الخدّ لتطرّق النّقص إليه. ثمّ إنّ الإنسان لو ترقّى ونظر في ملكوت السّماوات والأرض وعجائبها لرأى ما يستحقر فيه عجائب بدنه، وكيف لا؟ وخلق السّماوات والأرض أكبر من خلق النّاس. هذا هو الطّريق لمعرفة هذا الاسم؛ لأنّ معرفة الأسامي المشتقّة من الأفعال لا تفهم إلّا بعد فهم الأفعال وأنت تعلم أنّ كلّ ما في الوجود من أفعال الله. فإذا كان الأمر كذلك فإنّ الواجب على العبد بعد إيمانه بأنّ الله عدل أنّه لا يعترض عليه في تدبيره وحكمه وسائر أفعاله، وافق مراده أم لم يوافق؛ لأنّ كلّ ذلك عدل، وتيقّنه أنّه لو لم يفعل- سبحانه وتعالى- ما فعله لحصل في الوجود أمر آخر هو أعظم ضررا ممّا حصل كما أنّ المريض لو لم يحتجم لتضرّر ضررا يزيد على ألم الحجامة «1» .
العدل اصطلاحا:
هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله- سبحانه وتعالى- وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا الحكم بالرّأي المجرّد «2» .
وقيل: بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقّين في حقوقهم «3» .
وقال ابن حزم: هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه «4» .
وقال الجرجانيّ: العدل الأمر المتوسّط بين الإفراط والتّفريط.
والعدالة في الشّريعة: عبارة عن الاستقامة على طريق الحقّ بالاجتناب ممّا هو محظور دينا «5» .
فضيلة العدل:
قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: العدل:
هو القسط على سواء، وعلى هذا روي: بالعدل قامت السّماوات والأرض، تنبيها على أنّه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.
أنواع العدل وأنحاؤه:
والعدل ضربان: مطلق يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، وكفّ الأذى عمّن كفّ أذاه عنك.
وعدل يعرف كونه عدلا بالشّرع. ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأرش الجنايات، وأخذ مال المرتدّ، ولذلك قال تعالى:
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (البقرة/ 194) ، وقال: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ 40) فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النّحو هو المعنيّ بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ 90 مكية) . فإنّ العدل هو المساواة في
__________
(1) بتصرف شديد من المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (98- 101) .
(2) فتح القدير (1/ 480) .
(3) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (253) .
(4) مداواة النفوس (81) .
(5) التعريفات للجرجاني (153) .(7/2792)
المكافأة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشّرّ بأقلّ منه «1» .
أقسام العدل وكيفية تحقيقها:
قال الماورديّ: إنّ ممّا تصلح به حال الدّنيا قاعدة العدل الشّامل، الّذي يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطّاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النّسل، ويأمن به السّلطان.
وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور؛ لأنّه ليس يقف على حدّ، ولا ينتهي إلى غاية، ولكلّ جزء منه قسط من الفساد حتّى يستكمل.
ونقل عن بعض البلغاء قوله: إنّ العدل ميزان الله الّذي وضعه للخلق، ونصبه للحقّ فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه، واستعن على العدل بخلّتين: قلّة الطّمع، وكثرة الورع. فإذا كان العدل من إحدى قواعد الدّنيا الّتي لا انتظام لها إلّا به، ولا صلاح فيها إلّا معه، وجب أن يبدأ بعدل الإنسان في نفسه، ثمّ بعدله في غيره. فأمّا عدله في نفسه، فيكون بحملها على المصالح وكفّها عن القبائح، ثمّ بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين: من تجاوز أو تقصير، فإنّ التّجاوز فيها جور، والتّقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها فهو على غيره أجور.
فأمّا عدله مع غيره، فقد تنقسم حال الإنسان مع غيره على ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: عدل الإنسان فيمن دونه، كالسّلطان في رعيّته، والرّئيس مع صحابته، فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء:
باتّباع الميسور، وحذف المعسور، وترك التّسلّط بالقوّة، وابتغاء الحقّ في السّيرة، فإنّ اتّباع الميسور أدوم، وحذف المعسور أسلم، وترك التّسلّط أعطف على المحبّة، وابتغاء الحقّ أبعث على النّصرة.
القسم الثّاني: عدل الإنسان مع من فوقه.
كالرّعيّة مع سلطانها، والصّحابة مع رئيسها، ويكون ذلك بثلاثة أشياء:
بإخلاص الطّاعة، وبذل النّصرة، وصدق الولاء؛ فإنّ إخلاص الطّاعة أجمع للشّمل، وبذل النّصرة أدفع للوهن، وصدق الولاء أنفى لسوء الظّنّ.
وهذه أمور إن لم تجتمع في المرء تسلّط عليه من كان يدفع عنه واضطرّ إلى اتّقاء من كان يقيه ... وفي استمرار هذا حلّ نظام شامل، وفساد صلاح شامل.
القسم الثّالث: عدل الإنسان مع أكفائه، ويكون بثلاثة أشياء: بترك الاستطالة، ومجانبة الإدلال، وكفّ الأذى؛ لأنّ ترك الاستطالة آلف، ومجانبة الإدلال أعطف، وكفّ الأذى أنصف، وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء، ففسدوا وأفسدوا.
وقد يتعلّق بهذه الطّبقات أمور خاصّة يكون العدل فيها بالتّوسّط في حالتي التّقصير والسّرف، لأنّ العدل مأخوذ من الاعتدال، فما جاوز الاعتدال فهو خروج عن العدل، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ كلّ ما خرج عن الأولى إلى ما ليس بأولى خروج عن العدل
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (4/ 28- 30) بتصرف يسير.(7/2793)
إلى ما ليس بالعدل.
ولست تجد فسادا إلّا وسبب نتيجته الخروج فيه عن حال العدل، إلى ما ليس بعدل من حالتي الزّيادة والنّقصان، وإذا لا شيء أنفع من العدل كما أنّه لا شيء أضرّ ممّا ليس بعدل «1» .
عدالة الشهود وعلاقتها بالمروءة:
قال بعض العلماء: والعدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عادة ظاهرا، فالمرّة الواحدة من صغائر الهفوات، وتحريف الكلام لا تخلّ بالمروءة ظاهرا لاحتمال الغلط والنّسيان والتّأويل، بخلاف ما إذا عرف منه ذلك وتكرّر، فيكون الظّاهر الإخلال، ويعتبر عرف كلّ شخص وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع، والشّراء وحمل الأمتعة، وغير ذلك، فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح وإلّا فلا «2» .
ثانيا: المساواة:
المساواة لغة:
مصدر قولهم: ساواه يساويه إذا عادله، قال الرّاغب: المساواة هي المعادلة المعتبرة بالذّرع والوزن والكيل، يقال: هذا الثّوب مساو لذاك الثّوب، وهذا الدّرهم مساو لذلك الدّرهم، (وهذا التّمر مساو لهذا التّمر) «3» ، وقد يعتبر بالكيفيّة، ولاعتبار المعادلة الّتي فيه (أي في لفظ السّواء) استعمل استعمال العدل، وتسوية الشّيء (بالشّيء) جعلهما سواء، إمّا بالرّفعة وإمّا بالضّعة، والسّويّ: يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط من حيث القدر والكيفيّة «4» .
وقال ابن منظور: سواء الشّيء مثله، وجمعه أسواء، قال الشّاعر:
النّاس أسواء وشتّى في الشّيم
ويقال أيضا: سيّ الشّيء- كما يقال عدّه وعديده أي مثله، وسوى (بالقصر) يكون بمعنيين: يكون بمعنى نفس الشّيء، وبمعنى غير، وقولهم: سواسية، وسواس وسواسوة، كلّها جمع سواء من غير لفظه، وهم سواسية إذا استووا في اللّؤم والخسّة والشّرّ «5» ، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «النّاس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا» فالمعنى كما قال ابن الأثير: إنّهم يتساوون إذا رضوا بالنّقص وتركوا التّنافس في طلب الفضائل، وقد يكون ذلك خاصّا في الجهل، وذلك أنّ النّاس لا يتساوون في العلم، وإنّما في الجهل، وقيل أراد بالتّساوي: التحزّب والتّفرّق» «6» وقال ابن منظور:
وأصل هذا التّساوي في الشّرّ لأنّ الخير إمّا يكون في
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (141- 144) بتصرف.
(2) المصباح المنير (2/ 44- 45) ، وانظر لسان العرب (5/ 2838- 2839) .
(3) أضفنا هذا المثال إلى ما ذكره الراغب حتى تكتمل أمثلة الذرع والوزن والكيل.
(4) المفردات للراغب (باختصار وتصرف) ص 366- 367 (ت: محمد أبي الفضل) .
(5) لسان العرب 14/ 410 (ط. بيروت) ، كذا قال ابن منظور نقلا عن أبي عمرو، ويبدو أن ذلك من باب التغليب، وإلا فما المانع من أن يكون الناس سواسية في الخير أيضا.
(6) باختصار عن النهاية 2/ 427.(7/2794)
النّادر من النّاس، فإذا استوى النّاس في الشّرّ ولم يكن فيهم ذو خير هلكوا «1» .
وقال الفيروز اباديّ: يقال: استوى الشّيئان، وتساويا (تماثلا) وساوى أحدهما صاحبه، وساوى بين الشّيئين، وسوّى بينهما، وساويت هذا بهذا وسوّيته به «2» . وهما سيّان أي مثلان، ولا سيّما زيد أي لا مثيل زيد و «ما» زائدة «3» وفلان وفلان سواء أي متساويان «4» .
لفظ سواء في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ «السّواء» في القرآن الكريم على خمسة أوجه:
1- المعادلة والمماثلة، ومنه قوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ... (الحج/ 25) .
2- العدل، ومنه قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ 64) .
3- الوسط، ومنه قوله عزّ من قائل: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (الدخان/ 47) .
4- الأمر البيّن ومنه قوله عزّ وجلّ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ (الأنبياء/ 109) .
5- القصد، ومنه قوله تعالى وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (المائدة/ 77) «5» .
المساواة اصطلاحا:
تعني المساواة- في المجال الأخلاقيّ- أن يكون للمرء مثل ما لأخيه من الحقوق وعليه مثل ما عليه من الواجبات دون زيادة أو نقصان. قال ابن مسكويه «وأقلّ ما تكون المساواة بين اثنين، ولكنّها تكون في معاملة مشتركة بينهما في شيء ما أو أكثر» «6» .
والمساواة قيمة لا تنقسم ولا يوجد لها أنواع، وهي أشرف نسب العلاقات بين الأشياء، لأنّها هي المثل بالحقيقة «7» » أي أنّها تجعل كلا طرفيها للآخر سواء بسواء.
الفرق بين العدالة والمساواة:
المساواة هي الغاية الّتي تسعى العدالة إلى تحقيقها، وهي الغاية المرجوّة منها، والعادل- في مجال الحكم- هو الحاكم بالسّويّة لأنّه يخلف صاحب الشّريعة في حفظ المساواة «8» ، ومن هنا فقد جاء في تعريف العدل أنّه القسط اللّازم للاستواء «9» (أي لتحقيق المساواة بين الطّرفين دون زيادة أو نقصان) ، وإذا كانت العدالة خلقا فإنّ المساواة قيمة وهدف.
ولمّا كانت العدالة خلقا أو هيئة نفسانيّة تصدر عنها المساواة فقد اقترن الأمران وارتبطا ارتباطا وثيقا
__________
(1) لسان العرب 14/ 409، وقد نقل هذا الرأي عن الأزهري وذكره أيضا الرازي في مختار الصحاح. انظر مختار الصحاح ص 324.
(2) بصائر ذوي التمييز 3/ 284.
(3) القاموس المحيط 1673 (ط. بيروت) ، وفي الأصل «وما» لغو والمراد ما أثبتناه وهي كونها زائدة لإفادة توكيد المثلية وقيل اسم موصول.
(4) لسان العرب 14/ 411.
(5) نزهة الأعين النواظر ص 361.
(6) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 105.
(7) المرجع السابق، ص 93.
(8) المرجع السابق، ص 98.
(9) تهذيب الأخلاق للجاحظ، ص 28.(7/2795)
لأنّ العادل من شأنه أن يساوي بين الأشياء الّتي هي غير متساوية، لمّا كان الأمر كذلك فإنّ كليهما قد يستعمل استعمال الآخر تسامحا «1» ، ولكنّهما غالبا ما يستعملان معا.
من صور المساواة في الإسلام:
للمساواة في الإسلام صور عديدة فصّلها الشّرع الحكيم، وأشرنا إلى بعضها في «تكريم الإنسان» «2» ، ومنها:
- المساواة بين الرّجل والمرأة في أداء الواجبات الشّرعيّة والإثابة عليها.
- المساواة بين الزّوجات في حقوق الزّوجيّة (في حالة التّعدّد) .
- المساواة بين الأجناس والأعراق في التّمتّع بالحقوق المشروعة لكلّ منهم.
- المساواة بين الأبناء في الهبة والوصيّة ونحوهما.
- المساواة بين الخصوم في مجالس القضاء وفي سماع الحجّة منهم والقصاص من المعتدي أيّا كانت منزلته.
- المساواة في حقّ الكرامة الإنسانيّة، فلا يؤذى أحد بسبب لونه أو جنسه أو مذهبه أو عقيدته.
- المساواة في حقّ إبداء الرّأي من المسلم وغير المسلم قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ 64) .
- المساواة في حرمة الدّماء والأموال والأعراض.
- المساواة في إيقاع الجزاء بكلّ من ينتهك حدّا من حدود الله، فلا يعفى أحد من العقوبة لشرفه أو قرابته من الحاكم فتلك الّتي أهلكت الأمم السّابقة، أمّا في الإسلام فلا أدلّ على المساواة الكاملة في هذه النّاحية من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» «3» .
- المساواة في نيل الجزاء في الدّنيا والثّواب في الآخرة لكلّ من يعمل عملا صالحا.
- المساواة بين المسلمين في الحضور لأماكن العبادة كالمسجد الحرام وغيره.
[للاستزادة: انظر صفات: الحكم بما أنزل الله- الاتباع- الإنصاف- القسط- المروءة- الإحسان- تكريم الإنسان- التناصر- المسئولية- السلم- المراقبة- الأمانة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحكم بغير ما أنزل الله- الظلم- انتهاك الحرمات- البغي- التطفيف- العدوان- الطغيان- اتباع الهوى- الحرب والمحاربة- العتو] .
__________
(1) انظر مثلا قول ابن مسكويه «لا تخرج أفعال المراعي للشريعة عن سنن العدل أعني المساواة» انظر تهذيب الأخلاق، ص 107.
(2) انظر صفة تكريم الإنسان ج 4 ص 1147 من هذه الموسوعة.
(3) البخاري- الفتح 12/ (6788) ، ومسلم (1688) ، وانظر نص الحديث تامّا في صفة «السرقة» ج 10 ص 4630.(7/2796)
الآيات الواردة في «العدل والمساواة»
أولا: العدل:
آيات العدل فيها عام:
1- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(115) «1»
2- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «2»
3-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «3»
4- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «4»
آيات العدل فيها في الشهادة
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «5»
__________
(1) الأنعام: 114 مدنية، 115 مكية
(2) النحل: 76 مكية
(3) النحل: 90 مكية
(4) الشورى: 15 مكية
(5) البقرة: 282 مدنية(7/2797)
6-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «1»
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «2»
8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «3»
9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1)
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «4» .
آيات العدل فيها في الحكم:
10-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «5» .
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «6»
12-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
__________
(1) النساء: 135 مدنية
(2) المائدة: 8 مدنية
(3) المائدة: 106 مدنية
(4) الطلاق: 1- 2 مدنية
(5) النساء: 58 مدنية
(6) المائدة: 95 مدنية(7/2798)
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152) «1»
13- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «2»
ثانيا: المساواة:
أ- بين المسلمين وغيرهم:
14- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «3»
15- وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) «4»
16- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) «5»
17- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «6»
آيات العدل فيها فيمن تحت الولاية من اليتامى والنساء:
18- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «7»
19- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «8»
__________
(1) الأنعام: 151- 152 مدنية
(2) الحجرات: 9 مدنية
(3) آل عمران: 64 مدنية
(4) الأنفال: 58 مدنية
(5) الأنبياء: 109 مكية
(6) الحجرات: 13 مدنية
(7) النساء: 3 مدنية
(8) النساء: 129 مدنية(7/2799)
ب- بين الرجل والمرأة (ثوابا وعقابا) :
20- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «1»
21- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «2» .
22- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «3»
23- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) «4»
24- الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) «5»
25- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «6»
26- وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) «7»
27- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «8»
وانظر صفة (القسط)
__________
(1) آل عمران: 195 مدنية
(2) النساء: 124 مدنية
(3) التوبة: 71- 72 مدنية
(4) النحل: 97 مكية
(5) النور: 2 مدنية
(6) الأحزاب: 35 مدنية
(7) الأحزاب: 58 مدنية
(8) غافر: 40 مكية(7/2800)
الأحاديث الواردة في (العدل)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإنّ الله- عزّ وجلّ- محسن يحبّ المحسنين» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن- عزّ وجلّ- وكلتا يديه يمين، الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ) * «2» .
3-* (عن عامر قال: سمعت النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطيّة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى يشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطيّة، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟» . قال: لا، قال «فاتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم» قال: فرجع فردّ عطيّته) * «3» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّ النّاس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسا: إمام عادل، وأبغض النّاس إلى الله، وأبعدهم منه مجلسا: إمام جائر» ) * «4» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة. فإذا أوصى حاف في وصيّته فيختم له بشرّ عمله، فيدخل النّار، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنة. فيعدل في وصيّته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنّة» قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ (النساء/ 13- 14) * «5» .
6-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة، وما هي؟» . فناديت بأعلى صوتي ثلاث
__________
(1) مجمع الزوائد (5/ 197) واللفظ له وقال: رواه الطبرانى في الأوسط ورجاله ثقات. وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 194) وقال: حسن وكذلك في الصحيحة برقم (469) .
(2) مسلم (1827) واللفظ له. والنسائي (8/ 221، 222) وقال الألباني في صحيحه: صحيح، حديث رقم (4972) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2587) .
(4) الترمذي (1329) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب وذكره في المشكاة وعزاه للترمذي ونقل كلامه (2/ 1094) ، وذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 65) وعزاه لمسند الإمام أحمد. وهو فيه بلفط قريب (3/ 22، 55) . وقد حسنه السيوطي في الجامع الصغير (2174) ، ونقل المناوي عن ابن القطان قوله: الحديث حسن.. (فيض القدير 2/ 411) .
(5) أبو داود (2867) والترمذي (2117) وقال: حسن صحيح غريب وابن ماجة (2704) واللفظ له.(7/2801)
مرّات: وما هي يا رسول الله؟ قال: «أوّلها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلّا من عدل، وكيف يعدل مع قرابته؟» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لي على قريش حقّا، وإنّ لقريش عليكم حقّا ما حكموا فعدلوا، وائتمنوا فأدّوا، واسترحموا فرحموا» ) * «2» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) * «3» .
9-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم) * «4» .
10-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسّم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل. قال: «لقد شقيت إن لم أعدل» ) * «5» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث كفّارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات. فأمّا الكفّارات: فإسباغ الوضوء في السبرات «6» ، وانتظار الصّلوات بعد الصّلوات، ونقل الأقدام إلى الجماعات. وأمّا الدّرجات: فإطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، والصّلاة باللّيل والنّاس نيام. وأمّا المنجيات:
فالعدل في الغضب والرّضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّر والعلانية. وأمّا المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» ) * «7» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم، الإمام العادل، والصّائم حتّى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السّماء ويقول: بعزّتي، لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «8» .
__________
(1) مجمع الزوائد (5/ 200) واللفظ له، وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ورجال الكبير رجال الصحيح وهو عند البزار (2/ 236) حديث (1597) .
(2) المسند (2/ 270) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (14/ 72) وهو في المجمع (5/ 192) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.
(3) الترمذى (2174) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب وأبو داود (4344) وذكره المنذرى في المختصر وأشار إلى تحسين الترمذي (6/ 191) . وابن ماجة (4011) وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 806) حديث (491) .
(4) النسائي (7/ 139) واللفظ له، وصحيح النسائي للألباني (3872) ، وابن ماجة (2866) بلفظ «وعلى أن نقول بالحق» بدل العدل.
(5) البخاري- الفتح 6 (3138) واللفظ له، ومسلم (1063) .
(6) السبرات: جمع سبرة وهي شدة البرد.
(7) كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 59، 60) : (80) ومجمع الزوائد (1/ 91) واللفظ له، وعزاه كذلك للطبراني في الأوسط وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 67) : (3041) وقال: حسن من حديث ابن عمر وهو في الصحيحة (4/ 412) : (1802) فانظره هناك.
(8) الترمذي (3598) وقال: حديث حسن. وأحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (15/ 187) (8030) وقال: صحيح، وهو أطول من هذا. وابن ماجة (1752) واللفظ له. وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله على شرط البخاري إلا إسحاق بن عبيد الله بن الحارث وهو ثقة، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 219) وعزاه لأحمد في مسنده وسنن الترمذي والنسائى وابن ماجة.(7/2802)
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله- تعالى- في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» .
14-* (عن حسين بن الحارث الجدليّ، من جديلة قيس، أنّ أمير مكّة خطب ثمّ قال: عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ننسك للرّؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، قال أبو مالك الأشجعيّ: فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكّة؟ قال: لا أدري ثمّ لقيني بعد، فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمّد بن حاطب. ثمّ قال الأمير: إنّ فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منّي وشهد هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأومأ بيده إلى رجل، فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الّذي أومأ إليه الأمير، قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق، وكان أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة، «3» كلّ يوم تطلع فيه الشّمس يعدل بين النّاس صدقة» ) * «4» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم حنين آثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أناسا في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فاثرهم يومئذ في القسمة. قال رجل: والله إنّ هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته فأخبرته.
فقال: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى. فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «5» .
17-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا منّي أو من أهل بيتي، يواطأ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) .
(2) أبو داود (2338) واللفظ له. قال المنذري: قال الدارقطني: هذا إسناد متصل صحيح، ومختصر سنن أبي داود (3/ 226) . والمسند الجامع (5/ 28) . وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 274) : إسناده صحيح.
(3) قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 132) : المعنى على كل مسلم مكلّف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى على سبيل الشكر له بأن جعل عظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي.
(4) البخاري- الفتح 5 (2707) واللفظ له، ومسلم (1009) بأطول من هذا وفيه «وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» .
(5) البخاري- الفتح 6 (3150) واللفظ له، ومسلم (1062) .(7/2803)
وجورا» ) * «1» .
18-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن، فقال: اللهمّ إنّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا» . قال فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلّمه؟. فقال:
«بلى، ينبغي لمن سمعه أن يتعلّمه» ) * «2» .
19-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصاب حدّا فعجّل الله عقوبته في الدّنيا فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه» ) * «3» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه، ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره؛ فإنّ عليه منه» ) * «4» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله، لينزلنّ ابن مريم حكما عدلا. فليكسرنّ الصّليب، وليقتلنّ الخنزير.
وليضعنّ الجزية. ولتتركنّ القلاص «5» فلا يسعى عليها. ولتذهبنّ الشّحناء والتّباغض والتّحاسد، وليدعونّ إلى المال فلا يقبله أحد» ) * «6» .
22-* (عن إبراهيم بن عبد الرّحمن العذريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ) * «7» .
__________
(1) الترمذي (2230) وقال: حسن صحيح، وأبو داود- (4282) وهذا لفظه، وذكره الألباني في صحيح الجامع (3/ 70- 71) رقم (5180) وقال: صحيح.
(2) أحمد في المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (5/ 3712- 3713) واللفظ له. وقال: إسناده صحيح، وذكره الألباني في صحيح الكلم الطيب (74) حديث (123) وقال: صحيح، والحاكم (1/ 509- 510) وقال: صحيح على شرط مسلم وعزاه ابن تيمية في الأصل إلى أحمد وابن حبان.
(3) الترمذي (2626) ، وقال: حسن غريب صحيح، هذا قول أهل العلم، لا نعلم أحدا كفر أحدا بالزنا أو السرقة أو شرب الخمر. وابن ماجه (2604) ، وصححه الحاكم وأقره الذهبي في مواضع من المستدرك (1/ 7، 4/ 445، 4/ 262، 388، وذكره البيهقي أيضا في (8/ 328) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له، ومسلم (1841) .
(5) القلاص: جمع قلوص، وهي من أشرف الإبل.
(6) البخاري- الفتح 6 (3448) ومسلم (155) واللفظ له.
(7) رواه البيهقي في «المدخل» إلا أن الحديث مرسل لأن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري تابعي لا صحابي وفي وصلته كلام: ينظر هامش الحديث رقم (248) من مشكاة المصابيح بتحقيق الألباني (1/ 82- 83) . وشرف أصحاب الحديث للبغدادي (29) حديث رقم (55، 56) .(7/2804)
الأحاديث الواردة في (العدل) معنى
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار «1» في عقاره جرّة «2» فيها ذهب. فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذّهب. فقال الّذي شرى الأرض «3» ، إنّما بعتك الأرض وما فيها. قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد، فقال أحدهما: لي غلام.
وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدّقا» ) * «4» .
24-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن فقلت: تبعثني إلى قوم ذوي أسنان، وأنا حديث السّنّ. قال: «إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل» قال عليّ: فما زلت قاضيا) * «5» .
25-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «6» في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» ) * «7» .
26-* (عن هانىء بن يزيد بن نهيك- رضي الله عنه- قال: إنّه لمّا وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع قومه سمعهم وهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «إنّ الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنّى أبا الحكم؟» فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحسن هذا! فمالك من الولد؟» قال: لي شريح وعبد الله. قال: «فمن أكبرهم. قال: شريح، قال: «فأنت أبو شريح» ) * «8» .
27-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «9» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك،
__________
(1) العقار: الأرض وما يتصل بها.
(2) الجرة: إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع ذكره فى المشكاة (1/ 82) رقم (248) وقال الألباني: صحيح.
(3) شرى الأرض: أي باعها.
(4) البخاري- الفتح 6 (3472) ، ومسلم (1721) واللفظ له.
(5) الحاكم (4/ 93) . وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(6) أرملوا في الغزو: أي فني طعامهم.
(7) البخاري- الفتح 5 (2486) ومسلم (2500) .
(8) أبو داود (4955) واللفظ له وقال الألبانى فى صحيحه: صحيح، رقم (4980) والبيهقي في السنن (10/ 145)
(9) اجتالتهم: استخفوهم فذهبوا بهم.(7/2805)
وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «1» ، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت:
ربّ، إذا يثلغوا رأسي «2» فيدعوه خبزة. قال:
استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «3» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير «4» الفحّاش» ) * «5» .
28-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته، فالأمير الّذي على النّاس راع، وهو مسئول عن رعيّته، والرّجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيّده وهو مسئول عنه، ألا فكلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته» ) * «6» .
29-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله! ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: «إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الآخركما سمعت من الأوّل، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» قال: فمازلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد» ) * «7» .
30-* (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم، فهو في النّار، ورجل قضى للنّاس على جهل، فهو في النّار» ) * «8» .
31-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ،
__________
(1) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مرّ الزمان، فهو كناية عن الثبات، ولا يراد أن الماء لا يمحو ما كتب منه.
(2) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(3) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي.
(4) الشنظير: السيء الخلق.
(5) مسلم (2865) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7138) ومسلم (1829) واللفظ له.
(7) أبو داود (3582) واللفظ له، وأحمد (1/ 111) وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند: صحيح، رقم (666) ، والحاكم (4/ 88) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الألباني: صحيح، إرواء الغليل (8/ 226) رقم (2500) .
(8) أبو داود (3573) واللفظ له. والحاكم (4/ 90) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال محقق جامع الأصول: حديث صحيح وعزاه كذلك للطبراني وأبي يعلى من حديث ابن عمر (10/ 167) .(7/2806)
فأرسل إليه، فجاء على حمار، فلمّا بلغ قريبا من المسجد، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى خيركم، أو سيّدكم» . فقال:
«يا سعد، إنّ هؤلاء نزلوا على حكمك» . قال: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم. قال:
«حكمت بحكم الله، أو بحكم الملك» ) * «1» .
32-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أمّرني قال: «الإمارة أمانة، وهي يوم القيامة خزي وندامة، إلّا من أمر بحقّ وأدّى بالحقّ عليه فيها» ) * «2» .
33-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلّا أتى الله- عزّ وجلّ- مغلولا يوم القيامة، يده إلى عنقه، فكّه برّه، أو أوبقة إثمه، أوّلها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة» ) * «3» .
34-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّس الله أمّة لا يقضى فيها بالحقّ، ويأخذ الضّعيف حقّه من القويّ غير متعتع» ) * «4» .
35-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه-: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ) * «5» .
36-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟.
فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك؟
فيقول: محمّد وأمّته. فيشهدون أنّه قد بلّغ، ويكون الرّسول عليكم شهيدا، فذلك قوله- جلّ ذكره- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «6» لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (البقرة/ 143) » والوسط العدل) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3804) واللفظ له، ومسلم (1768) .
(2) الحاكم (4/ 92) وقال الذهبي: صحيح.
(3) أحمد (5/ 267) واللفظ له، وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني وفيه يزيد بن أبي مالك وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات (5/ 205) .
(4) الطبراني الكبير (19/ 385) : (903) ، (19/ 387) : (908) ومجمع الزوائد (5/ 209) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(5) البخاري- الفتح 13 (7158) واللفظ له، ومسلم (1717) .
(6) الوسط: العدل.
(7) البخاري- الفتح 8 (4487) .(7/2807)
الأحاديث الواردة في (المساواة)
37-* (عن أبي حسّان (الأعرج) أنّ عليّا كان يأمر بالأمر فيؤتى، فيقال: فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: إنّ هذا الّذي تقول: قد تفشّغ «1» في النّاس، أفشيء عهده إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال عليّ: ما عهد إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء خاصّة دون النّاس، إلّا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم يزالوا به حتّى أخرج الصّحيفة فإذا فيها: من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.. وإذا فيها:
المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده» «2» .
38-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّتهم المرأة المخزوميّة الّتي سرقت فقالوا:
من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجترأ عليه إلّا أسامة حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟» ثمّ قام فخطب فقال: «يا أيّها النّاس، إنّما ضلّ من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشّريف تركوه، وإذا سرق الضّعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع محمّد يدها» ) * «3» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أذهب الله عنكم عبّيّة الجاهليّة «4» وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، والنّاس بنو آدم، وآدم من تراب» ) * «5» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التّقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرّات) بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «6» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «7» .
__________
(1) تفشّغ: أي فشا وانتشر.
(2) المسند 2/ 598، حديث رقم 959، قال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح.
(3) البخاري- الفتح 12 (6788) ، واللفظ له. ومسلم (1688) .
(4) عبية الجاهلية: المراد به الكبر. وقال ابن الأثير هي فعّولة أو فعّيلة، فإن كانت فعّولة فهي من التّعبية؛ لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية، خلاف من يسترسل على سجيته، وإن كانت فعّيلة فهي من
عباب الماء وهو أوله وارتفاعه، وقيل: إن اللام قلبت ياء. النهاية 3/ 169.
(5) أبو داود (5116) . والترمذي (3965) وحسنه الألباني (صحيح الترمذي: 3101) .
(6) مسلم (2564) .
(7) مسلم (2564) .(7/2808)
42-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت هذه الآية: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (المائدة/ 42) قال: كان بنو النّضير إذا قتلوا من بني قريظة أدّوا نصف الدّية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النّضير أدّوا إليهم الدّية كاملة، فسوّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهم» ) * «1» .
43-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنّ الخصمين يقعدان بين يدي الحكم» ) * «2» .
44-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- «أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة، ثمّ بدا له، فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟ «قال: لا. قال «فلا تشهدني إذا، فإنّي لا أشهد على جور» ) * «3» .
45-* (عن النّعمان بن بشير، قال: انطلق به أبوه يحمله إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: اشهد أنّي قد نحلت النّعمان من مالي كذا وكذا. قال، «فكلّ بنيك نحلت مثل الّذي نحلت النّعمان؟ «قال: لا. قال: فأشهد على هذا غيري» قال: أليس يسرّك أن يكونوا لك في البرّ سواء؟ قال: بلى. قال «فلا إذا» ) * «4» .
46-* (عن ابن عبّاس، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، ويردّ على أقصاهم» ) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العدل والمساواة)
47-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: يا ابن أختي (لعروة بن الزّبير) كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يفضّل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قلّ يوم إلّا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس حتّى يبلغ إلى الّتي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنّت، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها قالت: تقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها- أراه قال- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ...
(النساء/ 128) » ) * «6» .
48-* (عن عائشة- رضي الله عنها-
__________
(1) أبو داود 3 (3591) ، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3062) : حسن صحيح الإسناد، وهو في النسائي برقم (4733) ، وذكره الألباني في صحيحه أيضا.
(2) أبو داود 3 (3588) .
(3) مسلم (1623) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2650) ، والنسائي (4411) .
(5) سنن ابن ماجه 2 (2683) .
(6) أبو داود (2135) واللفظ له، وقال محققا زاد المعاد: سنده حسن «زاد المعاد» (5/ 150) .(7/2809)
قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم فيعدل، ويقول: «اللهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني القلب) *) * «1» .
49-* (عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرّحمن عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين تزوّج أمّ سلمة- رضي الله عنها- قال لها: «ليس بك على أهلك هوان. إن شئت سبّعت عندك. وإن شئت ثلّثت، ثمّ درت» قالت: ثلّث» ) * «2» .
50-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته «3» من بعض فأقضي له على نحو ممّا أسمع منه، فمن قطعت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له به قطعة من النّار» ) * «4» .
51-* (عن سويد بن قيس، قال: جلبت أنا ومخرفة العبد بزّا من هجر، فأتينا به مكّة، فجاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فساومنا سراويل وعندنا وزّان يزن بالأجر، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا وزّان، زن وأرجح» ) * «5» .
52-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة، فخرجتا معه جميعا. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان باللّيل سار مع عائشة يتحدّث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين اللّيلة بعيري، وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟
قالت: بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة. فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة، وعليه حفصة، فسلّم ثمّ سار معها حتّى نزلوا فافتقدته عائشة فغارت. فلمّا نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر «6» وتقول: يا ربّ سلّط عليّ عقربا أو حيّة تلدغني، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئا) * «7» .
53-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمّها، وجعل فيها الطّعام وقال: «كلوا» وحبس الرّسول والقصعة حتّى فرغوا، فدفع القصعة الصّحيحة، وحبس المكسورة) * «8» .
__________
(1) أبو داود (2134) واللفظ له، والترمذي (1140) والنسائي (7/ 64) وابن ماجة (1971) والبيهقي (7/ 298) وأحمد (6/ 144) موصولا، والحاكم (2/ 187) ، وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وابن حبان فى صحيحه كما في الإحسان (6/ 203) وقال محققا زاد المعاد: إسناد ابن ماجة قوي (5/ 149) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 514) : وهو حديث صحيح.
(2) مسلم (1460) .
(3) ألحن بحجته (أبلغ وأعلم بحجته) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2680) مسلم (1713) واللفظ له.
(5) الترمذي (1305) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3336) والنسائي (7/ 284) وقال الشيخ الألباني في صحيحه: صحيح (4279) : (2/ 951) وابن ماجة (2220) واللفظ له.
(6) الإذخر: حشيش طيب الريح.
(7) البخاري- الفتح 9 (5211) ومسلم (2445) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 5 (2481) .(7/2810)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العدل والمساواة)
1-* (قدم على عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- رجل من أهل العراق فقال: لقد جئتك لأمر ماله رأس ولا ذنب، فقال عمر- رضي الله عنه-:
«ما هو؟» . قال: شهادات الزّور ظهرت بأرضنا. فقال عمر: «أو قد كان ذلك؟» . قال: نعم. فقال عمر: «والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول» ) * «1» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«إنّ الله إنّما ضرب لكم الأمثال، وصرّف لكم القول لتحيا القلوب، فإنّ القلوب ميّتة في صدورها حتّى يحييها الله، من علم شيئا فلينفع به، إنّ للعدل أمارات وتباشير، فأمّا الأمارات فالحياء والسّخاء والهين واللّين. وأمّا التّباشير فالرّحمة. وقد جعل الله لكلّ أمر بابا، ويسّر لكلّ باب مفتاحا، فباب العدل الاعتبار، ومفتاحه الزّهد، والاعتبار ذكر الموت والاستعداد بتقديم الأموال. والزّهد أخذ الحقّ من كلّ أحد قبله حقّ، والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء ... » ) * «2» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
أنّه خطب يوم الجمعة فذكر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذكر أبا بكر.
قال: «إنّي رأيت كأنّ ديكا نقرني ثلاث نقرات، وإنّي لا أراه إلّا حضور أجلي، وإنّ أقواما يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه ولا خلافته، ولا الّذي بعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة، الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، وإنّي قد علمت أنّ أقواما يطعنون في هذا الأمر. أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام.
فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلّال. ثمّ إنّي لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة. ما راجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شيء، ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه. حتّى طعن بأصبعه في صدري» ، فقال: «يا عمر، ألا تكفيك آية الصّيف الّتي في آخر سورة النّساء» وهي قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (النساء/ 176) ؟ وإنّي إن أعش أقض فيها بقضيّة يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. ثمّ قال: «اللهمّ إنّي أشهدك على أمراء الأمصار. وإنّي بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلّموا النّاس دينهم، وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم، ثمّ إنّكم أيّها النّاس تأكلون شجرتين لا أراهما إلّا خبيثتين. هذا البصل والثّوم، لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع. فمن أكلهما فليمتهما طبخا» ) * «3» .
4-* (كتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ
__________
(1) الموطأ (2/ 199) .
(2) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 37) .
(3) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 37) .(7/2811)
- رضي الله عنهما- أنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك فإنّه لا ينفع تكلّم حقّ لا نفاذ له، وآس بين النّاس في وجهك ومجلسك وقضائك حتّى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر. والصّلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا، ومن ادّعى حقّا غائبا، أو بيّنة فاضرب له أمدا ينتهي إليه؛ فإن جاء ببيّنة أعطيته بحقّه فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضيّة؛ فإنّ ذلك أبلغ في العذر، وأجلى للعمى، ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه لرأيك، وهديت فيه لرشدك، أن تراجع الحقّ؛ لأنّ الحقّ قديم لا يبطل الحقّ شيء، ومراجعة الحقّ خير من التّمادي في الباطل، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشّهادة إلّا مجلود في حدّ، أو مجرّب عليه شهادة الزّور، أو ظنين في ولاء أو قرابة، فإنّ الله- عزّ وجلّ- تولّى من العباد السّرائر وستر عليهم الحدود إلّا بالبيّنات والأيمان، ثمّ الفهم الفهم فيما أدلي إليك ممّا ليس في قرآن ولا سنّة، ثمّ قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال والأشباه، ثمّ اعمد إلى أحبّها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحقّ، وإيّاك والغضب والقلق والضّجر والتّأذّي بالنّاس عند الخصومة والتّنكّر؛ فإنّ القضاء في مواطن الحقّ يوجب الله له الأجر، ويحسن به الذّخر، فمن خلصت نيّته في الحقّ ولو كان على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين النّاس، ومن تزيّن لهم بما ليس في قلبه شانه الله، فإنّ الله- تبارك وتعالى- لا يقبل من العباد إلّا ما كان له خالصا، وما ظنّك بثواب من عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته) * «1» .
5-* (عن خرشة بن الحرّ قال: شهد رجل عند عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- بشهادة فقال له: لست أعرفك، ولا يضرّك أن لا أعرفك، إئت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأيّ شىء تعرفه؟. قال: بالعدالة والفضل. فقال: فهو جارك الأدنى الّذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: فمعاملك بالدّيا نار والدّرهم اللّذين بهما يستدلّ على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السّفر الّذي يستدلّ به على مكارم الأخلاق؟ قال:
لا. قال: لست تعرفه، ثمّ قال للرّجل: إئت بمن يعرفك» ) * «2» .
6-* (عن عمرو بن ميمون قال: «رأيت عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة. ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ قال: حمّلناها أمرا هي له مطيقة.
ما فيها كبير فضل قال: انظرا أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: لا. فقال عمر: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا. قال: فما أتت عليه إلّا رابعة حتّى أصيب. قال:
__________
(1) السنن الكبرى للبيهقي (10/ 253) .
(2) سنن البيهقي (10/ 125- 126) .. وذكره الألباني في الإرواء (8/ 260) برقم (2637) وقال: صحيح.(7/2812)
إنّي لقائم، ما بيني وبينه إلّا عبد الله بن عبّاس غداة أصيب- وكان إذا مرّ بين الصّفّين قال: استووا، حتّى إذا لم ير فيهم خللا تقدّم فكبّر، وربّما قرأ سورة يوسف أو النّحل أو نحو ذلك في الرّكعة الأولى حتّى يجتمع النّاس- فما هو إلّا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني- الكلب، حين طعنه، فطار العلج «1» بسكّين ذات طرفين، لا يمرّ على أحد يمينا ولا شمالا إلّا طعنه، حتّى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة فلمّا رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلمّا ظنّ العلج أنّه مأخوذ نحر نفسه. وتناول عمر يد عبد الرّحمن بن عوف فقدّمه، فمن يلي عمر فقد رأى الّذي أرى وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون غير أنّهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله.
فصلّى بهم عبد الرّحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلمّا انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني.
فجال ساعة ثمّ جاء فقال: غلام المغيرة قال:
الصّنع «2» ؟ قال: نعم قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الّذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العبّاس أكثرهم رقيقا. فقال: إن شئت فعلت- أي إن شئت قتلنا. قال: كذبت، بعد ما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟
فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأنّ النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ: فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول أخاف عليه. فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه. ثمّ أتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنّه ميّت، فدخلنا عليه، وجاء النّاس فجعلوا يثنون عليه. وجاء رجل شابّ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ ولّيت فعدلت، ثمّ شهادة. قال: وددت أنّ ذلك كفاف لا عليّ ولا لي. فلمّا أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض، قال: ردّوا عليّ الغلام. قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنّه أنقى لثوبك، وأتقى لربّك، يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليّ من الدّين، فحسبوه فوجدوه ستّة وثمانين ألفا أو نحوه. قال: إن وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلّا فسل في بني عديّ بن كعب؛ فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عنّي هذا المال. انطلق إلى عائشة أمّ المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السّلام- ولا تقل أمير المؤمنين، فإنّي لست اليوم للمؤمنين أميرا- وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه فسلّم واستأذن، ثمّ دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السّلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أريده لنفسي. ولأوثرنّه به اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. قال: ارفعوني. فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟
قال: الّذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قضيت
__________
(1) العلج: الرجل من كفار العجم، والجمع علوج.
(2) رجل صنع وامرأة صناع: إذا كان لهما صنعة يعملانها بأيديهما ويكسبان بها.(7/2813)
فاحملوني، ثمّ سلّم فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أمّ المؤمنين حفصة والنّساء تسير معها، فلمّا رأيناها قمنا، فولجت عليه فبكت عنده ساعة، واستأذن الرّجال، فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الدّاخل. فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر- أو الرّهط- الّذين توفيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض: فسمّى عليّا وعثمان والزّبير وطلحة وسعدا وعبد الرّحمن وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء- كهيئة التّعزية له- فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلّا فليستعن به أيّكم ما أمّر، فإنّي لم أعزله عن عجز ولا خيانة. وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا، الّذين تبوّؤا الدّار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنّهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدوّ، وألّا يؤخذ منهم إلّا فضلهم عن رضاهم.
وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويردّ على فقرائهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلّا طاقتهم. فلمّا قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلّم عبد الله بن عمر قال: يستأذن عمر بن الخطّاب:
قالت: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه فلمّا فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرّحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزّبير: قد جعلت أمري إلى عليّ. فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرّحمن ابن عوف فقال عبد الرّحمن: أيّكما تبرّأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام «1» لينظرنّ أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشّيخان. فقال عبد الرّحمن: أفتجعلونه إليّ، والله عليّ أن لا آلو عن أفضلكم؟ قال: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ ولتطيعنّ. ثمّ خلا بالآخر فقال مثل ذلك. فلمّا أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له عليّ، وولج «2» أهل الدّار فبايعوه» ) * «3» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر اشترط عليهم أنّ له الأرض، وكلّ صفراء وبيضاء. يعني الذّهب والفضّة، وقال له أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض، فأعطناها على أن نعملها ويكون لنا نصف الثّمرة ولكم نصفها، فزعم أنّه أعطاهم على ذلك. فلمّا كان حين
__________
(1) والله عليه والإسلام: بالرفع فيهما، والخبر محذوف أي عليه رقيب.
(2) ولج: دخل.
(3) البخاري- الفتح 7 (3700) .(7/2814)
يصرم النّخل «1» ، بعث إليهم، ابن رواحة، فحزر النّخل «2» ، وهو الّذي يدعونه أهل المدينة الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا. فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة. فقال: فأنا أحزر النّخل وأعطيكم نصف الّذي قلت. قال: قالوا: هذا الحقّ، وبه تقوم السّماء والأرض.
فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالّذي قلت) * «3» .
8-* (عن بلال بن رباح الحبشيّ- رضي الله عنه- قال: إنّه جاء إلى عمر بن الخطّاب وهو بالشّام وحوله أمراء الأجناد جلوس، فقال: يا عمر، فقال ها أنا عمر، فقال له بلال: إنّك بين الله وبين هؤلاء، وليس بينك وبين الله أحد، فانظر عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك، ومن خلفك، هؤلاء الّذين خلفك إن يأكلوا إلّا الطّير، قال: «صدقت، والله لا أقوم من مجلسي هذا، تكفّلوا لكلّ رجل من المسلمين طعامه وحظّه من الزّيت والخلّ، فقالوا: إليك يا أمير المؤمنين قد أوسع الله عليك من الرّزق وأكثر من الخير» ) * «4» .
9-* (قال ربعيّ بن عامر- رضي الله عنه- لرستم قائد الفرس لمّا سأله ما جاء بكم؟: «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدّنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتّى نفيء إلى موعود الله. قالوا: وما موعود الله؟
قال: الجنّة لمن مات على قتال من أبى، والظّفر لمن بقي» ) * «5» .
10-* (قال سعيد بن جبير في جواب لعبد الملك عن العدل: «العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (المائدة/ 42) والعدل في القول لقوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
(الأنعام/ 152) والعدل في الفدية لقوله تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ (البقرة/ 123) والعدل في الإشراك، قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (الأنعام/ 1)) * «6» .
11-* (كتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه: أمّا بعد، فإنّ مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالا يرمّها به فعل.
فكتب إليه عمر، «أمّا بعد، فقد فهمت كتابك وما ذكرت أنّ مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظّلم، فإنّه مرمّتها
__________
(1) يصرم النخل: يجمع ثمرها.
(2) حزر النخل: أي قدّره بالحدس والتخمين، وهو الخرص الذي سيأتي ذكره.
(3) أبو داود (3413) من حديث عائشة (3414) من حديث جابر مختصرا، وأصله فى الصحيحين وابن ماجة (1820) وهذا لفظه. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 24) : حديث صحيح.
(4) مجمع الزوائد (5/ 213) وقال: رواه الطبرانى ورجاله رجال الصحيح، خلا عبد الله بن الإمام أحمد وهو ثقة مأمون، وفي المعجم الكبير للطبراني (1/ 337) حديث (1011) .
(5) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 40) .
(6) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (506) .(7/2815)
والسّلام» ) * «1» .
12-* (قال طاوس وإبراهيم وشريح: «البيّنة العادلة أحقّ من اليمين الفاجرة» ) * «2» .
13-* (قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ حظّ العبد من العدل أمر ظاهر لا يخفى، فأوّل شيء يجب عليه من العدل في صفات نفسه أن يجعل الشّهوة والغضب أسيرين تحت إشارة العقل والدّين، فإنّه لو جعل العقل خادما للشّهوة والغضب فقد ظلمه، هذا في الجملة، أمّا تفصيلات ما يجب عليه في العدل في نفسه فمراعاة حدود الشّرع كلّها، وإنّ عدله في كلّ عضو أنّه يستعمله على الوجه الّذي أذن الشّرع فيه.
وأمّا عدله في أهله وذويه فأمر ظاهر يدلّ عليه العقل الّذي وافقه الشّرع، وأمّا إن كان من أهل الولاية فإنّ العدل في الرّعيّة من أوجب واجباته» ) * «3» .
14-* (قال ابن حزم- رحمه الله تعالى:
«أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبّه، وعلى الحقّ وإيثاره» ) * «4» .
15-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«إنّ النّاس لم يتنازعوا في أنّ عاقبة الظّلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: الله ينصر الدّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدّولة الظّالمة، ولو كانت مؤمنة» ) * «5» .
16-* (وقال أيضا: «أخبر الله في كتابه أنّه أنزل الكتاب والحديد ليقوم النّاس بالقسط، فقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد/ 25) .
ولهذا أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّته بتولية ولاة الأمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردّوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين النّاس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم بطاعة ولاة الأمور من طاعة الله تعالى» ) * «6» .
17-* (وقال أيضا: «بالصّدق في كلّ الأخبار، والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال تصلح جميع الأعمال، وهما قرينان كما قال الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا (الأنعام/ 115)) * «7» .
18-* (وقال: يجب على كلّ وليّ أمر أن يستعين بأهل الصّدق والعدل، وإذا تعذّر ذلك، استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم، فإنّ الله يؤيّد هذا الدّين بالرّجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنّما هو فعل المقدور) * «8» .
19-* (وقال: فأيّ (يعني فكلّ) من عدل في ولاية من الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله
__________
(1) حلية الأولياء للأصبهاني (5/ 305) .
(2) البخاري معلقا مجزوما به- الفتح 5 (340) .
(3) انتهى بتصرف شديد من المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى للغزالي (98- 101) .
(4) مداواة النفوس (90) .
(5) الحسبة (16، 170) .
(6) المصدر السابق (19) .
(7) الحسبة (22) .
(8) المصدر السابق (23) .(7/2816)
ورسوله بحسب الإمكان فهو من الأبرار الصّالحين) * «1» .
20-* (وقال أيضا: «أمور النّاس تستقيم في الدّنيا مع العدل، أكثر ممّا تستقيم مع الظّلم في الحقوق. ويقال: الدّنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظّلم والإسلام» ) * «2» .
21-* (وقال أيضا: «العدل نظام كلّ شيء.
فإذا أقيم أمر الدّنيا بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة» ) * «3» .
22-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«إنّ من له ذوق في الشّريعة واطّلاع على كمالها وتضمّنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغية العدل الّذي يسع الخلائق يجد أنّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمّنته من المصالح، تبيّن له أنّ السّياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنّ من أحاط علما بمقاصدها ووضعها موضعها وحسن فهمه فيها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها ألبتّة.
فإنّ السّياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشّريعة تحرّمها. وسياسة عادلة تخرج الحقّ من الظّالم الفاجر فهي من الشّريعة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها» ) * «4» .
23-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى:
«التّوحيد والعدل هما جمّاع «5» صفات الكمال» ) * «6» .
24-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: من عرض له قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله- عزّ وجلّ- فليقض بما قضى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله- عزّ وجلّ- ولم يقض به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فليقض بما قاله الصّالحون، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ولم يقض به الصّالحون، فليجتهد رأيه، فإن لم يحسن فليقرّ، ولا يستحي) * «7» .
25-* (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى: وأمّا تفريق بعضهم بين المسكينة والّتي لها قدر (من الجمال) ، فغير جائز لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سوّى بين أحكامهم في الدّماء فقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» «8» وإذا كانوا في الدّماء سواء، فهم في غير ذلك شيء واحد) * «9» .
26-* (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- جميع النّاس في الشّرف بالنّسبة الطّينيّة إلى آدم وحوّاء- عليهما السّلام- سواء، وإنّما يتفاضلون
__________
(1) المصدر السابق (25) .
(2) المصدر السابق (147) .
(3) المصدر السابق (148) .
(4) الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية لابن القيم (ط 5 دار المدني تحقيق جميل غازى) .
(5) الجمّاع- بضم الجيم وتشديد الميم- مجتمع أصل كل شيء.
(6) التفسير القيم: ص (179) .
(7) النسائي (8/ 230) وقال الألباني فى صحيحه: صحيح الإسناد موقوف (3/ 1092- 1093) والحاكم (4/ 94) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي: صحيح.
(8) انظر الحديث رقم 39.
(9) تفسير القرطبي 3/ 76.(7/2817)
بالأمور الدّينيّة وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا قال سبحانه بعد النّهي عن الغيبة واحتقار بعض النّاس بعضا منبّها على تساويهم في البشريّة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا (الحجرات/ 13)) * «1» .
من فوائد (العدل)
(1) الأمن لصاحبه في الدّنيا والآخرة.
(2) دوام الملك وعدم زواله.
(3) رضا الرّبّ قبل رضا الخلق عن العادل.
(4) سلامة الخلق من شرّه.
(5) أصحابه أهل للولاية والحكم والتّقدّم والرّفعة.
(6) الصّدع بالحقّ وعدم ممالأة الباطل.
(7) يسدّ مسدّ كثير من أعمال البرّ والطّاعة.
(8) عموم العدل في الإسلام حتّى إنّه ليشمل الأبعدين فضلا عن الأقربين والكافرين مع المسلمين، ويشمل التّسوية حتّى مع أعضاء الإنسان نفسه.
(9) طريق موصل إلى الجنّة.
أما عن فوائد (المساواة) فمنها
(10) تحقيق الاستقرار والطّمأنينة في المجتمع المسلم لما يشعر به كلّ فرد من أنّه ليس أقلّ من غيره وأنّه سيحصل على حقّه في التّعليم والوظائف العامّة ونحوها.
(11) الشّعور بالمساواة يقضي على الفتن الطّائفيّة نظرا لشعور الذّمّيّين بأنّ لهم حقّ المواطنة على قدم المساواة مع المسلمين.
(12) المساواة بين الرّجل والمرأة في حقّ العبادة وحصول الثّواب يجعل المرأة تشعر بقيمتها وأنّها لا تشكّل الجانب الأضعف.
(13) روح المساواة تقضي على الغرور عند من يظنّون أنفسهم فوق النّاس، كما يقضي على الوهن والضّعف وخور العزيمة عند من يظنّون أنفسهم دونهم.
(14) بالمساواة يطمئنّ كلّ فرد إلى عدالة الحكم وأنّ السّياسة الّتي تقوم على ذلك هي سياسة عادلة لا تفرّق بين النّاس تبعا لأعراقهم ووضعهم الاجتماعيّ، أو موقعهم من السّلطة.
__________
(1) تفسير ابن كثير 4/ 217.(7/2818)
العزة
العزة لغة:
مصدر قولهم: عزّ يعزّ عزّة وعزّا، وذلك مأخوذ من مادّة (ع ز ز) الّتي تدلّ على شدّة وقوّة، وما ضاهاهما من غلبة وقهر، وأصل ذلك من قولهم: أرض عزاز أي صلبة، ويقال تعزّز اللّحم اشتدّ وعزّ كأنّه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، والعزيز الّذي يقهر ولا يقهر، ويقال: عزّ المطر الأرض: غلبها، وقول الله عزّ وجلّ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (فصلت/ 41) أي يصعب مناله ووجود مثله، والعزّ من المطر: الكثير الشّديد، وأرض معزوزة إذا أصابها ذلك.
وقال ابن منظور: العزّ خلاف الذّلّ، وفي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: هل تدرين لم كان قومك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا، قال: تعزّزا ألّا يدخلها إلّا من أرادوا، أي تكبّرا وتشدّدا على النّاس، والعزّ في الأصل القوّة والشّدّة والغلبة، يقال: عزّ، يعزّ بالفتح إذا اشتدّ، ورجل عزيز: منيع لا يغلب ولا يقهر.
وعزّ يعزّ بالكسر عزّا وعزّة وعزازة وهو عزيز قلّ حتّى لا يوجد.
ورجل عزيز من قوم أعزّة وأعزّاء.
وقوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
111/ 19/ 5
الْكافِرِينَ (المائدة/ 54) أي جانبهم غليظ على الكافرين، ليّن على المؤمنين، قال الشّاعر:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... في كلّ نائبة عزاز الآنف
وأعزّ الرّجل: جعله عزيزا. وملك أعزّ: عزيز.
قال الفرزدق:
إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
أي عزيزة طويلة.
وتعزّز الرّجل: صار عزيزا، وتعزّز: تشرّف «1» .
وأمّا قوله سبحانه: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء/ 139) فإنّ العزّة تعني المنعة والقوّة والمعنى: أيطلبون (أي أهل النّفاق) عند الكافرين المنعة والقوّة باتّخاذهم أولياء من دون أهل الإيمان؟ فإنّ العزّة لله جميعا أي فإنّ المنعة والنّصرة من عند الله الّذي له المنعة، فهلّا اتّخذوا الأولياء من المؤمنين حتّى يعزّهم الله؟ «2» .
وقيل المراد بالكافرين هنا اليهود، والمراد بالعزّة:
المعونة والظهور على محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه،
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 38) ، والمفردات للراغب (332) . ولسان العرب (عزز) (2924) (ط. دار المعارف) .
(2) مختصر تفسير الطبري (1/ 176) .(7/2819)
أمّا عزّة الله تعالى فمراد بها: الغلبة والقوّة والقدرة «1» .
أمّا العزّة المنسوبة لله- عزّ وجلّ- ولرسوله وللمؤمنين في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (المنافقون/ 8) فإنّ عزّة الله قهره من دونه، وعزّة رسوله إظهار دينه على الأديان كلّها وعزّة المؤمنين: نصر الله إيّاهم على أعدائهم «2» . وقيل:
المعنى: ولله الغلبة والقوّة، ولرسوله وللمؤمنين «3» .
وقيل: المقصود من هذا: التّهييج على طلب العزّة من جناب الله تعالى، والالتجاء إلى عبوديّته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الّذين لهم النّصرة في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد، روى الإمام أحمد- رحمه الله- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفّار، يريد بهم عزّا وفخرا، فهو عاشرهم في النّار» . «4» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: العزّة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب «5» .
وقال الكفويّ: العزّة: الغلبة الآتية على كلّيّة الباطن والظّاهر (وهذا في جناب الله تعالى) «6» .
معنى اسم الله «العزيز» :
العزيز اسم من أسماء الله تعالى يقول ابن منظور: العزيز من صفات الله- عزّ وجلّ- وأسمائه الحسنى، ومعناه: الممتنع فلا يغلبه شيء، وقيل: هو القويّ الغالب كلّ شيء، وقيل: هو الّذي ليس كمثله شيء «7» . وقال ابن الأثير: هو الغالب القويّ الّذي لا يغلب «8» .
وقال الإمام الغزاليّ: العزيز: هو الخطير الّذي يقلّ وجود مثله وتشتدّ الحاجة إليه، ويصعب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثّلاثة لم يطلق عليه اسم العزيز، فكم من شيء يقلّ وجوده، ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه، لم يسمّ عزيزا، وكم من شيء يعظم خطره ولم يكثر نفعه، لم يسمّ عزيز، وكم من شيء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره، ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه، لم يسمّ عزيزا، كالشّمس مثلا، فإنّه لا نظير لها، والأرض كذلك، والنّفع عظيم في كلّ منهما، والحاجة شديدة إليهما، ولكن لا يوصفان بالعزّة لأنّه لا يصعب الوصول إلى مشاهدتهما، فلا بدّ إذن من اجتماع المعاني الثّلاثة (ليصحّ الوصف بالعزّة) ، ثمّ في كلّ واحد من المعاني الثّلاثة كمال ونقصان، والكمال في قلّة الوجود أن يرجع إلى واحد، إذ لا أقلّ من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مثله، وليس هذا إلّا الله تعالى، أمّا الشّمس فإنّها وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان، فيمكن وجود مثلها في الكمال والنّفاسة، أمّا شدّة الحاجة فهي
__________
(1) تفسير البغوي (1/ 491) .
(2) المرجع السابق (4/ 350) .
(3) مختصر تفسير الطبري (2/ 457) ، وعلى هذا يكون للعزة معنى واحد لا يختلف باختلاف الموصوف بها هنا.
(4) عمدة التفسير بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (4/ 16) ، وانظر الحديث رقم (14) .
(5) المفردات للراغب (333) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 61) والتوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (241) .
(6) الكليات للكفوي (639) .
(7) لسان العرب (5/ 374) ط. بيروت، بتصرف يسير..
(8) النهاية لابن الأثيرر (3/ 328) .(7/2820)
أن يحتاج إليه (أي العزيز) كلّ شيء في كلّ شيء حتّى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ، وفيما يتعلّق بالمعنى الثّالث وهو صعوبة الوصول إلى العزيز فالكمال في ذلك يتمثّل في استحالة الوصول إليه، على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ فالله عزّ وجلّ بذلك هو العزيز المطلق الحقّ، لا يوازيه في ذلك الاسم غيره «1» .
المعزّ من أسماء الله عز وجل:
إذا كان سبحانه هو الموصوف بالعزّة التّامّة المطلقة فإنّه سبحانه هو «الّذي يهب العزّ لمن يشاء من عباده «2» ، والعزيز من العباد هو كما يقول الغزاليّ: من يحتاج إليه عباد الله في أهمّ أمورهم وهي الحياة الآخرويّة والسّعادة الأبديّة، وذلك ممّا يقلّ- لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- ويشاركهم في العزّ من ينفرد بالقرب من درجتهم في عصره، كالخلفاء والعلماء، وعزّة كلّ واحد منهم بقدر علوّ مرتبته عن سهولة النّيل والمشاركة، وبقدر عنائه فى إرشاد الخلق «3» . وقال- رحمه الله تعالى-: من رزقه الله القناعة حتّى استغنى بها عن خلقه وأمدّه بالقوّة والتّأييد حتّى استولى بها على صفات نفسه فقد أعزّه الله في الدّنيا وسيعزّه في الآخرة بالتّقريب إليه «4» .
وقال الخطّابيّ: العزّ في كلام العرب على ثلاثة أوجه:
الأوّل: معنى الغلبة والقهر، ومنه قولهم: من عزّ بزّ، أي من غلب سلب، ومنه قوله سبحانه:
وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (ص/ 23) أي غلبني.
والثّاني: معنى الشّدّة والقوّة كقول الهذليّ يصف العقاب:
حتّى انتهيت إلى فراش عزيزة ... سوداء روثة أنفها كالمخصف
جعلها عزيزة لأنّها من أقوى جوارح الطّير.
والثّالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر يقال منه: عزّ الشّيء يعزّ بكسر العين من يعزّ- فيتأوّل معنى العزيز على هذا أنّه لا يعادله شيء، وأنّه لا مثل له ولا نظير والله أعلم» «5» .
عزة الله- عز وجل-:
ذكر ابن القيّم: أنّ عزّة المولى سبحانه متضمّنة لهذه الأنواع السّابقة كلّها وهي:
1- عزّة القوّة: الدّالّ عليها من أسمائه القويّ المتين وهي وصفه العظيم الّذي لا تنسب إليه قوّة المخلوقات وإن عظمت.
2- عزّة الامتناع: فإنّه هو الغنيّ بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضرّه فيضرّوه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضّارّ النّافع المعطي المانع.
3- عزّة القهر والغلبة لكلّ الكائنات: فهي كلّها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته،
__________
(1) المقصد الأسنى (بتصرف يسير) ص 73.
(2) لسان العرب (5/ 374) .
(3) المقصد الأسنى ص 74.
(4) المرجع السابق ص 89.
(5) شأن الدعاء لأبي سليمان الخطابي، بتحقيق أحمد الدقاق (47- 48) ط 1، 1404. هـ.(7/2821)
فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرّك منها متحرّك، ولا يتصرّف متصرّف إلّا بحوله وقوّته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا به «1» .
العزة في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: قال بعض المفسّرين: العزّة في القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: العظمة، ومنه قوله تعالى: وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (الشعراء/ 44) ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص/ 82) .
والثّاني: المنعة، ومنه قوله تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء/ 39) .
والثّالث: الحميّة، ومنه قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (البقرة/ 206) ، وقوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (ص/ 2) «2» .
العزة الممدوحة والمذمومة:
يمدح بالعزّة تارة ويذمّ بها تارة أخرى، ووجه ذلك أنّ العزّة الّتي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدّائمة الباقية؛ لأنّها هي العزّة الحقيقيّة، والعزّة الّتي هي للكافرين هي التّعزّز وهو في الحقيقة ذلّ، كما قال عليه الصّلاة والسّلام «كلّ عزّ ليس بالله فهو ذلّ» وعلى هذا قوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (مريم/ 81) أي ليتمنّعوا بهم من العذاب «2» .
كيف تكون العزة لله جميعا ثم تكون لرسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين؟
تساءل الشّيخ الشّرباصي عن هذا الإشكال فقال: قد يعترض معترض فيقول: كيف نجمع بين قول الحقّ سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ... ، (فاطر/ 10) وقوله- عزّ من قائل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (المنافقون/ 8) ، والجواب: أنّه لا تنافي بين الآيتين؛ لأنّ العزّ الّذي هو للرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين هو في الحقيقة ملك لله ومخلوق له، وعزّه سبحانه هو المصدر لكلّ عزّ، ومن ثمّ يكون عزّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين مستمدّ من عزّ الله- عزّ وجلّ-. وعلى هذا فالعزّ كلّه لله، والعزّة الّتي عند الإنسان لا تكون فضيلة محمودة إلّا إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه، أمّا عزّة الكفّار المشار إليها في الآية الكريمة بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (ص/ 2) فهي تعزّز، وهو في الحققة ذلّ؛ لأنّه تشبّع من الإنسان بما لم يعطه، وقد تستعار العزّة للأنفة والحميّة المذمومة، كما في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (البقرة/ 206) وكلّ ذلك ليس من العزّ الحقيقيّ في شيء «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- الشرف- القوة- النبل- النزاهة- العفة- الشهامة- علو الهمة- قوة الإرادة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الذل- الضعف- الوهن- صغر الهمة- الخنوثة] .
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (434- 435) .
(2) المفردات للراغب (333) ، وانظر أيضا الكليات للكفوي (336) .
(3) موسوعة له الأسماء الحسنى (72) .(7/2822)
الآيات الواردة في «العزة»
أولا: العزة من صفات الله- عز وجل-:
أ- العزة مقترنة بحكمة الله- عز وجل-:
1- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) «2»
3-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «3»
4- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «4»
5- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) «5»
6- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «6»
__________
(1) البقرة: 127- 129 مدنية
(2) البقرة: 208- 209 مدنية
(3) البقرة: 219- 220 مدنية
(4) البقرة: 228 مدنية
(5) البقرة: 240 مدنية
(6) البقرة: 260 مدنية(7/2823)
7- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) «1»
8- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «2»
9- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) «3»
10- وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «4» .
11- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «5»
12- وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «6» .
13-* إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ
وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
(165) «7»
14- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
__________
(1) آل عمران: 5. 6 مدنية
(2) آل عمران: 18 مدنية
(3) آل عمران: 59- 62 مدنية
(4) آل عمران: 126 مدنية
(5) النساء: 56- 57 مدنية
(6) النساء: 157- 158 مدنية
(7) النساء: 163- 165 مدنية(7/2824)
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «1»
15- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «2»
16- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «3»
17- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «4»
18-* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «5»
19- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) «6»
20- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «7»
21- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «8»
__________
(1) المائدة: 38- 39 مدنية
(2) المائدة: 116- 118 مدنية
(3) الأنفال: 9- 10 مدنية
(4) الأنفال: 49 مدنية
(5) الأنفال: 61- 63 مدنية
(6) الأنفال: 67 مدنية
(7) التوبة: 40 مدنية
(8) التوبة: 71 مدنية(7/2825)
22- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «1»
23- لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) «2»
24- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) «3»
25- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (23) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(26) «4»
26- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) «5»
27- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «6»
28- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «7»
__________
(1) إبراهيم: 4 مكية
(2) النحل: 60 مكية
(3) النمل: 7- 10 مكية
(4) العنكبوت: 20- 26 مكية
(5) العنكبوت: 41- 42 مكية
(6) الروم: 27 مكية
(7) لقمان: 8- 9 مكية(7/2826)
29- وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) «1»
30-* قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «2»
31- ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) «3»
32- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) «4»
33- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) «5»
34- (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
(4) «6»
35- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) «7»
36- فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «8»
37- حم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) «9»
38- وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) «10»
__________
(1) لقمان: 27 مكية
(2) سبأ: 24- 27 مكية
(3) فاطر: 2 مكية
(4) الزمر: 1 مكية
(5) غافر: 7- 8 مكية
(6) الشورى: 1- 4 مكية
(7) الجاثية: 1- 2 مكية
(8) الجاثية: 36- 37 مكية
(9) الأحقاف: 1- 2 مكية
(10) الفتح: 7 مدنية(7/2827)
39-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) «1»
40- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) «2»
41- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «3»
42- هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «4»
43- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «5»
44- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «6»
45- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) «7»
46- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «8»
__________
(1) الفتح: 18- 19 مدنية
(2) الحديد: 1- 2 مدنية
(3) الحشر: 1 مدنية
(4) الحشر: 24 مدنية
(5) الممتحنة: 4- 5 مدنية
(6) الصف: 1 مدنية
(7) الجمعة: 1- 3 مدنية
(8) التغابن: 17- 18 مدنية(7/2828)
ب- العزة مقترنة برحمة الله- عز وجل-:
47- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) «1»
48- فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) «2»
49- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (98) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100)
وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) «3»
50- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) * قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) «4»
__________
(1) الشعراء: 7- 9 مكية
(2) الشعراء: 63- 67 مكية
(3) الشعراء: 90- 104 مكية
(4) الشعراء 105- 122 مكية(7/2829)
51- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) «1»
52- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145)
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152)
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)
فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157)
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) «2»
__________
(1) الشعراء: 123- 140 مكية
(2) الشعراء: 141- 159 مكية(7/2830)
53- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «1»
54- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) «2»
55- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «3»
__________
(1) الشعراء: 160- 175 مكية
(2) الشعراء: 176- 191 مكية
(3) الشعراء: 215- 220 مكية(7/2831)
56- الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) «1»
57- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
(6) «2»
58- يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) «3»
59- وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) «4»
ج- العزة مقترنة بقوة الله- عز وجل-:
60- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) «5»
61-* إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
__________
(1) الروم: 1- 5 مكية
(2) السجدة: 4- 6 مكية
(3) يس: 1- 6 مكية
(4) الدخان: 38- 42 مكية
(5) هود: 66- 68 مكية(7/2832)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «1»
62- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) «2»
63- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) «3»
64- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) «4»
65- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «5»
66- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) «6»
د- العزة مقترنة بالعلم:
67-* إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) «7»
__________
(1) الحج: 38- 40 مدنية
(2) الحج: 73- 74 مدنية
(3) الأحزاب: 23- 25 مدنية
(4) الشورى: 17- 19 مكية
(5) الحديد: 25 مدنية
(6) المجادلة: 20- 21 مدنية
(7) الأنعام: 95- 96 مكية(7/2833)
68- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) «1»
69- وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) «2»
70- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «3»
71-* قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10)
ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) «4»
72- وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) «5»
هـ- العزة مقترنة بالانتقام:
73- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «6»
74- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
__________
(1) النمل: 76- 78 مكية
(2) يس: 37- 40 مكية
(3) غافر: 1- 3 مكية
(4) فصلت: 9- 12 مكية
(5) الزخرف: 6- 9 مكية
(6) آل عمران: 1- 4 مدنية(7/2834)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) «1»
75- وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) «2»
76- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «3»
والعزة مقترنة بالمغفرة:
77- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) «4»
78- قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) «5»
79- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) «6»
80-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «7»
__________
(1) المائدة: 93- 96 مدنية
(2) إبراهيم: 46- 47 مكية
(3) الزمر: 37 مكية
(4) فاطر 27- 28 مكية
(5) ص: 65- 66 مكية
(6) الزمر: 5 مكية
(7) غافر: 41- 42 مكية(7/2835)
81-بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
(2) «1»
ز- العزة مقترنة بالحمد:
82- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «2»
83- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «3»
84- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) «4»
ح- العزة مقترنة بالهبة:
85- أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) «5»
__________
(1) الملك: 1- 2 مدنية
(2) إبراهيم: 1- 3 مكية
(3) سبأ: 1- 6 مكية
(4) البروج: 1- 9 مكية
(5) ص: 8- 9 مكية(7/2836)
ط- العزة مقترنة بالجبروت:
86- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «1»
ثانيا: العزة من الله- عز وجل-:
87- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) «2»
ثالثا: العزة لله- عز وجل-:
88- بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «3»
89- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «4»
90- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «5»
91- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «6»
92- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) «7»
__________
(1) الحشر: 23، 24 مدنية
(2) آل عمران: 26 مدنية
(3) النساء: 138- 139 مدنية
(4) يونس: 65 مكية
(5) فاطر: 10 مكية
(6) الصافات: 180- 182 مكية
(7) ص: 71- 85 مكية(7/2837)
رابعا- العزة لله ولرسوله وللمؤمنين:
93- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) «1»
خامسا- العزة بمعنى الشدة والمشقة:
94- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «2»
سادسا:- العزة بمعنى الشدة والغلظة:
95- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «3»
سابعا- العزة صفة القرآن الكريم (وهي بمعنى نفاسة القدر) :
96- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «4»
ثامنا- العزة بمعنى الأنفة والحمية (وهي
97- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) «5»
98- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2)
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5)
__________
(1) المنافقون: 8 مدنية
(2) التوبة: 128- 129 مدنية
(3) المائدة: 54 مدنية
(4) فصلت: 40- 42 مكية
(5) البقرة: 204- 206 مدنية(7/2838)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) «1»
تاسعا- العزة بمعنى الغلبة والمنعة:
99- قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) «2»
100- وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) «3»
101- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (41) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) «4»
102- قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) «5»
103- إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) «6»
104- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «7»
105- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «8»
عاشرا- العزيز لقب لحاكم مصر:
106-* وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) «9»
__________
(1) ص: 1- 7 مكية
(2) هود: 91- 92 مكية
(3) الكهف: 34 مكية
(4) الشعراء: 41- 47 مكية
(5) النمل: 34 مكية
(6) ص: 23 مكية
(7) الفتح: 1- 4 مكية
(8) القمر: 41- 42 مكية
(9) يوسف: 30 مكية(7/2839)
107- قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) «1»
108- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) «2»
109- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) «3»
حادي عشر- العزة بمعنى الامتناع:
110- وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) «4»
ثاني عشر- العزة يراد بها الذل والمهانة على سبيل التهكم:
111- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43)
طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) «5»
__________
(1) يوسف: 51 مكية
(2) يوسف: 78 مكية
(3) يوسف: 88 مكية
(4) إبراهيم: 20 مكية، وفاطر: 17 مكية
(5) الدخان: 43- 49 مكية(7/2840)
الأحاديث الواردة في (العزة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينا أيّوب يغتسل عريانا فخرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيّوب يحتثي «1» في ثوبه، فناداه ربّه: يا أيّوب، ألم أكن أغنيتك عمّا ترى؟ قال: بلى، وعزّتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك» ) * «2» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه عليّ بن أبي طالب فقال: بأبي أنت وأمّي، تفلّت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يا أبا الحسن، أفلا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ، وينفع بهنّ من علّمته، ويثبت ما تعلّمت في صدرك؟» . قال: أجل يا رسول الله. فعلّمني. قال:
«إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث اللّيل الآخر فإنّها ساعة مشهودة. الدّعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي (يوسف/ 98) يقول: حتّى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أوّلها فصلّ أربع ركعات، تقرأ في الرّكعة الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة يس، وفي الرّكعة الثّانية بفاتحة الكتاب وحم الدّخان، وفي الرّكعة الثّالثة بفاتحة الكتاب والم تَنْزِيلُ السّجدة، وفي الرّكعة الرّابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصّل، فإذا فرغت من التّشهّد فاحمد الله، وأحسن الثّناء على الله، وصلّ عليّ وأحسن، وعلى سائر النّبيّين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الّذين سبقوك بالإيمان، ثمّ قل في آخر ذلك: اللهمّ ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلّف مالا يعنيني، وارزقني حسن النّظر فيما يرضيك عنّي. اللهمّ بديع السّماوات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزّة الّتي لا ترام، أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، وارزقني أن أتلوه على النّحو الّذي يرضيك عنّي. اللهمّ بديع السّماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام والعزّة الّتي لا ترام، أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك، ونور وجهك أن تنوّر بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرّج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تعمل به بدني؛ لأنّه لا يعينني على الحقّ غيرك ولا يؤتيه إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، يا أبا الحسن، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمس أو سبع «3» يجاب بإذن الله. والّذي بعثني بالحقّ ما أخطأ مؤمنا قطّ» . قال عبد الله بن عبّاس: فو الله ما لبث عليّ إلّا خمسا أو سبعا حتّى جاء عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مثل ذلك المجلس فقال: يا رسول الله، إنّي كنت رجلا فيما خلا لا آخذ إلّا أربع آيات أو نحوهنّ، وإذا قرأتهنّ على نفسي تفلّتن وأنا أتعلّم اليوم أربعين
__________
(1) يحتثي: من الحثية وهي الأخذ باليد.
(2) البخاري- الفتح 1 (279) .
(3) هذا لفظه والمعروف أن المضاف إليه إذا حذف عوض عنه بالتنوين، فيقال: خمسا أو سبعا كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم «ثلاث من كنّ فيه ... إلخ» فالتقدير ثلاث خصال. ولعله من تحريف النساخ.(7/2841)
آية أو نحوها وإذا قرأتها على نفسي فكأنّما كتاب الله بين عينيّ، ولقد كنت أسمع الحديث فإذا ردّدته تفلّت وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا تحدّثت بها لم أخرم «1» منها حرفا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «مؤمن وربّ الكعبة يا أبا الحسن» ) * «2» .
3-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذين أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما، فهو يتقّي فيه ربّه فيصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا، فهو يقول: لو كان لي مال لعملت بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يتخبّط في ماله بغير علم لا يتقّي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو كان لي مال لعملت بعمل فلان. قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم:
الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السّماء، ويقول الرّبّ: وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «4»
5-* (عن سعد- رضي الله عنه- قال:
جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا «5» والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟ قال: «قل اللهمّ اغفر لي، وارحمني واهدني وارزقني» ) * «6» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: يا رسول الله، والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يذلّوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يعزّوا من
__________
(1) لم أخرم: أي لم أدع.
(2) الترمذي (479) ، وابن ماجه (1384) واللفظ له، والحاكم (1/ 320) .
(3) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح وأحمد (4/ 231) واللفظ له. وبعضه عند مسلم (2588) .
(4) الترمذي (3598) واللفظ له وقال: حديث حسن. وأحمد في المسند (8/ 30) وقال محققه إسناده صحيح.
(5) الله أكبر كبيرا: أي كبرت كبيرا أو ذكرت كبيرا.
(6) مسلم (2696) .(7/2842)
أهل خبائك. ثمّ قالت: إنّ أبا سفيان رجل مسّيك «1» ، فهل عليّ من حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: «لا حرج عليك أن تطعميهم من معروف» ) * «2» .
7-* (عن محمّد بن سالم قال: حدّثنا ثابت البنانيّ قال: قال لي يا محمّد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي، وقل: «بسم الله، أعوذ بعزّة الله وقدرته من شرّ ما أجد من وجعي هذا، ثمّ ارفع يدك ثمّ أعد ذلك وترا، فإنّ أنس بن مالك حدثّني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه بذلك) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «لا إله إلّا الله وحده.
أعزّ جنده ونصر عبده. وغلب الأحزاب وحده. فلا شيء بعده» ) * «4» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «يا أيّها النّاس إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم. أو ترى له. ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ عزّ وجلّ، وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «5» أن يستجاب لكم» ) * «6» .
10-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال هذا الدّين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة» فقال كلمة صمّنيها «7» النّاس فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» ) * «8» .
11-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزال يلقي فيها وتقول: هل من مزيد حتّى يضع فيها ربّ العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ثمّ تقول: قد قد، بعزّتك وكرمك.
ولا تزال الجنّة تفضل حتّى ينشىء الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنّة» ) * «9» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الجنّة والنّار أرسل جبرائيل إلى الجنّة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: فوعزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره،
__________
(1) المسيك: البخيل وزنا ومعنى أي يمسك ما في يديه لا يعطيه أحدا، وقيل: مسّيك- بالكسر والتشديد- أي شديد الإمساك لماله، وهو من أبنية المبالغة.
(2) البخاري- الفتح 13 (7161) واللفظ له. ومسلم (1714) .
(3) الترمذى (3588) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (7 (565) : حديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 7 (4114) . مسلم (2724) واللفظ له
(5) فقمن: بفتح الميم وكسرها، ومعناه حقيق وجدير.
(6) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. ومسلم (479) واللفظ له.
(7) صمنيها: أي أصموني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام.
(8) البخاري- الفتح 13 (7223) . ومسلم (1821) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 13 (7384) واللفظ له. ومسلم (2848) .(7/2843)
فقال: ارجع إليها، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد. قال: اذهب إلى النّار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها. فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفّت بالشّهوات، فقال: ارجع إليها، فرجع إليها، فقال وعزّتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا دخلها» ) * «1» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت.
وبك آمنت، وعليك توّكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك، لا إله إلّا أنت، أن تضلّني، أنت الحيّ الّذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون» ) * «2» .
14-* (عن أبي ريحانة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفّار، يريد بهم عزّا وفخرا؛ فهو عاشرهم في النّار» ) * «3» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» «4» فأرسل إلى ابن رواحة فقال:
«اهجهم» . فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم «5» أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «6» . ثمّ أدلع لسانه «7» فجعل يحرّكه.
فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله! قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«هجاهم حسّان فشفى واشتفى» «9» .
قال حسّان:
__________
(1) صحيح سنن الترمذي (2075) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 521) : وهو كما قال. وأبو داود (4744) . والنسائي (317) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7383) . ومسلم (2717) واللفظ له.
(3) المسند (1778) ، وفي مجمع الزوائد (8/ 85) «يريد بهم عزّا وكرامة» وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وأبو يعلى، قال: ورجال أحمد ثقات، وقال الشيخ أحمد شاكر (في عمدة التفسير 4/ 16) : ورواه أيضا البخاري في التاريخ الكبير (م 1 ج 2 ص 353) .
(4) رشق بالنبل: بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرشق، بالكسر، فهو اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة.
(5) لقد آن لكم: أي حان لكم.
(6) الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه. فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه اذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه. فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه.
(7) أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه.
(8) لأفرينهم بلساني فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
(9) فشفى واشتفى: أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين.(7/2844)
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمّدا برّا تقيّا «1» ... رسول الله شيمته الوفاء «2»
فإنّ أبي ووالده وعرضي «3» ... لعرض محمّد منكم وقاء «4»
ثكلت بنيّتي «5» إن لم تروها ... تثير النّقع «6» من كنفي كداء «7»
يبارين الأعنّة «8» مصعدات «9» ... على أكتافها الأسل الظّماء «10»
تظلّ جيادنا متمطّرات «11» ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء «12»
فإن أعرضتمو عنّا اعتمرنا «13» ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء
__________
(1) هجوت محمدا برا تقيا: وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيا. فالبر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الاحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر، هنا، بمعنى المتنزه عن الماثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة ابراهيم صلّى الله عليه وسلّم.
(2) شيمته الوفاء: أي خلقه.
