول والأذى، وتحبس الشّمس والقمر ولا ترون منهما واحدا، قال: قلت:
يا رسول الله! فبم نبصر؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك قبل طلوع الشّمس في يوم أشرقت الأرض واجهت به الجبال» قال: قلت: يا رسول الله فبم نجزى من سيّئاتنا وحسناتنا؟ قال: «الحسنة بعشر أمثالها والسّيّئة بمثلها إلّا أن يعفو» قال: قلت: يا رسول الله! أمّا الجنّة أمّا النّار قال: «لعمر إلهك إنّ للنّار لسبعة أبواب، ما منهنّ بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما، وإنّ للجنّة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عاما» قلت: يا رسول الله! فعلام نطّلع من الجنّة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفّى، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه، وماء غير آسن «8» ، وبفاكهة، لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهّرة» قلت: يا رسول الله! ولنا فيها أزواج أو منهنّ مصلحات؟ قال: «الصّالحات للصّالحين، تلذّونهنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد» قال لقيط: فقلت: أقضي ما نحن بالغون ومنتهون
__________
(1) الأصواء: القبور وأصلها من الصّوى: الأعلام، فشبه القبور بها.
(2) آلاء الله: نعمه.
(3) فينضح: أي يرش
(4) الريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، وقيل: كل ثوب لين دقيق.
(5) فتخطمه مثل الحميم الأسود: أي تصيب خطمه وهو أنفه يعني تجعل له أثرا مثل أثر الخطام، والحميم الماء الحار وفي رواية مثل الحمم وهو الفحم.
(6) حسّ كلمة: تقال عند التألم من شيء محس.
(7) الطوف: الغائط يقال: طاف يطوف طوفا أي ذهب إلي البراز، لقضاء الحاجة.
(8) غير أسن: غير متغير.(8/3600)
إليه؟ فلم يجبه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله! (على) «1» ما أبايعك؟ قال فبسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده وقال: «على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك بالله إلها غيره» قال: قلت: وإنّ لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يده، وظنّ أنّي مشرط شيئا لا يعطينيه، قال: قلت: نحلّ منها حيث شئنا ولا يجني امرؤ إلّا على نفسه، فبسط يده، وقال: «ذلك لك تحلّ حيث شئت ولا يجني عليك إلّا نفسك» قال: فانصرفنا عنه، ثمّ قال: «إنّ هذين لعمر إلهك من أتقى النّاس في الأولى والآخرة» فقال له كعب ابن الخدريّة أحد بني بكر بن كلاب: من هم يا رسول الله؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك» قال: فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله هل لأحد ممّن مضى من خير في جاهليّتهم؟ قال:
قال رجل من عرض قريش، «والله إنّ أباك المنتفق لفي النّار» قال فلكأنّه وقع حرّ بين جلدي ووجهي ولحمى ممّا قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله! فإذا الأخرى أجمل، فقلت:
يا رسول الله وأهلك؟ قال: وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر عامريّ أو قرشيّ من مشرك فقل: أرسلني إليك محمّد فأبشّرك بما يسوؤك، تجرّ على وجهك وبطنك في النّار» قال: قلت: يا رسول الله! ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلّا إيّاه، وكانوا يحسبونه أنّهم مصلحون قال: «ذلك لأنّ الله عزّ وجلّ بعث في آخر كلّ سبع أمم- يعني نبيّا- فمن عصى نبيّه كان من الضّالّين، ومن أطاع نبيّه كان من المهتدين) * «2» .
19-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّمآء. فقلت:
آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا.
حتّى تجلّاني الغشي «3» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي- أو على وجهي- من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار.
وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات
__________
(1) زيادة من المسند الجامع (15/ 19) .
(2) رواه أحمد (4/ 13- 14) واللفظ له والهيثمي في المجمع (1/ 338) وقال: رواه عبد الله. والطبراني بنحوه وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل، ورجالها ثقات والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط. وذكره ابن القيم في الزاد (3/ 673- 677) وقال عنه: هذا حديث كبير جليل قد خرج من مشكاة النبوة. وذكر كلاما طويلا في قوته.
(3) تجلاني الغشي: أي علاني مرض قريب من الإغماء لطول تعب الوقوف.(8/3601)
والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت) * «1» .
20-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره «2» . فأغمضه. ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر» فضجّ ناس من أهله. فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلّا بخير. فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين «3» .
واغفر لنا وله يا ربّ العالمين. وافسح له في قبره. ونوّر له فيه) * «4» .
21-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيته ينقل من تراب الخندق حتّى وارى عنّى التّراب جلدة بطنه وكان كثير الشّعر- فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التّراب يقول:
اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا
قال ثمّ يمدّ صوته بآخرها) » «5» .
22-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: زوّجني أبي امرأة من قريش، فلمّا دخلت عليّ جعلت لا أنحاش لها «6» ممّا بي من القوّة على العبادة من الصّوم والصّلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنّته «7» حتّى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرّجال، أو كخير البعولة من رجل لم يفتّش لنا كنفا، ولم يعرف لنا فراشا، فأقبل عليّ فعذمني «8» وعضّني بلسانه! فقال:
أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها «9» وفعلت وفعلت!! ثمّ انطلق إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكاني فأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، فقال لي: أتصوم النّهار؟
قلت: نعم، قال: وتقوم اللّيل؟ قلت: نعم، قال:
لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأمسّ النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» قال: «اقرأ القرآن في كلّ شهر» قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال:
«فاقرأه في كلّ عشرة أيّام» قلت: إنّي أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتّى قال: صم يوما وأفطر يوما فإنّه أفضل الصّيام وهو صيام أخي داود صلّى الله عليه وسلّم قال حصين في حديثه: ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: فإنّ لكلّ
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (86) . ومسلم (905) واللفظ له.
(2) شق بصره: أي شخص وهو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه.
(3) في الغابرين: أي الباقين أي كن خليفة له في ذريته.
(4) مسلم (920) .
(5) البخاري- الفتح 7 (4106) واللفظ له في هذا الموضع 6 (3034) ، ومسلم (1803) .
(6) لا أنحاش لها: أي لا أكترث لها، ولا أعبأبها.
(7) الكنّة: بفتح الكاف، وهي هنا زوجة الابن.
(8) فعذمني: أي لامني.
(9) فعضلتها: هو من العضل: وهو المنع، أراد أنك لم تعاملها معاملة الأزواج لنسائهم، ولم تتركها تتصرف في نفسها فكأنك قد منعتها.(8/3602)
عابد شرّة «1» ولكلّ شرّة فترة «2» ، فإمّا إلى سنّة، وإمّا إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنّة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك» قال مجاهد:
فكان عبد الله بن عمرو حيث ضعف وكبر، يصوم الأيّام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ليتقوّى بذلك، ثمّ يفطر بعد تلك الأيّام، قال: وكان يقرأ في كلّ حزبه «3» كذلك، يزيد أحيانا
وينقص أحيانا، غير أنّه يوفي العدد إمّا في سبع وإمّا في ثلاث، قال: ثمّ كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ ممّا عدل به أو عدل، لكنّي فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره) * «4» .
23-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع» ) * «5» .
24-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-:
قدم طفيل بن عمرو الدّوسيّ وأصحابه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله! إنّ دوسا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس. قال: «اللهمّ اهد دوسا وائت بهم» ) * «6» .
25-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل: اللهمّ اهدني وسدّدني، واذكر بالهدى هدايتك الطّريق. والسّداد، سداد السّهم) * «7» .
26-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ، ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول: «أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد «8» ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا «9» فإليّ وعليّ» ) * «10» .
27-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كان اليهود يتعاطسون «11» عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يرجون أن يقول لهم: «يرحمكم الله، فيقول: يهديكم الله،
__________
(1) شرة: نشاط.
(2) فترة: انكسار وضعف.
(3) الحزب: ما يجعله الرجل علي نفسه من قراءة وصلاة كالورد
(4) أخرجه الترمذي. وأحمد 2/، 158 قال أحمد شاكر 9/ 188، 6477: إسناده صحيح، رواه عنه كثير من التابعين وأخرجه الأئمة في دواوينهم ولكني لم أجده مفصلا بهذا السياق إلا في هذا الموضع.
(5) رواه الترمذي (4/ 576) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 35) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وابن ماجة (2/ 1386) من حديث عبد الله بن عمرو وبلفظ «قد أفلح» .
(6) البخاري- الفتح 6 (2937) . ومسلم (2524) متفق عليه.
(7) مسلم (2725)
(8) الهدى هدى محمد: الهدى- بضم الهاء وفتح الدال- فيهما، وبفتح الهاء وإسكان الدال. وجهان ذكرهما العلماء.
(9) الضياع:- بفتح الضاد- العيال، والمراد: من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع. فأوقع المصدر موقع الاسم.
(10) ومسلم (867)
(11) يتعاطسون: أي يتكلفون العطاس ويتظاهرون به.(8/3603)
ويصلح بالكم» ) * «1» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ أهل النّار يرى مقعده من الجنّة فيقول: لو أنّ الله هداني فيكون عليهم حسرة، قال: وكلّ أهل الجنّة يرى مقعده من النّار فيقول: لولا أنّ الله هداني. قال: فيكون له شكرا» ) * «2» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله، إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» . فخرجت مستبشرا بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «3» فسمعت أمّي خشف قدميّ «4» ، فقالت: مكانك! يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «5» . قال فاغتسلت ولبست درعها «6» ، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا.
قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين. وحبّب إليهم المؤمنين» . فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلّا أحبّني) * «7» .
30-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «أين عليّ ابن أبي طالب؟» . فقالوا: هو، يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه» . فأتى به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه ودعا له فبرأ. حتّى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله! أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟. فقال: «انفذ على رسلك.
حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» ) * «8» .
31-* (عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه رضي الله عنهما- قال لمّا حضرت أبا طالب الوفاة،
__________
(1) الترمذي (2739) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (5038) ، وقال الألباني 3/ 944: صحيح.
(2) أحمد (2/ 512) والهيثمي في المجمع (01/ 399) وقال: رجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 435- 436) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(3) مجاف: مغلق
(4) خشف قدمىّ: أي صوتهما في الأرض
(5) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(6) درع المرأة: قميصها.
(7) مسلم (2491) .
(8) البخاري- الفتح 7 (3701) . ومسلم (2406) متفق عليه، وحمر النعم: هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه.(8/3604)
جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمّ قل: لا إله إلّا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتّى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطّلب. وأبى أن يقول: لا إله إلّا الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله عزّ وجلّ: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ 113) . وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص/ 56) * «1» .
32-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر، قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: «اللهمّ! أين ما وعدتني؟، اللهمّ! أنجز ما وعدتني، اللهمّ! إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا» ، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر- رضي الله عنه- فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه ثمّ قال: يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فلمّا كان يومئذ والتقوا، فهزم الله- عزّ وجلّ- المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا، فاستشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعليّا وعمر- رضي الله عنهم-، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا نبيّ الله! هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، فإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى يا بن الخطّاب؟» . قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر- رضي الله عنه- ولكنّي أرى أن تمكّنني من فلان، قريبا لعمر، فأضرب عنقه، وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه وتمكّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتّى يعلم الله أنّه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمّتهم، وقادتهم، فهوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر- رضي الله عنه-، ولم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلمّا أن كان من الغد، قال عمر- رضي الله عنه-: غدوت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر- رضي الله عنه-، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الّذي عرض عليّ أصحابك من الفداء،
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1360) ومسلم (24) واللفظ له.(8/3605)
لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة» ، لشجرة قريبة، وأنزل الله- عزّ وجلّ-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ (الأنفال/ 67) من الفداء، ثمّ أحلّ لهم الغنائم، فلمّا كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفرّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكسرت رباعيته وهشمت البيضة «1» على رأسه، وسال الدّم على وجهه، وأنزل الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها الآية (آل عمران/ 165) ، بأخذكم الفداء» ) * «2» .
33-* (عن أبي الحوراء السّعديّ، قال: قلت للحسن بن عليّ: ما تذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال:
أذكر أنّي أخذت تمرة من تمر الصّدقة، فألقيتها في فمي، فانتزعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلعابها فألقاها في التّمر، فقال له رجل: ما عليك لو أكل هذه التّمرة؟ قال: «إنّا لا نأكل الصّدقة» قال: وكان يقول «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة. قال:
وكان يعلّمنا هذا الدّعاء: «اللهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّه لا يذلّ من واليت» ، وربّما قال «تباركت ربّنا وتعاليت» ) * «3» .
34-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم. انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ «4» ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، قالوا: ما ذاك إلّا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها «5» ، فانظروا ما هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النّفر الّذين أخذوا نحو تهامة (وهو بنخل «6» ، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر) فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا حال بيننا وبين خبر السّماء، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ
__________
(1) البيضة: الخوذة على الرأس تقي المحارب.
(2) أحمد (30- 31) . وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 244) : إسناده صحيح.
(3) أحمد (1/ 200) والترمذي: (2518) والدارمي: (1589- 1594) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 444) : إسناده صحيح.
(4) سوق عكاظ: هو موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق يقيمون فيه أياما، قال النووي: تصرف ولا تصرف، والسوق تؤنث وتذكر، وفي القاموس: وعكاظ كغراب، سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيتعاكظون، أي يتفاخرون ويتناشدون، قال النووي: قيل سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم.
(5) فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها: الضرب في الأرض الذهاب فيها، وهو ضربها بالأرجل
(6) وهو بنخل: هكذا وقع في صحيح مسلم: بنخل، وصوابه بنخلة، بالهاء، وهو موضع معروف هناك، كذا جاء صوابه في صحيح البخاري.(8/3606)
نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (الجن/ 1، 2) فأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1)) * «1» .
35-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما كان من نبيّ إلّا وقد كان له حواريّون يهتدون بهديه «2» ويستنّون بسنّته» ) * «3» .
36-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقيّة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها النّاس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قيعان «4» لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه «5» في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» . قال أبو عبد الله: قال إسحاق: وكان منها طائفة قيّلت «6» الماء قاع يعلوه الماء، والصّفصف المستوي من الأرض» ) * «7» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «8» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ سنّة ضلال فاتّبع عليها كان عليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، ومن سنّ سنّة هدى فاتّبع عليها كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «9» .
39-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في حديث أبي سفيان مع هرقل، قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الرّوم: سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «10» ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) . قال أبو سفيان: فلمّا قال
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4921) . ومسلم (449)
(2) يهتدون بهديه: أي بطريقته وسمته.
(3) مسلم (49) .
(4) القيعان: بكسر القاف جمع قاع، وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
(5) فقه: أي صار فقيها.
(6) قيلت: أي شربت، والقيل: شرب نصف النهار.
(7) البخاري- الفتح 1 (79) . واللفظ له ومسلم (2282) .
(8) مسلم (2674) .
(9) أحمد (2/ 505) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وهو عند مسلم بلفظ آخر وعند الترمذي والنسائي وغيرهم.
(10) الأريسيين: اختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون ومعناه: إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك.(8/3607)
ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصّخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، وقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «1» ، إنّه يخافه ملك بني الأصفر «2» ، فما زلت موقنا أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام) * «3» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمّ هذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنّاس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنّصارى بعد غد» ) * «4» .
41-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم.
قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط «5» إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه) * «6» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنّة» ، فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «يقتل هذا فيلج الجنّة، ثمّ يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام، ثمّ يجاهد في سبيل الله فيستشهد» ) * «7» .
__________
(1) أمر أمر ابن أبي كبشة: أمر: أي عظم، وابن أبي كبشة قيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم كما خالفهم أبو كبشة.
(2) بنو الأصفر: هم الروم.
(3) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) .
(4) البخاري- الفتح 2 (876) . ومسلم (855) .
(5) المخيط: أي الإبرة. قالوا: هذا تقريب للأفهام، ومعناه لا ينقص شيئا أصلا.
(6) حديث قدسي رواه مسلم (2577) .
(7) البخاري- الفتح 6 (2826) ومسلم (1890) واللفظ له.(8/3608)
الأحاديث الواردة في (الهدى) معنى
43-* (عن أنس- رضي الله عنه-، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «1» .
44-* (عن عديّ بن حاتم أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت» . قال: قل: ومن يعص الله ورسوله» «2» .
قال ابن نمير: فقد غوى) * «3» .
45-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: «خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا فانطلق النّاس لا يلوى أحد على أحد «4» قال أبو قتادة:
فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير حتّى ابهارّ اللّيل «5» وأنا إلى جنبه. قال فنعس «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمال عن راحلته.