(3) فان أبي ووالده وعرضي: هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه. لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه.
(4) وقاء: هو ما وقيت به الشيء.
(5) ثكلت بنيتي: قال السنوسي: الثكل فقد الولد. وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء. وعند النووي بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي.
(6) تثير النقع: أي ترفع الغبار وتهيجه.
(7) كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وعلى هذه الرواية في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء.
(8) يبارين الأعنة: ويروى: يبارعن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفسها تضاهي أعنتها بقوة جيذها لها، وهي منازعتها لها أيضا. وقال الأبّيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة. وقال البرقوقي في شرحه للديوان: أي أنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضنها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها. قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقي: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان.
(9) مصعدات: أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا. ولا يقال للراجع.
(10) الأسل الظماء: الأسل: الرماح. والظماء: الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقي: من قولهم أنا ظمان إلى لقائك.
(11) تظل جنودنا متمطرات: أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا.
(12) تلطمهن بالخمر النساء: الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقي: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضر بن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن سيدنا حسان رضي الله عنه أوحي اليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها.
(13) فان أعرضتمو عنا اعتمرنا.. إلخ: قال البرقوقي: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون-(7/2845)
وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء
وقال الله: قد يسّرت جندا «1» ... هم الأنصار عرضتها اللّقاء «2»
لنا في كلّ يوم من معدّ «3» ... سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء «4»
) * «5» .
الأحاديث الواردة في (العزة) معنى
16-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات ليلة، فسمعه حين كبّر، قال: «الله أكبر ذا الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة» وكان يقول في ركوعه: «سبحان ربّي العظيم» . وإذا رفع رأسه من الرّكوع قال: «لربّي الحمد، لربّي الحمد» . وفي سجوده: «سبحان ربّي الأعلى» . وبين السّجدتين: «ربّ اغفر لي، ربّ اغفر لي» . وكان قيامه، وركوعه، وإذا رفع رأسه من الرّكوع، وسجوده، وما بين السّجدتين قريبا من السّواء) * «6» .
17-* (عن عبد الله بن قيس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «جنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما. وجنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلّا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن» ) * «7» .
18-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يطوي الله- عزّ وجلّ- السّماوات يوم القيامة، ثمّ يأخذهنّ بيده اليمنى ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟ أين
__________
للإنسان في السنة كلها. والحج وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول: إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة. وقال الأبّيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صد عن البيت.
(1) يسرت جندا: أي هيأتهم وأرصدتهم.
(2) عرضتها اللقاء: أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقي: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قوي عليه. وفلان عرضة للشر أي قوي عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد.
(3) لنا في كل يوم من معد: قال البرقوقي: لنا، يعني معشر الأنصار. وقوله من معد، يريد قريشا لأنهم عدنانيون.
(4) ليس له كفاء: أي ليس له مماثل ولا مقاوم.
(5) البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له.
(6) مسلم رقم (772) وأبو داود (874) والنسائي (2/ 199) واللفظ له، وصححه الألباني. صحيح سنن النسائي (2/ 230) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7444) . ومسلم (180) واللفظ له.(7/2846)
المتكبّرون؟. ثمّ يطوي الأرضين بشماله، ثمّ يقول: أنا الملك. أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟» ) * «1» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله سبحانه:
الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري. من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم» ) * «2» .
من الاثار الواردة في (العزة)
1-* (عن طارق بن شهاب، قال: خرج عمر ابن الخطّاب إلى الشّام ومعنا أبو عبيدة بن الجرّاح فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أنت تفعل هذا؟ تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوه «3» ! لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، إنّا كنّا أذلّ قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله» ) * «4» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر» ) * «5» .
3-* (قال إبراهيم بن شيبان: «الشّرف في التّواضع. والعزّ في التّقوى، والحرّيّة في القناعة» ) * «6» .
4-* (عن أسلم أبي عمران التّجيبيّ، قال:
«كنّا بمدينة الرّوم، فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الرّوم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر. وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صفّ الرّوم حتّى دخل فيهم، فصاح النّاس، وقالوا: سبحان الله يلقي بيديه إلى التّهلكة، فقام أبو أيّوب فقال: «يا أيّها النّاس إنّكم تتأوّلون هذه الاية هذا التّأويل، وإنّما أنزلت هذه الاية فينا معشر الأنصار لمّا أعزّ الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا. فأصلحنا ما ضاع منها.
فأنزل الله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم يردّ علينا ما قلنا: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة/ 195) . فكانت التّهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو. فما زال أبو أيّوب شاخصا في سبيل الله حتّى دفن بأرض الرّوم» ) * «7» .
5-* (قال أبو بكر بن دريد- رحمه الله- عندما قصد بعض الوزراء في حاجة، فلم يقضها له،
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7412) . ومسلم (2788) واللفظ له.
(2) مسلم (2620) . وابن ماجة (4174) واللفظ له.
(3) أوه: كلمة توجع وتضجر.
(4) الحاكم في المستدرك (1/ 62) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) البخاري- الفتح 7 (3863) .
(6) مدارج السالكين (2/ 343) .
(7) الترمذي (2972) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.(7/2847)
وظهر له منه ضجر. فقال:
لا تدخلنّك ضجرة من سائل ... فلخير دهرك أن ترى مسئولا
لا تجبهن بالرّد وجه مؤمّل ... فبقاء عزّك أن ترى مأمولا
تلقى الكريم فتستدلّ ببشره ... وترى العبوس على اللّئيم دليلا
واعلم بأنّك عن قليل صائر ... خبرا، فكن خبرا يروق جميلا)
* «1»
من فوائد (العزة)
(1) مظهر من مظاهر الرّجولة والشّهامة.
(2) تورث العفّة والنّزاهة.
(3) صمام أمن للمجتمع من الشّرور والأخطار
(4) تنمّي الفضيلة وتمحق الرّذيلة
(5) بها تستجلب المكارم وتستدفع المكاره.
(6) دلالة الثّقة بالله العزيز.
(7) مظهر من مظاهر رسوخ اليقين والقوّة في الدّين.
(8) بها يستجلب العون من الله.
(9) من مكارم صفات الإسلام.
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (194) .(7/2848)
العزم والعزيمة
العزم لغة:
العزم في اللّغة مصدر قولهم عزم يعزم، وهو مأخوذ من مادّة (ع ز م) الّتي تدلّ على الصّريمة والقطع، يقال: عزمت عليك إلّا فعلت كذا، أي جعلته أمرا عزما لا مثنويّة (أي لا استثناء) فيه، ويقال: كانوا يرون لعزمة الخلفاء طاعة، وقال الخليل:
العزم ما عقد عليه القلب من أمر أنت فاعله، ويقال ما لفلان عزيمة، أي ما يعزم عليه كأنّه لا يمكنه أن يصرم الأمر بل يختلط فيه ويتردّد، ومن الباب: عزمت على الجنّيّ وذلك أن تقرأ عليه من عزائم القرآن، وهي الايات الّتي يرجى بها قطع الافة، يقال: اعتزم السّائر إذا سلك القصد قاطعا له. والاعتزام لزوم القصد في المشي، والفعل منه عزم وهو من باب ضرب وقعد فعلى هذا تقول: عزم يعزم (بالكسر والضّمّ) عزما ومعزما ومعزما وعزما وعزيما وعزيمة وعزمة، واعتزمه واعتزم عليه أراد فعله وفي التّنزيل العزيز فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ (محمد/ 21) بالرّفع أي عزم عليه أو أنّ أرباب الأمر عزموا عليه. وتقول: ما لفلان عزيمة: أي لا يثبت على أمر يعزم عليه. وعزم عليه ليفعلنّ كذا أي أقسم عليه، وعزمت عليك أي أمرتك أمرا جدّا، وعزائم الايات/ الأحاديث/ الاثار 8/ 18/ 3
السّجود: ما عزم على قارىء آيات السّجود أن يسجد لله فيها. وأولو العزم من الرّسل: هم الّذين عزموا على أمر الله فيما عهد إليهم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى الله عليهم وسلّم أجمعين «1» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: عقد القلب على إمضاء الأمر.
وقال الكفويّ: هو القصد على إمضاء الأمر «2» .
الفرق بين العزم والإرادة والهمّ:
قال الكفويّ: دواعي الإنسان إلى الفعل من خير أو شرّ على مراتب، منها: الإرادة، ومنها: الهمّ (بالشّيء) ، ومنها: العزم. وذكر الفرق بين هذه الثّلاثة فقال:
الهمّ اجتماع النّفس على الأمر، والإزماع عليه، والعزم هو القصد على إمضائه، فالهمّ فوق الإرادة ودون العزم، وهو (أي الهمّ) أوّل العزيمة «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الشجاعة- علو الهمة- قوة الإرادة- القوة- الرجولة- المروءة- الشهامة- النشاط- النبل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمعة- التهاون- الضعف- الكسل- الوهن- صغر الهمة- اليأس] .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 308) ، والصحاح (5/ 1985) . ولسان العرب (5/ 2932- 2933) . ومفردات القرآن للراغب (565) . والمصباح المنير للفيومي (408) .
(2) مفردات القرآن (565) . وبمعناه في لسان العرب (5/ 2932) . والكليات للكفوي (691) .
(3) الكليات (961) .(7/2849)
الايات الواردة في «العزم والعزيمة»
1- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «1»
2- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «2»
3- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «3»
4-* لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4»
5- وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «5»
6- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
__________
(1) البقرة: 226- 227 مدنية
(2) البقرة: 235 مدنية
(3) آل عمران: 159 مدنية
(4) آل عمران: 186 مدنية
(5) لقمان: 13- 19 مكية(7/2850)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «1»
7- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «2»
8- طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) «3»
__________
(1) الشورى: 36- 43 مكية
(2) الأحقاف: 35 مكية
(3) محمد: 21 مدنية(7/2851)
الأحاديث الواردة في (العزم والعزيمة)
1-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في صلاته: «اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ) * «1» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولنّ اللهمّ إن شئت فأعطني، فإنّه لا مستكره له» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال لمؤذّنه في يوم مطير إذا قلت: أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أنّ محمّدا رسول الله، فلا تقل حيّ على الصّلاة، قل: صلّوا في بيوتكم. قال: فكأنّ النّاس استنكروا ذاك- فقال: أتعجبون من ذا؟ قد فعل ذا من هو خير منّي. إنّ الجمعة عزمة «3» وإنّي كرهت أن أحرجكم، فتمشوا في الطّين والدّحض «4» ) * «5» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال صلّى الله عليه وسلّم: (ص) ليس من عزائم السّجود «6» ، وقد رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسجد فيها) * «7» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لقد أتاني اليوم رجل فسألني عن أمر ما دريت ما أردّ عليه، فقال أرأيت رجلا مؤديا «8» نشيطا يخرج مع أمرائنا في المغازي فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها، فقلت له: والله لا أدري ما أقول لك، إلّا أنّا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعسى ألّا يعزم علينا في أمر إلّا مرّة حتّى نفعله، وإنّ أحدكم لن يزال بخير ما اتّقى الله وإذا شكّ في نفسه شيء سأل رجلا فشفاه منه، وأوشك ألّا تجدوه، والّذي لا إله إلّا هو ما أذكر ما غبر «9» من الدّنيا إلّا كالثّغب «10» شرب صفوه وبقي كدره) * «11» .
6-* (عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلميّ قال:
خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من خلقه فليتوضّأ وليصلّ ركعتين ثمّ ليقل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. اللهمّ إنّي أسألك موجبات رحمتك وعزائم
__________
(1) النسائي (3/ 54) واللفظ له. والترمذي (3407) ، أحمد (4/ 125) ، وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 259) : ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه برقم (2416) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6338) .
(3) عزمة: أي واجبة متحتمة.
(4) الدحض بمعنى الزلق والزلل والوحل الكثير.
(5) البخاري- الفتح 2 (901) ، مسلم (699) واللفظ له.
(6) يعني السجود في سجدة سورة (ص) ليس على سبيل الأمر والوجوب.
(7) البخاري- الفتح 2 (1069) .
(8) مؤديا: أي الأداء، ومعناه: قويّا.
(9) ما غبر: أي ما مضى.
(10) الثّغب: الموضع المطمئن في أعلى الجبل يستنقع فيه ماء المطر، وقيل هو غدير في غلظ من الأرض، وقيل هو غدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق.
(11) البخاري- الفتح 6 (2964) .(7/2852)
مغفرتك، والغنيمة من كلّ برّ والسّلامة من كلّ إثم، أسألك ألّا تدع لي ذنبا إلّا غفرته، ولا همّا إلّا فرّجته، ولا حاجة هي لك رضا إلّا قضيتها لي، ثمّ يسأل الله من أمر الدّنيا والآخرة ما شاء فإنّه يقدّر» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في (العزم العزيمة) معنى
7-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود.
قال: «إنّي والله ما آمن يهود على كتاب» قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: «فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم» ) * «2» .
8-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكارهنا، وعلى ألاننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا لا نخاف في الله لومة لائم) * «3» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت:
يا رسول الله، ذهب الرّجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله.
فقال: «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا» ، فاجتمعن. فأتاهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعلّمهنّ ممّا علّمه الله. ثمّ قال: «ما منكنّ امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلّا كان لها حجابا من النّار» فقالت امرأة منهم: يا رسول الله، اثنين؟ قال: فأعادتها مرّتين. ثمّ قال: «واثنين واثنين واثنين» ) * «4» .
10-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يحبّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأمّا الّذين يحبّهم الله: فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه، فتخلّف رجل بأعقابهم فأعطاه سرّا لا يعلم بعطيّته إلّا الله، والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملّقني ويتلو آياتي. ورجل كان في سريّة فلقي العدوّ فهزموا، وأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «5» .
11-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء ما عز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) ابن ماجة فى الإمامة حديث رقم (1384) .
(2) الترمذي (2715) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 30) : وهو كما قال، وأبو داود (3645) .
(3) البخاري- الفتح (7199) و (7200) ، ومسلم (1709) ، والنسائي (7/ 139) واللفظ له، وصحيح النسائي للألباني (3872) . وابن ماجة (3866) بلفظ: وعلى أن نقول بالحق بدل العدل.
(4) البخاري- الفتح 13 (7310) .
(5) الترمذى (2568) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح. والنسائى (5/ 84) . وأحمد (5/ 153) . وهو في المشكاة حديث (1922) . وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 564) : وهو حديث حسن.(7/2853)
فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال: «ويحك «1» ارجع فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء فقال: يا رسول الله، طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» . قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة، قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» . فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبه جنون؟» . فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» . فقام رجل فاستنكهه «2» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» . فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز. إنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده.
ثمّ قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لماعز بن مالك» . قال:
فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمّة لوسعتهم» .
قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «3» من الأزد.
فقالت: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» . فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» .
قالت: إنّها حبلى من الزّنى. فقال: «آنت؟» قالت: نعم.
فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» . فقام رجل من الأنصار فقال إليّ رضاعه يا نبيّ الله. قال:
فرجمها) * «4» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل» قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) * «5» .
13-* (قال أنس- رضي الله عنه-: عمّي الّذي سمّيت به «6» لم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا.
قال: فشقّ عليه. قال: أوّل مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيّبت عنه. وإن أراني الله مشهدا، فيما بعد، مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، قال: فاستقبل سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمرو! أين؟ فقال: واها لريح الجنّة «7» . أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتّى قتل. قال: فوجد في جسده
__________
(1) ويحك: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
(2) فاستنكهه: شم رائحته.
(3) غامد: بطن من قبيلة جهينة.
(4) مسلم (1695) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4563) .
(6) الذي سميت به: أي باسمه، وهو أنس بن النضر.
(7) واها لريح الجنة: قال العلماء واها كلمة تحنّن وتلهّف. والقائل هو أنس- رضي الله عنه-.(7/2854)
بضع وثمانون. من بين ضربة وطعنة ورمية. قال:
فقالت أخته عمّتي الرّبيّع بنت النّضر: فما عرفت أخي إلّا ببنانه. ونزلت هذه الاية: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ 23) قال:
فكانوا يرون أنّها نزلت فيه وفي أصحابه) * «1» .
14-* (عن سلمان- رضي الله عنه- قال:
كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جيّ وكان أبي دهقان «2» قريته وكنت أحبّ خلق الله إليه، فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته، أي ملازم النّار، كما تحبس الجارية، وأجهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «3» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له ليوما. فقال: لي: يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها «4» ، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون، كنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته. فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه، فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدّين؟ قالوا: بالشّام، قال ثمّ رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كلّه، قال: فلمّا جئته، قال: أي بنيّ، أين كنت؟
ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس. قال: أي بنيّ، ليس في ذلك الدّين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلّا والله، إنّه خير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثمّ حبسني في بيته، قال: وبعثت إلى النّصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى، فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشّام تجّار من النّصارى. قال: فأخبروني بهم.
قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم. قال: فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام، فلمّا قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدّين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلّم منك وأصلّي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق «5» . قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثمّ مات فاجتمعت إليه النّصارى ليدفنوه،
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2805) . ومسلم (1903) واللفظ له.
(2) الدهقان: بكسر الدال وضمها: التاجر فارسي معرب، والجمع دهاقنة ودهاقين.
(3) قطن النار: أي خازنها وخادمها.
(4) فاطّلعها: قوّمها.
(5) الورق- بفتح الواو وكسر الراء- الدراهم خاصة وربما سميت الفضة ورقا.(7/2855)
فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال:
قلت: أنا أدلّكم على كنزه، قالوا: فدلّنا عليه. قال:
فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. قال: فلمّا رأوها، قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه، ثمّ رجموه بالحجارة، ثمّ جاؤا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلّي الخمس أرى أنّه أفضل منه، أزهد في الدّنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه. قال: فأحببته حبّا لم أحبّه من قبله، وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة؛ فقلت له: يا فلان! إنّي كنت معك وأحببتك حبّا لم أحبّه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله! فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك النّاس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلّا رجلا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب، لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إنّ فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنّك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات، فلمّا حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إنّ فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللّحوق بك، وقد حضرك من الله- عزّ وجلّ- ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنّا عليه إلّا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به.
قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين فجئته، فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال:
فأقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله! ما لبث أن نزل به الموت، فلمّا حضر «1» ، قلت له: يا فلان، إنّ فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلّا رجلا بعمّوريّة، فإنّه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته. قال: فإنّه على أمرنا. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب عمّوريّة وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه، وأمرهم. قال:
واكتسبت حتّى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثمّ نزل به أمر الله فلمّا حضر، قلت له: يا فلان، إنّي كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟. قال: أي بنيّ! والله ما أعلمه أصبح على ما كنّا عليه أحد من النّاس، آمرك أن تأتيه، ولكنّه قد أظلّك زمان نبيّ هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النّبوّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثمّ مات وغيّب
__________
(1) حضر: أي دنا موته.(7/2856)
فمكثت بعمّوريّة ما شاء الله أن أمكث، ثمّ مرّ بي نفر من كلب «1» تجّارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟: قالوا نعم، فأعطيتهموها وحملوني حتّى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل من يهود عبدا، فكنت عنده، ورأيت النّخل ورجوت أن تكون البلد الّذي وصف لي صاحبي، ولم يحقّ لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عمّ له من المدينة من بني قريظة فابتاعني «2» منه، فاحتملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلّا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكّة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرّقّ، ثمّ هاجر إلى المدينة، فو الله إنّي لفي رأس عذق لسيّدي أعمل فيه بعض العمل، وسيّدي جالس، إذ أقبل ابن عمّ له حتّى وقف عليه.
فقال فلان: قاتل الله بني قيلة، والله إنّهم الان لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكّة اليوم يزعمون أنّه نبيّ، قال: فلمّا سمعتها أخذتني العرواء «3» حتّى ظننت سأسقط على سيّدي، قال: ونزلت عن النّخلة فجعلت أقول لابن عمّه ذلك: ماذا تقول، ماذا تقول؟ قال: فغضب سيّدي فلكمني لكمة شديدة، ثمّ قال: مالك ولهذا؟! أقبل على عملك، قال: قلت: لا شيء، إنّما أردت أن أستثبت عمّا قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته فلمّا أمسيت أخذته، ثمّ ذهبت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: قد بلغني أنّك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء، ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصّدقة فرأيتكم أحقّ به من غيركم، قال: فقرّبته إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل، قال:
فقلت في نفسي: هذه واحدة. ثمّ انصرفت عنه، فجمعت شيئا، وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، ثمّ جئت به، فقلت: إنّي رأيتك لا تأكل الصّدقة، وهذه هديّة أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثمّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ببقيع الغرقد، قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلّمت عليه، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الّذي وصف لي صاحبي؟
فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استدرته عرف أنّي أستثبت في شيء وصف لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبّله وأبكي. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تحوّل. فتحوّلت، فقصصت عليه حديثي. كما حدّثتك يا ابن عبّاس، قال: فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يسمع ذلك أصحابه، ثمّ شغل سلمان الرّقّ حتّى فاته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدر وأحد، قال: ثمّ قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كاتب يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجيبها له بالفقير «4» وبأربعين أوقيّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنّخل، الرّجل بثلاثين وديّة «5» ، والرّجل بعشرين. والرّجل بخمس عشرة، والرّجل بعشر، يعني الرّجل بقدر ما عنده،
__________
(1) كلب: قبيلة من قبائل العرب.
(2) ابتاعني: أي اشتراني.
(3) العرواء: الرّعدة. يقال: أخذته الحمى بعروائها.
(4) وكذا في نسخة «مسند الإمام أحمد» : بالفقير، وفي «مجمع الزوائد» : بالعفير.
(5) الوديّ: بتشديد الياء صغار النخل الواحدة ودية.(7/2857)
حتّى اجتمعت لي ثلاثمائة وديّة. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اذهب يا سلمان ففقّر لها «1» ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي» . ففقّرت لها وأعانني أصحابي، حتّى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معي إليها، فجعلنا نقرّب له الوديّ، ويضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، فو الّذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها وديّة واحدة، فأدّيت النّخل، وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل بيضة الدّجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال:
«ما فعل الفارسيّ المكاتب؟» . قال: فدعيت له، فقال: «خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان» . فقلت:
وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ قال: «خذها فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيؤدّي بها عنك» . قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والّذي نفس سلمان بيده! أربعين أوقيّة فأوفيتهم حقّهم، وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق، ثمّ لم يفتني معه مشهد) * «2» .
15-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق
الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال:
اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني «3» حتّى بلغ منّي الجهد «4» ، ثمّ أرسلني فقال:
اقرأ. قلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة، ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني، زمّلوني. فزمّلوه «5» حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا
__________
(1) فقر لها: أي احفر لها موضعا تغرس فيه.
(2) أحمد (5/ 441- 444) واللفظ له. والبزار (3/ 268) حديث (2726) من حديث بريدة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، كله والطبراني بنحوه في الكبير بأسانيد وإسناد احداها رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع، والرواية الثانية انفرد بها (9/ 332- 336) .
(3) غطني: أي ضمني وعصرني.
(4) الجهد: روي بالنصب أي بلغ الغط مني غاية وسعي، وروي بالرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه.
(5) زملوه: أي لفّوه وغطوه.(7/2858)
ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» ، قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك، أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «2» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «3» .
16-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة ... الحديث، وفيه: ثمّ إنّ المشركين راسلونا الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض.
واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله.
أسقي فرسه، وأحسّه وأخدمه. وآكل من طعامه.
وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
قال فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم.
فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال:
فاخترطت سيفي «4» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «5» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «6» يقال له مكرز.
يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «7» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «8» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الاية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) يا ليتني فيها جذعا: أي شابّا قويّا حتى أتمكن من نصرك، والجذع: الصغير من البهائم. ونصب «جذع» على أنه خبر كان المقدرة، وقيل: النصب على الحال و «فيها خبر ليت» ، ورواية الأصيلي «يا ليتني فيها جذع» بالرفع خبر ليت وعليه فلا إشكال.
(2) لم ينشب: أي لم يلبث.
(3) البخاري- الفتح 1 (3) .
(4) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(5) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله فى يده حزمة.
(6) العبلات: العبلات من قريش، هم أمية الصغرى. والنسبة اليهم عبلي. ترده الى الواحد.
(7) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(8) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.(7/2859)
بظهره «1» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه.
وخرجت معه بفرس طلحة. أندّيه «2» مع الظّهر.
فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه.
قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «3» . حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال قلت: خذها:
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «4» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته، فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة.
قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري.
وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «5» من الحجارة.
يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ.
فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن. قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا:
لقينا من هذا البرح. والله ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل.
قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة ابن الأكوع، والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الاخرم الأسديّ.
على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الاخرم قال:
فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الاخر،
__________
(1) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(2) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(3) فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(4) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(5) آراما من الحجارة: الارام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها. واحده إرم كعنب وأعناب.(7/2860)
وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن.
قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة- فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد ليشربوا منه وهم عطاش قال:
فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فخلّيتهم عنه «1» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «2» كتفه. قال قلت: خذها:
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: يا ثكلته أمّه، أكوعه بكرة «3» . قال قلت:
نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله! خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته.
قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟» .
قلت: نعم. والّذي أكرمك، فقال: «إنّهم الان ليقرون في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين:
سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون
__________
(1) فخليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث.
(2) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا.
(3) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة.(7/2861)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمّي، ذرني فلأسابق الرّجل، قال: «إن شئت» ، قال: قلت:
اذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت «1» فعدوت. قال:
فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «2» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «3» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظنّ «4» قال:
فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «5»
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصّوت، فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السّيف وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» ، ثمّ قال: «وجدناه بحرا «6» » أو قال: «إنّه لبحر» ) * «7» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة، فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين «8» وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا
__________
(1) فطفرت: أي وثبت وقفزت.
(2) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أى لئلا يقطعني البهر.
(3) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(4) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(5) مسلم (1807) .
(6) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس كالبحر في عدوه وسرعة جريه.
(7) البخاري- الفتح 6 (2908) .
(8) يتقصّف عليه نساء المشركين: أي يزدحمن.(7/2862)
أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا أن تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أريت دار هجرتكم، ورأيت سبخة ذات نخل بين لابتين» وهما الحرّتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت، قال: «نعم» .
فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «1» .
من الاثار وأقوال العلماء الواردة في (العزم والعزيمة)
1-* (سمع عامر بن عبد الله بن الزّبير (المتوفى سنة 123 هـ) - رحمه الله تعالى- المؤذّن وهو يجود بنفسه، فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنّك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب، فركع ركعة ثمّ مات) * «2» .
2-* (قال ابن القيّم، في معنى التّوبة النّصوح: أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ألايعود فيه. وقال الكلبيّ: أن يستغفر باللّسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن.
وقال سعيد بن المسيّب: التّوبة النّصوح ما تنصحون بها أنفسكم.
وقال محمّد بن كعب القرظيّ: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللّسان، الإقلاع بالأبدان، إضمار ترك العود بالجنان، مهاجرة سيّيء الإخوان) * «3» .
3-* (قال أبو حازم: عند تصحيح الضّمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الاثام أمّه الفتوح «4» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2297) .
(2) سير أعلام النبلاء (5/ 220) .
(3) مدارج السالكين (1/ 309- 310) .
(4) أمه الفتوح: أتاه وقصده.
(5) حلية الأولياء للأصبهاني (2/ 230) .(7/2863)
من فوائد (العزم والعزيمة)
1- العزيمة دليل حسن الظّنّ.
2- دليل متانة الدّين وعلامة اليقين.
3- تصنع المستحيلات وتليّن الصعوبات.
4- هي خير معين على طلب العلم.
5- العزيمة في التّوبة ترزق حسن القبول وحسن المغفرة.
6- العزيمة على طلب الحقّ تثمر نور الحقّ وجلال الإيمان.
7- حسن العزيمة في الجهاد يضاعف قوّة الرّجال إلى ما لا نهاية.(7/2864)
العطف
العطف لغة:
مصدر عطف يعطف عطفا وعطوفا، وهو مأخوذ من مادّة (ع ط ف) الّتي تدلّ على انثناء وعياج، يقال عطفت الشّيء إذا أملته وانعطف إذا انعاج، ويقال: عطف يعطف (بالكسر) من باب ضرب: وهو الحنان والميل، تقول: عطفت النّاقة على ولدها عطفا إذا حنّت عليه ودرّ لبنها، وعطف الله تعالى بقلب السّلطان على رعيّته إذا جعله عاطفا رحيما.
وتقول: عطف عطوفا يعني مال، واستعطفته:
سألته أن يعطف فعطف، وامرأة عطوف: محبّة لزوجها حانية على أولادها، وامرأة عطف: ليّنة هيّنة ذلول مطواع لا كبر لها.
وتعطّف عليه: وصله وبرّه، وتعطّف على رحمه:
رقّ لها وأشفق، وتعاطفوا: عطف بعضهم على بعض، ورجل عاطف وعطوف: عائد بفضله حسن الخلق.
وقال الرّاغب: العطف يقال في الشّيء إذا ثني أحد طرفيه إلى الاخر كعطف الغصن والوسادة والحبل، ويستعار للميل والشّفقة إذا عدّي ب «على» نحو: عطف عليه، وإذا عدّي ب «عن» يكون على الضّد نحو عطفت عنه أي أعرضت وصددت «1» .
واصطلاحا:
قال ابن أبي جمرة- رحمه الله تعالى- في بيان الايات/ الأحاديث/ الاثار-/ 19/ 6
المراد بالتّعاطف إنّه: إعانة النّاس بعضهم بعضا، كما يعطف الثّوب عليه ليقوّيه «2» .
الفرق بين التراحم والتعاطف والتّوادّ:
قال ابن أبي جمرة- رحمه الله- في شرحه لحديث: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ، قال رحمه الله: الّذي يظهر أنّ التّراحم والتّوادّ والتّعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف:
فأمّا التّراحم: فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوّة الإيمان لا بسبب شيء آخر.
وأمّا التّوادّ: فالمراد به التّواصل الجالب للمحبّة كالتّزاور والتّهادي.
وأمّا التّعاطف: فالمراد به إعانة بعضهم بعضا، كما يعطف الثّوب عليه ليقوّيه «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الشفقة- صلة الرحم- الحنان- الرأفة- الرحمة- الرفق- بر الوالدين- البر- السخاء- الإحسان- كفالة اليتيم- تكريم الإنسان- الإنفاق- المحبة.
وفي ضد ذلك: سوء المعاملة- العنف- القسوة- قطيعة الرحم- عقوق الوالدين- العبوس- الجفاء- سوء الخلق] .
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 351) ، الصحاح (4/ 1405) ، ولسان العرب (5/ 2996- 2997) ، ومفردات الراغب (338) .
(2) فتح الباري (10/ 453- 454) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(7/2865)
الأحاديث الواردة في (العطف)
1-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» ) * «1» .
2-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق- يوم خلق السّماوات والأرض- مائة رحمة، كلّ رحمة طباق ما بين السّماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطّير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة، أكملها بهذه الرّحمة» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (العطف) معنى
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف، فإنّ منهم الضّعيف والسّقيم والكبير، وإذا صلّى أحدكم لنفسه فليطوّل ما شاء» ) * «3» .
4-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على ألاتطرحه، فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «4» .
5-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال:
كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أمّا صاحبكم فقد غامر» ، فسلّم وقال: يا رسول الله، إنّي كان بيني وبين ابن الخطّاب شيء فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) » ، ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمّ أبو بكر؟. فقالوا:
لا، فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر «5» ، حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر:
صدق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟» (مرّتين) فما أوذي بعدها) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6011) واللفظ له، ومسلم (2586) .
(2) مسلم (2753) .
(3) البخاري- الفتح 2 (703) واللفظ له، ومسلم (467) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له، ومسلم (2754) .
(5) يتمعّر: يتغير.
(6) البخاري- الفتح 7 (3661) .(7/2866)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها:
إنّما ذهب بابنك، فقالت الاخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصّغرى» ) * «1» .
7-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله، علّمني عملا يدخلني الجنّة. قال:
«لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «2» ، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة. قال: أوليستا واحدا؟ قال لا، عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب، والفيء على ذي الرّحم. فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير) * «3» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له، قال فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» . قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العطف)
9-* (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «5» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «6» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أعتم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة حتّى ذهب عامّة اللّيل. وحتّى نام أهل المسجد، ثمّ خرج فصلّى. فقال:
«إنّه لوقتها، لولا أن أشقّ على أمّتي» ) * «7» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. فقال: «لقد لقيت من قومك. وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي- فإذا أنا بسحابة قد
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3427) واللفظ له، ومسلم (1720) .
(2) لئن أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير.
(3) أحمد: (4/ 299) والأدب المفرد (1/ 104) برقم (69) واللفظ له وقال مخرجه: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات.
(4) مسلم (1728) .
(5) شببة: جمع شاب مثل بررة جمع بار.
(6) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) .
(7) البخاري- الفتح 2 (569) ، ومسلم (638) واللفظ له.(7/2867)
أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد! إنّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قالت قريش للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ادع لنا ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا، فإن أصبح ذهبا، اتّبعناك، فدعا ربّه فأتاه جبريل- عليه السّلام- فقال: إنّ ربّك يقرئك السّلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبا، فمن كفر منهم عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التّوبة والرّحمة. قال: «بل باب التّوبة والرّحمة» ) * «2» .
13-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها) * «3» .
14-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء «4» ، فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد! فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاجّ. فقال: (إعظاما لذلك) «أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» . ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد! وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا. فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كلّ الفلاح» ، ثمّ انصرف. فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد! فأتاه فقال:
«ما شأنك؟» . قال: إنّي جائع فأطعمني وظمان فاسقني. قال: «هذه حاجتك» ، ففدي بالرّجلين) * «5» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! قلنا:
بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع.
فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «6» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «7» واختمرت، وتقنّعت
__________
(1) مسلم (1795) .
(2) أحمد (1/ 345) ، مجمع الزوائد (10/ 196) واللفظ له، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(3) البخاري- الفتح 10 (5996) واللفظ له، مسلم (543) .
(4) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل ثم انتقلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(5) مسلم (1641) .
(6) أجافه: أي أغلقه.
(7) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة: قميصها.(7/2868)
إزاري «1» ، ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام، فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «2» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش، حشيا رابية «3» » . قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم. فلهدني «4» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. قال: «نعم» . قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت.
فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي.
فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» .. قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله! قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «5»
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا فانطلق إنسان إلى غيضة «6» فأخرج منها بيض حمّرة فجاءت الحمّرة ترفّ على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورؤوس أصحابه.
فقال: «أيّكم فجع هذه؟» ، فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اردده» ) * «7» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
لمّا أنزلت هذه الاية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا، فعمّ وخصّ فقال: «يا بني كعب بن لؤيّ! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني مرّة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد المطّلب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النّار، فإنّي لا أملك لكم من الله شيئا غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها» «8» ) * «9» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما مثلي ومثل أمّتي، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدّوابّ والفراش يقعن
__________
(1) تقنعت إزاري: لبست إزاري.
(2) فأحضرت: فأسرعت.
(3) مالك يا عائش حشيا رابية: يعني وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره.
(4) فلهدني: دفعني.
(5) مسلم (974) .
(6) الغيضة: الشجر الملتف.
(7) مسند أحمد (1/ 404) برقم (3834) واللفظ له، وأبو داود (5268) .
(8) ومعنى الحديث: سأصلها شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة ومنه بلوا أرحامكم أي صلوها.
(9) مسلم (204) .(7/2869)
فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحّمون «1» فيه» ) * «2» .
19-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم! إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلتهم، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (العطف)
1-* (كان عيسى ابن مريم- عليهما السّلام- يقول: لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهل، وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنّه ينفع) * «4» .
2-* (عن عروة بن الزّبير قال: ذهب عبد الله ابن الزّبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة، وكانت أرقّ شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
3-* (قال الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما:
المروءة حفظ الرّجل دينه، وحذره نفسه، وحسن قيامه بضيفه، وحسن المنازعة، والإقدام في الكراهية.
والنّجدة: الذّبّ عن الجار، والصّبر في المواطن.
والكرم: التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل) * «6» .
4-* (قال عون بن عبد الله: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير «7» مكتئبا، معه شيء ينكت به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له «8» صاحب مسحاة «9» ، فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه «10» ، فقال: لا شيء، فقال صاحب المسحاة: أللدّنيا؟ فإنّ الدّنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق، يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه، قال: فقال: لما فيه المسلمون.
قال: فإنّ الله سينجيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه،
__________
(1) تقحّمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت.
(2) مسلم (2284) .
(3) مسلم (2283) في باب شفقته صلّى الله عليه وسلّم ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم.
(4) الدارمي (379) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3503) .
(6) الإحياء (3/ 246) .
(7) قتاله مع الحجّاج.
(8) عرض له.
(9) مجراف من الحديد.
(10) استصغر شأنه.(7/2870)
ودعاه فلم يجبه، وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت الدّعاء «1» ، اللهمّ سلّمني وسلّم منّي، فتجلّت «2» ولم تصب منه أحدا) * «3» .
5-* (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-:
صلة الرّحم هو أداء الواجب لها من حقوق الله الّتي أوجب لها والتّعطّف عليها بما يحقّ التّعطّف به عليها) * «4» .
6-* (قال أبو سليمان الدّارنيّ: جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر) * «5» .
من فوائد (العطف)
1- صورة من صور تكامل المجتمع.
2- العطف من رحمة الله.
3- الرّحمة بالضّعفاء والمرضى تدخل السّرور على قلوبهم وتسعدهم.
4- إمهال المخطئين وهو ممّا يصلح المجتمع.
5- الرّحمة بالحيوان.
6- يثمر حبّ الخير للغير.
__________
(1) اغتنمته
(2) انكشفت.
(3) التوكل على الله لابن أبي الدنيا (52) ، وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(4) عدة الصابرين (144) .
(5) جامع البيان في تفسير القرآن (1/ 144) .(7/2871)
العفة
العفة لغة:
مصدر قولهم عفّ عن الشّيء يعفّ عفّة، وهذا مأخوذ من مادّة (ع ف ف) الّتي تدلّ على «الكفّ عن القبيح» «1» يقال: عفّ عن الحرام يعفّ عفّا وعفّة وعفافا وعفافة، أي كفّ، وقال الرّاغب: أصل العفّة الاقتصار على تناول الشّيء القليل الجاري مجرى العفافة (أي البقيّة من الشّيء) أو مجرى العفعف وهو ثمر الأراك، والاستعفاف طلب العفّة.
وقال ابن منظور: العفّة: الكفّ عمّا لا يحلّ ويجمل، والعفّة أيضا: النزاهة.
ويقال: عفّ عن المحارم والأطماع الدّنيّة، يعفّ عفّة وعفّا وعفافة وعفافا فهو عفيف، وتعفّف أي تكلّف العفّة. والعفاف أيضا: هو الكفّ عن الحرام والسّؤال من النّاس. والاستعفاف: طلب العفاف، وهذا معنى قول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً (النور/ 33) أي ليضبط نفسه بمثل الصّوم فإنّه وجاء، وكذلك في الحديث:
«ومن يستعفف يعفّه الله» . والاستعفاف أيضا: الصّبر الايات/ الأحاديث/ الاثار 5/ 44/ 16
والنّزاهة عن الشّيء ومنه الحديث: «اللهمّ إنّي أسألك العفاف والغنى» .
ويقال: رجل عفّ وعفيف والأنثى بالهاء وجمع العفيف: أعفّة وأعفّاء، وقيل: العفيفة من النّساء السّيّدة الخيّرة. وقيل هي عفّة الفرج، ونسوة عفائف، ورجل عفيف أيضا معناه عفّ عن المسألة والحرص، وقيل في وصف قوم: أعفّة الفقر. أي إنّهم إذا افتقروا لم يفشوا المسألة القبيحة «2» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: العفّة حصول حالة للنّفس تمتنع بها عن غلبة الشّهوة، والمتعفّف هو المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر «3» .
وقال أيضا: العفّة هي ضبط النّفس عن الملاذّ الحيوانيّة، وهي حالة متوسّطة من إفراط هو الشّره وتفريط وهو جمود الشّهوة «4» .
وقال الكفويّ: العفّة هي الكفّ عمّا لا يحلّ «5» .
وقال الجاحظ: هي ضبط النّفس عن الشّهوات
__________
(1) لهذه المادة معنى آخر هو «القلة في الشيء» ومنه العفة في معنى بقية اللبن في الضرع. انظر مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 3) .
(2) لسان العرب (4/ 3015) . والصحاح (4/ 1405- 1406) ، والمقاييس (4/ 3) ، والمفردات (339) .
(3) المفردات (339) .
(4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (315) .
(5) انظر الكليات (656) .(7/2872)
وقصرها على الاكتفاء بما يقيم أود الجسد ويحفظ صحّته فقط، واجتناب السّرف في جميع الملذّات وقصد الاعتدال، وأن يكون ما يقتصر عليه من الشّهوات على الوجه المستحبّ المتّفق على ارتضائه وفي أوقات الحاجة الّتي لا غنى عنها، وعلى القدر الّذي لا يحتاج إلى أكثر منه، ولا يحرس النّفس والقوّة أقلّ منه، وهذه الحال هي غاية العفّة «1» .
قال الجرجانيّ- رحمه الله تعالى-: العفّة: هي هيئة للقوّة الشّهويّة متوسّطة بين الفجور الّذي هو إفراط هذه القوّة والخمود الّذي هو تفريطه. فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشّرع والمروءة «2» .
أنواع العفة:
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: العفّة والنّزاهة والصّيانة من شروط المروءة، والعفّة نوعان:
أحدهما العفّة عن المحارم، والثّاني العفّة عن الماثم، فأمّا العفّة عن المحارم، فنوعان: أحدهما ضبط الفرج عن الحرام، والثّاني كفّ اللّسان عن الأعراض، فأمّا ضبط الفرج عن الحرام فلأنّ عدمه مع وعيد الشّرع وزاجر العقل معرّة فاضحة، وهتكة واضحة. وأمّا كفّ اللّسان عن الأعراض؛ فلأنّ عدمه ملاذّ السّفهاء وانتقام أهل الغوغاء، وهو مستسهل الكفّ، وإذا لم يقهر نفسه عنه برادع كافّ، وزاجر صادّ، تلبّط بمعّارّه، وتخبّط بمضارّه، وأمّا العفّة عن الماثم فنوعان أيضا: أحدهما: الكفّ عن المجاهرة بالظّلم، والثّاني:
زجر النّفس عن الإسرار بخيانة. فأمّا المجاهرة بالظّلم فعتوّ مهلك وطغيان متلف، ويؤول إن استمّر إلى فتنة تحيط في الغالب بصاحبها فلا تنكشف إلّا وهو مصروع. وأمّا الاستسرار بالخيانة فضعة لأنّه بذلّ الخيانة مهين، ولقلّة الثّقة به مستكين، وقد قيل: من يخن يهن. هذا ولا يجعل ما يتظاهر به من الأمانة زورا، ولا ما يبديه من العفّة غرورا، فينتهك الزّور وينكشف الغرور، فيكون مع هتكه للتّدليس أقبح، ولمعرّة الرّياء أفضح «3» .
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-: الكمال عزيز والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق.
فالطّبائع: العفّة، والنّزاهة، والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره.
والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف، والحلم عن الجاهل.
فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص «4» .
__________
(1) تهذيب الأخلاق (21، 22) .
(2) التعريفات (151) والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (243) .
(3) أدب الدنيا والدين (384- 390) بتصرف شديد.
(4) صيد الخاطر (289) .(7/2873)
شروط العفة:
واعلم أنّه لا يكون المتعفّف عفيفا إلّا بشرائط:
وهي ألايكون تعفّفه عن الشّيء انتظارا لأكثر منه أو لأنّه لا يوافقه، أو لجمود شهوته، أو لاستشعار خوف من عاقبته، أو لأنّه ممنوع من تناوله، أو لأنّه غير عارف به لقصوره فإنّ ذلك كلّه ليس بعفّة بل هو إمّا اصطياد، أو تطبّب أو مرض أو خرم أو عجز أو جهل، وترك ضبط النّفس عن الشّهوة أذمّ من تركها عن الغضب.
فالشّهوة مغتالة مخادعة، والغضب مغالب والمتحيّز عن قتال المخادع أردأ حالا من المتحيّز عن قتال المغالب. ولهذا قيل عبد الشّهوة أذلّ من عبد الرّقّ، وأيضا بالشّره قد يجهل عيبه فهو شبيه بأهل مدينة لهم سنّة رديئة يتعاطونها وهم يعرفون قبحها، وليس من تعاطى قبيحا يعرفه كمن يتعاطاه وهو يظنّه حسنا «1» .
تمام العفة:
لا يكون الإنسان تامّ العفّة حتّى يكون عفيف اليد واللّسان والسّمع والبصر فمن عدمها في اللّسان السّخرية، والتّجسّس والغيبة والهمز والنّميمة والتّنابز بالألقاب، ومن عدمها في البصر: مدّ العين إلى المحارم وزينة الحياة الدّنيا المولّدة للشّهوات الرّديئة، ومن عدمها في السّمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة.
وعماد عفّة الجوارح كلّها ألايطلقها صاحبها في شيء ممّا يختصّ بكلّ واحد منها إلّا فيما يسوّغه العقل والشّرع دون الشّهوة والهوى «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: تعظيم الحرمات- حفظ الفرج- المروءة- النزاهة- الشهامة- الرجولة- النبل- الحجاب- الغيرة- غض البصر- الحياء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات- الزنا- التبرج- الفسوق- العصيان- الدياثة- الذل- الخنوثة- إطلاق البصر- الغي والإغواء- الفحش- الكذب- النميمة] .
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة (319) بتصرف.
(2) الذريعة إلى مكارم الشريعة (319) .(7/2874)
الآيات الواردة في «العفة»
آيات العفة فيها عن الأجر أو السؤال للحاجة:
1- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) * لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) «1»
2- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5)
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «2»
آيات العفة فيها عن شهوة النكاح أو أسبابه:
3- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ
__________
(1) البقرة: 270- 273 مدنية
(2) النساء: 4- 7 مدنية(7/2875)
أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «1»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «2»
الايات الواردة في «العفة» معنى
5- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) «3»
. وانظر صفة «حفظ الفرج»
__________
(1) النور: 30- 33 مدنية
(2) النور: 58- 60 مدنية
(3) يوسف: 23- 25 مكية(7/2876)
الأحاديث الواردة في (العفة)
1-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعفّ «2» النّاس قتلة: أهل الإيمان» ) * «3» .
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنّه كان بالشّام في رجال من قريش قدموا تجّارا في المدّة الّتي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين كفّار قريش. قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشّام، فانطلق بي وبأصحابي حتّى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه ... الحديث. وفيه:
قال: فماذا يأمركم به؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة ... وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأنّ حربكم وحربه تكون دولا، ويدال عليكم المرّة وتدالون عليه الاخرى، وكذلك الرّسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك بماذا يأمركم؟
فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصّلاة، والصّدق والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة.
قال: وهذه صفة نبيّ قد كنت أعلم أنّه خارج، ولكن لم أعلم أنّه منكم، وإن يك ما قلت حقّا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه» ... الحديث) * «4» .
4-* (عن أبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرأ قومك السّلام فإنّهم ما علمت أعفّة صبر» ) * «5» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-
__________
(1) أحمد (2/ 177) رقم (6661) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 139) : إسناده صحيح وعزاه كذلك للخرائطي في مكارم الأخلاق. (10/ 137) . وذكره الهيثمي في موضعين (4/ 145) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفي (10/ 295) وقال: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن. وذكره كذلك المنذري في الترغيب في (4/ 589) وقال: رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة. وذكره في المشكاة (5222) وقال رواه أحمد والبيهقي في الشعب. وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 301) رقم (886) وقال: صحيح. وفي الصحيحة (2/ 370) رقم (733) .
(2) العفة: النزاهة. ومعناها أنهم إذا قتلوا لا يمثلون.
(3) أبو داود (2666) واللفظ له. وابن ماجة (2681، 2682) . وأحمد (1/ 393) رقم (3727) وقال شاكر: إسناده صحيح (5/ 275) . وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 273) : حديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 6 (2941) واللفظ له. ومسلم (1773) .
(5) الترمذي (3903) واللفظ له وقال: حسن غريب. وقال المزي في تحفة الأشراف نقلا عن الترمذي: حسن صحيح (3/ 248) . وأحمد (3/ 150) ، والبزار كما في مجمع الزوائد (10/ 41) ، والحاكم (480) ، وصححه وأقره الذهبي، وصحح الألباني الشطر الثاني منه، وفي الحديث محمد بن ثابت البناني وهو- كما قال الحاكم-: عزيز الحديث لم يأت بمعني منكر.(7/2877)
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يقول: «اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف والغنى» ) * «1» .
6-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا.
كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «2» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك.
وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «3» تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «4» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «5» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب. «والشّنظير «6» الفحّاش» ) * «7» .
7-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم وعفّوا تعفّ نساؤكم» ) * «8» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حقّ على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف» ) * «9» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك المرج «10» والرّوضة كان له حسنات، ولو
__________
(1) مسلم (2721) .
(2) اجتالتهم: استخفوهم فذهبوا بهم.
(3) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مرّ الزمان.
(4) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(5) لا زبر له أي لا عقل له يزبره، ويمنعه مما لا ينبغي.
(6) الشنظير: السيء الخلق.
(7) مسلم (2865) .
(8) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 318) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال رواه أيضا هو وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها
(9) الترمذي (1655) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. والنسائي (6/ 61) . وابن ماجة (2518) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن وعزاه أيضا لأحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه (9/ 563) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (3/ 43) .
(10) المرج: يعني المرعى.(7/2878)
أنّها قطعت طيلها «1» فاستنّت شرفا أو شرفين «2» كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى به كان ذلك حسنات له، وهي لذلك الرّجل أجر، ورجل ربطها تغنّيا وتعفّفا ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء فهي على ذلك وزر» . وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحمر قال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الاية الفاذّة الجامعة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ) * «3» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «دخل رجل على أهله، فلمّا رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرّيّة فلمّا رأت امرأته قامت إلى الرّحى فوضعتها وإلى التّنّور فسجرته ثمّ قالت:
اللهمّ ارزقنا، فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت. قال:
وذهبت إلى التّنّور فوجدته ممتلئا. قال: فرجع الزّوج، قال: أصبتم بعدي شيئا؟ قالت امرأته: نعم من ربّنا، قام إلى الرّحى، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال «أما إنّه لو لم يرفعها لم تزل تدور إلى يوم القيامة» وشهدت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «والله لأن يأتي أحدكم صبيرا ثمّ يحمله يبيعه فيستعفّ منه خير له من أن يأتي رجلا يسأله» ) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لصاحب الحقّ: «خذ حقّك في عفاف واف أو غير واف» ) * «5» .
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «سرّحتني أمّي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: «من استغنى أغناه الله- عزّ وجلّ- ومن استعفّ أعفّه الله- عزّ وجلّ- ومن استكفى كفاه الله- عزّ وجلّ- ومن سأل وله قيمة أوقيّة، فقد ألحف» فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقيّة فرجعت ولم أسأله» ) * «6» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرض عليّ أوّل ثلاثة يدخلون الجنّة: شهيد وعفيف متعفّف وعبد أحسن عبادة الله، ونصح لمواليه» ) * «7» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) الطول: هو الحبل.
(2) استنت شرفا أو شرفين: يعني جرت شوطا أو شوطين فرحا.
(3) البخاري- الفتح 13 (7356) واللفظ له. ومسلم (987) .
(4) أحمد (2/ 513) رقم (1669) واللفظ له. قال الهيثمي رحمه الله تعالى: رواه الطبراني في الأوسط بنحوه ورجالهم رجال الصحيح غير شيخ البزار وشيخ الطبراني وهما ثقتان (10/ 256- 257) .
(5) ابن ماجة (2422) وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم. ورواه ابن حبان في صحيحه. وذكره الألباني (2/ 54) وقال: حسن صحيح.
(6) النسائي (5/ 98) واللفظ له وقال الألباني: حسن صحيح (2/ 549) (2432) . وأبو داود (1628) وذكره الألباني في الصحيح رقم (1440) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3/ 95) .
(7) الترمذي (1642) وقال: حديث حسن واللفظ له. أحمد (2/ 425) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن (18/ 137) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 535) : ورواه أيضا الحاكم والبيهقي. والحديث كما قال الترمذي (10/ 535) .(7/2879)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال رجل لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدّثون: تصدّق اللّيلة على زانية. قال:
اللهمّ لك الحمد على زانية. لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ. فأصبحوا يتحدّثون:
تصدّق على غنيّ. قال: اللهمّ لك الحمد على غنيّ لأتصدّقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدّثون تصدّق على سارق.
فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله. ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «1» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المسكين الّذي تردّه التّمرة والتّمرتان. ولا اللّقمة ولا اللّقمتان. إنّما المسكين الّذي يتعفّف. اقرؤا إن شئتم: يعني قوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً» ) * «2» .
16-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده. قال: «ما يكن عندي من خير فلن أدّخره عنكم. ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله.
ومن يصبر يصبّره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر» ) * «3» .
17-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق على نفسه نفقة يستعفّ بها فهي صدقة، ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة» ) * «4» .
18-* (عن ابن عمر وعائشة- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من طالب حقّا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف» ) * «5» .
19-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمارا وأردفني خلفه وقال: «يا أبا ذرّ، أرأيت إن أصاب النّاس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: «تعفّف» . قال يا أبا ذرّ! أرأيت إن أصاب النّاس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد- يعني القبر- كيف تصنع؟» . قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «اصبر» . قال: «يا أباذرّ أرأيت إن
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1421) . ومسلم (1022) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 8 (4539) واللفظ له. ومسلم (1039) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1469) . ومسلم (1053) واللفظ له.
(4) قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن (3/ 62) .
(5) ابن ماجة (2421) واللفظ له وذكره الألباني وقال: صحيح (2/ 54) . وذكره البخاري في الترجمة، وقال الحافظ: أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن حبان (الفتح (4/ 359) .(7/2880)
قتل النّاس بعضهم بعضا (يعني حتّى تغرق حجارة الزّيت «1» من الدّماء) كيف تصنع؟» . قال: الله ورسوله أعلم. قال: «اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك» . قال: فإن لم أترك؟ قال: «فائت من أنت منهم فكن فيهم» . قال: فاخذ سلاحي؟ قال: «إذا تشاركهم فيما هم فيه ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السّيف فألق طرف ردائك على وجهك حتّى يبوء بإثمه وإثمك» ) * «2» .
20-* (عن معاوية بن حيدة القشيريّ النّيسابوريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قلت: يا رسول الله إنّا قوم نتساءل أموالنا. قال: «يتساءل الرّجل في الجائحة أو الفتق ليصلح به بين قومه، فإذا بلغ أو كرب استعفّ» ) * «3» .
21-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جلده ونشاطه. فقالوا: يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن كان خرج يسعى على ولده «4» صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشّيطان» ) * «5» .
22-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو على المنبر، وهو يذكر الصّدقة والتّعفّف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السّفلى. واليد العليا المنفقة، والسّفلى السّائلة» ) * «6» .
__________
(1) حجارة الزيت: اسم موضع بالقرب من المدينة أحجاره لامعة.
(2) أبو داود (4261) وهو عند الألباني (3/ 803) وقال: صحيح. وابن ماجة (3958) وقال فيه الألباني: صحيح (2/ 355) . والحاكم (4/ 424) . وأحمد (5/ 149، 163) واللفظ له. وذكره الألباني في إرواء الغليل (8/ 101) رقم (2451) وعزاه كذلك لابن حبان والبيهقي والاجري في الشريعة والطبراني في الكبير.
(3) أحمد (5/ 3) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله ثقات (3/ 99- 1100) ومعني قوله (كرب) أي قارب وأوشك.
(4) الولد والولد- بضم أوله- ما ولد، وهو يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى، وقد جمعوا فقالوا: أولاد وولدة وإلدة، وقد يجوز أن يكون الولد جمع ولد كوثن جمع وثن.
(5) رواه الطبراني في الكبير (19/ 129) وقال مخرجه: هو في الأوسط والصغير. وذكره الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (633) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (3/ 63) واللفظ له. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح (4/ 325) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1429) . ومسلم (1033) واللفظ له.(7/2881)
الأحاديث الواردة في (العفة) معنى
23-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استغنوا عن النّاس، وما قلّ من السّؤال فهو خير» . قالوا: ومنك يا رسول الله؟. قال: «ومنّي» ) * «1» .
24-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: أصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحافظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «2» .
25-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم ونحن عنده: «طوبى للغرباء» . فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: «أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم» . قال: وكنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما آخر حين طلعت الشّمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيأتي أناس من أمّتي يوم القيامة نورهم كضوء الشّمس» . قلنا: من أولئك يا رسول الله؟. فقال: «فقراء المهاجرين الّذين تتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض» ) * «3» .
26-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» ، وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا:
قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» . قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. فعلام نبايعك؟. قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. والصّلوات الخمس. وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا. فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «4» .
27-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّت
__________
(1) الطبراني في الكبير ولفظه: «استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك» (11/ 444) . قال العراقي في تخريج الاحياء أخرجه البزار والطبراني وإسناده صحيح (4/ 211) . وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 94) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.
(2) أحمد (5/ 323) واللفظ له. وذكره الدمياطي في المتجر الرابح وقال: رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد (645) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (3/ 35) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 339) رقم (1029) وقال: حسن وفي الصحيحة (3/ 454) رقم (1470) وعزاه هناك أيضا لابن خزيمة والخرائطي في المكارم والطبراني والبيهقي في الشعب.
(3) أحمد (2/ 177) واللفظ له، وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 136) . وقال في المجمع (10/ 258، 259) رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير وله في الكبير أسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.
(4) مسلم (1043) .(7/2882)
المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت» ) * «1» .
28-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل.
فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «2» ، حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وإنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «3» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «4» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم «5» حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الاخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها، قالت: يا عبد الله، اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم. وقال الاخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «6» ، فلمّا قضى عمله قال:
أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزأ بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «7» .
__________
(1) أحمد (1/ 191) واللفظ له. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد رواة الصحيح خلا ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات (3/ 52) وكذا الدمياطي في المتجر الرابح وعزاه لابن حبان (493) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 240) رقم (673، 674) . وكذا في آداب الزفاف وقال: حسن أو صحيح (282) .
(2) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. يقال: أرحت الماشية وروحتها، بمعنى.
(3) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد. والنأي البعد.
(4) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع.
(5) فلم يزل ذلك دأبي: أي حالي اللازمة.
(6) بفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان، الفتح أجود وأشهر. وهو إناء يسع ثلاثة آصع.
(7) البخاري- الفتح 6 (3465) . ومسلم (2743) واللفظ له.(7/2883)
29-* (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ترى أعينهم النّار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفّت عن محارم الله» ) * «1» .
30-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: قد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منّي. حتّى أعطاني مرّة مالا.
فقلت: أعطه أفقر إليه منّي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«خذه. وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف، ولا سائل فخذه، ومالا، فلا تتبعه نفسك» ) * «2» .
31-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس «3» لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «4» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة الله- عزّ وجلّ-، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «5» .
33-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه» ) * «6» .
34-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث حديثا لو لم أسمعه إلّا مرّة أو مرّتين حتّى عدّ سبع مرّات ما حدّثت به ولكن سمعته أكثر من ذلك، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت. فقال: ما يبكيك؟
قالت: لأنّ هذا عمل ما عملته، وما حملني عليه إلّا الحاجة. فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله تعالى، فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله لا أعصيه بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل. فعجب النّاس من ذلك» ) * «7» .
__________
(1) ذكره الدمياطي في المتجر الرابح (1887) وقال: رواه الطبراني ولا بأس بإسناده إن شاء الله.
(2) البخاري- الفتح 13 (7164) . ومسلم (1045) واللفظ له.
(3) بإشراف نفس: أي بتطلّع وطمع فيه.
(4) البخاري- الفتح 3 (1472) . مسلم (1035) واللفظ له. وفيه عند الطبراني: ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله. وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (3/ 98) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له.
(6) مسلم (1054) .
(7) الترمذي (2496) وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (2/ 23) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (6/ 334) رقم (4747) . والحاكم (4/ 254- 255) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (491، 492) واللفظ له، وعزاه للترمذي ونقل تحسينه وكذا ابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد.(7/2884)
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدّق به، ويستغني به من النّاس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه.
ذلك، فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول» ) * «1» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «2» .
37-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصابته فاقة فأنزلها بالنّاس لم تسدّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إمّا بموت عاجل أو غنى عاجل» ) * «3» .
38-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة» ) * «4» .
39-* (عن رجل من بني أسد- رضي الله عنه- أنّه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقالت لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله لنا شيئا نأكله، فذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا أجدما أعطيك فولّى الرّجل عنه، وهو مغضب وهو يقول: لعمري إنّك لتعطي من شئت. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليغضب على أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقيّة أو عدلها فقد سأل إلحافا» قال الأسديّ: فقلت: للقحة لنا خير من أوقيّة- والأوقيّة أربعون درهما. فرجعت ولم أسأله- فقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك شعير وزبيب فقسم لنا منه حتّى أغنانا الله- عزّ وجلّ-) * «5» .
40-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه:
أنّ رجلا من الأنصار أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله، فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى. حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء. قال: «ائتني بهما» ، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، وقال:
«من يشتري هذين» قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: «من يزيد على درهم؟» مرّتين أو ثلاثا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إيّاه، وأخذ الدّرهمين وأعطاهما الأنصاريّ، وقال: «اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالاخر قدوما فأتني به» ، فأتاه به، فشدّ فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عودا بيده، ثمّ قال له: «اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينّك خمسة عشر يوما» فذهب الرّجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما،
__________
(1) مسلم (1042) . وأخرج البخاري نحوه من حديث الزبير ابن العوام 3 (1471) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6446) . ومسلم (1051) .
(3) أبو داود (1645) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (1/ 310) . والترمذي (2326) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (1/ 389) . ورواه أحمد في «المسند» رقم (3696) و (3896) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(4) البخاري- الفتح 11 (6474) .
(5) النسائي (5/ 98- 99) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (2/ 549، 550) . وأبو داود (1627) وقال الألباني: صحيح رقم (1433) .(7/2885)
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» ) * «1» .
41-* (روي أنّ عثمان- رضي الله عنه- أشرف على الّذين حاصروه في الدّار فسلّم عليهم فلم يردّوا عليه فقال عثمان- رضي الله عنه-: أفي القوم طلحة؟ قال طلحة: نعم. قال: فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. أسلّم على قوم أنت فيهم فلا تردّون. قال قد رددت. قال: ما هكذا الرّدّ. أسمعك ولا تسمعني؟. يا طلحة! أنشدك الله، أسمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ دم المسلم إلّا واحدة من ثلاث أن يكفر بعد إيمانه، أو يزني بعد إحصانه، أو يقتل نفسا فيقتل بها» . قال: اللهمّ نعم. فكبّر عثمان فقال: والله ما أنكرت الله منذ عرفته ولا زنيت في جاهليّة ولا إسلام، وقد تركته في الجاهليّة تكرّها، وفي الإسلام تعفّفا وما قتلت نفسا يحلّ بها قتلي» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العفة)
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد التّمرة ساقطة على فراشي، ثمّ أرفعها لاكلها ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «3» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: أخذ الحسن بن عليّ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصّدقة» ) * «4» .
44-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بتمرة في الطّريق قال: «لولا أنّي أخاف أن تكون من الصّدقة لأكلتها» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العفة)
1-* (قال لقمان الحكيم- رحمه الله تعالى:
«حقيقة الورع العفاف» ) * «6» .
2-* (لمّا فتح المسلمون القادسيّة أخذوا الغنائم ودفعوها إلى عمر. فقال: «إنّ قوما أدّوا هذا لأمناء، فقالوا له: عففت فعفّوا ولو رتعت يا أمير المؤمنين لرتعت أمّتك» ) * «7» .
__________
(1) أبو داود (1641) واللفظ له. وابن ماجة (2198) . والترمذي (1218) وقال حسن.
(2) أحمد (1/ 163) ورواه مختصرا وله طرق يصح بها. انظر نسخة الشيخ أحمد شاكر برقم (509) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2432) . ومسلم (1070) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 3 (1491) . ومسلم (1069) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 5 (2431) واللفظ له. ومسلم (171) .
(6) الورع لابن أبي الدنيا (59) .
(7) المرجع السابق (122) .(7/2886)
3-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- على المنبر: «لا تكلّفوا الأمة غير ذات الصّنعة الكسب؛ فإنّكم متى كلّفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلّفوا الصّغير الكسب؛ فإنّه إذا لم يجد يسرق، وعفّوا إذا أعفّكم الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها» ) * «1» .
4-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما:
«نحن معشر قريش نعدّ الحلم والجود السّؤدد، ونعدّ العفاف وإصلاح المال المروءة» ) * «2» .
5-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لمّا قال له النّاس: بايع لابن الزّبير: «وأين بهذا الأمر عنه «3» ، أمّا أبوه فحواريّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يريد الزّبير.
وأمّا جدّه فصاحب الغار- يريد أبا بكر-. وأمّا أمّه، فذات النّطاق- يريد أسماء- وأمّا خالته فأمّ المؤمنين يريد عائشة. وأمّا عمّته فزوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- يريد خديجة- وأمّا عمّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجدّته- يريد صفيّة-، ثمّ عفيف في الإسلام قارئ للقرآن، والله إن وصلوني وصلوني من قريب، وإن ربّوني ربّوني أكفاء كرام «4» .
فاثر عليّ التّويتات والأسامات والحميدات يريد أبطنا من بني أسد: بني تويت وبني أسامة وبني أسد أنّ ابن أبي العاص برز يمشي القدميّة «5» يعني عبد الملك بن مروان، وأنّه لوّى ذنبه، يعني ابن الزّبير» ) * «6» .
6-* (قال قلاخ (وهم جماعة يسمّون بهذا الاسم وأشهرهم القلاخ العنبريّ البصريّ المخضرم) لأبي جهل والحارث ابني هشام:
فهل يخلدنّ ابني هشام غناهما ... وما يجمعان من مئين ومن ألف
يقولان نستغني ووالله ما الغنى ... من المال إلّا ما يعفّ وما يكفي
) * «7» .
7-* (قال محمّد بن الحنفيّة- رحمه الله تعالى:
«الكمال في ثلاثة: العفّة في الدّين، والصّبر على النّوائب، وحسن التّدبير في المعيشة» ) * «8» .
8-* (قال محمّد بن أبي عمرة في وصيّته لبنيه وأهل بيته: «أن اتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين» . قال إبراهيم لبنيه ويعقوب: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة/ 132) . وأوصاهم ألايرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدّين، وأنّ العفّة والصّدق خير وأتقى من الزّنا والكذب ... » ) * «9» .
9-* (قال أبو قلابة (عبد الله بن زيد الجرميّ) - رحمه الله تعالى-: «أىّ رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفّهم أو ينفعهم الله به
__________
(1) الموطأ (981) .
(2) الاداب الشرعية (2/ 15) .
(3) معنى قوله وأين بهذا الأمر عنه: أن الخلافة ليست بعيدة عنه لشرفه ونسبه ووضعه.
(4) أكفاء: جمع كفء وهو المثل، وكرام: أي في أحسابهم
(5) القدمية: التبختر.
(6) البخاري- الفتح 8 (4665) .
(7) القناعة لابن السني (58) .
(8) أدب الدنيا والدين (393- 394) .
(9) الدارمي (2/ 104) .(7/2887)
ويغنيهم» ) * «1» .
10-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «خمس إذا أخطأ القاضي منهنّ خطّة كانت فيه وصمة: أن يكون فهما حليما عفيفا صليبا، عالما سئولا عن العلم» ) * «2» .
11-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى- لأصحابه وقد خرجوا يوم عيد: «إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا عفّة أبصارنا» ) * «3» .
12-* (قال أبو عمرو بن العلاء- رحمه الله تعالى-: «كان أهل الجاهليّة لا يسوّدون إلّا من كانت فيه ستّ خصال وتمامها في الإسلام سابعة: السّخاء، والنّجدة، والصّبر، والحلم، والبيان، والحسب، وفي الإسلام زيادة العفاف» ) * «4» .
13-* (قال منصور الفقيه- رحمه الله تعالى- «فضل التّقى أفضل من فضل اللّسان والحسب، إذاهما لم يجمعا إلى العفاف والأدب» ) * «5» .
14-* (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ دين المرء يفضي إلى السّتر والعفاف، ويؤدّي إلى القناعة والكفاف» ) * «6» .
15-* (قال ابن مفلح- رحمه الله-: «كان يقال: الشّكر زينة الغنى، والعفاف زينة الفقر» .
ويقال أيضا: «حقّ الله واجب في الغنى والفقر، ففي الغنى العطف والشّكر، وفي الفقر العفاف والصّبر» ) * «7» .
16-* (قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-:
«العالم إذا كان عليما ولم يكن عفيفا كان ضرره أشدّ من ضرر الجاهل» ) * «8» .
من فوائد (العفة)
(1) من ثمرات الأديان ونتاج الإيمان.
(2) حفظ الجوارح عمّا حرّم الله، وقيامها بما خلقت له.
(3) حفظ الأعراض في الدّنيا، ولذّة النّعيم في الآخرة.
(4) هي ركن من أركان المروءة الّتي ينال بها الحمد والشّرف.
(5) نظافة المجتمع من المفاسد والماثم.
(6) إشاعتها في المجتمع تجعله مجتمعا صالحا.
(7) دليل كمال النّفس وعزّها.
(8) صاحبها مستريح النّفس مطمئنّ البال.
(9) دليل وفرة العقل، ونزاهة النّفس.
__________
(1) مسلم (2/ 692) تعليقا على حديث رقم (994) .
(2) الفتح (13/ 156) .
(3) الورع لابن أبي الدنيا (63) .
(4) الاداب الشرعية (2/ 215) .
(5) الاداب الشرعية (2/ 221) .
(6) أدب الدنيا والدين (194) .
(7) الاداب الشرعية (2/ 310) .
(8) الفتح (13/ 149) .(7/2888)
العفو والغفران
العفو لغة:
مصدر قولهم عفا يعفو عفوا وهو مأخوذ من مادّة (ع ف و) الّتي تدلّ على معنيين أصليّين الأوّل:
ترك الشّيء، والاخر طلبه «1» ، ومن المعنى الأوّل عفو الله تعالى عن خلقه، وذلك تركه إيّاهم فلا يعاقبهم، فضلا منه تعالى، قال الخليل: العفو تركك إنسانا استوجب عقوبة فعفوت عنه، والله سبحانه هو العفوّ الغفور، قال ابن فارس: وقد يكون أن يعفو عن الإنسان بمعنى التّرك، ولا يكون ذلك عن استحقاق، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم «عفوت عنكم عن صدقة الخيل» فليس العفو هاهنا عن استحقاق، ويكون معناه تركت أن أوجب عليكم الصّدقة (أي الزّكاة) في الخيل.
وذهب الرّاغب إلى أنّ العفو له معنى واحد هو: القصد لتناول الشّيء، يقال من ذلك: عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده وعفت الرّيح الدّار أي قصدتها متناولة آثارها، ومن هذا أيضا العفو بمعنى التّجافي عن الذّنب، وقولهم عفوت عنه:
قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، فالمفعول في الحقيقة متروك (وهو الذّنب) ، وقول الله تعالى خُذِ الْعَفْوَ الايات/ الأحاديث/ الاثار 29/ 34/ 28
(الأعراف/ 199) أي ما يسهل قصده وتناوله، وقيل معناه: تعاطي العفو عن النّاس، وقولهم في الدّعاء:
أسألك العفو والعافية أي ترك العقوبة والسّلامة.
وقال الجوهريّ: يقال: عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه، والعفوّ على فعول: الكثير العفو، ويقال: عفوته أي أتيته أطلب معروفه، واعتفيته مثله، وعفو المال: ما يفضل عن الصّدقة، ويقال: أعفني من الخروج معك: أي دعني منه (وهذا راجع إلى معنى التّرك) ، واستعفاه من الخروج أي سأله الإعفاء منه، والعافية دفاع الله عن العبد، وهي اسم وضع موضع المصدر: يقال: عافاه الله عافية.
وقال ابن الأثير: أصل العفو: المحو والطّمس، ومنه حديث أمّ سلمة، «قلت لعثمان: لا تعف سبيلا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحبها» أي لا تطمسها، والعفو في حديث أبي بكر- رضي الله عنه- «سلوا الله العفو والعافية والمعافاة» معناه: محو الذّنوب، وقال ابن منظور: وأمّا العافية فهي أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بليّة، وهي: الصّحّة ضدّ المرض، يقال: عافاه الله وأعفاه أي وهب له العافية من العلل والبلايا، وأمّا المعافاة فأن يعافيك الله من النّاس ويعافيهم منك، أي
__________
(1) ومن هذا المعنى الثاني: العفاة وهم طلاب المعروف، ومن ذلك أيضا: أعطيته المال عفوا أي من غير طلب. انظر هذه المعاني وما أشبهها في المقاييس (4/ 61) وما بعدها.(7/2889)
يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك ويصرف أذاك عنهم، وقيل: هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن النّاس ويعفوا هم عنه «1» .
العفوّ من أسماء الله تعالى:
قال ابن الأثير: من أسماء الله تعالى «العفوّ» هو فعول من العفو وهو التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطّمس، وهو من أبنية المبالغة «2»
وقال الغزاليّ: والعفوّ صفة من صفات الله تعالى، وهو الّذي يمحو السّيّئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور، ولكنّه أبلغ منه فإنّ الغفران ينبأ عن السّتر، والعفو ينبأ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر. وحظّ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كلّ من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله تعالى محسنا في الدّنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة. بل ربّما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيّئاتهم، إذ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له. وهذا غاية المحو للجناية «3» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله- تعالى: ومن حكمة الله- عزّ وجلّ- تعريفه عبده أنّه لا سبيل له إلى النّجاة إلّا بعفوه ومغفرته- جلّ وعلا- وأنّه رهين بحقّه، فإن لم يتغمّده بعفوه ومغفرته، وإلّا فهو من الهالكين لا محالة فليس أحد من خلقه إلّا وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاج إلى فضله ورحمته «4» .
العفو اصطلاحا:
قال المناويّ: العفو: القصد لتناول الشّيء والتّجاوز عن الذّنب «5» .
وقال الكفويّ: العفو: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من استحقّ عقوبة فتركها فهذا التّرك عفو «6»
وقال أيضا: العفو عن الذّنب يصحّ رجوعه إلى ترك ما يستحقّه المذنب من العقوبة، وإلى محو الذّنب، وإلى الإعراض عن المؤاخذة كما يعرض المرء عمّا يسهل على النّفس بذله «7» .
الفرق بين العفو والصفح:
الصّفح والعفو متقاربان في المعنى فيقال:
صفحت عنه أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه، كما يقال عفوت عنه.
إلّا أنّ الصّفح أبلغ من العفو فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحة جميلة «8» .
الغفران لغة:
الغفران مصدر قولهم: غفر الله لفلان غفرانا ويرادفه: المغفرة والغفر، وأصل ذلك: التّغطية والسّتر،
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 56) ، وكتاب العين للخليل بن أحمد (2/ 258) ، والمفردات للراغب (340) ، والصحاح (6/ 2433) ، والنهاية 2/ 265، ولسان العرب (4/ 3020) - ط. دار المعارف.
(2) النهاية في غريب الحديث (3/ 265) .
(3) المقصد الأسنى (140) .
(4) مفتاح دار السعادة (1/ 313) ط. ثانية، تعليق محمود ربيع.
(5) التوقيف (243) ، وقد ذكر المناوي تعريفا آخر عن الحرالي ليس مما نحن فيه وهو أن العفو ما جاء بغير تكلف ولا كره.
(6) الكليات (53) ، وانظر أيضا (598) .
(7) انظر الكليات للكفوي (632) .
(8) بصائر ذوي التمييز (3/ 421) .(7/2890)
والغفران والمغفرة من الله تعالى هي أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب، والاستغفار: طلب ذلك بالمقال والفعال، وقولهم اغفروا هذا الأمر بغفرته أي استروه بما يجب أن يستر به «1» . والغفران (والمغفرة والغفر) تكون من الله عزّ وجلّ للعبد، وتكون من العبد لأخيه، قال الشّاعر:
غفرنا وكانت من سجيّتنا الغفر
أنّث الغفر لأنّه في معنى المغفرة، وقولهم:
غفر الأمر بغفرته وغفيرته: أصلحه بما ينبغي أن يصلح به، أمّا قولهم: ما عندهم عذيرة ولا غفيرة فمعناه: لا يعذرون ولا يغفرون ذنبا لأحد «2» .
الغفران اصطلاحا:
هو تغطية الذّنب بالعفو عنه «3» .
والغفران المقصود هنا يعني أن يصفح المرء عن ذنب أخيه في حقّه وأن يتجاوز عنه.
الفرق بين العفو والغفران:
يتمثّل الفرق بين العفو والغفران في أمور عديدة أهمّها:
- أنّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يكون إلّا في حقّ البارىء- تعالى-.
- أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذّمّ ولا يقتضي نيل الثّواب ويستعمل في العبد أيضا.
- العفو قد يكون قبل العقوبة أو بعدها، أمّا الغفران؛ فإنّه لا يكون معه عقوبة البتّة ولا يوصف بالعفو إلّا القادر عليه.
- في العفو إسقاط للعقاب، وفي المغفرة ستر للذّنب وصون من عذاب الخزي والفضيحة «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الصفح- الرحمة- الستر- السماحة- المحبة- كظم الغيظ- النبل- الرجولة- النزاهة- حسن العشرة- حسن المعاملة- الشهامة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- الأذى- العنف- البغض- سوء الظن- سوء الخلق- سوء المعاملة] .
__________
(1) انظر لسان العرب (6/ 3274) وما بعدها (ط. دار المعارف) ، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (362) .
(2) لسان العرب (6/ 3275)
(3) انظر موسوعة له الأسماء الحسنى للشرباصي 2/ 263) .
(4) الكليات للكفوي (632، 666) بتصرف يسير.(7/2891)
الآيات الواردة في «العفو»
العفوّ من أسماء الله تعالى:
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «1»
2- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «2»
3- إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) «3»
4- الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) «4»
العفو بمعنى الصفح:
5- وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) «5»
6- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «6»
7- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
__________
(1) النساء: 43 مدنية
(2) النساء: 97- 99 مدنية
(3) النساء: 149 مدنية
(4) المجادلة: 2 مدنية
(5) البقرة: 51- 52 مدنية
(6) البقرة: 109 مدنية(7/2892)
ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «1»
8- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «2»
9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)
* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «3»
10- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)
__________
(1) البقرة: 187 مدنية
(2) البقرة: 285- 286 مدنية
(3) آل عمران: 130- 136 مدنية(7/2893)
* إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «1»
11- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2»
12- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) «3»
13-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14)
__________
(1) آل عمران: 152- 155 مدنية
(2) آل عمران: 159 مدنية
(3) النساء: 153 مدنية(7/2894)
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ
السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
(16) «1»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) «2» 15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) «3»
16- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «4»
17-* ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «5»
18- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «6»
__________
(1) المائدة: 12- 16 مدنية
(2) المائدة: 94- 96 مدنية
(3) المائدة: 101- 102 مدنية
(4) التوبة: 41- 43 مدنية
(5) الحج: 60 مدنية
(6) النور: 22 مدنية(7/2895)
19- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (29) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) «1»
20- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «2»
21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) «3»
العفو بمعنى الترك:
22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) «4»
__________
(1) الشورى: 25- 35 مكية
(2) الشورى: 40- 43 مكية
(3) التغابن: 14- 15 مدنية
(4) البقرة: 178- 179 مدنية(7/2896)
23- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «1»
العفو بمعنى الفاضل من المال
24-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
(219) «2»
25- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199) «3»
__________
(1) البقرة: 236- 237 مدنية
(2) البقرة: 219 مدنية
(3) الأعراف: 196- 199 مكية(7/2897)
الآيات الواردة في «الغفران»
26- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «1»
27-* قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) «2»
28- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «3»
29- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «4»
__________
(1) البقرة: 221 مدنية
(2) البقرة: 263 مدنية
(3) الشورى: 36- 43 مكية
(4) الجاثية: 14- 15 مكية(7/2898)
الأحاديث الواردة في (العفو)
1-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله- تعالى- حدّثنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (الشورى/ 30) . وسأفسّرها لك يا عليّ: «ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدّنيا فبما كسبت أيديكم، والله- تعالى- أكرم من أن يثنّي عليهم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله- تعالى- عنه في الدّنيا فالله- تعالى- أحلم من أن يعود بعد عفوه» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قالت أمّ حبيبة- رضي الله عنها-: «اللهمّ متّعني بزوجي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك سألت الله لاجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة، لا يعجّل منها شيئا قبل حلّه، ولا يؤخّر منها شيئا بعد حلّه، ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النّار، وعذاب في القبر لكان خيرا لك» ) * «2» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ الرّبيّع- وهي ابنة النّضر- كسرت ثنيّة جارية فطلبوا الأرش «3» ، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمرهم بالقصاص. فقال أنس بن النّضر: أتكسر ثنيّة الرّبيّع يا رسول الله؟ لا والّذي بعثك بالحقّ لا تكسر «4» ثنيّتها. فقال: «يا أنس، كتاب الله القصاص» فرضي القوم وعفوا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» ) * «5» .
4-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا من أهل مصر سأله فقال: يا ابن عمر، إنّي سائلك عن شيء فحدّثني عنه: هل تعلم أنّ عثمان فرّ يوم أحد؟. قال: نعم. فقال: تعلم أنّه تغيّب عن بدر ولم يشهد؟. قال: نعم. قال الرّجل: هل تعلم أنّه تغيّب عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم.
قال: الله أكبر. قال ابن عمر: تعال أبيّن لك. أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه وغفر له. وأمّا تغيّبه عن بدر فإنّه كانت تحته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا وسهمه» . وأمّا تغيّبه عن بيعة الرّضوان
__________
(1) أحمد (1/ 85) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 649) : إسناده حسن، وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (7/ 373) وعزاه لأحمد، والحاكم في المستدرك 2/ 445) من طريق أبي جحيفة عن علي- رضي الله عنه- وصححه ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (2663) .
(3) الأرش: في الحكومات، وهو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، وأروش الجنايات والجراحات من ذلك.
(4) قوله (لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها) : ليس من باب العصيان لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما من باب الرجاء والدعاء أن يلهمهم الله العفو ويعفو. وهذه من كرامة المسلم عند الله إذا دعا استجاب له.
(5) البخاري- الفتح 5 (2703) واللفظ له، ومسلم (1675) .(7/2899)
فلو كان أحد أعزّ ببطن مكّة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان، وكانت بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان» . فضرب بها على يده فقال:
«هذه لعثمان» ، فقال له ابن عمر: اذهب بها الان معك «1» ) * «2» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ عطاء بن يسار سأله أن يخبره عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التّوراة، قال: أجل. والله إنّه لموصوف في التّوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «3» في الأسواق، ولا يدفع بالسّيّئة السّيّئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، ويفتح بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف «4» » ) * «5»
6-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّ كعب بن الأشرف كان يهجو النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويحرّض عليه كفّار قريش. وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حين قدم المدينة وأهلها أخلاط «6» منهم المسلمون والمشركون يعبدون الأوثان «7» واليهود، وكانوا يؤذون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
فأمر الله- عزّ وجلّ- نبيّه بالصّبر والعفو. ففيهم أنزل وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً «8» فلمّا أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا يقتلونه، فبعث محمّد بن مسلمة- وذكر قصّة قتله- فلمّا قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: طرق «9» صاحبنا فقتل، فذكر لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان يقول، ودعاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبينهم وبين المسلمين عامّة صحيفة» ) * «10» .
7-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما-
__________
(1) أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان.
(2) البخاري- الفتح 7 (3698)
(3) سخاب: بالسين، وصخاب: بالصاد: وهو رفع الصوت بالخصام.
(4) غلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يكن مختونا.
(5) البخاري- الفتح 4 (2125) ، (8/ 4838) هذه الرواية في الجزء الرابع وهي في الثامن بالرقم المبين فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا.
(6) أخلاط: أي مختلطون من أقوام شتى متفرقين.
(7) الأوثان: جمع وثن وهي الأصنام.
(8) آل عمران: آية 186 مدنية.
(9) طرق: أي أتي ليلا (فطرق عليه بابه) .
(10) أبو داود (3000) وقال محقق جامع الأصول (2/ 636) : رجاله ثقات، وقال الألباني (2/ 582) : صحيح الإسناد، وأخرج غير أبي داود حديث قتل كعب بن الأشرف من حديث جابر أتم من هذا.(7/2900)
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «1» ، تحته قطيفة «2» فدكيّة «3» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود. فيهم عبد الله بن أبيّ.
وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «4» ، خمّر «5» عبد الله بن أبىّ أنفه بردائه.
ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «6» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ وقف فنزل. فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «7» . إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في مجالسنا. وارجع إلى رحلك «8» . فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا. فإنّا نحبّ ذلك.
قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود. حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «9» ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة. فقال: «أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ) قال كذا وكذا» قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح. فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «10» أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «11» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك «12» . فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «13» .
8-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان عند أضاة «14» بني غفار. قال فأتاه جبريل- عليه السّلام-، فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرف. فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك» . ثمّ أتاه الثّانية، فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرفين، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك» ، ثمّ جاءه الثّالثة، فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك» ، ثمّ جاءه الرّابعة، فقال: «إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمّتك
__________
(1) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس.
(2) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف.
(3) فدكية: منسوبة إلى فدك. بلدة معروفة بالقرب من المدينة.
(4) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها.
(5) خمر أنفه: أي غطاه.
(6) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار.
(7) لا أحسن من هذا: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: لا أحسن. أي ليس شيء أحسن من هذا. وكذا حكاه القاضي عن جماهير رواة مسلم. قال: وقع للقاضي أبي علي: لأحسن من هذا. قال القاضي: وهو عندي أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك.
(8) إلي رحلك: أي إلى منزلك.
(9) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم.
(10) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. قال القاضي: وروينا في غير مسلم: البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها، هنا، مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(11) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه.
(12) شرق بذلك: أي غصّ. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(13) البخاري- الفتح 11 (6254) ، ومسلم (1798) واللفظ له.
(14) الأضاة: مجمع الماء.(7/2901)
القرآن على سبعة أحرف، فأيّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا» ) * «1» .
9-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الأنصار كرشي وعيبتي «2» وإنّ النّاس سيكثرون ويقلّون «3» ، فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم» ) * «4» .
10-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على ألاتشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان «5» تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك) * «6» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «تعافوا «7» فيما بينكم، فما بلغني من حدّ فقد وجب» ) * «8» .
12-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! كم نعفو عن الخادم؟. فصمت!، ثمّ أعاد عليه الكلام، فصمت!، فلمّا كان في الثّالثة، قال: «اعفوا عنه في كلّ يوم سبعين مرّة» ) * «9» .
13-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله «10» ، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كمّا نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «11» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على قدميه وهو في
__________
(1) مسلم (821) .
(2) كرشى وعيبتي: معناه جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم.
(3) ويقلون: أي ويقل الأنصار.
(4) مسلم (2510) .
(5) قوله ولا تأتوا ببهتان: البهتان الكذب الذي يبهت سامعه. وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما.
(6) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له، ومسلم 3 (1709) .
(7) تعافوا: أمر بالعفو وهو التجاوز عن الذنب.
(8) أبو داود (4376) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 828) : صحيح، وهو عنده في النسائي (4538، 4539) ، النسائي (8/ 70) . الحاكم (4/ 383) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(9) أبو داود (5164) واللفظ له، ونظرت جميع رجاله ثقات ما عدا الخولاني قال عنه في التقريب: لا بأس به. وأخرجه الترمذي وقال: حسن غريب، فالحديث حسن الإسناد، وقال الألباني (3/ 970) : صحيح وعنده في الترمذي (2031) . وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 48) : إسناده حسن.
(10) وسع مدخله: يعني قبره.
(11) مسلم (963) .(7/2902)
المسجد «1» ، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك.
أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «2» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي اللهمّ إنّك عفوّ كريم تحبّ العفو فاعف عنّي» ) * «3» .
16-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول (في رواية أبي بكر) : «السّلام على أهل الدّيار» (وفي رواية زهير) : «السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية» ) * «4» .
17-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
قال الله- تعالى-: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ «5» الاية. وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ «6» الاية، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل في العفو عنهم ما أمر الله به» ... الحديث) * «7» .
18-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ! إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك «8» ، وجميع سخطك» ) * «9» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافاة إلّا المجاهرين. وإنّ من الإجهار أن يعمل العبد باللّيل عملا، ثمّ يصبح قد ستره ربّه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه. فيبيت يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «10» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدع هؤلاء الدّعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهمّ إنّي أسألك العافية في الدّنيا والآخرة، اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهمّ استر عوراتي وآمن
__________
(1) والمسجد بفتح الجيم وكسرها على روايتين، وهو موضع مصلاه في بيته.
(2) مسلم (486) .
(3) الترمذي 5 (3513) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. الحاكم (1/ 530) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4) مسلم (975) .
(5) آل عمران: آية 186.
(6) البقرة: آية 9.
(7) البخاري- الفتح 10 (6207) .
(8) وفجاءة نقمتك: الفجأة، على وزن ضربة والفجاءة، بضم الفاء وفتح الجيم والمد، لغتان. وهي البغتة.
(9) مسلم (2739) .
(10) البخاري- الفتح 10 (6096) ، ومسلم (2990) واللفظ له.(7/2903)
روعاتي، اللهمّ احفظني من بين يديّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» ) * «1» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم مكّة قام في النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «ومن قتل له قتيل فهو بخير النّظرين، إمّا أن يعفو وإمّا أن يقتل» ) * «2» .
22-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثمّ يعافيهم ويرزقهم» ) * «3» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقصت صدقة من مال «4» ، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا «5» ، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله «6» » ) * «7» .
24-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصاب حدّا فعجّل عقوبته في الدّنيا، فالله أعدل من أن يثنّي على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه» ) * «8» .
__________
(1) أبو داود (5074) واللفظ له، وقال الألباني (3/ 957) : صحيح وعنده في ابن ماجة (2/ 332، 333) . ابن ماجة (3871) . الحاكم (1/ 517) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(2) الترمذي (4/ 1405) واللفظ له. النسائي (8/ 38) أبو داود (4505) وقال محقق جامع الأصول (10/ 244) : وهو حديث صحيح، وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 853، 854) : صحيح ومعه قصة أبي شاة.
(3) البخاري- الفتح 13 (7378) واللفظ له، ومسلم (2804)
(4) ما نقصت صدقة من مال: ذكروا فيه وجهين: أحدهما معناه: أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات، فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية. وهذا مدرك بالحس والعادة. والثاني أنه: وإن نقصت صورته، كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة.
(5) وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا: فيه أيضا وجهان: أحدهما على ظاهره، ومن عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه، والثاني أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك.
(6) وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله: فيه أيضا وجهان: أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. والثاني أن المراد ثوابه في الآخرة رفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة. وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها في الدنيا والآخرة.
(7) مسلم (2588) .
(8) الترمذي (2626) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وابن ماجة (2604) ، وصححه الحاكم (1/ 7) ، وأقره الذهبي.(7/2904)
الأحاديث الواردة في (الغفران)
25-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتّى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم فقد غامر «1» » ، فسلّم وقال:
يا رسول الله، إنّي كان بيني وبين الخطّاب شيء، فأسرعت إليه ثمّ ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) .
ثمّ إنّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجعل وجه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتمعّر «2» ، حتّى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم (مرّتين) . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله بعثني إليكم» ، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟
(مرّتين) . فما أوذي بعدها» ) * «3» .
26-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- عن النّبّيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال وهو على المنبر: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرّين الّذين يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (العفو) معنى
27-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟. قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) . قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز «5» فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال- تعالى: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر الجهنيّ وأبو مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنهما-: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لي عن أمّتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلّم» ) * «7» .
29-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المنبر، وكان آخر مجلس جلسه متعطّفا ملحفة على منكبيه قد عصب رأسه بعصابة دسمة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها النّاس!
__________
(1) غامر: أي دخل في غمرة الخصومة، والغامر في الأصل هو الذي يرمي بنفسه في الأمر العظيم كالحرب وغيرها، وقيل هو من الغمر بكسر الغين وهو الحقد، ويكون المعنى صنع أمرا اقتضى له أن يحقد على من صنعه معه ويحقد عليه الاخر.
(2) تمعر الوجه: أن تذهب نضارته من الغضب.
(3) البخاري- الفتح (3661) .
(4) رواه أحمد (حديث رقم 6541) ، وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح.
(5) الجواز: المجاوزة أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء.
(6) مسلم (1560) .
(7) البخاري- الفتح 5 (2529) واللفظ له، ومسلم (127) .(7/2905)
إليّ» ، فثابوا «1» إليه، ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ هذا الحيّ من الأنصار يقلّون ويكثر النّاس، فمن ولي شيئا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فاستطاع أن يضرّ فيه أحدا، أو ينفع فيه أحدا فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم» ) * «2» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان تاجر يداين النّاس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوز الله عنه» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العفو والغفران)
31-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «4» .
32-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه برد نجرانيّ «5» غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فجبذه بردائه جبذة «6» شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّرت بها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد،! مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) * «7» .
33-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله. عزّ وجلّ.) * «8» .
34-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نجد، فلمّا قفل «9» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفرّق النّاس يستظلّون بالشّجر فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة وعلّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعونا، وإذا عنده أعرابيّ.
فقال: «إنّ هذا اخترط «10» عليّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا» ، فقال: من يمنعك منّي؟. فقلت: «الله» (ثلاثا) ولم يعاقبه وجلس) * «11» .
__________
(1) فثابوا: من ثاب يثوب إذا رجع.
(2) البخاري- الفتح 2 (927) .
(3) البخاري- الفتح 4 (2078) واللفظ له، ومسلم (1562)
(4) البخاري- الفتح 12 (6929) واللفظ له، ومسلم (1792)
(5) نجرانيّ: منسوب إلى نجران، موضع بين الحجاز واليمن.
(6) فجبذه: جبذ وجذب لغتان مشهورتان.
(7) البخاري- الفتح 10 (6088) واللفظ له، ومسلم (1057)
(8) مسلم (2328) .
(9) قفل: أي رجع.
(10) اخترط: أي سلّ.
(11) البخاري- الفتح 6 (2910) واللفظ له، ومسلم (843)(7/2906)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العفو والغفران)
1-* (عن أبي بكر- رضي الله عنه- أنّه قال:
بلغنا أنّ الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن النّاس) * «1» .
2-* (خطب أبو بكر- رضي الله عنه- قال:
قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقامي هذا عام الأوّل، وبكى أبو بكر، فقال أبو بكر: «سلوا الله المعافاة- أو قال:
العافية. فلم يؤت أحد قطّ بعد اليقين أفضل من العافية أو المعافاة- عليكم بالصّدق فإنّه مع البرّ وهما في الجنّة، وإيّاكم والكذب فإنّه مع الفجور وهما في النّار، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا كما أمركم الله تعالى» ) * «2» .
3-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «كلّ النّاس منّي في حلّ» ) * «3» .
4-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «سبق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى أبو بكر وثلّث عمر، ثمّ خطبتنا أو أصابتنا فتنة، يعفو الله عمّن يشاء» ) * «4» .
5-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: «صرخ إبليس يوم أحد في النّاس: يا عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم حتّى قتلوا اليمان، فقال حذيفة: أبي أبي، فقتلوه. فقال حذيفة:
غفر الله لكم، قال: وقد كان انهزم منهم قوم حتّى لحقوا بالطّائف) * «5» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأله، قال: فما قولك في عليّ وعثمان؟ قال:
«أمّا عثمان فكان الله عفا عنه، وأمّا أنتم فكرهتم أن يعفو عنه. وأمّا عليّ فابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وختنه «6» وأشار بيده فقال: «هذا بيته حيث ترون «7» » ) * «8» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا. فقال عيينه لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن
__________
(1) الإحياء: 3/ 195. ط. دار الكتب العلمية- بيروت ط. ثانية 1412 هـ/ 1992 م.
(2) أحمد في المسند (1/ 3) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (1/ 156) : إسناده صحيح ورواه الترمذي (3558) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه عن أبي بكر- رضي الله عنه-.
(3) الاداب الشرعية (1/ 71) .
(4) أحمد (1/ 112) وقال أحمد شاكر (895) : إسناده صحيح، والحديث في مجمع الزوائد (9/ 54) ونسبه لأحمد، والطبراني في الأوسط، وقال: رجال أحمد ثقات.
(5) البخاري- الفتح 12 (6883) .
(6) معنى ختنه: قال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة والأحماء من قبل الزوج والصهر جمعهما. وقيل: اشتق الختن مما اشتق منه الختان، وهو التقاء الختانين.
(7) قوله (هذا بيته حيث ترون) : أي وسط بيوت النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس في المسجد غير بيته، كما ذكره ابن حجر في الفتح (7/ 91) .
(8) البخاري- الفتح 8 (4515) .(7/2907)
له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فو الله ما تعطينا الجزل «1» ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين! إنّ الله تعالى قال لنبيّه خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) .
وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله) * «2» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدّية. فقال الله تعالى «3» لهذه الأمّة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ (البقرة/ 178) .
فالعفو أن يقبل الدّية في العمد فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ يتبع بالمعروف ويؤدّي بإحسان ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ممّا كتب على من كان قبلكم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (البقرة/ 178) قتل بعد قبول الدّية) * «4» .
9-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قام يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتّقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسّكينة، حتّى يأتيكم أمير، فإنّما يأتيكم الان، ثمّ قال: استعفوا لأميركم، فإنّه كان يحبّ العفو. ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليّ «والنّصح لكلّ مسلم» . فبايعته على هذا، وربّ هذا المسجد إنّي لناصح لكم، ثمّ استغفر ونزل) * «5» .
10-* (عن معاوية بن سويد- رضي الله عنه- قال: «لطمت مولى لنا فهربت، ثمّ جئت قبيل الظّهر فصلّيت خلف أبي، فدعاه ودعاني، ثمّ قال:
امتثل «6» منه، فعفا) * «7» .
11-* (جلس ابن مسعود في السّوق يبتاع طعاما فابتاع، ثمّ طلب الدّراهم وكانت في عمامته فوجدها قد حلّت، فقال: لقد جلست وإنّها لمعي، فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون: اللهمّ اقطع يد السّارق الّذي أخذها، اللهمّ افعل به كذا، فقال عبد الله: «اللهمّ إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذّنب فاجعله آخر ذنوبه» ) * «8» .
12-* (وقال معاوية- رضي الله عنه-:
«عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال» ) * «9» .
13-* (عن ابن شهاب أنّه سئل: أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟. قال: «بلغنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه، وكان من
__________
(1) الجزل: الكريم المعطاء، والعاقل الأصيل الرأي.
(2) البخاري- الفتح 8 (4642) .
(3) البقرة: آية 78.
(4) البخاري- الفتح 8 (4498) .
(5) البخاري- الفتح 1 (58) واللفظ له، ومسلم (56) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «والنصح لكل مسلم» .
(6) معنى: امتثل منه: افعل به مثل ما فعل بك.
(7) مسلم (1658) .
(8) الإحياء (3/ 196) .
(9) الإحياء (3/ 195) .(7/2908)
أهل الكتاب» ) * «1» .
14-* (أتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث، فقال لرجاء بن حيوة: «ماذا ترى؟» . قال:
«إنّ الله- تعالى- قد أعطاك ما تحبّ من الظّفر فأعط الله ما يحبّ من العفو، فعفا عنهم» ) * «2» .
15-* (وقال مالك بن دينار: «أتينا منزل الحكم بن أيّوب ليلا وهو على البصرة أمير، وجاء الحسن، وهو خائف فدخلنا معه عليه، فما كنّا مع الحسن إلّا بمنزلة الفراريج، فذكر الحسن قصّة يوسف- عليه السّلام- وما صنع به إخوته، فقال: باعوا أخاهم وأحزنوا أباهم، وذكر ما لقي من كيد النّساء ومن الحبس، ثمّ قال: أيّها الأمير، ماذا صنع الله به؟
أداله منهم، ورفع ذكره، وأعلى كلمته، وجعله على خزائن الأرض، فماذا صنع يوسف حين أكمل الله له أمره وجمع له أهله؟ قال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف/ 92) ، يعرّض للحكم بالعفو عن أصحابه، قال الحكم: فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم ولو لم أجد إلّا ثوبي هذا لواريتكم تحته» ) * «3» .
16-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ (الأعراف/ 199) قال: «ما أنزل الله إلّا في أخلاق النّاس» ) * «4» .
17-* (وعنه أيضا قال: أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس أو كما قال) * «5» .
18-* (عن الحسن، قال: «أفضل أخلاق المؤمن العفو» ) * «6» .
19-* (وروي أنّ راهبا دخل على هشام بن عبد الملك، فقال للرّاهب: «أرأيت ذا القرنين أكان نبيّا؟» . فقال: «لا، ولكنّه إنّما أعطي ما أعطي بأربع خصال كنّ فيه: كان إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا حدّث صدق، ولا يجمع شغل اليوم لغد» ) * «7» .
20-* (وروي أنّ زيادا أخذ رجلا من الخوارج فأفلت منه، فأخذ أخا له فقال له: إن جئت بأخيك وإلّا ضربت عنقك، فقال: أرأيت إن جئتك بكتاب من أمير المؤمنين تخلّي سبيلي؟ قال: نعم. قال:
فأنا آتيك بكتاب من العزيز الحكيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى، ثمّ تلا: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى. وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (النجم 36- 38) فقال زياد:
«خلّوا سبيله، هذا رجل قد لقّن حجّته» ) * «8» .
21-* (قال عمرو بن ميمون: قال عمر- رضي الله عنه-: «أوصي الخليفة بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم، وأوصي الخليفة بالأنصار الّذين تبوّؤا «9» الدّار والإيمان من قبل أن يهاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (باب 14/ 319) باب هل يعفي عن الذمي إذا سحر.
(2) الإحياء (3/ 196) .
(3) الإحياء (3/ 184) .
(4) البخاري- الفتح (8/ 155) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) الاداب الشرعية (1/ 71) .
(7) الإحياء (3/ 184) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) تبوؤا: أي استوطنوا المدينة.(7/2909)
أن يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم» ) * «1» .
22-* (وقال البخاريّ- رحمه الله-: «باب الانتصار من الظّالم لقوله جلّ ذكره: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى/ 39) قال إبراهيم يعني النّخعيّ: كانوا يكرهون أن يستذلّوا فإذا قدروا عفوا» ) * «2» .
23-* (دخل رجل على عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- فجعل يشكو إليه رجلا ظلمه ويقع فيه فقال له عمر: «إنّك أن تلقى الله ومظلمتك كما هي، خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها» ) * «3» .
24-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
قالوا سكتّ وقد خوصمت قلت لهم ... إنّ الجواب لباب الشّرّ مفتاح
فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب ... نعم وفيه لصون العرض إصلاح
إنّ الأسود لتخشى وهي صامتة ... والكلب يحثى ويرمى وهو نبّاح
) * «4» .
25-* (وقال مسلم بن يسار لرجل دعا على ظالمه: «كل الظّالم إلى ظلمه، فإنّه أسرع إليه من دعائك عليه إلّا أن يتداركه بعمل، وقمن ألّا يفعل» ) * «5» .
26-* (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: «ما من شيء إلّا والله يحبّ أن يعفى عنه ما لم يكن حدّا عن عباده» ) * «6» .
27-* (وكتب أحدهم إلى صديق له يسأله العفو عن بعض إخوانه: «فلان هارب من زلّته إلى عفوك لائذ منك بك، واعلم أنّه لن يزداد الذّنب عظاما إلّا ازداد العفو فضلا» ) * «7» .
28-* (وقال بعضهم: «ليس الحليم من ظلم فحلم، حتّى إذا قدر انتقم، ولكنّ الحليم من ظلم فحلم حتّى إذا قدر عفا» ) * «8» .
من فوائد (العفو والغفران)
(1) العفو والغفران من مظاهر حسن الخلق.
(2) كلاهما دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(3) كلاهما دليل على سعة الصّدر وحسن الظّنّ.
(4) كلاهما يثمر محبّة الله- عزّ وجلّ- ثمّ محبّة النّاس.
(5) العفو أمان من الفتن وعاصم من الزّلل.
(6) الغفران دليل على كمال النّفس وشرفها.
(7) كلّ من العفو والغفران يهيّىء المجتمع والنّشء الصّالح لحياة أفضل.
(8) كلاهما طريق نور وهداية لغير المسلمين.
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4888) .
(2) البخاري- الفتح (5/ 120) .
(3) الإحياء (3/ 183) .
(4) دليل الفالحين (3/ 99) .
(5) الإحياء (3/ 195) .
(6) أخرجه في الموطأ (2/ 438) ، وقال محقق جامع الأصول (3/ 602) : إسناده صحيح.
(7) الإحياء (3/ 196) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(7/2910)
العلم
العلم لغة:
مصدر قولهم: علم يعلم علما وهو مأخوذ من مادّة (ع ل م) الّتي تدلّ على أثر بالشّيء يتميّز بها عن غيره، قال الرّاغب: وعلّمته وأعلمته في الأصل واحد، إلّا أنّ الإعلام اختصّ بما كان بإخبار صحيح، والتّعليم اختصّ بما يكون بتكرير وتكثير حتّى يحدث منه أثر في نفس المتعلّم، وقول الله تعالى وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف/ 76) فعليم يصحّ أن يكون إشارة إلى الإنسان العالم الّذي يكون فوق آخر، ويكون تخصيص لفظ العليم الّذي هو للمبالغة تنبيها إلى أنّه بالإضافة إلى الأوّل عليم وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك، ويجوز أن يكون قوله «عليم» عبارة عن الله تعالى، وقول الله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (الجن/ 26/ 27) فيه إشارة إلى أنّ لله تعالى علما يخصّ به أولياءه. والعالم في وصف الله تعالى: هو الّذي لا يخفى عليه شيء «1» .
وقال ابن منظور: العلم نقيض الجهل، وعلمت الشّيء الايات/ الأحاديث/ الاثار 379/ 65/ 61
أعلمه علما: عرفته. قال ابن برّيّ: وتقول: علم وفقه:
أي تعلّم وتفقّه، وعلم وفقه (بالضّمّ) أي ساد العلماء والفقهاء، والعلّام والعلّامة: النّسّابة وهو من العلم. قال ابن جنّي: رجل علّامة، وامرأة علّامة، وفي حديث ابن مسعود: إنّك غليّم معلّم، أي ملهم للصّواب والخير، وعلم بالشّيء: شعر. يقال: ما علمت بخبر قدومه: أي ما شعرت. وعلم الأمر وتعلّمه: أتقنه. وعلم الرّجل: خبره، وأحبّ أن يعلمه أي يخبره «2» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع «3» .
وقال الفيروز اباديّ: العلم ضربان: الأوّل:
إدراك ذات الشّيء. والثّاني: الحكم على الشّيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفيّ عنه، فالأوّل يتعدّى إلى مفعول واحد، والاخر يتعدّى إلى مفعولين، والعلم من وجه آخر ضربان: نظريّ وعمليّ، ومن وجه ثالث: عقليّ وسمعيّ «4» .
وقال الكفويّ: المعنى الحقيقيّ للفظ العلم هو
__________
(1) المقاييس (4/ 109) ، والمفردات (344) .
(2) لسان العرب (5/ 3083- 3084) ، وانظر: الصحاح للجوهري (5/ 1990- 1991) .
(3) التعريفات للجرجاني (191) .
(4) انظر تفاصيل ذلك في بصائر ذوي التمييز (88) وما بعدها، والمفردات للراغب (343) .(7/2911)
الإدراك، ولهذا المعنى متعلّق هو المعلوم، وله تابع في الحصول يكون وسيلة إليه في البقاء وهو الملكة، وقد أطلق لفظ العلم على كلّ منها إمّا حقيقة عرفيّة، أو اصطلاحيّة، أو مجازا مشهورة «1» . وقال في موضع آخر: العلم يقال لحصول صورة الشّيء عند العقل وللاعتقاد الجازم الثّابت والإدراك الكلّيّ والإدراك المركّب «2» .
وقال المناويّ: العلم: هو صفة توجب تمييزا لا يحتمل النّقيض، أو هو حصول صورة الشّيء في العقل «3» .
قال ابن العربيّ: العلم أبين من أن يبيّن، وأنكر على من تصدّى لتعريف العلم «4» .
وقال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى-:
العلم هو معرفة الشّيء على ما هو به «5» .
الفرق بين العلم والمعرفة:
المعرفة: تقال للإدراك المسبوق بالعدم، ولثاني الإدراكين إذا تخلّلهما عدم. والإدراك الجزئيّ. والإدراك البسيط.
والعلم: يقال لحصول صورة الشّيء عند العقل، وللاعتقاد الجازم المطابق الثّابت ولإدراك الكلّيّ، ولإدراك المركّب.
والمعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره، وإن لم تدرك ذاته.
والعلم لا يقال إلّا فيما أدرك ذاته.
والمعرفة تقال فيما لا يعرف إلّا كونه موجودا فقط.
والعلم أصله أن يقال فيما يعرف وجوده وجنسه وكيفيّته وعلّته.
والمعرفة تقال فيما يتوصّل إليه بتفكّر وتدبّر.
والعلم قد يقال في ذلك وفي غيره «6» .
وأيضا يستعمل العلم في المحلّ الّذي يحصّل العلم فيه لا بواسطة الكسب، ولهذا يقال: (الله عالم) ولا يقال: (عارف) ، كما لا يقال: (عاقل) فكذا الدّراية فإنّها لا تطلق على الله لما فيها من معنى الحيلة.
وفي «النّجاة» : كلّ معرفة وعلم فإمّا تصوّر وإمّا تصديق «7» .
أقسام العلم:
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى- في بيان العلم الّذي هو فريضة على كلّ مسلم: اختلفت عبارات النّاس في بيان العلم المفروض، والصّحيح أن يقال: هو علم معاملة العبد لربّه وهو يدخل في باب الاعتقاد والأفعال. وهذا العلم المفروض ينقسم إلى قسمين:
فرض عين: وهو ما يتعيّن وجوبه على الشّخص من توحيد الله ومعرفة أوامره وحدوده في العبادات والمعاملات الّتي يحتاج إليها، وفرض كفاية:
__________
(1) الكليات للكفوي (611) .
(2) المرجع السابق (686) .
(3) التوقيف (246) وفيه تفصيلات عديدة ليس هنا محل ذكرها.
(4) الفتح (1/ 141) .
(5) الإحياء (298) .
(6) الكليات (868) .
(7) المرجع السابق (611) .(7/2912)
وهو كلّ علم لا يستغنى عنه في قوام الدّنيا. كالطّبّ والحساب وأصول الصّناعات. كالفلاحة والحياكة والحجامة. فلو خلا البلد عمّن يقوم بهذه العلوم والصّناعات أثم أهل البلد جميعا. وإذا قام بها واحد فقط وكفاهم سقط الإثم عن الباقين، والتّعمّق في مثل هذه العلوم يعدّ فضلة، لأنّه يستغنى عنه.
ومن العلوم ما يكون مباحا، كالعلم بالأشعار الّتي لا سخف فيها، ومنها ما يكون مذموما، كعلم السّحر والطّلسمات والتّلبيسات.
وأمّا العلوم الشّرعيّة فكلّها محمودة، وتنقسم إلى أصول وفروع ومقدّمات ومتمّمات «1» .
فضل العلم:
قال ابن القيّم: العلم هاد. وهو تركة الأنبياء وتراثهم. وأهله عصبتهم وورّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصّدور، ورياض العقول، ولذّة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيّرين، وهو الميزان الّذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّكّ واليقين، والغيّ والرّشاد، والهدى والضّلال. به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحّد، ويحمد ويمجّد، وبه اهتدى إليه السّالكون.
ومن طريقه وصل إليه الواصلون. ومنه دخل عليه القاصدون. وبه تعرف الشّرائع والأحكام، ويتميّز الحلال والحرام. وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب. وهو إمام، والعمل مأموم. وهو قائد، والعمل تابع. وهو الصّاحب في الغربة، والمحدّث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشّبهة، والغنى الّذي لا فقر على من ظفر بكنزه. والكنف الّذي لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد. وطلبه قربة. وبذله صدقة.
ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشّراب والطّعام «2» .
العلم النافع:
قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله تعالى-: قد ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النّافع وذكر العلم تارة في مقام الذّمّ وهو العلم الّذي لا ينفع، فأمّا الأوّل فمثل قوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الزمر/ 9) ، وقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ (آل عمران/ 18) ، وقوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه/ 114) ، وقوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28 مكية) . وغير ذلك من الايات. هذا وقد يكون العلم في نفسه نافعا لكن صاحبه لم ينتفع به. كما قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (الجمعة/ 5) ، وقال سبحانه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (بتصرف شديد واختصار 15- 17) .
(2) مدارج السالكين (2/ 469- 470) .(7/2913)
آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ. وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) * (الأعراف/ 175- 176) ، وقال أيضا:
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ (الجاثية/ 23) «1» .
ضابط العلم النافع:
والعلم النّافع هو ما كان ضبط نصوص الكتاب والسّنّة، وفهم معانيها والتّقيّد في ذلك بالمأثور عن الصّحابة والتّابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام من مسائل الحلال والحرام والزّهد والرّقائق والمعارف وغير ذلك.
والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أوّلا، ثمّ الاجتهاد على معرفة معانيه وتفهّمه ثانيا. وهذا العلم النّافع يدلّ على أمرين:
أحدهما: معرفة الله وما يستحقّه من الأسماء الحسنى والصّفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبّته ورجاءه، والتّوكّل عليه والرّضا بقضائه والصّبر على بلائه.
والأمر الثّاني: المعرفة بما يحبّه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات، والأعمال الظّاهرة والباطنة والأقوال «2» .
معنى اسم الله العليم العالم العلام:
من صفات الله تعالى: العليم والعالم والعلّام، قال الله تعالى: وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (يس/ 81) ، وقال: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ (الرعد/ 9) ، وقال:
عَلَّامُ الْغُيُوبِ (المائدة/ 109) . فهو الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وبما يكون ولمّا يكن بعد قبل أن يكون، لم يزل عالما ولا يزال عالما بما كان وما يكون، ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء، سبحانه وتعالى، أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها، دقيقها وجليلها، على أتمّ الإمكان، وعليم فعيل من أبنية المبالغة، ويجوز أن يقال للإنسان الّذي علّمه الله علما من العلوم: عليم. كما قال يوسف للملك: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف/ 55) ، وقال الله عزّ وجلّ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) . فأخبر عزّ وجلّ أنّ من عباده من يخشاه، وأنّهم هم العلماء، وكذلك صفة يوسف- عليه السّلام- وكان عليما بأمر ربّه «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحكمة- الفطنة- الفقه- علو الهمة- البصيرة- النظر والتبصر- التأمل- التفكر- التبين (التثبت) - التدبر- اليقين- قوة الإرادة- المسئولية.
وفي ضد لك: انظر صفات: الجهل- السفاهة- الضلال- الطيش- صغر الهمة- الكسل- البلادة والغباء- الحمق- التفريط والإفراط- التهاون.] .
__________
(1) فضل علم السلف على الخلف (125- 126) بتصرف واختصار.
(2) فضل علم السلف على الخلف لابن رجب (150، 151) باختصار.
(3) لسان العرب: (5/ 3082، 3083) .(7/2914)
الآيات الواردة في «العلم»
العلم المطلق من صفة المولى- عز وجل
1- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) «1»
2- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) «2»
3- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115) «3»
4- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «4»
5-* إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) «5»
6- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «6» .
7- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «7»
__________
(1) البقرة: 29 مدنية
(2) البقرة: 30 مدنية
(3) البقرة: 115 مدنية
(4) البقرة: 137 مدنية
(5) البقرة: 158 مدنية
(6) البقرة: 180- 184 مدنية
(7) البقرة: 226- 227 مدنية(7/2915)
8- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «1»
9- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) «2»
10-* إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) «3»
11- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) «4»
12- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) «5»
13- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «6»
14- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ
__________
(1) البقرة: 255- 256 مدنية
(2) البقرة: 261 مدنية
(3) آل عمران: 33- 36 مدنية
(4) آل عمران: 121 مدنية
(5) النساء: 11 مدنية
(6) النساء: 26 مدنية(7/2916)
مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «1»
15- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69)
ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «2»
16- لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) «3»
17- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «4»
18- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) «5»
19-* جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) «6»
20-* وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) «7» .
21- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) «8» .
22- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) «9»
__________
(1) النساء: 32 مدنية
(2) النساء: 69- 70 مدنية
(3) النساء: 166 مدنية
(4) النساء: 170 مدنية
(5) النساء: 176 مدنية
(6) المائدة: 97- 98 مدنية
(7) الأنعام: 13 مكية
(8) الأنعام: 73 مكية
(9) الأنعام: 80 مكية(7/2917)
23- فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) «1»
24- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) «2»
25- وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «3»
26- قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «4»
27- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) «5»
28- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) «6»
29- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) «7»
30-* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) «8»
31- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) «9»
32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «10»
__________
(1) الأنعام: 96 مكية
(2) الأنعام: 100- 101 مكية
(3) الأنعام: 115 مكية
(4) الأعراف: 89 مكية
(5) الأعراف: 200 مكية
(6) الأنفال: 17 مدنية
(7) الأنفال: 53 مدنية
(8) الأنفال: 61 مدنية
(9) التوبة: 14- 15 مدنية
(10) التوبة: 28 مدنية(7/2918)
33-* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «1»
34- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) «2»
35- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «3»
36- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «4»
37- وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) «5»
38- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) «6»
39- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «7»
40- وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) «8»
41- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) «9»
42- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «10»
__________
(1) التوبة: 60 مدنية
(2) التوبة: 115 مدنية
(3) يونس: 18 مكية
(4) يونس: 65 مكية
(5) يوسف: 100 مكية
(6) طه: 98 مكية
(7) الأنبياء: 4 مكية
(8) الأنبياء: 81 مكية
(9) الحج: 52 مدنية
(10) الحج: 58- 59 مدنية(7/2919)
43-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «1»
44- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) «2»
45-* اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) «3»
46- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «4»
47- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) «5»
48- وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «6»
__________
(1) النور: 21 مدنية
(2) النور: 32 مدنية
(3) النور: 35 مدنية
(4) النور: 58- 60 مدنية
(5) النور: 63- 64 مدنية
(6) الفرقان: 5- 6 مكية(7/2920)
49- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «1»
50- إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) «2»
51- إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) «3»
52- قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «4»
53- وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) «5»
54-* اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) «6»
55- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) «7»
56- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) «8»
57- إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) «9»
58- قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «10»
59- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «11»
60- وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) «12»
__________
(1) الشعراء: 217- 220 مكية
(2) النمل: 4- 6 مكية
(3) النمل: 78 مكية
(4) العنكبوت: 52 مكية
(5) العنكبوت: 60- 62 مكية
(6) الروم: 54 مكية
(7) الأحزاب: 1 مكية
(8) الأحزاب: 40 مدنية
(9) الأحزاب: 54 مكية
(10) سبأ: 26 مكية
(11) فاطر: 44 مكية
(12) يس: 38 مكية(7/2921)
61- وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) «1»
62- حم (1)
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) «2»
63- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «3»
64- فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) «4»
65- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) «5»
66- لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) «6»
67- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) «7»
68- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «8»
69- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «9»
70- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «10»
__________
(1) يس: 78- 81 مكية
(2) غافر: 1- 2 مكية
(3) غافر: 7 مكية
(4) فصّلت: 12 مكية
(5) فصّلت: 36 مكية
(6) الشورى: 12 مكية
(7) الزخرف: 9 مكية
(8) الدخان: 1- 6 مكية
(9) الفتح: 4 مدنية
(10) الفتح: 26 مدنية(7/2922)
71- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) «1»
72- قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) «2»
73- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «3»
74- قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) «4»
75- هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) «5»
76- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) «6»
77- يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (4) «7»
78- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) «8»
79- قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) «9»
80- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) «10»
81- وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) «11»
__________
(1) الحجرات: 1 مدنية
(2) الحجرات: 16- 17 مدنية
(3) الحجرات: 18 مدنية
(4) الذاريات: 30 مكية
(5) الحديد: 3- 4 مدنية
(6) المجادلة: 7 مدنية
(7) التغابن: 4 مدنية
(8) الطلاق: 12 مدنية
(9) التحريم: 2 مدنية
(10) الملك: 25- 26 مكية
(11) الإنسان: 30 مدنية(7/2923)
علم الله- عز وجل- بما يظن أنّه قد يخفى:
82- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «1»
83- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «2»
84- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «3»
85- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «4»
86- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) «5»
87-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «6»
__________
(1) البقرة: 94- 95 مدنية
(2) البقرة: 143 مدنية
(3) البقرة: 187 مدنية
(4) البقرة: 197 مدنية
(5) البقرة: 215 مدنية
(6) البقرة: 219- 220 مدنية(7/2924)
88- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «1»
89- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «2»
90- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) «3»
91-* وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «4»
92- قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) «5»
93- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) «6»
94- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «7»
95- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) «8»
96- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) «9»
97-* وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
__________
(1) البقرة: 235 مدنية
(2) البقرة: 246 مدنية
(3) البقرة: 270 مدنية
(4) البقرة: 283 مدنية
(5) آل عمران: 29 مدنية
(6) آل عمران: 63 مدنية
(7) آل عمران: 92 مدنية
(8) آل عمران: 166- 167 مدنية
(9) النساء: 17 مدنية(7/2925)
وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) «1»
98- وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «2»
99- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «3»
100 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «4»
101- أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (63) «5»
102- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «6»
103- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «7»
104- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
(111) «8»
105- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «9»
__________
(1) النساء: 24 مدنية
(2) النساء: 35 مدنية
(3) النساء: 38- 39 مدنية
(4) النساء: 44- 45 مدنية
(5) النساء: 63 مدنية
(6) النساء: 92 مدنية
(7) النساء: 104 مدنية
(8) النساء: 111 مدنية
(9) النساء: 127 مدنية(7/2926)
106- ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) «1»
107- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «2»
108- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «3»
109- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «4»
110- وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) «5»
111- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) «6»
112- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) «7»
113- وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) «8»
114- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) «9»
115- وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «10»
116- قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) «11»
__________
(1) النساء: 147 مدنية
(2) المائدة: 7 مدنية
(3) المائدة: 33- 34 مدنية
(4) المائدة: 54 مدنية
(5) المائدة: 61 مدنية
(6) المائدة: 99 مدنية
(7) المائدة: 116 مدنية
(8) الأنعام: 3 مكية
(9) الأنعام: 33 مكية
(10) الأنعام: 53 مكية
(11) الأنعام: 58 مكية(7/2927)
117 إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) «1»
118- وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (124) «2»
119- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) «3»
120 فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7) «4»
121 وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «5»
122- وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) «6»
123- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) «7»
124- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
(66) «8»
125- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) «9»
126- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «10»
__________
(1) الأنعام: 117 مكية
(2) الأنعام: 124 مكية
(3) الأنعام: 128 مكية
(4) الأعراف: 6- 7 مكية
(5) الأعراف: 52 مكية
(6) الأنفال: 23 مدنية
(7) الأنفال: 43 مدنية
(8) الأنفال: 65- 66 مدنية
(9) التوبة: 42 مدنية
(10) التوبة: 47 مدنية(7/2928)
127- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «1»
128- وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) «2»
129- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) «3»
130-* وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) «4»
131- وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) «5»
132- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) «6»
133* قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) «7»
134- وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) «8»
135- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) «9»
136- وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23)
__________
(1) التوبة: 98 مدنية
(2) يونس: 36 مكية
(3) هود: 5 مكية
(4) هود: 6 مكية
(5) يوسف: 19- 20 مكية
(6) يوسف: 50- 52 مكية
(7) يوسف: 77 مكية
(8) الرعد: 42- 43 مدنية
(9) الحجر: 21 مكية(7/2929)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) «1»
137- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) «2»
138- وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19) «3»
139- لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) «4»
140- قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) «5»
141- وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) «6»
142- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «7»
143- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) «8»
144- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «9»
145- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) «10»
146- وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)
__________
(1) الحجر: 23- 25 مكية
(2) الحجر: 97 مكية
(3) النحل: 19 مكية
(4) النحل: 23 مكية
(5) النحل: 26- 28 مكية
(6) النحل: 91 مكية
(7) النحل: 125 مكية
(8) الإسراء: 25 مكية
(9) الإسراء: 47 مكية
(10) الإسراء: 54- 55 مكية(7/2930)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) «1»
147- ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) «2»
148- وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) «3»
149- قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) «4»
150- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) «5»
151- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) «6»
152- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «7»
153- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) «8» 154- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) «9»
155- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) «10»
156- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «11»
157- ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «12»
158- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)
__________
(1) الكهف: 25- 26 مكية
(2) مريم: 70 مكية
(3) طه: 7 مكية
(4) طه: 51- 52 مكية
(5) طه: 104 مكية
(6) طه: 110 مكية
(7) الأنبياء: 28 مكية
(8) الأنبياء: 110 مكية
(9) الحج: 67- 68 مدنية
(10) الحج: 75- 76 مدنية
(11) المؤمنون: 51 مكية
(12) المؤمنون: 96 مكية(7/2931)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) «1»
159- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) «2»
160- قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «3»
161- أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) «4»
162- وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74) «5»
163- وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) «6»
164- وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69) «7»
165- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) «8»
166- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) «9»
167- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) «10»
168- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) . تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ
__________
(1) النور: 27- 29 مدنية
(2) النور: 41 مدنية
(3) الفرقان: 6 مكية
(4) النمل: 25 مكية
(5) النمل: 74 مكية
(6) القصص: 37 مكية
(7) القصص: 69 مكية
(8) القصص: 85 أثناء الهجرة
(9) العنكبوت: 42 مكية
(10) العنكبوت: 45 مكية(7/2932)
أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) «1»
169- أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) «2»
170- وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) «3»
171- إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
(38) «4»
172- قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) «5»
173- وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76) «6»
174- إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «7»
175 وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) «8»
176- يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) «9»
177- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) «10»
178- لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً
__________
(1) الأحزاب: 50- 51 مدنية
(2) فاطر: 8 مكية
(3) فاطر: 11 مكية
(4) فاطر: 38 مكية
(5) يس: 16 مكية
(6) يس: 74- 76 مكية
(7) الزمر: 7 مكية
(8) الزمر: 69- 70 مكية
(9) غافر: 19 مكية
(10) الشورى: 24- 25 مكية(7/2933)
وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) «1»
179- وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) «2»
180- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «3»
181- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) «4»
182- وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) «5»
183- قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) «6»
184- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) «7»
185- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «8»
186 الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى (34) «9»
187- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «10»
188- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) «11»
189- وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) «12»
190- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) «13»
__________
(1) الشورى: 49- 50 مكية
(2) الدخان: 30- 32 مكية
(3) الأحقاف: 8 مكية
(4) محمد: 26 مكية
(5) محمد: 30 مكية
(6) ق: 4 مكية
(7) ق: 16 مكية
(8) ق: 45 مكية
(9) النجم: 32- 35 مكية
(10) الممتحنة: 1 مدنية
(11) المنافقون: 1 مدنية
(12) الملك: 13- 14 مكية
(13) القلم: 7 مكية(7/2934)
191- وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) «1»
192-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(20) «2»
193- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) «3»
علم الساعة والغيب مما اختص به المولى عز وجل:
194-* يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) «4»
195-* وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) «5»
196- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) «6»
197- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) «7»
198- اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8)
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) «8»
__________
(1) الحاقة: 49 مكية
(2) المزمل: 20 مكية
(3) الانشقاق: 22- 23 مكية
(4) المائدة: 109 مدنية
(5) الأنعام: 59- 60 مكية
(6) الأعراف: 187- 188 مكية
(7) التوبة: 105- 106 مدنية
(8) الرعد: 8- 9 مدنية(7/2935)
199- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) «1»
200- قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) «2»
201- إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) «3»
202- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) «4»
203- يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) «5»
204- يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «6»
205- فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) «7»
206- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) «8»
207- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «9»
208-* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) «10»
209- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «11»
210- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) «12»
__________
(1) المؤمنون: 91- 92 مكية
(2) النمل: 65 مكية
(3) لقمان: 34 مكية
(4) السجدة: 4- 6 مكية
(5) الأحزاب: 63 مكية
(6) سبأ: 2- 3 مكية
(7) سبأ: 14 مكية
(8) سبأ: 48 مكية
(9) الزمر: 46 مكية
(10) فصّلت: 47 مكية
(11) الحجرات: 18 مدنية
(12) الحشر: 22 مدنية(7/2936)
211- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «1»
212- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) «2»
إسناد العلم لله تعالى يراد به إظهاره للخلائق:
213- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «3»
214- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) «4»
215- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) «5»
216- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) «6»
217- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) «7»
218- وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) «8»
219- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (11) «9»
220-* قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) «10»
__________
(1) التغابن: 17- 18 مدنية
(2) الجن: 26- 28 مكية
(3) المائدة: 94 مدنية
(4) الأنفال: 70- 71 مدنية
(5) التوبة: 16 مدنية
(6) الكهف: 12 مكية
(7) النور: 63- 64 مدنية
(8) العنكبوت: 3 مكية
(9) العنكبوت: 10- 11 مكية
(10) الأحزاب: 18 مدنية(7/2937)
221- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) «1»
222- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (27) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «2»
223-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «3»
224- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ
إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
(25) «4»
الأمر بالعلم وبيان فضل العلماء:
225- الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) «5»
226- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «6»
__________
(1) سبأ: 20- 21 مكية
(2) محمد: 25- 31 مدنية
(3) الفتح: 18 مدنية
(4) الحديد: 25 مدنية
(5) البقرة: 194 مدنية
(6) البقرة: 196 مدنية(7/2938)
227-* وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) «1»
228- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) «2»
229- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «3»
230- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «4»
231-* وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «5»
232 وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) «6»
233- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «7»
234- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «8»
__________
(1) البقرة: 203 مدنية
(2) البقرة: 208- 209 مدنية
(3) البقرة: 223- 224 مدنية
(4) البقرة: 231 مدنية
(5) البقرة: 233 مدنية
(6) البقرة: 244 مدنية
(7) البقرة: 260 مدنية
(8) البقرة: 267- 268 مدنية(7/2939)
235 وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) «1»
236- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «2»
237- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
(25) «3»
238- وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) * وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «4»
239-* بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2)
وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «5»
240- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «6»
241- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «7»
242- فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «8»
243-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) «9»
244- فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «10»
__________
(1) المائدة: 49 مدنية
(2) المائدة: 92 مدنية
(3) الأنفال: 24- 25 مدنية
(4) الأنفال: 40- 41 مدنية
(5) التوبة: 1- 3 مدنية
(6) التوبة: 36 مدنية
(7) التوبة: 123 مدنية
(8) هود: 14 مكية
(9) الرعد: 19 مدنية
(10) القصص: 50 مكية(7/2940)
245- وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) «1»
246- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «2»
247- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «3»
248- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) «4»
249- اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) «5»
250- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «6»
251- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) «7»
العلم من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة والأنبياء عامة:
252- وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «8»
253- وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) «9»
__________
(1) فاطر: 28 مكية
(2) الزمر: 9 مكية
(3) محمد: 19 مدنية
(4) الحجرات: 7- 8 مدنية
(5) الحديد: 17 مدنية
(6) الحديد: 20 مدنية
(7) المجادلة: 11 مدنية
(8) البقرة: 120 مدنية
(9) البقرة: 145 مدنية(7/2941)
254- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) «1»
255- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) «2»
256- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) «3»
257- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) «4»
258- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) «5»
259- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) «6»
260- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «7»
261-* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) «8»
262- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) «9»
263- قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41)
__________
(1) البقرة: 151 مدنية
(2) آل عمران: 61 مدنية
(3) التوبة: 43- 44 مدنية
(4) هود: 79 مكية
(5) يوسف: 54- 55 مكية
(6) يوسف: 76 مكية
(7) الرعد: 37 مدنية
(8) الحجر: 49- 53 مكية
(9) النمل: 15- 16 مكية(7/2942)
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) «1»
264- وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) «2»
265- فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «3»
العلم من صفة المؤمنين والذين اختصهم المولى- عز وجل- بتفصيل الايات وفقهها ومعرفة الحق:
266-* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «4»
267- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «5»
268- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) «6»
269- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «7»
270- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) «8»
__________
(1) النمل: 41- 42 مكية
(2) القصص: 14 مكية
(3) الذاريات: 28 مكية
(4) البقرة: 26 مدنية
(5) البقرة: 182- 184 مكية
(6) البقرة: 230 مدنية
(7) آل عمران: 7 مدنية
(8) آل عمران: 18- 19 مدنية(7/2943)
271- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) «1»
272- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) «2»
273- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) «3»
274- وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) «4»
275- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) «5»
276- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «6»
277- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «7»
278- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) «8»
279- فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) «9»
280- وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (43) «10»
281- بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «11»
__________
(1) آل عمران: 79 مدنية
(2) النساء: 83 مدنية
(3) الأنعام: 97 مكية
(4) الأنعام: 105 مكية
(5) التوبة: 11 مدنية
(6) التوبة: 103- 104 مدنية
(7) يونس: 5 مكية
(8) الحج: 54 مدنية
(9) النمل: 52 مكية
(10) العنكبوت: 43 مكية
(11) العنكبوت: 49 مكية(7/2944)
282- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) «1»
283- وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «2»
284- كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) «3»
285- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ
(18) «4»
286- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) «5»
287- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16) «6»
288- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «7»
العلم من صفة بعض أهل الكتاب:
289- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) «8»
__________
(1) الروم: 56 مكية
(2) سبأ: 6 مكية
(3) فصّلت: 3 مكية
(4) الشورى: 17- 18 مكية
(5) الزخرف: 84- 87 مكية
(6) محمد: 16 مدنية
(7) الممتحنة: 10 مدنية
(8) البقرة: 144 مدنية(7/2945)
290- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) «1»
291- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) «2»
292- وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) «3»
293- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) «4»
294- لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) «5»
295- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) «6»
296- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) «7»
297- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) «8»
__________
(1) البقرة: 146 مدنية
(2) البقرة: 247 مدنية
(3) آل عمران: 78 مدنية
(4) آل عمران: 79 مدنية
(5) النساء: 162 مدنية
(6) المائدة: 112- 113 مدنية
(7) الأنعام: 91 مكية
(8) الأنعام: 114 مكية(7/2946)
298- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) «1»
299- أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197) «2»
300- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «3»
اختصاص بعض الخلق بأنواع من العلم واغترار بعضهم بذلك:
301- فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) «4»
302- قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ (35) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) «5»
303- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «6»
304- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) «7»
305- قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32) «8»
306- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) «9»
307- وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) «10»
نفي العلم عن الناس أو كثير منهم:
308- أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ
__________
(1) الإسراء: 107 مكية
(2) الشعراء: 197 مكية
(3) القصص: 80 مكية
(4) الكهف: 65- 66 مكية
(5) الشعراء: 34- 38 مكية
(6) النمل: 40 مكية
(7) القصص: 78 مكية
(8) العنكبوت: 32 مكية
(9) الصافات: 158 مكية
(10) الشورى: 35 مكية(7/2947)
أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) «1»
309- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) «2»
310- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «3»
311 وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «4»
312- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) «5»
313- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) «6»
314- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) «7»
315-* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) «8»
316- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) «9»
__________
(1) البقرة: 140- 141 مدنية
(2) البقرة: 216 مدنية
(3) البقرة: 232 مدنية
(4) الأنفال: 60 مدنية
(5) التوبة: 6 مدنية
(6) التوبة: 63 مدنية
(7) التوبة: 78 مدنية
(8) التوبة: 93- 94 مدنية
(9) التوبة: 97 مدنية(7/2948)
317- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) «1»
318- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) «2»
319- وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) «3»
320- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) «4»
321- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) «5»
322- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) «6»
323- قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) «7»
__________
(1) التوبة: 101 مدنية
(2) يونس: 39- 40 (39 مكية، 40 مدنية)
(3) هود: 30- 32 مكية
(4) هود: 46- 49 مكية
(5) يوسف: 21 مكية
(6) النحل: 101 مكية
(7) الإسراء: 84- 85 مكية(7/2949)
324- وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) «1»
325- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) «2»
326- وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) «3»
327- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) «4»
328- فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) «5»
329- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) «6»
330- وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (64) «7»
__________
(1) الكهف: 19- 22 مكية
(2) الحج: 70- 71 مدنية
(3) النور: 18- 19 مدنية
(4) النمل: 61 مكية
(5) القصص: 13 مكية
(6) العنكبوت: 41 مكية
(7) العنكبوت: 64 مكية(7/2950)
331- وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) «1»
332- قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «2»
333- قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) «3»
334- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «4»
335- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) «5»
336- وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «6»
337- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «7»
تعليم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم للناس:
338- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
__________
(1) الروم: 6- 7 مكية
(2) يس: 26- 27 مكية
(3) الأحقاف: 23 مكية
(4) الفتح: 25 مدنية
(5) الفتح: 27 مدنية
(6) النجم: 28- 30 مكية
(7) المدثر: 31 مكية(7/2951)
قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) «1»
339- رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «2»
340- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3»
341- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «4»
342- أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «5»
343- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا
__________
(1) البقرة: 31- 33 مدنية
(2) البقرة: 129 مدنية
(3) البقرة: 238- 239 مدنية
(4) البقرة: 250- 251 مدنية
(5) البقرة: 259 مدنية(7/2952)
تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «1»
344- قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) «2»
345- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) «3»
346- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(113) «4»
347- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) «5»
348- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «6»
349- إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
__________
(1) البقرة: 282 مدنية
(2) آل عمران: 47- 48 مدنية
(3) آل عمران: 164- 165 مدنية
(4) النساء: 113 مدنية
(5) المائدة: 4 مدنية
(6) المائدة: 110 مدنية(7/2953)
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) «1»
350- وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (37) «2»
351-* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «3»
352- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «4»
353- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) «5»
354- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) «6»
355- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «7»
356- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) «8»
357- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)
__________
(1) يوسف: 4- 6 مكية
(2) يوسف: 36- 37 مكية
(3) يوسف: 101 مكية
(4) إبراهيم: 52 مكية
(5) الإسراء: 12 مكية
(6) مريم: 41- 43 مكية
(7) طه: 114 مكية
(8) الأنبياء: 74 مكية(7/2954)
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) «1»
358 وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) «2»
359- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) «3»
360- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «4»
361- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «5»
مسئولية العالم بالشيء عمّا يفعله:
362- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «6»
363- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «7»
364- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «8»
__________
(1) الأنبياء: 78- 81 مكية
(2) النجم: 1- 5 مكية
(3) الرحمن: 1- 4 مكية
(4) الجمعة: 1- 2 مدنية
(5) العلق: 1- 5 مكية
(6) البقرة: 188 مدنية
(7) الأنفال: 27- 28 مدنية
(8) النور: 33 مدنية(7/2955)
365- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) «1»
انكشاف غطاء العلم في الدنيا أو في الآخرة أو كلاهما:
366- لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) «2»
367- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) «3»
368- وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39) «4»
369- وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) «5»
370- يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «6»
371- بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) «7»
372- وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (75) «8»
373- لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) «9»
374- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) «10»
375- فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) «11»
__________
(1) الجمعة: 9 مدنية
(2) الأنعام: 67 مكية
(3) الأنعام: 135 مكية
(4) هود: 38- 39 مكية
(5) هود: 93 مكية
(6) النور: 24- 25 مدنية
(7) النمل: 66 مكية
(8) القصص: 75 مكية
(9) العنكبوت: 66 مكية
(10) الروم: 33- 34 مكية
(11) الصافات: 170 مكية(7/2956)
376- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «1»
377- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «2»
378- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «3»
379- حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) «4»
__________
(1) ص: 86- 88 مكية
(2) الزخرف: 88- 89 مكية
(3) الجمعة: 6- 8 مدنية
(4) الجن: 24- 25 مكية(7/2957)
الأحاديث الواردة في (العلم)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة: إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن أولاد المشركين. فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ) * «2» .
3-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» ) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» ) * «4» .
5-* (عن الفرزدق بن حنان القاصّ قال:
خرجت أنا وعبيد الله بن حيدة في طريق الشّام، فمررنا بعبد الله بن عمرو بن العاص فقال: جاء رجل من قومكما، أعرابيّ جاف جريء، فقال: «يا رسول الله: أين الهجرة؟ إليك حيثما كنت، أم إلى أرض معلومة، أو لقوم خاصّة، أم إذا متّ انقطعت؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة، ثم قال: «أين السّائل عن الهجرة؟» . قال: هأنذا يا رسول الله، قال: «إذا أقمت الصّلاة، وآتيت الزّكاة فأنت مهاجر، وإن متّ بالحضرمة» . قال: يعني أرضا باليمامة، ثمّ قام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت ثياب أهل الجنّة، أتنسج نسجا أم تشقّق من ثمر الجنّة؟» قال: فكأنّ القوم تعجّبوا من مسألة الأعرابيّ! فقال: «ما تعجبون من جاهل يسأل عالما» . قال: فسكت هنيّة، ثمّ قال: «أين السّائل عن ثياب الجنّة؟» . قال: أنا. قال: «لا بل، تشقّق من ثمر الجنّة» ) * «5» .
6-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها-. وأحدّثكم حديثا
__________
(1) مسلم (1631) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1384) ومسلم (2659) واللفظ له
(3) الحاكم (1/ 93) واللفظ له وقال الذهبي: (1/ 93) على شرطهما. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بإسناد حسن.
(4) البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له. ومسلم (2673) .
(5) أحمد (2/ 203) وقال شاكر: إسناده صحيح (11/ 114) وانظر جامع المسانيد والسنن لابن كثير (26/ 352) وقال مخرجه: تفرد به الإمام أحمد وإسناده صحيح. والفرزدق بن حنان، صوابه حنان بن خارجة. كما صوبه الشيخ أحمد شاكر.(7/2958)
فاحفظوه. قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا. فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» .
7-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصعّد النّظر إليها وصوّبه، ثمّ طأطأ رأسه. فلمّا رأت المرأة أنّه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها. فقال له: هل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله. قال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. قال: انظر ولو خاتما من حديد. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل: ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء» ، فجلس الرّجل حتى طال مجلسه، ثمّ قام، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مولّيا، فأمر به فدعي. فلمّا جاء قال: «ماذا معك من القرآن؟» . قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عدّها. قال: أتقرأهنّ عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: «اذهب، فقد ملّكتكها بما معك من القرآن» ) * «2» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دخل الخلاء فوضعت له وضوآ.
قال: «من وضع هذا؟» . فأخبر. فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين» . وفي لفظ آخر، قال: ضمّني. وقال: «اللهمّ علّمه الكتاب» ) * «3» .
9-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال: قلت لابن عبّاس- رضي الله عنهما-: إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى- عليه السّلام- صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر عليه السّلام، فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى عليه السّلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل:
أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه «4» إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين «5» هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ كيف لي به؟ فقيل له: احمل
__________
(1) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح (3021) . وأصله في مسلم.
(2) البخاري- الفتح 8 (5030) واللفظ له، ومسلم (1425) وفيه «فعلمها من القرآن» .
(3) البخاري- الفتح 1 (143) والجزء الأخير في (75) واللفظ له. ومسلم (2477) .
(4) عتب الله عليه: لامه.
(5) مجمع البحرين: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق أو بإفريقية، أو طنجة.(7/2959)
حوتا «1» في مكتل «2» فحيث تفقد «3» الحوت فهو ثمّ «4» . فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون.
فحمل موسى عليه السّلام حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصّخرة فرقد موسى عليه السّلام وفتاه فاضطّرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق «5» فكان للحوت سربا. وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما. ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى عليه السّلام، قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «6» قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الذي أمر به. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأيا رجلا مسجّى «7» عليه بثوب.
فسلّم عليه موسى. فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام «8» ؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه. قال له موسى عليه السّلام: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة. فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «9» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه. فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها. لقد جئت شيئا إمرا «10» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا. ثمّ خرجا من السّفينة. فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان. فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله.
قال موسى: أقتلت نفسا زاكية «11» بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟. قال: وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من
__________
(1) الحوت: السمكة.
(2) مكتل: هو القفة أو الزنبيل، وفي لسان العرب: المكتل: الزنبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب إلى الجرين.
(3) تفقد: أي يذهب منك.
(4) فهو ثم: أي هناك.
(5) الطاق: عقد البناء.
(6) نصبا: النصب: التعب
(7) مسجى: مغطى.
(8) أنّى بأرضك السلام؟: أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام.
(9) بغير نول: بغير أجر
(10) إمرا: عظيما
(11) زاكية: قرىء في السبع: زاكية وزكية: أي طاهرة من الذنوب.(7/2960)
لدنّي عذرا «1» . فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «2» فأقامه. يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه «3» . قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال: هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما ... الحديث» ) * «4»
10-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: إنّه قدم عليه رجل من المدينة وهو بدمشق. فقال:
ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديث بلغني أنّك تحدّثه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا.
قال: ما قدمت لتجارة؟ قال: لا. قال: ما جئت إلّا في طلب هذا الحديث؟ قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله له طريقا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإنّ العالم ليستغفر له من في السّماوات ومن في الأرض حتّى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب. إنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يوّرّثوا دينارا ولا درهما إنّما ورّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر» ) * «5» .
11-* (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «6» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم ومروهم وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «7» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قلنا:
بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع.
فلم يلبث إلّا ريثما «8» ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا «9» ، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ
__________
(1) بلغت من لدني عذرا: أي بلغت الغاية التي تعذر بسببها في فراقي.
(2) ينقض: قرب من الانقضاض أو السقوط.
(3) قال الخضر بيده هكذا: أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول.
(4) البخاري- الفتح 6 (3401) . ومسلم (2380) واللفظ له
(5) الترمذي (2682) واللفظ له وعزاه في التحفة لأحمد (2/ 252، 325) من حديث أبي هريرة، والدارمي (3/ 381) النسخة الهندية وأبو داود (3641) . وذكره الألباني في صحيح أبي داود: (2/ 694) برقم (096- 3) وقال: صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 6) : إسناده حسن.
(6) شببة: جمع شابّ، مثل بررة جمع بارّ.
(7) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) .
(8) إلا ريثما: معناه إلا قدر ما.
(9) أخذ رداءه رويدا: أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها.(7/2961)
أجافه «1» رويدا. فجعلت درعي في رأسي «2» ، واختمرت «3» وتقنّعت إزاري «4» . ثمّ انطلقت على إثره.
حتىّ جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «5» .
فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل.
فقال: «مالك؟ يا عائش! حشيا رابية «6» » قالت:
قلت لا شيء. قال: «لتخبريني «7» أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «8» الّذي رأيت أمامي؟» .
قلت: نعم. فلهدني «9» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت:
مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته.
فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك.
وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» . قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «10» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلّا ذكر الله، وما والاه، أو عالما أو متعلّما» ) «11» .
14-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود.
قال: «إنّي والله ما آمن يهود على كتاب» . قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: «فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم» ) * «12» .
__________
(1) ثم أجافه: أي أغلقه. وإنما فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل.
(2) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها.
(3) واختمرت: أي ألقيت على رأسي الخمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها.
(4) وتقنعت إزاري: هكذا هو في الأصول: إزاري، بغير باء في أوله. وكأنه بمعنى لبست إزاري، فلهذا عدى بنفسه.
(5) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو. أي فعدا فعدوت، فهو فوق الهرولة.
(6) مالك يا عائش حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها. وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. وحشيا: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النّفس وتواتره. يقال: امرأة حشياء وحشية. ورجل حشيان وحش. قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. رابية أي مرتفعة البطن.
(7) لتخبريني: هكذا يوجد الفعل في صحيح مسلم ولا يخفى أن الفعل مؤكد بدليل لام القسم، وتوكيده يقتضي حذف ياء المخاطبة وبقاء الكسرة دليلا عليها فيقال: لتخّبرنّي- فلعله خطأ طباعي.
(8) فأنت السواد: أي الشخص.
(9) فلهدني: قال أهل اللغة: لهده ولهّده، بتخفيف الهاء، وتشديدها، أي دفعه.
(10) مسلم (974) .
(11) الترمذي (2322) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (4112) .
(12) الترمذي (2715) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3645) . وقال الألباني في صحيح أبي داود (2/ 695) : حسن صحيح.(7/2962)
15-* (عن العلاء بن خارجة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإنّ صلة الرّحم محبّة للأهل، مثراة للمال، ومنسأة للأجل» ) * «1» .
16-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين. الرّجل تكون له الأمة فيعلّمها فيحسن تعليمها ويؤدّبها فيحسن تأديبها فله أجران، ومؤمن أهل الكتاب الّذي كان مؤمنا ثمّ آمن بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فله أجران، والعبد الّذي يؤدّي حقّ الله وينصح لسيّده» ) * «2» .
17-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الاخر: حدّثنا: «أنّ الأمانة «3» نزلت في جذر قلوب الرّجال، ثمّ علموا من القرآن ثمّ علموا من السّنّة. وحدّثنا عن رفعها. قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت «4» ثمّ ينام النّومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل «5» ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط «6» . فتراه منتبرا «7» وليس فيه شيء، ويصبح النّاس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدّي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرّجل ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيّكم بايعت «8» . لئن كان مسلما ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، وأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا) * «9» .
18-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في الصّفّة. فقال:
«أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان «10» أو إلى العقيق «11» فيأتي منه بناقتين كوماوين «12» في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله نحبّ ذلك. قال:
«أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله- عزّ وجلّ- خير له من ناقتين. وثلاث خير له من ثلاث. وأربع خير له من أربع. ومن
__________
(1) مجمع الزوائد (8/ 152) واللفظ له. وقال: رواه الطبراني ورجاله قد وثقوا.. وخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفا على عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- انظر ملخص فضل الله الصمد (1/ 108، 109) برقمي (72، 73) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: إسناده لا بأس به (3/ 335) . وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد (2/ 374) . والترمذي (1979) وقال: غريب. والحاكم (161) وصححه.
(2) البخاري- الفتح 6 (3011) واللفظ له. ومسلم (154) .
(3) الأمانة: المقصود هنا التكليف الذي كلف الله به العباد.
(4) الوكت: هو الأثر اليسير أو سواد يسير.
(5) المجل: التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها.
(6) نفط: إذا صار بين الجلد واللحم ماء.
(7) منتبرا: مرتفعا.
(8) بايعت: المبايعة هنا البيع والشراء المعروفان.
(9) البخاري- الفتح 13 (7086) . ومسلم (143) .
(10) بطحان: اسم موضع قرب المدينة.
(11) العقيق: اسم واد بالمدينة.
(12) ناقة كوماء: عظيمة السنام.(7/2963)
أعدادهنّ من الإبل» ) * «1» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم..
الحديث وفيه: ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله، وكبّروا، وصلّوا، وتصدّقوا. ثمّ قال: يا أمّة محمّد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «2» .
20-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» ) * «3» .
21-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله علما نافعا، وتعوّذوا بالله من علم لا ينفع» ) * «4» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوني» . فهابوه أن يسألوه.
فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: «لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان «قال: صدقت. قال يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كلّه» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟. قال: «أن تخشى الله كأنّك تراه. فإنّك إن لا تكن تراه فإنّه يراك» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله، متى تقوم السّاعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السّائل، وسأحدّثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربّها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصّمّ البكم «5» ملوك الأرض فذاك من أشراطها. وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهنّ إلّا الله» . ثمّ قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان/ 43) . قال: ثمّ قام الرّجل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّوه عليّ» . فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا جبريل أراد أن تعلّموا إذ لم تسألوا» ) * «6» .
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ
__________
(1) مسلم (803) .
(2) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له، ومسلم (901) .
(3) البخاري- الفتح 9 (5027) .
(4) ابن ماجة (3843) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. مجمع الزوائد (10/ 182) وعزاه للطبراني في الأوسط. وذكره الألباني في الصحيحة (4/ 16) ح (1151) وعزاه لمصنف ابن أبي شيبة والمنتخب لعبد بن حميد والفاكهي وقال: إسناده حسن.
(5) الصم البكم: المراد بهم الجهلة السفلة الرعاع، أي لما لم ينتفعوا بجوارحهم هذه وكأنهم عدموها.
(6) البخاري- الفتح 1 (50) . ومسلم (10) واللفظ له.(7/2964)
قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه؟ فو الله إنّي أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) * «1» .
24-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلّد الخنازير الجوهر واللّؤلؤ» ) * «2» .
25-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العلم علمان. علم في القلب، فذاك العلم النّافع، وعلم على اللّسان، فذاك حجّة الله على ابن آدم» ) * «3» .
26-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم، ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «4» .
وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «5» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «6» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «7» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «8» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «9» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «10» .
تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ، إذا يثلغوا رأسي «11» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك.
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7301) واللفظ له. ومسلم (2356) .
(2) ابن ماجة (224) وفيه قال السيوطي: سئل الشيخ النووي عنه فقال: إنه ضعيف سندا، وإن كان صحيحا معنى. وقال المزي: روي من طرق تبلغ الحسن وهو كما قال: فإني رأيت له خمسين طريقا جمعتها. وللحديث شاهد عند ابن شاهين، وقد روى أيضا بسند رجاله ثقات عن أنس- رضي الله عنه-، وانظر مجمع الزوائد (1/ 119، 120، وكشف الخفا (2/ 43، 44 (1665) .
(3) الترغيب والترهيب (1/ 103) واللفظ له، وقال: رواه الخطيب في تاريخه بإسناد حسن، ورواه ابن عبد البر النمري في كتاب العلم عن الحسن مرسلا بإسناد صحيح، وانظره فيه (1/ 190/ 191) ، وقد حسنه السيوطى في الجامع الصغير رقم (5717) . وقال المناوي: قال المنذري: إسناده صحيح، وقال العراقي: جيد، وإعلال ابن الجوزي له وهم، وقال السمهودي: إسناده حسن، ورواه أبو نعيم والديلمي عن أنس- رضي الله عنه- مرفوعا، فيض القدير (4/ 39) .
(4) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحام وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(5) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(6) فاجتالتهم: أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(7) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(8) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(9) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك اليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق.
(10) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على ممر الزمان.
(11) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز: أي يكسر.(7/2965)
واغزهم نغزك «1» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربي، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال:
وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «2» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «3» أهلا ولا مالا.
والخائن الّذي لا يخفى له طمع «4» ، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . (وذكر البخل أو الكذب «5» ) والشّنظير «6» الفحّاش، ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «7» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ انفعني بما علّمتني، وعلّمني ما ينفعني، وزدني علما، والحمد لله على كلّ حال» ) * «8» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان من دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع» ) * «9» .
29-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لو استخلفت معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- فسألني عنه ربّي عزّ وجلّ، ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيّك صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ العلماء إذا حضروا ربّهم- عزّ وجلّ- كان معاذ بين أيديهم رتوة «10» بحجر» ) * «11» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن فقال: اللهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك: ماض فيّ حكمك، عدل فيّ
__________
(1) نغزك: أي نعينك.
(2) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(3) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(4) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء اذا أظهرته. وأخفيته اذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(5) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(6) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السّيّىء الخلق.
(7) مسلم (2865) .
(8) الترمذي (3599) واللفظ له، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجه (المقدمه 251، 3833 الدعاء وله شاهد من حديث أنس- رضي الله عنه- في الحاكم (1879، 1/ 510) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وهو كما قالا. وله طريق أخرى رواها الطبراني في الأوسط من رواية سهيل بن عياش عن المدنيين وهي ضعيفه، كذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 181) .
(9) النسائي (8/ 284) وقال الألباني في صحيحه: صحيح (3/ 1113) ، (5053) . وابن ماجة (250) واللفظ له.
(10) جاء في لسان العرب: الرتوة الخطوة ونقل عن ابن الأثير أنها الرمية بسهم. وواضح أن الرمية في الحديث بحجر، والمعنى أن معاذا يسبق العلماء سبقا ظاهرا واضحا.
(11) أبو نعيم في الحلية (1/ 228) . واللفظ له. وابن سعد في الطبقات (2/ 248، 3/ 590) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 82) حديث (1091) وذكر له طرقا عديدة ثم قال: وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا شك، ولا يرتاب في ذلك من له معرفة بهذا العلم الشريف.(7/2966)
قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك. أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إ أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا.
قال: فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلّمها؟ فقال: «بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها» ) * «1» .
31-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقيّة «2» قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب «3» أمسكت الماء فنفع الله بها النّاس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قيعان «4» لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به. قال أبو عبد الله: قال إسحاق: وكان منها طائفة قيّلت «5» الماء قاع يعلوه الماء، والصّفصف: المستوي من الأرض» ) * «6» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعلّم علما ممّا يبتغى به وجه الله- عزّ وجلّ- لا يتعلّمه إلّا ليصيب به عرضا من الدّنيا لم يجد عرف الجنّة «7» يوم القيامة» ) * «8» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول: «من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلّا لخير يتعلّمه أو يعلّمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرّجل ينظر إلى متاع غيره» ) * «9» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم ثمّ كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» ) * «10» .
35-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله
__________
(1) أحمد في المسند بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (5/ 3712 و (6/ 4318) واللفظ له، وقال: إسناده صحيح. وذكره الألباني في صحيح الكلم الطيب (74) حديث (123) وقال: صحيح. ورواه ابن حبان رقم (972) .
(2) نقية: طيبة.
(3) أجادب: هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وهي جمع جدب على غير قياس. كما قالوا في حسن جمعه محاسن والقياس أن محاسن جمع محسن.
(4) قيعان: جمع القاع. وهو الأرض المستوية، وقيل: التي لا نبات فيها. وهو المراد هنا.
(5) قيّلت الماء: القيل: شرب نصف النهار، والمراد الشرب على وجه العموم.
(6) البخاري- الفتح 1 (79) واللفظ له ومسلم (2282) .
(7) عرف الجنة: يعني ريحها.
(8) أبو داود (3664) واللفظ له والترمذي (2655) وقال: حسن غريب. وذكر المنذري، المختصر (5/ 255) - يعني لأبي داود. وأحمد (2/ 338) رقم (8238) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (16/ 193) . والحاكم (1/ 85) وقال: صحيح سنده، ثقات رواته، على شرطهما ووافقه الذهبي. واقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي وقال الألباني: صحيح رقم (102) .
(9) ابن ماجة (227) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط مسلم. وذكره الألباني في صحيح الجامع (3/ 278) رقم (6060) وقال: صحيح.
(10) الترمذي (2649) واللفظ له، وقال: حديث حسن. وقال في التحفة: أخرجه أحمد (1/ 101) وأبو داود والنسائي، والحاكم (2/ 344، 353) وقال: صحيح وذكره في-(7/2967)
عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ) * «1» .
36-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أباذرّ، لأن تغدو فتعلّم «2» آية من كتاب الله خير لك من أن تصلّي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلّم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلّي ألف ركعة» ) * «3» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» ) * «4» .
38-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «منهومان لا يشبعان، منهوم في علم لا يشبع، ومنهوم في دنيا لا يشبع» ) * «5» .
39-* (عن ابن الدّيلميّ قال أتيت أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدّثني بشيء لعلّ الله أن يذهبه من قلبي، فقال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر، وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متّ على غير هذا لدخلت النّار. قال: ثمّ أتيت عبد الله ابن مسعود، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت زيد بن ثابت، فحدّثني عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك» ) * «6» .
40-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن
__________
- المشكاة وقال الألباني: صحيح (1/ 77) . وأبو داود (3658) . وابن ماجة (261) . وقال الخطابي: هو في العلم الضروري. كما لو قال: علمني الإسلام والصلاة. وقد حضر وقتها وهو لا يحسنها في نوافل العلم.
(1) مسلم (26) .
(2) فتعلّم: أي فتتعلّم فحذفت إحدى التائين تخفيفا.
(3) ابن ماجة (219) . واللفظ له، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: إسناده حسن (981) .
(4) مسلم (2699) .
(5) الحاكم (1/ 92) واللفظ له، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم أجد له علة ووافقه الذهبي.. والحديث في المشكاة (1/ 86) وفيه قال الألباني: هو عند ابن عدي وابن عساكر وهو صحيح.
(6) المسند (5/ 185) . أبو داود (4699) واللفظ له. وقال الألباني في صحيحه (3/ 890) : صحيح. وابن ماجة (77) .(7/2968)
قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «1» .
41-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟
وعن جسمه فيم أبلاه؟» ) * «2» .
42-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنّار النّار» ) * «3» .
43-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا المنذر؟ أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر! أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. قال: فضرب في صدري وقال ليهنك العلم «4» أبا المنذر» ) * «5» .
44-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا، ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرّق بينهم، فجلسنا حجرة «6» إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتّى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا، قد احمرّ وجهه يرميهم بالتّراب، ويقول: «مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض. إنّ القرآن لم ينزل يكذّب بعضه بعضا، بل يصدّق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردّوه إلى عالمه» ) * «7» .
45-* (عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» ) * «8» .
__________
(1) مسلم (2722) .
(2) الترمذي (2417) وقال: حسن صحيح.
(3) ابن ماجة (254) واللفظ له وفي الزوائد: ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم مرفوعا وموقوفا. وهو عند الحاكم (1/ 86) وقال الحاكم والذهبي والرفع أصح.
(4) قوله ليهنك العلم: أي ليكن العلم هنيئا لك.
(5) مسلم (810) .
(6) حجرة: أي في ناحية منفردين.
(7) أحمد (2/ 182) رقم (6702) . وقال فيه شاكر: إسناده صحيح (10/ 174) .
(8) البزار (1/ 86) حديث (143) . وهو في المشكاة (1/ 82) حديث (248) وقال: رواه البيهقي. وقال الشيخ ناصر في تخريجه: رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ونقل هناك تصحيح الإمام أحمد للحديث.(7/2969)
الأحاديث الواردة في (العلم) معنى
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: يقولون: إنّ أبا هريرة قد أكثر، والله الموعد، ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدّثون مثل أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إنّ إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أراضيهم، وإنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصّفق «1» بالأسواق. وكنت ألزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ملء بطني. فأشهد إذا غابوا.
وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما «أيّكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا، ثمّ يجمعه إلى صدره، فإنّه لم ينس شيئا سمعه» فبسطت بردة عليّ حتّى فرغ من حديثه. ثمّ جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدّثني به. ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدّثت شيئا أبدا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى (البقرة/ 159- 160) إلى آخر الايتين «2» .
47-* (عن الحسن- رضي الله عنه- قال بينما عمران بن حصين- رضي الله عنهما- يحدّث عن سنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم إذ قال له رجل: يا أبا نجيد حدّثنا بالقرآن، فقال له عمران: أنت وأصحابك يقرؤن القرآن، أكنت محدّثي عن الصّلاة وما فيها وحدودها؟، أكنت محدّثي عن الزّكاة في الذّهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن قد شهدت وغبت أنت، ثمّ قال: فرض علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الزّكاة كذا وكذا، وقال الرّجل أحييتني أحياك الله، قال الحسن: فما مات ذلك الرّجل حتّى صار من فقهاء المسلمين» ) * «3» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تجدون النّاس معادن، فخيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون من خير النّاس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه.
وتجدون من شرار النّاس ذا الوجهين. الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» ) * «4» .
49-* (عن المقدام بن معد يكرب الكنديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
يوشك الرّجل متّكئا على أريكته يحدّث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله- عزّ وجلّ- فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه، ألا وإنّ ما حرّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل ما حرّم الله) * «5» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) الصّفق- بإسكان الفاء- هو ضرب اليد على اليد، وجرت به عادتهم عند عقد البيع.
(2) البخاري- الفتح 1 (118) واللفظ له ومسلم (2492) .
(3) الحاكم (1/ 109، 110) وصححه، وافقه الذهبي.
(4) البخاري- الفتح 6 (3496) . ومسلم (5262) واللفظ له.
(5) أبو داود (4605. الترمذي (5/ 37) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (12) واللفظ له. وأحمد (6/ 8) . وصححه الحاكم (1/ 109) وسكت عنه الذهبي.(7/2970)
قال: قيل يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة ألايسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث: أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، أو نفسه» ) * «1» .
51-* (عن حميد بن عبد الرّحمن قال:
سمعت معاوية- رضي الله عنه- خطيبا يقول:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين، وإنّما أنا قاسم، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمّة قائمة على أمر الله لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «2» .
52-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ «3» عليهنّ قلب مسلم:
إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمّة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ الدّعوة تحيط من ورائهم» ) * «4» .
53-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ نافع بن عبد الحارث الخزاعيّ لقيه بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكّة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟
قال مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى.
قال: إنّه قارىء لكتاب الله- عزّ وجلّ- وإنّه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إنّ نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم قد قال «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» ) *» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (99) . وقوله «أو في نفسه» شك من الراوي.
(2) البخاري- الفتح 1 (71) واللفظ له ومسلم (1037) .
(3) لا يغلّ- بالضم- من الإغلال وهو الخيانة، وبالفتح من الغل، وهو الحقد والشحناء، أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق.
(4) الترمذي (2658) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (230) من حديث زيد بن ثابت. وأحمد (5/ 182) وذكره الألباني في صحيح الجامع (6642) .
(5) مسلم (817) وقال أيضا: تفقهوا قبل أن تسودوا.(7/2971)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العلم)
54-* (عن معاوية بن الحكم السّلميّ رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمّياه! ما شأنكم؟
تنظرون إليّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم «1» يصمّتونني «2» ، لكنّي سكتّ. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبأبي هو وأمّي! ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه. فو الله ما كهرني «3» ولا ضربني ولا شتمني. قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله! إنّي حديث عهد بجاهليّة «4» . وقد جاء الله بالإسلام.
وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» قال:
ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدّنّهم» (قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنّكم) » قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون.
قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ «5» . فمن وافق خطّه فذاك» قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «6» . فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون «7» . لكنّي صككتها صكّة «8» فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟
قال: «ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها: «أين الله؟» قالت:
في السّماء. قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله.
قال: «أعتقها. فإنّها مؤمنة» * «9» .