فأتيته فدعمته «7» . من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى تهوّر اللّيل «8» مال عن راحلته. قال: فدعمته من غير أن أوقظه. حتّى اعتدل على راحلته. قال: ثمّ سار حتّى إذا كان من آخر السّحر مال ميلة. هي أشدّ من الميلتين الأوليين. حتّى كاد ينجفل «9» . فأتيته فدعمته. فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» . قلت: أبو قتادة. قال: «متى كان هذا مسيرك منّي؟» . قلت: ما زال هذا مسيرى منذ اللّيلة. قال:
«حفظك الله بما حفظت به نبيّه «10» » ثمّ قال: «هل ترانا نخفى على النّاس؟» . ثمّ قال: «هل ترى من أحد؟» .
قلت: هذا راكب. ثمّ قلت: هذا راكب آخر. حتّى اجتمعنا فكنّا سبعة ركب «11» . قال: فمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّريق. فوضع رأسه. ثمّ قال: «احفظوا علينا صلاتنا. فكان أوّل من استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والشّمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين. ثمّ قال:
«اركبوا» . فركبنا. فسرنا. حتّى إذا ارتفعت الشّمس نزل. ثمّ دعا بميضأة «12» كانت معي فيها شيء من
__________
(1) الترمذي (2142) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (4/ 135) من حديث عمر الجمعي بلفظ» يهديه الله- عز وجل- إلى العمل الصالح» .
(2) مسلم (870) .
(3) كأنه قصد بذلك إرشاد الخطيب إلى عدم التسوية بين الله- تبارك وتعالى- وبينه صلّى الله عليه وسلّم وإفراد كل منهما بالذكر.
(4) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف.
(5) ابهار الليل: أي انتصف.
(6) فنعس: النعاس مقدمة النوم.
(7) فدعمته: أي أقمت ميله من النوم، وصرت تحته. كالدعامة للبناء فوقها.
(8) تهور الليل: أي ذهب أكثره. مأخوذ من تهور البناء، وهو انهداده.
(9) ينجفل: أي يسقط.
(10) بما حفظت به نبيه: أي بسبب حفظك نبيه.
(11) سبعة ركب: هو جمع راكب. كصاحب وصحب، ونظائره.
(12) بميضأة: هي الإناء الذي يتوضأ به، كالركوة.(8/3609)
ماء. قال: فتوضّأ منها وضوءا دون وضوء «1» . قال:
وبقي فيها شيء من ماء. ثمّ قال لأبي قتادة: «احفظ علينا ميضأتك. فسيكون لها نبأ» . ثمّ أذّن بلال بالصّلاة. فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين. ثمّ صلّى الغداة فصنع كما كان يصنع كلّ يوم. قال: وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وركبنا معه. قال فجعل بعضنا يهمس إلى بعض «2» : ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثمّ قال: «أما لكم فيّ أسوة «3» ؟» . ثمّ قال: «أما إنّه ليس في النّوم تفريط «4» . إنّما التّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتّى يجيء وقت الصّلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلّها حين ينتبه لها. فإذا كان الغد فليصلّها عند وقتها» . ثمّ قال: «ما ترون النّاس صنعوا؟» . قال: ثمّ قال «5» : «أصبح النّاس فقدوا نبيّهم» . فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا. قال: فانتهينا إلى النّاس حين امتدّ النّهار وحمي كلّ شيء. وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا. عطشنا. فقال: «لا هلك عليكم «6» » . ثمّ قال:
«أطلقوا لي غمري «7» » . قال: ودعا بالميضأة. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبّ وأبو قتادة يسقيهم. فلم يعد أن رأى النّاس ماء في الميضأة تكابّوا عليها «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحسنوا الملأ «9» . كلّكم سيروى» . قال ففعلوا. فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصبّ وأسقيهم حتّى ما بقي غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ثمّ صبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «اشرب» . فقلت: لا أشرب حتّى تشرب يا رسول الله قال: «إنّ ساقي القوم آخرهم شربا» . قال فشربت. وشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فأتى النّاس الماء جامّين رواء «10» . قال فقال عبد الله بن
__________
(1) وضوءا دون وضوء: أي وضوءا خفيفا.
(2) يهمس إلى بعض: أي يكلمه بصوت خفي.
(3) أسوة: الأسوة كالقدوة والقدوة، هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره. إن حسنا وإن قبيحا. وإن سارّا وإن ضارّا. ولهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21) . فوصفها بالحسنة. كذا قال الراغب.
(4) ليس في النوم تفريط: أي تقصير في فوت الصلاة. لانعدام الاختيار من النائم.
(5) ما ترون الناس صنعوا قال ثم قال.. الخ: قال النووي: معنى هذا الكلام أنه صلّى الله عليه وسلّم لما صلّى بهم الصبح، بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس. وانقطع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم. قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ فسكت القوم. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وراءكم. ولا تطيب نفسه أن
يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم. فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم. وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه. فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنهما على الصواب.
(6) لاهلك عليكم: أي لا هلاك.
(7) أطلقوا لى غمري: أي ائتوني به. والغمر القدح الصغير.
(8) فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها: أي لم يتجاوز رؤيتهم الماء في الميضأة تكابهم، أي تزاحمهم عليها، مكبا بعضهم على بعض.
(9) أحسنوا الملأ: الملأ الخلق والعشرة. يقال: ما أحسن ملأ فلان أي خلقه وعشرته. وما أحسن ملأ بني فلان أي عشرتهم وأخلاقهم. ذكره الجوهري وغيره. وأنشد الجوهري:
تنادوا يالبهثة إذ رأونا ... فقلنا: أحسني ملأ جهينا
(10) جامين رواء: أي مستريحين قد رووا من الماء. والرواء ضد العطاش جمع ريّان وريّا، مثل عطشان وعطشى.(8/3610)
رباح: إنّي لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع «1» .
إذ قال عمران بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث. فإنّي أحد الرّكب تلك اللّيلة» . قال قلت:
فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممّن أنت؟، قلت: من الأنصار. قال: حدّث فأنتم أعلم بحديثكم. قال:
فحدّثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك اللّيلة وما شعرت أنّ أحدا حفظه كما حفظته «2» » ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الهدى)
46-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان يقول: «اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف «4» والغنى «5» ) * «6» .
47-* (عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف، قال: سألت عائشة أمّ المؤمنين: بأيّ شيء كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يفتتح صلاته إذا قام من اللّيل؟
قالت: كان إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «7» .
48-* (عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة: بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيام اللّيل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبّر عشرا، وحمد الله عشرا، وسبّح عشرا، وهلّل عشرا، واستغفر عشرا، وقال:
«اللهمّ اغفر لي، واهدني، وارزقني، وعافني» .
ويتعوّذ من ضيق المقام يوم القيامة، قال أبو داود:
ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الجرشيّ عن عائشة، نحوه) * «8» .
49-* (عن السّائب، قال صلّى بنا عمّار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا
__________
(1) في مسجد الجامع: هو من باب إضافة الموصوف إلى صفته. فعند الكوفيين يجوز ذلك بغير تقدير. وعند البصريين لا يجوز إلا بتقدير. ويتأولون ما جاء بهذا بحسب مواطنه. والتقدير هنا: مسجد المكان الجامع. وفي قول الله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ (القصص/ 44) أي المكان الغربي. وقوله تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ (النحل/ 30) أي الحياة الآخرة.
(2) حفظته: ضبطناه، حفظته بضم التاء وفتحها. وكلاهما حسن.
(3) مسلم (681) .
(4) العفاف: العفاف والعفة: هو التنزه عما لا يباح، والكف عنه.
(5) الغنى: الغنى هنا: غنى النفس والاستغناء عن الناس، وعما في أيديهم.
(6) مسلم (2721) .
(7) مسلم (770) .
(8) أبو داود (1/ 203) ، (266) . والنسائي (3/ 209) . وابن ماجة (1356) . وقال الألباني في صحيح أبي داود (1/ 146) ح 693: حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 236) : حسن صحيح(8/3611)
قام تبعه رجل من القوم هو أبيّ غير أنّه كنى عن نفسه، فسأله عن الدّعاء ثمّ جاء فأخبر به القوم:
اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغني، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين) * «1» .
50-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ما صلّيت وراء نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، إلّا سمعته يقول حين انصرف: «اللهمّ اغفر لي خطئي وعمدي، اللهمّ اهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنّه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيّئها إلّا أنت» ) * «2» .
51-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي «3» للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا «4» وما أنا من المشركين «5» . إنّ صلاتي ونسكي «6» ومحياي ومماتي «7» لله ربّ العالمين «8» لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق «9»
__________
(1) أحمد (4/ 264) . والنسائي (3/ 54) . وابن الأثير في «جامع الأصول» (4/ 210) وقال محققه: إسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1237) .
(2) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 173) وقال: رواه الطبراني ورجاله وثقوا.
(3) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض. أي ابتدأ خلقها.
(4) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي.
(5) وما أنا من المشركين: بيان للحنيف وإيضاح لمعناه: والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم.
(6) إن صلاتي ونسكي: قال أهل اللغة: النسك العبادة. وأصله من النسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط. والنسيكة، أيضا، ما يتقرب به إلى الله تعالى.
(7) ومحياي ومماتي: أي حياتي وموتي. ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانها. والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي.
(8) رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: حكاها الماوردي وغيره: الملك والسيد والمدبر والمربي. فإن وصف الله تعالى برب، لأنه مالك أو سيد، فهو من صفات الذات. وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله. ومتى دخلته الألف واللام، فقيل الرب، اختص بالله تعالى. وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمين: جمع عالم، وليس للعالم واحد من لفظه.
(9) واهدني لأحسن الأخلاق: أي أرشدني لصوابها، ووفقني للتخلق بها.(8/3612)
لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك «1» وسعديك «2» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك «3» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» .
وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «4» .
52-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قالوا: يا رسول الله أخرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم. قال: «اللهمّ اهد ثقيفا» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الهدى)
1-* (عن عبد الله- رضي الله عنه-، قال:
من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى وإنّهنّ من سنن الهدى لو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم. ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم. وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة. ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق، معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «6» .
2-* (وقال ابن مسعود أيضا: «كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى، أحلاس «7» البيوت، وسرج اللّيل، جدد القلوب، خلقان الثّياب، تعرفون في السّماء وتخفون على أهل الأرض» ) * «8» .
3-* (وقال: لا يكن أحدكم إمّعة، قالوا وما الإمّعة؟ قال: يقول: «أنا مع النّاس، إن اهتدوا
__________
(1) لبيك: قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. يقال: لّب بالمكان لبّا، وألبّ إلبابا، إذا أقام به
(2) وسعديك: قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة.
(3) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقي بك.
(4) مسلم (771) .
(5) الترمذي (5/ 3945) وقال: وهذا حديث حسن صحيح غريب.
(6) مسلم (654) .
(7) ملازمين بيوتكم.
(8) الفوائد (203) .(8/3613)
اهتديت وإن ضلّوا ضللت، ألا ليوطّننّ أحدكم نفسه على أنّه إن كفر النّاس لا يكفر» ) * «1» .
4-* (وقال أيضا: «امشوا إلى المسجد، فإنّه من الهدى وسنّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
5-* (عن أبي أمامة بن سهل، قال: «كنّا مع عثمان وهو محصور في الدّار، فدخل مدخلا كان إذا دخله يسمع كلامه من على البلاط، قال: فدخل ذلك المدخل، وخرج إلينا، فقال: إنّهم يتوعّدوني بالقتل آنفا، قال: قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين، قال: وبم يقتلونني؟ إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحلّ دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا فيقتل بها.
فو الله ما أحببت أنّ لي بديني بدلا منذ هداني الله، ولا زنيت في جاهليّة ولا في إسلام قطّ، ولا قتلت نفسا، فبم يقتلونني؟» ) * «3» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في قصصه يذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث يعني بذلك ابن رواحة قال:
فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى، فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
) * «4» .
7-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
«إنّ أشبه النّاس دلّا وسمتا وهديا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن أمّ عبد، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا» ) * «5» .
8-* (عن أنس بن مالك أنّه سمع عمر الغد حين بايع المسلمون أبا بكر واستوى على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تشهّد قبل أبي بكر فقال: «أمّا بعد فاختار الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم الّذي عنده على الّذي عندكم، وهذا الكتاب الّذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا، وإنّما هدى الله به رسوله) * «6» .
9-* (قال ابن الجوزيّ: «والله ما ينفع تأديب الوالد إذا لم يسبق اختيار الخالق لذلك الولد فإنّه سبحانه إذا أراد شخصا ربّاه من طفولته وهداه إلى الصّواب ودلّه على الرّشاد، وحبّب إليه ما يصلح، وصحبه من يصلح، وبغّض إليه ضدّ ذلك» ) * «7» .
10-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«والعبد مضطرّ دائما إلى أن يهديه الله الصّراط المستقيم، فهو مضطرّ إلى مقصود هذا الدّعاء، فإنّه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السّعادة إلّا بهذه الهداية، وهذا الهدى لا يحصل إلّا بهدى الله» ) * «8» .
__________
(1) الفوائد (204) .
(2) أحمد (1/ 444) .
(3) أحمد (1/ 62) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 437) : إسناده صحيح، هذا أثر في سياقه حديث والمقصود هنا الاستشهاد بالأثر.
(4) البخاري- الفتح 10 (6151) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6097) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7269) .
(7) صيد الخاطر (299) .
(8) الفتاوى (14/ 37) .(8/3614)
11-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الهداية تجرّ الهداية، والضّلال يجرّ الضّلال، فأعمال البرّ تثمر الهدى، وكلّما ازددت منها ازداد الهدى، وأعمال الفجور بالضّدّ، وذلك أنّ الله سبحانه يحبّ أعمال البرّ فيجازي عليها بالهدى والفلاح، ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضّلال والشّقاء» ) * «1» .
12-* (وقال أيضا: «إنّ العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدّق بأخباره، كان ذلك سببا لهداية أخرى تحصل له على التّفصيل، فإنّ الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد فيها ما بلغ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (مريم/ 76) » ) * «2» .
13-* (وقال أيضا: «فالهدى والفضل والنّعمة والرّحمة متلازمات لا ينفكّ بعضها عن بعض» ) * «3» .
14-* (وقال أيضا: «أكمل الهدي هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان موفّيا كلّ واحد منهما أي الإسلام والإحسان حقّه» ) * «4» .
من فوائد (الهدى)
(1) ينير قلب المؤمن بنور العلم والإيمان.
(2) من أكبر نعم الله على العبد أن يهديه الله سبيل الرّشاد.
(3) الهدى هديان: هدى الله الّذي لا يقدر عليه مخلوق. وهدى الدّلالة ما يستفاد من الرّسل وأتباعهم.
(4) أساس الهدى التّوحيد فمن أخلص العبادة لله وحده كان من المهتدين.
(5) إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان كثيرا ما يبتهل إلى الله- عزّ وجلّ- بالدّعاء لأقوام وأفراد يسأله الهداية لهم.
(6) الهدى كلّ الهدى في كتاب الله- عزّ وجلّ- وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(7) طريق موصّل إلى رضوان الله وجنّته.
(8) المهتدي قريب من ربّه قريب من إخوانه.
(9) نشر الهدى في المجتمعات يزيد في الطّاعات ويبعد عن المعاصي.
__________
(1) تنوير الحوالك (1/ 338) .
(2) المصدر السابق (1/ 177) .
(3) المصدر السابق (1/ 184) .
(4) المصدر السابق (1/ 195) .(8/3615)
[حرف الواو]
الورع
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
31/ 22
الورع لغة:
مصدر قولهم: ورع يرع وهو مأخوذ من مادّة (ور ع) الّتي تدلّ على الكفّ والانقباض، قال ابن فارس: ومنه (أي من هذا المعنى) الورع: العفّة، وهي الكفّ عمّا لا ينبغي، والورع (أيضا) الرّجل الجبان، والفعل منه ورع يورع ورعا إذا كان جبانا، وورّعته وأورعته: كففته «1» .
وقال الجوهريّ: قال ابن السّكّيت وأصحابنا (الكوفيّون) يذهبون بالورع إلى الجبان وليس كذلك، وإنّما الورع: الصّغير الضّعيف الّذي لا غناء عنده، ويقال من ذلك: إنّما مال فلان أوراع: أي صغار، والورع (بكسر الرّاء) : الرّجل التّقيّ، وتورّع من كذا أي تحرّج.
وقال الفيروزاباديّ: الورع التّقوى، وقد ورع كورث، ووجل، ووضع، وكرم «2» أي تحرّج.
وقال ابن منظور: الورع: التّحرّج، والورع:
بكسر الرّاء: الرّجل التّقيّ المتحرّج.
والورع في الأصل: الكفّ عن المحارم والتّحرّج منها، ثمّ استعير للكفّ عن المباح والحلال وقال الأصمعيّ: الرّعة الهدى وحسن الهيئة. يقال: قوم حسنة رعتهم أي شأنهم وأمرهم وأدبهم وأصله من الورع، وهو الكفّ عن القبيح «3» .