55-* (عن أبي رفاعة العدويّ- رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يخطب، قال:
فقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه. قال: فأقبل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وترك خطبته حتّى انتهى إليّ فأتي بكرسيّ حسبت قوائمه حديدا. قال: فقعد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعل يعلّمني ممّا علّمه الله، ثمّ أتى خطبته فأتمّ آخرها» ) * «10» .
56-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) رأيتهم: أي علمتهم.
(2) يصمتونني: أي يسكتونني.
(3) كهرني: القهر والكهر والنهر متقاربة. أي ما قهرني ولا نهرني.
(4) بجاهلية: الجاهلية: ما قبل ورود الشرع. سموا جاهلية لكثرة جهالتهم وفحشهم.
(5) يخط: أي يضرب خطوطا كخطوط الرمل فيعرف الأمر بالفراسة. وهو نوع من الكهانة. ولهم فيه أوضاع واصطلاح وأسام وعمل كثير، ويستخرجون به الضمير وغيره، والنبي هو إدريس أو دانيال.
(6) الجوانية: موضع في شمال المدينة بقرب أحد.
(7) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون.
(8) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة.
(9) مسلم (537) .
(10) مسلم (876) .(7/2972)
قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان يعلّمهم هذا الدّعاء كما يعلّمهم السّورة من القرآن، يقول: «قولوا: اللهمّ إنّا نعوذ بك من عذاب جهنّم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» ) * «1» .
57-* (عن حطّان بن عبد الله الرّقاشيّ- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع أبي موسى الأشعريّ صلاة، فلمّا كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرّت الصّلاة «2» بالبرّ والزّكاة؟ قال فلمّا قضى أبو موسى الصّلاة وسلّم انصرف فقال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمّ القوم «3» . ثمّ قال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمّ القوم، فقال: لعلّك يا حطّان قلتها؟
قال: ما قلتها. ولقد رهبت أن تبكعني بها «4» . فقال رجل من القوم: أنا قلتها. ولم أرد بها إلّا الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبنا فبيّن لنا سنّتنا وعلّمنا صلاتنا.
فقال «إذا صلّيتم فأقيموا صفوفكم. ثمّ ليؤمّكم أحدكم. فإذا كبّر فكبّروا. وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. فقولوا: آمين. يجبكم الله «5» . فإذا كبّر وركع فكبّروا واركعوا. فإنّ الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فتلك بتلك وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهمّ ربّنا لك الحمد. يسمع الله لكم. فإنّ الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم: سمع الله لمن حمده. وإذا كبّر وسجد فكبّروا واسجدوا. فإنّ الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فتلك بتلك. وإذا كان عند القعدة فليكن من أوّل قول أحدكم: التّحيّات الطّيّبات الصّلوات لله. السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته. السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين.
أشهد ألاإله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله» ) * «6» .
58-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي، ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب، وسل تعط» ) * «7» .
59-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: «قل: اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك،
__________
(1) مسلم (590) .
(2) أقرّت الصلاة: معناه قرنت بهما وأقرت معهما.
(3) أرمّ القوم: سكتوا ولم يجيبوا.
(4) تبكعني: تبكتني وتوبخني. أي قد خفت أن تستقبلني بما أكره.
(5) يجببكم الله: أي يستجيب دعاءكم.
(6) مسلم (404) .
(7) أبو داود (1481) . والنسائي (3/ 44) واللفظ له وذكره الألباني في الصحيح (1/ 275) حديث (1217) . والترمذي (3476) وقال: حديث حسن.(7/2973)
وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «1» .
60-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إنّ الله قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه، ثمّ يقول: إنّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا» ) * «2» .
61-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كالسّورة من القرآن، إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ يقول: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب. اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر «3» خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به. ويسمّي حاجته» ) * «4» .
62-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فقال: «يا غلام، إنّي أعلّمك كلمات. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» ) * «5» .
63-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن «6» فشربت حتّى إنّي لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري ثمّ أعطيت فضلي عمر بن الخطّاب» . قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: «العلم» ) * «7» .
64-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرّجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله. فقال:
«اجتمعن يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا» ، فاجتمعن فأتاهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعلّمهنّ ممّا علّمه الله. ثمّ قال:
«ما منكنّ امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلّا كان لها حجابا من النّار» فقالت امرأة منهنّ: يا رسول
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له ومسلم (2705) .
(2) البخاري- الفتح 1 (20) .
(3) قوله: إن كنت تعلم أن هذا الأمر....: يسمي الأمر الذي يستخير من أجله: زواجا أو سفرا أو تجارة أو سكنا ... الخ.
(4) البخاري- الفتح 11 (6382) واللفظ له.
(5) الترمذي (2516) وقال: حسن صحيح. والطبراني في الدعاء (2/ 803) حديث (41) . وقال مخرجه: إسناده حسن.
(6) لبن: تفسير اللبن بالعلم فلاشتراكهما في كثرة النفع وفي أنهما سبب الصلاح.
(7) البخاري- الفتح 1 (82) واللفظ له، ومسلم (2391) .(7/2974)
الله، اثنين؟ قال: فأعادتها مرّتين. ثمّ قال: واثنين واثنين واثنين» ) * «1» .
65-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكفّي بين كفّيه- التّشهّد. كما يعلّمني السّورة من القرآن: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته. السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين.
أشهد ألاإله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله وهو بين ظهرانينا، فلمّا قبض قلنا: السّلام، يعني على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العلم)
1-* (قال المسيح عليه السّلام: «من تعلّم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّماء» ) * «3» .
2-* (وقال أيضا عليه السّلام: «لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عند غير أهله فتجهل، وكن طبيبا رفيقا يضع دواءه حيث يعلم أنّه ينفع» ) * «4» .
3-* (قال لقمان لابنه: «يا بنيّ لا تعلّم «5» العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السّفهاء، أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة، يا بنيّ، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ الله أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا أو عيّا «6» ، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» ) * «7» .
4-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«تعلّموا العلم، وعلّموه النّاس وتعلّموا له الوقار والسّكينة وتواضعوا لمن تعلّمتم منه ولمن علّمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم» ) *» .
5-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لرجل من أصحابه: يا كميل: «العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النّفقة، والعلم يزكو بالإنفاق» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7310) واللفظ له وبعضه في 1 (101) . مسلم (2633) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6265) واللفظ له. ومسلم (402) .
(3) العلم لزهير بن حرب (7) .
(4) الدارمي (1/ 117) برقم (379) .
(5) لا تعلّم: أي لا تتعلم فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.
(6) الغي: الضلال، والعي: العجز.
(7) الدارمي (1/ 117) برقم (377) .
(8) جامع بيان العلم وفضله (1/ 135) .
(9) إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 17، 18) .(7/2975)
6-* (وقال- رضي الله عنه-: «لا يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل به» ) * «1» .
7-* (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «العالم أفضل من الصّائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم من الإسلام ثلمة لا يسدّها إلّا خلف منه» ) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«ما من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحد أكثر حديثا عنه منّي، إلّا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنّه كان يكتب ولا أكتب» ) * «3» .
9-* (قال سلمان- رضي الله عنه-: «علم لا يقال به، ككنز لا ينفق منه» ) * «4» .
10-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «أغد عالما أو متعلّما، ولا تغد بين ذلك» ) * «5» .
11-* (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «يا أيّها النّاس تعلّموا، فمن علم فليعمل» ) * «6» .
12-* (وقال أيضا- رضي الله عنه-: «إنّ من العلم أن يقول الّذي لا يعلم: الله أعلم» ) * «7» .
13-* (وقال- رضي الله عنه-: «إنّ أحدا لا يولد عالما، والعلم بالتّعلّم» ) * «8» .
14-* (وقال أيضا: «إنّي لأحسب الرّجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها» ) * «9» .
15-* (وعنه- رضي الله عنه- قال: جاء رجل، فقال: تركت في المسجد رجلا يفسّر القرآن برأيه، يفسّر هذه الاية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (الدخان/ 10) قال: يأتي النّاس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم. حتّى يأخذهم منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من فقه الرّجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم. إنّما كان هذا؛ أنّ قريشا لمّا استعصت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم قحط وجهد. حتّى جعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. وحتّى أكلوا العظام.
فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، استغفر الله لمضر، فإنّهم قد هلكوا. فقال «لمضر؟ إنّك لجريء» قال: فدعا الله لهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (الدخان/ 15) . قال فمطروا. فلمّا أصابتهم الرّفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه. قال فأنزل الله- عزّ وجلّ-:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 11- 12) ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16)) * «10» قال يعني يوم بدر.
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 123) .
(2) فهارس لسان العرب (1/ 320) .
(3) البخاري- الفتح 1 (113) .
(4) العلم لزهير بن حرب (8) .
(5) كتاب العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب (6) .
(6) المصدر السابق (7) .
(7) المصدر نفسه (15) .
(8) المصدر نفسه (28) .
(9) العلم لزهير بن حرب (31) .
(10) البخاري- الفتح 8 (4774) . ومسلم (2798) واللفظ له.(7/2976)
16-* (وقال- رضي الله عنه-: «لا يزال النّاس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا» ) * «1» .
17-* (قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-:
«تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح. والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة. لأنّه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصّاحب في الخلوة، والدّليل على السّرّاء والضّرّاء. والزّين عند الأخلاق، والقرب عند الغرباء. يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخلق قادة يقتدى بهم، وأئمّة في الخلق تقتفى آثارهم.
وينتهى إلى رأيهم. وترغب الملائكة في حبّهم بأجنحتها تمسحهم. حتّى كلّ رطب ويابس لهم مستغفر. حتّى حيتان البحر وهوامّه. وسباع البرّ وأنعامه. والسّماء ونجومها. لأنّ العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظّلم. وقوّة الأبدان من الضّعف، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدّرجات العلى في الدّنيا والآخرة، والفكر به يعدل بالصّيام، ومدارسته بالقيام، به يطاع الله- عزّ وجلّ- وبه يعبد الله- عزّ وجلّ- وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام، إمام العمل والعمل تابعه، يلهمه السّعداء، ويحرمه الأشقياء» ) * «2» .
18-* (وقال معاذ بن جبل- رضي الله عنه- لمّا حضرته الوفاة: «إنّ العلم والإيمان مكانهما، من التمسهما وجدهما. قال ذلك ثلاث مرّات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدّرداء، وعند سلمان الفارسيّ، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه عاشر عشرة في الجنّة» ) * «3» .
19-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«أتدرون ما ذهاب العلم من الأرض؟ قال: قلنا: لا، قال: أن يذهب العلماء» ) * «4» .
20-* (قال عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه-: «فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع» ) * «5» .
21-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«إنّما أخشى من ربّي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبّيك ربّي، فيقول لي: ما عملت فيما علمت؟» ) * «6» .
22-* (وقال- رضي الله عنه-: «العلم بالتّعلّم، والحلم بالتّحلّم، ومن يتحرّ الخير يعطه، ومن يتوقّ الشّرّ يوقه» ) * «7» .
23-* (وقال أيضا: «العالم والمتعلّم في
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله (1/ 159) .
(2) أخلاق العلماء، للاجري (34، 35) .
(3) الحاكم (1/ 98) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «إنه عاشر عشرة في الجنة» .
(4) العلم لزهير بن حرب (16) .
(5) المرجع السابق (9) .
(6) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 299) برقم (1852) .
(7) العلم لزهير بن حرب (28) .(7/2977)
الأجر سواء، وسائر النّاس همج لا خير فيهم» ) * «1» .
24-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«مثل العلماء في النّاس كمثل النّجوم في السّماء يهتدى بها» ) * «2» .
25-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به الله ولا ما عنده. قال: فما زال بهم العلم حتّى أرادوا به الله وما عنده» ) * «3» .
26-* (وعنه- رحمه الله تعالى-، قال: «قد كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشّعه، وهديه، ولسانه، وبصره، ويديه» ) * «4» .
27-* (وقال: «أفضل العلم الورع والتّفكّر» ) * «5» .
28-* (وقال: «الفقيه: العالم في دينه، الزّاهد في دنياه، الدّائم على عبادة ربّه» ) * «6» .
29-* (وقال أيضا: «العامل على غير علم كالسّالك على غير طريق، والعامل على غير علم يفسد أكثر ممّا يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا تضرّوا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا تضرّوا بالعلم، فإنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتّى خرجوا بأسيافهم على أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم على ما فعلوا» ) * «7» .
30-* (قال مجاهد بن جبر- رحمه الله تعالى-: «لا يتعلّم العلم مستح ولا مستكبر» ) * «8» .
31-* (قال عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى-: «ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم» ) * «9» .
32-* (قال مسروق. رحمه الله تعالى.:
«بحسب الرّجل من العلم أن يخشى الله- عزّ وجلّ- وبحسب الرّجل من الجهل أن يعجب بعلمه» ) * «10» .
33-* (قال عبد الله بن عون- رحمه الله تعالى-: «ثلاث أحبّهنّ لنفسي ولإخواني: هذه السّنّة أن يتعلّموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهّموه ويسألوا النّاس عنه، ويدعوا النّاس إلّا من خير» ) * «11» .
34-* (كان عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- كثيرا ما يتمثّل بهذه الأبيات:
يرى مستكينا وهو للهو ماقت «12» ... به عن حديث القوم ما هو شاغله
وأزعجه علم عن الجهل كلّه ... وما عالم شيئا كمن هو جاهله
__________
(1) أخلاق العلماء للاجري (42) .
(2) المرجع السابق (29) .
(3) سنن الدارمي (1/ 114) .
(4) شعب الإيمان للبيهقي (8/ 427) وقال مخرجه: رجاله ثقات. والاداب الشرعية (2/ 45) .
(5) العلم لزهير بن حرب (29) .
(6) الشعب للبيهقي (7/ 438) .
(7) جامع بيان العلم لابن عبد البر (1/ 136) .
(8) الفتح (1/ 228) .
(9) العلم لزهير بن حرب (21) .
(10) المرجع السابق (9) .
(11) البخاري- الفتح (1/ 248) .
(12) للهو ماقت: اللهو مايلهي المرء عن الشيء النافع. ماقت: كاره: أزعجه علم الخ: أبعده عنه بشدة.(7/2978)
عبوس عن الجهّال حين يراهم ... فليس له منهم خدين «1» يهازله
مذكّر ما يبقى من العيش آجلا ... فيشغله عن عاجل العيش آجله»
35-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى- في كتابه إلى أبي بكر بن حزم: «انظر ما كان من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاكتبه، فإنّي خفت دروس العلم «3» وذهاب العلماء. ولا تقبل إلّا حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتّى يعلم من لا يعلم، فإنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا» ) * «4» .
36-* (قال عون بن عبد الله: قلت لعمر بن عبد العزيز: «يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما، فإن لم تستطع فكن متعلّما، فإن لم تكن متعلّما فأحبّهم، فإن لم تحبّهم فلا تبغضهم. فقال عمر: «سبحان الله لقد جعل الله- عزّ وجلّ- له مخرجا» ) * «5» .
37-* (قال مالك- رحمه الله تعالى-:
«المراء في العلم يقسّي القلب، ويورث الضّغن» ) * «6» .
38-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إذا علمت علما فلير عليك أثره وسمته «7» وسكينته ووقاره وحلمه، وقال: إنّ العلماء لم يكونوا يهذرون الكلام هكذا، ومن النّاس من يتكلّم كلام شهر في ساعة واحدة» ) * «8» .
39-* (قال فضيل بن غزوان- رحمه الله تعالى-: «كنّا نجلس أنا وابن شبرمة والحارث العكليّ والمغيرة والقعقاع بن يزيد باللّيل نتذاكر الفقه، فربّما لم نقم حتّى نسمع النّداء لصلاة الفجر» ) * «9» .
40-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «من أوتي علما. لا يزداد فيه خوفا وحزنا وبكاء خليق بأن لا يكون أوتي علما ثمّ قرأ أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (النجم/ 59- 60)) * «10» .
41-* (وقال: «عالم عامل معلّم يدعى كبيرا في ملكوت السّماوات» ) * «11» .
42-* (قال ابن وهب: «كنت بين يدي مالك- رضي الله عنه- فوضعت ألواحي وقمت أصلّي.
فقال: «ما الّذي قمت إليه بأفضل ممّا قمت عنه- يعني قام لصلاة النّافلة-) * «12» .
43-* (قال يحيى بن خالد البرمكيّ منشدا:
__________
(1) الخدين: الجليس والصاحب- يهازله: يشاركه في الهزل
(2) جامع بيان العلم وفضله (1/ 137) .
(3) دروس العلم: فناؤه وذهابه.
(4) فتح الباري (1/ 194) .
(5) العلم، لزهير بن حرب (6، 7) .
(6) فضل علم السلف على الخلف، لابن رجب الحنبلي (142) .
(7) السّمت: الهيئة.
(8) المدخل لابن الحاج (2/ 124) .
(9) العلم لزهير بن حرب (27) .
(10) الشعب (8/ 427) وقال مخرجه: إسناده جيد.
(11) الترمذي (5/ 49) .
(12) مدارج السالكين (2/ 47) .(7/2979)
تفنّن وخذ من كلّ علم فإنّما ... يفوق امرؤ في كلّ فنّ له علم
فأنت عدوّ للّذي أنت جاهل ... به ولعلم أنت تتقنه سلم
) * «1» 44-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرّجال، فلمّا دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله» ) * «2» .
45-* (قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله تعالى:
«طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة» ) * «3» .
46-* (عن عبد الله بن المبارك في شأن حمّاد بن زيد:
أيّها الطّالب علما ... إيت حمّاد بن زيد
تقتبس حلما وعلما ... ثمّ قيّده بقيد «4»
47-* (قال محمّد بن الفضل السّمرقنديّ الواعظ- رحمه الله تعالى-: «كم من جاهل أدركه العلم فأنقذه، وكم من ناسك عمل عمل الجاهليّة فأوبقه. احضر العلم وإن لم تحضرك النّيّة، فإنّما تطلب بالعلم النّيّة، وإنّ أوّل ما يظهر من العبد لسانه، وأوّل ما يظهر من عقله حلمه» ) * «5» .
48-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
«النّاس إلى العلم أحوج منهم إلى الطّعام والشّراب. لأنّ الرّجل يحتاج إلى الطّعام والشّراب في اليوم مرّة أو مرّتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه» ) * «6» .
49-* (قال ذو النّون المصريّ: «كان الرّجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضا للدّنيا وتركا لها، فاليوم يزداد الرّجل بعلمه للدّنيا حبّا وطلبا، وكان الرّجل ينفق ماله على العلم، واليوم يكتسب الرّجل بعلمه مالا، وكان يرى على طالب العلم زيادة صلاح في باطنه وظاهره فاليوم يرى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظّاهر» ) * «7» .
50-* (قال عمرو بن الحارث- رحمه الله تعالى-: «إنّ رجلا كتب إلى أخ له: اعلم أنّ الحلم لباس العلم فلا تعرينّ منه» ) * «8» .
51-* (قال أحمد بن سعيد الدّارميّ:
«سمعت من عليّ بن المدينيّ كلمة أعجبتني قرأ علينا حديث الغار، ثمّ قال: إنّما نقل إلينا هذه الأحاديث لنستعملها لا لنتعجّب منها» ) * «9» .
52-* (قال أبو بكر البصريّ: دخلت على سهل بن عبد الله ومعي المحبرة فقال لي: تكتب؟.
قلت: نعم. قال: «اكتب فإن استطعت أن تلقى الله- عزّ وجلّ- ومعك المحبرة فافعل» ) * «10» .
53-* (قال عمرو بن عثمان المكّيّ: «العلم
__________
(1) أدب الدنيا والدين (47) .
(2) سير أعلام النبلاء للذهبي (7/ 114) .
(3) مدارج السالكين (2/ 470) .
(4) سير أعلام النبلاء (7/ 459) .
(5) الشعب (7/ 451) .
(6) مدارج السالكين (2/ 470) .
(7) المدخل لابن الحاج (2/ 126) .
(8) الشعب (7/ 447) .
(9) المرجع السابق (7/ 454) .
(10) المرجع السابق (7/ 457) .(7/2980)
قائد، والخوف سائق، والنّفس حرون بين ذلك جموح خدّاعة روّاغة. فاحذرها وراعها بسياسة العلم، وسقها بتهديد الخوف يتمّ لك ما تريد» ) * «1» .
54-* (قال أبو بكر الاجرّيّ- رحمه الله تعالى-: «العلماء في كلّ حال لهم فضل عظيم، في خروجهم لطلب العلم، وفي مجالستهم لهم فيه فضل، وفي مذاكرة بعضهم لبعض لهم فيه فضل. وفيم تعلّموا العلم لهم فيه فضل، وفيمن علّموه العلم لهم فيه فضل. فقد جمع الله للعلماء الخير من جهات كثيرة نفعنا الله وإيّاهم بالعلم» ) * «2» .
55-* (وقال أيضا: «لا يكون ناصحا لله تعالى ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم إلّا من بدأ بالنّصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشّيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النّفس حتّى يخالفها بعلم» ) * «3» .
56-* (قال عليّ بن عبد العزيز القاضي الجرجانيّ. رحمه الله تعالى.:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّل أحجما
أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدا فيم أو لما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذا فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما
) * «4» .
57-* (قال أبو سعيد الخرّاز- رحمه الله تعالى-: «العلم ما استعملك واليقين ما حملك» ) * «5»
58-* (قال أبو بكر بن دريد- رحمه الله تعالى-:
العالم العاقل ابن نفسه ... أغناه جنس علمه عن جنسه
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 466) ، العقد الثمين في أخبار البلد الأمين (6/ 412) . وسير أعلام النبلاء (14/ 58) .
(2) أخلاق العلماء، للاجري (41) .
(3) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (5/ 67) .
(4) أدب الدنيا والدين للماوردي (92) .
(5) الشعب (7/ 455) .(7/2981)
كن ابن من شئت وكن مؤدّبا ... فإنّما المرء بفضل كيسه
وليس من تكرمه لغيره ... مثل الّذي تكرمه لنفسه
) * «1» .
59-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«استشهد الله- عزّ وجلّ- بأهل العلم على أجلّ مشهود به وهو التّوحيد وقرن شهادتهم وشهادة ملائكته. وفي ضمن ذلك تعديلهم فإنّه تعالى لا يستشهد بمجروح» ) * «2» .
60-* (قال بعضهم: «من طلب العلم لوجه الله لم يزل معانا، ومن طلبه لغير الله لم يزل مهانا» ) * «3» .
61-* (وقال بعضهم: «الجاهل صغير وإن كان شيخا، والعالم كبير وإن كان حدثا واستشهدوا بقول القائل:
تعلّم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفّت إليه المحافل
) * «4» .
من فوائد (العلم)
(1) به يعرف الله ويعبد ويوحّد.
(2) هو أساس صحّة الاعتقادات والعبادات.
(3) طلب العلم عبادة.
(4) هو طريق الوصول إلى الجنّة.
(5) يكسب صاحبه الخشية لله.
(6) يكسب صاحبه التّواضع للخلق.
(7) ينتفع به صاحبه وينتفع به غيره ممّن علّمه
(8) يبقى أجره بعد انقطاع أجل صاحبه.
(9) يورث صاحبه أعلى المراتب بعد الأنبياء.
(10) يرفع الوضيع ويعزّ الذّليل ويجبر الكسير.
(11) هو دليل حبّ الخير للاخرين لحرص صاحبه على إخراج النّاس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.
(12) به توصل الأرحام وتؤدّى الحقوق.
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (54) .
(2) مدارج السالكين (2/ 470) .
(3) المدخل لابن الحاج (2/ 123) .
(4) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1/ 159) .(7/2982)
علو الهمة
العلو لغة:
مصدر قولهم علا يعلو علوّا وهو مأخوذ من مادّة (ع ل و) الّتي تدلّ على السموّ والارتفاع، يقال: تعالى النّهار أي ارتفع، والعلاء الرّفعة، وأمّا العلوّ فالعظمة والتّجبّر، يقولون: علا الملك في الأرض علوّا كبيرا، قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ القصص/ 4) ، ورجل عالي الكعب أي شريف، ويقال لكلّ شيء يعلو، فإن كان في الرّفعة والشّرف، قيل علي يعلى، ومن قهر أمرا فقد اعتلاه واستعالى عليه وبه، ويقال من علية النّاس أي من أهل الشّرف، وقول الله تعالى إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (المطففين/ 18) قالوا إنّما هو ارتفاع بعد ارتفاع إلى مالا حدّ له.
وقال الجوهريّ: علا في المكان يعلو علوّا، وعلي في الشّرف يعلى علاء ويقال أيضا علا (بالفتح) يعلى، قال رؤبة (جامعا بين اللّغتين) :
لمّا علا كعبك بي عليت
الايات/ الأحاديث/ الاثار-/ 6/ 35
ويقال: فلان من علية النّاس، وهو جمع رجل عليّ أي شريف رفيع مثل صبيّ وصبية، ويقال: علوت الرّجل: غلبته، وعلوته بالسّيف: ضربته، واستعالى الرّجل أي علا، واستعلاه: علاه، واعتلاه مثله، وتعلّى أي علا في مهلة، وأعلاه الله: رفعه، والتّعالي:
الارتفاع، وعلا بالأمر: اضطلع به، وعلو كلّ شيء، وعلوه، وعلوه، وعلاوته، وعاليه وعاليته: أرفعه، وعلا الشّيء علوّا فهو عليّ، وعلي وتعلّى وفي حديث ابن عبّاس، فإذا هو يتعلّى عليّ، أي يترفّع، والعلوّ في قوله تعالى تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً (القصص/ 83) التّكبّر وقيل الفساد والمعاصي «1» .
العلي من أسماء الله تعالى:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: العليّ والمتعالي: فالعليّ الّذي ليس فوقه شيء في المرتبة والحكم، فعيل بمعنى فاعل من علا يعلو، والمتعالي:
الّذي جلّ عن إفك المفترين وعلا شأنه، وقيل: جلّ
__________
(1) المقاييس (4/ 120) ، والصحاح (6/ 2437) ، ولسان العرب (4/ 3088) .(7/2983)
عن كلّ وصف وثناء، وهو فاعل من العلوّ، وقد يكون بمعنى العالي «1» .
الهمة لغة:
الهمّة في اللّغة: مثل الهمّ وكلاهما اسم لما هممت به، قال ابن فارس: والهمّ ما هممت به وكذلك الهمّة، ثمّ تشتقّ من الهمّة الهمام: الملك العظيم الهمّة، ويقال الهمّة أيضا بالفتح وفلان بعيد الهمّة، ويقال لا مهمّة لي (بفتح الهاء) ، ولا همام أي لا أهمّ بذلك ولا أفعله، ويقال: ذهبت أتهمّمه أي أطلبه. وقال ابن منظور: الهمّة: واحدة الهمم.
وهمّ بالشّيء يهمّ همّا: نواه وأراده، وعزم عليه.
والهمّة والهمّة: ما همّ به من أمر ليفعله. وتقول: إنّه لعظيم الهمّ، وإنّه لصغير الهمّة، وإنّه لبعيد الهمّة.
والهمّة بالفتح.
والهمام: الملك العظيم الهمّة. والهمام، اسم من أسماء الملك لعظم همّته. وقيل: لأنّه إذا همّ بأمر أمضاه، ولا يردّ عنه بل ينفذ كما أراد، وقيل: الهمام السّيّد الشّجاع السّخيّ» .
علو الهمة اصطلاحا:
قال المناويّ: عظم (علوّ) الهمّة: عدم المبالاة بسعادة الدّنيا وشقاوتها «3» .
وقال الرّاغب: الكبير الهمّة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة قدر وسعه فلا يصير عبد بطنه وفرجه بل يجتهد أن يتخصّص بمكارم الشّريعة..
والصّغير الهمّة من كان على العكس من ذلك وقال- رحمه الله-: والكبير الهمّة على الإطلاق من يتحرّى الفضائل لا لجاه ولا لثروة ولا للذّة،. ولا لاستشعار نخوة واستعلاء على البريّة، بل يتحرّى مصالح العباد شاكرا بذلك نعمة الله ومتوخّيا به مرضاته غير مكترث بقلّة مصاحبيه فإنّه إذا عظم المطلوب قلّ المساعد، وطرق العلاء قليلة الإيناس «4» .
وقال الخضر حسين:
علوّ الهمّة: هو استصغار ما دون النّهاية من معالي الأمور «5» .
[انظر: صفة الشجاعة] .
العلم وعلو الهمة:
إنّ معالي الأمور وعرة المسالك، محفوفة بالمكاره، والعلم أرفع مقام تطمح إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطّالب دون أن يقاسي شدائد ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشّدائد إلّا كبير الهمّة ماضي العزيمة. وكان سعيد بن المسيّب يسير اللّيالي لطلب الحديث الواحد، ورحل
__________
(1) النهاية (3/ 293) .
(2) لسان العرب لابن منظور (12/ 620- 621) .
(3) التوقيف (243) .
(4) الذريعة إلى مكارم الشريعة (291) .
(5) وسائل الإصلاح للخضر حسين (57) .(7/2984)
أبو أيّوب الأنصاريّ من المدينة إلى عقبة بن عامر، وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فقدم مصر ونزل عن راحلته ولم يحلّ راحلته، فسمع منه الحديث وركب راحلته وقفل إلى المدينة راجعا، ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلّا برجال رحلوا إلى الشّرق ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبا، مثل أسد بن الفرات، وأبي الوليد الباجيّ، وأبي بكر بن العربيّ.
وخلاصة المقال: تذكير النّبهاء من نشئنا بأن يقبلوا على العلم بهمم كبيرة، صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يبلى الجديدان «1» ، وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك ولا طول مسافة الطّريق، وألسنة مهذّبة لا تقع في لغو أو مهاترة.
إنّ عظيم الهمّة يستخفّ بالمرتبة السّفلى أو المرتبة المتوسّطة من معالي الأمور، ولا تهدأ نفسه إلّا حين يضع نفسه في أسمى منزلة وأقصى غاية، ويعبّر عن هذا المعنى النّابغة الجعديّ بقوله:
بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا
وإذا كان هذا الخلق لا يقع إلّا على معالي الأمور فلا عظمة لهمم قوم يبتغون النّهاية في زينة هذه الحياة، ويغرقون في التّمتّع بلذّاتها المادّيّة.
ومن الخطل في الرّأي أن ينزع الرّجل إلى خصلة شريفة، حتّى إذا شعر بالعجز عن بلوغ غايتها البعيدة انصرف عنها جملة، والتحق بالطّائفة الّتي ليس لها في هذه الخصلة من نصيب، والّذي يوافق الحكمة ويقتضيه حقّ التّعاون في سعادة الجماعة أن يذهب الرّجل في همّه «2» إلى الغايات البعيدة ثمّ يسعى لها سعيها، ولا يقف دون النّهاية إلّا حيث ينفد جهده، ولا يهتدي للمزيد على ما فعل سبيلا.
والناس في الحقيقة أصناف:
رجل يشعر بأنّ فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همّته، وهذا من يسمّى (عظيم الهمّة) أو (عظيم النّفس) ، ورجل فيه الكفاية لعظائم الأمور ولكنّه يبخس نفسه، فيضع همّه في سفساف الأمور وصغائرها، وهذا من يسمّى (صغير الهمّة) أو (صغير النّفس) ، ورجل لا يكفي لعظائم الأمور، ويحسّ بأنّه لا يستطيعها وأنّه لم يخلق لأمثالها فيجعل همّته وسعيه على قدر استعداده، وهذا الرّجل بصير بنفسه متواضع في سيرته. هؤلاء ثلاثة، ورابعهم لا يكفى للعظائم ولكنّه يتظاهر بأنّه قويّ عليها مخلوق لأن يحمل أثقالها، وهذا من يسمّونه (فخورا) ، وإن شئت فسمّه (متعظّما) .
__________
(1) الجديدان: هما الليل والنهار.
(2) المراد هنا: الهمّة.(7/2985)
من أين ينشأ عظم الهمة؟:
يتربّى عظم الهمّة من طريق الاقتداء، أو من طريق تلقين الحكمة وبيان فضل عظم الهمّة وما يكسب صاحبه من سؤدد وكمال، أو من طريق درس التّاريخ والنّظر في سير أعاظم الرّجال، فإنّا لو أخذنا نبحث عن مفاخر أولئك الّذين يلهج التّاريخ بأسمائهم لوجدنا معظم مفاخرهم قائمة على هذا الخلق الّذي نسمّيه (عظم الهمّة) ، والقرآن يملأ النّفوس بعظم الهمّة، وهذا العظم هو الّذي قذف بأوليائه ذات اليمين وذات الشّمال، فأتوا على عروش كانت ظالمة، ونسفوها من وجه البسيطة نسفا ثمّ رفعوا لواء العدل والحرّيّة، وفجّروا أنهار العلوم تفجيرا، وإذا رأينا من بعض قرّائه همما ضئيلة ونفوسا خاملة فلأنّهم لم يتدبّروا آياته، ولم يتفقّهوا في حكمه.
فضل عظم الهمة:
قال الماورديّ- رحمه الله-: اعلم أنّ من شواهد الفضل، ودلائل الكرم: المروءة الّتي هي حلية النّفوس، وزينة الهمم.
ومن حقوق المروءة وشروطها، ما لا يتوصّل إليه إلّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلّا بالتّفقّد والمراعاة، فثبت أنّ مراعاة النّفس إلى أفضل أحوالها هي المروءة، وإذا كانت كذلك، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها، إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ، حذرا من الذّمّ، ولذلك قيل: سيّد القوم أشقاهم.
وقال الشّاعر:
وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
والدّاعي إلى استسهال ذلك شيئان: أحدهما: علوّ الهمّة، والثّاني: شرف النّفس. أمّا علوّ الهمّة، فلأنّه باعث على التّقدّم، وداع إلى التّخصيص، أنفة من خمول الضّعة، واستنكارا لمهانة النّقص «1» .
يسمو هذا الخلق بصاحبه فيتوجّه به إلى النّهايات من معالي الأمور فهو الّذي ينهض بالضّعيف يضطهد أو يزدرى، فإذا هو عزيز كريم، وهو الّذي يرفع القوم من سقوط، ويبدّلهم بالخمول نباهة، وبالاضطهاد حرّيّة، وبالطّاعة العمياء شجاعة أدبيّة. نعم! يورد هذا الخلق صاحبه موارد التّعب والعناء، ولكن التّعب في سبيل الوصول إلى النّهاية من معالي الأمور يشبه الدّواء المرّ فيسيغه المريض كما يسيغ الشّراب عذبا باردا، وعظيم الهمّة قد يشتدّ حرصه على الشّرف حتّى لا يكاد يشعر بما يلاقيه في سبيله من أنكاد وأكدار «2» .
قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه الله-:
وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، ألايقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (306- 307) .
(2) وسائل الإصلاح للخضر حسين (85- 95) باختصار.(7/2986)
منه درجة وأرفع منزلة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز لدكين الرّاجز: إنّ لي نفسا توّاقة، فإذا بلغك أنّي صرت إلى أشرف من منزلتي هذه، فبعين ما أرينّك- قال له ذلك وهو عامل المدينة لسليمان بن عبد الملك- فلمّا صارت إليه الخلافة قدم عليه دكين، فقال له: أنا كما أعلمتك أنّ لي نفسا توّاقة، وأنّ نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدّنيا، فلمّا بلغتها وجدتها تتوق لأشرف منازل الآخرة.
وفي هذا المعنى:
والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة ... حتّى يروم الّتي من دونها العطب
يسعى به أمل من دونه أجل ... إن كفّه رهب يستدعه رغب
لذاك ما سال موسى ربّه أرني ... أنظر إليك وفي تساله عجب
يبغي التّزيّد فيما نال من كرم ... وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب «1»
علو الهمة وكبر الهمة وعظم الهمة:
يعبّر عن هذه الصّفة أحيانا بعظم الهمّة وأحيانا بكبر الهمّة، أمّا عكس ذلك فهو «صغر الهمّة» ، ومن هنا فإنّ تعريف عظم الهمّة أو كبر الهمّة هو نفسه تعريف لعلوّ الهمّة.
مجالات علوّ الهمّة:
ذكر صاحب كتاب (علوّ الهمّة) أنّ لهذا العلوّ مجالات خمس: طلب العلم، العبادة والاستقامة، البحث عن الحقّ، الدّعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله، وسنوجز القول في هذه المجالات كما يلي «2» :
المجال الأوّل: طلب العلم: يتمثّل علوّ الهمّة في طلب العلم في:
1- غيرة على الوقت أن ينفق في غير فائدة.
2- عزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل «3» .
3- حرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة.
4- غوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك، ولا طول مسافة الطّريق.
5- ألسنة مهذّبة لا تقع في لغو ولا مهاترة لأنّها شغلت بالحقّ فأشغلها عن الباطل.
لقد كان السّلف الصّالح- رضوان الله عليهم- المثل الأعلى في علوّ الهمّة في طلب العلم، وكان على رأسهم عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن عبّاس ومحمّد ابن إدريس الشّافعيّ وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير، فعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-
__________
(1) وسائل الإصلاح للخضر حسين (ص 85- 95) باختصار.
(2) من يريد التفصيل عليه بالرجوع إلى كتاب الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، وعنوانه «علو الهمة» وهو مطبوع في الرياض بالمملكة العربية السعودية 1416 هـ، الباب الرابع (314- 324) .
(3) الجديدان هما الليل والنهار، والصارم: السيف.(7/2987)
كان يتناوب مع جار له من الأنصار النّزول إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول ابن الخطّاب: فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، وها هو ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يحدّث عن علوّ همّته في طلب العلم فيقول: كان يبلغني الحديث عن الرّجل فاتي بابه وهو قائل «1» ، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الرّيح عليّ من التّراب فيخرج فيراني فيقول: يابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما جاء بك؟
هلّا أرسلت إليّ فاتيك؟. فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك. أمّا الشّافعيّ فقد وصف حاله مع العلم بقوله:
أسمع بالحرف ممّا لم أسمعه، فتودّ أعضائي أنّ لها أسماعا تتنعّم به ما تنعّمت به الأذنان. وقيل له يوما:
كيف حرصك على العلم؟ قال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذّته للمال، فقيل له: فكيف طلبك له؟ قال:
طلب المرأة المضلّة ولدها ليس لها غيره، أمّا أحمد ابن حنبل فقد حكى عن نفسه «كنت ربّما أردت البكور في الحديث فتأخذ أمّي بثيابي حتّى يؤذّن النّاس، أو حتّى يصبحوا» . وقال: «لو كان عندي خمسون درهما لخرجت إلى جرير بن عبد الحميد» «2» ، وكان من مظاهر علوّ همّتهم في طلب العلم الدّأب على تحصيله في أقلّ وقت ممكن وها هو الفيروز اباديّ صاحب القاموس يقرأ صحيح مسلم على شيخه في ثلاثة أيّام، أمّا الحافظ ابن حجر فقرأ صحيح البخاريّ في أربعين ساعة، وصحيح مسلم في أربعة مجالس عدا جلسة الختم «3» . ومن هذه المظاهر أيضا الرّحلة في طلب العلم حتّى لقد كان الواحد منهم يرحل مسيرة شهر في حديث واحد «4» ، وكانوا يتحمّلون الفقر والفاقة دون أن يفتّ ذلك في عضدهم، وكانوا لا يكترثون بذلك تمسّكا بمثوبة الصّبر، وكانوا ينفقون كلّ ما عندهم في سبيل العلم، وها هو يحيى بن معين- رحمه الله تعالى- خلّف له أبوه ألف ألف درهم فأنفقها كلّها على تحصيل الحديث حتّى لم يبق له نعل يلبسه، وكان ذلك عندهم- كما أخبر ابن الجوزيّ- أحلى من العسل.
يقول- رحمه الله تعالى- لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصّبا آخذ أرغفة يابسة وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء «5» .
ومن مظاهر ذلك أيضا سهرهم اللّيالي في
__________
(1) قائل: أي يقضي وقت القيلولة.
(2) انظر هذه الحكايات وغيرها في «علو الهمة» 145- 148) .
(3) علو الهمة (155- 156) بتصرف واختصار.
(4) وذلك كما حدث من جابر بن عبد الله الذي ارتحل شهرا إلى عبد الله بن أنيس وكما رحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فلما قدمها لم يحل رحله عن ناقته ونزل عنها فسمع الحديث وقفل راجعا إلى المدينة. انظر «علو الهمة» (157) .
(5) علو الهمة (164) .(7/2988)
طلب العلم وعدم الخلود إلى راحة النّوم، يقول ابن كثير: كان البخاريّ يستيقظ في اللّيلة الواحدة من نومه، فيوقد السّراج ويكتب الفائدة تمرّ بخاطره، ثمّ يطفىء سراجه، ثمّ يقوم مرّة أخرى وأخرى، حتّى كان يتعدّد منه ذلك قريبا من عشرين مرّة. والحكايات في ذلك أكثر من أن تحصى «1» . أمّا مذاكرة العلم ومدارسته فحدّث عنهم ولا حرج، فمن ذلك ما حكاه القطب اليونينيّ عن الإمام النّوويّ من أنّه كان لا يضيع له وقت في ليل ولا نهار إلّا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتّى إنّه في ذهابه في الطّريق وإيابه يشتغل في تكرار محفوظه أو مطالعة، وإنّه بقي على التّحصيل- على هذا الوجه- ستّ سنين، وكان يقرأ في كلّ يوم اثنى عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا، أمّا همّتهم في الحفظ فيكفي دليلا عليها أنّ الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف حديث. فقيل له: ما يدريك؟ قال: ذاكرته وأخذت عليه الأبواب «2» .
المجال الثّاني: علوّ الهمّة في العبادة والاستقامة: لقد فقه سلفنا الصّالح عن الله أمره، وتدبّروا في حقيقة الدّنيا فاستوحشوا من فتنتها وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وارتفعت همّتهم عن سفاسفها، فلا تراهم إلّا صوّامين قوّامين، وقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشيد بعلوّ همّتهم في التّوبة والاستقامة، وقوّة عزيمتهم في العبادة والإخبات.
المجال الثّالث: البحث عن الحقّ: لقد حفل التّاريخ الإسلاميّ بنماذج رائعة من المهتدين الّذين ارتفعت همّتهم في البحث عن الحقيقة الدّينيّة أو البحث عن الدّين الحقّ، وبذلوا في سبيل ذلك النّفس والنّفيس، فصاروا مضرب الأمثال، وحجّة لله على خلقه أنّ من انطلق باحثا عن الحقّ مخلصا لله تعالى فإنّ الله عزّ وجلّ يهديه إليه ويمنّ عليه بأعظم نعمة في الوجود هي نعمة الإسلام «3» .
المجال الرّابع: علوّ الهمّة في الدّعوة إلى الله: من أعظم ما يهتمّ به الدّاعية هداية قومه، وبلوغ الجهد في النّصح لهم والصّبر على مشاقّ الدّعوة حتّى تبلغ الغاية الّتي يريد الله أن تبلغها، وقد كان الرّسل الكرام على رأس قائمة عالي الهمّة في هذا المجال وكان حبيبنا وسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الغاية العظمى، والمثل الأعلى الّذي ينبغي أن يحذو حذوه كلّ داعية إلى الله عزّ وجلّ، إذ لم يكن همّه هداية قومه من قريش أو من العرب فحسب وإنّما خاطب ملوك العالم ورؤساءه كي يدخلوا في دين الله.
__________
(1) انظر ذلك في «علو الهمة» (165، 172) .
(2) المرجع السابق (183) ؛ وقد ذكر الشيخ محمد المقدم أمثلة أخرى عديدة على علو همة السلف في حب الكتب وتصنيفها ونشر العلم وتعليمه، لم نذكرها خوف الإطالة، ولينظرها من أراد (187- 208) .
(3) المرجع السابق (217) .(7/2989)
المجال الخامس: الجهاد في سبيل الله: لا يحتاج مجال لعلوّ الهمّة ما يحتاجه الجهاد في سبيل الله وذلك لأنّه يتطلّب رجالا وصفهم الله عزّ وجلّ بقوله:
صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ 23) .
وقد ضرب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم المثل الأعلى في هذا المجال فلم يكن أحد أقرب إلى العدوّ (أي أنّه كان يقاتل في الصّفوف الأماميّة) منه، وكان الصّحابة رضوان الله عليهم مضرب المثل في الشّجاعة اقتداء به صلّى الله عليه وسلّم، وها هو أبو محجن الثّقفيّ يقاتل الفرس يوم القادسيّة حتّى ظنّ بعضهم أنّه ملك «1» . إنّه ما أحوجنا في هذه الأيّام إلى إحياء هذه الرّوح الوثّابة والهمّة العالية في الجهاد ضدّ أعداء الله وأعدائنا في فلسطين، والشّيشان، والبوسنة وغير ذلك من بلاد المسلمين الّتي يدنّسها الأعداء.
القيامة التربوية ل «علوّ الهمّة» :
إنّ تربية أطفالنا تحتاج كي تؤتي ثمارها في المستقبل رجالا أشدّاء، وجيلا معافى في بدنه وعقله، وحرّاسا للعقيدة والوطن أن نغرس في هؤلاء الأطفال منذ نعومة أظفارهم هذا الخلق الرّفيع «علوّ الهمّة» .
وتعدّ الأسرة- وبخاصّة الوالدين أو من يقوم مقامهما- أهمّ عناصر البيئة تأثيرا في إظهار النّبوغ وزراعة الهمّة العالية في قلوب الأطفال، وهذا ما يفسّر لنا سرّ اتّصال سلسلة النّابغين من أبناء أسر معيّنة- كال تيميّة مثلا- حيث تجتمع الاستعدادات الفطريّة، والقدرات الإبداعيّة مع البيئة المساعدة الّتي تكشف هذه المواهب مبكّرا وتنمّيها وتوجّهها إلى الطّريق الأمثال «2» ، وها هو الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- الّذي عدل به عمر ألفا من الرّجال، يشبّ في كنف أمّه صفيّة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخت أسد الله حمزة، وهؤلاء الكملة العظام، عبد الله والمنذر وعروة أبناء الزّبير- رضي الله عنهم جميعا- كلّهم ثمرات أمّهم ذات النّطاقين أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- «3» ، لقد كان لما غرسته هاتان المرأتان أكبر الأثر في علوّ همّة أبنائهما، وقد حفظ التّاريخ قول السّيّدة فاطمة بنت أسد لابنها عقيل بن أبي طالب:
أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهبّ شمأل بليل «4» .
فنشأ- رضي الله عنه- عالي الهمّة قويّ الشّكيمة لا يخشى في الحقّ لومة لائم، وقد كان
__________
(1) انظر الأثر رقم (1) في هذه الصفة.
(2) علو الهمة (382) .
(3) المرجع السابق (383) .
(4) هذا البيت مشهور في كتب «شواهد العربية» والنحو، انظره في شرح ابن عقيل على الألفية (1/ 292) .(7/2990)
معاوية- رضي الله عنه- يفخر بتربية أمّه له، فيقول إذا نوزع بالفخر: أنا ابن هند. وما كان له ليقول ذلك إلّا إذا كانت قد اشتهرت بحسن التّربية وتنشئة أولادها على جميل الصّفات، وغرست فيهم روح السّيادة وعلوّ الهمّة، قيل لها ومعاوية وليد بين يديها: إنّي أظنّ أنّ هذا الغلام سيسود قومه. قالت: ثكلته إذن إن لم يسدقومه «1» . وها هو والد الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب في عصر قريب يربّي ابنه على تحمّل المشاقّ ويدرّبه على الإقدام، ويستجيب لطلبه أداء فريضة الحجّ في سنّ مبكّرة فنشأ قويّ الشّكيمة عالي الهمّة واثقا من نفسه، مستعدّا لتحمّل المسئوليّات الكبار، يدلّ على ذلك ما كتبه والد الشّيخ إلى صديق له: تحقّقت أنّه بلغ الاحتلام قبل بلوغه الثّانية عشرة، ورأيته أهلا للصّلاة بالجماعة والائتمام، فقدّمته لمعرفته بالأحكام، وزوّجته بعد البلوغ مباشرة ثمّ طلب منّي الحجّ إلى بيت الله الحرام، فأجبته بالإسعاف إلى ذلك المرام، فحجّ وقضى ركن الإسلام «2» .
إنّ تربية الأطفال على علوّ الهمّة لا تنهض به الأسرة وحدها، وإنّما هو واجب المدرسة أيضا، إذ على المعلّم أن يغرس هذه القيامة العظمى في نفوس تلاميذه، وأيضا فإنّ وسائل الإعلام الحديثة- مسموعة أو مرئيّة أو مكتوبة- عليها دور كبير في غرس هذه الهمّة العالية في نفوس مستمعيها أو النّاظرين إليها أو قرّائها، حتّى يخرج من بين هؤلاء من ينهض بالأمّة ويقيلها من العثرات، ومن الوسائل التّربويّة الّتي تساعد في بثّ هذه الرّوح عامل التّشجيع الّذي ينهض به أثرياء الأمّة، فيقيمون المسابقات ويكافئون النّابغين، ولنا في سلفنا الصّالح في هذا المجال أسوة حسنة، يقول الشّاطبيّ في هذه الوسيلة (أي التّشجيع) : إنّها واجب على الكفاية، فإن قام بها البعض سقط الوجوب عن الاخرين وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعا، القادر لأنّه قصّر وغير القادر لأنّه قصّر فيما يستطيعه، وهو التّفتيش عن القادر وحمله على العمل وحثّه وتشجيعه، وإعانته على القيام به، بل وإجباره على ذلك «3» .
وقد كان الخلفاء والأمراء في طليعة المشجّعين لطلبة العلم وتربيتهم على علوّ الهمّة، وها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب يشجّع ابن عبّاس ويدخله عليه مع من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، يقول ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من حيث علمتم. فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنّه دعاني يومئذ إلّا ليريهم، قال: ما تقولون في
__________
(1) علو الهمة (283) بتصرف يسير.
(2) المرجع السابق (386) .
(3) الموافقات للشاطبي (1/ 114) ، بواسطة «علو الهمة» (394) .(7/2991)
قول الله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عبّاس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟
قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه له، قال: إذا جاء نصر الله والفتح- وذلك علامة أجلك- فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا ما تقول «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الطموح- القوة- قوة الإرادة- الطاعة- المروءة- النشاط- الشجاعة- الرجولة- النبل- الشرف- المسئولية.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- التخاذل- الضعف- الكسل- الوهن- التهاون- التنصل من المسئولية- اليأس] .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4970) .(7/2992)
الأحاديث الواردة في (علو الهمة)
1-* (عن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى يحبّ معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها» «1» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (علو الهمة) معنى
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال «ماذا عندك يا ثمامة؟» «3» ، فقال: عندي خير. يا محمّد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» ، فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» ، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: «أطلقوا ثمامة» ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال:
أشهد ألاإله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.
يا محمّد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟. فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر، فلمّا قدم مكّة قال له قائل:
صبوت؟، قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا، والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهّز أبو بكر مهاجرا؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: على رسلك فإنّي أرجو أن يؤذن لي ... الحديث وفيه: قالت عائشة: بينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة، فقال قائل لأبي بكر:
هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا متقنّعا. في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فدا لك بأبي وأمّي، والله إن جاء به في هذه السّاعة إلّا لأمر. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذن فأذن له، فدخل، فقال حين دخل لأبي بكر:
__________
(1) سفساف الأمور: الحقير الرّديء منها.
(2) صحيح الجامع للألباني (1886) ، وهو في الصحيحة (1388) .
(3) ماذا عندك يا ثمامة؟ أي ما تظن أني فاعل بك؟
(4) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له، ومسلم (1764) .(7/2993)
«أخرج من عندك» ، قال: إنّما هم أهلك «1» بأبي أنت يا رسول الله، قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، قال:
فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال: «نعم» ...
الحديث) *» .
4-* (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه- خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم «3» أنيس، فجاء خالنا فنثا «4» علينا الّذي قيل له، فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقرّبنا صرمتنا «5» ، فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر «6» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها «7» ، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صلّيت يابن أخي، قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: للهّ، قلت: فأين توجّه؟ قال: أتوجّه حيث يوجّهني ربّي، أصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء «8» ، حتّى تعلوني الشّمس.
فقال أنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني، فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة، فراث عليّ «9» ، ثمّ جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك، يزعم أنّ الله أرسله، قلت: فما يقول النّاس؟، قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشّعراء.
قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «10» فما يلتئم على لسان أحد بعدي، أنّه شعر، والله! إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون.
__________
(1) أهلك: أي زوجته عائشة- رضي الله عنها-.
(2) البخاري- الفتح 10 (5807) .
(3) خالف إليهم: أتاهم للفاحشة: أي ليزني بهم.
(4) فنثا: أي أشاعه وأفشاه.
(5) صرمتنا: الصرمة هي القطعة من الإبل، وتطلق أيضا على القطعة من الغنم.
(6) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الاخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر.
(7) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه: تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك، فأيهما كان أفضل أخذ الصرمة، فتحاكما إلى الكاهن، فحكم بأن أنيسا أفضل، وهو معنى قوله فخير أنيسا، أي جعله الخيار والأفضل.
(8) الخفاء: هو الكساء، وجمعه أخفية ككساء وأكسية.
(9) فراث علي: أي أبطأ.
(10) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه.(7/2994)
قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر، قال:
فأتيت مكّة، فتضعّفت «1» رجلا منهم، فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصّابأ؟
فأشار إليّ، فقال: الصّابأ «2» ، فمال عليّ أهل الوادي بكلّ مدرة وعظم، حتّى خررت مغشيّا عليّ، قال: فارتفعت حين ارتفعت، كأنّي نصب أحمر «3» ، قال: فأتيت زمزم فغسلت عنّي الدّماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني «4» ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع «5» . قال: فبينا أهل مكّة في ليلة قمراء «6» إضحيان «7» ، إذ ضرب على أسمختهم «8» فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتين «9» منهم تدعوان إسافا ونائلة، قال: فأتتا عليّ في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الاخرى، قال: فما تناهتا «10» عن قولهما، قال: فأتتا عليّ، فقلت: هن مثل الخشبة «11» غير أنّي لا أكني، فانطلقتا تولولان «12» ، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا «13» ، قال: فاستقبلهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وهما هابطان، قال:
«مالكما؟» ، قالتا: الصّابىء بين الكعبة وأستارها، قال: «ما قال لكما؟» ، قالتا: إنّه قال لنا كلمة تملأ الفم «14» ، وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى استلم الحجر،
__________
(1) فتضعفت: يعني نظرت إلى أضعفهم فسألته، لأن الضعيف مأمون الغائلة دائما.
(2) الصابيء: منصوب على الإغراء، أي انظروا وخذوا هذا الصابيء.
(3) نصب أحمر: يعني من كثرة الدماء التي سالت منّي بضربهم، والنصب والنصب الصّنم والحجر، كانت الجاهلية تنصبه وتذبح عنده، فيحمر بالدم، وجمعه أنصاب ومنه قوله تعالى وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (المائدة/ 3) .
(4) عكن بطني: جمع عكنة وهي الطي في البطن من السمن، معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه.
(5) سخفة جوع: بفتح السين وضمها، هي رقة الجوع وضعفه وهزاله.
(6) قمراء: أي مقمرة.
(7) إضحيان: أي مضيئة، منورة، يقال: ليلة إضحيان وإضحيانة، وضحياء ويوم أضحيان.
(8) أسمختهم: هكذا هو في جميع النسخ، وهو جمع سماخ، وهو الخرق الذي في الأذن يفضي إلى الرأس، يقال: صماخ وسماخ، والصاد أفصح وأشهر، والمراد بأسمختهم: آذانهم، أي ناموا، قال الله تعالى فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ (الكهف/ 110) أي أنمناهم.
(9) في مسند الإمام أحمد: غير امرأتين (6/ 221) حديث رقم (21015) وهو الظاهر. وفي معظم نسخ مسلم بالياء وفي بعضها وامرأتان بالألف، والأول منصوب بفعل محذوف، أي ورأيت امرأتين.
(10) فما تناهتا: أي ما انتهتا.
(11) هن مثل الخشبة: الهن والهنة، بتخفيف نونهما، وهو كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل كناية عن الفرج والذكر، فقال لهما مثل الخشبة في الفرج وأراد بذلك سبّ إساف ونائلة وغيظ الكفار بذلك.
(12) تولولان: الولولة الدعاء بالويل.
(13) أنفارنا: الأنفار جمع نفر أو نفير، وهو الذي ينفر عند الاستغاثة.
(14) تملأ الفم: أي عظيمة لا شيء أقبح منها، كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره، وقيل معناه لا يمكن ذكرها وحكايتها، كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه لاستعظامها.(7/2995)
وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثمّ صلّى، فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام، قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول الله، فقال: «وعليك ورحمة الله» . ثمّ قال: «من أنت؟ «1» » ، قال: قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقدعني «2» صاحبه، وكان أعلم به منّي، ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال:
«متى كنت هاهنا؟» ، قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: «فمن كان يطعمك؟» ، قال: قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع. قال: «إنّها مباركة، إنّها طعام طعم «3» » .
فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه اللّيلة، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف، وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها، ثمّ غبرت ما غبرت «4» ، ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه قد وجّهت لي أرض «5» ذات نخل، لا أراها «6» إلّا يثرب «7» فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا، فقال: ما صنعت؟
قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما «8» ، فإنّي أسلمت وصدّقت. فاحتملنا «9» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم إيماء1»
بن رحضة الغفاريّ وكان سيّدهم.
وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «11» .
5-* (عن سليمان بن بلال- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما «12» ، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي الله عنهما-: إنّه لابدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة
__________
(1) في مسند الإمام أحمد: ممن أنت. وهو الظاهر.
(2) فقدعني: أي كفني، يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه.
(3) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.
(4) غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت.
(5) وجهت لي أرض: أي أريت جهتها.
(6) أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها.
(7) يثرب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة، وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب.
(8) ما بي رغبة عن دينكما: أي لا أكرهه، بل أدخل فيه.
(9) فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتاعنا على إبلنا، وسرنا.
(10) إيماء: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور، وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح.
(11) مسلم (2473) .
(12) فاستهما: أجريا القرعة بينهما.(7/2996)
لاثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ ... الحديث) * «1» .
6-* (عن سعد- رضي الله عنه- قال:
رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟، قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشّهادة، قال: فعرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه، فكان سعد- رضي الله عنه- يقول:
فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (علو الهمة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جيّ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان «3» أرضه، وكنت أحبّ الخلق إليه- وفي حديث البكّائيّ: أحبّ عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسيّة- وفي حديث عليّ بن جابر: في المجوسيّة- فكنت في النّار الّتي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه:
في داره- فقال لي يوما: يا بنيّ، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضّيعة، ولا تحتبس فتشغلني عن كلّ ضيعة بهمّي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النّصارى وهم يصلّون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت: هذا والله خير من ديننا، فأقمت عندهم حتّى غابت الشّمس، لا أنا أتيت الضّيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنّصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدّين؟. قالوا:
بالشّام. فرجعت إلى والدي، فقال: يا بنيّ، قد بعثت إليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلّون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أنّ دينهم خير من ديننا، فقال: يا بنيّ دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلّا والله، فخافني وقيّدني.
فبعثت إلى النّصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشّام، ففعلوا، فألقيت الحديد من رجليّ، وخرجت معهم، حتّى أتيت الشّام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا:
__________
(1) الإصابة (2/ 25) . والاستيعاب لابن عبد البر (4/ 143) ، وطبقات ابن سعد (3/ 6/ 47) .
(2) الإصابة (3/ 135) ، والهيثمي (5/ 298) وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح، وذكره الهيثمي في موضع آخر (6/ 69) وقال: رواه البزار ورواته ثقات.
(3) الدهقان: بكسر الدال وضمها، رئيس القرية. وهو معرب.(7/2997)
الأسقفّ، فأتيته فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلّي معك؟. قال: أقم، فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصّدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتّى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا «1» ، فتوفّي، فأخبرتهم بخبره فزبروني، فدللتهم على ماله، فصلبوه ولم يغيّبوه ورجموه، وأحلّوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا، فألقى الله حبّه في قلبي، حتّى حضرته الوفاة فقلت:
أوصني، فذكر رجلا بالموصل، وكنّا على أمر واحد حتّى هلك.
فأتيت الموصل، فلقيت الرّجل فأخبرته بخبري، وأنّ فلانا أمرني بإتيانك، فقال: أقم، فوجدته على سبيله وأمره، حتّى حضرته الوفاة، فقلت: أوصني، فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلّا رجلا بعمّوريّة. فأتيته بعمّوريّة فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتّخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنّا عليه، ولكن قد أظلّك نبيّ يبعث بدين إبراهيم الحنيفيّة، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النّبوّة، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصّدقة، فإن استطعت فتخلص إليه، فتوفّي.
فمرّ بي ركب من العرب، من كلب، فقلت:
أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود «2» ، فرأيت النّخل، فعلمت أنّه البلد الّذي وصف لي، فأقمت عند الّذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وغفلت عن ذلك حتّى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف فإنّي لفي رأس نخلة إذا أقبل ابن عمّ لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكّة، يزعم أنّه نبيّ، فو الله ما هو إلّا أن سمعتها فأخذني القرّ «3» ، ورجفت بي النّخلة، حتّى كدت أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتّى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي أردت «4» أن أتصدّق به، فبلغني أنّك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحقّ به، فوضعته بين يديه، فكفّ يديه، وقال لأصحابه:
كلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.
وتحوّل إلى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به،
__________
(1) ورقا: بكسر الراء فضة.
(2) معناه: باعوني لرجل من اليهود.
(3) القرّ: البرد.
(4) اجتمع عندي أردت: هكذا هي موجودة في الأصل، ولعل صوابها: اجتمع عندي شيء أردت.(7/2998)
فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هديّة، وليست بصدقة، فمدّ يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت:
هاتان اثنتان، ورجعت.
فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه فسلّمت، وتحوّلت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم فقبّلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدّثته بشأني كلّه كما حدّثتك يا ابن عبّاس، فأعجبه ذلك، وأحبّ أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرّقّ، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتّى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة وديّة «1» ، وعلى أربعين وقيّة «2» من ذهب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعينوا أخاكم بالنّخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر، حتّى اجتمع لي، فقال لي: «فقّر «3» لها ولا تضع منها شيئا حتّى أضعه بيدي» ، ففعلت، فأعانني أصحابي حتّى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنّخلة فيضعها، ويسوّي عليها ترابا، فأنصرف، والّذي بعثه بالحقّ فما ماتت منها واحدة، وبقي الذّهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: «ادع سلمان المسكين الفارسيّ المكاتب» ، فقال: أدّ هذه، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه ممّا عليّ؟، وروى أبو الطّفيل، عن سلمان، قال:
أعانني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه) * «4» .
2- شجاعة أبي محجن الثّقفيّ- رضي الله عنه- (قتاله يوم القادسيّة حتّى ظنّوا أنّه ملك) .
* (أخرج عبد الرّزّاق عن ابن سيرين قال:
كان أبو محجن الثّقفيّ- رضي الله عنه- لا يزال يجلد في الخمر، فلمّا أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلمّا كان يوم القادسيّة رآهم يقتتلون، فكأنّه رأى أنّ المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أمّ ولد سعد أو إلى امرأة سعد يقول لها: إنّ أبا محجن يقول لك: إن خلّيت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحا، ليكوننّ أوّل من يرجع إليك إلّا أن يقتل، وأنشأ يقول:
كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا
__________
(1) الودية: النخلة الصغيرة.
(2) وقية: هي الأوقية. وهي زنة سبعة مثاقيل وزنة أربعين درهما. وهي في غير الحديث جزء من اثنى عشر جزآ وتختلف باختلاف اصطلاح البلاد- لسان العرب: مادة «وقي» .
(3) ومعنى فقر: احفر لها موضعا تغرس فيه، وتسمى الحفرة فقرة بضم الفاء.
(4) أسد الغابة لابن الأثير (2/ 265- 267) ، مسند أحمد (5/ 437- 444) ، وطبقات ابن سعد (4/ 45) ، والتاريخ الكبير للبخاري (4/ 135- 136) ، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 163- 171) ، ومجمع الزوائد للهيثمي (9/ 332- 344) ، وأسد الغابة لابن الأثير (2/ 365) .(7/2999)
إذا قمت عنّاني الحديد وغلّقت ... مصارع دوني قد تصمّ المناديا
فذهبت الاخرى، فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلّت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدّار وأعطي سلاحا، ثمّ خرج يركض حتّى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه، فنظر إليه سعد فجعل يتعجّب منه ويقول: من ذلك الفارس؟! فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى هزمهم الله، ورجع أبو محجن- رضي الله عنه-، وردّ السّلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان.
فجاء سعد- رضي الله عنه- فقالت له امرأته أو أمّ ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول:
لقينا ولقينا، حتّى بعث الله رجلا على فرس أبلق، لولا أنّي تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: والله إنّه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، فقصّت عليه قصّته، فدعا به وحلّ قيوده. قال أبو محجن- رضي الله عنه- أنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم، قال: فلم يشربها بعد ذلك) * «1» .
3-* (عن معقل بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- شاور الهرمزان. فقال: ما ترى أبدأ: بفارس، أو بأذربيجان، أم بأصبهان؟.
فقال: إنّ فارس وأذربيجان الجناحان، وأصبهان الرّأس، فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الاخر، فإن قطعت الرّأس وقع الجناحان، فابدأ بالرّأس.
فدخل عمر- رضي الله عنه- المسجد والنّعمان بن مقرّن- رضي الله عنه- يصلّي، فقعد إلى جنبه، فلمّا قضى صلاته قال: إنّي أريد أن أستعملك. قال: أمّا جابيا «2» ، فلا، ولكن غازيا. قال: فأنت غاز. فوجّهه إلى أصبهان- فذكر الحديث- وفيه: فقال المغيرة للنّعمان: يرحمك الله إنّه قد أسرع في النّاس «3» ، فاحمل.
فقال: والله إنّك لذو مناقب «4» ، لقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القتال، وكان إذا لم يقاتل أوّل النّهار أخّر القتال حتّى تزول الشّمس، وتهبّ الرّياح، وينزل النّصر، قال: ثمّ قال: إنّي هازّ لوائي ثلاث مرّات: فأمّا الهزّة «5» الأولى فقضى الرّجل حاجته وتوضّأ، وأمّا الثّانية فنظر رجل في سلاحه، وفي شسعه «6» فأصلحه، وأمّا الثّالثة فاحملوا ولا يلوينّ أحد على أحد وإن قتل النّعمان فلا يلو «7» عليه أحد، فإنّي أدعو الله- عزّ وجلّ- بدعوة، فعزمت على كلّ
__________
(1) الاستيعاب (4/ 184) ، وسنده صحيح، كما في الإصابة (4/ 174) .
(2) جابيا: من جبي الخراج أي جمعه.
(3) إنه قد أسرع في الناس: أي الرمي، ويريد به رمي الفرس للمسلمين بالنبل في المعركة.
(4) مناقب: جمع نقيبة وهي: العقل والمشورة ونفاذ الرأي.
(5) الهزة: التحريكة.
(6) الشسع: زمام للنعل بين الأصبع الوسطى والتي تليها.
(7) يلو: ينتظر: وقوله لا يلوين أحد على أحد أي لا ينتظر حملته معه، وقوله: ولا يلو عليه أحد: أي لا يتوقف عن القتال من أجله.(7/3000)
امرىء منكم لما أمّن عليها: اللهمّ أعط اليوم النّعمان الشّهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم.
وهزّ لواءه أوّل مرّة، ثمّ هزّ الثّانية، ثمّ شلّ «1» درعه، ثمّ حمل فكان أوّل صريع، فقال معقل:
فأتيت عليه، فذكرت عزمته، فجعلت عليه علما، ثمّ ذهبت- وكنّا إذا قتلنا رجلا شغل عنّا أصحابه- ووقع ذو الحاجبين عن بغلته، فانشقّ بطنه، فهزمهم الله، ثمّ جئت إلى النّعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التّراب، فقال: من أنت؟ قلت:
معقل بن يسار. قال: ما فعل النّاس؟ فقلت: فتح الله عليهم. قال: الحمد للهّ، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه. وعند الطّبريّ أيضا عن زياد بن جبير عن أبيه- رضي الله عنهما- فذكر الحديث بطوله في وقعة نهاوند، وفيه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا غزا فلم يقاتل أوّل النّهار لم يعجل حتّى تحضر الصّلاة، وتهبّ الأرواح، ويطيب القتال فما منعني إلّا ذلك اللهمّ إنّي أسألك أن تقرّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عزّ الإسلام، وذلّ يذلّ به الكفّار، ثمّ اقبضني إليك بعد ذلك على الشّهادة. أمّنوا يرحمكم الله فأمّنّا وبكينا) * «2» .
4-* (عن جعفر بن عبد الله بن أسلم الهمدانيّ- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم اليمامة كان أوّل النّاس جرح أبو عقيل الأنيفيّ- رضي الله عنه-، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشطب في غير مقتل، فأخرج السّهم- ووهن له شقّه الأيسر- لما كان فيه، وهذا أوّل النّهار، وجرّ إلى الرّحل «3» - فلمّا حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم- وأبو عقيل
واهن من جرحه- سمع معن بن عديّ- رضي الله عنه- يصيح بالأنصار: الله الله! «4» والكرّة على عدوّكم، وأعنق معن «5» يقدم القوم، وذلك حين صاحت الأنصار:
أخلصونا، أخلصونا، فأخلصوا رجلا رجلا يميّزون.
قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عقيل، ما فيك قتال؟!، قال: قد نوّه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت: إنّما يقول: يا للأنصار، لا يعني الجرحى!! قال أبو عقيل: أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا! قال ابن عمر: فتحزّم أبو عقيل وأخذ السّيف بيده اليمنى مجرّدا، ثمّ جعل ينادي: يا للأنصار، كرّة كيوم حنين، فاجتمعوا- رحمهم الله- جميعا يقدمون المسلمين دربة دون عدوّهم حتّى أقحموا عدوّهم الحديقة، فاختلطوا
__________
(1) شلّ الدرع: لبسها. ينظر: لسان العرب مادة (شل) .
(2) أخرجه الطبراني بطوله مثل ما روى الطبري. قال الهيثمي (6/ 217) : رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني، وهو ثقة، الحاكم (3/ 293) عن معقل بطوله. والحاكم (3/ 293) وأقره الذهبي.
(3) الرحل: المنزل والخيمة.
(4) الله الله- منصوب على التحذير- والمعنى: اتقوا الله وكروا الكرة على عدوكم.
(5) أعنق معن: أسرع معن.(7/3001)
واختلف السّيوف بيننا وبينهم.
قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت على الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلّها قد خلصت إلى مقتل، وقتل عدوّ الله مسيلمة، قال ابن عمر: فوقعت على أبي عقيل وهو صريع باخر رمق «1» ، فقلت: أبا عقيل، فقال: لبّيك. بلسان ملتاث «2» - لمن الدّبرة؟، قلت: أبشر، ورفعت صوتي: قد قتل عدوّ الله، فرفع أصبعه إلى السّماء يحمد الله، ومات- رحمه الله- قال ابن عمر:
فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كلّه، فقال:
رحمه الله، ما زال يسأل الشّهادة ويطلبها، وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وقديم إسلام) * «3» .
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر- رضي الله عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ الدّرع يا أخي، قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا) * «4» .
6-* (روي عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: لا تصغرنّ هممكم، فإنّي لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم) * «5» .
7-* (عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال:
خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة، فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا «6» ، ولا لهم زرع ولا ضرع»
، وخشيت أن تأكلهم الضّبع «8» ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ، وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فوقف معها عمر ولم يمض، ثمّ قال: مرحبا بنسب قريب، ثمّ انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين «9» ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه، ثمّ قال:
اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمّك، والله إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا منه «10» ) * «11» .
8-* (كان سعيد بن عمرو بن العاص ذا
__________
(1) باخر رمق: باخر ما بقي فيه من حياة.
(2) بلسان ملتاث: بلسان متعثر لا ينطق بطلاقة.
(3) حياة الصحابة (2/ 201) .
(4) الهيثمي (5/ 298) وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح، وابن سعد (3/ 275) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) - نحوه
(5) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 327) .
(6) لا ينضجون كراعا: معناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه.
(7) ولا ضرع: أي ليس لهم ما يحلبونه.
(8) وخشيت أن تأكلهم الضبع: أي السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم أي تهلكهم.
(9) الغرارة: كيس كبير ويسمى بلهجة عصرنا: الجوال.
(10) نستفيء سهماننا: نأخذ أنصباءنا من فيئه.
(11) البخاري- الفتح 7 (4160) .(7/3002)
نخوة وهمّة، قيل له في مرضه: إنّ المريض يستريح إلى الأنين وإلى شرح ما به إلى الطّبيب. فقال أمّا الأنين فهو جزع وعار، والله لا يسمع الله منّي أنينا فأكون عنده جزوعا، وأمّا وصف ما بي إلى الطّبيب فو الله لا يحكم غير الله في نفسي إن شاء أمسكها وإن شاء قبضها) * «1» .
9-* (عن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف. وكان في تلك الغزوة (غزوة مؤتة) ، قال: والله لكأنّي أنظر إلى جعفر- رضي الله عنه- حين اقتمّ «2» عن فرس له شقراء ثمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل، وهو يقول:
يا حبّذا الجنّة واقترابها
طيّبة وبارد شرابها ... والرّوم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها ... عليّ إذ لاقيتها ضرابها
) * «3» .
10-* (قال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلا مذ كنت رجلا، لأنّي لم أشاتم إلّا أحد رجلين:
إمّا كريم فأنا أحقّ أن أجلّه، وإمّا لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه) * «4» .
11-* (قال الحافظ أبو بكر عبد الله بن الإمام الحافظ أبي داود السّجستانيّ، المولود سنة (303 هـ) . قال: دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مدّا باقلّاء، فكنت آكل منه وأكتب عن الأشجّ عبد الله بن سعيد الكنديّ محدّث الكوفة، فما فرغ الباقلّاء حتّى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل) * «5» .
12-* (قال الحافظ الذّهبيّ في تذكرة الحفّاظ في ترجمة الإمام محمّد بن جرير الطّبريّ، قال أبو محمّد الفرغانيّ تلميذ ابن جرير: كان محمّد بن جرير لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظم ما يؤذى، فأمّا أهل الدّين والعلم فغير منكرين علمه وزهده ورفضه الدّنيا وقناعته بما يجيئه من حصّة خلّفها له أبوه بطبرستان، قال: ورحل محمّد بن جرير لمّا ترعرع، وسمح له أبوه بالسّفر، وكان أبوه طول حياته يوجّه إليه بالشّيء بعد الشّيء إلى البلدان، فسمعته يقول: أبطأت منّي نفقة والدي واضطررت إلى أن بعت ثيابي. ولقد قال ابن جرير:
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي ... وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مكالمتي رفيقي
__________
(1) المستطرف للأبشيهي (1/ 142) .
(2) اقتم عن فرس: نزل عنها.
(3) البداية والنهاية (4/ 244) أبو داود من هذا الوجه، كما في الإصابة (1/ 238) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 118) .
(4) المستطرف في كل فن مستظرف (1/ 136) .
(5) انظر صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لأبي غدة.(7/3003)
ولو أنّي سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطّريق
وهو الّذي يقول:
خلقان لا أرضى طريقهما ... بطر الغنى ومذلّة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... وإذا افتقرت فته على الدّهر
) * «1»
13-* (حكى القاضي يحيى بن أكثم- رحمة الله عليه- قال: دخلت يوما على الخليفة هارون الرّشيد ولد المهديّ، وهو مطرق مفكّر، فقال لي:
أتعرف قائل هذا البيت:
الخير أبقى وإن طال الزّمان به ... والشّرّ أخبث ما أوعيت من زاد
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ لهذا البيت شأنا مع قائله، فقال الرّشيد: عليّ به. فلمّا حضر بين يديه، قال له: أخبرني عن قضيّة هذا البيت. فقال: يا أمير المؤمنين كنت في بعض السّنين حاجّا، فلمّا توسّطت البادية في يوم شديد الحرّ سمعت ضجّة عظيمة في القافلة ألحقت أوّلها باخرها، فسألت عن القصّة فقال لي رجل من القوم: تقدّم تر ما بالنّاس، فتقدّمت إلى القافلة فإذا أنا بشجاع أسود فاغر فاه كالجذع، وهو يخور كما يخور الثّور، ويرغو كرغاء البعير، فهالني أمره، وبقيت لا أهتدي إلى ما أصنع في أمره، فعدلنا عن طريقه إلى ناحية أخرى فعارضنا ثانيا، فعلمت أنّه لسبب، ولم يجسر أحد من القوم أن يقربه، فقلت:
أفدي هذا العالم بنفسي، وأتقرّب إلى الله تعالى بخلاص هذه القافلة من هذا، فأخذت قربة من الماء فتقلّدتها، وسللت سيفي، وتقدّمت فلمّا رآني قربت منه سكن، وبقيت متوقّعا منه وثبة يبتلعني فيها، فلمّا رأى القربة فتح فاه، فجعلت فم القربة فيه وصببت الماء كما يصبّ في الإناء، فلمّا فرغت القربة تسيّب في الرّمل ومضى، فتعجّبت من تعرّضه لنا وانصرافه عنّا من غير سوء لحقنا منه، ومضينا لحجّنا، ثمّ عدنا في طريقنا ذلك، وحططنا في منزلنا ذلك في ليلة مظلمة مدلهمّة فأخذت شيئا من الماء، وعدلت إلى ناحية عن الطّريق فقضيت حاجتي ثمّ توضّأت وصلّيت وجلست أذكر الله تعالى) * «2» .
14-* (قال مالك بن عمارة اللّخميّ: كنت جالسا في ظلّ الكعبة أيّام الموسم عند عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزّبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال النّاس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتّساع في المعرفة، والتّصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث، فخلوت معه ليلة فقلت له، والله إنّي لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرّفك
__________
(1) انظر صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لأبي غدة.
(2) المستطرف (1/ 345- 346) .(7/3004)
وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلا فسترى العيون طامحة إليّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليّ فلعلّك أن تنقل إليّ ركابك، فلأملأنّ يديك. فلمّا أفضت إليه الخلافة توجّهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمّا رآني أعرض عنّي فقلت: لعلّه لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكرة، فلمّا قضيت الصّلاة ودخل بيته لم ألبث أن خرج الحاجب، فقال: أين مالك بن عمارة. فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه فمدّ إليّ يده وقال: إنّك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلّا ما رأيت، فأمّا الان فمرحبا، وأهلا، كيف كنت بعدي، فأخبرته، فقال لي: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم، فقال:
والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكنّي أخبرك بخصال منّي سمت بها نفسي إلى الموضع الّذي ترى. ما خنت ذا ودّ قطّ، ولا شمتّ بمصيبة عدوّ قطّ، ولا أعرضت عن محدّث حتّى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذّذا بها. فكنت أؤمّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي، وقد فعل ثمّ دعا بغلام له، فقال: يا غلام بوّئه منزلا في الدّار، فأخذ الغلام بيدي، وأفرد لي منزلا حسنا، فكنت في ألذّ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي، وأسمع كلامه، ثمّ أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه فيرفع منزلتي، ويقبل عليّ ويحادثني ويسألني مرّة عن العراق، ومرّة عن الحجاز، حتّى مضت عشرون ليلة، فتغدّيت يوما عنده، فلمّا تفرّق النّاس نهضت قائما، فقال: على رسلك، فقعدت، فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك:
المقام عندي مع النّصفة لك في المعاشرة، أو الرّجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين فارقت أهلي وولدي على أنّي أزور أمير المؤمنين، وأعود إليهم فإن أمرني أمير المؤمنين اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا بل أرى لك الرّجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار كسوة، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟ فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السّلامة) * «1» .
15-* (قال ابن الجوزيّ: تأمّلت أحوال النّاس في حالة علوّ شأنهم فرأيت أكثر الخلق تبين حسراتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشّباب، ومنهم من فرّط في اكتساب العلم ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللّذات.
فكلّهم نادم في حالة الكبر حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات، فإن كانت للشّيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت، قال:
وا أسفاه على ما جنيت؟ وإن لم يكن له إفاقة صار متأسّفا على فوات ما كان يلتذّ به.
__________
(1) المستطرف (1/ 203- 204) .(7/3005)
فأمّا من أنفق عصر الشّباب في العلم فإنّه في زمن الشّيخوخة يحمد جنى ما غرس ويلتذّ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذّات البدن شيئا بالإضافة إلى ما يناله من لذّات العلم.
هذا مع وجود لذّاته في الطّلب الّذي كان يأمل به إدراك المطلوب، وربّما كانت تلك الأعمال أطيب ممّا نيل منها، كما قال الشّاعر:
أهتزّ عند تمنّي وصلها طربا ... وربّ أمنيّة أحلى من الظّفر
ولقد تأمّلت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الّذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدّنيا، وأنفقت زمن الصّبوة والشّباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني ممّا نالوه إلّا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثمّ تأمّلت حالي فإذا عيشي في الدّنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين النّاس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك، فقلت له: أيّها الجاهل. تقطيع الأيدي لا وقع له «1» عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدّت إلى صديق:
جزى الله المسير إليه خيرا ... وإن ترك المطايا «2» كالمزاد «3» .
ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو «4» ، كنت في زمان الصّبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همّتي لا ترى إلّا لذّة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أنّي عرفت بكثرة سماعي لحديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأحواله وآدابه وأحوال أصحابه وتابعيهم «5» - رضي الله عنهم أجمعين-.
16-* (قال الفضل- وهو ابن زياد-:
«سمعت أبا عبد الله، يقول: ليس تضمّ إلى معمر أحدا إلّا وجدته فوقه، رحل في الحديث إلى اليمن وهو أوّل من رحل، فقال له أبو جعفر: والشّام؟، فقال: لا، الجزيرة) » * «6» .
17-* (قال مكحول الدّمشقيّ الإمام: كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت الشّام فغربلتها، كلّ ذلك أسأل عن النّفل، فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتّى أتيت شيخا يقال له زياد بن جارية التّميميّ
__________
(1) لا وقع له: أي لا ألم له.
(2) المطايا: جمع مطية: الدابة التي تركب.
(3) المزاد: أي المزادة وهي القربة من الجلد إذا كانت خالية من الماء
(4) وأرجو: أي أطلبه من العلم وأرجوه من تحصيل الثواب ونفع الناس بالدعوة إلى الله.
(5) صيد الخاطر لابن الجوزي (218- 219) .
(6) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) .(7/3006)
فقلت له: هل سمعت في النّفل شيئا؟ قال: نعم سمعت حبيب بن مسلمة الفهريّ يقول: شهدت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نفّل الرّبع في البدأة والثّلث في الرّجعة) * «1» .
18-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: والّذي لا إله غيره لقد قرأت من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضعا وسبعين سورة، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلّغني الإبل إليه لأتيته) * «2» .
19-* (قال مسروق: قال عبد الله: ما أنزلت آية إلّا وأنا أعلم فيما أنزلت، ولو أنّي أعلم أنّ أحدا أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل والمطايا لأتيته) * «3» .
20-* (كان الإمام البخاريّ يقوم في اللّيلة الواحدة ما يقرب من عشرين مرّة لتدوين حديث أو فكرة طرأت عليه، كما أنّه من أعظم الرّماة، ما كان سهمه يخطأ الهدف إلّا نادرا) * «4» .