واصطلاحا:
قال المناويّ: قيل (في تعريفه) : الورع ترك ما يريبك، ونفي ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النّفس على الأشقّ.
وقيل: النّظر في المطعم واللّباس، وترك ما به بأس، وقيل: تجنّب الشّبهات، ومراقبة الخطرات «4» .
وقال الكفويّ:
الورع: الاجتناب عن الشّبهات سواء كان تحصيلا أو غير تحصيل؛ إذ قد يفعل المرء فعلا تورّعا، وقد يتركه تورّعا أيضا، ويستعمل بمعنى التّقوى، وهو الكفّ عن المحرّمات القطعيّة «5» .
وقال الرّاغب: الورع عبارة عن ترك التّسرّع إلى
__________
(1) معنى ذلك أنه يقال ورع يرع مثل ورث يرث، وورع يورع مثل وجل يوجل، وورع يرع مثل وضع يضع وورع يورع مثل كرم يكرم.
(2) مقاييس اللغة (6/ 100) ، والصحاح (3/ 1297) ، ولسان العرب (ورع) (6/ 4814) (ط. دار المعارف) ، والقاموس المحيط (3/ 96) .
(3) لسان العرب (8/ 388) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (337) .
(5) الكليات للكفوي (944) .(8/3616)
تناول أعراض الدّنيا «1» .
وقيل ترك ما لا بأس به حذرا ممّا به بأس.
وقيل هو: ترك الشّبهات وهو الورع المندوب، ويطلق على ترك المحرّمات «2» .
وقال ابن تيمية: هو الورع عمّا قد تخاف عاقبته وهو ما يعلم تحريمه وما يشكّ في تحريمه، وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله، وكذلك الاحتيال بفعل ما يشكّ في وجوبه لكن على هذا الوجه «3» .
وقال ابن القيّم: ترك ما يخشى ضرره في الآخرة «4» .
كمال الورع:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشرّ الشّرّين، ويعلم أنّ الشّريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلّا فمن لم يوازن ما في الفعل والتّرك من المصلحة الشّرعيّة، والمفسدة الشّرعيّة فقد يدع واجبات ويفعل محرّمات، ويرى ذلك من الورع، كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظّلمة ويرى ذلك ورعا، ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمّة الّذين فيهم بدعة أو فجور ويرى ذلك من الورع، ويمتنع عن قبول شهادة العباد وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفيّة، ويرى ترك قبول سماع هذا الحقّ الّذي يجب سماعه من الورع «5» .
الورع عن الحرام والمكروهات لا عن الواجبات والمستحبات:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- بعد كلام ذكر فيه الفرق بين الزّهد والورع: وبهذا يتبيّن أنّ الواجبات والمستحبّات لا يصلح فيها زهد ولا ورع، وأمّا المحرّمات والمكروهات فيصلح فيها الزّهد والورع «6» .
ولذا يقول الجرجانيّ: هو اجتناب الشّبهات خوفا من الوقوع في المحرّمات.
وقيل: هو ملازمة الأعمال الجميلة «7» .
أنواع الورع ودرجاته:
قسّم الرّاغب الأصفهانيّ الورع إلى ثلاث مراتب:
1- واجب: وهو الإحجام عن المحارم، وذلك للنّاس كافّة.
2- مندوب: وهو الوقوف عن الشّبهات، وذلك للأواسط.
3- فضيلة: وهو الكفّ عن كثير من المباحات والاقتصار على أقلّ الضّرورات، وذلك للنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين «8» .
وقال الشّيخ أبو إسماعيل الهرويّ- رحمه الله
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (323) .
(2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد بن علان (3/ 26) .
(3) الفتاوى (10/ 511- 512) .
(4) الفوائد (118) .
(5) المرجع السابق (10 (512) .
(6) المرجع السابق (10/ 512) .
(7) التعريفات للجرجاني (252) .
(8) الذريعة إلى مكارم الشريعة (323) .(8/3617)
تعالى-: الورع على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: تجنّب القبائح لصدق النّفس، وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان.
الدّرجة الثّانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به، إبقاء على الصّيانة، والتّقوى، وصعودا عن الدّناءة، وتخلّصا عن اقتحام الحدود.
الدّرجة الثّالثة: التّورّع عن كلّ داعية تدعو إلى شتات الوقت والتّعلّق بالتّفرّق «1» .
مظاهر الورع:
للورع مظاهر عديدة تختلف باختلاف أعضاء الإنسان الّتي يتصوّر استخدامها في أغراض الدّنيا، كما تختلف باختلاف العلاقات الإنسانيّة الّتي قد تتعارض فيها الرّغبات، وتختلف المصالح، ولله درّ ابن أبي الدّنيا الّذي قسّم الورع إلى أبواب بحسب ذلك كلّه، فعقد أبوابا كبارا حشد فيها أحاديث وآثارا. وقد جاءت على النّحو التّالي:
1- باب الورع في النّظر.
2- باب الورع في السّمع.
3- باب الورع في الشّمّ.
4- باب الورع في اللّسان.
5- باب الورع في البطش.
6- باب الورع في البطن.
7- باب الورع في الفرج.
8- باب الورع في السّعي.
9- باب الورع في الشّراء والبيع «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: التقوى- حسن الخلق- الزهد- مجاهدة النفس- المروءة- النزاهة- الرضا- الرهبة- الرغبة والترغيب- الخشوع- محاسبة النفس- الخشية- الخوف.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات التطفيف- الطمع- الغلول- العصيان- الغفلة- الفجور- الفسوق] .
__________
(1) مدارج السالكين لابن القيم (3/ 24- 26) .
(2) انظر رسالة ابن أبي الدنيا في «الورع» .(8/3618)
الأحاديث الواردة في (الورع)
1-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» ) * «1» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: ذكر رجل عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعبادة واجتهاد، وذكر عنده آخر برعة. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعدل بالرّعة «2» » ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الورع) معنى
3-* (عن وابصة بن معبد صاحب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسأله عن البرّ والإثم فقال: «جئت تسأل عن البرّ والإثم» فقلت:
والّذي بعثك بالحقّ ما جئتك أسألك عن غيره، فقال:
«البرّ ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه النّاس» ) * «4» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس، اتّقوا الله وأجملوا في الطّلب، فإنّ نفسا لن تموت حتّى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب.
خذوا ما حلّ، ودعوا ما حرم» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذّهب. وقال الّذي له الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال:
أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال:
أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدّقا» ) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل بأن يسلفه ألف دينار، فدفعها إليه، فخرج في
__________
(1) البزار كما في كشف الأستار (1/ 85) / 139، والطبراني في الأوسط (4/ 569) / 3972، وأبو نعيم في الحلية (2/ 211- 212) ، والحاكم (1/ 92- 93) وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب (1/ 93) : حسن. وله شواهد كثيرة لعله يصح بها.
(2) بالرعة: الرّعة مصدر من الورع وهو التّقى، يقال ورع كعلم يرع رعة.
(3) الترمذي (2519) وقال: حسن غريب. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية، وقال: إسناده جيد.
(4) أحمد (4/ 227) واللفظ له، والدارمي (2/ 246) ، ورواه أيضا أحمد بنحوه في «المسند» من حديث أبي ثعلبة الخشني (4/ 194) ، وذكره المنذري في الترغيب (3/ 16) وجوّد إسناده وأورده السيوطي في الجامع الصغير (3198) ، وصحح إسناده الشيخ الألباني (2878) .
(5) ابن ماجه (2144) واللفظ له. وذكر الشيخ أحمد شاكر له شواهد كثيرة جدا فانظره في التعليق على الرسالة للإمام الشافعي (94) . وقال الشيخ أحمد شاكر: قال ابن الأثير في شرحه على المسند: هذا الحديث مشهور دائر بين العلماء. والحاكم (2/ 4) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(6) البخاري- الفتح 6 (3472) واللفظ له. ومسلم (1721) .(8/3619)
البحر فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار فرمى بها في البحر، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه، فإذا بالخشبة، فأخذها لأهله حطبا، فذكر الحديث فلمّا نشرها وجد المال» ) * «1» .
7-* (عن أبي قتادة وأبي الدّهماء- رضي الله عنهما- قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقلنا: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا؟ قال: نعم. سمعته يقول: «إنّك لن تدع شيئا لله- عزّ وجلّ- إلّا أبدلك الله به ما هو خير لك منه» وفي رواية: أخذ بيدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يعلّمني ممّا علّمه الله- تبارك وتعالى- وقال: «إنّك لن تدع شيئا اتّقاء لله- عزّ وجلّ- إلّا أعطاك الله خيرا منه» ) * «2» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما. أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة» ) * «3» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّها النّاس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. (المؤمنون/ 51) ، وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) . ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك؟» «4» ) * «5» .
10-* (عن عقبة بن الحارث- رضي الله عنه- أنّه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت:
إنّي قد أرضعت عقبة والّتي تزوّج. فقال لها عقبة: ما أعلم أنّك أرضعتني، ولا أخبرتني. فركب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف وقد قيل؟» ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره) * «6» .
11-* (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، وإنّ الكذب ريبة» ) * «7» .
12-* (عن النّوّاس بن سمعان الأنصاريّ رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1498) .
(2) مجمع الزوائد (10/ 296) وقال: رواه كله أحمد بأسانيد ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/ 287) : رواه النسائي وإسناده جيد.
(3) مجمع الزوائد (10/ 295) وقال: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن، وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند (10/ 137- 139) واللفظ له: حديث رقم (6652) إسناده صحيح، وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق (1/ 41) .
(4) فأنى يستجاب لذلك: فكيف يستجاب له؟.
(5) مسلم (1015) .
(6) البخاري- الفتح 1 (88)
(7) سنن النسائي (8/ 327، 328) وصحيح سنن النسائي (5269) . الترمذي (2518) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وقال الشيخ أحمد شاكر في نسخته (3/ 169) : إسناده صحيح حديث رقم (1723) . ومعنى الحديث على ما قاله النووي في الرياض: اترك ما تشك فيه، وخذ ما لا تشك فيه.(8/3620)
والإثم؟. فقال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس» ) * «1» .
13-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «2» .
14-* (عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان وجندبا وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا؟ قال سمعته يقول:
«من سمّع سمّع الله به يوم القيامة» قال: «ومن شاقّ شقّ الله عليه يوم القيامة» فقالوا: أوصنا. فقال: إنّ أوّل ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع ألّا يأكل إلّا طيّبا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنّة بملء كفّ من دم هراقة «3» فليفعل» ) * «4» .
15-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: «أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم» ، قال: وكنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما آخر حين طلعت الشّمس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيأتي أناس من أمّتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس» . قلنا: من أولئك يا رسول الله؟ فقال: «فقراء المهاجرين، والّذين تتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض» ) * «5» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما-؛ قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّاس أفضل؟ قال: «كلّ مخموم القلب «6» صدوق اللّسان» . قالوا: صدوق اللّسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: «هو التّقيّ النّقيّ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد» ) * «7» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «طلب الحلال واجب على كلّ مسلم» ) * «8» .
18-* (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله
__________
(1) مسلم (2553) .
(2) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. مسلم (1599) .
(3) هراقة: أي صبّه. قاله الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» .
(4) البخاري- الفتح 13 (7152) .
(5) المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (10/ 136) حديث (6650) واللفظ له وقال: صحيح. وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 258- 259) .
(6) قلب مخموم: أي نقيّ من الغل والحسد.
(7) ابن ماجه (4216) واللفظ له وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 669) حديث (948) وعزاه أيضا لابن عساكر.
(8) مجمع الزوائد (10/ 291) وقال: رواه أحمد وإسناده جيد(8/3621)
عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالقاحة «1» ، ومنّا المحرم ومنّا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش- يعني وقع سوطه- فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، إنّا محرمون، فتناولته فأخذته، ثمّ أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته «2» فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم: كلوا. وقال بعضهم: لا تأكلوا.
فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو أمامنا، فسألته فقال: «كلوه حلال» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن يأخذ أحدكم حبله ثمّ يغدو- أحسبه قال- إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدّق خير له من أن يسأل النّاس» ) * «4» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال ليس المسكين الّذي يطوف على النّاس تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن به فيتصدّق عليه ولا يقوم فيسأل النّاس» ) * «5» .
21-* (عن عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا «6» فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة» قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار. كأنّي أنظر إليه، فقال: يا رسول الله! اقبل عنّي عملك. قال: «وما لك؟» . قال:
سمعتك تقول: كذا وكذا. قال: «وأنا أقوله الآن. من استعملناه منكم على عمل فليجىء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» ) * «7»
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ) * «8» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة:
فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا وقال:
«اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «9» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) القاحة: اسم واد على بعد ثلاثة أميال من المدينة.
(2) الأكمة: هي التّلّ وهو ما ارتفع عن الأرض. ومعنى عقرته أي نحرته.
(3) البخاري- الفتح 4 (1823) اللفظ له. ومسلم (1196) .
(4) البخاري الفتح 3 (1480) واللفظ له. ومسلم (1042) .
(5) البخاري الفتح 3 (1479) واللفظ له. ومسلم (1029) .
(6) المخيّط: هو الإبرة.
(7) مسلم (1833) .
(8) الترمذي (2317) وقال: حديث غريب. ابن ماجه (3976) . وذكره مالك في الموطأ عن على بن أبي طالب (2/ 689) ، وقال الزرقاني في شرح الموطأ: الحديث حسن بل صحيح، وقال: أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي.
(9) الترمذي (2305) واللفظ له وقال: حديث غريب، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا وهو من روايته عنه، وابن ماجه (4217) بمعناه، وقال في الزوائد: هذا إسناد حسن. ومسند أحمد بتخريج الشيخ أحمد شاكر (15/ 228) حديث (8081) وقال: صحيح لغيره. والورع لابن أبي الدنيا (40) وقال مخرجه إسناده حسن. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 687) : وهو حديث حسن.(8/3622)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لأنّ يأخذ أحدكم حبله فيذهب إلى الجبل فيحتطب ثمّ يأتي به يحمله على ظهره، فيبيعه فيأكل خير له من أن يسأل النّاس، ولأن يأخذ ترابا فيجعله في فيه خير له من أن يجعل في فيه ما حرّم الله عليه» ) * «1» .
25-* (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس» ) * «2» .
26-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين قال لها أهل الإفك ... الحديث، وفي آخره: «وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ما علمت؟ ما رأيت؟
فقالت: يا رسول الله: أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلّا خيرا. قالت: وهي الّتي كانت تساميني «3» فعصمها الله بالورع» ) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الورع)
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسيّة:
«كخ، كخ «5» . أما تعرف أنّا لا نأكل الصّدقة» ) * «6» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التّمرة ساقطة على فراشي ثمّ أرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «7» .
29-* (عن نافع مولى ابن عمر: أنّ ابن عمر سمع صوت زمّارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطّريق وهو يقول: يا نافع، أتسمع؟
فأقول: نعم، فيمضي، حتّى قلت: لا، فوضع يديه وأعاد راحلتة إلى الطّريق، وقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمع صوت زمّارة راع فصنع مثل هذا» ) * «8» .
30-* (عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال
__________
(1) مجمع الزوائد (10/ 293) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد وثق. وقال أحمد شاكر في تخريج المسند: إسناده صحيح حديث رقم 13 (237) (7482) واللفظ له.
(2) الترمذي (2451) وقال: حديث حسن غريب، ابن ماجه (4215) والفظ لهما، وقال محقق جامع الأصول 4 (682) : حديث حسن، حديث رقم (2791) .
(3) تساميني: تقترب مني في المنزلة.
(4) البخاري الفتح 5 (2661) واللفظ له، ومسلم (2770) .
(5) كخ كخ: كلمة زجر للصبي.
(6) البخاري الفتح 6 (3072) واللفظ له، مسلم (1069) .
(7) البخاري الفتح 5 (2432) ، ومسلم (1070) واللفظ له.
(8) أحمد (2/ 8) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (6/ 246) برقم (4535) وعزاه لأبي داود (4924) ورد قول أبي داود أن الحديث منكر. الورع لابن أبي الدنيا (67) ، وقال مخرجه: صحيح وعزاه لابن حبان والبيهقي.(8/3623)
نعم. كثيرا، كان لا يقوم من مصلّاه الّذي يصلّي فيه الصّبح حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدّثون فيأخذون في أمر الجاهليّة فيضحكون، ويتبسّم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «1» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا قطّ ضاحكا حتّى أرى منه لهواته «2» ، إنّما كان يتبسّم» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الورع)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهليّة، وما أحسن الكهانة إلّا أنّي خدعته، فأعطاني بذلك، فهذا الّذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كلّ شيء في بطنه» ) * «4» .