21-* (وفي ترجمة الإمام الطّبرانيّ: هو الحافظ العلّامة أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخميّ الشّاميّ الطّبرانيّ مسند الدّنيا، زادت مؤلّفاته عن خمسة وسبعين مؤلّفا. سئل الطّبرانيّ عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة) * «5» .
22-* (قال الإمام أحمد بن حنبل: رحلت في طلب العلم والسّنّة إلى الثّغور والشّامات والسّواحل والمغرب والجزائر ومكّة والمدينة والحجاز واليمن والعراقين جميعا وفارس وخراسان والجبال والأطراف ثمّ عدت إلى بغداد.
وقال: حججت خمس حجج منها ثلاث حجج راجلا- ولا يغيب عنك أنّ بلده بغداد- أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهما. وقال الإمام ابن الجوزيّ: طاف الإمام أحمد بن حنبل الدّنيا مرّتين حتّى جمع المسند «6» .
23-* (قال أبو عبد الله الحاكم النّيسابوريّ في كتابه (معرفة علوم الحديث) وهو يذكر فضل أصحاب الحديث وطلّابه: هم قوم سلكوا محجّة الصّالحين واتّبعوا آثار السّلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التّنعّم في الدّمن والأوكار، وتنعّموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والاثار بوجود الكسر والأطمار ... جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها «7» فرشهم، نبذوا الدّنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة وسمرهم المعارضة (أي مقابلة الكتاب الّذي كتبوه بالكتاب الّذي سمعوه أو نقلوا منه) واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد، ونومهم السّهاد، واصطلاءهم الضّياء،
__________
(1) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) .
(2) سير أعلام النبلاء للذهبي (1/ 471) وقال محققه: إسناده صحيح، والأثر عند البخاري بغير هذا السياق (9/ 5002) .
(3) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) .
(4) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) .
(5) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) .
(6) انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221) ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3) .
(7) البواري جمع البارية وهي الحصير المنسوج.(7/3007)
وتوسّدهم الحصى، فالشّدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرّخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقولهم بلذاذة السّنّة غامرة، وقلوبهم بالرّضاء في الأحوال عامرة، تعلّم السّنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السّنّة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم) * «1» .
24-* (قال أبو مسعود عبد الرّحيم الحاجيّ:
سمعت ابن طاهر يقول: بلت الدّم في طلب الحديث مرّتين، مرّة ببغداد ومرّة بمكّة، كنت أمشي حافيا في الحرّ فلحقني ذلك، وما ركبت دابّة قطّ في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري) * «2» .
25-* (في كتاب للهند: من لم يركب الأهوال لم ينل الرّغائب، ومن ترك الأمر الّذي لعلّه ينال منه حاجته مخافة ما لعلّه يوقّاه فليس ببالغ جسيما، وإنّ الرّجل ذا المروءة ليكون خامل الذّكر خافض المنزلة، فتأبى مروءته إلّا أن يستعلي ويرتفع، كالشّعلة من النّار الّتي يصونها صاحبها وتأبى إلّا ارتفاعا) * «3» .
26-* (كان أسباب فتح المعتصم عمّوريّة، أنّ امرأة من الثّغر سبيت، فنادت وا محمّداه وا معتصماه! فبلغه الخبر فركب لوقته وتبعه الجيش، فلمّا فتحها قال: لبّيك أيّتها المنادية) * «4» .
27-* (قيل لبعض الحكماء: ما أصعب شيء على الإنسان؟. قال: أن يعرف نفسه ويكتم الأسرار، فإذا اجتمع الأمران، واقترن بشرف النّفس علوّ الهمّة، كان الفضل بهما ظاهرا، والأدب بهما وافرا، ومشاقّ الحمد بينهما مسهّلة، وشروط المروءة بينهما متينة) * «5» .
28-* (قال بعض البلغاء: علوّ الهمّة، بذر النّعم) * «6» .
29-* (قال بعض الحكماء: الهمّة راية الجدّ) *» .
30-* (قال الشّاعر:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي
) * «8» .
31-* (عكف أبو صالح أيّوب بن سليمان على كتاب العروض حتّى حفظه، فسأله بعضهم عن
__________
(1) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (200- 221) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المستطرف في كل فن مستظرف (302) .
(4) المرجع السابق (1/ 135) .
(5) أدب الدنيا والدين للماوردي (328) .
(6) المرجع السابق (327) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 108) .(7/3008)
إقباله على هذا العلم بعد الكبر، فقال: حضرت قوما يتكلّمون فيه فأخذني ذلّ في نفسي أن يكون باب من العلم لا أتكلّم فيه) * «1» .
32-* (قال الشّاعر:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما
أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدا فيم أو لما؟
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت، ولكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما
) * «2» .
33-* (قال حبيب الطّائيّ:
أعاذلتي ما أخشن اللّيل مركبا ... وأخشن منه في الملمّات راكبه
ذريني وأهوال الزّمان أقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه
) * «3» .
34-* (قال كعب بن زهير:
وليس لمن لم يركب الهول بغية ... وليس لرحل حطّه الله حامل
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل
) * «4» .
35-* (قال امرؤ القيس:
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
) * «5»
من فوائد (علو الهمة)
(1) دليل على كمال الرّجولة وكمال المروءة.
(2) تثمر سعادة الدّنيا والآخرة.
(3) خلق يوصل إلى محبّة الله ومحبّة النّاس.
(4) يحقّق الرّفاهية والسّعادة للأفراد والشّعوب.
__________
(1) أدب الدنيا والدين (ص 54) .
(2) المرجع السابق (ص 53) .
(3) العقد الفريد لابن عبد ربه (3/ 188) .
(4) المرجع السابق (3/ 188) .
(5) المرجع السابق (3/ 175) .(7/3009)
العمل
العمل لغة:
مصدر قولهم عمل يعمل وهو مأخوذ من مادّة (ع م ل) الّتي تدلّ على «كلّ فعل يفعل» قال الخليل: عمل يعمل عملا فهو عامل، واعتمل الرّجل إذا عمل بنفسه، والعمالة أجر ما عمل، والعملة: القوم يعملون بأيديهم ضروبا من العمل حفرا أو طيّا أو نحوه، وقيل العمل: المهنة والفعل، والجمع أعمال، عمل عملا، وأعمله غيره واستعمله، واعتمل الرّجل: عمل بنفسه، واستعمل فلان غيره إذا سأله أن يعمل له، واستعمله: طلب إليه العمل. واستعمل فلان إذا ولي عملا من أعمال السّلطان، وفي حديث خيبر: (دفع إليهم أرضهم على أن يعتملوها من أموالهم) ، والاعتمال: افتعال من العمل أي إنّهم يقومون بما يحتاج إليه من عمارة وزراعة وتلقيح وحراسة ونحو ذلك. وأعمل فلان ذهنه في كذا وكذا إذا دبّره بفهمه. وأعمل رأيه وآلته ولسانه. واستعمله: عمل به. ورجل عمول إذا كان كسوبا.
ورجل عمول: بمعنى: رجل عمل أي مطبوع الايات/ الأحاديث/ الاثار 151/ 74/ 30
على العمل. وتعمّل فلان لكذا، والتّعميل: تولية العمل. يقال: عمّلت فلانا على البصرة، قال ابن الأثير: قد يكون عمّلته بمعنى ولّيته وجعلته عاملا.
قال الأزهريّ: العمالة بالضّمّ، رزق العامل الّذي جعل له على ما قلّد من العمل.
والعامل في العربيّة: ما عمل عملا ما. وقيل هو الّذي يتولّى أمور الرّجل في ماله وملكه وعمله، ومنه قيل للّذي يستخرج الزّكاة: عامل «1» .
العمل اصطلاحا:
قال المناويّ: العمل كلّ فعل من الحيوان بقصد، والعمل أخصّ من الفعل؛ لأنّ الفعل قد ينسب إلى الحيوان الّذي يقع منه فعل بلا قصد، وقد ينسب الفعل إلى الجماد، والعمل قلّما ينسب إلى ذلك.
أمّا العمل الصّالح: فهو العمل المراعى من الخلل، وأصله الإخلاص في النّيّة وبلوغ الوسع في المجادلة بحسب علم العامل وإحكامه، وقال بعضهم: العمل الصّالح ما دبّر بالعلم «2» .
وقال الكفويّ: العمل: المهنة والفعل، والعمل يعمّ أفعال القلوب والجوارح، ولا يقال إلّا ما كان عن
__________
(1) انظر: الصحاح للجوهري (5/ 1775) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 300) ، ولسان العرب (11/ 474- 476) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (4/ 101) . ومقاييس اللغة لابن فارس (4/ 140) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (247) ، والكليات للكفوي (616) .(7/3010)
فكر ورويّة ولهذا قرن بالعلم حتّى قال بعض الأدباء:
قلب لفظ العمل من لفظ العلم تنبيها على أنّه من مقتضاه «1» .
والعمل المبحوث هنا: هو العمل الصّالح من سائر الأعمال الظّاهرة والباطنة، بما في ذلك العبادات من صيام، وصلاة، وزكاة، وحجّ، ونحو ذلك، ولا يكون العمل صالحا إلّا بتوافر شرطين: الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل في ذلك الكسب الحلال.
أفضل المكاسب:
قال الحافظ ابن حجر: وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب. قال الماورديّ: أصول المكاسب الزّراعة والتّجارة والصّنعة، والأشبه بمذهب الشّافعيّ أنّ أطيبها التّجارة، قال: والأرجح عندي أنّ أطيبها الزّراعة لأنّها أقرب إلى التّوكّل. وتعقّبه النّوويّ بقوله:
الصّواب أنّ أطيب الكسب ما كان بعمل اليد، قال:
فإن كان زراعة فهو أطيب المكاسب لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد، ولما فيه من التّوكّل، ولما فيه من النّفع العام للادميّ وللدّوابّ، ولأنّه لابدّ في العادة أن يؤكل منه بغير عوض، قال الحافظ ابن حجر: قلت:
وفوق ذلك من عمل اليد ما يكتسب من أموال الكفّار بالجهاد وهو مكسب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وهو أشرف المكاسب لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وخذلان كلمة أعدائه والنّفع الاخروي.
قال ابن المنذر: إنّما يفضل عمل اليد سائر المكاسب إذا نصح العامل، كما جاء مصرّحا به قال الحافظ ابن حجر: ومن شرطه ألايعتقد أنّ الرّزق من الكسب بل من الله تعالى بهذه الواسطة، ومن فضل العمل باليد الشّغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو وكسر النّفس بذلك، والتّعفّف عن ذلّة السّؤال والحاجة إلى الغير «2» .
الفرق بين العمل والفعل:
الفعل يدلّ على إحداث شيء من العمل وغيره، وهذا يدلّ على أنّ الفعل أعمّ من العمل، والعمل لا يقال إلّا لما كان عن فكر ورويّة ولا يكون إلّا من الإنسان مصحوبا بقصد، أمّا الفعل فلا يشترط فيه ذلك، ويقع من الإنسان والحيوان والجماد «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: النشاط- الرجولة- الطموح- قوة الإرادة- العبادة- علو الهمة- المروءة- العزم والعزيمة- القوة والشدة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكسل- التخاذل- التهاون- الوهن- صغر الهمة- الضعف- الإهمال- اليأس] .
__________
(1) الكليات للكفوي (616) .
(2) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 40) ، وفتح الباري لابن حجر كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمله بيده (4/ 356) .
(3) الكليات للكفوي (616) .(7/3011)
الآيات الواردة في (العمل)
العمل الصالح جزاؤه الجنة:
1- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «1»
2- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) «2»
3-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «3»
4- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194)
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «4»
__________
(1) البقرة: 25 مدنية
(2) البقرة: 82 مدنية
(3) آل عمران: 133- 136 مدنية
(4) آل عمران: 190- 195 مدنية(7/3012)
5- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «1»
6- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) * لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127) «2»
7- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «3»
8- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) «4»
9- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «5»
10- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) «6»
11- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «7»
12- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
__________
(1) النساء: 122- 124 مدنية
(2) الأنعام: 126- 127 مكية
(3) الأعراف: 42- 43 مكية
(4) يونس: 7- 9 مكية
(5) هود: 23 مكية
(6) الرعد: 28- 29 مدنية
(7) إبراهيم: 23 مكية(7/3013)
خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108)
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «1»
13-* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «2»
14- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «3»
15- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «4»
16- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «5»
17- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «6»
18- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «7»
19- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «8»
20- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36)
__________
(1) الكهف: 107- 110 مكية
(2) مريم: 59- 60 مكية
(3) طه: 74- 76 مكية
(4) الحج: 14 مدنية
(5) الحج: 23- 24 مدنية
(6) الحج: 56- 57 مدنية
(7) العنكبوت: 58- 59 مكية
(8) لقمان: 8- 9 مكية(7/3014)
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) «1»
21- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) »
22- وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (73) «3»
23- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «4»
24- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «5»
25- وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ
__________
(1) سبأ: 36- 37 مكية
(2) الشورى: 22- 23 مكية
(3) الزخرف: 72- 73 مكية
(4) الأحقاف: 13- 16 مكية
(5) محمد: 12 مدنية(7/3015)
مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) «1»
26- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «2»
27- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41)
وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) «3»
28- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «4»
العمل الصالح جزاؤه الأجر:
29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «5»
30- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «6»
31- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
__________
(1) الواقعة: 10- 24 مكية
(2) الطلاق: 8- 11 مدنية
(3) المرسللات: 41- 46 مكية
(4) البروج: 10- 11 مكية
(5) البقرة: 62 مدنية
(6) البقرة: 277 مدنية(7/3016)
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56)
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) «1»
32- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «2»
33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (10) «3»
34- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) «4»
35- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «5»
36- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) «6»
__________
(1) آل عمران: 55- 57 مدنية
(2) النساء: 172- 173 مدنية
(3) المائدة: 8- 10 مدنية
(4) التوبة: 120- 121 مدنية
(5) هود: 9- 11 مكية
(6) النحل: 96- 97 مكية(7/3017)
37- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)
وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) «1»
38- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) «2»
39- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) «3»
40- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «4»
41- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) «5»
42- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «6»
43- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ
الصَّالِحِينَ
(19) «7»
44- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «8»
__________
(1) الإسراء: 9- 10 مكية
(2) الكهف: 1- 2 مكية
(3) الكهف: 29- 31 مكية
(4) طه: 82 مكية
(5) الحج: 49- 50 مكية
(6) الشعراء: 224- 227 مكية
(7) النمل: 17- 19 مكية
(8) القصص: 65- 67 مكية(7/3018)
45- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «1»
46- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) «2»
47- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «3»
48- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «4»
49- فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «5»
50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «6»
51- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «7»
52- الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «8»
53- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) »
54- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «10»
55- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ
__________
(1) القصص: 80 مكية
(2) الروم: 14- 15 مكية
(3) الروم: 44- 45 مكية
(4) لقمان: 14- 15 مكية
(5) السجدة: 17- 19 مكية
(6) الأحزاب: 70- 71 مدنية
(7) سبأ: 3- 4 مكية
(8) فاطر: 7 مكية
(9) فصّلت: 8 مكية
(10) الشورى: 25- 26 (25 مدنية، 26 مكية)(7/3019)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «1»
56- فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) «2»
57- وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
وَطُورِ سِينِينَ (2)
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «3»
اطلاع الله على العمل الصالح:
58- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «4»
59- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) «5»
60- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «6»
61- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) «7»
__________
(1) الفتح: 29 مدنية
(2) الانشقاق: 16- 25 مكية
(3) التين: 1- 8 مكية
(4) البقرة: 110 مدنية
(5) النساء: 128 مدنية
(6) المائدة: 93 مدنية
(7) هود: 112 مكية(7/3020)
62- إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94) «1»
63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) «2»
64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «3»
65- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «4»
اطلاع الله وعدم غفلته عن العمل الفاسد:
66- وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(73)
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «5»
آيات تدل على العمل الصالح:
67- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «6»
68- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) «7»
__________
(1) الأنبياء: 92- 94 مكية
(2) المجادلة: 11 مدنية
(3) الحشر: 18 مدنية
(4) التغابن: 8- 9 مدنية
(5) البقرة: 72- 74 مدنية
(6) هود: 7 مكية
(7) الكهف: 7 مكية(7/3021)
69-بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «1»
العمل الدنيوي:
70-* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «2»
71- أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) «3»
72-* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) «4»
73- وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) «5»
أمر بالعمل للملائكة والرسل والناس أجمعين:
74- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) «6»
75- وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) «7»
__________
(1) الملك: 1- 2 مكية
(2) التوبة: 60 مدنية
(3) الكهف: 79 مكية
(4) سبأ: 10- 13 مكية
(5) يس: 33- 35 مكية
(6) التوبة: 105 مدنية
(7) هود: 121- 123 مكية(7/3022)
76- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26)
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «1»
77- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «2»
78- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3»
79-* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ
وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22)
إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «4»
80- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) «5»
حقيقة عمل الكافرين:
81- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) «6»
__________
(1) الأنبياء: 25- 27 مكية
(2) المؤمنون: 51 مكية
(3) النمل: 17- 19 مكية
(4) يس: 21- 24 مكية
(5) الزمر: 39 مكية
(6) النور: 36- 39 مدنية(7/3023)
الطاعة تكون سببا في صلاح العمل:
82- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «1»
83- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «2»
84- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) «3»
85-* فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) »
86- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «5»
__________
(1) النور: 52- 55 مدنية
(2) الفرقان: 68- 71 (68- 70 مدنية، 71 مكية
(3) العنكبوت: 7- 9 مكية
(4) الزمر: 32- 35 مدنية
(5) العصر: 1- 3 مكية(7/3024)
العمل الصالح يكفر العمل الفاسد:
87- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «1»
88- إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «2»
الجزاء من جنس العمل:
89- قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) «3»
90- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «4»
91- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «5»
92- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)
إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) «6»
93- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «7»
__________
(1) طه: 82 مكية
(2) الفرقان: 70- 71 مكية
(3) البقرة: 139- 141 مدنية
(4) البقرة: 277 مدنية
(5) آل عمران: 30 مدنية
(6) الانعام: 132- 135 مكية
(7) يونس: 3- 4 مكية(7/3025)
94-* يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) «1»
95- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «2»
96- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «3»
97- وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) «4»
98- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «5»
99- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «6»
100- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «7»
101- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «8»
102- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21) «9»
103- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «10»
104- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19) «11»
__________
(1) النحل: 111 مكية
(2) الأحزاب: 30- 31 مدنية
(3) فاطر: 10 مكية
(4) الزمر: 69- 70 مكية
(5) غافر: 40 مكية
(6) غافر: 58 مكية
(7) فصلت: 46 مكية
(8) الجاثية: 15 مكية
(9) الجاثية: 21 مكية
(10) الجاثية: 27- 30 مكية
(11) الاحقاف: 19 مكية(7/3026)
105- فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14)
أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15)
اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)
فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) «1»
106- إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) «2»
الكفر يكون سببا في إضلال العمل:
107- الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2)
ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3)
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) «3»
أهل العمل الصالح هم أفضل الناس:
108- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «4»
109- وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58)
__________
(1) الطور: 11- 21 مكية
(2) الزلزلة: 1- 8 مدنية
(3) محمد: 1- 6 مدنية
(4) مريم: 96 مكية(7/3027)
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) «1»
110- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «2»
111- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «3»
112- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «4»
حسرة الكافرين على العمل الصالح بعد فوات الأوان:
113- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) «5»
114- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «6»
الآيات الواردة في (مسؤولية العمل)
115- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) «7»
116- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
__________
(1) الصافات: 57- 61 مكية
(2) ص: 27- 28 مكية
(3) فصلت: 33 مكية
(4) البينة: 7- 8 مدنية
(5) المؤمنون: 99- 100 مكية
(6) فاطر: 36- 37 مكية
(7) البقرة: 133- 134 مدنية(7/3028)
رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) «1»
117- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) »
118-* وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) «3»
119- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4»
120- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «5»
121- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) «6»
122-* وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «7»
123-* إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ
__________
(1) البقرة: 144 مدنية
(2) البقرة: 149 مدنية
(3) البقرة: 233- 234 مدنية
(4) البقرة: 236- 237
(5) البقرة: 265 مدنية
(6) البقرة: 271 مدنية
(7) البقرة: 283 مدنية(7/3029)
لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) «1»
124- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «2»
125- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)
هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (163) «3»
126- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «4»
127- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا
فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «5»
128- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) «6»
129- وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) «7»
130- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) «8»
__________
(1) آل عمران: 153 مدنية
(2) آل عمران: 156 مدنية
(3) آل عمران: 162- 163 مدنية
(4) آل عمران: 180 مدنية
(5) النساء: 94 مدنية
(6) المائدة: 105 مدنية
(7) الأنعام: 60 مكية
(8) الأعراف: 128- 129 مكية(7/3030)
131- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «1»
132- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) «2»
133- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) «3»
134- وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) «4»
135- وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82) «5»
136- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «6»
__________
(1) الأنفال: 72 مدنية
(2) التوبة: 14- 16 مدنية
(3) التوبة: 100- 102 مدنية
(4) يونس: 61 مكية
(5) الأنبياء: 82 مكية
(6) النمل: 93 مكية(7/3031)
137- وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «1»
138- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) «2»
139- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1)
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) «3»
140- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) «4»
141- فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) «5»
142- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) «6»
143-* قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «7»
144- إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «8»
145- هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) «9»
146- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «10»
147- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «11»
__________
(1) القصص: 55 مكية
(2) لقمان: 29 مكية
(3) الأحزاب: 1- 2 مدنية
(4) الأحزاب: 9 مدنية
(5) يس: 54 مكية
(6) يس: 71- 73 مكية
(7) الحجرات: 14 مدنية
(8) الحجرات: 18 مدنية
(9) الحديد: 4 مدنية
(10) الحديد: 10 مدنية
(11) الحشر: 18 مدنية(7/3032)
148- لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) «1»
149- قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) »
150- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «3»
151- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) «4»
__________
(1) الممتحنة: 3 مدنية
(2) النمل: 8 مدنية
(3) المنافقون: 10- 11 مدنية
(4) التغابن: 2 مدنية(7/3033)
الأحاديث الواردة في (العمل)
1-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد. فقال: يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟. قال: «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أربعون خصلة، أعلاهنّ منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» ) * «2» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الهجرة.
فقال: «ويحك إنّ شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدّي صدقتها؟» . قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار، فإنّ الله لن يترك «3» من عملك شيئا» ) * «4» .
4-* (عن خارجة بن زيد بن ثابت: أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار- بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنّهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون وأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي غسّل وكفّن في أثوابه، دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وما يدريك أنّ الله أكرمه؟» فقلت: بأبي أنت يا رسول الله! فمتى يكرمه الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أمّا هو فو الله لقد جاءه اليقين، والله، إنّي لأرجو له الخير، ووالله! ما أدري- وأنا رسول الله- ماذا يفعل بي؟» . فقالت: والله لا أزكّى بعده أحدا أبدا.
وفي رواية: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أدري ما يفعل به» . قالت: وأحزنني فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ذلك عمله» ) * «5» .
5-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114) . قال الرّجل: ألي هذه؟. قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «6» .
6-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة. قال: «ماله ماله» . وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2808) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2631) .
(3) يترك: أي ينقصك.
(4) البخاري- الفتح 3 (1452) واللفظ له وقد ذكر أيضا برقم (2633) ، ومسلم (1865) .
(5) البخاري- الفتح 12 (7003، 7004) .
(6) البخاري- الفتح 8 (4687) وقد ورد هذا الحديث مطولا في باب الخوف.(7/3034)
«أرب ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل الرّحم» ) * «1» .
7-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-:
أنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا» . فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: «وما ذاك؟» . قال: قلت لفلان:
من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه، وكان أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنّه لا يموت على ذلك، فلمّا جرح استعجل الموت فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «2» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده.
اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل.
اللهمّ إنّى أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكابة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل. وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون» ) * «3» .
9-* (عن مسلم بن يسار الجهنيّ، أنّ عمر ابن الخطّاب سئل عن هذه الاية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ (الأعراف/ 172) قال: قرأ القعنبيّ الاية، فقال عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عنها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- خلق آدم، ثمّ مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرّيّة، فقال: خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون، ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّة، فقال:
خلقت هؤلاء للنّار، وبعمل أهل النّار يعملون» فقال رجل: يا رسول الله! ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخله به الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله به النّار» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1396) واللفظ له، ومسلم (14) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له، ومسلم (112) .
(3) مسلم (1342) .
(4) رواه أبو داود في سننه (4703) واللفظ له. سنن الترمذي 5 (3075) وقال: الترمذي: حديث حسن، والبغوي في شرح السنة (1/ 139) وقال محققه: حديث صحيح.(7/3035)
قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» . قالوا: لا يا رسول الله! قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» .... الحديث، وفيه: «فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون:
أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «1» . فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «2» . ولا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل. ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «3» هل رأيتم السّعدان؟» . قالوا: نعم. يا رسول الله. قال:
«فإنّها مثل شوك السّعدان. غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله. تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله. ومنهم المجازى حتّى ينجّى» ...
الحديث» ) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال! حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإنّي سمعت دفّ نعليك «5» بين يديّ في الجنّة» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي» ) * «6» .
12-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أنّ معاذ بن جبل- رضي الله عنه- كان يصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يأتي قومه فيصلّي بهم الصّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوّز رجل فصلّى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذا. فقال: إنّه منافق، فبلغ ذلك الرّجل، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإنّ معاذا صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت، فزعم أنّي منافق. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، أفتّان أنت؟
(ثلاثا) اقرأ: والشّمس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلى ونحوهما» ) * «7» .
13-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟.
قال: «عليك بالصّوم فإنّه لا عدل له» ) * «8» .
14-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ: فإنّه ما نقص مال عبد
__________
(1) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها.
(2) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه.
(3) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلوب وكلاب وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب.
(4) البخاري- الفتح 13 (7437) ، ومسلم (182) واللفظ له.
(5) دفّ نعليك أي تحريكهما.
(6) البخاري- الفتح 3 (1149) .
(7) البخاري- الفتح 10 (6106) واللفظ له، ومسلم (465)
(8) النسائي (4/ 165) وهذا لفظه، قال محقق جامع الأصول (9/ 456) : إسناده صحيح، كما أخرجه ابن خزيمة (3/ 1893) وهو في الصحيحة للألباني (1937) .(7/3036)
صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه، فإنّه قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: «فهذا بأفضل المنازل» . قال: «وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا. قال: فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال: «فأجرهما سواء» ، قال:
«وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّه، فهذا بأخبث المنازل.
قال: «وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان» قال: «هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «1» .
15-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قام فيهم فذكر لهم أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» .
قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلّا الدّين. فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «2» .
16-* (عن مسروق قال: سألت عائشة- رضي الله عنها- أيّ العمل كان أحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟. قالت: الدّائم. قلت: متى كان يقوم؟. قالت:
يقوم إذا سمع الصّارخ» ) * «3» .
17-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم. وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» . قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذكر الله» ) * «4» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» ) * «5» .
19-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله» .
__________
(1) الترمذي (2325) وقال: هذا حديث حسن صحيح. أحمد (4/ 231) واللفظ له رقم (18054) وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) . رقم (3021) وعزاه لأحمد.
(2) مسلم (1885) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1132) .
(4) الترمذي (3377) ، وابن ماجه (2/ 3790) واللفظ له وصححه الألباني: صحيح ابن ماجه (3057) . وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 514) : وهو حديث صحيح.
(5) البخاري- الفتح 1 (42) واللفظ له، ومسلم (129) .(7/3037)
فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «1» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «2» .
21-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» ) * «3» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليدع العمل وهو يحبّ أن يعمل به خشية أن يعمل به النّاس فيفرض عليهم، وما سبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبحة الضّحى قطّ، وإنّي لأسبّحها) * «4» .
23-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا، فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا جهنّم «5» ، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟
قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي
__________
(1) أخرجه الترمذي (2142) وقال: هذا حديث صحيح، والبغوي في شرح السنة (14/ 290) وقال محققه: إسناده صحيح.
(2) مسلم (1631) .
(3) البخاري- الفتح 6 (2996) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1128) .
(5) جثا جهنم: الجماعة المحكوم عليهم بالنار.(7/3038)
سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «1» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) *» .
25-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تدنى الشّمس، يوم القيامة من الخلق حتّى تكون منهم كمقدار ميل. قال:
فيكون النّاس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه «3» . ومنهم من يلجمه العرق إلجاما» .
قال: وأشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فيه) * «4» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لكلّ عمل شرّة «5» ولكلّ شرّة فترة «6» فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه» ) * «7» .
27-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّة، وإنّما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «8» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والوصال «9» » قالوا: فإنّك تواصل يا رسول الله. قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي، إنّى أبيت يطعمني ربّي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» ) * «10» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا «11» كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «12» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال ستّا: طلوع الشّمس من مغربها، أو الدّخان، أو الدّجّال، أو الدّابّة، أو خاصّة أحدكم، أو أمر العامّة» ) * «13» .
31-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل.
فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت
__________
(1) الترمذي (2863) وهذا لفظه وقال: حديث حسن صحيح. ابن خزيمة (3/ 195، 196) . ابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) .
(2) مسلم (2564) .
(3) الحقوان مثني حقو وهو معقد الإزار.
(4) مسلم (2864) .
(5) الشرّة: أي النشاط والرغبة.
(6) الفترة: الانكسار والضعف.
(7) الترمذي (2453) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 314) : إسناده حسن.
(8) البخاري- الفتح 11 (6689) واللفظ له، ومسلم (1907) .
(9) الوصال: هو صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما.
(10) البخاري- الفتح 4 (1966) ، ومسلم (1103) . واللفظ له.
(11) بادروا بالأعمال فتنا: فيه الحث علي المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن المتكاثرة الشاغلة.
(12) مسلم (118) .
(13) مسلم (2947) .(7/3039)
عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم ... الحديث) * «1» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم» ) * «2» .
33-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا:
تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فامر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله- عزّ وجلّ:
تجوّزوا عنه» ) * «3» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم:
يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلّا من عمل مثله:
تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين» . فاختلفنا بيننا. فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين. ونحمد ثلاثا وثلاثين. ونكبّر أربعا وثلاثين. فرجعت إليه، فقال: «تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «4» .
35-* (عن جرير بن عبد الله قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال: فجاءه قوم عراة مجتابي النّمار «5» أو العباء «6» متقلّدي السّيوف. عامّتهم من مضر. بل كلّهم من مضر. فتمعّر «7» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الاية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً والاية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) . تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها. بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5974) ، ومسلم (2743) واللفظ له.
(2) الترمذي (747) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (596) . وهو بنحوه عند مسلم رقم (2565) وأبي داود رقم (4916) ومالك في «الموطأ» (2/ 908) من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-.
(3) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (843) واللفظ له، ومسلم (595) .
(5) النمار: هي ثياب صوف مخططة من مازر الأعراب.
(6) العباء: جمع عباءة وعباية. نوع من الأكسية.
(7) فتمعّر: أي تغير.(7/3040)
النّاس. حتّى رأيت كومين «1» من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل «2» . كأنّه مذهبة «3» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده.
من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «4» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ خير الكسب كسب يدي عامل إذا نصح» ) * «5» .
37-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنّة، وأنّ أحبّ الأعمال أدومها إلى الله وإن قلّ» ) * «6» .
38-* (عن ركب المصريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذلّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذّلّ والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه.
طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله» ) * «7» .
39-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدّق» . قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟
قال: «فيعين ذا الحاجة الملهوف» . قالوا: فإن لم يفعل؟
قال: «فيأمر بالخير» . أو قال: «بالمعروف» . قال: فإن لم يفعل؟. قال: «فليمسك عن الشّرّ، فإنّه له صدقة» ) * «8» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة. فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف. وإذا همّ بسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها سيّئة واحدة» ) * «9» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: كلّ
__________
(1) الكوم: المكان المرتفع كالرابية.
(2) يتهلّل: أي يستنير فرحا وسرورا.
(3) مذهبة: جمعها مذاهب- وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود وتجعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
(4) مسلم (1017) .
(5) مسند أحمد (2/ 357، 358) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقد أورده السيوطي في الجامع الصغير (4527) وحسنه الشيخ الألباني (3278) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6464) واللفظ له، ومسلم (782) .
(7) الترغيب والترهيب (3/ 558) وقال: رواه الطبراني ورواته الى نصيح ثقات وقد حسن هذا الحديث أبو عمر النمري. وركب مختلف في صحبته.
(8) البخاري- الفتح 10 (6022) واللفظ له، ومسلم (1008) .
(9) مسلم (128) .(7/3041)
عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به.
والصّيام جنّة «1» وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث «2» ولا يصخب «3» ، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف «4» فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك.
للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» ) *» .
42-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟. قال:
«الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها «6» وأكثرها ثمنا» . قال: قلت: فإن لم أفعل؟. قال: «تعين صانعا أو تصنع لاخرق «7» » قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) * «8» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! إنّي إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني: فأنبئني عن كلّ شيء. قال: «كلّ شيء خلق من ماء» . قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنّة؟ قال: «أفش السّلام، وأطعم الطّعام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيام، ثمّ ادخل الجنّة بسلام» ) * «9» .
44-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير ويحمده النّاس عليه؟. قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» ) * «10» .
45-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمّه أعجميّة، فنلت منها، فذكرني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي: «أساببت فلانا؟» . قلت: نعم. قال: «أفنلت من أمّه؟» قلت:
نعم. قال: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة» . قلت: على حين ساعتى هذه من كبر السّنّ؟. قال: «نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا يكلّفه من العمل ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه عليه» ) * «11» .
46-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟. قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟. فقال:
«لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير-
__________
(1) جنّة: سترة ووقاية ومانع من الاثام.
(2) الرفث: السخف وفاحش الكلام.
(3) الصخب: الصياح.
(4) لخلوف: الخلوف تغير رائحة الفم.
(5) البخاري- الفتح 4 (1903) واللفظ له، مسلم (1151) .
(6) أنفسها عند أهلها: أي أرفعها وأجودها.
(7) تصنع لاخرق: الاخرق هو الذي ليس بصانع. يقال: رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له.
(8) البخاري- الفتح 5 (2518) ، ومسلم (84) واللفظ له.
(9) الحاكم (4/ 160) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
(10) مسلم (2642) .
(11) البخاري- الفتح 10 (6050) .(7/3042)
إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» .
فقلت: يا رسول الله، أخلّف بعد أصحابي؟. قال:
«إنّك لن تخلّف «2» فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «3» .
47-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصير وكان يحجّره «4» من اللّيل فيصلّي فيه. فجعل النّاس يصلّون بصلاته، ويبسطه بالنّهار، فثابوا «5» ذات ليلة. فقال: «يا أيّها النّاس عليكم من الأعمال ما تطيقون «6» فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا. وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دووم عليه «7» وإن قلّ» . وكان آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم إذا عملوا عملا أثبتوه «8» » ) * «9» .
48-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير. فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت. ثمّ قال: ألا أدلّك على أبواب الخير؟ الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) ، ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» . قلت: بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ... الحديث) * «10» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت
__________
(1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم.
(2) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه.
(3) البخاري- الفتح 3 (1295) واللفظ له، ومسلم (1628) .
(4) يحجره: أي يتخذه حجرة.
(5) فثابوا: أي اجتمعوا وقيل: رجعوا للصلاة.
(6) ما تطيقون: أي تطيقون الدوام عليه، بلا ضرر.
(7) ما دووم عليه: فيه الحث على المداومة على العمل، وإن قليله الدائم خير من كثيره المتقطع.
(8) أثبتوه: أي لازموه وداوموا عليه.
(9) مسلم (782) ، وهو عند البخاري بغير هذا اللفظ (6464) .
(10) الترمذي (2616) وقال: حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في المسند (5/ 231) ، وابن ماجه في سننه (3973) وهو حديث صحيح بطرقه.(7/3043)
مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ) * «1» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لن ينجي أحدا منكم عمله» .
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟. قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. سدّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدّلجة، والقصد القصد تبلغوا» ) * «2» .
51-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من عمل يوم إلّا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربّنا عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرّبّ- عزّ وجلّ- اختموا له على مثل عمله حتّى يبرأ أو يموت» ) * «3» .
52-* (عن المقدام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود- عليه السّلام- كان يأكل من عمل يده» ) * «4» .
53-* (عن المقدام بن معد يكرب الزّبيديّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما كسب الرّجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرّجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» ) * «5» .
54-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلّا سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلّا النّار تلقاء وجهه، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» ) * «6» .
55-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: مثل المسلمين واليهود والنّصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى اللّيل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النّهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الّذي شرطت لنا، وما عملنا باطل. فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقيّة عملكم وخذوا أجركم كاملا، فأبوا وتركوا.
واستأجر آخرين بعدهم. فقال: أكملوا بقيّة يومكم هذا ولكم الّذي شرطت لهم من الأجر. فعملوا حتّى إذا كان حين صلاة العصر. قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الّذي جعلت لنا فيه. فقال لهم:
أكملوا بقيّة عملكم فإنّ ما بقي من النّهار شيء يسير، فأبوا. فاستأجر قوما أن يعملوا له بقيّة يومهم، فعملوا بقيّة يومهم حتّى غابت الشّمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النّور» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5026) واللفظ له، ومسلم (815) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6463) واللفظ له، مسلم (2816) .
(3) أخرجه أحمد (4/ 146) واللفظ له والبغوي في شرح السنة (5/ 240) وقال محققه: إسناده صحيح.
(4) البخاري- الفتح 4 (2072) .
(5) أخرجه ابن ماجة في سننه (2138) ، وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1739) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7512) واللفظ له، ومسلم (1016) .
(7) البخاري- الفتح 4 (2271) .(7/3044)
56-* (عن عدىّ بن عميرة الكنديّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا «1» فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة» . قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول الله! اقبل عنّي عملك. قال: «ومالك؟» . قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: «وأنا أقوله الان. من استعملناه منكم على عمل فليجىء بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» ) * «2» .
57-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا. وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس. وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما. ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «3» .
58-* (عن أبي فاطمة أنّه قال: يا رسول الله:
حدّثني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك بالهجرة، فإنّه لا مثل لها» ) * «4» .
59-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال:
«يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا، يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم.
يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنّما هي أعمالكم أحصاها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «5» .
60-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتبع الميّت ثلاثة، فيرجع
__________
(1) المخيط: الإبرة.
(2) مسلم (1833) .
(3) الترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 687) : وهو حديث حسن.
(4) النسائي (7/ 145) واللفظ له وصحيح سنن النسائي (3885) وقال محقق جامع الأصول (11/ 605) إسناده حسن.
(5) مسلم (2577) .(7/3045)
اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في (العمل) معنى
61-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أطيب ما أكل الرّجل من كسبه وإنّ ولده من كسبه» ) * «2» .
62-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى «3» من العطش فقال الرّجل:
لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ منّي، فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثمّ أمسكه بفيه حتّى رقي فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له» . قالوا:
يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر» ) *» .
63-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكفّ الله بها وجهه، خير من أن يسأل النّاس أعطي أم منع» ) * «5» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدّق به ويستغني به من النّاس، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإنّ اليد العليا أفضل من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول» ) * «6» .
65-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6514) ، ومسلم (2960) واللفظ له.
(2) أخرجه أبو داود (3528) ، والترمذي رقم (13580) وابن ماجة في سننه (2137) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (9/ 329) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 570) : وهو حديث صحيح.
(3) الثّرى: التّراب النّديّ.
(4) مسلم (2244) .
(5) البخاري- الفتح 5 (7332) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1470- 1480) ، ومسلم (1042) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 5 (2320) ، ومسلم (1553) متفق عليه.(7/3046)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العمل)
66-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له، إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير وإنّ ناسا يعلموني به عسى ألايكون أحدهم رآه قطّ) * «1» .
67-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية «2» عرضت في الخندق، فقال: «أنا نازل» . ثمّ قام وبطنه معصوب «3» بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا.
فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا «4» أهيل «5» أو أهيم. فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر. فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق «6» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «7» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر «8» والبرمة بين الأثافيّ «9» قد كادت أن تنضج، فقلت:
طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.
قال: «كم هو؟» . فذكرت له. فقال: «كثير طيّب» .
قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي» . فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار. فلمّا دخل على امرأته قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟
قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة «10» والتّنّور إذا أخذ منه ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة.
قال: «كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «11» .
68-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم- أو ليصلّي- حتّى ترم قدماه- أو ساقاه- فيقال له فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وفي رواية: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا) * «12» .
69-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه-
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 69، 70) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(2) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض.
(3) معصوب: مربوط.
(4) كثيبا: رملا.
(5) أهيل: غير متماسك.
(6) العناق: أنثى الماعز.
(7) البرمة: القدر (وعاء يطبخ فيه الطعام) .
(8) انكسر العجين أي لان ورطب والمراد أن الخميرة تمكنت منه.
(9) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور.
(10) يخمر البرمة: أي يغطيها.
(11) البخاري- الفتح 7 (4101) واللفظ له ومسلم (2039) .
(12) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) .(7/3047)
قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان في حرّ شديد حتّى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله ابن رواحة» ) * «1» .
70-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء. قيل له: وما هممت؟. قال:
هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
71-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل التّراب يوم الخندق حتّى أغمر بطنه أو اغبرّ بطنه، يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته: أبينا. أبينا) * «3» .
72-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «4» وأحيا ليله «5» وأيقظ أهله) * «6» .
73-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» .
فقال أصحابه: وأنت؟. فقال: «نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» ) * «7» .
74-* (عن عائشة- رضي الله عنها- وقد سئلت عمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة» ) * «8» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (العمل)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «لا يغرركم من قرأ القرآن إنّما هو كلام نتكلّم به ولكن انظروا من يعمل به» ) * «9» .
2-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- «ارتحلت الدّنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» ) * «10» .
3-* (وعنه- رضي الله عنه- قال: «يا حملة العلم، اعملوا به، فإنّما العالم من عمل» ) * «11» .
4-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«إنّي لا أعلم عملا أقرب إلى الله- عزّ وجلّ- من برّ
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1945) ، ومسلم (1122) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له، ومسلم (772) .
(3) البخاري- الفتح 7 (4104) واللفظ له، ومسلم (1803) .
(4) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، وقيل: اعتزل النساء.
(5) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر.
(6) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له، ومسلم (1174) .
(7) البخاري- الفتح 4 (2262) .
(8) البخاري- الفتح 10 (6039) .
(9) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (71) .
(10) البخاري- الفتح (11/ 239) .
(11) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (22) .(7/3048)
الوالدة» ) * «1» .
5-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «إنّما أخاف أن يكون أوّل ما يسألني عنه ربّى أن يقول: قد علمت فما عملت فيما علمت؟» ) * «2» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إذا أعجبك حسن عمل امرىء فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ولا يستخفّنّك أحد» ) * «3» .
7-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «تعلّموا فمن علم فليعمل» ) * «4» .
8-* (عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ قال: قال لي عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟» . قال: قلت: لا. قال: «فإنّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى! هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد لنا، وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس؟ فقال أبي: لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنّا لنرجو ذلك، فقال أبي: لكنّي أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملناه بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس. فقلت: إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «5» .
9-* (عن ابن السّاعدىّ المالكيّ، أنّه قال:
«استعملني»
عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على الصّدقة. فلمّا فرغت منها، وأدّيتها إليه، أمر لي بعمالة «7» ، فقلت: إنّما عملت لله، وأجري على الله. فقال: خذ ما أعطيت فإنّي عملت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعمّلني «8» .
فقلت مثل قولك» . فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدّق» ) * «9» .
10-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي ولكن ما وقر في القلوب، وصدّقته الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردّه الله على قوله: ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل، وذلك بأنّ الله تعالى يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ 10)) * «10» .
11-* (وعنه أيضا: «يتوسّد المؤمن ما قدّم من عمله في قبره إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، فاغتنموا المبادرة رحمكم الله في المهلة» ) * «11» .
12-* (قال الزّهريّ- رحمه الله-: «لا يرضينّ النّاس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم) * «12» .
__________
(1) فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد (1/ 36) . وقال: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» وهو في «مشكاة المصابيح» كما في «الأدب المفرد» رقم (4) ص (15) بتخريج محمد فؤاد عبد الباقي.
(2) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (41) .
(3) البخاري- الفتح (13/ 512) .
(4) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (24) .
(5) البخاري- الفتح 7 (3915) .
(6) استعملني: أي جعلني عاملا على الصدقة، أي على أخذها وجمعها.
(7) بعمالة: أجرة عمل.
(8) فعملني: أي أعطاني عمالتي وأجرة عملي.
(9) مسلم (1045) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق» .
(10) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (43) .
(11) المرجع السابق (97) .
(12) المرجع السابق (25) .(7/3049)
13-* (كانت حفصة بنت سيرين تقول: يا معشر الشّباب، اعملوا فإنّما العمل في الشّباب) * «1»
14-* (قال مالك بن دينار- رحمه الله-:
«إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا» ) * «2» .
15-* (قال مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير: يا إخوتي، اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنّة، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل: ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل، نقول: قد عملنا فلم ينفعنا) * «3» .
16-* (قال يحيى بن معين:
وإذا افتقرت إلى الذّخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
) * «4» .
17-* (قال الفضيل: إنّما نزل القرآن ليعمل به، فاتّخذ النّاس قراءته عملا. قال: قيل: كيف العمل به؟
قال: أي ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه ويقفوا عند عجائبه) * «5» .
18-* (قال الفضيل بن عياض: لا يزال العالم جاهلا بما علم حتّى يعمل به، فإذا عمل به كان عالما) * «6» .
19-* (وقال: «إنّما يراد من العلم العمل والعلم دليل العمل) » * «7» .
20-* (وقال: «على النّاس أن يتعلّموا فإذا علموا فعليهم العمل» ) * «8» .
21-* (قال الخطيب البغداديّ- رحمه الله-:
«إنّي موصيك يا طالب العلم بإخلاص النّيّة في طلبه، وإجهاد النّفس على العمل بموجبه، فإنّ العلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعدّ عالما من لم يكن بعلمه عاملا» وقيل: العلم والد، والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرّواية مع الدّراية» ) * «9» .
22-* (وقال: لا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصّرا في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قلّ نصيبك منهما» ) * «10» .
23-* (قال أبو عبد الله الرّوذباريّ: «العلم موقوف على العمل، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله- عزّ وجلّ» ) * «11»
24-* (قال أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الأندلسيّ لنفسه:
إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأنّ جميع حياتي كساعه
__________
(1) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (109) .
(2) المرجع السابق (33) .
(3) المرجع السابق (95) .
(4) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (99) .
(5) المرجع السابق (76) .
(6) المرجع السابق (37) .
(7) المرجع السابق، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق، والصفحة نفسها
(9) المرجع السابق (14) .
(10) المرجع السابق، والصفحة نفسها.
(11) المرجع السابق (32) .(7/3050)
فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة؟
) * «1» .
25-* (قال بعض الحكماء: «العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحقّ جهلا به، أحبّ إليّ من أن أدعه زهدا فيه» ) * «2» .
26-* (قال إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع: «كنّا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به» ) * «3» .
27-* (قال محمّد بن أبي عليّ الأصبهانيّ لبعضهم:
اعمل بعلمك تغنم أيّها الرّجل ... لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
والعلم زين وتقوى الله زينته ... والمتّقون لهم في علمهم شغل
وحجّة الله ياذا العلم بالغة ... لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل
تعلّم العلم واعمل ما استطعت به ... لا يلهينّك عنه اللهو والجدل «4»
28-* (قال أبو الفضل الرّياشيّ:
ما من روى علما ولم يعمل به ... فيكفّ عن وتغ «5» الهوى بأديب
حتّى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب
ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب «6»
29-* (قال محمّد بن عبد الله بن أبان الهيثميّ:
إذا العلم لم تعمل به كان حجّة ... عليك ولم تعذر بما أنت حامل
فإن كنت قد أبصرت هذا فإنّما ... يصدّق قول المرء ما هو فاعل «7»
30-* (قال إبراهيم بن العبّاس الصّوليّ:
اعمل لدار غدا رضوان خازنها ... والجار أحمد والرّحمن بانيها
أرض لها ذهب والمسك طينتها ... والزّعفران حشيش نابت فيها «8»
من فوائد (العمل)
(1) يثمر خشية الله- عزّ وجلّ-.
(2) طريق موصل إلى محبّة الله ورضاه.
(3) يورث العفّة ويحفظ الكرامة.
(4) يهيّء المجتمع الصّالح والفرد الصّالح.
(5) سبب سعادة العبد في الدّارين.
(6) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(7) صون ماء وجه صاحبه من السّؤال.
__________
(1) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (107) .
(2) المرجع السابق (15) .
(3) المرجع السابق ((90) .
(4) المرجع السابق (38) .
(5) الوتغ: الفساد.
(6) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (63) .
(7) المرجع السابق (55) .
(8) الطرائف الأدبية للميمني (126) .(7/3051)
عيادة المريض
العيادة لغة:
مصدر قولهم: عاد المريض يعوده، وهو مأخوذ من مادّة (ع ود) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل تثنية فى الأمر والاخر جنس من الخشب، وإلى المعنى الأوّل ترجع عيادة المريض، يقول ابن فارس، فالمعنى الأوّل:
العود وهو تثنية الأمر عودا بعد بدء، نقول: بدأ ثمّ عاد، والعودة المرّة الواحدة، قال: ومن الباب العيادة، وهي أن تعود مريضا، والمعاد: كلّ شيء إليه المصير، والآخرة معاد النّاس «1» .
وقال الرّاغب: العود: الرّجوع إلى الشّيء بعد الانصراف عنه إمّا انصرافا بالذّات، أو بالقول والعزيمة، وإعادة الشّيء كالحديث وغيره: تكريره، والعادة اسم لتكرير الفعل والانفعال حتّى يصير ذلك سهلا تعاطيه، والعيد: ما يعاود مرّة بعد أخرى وخصّ في الشّريعة بيوم الفطر ويوم النّحر، ثمّ صار يستعمل في كلّ يوم فيه مسرّة، ومن العود (أيضا) : عيادة المريض «2» ، وقال ابن منظور: العود ثاني البدء، قال الشّاعر:
بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدا ... فإن عدتم أثنيت والعود أحمد
الآيات/ الأحاديث/ الاثار 12/ 22/ 13
يقال: عاد إليه يعود عودة وعودا: أي رجع.
وفي المثل: والعود أحمد (كما جاء في البيت السّابق) ، وقد عاد له بعد ما كان أعرض عنه، ويقال أيضا عاد إليه وعليه عودا وعيادا، وأعاده (هو) ، وقوله سبحانه اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (الروم/ 11) من ذلك واستعاده إيّاه: سأله إعادته، وتعوّد الشّيء، وعاده، وعاوده، معاودة وعوادا، أي صار عادة له، وقولهم:
عاد العليل (المريض) يعوده عودا وعيادة وعيادا زاره.
قال أبو ذؤيب:
ألا ليت شعري، هل تنظّر خالد ... عيادي على الهجران، أم هو يائس
قال ابن جنّي: يجوز أن يكون أراد عيادتي (والوصف من ذلك) رجل عائد من قوم عود وعوّاد، ورجل معود، ونسوة عوائد وعوّد وهنّ اللّاتي يعدن المريض، الواحدة: عائدة، يقال هؤلاء عود فلان وعوّاده مثل زوره وزوّاره، وهم الّذين يعودونه إذا اعتلّ «3» ، وجاء فى حديث فاطمة بنت قيس: «أنّها امرأة يكثر عوّادها» قال ابن الأثير أي زوّارها، وكلّ من أتاك مرّة بعد أخرى فهو عائد، وإن اشتهر ذلك في عيادة المريض حتّى صار كأنّه مختصّ به «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة 4/ 180.
(2) المفردات للراغب ص 525 بتصرف واختصار.
(3) لسان العرب 3/ 319.
(4) النهاية لابن الأثير (3/ 317) .(7/3052)
المريض لغة:
لفظ مريض في اللّغة هو الوصف من قولهم «مرض فلان» أي أصابه المرض، يقال مرض فلان وأمرضه الله، والمرض: السّقم (نقيض الصّحّة) وأصله النّقصان أو الضّعف. يقال: بدن مريض أي ناقص القوّة، وقلب مريض: ناقص الدّين «1» ، والتّمارض أن يري من نفسه المرض وليس به «2» ، وقال الفيروز اباديّ:
المرض: إظلام الطّبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها، يقال: مرض فهو مرض ومارض ومريض والجمع مراض ومرضى ومراضى، والمرض (بالسّكون) للقلب خاصّة، والمرض بالتّحريك (أي بفتح الميم والرّاء) : الشكّ والنّفاق، والفتور والظّلمة والنّقصان»
، وتأتي صيغة أفعل من ذلك، متعدّية ولازمة، فإن كانت متعدّية كان المعنى هو الجعل أي التّعدية أو مصادفة الشّيء على صفة، ومن ثمّ يكون معنى أمرضه: إمّا جعله مريضا أو صادفه مريضا، والفيصل في تحديد أيّ المعنيين هو السّياق، أمّا إذا كان الفعل لازما، فإنّ معناه: إمّا الصّيرورة كما في قولهم أمرض فلان أي صار ذا مرض «4» ، وقد تفيد الصّيغة معنى الإزالة ومن ثمّ يكون أمرض بمعنى أزال المرض (والمرض هنا بمعنى الشّك) ، وقد فسّر اللّغويّون هذه الصّيغة بلازم معناها فقالوا: وتأتي أمرض بمعنى قارب الإصابة في رأيه وذلك أنّ من أزال الشّكّ عن رأيه فقد قارب أن يكون مصيبا «5» ، وقد استدلّوا على هذا المعنى الأخير بقول الشّاعر:
ولكن تحت هذا الشّيب حزم ... إذا ما ظنّ أمرض أو أصابا «6» .
وقولهم: أمرض الرّجل يعني: وقع في ماله العاهة. وقولهم: مرّض فلان فلانا، معناه: أقام عليه في مرضه، وداواه ليزول عنه المرض «7» ، وقيل التّمريض:
حسن القيام على المريض، وتمريض الأمور: توهينها وعدم إحكامها، وقيل: التّضجيع فيها «8» .
وقولهم: رأي مريض، أي فيه انحراف عن الصّواب، قال أبو إسحاق (الزّجّاج) ، يقال المرض والسّقم في البدن والدّين جميعا، كما يقال الصّحّة في
__________
(1) الصحاح (3/ 1106) .
(2) هذه المعاني قد يستعمل فيها أيضا لفظ المرض بالتسكين، قال صاحب القاموس: والمرض بالتحريك أو كلاهما ثم ذكر هذه المعاني. انظر: القاموس (843) ط. بيروت.
(3) ذكر ذلك في اللسان عن ابن الأعرابي، انظر: لسان العرب (7/ 232) ، وقال الفيروز ابادي في البصائر (4/ 492) وأصل المرض الضّعف، قال: وكلّ من مرض فقد ضعف.
(4) نظير ذلك قولهم: أورق الشجر أي صار ذا ورق.
(5) انظر في هذا المعنى في الصحاح (3/ 1106) ؛ والقاموس ص 843؛ ولسان العرب (7/ 232) ، وأصل ذلك من قولهم: رأي مريض: بعيد عن الصواب. وأمرض أزال هذا البعد.
(6) الصحاح؛ ولسان العرب في الموضعين السابقين. وقد ذكر الفيروز ابادي هذا المعنى ولم يذكر الشاهد.
(7) يشير اللغويون بذلك إلى أنّ صيغة فعّل تفيد الإزالة أي إن مرّضه تعني أزال مرضه.
(8) الصحاح (3/ 1106) ، ولسان العرب (7/ 233) .(7/3053)
البدن والدّين جميعا، والمرض في القلب يصلح لكلّ ما خرج به الإنسان عن الصّحّة في الدّين «1» ، وفي حديث عمرو بن معديكرب «هم شفاء أمراضنا» قال ابن الأثير: أي يأخذون بثأرنا، كأنّهم يشفون مرض القلوب، لا مرض الأجسام «2» .
أنواع المرض:
قال الفيروز اباديّ: المرض يكون جسمانيّا ويكون نفسانيّا.
أمّا الجسمانيّ: فمنه قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ (البقرة/ 184) ، وقوله سبحانه: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (النور/ 61) .
وأمّا النّفسانيّ: فهو عبارة عن الجهل والظّلم والسّجايا الخبيثة كما في قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً (البقرة/ 10) «3» .
وقد عبّر بعضهم عن المرض النّفسانيّ بلفظ الرّوحانيّ وقال: هو: عبارة عن الرّذائل كجهل وجبن أو بخل ونفاق وغيرها، سمّيت به لمنعها عن إدراك الفضائل كمنع المرض للبدن عن التّصرّف الكامل، أو لمنعها عن تحصيل الحياة الاخرويّة، أو لميل النّفس به (أي بالمرض الرّوحانيّ) إلى الاعتقادات الرّديئة كما يميل المريض إلى الأشياء المضرّة «4» .
لفظ المرض في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر أهل التّفسير أنّ المرض في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:
أحدها: مرض البدن، ومنه قوله تعالى في البقرة فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ (آية/ 196) .
والثّاني: الشّكّ، ومنه قوله تعالى في براءة (التّوبة) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ (آية/ 125) .
والثّالث: الفجور، ومنه قوله تعالى في الأحزاب فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (الاية/ 32) «5» .
قال ابن الجوزيّ: وأضاف بعضهم وجها رابعا فقال: المرض الجراح كما في قوله تعالى في النّساء وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ (الاية/ 43) ، وألحقه بعضهم بالقسم الأوّل لأنّ الجراح من جملة الأمراض «6» .
عيادة المريض اصطلاحا:
العيادة في الاصطلاح: هي الزّيارة والافتقاد (أي التّفقّد) ، أمّا المريض: فهو من اتّصف بالمرض «7» .
أمّا المرض اصطلاحا فقد وردت فيه أقوال عديدة منها:
1- قال الجرجانيّ: المرض هو ما يعرض للبدن
__________
(1) لسان العرب (7/ 232) ط. بيروت.
(2) النهاية (4/ 319) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 492) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (303) .
(5) قال في البصائر (4/ 492) فسّر المرض هنا بالفجور وبالظّلمة وبالزّنا.
(6) نزهة الأعين النواظر (545- 546) .
(7) غذاء الألباب (2/ 3) ، وسمّيت بذلك لتكرير الناس لها.(7/3054)
فيخرجه عن الاعتدال الخاصّ «1» .
2- وقال المناويّ: المرض: ضعف في القوى يترتّب عليه خلل في الأفعال «2» .
3- وقال ابن الجوزيّ: المرض: إحساس بالمنافي، والصّحّة إحساس بالملائم. وقيل: هو فساد يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال والصّحّة «3» .
4- وقال السّفّارينيّ الحنبليّ: المرض: حالة خارجة عن الطّبع، ضارّة بالفعل، قال: ويعلم من هذا أنّ الالام والأورام (ونحو ذلك) أعراض عن المرض «4» .
ونخلص من جملة ما سبق إلى أنّ عيادة المريض تعني في الاصطلاح: أن يزور المرء أخاه ويتفقّده إذا أصابته علّة أو ضعف يخرج به جسمه عن حدّ الاعتدال والصّحّة.
وقال ابن حجر: ويلتحق بعيادة المريض تعهّده وتفقّد أحواله والتّلطّف به، وربّما كان ذلك- في العادة- سببا لوجود نشاطه وانتعاش قوّته «5» .
حكم عيادة المريض:
قال صاحب الاداب الشّرعيّة: تستحبّ عيادة المريض «6» ، ونقل السّفّارينيّ عن ابن حمدان أنّها فرض كفاية، ونقل عن شيخ الإسلام (لعلّه ابن تيميّة) - رحمه الله- قوله: الّذي يقتضيه النّصّ وجوب ذلك، قال: والمراد مرّة (واحدة) ، وقال أبو حفص العكبريّ:
السّنّة مرّة وما زاد فنافلة «7» ، ويؤخذ من ذلك أنّ العيادة سنّة وليست فرضا، في المرّة الأولى وأنما فوق ذلك نفل، أمّا دليل من أوجب ذلك فقوله صلّى الله عليه وسلّم:
«خمس تجب للمسلم على أخيه ... » وذكر منها: عيادة المريض «8» .
قال السّفّارينيّ: ومن قال بعدم الوجوب أجاب بأنّ هذا الحديث محمول على مزيد التّرغيب في عيادة المريض والاعتناء بها والاهتمام بشأنها «9» .
وقد ترجم الإمام أبو عبد الله البخاريّ للباب بقوله: باب وجوب عيادة المريض «10» ، قال ابن حجر:
«جزم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة، قال ابن بطّال: يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية، كإطعام الجائع وفكّ الأسير، ويحتمل أن يكون للنّدب، للحثّ على التّواصل والألفة، وجزم الدّاوديّ بالأوّل (أي الاحتمال) فقال: هي فرض يحمله بعض النّاس عن بعض، وقال الجمهور هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حقّ بعض دون بعض، وعن الطّبريّ أنّها تتأكّد في حقّ من ترجى بركته، وتسنّ فيمن يراعى حاله، وتباح في غير ذلك.
__________
(1) التعريفات للجرجاني (22) ، وبصائر ذوي التمييز (4/ 492) ، وعبارته: خروج الطبع من حدّ الاعتدال.
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (302) .
(3) نزهة الأعين النواظر (544) .
(4) غذاء الألباب (2/ 3) .
(5) فتح الباري (10/ 118) .
(6) الاداب الشرعية لابن ملفح (2/ 200) .
(7) غذاء الألباب (2/ 3) .
(8) ورد الحديث في مسلم (2162) ؛ وانظر أدلة أخرى في المرجع السابق (7) .
(9) غذاء الألباب (2/ 7) .
(10) انظر هذه الترجمة في فتح الباري (10/ 117) .(7/3055)
ونقل النّوويّ: الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان «1» » «2» .
من يعاد من المرضى؟
جاء في صحيح البخاريّ: «وعودوا المريض ... » «3» . وقد استدلّ بذلك على مشروعيّة العيادة في كلّ مريض رجلا كان أو امرأة أو طفلا، مسلما أو كافرا أيّا كان مرضه. قال ابن حجر: واستثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى ما لا يراه هو، قال: وهذا الأمر خارجيّ قد يأتي مثله في بقيّة الأمراض كالمغمى عليه، وقد جاء فى عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم: «عادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من وجع كان بعيني» «4» ، وفى ذلك ردّ على من زعم أنّه لا يعاد منه، وثبوت العيادة فيه يدلّ على ثبوتها فيما هو أشدّ منه «5» ، وقال السّفّارينيّ: تستحبّ العيادة ولو من وجع ضرس أو رمد أو دمّل، وقال بعضهم:
هؤلاء الثّلاثة لا يعادون ولا يسمّون مرضى «6» والصّواب خلاف ذلك لضعف ما احتجّ به من قال بذلك وقد اختلف العلماء أيضا في مشروعيّة عيادة المشرك أو المجوسيّ أو الذّمّيّ من ناحية، وعيادة الفاسق أو المبتدع من ناحية ثانية، فأمّا عيادة المشرك والذّمّيّ فقال بعض العلماء: هي جائزة لأنّها نوع برّ في حقّهم وما نهينا عن ذلك «7» . وقال الجيلانيّ: تشرع عيادة المشرك أو الذّمّيّ إذا رجي مصلحته أو دخوله في الإسلام، فأمّا إذا لم يطمع في ذلك فلا «8» . وذهب فريق ثالث إلى تحريم ذلك «9» . والصّواب- كما قال ابن حجر- أنّ ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى، وقال الماورديّ: عيادة الذّمّيّ جائزة والقربة موقوفة على ما يقترن بها (أي بالعيادة) من جوار أو قرابة، والدّليل على ذلك ما رواه أنس عن عيادة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم 1»
لليهوديّ «11» . وأنّه عاد عمّه أبا طالب وهو مشرك «12» . أمّا عيادة الفاسق أو المبتدع ومن على شاكلتهما فقال السّفّارينيّ: تحرم
__________
(1) قوله «على الأعيان» أي على أنها فرض عين تجب على الجميع وإلّا فكونها فرض كفاية تجب على بعض دون بعض قد قال به كثير من الفقهاء.
(2) فتح الباري (10/ 117) .
(3) انظر الحديث رقم (1) .
(4) فتح الباري (10/ 118) ، وعبارته في الأدب المفرد «رمدت عيني، فعادني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ، انظر الحديث بتمامه مشروحا في فضل الله الصمد (1/ 628- 629) .
(5) فضل الله الصمد 1/ 629؛ وانظر أيضا زاد المعاد (1/ 497) .
(6) احتج من قال بعدم مشروعية عيادة هؤلاء بما روي عن أبي هريرة- مرفوعا-: «ثلاثة لا يعاد صاحبهن: الرمد والضرس والدّمّل» ، وقد ذكر ابن الجوزي أن هذا موضوع، وقال السيوطي: ضعيف.
(7) انظر هذا الرأي في فضل الله الصمد (1/ 217) .
(8) السابق، نفس الصفحة.
(9) غذاء الألباب (2/ 8) .
(10) فتح الباري (10/ 125) .
(11) انظر الحديث رقم (20) .
(12) زاد المعاد (1/ 494) .(7/3056)
العيادة «1» . وقال الجيلانيّ: الصّحيح الجواز لأنّه مسلم، والعيادة من حقوق المسلمين، وهذا غير حكم المخالطة «2» .
أمّا ما رواه أبو داود عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نهيه عن عيادة مجوس هذه الأمّة، أو ما رواه عن حذيفة- رضي الله عنه- من قوله عليه الصّلاة والسّلام: « ... مجوس هذه الأمّة الّذين يقولون: لا قدر،.. من مرض منهم فلا تعودوهم ... الأثر» «3» ، فذلك محمول على أنّه يخشى على العائد من فساد عقيدة هؤلاء، ومن على شاكلتهم من عوّادهم، وعلى هذا يتأوّل أيضا ما رواه البخاريّ في الأدب المفرد عن عبد الله بن عمرو بن العاص من قوله: «لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا» «4» . ذلك أنّ مجالسهم- ما لم يتوبوا- مظنّة لإفساد مجالسيهم، ومن هنا يكون النّهي متوخّيا إلى درء مفسدة هؤلاء، ولو كان النّفاق أو الفسق ممّا يمنع العيادة لما عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن أبيّ- زعيم المنافقين- في مرضه الّذي مات فيه «5» .
آداب عيادة المريض:
لعيادة المريض آداب عديدة ينبغي أن تراعى عند زيارته منها:
1- أن يلتزم بالاداب العامّة للزّيارة كأن يدقّ الباب برفق، وألّا يبهم نفسه، وأن يغضّ بصره، وألّا يقابل الباب عند الاستئذان «6» .
2- أن تكون العيادة في وقت ملائم، فلا تكون في وقت الظّهيرة صيفا ولا فى شهر رمضان نهارا، وإنّما تستحبّ بكرة وعشيّة وفي رمضان ليلا «7» .
3- أن تكون العيادة بعد ثلاثة أيّام من المرض «8» ، وقيل: تستحبّ من أوّل المرض «9» ، ورأي الجمهور، عدم التّقيّد بزمن، كما قال الإمام ابن حجر «10» .
4- أن يدنو العائد من المريض ويجلس عند رأسه ويضع يده على جبهته ويسأله عن حاله وعمّا يشتهيه «11» .
5- أن تكون الزّيارة غبّا أي يوما بعد يوم، وربّما اختلف الأمر باختلاف الأحوال سواء بالنّسبة
__________
(1) غذاء الألباب (2/ 8) .
(2) فضل الله الصمد (1/ 626) .
(3) انظر الأثرين رقم (3) ورقم (4) .
(4) انظر الأثر رقم (5) .
(5) انظر الحديث رقم (22) .
(6) بتصرف واختصار عن فتح الباري (10/ 131) ؛ وإحياء علوم الدين (2/ 209) .
(7) غذاء الألباب للسفاريني (2/ 8) ، والاداب الشرعية لابن مفلح (2/ 200) .
(8) إحياء علوم الدين (2/ 210) .
(9) ذكر السفاريني في غذاء الألباب (2/ 8) احتجاج العلماء لكل الرأين.
(10) فتح الباري (10/ 118) .
(11) زاد المعاد (1/ 494) .(7/3057)
للعائد أو للمريض «1» . فإذا استدعت حالة المريض زيارته يوميّا فلا بأس بذلك خاصّة إذا كان يرتاح لذلك ويهشّ له.
6- ينبغي للعائد ألّا يطيل الجلوس حتّى يضجر المريض، أو يشقّ على أهله، فإذا اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس «2» .
7- ألّا يكثر العائد من سؤال المريض، لأنّ ذلك يثقل عليه ويضجره «3» .
8- من آداب العيادة أن يدعو العائد للمريض بالعافية والصّلاح، وقد وردت في ذلك أدعية عديدة منها: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك (سبع مرّات) وأن يقرأ عنده بالفاتحة والمعوّذتين والإخلاص «4» .
9- ألّا يتكلّم العائد أمام المريض بما يقلقه ويزعجه وأن يظهر له من الرّقّة واللّطف ما يطيّب به خاطره «5» .
10- أن يوسّع العائد للمريض في الأمل، ويشير عليه بالصّبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذّره من اليأس ومن الجزع لما فيهما من الوزر «6» .
11- ألّا يكثر عوّاد المريض من اللّغط والاختلاف بحضرته لما في ذلك من إزعاجه وله في هذه الحالة أن يطلب منهم الانصراف.
12- يسنّ لمن عاد مريضا أن يسأله الدّعاء له «7» .
13- يسنّ للعائد الوضوء قبل العيادة لما في ذلك من النّظافة «8» .
[للاستزادة: انظر صفات: الألفة- تكريم الإنسان- التودد- الرحمة- المروءة- المحبة- الحنان- العطف- الرأفة- المواساة- البشاشة- الإخاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإهمال- الجفاء- القسوة- الإعراض- التفريط والإفراط- الكسل- التهاون- الغافلة] .
__________
(1) غذاء الألباب (2/ 8) ، وقد أورد قول الناظم:
فمنهم مغبّا عده خفّف ومنهم ال ... لذي يوثر التّطويل من متورّد
(2) فتح الباري (10/ 118) ، وإحياء علوم الدين (2/ 209) .
(3) غذاء الألباب (2/ 12) (بتصرف) قال في منظومة الاداب: « ... ولا تكثر سؤالا تنكدّ» .
(4) انظر في هذه الأدعية وغيرها: زاد المعاد (1/ 494- 495) ، وغذاء الألباب.
(5) جعل الغزالي في الإحياء (2/ 209) إظهار الرّقّة من آداب الزيارة.
(6) فتح الباري (10/ 131- 132) .
(7) انظر غذاء الألباب (2/ 12) حيث ذكر في ذلك مجموعة من الأحاديث يقوي بعضها بعضا.
(8) انظر الحديث رقم (19) .(7/3058)
الآيات الواردة في «عيادة المريض» معنى
* 1- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «1»
2- رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
* عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) «2»
الآيات الواردة في «التخفيف عن المرضى والرفق بهم»
أولا: في الصيام:
3- أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «3»
__________
* لم ترد عيادة المريض نصا في القرآن الكريم بيد أنه قد وردت آيات كريمة تحث المسلمين على التراحم فيما بينهم ولا شك أن في عيادة المريض نوعا من التراحم ومن ثمّ تدخل العيادة في مفهوم الاية الكريمة، وفيما يتعلّق بعيادة غير المسلم فقد حثّت آي الذكر الحكيم على أن نبرهم والعيادة نوع من أنواع البر كما قال الجيلاني في فضل الله الصمد 1/ 117.
(1) الفتح: 29 مدنية
(2) الممتحنة: 5- 8 مدنية
(3) البقرة: 184- 185 مدنية(7/3059)
ثانيا: في الحج:
4- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «1»
ثالثا: في الصلاة:
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «2»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) «3»
رابعا: في الجهاد:
7- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) «4»
8- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «5»
__________
(1) البقرة: 196 مدنية
(2) النساء: 43 مدنية
(3) المائدة: 6 مدنية
(4) النساء: 102 مدنية
(5) التوبة: 91 مدنية(7/3060)
خامسا: في قراءة القرآن:
9-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «1»
سادسا: دفع الحرج عنهم:
10- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا
دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(61) »
11- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) «3»
سابعا: الشافي هو الله:
12- الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) «4»
__________
(1) المزمل: 20 مكية
(2) النور: 61 مكية
(3) الفتح: 17 مدنية
(4) الشعراء: 78- 82 مكية(7/3061)
الأحاديث الواردة في (عيادة المريض)
أولا: الحث على عيادة المريض:
1-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكّوا العاني» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز تذكّركم الآخرة» ) * «2» .
3-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الدّاعي، وردّ السّلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم. ونهانا عن سبع: عن خاتم الذّهب- أو قال حلقة الذّهب- وعن لبس الحرير، والدّيباج، والسّندس، والمياثر» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس تجب للمسلم على أخيه:
ردّ السّلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدّعوة، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز» .
وفي رواية أخرى ذكر الحقوق ستّا، فيها: «وإذا استنصحك فانصح له ... » ) * «4» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال يا ربّ، كيف أعودك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أنّ عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنّك لو عدته لوجدتني عنده؟. يا بن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال يا ربّ، وكيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟! قال: أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟. يابن آدم، استسقيتك فلم تسقني، قال يا ربّ، كيف أسقيك وأنت ربّ العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنّك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟» ) * «5» .
6-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له: «إنّا- والله- قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5649) ؛ وأحمد (4/ 394) ؛ وأبو داود (3105) بلفظ البخاري: قال سفيان: والعاني: الأسير، ومالك (القبس في شرح موطأ الإمام مالك بن أنس) (1113) .
(2) أحمد (3/ 48) . والبيهقي في كتاب الجنائز (3/ 379) وإسناده صحيح، وصححه الشيخ أحمد شاكر (1197) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6222) ، وأحمد (4/ 284، 299) .
(4) مسلم (2162) .
(5) مسلم (2569) .
(6) أحمد (1/ 70) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 378) برقم (504) إسناده صحيح.(7/3062)
ثانيا: آداب العيادة:
7-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضرتم المريض، أو الميّت، فقولوا خيرا، فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» قالت: فلمّا مات أبو سلمة أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت:
يا رسول الله، إنّ أبا سلمة قد مات، قال: قولي: اللهمّ اغفر لي وله، وأعقبني «1» منه عقبى حسنة» قالت:
فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه، محمّدا صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أتى مريضا أو أتي به إليه قال عليه الصّلاة والسّلام: «أذهب الباس، ربّ النّاس اشف وأنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» ) * «3» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات، وينفث، فلمّا اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها) * «4» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى الإنسان الشّيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإصبعه هكذا.
ووضع سفيان سبّابته بالأرض ثمّ رفعها «باسم الله.
تربة أرضنا «5» ، بريقة «6» بعضنا، ليشفى به سقيمنا، بإذن ربّنا» قال ابن أبي شيبة «يشفى» وقال زهير «ليشفى سقيمنا» وفى رواية الإمام أحمد «كان يقول في المريض» ) * «7» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرّات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك، إلّا عوفي» ) * «8» .
12-* (عن ابن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاء الرّجل يعود مريضا
__________
(1) أعقبني: من الإعقاب، أي بدلني وعوضني.
(2) مسلم (919) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5675) ؛ ومسلم (2191) .
(4) مسلم (2192) .
(5) أرضنا: قيل: جملة الأرض، وقيل: أرض المدينة خاصّة لبركتها.
(6) الريقة: أقل الريق. ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل ويقول هذا الكلام في حال المسح.
(7) مسلم (2194) واللفظ له؛ والبخاري- الفتح 10 (5746) ، وأحمد (6/ 93) .
(8) أبو داود (3106) ؛ أحمد (1/ 239) (واللفظ له) ؛ وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 13) برقم (2137) : إسناده صحيح. ويزيد أبو خالد ثقة، ضعفه بعضهم بغير حجة، قال ابن معين والنسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. والترغيب والترهيب (4/ 164) وقال المنذري: رواه أبو داود والترمذي وحسّنه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري.(7/3063)
فليقل: اللهمّ اشف عبدك ينكأ «1» لك عدوّا، أو يمشي لك إلى جنازة» قال أبو داود: وقال ابن السّرح:
إلى صلاة) * «2» .
ثالثا: ثواب العائد:
13-* ((عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من عاد مريضا لم يزل في خرفة «3» الجنّة» قيل يا رسول الله: وما خرفة الجنّة؟ قال:
«جناها» ) * «4» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح اليوم منكم صائما؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من عاد منكم اليوم مريضا؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من شهد منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «من أطعم منكم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمعن في رجل إلّا دخل الجنّة» ) * «5» .
15-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة «6» إلّا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يمسي، وإن عاده عشيّة إلّا صلّى عليه سبعون ألف ملك حتّى يصبح، وكان له خريف «7» في الجنّة» ) * «8» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عاد مريضا نادى مناد من السّماء: طبت «9» وطاب ممشاك «10» ، وتبوّأت من الجنّة منزلا» ) * «11» .
17-* (عن هارون بن أبي داود قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: يا أبا حمزة، إنّ المكان بعيد، ونحن يعجبنا أن نعودك، فرفع رأسه فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أيّما رجل يعود مريضا فإنّما يخوض في الرّحمة، فإذا قعد عند المريض غمرته الرّحمة» . قال: فقلت يا رسول الله، هذا للصّحيح الّذي يعود المريض، فالمريض ماله؟ قال: «تحطّ عنه ذنوبه» ) * «12» .
__________
(1) ينكأ: أي يؤلم ويوجع.
(2) أبو داود (3107) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 628) : إسناده حسن، وصححه الحاكم (1/ 344، 549) ووافقه الذهبي.
(3) خرفة الجنة: الخرفة اسم ما يخترف من النخل حتى يدرك.
(4) مسلم (2568) .
(5) مسلم (1028) في الزكاة وفي فضائل أبي بكر- رضي الله عنه-.
(6) غدوة: هي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، والعشية: آخر النهار.
(7) الخريف: الثمر المخروف أي المجتنى.
(8) الترمذي (969) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب؛ وأبو داود برقم (3098) موقوفا على علي- رضي الله عنه-.
(9) طبت: قال الطيبيّ: هو دعاء له بأن يطيب عيشة في الدنيا.
(10) طاب ممشاك: طيب الممشى كناية عن سيره وسلوك طريق الآخرة.
(11) الترمذي برقم (2009) وقال: حسن غريب، وابن ماجة برقم (1443) ،. وفي سنده سنان (اسمه عيسى بن سنان) ، والحديث أورده السيوطي في الجامع وحسن إسناده الشيخ الألباني رقم (6163) . وانظر جامع الأصول (9/ 534) .
(12) أحمد (3/ 174) . ورجاله ثقات وللحديث طريق أخرى عند الطبراني في الصغير والأوسط كما ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 297) وينظر تعجيل المنفعة (280، 284) .(7/3064)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (عيادة المريض)
18-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ غلاما ليهود كان يخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمرض، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقال: «أسلم» فأسلم) *.
وفي رواية عن أنس- رضي الله عنه- أنّ غلاما من اليهود كان مرض، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له (أبوه) : أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أنقذه بي من النّار» ) * «1» .
19-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعود عبد الله بن أبيّ في مرضه الّذي مات فيه، فلمّا دخل عليه عرف فيه الموت، قال: «قد كنت أنهاك عن حبّ يهود» قال: فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمه؟ فلمّا مات أتاه ابنه فقال:
يا رسول الله، إنّ عبد الله بن أبيّ قد مات فأعطني قميصك أكفّنه فيه، فنزع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قميصه فأعطاه إيّاه» ) * «2» .
20-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
عادني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا أعقل، فدعا بماء فتوضّأ منه، ثمّ رشّ عليّ فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ» ) * «3» .
21-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على أعرابيّ يعوده، قال: وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل على مريض يعوده قال له: «لا بأس، طهور إن شاء الله» . قال: قلت: طهور كلّا، بل هي حمّى تفور- أو تثور- على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فنعم إذا»
» ) * «5» .
22-* (عن سعد- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعودني وأنا مريض بمكّة، فقلت: لي مال، أوصي بمالي كلّه؟ قال: «لا» . قلت: فالشّطر؟ قال:
«لا» . قلت: فالثّلث؟ قال: «الثّلث، والثّلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5657) .
(2) أبو داود (3094) . قال الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح أبي داود: ضعيف الإسناد ولكن قصة القميص صحيحة.
(3) البخاري- الفتح 8 (4577) واللفظ له. وقريب منه البخاري- الفتح 1 (194) وفيه (فنزلت آية الفرائض) ؛ وإن كان ابن حجر في الحديث الثاني قال: إن المراد باية الفرائض هنا قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ، ومسلم (1616) .
(4) فنعم إذا: الفاء فيه معقبة لمحذوف تقديره: إذا أبيت فنعم، أي كان كما ظننت. قيل: ويحتمل أن يكون ذلك دعاء عليه، ويحتمل أن يكون خبرا عما يئول إليه أمره. وقيل: يحتمل أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى طهرة لذنوبه. ويحتمل أن يكون أعلم بذلك.
(5) البخاري- الفتح 10 (5656) ، (5662) .(7/3065)
النّاس في أيديهم. ومهما أنفقت فهو لك صدقة، حتّى اللّقمة ترفعها في في امرأتك، ولعلّ الله يرفعك، ينتفع بك ناس ويضرّ بك آخرون» .
وفي رواية أخرى بعد قوله «والثّلث كثير» : ثمّ وضع يده على جبهته، ثمّ مسح يده على وجهي وبطني، ثمّ قال: «اللهمّ اشف سعدا، وأتمم له هجرته» . فما زلت أجد برده على كبدي فيما يخال إليّ حتّى السّاعة) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (عيادة المريض)
1-* (مرض قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنهما- مرّة، فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم، فقالوا: إنّهم كانوا يستحيون ممّا لك عليهم من الدّين. فقال أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزّيارة.
ثمّ أمر مناديا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو منه في حلّ. فما أمسى حتّى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده) * «2» .
2-* (عن مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله ابن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال: ألا تدعو الله لي يا ابن عمر؟ قال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول «3» » وكنت على البصرة «4» ) * «5» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «القدريّة مجوس هذه الأمّة: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» ) * «6» .
4-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
لكلّ أمّة مجوس، ومجوس هذه الأمّة الّذين يقولون لا قدر، من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدّجّال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدّجّال) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5354) ، 10 (5659) ، ومسلم (1628) .
(2) مدارج السالكين (2/ 304) .
(3) غلول: الغلول: الخيانة، وأصله: السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة.
(4) وكنت على البصرة: معناه إنك لست بسالم من الغلول، فقد كنت واليا على البصرة، وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته، كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلّا من متصون. والظاهر- والله أعلم- أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثّه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات. ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي صلّى الله عليه وسلّم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة.
(5) مسلم (226) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «لا تقبل صلاة بغير طهور ... » .
(6) سنن أبي داود 4 (4691) .
(7) المرجع السابق 4 (4692) .(7/3066)
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لا تعودوا شرّاب الخمر إذا مرضوا) * «1» .
6-* (قال المهلّب: لا نقص على الإمام في عيادة مريض من رعيّته ولو كان أعرابيّا جافيا، ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلّمه ويذكّره بما ينفعه، ويأمره بالصّبر لئلّا يتسخّط قدر الله فيسخط عليه، ويسلّيه عن ألمه، بل يغبطه بسقمه، إلى غير ذلك من جبر خاطره وخاطر أهله) * «2» .