2-* (عن عمرو بن ميمون قال رأيت عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة، ... وفيه: فقالوا: «أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر. أو الرّهط- الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. فسمّى عليّا وعثمان والزّبير وطلحة وسعدا وعبد الرّحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء» ) * «5» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه كان فرض للمهاجرين الأوّلين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة. فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟
فقال: إنّما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه» ) * «6» .
4-* (عن ثعلبة بن أبي مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قسم مروطا بين نساء من نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيّد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين! أعط هذا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي عندك- يريدون أمّ كلثوم بنت عليّ- فقال عمر: أمّ سليط أحقّ به (وأمّ سليط من نساء الأنصار ممّن بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) . قال عمر:
فإنّها كانت تزفر «7» لنا القرب يوم أحد» ) * «8» .
5-* (عن معاذ بن عبد الرّحمن بن عثمان التّيميّ عن أبيه. قال: كنّا مع طلحة بن عبيد الله ونحن
__________
(1) مسلم (2322) .
(2) لهواته: جمع لهاة، وهي لحمة في سقف أقصى الفم مشرفة على الحلق.
(3) البخاري الفتح 10 (6092) واللفظ له. مسلم (899) بأطول من هذا.
(4) البخاري الفتح 7 (3842) .
(5) البخاري الفتح 7 (3700) .
(6) البخاري الفتح 7 (3912) .
(7) تزفر: تحمل.
(8) البخاري الفتح 7 (4071) .(8/3624)
حرم فأهدي له طير، وطلحة راقد، فمنّا من أكل، ومنّا من تورّع. فلمّا استيقظ طلحة وفّق من أكله، وقال: أكلناه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
6-* (قال طاوس- رحمه الله تعالى-: «مثل الإسلام كمثل شجرة، فأصلها الشّهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا- شيء سمّاه- وثمرها الورع، لا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع له» ) * «2» .
7-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«أفضل العلم الورع والتوّكّل» ) * «3» .
8-* (وقال- رحمه الله تعالى: «الفقيه الورع الزّاهد المقيم على سنّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، الّذي لا يسخر بمن أسفل منه، ولا يهزأ بمن فوقه، ولا يأخذ على علم علّمه الله- عزّ وجلّ- حطاما» ) * «4» .
9-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه» ) «5» .
10-* (وقال أيضا: «ما في الأرض شيء أحبّه للنّاس من قيام اللّيل، فقال له قائل: فأين الورع؟ قال: به به «6» ذلك ملاك الأمر» ) * «7» .
11-* (وقال- رحمه الله تعالى- لغلام: «ما ملاك الدّين؟» قال: الورع. قال: «فما آفته؟» قال:
الطّمع. فعجب الحسن منه» ) * «8» .
12-* (قال خرشة بن الحرّ- رضي الله عنه-:
شهد رجل عند عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- بشهادة، فقال له: لست أعرفك، ولا يضرّك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه. قال: بأيّ شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل، قال: فهو جارك الأدنى الّذي تعرفه ليله ونهاره ومدخله ومخرجه، قال: لا. قال: فمعاملك بالدّينار والدّرهم اللّذين بهما يستدلّ على الورع؟ قال:
لا. قال: فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفه، ثمّ قال للرّجل: ائت بمن يعرفك» ) * «9» .
13-* (قال الأوزاعيّ: «كنّا نمزح ونضحك فلّما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التّبسّم» ) * «10» .
14-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى-: عليك بالورع يخفّف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشّك باليقين يسلم لك دينك» ، وعن قتيبة بن سعيد قال: «لولا سفيان
__________
(1) مسلم (1197) . ومعنى وفّق من أكله: أي صوّبه.
(2) الورع لابن أبي الدنيا (109) وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(3) الزهد للإمام أحمد (325) .
(4) الآداب الشرعية (2/ 45) .
(5) الورع لابن أبي الدنيا (42) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(6) به به: حسن حسن.
(7) الورع لابن أبي الدنيا (50) وقال مخرجه: إسناده حسن
(8) مدارج السالكين (2/ 23) .
(9) سنن البيهقي (10/ 125 126) . وذكره الألباني في الإرواء (8/ 260) حديث رقم (2627) ، وقال: صحيح وعزاه للعقيلي (354) ونقل تصحيح ابن السكن له.
(10) الآداب الشرعية (2/ 44) .(8/3625)
الثّوريّ لمات الورع» ) * «1» .
15-* (قال صالح المرّيّ- رحمه الله تعالى-:
«كان يقال: التّورّع في الفتن كعبادة النّبيّين في الرّخاء» ) * «2» .
16-* (قال حبيب- يعني ابن أبي ثابت رحمه الله تعالى-: «لا يعجبكم كثرة صلاة امرىء ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقّا» ) * «3» .
17-* (قال الضّحّاك بن عثمان- رحمه الله تعالى-: «أدركت النّاس وهم يتعلّمون الورع، وهم اليوم يتعلّمون الكلام» ) * «4» .
18-* (قال محمّد بن واسع- رحمه الله تعالى:
«يكفي من الدّعاء مع الورع اليسير منه» ) * «5» .
19-* (قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى: «لن يعدم المتورّع عن الحرام فتوحا من الحلال» ) * «6» .
20-* (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى: «إنّما أهلك النّاس فضول الكلام وفضول المال» ) * «7» .
21-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
«زينة العلم الورع والحلم» ) * «8» .
22-* (قال أبو محمّد بن أبي زيد- إمام المالكيّة في زمانه-: «جماع آداب الخير وأزمّته تتفرّع من أربعة أحاديث: قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ، وقوله:
«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وقوله للّذي اختصر له في الوصيّة: «لا تغضب» وقوله: «المؤمن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «9» .
من فوائد (الورع)
(1) الورع من أعلى مراتب الإيمان، وأفضل درجات الإحسان.
(2) يحقّق للمؤمن راحة البال، وطمأنينة النّفس.
(3) الكّفّ عن الحرام والبعد عمّا لا ينبغي.
(4) إشاعته في المجتمع يجعله مجتمعا صالحا نظيفا.
(5) الورع يحبّه الله- عزّ وجلّ- ويحبّه الخلق.
(6) الورع يستجاب دعاؤه.
__________
(1) الورع لابن أبي الدنيا (112) وقال مخرجه: إسناده صحيح، وحلية الأولياء (7/ 20) .
(2) الورع لابن أبي الدنيا (51) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(3) المرجع السابق (60) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(4) المرجع السابق (50) وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(5) المرجع السابق (125) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(6) إحياء علوم الدين (1/ 223) .
(7) الآداب الشرعية (3/ 270) .
(8) المرجع السابق (2/ 45) .
(9) جامع العلوم والحكم لابن رجب (105) .(8/3626)
الوعظ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
22/ 12/ 6
الوعظ لغة:
الوعظ مصدر قولهم: وعظ يعظ وهو من مادّة (وع ظ) الّتي تدلّ على التّخويف، والعظة الاسم منه «1» ، وقال الخليل: العظة: الموعظة. يقال: وعظت الرّجل أعظه عظة وموعظة، واتّعظ: تقبّل العظة، وهو تذكيرك إيّاه الخير ونحوه ممّا يرقّ له قلبه.
وقال الجوهريّ: الوعظ: النّصح والتّذكير بالعواقب، تقول: وعظته وعظا وعظة فاتّعظ «2» ، وفي الحديث الشّريف: «يأتي على النّاس زمان يستحلّ فيه الرّبا بالبيع، والقتل بالموعظة» والمعنى في ذلك أن يقتل البريء ليتّعظ به المريب «3» .
وقال ابن منظور: الوعظ والعظة والعظة والموعظة: النّصح والتّذكير بالعواقب، قال ابن سيدة:
هو تذكيرك للإنسان بما يليّن قلبه من ثواب وعقاب.
وقد وعظه وعظا وعظة، واتّعظ هو: قبل الموعظة، حين يذكر الخبر ونحوه. ويقال: السّعيد من وعظ بغيره، والشّقيّ من اتّعظ به غيره «4» .
واصطلاحا:
قيل: هو التّذكير بالخبر فيما يرقّ له القلب «5» .
وقال الرّاغب: الوعظ زجر مقترن بتخويف «6» .
من يصلح للوعظ؟:
ليس كلّ النّاس يصلح لوعظ العامّة وإرشادهم، وإنّما يقتصر ذلك على طائفة من العلماء الّذين أشار إليهم الرّاغب عند ما قال: حقّ الواعظ أن تكون له مناسبة إلى الحكماء ليقدر على الاقتباس عنهم والاستفادة منهم، ومناسبة إلى الدّهماء، حتّى يقدروا بها على الأخذ منه، ومثل ذلك كمثل الوزير للسّلطان، إذ يجب فيه (أي الوزير) أن يكون متخلّقا بأخلاق الملوك، وأن يكون له تواضع السّوقة ليصلح أن يكون واسطة بينه وبينهم، فإذن حقّ الواعظ أن تكون له نسبة إلى الحكيم، ونسبة إلى العامّة يأخذ من الحكيم ويعطيهم، وذلك كنسبة الغضاريف إلى اللّحم والعظم جميعا، ولولا ذلك لما أمكن للعظم أن يكتسب الغذاء من اللّحم «7» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (6/ 126) .
(2) الصحاح (3/ 1181) .
(3) بصائر ذوي التمييز (5/ 240) .
(4) لسان العرب (7/ 466) .
(5) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (339) ، التعريفات للجرجاني (275) .
(6) المفردات للراغب (527) .
(7) الذريعة إلى مكارم الشريعة (252) بتصرف يسير.(8/3627)
الحالة التي يجب أن يكون عليها الواعظ:
قال الرّاغب: حقّ الواعظ أن يتّعظ ثمّ يعظ، ويبصر ثمّ يبصّر، ويهتدي ثمّ يهدي، ولا يكون كدفتر يفيد ولا يستفيد، ويجب ألا يجرح مقاله بفعاله، وألّا يكذّب لسانه بحاله، فيكون ممّن وصفهم الله تعالى بقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.. إلى قوله وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 204، 205) ، ونحو ما قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «قصم ظهري رجلان: جاهل متنسّك وعالم متهتّك، فالجاهل يغرّ النّاس بتنسّكه، والعالم ينفّرهم بتهتّكه» والواعظ ما لم يكن مع مقاله فعاله لا ينتفع به، وذلك أنّ عمله يدرك بالبصر، وعلمه يدرك بالبصيرة، وأكثر النّاس هم أصحاب الأبصار دون البصائر، فيجب أن تكون عنايته بإظهار عمله الّذي يدركه جماعتهم أكثر من عنايته بالعلم الّذي لا يدركه سوى أصحاب البصائر منهم.
ومنزلة الواعظ من الموعوظ كمنزلة المداوي، فكما أنّ الطّبيب إذا قال للنّاس: لا تأكلوا هذا، فإنّه سمّ قاتل. ثمّ رأوه آكلا له عدّ سخرية وهزأ، كذلك الواعظ إذا أمر بما لا يعمله. وبهذا النّظر قيل يا طبيب طبّب نفسك. بل قد قال تعالى: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (الصف/ 2 3) إلى غير ذلك من الآيات. وأيضا فالواعظ من الموعوظ يجري مجرى الطّبائع بما ليس منتقشا بها، فكما أنّه محال أن ينطبع الطّين بما ليس منتقشا في الطّابع، كذلك محال أن يحصل في نفس الموعوظ ما ليس بموجود في نفس الواعظ، فإذا لم يكن الواعظ إلّا ذا قول مجرّد من الفعل لم يتلقّ عنه الموعوظ إلّا القول دون الفعل، وأيضا فإنّ الواعظ يجري من النّاس مجرى الظّلّ من ذي الظّلّ، فكما أنّه محال أن يعوجّ ذو الظّلّ والظّلّ مستقيم، كذلك من المحال أن يعوجّ الواعظ والموعوظ مستقيم. وكذلك النّار والأرض والهواء.
فالواعظ إذا كان غاويا جرّ بغيّه غيره إلى نفسه، ولهذا حكى الله تعالى عن الكفّار قولهم: رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا (القصص/ 63) وقال أيضا فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (الصافات/ 32) .
فمن ترشّح للوعظ ثمّ فعل فعلا قبيحا اقتدى به غيره فقد جمع بين وزره ووزرهم كما قال تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ وقال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ (النحل/ 25) الآية. وقد قال- عليه السّلام- «من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» بل قد قال الله تعالى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (الأنعام/ 31) «1» .
تفسير الحكمة والموعظة الحسنة:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: «وإنّما ينتفع بالعظة بعد حصول ثلاثة أشياء: شدّة الافتقار إليها
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (254، 256) .(8/3628)
والعمى عن عيب الواعظ. وتذكّر الوعد والوعيد.
وإنّما يشتدّ افتقار العبد إلى العظة- وهي التّرغيب والتّرهيب- إذا ضعفت إنابته وتذكّره، وإلّا فمتى قويت إنابته وتذكّره: لم تشتدّ حاجته إلى التّذكير والتّرغيب والتّرهيب، ولكن تكون الحاجة منه شديدة إلى معرفة الأمر والنّهي.
و «العظة» يراد بها أمران: الأمر والنّهي المقرونان بالرّغبة والرّهبة، ونفس الرّغبة والرّهبة.
فالمنيب المتذكّر: شديد الحاجة إلى الأمر والنّهي، والمعرض الغافل شديد الحاجة إلى التّرغيب والتّرهيب. والمعارض المتكبّر: شديد الحاجة إلى المجادلة.
فجاءت هذه الثّلاثة في حقّ هؤلاء الثّلاثة في قوله: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل/ 125) أطلق الحكمة، ولم يقيّدها بوصف الحسنة. إذ كلّها حسنة، ووصف الحسن لها ذاتيّ.
وأمّا «الموعظة» فقيّدها بوصف الإحسان. إذ ليس كلّ موعظة حسنة.
وكذلك «الجدال» قد يكون بالّتي هي أحسن.
وقد يكون بغير ذلك. وهذا يحتمل أن يرجع إلى حال المجادل وغلظته، ولينه وحدّته ورفقه. فيكون مأمورا بمجادلتهم بالحال الّتي هي أحسن.
ويحتمل أن يكون صفة لما يجادل به، من الحجج والبراهين، والكلمات الّتي هي أحسن شيء وأبينه، وأدلّه على المقصود. وأوصله إلى المطلوب.
والتّحقيق: أنّ الآية تتناول النّوعين.
وأمّا العمى عن عيب الواعظ: فإنّه إذا اشتغل به حرم الانتفاع بموعظته. لأنّ النّفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به. وهذا بمنزلة من يصف له الطّبيب دواء لمرض به مثله. والطّبيب معرض عنه غير ملتفت إليه. بل الطّبيب المذكور عندهم: أحسن حالا من هذا الواعظ المخالف لما يعظ به. لأنّه قد يقوم دواء آخر عنده مقام هذا الدّواء. وقد يرى أنّ به قوّة على ترك التّداوي. وقد يقنع بعمل الطّبيعة وغير ذلك، بخلاف هذا الواعظ. فإنّ ما يعظ به طريق معيّن للنّجاة لا يقوم غيرها مقامها. ولا بدّ منها. ولأجل هذه النّفرة قال شعيب- عليه السّلام- لقومه:
وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ (هود/ 88) وقال بعض السّلف: إذا أردت أن يقبل منك الأمر والنّهي، إذا أمرت بشيء فكن أوّل الفاعلين له، المؤتمرين به. وإذا نهيت عن شيء، فكن أوّل المنتهين عنه. وقد قيل:
يا أيّها الرّجل المعلّم غيره ... هلّا لنفسك كان ذا التّعليم؟
تصف الدّواء لذي السّقام وذي الضّنى ... ومن الضّنى تمسي وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم(8/3629)
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ... بالقول منك. وينفع التّعليم.
فالعمى عن عيب الواعظ: من شروط تمام الانتفاع بموعظته.
وأمّا تذكّر الوعد والوعيد: فإنّ ذلك يوجب خشيته والحذر منه. ولا تنفع الموعظة إلّا لمن آمن به، وخافه ورجاه. قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ (هود/ 103) وقال: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الأعلى/ 10) وقال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (النازعات/ 45) وأصرح من ذلك قوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (ق: 45) فالإيمان بالوعد والوعيد وذكره: شرط في الانتفاع بالعظات والآيات والعبر. ممّا يستحيل حصوله بدونه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإنذار- التذكير- الدعوة إلى الله- الهدى- التبليغ- الكلم الطيب- التقوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الضلال- الغي والإغواء- التفريط والإفراط- الإعراض] .
__________
(1) انظر مدارج السالكين (1/ 479- 481) .(8/3630)
الآيات الواردة في «الوعظ»
آيات الله وكتبه وشرائعه أعظم المواعظ:
1- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) «1»
2- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «2»
3- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) «3»
4-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «4»
5- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) «5»
6- وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) «6»
7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ
__________
(1) البقرة: 65- 66 مدنية
(2) البقرة: 231- 232 مدنية
(3) البقرة: 275 مدنية
(4) النساء: 58 مدنية
(5) هود: 120 مكية
(6) المجادلة: 3 مدنية(8/3631)
نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1)
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «1»
8- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)
هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «2»
9- وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) «3»
10- وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) «4»
11- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) «5»
12- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) «6»
وجوب الوعظ والتلطف فيه:
13- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «7»
14- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (62)
__________
(1) الطلاق: 1- 2 مدنية
(2) آل عمران: 137- 138 مدنية
(3) المائدة: 46 مدنية
(4) الأعراف: 145 مدنية
(5) يونس: 57 مكية
(6) النور: 33- 34 مدنية
(7) النساء: 34 مدنية(8/3632)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (63) «1»
15- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163)
وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) «2»
16- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «3»
17- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) «4»
18-* قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «5»
وجوب العمل بالموعظة:
19- وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) «6»
20- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) «7»
21-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «8»
22- وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16)
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) «9»
__________
(1) النساء: 61- 63 مدنية
(2) الأعراف: 163- 165 مكية
(3) النحل: 125 مكية
(4) لقمان: 12- 13 مكية
(5) سبأ: 46 مكية
(6) النساء: 66 مدنية
(7) هود: 46 مكية
(8) النحل: 90 مكية
(9) النور: 16- 17 مدنية(8/3633)
الأحاديث الواردة في (الوعظ)
1-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصّبح من أجل فلان. ممّا يطيل بنا. فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ. فقال: «يا أيّها النّاس! إنّ منكم منفّرين. فأيّكم أمّ النّاس فليوجز فإنّ من ورائه الكبير والضّعيف وذا الحاجة» ) * «1» .
2-* (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ. فذكر في الحديث قصّة، فقال: «ألا. واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان «2» عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «3» .
3-* (عن عبد الله بن زمعة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب وذكر النّاقة والّذي عقر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذ انبعث أشقاها» : انبعث لها رجل عزيز عارم «4» منيع في رهطه مثل أبي زمعة» وذكر النّساء. فقال: «يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد فلعلّه يضاجعها من آخر يومه» . ثمّ وعظهم في ضحكهم من الضّرطة وقال: «لم يضحك أحدكم ممّا يفعل؟» ) * «5» .
4-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء:
نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر. كلّا. والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله! لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (702) . ومسلم (466) واللفظ له.
(2) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم.
(3) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 504) : وللحديث شواهد في «الصحيحين» منها حديث جابر- رضي الله عنه- الطويل في حجّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند مسلم، فالحديث صحيح..
(4) عارم: أي صعب على من يرومه.
(5) البخاري- الفتح 8 (4942) .(8/3634)
ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. وو الله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسلا «1» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة يوم العيد.
فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة. بغير أذان ولا إقامة. ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله. وحثّ على طاعته.
ووعظ النّاس. وذكّرهم. ثمّ مضى. حتّى أتى النّساء.
فوعظهنّ وذكّرهنّ. فقال: «تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» . فقامت امراة من سطة النّساء «3» سفعاء الخدّين «4» . فقالت: لم؟ يا رسول الله.
قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «5» وتكفرن العشير «6» » قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ. يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتمهنّ) * «7» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-: قالت النّساء للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبنا عليك الرّجال، فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهنّ يوما لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهنّ، فكان فيما قال لهنّ: «ما منكنّ امرأة تقدّم ثلاثة من ولدها إلّا كان لها حجابا من النّار» .
فقالت امرأة. واثنين؟ فقال: «واثنين» ) * «8» .
7-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بالموعظة في الأيّام كراهة السّآمة علينا) * «9» .
8-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة، وإن عبد حبشيّ، فإنّه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «10» .
__________
(1) أرسالا: أفواجا.
(2) البخاري- الفتح 6 (3136) . ومسلم (2503) واللفظ له
(3) من سطة النساء: أي من خيارهن. والوسط العدل والخيار.
(4) سفعاء الخدين: السفعة: سواد مشرب بحمرة.
(5) الشكاة: الشكوى.
(6) تكفرن العشير أي يجحدن الإحسان لضعف عقولهن وقلة معرفتهن.
(7) البخاري- الفتح 2 (978) . ومسلم (885) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 1 (101) واللفظ له. ومسلم (2633) .
(9) البخاري- الفتح 1 (68) واللفظ له. ومسلم (2821) .
(10) الترمذي (2676) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (4607) . وابن ماجة في المقدمة (42) .(8/3635)
الأحاديث الواردة في (الوعظ) معنى
9-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال» ...
الحديث) * «1» .
10-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل- ومنّا من هو في جشره «2» .
إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة.
فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم» .. الحديث) * «3» .
11-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال: «لا والله! ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» . فقال رجل: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟. فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة. ثمّ قال: «كيف قلت؟» . قال: قلت: يا رسول الله! أيأتي الخير بالشّرّ؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير أو خير هو؟. إنّ كلّ ما ينبت الرّبيع يقتل حبطا «4» أو يلمّ «5» . إلّا آكلة الخضر. أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس. ثلطت «6» أو بالت. ثمّ اجترّت، فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «7» .
12-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد. فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدى هدى محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها.
وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «8» .
__________
(1) مسلم (2865) .
(2) في جشره: الجشر: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم.
(3) مسلم (1844) .
(4) حبطا: أي تخمة. وهي امتلاء البطن وانتفاخه من الإفراط في الأكل.
(5) يلمّ: يقارب الإهلاك.
(6) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا.
(7) البخاري- الفتح 6 (2842) . ومسلم (1052) واللفظ له.
(8) مسلم (867) .(8/3636)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوعظ)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «الشّقيّ من شقي في بطن أمّه والسّعيد من وعظ بغيره» .. الحديث) * «1» .
2-* (وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله- أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال: «فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر» ) * «2» .
3-* (قال مقاتل- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (الفرقان/ 73) : قال: «إذا وعظوا بالقرآن لم يقعوا عليه صمّا لم يسمعوه، عميانا لم يبصروه، ولكنّهم سمعوا وأبصروا وأيقنوا به» ) * «3» .
4-* (قال الشّاعر:
يا واعظ النّاس قد أصبحت متّهما ... إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهدا ... فالموبقات لعمري أنت جانيها
تعيب دنيا وناسا راغبين لها ... وأنت أكثر منهم رغبة فيها
) * «4» .
5-* (قال أبو محرز الطّناويّ: «كفتك القبور مواعظ الأمم السّالفة» ) * «5» .
6-* (قال بعض الصّلحاء: «لنا من كلّ بيّت عظة بحاله، وعبرة بماله» ) * «6» .
من فوائد (الوعظ)
1- طريق موصل إلى الجنّة.
2- ينير العقول ويصلح القلوب.
3- حصول المحبّة والألفة بين المسلمين.
4- يثمر السّعادة في الدّارين.
5- يحفظ الإنسان من كيد الشّيطان.
__________
(1) مسلم (2645) .
(2) تفسير ابن كثير (1/ 438) .
(3) مدارج السالكين (1/ 474) .
(4) إحياء علوم الدين (1/ 63) .
(5) أدب الدنيا والدين (130) .
(6) المرجع السابق (130) .(8/3637)
الوفاء
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
21/ 42/ 16
الوفاء لغة:
مصدر قولهم: وفى يفي وفاء، وهو مأخوذ من مادّة (وف ي) الّتي تدلّ على «إكمال وإتمام» يقول ابن فارس: ومن هذا الوفاء: إتمام العهد وإكمال الشّرط، ويقولون منه أيضا: أوفيتك الشّيء، إذا قضيته إيّاه وافيا، وتوفّيت الشّيء واستوفيته، إذا أخذته كلّه حتّى لم تترك منه شيئا «1» .
وقال الجوهريّ: الوفاء ضدّ الغدر، يقال: وفى بعهده وأوفى بمعنى، ووفى الشّيء وفيّا على (وزن) فعول أي تمّ وكثر «2» ، والوفيّ الوافي، ووفى على الشيء:
أشرف، وأوفاه حقّه ووفّاه بمعنى، واستوفى حقّه وتوفّاه بمعنى، وتوفّاه الله: قبض روحه، ووافى فلان: أتى، وتوافى القوم: تتامّوا «3» .
وقال الرّاغب: الوافي: الّذي بلغ التّمام من كلّ شيء، يقال: درهم واف وكيل واف، قال تعالى:
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ (الإسراء/ 35) ووفى بعهده وأوفى إذا تمّم العهد ولم ينقض حفظه، واشتقاق ضدّه وهو الغدر يدلّ على ذلك وهو ترك (الحفظ) ، والقرآن الكريم جاء بصيغة الرّباعيّ «أوفى» قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (البقرة/ 40) ، وتوفية الشّيء بذله وافيا، واستيفاؤه: تناوله وافيا، وقد عبّر عن النّوم والموت بالتّوفّي.
قال الكسائيّ وأبو عبيدة: وفيت بالعهد وأوفيت به سواء. والوفيّ: الّذي يعطي الحقّ ويأخذ الحقّ.
وفي حديث زيد بن أرقم: وفت أذنك وصدّق الله حديثك. كأنّه جعل أذنه في السّماع كالضّامنة بتصديق ما حكت، فلمّا نزل القرآن في تحقيق ذلك الخبر صارت الأذن كأنّها وافية بضمانها خارجة من التّهمة فيما أدّته إلى اللّسان.
وفي رواية: أوفى الله بأذنه. أي أظهر صدقه في إخباره عمّا سمعت أذنه.
يقال: وفى بالشّيء وأوفى ووفّى بمعنى واحد.
وأوفى الكيل أتمّه ولم ينقص منه شيئا. قال الله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ*
، وفي الحديث: «فمررت بقوم تقرض شفاههم كلّما قرضت وفت» أي تمّت وطالت.
والموافاة: أن توافي إنسانا في الميعاد، توافينا في
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 129) .
(2) يشير الجوهري بذلك إلى أنّ مصدر وفى قد يأتي على فعول مثل قعود وجلوس.
(3) الصحاح (6/ 2526) .(8/3638)
الميعاد ووافيته فيه، وتوفّى المدّة: بلغها واستكملها، وهو من ذلك. وكلّ شيء بلغ تمام الكمال فقد وفى وتمّ، ويقال: أوفيته حقّه ووفّيته أجره «1» .
والوفاء في اللّغة: الخلق الشّريف العالي الرّفيع من قولهم: وفى الشّعر فهو واف إذا زاد، ووفيت له بالعهد أفي، ووافيت أوافي.
ومنه الوفاء بالعهد: وسمّي بذلك لما فيه من بلوغ تمام الكمال في تنفيذ كلّ ما عاهد عليه الله، وفي كلّ ما عاهد عليه العباد «2» .
الوفاء اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الوفاء: هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء «3» .
وقال الجاحظ: الوفاء: هو الصّبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهنه به لسانه «4» . والخروج ممّا يضمنه (بمقتضى العهد الّذي قطعه على نفسه) وإن كان مجحفا به، فليس يعدّ وفيّا من لم تلحقه بوفائه أذيّة وإن قلّت، وكلّما أضرّ به الدّخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء «5» .
وقال الرّاغب: الوفاء بالعهد: إتمامه وعدم نقض حفظه «6» .
وقال أيضا: الوفاء صدق اللّسان والفعل معا «7» .
الوفاء قيمة إنسانية نادرة:
للوفاء بالعهود قيمة إنسانيّة وأخلاقيّة عظمى لأنّه يرسي دعائم الثّقة في الأفراد ويؤكّد أواصر التّعاون في المجتمع، يقول الرّاغب الأصفهانيّ في ذلك: الوفاء: أخو الصّدق والعدل، والغدر: أخو الكذب والجور، ذلك أنّ الوفاء: صدق اللّسان والفعل معا، والغدر كذب بهما، لأنّ فيه مع الكذب نقض للعهد.
والوفاء: يختصّ بالإنسان، فمن فقد فيه (الوفاء) فقد انسلخ من الإنسانيّة، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيّره قواما لأمور النّاس، فالنّاس مضطرّون إلى التّعاون، ولا يتمّ تعاونهم إلّا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التّعايش. ولذلك عظّم الله تعالى أمره فقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (البقرة/ 40) ، وقيل في قوله- عزّ وجلّ-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر/ 4) ، أي نزّه نفسك عن الغدر، وقد عظّم حال السّموأل فيما التزم به من الوفاء بدروع
__________
(1) لسان العرب (15/ 398- 400) .
(2) المرجع السابق. وانظر: بصائر ذوي التمييز (4/ 114- 115) . ونزهة الأعين النواظر (446- 448) .
(3) التعريفات (ص 274) ، والمناوي في التوقيف (ص 393) .
(4) معنى هذه العبارة: أن الإنسان يصبح رهينة بما ينطق به لسانه ولا يكون وفيّا إلّا إذا حرر نفسه بالوفاء بما التزم به، وهذا هو مضمون العبارة التالية في قوله «والخروج مما يضمنه» أي خروج الإنسان من العهد الذي قطعه على نفسه وألزمه به لسانه مما ضمنه للغير.
(5) تهذيب الأخلاق (ص 24) ويبدو أن الجاحظ يتحدث هنا عن وفاء بعينه وهو ما تعلق بالوعود المقطوعة للآخرين.
(6) المفردات (528) .
(7) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص 292) .(8/3639)
امرىء القيس، ممّا يدلّ على أنّ الوفاء قيمة عظيمة قدّرها عرب الجاهليّة. وقد أقرّهم الإسلام على ذلك، ولا يستطيع ذلك إلّا القليلون، ولقلّة وجود ذلك في النّاس قال تعالى: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ (الأعراف/ 103) ، وقد ضرب به المثل في العزّة فقالت العرب: «هو أعزّ من الوفاء» «1» .
أنواع الوفاء:
للوفاء أنواع عديدة باعتبار الموفى به، فهي قد تكون وفاء بالعهد، وقد تكون وفاء بالعقد أو الميثاق، وقد تكون وفاء بالوعد. وتوضيح ذلك فيما يلي:
الوفاء بالعهد: هو- كما ذكر الرّاغب- إتمامه وعدم نقض حفظه، ويتطابق من ثمّ صدق القول والعمل جميعا «2» ، وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «العهود ما أحلّ الله وما حرّم وما فرض وما حدّ في القرآن كلّه» «3» .
أمّا الوفاء بالعقد: فالمراد به إمّا العهد، وبذلك يتطابق مع النّوع الأوّل، وقيل: العقود هي أوكد العهود، وقيل: هي عهود الإيمان والقرآن، وقيل: هي ما يتعاقده النّاس فيما بينهم «4» .
أمّا الوفاء بالوعد: فالمراد به أن يصبر الإنسان على أداء ما يعد به الغير ويبذله من تلقاء نفسه، ويرهنه به لسانه حتّى وإن أضرّ به ذلك، وقد ذكرنا من قبل قول الجاحظ: وكلّما أضرّ به الدّخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل الأمانة- الصدق- المسئولية- المواساة- كتمان السر- الإخلاص.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغدر- الجحود نقض العهد- نكران الجميل- الخيانة- إفشاء السر- التنصل من المسئولية] .
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (292- 293) .
(2) المفردات (528) ، والذريعة إلى مكارم الشريعة (292) .
(3) عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر (4/ 62) .
(4) تفسير البغوي (2/ 6) .
(5) انظر: نص الجاحظ كاملا في «الوفاء اصطلاحا» .(8/3640)
الآيات الواردة في «الوفاء»
أولا: الوفاء بالعهد:
أ- الوفاء بالعهد على سبيل الأمر:
1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «1»
2-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «2»
3- بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
__________
(1) البقرة: 40- 43 مدنية
(2) الأنعام: 151- 153 مكية(8/3641)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) «1»
4-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «2»
5- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «3»
ب- الوفاء بالعهد من سمات الإيمان:
6-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ
__________
(1) التوبة: 1- 12 مدنية
(2) النحل: 90- 92 مكية
(3) الإسراء: 34- 35 مكية(8/3642)
فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1»
7-* وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «2»
8-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «3»
9- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «4»
10- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «5»
__________
(1) البقرة: 177 مدنية
(2) آل عمران: 75- 77 مدنية
(3) الرعد: 19- 24 مدنية
(4) المؤمنون: 1- 11 مكية
(5) الأحزاب: 23- 24 مدنية(8/3643)
11-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34)
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1»
ج- الوفاء من صفة الله- عز وجل-:
12- وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) «2»
13-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) «3»
د- الوفاء المطلق من صفة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين-:
14- أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36)
وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (39)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40)
ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) «4»
هـ- الوفاء بالعهد سبيل الوصول إلى الأجر العظيم من الله- عز وجل-:
15- إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10)
__________
(1) المعارج: 19- 35 مكية
(2) البقرة: 80- 81 مدنية
(3) التوبة: 111 مدنية
(4) النجم: 36- 41 مكية(8/3644)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) «1»
ثانيا: الوفاء بالعقود:
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2»
ثالثا: الوفاء بالوعود:
17- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «3»
18-* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) «4»
الآيات الواردة في «الوفاء» معنى
19- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «5»
20- وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) «6»
21- وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) «7»
__________
(1) الفتح: 10- 11 مدنية
(2) المائدة: 1- 2 مدنية
(3) مريم: 54- 55 مكية
(4) مريم: 59- 62 مكية
(5) المائدة: 7 مكية
(6) النحل: 95- 96 مكية
(7) الأحزاب: 7- 8 مدنية(8/3645)
الأحاديث الواردة في (الوفاء)
1-* (عن عقبة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أحقّ ما أوفيتم من الشّروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» ) * «1» .