7-* (قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله «3» : فلان مريض، وكان عند ارتفاع النّهار في الصّيف، فقال:
ليس هذا وقت عيادة) * «4» .
8-* (قال المرّوذيّ: عدت مع أبي عبد الله مريضا في اللّيل وكان في شهر رمضان ثمّ قال لي: في شهر رمضان يعاد (المريض) في اللّيل) * «5» .
9-* (قال الأعمش: كنّا نقعد في المجلس فإذا فقدنا الرّجل ثلاثة أيّام سألنا عنه فإن كان مريضا عدناه) * «6» .
10-* (قال الغزاليّ: ومنها (أي من حقوق المسلم على المسلم) : أن يعود مرضاهم..، وأدب العائد خفّة الجلسة، وقلّة السّؤال، وإظهار الرّقّة، والدّعاء بالعافية، وغضّ البصر عن عورات الموضع، وعند الاستئذان لا يقابل الباب، ويدقّ برفق، ولا يقول: أنا، إذا قيل له: من؟، ولا يقول: يا غلام، ولكن يحمّد ويسبّح) * «7» .
11-* (قال الشّافعيّ- رضي الله عنه-:
مرض الحبيب فعدته ... فمرضت من حذري عليه
فأتى الحبيب يعودني ... فشفيت من نظري إليه
) * «8» .
12-* (ذكر ابن الصّيرفيّ الحرّانيّ في نوادره قول بعض الشّعراء:
لا تضجرنّ عليلا في مساءلة ... إنّ العيادة يوم بين يومين
بل سله عن حاله وادع الإله له ... واجلس بقدر فواق بين حلبين
من زار غبّا أخا دامت مودّته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين
) * «9» .
__________
(1) فضل الله الصمد 1 (529) (ص 626) .
(2) الفتح (10/ 124) وهو استنباط من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين عاد أعرابيا. والحديث في المثل التطبيقي برقم (21) .
(3) أبو عبد الله: هو أحمد بن حنبل.
(4) فتح الباري (10/ 118) ، والاداب الشرعية لابن مفلح (2/ 200) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، قال السّفّاريني: لأنه ربّما رأى من المريض ما يضعفه ولأنه أرفق بالعائد (غذاء الألباب 2/ 8) .
(6) غذاء الألباب (2/ 8) .
(7) إحياء علوم الدين (2/ 206) .
(8) الاداب الشرعية لابن مفلح (2/ 200) .
(9) غذاء الألباب (2/ 10) .(7/3067)
13-* (قال الأستاذ خالد محمّد خالد: إنّ هذا المريض يغالب العلّة وتغالبه، ويصارع السّقم ويصارعه، وهو أكثر النّاس حاجة إلى كلّ ما تستطيعه العلاقات الإنسانيّة من سلوى، وعون، وبثّ للعزيمة والأمل والطّمأنينة والسّرور.
هناك عند كلّ مريض تجد باقة من الزّهر النّديّ العطر، مهداة من الرّسول الّذي أرسله الله رحمة للعالمين. ومن زهراته الطّيّبات: قوله «من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنّة حتّى يرجع ... الحديث» . ويخبرنا صلّى الله عليه وسلّم بما لعيادة المريض من جلال وخطر حين يقول لنا:
«إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضت فلم تعدني ... الحديث» أيّة صورة من صور الحثّ والتّكريم تفوق الصّورة أو حتّى تضاهيها؟ وأنّى للعلاقات الإنسانيّة أن تجد لها ضميرا كهذا الّذي تجده في كلمات الرّسول؟) * «1» .
من فوائد (عيادة المريض)
(1) في عيادة المريض إرضاء للمولى عزّ وجلّ وتمتّع بمعيّته طيلة مدّة العيادة.
(2) في عيادة المريض تذكير بالآخرة، وترقيق للقلب.
(3) عائد المريض تصلّي عليه الملائكة وتستغفر له إلى ثاني أيّام العيادة.
(4) في العيادة اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم واتّباع لأمره واقتداء بهديه.
(5) في العيادة رجاء شفاء المريض ببركة دعاء العائد له.
(6) في عيادة المريض تحقيق للتّواصل بين المسلمين وتحقيق للألفة بينهم.
(7) في عيادة المريض جبر لخاطر أهله وإشاعة روح المحبّة بين النّاس.
(8) في عيادة المريض رجاء بركة دعاء المريض للعائد فإنّه ممّن تجاب دعوتهم.
(9) في عيادة المريض تطييب لخاطره ورفع لروحه المعنويّة ممّا يعجّل له بالشّفاء.
(10) في عيادة المريض ما يجعل العائد كأنّه في خرفة الجنّة يريح شذاها رضى وحبورا.
(11) عيادة المريض تبشّر صاحبها بدخول الجنّة وخاصّة إذا كان العائد ممّن يشيّع الجنائز ويطعم المساكين.
__________
(1) كما تحدّث الرسول (2/ 207- 209) .(7/3068)
(12) عائد المريض تغمره الرّحمة ويخوض فيها.
(13) عيادة المريض تبعد صاحبها عن النّار سبعين خريفا.
(14) عيادة الذّمّيّ أو المشرك رجاء أن يهديه الله للإسلام.
(15) ببركة العيادة تعمّ المودّة والتّراحم بين المسلمين، إذ تحبّب العائد فيمن يعوده وربّما دفعته لأن يسقط عنه ديونه كما حدث من سعد بن عبادة «1» .
__________
(1) انظر الحديث رقم (1) .(7/3069)
[حرف الغين]
غض البصر
الغض لغة:
مصدر قولهم: غضّ بصره يغضّه غضّا، وهو مأخوذ من مادّة (غ ض ض) الّتي تدلّ على معنيين:
أحدهما: الكفّ والنّقص، والاخر: الطّراوة، وغضّ البصر من المعنى الأوّل، وكلّ شيء كففته فقد غضضته، ومنه قولهم تلحقه في ذلك غضاضة، أي أمر يغضّ له بصره، وقال بعضهم:
الغضّ: الخفض، والكفّ والكسر، وأصل الكلمة: غضّ يغضّ غضّا (بالكسر) وغضّا وغضاضة وغضاضا (بالفتح) . فقولك: غضّ طرفه أي خفضه، وكذا غضّ صوته، وكلّ شيء غضضته كففته، والأمر منه في لغة أهل الحجاز: اغضض وأهل نجد يقولون: غضّ طرفك.
وانغضاض الطّرف: انغماضه.
والإغضاء: إدناء الجفون، وهذا مشتقّ من اللّيلة الغاضية: الشّديدة الظّلمة، ومثله الغضاضة فمعناها: الفتور في الطّرف، فيقال: غضّ وأغضّ وذلك إذا وانى بين جفنيه ولم يلاق (أي بينهما) «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الاثار 1/ 10/ 16
البصر لغة:
اسم لالة الإبصار، وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء، ومنه أيضا:
البصيرة، وقال الجوهريّ: البصر: حاسّة الرّؤية، وأبصرت الشّيء رأيته، والبصير خلاف الضّرير، وباصرته إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد، والبصر:
العلم، وبصرت بالشّيء: علمته، قال تعالى: قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ (طه/ 96) ، والبصير: العالم، وقد بصر بصارة، والتّبصّر: التّأمّل والتّعرّف، والبصيرة:
الحجّة، والاستبصار في الشّيء، وقولهم: أريته لمحا باصرا، أي نظرا بتحديق شديد، ومعناه: ذو بصر وهو من أبصرت، والمعنى: أريته أمرا شديدا يبصره، وقال اللّيث: البصر: العين، وقال ابن سيده: البصر: حسّ العين، والجمع أبصار، والفعل من ذلك قال ابن منظور: بصر به بصرا وبصارة وأبصره وتبصّره: نظر إليه ببصره، وقال سيبويه: بصر: صار مبصرا، وأبصره: إذا أخبر بالّذي وقعت عينه عليه، وأبصرت الشّيء: رأيته، وباصره: نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه،
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 248) والصحاح (3/ 1095) ولسان العرب (5/ 3265، 3266) .(7/3070)
وباصره أيضا أبصره، ويقال: أبصر الرّجل إذا خرج من الكفر إلى بصيرة الإيمان «1» .
البصير من أسماء الله تعالى:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى البصير، وهو الّذي يشاهد الأشياء كلّها ظاهرها وخفيّها، والبصر في حقّه تعالى عبارة عن الصّفة الّتي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات «2» . وهو سبحانه وتعالى يبصر ببصر، كما صحّ بذلك الخبر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» .
غض البصر اصطلاحا:
أن يغمض المسلم بصره عمّا حرّم عليه، ولا ينظر إلّا لما أبيح له النّظر إليه، ويدخل فيه أيضا إغماض الأبصار عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره سريعا «4» .
قيمة غض البصر:
قال القرطبيّ: البصر: هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسّ إليه، وبحسب ذلك كثر السّقوط من جهته، ووجب التّحذير منه، وغضّه واجب عن جميع المحرّمات. وكلّ ما يخشى الفتنة من أجله «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: تعظيم الحرمات- الحياء- العفة- النزاهة- حفظ الفرج- تعظيم الحرمات- الحجاب- الوقاية- المراقبة- التقوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: إطلاق البصر- الفتنة- الأذى- اتباع الهوى- الزنا- التبرج- الفجور- الفحش- الدياثة] .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 253) ، والصحاح (2/ 925) ، ولسان العرب (1/ 290) ، وتاج العروس ط. دار الفكر (5/ 61- 62) .
(2) النهاية (1/ 131) .
(3) أبو داود (4728) وقال الألباني (3/ 895) / (3954) : صحيح.
(4) تفسير ابن كثير 2/ 598 (بتصرف) .
(5) تفسير القرطبي ج 2 ص 148 (المجلد السادس) .(7/3071)
الآيات الواردة في «غض البصر»
1- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «1»
__________
(1) النور: 30- 31 مدنية(7/3072)
الأحاديث الواردة في (غض البصر)
1-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه-، أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحافظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟. قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «2» .
3-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج؛ فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم؛ فإنّه له وجاء» ) * «4» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإذا زوّج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السّرّة وفوق الرّكبة» ) * «5» .
6-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفضل بن عبّاس يوم النّحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للنّاس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النّظر إليها. فقالت: يا رسول الله! إنّ فريضة الله في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الرّاحلة، فهل يقضي عنه أن أحجّ عنه؟ قال: «نعم» ) *» .
7-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
__________
(1) أحمد (5/ 323) واللفظ له، الحاكم (4/ 358- 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: مرسل وله شاهد. والخرائطي في مكارم الأخلاق (31) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 454) برقم (1470) . وكذا في صحيح الجامع (1/ 339) رقم (1029) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له. ومسلم (2121) .
(3) مسلم (2159) .
(4) البخاري- الفتح 4 (1905) . ومسلم (1400) واللفظ له وفيه قصة وقوله «وجاء» أي قاطع لتوقانه وشهوته.
(5) أبو داود (496) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (5/ 187) : إسناده حسن.
(6) البخاري- الفتح 11 (6228) واللفظ له. ومسلم (1334) .(7/3073)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت» ) * «1» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد» ) * «2» .
9-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: «يا عليّ، لا تتبع النّظرة النّظرة؛ فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة» ) * «3» .
10- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ألا أدلّكم على ما يكفّر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى هذه المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، ما منكم من رجل يخرج من بيته متطهّرا فيصلّي مع المسلمين الصّلاة ثمّ يجلس في المجلس ينتظر الصّلاة الاخرى، إنّ الملائكة تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه. فإذا قمتم إلى الصّلاة فاعدلوا صفوفكم، وأقيموها وسدّوا الفرج، فإنّي أراكم من وراء ظهري، فإن قال إمامكم:
الله أكبر، فقولوا: الله أكبر، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهمّ ربّنا لك الحمد، وإنّ خير صفوف الرّجال المقدّم، وشرّها المؤخّر، وخير صفوف النّساء المؤخّر، وشرّها المقدّم. يا معشر النّساء! إذا سجد الرّجال فاغضضن أبصاركنّ، لا ترين عورات الرّجال من ضيق الأزر» ) «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (غض البصر)
1-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه:
«حفظ البصر أشدّ من حفظ اللّسان) » * «5» .
2-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- «الإثم حوّاز «6» القلوب، وما من نظرة إلّا وللشّيطان فيها مطمع) * «7» .
3-* (قالت أمّ سلمة- رضي الله عنها-:
__________
(1) أبو داود (4015) وقال محقق جامع الأصول (5/ 451) : حديث حسن.
(2) مسلم (338) .
(3) أبو داود (2149) واللفظ له. والترمذي (2777) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وأحمد (5/ 353، 357) ، الحاكم (3/ 123) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 660) : الحديث حسن.
(4) أحمد (3/ 3- 293- 387) واللفظ له. والبيهقي في السنن (2/ 26) - الإحسان في تقريب ابن حبان وقال محققه: إسناده صحيح على شرط البخاري (2/ 127 برقم 402) وابن خزيمة (177- 357) والحاكم (1/ 191- 192) ومسلم عن أبي هريرة (441) وأبو داود (678) والترمذي (244) والنسائي (2/ 93) .
(5) الورع لابن أبي الدنيا (62) .
(6) حواز: يعني ما يحوزها ويغلب عليها حتى ترتكب ما لا يحسن. وقيل بتخفيف الواو وتشديد الزاي جمع حازة وهي الأمور التي تحز في القلوب.
(7) الترغيب والترهيب (3/ 36، 37) وقال: الموقوف أصح وروي مرفوعا.(7/3074)
«حماديات النّساء غضّ الأطراف» ) * «1» .
4-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«إذا مرّت بك امرأة فغمّض عينيك حتّى تجاوزك» ) * «2» .
5-* (قال سعيد بن أبي الحسن: قلت للحسن: «إنّ نساء العجم يكشفن صدورهنّ ورؤوسهنّ» . قال: «اصرف بصرك. يقول الله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (النور/ 30)) * «3» .
6-* (قال الزّهريّ- رحمه الله تعالى- في النّظر إلى الّتي لم تحض من النّساء: «لا يصلح النّظر إلى شيء منهنّ ممّن يشتهى النّظر إليه وإن كانت صغيرة» ) * «4» .
7-* (قال وكيع بن الجرّاح- رحمه الله تعالى:
خرجنا مع سفيان الثّوريّ في يوم عيد فقال: «إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا غضّ أبصارنا» ) * «5» .
8-* (قال العلاء بن زياد العدويّ- رحمه الله تعالى-: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة، فإنّ النّظر يجعل الشّهوة في القلب) * «6» .
9-* (قال شجاع بن شاه- رحمه الله تعالى-:
«من عمّر ظاهره باتّباع السّنّة، وباطنه بدوام المراقبة، وغضّ بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشّهوات» ، (وذكر خصلة سادسة) هي أكل الحلال.
قال: «لم تخطيء له فراسة» ) * «7» .
10-* (قال ابن دقيق العيد- رحمه الله تعالى-: «إنّ التّقوى سبب لغضّ البصر، وتحصين الفرج» ) * «8» .
11-* (قال ابن كثير. رحمه الله تعالى-: عند تفسير قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (النور الاية/ 30) «هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عمّا حرّم عليهم فلا ينظروا إلّا إلى ما أباح لهم النّظر إليه، وأن يغضّوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا» ) * «9» .
12-* (قال الحافظ ابن حجر نظما في آداب الطّريق:
جمعت آداب من رام الجلوس على ال ... طّريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السّلام وأحسن في الكلام وش ... مّت عاطسا وسلاما ردّ إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث ... لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
__________
(1) لسان العرب (6/ 3266)
(2) الورع لابن أبي الدنيا (66)
(3) أضواء البيان (6/ 189- 190) وعزاه للبخاري انظر الفتح 11 (9)
(4) البخاري- الفتح (11/ 9) .
(5) الورع لابن أبي الدنيا (963) .
(6) المصدر السابق (68) .
(7) مجموع الفتاوى (15/ 425- 426) .
(8) الفتح (9/ 109) .
(9) بتصرف يسير من التفسير (3/ 282) .(7/3075)
بالعرف مر، وانه عن نكر وكفّ أذى ... وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا
) * «1» .
13-* (قال بعض السّلف: «من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته» ) * «2» .
14-* (قال بعض أهل العلم: اتّقوا النّظر إلى أولاد الملوك فإنّ فتنتهم كفتنة العذارى) * «3» .
15-* (قال الشّاعر:
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي ... حتّى يواري جارتي مأواها
) * «4» 16- قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: قد أمر الله في كتابه بغضّ البصر وهو نوعان: غضّ البصر عن العورة، وغضّه عن محلّ الشّهوة.
فالأوّل منهما: كغضّ الرّجل بصره عن عورة غيره، كما قال النّبيّ «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل ولا المرأة إلى عورة المرأة» ويجب على الإنسان أن يستر عورته.
وأمّا النّوع الثّاني: فهو غضّ البصر عن الزّينة الباطنة من المرأة الأجنبيّة وهذا أشدّ من الأوّل «5» .
من فوائد (غض البصر)
1- إنّ غضّ البصر عن العورة الّتي ينهى عن النّظر إليها كالمرأة والأمرد الحسن له ثلاث فوائد:
(1) حلاوة الإيمان ولذّته والّتي هي أطيب وأحلى ممّا تركه لله، فإنّ من ترك شيئا للهّ عوّضه الله خيرا منه.
(2) نور القلب والفراسة، ولذلك ذكر الله عزّ وجلّ، عقب آيات غضّ البصر الّتي في سورة النّور قوله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (النور/ 53) وذلك لأنّ الله- عزّ وجلّ- يجزي العبد على عمله بما هو من جنسه. فلمّا منع العبد نور بصره أن ينفذ إلى ما لا يحلّ، أطلق نور بصيرته وفتح عليه باب العلم والمعرفة.
(3) قوّة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجّة «6» .
2- يبدل الله صاحبه نورا يجد حلاوته في قلبه.
3- فيه طاعة لله ورسوله يترتّب عليها محبّة توصله إلى إلى الجنّة.
4- من أهمّ الصفات الّتي يتحلّى بها المؤمن وتتولّد من الحياء.
5- فيه راحة للنّفس والبدن.
6- يصون المحارم ويجنّب الوقوع في الزّلل.
7- يجعل المجتمع المتحلّي بهذه الصّفة مجتمعا آمنا متحابّا.
8- يصون المجتمع من انتشار الزّنى.
9- يضرّ بالشّيطان وأعوانه ويستجلب العفّة.
__________
(1) الفتح (11/ 13) .
(2) تفسير ابن كثير (3/ 283) .
(3) مجموع الفتاوى (15/ 420) .
(4) أضواء البيان (6/ 189) .
(5) مجموع الفتاوى (15/ 414- 436) .
(6) المرجع السابق نفسه (15/ 414- 426) بتصرف واختصار.(7/3076)
الغيرة
الغيرة لغة:
مصدر قولهم: غرت على أهلي غيرة، وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ر) الّتي تدلّ على صلاح وإصلاح ومنفعة «1» ، قال ابن فارس: ومن هذا الباب: الغيرة؛ لأنّها صلاح ومنفعة «2» ، يقال: غار الرّجل على أهله يغار غيرا وغيرة وغارا وغيارا ورجل غيور وغيران، وجمع غيور: غير، وجمع غيران:
غيارى وغيارى، ويقال (في الوصف أيضا) : رجل مغيار وقوم مغايير، وامرأة غيرى ونسوة غيارى، وامرأة غيور ونسوة غير، صحّت الياء لخفّتها عليهم وأنّهم لا يستثقلون الضّمّة عليها استثقالهم لها على الواو، وبعضهم يخفّفها بالتّسكين فيقول: غير مثل رسل في رسل، وفي حديث أمّ سلمة- رضي الله عنها- إنّ لي بنتا وأنا غيور، هو فعول من الغيرة وهي الحميّة والأنفة، يقال رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء، لأنّ فعولا يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، وفي رواية: امرأة غيرى، هي فعلى من الغيرة، والمغيار الآيات/ الأحاديث/ الاثار-/ 19/ 3
الشّديد الغيرة، قال النّابغة:
شمس موانع كلّ ليلة حرّة ... يخلفن ظنّ الفاحش المغيار.
وفلان لا يتغيّر على أهله أي لا يغار، وأغار أهله: تزوّج عليها فغارت، والعرب تقول: أغير من الحمّى أي أنّها تلازم المحموم ملازمة الغيور لبعلها «3» .
وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: الغيرة مشتقّة من تغيّر القلب وهيجان الغضب، بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشدّ ما يكون ذلك بين الزّوجين «4» .
واصطلاحا:
كراهة شركة الغير في حقّه.
وقال الكفويّ: الغيرة: كراهة الرّجل اشتراك غيره فيما هو من حقّه «5» وذكر الرّجل هنا على سبيل التّمثيل، وإلّا فإنّ الغيرة غريزة تشترك فيها الرّجال والنّساء، بل قد تكون من النّساء أشدّ.
__________
(1) تدل مادة (غ ي ر) أيضا على معنى اختلاف الشيئين، ومنه قولنا: هذا الشيء غير ذاك، أي هو سواه وخلافه. انظر المقاييس (4/ 404) .
(2) المقاييس (4/ 403) ، والصحاح (2/ 766) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 401) ، ولسان العرب (4/ 3326) (ط. دار المعارف) .
(3) انظر النهاية لابن الأثير (3/ 400- 401) ، ولسان العرب (5/ 41- 42) .
(4) فتح الباري (9/ 320) وانظر: التعريفات للجرجاني (ص 163) والتوقيف على مهمات التعاريف ص (255) .
(5) الكليات للكفوي (671) .(7/3077)
غيرة الله- عز وجل-:
جاء في الحديث الشّريف أنّ الله- عزّ وجلّ- يغار، وأنّ غيرته- عزّ وجلّ- تكون من إتيان محارمه، ووجه ذلك؛ أنّ المسلم الّذي يطيع هواه أو ينقاد للشّيطان ويقع في محارم الله، فكأنّه جعل لغير الله فيه نصيبا، ولمّا كانت الطّاعة خاصّة بالله- عزّ وجلّ- ويأبى أن يشاركه فيها غيره، كان ذلك مبعثا لأن يستثير العاصي غضب مولاه وغيرته عليه، وما ذلك إلّا لأنّ المولى- سبحانه وتعالى- لا يرضى لعباده المعصية كما لا يرضى لهم الكفر، ومن ثمّ تكون من جانب الله تعالى غيرة حقيقيّة على ما يليق بجلاله وكماله، ومن لوازمها: كراهية وقوع العبد في المعاصي وإشراكه غير الله فيما هو حقّ المولى وحده من التزام بأوامره، واجتناب لمعاصيه.
[للاستزادة: انظر صفات: تعظيم الحرمات- الرجولة- الشرف- العزة- الشهامة- النبل- الحجاب- العفة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات- اتباع الهوي- الخنوثة- الدياثة- الفسوق- التبرج] .(7/3078)
الأحاديث الواردة في (الغيرة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حدّثت، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها ليلا. قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع. فقال:
«ما لك؟ يا عائشة! أغرت؟» . فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقد جاءك شيطانك؟» . قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟.
قال: «نعم» . قلت: ومع كلّ إنسان؟ قال: «نعم» .
قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال: «نعم، ولكنّ ربّي أعانني عليه حتّى أسلم» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله (تعالى) يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله عليه» ) * «2» .
3-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الغيرة ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- ومن الخيلاء ما يحبّ الله- عزّ وجلّ- ومنها ما يبغض الله- عزّ وجلّ- فأمّا الغيرة الّتي يحبّ الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في الرّيبة. وأمّا الغيرة الّتي يبغض الله- عزّ وجلّ- فالغيرة في غير ريبة والاختيال الّذي يحبّ الله- عزّ وجلّ- اختيال الرّجل بنفسه عند القتال وعند الصّدقة. والاختيال الّذي يبغض الله- عزّ وجلّ- الخيلاء في الباطل» ) * «3» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيتني دخلت الجنّة، فإذا أنا بالرّميصاء: امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة «4» : فقلت من هذا؟. فقال: هذا بلال. ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر. فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك» . فقال عمر: بأبي وأمّي يا رسول الله! أعليك أغار؟) *» .
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت الّتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتها يد الخادم فسقطت الصّحفة فانفلقت، فجمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلق الصّحفة ثمّ جعل يجمع فيها الطّعام الّذي كان في الصّحفة ويقول: «غارت أمّكم» ، ثمّ حبس الخادم «6» حتّى أتى بصحفة من عند الّتي هو في بيتها، فدفع الصّحفة الصّحيحة إلى الّتي كسرت صحفتها «7» ، وأمسك المكسورة في بيت الّتي كسرت فيه) * «8» .
__________
(1) مسلم (2815)
(2) البخاري- الفتح 9 (5223) واللفظ له. ومسلم (2761) .
(3) أحمد في المسند (5/ 445- 446) . أبو داود (2659) . والنسائي (5/ 78) واللفظ له وحسنه الألباني، صحيح النسائي (2398) والإرواء (1099) .
(4) الخشفة بالسكون: الحس والحركة. وقيل هو الصوت.
(5) البخاري- الفتح 7 (3679) واللفظ له. ومسلم (2394)
(6) حبس الخادم: أي أوقفه.
(7) صحفتها: الصحفة: إناء كالقصعة المبسوطة، ونحوها، وجمعها صحاف.
(8) البخاري- الفتح 9 (5225) .(7/3079)
6-* (عن أسماء- رضي الله عنها- أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا شيء أغير من الله» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن يغار. والله أشدّ غيرا «2» » ) * «3» .
8-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش، وما أحد أحبّ إليه المدح من الله» ) * «4» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
خسفت «5» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا. ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد ثمّ قام فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام. فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: إنّ الشّمس والقمر من آيات الله.
وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموهما فكبّروا. وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «6» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد والله لو تعلمون ما أعلم «7» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت» ) * «8» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرف استئذان خديجة «9» . فارتاح لذلك «10» . فقال: «اللهمّ! هالة بنت خويلد» فغرت.
فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشّدقين «11» ، هلكت في الدّهر، فأبدلك الله خيرا منها!) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5222) واللفظ له. ومسلم (2762) .
(2) والله أشد غيرا (هكذا بفتح الغين وإسكان الياء، منصوب بالألف) وهو الغيرة.
(3) مسلم (2761) .
(4) البخاري- الفتح 9 (5220) وللفظ له. ومسلم (2760) .
(5) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر وكسفا وانكسفا، وخسفا، وانخسفا بمعنى. وذهب جمهور أهل اللغة وغيرهم على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله، ويكون لذهاب بعضه.
(6) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما.
(7) لو تعلمون ما أعلم: الخ. معناه لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه.
(8) البخاري- الفتح 9 (5221) . ومسلم (901) واللفظ له
(9) فعرف استئذان خديجة: أي صفة استئذان خديجة لشبه صوتها بصوت أختها. فتذكر خديجة بذلك.
(10) فارتاح لذلك: أي هش لمجيئها وسر بها لتذكره بها خديجة وأيامها. وفي هذا دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب.
(11) حمراء الشدقين: معناه عجوز كبيرة جدا.
(12) البخاري- الفتح 7 (3821) . ومسلم (2437) واللفظ له.(7/3080)
الأحاديث الواردة في (الغيرة) معنى
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: افتقدت النّبيّ «1» صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فظننت أنّه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسّست «2» ثمّ رجعت. فإذا هو راكع أو ساجد يقول: «سبحانك وبحمدك لا إله إلّا أنت» . فقلت: بأبي أنت وأمّي إنّي لفي شأن «3» ، وإنّك لفي آخر «4» ) * «5» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
أرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستأذنت عليه- وهو مضطجع معي في مرطي «6» - فأذن لها. فقالت: يا رسول الله إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة «7» . وأنا ساكتة. قالت: فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أي بنيّة! ألست تحبّين ما أحبّ؟» . فقالت: بلى. قال:
«فأحبّي هذه» . قالت، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجعت إلى أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرتهنّ بالّذي قالت: وبالّذي قال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنّا من شيء. فارجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولي له: إنّ أزواجك ينشدنك «8» العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلّمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي الّتي كانت تساميني «9» منهنّ في المنزلة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ولم أر امرأة قطّ خيرا في الدّين من زينب. وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرّحم، وأعظم صدقة، وأشدّ ابتذالا لنفسها في العمل الّذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة «10» من حدّ «11» كانت فيها. تسرع منها الفيئة «12» . قالت: فاستأذنت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع عائشة في مرطها. على الحالة الّتي دخلت فاطمة عليها وهي بها.
فأذن لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: يا رسول الله! إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت: ثمّ وقعت بي «13» . فاستطالت عليّ،
__________
(1) افتقدت: أي لم أجده.
(2) فتحسست: أي تطلبته.
(3) اني لفي شأن: تعني أمر الغيرة.
(4) وإنك لفي آخر: تعني من نبذ متعة الدنيا، والإقبال على الله- عز وجل-
(5) مسلم (485) .
(6) مرطي: المرط: كساء من خزّ أو صوف أو كتّان وقيل: هو الثوب الأخضر، وجمعه مروط والمرط: بكسر الميم كل ثوب غير مخيط.
(7) العدل في ابنة أبي قحافة: معناه يسألنك التسوية بينهن في محبة القلب وابنة أبي قحافة: هي السيدة عائشة- رضي الله عنها- وأبو قحافة والد أبي بكر- رضي الله عنه- وكان اسمه قبل الإسلام عبد الله بن أبي قحافة، فلما بكر بالدخول في الإسلام كني بأبي بكر.
(8) ينشدنك: أي يسألنك.
(9) تساميني: أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة
(10) سورة: السورة الثوران وعجلة الغضب.
(11) من حد: وهي شدة الخلق وثورانه.
(12) الفيئة: الرجوع. والمراد ترجع عن الغضب سريعا.
(13) ثم وقعت بي: أي نالت مني بالوقيعة فيّ.(7/3081)
وأنا أرقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتّى عرفت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكره أن أنتصر. قالت: فلمّا وقعت بها لم أنشبها «1» حين أنحيت عليها «2» . قالت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبسّم: «إنّها ابنة أبي بكر» ) * «3» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى.
قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي.
انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه»
رويدا.
فجعلت درعي في رأسي «5» ، واختمرت «6» وتقنّعت إزاري «7» . ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام. فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت «8» . فسبقته فدخلت.
فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «9» » . قالت: لا شيء. قال:
«لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت:
يا رسول الله بأبي أنت وأمّي! فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «10» الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم.
فلهدني «11» في صدري لهدة أوجعتني ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت. فناداني. فأخفاه منك. فأجبته. فأخفيته منك.
ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك. وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي، فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» . قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين.
وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «12» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن ألايكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث
__________
(1) لم أنشبها: أي لم أمهلها.
(2) أنحيت عليها: أي قصدتها واعتمدتها بالمعارضة.
(3) البخاري- الفتح 5 (2581) . ومسلم (2442) واللفظ له وقولهن هذا إنما من باب الغيرة، وإلا فهو صلّى الله عليه وسلّم أعدل الخلق على الإطلاق.
(4) أجافه: أغلقه.
(5) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها.
(6) اختمرت: لبست خماري.
(7) تقنعت إزاري: لبست إزاري
(8) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو، أي فعدا فعدوت، فهو فوق الهرولة.
(9) حشيا رابية: وحشيا معناه قد وقع عليك الحشا، وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفس وتواتره.
(10) فأنت السواد: أي الشخص.
(11) لهدني: ضربني.
(12) مسلم (974) .(7/3082)
وفيه: بنت أبي زرع. فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها. وملء كسائها «1» وغيظ جارتها «2» . جارية أبي زرع. فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «3» .
ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «4» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا» ..
الحديث) * «5» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّ العسل والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهنّ، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك، فقيل لي:
أهدت لها امرأة من قومها عكّة عسل، فسقت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالنّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنّه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير «6» ، فإنّه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الرّيح الّتي أجد منك؟ فإنّه سيقول لك:
سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط «7» ، وسأقول ذلك. وقولي أنت يا صفيّة ذاك.
قالت تقول سودة: فو الله ما هو إلّا أن قام على الباب فأردت أن أبادئه بما أمرتني به فرقا منك. فلمّا دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟. قال:
«لا» . قالت: فما هذه الرّيح الّتي أجد منك؟ قال:
«سقتني حفصة شربة عسل» . فقالت: جرست نحله العرفط. فلمّا دار إليّ قلت له نحو ذلك. فلمّا دار إلى صفيّة قالت له مثل ذلك. فلمّا دار إلى حفصة قالت:
يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه» . قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه «8» ، قلت لها: اسكتي» ) * «9» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت صانعا طعاما مثل صفيّة، صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طعاما فبعثت به، فأخذني أفكل «10» فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله، ما كفّارة ما صنعت؟ قال: «إناء مثل إناء وطعام مثل طعام» ) * «11» .
17-* (عن هشام بن عروة؛ قال: «كان النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة:
فاجتمع صواحبي إلى أمّ سلمة فقلن: يا أمّ سلمة، والله إنّ النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنّا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن
__________
(1) ملء كسائها: أي ممتلئة الجسم سمينة.
(2) وغيظ جارتها: المراد بجارتها ضرتها.
(3) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(4) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(5) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له
(6) مغافير: جمع مغفور، وهو صمغ حلو له رائحة كريهة
(7) جرست نحله العرفط، أي رعت نحل هذا العسل الذي شربته الشجر المعروف بالعرفط.
(8) حرمناه: أي منعناه.
(9) البخاري- الفتح 9 (5268) .
(10) أفكل: بفتح الهمزة والكاف بينهما فاء ساكنة هي الرعدة من برد أو خوف، والمراد أنها لما رأت حسن الطعام أخذتها الغيرة الشديدة فأصابتها بسببها الرعدة.
(11) النسائي (7/ 71) . وأبو داود 3 (3568) وقال محقق جامع الأصول (8/ 437) : إسناده حسن.(7/3083)
يأمر النّاس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك أمّ سلمة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت:
فأعرض عنّي. فلمّا عاد إليّ ذكرت له ذلك، فأعرض عنّي، فلمّا كان في الثّالثة ذكرت له فقال: «يا أمّ سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنّه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها» ) * «1»
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الغيرة)
18-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: «إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليّ ابن أبي طالب. فلا آذن، ثمّ لا آذن، ثمّ لا آذن. إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنّما هي بضعة «2» منّي، يريا بني ما أرابها «3» ، ويؤذيني ما آذاها» ) * «4» .
19-* (عن المغيرة؛ قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح «5» فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر من «6» الله، ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله «7» ، ومن أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «8» .
من الآثار الواردة في (الغيرة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة. فخرجتا معه جميعا.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان باللّيل، سار مع عائشة، يتحدّث معها. فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين اللّيلة بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت:
بلى. فركبت عائشة على بعير حفصة. وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى جمل عائشة.
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (7753) .
(2) بضعه: البضعة بفتح الباء، قطعة اللحم.
(3) يريا بني ما أرابها: الريب ما رابك من شيء خفت عقباه.
(4) البخاري- الفتح 9 (5230) واللفظ له. ومسلم (2449) .
(5) غير مصفح هو بكسر الفاء، أي غير ضارب بصفح السيف، وهو جانبه، بل أضربه بحده.
(6) ولا أحد أحب إليه العذر من الله أي ليس أحد أحب إليه الإعذار من الله تعالى، فالعذر بمعني الإعذار والإنذار، قبل أخذهم بالعقوبة، ولهذا بعث الله المرسلين.
(7) ولا أحد أحب إليه المدحة: المدحة هو المدح، فإذا ثبتت الهاء كسرت الميم، وإذا حذفت فتحت.
(8) البخاري- الفتح 13 (7416) واللفظ له. ومسلم (1499) .(7/3084)
وعليه حفصة. فسلّم ثمّ سار معها. حتّى نزلوا.
فافتقدته عائشة فغارت. فلمّا نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر «1» وتقول: يا ربّ! سلّط عليّ عقربا أو حيّة تلدغني. رسولك، ولا أستطيع أن أقول له شيئا) * «2» .
2-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: «تزوّجني الزّبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه «3» وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صدق، وكنت أنقل النّوى من أرض الزّبير- الّتي أقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- على رأسي، وهي منّي على ثلثي فرسخ. فجئت يوما والنّوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثمّ قال: إخ إخ «4» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرّجال، وذكرت الزّبير وغيرته- وكان أغير النّاس- فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي قد استحييت فمضى، فجئت الزّبير، فقلت:
لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى رأسي النّوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه قالت: حتّى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنّما أعتقني) *» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«كنت أغار على اللّاتي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقول: وتهب المرأة نفسها؟ فلمّا أنزل الله- عزّ وجلّ- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ (33/ الأحزاب/ آية 51) .
قالت: قلت: والله! ما أرى ربّك إلّا يسارع لك في هواك «6» » ) * «7» .
من فوائد (الغيرة)
(1) صيانة الأعراض وحفظ الحرمات
(2) مؤشّر على قوّة الإيمان ورسوخه في القلب
(3) تعظيم شعائر الله وحفظ حدوده
(4) مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة
(5) نشر الفضيلة في المجتمع وتطهيره من الرّذيلة.
__________
(1) الأذخر: نبات معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية.
(2) البخاري- الفتح 9 (5211) . ومسلم (2445) واللفظ له.
(3) غربه: دلوه.
(4) اخ اخ: كلمة تقال للبعير لينيخه
(5) البخاري- الفتح 9 (5224)
(6) ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك: معناه يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور، ولهذا خيرك.
(7) البخاري- الفتح 8 (4788) . ومسلم (1464) واللفظ له.(7/3085)
[حرف الفاء]
الفرار إلى الله
الفرار لغة:
مصدر قولهم: فرّ يفرّ وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ر) الّتي تدلّ على الانكشاف وما يقاربه من الكشف عن الشّيء «1» ، يقال: فرّ يفرّ فرارا أي هرب، وتفارّوا أي تهاربوا، وفرس مفرّ: يصلح للفرار عليه.
والمفرّ: الموضع، وقال الرّاغب: أصل الفرّ: الكشف عن سنّ الدّابّة، ومن ذلك الافترار: وهو ظهور السّنّ من الضّحك، وأفررته: جعلته فارّا، وقول الله تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ (الأحزاب/ 16) إنّما الفرار من الحرب، وقال ابن منظور: الفرّ والفرار:
الرّوغان والهرب.
فرّ يفرّ فرارا: هرب. ورجل فرور وفرورة وفرّار: غير كرّار، وفرّ، وصف بالمصدر، فالواحد والجمع سواء.
وفي حديث الهجرة: قال سراقة بن مالك حين نظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإلى أبي بكر- رضي الله عنه، مهاجرين إلى المدينة فمرّا به فقال: هذان فرّ قريش، أفلا أردّ على قريش فرّها؟. يريد الفارّين من قريش، يقال منه: رجل فرّ ورجلان فرّ، لا يثنّى ولا يجمع. وقوله الآيات/ الأحاديث/ الاثار 1/ 2/ 10
تعالى: أَيْنَ الْمَفَرُّ (القيامة/ 10) أي أين الفرار، وقرىء: أَيْنَ الْمَفَرُّ، أي أين موضع الفرار؟
والفرّى: الكتيبة المنهزمة، وكذلك الفلّى، وأفرّه غيره، وتفارّوا أي تهاربوا، وفرس مفرّ، بكسر الميم: يصلح للفرار عليه، ومنه قوله تعالى أَيْنَ الْمَفَرُّ بكسر الفاء: الموضع. وأفرّ به: فعل به فعلا يفرّ منه. وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال لعديّ بن حاتم: «ما يفرّك عن الإسلام إلّا أن يقال لا إله إلّا الله» . أي: ما يحملك على الفرار إلّا التّوحيد. وكثير من المحدّثين يقولونه بفتح الياء وضمّ الفاء، قال:
والصّحيح الأوّل. وفي قول عاتكة:
أفرّ صياح القوم عزم قلوبهم ... فهنّ هواء، والحلوم عوازب
أي حملها على الفرار وجعلها خالية بعيدة غائبة العقول «2» .
واصطلاحا:
لم تذكر كتب الاصطلاح عبارة «الفرار إلى الله» على أنّها مصطلح خاصّ، ولكنّ كتب التّفسير قد ذكرت ذلك عند تفسير قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي
__________
(1) لهذه المادة معنيان آخران هما: الخفّة والطّيش، وضرب من الحيوان. انظر في ذلك مقاييس اللغة (4/ 438) .
(2) لسان العرب (5/ 50- 51) ، والصحاح (3/ 780) ، ومقاييس اللغة (4/ 438) ، والمفردات (374) ، ونزهة الأعين النواظر (463) .(7/3086)
لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذاريات/ 50) ، فقال الطّبريّ- عند تفسير هذا الجزء من الاية الكريمة-:
«اهربوا أيّها النّاس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به واتّباع أمره والعمل بطاعته» «1» ، وقال القرطبيّ في معنى هذه الاية الكريمة: قل لهم يا محمّد، أي لقومك:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (الذاريات/ 50) أي فرّوا من معاصيه إلى طاعته. وذكر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قوله في هذه الاية: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم، وروي عن ابن عبّاس أيضا في هذه الاية: فرّوا منه إليه واعملوا بطاعته، وقال بعضهم: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، وقيل: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله، ولا تعتمدوا على حركاتكم «2» .
وقال الشّوكانيّ: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي، وقيل معنى ففرّوا إلى الله: اخرجوا من مكّة.
وقال الحسين بن الفضل: احترزوا من كلّ شيء غير الله فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه، وقيل: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن، وقيل: فرّوا من الجهل إلى العلم «3» . وقال أبو حيّان: فرّوا إلى الله: أمر بالدّخول في الإيمان وطاعة الله، وجعل الأمر ذلك بلفظ الفرار لينبّه على أنّ وراء النّاس عقابا وعذابا وأمرا حقّه أن يفرّ منه، فجمعت لفظة ففرّوا بين التّحذير والاستدعاء، وقال الزّمخشريّ: فرّوا إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه ووحّدوه ولا تشركوا به شيئا «4» .
ونستخلص من جملة هذه الأقوال وغيرها أنّ الفرار إلى الله اصطلاحا يعني:
أن يفزع الإنسان ويهرب من عقاب الله ومن الشّيطان والمعاصي والجهل وكلّ ما عدا الله إلى طاعة الرّحمن والدّخول في الإيمان.
قال ابن القيّم- رحمه الله-: من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) : منزلة الفرار:
قال الله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ وحقيقة الفرار:
الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السّعداء، وفرار الأشقياء.
ففرار السّعداء: الفرار إلى الله- عزّ وجلّ- وفرار الأشقياء الفرار منه لا إليه.
وأمّا الفرار منه إليه: ففرار أوليائه.
قال صاحب المنازل: هو الهرب ممّا لم يكن إلى من لم يزل. وهو على ثلاث درجات: فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا. ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما. ومن الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء.
يريد بما لم يكن «الخلق» ، وبما لم يزل «الحقّ» .
وقوله: (فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا) : فالفرار المذكور: هو الفرار من الجاهلين: من الجهل بالعلم إلى تحصيله، اعتقادا ومعرفة وبصيرة.
ومن جهل العمل إلى السّعي النّافع، والعمل الصّالح
__________
(1) تفسير الطبري (11/ 473) .
(2) تفسير القرطبي (17/ 36- 37) باختصار وتصرف يسير.
(3) فتح القدير (5/ 91) .
(4) البحر المحيط (8/ 142) .(7/3087)
قصدا وسعيا.
وقوله: (ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما) : أي يفرّ من إجابة داعي الكسل إلى داعي العمل والتّشمير بالجدّ والاجتهاد. والجدّ ههنا هو صدق العمل، وإخلاصه من شوائب الفتور، ووعود التّسويف والتّهاون، وهو تحت السّين وسوف، وعسى ولعلّ، فهي أضرّ شيء على العبد، وهي شجرة ثمرها الخسران والنّدامات.
وقوله: (من الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء) :
يريد هروب العبد من ضيق صدره بالهموم والغموم والأحزان والمخاوف الّتي تعتريه في هذه الدّار من جهة نفسه. وما هو خارج عن نفسه ممّا يتعلّق بأسباب مصالحه، ومصالح من يتعلّق به، وما يتعلّق بماله وبدنه وأهله وعدوّه. يهرب من ضيق صدره بذلك كلّه إلى سعة فضاء الثّقة بالله تبارك وتعالى، وصدق التّوكّل عليه، وحسن الرّجاء لجميل صنعه به، وتوقّع المرجوّ من لطفه وبرّه.
وكلّما كان العبد حسن الظّنّ بالله، حسن الرّجاء له، صادق التّوكّل عليه، فإنّ الله لا يخيّب أمله فيه ألبتّة، فإنّه سبحانه لا يخيّب أمل آمل، ولا يضيّع عمل عامل. وعبّر عن الثّقة وحسن الظّنّ بالسّعة، فإنّه لا أشرح للصّدر، ولا أوسع له- بعد الإيمان- من ثقته بالله ورجائه له وحسن ظنّه به.
وبالجملة فصاحب هذا التّجريد: لا يقنع من الله بأمر يسكن إليه دون الله، ولا يفرح بما حصل له دون الله، ولا يأسى على ما فاته سوى الله، ولا يستغني برتبة شريفة، وإن عظمت عنده أو عند النّاس، فلا يستغني إلّا بالله. ولا يفتقر إلّا إلى الله.
ولا يفرح إلّا بموافقته لمرضاة الله. ولا يحزن إلّا على ما فاته من الله. ولا يخاف إلّا من سقوطه من عين الله.
واحتجاب الله عنه. فكلّه بالله، وكلّه لله، وكلّه مع الله، وسيره دائما إلى الله. وقد رفع له علمه فشمّر إليه.
وتجرّد له مطلوبه فعمل عليه، تناديه الحظوظ: إليّ، وهو يقول: إنّما أريد من إذا حصل لي حصل لي كلّ شيء، وإن فاتني فاتني كلّ شيء، فهو مع الله مجرّد عن خلقه، ومع خلقه مجرّد عن نفسه، ومع الأمر مجرّد من حظّه، أعني الحظّ المزاحم للأمر، وأمّا الحظّ المعين على الأمر: فإنّه لا يحطّه تناوله عن مرتبته، ولا يسقطه من عين ربّه.
وهذا أيضا موضع غلط فيه من غلط من الشّيوخ، فظنّوا أنّ إرادة الحظّ نقص في الإرادة.
والتّحقيق فيه: أنّ الحظّ نوعان: حظّ يزاحم الأمر، وحظّ يؤازر الأمر. فالأوّل هو المذموم، والثّاني ممدوح وتناوله من تمام العبوديّة، فهذا لون، وهذا لون «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التوبة- الخوف- الرغبة- العفة- الوقاية- العبادة- الهجرة- الرهبة- الذكر- الخوف- الخشية- الخشوع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر- التخاذل- الإعراض- العصيان- الوهن- الغافلة- الغرور- اتباع الهوى- اللهو واللعب] .
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 504- 510) باختصار.(7/3088)
الآيات الواردة في «الفرار إلى الله»
1- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) «1»
الأحاديث الواردة في (الفرار إلى الله)
1-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «2» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «3» .
وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك «4» ، رغبة ورهبة إليك «5» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت.
واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «6» قال: فرددتهنّ لأستذكرهنّ فقلت: آمنت برسولك الّذي أرسلت. قال: «قل:
آمنت بنبيّك الّذي أرسلت» ) * «7» .
2-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء. فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له. ثمّ قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا. ثمّ قال: ألم يأمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟. قالوا: بلى. قال:
فادخلوها. قال: فنظر بعضهم إلى بعض. فقالوا:
إنّما فررنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من النّار. فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وأطفئت النّار، فلمّا رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» ) * «8» .
__________
(1) الذاريات: 47- 50 مكية
(2) إذا أخذت مضجعك: معناه إذا أردت النوم في مضجعك.
(3) أسلمت وجهي إليك. وفي الرواية الاخرى أسلمت نفسي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. قال العلماء: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات كلها، يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى.
(4) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدت في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
(5) رغبة ورهبة: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عذابك.
(6) الفطرة: أي الإسلام.
(7) البخاري- الفتح 1 (247) ، ومسلم (2710) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 13 (7257) ، ومسلم (1840) واللفظ له.(7/3089)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفرار إلى الله)
1-* (عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة- رضي الله عنها- مع عبيد بن عمير اللّيثيّ، فسألناها عن الهجرة، فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء، ولكن جهاد ونيّة) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
خرجت يوم الخندق أقفو «2» آثار النّاس، قالت:
فسمعت وئيد الأرض ورائي- يعني حسّ الأرض-.
قالت: فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنّه «3» ، قالت: فجلست إلى الأرض، فمرّ سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوّف على أطراف سعد، قالت:
وكان سعد من أعظم النّاس، وأطولهم، قالت: فمرّ وهو يرتجز ويقول:
ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطّاب، وفيهم رجل عليه سبغة له- يعني مغفرا «4» - فقال عمر: ما جاء بك لعمري، والله إنّك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوّز «5» . قالت: فما زال يلومني حتّى تمنّيت أنّ الأرض انشقّت لي ساعتئذ، فدخلت فيها. قالت: فرفع الرّجل السّبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر، ويحك إنّك قد أكثرت منذ اليوم وأين التّحوّز أو الفرار إلّا إلى الله- عزّ وجلّ-. قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش، يقال له ابن العرقة بسهم، فقال له:
خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله «6» فقطعه، فدعا الله- عزّ وجلّ- سعد فقال: اللهمّ لا تمتني حتّى تقرّ عيني من قريظة، قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهليّة، قالت: فرقي كلمه «7» وبعث الله- عزّ وجلّ- الرّيح على المشركين فكفى الله- عزّ وجلّ- المؤمنين شرّ القتال، وكان الله عزيزا) * «8» .
3-* (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن الخائفين؟. فقال: قلوبهم بالخوف قرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3900) .
(2) أقفو: أتتبّع.
(3) المجنّ: الترس وهو ما يتقي به السهام.
(4) المغفر: حلق يتقنع به المتسلح، أوزرد يلبس تحت القلنسوة.
(5) التحوز: التجمع.
(6) الأكحل: عرق في اليد، وهو عرق الحياة.
(7) فرقى كلمه: أي شفى جرحه.
(8) أحمد (6/ 141) .(7/3090)
ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنّم طريقنا، وبين يدي الله ربّنا موقفنا) * «1» .
4-* (ذكر مقاتل أنّ: الفرار: التّوبة. ومنه قوله تعالى في الذّاريات (آية/ 50) : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) * «2» .
5-* (قال النّيسابوريّ في قوله تعالى:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ: أي التجئوا إليه ولا تعبدوا غيره. أمر بالإقبال عليه والإعراض عمّا سواه) * «3» .
6-* (قال ابن جرير الطّبريّ في تأويل قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ الذاريات/ 50) : يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيّها النّاس من عقاب الله إلى رحمته، بالإيمان به،
واتّباع أمره، والعمل بطاعته) * «4» .
7-* (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ: لمّا تقدّم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم، لذلك قال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد، أي لقومك:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أي فرّوا من معاصيه إلى طاعته. وقال ابن عبّاس: فرّوا إلى الله بالتّوبة من ذنوبكم، وعنه فرّوا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال محمّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ 50) اخرجوا إلى مكّة. وقال الحسين ابن الفضل: احترزوا من كلّ شيء دون الله فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه. وقال أبو بكر الورّاق: فرّوا من طاعة الشّيطان إلى طاعة الرّحمن.
وقال الجنيد: الشّيطان داع إلى الباطل ففرّوا إلى الله يمنعكم منه. وقال ذو النّون المصريّ: ففرّوا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشّكر. وقال عمرو بن عثمان: فرّوا من أنفسكم إلى ربّكم، وقال أيضا: فرّوا إلى ما سبق لكم من الله، ولا تعتمدوا على حركاتكم.
وقال سهل بن عبد الله: فرّوا ممّا سوى الله إلى الله) * «5» .
8-* (قال ابن كثير في قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ 50) : أي الجأوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه) * «6» .
9-* (قال مالك بن دينار: بينما أنا أطوف بالبيت إذ أنا بجويرية متعبّدة متعلّقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا ربّ، كم من شهوة ذهبت لذّاتها، وبقيت تبعاتها. وتبكي، فما زال ذلك مقامها حتّى طلع الفجر. قال مالك: فلمّا رأيت ذلك وضعت يديّ على رأسي صارخا أقول: ثكلت مالكا أمّه) *» .
10-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- تحت عنوان (الرّحلة إلى الله وما يعترضها) : إذا عزم العبد على السّفر إلى الله تعالى وإرادته عرضت له
__________
(1) إحياء علوم الدين (4/ 194) .
(2) نزهة الأعين النواظر (464) .
(3) حاشية السندي على تفسير ابن جرير الطبري (مج 7، ج 27، ص 16) .
(4) جامع البيان في تفسير القرآن (مج 11، ج 27، ص 6- 7) .
(5) تفسير القرطبي (مج 9، ج 17، ص 36، 37) .
(6) تفسير ابن كثير (4/ 238) .
(7) إحياء علوم الدين (4/ 194) .(7/3091)
الخوادع والقواطع، فينخدع أوّلا بالشّهوات والرّياسات والملاذّ والمناكح والملابس. فإن وقف معها انقطع وإن رفضها، ولم يقف معها وصدق في طلبه ابتلي بوطء عقبه «1» ، وتقبيل يده، والتّوسعة له في المجلس، والإشارة إليه بالدّعاء ورجاء بركته، ونحو ذلك. فإن وقف معه انقطع به عن الله، وكان حظّه منه، وإن قطعه، ولم يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات، فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظّه، وإن لم يقف معها ابتلي بالتّجريد والتّخلّي ولذّة الجمعيّة، وعزّة الوحدة والفراغ من الدّنيا. فإن وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود، وإن لم يقف معه وسار ناظرا إلى مراد الله منه، وما يحبّه منه، بحيث يكون عبده الموقوف على محابّه ومراضيه، أين كانت؟، وكيف كانت؟، تعب بها أو استراح، تنعّم أو تألّم، أخرجته إلى النّاس أو عزلته عنهم، لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليّه وسيّده، واقف مع أمره ينفّذه بحسب الإمكان، ونفسه عنده عليه أهون عليه أن يقدّم راحتها ولذّتها على مرضاة سيّده وأمره، فهذا هو العبد الّذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيّده شيء ألبتّة) * «2» .
من فوائد (الفرار إلى الله)
(1) رضوان الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) ترك المعاصي والبعد عن الشّبهات.
(3) طهارة القلوب وصفاء النّفس.
(4) حبّ النّاس والعطف عليهم.
(5) يشعر بالسّعادة والفرح دائما.
(6) البعد عن الدّنيا وعدم الانشغال بمباهجها وماثرها.
__________
(1) أي بالسير خلفه.
(2) الفوائد (172) . ط. المكتبة الثقافية، بيروت، 1409 هـ/ 1989 م.(7/3092)
الفرح
الفرح لغة:
مصدر قولهم: فرح يفرح، وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ح) الّتي تدلّ على خلاف الحزن يقال: فرح بكذا فهو فرح، قال تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ والمفراح: الّذي يفرح كلّما سرّه الدّهر، ويقال: فرح به: سرّ، والفرح أيضا: البطر، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) معناه- والله أعلم-: لا تفرح بكثرة المال في الدّنيا، لأنّ الّذي يفرح بالمال يصرفه في غير أمر الآخرة وقيل: لا تفرح لا تأشر ولا تبطر، والمعنيان متقاربان؛ لأنّه إذا سرّ ربّما أشر وبطر وتكبّر. وأفرحه: سرّه، يقال: ما يسرّني بهذا الأمر مفرح ومفروح به، ولا تقل مفروح، والتّفريح مثل الإفراح، ويقال: رجل فرح وفرحان وامرأة فرحة وفرحى.
وقال ابن منظور: الفرح: نقيض الحزن، وقال ثعلب: هو أن يجد في قلبه خفّة. ورجل فرح وفرح ومفروح، عن ابن جنّي. وفرحان من قوم فراحى وفرحى، وامرأة فرحة وفرحى وفرحانة.
الآيات/ الأحاديث/ الاثار 20/ 24/ 6
والمفراح: الّذي يفرح كلّما سرّه الدّهر. وهو الكثير الفرح، وقد أفرحه وفرّحه.
والفرحة والفرحة: المسرّة، والفرحة أيضا: ما تعطيه المفرّح لك أو تثيبه به مكافأة له. وفي حديث التّوبة: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده ... » ، وصفة الفرح ثابتة عن الله- عزّ وجلّ- على ما يليق بجلاله وكماله.
والتّفريح: مثل الإفراح، وتقول: لك عندي فرحة إن بشّرتني «1» .
قال الأزهريّ: فالمفروح هو الشّيء الّذى أنا أفرح به، والمفرح هو الشّيء الّذي يفرحني «2» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: الفرح: انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، وأكثر ما يكون في اللّذّات البدنيّة «3» .
وقال المناويّ: الفرح: انفتاح القلب بما يلتذّ به «4» .
وقال الكفويّ: الفرح ما يورث أشرا أو بطرا، ولذلك كثيرا ما يذمّ كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ويتولّد هذا عن القوّة الشّهويّة. وقيل: شرح
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 499) ، الصحاح (1/ 390) ، لسان العرب (2/ 541) .
(2) تهذيب اللغة (5/ 20) .
(3) المفردات للراغب (375) ، وانظر أيضا الذريعة في مكارم الشريعة (339) .
(4) التوقيف على مهمات التعريف (258) .(7/3093)
الصّدر بلذّة عاجلة، وقيل: لذّة القلب لنيل المشتهى «1» .
من معاني كلمة «الفرح» في القرآن الكريم:
جاء «الفرح» في القرآن الكريم على نوعين:
مطلق ومقيّد.
فالمطلق: جاء في الذّمّ. كقوله تعالى إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) ، وقوله إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (هود/ 10) .
والمقيّد: نوعان أيضا: مقيّد للدّنيا. ينسي صاحبه فضل الله ومنّته، فهو مذموم، كقوله تعالى حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (الأنعام/ 44) .
والثّاني: مقيّد بفضل الله ورحمته. وهو نوعان أيضا:
فضل ورحمة بالسّبب، وفضل بالمسبّب. فالأوّل: كقوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس/ 58) والثّاني: كقوله تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (آل عمران/ 170)
الفرح نعيم القلب:
فالفرح بالله، وبرسوله، وبالإيمان، وبالسّنّة، وبالعلم، وبالقرآن: من أعلى مقامات الدّين. قال الله تعالى وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (التوبة: 124) . وقال: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (الرعد: 36) . فالفرح بالعلم والإيمان والسّنّة: دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبّته له، وإيثاره له على غيره. فإنّ فرح العبد بالشّيء عند حصوله له: على قدر محبّته له، ورغبته فيه. فمن ليس له رغبة في الشّيء لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواته. فالفرح تابع للمحبّة والرّغبة. والفرق بينه وبين الاستبشار: أنّ الفرح بالمحبوب بعد حصوله، والاستبشار: يكون به قبل حصوله. إذا كان على ثقة من حصوله، ولهذا قال تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ (آل عمران/ 170) . والفرح: صفة كمال.
ولهذا يوصف الرّبّ تعالى بأعلى أنواعه وأكملها، كفرحه بتوبة التّائب أعظم من فرحة الواجد لراحلته الّتي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها، واليأس من حصولها. والمقصود: أنّ «الفرح» أعلى نعيم القلب، ولذّته وبهجته. والفرح والسّرور نعيمه. والهمّ والحزن عذابه. والفرح بالشّيء فوق الرّضا به. فإنّ الرّضا طمأنينة وسكون وانشراح.
والفرح لذّة وبهجة وسرور «2» .
أنواع الفرح:
من الفرح ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، فالمذموم ما كان مطلقا غير مقيّد، وهو الّذي يورث الأشر والبطر، والممدوح ما كان مقيّدا بفضل الله ورحمته، ومن ذلك الفرح بالعلم والإيمان والسّنّة.
__________
(1) الكليات للكفوي (508) .
(2) مدارج السالكين لابن القيم (3/ 165- 166) .(7/3094)
الفرق بين الفرح والسرور:
قال الرّاغب: السّرور انشراح الصّدر بلذّة فيها طمأنينة النّفس، عاجلا وآجلا، وذلك في الحقيقة إذا لم يخف زواله ولا يكون ذلك إلّا في القنيات الاخرويّة، والفرح انشراح الصّدر بلذّة عاجلة وذلك يكون في اللّذّات البدنيّة الدّنيويّة «1» .
وقال في الكلّيّات: السّرور: لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه أو اندفاع ضرر وهو والفرح والحبور أمور متقاربة، لكن السّرور هو الخالص المنكتم، والحبور: ما يرى حبره أي أثره في ظاهر البشرة، وهما مستعملان في المحمود، وأمّا الفرح فكثيرا ما يذمّ، والأوّلان يكونان عن القوّة الفكريّة، والفرح يكون عن القوّة الشّهويّة «2» .
وقال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّرور والفرح أنّ السّرور لا يكون إلّا بما هو نفع أو لذّة على الحقيقة ... وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذّة، كفرح الصّبيّ بالرّقص والعدو والسّباحة وغير ذلك ممّا يتعبه ويؤذيه ولا يسمّى ذلك سرورا، ألا ترى أنّك تقول: الصّبيان يفرحون بالسّباحة والرّقص ولا تقول:
يسرّون بذلك، ونقيض السّرور: الحزن، ومعلوم أنّ الحزن يكون بالمرازي، فينبغي أن يكون السّرور بالفوائد وما يجري مجراها من الملاذّ، ونقيض الفرح:
الغمّ.
وقد يغتمّ الإنسان بضرر يتوهّمه من غير أن يكون له حقيقة وكذلك يفرح بما لا حقيقة له كفرح الحالم بالمنيّ وغيره، ولا يجوز أن يحزن أو يسرّ بما لا حقيقة له، وصيغة الفرح والسّرور فى العربيّة تنبىء عمّا قلناه فيهما «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: السرور- الرضا- طلاقة الوجه- التفاؤل- البشارة- التودد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحزن- العبوس- الكرب- الغضب- اليأس- القنوط- الجزع- السخط] .
__________
(1) الذريعة (339) .
(2) الكليات (508) بتصرف يسير.
(3) الفروق اللغوية (219- 220) .(7/3095)
الآيات الواردة في «الفرح»
1- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «1»
2- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «2»
3- وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «3»
4- الم (1)
غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) «4»
5- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «5»
الآيات الواردة في «الفرح» ولها معنى آخر
6- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «6»
7- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (188) «7»
__________
(1) آل عمران: 169- 171 مدنية
(2) يونس: 57- 58 مكية
(3) الرعد: 36- 37 مدنية
(4) الروم: 1- 5 مكية
(5) الروم: 36- 37 مكية
(6) آل عمران: 120 مدنية
(7) آل عمران: 188 مدنية(7/3096)
8- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) «1»
9- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) «2»
10- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) «3»
11- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) «4»
12- وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) «5»
13- اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (26) «6»
14- فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) «7»
15- فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) «8»
16-* إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) «9»
17- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «10»
18- ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) «11»
19- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83) «12»
20- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) «13»
__________
(1) الأنعام: 44- 45 مكية
(2) التوبة: 50 مدنية
(3) التوبة: 81 مدنية
(4) يونس: 22 مكية
(5) هود: 10 مكية
(6) الرعد: 26 مدنية
(7) المؤمنون: 53 مكية
(8) النمل: 36 مكية
(9) القصص: 76 مكية
(10) الروم: 32 مكية
(11) غافر: 75 مكية
(12) غافر: 83 مكية
(13) الحديد: 22- 23 مدنية(7/3097)
الأحاديث الواردة في (الفرح)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حضر المؤمن»
أتته ملائكة الرّحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّا عنك، إلى روح الله «2» وريحان «3» ، وربّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتّى إنّه ليناوله بعضهم بعضا، حتّى يأتون به باب السّماء، فيقولون: ما أطيب هذه الرّيح الّتي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه. فيسألونه: ماذا فعل فلان؟. ماذا فعل فلان؟
فيقولون: دعوه، فإنّه كان في غمّ الدّنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمّه الهاوية. وإنّ الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح «4» فيقولون:
اخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى عذاب الله- عزّ وجلّ- فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتّى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الرّيح، حتّى يأتون به أرواح الكفّار» ) * «5» .
2-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صار أهل الجنّة إلى الجنّة، وصار أهل النّار إلى النّار، أتي بالموت حتّى يجعل بين الجنّة والنّار. ثمّ يذبح. ثمّ ينادي مناد: يا أهل الجنّة لا موت. ويا أهل النّار! لا موت. فيزداد أهل الجنّة! فرحا إلى فرحهم. ويزداد أهل النّار حزنا إلى حزنهم» ) * «6» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يوعك فوضعت يدي عليه. فوجدت حرّه بين يديّ، فوق اللّحاف. فقلت: يا رسول الله! ما أشدّها عليك! قال: «إنّا كذلك. يضعّف لنا البلاء ويضعّف لنا الأجر» قلت: يا رسول الله! أيّ النّاس أشدّ بلاء؟
قال: «الأنبياء» قلت: يا رسول الله! ثمّ من؟ قال: «ثمّ الصّالحون. إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر. حتّى ما يجد أحدهم إلّا العباءة يحوّيها. وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرّخاء» ) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به. والصّيام جنّة «8» وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث «9» ولا يصخب «10» ، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف «11» فم
__________
(1) حضر المؤمن: أي حضرته الوفاة.
(2) روح الله: أي رحمته.
(3) ريحان: طيب.
(4) مسح: ثوب من الشعر الغليظ.
(5) النسائي (4/ 8) واللفظ له وصحيح النسائي (1729) . والصحيحة للألباني (1309) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6548) مسلم (2850) واللفظ له.
(7) ابن ماجة (4024) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات وبعضه في الصحيحين: الفتح 10 (5648) ومسلم (2571) من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
(8) جنّة: سترة ووقاية ومانع من الاثام.
(9) الرفث: السخف وفاحش الكلام.
(10) الصخب: الصياح.
(11) لخلوف: الخلوف تغير رائحة الفم.(7/3098)
الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» ) * «1» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ قال: يؤتى بالموت كأنّه كبش أملح حتّى يوقف على السّور بين الجنّة والنّار، فيقال: يا أهل الجنّة فيشرئبّون، ويقال: يا أهل النّار فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت فيضجع فيذبح، فلولا أنّ الله قضى لأهل الجنّة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحا. ولولا أنّ الله قضى لأهل النّار الحياة فيها والبقاء لماتوا ترحا» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دويّة «3» مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتّى أدركه العطش، ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت. فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «4» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّها قالت: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا «5» ضاحكا حتّى أرى منه لهواته «6» . إنّما كان يتبسّم. قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه فقالت: يا رسول الله أرى النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال «يا عائشة!، ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب. قد عذّب قوم بالرّيح.
وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» ) * «7» .
الأحاديث الواردة في (الفرح) معنى
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله- عزّ وجلّ- أنا عند ظنّ عبدي بي. وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ هم خير منهم. وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا.
وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت منه باعا. وإن أتاني يمشى أتيته هرولة «8» » ) * «9» .
9-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما-
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1904) واللفظ له. ومسلم (1151) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4730) ، ومسلم (2849) ، والترمذي (3156) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. والترح ضد الفرح.
(3) الأرض الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية.
(4) البخاري- الفتح 11 (6308) ومسلم (2744) واللفظ له.
(5) مستجمعا: المستجمع المجد في الشيء، القاصد له.
(6) لهواته: اللهوات جمع لهاة. وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك.
(7) البخاري- الفتح 8 (4828- 4829) . ومسلم (2744) واللفظ له.
(8) هرولة: الهرولة بين المشي والعدو، وهو كناية عن سرعة إجابة الله تعالى وقبول توبة العبد.
(9) البخاري- الفتح 13 (7405) ، ومسلم (2675) واللفظ له.(7/3099)
قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله. اشهد أنّي قد نحلت «1» النّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: «أكلّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النّعمان؟» قال: لا. قال: «فأشهد على هذا غيري» . ثمّ قال: «أيسرّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء؟» قال:
بلى. قال: «فلا، إذا» ) * «2» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده: لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «3» .
11-* (عن قرّة بن إياس- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه ابن له فقال له:
«أتحبّه؟» فقال: أحبّك الله كما أحبّه. فمات ففقده فسأل عنه. فقال: «ما يسرّك ألاتأتي بابا من أبواب الجنّة إلّا وجدته عنده يسعى يفتح لك» ) * «4» .
12-* (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين، وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال:
«أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» .
قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «5» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا، يا رسول الله. قال «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فإنّكم ترونه كذلك ... الحديث وفيه: ثمّ يقول الله تبارك وتعالى: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النّار. فإذا أقبل على الجنّة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثمّ يقول: أي ربّ، قدّمني إلى باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الّذي أعطيتك.
ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك! فيقول: أي ربّ، ويدعو
__________
(1) نحلت: بفتح النون والمهملة، والنّحلة بكسر النون: العطيّة بغير عوض.
(2) البخاري- الفتح 5 (2587) ، ومسلم (1623) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له. ومسلم (15) .
(4) النسائي (4/ 23) . واللفظ له (3/ 23) . وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1764) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له. ومسلم (2961) .(7/3100)
الله حتّى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا. وعزّتك، فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «1» له الجنّة. فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ، أدخلني الجنّة. فيقول الله تبارك وتعالى له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك ألاتسأل غير ما أعطيت؟ ويلك يا ابن آدم! ما أغدرك! فيقول:
أي ربّ، لا أكون أشقى خلقك. فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله تبارك وتعالى منه. فإذا ضحك الله منه، قال: ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه.
فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكّره من كذا وكذا، حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ. قال الله تعالى: ذلك لك ومثله معه» . قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة» ) * «2» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال:
أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب، حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة «3» الجنّة فليلزم الجماعة. من سرّته حسنته وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «4» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنّيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث «5» ، قالت: وليستا بمغنّيتين «6» . فقال أبو بكر: أبمزمور الشّيطان «7» في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا بكر، إنّ لكلّ قوم عيدا، وهذا عيدنا» ) *» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلّا الله خالصا من قبل نفسه» ) * «9» .
__________
(1) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت.
(2) البخاري- الفتح 12 (7437) ومسلم (182) واللفظ له.
(3) بحبوحة الجنة: أوسطها وأوسعها وأرجحها.
(4) الترمذي (2165) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 669) : إسناده حسن. والبغوي في شرح السنة (11/ 22) . والحاكم في المستدرك (1/ 114) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث: أي قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء. ويوم بعاث: هو يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج واستمرت حتى جاء الإسلام. وبعاث: هو موضع من المدينة المنورة.
(6) وليستا بمغنيتين: معناه ليس الغناء عادة لهما.
(7) بمزمور الشيطان: بضم الميم الأولى وفتحها، والضم أشهر ويقال أيضا: مزمار، وأصله صوت بصفير، والزمير: الصوت الحسن، ويطلق على الغناء أيضا.
(8) البخاري- الفتح 2 (949) . ومسلم (892) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 11 (6570) .(7/3101)
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّساء خير؟ قال: «الّتي تسرّه إذا نظر «1» ، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الفرح)
18-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سمع صوتا من قبر فقال: «متى مات هذا؟» قالوا: مات في الجاهليّة. فسرّ بذلك «3» وقال: «لولا أن لا تدافنوا «4» لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر» ) * «5» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: «ألم تري أنّ مجزّزا «6» نظر آنفا «7» إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد. فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض» ) * «8» .
20-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عليهم الصّوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة فحثّ النّاس على الصّدقة، فأبطأوا عنه، حتّى رؤي ذلك في وجهه. قال: ثمّ إنّ رجلا من الأنصار جاء بصرّة من ورق. «9» وجاء آخر. ثمّ تتابعوا، حتّى عرف السّرور في وجهه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها. ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة، فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء» ) * «10» .
21-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان معنا أناس من الأعراب، فكنّا نبتدر «11» الماء، وكان الأعراب يسبقوننا إليه، فسبق أعرابيّ أصحابه، فسبق الأعرابيّ فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النّطع «12» عليه حتّى تجيء أصحابه، قال: فأتى رجل من الأنصار
__________
(1) إذا نظر: أي إذا نظر الزوج لحسنها ظاهرا، أو لحسن أخلاقها باطنا ودوام اشتغالها بطاعة الله والتقوى.
(2) أحمد في المسند (2/ 251) والنسائي (6/ 68) ، والحاكم في المستدرك (2/ 61) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) فسر بذلك: المراد أزيل عنه ما لحقه من الغم والحزن باحتمال أن يكون الميت مؤمنا معذبا في القبر.
(4) لولا ألاتدافنوا: أي لولا خشية أن يفضي سماعكم إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا.
(5) مسلم (2868) . والنسائي (4/ 102) واللفظ له.
(6) مجزز: هو من بني مدلج، وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد وفي الحديث أن مجززا كان قائفا أي يتتبع الاثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه.
(7) آنفا: أي قريبا.
(8) البخاري- الفتح 12 (6770) واللفظ له. ومسلم (1459) .
(9) الورق: الدراهم.
(10) مسلم (1017) .
(11) نبتدر الماء: نتسابق ونسرع إليه.
(12) النطع: بساط من الجلد.(7/3102)
أعرابيّا فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قباض «1» الماء، فرفع الأعرابيّ خشبته فضرب بها رأس الأنصاريّ فشجّه، فأتى عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله ابن أبيّ ثمّ قال كما حكى القرآن الكريم ذلك: لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (المنافقون/ 7) ، يعني الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الطّعام، فقال عبد الله: إذا انفضّوا من عند محمّد فأتوا محمّدا بالطّعام، فليأكل هو ومن معه، ثمّ قال لأصحابه كما حكى القرآن الكريم ذلك:
لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (المنافقون/ 8) قال زيد: وأنا ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: فسمعت عبد الله بن أبيّ فأخبرت عمّي، فانطلق فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليه «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحلف وجحد. قال: فصدّقه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبني.
قال: فجاء عمّي إليّ، فقال: ما أردت إلّا أن مقتك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبك والمسلمون. قال: فوقع عليّ من الهمّ ما لم يقع على أحد. قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا. ثمّ إنّ أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: ما قال شيئا، إلّا أنّه عرك أذني وضحك في وجهي. فقال:
أبشر، ثمّ لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلمّا أصبحنا قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة المنافقين» ) * «3» .
22-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أتاه أمر «4» يسرّه أو يسرّ به، خرّ ساجدا، شكرا لله- تبارك وتعالى-» ) * «5» .
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه ... الحديث وفيه: قالت: فو الله ما رام «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.
فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «7» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «8» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي «9» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة، أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت:
فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (24/ النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو
__________
(1) قباض الماء: بكسر القاف، والمراد به ما يقبض به الماء، ويمسك من الحجارة وغيرها.
(2) فأرسل إليه: أي إلى عبد الله.
(3) الترمذي (3313) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وكذا رواه البيهقي عن الحاكم بن عبد الله بسندين قويين.
(4) أمر: أي أمر عظيم، جليل القدر، رفيع المنزلة.
(5) ابن ماجه (1394) واللفظ له. والترمذي (1578) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (2744) ، والدارقطني (157) ، والبيهقي (2/ 370) ، وأحمد (5/ 45) . والحديث بمجموع طرقه حسن. راجع الإرواء (2/ 226) .
(6) ما رام: أي ما فارق.
(7) البرحاء: هي الشدة.
(8) ليتحدر مثل الجمان: أي يتصبب مثل الدرّ. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(9) سرّى: أي كشف وأزيل.(7/3103)
بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (24/ النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ «1» .
24-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر.
ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد ... الحديث. وفيه:. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا.
قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «2» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر. قال: فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فاذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس «3» بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس.
فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله، ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يتلقّاني النّاس فوجا فوجا «5» ، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله، ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال:
فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟
فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك.... الحديث» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفرح)
1-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت أسماء بنت عميس، وهي ممّن قدم معنا، على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر:
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2661) . ومسلم (2770) واللفظ له.
(2) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف.
(3) آذن الناس: أي أعلمهم.
(4) أتأمم: أي أقصد.
(5) فوجا: الفوج الجماعة.
(6) البخاري- الفتح 7 (4418) مسلم (2769) واللفظ له.(7/3104)
الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر! كلّا، والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «1» في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف. وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. ووالله لا أكذب ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «2» . يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
2-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أمّ مكتوم، وكانوا يقرئون النّاس، فقدم بلال وسعد وعمّار ابن ياسر ثمّ قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما قدم حتّى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى في سور من المفصّل» ) *» .
3-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
لمّا كان يوم بدر ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت الم* غُلِبَتِ الرُّومُ (الروم/ 1- 2) إلى قوله يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ (الروم/ 4- 5) .
قال: ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس» ) * «5» .
4-* (عن سهل- رضي الله عنه- قال: «كنّا نفرح يوم الجمعة. قلت لسهل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة: نخل بالمدينة «6» فتأخذ من أصول السّلق «7» فتطرحه في قدر وتكركر «8» حبّات من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا ونسلّم عليها، فتقدّمه إلينا، فنفرح من أجله، وما كنّا نقيل «9» ولا نتغدّى إلّا بعد الجمعة» ) * «10» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله. إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم
__________
(1) البعداء البغضاء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين لأنهم كفار، إلا النجاشي. وكان يستخفي بإسلامه عن قومه.
(2) أرسالا: أفواجا.
(3) البخاري- الفتح 7 (3136) . ومسلم (2503) واللفظ له. ورد هذا الأثر في سياقة حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر.
(4) البخاري- الفتح 7 (3925) . وقوله: «في سور من المفصل» أي مع سور من المفصل.
(5) الترمذي (3192) . وقال: حسن غريب.
(6) نخل بالمدينة: تفسير لبضاعة، والمراد بالنخل البستان ولذلك كان يؤتى منها بالسلق.
(7) السّلق: نبت له ورق طوال وأصل ذاهب في الأرض وورقه رخص يطبخ.
(8) تكركر: أي تطحن.
(9) نقيل من القيلولة: نومة نصف النهار، أو استراحة إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم.
(10) البخاري- الفتح 11 (6248) .(7/3105)
فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «1» ، فسمعت أمّي خشف قدميّ «2» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «3» . قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثمّ قالت:
يا أبا هريرة، أشهد ألاإله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله، أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال: «خيرا» . قال: قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني «4» .
6-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضا: الفرح والسّرور بالرّبّ تبارك وتعالى» ) * «5» .
من فوائد (الفرح)
1- الفرح بفضل الله يستتبع الشكر ومزيد الفضل.
2- الفرح بفضل الله علامة الإيمان به، وكونه المصدر الحقيقيّ له.
3- الفرح بفضل الله يشيع المودّة بين المؤمنين.
4- الفرح بالابتلاء دليل القرب من الله والرّضا بقضائه.
5- فرح الله بتوبة عبده باعث إلى المسارعة بها وإقلاع العبد عن المعصية.
6- فرح المرء باستقامة الاخرين يشيع الحبّ في المجتمع. ويجلب القرب من الله تعالى.
7- الفرح بفضل الله ثمرة الرّضا من الله على العبد.
__________
(1) مجاف: مغلق.
(2) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض.
(3) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(4) مسلم (2491) . ورد هذا الأثر في سياقه حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر.
(5) مدارج السالكين (2/ 183) .(7/3106)
الفضل
الفضل لغة:
مصدر قولهم: فضل يفضل، وهو مأخوذ من مادّة (ف ض ل) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على زيادة في شيء، من ذلك: الفضل: الزّيادة في الخير «1» ، وقال الجوهريّ: الفضل والفضيلة: خلاف النّقص والنّقيصة، والإفضال: الإحسان، والمتفضّل:
الّذي يدّعي الفضل على أقرانه «2» ، وقال صاحب المفردات: الفضل: الزّيادة عن الاقتصار، وذلك على ضربين: محمود كفضل الحلم والعلم، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه، والفضل في المحمود أكثر استعمالا والفضول في المذموم «3» (أكثر) ، والفضيلة: الدّرجة الرّفيعة في الفضل، والفواضل:
الأيادي الجسيمة «4» ، والفضل والفضالة: البقيّة، والتّفاضل بين القوم: أن يكون بعضهم أفضل من بعض، ورجل فاضل: ذو فضل، ورجل مفضول: قد فضله غيره، وقولهم: فضل فلان على غيره إذا غلب بالفضل عليه، وفي التّنزيل العزيز: يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ الآيات/ الأحاديث/ الاثار 72/ 17/ 11
عَلَيْكُمْ (المؤمنون/ 24) معناه: يريد أن يكون له الفضل عليكم في القدر والمنزلة «5» ، وقال القرطبيّ:
المعنى: يريد أن يترفّع عليكم ويتعاظم بدعوى النّبوّة «6» ، وقال القرطبيّ: المعنى: يسودكم ويشرف عليكم بأن يكون متبوعا وأنتم له تبع «7» ، ويقال:
فضّلته على غيره تفضيلا: إذا حكمت له بذلك، أو صيّرته كذلك، وأفضل عليه: زاد، قال ذو الإصبع:
لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب ... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني
وأفضل الرّجل على فلان وتفضّل بمعنى أناله من فضله وأحسن إليه، ويقال (أيضا) : تفضّلت عليه وأفضلت بمعنى: تطوّلت «8» ، ويقال: رجل مفضال: كثير الفضل والخير والمعروف، وامرأة مفضالة على قومها: إذا كانت ذات فضل سمحة «9» ، أمّا قول الله عزّ وجلّ: وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (هود/ 3) فمعناه كما قال ابن كثير: أي (جزاء) فضله في الدّار
__________
(1) مقاييس اللغة 4/ 508، وفي الأصل الزيادة والخير.
(2) الصحاح 5/ 1791.
(3) المفردات للراغب 381 (تحقيق: كيلاني) .
(4) في اللسان: الأيادي الجميلة، وقد جمع الفيروز ابادي في القاموس بين الأمرين فقال: الفواضل: الأيادي الجسيمة أو الجميلة. انظر: القاموس المحيط 1348 (ط. بيروت) .
(5) لسان العرب 11/ 524 (ط. بيروت) .
(6) تفسير ابن كثير 3/ 254.
(7) تفسير القرطبي 12/ 118، وفيه «ونحن له تبع» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
(8) يشير ابن منظور بذلك إلى أن كلّا من التفضل والإفضال قد يأتي بمعنى الإحسان إلى الغير، ويأتي أيضا بمعنى التطوّل (أو التّطاول) عليهم.
(9) لسان العرب 11/ 524.(7/3107)
الآخرة «1» ، وقال أبو حيّان: المعنى: يعطى في الآخرة كلّ من كان له فضل في عمل الخير زيادة تفضّل بها المولى عزّ وجلّ (على ما كان له) ، وعلى هذا فالضّمير في «فضله» يرجع إلى الله عزّ وجلّ، ويجوز أن يرجع الضّمير إلى «كل» أي إلى ذي الفضل في الدّنيا، ومن ثمّ يكون المعنى: يعطى جزاء ذلك الفضل الّذي عمله في الدّنيا لا يبخس منه شيء «2» ، والفضل في الحديث الشّريف: «إنّ لله ملائكة سيّارة فضلا» (بضمّ الضّاد وتسكينها) معناه: زائدين عن الملائكة المرتّبين مع الخلائق «3» .