2-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «2» .
3-* (عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه أخبره: أنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا «3» لرجل من اليهود، فاستنظره «4» جابر، فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّم اليهوديّ ليأخذ تمر نخله بالّتي له، فأبى، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل فمشى فيها، ثمّ قال لجابر: جدّ له «5» فأوف له الّذي له، فجدّه بعد ما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالّذي كان، فوجده يصلّي العصر، فلمّا انصرف أخبره بالفضل «6» ، فقال: أخبر ذلك ابن الخطّاب، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليباركنّ فيها) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤتى بالرّجل المتوفّى عليه الدّين، فيسأل: هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدّث أنّه ترك لدينه وفاء صلّى، وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم. فلمّا فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته» ) * «8» .
5-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنّه كان بالشّام في رجال من قريش قدموا تجارا «9» في المدّة الّتي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين كفّار قريش ... الحديث. وفيه:
قال- يعني قيصر- فماذا يأمركم به؟ قال «10» : يأمرنا
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5151) واللفظ له. ومسلم (1418) أى أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح.
(2) رواه أحمد (5/ 323) والطبراني حكاه الهيثمي في المجمع (4/ 218) واللفظ عندهما متفق. ورجال أحمد ثقات إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة. والحاكم في المستدرك (4/ 359) وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال فيه إرسال.
(3) الوسق: بفتح الواو وكسرها- مكيلة معلومة، وقيل: حمل بعير وهو ستون صاعا بصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو خمسة أرطال وثلث، والجمع أوسق ووسوق.
(4) استنظره: أي طلب إعطاءه مهلة للسداد.
(5) جدّ له: أي اقطع له.
(6) أخبره بالفضل: أي بالزيادة.
(7) البخاري- الفتح 5 (2396) .
(8) البخاري- الفتح 4 (2298) .
(9) تجارا: رجل تاجر والجمع تجار- بالكسر والتخفيف- وتجّار- بالضم والتشديد- وتجر.
(10) قال: يأمرنا أن نعبد الله. القائل هو أبو سفيان.(8/3646)
أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. فقال لترجمانه حين قلت ذلك له: قل له إنّي سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنّه ذو نسب، وكذا الرّسل تبعث في نسب قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم، هذا القول قبله؟
فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله- قلت- رجل يأتمّ بقول قد قيل قبله.
وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه، وسألتك أشراف النّاس يتّبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ، وسألتك هل يرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرّسل لا يغدرون.
وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأنّ حربكم وحربه تكون دولا، ويدال عليكم المرّة وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرّسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك بماذا يأمركم؟ فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصّلاة، والصّدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبيّ قد كنت أعلم أنّه خارج، ولكن لم أعلم أنّه منكم، وإن يك ما قلت حقّا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه ... الحديث) * «1» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ امرأة من جهينة جاءت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ أمّي نذرت أن تحجّ فلم تحجّ حتّى ماتت، أفأحجّ عنها؟
قال: «نعم، حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحقّ بالوفاء» ) * «2» .
7-* (عن عليّ بن الحسين: أنّهم حين قدموا المدينة، من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن عليّ رضي الله عنهما- لقيه المسور بن مخرمة، فقال له:
هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟. قال: فقلت له: لا.
قال له: هل أنت معطيّ سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه. وايم الله؛ لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبدا، حتّى تبلغ نفسي. إنّ عليّ ابن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة. فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يخطب النّاس في ذلك، على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: «إنّ فاطمة منّي. وإنّي
__________
(1) البخارى- الفتح 6 (2941) واللفظ له. ومسلم (1773) .
(2) البخارى- الفتح 4 (1852) واللفظ له. ومسلم (1334) نحوه.(8/3647)
أتخوّف أن تفتن في دينها «1» » . قال: ثمّ ذكر صهرا «2» له من بني عبد شمس. فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن. قال: «حدّثني فصدقني. ووعدني فأوفى لي.
وإنّي لست أحرّم حلالا «3» ولا أحلّ حراما. ولكن، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبنت عدوّ الله مكانا واحدا أبدا» ) * «4» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته: «أوفوا بحلف الجاهليّة، فإنّ الإسلام لم يزده إلّا شدّة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» ) * «5» .
9-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه» . فبايعناه على ذلك) * «6» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطّريق يمنع منه ابن السّبيل. ورجل بايع إماما لا يبايعه إلّا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلّا لم يف له. ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا، فصدّقه فأخذها، ولم يعط بها» ) * «7» .
11-* (عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين. فسمعته يحدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال:
«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء «8» . كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ «9» . وإنّه لا نبيّ بعدي. وستكون خلفاء
__________
(1) أن تفتن فى دينها: أي بسبب الغيرة الناشئة من البشرية.
(2) ثم ذكر صهرا: هو أبو العاص بن الربيع. زوج زينب رضي الله عنها، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والصهر يطلق على الزوج وأقاربه وأقارب المرأة. وهو مشتق من صهرت الشيء وأصهرته، إذا قربته. والمصاهرة مقاربة بين الأجانب والمتباعدين.
(3) لست أحرم حلالا: أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله. فإذا أحل شيئا لم أحرمه. وإذا حرمه لم أحله، ولم أسكت عن تحريمه، لأن سكوتي تحليل له. ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله.
(4) البخاري الفتح 7 (3729) . ومسلم (2449) واللفظ له.
(5) أحمد (2/ 207) واللفظ له. والترمذي (1585) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 566) : كما قال الترمذي.
(6) البخاري الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (709) .
(7) البخاري الفتح 13 (7212) واللفظ له. ومسلم (108)
(8) تسوسهم الأنبياء: أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية. والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه.
(9) كلما هلك نبي خلفه نبي: في هذا الحديث جواز قول: هلك فلان، إذا مات. وقد كثرت الأحاديث به. وجاء في القرآن العزيز قوله تعالى: حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا.(8/3648)
فيكثرون» . قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأوّل فالأوّل «1» . وأعطوهم حقّهم. فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» ) * «2» .
12-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: يا رسول الله، إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أوف نذرك» . فاعتكف ليلة) * «3» .
13-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي، إنّي حرّمت الظّلم على نفسي «4» وجعلته بينكم محرّما. فلا تظّالموا «5» يا عبادي، كلّكم ضالّ «6» إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي، كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنّكم تخطئون «7» باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا.
يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم.
قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط «8» إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «9» .
__________
(1) فوا ببيعة الأول فالأول: معنى هذا الحديث إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها. وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها. وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم جاهلين. وسواء كانا في بلدين أو بلد. أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره.
(2) البخاري- الفتح 6 (3455) . ومسلم (1842) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 4 (2042) واللفظ له. ومسلم (1656)
(4) إني حرمت الظلم على نفسي: قال العلماء: معناه تقدست عنه وتعاليت. وأصل التحريم في اللغة المنع. فسمى تقدسه عن الظلم تحريما، لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء.
(5) فلا تظالموا: أي لا تتظالموا. والمراد لا يظلم بعضكم بعضا.
(6) كلكم ضال إلا من هديته: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال، إلا من هداه الله تعالى. وفي الحديث المشهور «كل مولود يولد على الفطرة» . فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا. وهذا الثاني أظهر.
(7) إنكم تخطئون: الرواية المشهورة: تخطئون، بضم التاء. وروى بفتحها وفتح الطاء. يقال: خطىء يخطأ إذا فعل ما يأثم به، فهو خاطىء. ومنه قوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (يوسف/ 97) . ويقول في الإثم أيضا: أخطأ. فهما صحيحان.
(8) إلا كما ينقص المخيط: قال العلماء: هذا تقريب إلى الإفهام. ومعناه لا ينقص شيئا أصلا. كما قال في الحديث الآخر «لا يغيضها نفقة» أي لا ينقصها نفقة. لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني. وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة. والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه. فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء.
(9) مسلم (2577) .(8/3649)
الأحاديث الواردة في (الوفاء) معنى
14-* (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: حدّث عثمان بن أبي العاص قال: آخر ما عهد إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أممت قوما فأخفّ بهم الصّلاة» ) * «1» .
15-* (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: أخذ علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منّا امرأة غير خمس نسوة: أمّ سليم، وأمّ العلاء، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ، وامرأتين، أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى) * «2» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا «3» له. فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة «4» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي.
إنّما اشتريت منك الأرض. ولم أبتع منك الذّهب.
فقال الّذي شرى الأرض «5» : إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل. فقال الّذي تحاكما إليه:
ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية. وأنفقوا على أنفسكما منه. وتصدّقا» ) * «6» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ، إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «7» .
18-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة: «اللهمّ إنّي أنشدك عهدك ووعدك. اللهمّ إن شئت لم تعبد بعد اليوم» .
فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربّك. وهو في الدّرع، فخرج وهو يقول:
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ* بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (القمر/ 45- 46) ، وقال وهيب: حدّثنا خالد «يوم بدر» ) * «8» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:
أبرص «9» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «10»
__________
(1) مسلم (468) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1306) واللفظ له. ومسلم (936) .
(3) عقارا: العقار هو الأرض وما يتصل بها. وحقيقة العقار الأصل. سمي بذلك من العقر، بضم العين وفتحها، وهو الأصل. ومنه: عقر الدار، بالضم والفتح.
(4) جرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
(5) شرى الأرض: هكذا هو في أكثر النسخ. شرى. وفي بعضها: اشترى. قال العلماء: الأول أصح. وشرى بمعنى باع، كما في قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ. ولهذا قال: فقال الذي شرى الأرض إنما بعتك.
(6) البخاري الفتح 6 (3472) . ومسلم (1721) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 11 (6361) . ومسلم (2601) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 6 (2915) .
(9) أبرص: قال في القاموس: البرص بياض يظهر في ظاهر البدن، لفساد مزاج. برص، كفرح، فهو أبرص. وأبرصه الله.
(10) يبتليهم: أي يختبرهم.(8/3650)
فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عنّي الّذي قد قذرني «1» النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شكّ إسحاق) إلّا أنّ الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل.
وقال الآخر: البقر قال: فأعطي ناقة عشراء «2» . فقال:
بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا الّذي قذرني النّاس. قال: فمسحه، فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟
قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟
قال: أن يردّ الله إليّ بصري فأبصر به النّاس.
قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «3» . فأنتج هذان وولّد هذا «4» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته «5» . فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال «6» في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ عليه في سفري.
فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأنّي أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنّما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «7» . فقال: إن كنت كاذبا، فصيّرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا. وردّ عليه مثل ما ردّ على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك الله إلى ما كنت.
قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري.
فلا بلاغ لي اليوم إلّا بالله ثمّ بك. أسألك، بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فو الله لا أجهدك اليوم «8» شيئا أخذته لله.
فقال: أمسك مالك. فإنّما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك» ) * «9» .
__________
(1) قذرني الناس: أي اشمأزوا من رؤيتي.
(2) ناقة عشراء: هي الحامل القريبة الولادة.
(3) شاة والدا: أي وضعت ولدها، وهو معها.
(4) فأنتج هذان وولد هذا: هكذا الرواية: فأنتج، رباعي وهي لغة قليلة الاستعمال. والمشهور نتج، ثلاثي. وممن حكى اللغتين الأخفش. ومعناه تولى الولادة، وهي النتج والإنتاج. ومعنى ولد هذا، بتشديد اللام، معنى أنتج. والنتاج للإبل، والمولد للغنم وغيرها، هو كالقابلة للنساء.
(5) أي جاءه في صورة رجل أبرص- كما كان كذلك قبل أن يمسحه الملك.
(6) انقطعت بي الحبال: هي الأسباب. وقيل: الطرق.
(7) إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر: أي ورثته من آبائي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير، في العز والشرف والثروة.
(8) أجهدك: معناه لا أشق عليك برد شيء تأخذه.
(9) البخاري- الفتح 6 (3464) . ومسلم (2964) واللفظ له.(8/3651)
20-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له المزر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسكر هو؟» قال: نعم.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام. إنّ على الله عزّ وجلّ- عهدا، لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله؛ وما طينة الخبال؟
قال: «عرق أهل النّار، أو عصارة أهل النّار» ) * «1» .
21-* (عن ابن محيريز؛ أنّ رجلا من بني كنانة يدعى المخدجيّ سمع رجلا بالشّام يدعى أبا محمّد يقول: إنّ الوتر واجب، قال المخدجيّ: فرحت إلى عبادة بن الصّامت فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمّد، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، فمن جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ شيئا استخفافا بحقّهنّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند الله عهد: إن شاء عذّبه، وإن شاء أدخله الجنّة» ) * «2» .
22-* (عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّ كفّار قريش، كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان، من الأوس، والخزرج، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بالمدينة، قبل وقعة بدر: إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّا نقسم بالله لتقاتلنّه أو لتخرجنّ أو لنسيرنّ إليكم بأجمعنا حتّى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم فلمّا بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقيهم فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟» .
فلمّا سمعوا ذلك من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تفرّقوا، فبلغ ذلك كفّار قريش، فكتبت كفّار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنّكم أهل الحلقة «3» والحصون، وإنّكم لتقاتلنّ صاحبنا، أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء- وهي الخلاخيل- فلمّا بلغ كتابهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أجمعت بنو النّضير بالغدر، فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منّا ثلاثون حبرا، حتّى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدّقوك وآمنوا بك، آمنّا بك، [فقصّ خبرهم] فلمّا كان الغد، غدا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكتائب فحصرهم فقال لهم:
«إنّكم والله لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه» فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك. ثمّ غدا على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النّضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه. فانصرف عنهم، وغدا على بني النّضير بالكتائب فقاتلهم، حتّى نزلوا على الجلاء، فجلت بنو النّضير، واحتملوا ما أقلّت الإبل من
__________
(1) مسلم (2002) .
(2) أبو داود (1420) واللفظ له وقال الألباني (1258) : صحيح. والنسائي (1/ 230) . الموطأ: صلاة الليل (حديث رقم 14) . والدارمي (1/ 208 حديث رقم 1577) .
(3) الحلقة: الدروع، وقد يراد بها السلاح مطلقا.(8/3652)
أمتعتهم، وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة، أعطاه الله إيّاها، وخصّه بها، فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ الحشر/ 6) يقول:
بغير قتال، فأعطى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أكثرها للمهاجرين، وقسّمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة، لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الّتي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها-) * «1» .
23-* (عن كعب- رضي الله عنه- أنّه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتّى سمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيته، فخرج إليهما حتّى كشف سجف «2» حجرته فنادى: يا كعب، قال: لبّيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه أي الشّطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: قم فاقضه» ) * «3» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا. قال:
فأئتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها «4» ، ثمّ أتى بها إلى البحر فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بذلك. وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه. قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «5» .
25-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء؛ لا ينجيكم إلّا
__________
(1) أبو داود (3004) وقال: الألباني (2595) : صحيح الإسناد
(2) سجف (بفتح السين وكسرها) : السّتر مشقوق الوسط كالمصراعين.
(3) البخاري- الفتح 5 (2418) .
(4) زجج موضعها: أي سوّى موضع النقر وأصلحه.
(5) البخاري- الفتح 4 (2291) .(8/3653)
الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ، إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق. فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة.
فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر.
فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء.
فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «1» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنت مع عليّ بن أبي طالب حيث بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل مكّة ببراءة قال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنّا ننادي: أنّه لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فإنّ أجله- أو أمده- إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة الأشهر فإنّ الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحجّ هذا البيت بعد العام مشرك، فكنت أنادي حتّى صحل صوتي «2» » ) * «3» .
27-* (عن عبد الله بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: دعتني أمّي يوما ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما أردت أن تعطيه» ؟ قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّك لو لم تعطيه «4» شيئا كتبت عليك كذبة» ) * «5» .
28-* (عن أمّ هانىء ابنة أبي طالب- رضي الله عنها- قالت: «ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743)
(2) صحل صوتي: أي بحّ أي غلظ وخشونة في الصوت.
(3) أحمد (2/ 299) واللفظ له. والترمذي (3091- 3092) وآخر عنده من حديث علي رضي الله عنه (871) . وقد سأله زيد بن أتبع، وقال الترمذي: حسن، وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه. وابن مردويه والبزار. وأصله عند البخاري (4655) .
(4) لم تعطيه: هكذا وردت بإثبات الياء، والقواعد تقتضي حذفها بعد لم.
(5) أبو داود (4991) واللفظ له وقال الألباني (4176) : حسن، الصحيحة (748) . وأحمد 3 (447) .(8/3654)
الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، فسلّمت عليه فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أمّ هانىء بنت أبي طالب. فقال: «مرحبا بأمّ هانىء» ، فلمّا فرغ من غسله قام فصلّى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد. فقلت:
يا رسول الله، زعم ابن أمّي عليّ، أنّه قاتل رجلا قد أجرته؛ فلان ابن هبيرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانىء» ، قالت أمّ هانىء:
وذلك ضحى) * «1» .
29-* (عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال:
رأيت رجلا يصدر النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قال: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «2» فدعوته أنبتها لك وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» قلت: اعهد إليّ، قال: «لا تسبّنّ أحدا» قال:
فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال:
«ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إنّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة «3» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه» ) * «4» .
30-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» ) * «5» .
31-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه.
فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «6» ومنّا من هو في جشره «7» إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «8» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «9» ، وتجيء الفتنة، فيقول
__________
(1) البخاري الفتح 6 (3171) واللفظ له. ومسلم (336) .
(2) عام سنة: أي عام جدب.
(3) المخيلة- بفتح الميم وكسر الخاء- والخال والخيل والخيلاء والخيلة كله الكبر.
(4) أبو داود (4084) وقال الألباني: صحيح، والترمذي (2877) . وصححه ابن حبان رقم (1221) في الموارد، ومحقق جامع الأصول (11/ 746) .
(5) الترمذي (2621) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 231) وغيرهم وقال محقق الجامع (5/ 204) : وهو حديث صحيح.
(6) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب.
(7) في جشره: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت.
(8) الصلاة جامعة: هي بنصب الصلاة، على الإغراء. ونصب جامعة على الحال.
(9) فيرقق بعضها بعضا: هذه اللفظة، رويت على أوجه: أحدها، وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة، يرقق أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، والثاني يجعل الأول رقيقا. وقيل معناه يشبه بعضه بعضا. وقيل: يدور بعضها في بعض ويذهب ويجيء. وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والثاني: فيرفق. والثالث: فيدفق، أي يدفع ويصب. والدفق هو الصب.(8/3655)
المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه «1» .
ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال:
سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (4/ النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: «أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله) * «2» .
32-* (عن سليم بن عامر- رجل من حمير- قال: كان بين معاوية، وبين الرّوم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتّى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة، ولا يحلّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية) * «3» .
33-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم: يسعى بذمّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يردّ مشدّهم على مضعفهم، ومتسرّعهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» ) * «4» .
34-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى الصّبح، فهو في ذمّة الله. فلا تخفروا الله في عهده. فمن قتله، طلبه الله حتّى يكبّه في النّار على وجهه» ) * «5» .
35-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه: «وددت أنّ عندي بعض أصحابي» قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟
فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: «نعم» فجاء، فخلا به، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكلّمه. ووجه عثمان يتغيّر. قال قيس:
__________
(1) وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه: هذا من جوامع كلمه صلّى الله عليه وسلّم، وبديع حكمه. وهذه قاعدة مهمة، فينبغي الاعتناء بها. وإن الإنسان يلزم أن لا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوا معه.
(2) مسلم (1844) .
(3) الترمذي (1580) وقال: حديث حسن. وأبو داود (2759) واللفظ له وقال الألباني (2397) : صحيح. وعند أحمد (4/ 113) . وقال محقق «جامع الأصول» (2/ 648) : إسناده صحيح.
(4) أبو داود (2751) وقال الألباني (2390) : حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (10/ 255) : إسناده حسن.
(5) الترمذي (2164) و (222) . وابن ماجه (3945) . وقال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. إلا أنه منقطع. وسعد بن إبراهيم لم يدرك حابس بن سعد، قاله في التهذيب. وهو عند مسلم (657) بلفظ آخر نحوه.(8/3656)
فحدّثني أبو سهلة، مولى عثمان: أنّ عثمان بن عفّان قال يوم الدّار: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهدا. فأنا صائر إليه. وقال عليّ في حديثه: وأنا صابر عليه. قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم» ) * «1» .
36-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ: «لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الوفاء)
37-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ابتاع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من رجل من الأعراب جزورا «3» أو جزائر بوسق من تمر الذّخرة- وتمر الذّخرة العجوة- فرجع به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيته والتمس له التّمر فلم يجده فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «يا عبد الله! إنّا قد ابتعنا منك جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذّخرة فالتمسناه فلم نجده، قال: فقال الأعرابيّ: واغدراه، قالت: فنهمه «4» النّاس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، ثمّ عاد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عبد الله إنّا ابتعنا منك جزائرك ونحن نظنّ أنّ عندنا ما سمّينا لك، فالتمسناه فلم نجده» فقال الأعرابيّ: واغدراه، فنهمه النّاس، وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، فردّد ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّتين أو ثلاثا، فلمّا رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خويلة بنت حكيم بن أميّة فقل لها: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر فأسلفيناه حتّى نؤدّيه إليك إن شاء الله» فذهب إليها الرّجل، ثمّ رجع الرّجل فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للرّجل: «اذهب به فأوفه الّذي له» قال: فذهب به فأوفاه الّذي له. قالت: فمرّ الأعرابيّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في أصحابه فقال: جزاك الله خيرا. فقد أوفيت وأطيبت. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أولئك خيار عباد الله عند الله الموفون المطيّبون» ) * «5» .
38-* (عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال:
بعثتني قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألقي في قلبي الإسلام. فقلت: يا رسول الله، إنّي والله لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لا
__________
(1) أحمد 6/ 52، 214 وبعضه فى الترمذي (3711) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجه مقدمه (113) واللفظ له وقال محققه في الزوائد: إسناده صحيح. ورجاله ثقات.
(2) مسلم (78) .
(3) الجزور- بفتح الجيم- البعير ذكرا كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة، والجمع جزر- بضمتين- وجزائر.
(4) فنهمه الناس: أي زجروه.
(5) رواه أحمد (6/ 268) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (4/ 1400) : إسناد أحمد صحيح.(8/3657)
أخيس بالعهد «1» ، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك، الّذي في نفسك الآن، فارجع» قال:
فذهبت، ثمّ أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأسلمت) * «2» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما يهوديّ يعرض سلعته، أعطي بها شيئا كرهه، فقال: لا والّذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول:
والّذي اصطفى موسى على البشر، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إنّ لي ذمّة وعهدا، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: «لم لطمت وجهه؟» فذكره، فغضب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى رؤي في وجهه، ثمّ قال: «لا تفضّلوا بين أولياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى فأكون أوّل من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور، أم بعث قبلي» ) * «3» .
40-* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية، حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ خالد ابن الوليد بالغميم «4» في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة «5» الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «6» .
فألحّت. فقالوا: خلأت القصواء «7» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل «8» . ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة «9» يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها. ثمّ زجرها فوثبت. قال: فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «10» قليل الماء يتبرّضه النّاس «11» تبرّضا، فلم يلبّثه «12» النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه «13» . فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح «14» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ، نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم
__________
(1) لا أخيس بالعهد: أي لا أنقضه.
(2) أبو داود (2758) . وقال الألباني (2396) : صحيح.
(3) البخاري الفتح 6 (3414) .
(4) الغميم: موضع بين مكة والمدينة.
(5) قترة: بفتحتين: الغبار الأسود.
(6) حل حل: هو زجر الناقة للنهوض.
(7) خلأت القصواء: حرنت من غير علة والقصواء: اسم لناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(8) حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها.
(9) خطّة: أي خصلة.
(10) ثمد: بفتحتين- أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل.
(11) يتبرضه الناس: أي يأخذون منه قليلا قليلا.
(12) لم يلبثه الناس: أي لم يتركوه يلبث أي يقيم.
(13) يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه: أي يفور بالماء حتى رجعوا.
(14) عيبة نصح رسول الله: أي موضع النصح له والأمانة على سره.(8/3658)
العوذ المطافيل «1» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «2» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده، لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي «3» ، ولينفذنّ الله أمره» فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول. قال:
فانطلق حتّى أتى قريشا، قال: إنّا جئناكم من هذا الرّجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال: سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرّأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال سمعته يقول كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى.
قال: فهل تتّهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ، فلمّا بلّحوا «4» عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد، اقبلوها ودعوني آته. قالوا ائته. فأتاه، فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نحوا من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمّد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله «5» قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي والله لا أرى وجوها، وإنّي لأرى أشوابا «6» من النّاس خليقا «7» أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر:
امصص بظر اللّات «8» ، أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال:
من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.
قال: وجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما تكلّم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه السّيف وعليه المغفر «9» ، فكلّما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب يده بنعل السّيف وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة
بن شعبة. فقال: أي غدر «10» ، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء
__________
(1) العوذ المطافيل: الناقة التي وضعت إلى أن يقوى ولدها.
(2) جموا: أي قووا.
(3) حتى تنفرد سالفتي: أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري، والسالفة: صفحة العنق.
(4) بلّحوا: أي امتنعوا من الإجابة.
(5) اجتاح أهله: أي أهلك أصلهم.
(6) أشوابا: أي أخلاطا من أنواع شتى.
(7) خليقا: أي حقيقا وجديرا.
(8) امصص بظر اللات: البظر قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة، واللات اسم أحد الأصنام التي كانوا يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ «الأم» بدلا من «اللات» فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه.
(9) المغفر: حلق يتقنع به المتسلح وربما كان مثل القلنسوة غير أنها أوسع.
(10) أي غدر: مبالغة في وصفه بالغدر.(8/3659)
فأسلم. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا الإسلام فأقبل، وأمّا المال فلست منه في شيء» . ثمّ إنّ عروة جعل يرمق «1» أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينيه. قال: فو الله ما تنخّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخامة «2» إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه «3» ، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ، والله إن رأيت مليكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم محمّدا والله إن يتنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له. وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا:
ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن «4» ، فابعثوها له.» فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون. فلمّا رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته.
فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيّوب عن عكرمة أنّه لمّا جاء سهيل بن عمرو، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم» قال معمر: قال الزّهريّ في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال:
هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بسم الله الرّحمن الرّحيم فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فو الله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: باسمك اللهمّ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب: باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمّد ابن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» . قال الزّهريّ: وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة «5» . ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على
__________
(1) يرمق: أي يلحظ.
(2) النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء.
(3) الوضوء- بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به.
(4) البدن: جمع بدنة وهي تقع على الجمل والناقة والبقرة. وهي بالإبل أشبه. سميت بدنة لعظمها وسمنها.
(5) أخذنا ضغطة: أي قهرا.(8/3660)
دينك إلّا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده «1» ، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» . قال: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فأجزه لي» ، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: «بلى فافعل» ، قال: ما أنا بفاعل.
قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله. قال: فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ألست نبيّ الله حقّا؟ قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: «بلى» قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: «إنّي رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري» ، قلت: أو ليس كنت تحدّثنا، أنّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: «بلى، فأخبرتك أنّا نأتيه العام؟» قال: قلت: لا. قال: «فإنّك آتيه ومطوّف به» . قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبيّ الله حقّا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحقّ وعدّونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال: أيّها الرّجل، إنّه لرسول الله، وليس يعصي ربّه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه «2» ، فو الله إنّه على الحقّ. قلت: أليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنّك آتيه ومطوّف به. قال الزّهريّ: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه:
قوموا فانحروا ثمّ احلقوا. قال: فو الله ما قام منهم رجل، حتّى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقي من النّاس، فقالت أمّ سلمة: يا نبيّ الله،
أتحبّ ذلك؟ اخرج، ثمّ لا تكلّم أحدا منهم كلمة حتّى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتّى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتّى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. ثمّ جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (الممتحنة/ 10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتّى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشّرك، فتزوّج إحداهما، معاوية بن أبي سفيان والأخرى، صفوان بن أميّة، ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير- رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى بلغا ذا
__________
(1) يرسف في قيوده: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد.
(2) فاستمسك بغرزه: الغرز للناقة مثل الحزام للفرس والمراد اعتلق به واتبع قوله وفعله ولا تخالفه.(8/3661)
الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين: والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر فقال: أجل، والله إنّه لجيّد، لقد جرّبت به ثمّ جرّبت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «1» ، وفرّ الآخر حتّى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآه: «لقد رأى هذا ذعرا» ، فلمّا انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قتل والله صاحبي وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبيّ الله، قد والله أوفى الله ذمّتك قد رددتني إليهم، ثمّ أنجاني الله منهم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه مسعر حرب «2» لو كان له أحد» فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر «3» . قال وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير، حتّى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشّام إلّا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تناشده الله والرّحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأنزل الله تعالى (الفتح/ 24) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتّى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا أنّه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرّحمن الرّحيم، وحالوا بينهم وبين البيت) * «4» .
41-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنت على جمل ثفال «5» إنّما هو في آخر القوم، فمرّ بي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من هذا؟» قلت جابر بن عبد الله. قال:
«مالك؟» قلت: إنّي على جمل ثفال. قال: «أمعك قضيب؟» قلت: نعم. قال: «أعطنيه» ، فأعطيته فضربه فزجره، فكان من ذلك المكان من أوّل القوم.
قال: «بعنيه» ، فقلت: بل هو لك يا رسول الله. قال:
«بل بعينه. قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره «6» إلى المدينة» . فلمّا دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال: «أين تريد؟» قلت: تزوّجت امرأة قد خلا منها.
قال: «فهلّا جارية تلاعبها وتلاعبك؟» . قلت: إنّ أبي توفّي وترك بنات فأردت أن أنكح امرأة قد جرّبت، خلا منها، قال: «فذلك» . فلمّا قدمنا المدينة قال: «يا بلال اقضه، وزده» . فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا.
قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله) * «7» .
42-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلّا أنّي خرجت أنا وأبي حسيل. قال: فأخذنا كفّار قريش. قالوا: إنّكم تريدون
__________
(1) حتى برد: أي حتى مات.
(2) ويل أمه مسعر حرب: ويل أمه كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم، مسعر حرب: أي من يسعرها كأنه يصفه بالإقدام في الحرب.
(3) سيف البحر: أي ساحله.
(4) البخاري- الفتح 5 (2732) . ومسلم مقطعا في (1783، 1784، 1785) .
(5) جمل ثفال: أي بطيء السير.
(6) ولك ظهره إلى المدينة: أي تركبه إلى المدينة.
(7) البخاري- الفتح 4 (2309) .(8/3662)
محمّدا؟ فقلنا: ما نريده. ما نريد إلّا المدينة. فأخذوا منّا عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرناه الخبر. فقال: «انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الوفاء)
1-* (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن عليّ يشبهه، وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصا، فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا، فلمّا قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليجىء، فقمت إليه فأخبرته، فأمر لنا بها» ) * «2» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لي: لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجاء مال البحرين قال أبو بكر: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليأتني، فأتيته فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كان قال لي: لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. فقال لي: احثه. فحثوت حثية. فقال لي: عدّها. فعددتها، فإذا هي خمسمائة، فأعطاني ألفا وخمسمائة» ) * «3» .
3-* (عن عمرو بن ميمون الأوديّ؛ قال:
رأيت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل: قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا، ثمّ قل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. قال: ليتني يا ابن أخي، وذلك كفافا لا
عليّ ولا لي. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا، أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله
__________
(1) مسلم (1787) .
(2) الترمذي (2826) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأصله عند البخاري (3544) . ومسلم (2342) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3164) وهذا لفظه. ومسلم (2314) .(8/3663)
وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفّى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «1» .