الفضل اصطلاحا:
قال الرّاغب: الفضل: كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي «4» .
وقال الجرجانيّ: الفضل: هو ابتداء إحسان بلا علّة «5» .
أنواع الفضل:
قال الرّاغب: الفضل إذا استعمل لزيادة شيء على آخر فأنواعه ثلاثة:
الأوّل: فضل من حيث الجنس كفضل الحيوان على النّبات.
الثّاني: فضل من حيث النّوع كفضل الإنسان على غيره من الحيوان.
الثّالث: فضل من حيث الذّات كفضل إنسان على آخر.
ولا سبيل للنّاقص في النّوعين الأوّلين أن يزيل نقصه وأن يستفيد الفضل، كالفرس والحمار لا يمكنهما أن يستفيدا الفضل الّذي للإنسان، أمّا النّوع الثّالث فقد يكون:
أ- عرضيّا فيوجد السّبيل إلى اكتسابه وذلك كفضل المال أو الرّزق وما أشبههما.
ب- قد يكون ذاتيّا كفضل الرّجل على المرأة، وذلك بما خصّ الله به الرّجال من الفضيلة الذّاتيّة وبما أعطاهم من المكنة والمال والجاه والقوّة، ومن هذا أيضا فضل بعض النّبيّين على بعض بما فضّلهم الله به «6» ، وهذا القسم لا يمكن اكتسابه كالنّوعين الأوّلين لعدم تعلّقه بمشيئة المفضّل أو المفضول عليه.
أمّا إذا استعمل لفظ الفضل في معنى الكمال فإنّ لعلماء «الأخلاق» فيه رأيا خاصّا يمكن استنباطه من تعريفهم للإنسان الفاضل، فمن هو الإنسان الفاضل؟
الإنسان الفاضل: هو- في رأي الماورديّ- من غلبت فضائله رذائله فقدر بوفور الفضائل على قهر الرّذائل فسلم من شين النّقص، وسعد بفضيلة التّخصيص «7» ، ولا يكون ذلك إلّا بمجاهدة النّفس،
__________
(1) تفسير ابن كثير 2/ 451.
(2) تفسير البحر المحيط لأبي حيان 5/ 202 (بتصرف يسير) .
(3) النهاية لابن الأثير 3/ 455.
(4) المفردات للراغب ص 382 (ت: كيلاني) .
(5) التعريفات للجرجاني ص 174.
(6) المفردات للراغب ص 382.
(7) لعل المراد بالتخصيص هنا «الكمال» المتمثل في قهر الغرائز البهيمية بالعقل الذي منحه الله له وخصّه به دون سائر المخلوقات، أو أن المراد هو التخصيص بالكمالات دون النقائص.(7/3108)
وهذه المجاهدة هي الّتي أطلق عليها الشّيخ دراز مصطلح «جهد المدافعة» ويراد بها: تلك العمليّة الّتي نضع فيها في مواجهة الميول الخبيثة الّتي تحثّنا على الشّرّ قوّة مقاومة قادرة على دفع تأثيرها «1» .
أمّا ابن مسكويه فإنّه يعرّف الإنسان الفاضل بأنّه: الإنسان الخيّر صاحب الإحسان الذّاتيّ الّذي يبقى ولا ينقطع ويتزايد على الأيّام ولا ينتقص «2» ، ومن كانت هذه سيرته فإنّه يسرّ نفسه، ويسرّ به غيره، ويختار كلّ إنسان مواصلته ومصادقته، فهو صديق نفسه، والنّاس أصدقاؤه، وليس يضادّه إلّا الشّرّير «3» ، ومن النّاس من يصطنع المعروف لأجل الخير نفسه، ومنهم من يصطنعه لأجل الذّكر الجميل، ومنهم من يصطنعه رياء فقط، وأعلى هؤلاء مرتبة من صنع الخير لذاته، وصاحب هذه الرّتبة لا يعرف الذّكر الجميل والثّناء الباقي. ومن سار بهذه السّيرة واختارها لنفسه فقد أحسن إليها وأنزلها في الشّرف الأعلى وأهّلها لقبول الفيض الإلهيّ، وإذا كان بهذه الحال فهو لا محالة يفعل سائر الخيرات، وينفع غيره ببذل الأموال والسّماحة بجميع ما يتشاح النّاس عليه «4» .
إنّ الّذي أشار إليه ابن مسكويه هنا من صفة الإنسان الفاضل قد عبّر عنه الشّيخ دراز بأنّه: «الجهد المبدع» وذكر أنّ لهذا الجهد ثلاث درجات:
الأولى: الاختيار الإراديّ المتمثّل في البحث الجادّ عن الحلّ الّذي يجب أن نأخذ أنفسنا به ولا نكل أمر تحديد إرادتنا إلى تصاريف الطّبيعة الخارجيّة ولا إلى حركات فطرتنا الدّاخليّة، وإنّما نسمو فوق جميع الاعتبارات الظّاهرة والباطنة، ويعقب هذا البحث الجادّ إرادة واختيار لهذا الحلّ، وكلّ ما هو دون ذلك فعجز وخور.
الثّانية: وتتمثّل في اختيار الصّالح، ولا بدّ هنا من استلهام روح الشّرع والتّطابق مع قواعده، وقد يحدث في الواقع أن يكون أحد الحلول كافيا ليوصف بأنّه صالح، وأن يكون هناك حلّ آخر أقلّ من أن يستحقّ هذا الوصف، مثال ذلك «الصّدقة» فهذه المساعدة الماليّة الّتي يريد المتصدّقون أن يقدّموها للفقراء قد تختلف على ما لا يحصى من الدّرجات تبعا لكرمهم ابتداء من الفلس»
وانتهاء بهبة الثّروة كلّها، ولكنّ الشّرع الأخلاقيّ في الإسلام لم يدع الأمور فوضى، فالحدّ الأدنى هو الزّكاة المفروضة والحدّ الأقصى هو ثلث الثّروة الكلّيّة، وواجب المسلم (الفاضل) أن يتحاشى الطّرفين المحرّمين، فلا يقلّ عن مقدار الزّكاة ولا يزيد عن الثّلث وهو الحدّ الأقصى المباح.
الثّالثة: تتمثّل هذه المرحلة الثّالثة من الجهد
__________
(1) دستور الأخلاق في القرآن الكريم ص 594.
(2) وهذا بخلاف الإحسان العارض الذي ليس بخلقيّ ولا هو سيرة لصاحبه فإنه ينقطع ويقع فيه اللّوم. انظر: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 126.
(3) أطلق الجاحظ على «الإنسان الفاضل» عند كل من الماوردي وابن مسكويه اسم «الإنسان التام» وعرّفه بأنّه: هو الذي لم تفته فضيلة ولم تشنه رذيلة، انظر: تهذيب الأخلاق للجاحظ ص 49.
(4) باختصار وتصرف عن تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 12- 28.
(5) الفلس عملة ذات قيمة متدنية وجمعها فلوس.(7/3109)
المبدع في البحث عن الأفضل، ولعلّ أوضح الأمثلة الّتي تحثّ على ذلك ما حدث قبل غزوة بدر عندما أخبر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله وعده إحدى الطّائفتين:
العير أو النّفير، وقد مال الاتّجاه العامّ أوّل الأمر إلى الحلّ الأقلّ خطرا، والأكثر فائدة، ولكنّ الله عزّ وجلّ كان يريد أكثر الحلول تأثيرا وأعظمها شرفا، وأقدرها على حسم النّزاع بين الشّرّ والباطل، وقد كان، وهكذا فقد دعا الإسلام أتباعه إلى أن يبتغوا في سلّم الأعمال أسماها وأقواها تأثيرا «1» ، ثمّ خلص إلى القول إلى: أنّ العناصر الّتي يتكوّن منها الجهد المبدع هي: الاختيار الإراديّ، والاختيار الصّالح، والاختيار الأفضل، فالعنصر الأوّل هو روح الأخلاق بعامّة، والثّاني يقدّم إلى كلّ نوع من الأخلاق الخاصّة نوعيّتها المختلفة، وأمّا الثّالث فهو الّذي يتمّ عمل الاثنين ويكمله «2» .
إنّ كلمة «الأفضل» (ومن ثمّ وصف عمل ما بهذا الوصف وإطلاق لقب الفاضل على صاحبه) لا ينبغي أن تؤخذ على أساس أنّها صيغة الحدّ الأعلى، بل على أساس المقارنة، لأنّ المستوى الّذي يندب جهد كلّ إنسان إلى أن يبلغه (ليكون فاضلا) ليس هو الدّرجة الحدّيّة الّتي تقع فوق التّكليف، وإنّما في هذا الامتداد المتراحب الّذي يتّسع لتنافس كلّ النّاس، حيث يدعى كلّ واحد منهم إلى أن يرتقي بالتّدريج، من نقطة لاخرى، بحسب قدراته، ومع مراعاة ما بقي من تكاليفه «3» .
لفظ الفضل في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: الأصل في الفضل: الزّيادة، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة، وقد ذكر أهل التّفسير أنّ الفضل في القرآن الكريم على ثمانية أوجه:
الأوّل: الإنعام بالإسلام كما في قوله تعالى:
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ (آل عمران/ 73) .
الثّاني: الإنعام بالنّبوّة، ومنه قوله عزّ وجلّ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(النساء/ 113) .
الثّالث: الرّزق في الدّنيا، ومنه قوله سبحانه:
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (الجمعة/ 10) .
الرّابع: الرّزق في الجنّة، ومنه قول الله عزّ وجلّ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ (آل عمران/ 171) .
الخامس: الجنّة ومنه قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (الأحزاب/ 47) .
السّادس: المنّة والنّعمة، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ (يوسف/ 38) .
السّابع: الخلف (ممّا ينفق في سبيل الله) «4» ،
__________
(1) انظر صفة: علو الهمة.
(2) باختصار وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن ص 613- 622.
(3) المرجع السابق، ص 622.
(4) في الأصل: الحلف بالحاء ولا معنى له، وقد زاد محقق الكتاب الطين بلة فقال وفي نسخة الخلق (بالخاء) ، والصواب ما أثبتناه لأن الاية الكريمة جاءت في سياق الحث على الإنفاق وبيان أن الشيطان يخوف أولياءه من الفقر ويأمرهم بالفحشاء-(7/3110)
ومن ذلك قول الله تعالى وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا (البقرة/ 268) .
الثّامن: التّجاوز (بالعفو عن السّيّئات) ومنه قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ (البقرة/ 243) «1» .
وقد زاد الفيروز اباديّ إلى ذلك معاني أخر منها:
التّاسع: المعجزة والكرامة، كما في قوله تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا (سبأ/ 10) .
العاشر: تأخير العذاب، وذلك كما في قوله تعالى وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 14) .
الحادي عشر: الظّفر والغنيمة، وذلك كما في قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ (آل عمران/ 174) .
الثّاني عشر: قبول التّوبة والإنابة، وذلك كما في قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (النور/ 20) .
الثّالث عشر: زيادة الثّواب والكرامة، ومنه قول الله تعالى: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ (الحديد/ 29) .
ويمكن أن نضيف إلى ذلك المعاني الاتية «2» :
الرّابع عشر: المعروف والإحسان كما في قوله تعالى وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ 22) .
الخامس عشر: الشّفاعة في الآخرة، ومن ذلك قوله سبحانه: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ (فاطر/ 30) .
السّادس عشر: الخير والنّعمة، كما في قوله تعالى: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ (يونس/ 107) .
السّابع عشر: التّميّز في الخلق أو الرّزق، وذلك كما في قوله سبحانه: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ (هود/ 27) .
وسوف نحاول فيما يلي تصنيف الآيات الكريمة الواردة في الفضل وفقا لهذه المعاني.
[للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الإحسان- الشفاعة- الصفح- الجود- الكرم- السماحة- الإيثار- الإنصاف- البر- بر الوالدين- الشكر- الحمد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: انكار الجميل- الإعراض- الإساءة- الغافلة- التعسير- الانتقام- الشماتة- النقمة- الأثرة- البخل- الشح- عقوق الوالدين] .
__________
- أي البخل، والله عز وجل يعد أولياءه بالمغفرة وأن يعطيهم فضلا أي خلفا عما أنفقوه في سبيله ويكون ذلك بالرزق في الدنيا والنعيم في الآخرة، انظر في تفسير الاية: القرطبي 3/ 329، والتفسير القيم ص 168.
(1) ذكر الفيروز ابادي معاني أخرى تتعلق بالتفضيل وليس لذلك علاقة بما نحن بصدده، ولذلك لم نذكرها.
(2) اعتمدنا في إثبات المعاني التي لم يذكرها الفيروز ابادي وابن الجوزي على كتب التفسير وخاصة تفسير الطبري وابن كثير وتفسير أبي حيان (البحر المحيط) .(7/3111)
الآيات الواردة في «الفضل»
أولا: الفضل هو الإنعام بالإسلام (والتوحيد) :
1- وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «2»
3- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «3»
4- وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) «4»
5- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) «5»
6- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) «6»
ثانيا: الفضل هو الإنعام بالنبوة:
7- وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «7»
8- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «8»
__________
(1) آل عمران: 73- 74 مدنية
(2) المائدة: 54 مدنية
(3) يونس: 58 مكية
(4) يوسف: 38 مكية
(5) الحجرات: 7- 8 مدنية
(6) الجمعة: 2- 4 مدنية
(7) البقرة: 89- 90 مدنية
(8) البقرة: 105 مدنية(7/3112)
9- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) «1»
10- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(113) «2» *
11- وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) «3»
ثالثا: الفضل هو الرزق في الدنيا:
12- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «4»
13- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «5»
14- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «6»
15- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) «7»
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «8»
17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «9»
18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «10»
__________
(1) النساء: 54 مدنية
(2) النساء: 113 مدنية
* ذكر القرطبي في تفسير هذه الاية أن الفضل هنا بمعنى العصمة والتبين على الحق
(3) الإسراء: 86- 87 مكية
(4) البقرة: 198 مدنية
(5) آل عمران: 180 مدنية
(6) النساء: 32 مدنية
(7) النساء: 37 مدنية
(8) المائدة: 2 مدنية
(9) الأنفال: 29 مدنية
(10) التوبة: 28 مدنية(7/3113)
19- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «1»
20- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) * وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) «2»
21- وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) «3»
22- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) «4»
23- انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «5»
24- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «6»
25- وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «7»
26- وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) «8»
27- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) «9»
28- وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) «10»
__________
(1) التوبة: 59 مدنية
(2) التوبة: 74- 76 مدنية
(3) النحل: 14 مكية
(4) الإسراء: 12 مكية
(5) الإسراء: 21 مكية
(6) النور: 32- 33 مدنية
(7) القصص: 73 مكية
(8) الروم: 23 مكية
(9) الروم: 46 مكية
(10) فاطر: 12 مكية(7/3114)
29-* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) «1»
30- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) «2»
31- فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) «3»
32-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(20) «4»
رابعا: الرزق في الجنة:
33- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «5»
34- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «6»
خامسا: الجنة (وما فيها من القربى واللقاء والرؤية) :
35- وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) «7»
36- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «8»
37- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
__________
(1) الجاثية: 12 مكية
(2) الحشر: 8 مدنية
(3) الجمعة: 10 مكية
(4) المزمل: 20 مكية
(5) آل عمران: 169- 171 مكية
(6) النساء: 174- 175 مدنية
(7) هود: 3 مكية
(8) الروم: 44- 45 مكية(7/3115)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) «1» *
39- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) «2»
40- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «3»
41- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «4»
سادسا: المنة والنعمة:
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «5»
43- وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) «6»
44- وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) «7»
45- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «8»
46- الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «9»
47- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) «10»
48- لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) «11»
__________
(1) فاطر: 32- 33 مكية
* قيل في معنى الفضل في الاية الكريمة قولان آخران هما: الاصطفاء وإتيانهم الكتاب، انظر تفسير الاية الكريمة في تفسير القرطبي 14/ 349.
(2) الشورى: 22 مكية
(3) الفتح: 29 مدنية
(4) الحديد: 21 مدنية
(5) البقرة: 251 مدنية
(6) النساء: 83 مدنية
(7) الأعراف: 39 مكية
(8) النور: 10 مدنية
(9) فاطر: 35 مكية
(10) غافر: 61 مكية
(11) الدخان: 56- 57 مكية(7/3116)
سابعا: الخلف* مما أنفق في الخير:
49- الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) «1»
ثامنا: التجاوز والعفو:
50-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) «2»
51- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «3»
52- وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) «4»
تاسعا: الفضل بمعنى المعجزة والكرامة:
53- وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) «5»
54- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «6»
55-* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) «7»
عاشرا: الفضل بمعنى تأخير العذاب وإمهال العقوبة:
56- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) «8»
57- قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) «9»
__________
(1) البقرة: 268 مدنية
* ذكرنا قبلا أنه قد حدث تصحيف لهذه الكلمة (الخلف) في نزهة الأعين النواظر، وقد خالف الفيروز ابادي فجعل الفضل في الاية بمعنى البر والصدقة، وقد جعل ذلك في مقابل الفحشاء التي يدعو إليها الشيطان أولياءه، وقد أفاض أبن القيم في شرح هذه الاية في التفسير القيم ص 168 وخلاصة ما ذهب إليه أن الله عز وجل يعد عبده مغفرته لذنوبه، وفضلا بأنه يخلف عليه أكثر مما أنفق في الدنيا.
(2) البقرة: 243 مدنية
(3) ال عمران: 152 مدنية
(4) يونس: 60 مكية
(5) النمل: 16 مكية
(6) النمل: 40 مكية
(7) سبأ: 10 مكية
(8) النور: 14 مدنية
(9) النمل: 72- 73 مكية(7/3117)
حادي عشر: الظفر والغنيمة:
58- فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1»
59- وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) «2»
ثاني عشر: قبول التوبة والإنابة:
60- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) «3»
61-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «4»
ثالث عشر: زيادة الثواب والكرامة:
62- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «5»
63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «6»
رابع عشر: المعروف والإحسان:
64- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «7»
65- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «8»
خامس عشر: الشفاعة في الآخرة:
66- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا
__________
(1) آل عمران: 174 مدنية
(2) النساء: 73 مدنية
(3) البقرة: 63- 64 مدنية
(4) النور: 21 مدنية
(5) النساء: 69- 70 مدنية
(6) الحديد: 28- 29 مدنية
(7) البقرة: 237 مدنية
(8) البقرة: 22 مدنية(7/3118)
وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «1»
67- رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «2»
68- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «3»
69- وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «4»
سادس عشر: الفضل بمعنى الخير والعفة:
70- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «5»
سابع عشر: الفضل بمعنى التميز:
71- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) «6»
72- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) «7»
__________
(1) النساء: 173 مدنية
(2) النور: 37- 38 مدنية
(3) فاطر: 29- 30 مكية
(4) الشورى: 26 مكية
(5) يونس: 107 مكية
(6) هود: 27 مكية
(7) المؤمنون: 24 مكية(7/3119)
الأحاديث الواردة في (الفضل)
1-* (عن عديّ بن حاتم قال: «بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: «يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: «فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله» - قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعّار طييء الّذين قد سعّروا البلاد؟
«ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى» . قلت:
كسرى ابن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه.
وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟
فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟
فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم» ، قال عديّ سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيّبة» . قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج ملء كفّه» ) * «1» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا أخذ مضجعه: الحمد لله الّذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والّذي منّ عليّ فأفضل، والّذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كلّ حال، اللهمّ ربّ كلّ شيء ومليكه، وإله كلّ شيء، أعوذ بك من النّار» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان في سفر فأسحر يقول:
«سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا، اللهمّ صاحبنا فأفضل علينا، عائذا بالله من النّار» ) * «3» .
4-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا ابن آدم، إنّك أن تبذل الفضل «4» خير لك، وأن تمسكه شرّ لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «5» .
5-* (عن سالم بن عبد الله عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّه أخبره أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّما
__________
(1) البخاري- الفتح 6/ (3595) .
(2) سنن أبي داود (5058) . وابن حبان رقم (5538) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 258) : إسناده حسن.
(3) مسلم رقم (2718) وسنن أبي داود (5086) . وانظر «جامع الأصول» (4/ 289) .
(4) الفضل هنا ما زاد عن حاجة المرء وحاجة عياله.
(5) مسلم (1036) .(7/3120)
بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشّمس، أوتي أهل التّوراة التّوراة، وأوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر، ثمّ عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثمّ أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشّمس، فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أي ربّنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطا قيراطا، ونحن كنّا أكثر عملا، قال: قال الله عزّ وجلّ: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لن يدخل أحدا عمله الجنّة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله بفضل ورحمة، فسدّدوا، وقاربوا، ولا يتمنّين أحدكم الموت، إمّا محسنا، فلعلّه أن يزداد خيرا، وإمّا مسيئا فلعلّه أن يستعتب» ) * «2» .
7- عن أبي الزّبير- رضي الله عنه- قال: كان ابن الزّبير يقول في دبر كلّ صلاة، حين يسلّم: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا حول ولا قوّة إلّا بالله، لا إله إلّا الله، ولا نعبد إلّا إيّاه، له النّعمة وله الفضل، وله الثّناء الحسن، لا إله إلّا الله مخلصين له الدّين، ولو كره الكافرون» وقال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهلّل «3» بهنّ دبر كلّ صلاة» ) * «4» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليصيبنّ أقواما سفع من النّار بذنوب أصابوها عقوبة، ثمّ يدخلهم الله الجنّة بفضل رحمته، يقال لهم الجهنّميّون» ) * «5» .
9-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلّا غفر الله لهما بفضل رحمته إيّاهم» ) * «6» .
10- عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يدعو الله بصاحب الدّين يوم القيامة حتّى يوقف بين يديه، فيقال: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدّين وفيم ضيّعت حقوق النّاس؟ فيقول: يا ربّ إنّك تعلم أنّي أخذته فلم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، ولم أضيّع ولكن أتى على يدي إمّا حرق، وإمّا سرق، وإمّا وضيعة، فيقول الله عزّ وجلّ: صدق عبدي، أنا أحقّ من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء فيضعه في كفّة ميزانه، فترجح حسناته على سيّئاته، فيدخل الجنّة بفضل رحمته» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح (577) .
(2) البخاري- الفتح (5673) واللفظ له، ومسلم (2816) .
(3) يهلل بهن أي يرفع بهن صوته.
(4) مسلم (594) .
(5) البخاري- الفتح (7450) .
(6) سنن النسائي 1874، وقد روى مثله أيضا عن أبي هريرة انظر الحديث (1876) . وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 593) : وهو حديث صحيح.
(7) أحمد، المسند (ت. الشيخ شاكر) رقم (1708) قال: وإسناده حسن، وهو في مجمع الزوائد 4/ 133، وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير.(7/3121)
11-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّبح بالحديبية في إثر السّماء «1» كانت من اللّيل، فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء «2» كذا وكذا، فهو كافر بي مؤمن بالكوكب» ) * «3» .
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينا نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له» قال (أبو سعيد) فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل» ) * «4» .
13-* (عن أبي حميد أو عن أبي أسيد: قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليقل:
اللهمّ إنّي أسألك من فضلك» *) «5» .
14-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله، أيّ النّاس أفضل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثمّ من؟ قال: المؤمن في شعب من الشّعاب يتّقي الله، ويدع النّاس من شرّه» ) * «6» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم صياح الدّيكة فاسألوا الله من فضله فإنّها رأت ملكا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشّيطان فإنّه رأى شيطانا» ) * «7» .
16-* (عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سلوا الله من فضله، فإنّ الله- عزّ وجلّ- يحبّ أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج» ) * «8» .
__________
(1) السماء هنا هي المطر.
(2) أصل النوء الطلوع، وقيل السقوط، والمراد سقوط أو طلوع كوكب ما.
(3) البخاري- الفتح (846) ، ومسلم (71) واللفظ له.
(4) مسلم (1728) .
(5) مسلم (713) واللفظ له، والنسائي (729) ، وفيه رواية للحديث عن أبي أسيد وأبي حميد معا.
(6) البخاري- الفتح (2786) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3303) .
(8) الترمذي (3571) قال أبو عيسى: هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وقد خولف في روايته، وحماد بن واقد هذا هو الصفار ليس بالحافظ وهو عندنا شيخ بصري، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مرسل، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 166) : هو حديث حسن.(7/3122)
الأحاديث الواردة في (الفضل) معنى
17-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثمّ جعل من حوائج النّاس إليه «1» فتبرّم فقد عرّض تلك النّعمة للزّوال» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفضل)
1-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «يأتي على النّاس زمان عضوض، يعضّ الموسر على ما في يديه، قال: ولم يؤمر بذلك، قال الله عزّ وجلّ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة/ 237) ، وينهد «3» الأشرار، ويستذلّ الأخيار، ويبايع المضطرّون» ) * «4» .
2-* (قال الحسن في قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (البقرة/ الاية 219) ، العفو:
الفضل) * «5» .
3-* (قال الإمام البخاريّ: أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة «أي إمامة النّاس في الصّلاة» ) * «6» .
4-* (قال ميمون بن مهران: «من رضي من الإخوان بترك الإفضال فليؤاخ أهل القبور» ) * «7» .
5-* (قال ابن القيّم: «أنفع النّاس لك رجل مكّنك من نفسه حتّى تزرع فيه خيرا أو تصنع إليه معروفا، فإنّه نعم العون لك على منفعتك وكمالك، فانتفاعك به في الحقيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر، وأضرّ النّاس عليك رجل مكّن نفسه منك حتّى تعصي الله فيه فإنّه عون لك على مضرّتك
__________
(1) المعنى: جعل الله هذه النعمة مما يحتاج إليه الناس فطلبوا مساعدة صاحبها فتبرم..
(2) رواه المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 391، وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد.
(3) ينهد أي يصعدون وتعلو مكانتهم، ومبايعة المضطرين أي الشراء منهم.
(4) أحمد، المسند 1/ 116، وقال الشيخ شاكر (ح 937) إسناده ضعيف لوجود مجهول فيه، ولكنّ للحديث إسنادا آخر يقوى به عند ابن مردويه، وذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ولم يضعفه، انظر تفسير ابن كثير 1/ 297.
(5) البخاري- الفتح ج 9، ص 407، قال ابن حجر: وصله عبدين حميد، وعبد الله بن أحمد (بن حنبل) ، في زيادات الزهد نسبه صحيح، وزاد: ولا لوم على الكفاف، والفضل هنا ما لا يؤثر في المال فيمحقه.
(6) البخاري- الفتح ج 2 ص 192، وقد ذكر ذلك في ترجمة الباب السادس والأربعين من كتاب الأذان.
(7) الاحياء 2/ 173.(7/3123)
ونقصك» ) * «1» .
6-* (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة/ 237) :
الفضل: إتمام الرّجل الصّداق كلّه، أو ترك المرأة النّصف الّذي لها» ) * «2» .
7-* (عن سعيد بن جبير قال: الفضل الإحسان) * «3» .
8-* (وعن الضّحّاك وقتادة والسّدّيّ وأبي وائل: الفضل: المعروف) * «4» .
9-* (حدّث سفيان عن أبي هارون قال:
رأيت هارون بن عبد الله في مجلس القرظيّ، فكان عون يحدّثنا ولحيته ترشّ من البكاء ويقول: صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم همّا، حين رأيتهم أحسن ثيابا، وأطيب ريحا، وأحسن مركبا، وجالست الفقراء فاسترحت بهم، وقال عون: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إذا أتاه السّائل وليس عنده شيء فليدع له» ) * «5» .
10-* (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 268) : «المغفرة هي السّتر على عباده في الدّنيا والآخرة. والفضل: هو الرّزق في الدّنيا، والتّوسعة والنّعيم في الآخرة» ) * «6» .
11-* (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (هود/ 3) ، «الفضل هو ما يحتسبه الإنسان من كلام يقوله بلسانه، أو عمل يعمله بيده أو رجله، أو ما تطوّع به من ماله فهو فضل الله، يؤتيه ذلك إذا آمن، ولا يتقبّله منه إن كان كافرا» ) * «7» .
من فوائد (الفضل)
(1) الفضل الأكبر هو لله عزّ وجلّ، ومن تحلّى بذلك فإنّه يؤهّل نفسه لقبول الفيض الإلهيّ، والمدد الرّبّانيّ.
(2) الفضل بمعنى إعطاء مالا يجب يجعل لصاحبه مكانة عظمى عند الله عزّ وجلّ وعند النّاس.
(3) الفاضل محبوب من النّاس يألفهم ويألفونه.
(4) من حاز الفضل في الدّنيا أعطاه الله من فضله في الدّنيا والآخرة.
__________
(1) الفوائد (260) .
(2) تفسير القرطبي (3/ 208) .
(3) تفسير ابن كثير (1/ 297) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) تفسير القرطبي (3/ 329) .
(7) المرجع السابق (9/ 4) .(7/3124)
(5) الفاضل يسلم من شين النّقص ويسعد بمرتبة الكمال.
(6) الإنسان الفاضل يدفعه فضله إلى أن يكون من ذوي الهمم العالية.
(7) الإنسان الفاضل عضو فعّال في المجتمع يسعد ويحظى بالرّضا والقبول وكثرة الأصدقاء.
(8) الإنسان الفاضل من شأنه أن يسعد نفسه ويقيها شرّ الشّحّ.
(9) الإنسان الفاضل من أتباع الرّحمن، بخلاف الشّرّير الّذي يعدّ من جند الشّيطان.
(10) الإنسان الفاضل ذو جهد مبدع خلّاق، يختار الأصلح ويقوم بتنفيذه على أكمل وجه.
(11) الفضل مجال للتّنافس الخيّر الّذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
(12) التحلّي بالفضل يدفع الفاضل إلى عدم ظلم النّاس أو استغلال ظروفهم.
(13) الفضل يوطّد أركان الأسرة المسلمة بتنازل أحد الطّرفين عن حقوقه طواعية خاصّة في حالة الزّوجة الّتي لم يدخل بها.
(14) التّحلّي بالفضل يدفع إلى الإيثار والتّعوّد على الكرم والزّهد في المال وحسن التّصرّف فيه.(7/3125)
المجلد الثامن
محتويات المجلد الثامن
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 160/ تابع حرف الفاء الفطنة/ 3126 161/ الفقه/ 3137 162/ حرف القاف القسط/ 3153 163/ القصاص/ 3161 164/ القناعة/ 3167 165/ القنوت/ 3176 166/ القوة والشدة/ 3188 167/ قوة الإرادة/ 3196 168/ حرف الكاف كتمان السر/ 3203 169/ الكرم/ 3214 170/ كظم الغيظ/ 3236 171/ كفالة اليتيم/ 3245 172/ الكلم الطيب/ 3265 173/ حرف اللام اللين/ 3295 174/ حرف الميم مجاهدة النفس/ 3303 175/ محاسبة النفس/ 3317 176/ المحبة/ 3325 177/ المداراة/ 3357 178/ المراقبة/ 3367 179/ المروءة/ 3373 م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 180/ المسارعة في الخيرات/ 3387 181/ المسئولية/ 3400 182/ المعاتبة والمصارحة 3418 183/ معرفة الله- عز وجل-/ 3433 184/ المواساة/ 3458 185/ حرف النون النبل/ 3470 186/ النزاهة/ 3475 187/ النشاط/ 3485 188/ النصيحة والتواصي/ 3489 189/ النظام/ 3508 190/ النظر والتبصر/ 3515 191/ حرف الهاء الهجرة/ 3544 192/ الهدى/ 3567 193/ حرف الواو الورع/ 3616 194/ الوعظ/ 3627 195/ الوفاء/ 3638 196/ الوقار/ 3669 197/ الوقاية/ 3675 198/ الولاء والبراء/ 3685 199/ حرف الياء اليقظة/ 3712 200/ اليقين/ 3717(8/)
[تابع حرف الفاء]
الفطنة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
18/ 11
الفطنة لغة:
مصدر فطن للشيء يفطن فطنة وفطانة، قال ابن فارس: الفاء والطّاء والنّون كلمة واحدة تدلّ على ذكاء وعلم بشيء، يقال رجل فطن وفطن (إذا كان ذا فطنة، يقال: فطنت للشّيء وفطنت له، وقال ابن منظور: الفطنة: كالفهم. والفطنة: الحذق والفهم، وقد تفسّر بجودة تهيّؤ النّفس لتصوّر ما يرد عليها من الغير وهي: ضدّ الغباوة. ورجل فطن بيّن الفطنة والفطن.
وقد فطن لهذا الأمر- بالفتح- يفطن فطنة. وقد فطن (بالكسر) فطنة وفطانة وفطانية والجمع فطن، والأنثى فطنة. وفطن- بالضّمّ- إذا صارت الفطانة سجيّة له.
وأمّا الفطن فذو فطنة للأشياء. وفطّنه لهذا الأمر تفطينا: فهّمه، ويتعدّى بالتّضعيف فيقال: فطّنته للأمر. وفي المثل: لا يفطّن القارة- أنثى الدّببة- إلّا الحجارة. وفاطنه في الحديث راجعه. قال الرّاعي:
إذا فاطنتنا في الحديث تهزهزت ... إليها قلوب، دونهنّ الجوانح «1»
واصطلاحا:
هي قوّة للنّفس تشمل الحواسّ الظّاهرة والباطنة معدّة لاكتساب العلوم.
وقيل: هي الاستعداد التّامّ لإدراك العلوم والمعارف بالفكر.
وقال الكفويّ: هي التّنبّه للشّيء الّذي يقصد معرفته «2» .
الفرق بين الفهم والفطنة والفقه:
قال الكفويّ: الفهم: هو التّعلّق غالبا بلفظ من مخاطبك، والفقه: هو العلم بغرض المخاطب من خطابه، والفطنة: هي التّنبّه للشّيء الّذي يقصد معرفته «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحكمة- الإسلام الإيمان- العلم- الفقه- التقوى- البصيرة- النظر والتبصر- التبين (التثبت) .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البلادة والغباء- الحمق- السفاهة- الغفلة- الإعراض- الجهل- الطيش] .
__________
(1) لسان العرب (13/ 323- 324) ، والمصباح المنير (2/ 133) ، والصحاح (6/ 77/ 21) . ومقاييس اللغة لابن فارس (4/ 511) .
(2) التعريفات للجرجاني (108) ، والكليات للكفوي (67)
(3) ذكر الكفوي ذلك ضمن حديثه عن مراتب وصول العلم إلى النفس. انظر: الكليات (67) .(8/3126)
الأحاديث الواردة في (الفطنة)
1-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال: «صلّ ركعتين» . ثمّ جاء الجمعة الثانية والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب فقال: «صلّ ركعتين» . ثمّ جاء الجمعة الثّالثة. فقال: «صلّ ركعتين» . ثمّ قال:
«تصدّقوا» . فتصدّقوا فأعطاه ثوبين، ثمّ قال:
«تصدّقوا» . فطرح أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ألم تروا إلى هذا إنّه دخل المسجد بهيئة بذّة، فرجوت أن تفطنوا له فتتصدّقوا عليه، فلم تفعلوا فقلت:
تصدّقوا فتصدّقتم فأعطيته ثوبين، ثمّ قلت تصدّقوا فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك» وانتهره) * «1» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
انكسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّاس: إنّما انكسفت لموت إبراهيم. فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بالنّاس ستّ ركعات بأربع سجدات. بدأ فكبّر. ثمّ قرأ فأطال القراءة. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع فقرأ قراءة دون القراءة الثّانية. ثمّ ركع نحوا ممّا قام. ثمّ رفع رأسه من الرّكوع. ثمّ انحدر بالسّجود فسجد سجدتين. ثمّ قام فركع أيضا ثلاث ركعات. ليس فيها ركعة إلّا الّتي قبلها أطول من الّتي بعدها. وركوعه نحوا من سجوده. ثمّ تأخّر، وتأخّرت الصّفوف خلفه. حتّى انتهينا. (وقال أبو بكر «2» : حتّى انتهى إلى النّساء) ثمّ تقدّم، وتقدّم النّاس معه. حتّى قام في مقامه. فانصرف حين انصرف، وقد آضت الشّمس «3» . فقال: «يا أيّها النّاس إنّما الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد من النّاس (وقال أبو بكر: لموت بشر) فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلّوا حتّى تنجلي. ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه. لقد جيء بالنّار. وذلكم حين رأيتموني تأخّرت مخافة أن يصيبني من لفحها «4» .
وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن يجرّ قصبه «5» في النّار كان يسرق الحاجّ بمحجنه «6» . فإن فطن له قال:
إنّما تعلّق بمحجني. وإن غفل عنه ذهب به. وحتّى رأيت فيها صاحبة الهرّة الّتي ربطتها فلم تطعمها. ولم
__________
(1) النسائي (5/ 63) واللفظ له، باب اذا تصدق وهو محتاج إليه. وأبو داود (1675) وقال الألباني (1469) : حسن. وأحمد (3/ 25) .
(2) هو أبو بكر بن أبي شيبة راوي الحديث.
(3) وقد آضت الشمس: ومعناه رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف. وهو من آض يئيض، إذا رجع. ومنه قولهم: أيضا. وهو مصدر منه.
(4) مخافة أن يصيبني من لفحها: أي من ضرب لهبها. ومنه قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (المؤمنون/ 104) . أي يضربها لهبها. والنفح دون اللفح. قال الله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ (الأنبياء/ 46) أي أدنى شيء منه.
(5) القصب بالضّمّ: المعى، وقيل اسم للأمعاء كلها وجمعه أقصاب.
(6) بمحجنه: المحجن عصا معقفة الطرف.(8/3127)
تدعها تأكل من خشاش الأرض. حتّى ماتت جوعا.
ثمّ جيء بالجنّة. وذلكم حين رأيتموني تقدّمت حتّى قمت في مقامي. ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه. ثمّ بدا لي أن لا أفعل. فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه» ) * «1» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء بيته بمكّة جالس، إذ مرّ به عثمان بن مظعون، فكشر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجلس؟» . قال: بلى، قال: فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستقبله، فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببصره إلى السّماء، فنظر ساعة إلى السّماء، فأخذ يضع بصره حتّى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض «2» رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السّماء كما شخص أوّل مرّة، فأتبعه بصره حتّى توارى في السّماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى، قال: يا محمّد، فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة. قال: «وما رأيتني فعلت؟» . قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السّماء، ثمّ وضعته حيث وضعته على يمينك، فتحرّفت إليه، وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنّك تستفقه شيئا يقال لك، قال: «وفطنت لذاك؟» .
قال عثمان: نعم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس» ، قال: رسول الله؟. قال: «نعم» ، قال: فما قال لك؟ قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل/ 90) قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدا) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين الّذي يطوف على النّاس تردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس» ) * «4» .
5-* (عن صهيب- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى العصر همس، والهمس في بعض قولهم: تحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم، فقيل له: إنّك يا رسول الله إذا صلّيت العصر همست. قال: إنّ نبيّا من الأنبياء كان أعجب بأمّته، فقال: من يقوم لهؤلاء؟
فأوحى الله إليه أن خيّرهم بين أن أنتقم منهم، وبين أن أسلّط عليهم عدوّهم، فاختار النّقمة، فسلّط عليهم الموت، فمات منهم في يوم سبعون ألفا. قال: وكان إذا حدّث بهذا الحديث حدّث بهذا الحديث الآخر.
__________
(1) مسلم (904) واللفظ له. وللبخاري نحوه 2 (1046) من حديث عائشة- رضي الله عنها-.
(2) نغض رأسه إذا تحرك، وأنغضه إذا حركه، وقد ينغض رأسه كأنه يستفهم ما يقال له. لسان العرب مادة نغض.
(3) أحمد (1/ 318) وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 329) : إسناده صحيح. واللفظ من هذا الموضع.
(4) البخاري- الفتح 3 (1479) واللفظ له. ومسلم (1039) .(8/3128)
قال: «كان ملك من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاما فهما أو قال: فطنا لقنا فأعلّمه علمي هذا، فإنّي أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه. قال: فنظروا له على ما وصف، فأمره أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف إليه وكان على طريق الغلام راهب في صومعة- قال معمر: أحسب أنّ أصحاب الصّوامع كانوا يومئذ مسلمين- قال: فجعل الغلام يسأل ذلك الرّاهب كلّما مرّ به، فلم يزل به حتّى أخبره، فقال: إنّما. أعبد الله. قال: فجعل الغلام يمكث عند الرّاهب ويبطىء على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنّه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الرّاهب بذلك، فقال له الرّاهب: إذا قال لك الكاهن أين كنت؟ فقل عند أهلي، وإذا قال لك أهلك أين كنت، فأخبرهم أنّك كنت عند الكاهن. قال: فبينما الغلام على ذلك إذ مرّ بجماعة من النّاس كثير قد حبسهم دابّة، فقال بعضهم: إنّ تلك الدّابّة أسد. قال: فأخذ الغلام حجرا قال: اللهمّ إن كان ما يقول الرّاهب حقّا فأسألك أن أقتلها. قال: ثمّ رمى فقتل الدّابّة. فقال النّاس: من قتلها؟ قالوا: الغلام، ففزع النّاس وقالوا:
لقد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد. قال: فسمع به أعمى، فقال له: إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا.
قال له: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالّذي يردّه عليك؟ قال: نعم. قال:
فدعا الله فردّ عليه بصره. فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم، فبعث إليهم، فأتي بهم، فقال: لأقتلنّ كلّ واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالرّاهب والرّجل الّذي كان أعمى، فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى. ثمّ أمر بالغلام، فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلمّا انتهوا به إلى ذلك المكان الّذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردّون، حتّى لم يبق منهم إلّا الغلام.
قال: ثمّ رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرّق الله الّذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنّك لا تقتلني حتّى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم الله ربّ هذا الغلام. قال: فأمر به فصلب ثمّ رماه، فقال: بسم الله ربّ هذا الغلام. قال: فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثمّ مات، فقال النّاس: لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد، فإنّا نؤمن بربّ هذا الغلام.
قال: فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلّهم قد خالفوك. قال: فخدّ أخدودا ثمّ ألقى فيها الحطب والنّار، ثمّ جمع النّاس. فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النّار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود. قال: يقول الله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (البروج/ 4- 5) حتّى بلغ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (البروج/ 8) قال: فأمّا الغلام فإنّه دفن، فيذكر أنّه(8/3129)
أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل) * «1» .
6-* (عن صهيب- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى العصر همس شيئا لا أفهمه ولا يخبرنا به قال: «أفطنتم لي؟» . قلنا: نعم.
قال: «إنّي ذكرت نبيّا من الأنبياء أعطي جنودا من قومه فقال من يكافىء هؤلاء؟ أو من يقوم لهؤلاء؟ أو غيرها من الكلام، فأوحي إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث: إمّا أن نسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، أو الجوع أو الموت. فاستشار قومه في ذلك فقالوا: أنت نبيّ الله فكلّ ذلك إليك، خر لنا، فقام إلى الصّلاة كانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصّلاة فصلّى ما شاء الله. قال: ثمّ قال: أي ربّ أمّا عدوّ من غيرهم فلا، أو الجوع فلا، ولكن الموت، فسلّط عليهم الموت فمات منهم سبعون ألفا، فهمسي الّذي ترون أنّي أقول: اللهمّ بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في رمضان. فجئت فقمت إلى جنبه. وجاء رجل آخر فقام أيضا. حتّى كنّا رهطا «3» .
فلمّا حسّ «4» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّا خلفه، جعل يتجوّز «5» في الصّلاة. ثمّ دخل رحله «6» فصلّى صلاة لا يصلّيها عندنا. قال: قلنا له، حين أصبحنا: أفطنت لنا اللّيلة؟
قال: فقال: «نعم. ذاك الّذي حملني على الّذي صنعت» . قال: فأخذ يواصل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذاك في آخر الشّهر. فأخذ رجال من أصحابه يواصلون. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بال رجال يواصلون، إنّكم لستم مثلي.
أما والله لو تمادّ لي الشّهر «7» لواصلت وصالا يدع المتعمّقون تعمّقهم «8» » ) * «9» .
__________
(1) الترمذي (3340) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. والجزء الثاني منه (حديث الغلام والساحر) هو عند مسلم (3005) والجزء الأول منه عند أحمد (6/ 16) .
(2) أحمد (6/ 16) واللفظ له. والترمذي (3065، 3066) مختصرا وقال في الثاني: حديث حسن غريب.
(3) رهطا: قال ابن الأثير في النهاية: الرهط من الرجال ما دون العشرة. وقيل: إلى الأربعين. ولا تكون فيهم امرأة. ولا واحد له من لفظه. ويجمع على أرهط وأرهاط وجمع الجمع أراهط.
(4) فلما حسّ: هكذا هو في جميع النسخ: حس بغير ألف. ويقع في طرق بعض النسخ، نسخة أحس، بالألف وهذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن. وأما حس، بحذف الألف، فلغة قليلة. وهذه الرواية تصح على هذه اللغة.
(5) يتجوز: أي يخفف ويقتصر على الجائز المجزىء، مع بعض المندوبات. والتجوز هنا للمصلحة.
(6) حتى دخل رحله: أي منزله. قال الأزهري: رحل الرجل، عند العرب، هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر، أو غيرها.
(7) لو تماد لي الشهر: هكذا هو في معظم الأصول. وفي بعضها: تمادى. وكلاهما صحيح. وهو بمعنى مد، في الرواية الأولى.
(8) يدع المتعمقون تعمقهم: الجملة صفة لوصال. ومعنى يدع: يترك.. والتعمق المبالغة في الأمر متشددا فيه طالبا أقصى غايته.
(9) مسلم (1104) ، وللبخاري 4 (2012) نحوه من حديث عائشة رضي الله عنها-.(8/3130)
الأحاديث الواردة في (الفطنة) معنى
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس، وقال: إنّ الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا غير ربّي لاتّخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته. لا يبقينّ في المسجد باب إلّا سدّ، إلّا باب أبي بكر» ) * «1» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ امرأة من الأنصار، قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: «خذي فرصة ممسّكة، فتوضّئي ثلاثا» . ثمّ إنّ النّبيّ استحيا فأعرض بوجهه أو قال:
«توضّئى بها» ، فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرّجل الّذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب، فقال له الّذي اشترى العقار: خذ ذهبك منّي، إنّما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذّهب.
وقال الّذي له الأرض: إنّما بعتك الأرض وما فيها، فتحا كما إلى رجل، فقال الّذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟
قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال:
أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدّقا» ) * «3» .
11-* (عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أنّ أباه حدّثه قال: انطلقنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم، فأنبئنا بعدوّ بغيقة «4» ، فتوجّهنا نحوهم، فبصر أصحابي بحمار وحش، فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، فنظرت فرأيته، فحملت عليه الفرس، فطعنته فأثبتّه، فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني، فأكلنا منه. ثمّ لحقت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخشينا أن نقتطع، أرفع فرسي شأوا وأسير عليه شأوا «5» . فلقيت رجلا من بني غفار في جوف اللّيل فقلت له: أين تركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: تركته بتعهن «6» ، وهو قائل السّقيا «7» . فلحقت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيته، فقلت:
يا رسول الله! إنّ أصحابك أرسلوا يقرأون عليك
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3654) واللفظ له. ومسلم (2382) مختصرا. وعند الدارمي (77) بلفظ فطن.
(2) البخاري- الفتح 1 (315) واللفظ له. ومسلم (332) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3472) واللفظ له. ومسلم (1721) .
(4) غيقة: ماء لبني غفار بين مكة والمدينة.
(5) أرفع فرسي شأوا وأسير عليه شأوا: المراد أنه يركضه تارة ويسير بسهولة تارة أخرى.
(6) تعهن: اسم موضع.
(7) أي: وفي عزمه أن يقضي وقت القيلولة بالسقيا وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة.(8/3131)
السّلام ورحمة الله وبركاته، وإنّهم قد خشوا أن يقتطعهم العدوّ دونك، فانظرهم «1» ففعل. فقلت: يا رسول الله إنّا اصّدنا «2» حمار وحش، وإنّ عندنا فاضلة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «كلوا» وهم محرمون) * «3» .
12-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الشّجر شجرة لا يسقط ورقها. وإنّها مثل المسلم. فحدّثوني ما هي؟» . فوقع النّاس في شجر البوادي. قال عبد الله:
ووقع في نفسي أنّها النّخلة. فاستحييت. ثمّ قالوا:
حدّثنا ما هي يا رسول الله؟. قال: فقال: «هي النّخلة» . قال فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النّخلة، أحبّ إليّ من كذا وكذا) * «4» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما امرأتان معهما ابناهما. جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما. فقالت هذه لصاحبتها:
إنّما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك. فتحا كمتا إلى داود. فقضى به للكبرى.
فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السّلام. فأخبرتاه.
فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينكما. فقالت الصّغرى:
لا، يرحمك الله «5» هو ابنها. فقضى به للصّغرى» .
قال: قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسّكّين قطّ إلا يومئذ. ما كنّا نقول إلّا المدية «6» » ) * «7» .
14-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال علّمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» .
قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟. قال: «قل اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «8» .
15-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدّثنا أنّ الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرّجال، ثمّ علموا من القرآن، ثمّ علموا من السّنّة.
وحدّثنا عن رفعها. قال: «ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت. ثمّ ينام النّومة فتقبض، فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط «9» . فتراه منتبرا وليس فيه شيء، فيصبح النّاس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدّي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا. ويقال للرّجل: ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ زمان وما
__________
(1) فانظرهم: أي انتظرهم.
(2) اصّدنا: أصله اصطدنا.
(3) البخاري- الفتح 4 (1822) واللفظ له. ومسلم (1196) .
(4) البخاري- الفتح 1 (131) . ومسلم (2811) واللفظ له.
(5) لا. يرحمك الله: معناه: لا تشقه. ثم استأنفت فقالت: يرحمك الله هو ابنها. قال العلماء: ويستحب أن يقال في مثل هذا بالواو. فيقال: لا. ويرحمك الله.
(6) المدية: بضم الميم وفتحها وكسرها، سميت به لأنها تقطع مدى حياة الحيوان.
(7) مسلم (1720) .
(8) مسلم (2696) .
(9) فنفط: النّفط والتّنفّط: الذي يصير في اليد من العمل بالفأس أو نحوها ويصير كالقبّة فيه ماء قليل والمنتبر: المرتفع في جسمه.(8/3132)
أبالي أيّكم بايعت. لئن كان مسلمّا ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، فأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا» . قال الفربريّ قال أبو جعفر:
حدّثت أبا عبد الله فقال: سمعت أبا أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول: قال الأصمعيّ وأبو عمرو وغيرهما جذر قلوب الرّجال (الجذر الأصل من كلّ شيء. والوكت أثر الشّيء اليسير منه. والمجل أثر العمل في الكفّ إذا غلظ) * «1» .
16-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قال: قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبية «2» ، فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا.
فقام أبي على الباب فتكلّم، فعرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته، خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «3» ومعه قباء وهو يريه محاسنه وهو يقول «خبأت هذا لك، خبأت هذا لك» ) * «4» .
17-* (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال: «أو غير ذلك؟» . قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «5» .
18-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل «6» .
فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية.
فقال: يا محمّد أتانا رسولك. فزعم «7» لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك؟ قال: «صدق» . قال: فمن خلق السّماء «8» قال: «الله» . قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: «الله» . قال: فمن خلق الأرض؟
قال: «الله» . قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال. آلله أرسلك؟ قال: «نعم» . قال:
وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا.
قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟
قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6497) .
(2) الأقبية: جمع قباء وهو الثّوب الذي يلبس.
(3) المعنى: فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (انظر: الفتح 5/ 315) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2657) .
(5) مسلم (489) .
(6) العاقل: لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه. وحسن المراجعة. فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب. ولأن أهل البادية هم الأعراب. ويغلب فيهم الجهل والجفاء. والبادية والبدو بمعنى. وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة إليها بدوي. والبداوة الإقامة بالبادية. وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة.
(7) زعم رسولك: قوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه. بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه.
(8) فمن خلق السماء.. الخ: هذه جملة تدل على أنواع من العلم. قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه. فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع. ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رزين. ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر. لا لافتقاره إليها. كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة.(8/3133)
أموالنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال: «صدق» قال:
فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» . قال:
وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: «صدق» . قال، ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الفطنة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يدني ابن عبّاس، فقال له عبد الرّحمن بن عوف: إنّ لنا أبناء مثله، فقال: إنّه من حيث تعلم، فسأل عمر ابن عبّاس عن هذه الآية إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) .
فقال: أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه إيّاه، فقال: ما أعلم منها إلّا ما تعلم» ) * «2» .
2-* (عن محمّد بن سيرين قال: «كنت في حلقة فيها عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وكان أصحابه يعظّمونه، فذكر آخر الأجلين، فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عتبة، قال: فضمز لي «3» بعض أصحابه، قال محمّد ففطنت له فقلت: إنّي إذا لجريء إن كذبت على عبد الله بن عتبة، وهو في ناحية الكوفة. فاستحيا وقال: لكنّ عمّه لم يقل ذاك، فلقيت أبا عطيّة مالك بن عامر فسألته، فذهب يحدّثني حديث سبيعة، فقلت: هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال: كنّا عند عبد الله، فقال: أتجعلون عليها التّغليظ ولا تجعلون عليها الرّخصة؟ لنزلت «4» سورة النّساء القصرى «5» بعد الطّولى «6» وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق/ 4)) * «7» .
3-* (عن عيسى قال: سمعت الشّعبيّ يقول: إنّما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنّسك، فإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال: هذا أمر لا يناله إلّا العقلاء. فلم يطلبه، وإن كان عاقلا ولم يكن ناسكا قال: هذا أمر لا يناله إلّا النّسّاك فلم يطلبه، فقال الشّعبيّ: ولقد رهبت أن يكون يطلبه اليوم من ليست فيه واحدة منهما، لا عقل ولا نسك» ) * «8» .
__________
(1) مسلم (12) . وعند البخاري نحوه 1 (63) .
(2) البخاري- الفتح 7 (4430) .
(3) فضمز: معناه أشار إليه أن اسكت، ضمز إذا عض على شفتيه.
(4) لنزلت: تأكيد لقسم محذوف تقديره: فو الله لقد نزلت.
(5) والقصرى: سورة الطلاق.
(6) والطولى: سورة البقرة.
(7) البخاري- الفتح 8 (4910) . ولمسلم (1484) نحوه من حديث أبي هريرة وابن عباس- رضي الله عنهما-.
(8) الدارمي (371) المقدمة.(8/3134)
4-* (من أخبار الأذكياء: جاء رجل إلى سليمان بن داود عليهما السّلام وقال: يا نبيّ الله إنّ جيرانا يسرقون إوزّي فلا أعرف السّارق. فنادى الصّلاة جامعة، ثمّ خطبهم وقال في خطبته: وإنّ أحدكم ليسرق إوزّ جاره، ثمّ يدخل المسجد والرّيش على رأسه، فمسح الرّجل رأسه، فقال سليمان: خذوه فهو صاحبكم» ) * «1» .
5-* (ومن أخبار القاضي إياس: أنّ رجلا قصد الحجّ فاستودع إنسانا مالا، فلمّا عاد طلبه منه فجحده المستودع، فأخبر بذلك القاضي إياسا. فقال:
أعلم بأنّك جئتني؟ قال: لا. قال: فعد إليّ بعد يومين.
ثمّ إنّ القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرّجل فأحضره، ثمّ قال له: اعلم أنّه قد تحصّلت عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للنّاس، وإنّي مسافر سفرا بعيدا، وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك وتحصين منزلك. فقال: حبّا وكرامة. قال: فاذهب وهيّء موضعا للمال، وقوما يحملونه، فذهب الرّجل وجاء صاحب الوديعة، فقال له القاضي إياس:
امض إلى صاحبك، وقل له ادفع إليّ مالي، وإلّا شكوتك للقاضي إياس. فلمّا جاء قال له ذلك، فدفع إليه ماله واعتذر إليه، فأخذه وأتى إلى القاضي إياس وأخبره. ثمّ بعد ذلك أتى الرّجل لطلب الأموال الّتي ذكرها له القاضي. فقال له القاضي بعد أن أخذ الرّجل ماله منه: امض لشأنك لا أكثر الله في النّاس من أمثالك» ) * «2» .
6-* (قال الأبشيهيّ: «قد يخصّ الله تعالى بألطافه الخفيّة من يشاء من عباده، فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة عقل، وزيادة معرفة، تخرجه عن حدّ الاكتساب، ويصير بها راجحا على ذوي التّجارب والآداب» ) * «3» .
7-* (قال الأبشيهيّ أيضا: «يستدلّ على رجاحة عقل الرّجل بأمور متعدّدّة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنّبه ما يكسبه عارا، ويورثه سوء السّمعة» ) * «4» .
8-* (قال عليّ بن عبيدة: «العقل ملك والخصال رعيّة، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها، فسمعه أعرابيّ فقال: هذا كلام يقطر عسله» ) * «5» .
9-* (قيل: من بيّضت الحوادث سواد لمّته «6» ، وأخلقت التّجارب لباس جدّته «7» وأراه الله تعالى لكثرة ممارسته تصاريف أقداره وأقضيته كان جديرا برزانة العقل ورجاحة الدّراية» ) * «8» .
10-* (حدّث الشّعبيّ قال: «جاءت امرأة
__________
(1) المستطرف (2/ 99) .
(2) المرجع السابق (2/ 100) .
(3) المرجع السابق (1/ 23) .
(4) المرجع السابق (1/ 24) .
(5) المرجع السابق (1/ 24) .
(6) لمته: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن.
(7) جدته: أي لباسه الجديد.
(8) المستطرف (1/ 23) .(8/3135)
إلى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقالت: أشكو إليك خير أهل الدّنيا إلّا رجل سبقه بعمل أو عمل مثل عمله، يقوم اللّيل حتّى يصبح، ويصوم النّهار حتّى يمسي، ثمّ أخذها الحياء، فقالت: أقلني يا أمير المؤمنين. فقال: جزاك الله خيرا فقد أحسنت الثّناء. قد أقلتك. فلمّا ولّت، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين! لقد أبلغت إليك في الشّكوى، فقال: ما اشتكت؟. قال: زوجها، قال: عليّ بالمرأة وزوجها، فجيء بهما. فقال لكعب: اقض بينهما. قال: أأقضي وأنت شاهد؟ قال: إنّك قد فطنت ما لم أفطن إليه قال:
فإنّ الله يقول: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (النساء/ 3) صم ثلاثة أيّام وأفطر عندها يوما، وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة. فقال عمر: لهذا أعجب إليّ من الأوّل، فرحله بدابّة وبعثه قاضيا» ) * «1» .
11-* (سرق من رجل خمسمائة دينار، فحمل المتّهمون إلى الوالي، فقال الوالي: أنا ما أضرب أحدا منكم، بل عندي خيط ممدود في بيت مظلم، فادخلوا فليمرّ كلّ منكم يده عليه من أوّل الخيط إلى آخره، ويلفّ يده في كمّه ويخرج، فإنّ الخيط، يلفّ على يد الّذي سرق، وكان قد سوّد الخيط بسخام، فدخلوا فكلّهم جرّيده على الخيط في الظّلمة إلّا واحدا منهم، فلمّا خرجوا نظر إلي أيديهم مسودّة إلّا واحدا، فألزمه بالمال، فأقرّ به» ) * «2» .
من فوائد (الفطنة)
(1) الفطنة هبة من الله- عزّ وجلّ- تستحقّ زيادة الشّكر.
(2) تعين العبد على التّفكير في آلاء الله ونعمه.
(3) كلّما ازداد تفكّرا في آلاء الله ازداد خشوعا لله وتعظيما.
(4) الفطن يحبّه مجتمعه ويحبّ التّقرّب إليه.
(5) والفطنة تخرج صاحبها من المواقف الحرجة سالما.
(6) الفطن يعيش سعيدا بين أفراد مجتمعه، ويموت حميدا.
__________
(1) كتاب الأذكياء لابن الجوزي (63) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(8/3136)
الفقه
الفقه لغة:
مصدر قولنا: فقه فلان: أي فهم، وهو مأخوذ من مادّة (ف ق هـ) الّتي تدلّ على إدراك الشّيء والعلم به، تقول: فقهت الحديث أفقهه، وكلّ علم بشيء فهو فقه ثمّ اختصّ بذلك علم الشّريعة «1» . وقال الرّاغب: الفقه هو التّوصّل إلى علم غائب بعلم شاهد، ومن ثمّ فهو أخصّ من العلم. قال تعالى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (النساء/ 78) ، يقال: فقه الرّجل فقاهة إذا صار فقيها وفقه الرّجل فقها وفقها وفقهه أي فهمه، وتفقّه إذا طلب (علم) الفقه فتخصّص به، قال تعالى لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ (التوبة: 122) «2» .
وقال الجوهريّ: الفقه: الفهم، قال أعرابيّ لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. أي بالفهم، ثمّ خصّ به علم الشّريعة. والعالم به فقيه، يقال: فاقهته إذا باحثته في العلم «3» . وقال غيرهم: الفقه العلم بالشّيء والفهم له، وغلب على علم الدّين لشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، يقال: أوتي فلان فقها في الدّين أي فهما فيه، ودعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لابن عبّاس فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل» ، أي فهّمه تأويله ومعناه، ويقال فقه فقها أي علم علما، قال ابن سيده: ويقال فقه فقاهة وهو فقيه من قوم فقهاء، والأنثى فقيهة من نسوة فقائه وحكى اللّحيانيّ: نسوة فقهاء، وحكى بعضهم: فقه الرّجل فقها
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
18/ 21/ 22
وفقها، وفقه الشّيء علمه، وأفقهه وفقّهه: علّمه. وفي التّهذيب: أفقهته علّمته الفقه، وفقه عنه بالكسر: فهم، ورجل فقه أي فقيه. وأمّا فقه (بضمّ القاف) فإنّما يستعمل في النّعوت، يقال فقه يفقه فقاهة أي صار فقيها، وقال ابن شميل: أعجبني فقاهته أي فقهه، ورجل فقيه أي عالم، وكلّ عالم بشيء فهو فقيه، وفقيه العرب عالم العرب، وتفقّه: تعاطى الفقه، ومن معاني الفقه أيضا الفطنة. وفي حديث سلمان، أنّه نزل على نبطيّة بالعراق فقال لها: هل هنا مكان نظيف أصلّي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك وصلّ حيث شئت، فقال سلمان: فقهت أي فهمت وفطنت ولو قال فقهت كان المعنى صارت فقيهة، ويقال: فقه بالضّمّ إذا صار الفقه سجيّة له وفاقهه ففقهه أي باحثه في العلم فغلبه فيه «4» .
الفقه اصطلاحا:
قال الرّاغب: هو العلم بأحكام الشّريعة.
وقال الجرجانيّ: هو العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة من أدلّتها التّفصيليّة، وقيل: هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفيّ الّذي يتعلّق به الحكم، وهو علم مستنبط بالرّأي والاجتهاد ويحتاج فيه إلى النّظر والتّأمّل، ولهذا لا يجوز أن يسمّى الله تعالى فقيها لأنّه لا يخفى عليه شيء.
وقال المناويّ: الفقه شرعا: هو العلم
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 442) .
(2) مفردات الراغب (384) .
(3) الصحاح (6/ 2243) .
(4) انظر: لسان العرب (13/ 522) ، والمصباح المنير (2/ 134) ، والقاموس المحيط (4/ 291) .(8/3137)
بالأحكام الشّرعيّة الّتي طريقها الاجتهاد «1» .
وقال أبو الخطّاب: هو العلم بأحكام أفعال المكلّفين الشّرعيّة دون العقليّة، مثل الحرام والحلال والحظر والإباحة ... وما أشبه ذلك «2» .
مصادر الفقه الإسلامي:
للفقه الإسلاميّ مصادر عديدة أجمع علماء الأصول على أربعة منها، هي:
القرآن الكريم، والسّنّة المطهّرة، والإجماع، والقياس، واختلف في المصادر الأخرى، مثل الاستحسان والاستصلاح (المصالح المرسلة) ، والعرف، والاستصحاب «3» . ويقوم المجتهدون باستنباط الأحكام الشّرعيّة من هذه المصادر، فما هو الاجتهاد؟ وهل له شروط معيّنة؟
الاجتهاد: عرّفه الغزاليّ بقوله: هو بذل المجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشّريعة.
وعرّفه ابن الحاجب: بأنّه يعني استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظنّ بحكم شرعيّ.
وقد لخّص بعض الباحثين جملة أقوال علماء الأصول في المعنى الاصطلاحيّ للاجتهاد، فقال:
الاجتهاد يعني بذل أقصى الجهد العقليّ في استنباط الأحكام الشّرعيّة العمليّة من أدلّتها التّفصيليّة «4» .
أمّا من له حقّ الاجتهاد فهم أولئك الّذين توفّرت فيهم الشّروط الّتي نصّ عليها العلماء في هذا الشّأن، وقد كان الشّافعيّ- رحمه الله- من أسبق من تناول هذه الشّروط عندما قال: «لا يقيس إلّا من جمع الآلة الّتي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله، فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامّه وخاصّه وإرشاده، ويستدلّ على ما احتاج التّأويل منه بسنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا لم يجد سنّة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس، ولا يكون أن يقيس حتّى يكون عالما بما مضى فيه من السّنّة وأقاويل السّلف، وإجماع النّاس واختلافهم ولسان العرب. وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه حتّى يعرف من أين قال ما قال، وترك ما ترك. فأمّا من تمّ عقله ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يجوز أن يقول بقياس، ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة فليس له أيضا أن يقول بقياس، لأنّه قد يذهب عليه عقل المعاني «5» ، وقد استنبط بعض الباحثين شروطا أخرى للمجتهد ليس هنا محلّ تفصيلها «6» .
ولينظرها من شاء في مظانّها من كتب الأصوليّين.
[للاستزادة: انظر صفات: الحكمة- العلم- الفطنة.
وفي ضد ذلك: انظر صفتي: البلادة والغباء- الجهل] .
__________
(1) المفردات للراغب (384) ، والتعريفات للجرجاني (175) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (263) .
(2) انظر التمهيد للخطابي (1/ 4) ، وكتاب الأصول من علم الأصول للعثيمين (6) .
(3) انظر في تفاصيل ذلك، مصادر التشريع فيما لا نص فيه للشيخ عبد الوهاب خلاف.
(4) انظر بحث الدكتور حسن مرعي المعنون «الاجتهاد في الشريعة الإسلامية» (ج 3 ص 162) ضمن منشورات المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1404 هـ.
(5) بتلخيص من الرسالة للإمام الشافعي (509. 510) .
(6) انظر في ذلك مثلا: كتاب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية لمحمد فوزي فيض الله، والبحثين القيمين للشيخ زكريا البري (233. 256) ، والشيخ علي الخفيف (250. 232) المنشورين ضمن منشورات المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1404 هـ.(8/3138)
الآيات الواردة في «الفقه»
الفقه بمعناه الخاص (فهم أحكام الشريعة) :
1-* وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «1»
الفقه بمعناه العام (الفهم والإدراك) :
2- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)
أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) «2»
3- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) «3»
4- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) «4»
5-* إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)
__________
(1) التوبة: 122 مدنية
(2) النساء: 77- 78 مدنية
(3) الأنعام: 25- 26 مكية
(4) الأنعام: 63- 65 مكية(8/3139)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) «1»
6- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «2»
7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «3»
8- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «4»
9- وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84)
وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85)
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) «5»
10- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125)
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) «6»
11- أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) وَلَقَدْ
__________
(1) الأنعام: 95- 98 مكية
(2) الأعراف: 179 مكية
(3) الأنفال: 65 مدنية
(4) التوبة: 81- 82 مدنية
(5) التوبة: 84- 87 مدنية
(6) التوبة: 124- 127 مدنية(8/3140)
صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) «1»
12- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «2»
13- ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92)
حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) «3»
14- وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ
بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36)
«4»
__________
(1) الإسراء: 40- 46 مكية
(2) الكهف: 57 مكية
(3) الكهف: 92- 95 مكية
(4) طه: 17- 36 مكية(8/3141)
15- سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) «1»
16-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) «2»
17- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1)
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2)
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) «3»
18- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) «4»
__________
(1) الفتح: 15- 16 مدنية
(2) الحشر: 11- 13 مدنية
(3) المنافقون: 1- 3 مدنية
(4) المنافقون: 5- 7 مدنية(8/3142)
الأحاديث الواردة في (الفقه)
1-* (عن معاوية- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين، وإنّما أنا قاسم، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمّة قائمة على أمر الله لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «1» .
2-* (عن درّة ابنة أبي لهب قالت: كنت عند عائشة فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ائتوني بوضوء» . قالت فابتدرت أنا وعائشة الكوز فبدرتها فأخذته أنا فتوضّأ فرفع إليّ عينه أو بصره. قال: «أنت منّي وأنا منك» .
قالت: فأتي برجل فقال: ما أنا فعلته إنّما قيل لي.
قالت: وكان يسأله على المنبر: من خير النّاس؟. فقال:
«أفقههم في دين الله وأوصلهم لرحمه» . وذكر شريك شيئين آخرين فلم أحفظهما) * «2» .
3-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ مثل ما بعثني الله- عزّ وجلّ- به من الهدى والعلم كمثل غيث «3» أصاب أرضا.
فكانت منها طائفة طيّبة. قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب «4» الكثير وكان منها أجادب «5» أمسكت الماء. فنفع الله بها النّاس. فشربوا منها وسقوا ورعوا.
وأصاب طائفة منها أخرى. إنّما هي قيعان «6» لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه «7» في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلّم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يقبل هدى الله الّذي أرسلت به» ) * «8» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل الخلاء فوضعت له وضوءا. قال: «من وضع هذا؟» . فأخبر، فقال: «اللهمّ فقّهه في الدّين» ) * «9» .
5-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- أنّه خرج من عند مروان نصف النّهار قلنا (والقول هذا لا أبان بن عثمان) : ما بعث إليه في هذه السّاعة إلّا لشيء سأله عنه، فقمنا فسألناه؟ فقال: نعم، سألنا عن
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (71) .
(2) أحمد (6/ 68) . والهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 258) وقال رجاله ثقات. واللفظ له.
(3) غيث: الغيث هو المطر.
(4) الكلأ والعشب: العشب والكلأ والحشيش كلها أسماء للنبات. لكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والكلا، مقصورا، مختصان بالرطب. والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب.
(5) أجادب: هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وقال الخطابي: هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيه النضوب. قال ابن بطال وصاحب المطالع وآخرون: هو جمع جدب على غير قياس. كما قالوا في حسن جمعه محاسن. والقياس أن محاسن جمع محسن. وكذا قالوا مشابه جمع شبه. وقياسه أن يكون جمع مشبه.
(6) قيعان: جمع القاع. وهو الأرض المستوية، وقيل الملساء، وقيل التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرح به صلّى الله عليه وسلّم. ويجمع أيضا على أقوع وأقواع.
(7) فقه: الفقه في اللغة هو الفهم. يقال منه: فقه بكسر القاف يفقه فقها، بفتحها، كفرح يفرح فرحا. أما الفقه الشرعي فقال صاحب العين والهروي وغيرهما: يقال منه فقه بضم القاف. والمراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم «فقه في دين الله» هذا الثاني. فيكون مضموم القاف على المشهور.
(8) البخاري- الفتح 1 (79) . ومسلم 4 (2282) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 1 (143) واللفظ له. ومسلم (2477) .(8/3143)
أشياء سمعناها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ) * «1» .
6-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: إنّي عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» ، قالوا: بشّرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» ، قالوا:
قبلنا، جئناك لنتفقّه في الدّين ولنسألك عن أوّل هذا الأمر ما كان، قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثمّ خلق السّموات والأرض، وكتب في الذّكر كلّ شيء» ثمّ أتاني رجل فقال:
يا عمران! أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا السّراب ينقطع دونها، وأيم الله لوددت أنّها قد ذهبت ولم أقم) * «2» .
7-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: انطلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه حتّى دخلنا كنيسة اليهود، فقال: «يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، يحطّ الله عن كلّ يهوديّ تحت أديم السّماء الغضب الّذي غضب عليهم» قال: فأسكتوا ما أجابه منهم أحد، ثمّ ردّ عليهم فلم يجبه منهم أحد، فقال: أبيتم، فو الله لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النّبيّ المصطفى، آمنتم أو كذّبتم، ثمّ انصرف وأنا معه حتّى كدنا أن نخرج فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمّد فقال ذلك الرّجل: أيّ رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنّه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدّك قبل أبيك، قال: فإنّي أشهد له بالله أنّه نبيّ الله الّذي تجدونه في التّوراة، فقالوا: كذبت ثمّ ردّوا عليه قوله وقالوا فيه شرّا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كذبتم لن يقبل قولكم، أمّا آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأمّا إذا آمن فكذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل قولكم. قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله تعالى فيه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ (الأحقاف:
الآية 10) * «3» .
8-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء بيته بمكّة جالس، إذ مرّ به عثمان بن مظعون، فكشر «4» إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجلس؟»
__________
(1) الترمذي: 2656) وقال: حديث حسن. وأبو داود: (3660) وقال الألباني (2/ 697) : صحيح وهو في سنن ابن ماجة (230) . وقال محقق جامع الأصول: 8/ 18 واللفظ له وهو حديث صحيح ورواه أيضا أحمد وابن ماجة والدارمي.
(2) البخاري- الفتح 13/ 7418) .
(3) أحمد (6/ 25) . والحاكم في المستدرك (3/ 415) واللفظ له وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(4) فكشر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الكشر ظهور الأسنان للضحك، وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه.(8/3144)
قال: بلى، قال: فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستقبله، فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببصره إلى السّماء، فنظر ساعة إلى السّماء، فأخذ يضع بصره حتّى وضعه على يمينه في الأرض، فتحرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره، وأخذ ينغض «1» رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له، وابن مظعون ينظر، فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له، شخص بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السّماء كما شخص أوّل مرّة، فأتبعه بصره حتّى توارى في السّماء، فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى، قال: يا محمّد، فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة! قال: «وما رأيتني فعلت؟» . قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السّماء، ثمّ وضعته حيث وضعته على يمينك، فتحرّفت إليه، وتركتني!، فأخذت تنغض رأسك كأنّك تستفقه شيئا يقال لك، قال: «وفطنت لذاك؟» . قال عثمان: نعم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني رسول الله آنفا وأنت جالس» ، قال: رسول الله؟ قال:
«نعم» ، قال: فما قال لك؟ قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل/ 90) . قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدا*) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تجدون النّاس معادن «3» فخيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا «4» . وتجدون من خير النّاس في هذا الأمر «5» ، أكرههم له. قبل أن يقع فيه. وتجدون من شرار النّاس «6» ذا الوجهين. الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» ) * «7» .
10-* (عن أبي هريرة رضي الله عنه- قال:
__________
(1) ينغض رأسه: أي يحركه ويميل إليه.
(2) أحمد (1/ 318) واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 329، 2922) : إسناده صحيح. والحديث في تفسير ابن كثير (2/ 584) عن هذا الموضع، وقال: إسناده جيد متصل حسن، قد بين فيه السماع المتصل ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصرا. وفي مجمع الزوائد (7/ 48- 49) ، وقال: رواه أحمد وإسناده حسن، وفي الدر المنثور (5/ 159) ، ونسبه أيضا للبخاري في الأدب المفرد والطبراني وابن مردويه.
(3) معادن: المعادن الأصول. وإذا كانت الأصول شريفة، كانت الفروع كذلك، غالبا. والفضيلة في الإسلام بالتقوى لكن إذا انضم إليها شرف النسب ازدادت فضلا.
(4) فقهوا: كما في «الفتح» وهو الأصل ويجوز كسر القاف.
(5) وتجدون من خير الناس في هذا الأمر الخ: قال القاضي: يحتمل أن المراد به الإسلام، كما كان من عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، وغيرهم من مسلمة الفتح، وغيرهم ممن كان يكره الإسلام كراهية شديدة. ثم لما دخل فيه أخلص وأحبه وجاهد فيه حق جهاده. قال: ويحتمل أن المراد بالأمر هنا: الولايات. لأنه إذا أعطيها من غير مسألة أعين عليها.
(6) من شرار الناس: سببه ظاهر. لأنه نفاق محض وكذب وخداع وتحيّل على اطلاعه على أسرار الطائفتين. وهو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، ويظهر لها أنه منها في خير أو شر. وهي مداهنة محرمة.
(7) البخاري- الفتح 6 (3496) . مسلم (2526) واللفظ له.(8/3145)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاء أهل اليمن. هم أرقّ أفئدة.
الإيمان يمان «1» والفقه «2» يمان، والحكمة «3» يمانيّة» ) * «4» .
11-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا:
فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس» تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال، عن جابر خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» .
12-* (عن أبي وائل قال: خطبنا عمّار.
فأوجز وأبلغ. فلمّا نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت. فلو كنت تنفّست «6» فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ طول صلاة الرّجل، وقصر خطبته مئنّة من فقهه. فأطيلوا الصّلاة وأقصروا الخطبة. وإنّ من البيان لسحرا» ) * «7» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فقيه واحد أشدّ على الشّيطان من ألف عابد» ) * «8» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» ) * «9» .
15-* (حدّثنا عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء
__________
(1) الإيمان يمان: يمان ويمانية هو بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية. لأن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة، فلا يجمع بينهما.
(2) والفقه: الفقه هنا عبارة عن الفهم في الدين. واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية، بالاستدلال على أعيانها.
(3) والحكمة: الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به. والصد عن اتباع الهوى والباطل.
(4) البخاري- الفتح 7 (4390) . ومسلم (52) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 13 (7281) .
(6) تنفّست: أي أطلت قليلا.
(7) مسلم (869) . والمئنّة: بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون: أي علامة فقهه.
(8) الترمذي (2681) وقال: غريب، وابن ماجة (222) وفي سنده عندهما روح بن جناح الأموي وهو ضعيف، التقريب ص 211 وللحديث شواهد كثيرة ضعيفة وحسنة وصحيحة، تنظر في الدارقطني (3/ 79) ومجمع الزوائد (1/ 121) وأقواها حديث معاوية المتفق عليه: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» البخاري 71 ومسلم، 1037
(9) الفتح (8/ 715) : مشيرا إلى تصحيح حديث أبي داود والترمذي هذا.(8/3146)
المشركين، فقالوا: يا رسول الله. خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم فقه في الدّين، وإنّما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا. قال:
«فإن لم يكن لهم فقه في الدّين سنفقّههم» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسّيف على الدّين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان» . قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: «هو خاصف النّعل» ، وكان أعطى عليّا نعله يخصفها. ثمّ التفت إلينا عليّ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «1» .
16-* (عن حميد بن عبد الرّحمن قال:
سمعت معاوية خطيبا، يقول: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين. وإنّما أنا قاسم، والله يعطي. ولن تزال هذه الأمّة قائمة على أمر الله لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «2» .
17-* (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد.
ثائر الرّأس «3» . نسمع دويّ صوته ولا نفقه ما يقول. حتّى دنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة» . فقال: هل عليّ غيرهنّ؟. قال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . وصيام شهر رمضان» . فقال: هل عليّ غيره؟
فقال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزّكاة. فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . قال، فأدبر الرّجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق» ) * «4»
الأحاديث الواردة في (الفقه) معنى
18-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: جاءت أمّ سليم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت:
يا رسول الله!: إنّ الله لا يستحيي من الحقّ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأت الماء. فغطّت أمّ سلمة- تعني وجهها- وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: نعم،
__________
(1) الترمذي: (3715) . وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ربعي عن علي قال: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول لم يكذب ربعي بن حراش في الإسلام كذبة. وأخبرني محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن أبي الأسود قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: منصور بن المعتمر أثبت أهل الكوفة. وللحديث روايات أخرى كثيرة. انظر: «جامع الأصول» و «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» .
(2) البخاري- الفتح 1 (71) واللفظ له. ومسلم (1037) .
(3) ثائر: هكذا هي في مسلم برفع ثائر صفة لرجل، وقيل يجوز نصبه على الحال، ومعنى ثائر الرأس: قائم الشعر منتفشه.
(4) البخاري- الفتح 1 (46) . ومسلم (11) واللفظ له.(8/3147)
تربت يمينك «1» ، ففيم يشبهها ولدها؟» ) * «2» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سألت امرأة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف تغتسل من حيضتها؟ قال: فذكرت أنّه علّمها كيف تغتسل. ثمّ تأخذ فرصة من مسك «3» فتطهّر بها. قالت: كيف أتطهّر بها؟. قال: «تطهّري بها. سبحان الله «4» » .
واستتر (وأشار لنا سفيان بن عيينة بيده على وجهه) قال: قالت عائشة: واجتذبتها إليّ. وعرفت ما أراد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: تتبّعي بها أثر الدّم. وقال ابن أبي عمر في روايته: فقلت: تتبّعي بها آثار الدّم» «5» ) * «6» .
20-* (عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا حديثا واحدا قال: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتي بجمّار «7» فقال:
«إنّ من الشّجر شجرة مثلها كمثل المسلم» . فأردت أن أقول هي النّخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتّ. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هي النّخلة» ) * «8» .
21-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل «9» . فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية. فقال: يا محمّد! أتانا رسولك. فزعم «10» لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك؟ قال: «صدق» . قال: فمن خلق السّماء «11» قال: «الله» . قال: فمن خلق الأرض؟.
قال: «الله» . قال: فمن نصب الجبال، وجعل فيها ما جعل؟. قال: «الله» . قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال. الله أرسلك؟. قال: «نعم.
قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا
__________
(1) تربت يمينك أي افتقرت وهي من الألفاظ التي يزجر بها ولا يراد بها ظاهرها.
(2) البخاري- الفتح 1 (130) .
(3) فرصة من مسك: مثال سدرة. قطعة قطن أو خرقة تستعملها المرأة في مسح دم الحيض. والمعنى تأخذ فرصة مطيبة من مسك.
(4) سبحان الله: يراد بها التعجب. ومعنى التعجب هنا: كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر.
(5) تتبعي بها آثار الدم: قال جمهور العلماء: عنى به الفرج.
(6) البخاري- الفتح 1 (314) . ومسلم 1 (332) واللفظ له.
(7) الجمّار: هو الّذي يؤكل من قلب النخل: يكون لينا.
(8) البخاري- الفتح 1 (72) . واللفظ له ومسلم (2811) .
(9) العاقل: لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه. وحسن المراجعة. فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب. ولأن أهل البادية هم الأعراب. ويغلب فيهم الجهل والجفاء. والبادية والبدو بمعنى. وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة إليها بدوي. والبداوة الإقامة بالبادية. وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة.
(10) فزعم رسولك: قوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه. بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه.
(11) فمن خلق السماء الخ: هذه جملة تدل على أنواع من العلم. قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه. فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع. ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين. ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر. لا لافتقاره إليها. كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة.(8/3148)
وليلتنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟. قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في أموالنا. قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟. قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان في سنتنا.
قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟.
قال: «نعم» . قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا. قال: «صدق» . قال: ثمّ ولّى. قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لئن صدق ليدخلنّ الجنّة» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفقه)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: تفقّهوا قبل أن تسودوا، قال أبو عبد الله يعني البخاريّ: وبعد أن تسودوا، وقد تعلّم أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كبر سنّهم» ) * «2» .
2-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «إنّ الفقيه حقّ الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره إنّه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبّر فيها» ) * «3» .
3-* (روى قثم بن العباس- رضي الله عنهما- قال: «قيل لعليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة. قيل فكم بين المشرق والمغرب؟ قال:
مسيرة يوم للشّمس» ) * «4» .