4-* (عن معدان «2» بن أبي طلحة اليعمريّ:
أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قام على المنبر يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر أبا بكر، ثمّ قال: «رأيت رؤيا لا أراها إلّا لحضور أجلي، رأيت كأنّ ديكا نقرني نقرتين، قال:
وذكر لي أنّه ديك أحمر، فقصصتها على أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر، فقالت: يقتلك رجل من العجم، قال: وإنّ النّاس يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيع دينه وخلافته الّتي بعث بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وإن يعجل بي أمر فإنّ الشّورى في هؤلاء السّتّة الّذين مات نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن بايعتم منهم فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّي أعلم أنّ أناسا سيطعنون في هذا الأمر، أنا قاتلتهم بيدي هذه على الإسلام، أولئك أعداء الله الكفّار الضّلّال، وايم الله، ما أترك فيما عهد إليّ ربّي فاستخلفني شيئا أهمّ إليّ من الكلالة «3» ، وايم الله ما أغلظ لي نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في شيء منذ صحبته أشدّ ما أغلظ لي في شأن الكلالة، حتّى طعن بإصبعه في صدري، وقال: تكفيك آية الصّيف «4» الّتي نزلت في آخر سورة النّساء «5» ، وإنّي إن أعش فسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ، وإنّي أشهد الله على أمراء الأمصار، أنّي إنّما بعثتهم ليعلّموا النّاس دينهم، ويبيّنوا لهم سنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم ويرفعوا إليّ ما عمّي عليهم، ثمّ إنّكم أيّها النّاس تأكلون من شجرتين لا أراهما إلّا خبيثتين، هذا الثّوم والبصل. وايم الله لقد كنت أرى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يجد ريحهما من الرّجل فيأمر به فيؤخذ بيده فيخرج به من المسجد حتّى يؤتى به البقيع، فمن أكلهما لا بدّ فليمتهما طبخا، قال: فخطب النّاس يوم الجمعة وأصيب يوم الأربعاء» ) * «6» .
5-* (عن أبيّ بن كعب في قول الله- عزّ وجلّ- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «7» وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية، قال:
جمعهم فجعلهم أرواحا ثمّ صوّرهم فاستنطقهم فتكلّموا، ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم. قال: فإنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم- عليه السّلام- أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري،
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1392) .
(2) تحرفت في «المسند» بطبعته القديمة إلى «معبد» والصواب ما أثبتناه، وانظر «الجرح والتعديل» (8/ 404) .
(3) الكلالة: أن يموت الرجل ولا يدع والدا ولا ولدا يرثانه، فإن كان له أخت فلها نصف ما ترك وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين.
(4) آية الصيف: أي التي نزلت في الصيف.
(5) الآية/ 176 من سورة النساء وهي قوله: «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة.. إلى قوله: والله بكل شيء عليم.
(6) أحمد (1/ 15) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 192) : إسناده صحيح.
(7) هكذا وردت في مسند أحمد، وفي رواية حفص «ذرّيتهم» الآية 172 من سورة الأعراف.(8/3664)
فلا تشركوا بي شيئا، إنّي سأرسل إليكم رسلي، يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا:
شهدنا بأنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، فأقرّوا بذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم، فرأى الغنيّ والفقير، وحسن الصّورة، ودون ذلك، فقال: ربّ لولا سوّيت بين عبادك، قال: إنّي أحببت أن أشكر. ورأى الأنبياء فيهم مثل السّرج عليه النّور، خصّوا بميثاق آخر في الرّسالة والنّبوّة، وهو قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... إلى قوله: عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (الأحزاب/ 7) كان في تلك الأرواح فأرسله إلى مريم) * «1» .
6-* (قيل: «إذا أردت أن تعرف وفاء الرّجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوّقه إلى إخوانه، وكثرة بكائه على ما مضى من زمانه» ) * «2» .
7-* (قال الشّاعر:
تعجيل وعد المرء أكرومة ... تنشر عنه أطيب الذّكر
والحرّ لا يمطل معروفه ... ولا يليق المطل بالحرّ
) *
8-* (وقال آخر:
ولقد وعدت وأنت أكرم واعد ... لا خير في وعد بغير تمام
أنعم عليّ بما وعدت تكرّما ... فالمطل يذهب بهجة الإنعام
) * «3» .
9-* (وقال آخر:
وميعاد الكريم عليه دين ... فلا تزد الكريم على السّلام
يذكّره سلامك ما عليه ... ويغنيك السّلام عن الكلام
) * «4» .
10-* (وأنشدوا:
إذا قلت في شيء «نعم» فأتمّه ... فإنّ «نعم» دين على الحرّ واجب
وإلّا فقل «لا» تسترح وترح بها ... لئلّا يقول النّاس إنّك كاذب
) * 11-* (وقال آخر:
لا كلّف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلّا بما تجد
فلا تعد عدة إلّا وفيت بها ... واحذر خلاف مقال للّذي تعد
) * «5» .
12-* (وقال آخر:
اشدد يديك بمن بلوت وفاء ... إنّ الوفاء من الرّجال عزيز
) * «6» .
13-* (من قصص الوفاء: وأمّا الوفاء بالعهد ورعاية الذّمم: فقد نقل فيه من عجائب
__________
(1) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه (5/ 135) . ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه في تفاسيرهم من رواية ابن جعفر الرازي به.
(2) المستطرف (291) .
(3) المرجع السابق (1/ 286) .
(4) المرجع السابق (1/ 286) .
(5) المرجع السابق (1/ 285) .
(6) المرجع السابق (1/ 291) .(8/3665)
الوقائع، وغرائب البدائع، ما يطرب السّماع، ويشنّف المسامع، كقضيّة الطّائيّ وشريك، نديمي النّعمان بن المنذر. وتلخيص معناها أنّ النّعمان كان قد جعل له يومين: يوم بؤس، من صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم، من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه، وكان هذا الطّائيّ قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره، فأخرجته الفاقة من محلّ استقراره ليرتاد شيئا لصبيته وصغاره، فبينما هو كذلك إذ صادفه النّعمان في يوم بؤسه، فلمّا رآه الطّائيّ علم أنّه مقتول وأنّ دمه مطلول. فقال: حيّا الله الملك إنّ لي صبية صغارا، وأهلا جياعا، وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء من البلغة لهم، وقد أقدمني سوء الحظّ على الملك في هذا اليوم العبوس، وقد قربت من مقرّ الصّبية والأهل وهم على شفا تلف من الطّوى، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أوّل النّهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصّل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحيّ، لئلّا يهلكوا ضياعا ثمّ أعود إلى الملك وأسلّم نفسي لنفاذ أمره. فلمّا سمع النّعمان صورة مقاله، وفهم حقيقة حاله، ورأى تلهّفه على ضياع أطفاله، رقّ له ورثى لحاله، غير أنّه قال له: لا آذن لك حتّى يضمنك رجل معنا، فإن لم ترجع قتلناه، وكان شريك بن عديّ بن شرحبيل نديم النّعمان معه فالتفت الطّائيّ إلى شريك وقال له:
يا شريك بن عديّ ... ما من الموت انهزام
من لأطفال ضعاف ... عدموا طعم الطّعام
بين جوع وانتظار ... وافتقار وسقام
يا أخا كلّ كريم ... أنت من قوم كرام
يا أخا النّعمان جد لي ... بضمان والتزام
ولك الله بأنّي ... راجع قبل الظّلام
فقال شريك بن عديّ: أصلح الله الملك، عليّ ضمانه، فمرّ الطّائيّ مسرعا، وصار النّعمان يقول لشريك: إنّ صدر النّهار قد ولّى، ولم يرجع، وشريك يقول: ليس للملك عليّ سبيل حتّى يأتي المساء، فلمّا قرب المساء، قال النّعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهّب للقتل، فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلا، وأرجو أن يكون الطّائيّ، فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطّائيّ قد اشتدّ في عدوه وسيره مسرعا، حتّى وصل، فقال: خشيت أن ينقضي النّهار قبل وصولي، ثمّ وقف قائما، وقال: أيّها الملك، مر بأمرك فأطرق النّعمان ثمّ رفع رأسه وقال:
والله ما رأيت أعجب منكما، أمّا أنت يا طائيّ فما تركت لأحد في الوفاء مقاما يقوم فيه، ولا ذكرا يفتخر به، وأمّا أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة، ألا وإنّي قد رفعت يوم بؤسي عن النّاس، ونقضت عادتي، كرامة لوفاء الطّائيّ وكرم شريك. فقال الطّائيّ:
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي ... فعددت قولهم من الإضلال
إنّي امرؤ منّي الوفاء سجية ... وفعال كلّ مهذّب مفضال(8/3666)
فقال له النّعمان: ما حملك على الوفاء وفيه إتلاف نفسك، فقال: ديني، فمن لا وفاء فيه لا دين له، فأحسن إليه النّعمان ووصله بما أغناه وأعاده مكرّما إلى أهله وأناله ما تمنّاه) * «1» .
14-* (ومن ذلك ما حكي أنّ الخليفة المأمون، لمّا ولّى عبد الله بن طاهر بن الحسين مصر والشّام، وأطلق حكمه دخل على المأمون بعض إخوانه يوما فقال: يا أمير المؤمنين إنّ عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب، وهواه مع العلويّين، وكذلك كان أبوه قبله، فحصل عند المأمون شيء من كلام أخيه من جهة عبد الله بن طاهر، فتشوّش فكره وضاق صدره. فاستحضر شخصا وجعله في زيّ الزّهّاد، والنّسّاك الغزاة ودسّه إلى عبد الله بن طاهر وقال له:
امض إلى مصر، وخالط أهلها، وداخل كبراءها واستملهم إلى القاسم بن محمّد العلويّ، واذكر مناقبه، ثمّ بعد ذلك اجتمع ببعض بطانة عبد الله بن طاهر، ثمّ اجتمع بعبد الله بن طاهر بعد ذلك وادعه إلى القاسم بن محمّد العلويّ، واكشف باطنه، وابحث عن دفين نيّته وائتني بما تسمع. ففعل ذلك الرّجل ما أمره به المأمون، وتوجّه إلى مصر، ودعا جماعة من أهلها، ثمّ كتب ورقة لطيفة ودفعها إلى عبد الله بن طاهر وقت ركوبه، فلمّا نزل من الرّكوب وجلس في مجلسه، خرج الحاجب إليه وأدخله على عبد الله بن طاهر، وهو جالس وحده، فقال له: لقد فهمت ما قصدته، فهات ما عندك فقال: ولي الأمان؟ قال: نعم فأظهر له ما أراده ودعاه إلى القاسم بن محمّد. فقال له عبد الله، أو تنصفني فيما أقوله لك؟. قال نعم قال: فهل يجب شكر النّاس بعضهم لبعض عند الإحسان والمنّة؟ قال: نعم، قال: فيجب عليّ وأنا في هذه الحالة الّتي تراها من الحكم والنّعمة، والولاية، ولي خاتم في المشرق، وخاتم في المغرب، وأمري فيما بينهما مطاع، وقولي مقبول. ثمّ إنّي ألتفت يمينا وشمالا فأرى نعمة هذا الرّجل غامرة، وإحسانه فائضا عليّ، أفتدعوني إلى الكفر بهذه النّعمة، وتقول اغدر وجانب الوفاء، والله لو دعوتني إلى الجنّة عيانا لما غدرت ولما نكثت بيعته، وتركت الوفاء له. فسكت الرّجل فقال له عبد الله:
والله، ما أخاف إلّا على نفسك. فارحل من هذا البلد، فلمّا يئس الرّجل منه وكشف باطنه وسمع كلامه رجع إلى المأمون فأخبره بصورة الحال فسرّه ذلك، وزاد في إحسانه إليه، وضاعف إنعامه عليه» ) * «2» .
15-* (وممّا أسفرت عنه وجوه الأوراق، وأخبرت به الثّقات في الآفاق، وظهرت روايته بالشّام والعراق، وضرب به الأمثال في الوفاء بالاتّفاق، حديث السّموأل بن عاديا، وتلخيص معناه أنّ امرأ القيس الكنديّ، لما أراد المضيّ إلى قيصر ملك الرّوم، أودع عند السّموأل دروعا وسلاحا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة. فلمّا مات امرؤ القيس أرسل ملك كندة يطلب الدّروع والأسلحة المودعة عند السّموأل. فقال
__________
(1) المستطرف (1/ 287- 288) .
(2) المرجع السابق (1/ 288) .(8/3667)
السّموأل لا أدفعها إلّا لمستحقّها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده فأبى، وقال لا أغدر بذمّتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب عليّ. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السّموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السّموأل خارج الحصن فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرا ثمّ طاف حول الحصن وصاح بالسّموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلمّا رآه قال له: إنّ ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلّمت إليّ الدروع والسّلاح الّتي لامرىء القيس عندك، رحلت عنك وسلّمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيّهما شئت. فقال له السّموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت. فذبح ولده وهو ينظر. ثمّ لمّا عجز عن الحصن رجع خائبا، واحتسب السّموأل ذبح ولده وصبر، محافظة على وفائه. فلمّا جاء الموسم وحضر ورثة امرىء القيس سلّم إليهم الدّروع والسّلاح. ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحبّ إليه من حياة ولده وبقائه. فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسّموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السّموأل في الأوّل. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثّناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه» ) * «1» .
16-* (قال الشّاعر:
سقى الله أطلال الوفاء بكفّه ... فقد درست أعلامه ومنازله
) * «2» .
من فوائد (الوفاء)
(1) من أوفى بعهد الله من توحيده وإخلاص العبادة له، أوفى الله بعهده من توفيقه إلى الطّاعات وأسباب العبادات.
(2) الّذين يوفون بعهد الله، هم أولو الألباب وهم الّذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله فوعدهم أنّ لهم الجنّة ومن أوفى بعهده من الله؟
(3) مدح الله الموفين بعهودهم كثيرا في القرآن.
(4) الوفاء صفة أساسيّة في بنية المجتمع الإسلاميّ، حيث تشمل سائر المعاملات، إذ كلّ المعاملات والعلاقات الاجتماعيّة والوعود والعهود تتوقّف على الوفاء، فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثّقة، وساء التّعامل وساد التّنافر.
(5) من أهمّ الوفاء، الوفاء بالعهود من بيعة وبيع ودين ونذر وشروط تتعلّق بالمعاملات الماليّة والاجتماعيّة
(6) المسلم المتمسّك بالوفاء في كلّ أحواله يجد في نفسه سعادة عظيمة عندما يوفّي حقوق الله- عزّ وجلّ كاملة وحقوق إخوانه المسلمين. ولا ينسى حقّ أهله ونفسه عليه فيعطي كلّ ذي حقّ حقّه.
__________
(1) المستطرف (1/ 289) .
(2) المستطرف (1/ 289- 291) .(8/3668)
الوقار
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 4/ 12
الوقار لغة:
مصدر قولهم: وقر يقر وقارا وهو مأخوذ من مادّة (وق ر) الّتي تدلّ على ثقل في الشّيء، ومن ذلك الوقار: الحلم والرّزانة، ورجل ذو قرة أي وقور، ورجل موقّر: مجرّب، وقال الرّاغب: الوقار: السّكون والحلم، يقال: هو وقور ووقار، ومتوقّر، وفلان ذو قرة أي وقار، وقول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (الأحزاب/ 33) ، قيل: هو من الوقار، وقال بعضهم: هو من قولهم: وقرت أقر وقرا: أي جلست.
وقال الجوهريّ: الوقار: الحلم والرّزانة، وقد وقر الرّجل يقر وقارا وقرة إذا ثبت، فهو وقور، قال الرّاجز:
بكلّ أخلاق الرّجال قد مهر ... ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر
والتّوقير: التّعظيم والتّرزين، وقول الله تعالى:
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، أي لا تخافون لله عظمة، وفي الحديث: «لم يسبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكنّه بشيء وقر في القلب» ، وفي رواية، «لسرّ وقر في صدره أي سكن فيه وثبت، من الوقار والحلم والرّزانة، ويقال: الوقار، الحلم والسّكينة.
والوقار: الحلم والسّكينة والرّزانة والوداعة، وهو من باب وعد، تقول: وقر الرّجل يقر وقارا وقرة (بكسر أوّله) فهو وقور، ووقار، ووقر إذا ثبت. والمرأة أيضا وقور. والأمر منه قر (بكسر أوّله) .
وأمّا قولك: وقّر الرّجل: أي بجّله وعظّمه، ومنه قوله تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ «1» .
واصطلاحا:
هو التّأنّي في التّوجّه نحو المطالب «2» .
وقال الجاحظ: الوقار هو الإمساك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة، فيما يستغنى عن التّحرّك فيه، وقلّة الغضب، والإصغاء عند الاستفهام، والتّوقّف عن الجواب والتّحفّظ من التّسرّع، والمباكرة فى جميع الأمور «3» .
ماهية وقار الله عز وجل وثمرته:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «من أعظم الظّلم والجهل أن تطلب التّعظيم والتّوقير لك من النّاس وقلبك خال من تعظيم الله وتوقيره، فإنّك توقّر المخلوق وتجلّه أن يراك في حال لا توقّر الله أن يراك
__________
(1) الصحاح (2/ 848) ، لسان العرب (8/ 4889- 4891) ، مفردات القرآن (880) ، المصباح المنير (668) .
(2) التعريفات (205) وانظر التوقيف لابن المناوى (338) .
(3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (22) .(8/3669)