4-* (عن مجاهد قال: بينما نحن وأصحاب ابن عبّاس حلق في المسجد، وسعيد بن جبير وعكرمة، وابن عبّاس قائم يصلّي، إذ وقف علينا رجل فقال: هل من مفت؟ فقلنا: سل، فقال: إنّي كلّما بلت تبعه الماء الدّافق، قال قلنا الّذي يكون منه الولد قال: نعم. قلنا عليك الغسل. قال: فولّى الرجل وهو يرجّع. قال وعجل ابن عبّاس في صلاته ثمّ قال لعكرمة: عليّ بالرّجل، وأقبل علينا فقال: أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرّجل عن كتاب الله؟ قلنا: لا. قال: فعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلنا: لا. قال: فعن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قلنا: لا. قال: فعمّه؟ قلنا: عن رأينا. قال فقال:
فلذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فقيه واحد أشدّ على الشّيطان من ألف عابد» قال: وجاء الرّجل فأقبل
__________
(1) مسلم (12) .
(2) الفتح (1/ 199) .
(3) الدارمي في المقدمة (1/ 101) برقم (297) .
(4) أدب الدنيا والدين (12) .(8/3149)
عليه ابن عبّاس فقال: أرأيت إذا كان ذلك منك أتجد شهوة في قلبك؟ قال: لا. قال فهل تجد خدرا في جسدك؟ قال: لا. قال: إنّما هذه إبرادة يجزيك منها الوضوء» ) * «1» .
5-* (عن ابن أبي مليكة: قيل لابن عبّاس: «هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنّه ما أوتر إلّا بواحدة، قال: إنّه فقيه» ) * «2» .
6-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«كونوا ربّانيّين حكماء فقهاء» ) * «3» .
7-* (عن مسروق- رحمه الله- قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: «تركت في المسجد رجلا يفسّر القرآن برأيه. يفسّر هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ قال: يأتي النّاس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم. حتّى يأخذهم منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله: من علم علما فليقل به. ومن لم يعلم فليقل:
الله أعلم. فإنّ من فقه الرّجل أن يقول، لما لا علم له به: الله أعلم. إنّما كان هذا، أنّ قريشا لمّا استعصت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف. فأصابهم قحط وجهد «4» . حتّى جعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. وحتّى أكلوا العظام. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله استغفر الله لمضر «5» فإنّهم قد هلكوا. فقال: «لمضر؟، إنّك لجريء «6» » . قال فدعا الله لهم. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (الدخان/ 15) قال فمطروا فلمّا أصابتهم الرّفاهية، قال، عادوا إلى ما كانوا عليه. قال فأنزل الله- عزّ وجلّ-: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 10- 11) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16) قال: يعني يوم بدر» ) * «7» .
8-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-:
«نعم النّساء نساء الأنصار، لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهنّ في الدّين» ) * «8» .
9-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه- «لأن
__________
(1) الآجري في أخلاق العلماء: 26 وقال محققه: ذكر صاحب كنز العمال هذا الأثر وقال: أخرجه ابن عساكر بإسناد حسن.
(2) البخاري- الفتح 7 (3765)
(3) الفتح (1/ 192) مقدمة باب العلم قبل القول.
(4) وجهد: أي مشقة شديدة.
(5) استغفر الله لمضر: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم: استغفر الله لمضر. وفي البخاري: استسق الله لمضر. قال القاضي: قال بعضهم: استسق هو الصواب اللائق بالحال، لأنهم كفار لا يدعى لهم بالمغفرة. قلت: كلاهما صحيح. فمعنى استسق: اطلب لهم المطر والسقيا. ومعنى استغفر: ادع الله لهم بالهداية التي يترتب عليها الاستغفار.
(6) لمضر؟ إنك لجريء: قال الأبي: هو على وجه التقرير والتعريف بكفرهم واستعظامه لهم. أي فكيف يستغفر أو يستسقي لهم وهم عدو الدين. ويصح هذا، عندي، على ما ذكر مسلم من لفظ استغفر. لأن الإنكار إنما هو للاستغفار الذي سأل لهم. بدليل أنه عدل عنه إلى الدعاء لهم بالسقي. ولو كان استعظامه إنما هو لطلب السقيا، لم يستسق لهم.
(7) مسلم (2798) .
(8) البخاري تعليقا. انظر: الفتح (1/ 276) باب الحياء في العلم.(8/3150)
أفقه ساعة أحبّ إليّ من أن أحيي ليلة أصلّيها حتّى أصبح، وفقيه أشّدّ على الشّيطان من ألف عابد، ولكلّ شيء دعامة ودعامة الدّين الفقه» ) * «1» .
10-* (قال أبو الدّرداء رضي الله عنه-: من فقه المرء، إقباله على حاجته حتّى يقبل على صلاته، وقلبه فارغ» ) * «2» .
11-* (عن سلمان رضي الله عنه-: «أنّه نزل على نبطيّة بالعراق، فقال لها: هل هاهنا مكان نظيف، أصلّي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك، وصلّ حيث شئت، فقال: فقهت أي فهمت وفطنت للحقّ والمعنى الّذي أرادت» ) * «3» .
12-* (قال الحسن البصريّ: «الفقيه الورع الزّاهد الّذي لا يسخر ممّن أسفل منه، ولا يهمز من فوقه، ولا يأخذ على علم علّمه الله، حطاما» ) * «4» .
13- وقال أيضا: (إنّما الفقيه الزّاهد في الدّنيا الرّاغب في الآخرة، البصير في أمر دينه، المداوم على عبادة الله- عزّ وجلّ-» ) * «5» .
14-* (وروي عنه قال: ما رأينا فقيها يماري» ) * «6» .
15-* (وقال عبد الله بن عون البصريّ- من صغار التّابعين-: ثلاث أحبّهنّ لنفسي ولإخواني:
هذه السّنّة. أن يتعلّموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهّموه ويسألوا النّاس عنه، ويدعوا النّاس إلّا من خير» ) * «7» .
16-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-:
«خمس إذا أخطأ القاضي منهنّ خطّة كانت فيه وصمة:
أن يكون فهما، حليما، عفيفا، صليبا، عالما، سئولا عن العلم» ) * «8» .
17-* (قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-: «من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن تعلّم الفقه نبل مقداره، ومن كتب الحديث قويت حجّته، ومن تعلّم الحساب جزل رأيه، ومن تعلّم اللّغة رقّ طبعه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه» ) * «9» .
18-* (وأنشد الرّبيع عن الشّافعيّ- رحمه الله-
ومنزلة السّفيه من الفقيه ... كمنزلة الفقيه من السّفيه
فهذا زاهد في قرب هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه
إذا غلب الشّقاء على سفيه ... تنطّع في مخالفة الفقيه
) * «10» .
__________
(1) مفتاح دار السعادة (69) .
(2) الفتح (2/ 186) .
(3) النهاية في غريب الحديث (3/ 465) .
(4) الآجري في أخلاق العلماء (74)
(5) المصدر السابق. والدارمي (1/ 1489) .
(6) أخلاق العلماء للآجري (58) .
(7) فتح الباري (13/ 263) .
(8) الفتح (13/ 156) .
(9) أدب الدنيا والدين للماوردي (28) .
(10) أدب الدنيا والدين (28) .(8/3151)
19-* (قال ابن الجوزيّ: (فإن اتّسع الزّمان للتّزيّد من العلم، فليكن من الفقه فإنّه الأنفع» ) * «1» .
20-* (أنشد المبرّد عن أبي سليمان الغنويّ:
فسل الفقيه تكن فقيها مثله ... لا خير في علم بغير تدبّر
» ) * «2» .
21-* (قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-:
«الفقيه هو العالم بقانون السّياسة وطريق التّوسّط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشّهوات، والملك والدّين توأمان، فالدّين أصل، والسّلطان حارس، ومالا أصل له فمهدوم، ومالا حارس له فضائع، ولا يتمّ الملك والضّبط إلّا بالسّلطان، وطريق الضّبط في فصل الحكومات بالفقه» ) * «3» .
22-* (قال أحد الحكماء: «آية العقل سرعة الفهم» ) * «4» .
من فوائد (الفقه)
(1) إنّ مثل الفقه في دين الله كمثل الغيث ينزل في الأرض الطّيّبة فينبت الخير للنّاس.
(2) الفقه في الدّين يعلي منزلة صاحبه بين قومه ولو كان من أقلّهم شأنا.
(3) يصون صاحبه عن الزّلل والخطأ، فيحسن التّحدّث والصّمت والتّصرّف.
(4) أهل الفقه: مصابيح الأمّة، تنير لها طريق الهدى.
(5) العبادة من غير فقه على خطر عظيم.
(6) الرّحلة والاستنفار للتّفقّه في الدّين سنّة السّلف.
(7) تعلّم الفقه من أفضل العبادات.
(8) قراءة الفقيه للقرآن تكون بتبصّر وتأمّل وتمعّن.
(9) بعض الأسئلة المحرجة في الفقه لا بدّ لها من جرأة.
(10) الفقه يهذّب الأخلاق، ويضع للطّيش حدودا.
__________
(1) صيد الخاطر (202) .
(2) أدب الدنيا والدين (57) .
(3) الإحياء (1/ 17) .
(4) أدب الدنيا والدين (11) .(8/3152)
[حرف القاف]
القسط
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
20/ 6/ 1
القسط لغة:
قسط وأقسط لغتان بمعنى عدل.
وأمّا قسط الّذي مصدره القسط فهو بمعنى جار، فكأنّ الهمزة فيه للسّلب، كما يقال: شكا إليه فأشكاه.
والقسط: الميزان، سمّي به من القسط العدل، ففي الحديث «إنّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه» أراد أنّ الله يخفض، ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه، وأرزاقهم النّازلة من عنده كما يرفع الوزّان يده ويخفضها عند الوزن، وقيل:
أراد بالقسط: القسم من الرّزق الّذي هو نصيب كلّ مخلوق، وخفضه تقليله، ورفعه تكثيره.
والقسط: الحصّة والنّصيب. وتقسّطوا الشّيء بينهم: تقسّموه على العدل والسّواء. وأمّا قوله تعالى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (الشعراء/ 182) فالمراد أقوم الموازين «1» .
معنى اسم الله «المقسط» :
في أسماء الله الحسنى «المقسط» بمعنى العادل، وقال الحليميّ: هو المعطي عباده القسط وهو العدل من نفسه، وقد يكون معناه: المعطي لكلّ منهم قسطا من خيره «2» .
القسط اصطلاحا:
قال المناويّ: القسط (بالكسر) هو النّصيب بالعدل «3» .
وقال القرطبيّ: القسط هو العدل في المعاملات «4» .
الأمر بالقسط:
قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: أخبر الله في كتابه أنّه أنزل الكتاب والحديد ليقوم النّاس بالقسط، فقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد/ 25 مدنية) .
ولهذا أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّته بتولية ولاة الأمور عليهم وأمر ولاة الأمور أن يردّوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين النّاس أن يحكموا بالعدل «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإنصاف- الحكم بما أنزل الله- العدل والمساواة- الإيمان- الإسلام- التقوى- الإحسان- الأمانة- المروءة- المراقبة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البغي- الظلم- الحكم بغير ما أنزل الله- التطفيف- الضلال- العتو] .
__________
(1) لسان العرب (5/ 3625- 2627) . وانظر الصحاح (3/ 1152) . وبصائر ذوي التمييز (4/ 269) .
(2) لسان العرب (5/ 3626) . وفتح الباري، شرح صحيح البخاري (13/ 539) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (271) . والمراد بهذا القسط يعني أن يأخذ كل نصيبه بالعدل دون زيادة أو جور.
(4) تفسير القرطبي (91) .
(5) الحسبة (19) .(8/3153)
الآيات الواردة في «القسط»
الله قائم بالقسط:
1- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22) «1»
القسط في المعاملات:
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «2»
3- وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) «3»
__________
(1) آل عمران: 18- 22 مدنية
(2) البقرة: 282 مدنية
(3) النساء: 127 مدنية(8/3154)
4-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «1»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «2»
6-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «3»
7-* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «4»
8- وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) «5»
9- وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «6»
10- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ
__________
(1) النساء: 135 مدنية
(2) المائدة: 8 مدنية
(3) الأنعام: 151- 153 مكية
(4) هود: 84- 86 مكية
(5) الإسراء: 35- 38 مكية
(6) الأنبياء: 46- 47 مكية(8/3155)
شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) «1»
11- ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) «2»
12- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) «3»
13- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «4»
14- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) «5»
القسط في الحكومات:
15-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ
__________
(1) الشعراء: 176- 184 مكية
(2) الأحزاب: 4- 5 مدنية
(3) الرحمن: 1- 10 مدنية
(4) الحديد: 25 مدنية
(5) الممتحنة: 8 مدنية(8/3156)
وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1»
16- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «2»
17- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47) «3» 18- وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) «4»
19- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «5»
القسط في العبادات:
20- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «6»
__________
(1) المائدة: 41- 42 مدنية
(2) يونس: 3- 5 مكية
(3) يونس: 44- 47 مكية
(4) يونس: 54 مكية
(5) الحجرات: 9- 10 مدنية
(6) الاعراف: 27- 30 مكية(8/3157)
الأحاديث الواردة في (القسط)
1-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا، حلال «1» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «2» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم.
وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «3» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «4» . وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «5» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «6» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «7» فيدعوه خبزة.
قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «8» .
وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله.
وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «9» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «10» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «11» وإن دقّ، إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب» .
__________
(1) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال الخ ... ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحام وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(2) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي. وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(3) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(4) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(5) إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومن يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومن ينافق.
(6) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مرّ الزمان.
(7) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(8) نغزك: أي نعينك.
(9) لا زبر له أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(10) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتبعون.
(11) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.(8/3158)
«والشّنظير «1» الفحّاش» . ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسنفق عليك» ) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن- عزّ وجلّ- وكلتا يديه يمين، الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» ) * «3» .
3-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السّلطان المقسط» ) * «4» .
4-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على باب بيت فيه نفر من قريش، فقام وأخذ بعضادة الباب، ثمّ قال: «هل في البيت إلّا قرشيّ؟» ، قال: فقيل: يا رسول الله، غير فلان ابن أختنا، فقال: «ابن أخت القوم منهم» ، قال:
ثمّ قال: «إنّ هذا الأمر في قريش ما داموا، إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ) * «5» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلا من أهل بيتي، يواطىء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا» ) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم حكما مقسطا، فيكسر الصّليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد» ) * «7» .
__________
(1) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السىء الخلق.
(2) مسلم (2865) .
(3) مسلم (1827) .
(4) أبو داود (4843) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول: للحديث شواهد يتقوى بها، وقد حسّنه النووي والعراقي وابن حجر (6/ 572) .
(5) أحمد (4/ 396) وبعضه في المسند من حديث أبي هريرة، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (14/ 72) .
(6) أبو داود (4282) واللفظ له. والترمذي (2231) . وقال: حسن صحيح. وأحمد من مسند أبي سعيد (3/ 27، 28، 36، 37، 52، 70) .
(7) البخاري- الفتح 4 (2222) . ومسلم (155) واللفظ له.(8/3159)
من الآثار الواردة في (القسط)
1-* (قالت عائشة- رضي الله عنها- لعروة ابن الزّبير في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء/ 3) : يا ابن أختي! هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها، تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا لهنّ أعلى سنّتهنّ في الصّداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. وقالت عائشة: وإنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل الله وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قالت عائشة: وقول الله تعالى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ: (النساء/ 127) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. قالت: فنهوا أن ينكحوا عمّن «1» رغبوا في ماله وجماله في يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كنّ قليلات المال والجمال) * «2» .
الأحاديث الواردة في (القسط) معنى
انظر صفتي: العدل والحكم بما أنزل الله
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القسط)
انظر صفتي: العدل والحكم بما أنزل الله
من فوائد (القسط)
(1) فيه مرضاة للرّحمن واتّباع لسيّد الأنام.
(2) يضمن الحقوق ويحفظ الأمانات.
(3) القيام بالقسط سمة من سمات إخلاص الشّهادة لله.
(4) يكسو صاحبه نورا يوم القيامة.
(5) من قام بالقسط عظم ثوابه.
(6) فيه الحفاظ على سلامة المجتمع.
(7) يعيذ صاحبه من لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين.
__________
(1) في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: نهوا عن نكاح من يرغبن فيهن إلا بالقسط.
(2) البخاري- الفتح 8 (4574) واللفظ له. ومسلم (3018) .(8/3160)
القصاص
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 9/ 6
القصاص لغة:
اسم بمعنى القود مأخوذ من مادّة (ق ص ص) الّتي تدلّ على تتبّع الشّيء، من ذلك قولهم:
اقتصصت الأثر إذا تتبّعته قال ابن فارس: ومن ذلك اشتقاق القصاص في الجراح، وذلك أنّه يفعل به مثل فعله بالأوّل، فكأنّه اقتصّ أثره، وقال الجوهريّ:
القصاص القود، وقد أقصّ الأمير فلانا من فلان إذا اقتصّ له منه فجرحه مثل جرحه، أو قتله قودا، واستقصّه سأله أن يقصّه منه، وقال الفرّاء: قصّه الموت وأقصّه بمعنى دنا منه، وأصل الكلمة قاصّه مقاصّة (مشدّد) ، مثل سارّه مسارّة وحاجّه محاجّة وما أشبه ذلك. والقصاص (بالكسر) ، والقصاصاء (بالكسر أيضا) والقصاصاء (بالضّمّ) لغات فيه: هو القود والقتل بالقتل، والجرح بالجرح.
وتقاصّ القوم إذا قاصّ كلّ واحد منهم صاحبه في حساب أو غيره، والتّقاصّ: التّناصف في القصاص، قال قائل:
فرمنا القصاص وكان التّقاصّ ... حكما وعدلا على المسلمينا.
قال ابن سيده: وهذا الشّاذّ لاجتماع ساكنين، ولذلك رواه بعضهم، وكان القصاص.
والاقتصاص: أخذ القصاص. والإقصاص أن يؤخذ لك القصاص «1» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل «2» .
وعرّفه الحافظ في الفتح بأنّه: تتبّع جناية الجاني ليؤخذ مثل جنايته «3» .
وقال المناويّ: القصاص: تتبّع الدّم بالقود «4» .
أثر القصاص في استقرار المجتمع:
قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ: ومن هدي القرآن للّتي هي أقوم: القصاص، فإنّ الإنسان إذا غضب وهمّ بأن يقتل إنسانا آخر فتذكّر أنّه إن قتله قتل به، خاف العاقبة فترك القتل، فحيي ذلك الّذي يريد قتله، وحيي هو لأنّه لم يقتل فيقتل قصاصا، فقتل القاتل يحيا به ما لا يعلمه إلّا الله كثرة كما ذكرنا، قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 179) ، ولا شكّ أنّ هذا من
__________
(1) الصحاح (3/ 1051- 1052) ، ولسان العرب (6/ 3652) ، مفردات القرآن (672) ، المصباح المنير (506) ، ومقاييس اللغة (5/ 11) .
(2) التعريفات (225) .
(3) الفتح (11/ 395) .
(4) التوقيف (272) .(8/3161)
أعدل الطّرق وأقومها، ولذلك يشاهد في أنظار الدّنيا قديما وحديثا قلّة وقوع القتل في البلاد الّتي تحكم بكتاب الله، لأنّ القصاص ردع عن جريمة القتل، كما ذكره الله في الآية المذكورة آنفا.
وما يزعمه أعداء الإسلام من أنّ القصاص غير مطابق للحكمة، لأنّ فيه إقلال عدد المجتمع بقتل إنسان ثان بعد أن مات الأوّل، وأنّه ينبغي أن يعاقب بغير القتل فيحبس، وقد يولد له في الحبس فيزيد المجتمع، كلّه كلام ساقط، عار من الحكمة، لأنّ الحبس لا يردع النّاس عن القتل، فإذا لم تكن العقوبة رادعة فإنّ السّفهاء يكثر منهم القتل فيتضاعف نقص المجتمع بكثرة القتل «1» .
[للاستزادة؛ انظر صفات: الحكم بما أنزل الله- العدل والمساواة- العفو- القسط- الإنصاف- الطاعة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحكم بغير ما أنزل الله- الظلم- الضلال- البغي- العدوان- العصيان] .
__________
(1) أضواء البيان (3/ 389- 390) .(8/3162)
الآيات الواردة في «القصاص»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178)
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) «1»
2- الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) «2»
3- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «3»
4- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) «4»
__________
(1) البقرة: 178- 179 مدنية
(2) البقرة: 194 مدنية
(3) المائدة: 44- 45 مدنية
(4) الإسراء: 33 مكية(8/3163)
الأحاديث الواردة في (القصاص)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النّار» ) * «1» .
ولفظه عند التّرمذيّ: «فيقع فيقتصّ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتصّ ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثمّ طرح في النّار» ) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس في الدّماء» ) * «3» .
3-* (قال أسيد بن حضير- رضي الله عنه-:
بينما هو يحدّث القوم- وكان فيه مزاح- بينا يضحكهم فطعنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني. فقال:
«اصطبر «4» » ، قال: إنّ عليك قميصا وليس عليّ قميص، فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبّل كشحه «5» ، قال: إنّما أردت هذا يا رسول الله) * «6» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كسرت الرّبيّع- وهي عمّة أنس بن مالك- ثنيّة جارية من الأنصار، فطلب القوم القصاص، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالقصاص. فقال أنس بن النّضر عمّ أنس بن مالك: لا والله لا تكسر سنّها يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أنس كتاب الله القصاص» ، فرضي القوم وقبلوا الأرش «7» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» ) * «8» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النّار، فيحبسون على قنطرة بين الجنّة والنّار، فيقصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا، حتّى إذا هذّبوا ونقّوا، أذن لهم في دخول الجنّة، فو الّذي نفس محمّد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا» ) * «9» .
__________
(1) مسلم (2581) .
(2) الترمذي (2418) ، وقال: حسن صحيح.
(3) البخاري- الفتح 11 (6533) .
(4) أصبرني من نفسك. فقال اصطبر: أي أقدني من نفسك. قال: استقد، يقال: صبر فلان من خصمه واصطبر: أي اقتص منه.
(5) كشحه: أي خصره.
(6) أبو داود (5224) ، وقال الألباني (3/ 981) : صحيح.
(7) الأرش: دية الجراحات.
(8) البخاري- الفتح 8 (4611) واللفظ له، ومسلم (1675) .
(9) البخاري- الفتح 11 (6535) .(8/3164)
الأحاديث الواردة في (القصاص) معنى
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمّهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمّها، وجعل فيها الطّعام، وقال: «كلوا» وحبس الرّسول صلّى الله عليه وسلّم القصعة حتّى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة» ) * «1» .
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ يهوديّا قتل جارية على أوضاح لها «2» فقتلها بحجر، قال: فجيء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وبها رمق. فقال لها: «أقتلك فلان؟» ، فأشارت برأسها أن لا، ثمّ قال لها الثّانية. فأشارت برأسها أن لا. ثمّ سألها الثّالثة.
فقالت: نعم، وأشارت برأسها. فقتله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين حجرين) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله عبدا كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض، أو مال، فجاءه فاستحلّه قبل أن يؤخذ، وليس ثمّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حمّلوه عليه من سيّئاتهم» ) * «4» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القصاص)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في خطبة له: «إنّي لم أبعث عمّالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فعل به ذلك فليرفعه إليّ، أقصّه منه» .
قال عمرو بن العاص- رضي الله عنه-: «لو أنّ رجلا أدّب بعض رعيّته أتقصّه منه؟. قال: إي والّذي نفسي بيده أقصّه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه» ) * «6» .
2-* (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى-:
«جعل الله القصاص حياة. فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل» ) * «7» .
3-* (قال الزّجّاج- رحمه الله تعالى-: «إذا علم الرّجل أنّه إن قتل قتل أمسك عن القتل، فكان في ذلك حياة للّذي همّ بقتله ولنفسه، لأنّه من أجل
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2481) .
(2) أوضاح لها: أي لأجل حليّ لها من قطع فضة.
(3) البخاري- الفتح 12 (6877) ، ومسلم (1672) ، واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 11 (6534) ، الترمذي (2419) ، وقال: حسن صحيح، واللفظ له.
(5) مسلم (2582) . والجلحاء: هي التي لا قرن لها.
(6) أبو داود (4537) .
(7) تفسير ابن كثير (1/ 212) .(8/3165)
القصاص أمسك. وقال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: «أخذ هذا المعنى الشّاعر فقال:
أبلغ أبا مالك عنّي مغلغلة «1» ... وفي العتاب حياة بين أقوام.
يريد أنّهم إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب) * «2» .
4-* (قال ابن كثير- رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى البقرة/ 178) : «يقول الله تعالى: كتب عليكم العدل في القصاص أيّها المؤمنون حرّكم بحرّكم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدى من قبلكم، وغيّروا حكم الله فيهم.
فأمر الله بالعدل في القصاص، ولا يتبع سبيل المفسدين المحرّفين المخالفين لأحكام الله فيهم كفرا وبغيا) * «3» .
5-* (وقال- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ... (البقرة/ 179) : يقول الله تعالى وفي شرع القصاص- وهو قتل القاتل- حكمة عظيمة، وهي بقاء المهج وصونها، لأنّه إذا علم القاتل أنّه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة للنّفوس، وفي الكتب المتقدّمة: القتل أنفى للقتل فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح وأبلغ وأوجز) * «4» .
6-* (قال المعرّيّ:
يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
فردّ عليه ابن القيمّ:
عزّ الأمانة أغلاها، وأرخصها ... ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري
ونسبت للإمام الشّافعيّ فتوى في هذه المسألة، قبل أبي العلاء وهو قوله:
هناك مظلومة غالت بقيمتها ... وها هنا ظلمت هانت على الباري
والأولى: دية اليد الّتي تقطع ظلما قصدا، ففداؤها خمسمائة دينار ذهبا؛ لأنّها يد حرّ شريف.
والثّانية يد السّارق الّتي تقطع في ربع دينار سرقته بالشّروط الّتي تتوافر لقطعها عند الفقهاء «5» .
من فوائد (القصاص)
1- القصاص يحقن الدّماء.
2- القصاص يريح النّفوس المظلومة.
3- القصاص زجر لمن تسوّل له نفسه القتل.
4- القصاص حياة كما قالت العرب: القتل أنفى للقتل.
5- الرّاضي بالقصاص هو المنتصر.
__________
(1) مغلغلة: رسالة.
(2) زاد المسير في علم التفسير (1/ 181) .
(3) تفسير ابن كثير (1/ 210) .
(4) المرجع السابق (211) .
(5) ديوان الشافعي (60، 61) .(8/3166)
القناعة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 22/ 21
القناعة لغة:
مصدر قنع يقنع قناعة. إذا رضي، ويدلّ أصل المادّة علي معنيين: الأوّل: الإقبال بالوجه على الشّيء، والآخر: المستدير من الرّمل، ومن المعنى الأوّل أخذت القناعة بمعنى الرّضا، وسمّيت بذلك لأنّ القانع يقبل على الشّيء الّذي له راضيا. قال ابن فارس: والإقناع مدّ البعير رأسه إلى الماء للشّرب، قال ابن السّكّيت: قنعت الإبل والغنم للمرتع، إذا مالت له، وفلان شاهد مقنع، وهذا من المعنى الأوّل وهو الرّضا بالشّيء وجمعه مقانع، تقول: إنّه رضى يقنع به.
وقال الرّاغب: يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضي، وقنع يقنع قنوعا إذا سأل.. وقال بعضهم أصل هذه الكلمة من القناع وهو غطاء الرّأس، فقنع أي لبس القناع ساترا لفقره، وقنع إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسّؤال. وقال ابن منظور: يقال: رجل قانع من قوم قنّع، وقنع من قنعين، وقنيع من قنيعين وقنعاء.
وامرأة قنيع وقنيعة من نسوة قنائع.
قال الأزهريّ: رجال مقانع وقنعان إذا كانوا مرضيّين. ورجل قنعان: يرضى باليسير. وفي التّنزيل وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (الحج/ 36) . فالقانع الّذي يسأل، والمعترّ الّذي يتعرّض ولا يسأل، وقيل القانع: المتعفّف، وكلّ يصلح. وقال بعض أهل العلم:
إنّ القنوع يكون بمعنى الرّضا والقانع بمعنى الرّاضي، قال وهو من الأضداد. وفي الحديث: «فأكل وأطعم القانع والمعترّ» . هو من القنوع: الرّضا باليسير من العطاء «1» .
وقوله من الأضداد، قال الأصمعيّ: القانع الرّاضي بما قسم الله، ومصدره القناعة. والقانع السّائل ومصدره القنوع، ورأيت أعرابيّا يقول: اللهمّ إنّي أعوذ بك من القنوع والخنوع والخضوع وما يغضّ طرف المرء، ويغري به لئام النّاس.
قال عديّ:
وما خنت ذا عهد وأبت بعهده ... ولم أحرم المضطرّ إذ جاء قانعا
أي سائلا «2» .
واصطلاحا:
قال ابن السّنّيّ: القناعة: الرّضا بالقسم «3» .
وقال الرّاغب: القناعة: الاجتزاء باليسير
__________
(1) لسان العرب: (8/ 297 وما بعدها) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 33) ؛ والمفردات للراغب (214) .
(2) الأضداد للأصمعي (50) ، وللسجستاني: (116) ، وابن السكيت (202) ، وذيل الأضداد للصاغاني: (234) وانظر الأضداد للأنباري (66- 67) .
(3) القناعة (40) . والقسم- بفتح القاف وسكون السين- مصدر قسم الشيء يقسمه، والقسم- بكسر القاف وسكون السين- النصيب والحظ، وأشار إلى المعنيين ابن منظور في اللسان «قنع» .(8/3167)
من الأغراض المحتاج إليها «1» .
وقال الجاحظ: القناعة هي: الاقتصار على ما سنح من العيش، والرّضا بما تسهّل من المعاش، وترك الحرص على اكتساب الأموال وطلب المراتب العالية مع الرّغبة في جميع ذلك وإيثاره والميل إليه وقهر النّفس على ذلك والتّقنّع باليسير منه «2» .
وقال المناويّ: القناعة عرفا: الاقتصار على الكفاف، وقيل: الاكتفاء بالبلغة، وقيل: سكون الجأش عند عدم المألوفات، وقيل: الوقوف عند الكفاية «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرضا- الزهد- التواضع- الورع- النزاهة- العفة- المروءة- مجاهدة النفس- أكل الطيبات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطمع- طول الأمل- أكل الحرام- التطفيف- اتباع الهوى- التناجش- الاحتكار- السرقة- الغلول] .
الآيات الواردة في «القناعة»
1- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «4»
الآيات الواردة في «القناعة» معنى
2- لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) «5»
3- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «6»
__________
(1) المفردات للراغب (413) .
(2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (22) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (275) .
(4) الحج: 36- 37 مدنية.
(5) البقرة: 273 مدنية.
(6) النساء: 6 مدنية.(8/3168)
الأحاديث الواردة في (القناعة)
1-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، كن ورعا تكن أعبد النّاس، وكن قنعا تكن أشكر النّاس، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وأقلّ الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (القناعة) معنى
4-* (عن عمرو بن تغلب- رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوما ومنع آخرين، فكأنّهم عتبوا عليه فقال: «إنّي أعطي قوما أخاف ظلعهم وجزعهم «4» ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم عمرو بن تغلب» . فقال عمرو بن تغلب: ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمر النّعم» . زاد أبو عاصم عن جرير قال: سمعت الحسن يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بمال أو بسبي فقسمه ... بهذا) * «5» .
5-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ «6» ذو حظّ من الصّلاة، أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السّرّ، وكان غامضا في النّاس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا، فصبر على ذلك، ثمّ نفض بيده، فقال: عجّلت منيّته، قلّت بواكيه، قلّ تراثه» . وبهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا، قلت: لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما وقال: ثلاثا أو نحو
__________
(1) الترمذي (2349) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم 1/ 35 وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (1054) .
(3) ابن ماجة (4217) واللفظ له وفي الزوائد إسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 560) وقال رواه ابن ماجة. والبيهقي في الزهد الكبير. وعند الترمذي بنحوه من حديث الحسن عن أبي هريرة.
(4) ظلعهم: اعوجاجهم، وجزعهم: نقيض الصبر على الشر. وأطلق هنا على مرض القلب وضعف اليقين.
(5) البخاري الفتح 6 (3145) .
(6) قال ابن الأثير: الحاذ في الأصل بطن الفخذ، وقيل: هو الظهر، والمراد في الحديث: الخفيف الظهر من العيال، القليل المال، القليل الحظ من الدنيا. جامع الأصول (10/ 138) .(8/3169)
هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم. فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله» ) * «2» .
7-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدا «3» بعدك شيئا حتّى أفارق الدّنيا.
فكان أبو بكر- رضي الله عنه- يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا. فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي» ) * «4» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخى؟ أليس قد صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أليس أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي حنينا للدّنيا، ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهدا، فما أراني إلّا قد تعدّيت. قال: وما عهد إليك؟. قال: عهد إليّ أنّه يكفي أحدكم مثل زاد الرّاكب، ولا أراني إلّا قد تعدّيت، وأمّا أنت يا سعد، فاتّق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همّك إذا هممت، قال ثابت: فبلغني أنّه ما ترك إلّا بضعة وعشرين درهما من نفقة كانت عنده) * «5» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الغنى عن كثرة العرض «6» .
ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «7» .
__________
(1) الترمذي (2347) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (10/ 137) إسناده حسن.
(2) البخاري الفتح 11 (6490) . ومسلم (2963) واللفظ له.
(3) لا أرزأ أحدا: أي لا أصيب من ماله بالطلب منه ولا أنقصه شيئا.
(4) البخاري الفتح 3 (1472) واللفظ له. ومسلم (1035) .
(5) ابن السني في القناعة (48) وقال: حديث صحيح وللحديث طرق عدة عن سلمان يصح بها قطعا وقد أخرجه من طريق الحسن: وكيع في الزهد (67) ، وأحمد في المسند (5/ 438) والزهد (28، 29) ، وابن سعد في الطبقات (4/ 91) وغيرهم، وطرق أخرى عن سلمان منها: رواية أنس بن مالك عند ابن ماجه (4104) واللفظ له، والطبراني في الكبير (6/ 279) وقال ابن السني: وهذا إسناد جيد قوي. وأخرى غيرها كثيرة.
(6) العرض: هو متاع الدنيا. ومعنى الحديث: الغني المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حرصها. لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة. لأن من كان طالبا للزيادة لم يستغن بما معه، فليس له غنى.
(7) البخاري الفتح 11 (6446) ، ومسلم (1051) متفق عليه.(8/3170)
10-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما طلعت شمس قطّ إلّا وبجنبتيها ملكان، إنّهما يسمعان أهل الأرض إلّا الثّقلين: أيّها النّاس، هلمّوا إلى ربّكم، فإنّ ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى، وما غربت شمس قطّ إلّا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهمّ عجّل لمنفق خلفا وعجّل لممسك تلفا» ) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القناعة)
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو: «اللهمّ قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كلّ غائبة لي بخير» ) * «2» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنّا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلّة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار. فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التّمر والماء، إلّا أنّه قد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيران من الأنصار كان لهم منائح «3» ، وكانوا يمنحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أبياتهم، فيسقيناه) * «4» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ ارزق آل محمّد قوتا» ) * «5» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أدم وحشوه ليف) * «6» .
15-* (عن قتادة- رضي الله عنه- قال: كنّا نأتي أنس بن مالك وخبّازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا حتّى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا «7» بعينه قطّ) * «8» .
16-* (عن عائشة. رضي الله عنها- قالت:
لقد توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما في رفّي من شيء يأكله ذو كبد، إلّا شطر شعير في رفّ لي، فأكلت منه حتّى طال عليّ، فكلته ففني «9» ) * «10» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لقد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما شبع
__________
(1) ابن السني في القناعة (57) وقال مخرجه: سنده صحيح، ورجاله ثقات جميعا. وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 445) واللفظ له، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(2) الحاكم في المستدرك (2/ 356) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) المنائح جمع منيحة وهي العطية، والأصل فيها منحة اللبن كالناقة أو الشاة تعطيها غيرك يحتلبها ثم يردها عليك.
(4) البخاري الفتح 11 (6459) واللفظ له. ومسلم (2973)
(5) البخاري الفتح 11 (6460) واللفظ له. ومسلم (1055) . والقوت: ما يقوت البدن، ويكف عن الحاجة، وفيه دليل على فضل الكفاف، وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك.
(6) البخاري الفتح 11 (6456) .
(7) الشاة السميط والمسموطة التي نحي شعرها بالماء الحار.
(8) البخاري الفتح 11 (6457) .
(9) فكلته ففني: أي قسته ففرغ، وفيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله.
(10) البخاري الفتح 11 (6451) واللفظ له. ومسلم 4 (2973) .(8/3171)
من خبز وزيت، في يوم واحد، مرّتين) * «1» .
18-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «لم يأكل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خوان «2» حتّى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتّى مات» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرّني أن لا يمرّ عليّ ثلاث وعندي منه شيء، إلّا شيء أرصده لدين» ) * «4» .
20-* (عن عروة؛ عن عائشة- رضي الله عنهما- قالت: ما أكل آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم أكلتين في يوم إلّا إحداهما تمر» ) * «5» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما شبع آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتّى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» * «6» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما شبع آل محمّد منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعا حتّى قبض» ) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (القناعة)
1-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «ألا أخبركم بما أستحلّ من مال الله تعالى: حلّتان لشتائي وقيظي «8» ، وما يسعني من الظّهر «9» لحجّي وعمرتي، وقوتي بعد ذلك كقوت رجل من قريش لست بأرفعهم ولا بأوضعهم، فو الله ما أدري أيحلّ ذلك أم لا؟» ) * «10» .
2-* (وقال أيضا: «إنّ الطّمع فقر، وإنّ اليأس غنى، إنّه من ييأس عمّا في أيدي النّاس استغنى عنهم) * «11» .
3-* (عن أبي عمرو الشّيبانيّ قال: «سأل موسى- عليه السّلام- ربّه- عزّ وجلّ-: أي ربّ، أيّ عبادك أحبّ إليك؟ قال: أكثرهم لي ذكرا. قال:
يا ربّ، فأيّ عبادك أغنى؟ قال: أقنعهم بما أعطيته.
قال: يا ربّ، فأيّ عبادك أعدل؟ قال: من دان نفسه» ) * «12» .
4-* (كتب بعض بني أميّة إلى أبي حازم
__________
(1) مسلم (2974) .
(2) الخوان- بضم الخاء وكسرها لغتان- للذي يؤكل عليه. واقتصر ابن حجر على أن الخاء مكسورة. فتح الباري (11/ 284) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6450) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2389) واللفظ له. ومسلم (991) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6455) واللفظ له. ومسلم (2971) .
(6) مسلم (2970) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6454) واللفظ له. ومسلم (2970) .
(8) حلّتان لشتائي وقيظي: أي ثوب للشتاء وثوب للصيف.
(9) من الظهر: أي ما يركب من الدواب.
(10) الإحياء: (3/ 240) .
(11) إحياء علوم الدين (3/ 239) .
(12) ابن السني في كتاب القناعة (51) ، وقال محققه: رجاله ثقات مشهورون غير شيخ ابن السني واسمه جعفر بن عيسى أبو أحمد الحلواني.(8/3172)
يعزم عليه إلّا رفع إليه حوائجه. فكتب إليه: قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عنّي قنعت» ) * «1» .
5-* (قال أبو ذؤيب الهذليّ:
والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع
) * «2» .
6-* (قال ابن الأعرابيّ يخاطب نفسه:
لا تحسبي دراهم ابني مدلج ... تأتيك حتّى تدلجي «3» وتولجي «4»
فاقنعي بالعرفج «5» المسحّج «6» . ... وبالثّمام «7» وعرام «8» العوسج «9» ) * «10» .
7-* (قال ابن القيّم: «يكمل غنى القلب بغنى آخر، هو غنى النّفس. وآيته: سلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة» ) * «11» .
8-* (قال الإمام الغزاليّ: «كان محمّد بن واسع يبلّ الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد» ) * «12» .
9-* (قال بعض الحكماء: «وجدت أطول النّاس غمّا الحسود، وأهنأهم عيشا القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشا أرفضهم للدّنيا، وأعظمهم ندامة العالم المفرّط) * «13» .
10-* (قال قلاخ لأبي جهل والحارث ابني هشام:
فهل يخلدنّ ابني هشام غناهما ... وما يجمعان من مئين ومن ألف
يقولان نستغني وو الله ما الغنى ... من المال إلّا ما يعفّ وما يكفي «14» .
11-* (قال شاعر:
اصبر على كسرة وملح ... فالصّبر مفتاح كلّ زين
ولا تعرض لمدح قوم ... يدع إلى ذلّة وشين
واقنع فإنّ القنوع عزّ ... والذّلّ في شهوة بدين
) * «15» .
12-* (وقال آخر:
رضيت من الدّنيا بقوت يقيمني ... فلا أبتغي من بعده أبدا فضلا
__________
(1) الإحياء (3/ 239) ، والقناعة لابن السني (43) .
(2) جمهرة أشعار العرب (242) .
(3) تدلجي: من أدلج إذا سار من أول الليل.
(4) تولجي: من ولج يلج ولوجا: أي دخل.
(5) العرفج: نوع من الشجر البري.
(6) المسحج: المقشر.
(7) الثمام: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص واحده ثمامة.
(8) العرام: ما سقط من قشر العوسج.
(9) العوسج: واحده عوسجة وهي الشجرة الكبيرة من العضاه.
(10) جمهرة أشعار العرب (242) .
(11) تهذيب مدارج السالكين (474) .
(12) الإحياء (3/ 293) .
(13) القناعة لابن السني (58) .
(14) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(15) المصدر السابق (47) .(8/3173)
ولست أروم القوت إلّا لأنّه ... يعين على علم أردّ به جهلا
فما هذه الدّنيا بطيب نعيمها ... لأيسر ما في العلم من نكتة عدلا)
* «1» .
13-* (وقال آخر:
وللرّزق أسباب تروح وتغتدي ... وإنّي منها بين غاد ورائح
قنعت بثوب العدم من حلّة الغنى ... ومن بارد عذب زلال بمالح
14-* (وقال آخر:
كن بما أوتيته مقتنعا ... تقتفي عيش القنوع المكتفي
كسراج دهنه قوت له ... فإذا غرّقته فيه طفي
) * «2» .
15-* (قال بعضهم: «ازهد بما عند النّاس يحبّك النّاس، وارغب فيما عند الله يحبّك الله» ) * «3» .
16-* (قيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟
قال: «قلّة تمنّيك، ورضاك بما يكفيك» ) * «4» .
17-* (وقيل لبعض الحكماء: ما مالك؟
فقال: «التّجمّل في الظّاهر، والقصد في الباطن، واليأس ممّا في أيدي النّاس» ) * «5» .
18-* (وقيل في القناعة:
اضرع إلى الله لا تضرع إلي النّاس ... واقنع بيأس فإنّ العزّ في الياس
واستغن عن كلّ ذي قربى وذي رحم ... إنّ الغنيّ من استغنى عن النّاس
) * «6» .
19-* (وقيل في هذا المعنى أيضا:
يا جائعا قانعا والدّهر يرمقه ... مقدّرا أيّ باب منه يغلقه
مفكّرا كيف تأتيه منيّته ... أغاديا أم بها يسري فتطرقه
جمعت مالا فقل لي هل جمعت له ... يا جامع المال أيّاما تفرّقه
المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلّا يوم تنفقه
أرفه «7» ببال فتى يغدو على ثقة ... أنّ الّذي قسّم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون ما يدنّسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه
إنّ القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلّها همّا يؤرّقه «8» .
20- يروى أنّ الخليل بن أحمد الفراهيديّ
__________
(1) القناعة لابن السني (47) .
(2) المصدر السابق (41) .
(3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها. وفي معناه حديث مرفوع أخرجه ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» وإسناده حسن كما في الأربعين النووية رقم (31) .
(4) الإحياء (4/ 212) .
(5) المرجع السابق (4/ 213) .
(6) المرجع السابق (4/ 213) .
(7) أرفه: أي ما أرفه (وهي صيغة تعجّب) .
(8) الإحياء (4/ 213) .(8/3174)
(المتوفّى سنة 170 هـ) رفض أن يكون مؤدّبا لابن سليمان بن عليّ والي الأهواز ثمّ أخرج لرسوله خبزا يابسا وقال له: ما دمت أجد هذا فلا حاجة إلى سليمان، ثمّ أنشد:
أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة وفي غنى غير أنّي لست ذا مال شحّا بنفسي أنّي لا أرى أحدا يموت هزلا ولا يبقى على حال والفقر في النّفس لا في المال نعرفه ومثل ذاك الغنى في النّفس لا المال) * «1» .
21-* (وقال الشّافعيّ- رحمه الله-:
رأيت القناعة رأس الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك
فلا ذا يراني على بابه ... ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غنيّا بلا درهم ... أمرّ على النّاس شبه الملك
) * «2» .
من فوائد (القناعة)
(1) القناعة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) القانع تعزف نفسه عن حطام الدّنيا رغبة فيما عند الله.
(3) القنوع يحبّه الله ويحبّه النّاس.
(4) وهو سعيد النّفس بما قسم له من الدّنيا.
(5) لو قنع النّاس بالقليل لما بقي بينهم فقير ولا محروم.
(6) تشيع الألفة والمحبّة بين النّاس.
__________
(1) الإحياء (4/ 213) .
(2) ديوان الشافعي (102) .(8/3175)
القنوت
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
11/ 23/ 6
القنوت لغة:
مصدر قنت يقنت قنوتا، وهو مأخوذ من مادّة (ق ن ت) الّتي تدلّ على طاعة وخير في دين، والأصل فيه الطّاعة، ثمّ سمّي كلّ طاعة في طريق الدّين قنوتا، وسمّي السّكوت في الصّلاة والإقبال عليها قنوتا، قال الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) «1» .
وقال ابن منظور: القنوت دوام الطّاعة، وقيل:
الدّعاء في الصّلاة، والقنوت: الخشوع والإقرار بالعبوديّة، وقيل: القيام، وزعم ثعلب أنّه الأصل، وقيل: إطالة القيام. ويقال للمصلّي: قانت. وفي الحديث: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القانت الصّائم» أي المصلّي، ويرد القنوت بمعان متعدّدة، كالطّاعة، وقد تقدّم بعضها. فيصرف في كلّ واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.
وقال ابن الأنباريّ: القنوت على أربعة أقسام:
الصّلاة، وطول القيام، وإقامة الطّاعة، والسّكوت.
قال ابن سيده: القنوت الطّاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ (الأحزاب/ 35) ، ثمّ سمّي القيام في الصّلاة قنوتا، ومنه قنوت الوتر.
والقانت: الذّاكر لله تعالى. كما قال- عزّ وجلّ-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً (الزمر/ 9) . وقيل: القانت: العابد. والقانت: القائم بجميع أمر الله تعالى، وجمع القانت من ذلك كلّه:
قنّت، وقنت له: ذلّ، وقنتت المرأة لبعلها: أقرّت «2» .
ونقل الفيروزاباديّ عن ابن الأعرابيّ قوله:
أقنت: دعا على عدوّه، وأقنت: إذا أطال القيام في الصّلاة. وأقنت: إذا أدام الحجّ، وأقنت: إذا أطال الغزو، وأقنت إذا تواضع لله تعالى «3» .
القنوت اصطلاحا:
قال الرّاغب: القنوت لزوم الطّاعة مع الخضوع، وفسّر في كلّ واحد منهما في قوله تعالى:
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقوله عزّ وجلّ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (البقرة/ 116) .
وقال المناويّ: القنوت: ثبات القائم بالأمر على قيامه تحقّقا بتمكّنه فيه.. ودعاء القنوت: هو دعاء الانتصاب في الصّلاة «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 31) .
(2) انظر الصحاح للجوهري (1/ 261) ، ولسان العرب، لابن منظور (2/ 73، 74) ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 31) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) .
(4) مفردات الراغب (ص 413) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص 275) .(8/3176)
أنواع القنوت:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: القنوت الّذي يعمّ المخلوقات أنواع:
أحدها: طاعة كلّ شيء لمشيئته وقدرته وخلقه، فإنّه لا يخرج شيء عن مشيئته وقدرته وملكه، بل هو مدبّر معبود.
وعلى هذا الوجه، فالقانت قد لا يشعر بقنوته، فإنّ المراد بقنوته كونه مدبّرا مصرّفا تحت مشيئة الرّبّ من غير امتناع منه بوجه من الوجوه، وهذا شامل للجمادات والحيوانات وكلّ شيء. قال تعالى: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها (هود/ 56) ، وقال تعالى:
فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (يس/ 83) .
النّوع الثّاني من القنوت: هو ما يشعر به القانت، وهو اعترافهم كلّهم بأنّهم مخلوقون مربوبون وأنّه ربّهم، كما تقدّم.
الثّالث: أنّهم يضطرّون إليه وقت حوائجهم فيسألونه ويخضعون له، وإن كانوا إذا أجابهم أعرضوا عنه. قال الله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ (يونس/ 12) ، وقال تعالى:
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (الإسراء/ 67) . وهو أخبر أنّهم له قانتون، فإذا قنتوا له فدعوه، وتضرّعوا إليه عند حاجتهم كانوا قانتين له، وإن كان إذا كشف الضّرّ عنهم نسوا ما كانوا يدعون إليه وجعلوا له أندادا.
الرّابع: أنّهم كلّهم لا بدّ لهم من القنوت والطّاعة في كثير من أوامره وإن عصوه في البعض، وإن كانوا لا يقصدون بذلك طاعته، بل يسلّمون له ويسجدون طوعا وكرها. وذلك أنّه أرسل الرّسل وأنزل الكتب بالعدل، فلا صلاح لأهل الأرض في شيء من أمورهم إلّا به، ولا يستطيع أحد أن يعيش في العالم مع خروجه عن جميع أنواعه، بل لا بدّ من دخوله في شيء من أنواع العدل.
الخامس: خضوعهم لجزائه لهم في الدّنيا والآخرة، كما ذكر من ذكر أنّهم قانتون يوم القيامة، وهو سبحانه قد يجزي النّاس في الدّنيا فيهلكهم وينتقم منهم، كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وفرعون، فكانوا خاضعين منقادين لجزائه وعقابه قانتين له كرها. والجزاء يكون في الدّنيا، وفي البرزخ وفي الآخرة، وهو سبحانه قائم على كلّ نفس بما كسبت، وهو قائم بالقسط، والجميع مستسلمون لحكمه، قانتون له في جزائهم على أعمالهم، والمصائب الّتي تصيبهم في الدّنيا جزاء لهم. قال تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ 30) ، وقال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (النساء/ 79) .
فهذه خمسة أنواع: قنوتهم لخلقه وحكمه وأمره قدرا، واعترافهم بربوبيّته، واضطرارهم إلى مسألته والرّغبة إليه، ودخولهم فيما يأمر به وإن كانوا كارهين،(8/3177)
وجزاؤهم على أعمالهم «1» .
وقال الفيروز اباديّ: القنوت ينقسم إلى أربعة أقسام: الصّلاة، وطول القيام، وإقامة الطّاعة، والسّكوت. روي عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم أحدنا صاحبه في حاجته، حتّى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) ، فأمرنا بالسّكوت، وسئل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القنوت، فقال: ما أعرف القنوت إلّا طول القيام، ثمّ قرأ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ...
(الزمر/ 9) ، وقال الزّجّاج: المشهور في اللّغة أنّ القنوت الدّعاء، وأنّ القانت: الدّاعي «2» .
[للاستزادة: الخشوع- الرغبة- الصلاة- الضراعة- الطاعة- الإنابة- الرجاء- التوسل- الدعاء- الاستغاثة- الاستغفار- الإخبات- تذكر الموت- الخوف- العبادة
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- العصيان- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الغفلة- طول الأمل- القنوط] .
__________
(1) مجموعة الرسائل لابن تيمية (2/ 25- 27) .
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) .(8/3178)
الآيات الواردة في «القنوت»
القنوت بمعنى طاعة المخلوقات وخضوعها:
1- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) «1»
2- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) «2»
القنوت بمعنى السكوت:
3- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3»
القنوت بمعنى طول القيام:
4-* وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8)
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «4»
الأمر بالقنوت:
5- وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42)
يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «5»
القنوت من صفات أنبياء الله وأوليائه والمؤمنين (ومعناه إقامة الطاعة) :
6- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
__________
(1) البقرة: 115- 117 مدنية
(2) الروم: 25- 26 مكية
(3) البقرة: 238- 239 مدنية
(4) الزمر: 8- 9 مكية
(5) آل عمران: 42- 43 مدنية(8/3179)
الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(18) «1»
7- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «2»
8- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) «3»
9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28)
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)
يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)
* وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31)
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)
__________
(1) آل عمران: 14- 18 مدنية
(2) النساء: 34 مدنية
(3) النحل: 120- 122 مكية(8/3180)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «1»
10- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «2»
11- وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «3»
__________
(1) الأحزاب: 28- 35 مدنية
(2) التحريم: 3- 5 مدنية
(3) التحريم: 12 مدنية(8/3181)
الأحاديث الواردة في (القنوت)
1-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! من تبعك على هذا الأمر قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال:
قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟
قال: «خلق حسن» قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟
قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟
قال: «أن تهجر ما هجر ربّك عزّ وجلّ ...
الحديث» ) * «1» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفضل الصّلاة طول القنوت «2» » ) * «3» .
3-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقنت في الصّبح والمغرب» ) * «4» .
4-* (عن عاصم، قال: سألت أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن القنوت فقال: قد كان القنوت. قلت: قبل الرّكوع أو بعده؟ قال: قبله. قال:
فإنّ فلانا أخبرني عنك أنّك قلت: بعد الرّكوع. فقال:
كذب، إنّما قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الرّكوع شهرا، أراه كان بعث قوما، يقال لهم القرّاء زهاء سبعين رجلا، إلى قوم من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد «5» ، فقنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهرا يدعو عليهم) * «6» .
5-* (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: علّمني جدّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر: «اللهمّ عافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، واهدني فيمن هديت، وقني شرّ ما قضيت، وبارك لي فيما أعطيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت، سبحانك ربّنا تباركت وتعاليت» ) * «7» .
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهرا يدعو على رعل وذكوان) * «8» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله- عزّ
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 33) . وهو في الصحيحة للألباني (551) . والحديث أصله عند مسلم (832) .
(2) القنوت: المراد به هنا القيام.
(3) مسلم (756) .
(4) مسلم (678) .
(5) وكان المشركون قد قتلوا هؤلاء القراء فيما يعرف ب «حادثة بئر معونة) .
(6) البخاري- الفتح 2 (1002) . واللفظ له، ومسلم (677)
(7) أبو داود (1425) . وابن ماجة (1178) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (967) .
(8) البخاري- الفتح 2 (1003) واللفظ له. ومسلم (677) . ورعل وذكوان: قبيلتان من قبائل العرب.(8/3182)
وجلّ؟ قال: «لا تستطيعوه» «1» قال: فأعادوا عليه مرّتين أو ثلاثا. كلّ ذلك يقول: «لا تستطيعونه» . وقال في الثّالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصّائم القائم القانت «2» بآيات الله. لا يفتر من صيام ولا صلاة. حتّى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى» ) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو في القنوت: «اللهمّ أنج سلمة بن هشام، اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللهمّ أنج عيّاش ابن أبي ربيعة، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللهمّ سنين كسني يوسف «4» » ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (القنوت) معنى
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» ) * «6» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبّر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «7» فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الوسطى ثمّ يأخذ ذات الشّمال «8» فيستهلّ ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف فيقول: هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله) * «9» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد ليدرك درجة الصّوّام القّوّام بآيات الله- عزّ وجلّ- لكرم ضريبته وحسن خلقه» ) * «10» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) لا تستطيعوه: كذا في معظم النسخ، وفي بعضها لا تستطيعونه بالنون وهذا جار على اللغة المشهورة، والأول صحيح أيضا وهي لغة فصيحة حذف النون من الأفعال الخمسة من غير ناصب ولا جازم.
(2) القانت: معنى القانت هنا: المطيع.
(3) مسلم (1878) .
(4) كسني يوسف: أى اجعلها سنين شدادا ذوات قحط وغلاء، والسنة- كما ذكره أهل اللغة- الجدب.
(5) البخاري- الفتح 6 (2932) . واللفظ له ومسلم (675) .
(6) مسلم (1163) .
(7) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض أراد أنه صار إلى بطن الوادي.
(8) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله.
(9) البخاري- الفتح 3 (1751) .
(10) أحمد في المسند (2/ 220) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 257) . والهيثمي في المجمع (8/ 22) ، وصححه الألباني، الصحيحة (522) .(8/3183)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّاعي «1» على الأرملة «2» ، والمسكين كالمجاهد في سبيل الله- وأحسبه قال- (يشكّ القّعنبيّ) كالقائم لا يفتر وكالصّائم لا يفطر» ) * «3» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم الخاشع الرّاكع السّاجد» ) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القنوت)
14-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى فكان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية عذاب استجار، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله سبّح» ) * «5» .
15-* (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا «7» متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد» ) * «8» .
16-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه- أو ساقاه-. فيقال له، فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟»
وفي رواية عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا؟» ) * «9» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «10» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا. ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل ثمّ ركع فأطال الرّكوع
__________
(1) الساعي: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما.
(2) الأرملة: من لا زوج لها، وسميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد لفقد الزوج.
(3) البخاري- الفتح 10 (6007) واللفظ له. ومسلم (2982) .
(4) النسائي (6/ 18) ، وهو في صحيح سنن النسائي (2930) .
(5) البخاري- الفتح 9 (5353) . ومسلم (2982) .
(6) استسقاء رسول الله: أي صلاته لطلب السقيا ونزول المطر.
(7) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة، على جهة التواضع.
(8) الترمذي (558) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني.
(9) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) واللفظ له. ومسلم (2120) .
(10) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه.(8/3184)
جدّا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام. فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع.
وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله، وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموهما فكبّروا، وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «1» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد! والله لو تعلمون ما أعلم «2» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «3» .
18-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي صدره أزيز كأزيز الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
19-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ.
ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا «5» ، إليك أوّاها «6» منيبا. ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «7» وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتى، واسلل «8» سخيمة «9» قلبي» ) * «10» .
20-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: وما هممت؟ قال:
هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «11» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «12» وأحيا ليله «13» وأيقظ أهله) * «14» .
22-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال: «اللهمّ لك الحمد، أنت قيّم السّماوات والأرض
__________
(1) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أمنع من المعاصي من الله تعالى. ولا أشد كراهية لها منه سبحانه.
(2) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه.
(3) البخاري- الفتح 2 (1044) . ومسلم (901) واللفظ له
(4) أبو داود 1 (904) واللفظ له. والنسائي (3/ 13) . وقال محقق جامع الأصول (5/ 435) : حديث صحيح.
(5) مخبتا: أي خاشعا متواضعا.
(6) أواها: أي متضرعا وقيل بكّاء.
(7) الحوبة: المأثم.
(8) اسلل: أي انزع.
(9) سخيمة قلبي: السخيمة الحقد.
(10) والترمذي (3551) . وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (157) . وابن ماجة (3830) واللفظ له.
(11) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (773) .
(12) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، والعبارة في الأصل كناية عن اعتزال النساء
(13) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر.
(14) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) .(8/3185)
ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السّموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت،
وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «1» .
23-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
واصرف عنّي سيّئها. لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت.
لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّر ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري.
ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت.
سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القنوت)
1-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه-: «إنّ معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقيل: إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقال: ما نسيت، هل تدري ما الأمّة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم. فقال: الأمّة الّذي يعلّم الخير، والقانت المطيع لله وللرّسول، وكان معاذ يعلّم النّاس الخير ومطيعا لله ولرسوله» ) * «3» .
2-* (قال لبيد بن ربيعة- رضي الله عنه-:
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له. ومسلم (769) .
(2) مسلم (771) .
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم (1/ 230) .(8/3186)
الحمد لله الّذي استقلّت ... بأمره السّماء واطمأنّت
وشدّها بالرّاسيات الثّبّت ... ربّ البلاد والعباد القنّت
) * «1» .
3-* (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ: قال: من القنوت: الرّكوع، والخشوع، وغضّ البصر، وخفض الجناح من رهبة الله» ) * «2» .
4-* (روي عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه-: «كنّا نتكلّم في الصّلاة يكلّم أحدنا صاحبه في حاجته، حتّى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمرنا بالسّكوت» ) * «3» .
5-* (وسئل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القنوت فقال: «ما أعرف القنوت إلّا طول القيام، ثمّ قرأ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً» ) * «4» .
6-* (وقوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ* قيل:
خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون يعني عن كلام الآدميّين، وكلّ ما ليس من الصّلاة في شيء) * «5» .
من فوائد (القنوت)
(1) دليل على كمال الإيمان وسلامته من الغوائل.
(2) طريق موصّل إلى الجنّة.
(3) يورث الخشية من الله- عزّ وجلّ-.
(4) يثمر محبّة الله وطاعته.
(5) دليل صلاح العبد واستقامته.
(6) باب من أبواب اللّجوء إلى الله.
(7) اتّباع لطرق النّبيّين والصالحين.
__________
(1) انظر الأدب العربي للزيات (20) .
(2) شرح السنة للبغوي (3/ 362) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(8/3187)
القوة والشّدّة
أولا: القوة
[القوة] لغة:
اسم مأخوذ من مادّة (ق وى) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنيين: أحدهما على شدّة وخلاف ضعف، والآخر القواء وهو الأرض الخربة «1» ، والقوّة هنا مأخوذة من المعنى الأوّل، والوصف من ذلك: القويّ خلاف الضّعيف، وأصل ذلك من القوى الّتي هي جمع قوّة من قوى الحبل، والمقوي:
الّذي أصحابه وإبله أقوياء، ورجل شديد القوى أي شديد أسر الخلق «2» ، وقال الرّاغب: القوّة تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ* (البقرة/ 63، 93) ، وتارة للتّهيّؤ الموجود في الشّيء نحو أن يقال: النّوى بالقوّة نخل، أي متهيّء ومترشّح أن يكون منه ذلك، ويستعمل ذلك في البدن تارة وفي القلب أخرى، مثال الأوّل قوله تعالى:
وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً (فصلت/ 15) فالقوّة هنا قوّة البدن ومثال الثاني قوله- عزّ وجلّ- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (فصلت/ 15) فالقوّة هنا قوّة البدن ومثال الثاني قوله- عزّ وجلّ- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (مريم/ 12) أي بقوّة قلب، وقد تستعمل القوّة ويراد بها المعاون من خارج كما في قوله تعالى: قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً (هود/ 80) قيل معناه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
33/ 13/ 8
من أتقوّى به من الجند أو من المال، وقد تستعمل في القدرة الإلهيّة نحو قوله- عزّ من قائل-: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد/ 25) «3» .
وقال الجوهريّ: القوّة: خلاف الضّعف، والقوّة الطّاقة من الحبل وجمعها قوى (بالضّمّ) وقوى (بالكسر) ، يقال: قوي الضّعيف قوّة فهو قويّ، وتقوّى مثله، وقوّيته أنا تقوية «4» ، وقال ابن منظور:
يقال: أقوى الحبل والوتر جعل بعض قواه أغلظ من بعض، وفي حديث ابن الدّيلميّ: «ينقض الإسلام عروة عروة كما ينقض الحبل قوّة قوّة،» وقوله- عزّ وجلّ- لموسى حين كتب له الألواح: فَخُذْها بِقُوَّةٍ (الأعراف/ 145) قال الزّجّاج: أي خذها بقوّة في دينك وحجّتك. وقال ابن سيده: قوّى الله ضعفك أي: أبدلك مكان الضّعف قوّة «5» .
القوة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: القوّة: هي تمكّن الحيوان (أي الكائن الحيّ) من الأفعال الشّاقّة، فإن كان الكائن نباتا سمّيت قوّته قوّة طبيعيّة، وإن كان حيوانا سمّيت قوّته قوّة نفسانيّة وإن كان إنسانا سمّيت قوّته قوّة
__________
(1) من هذا الأصل الآخر قولهم: القواء: الأرض الّتي لا أهل بها، والمقوي: الشخص، الذي لا زاد معه، انظر المقاييس (5/ 37) .
(2) المرجع السابق (5/ 36) .
(3) المفردات للراغب (419) .
(4) الصحاح (6/ 2470) .
(5) لسان العرب لابن منظور: (15/ 207) .(8/3188)
عقليّة، والقوى العقليّة باعتبار إدراكها للكلّيّات تسمّى القوّة النّظريّة، وباعتبار استنباطها للصّناعات الفكريّة من أدلّتها بالرّأي تسمّى القوّة العمليّة «1»
وقال الرّاغب: القوّة الّتي تستعمل للتّهيّؤ في البدن أو القلب يقال بها على وجهين: الأوّل: لما هو موجود ولكنّه لا يستعمل، والآخر لمن يمكن أن يحصل منه الفعل. مثال الأوّل: فلان كاتب بالقوّة لمن يعرف الكتابة، ولكنّه لا يكتب، ومثال الثّاني: فلان كاتب لمن يمكنه تعلّم الكتابة «2» .
ثانيا: الشدة:
أصل الشّدّة: شدّة العقد، وتدلّ أيضا على القوّة في الشّيء، وفي البدن، وفي قوى النّفس «3» ، وقال ابن منظور: الشّدّة الصّلابة وهي نقيض اللّين وتكون في الجواهر والأعراض، وكلّ شيء أحكم فقد شدّ، وفي الحديث الشّريف: «من يشادّ هذا الدّين يغلبه» أي يقاويه ويقاومه، ويكلّف نفسه من العبادة فوق طاقته والشّدّة أيضا: النّجدة وثبات القلب، وكلّ شجاع شديد «4» .
الشّدّة اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات الشّدّة ضمن مصطلحاتها ويمكن في ضوء ما أورده اللّغويّون والمفسّرون أن نعرّفها بأنّها: القوّة الزّائدة في ممارسة التّعامل مع النّفس أو مع الآخرين وهي حينئذ بمعنى التّشدّد الزّائد في أداء الأعمال، وضدّها الرّفق واللّين، وتقاربها الغلظة.
حكم الشدة:
الشّدّة تطلب في موضعين هما:
1- عند التّعامل مع الكفّار مصداقا لقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.
2- عندما تنتهك حرمات الله تعالى أو تتعدّى حدوده.
والشّدّة منهيّ عنها في موضعين أيضا:
الأوّل: في ممارسة العبادة،
الآخر: في التّعامل مع المسلمين.
[للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- العزم والعزيمة- العفة- قوة الإرادة- كظم الغيظ- جهاد الأعداء- الثبات- النشاط- الشهامة- النبل- علو الهمة- الشجاعة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضعف- الوهن- التخاذل- صغر الهمة- التولي- الجبن- الكسل- التهاون- التفريط والإفراط] .
__________
(1) التعريفات للجرجاني (188) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (276) وقد تصرّفنا في العبارة تصرّفا يسيرا بأن وضعنا لفظ (الكائن) بدلا من النّفس. وقد ذكر المؤلفان أنواعا عديدة للقوّة ليس هنا محل تفصيلها.
(2) مفردات الراغب (419) بتصرف يسير.
(3) مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 180، والصحاح 2/ 453
(4) لسان العرب 3/ 232 (ط. بيروت) والنهاية لابن الأثير 2/ 452(8/3189)
أولا: الآيات الواردة في «القوة»
قوة الإرادة في الطاعات:
1- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) «1»
2- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «2»
3- وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) «3»
4-* وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) «4»
5- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) «5»
قوة الله فوق كل شيء:
6- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «6»
7- كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (52) «7»
8- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) «8»
9- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) «9»
10- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «10»
__________
(1) البقرة: 63 مدنية
(2) البقرة: 93 مدنية
(3) الأعراف: 145 مكية
(4) الأعراف: 171 مكية
(5) مريم: 12 مكية
(6) البقرة: 165 مدنية
(7) الأنفال: 52 مدنية
(8) هود: 66 مكية
(9) الكهف: 39 مكية
(10) الحج: 39- 40 مدنية(8/3190)
11- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) «1»
12- وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) «2»
13- اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) «3»
14- إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) «4»
15- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «5»
16- كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) «6»
القوة في الحروب والأعمال والعهود:
17- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «7»
18- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) «8»
19- وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «9»
الإيمان يكسب قوة الإرادة:
20- وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «10»
21- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) «11»
22- قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) «12»
23- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) «13»
__________
(1) الحج: 73- 74 مدنية
(2) الأحزاب: 25 مدنية
(3) الشورى: 19 مكية
(4) الذاريات: 58 مكية
(5) الحديد: 25 مدنية
(6) المجادلة: 21 مدنية
(7) الأنفال: 60 مدنية
(8) الكهف: 94- 95 مكية
(9) النحل: 92 مكية
(10) هود: 52 مكية
(11) النمل: 38- 39 مكية
(12) القصص: 26 مكية
(13) النجم: 1- 5 مكية(8/3191)
24- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) «1»
أطوار الإنسان قوة وضعف:
25-* اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) «2»
في الافتخار بالقوة مهلكة:
26- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (15) «3»
ثانيا: الآيات الواردة في «الشّدّة»
27- فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5) «4»
28- اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) «5»
29- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «6»
30- وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) «7»
ومن الآيات الواردة في «الشّدّة» معنى
31- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) «8»
32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «9»
33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) «10»
__________
(1) التكوير: 19- 20 مكية
(2) الروم: 54 مكية
(3) فصّلت: 15 مكية
(4) الإسراء: 5 مكية
(5) طه: 31- 32 مكية
(6) محمد: 4 مدنية
(7) الفتح: 19 مدنية
(8) التوبة: 73 مدنية
(9) التوبة: 123 مدنية
(10) التحريم: 7 مدنية(8/3192)
الأحاديث الواردة في (القوة)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أشهر الحجّ وليالي الحجّ، وحرم الحجّ، فنزلنا بسرف «1» . قالت: فخرج إلى أصحابه، فقال: «من لم يكن منكم معه هدي فأحبّ أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدي فلا» .
قالت: فالآخذ بها والتّارك لها من أصحابه. قالت: فأمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوّة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة. قالت:
فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي ... الحديث) * «2» .
2-* (عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه- أنّه قال: أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «امسح بيمينك سبع مرّات وقل: أعوذ بعزّة الله وقوّته من شرّ ما أجد» . قال:
ففعلت. فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم» ) * «3» .
3-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «أيّ حين توتر؟» . قال:
أوّل اللّيل، بعد العتمة. قال: «فأنت يا عمر؟» . فقال:
آخر اللّيل. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أنت يا أبا بكر، فأخذت بالوثقى. وأمّا أنت يا عمر، فأخذت بالقوّة» ) * «4» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو، بهؤلاء الدّعوات لأصحابه «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل. فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «6» .
6-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو على المنبر يقول:
«وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة. ألا إنّ القوّة الرّمي.
ألا إنّ القوّة الرّمي. ألا إنّ القوّة الرّمي» ) * «7» .
7-* (عن حمزة بن عمرو الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: يا رسول الله، أجد بي قوّة على الصّيام في السّفر، فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله
__________
(1) سرف:- بفتح أوله وكسر ثانيه- موضع على ستة أميال من مكة، تزوج به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ميمونة بنت الحارث وهناك بنى بها، وهناك توفيت.
(2) البخاري- الفتح 3 (1560) .
(3) مسلم (2022) . والترمذي (2080) واللفظ له.
(4) ابن ماجه (1202) . وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(5) الترمذي (3502) . وحسنه الألباني: صحيح الترمذي (2783) . والبغوي في «شرح السنة» (5/ 174) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (448) .
(6) مسلم (2664) .
(7) مسلم (1917) .(8/3193)
صلّى الله عليه وسلّم: «هي رخصة من الله. فمن أخذ بها فحسن. ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه» ) * «1» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يعطى المؤمن في الجنّة قوّة كذا وكذا من الجماع» . قيل: يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟ قال:
«يعطى قوّة مائة» ) * «2» .
ومن الأحاديث الواردة في (الشدة)
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله، ألم أخبر أنّك تصوم النّهار وتقوم اللّيل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينيك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك «3» . عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم في كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة عشرة أمثالها، فإذن ذلك صيام الدّهر كلّه» ، (قال عبد الله:) فشدّدت فشدّد عليّ، قلت:
يا رسول الله إنّي أجد قوّة، قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام ولا تزد عليه» ، قلت: وما كان صيام داود عليه السّلام؟ قال: «نصف الدّهر» ، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا «5» ، وقاربوا «6» ، وأبشروا «7» ، واستعينوا بالغدوة والرّوحة، وشيء من الدّلجة «8» » ) * «9» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الشّديد بالصّرعة «10» ، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «11» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا هذا حبل لزينب، فإذا فترت «12» تعلّقت «13» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) * «14» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من هذه؟ قلت: فلانة، لا تنام اللّيل- تذكر من صلاتها- فقال (صلّى الله عليه وسلّم) : «مه «15» عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإنّ الله- عزّ وجلّ- لا يملّ حتّى تملّوا» ) * «16» .
__________
(1) مسلم (1121) .
(2) الترمذي (4/ 2536) واللفظ له. وقال: هذا حديث صحيح غريب. والدارمي (2/ 334) وقال محقق جامع الأصول (10/ 530) : إسناده حسن.
(3) الزور: يراد به الزّوّار.
(4) البخاري- الفتح (1975) ، ومسلم (1159) ، واللفظ للبخاري.
(5) سددوا: أي الزموا السداد من غير إفراط ولا تفريط، والسدّاد هو التوسط في العمل.
(6) قاربوا: أي اعملوا بما يقرب من الكمال إن لم تستطيعوه.
(7) أبشروا: أي بالثواب على العمل الدائم وإن قل.
(8) الغدوة: السير أول النهار، والروحة: السير آخره، والدلجة: السر في الليل.
(9) البخاري- الفتح (39) .
(10) الصرعة: هو الذي يصرع الناس كثيرا بقوته، والتاء فيه للمبالغة.
(11) البخاري- الفتح (6114) ، ومسلم (2609) متفق عليه.
(12) فترت: قلّ نشاطها في العبادة.
(13) أي تعلقت بهذا الحبل لتستعيد نشاطها وقوتها.
(14) البخاري- الفتح (1150) .
(15) مه: اسم فعل أمر بمعنى كفوا.
(16) البخاري- الفتح (1151) .(8/3194)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القوة والشدة)
أولا: القوة:
1-* (قال مجاهد في قوله تعالى: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ (البقرة/ 63) : بقوّة أي بعمل ما فيه) * «1» .
2-* (وقال قتادة في الآية الكريمة نفسها:
القوّة: قوّة الجدّ) * 2.
3-* (وقال أبو العالية والرّبيع بن أنس في هذه الآية: بقوّة أي بطاعة) * 3.
4- وقال ابن كثير في قوله تعالى: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (مريم/ 12) : أي بجدّ وحرص واجتهاد) * «4» .
ثانيا: الشّدّة:
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح/ 29) ، قال: كان أهل الحديبية أشدّاء على الكفّار أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته) * «5» .
6-* (وقال ابن كثير في الآية السّابقة: هذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفّار، رحيما برّا بالأخيار عبوسا غضوبا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن» ) * «6» .
7-* (وقال القرطبيّ في الآية الكريمة نفسها؛ وقيل المراد بالّذين آمنوا جميع المؤمنين، وكون الصّفات المذكورة (من الشّدّة والرّحمة في جملة أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشبه أي أقرب إلى الصّواب) * «7» .
8-* (قال الإمام ابن حجر- رحمه الله- تعليقا على الباب الّذي عقده البخاريّ لما يجوز من الغضب والشّدّة لأمر الله تعالى: يشير بذلك إلى أنّ ما ورد من صبره من الأذى إنّما هو فيما كان من حقّ نفسه، وأمّا إذا كان لله تعالى فإنّه يمتثل فيه أمر الله من الشّدّة» ) * «8» .
من فوائد (القوة والشدة)
(1) تثمر محبّة الله ورضاه.
(2) مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة.
(3) صمام أمن للمجتمع من الأخطار والأعداء.
(4) صيانة للعرض والنّفس والمال.
(5) الإعداد لها دليل وعي الأمّة ويقظتها.
(6) الشّدّة في التّعامل مع الكفّار خير رادع لهم.
(7) الشّدّة في التّعامل مع المنتهكين لحدود الله منها ردع لأمثالهم وتحقيق للسّلام والأمن بالمجتمع.
(8) النّهي عن التّشدّد في العبادة فيه رحمة بالنّفس ورفق بها وهي دليل على سماحة الإسلام وسموّه.
__________
1، 2، 3 تفسير ابن كثير 1/، 109
(4) المرجع السابق، 3/، 119
(5) تفسير القرطبي 16/ 292، والبحر المحيط 8/، 100
(6) تفسير ابن كثير 4/، 218
(7) تفسير القرطبي 16/، 262
(8) فتح الباري 10/، 534(8/3195)
قوة الإرادة
القوة لغة واصطلاحا:
(انظر: صفة القوة) .
أمّا الإرادة: فأصل الكلمة: رود (بفتحتين) بمعنى المشيئة والطّلب والاختيار. والرّود: المهلة في الشيء. وقالوا: رويدا أي مهلا.
والإرادة في الأصل: قوّة مركّبة من شهوة وحاجة وأمل، وجعل اسما لنزوع النّفس إلى الشّيء مع الحكم فيه بأنّه يفعل أو لا يفعل، وقد يستعمل مرّة في المبدإ، وهو نزوع النّفس إلى الشّيء، وتارة في المنتهى، وهو الحكم فيه بأنّه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل. وقد تكون بحسب القوّة التّسخيريّة والحسّيّة، وقد تكون بمعنى القوّة الاختياريّة، والإرادة قد تكون محبّة وغير محبّة «1» .
الإرادة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الإرادة: صفة توجب للحيّ حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه، ولا تتعلّق إلا بمعدوم فإنّها صفة تخصّص أمرا بحصوله ووجوده. وقيل: الإرادة: ميل يعقب اعتقاد النّفع «2» .
قوة الإرادة اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات تعريفا محدّدا لهذا التّركيب الإضافيّ (قوّة الإرادة) ، بيد أنّه يمكن من خلال تعريف كلّ من عنصري التّركيب (القوّة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
3/ 6 والإرادة) أن نستنبط تعريفا يجمع طرفيه فنقول:
تهيّؤ القلب والعقل بشدّة وعزم لإحداث الفعل أو عدم إحداثه.
مستويات الإرادة:
يقول الميدانيّ: للإرادة مستويات ثلاثة «3» :
1- مستوى أدنى، وهو الّذي يراد من لفظ الإرادة عند الإطلاق.
2- مستوى أوسط، وقد استعمل في الدّلالة عليه (أيضا) لفظ العقل.
3- مستوى أعلى، ويمثّل الإرادة القويّة الحازمة الجازمة الّتي تواجه العقبات بالثّبات والصّمود، وهذا من شأنه أن ينهض بالإنسان إلى معالي الأمور ويوصّله إلى مراتب الصّابرين المحسنين الّمجاهدين وأن يجعله في تنفيذ ما يريد من أهل العزم «4» .
ولقوّة الإرادة أو العزم درجات أيضا إذ يتفاوت اولو العزم فيما بينهم، وقد يصل ذلك في درجاته العليا إلى تنفيذ المراد حتّى ولو اقترن به أشدّ الصّعوبات وأعظم الآلام «5» .
إنّ قوّة الإرادة تحتلّ المرتبة العليا في سلّم مستويات توجّه النّفس إلى الإعمال الإراديّة ويسبقها درجات خمس هي:
__________
(1) الصحاح (2/ 478) . واللسان (3/ 1771- 1774) . والمصباح المنير (245) .
(2) التعريفات (15) ، وقارن ب «التوقيف» (44) .
(3) انظر في تفصيل هذه الأنواع واستخداماتها في القرآن الكريم: الأخلاق الإسلامية لحسن حبنّكة الميداني (2/ 128) وما بعدها.
(4) المرجع السابق (2/ 182) .
(5) المرجع السابق (1/ 114) .(8/3196)
1- توجّه النّفس نحو الشّيء المراد.
2- الرّغبة في حصول هذا الشّيء. 3- الهمّ بالتّنفيذ.
4- الإرادة الجازمة. 5- تعقّل الشّيء المراد.
6- العزم أو الإرادة القويّة «1» .
الإرادة القوية أو الإلزام الخلقيّ:
تشكّل الإرادة القويّة عنصرا مهمّا من عناصر الإلزام الخلقيّ، ذلك أنّها تعبّر عن بواعث نفسيّة هي الحبّ أو البغض، وعلى أساس هذين الأمرين تكون خلقيّة السّلوك قولا كان أو فعلا، وتمتدّ جذور هذه الإرادة في أعماق النّفس، ومن هنا يكون «فعل المأمور به صادرا عن هذه القوّة الإراديّة» ، ولا يقف الأمر بالإرادة عند هذا الّذي تتّسم فيه بالعمق والقوّة والثّبات في مجالي الفعل والتّرك، وإنّما تتقدّم خطوة أخرى لتعبّر عن مزيد من العمق والصّلابة حينما تتّخذ لها مجالا يتمثّل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وبذا يصبح الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر صادرا عن المحبّة والإرادة.
وهذا يؤكّد حتميّة الصّدق النّفسيّ والقناعة التّامّة في مجال الإرادة حتّى تتأكّد خلقيّة الفعل «2» .
قوة الإرادة والتصدي لكيد الشيطان:
لقد توعّد الشّيطان بني آدم بالإغواء وبأن يترصّدهم عن الإيمان والطّاعة، وقد أقسم بعزّة الله تعالى أن يغويهم جميعا إلّا المخلصين، وذلك قول الله تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (ص/ 82- 83) . وقد ردّ عليه المولى- عزّ وجلّ- فقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (الحجر/ 42) .
ولكي يحقّق الشّيطان هذه الغاية وضع خطّة محكمة للإغواء كشفت عنها الآيات الكريمة قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (الأعراف/ 16- 17) .
نحن إذن في صراع مع عدوّ لدود له أعوان من الإنس والجنّ، وإذا كانت له خطّة محكمة للإيقاع بنا فعلينا أن نعدّ له العدّة كي نكون من المخلصين الّذين ينتصرون عليه بقوّة إيمانهم، وأوّل خطوات هذه الخطّة أن نتسلّح بإرادة قويّة وعزم إيمانيّ لا يلين، ويصحب ذلك التزام صارم بأوامر الله- عزّ وجلّ- والابتعاد عن نواهيه حتّى نستحقّ أن نكون من عباد الله المخلصين، وأعمّ عناصر هذه العبوديّة بعد الإيمان، التّقوى واليقين ونهي النّفس عن الهوى، أمّا الغاية أو الهدف النّهائيّ من هذا الصّراع الأبديّ فهو الجنّة وما فيها من رضوان الله تعالى.
كيف نقوّي إرادتنا؟
يستطيع ضعيف الإرادة أن يقوّيها بوسائل عديدة أهمّها:
1- تقوية عناصر الإيمان بالله، وبصفاته العظيمة، وبقضائه وقدره، وبحكمته العالية، وتقوية ما يقتضيه الإيمان من الثّقة بالله، وصدق التّوكّل عليه، وحسن الظّنّ به، فتقوية هذه العناصر تعتبر من الوسائل الجذريّة لاكتساب فضيلة قوّة الإرادة، فضعف الإرادة من عدم الثّقة بالنّفس. والثّقة بالله مع صدق التّوكّل عليه وحسن الظّنّ به تمنح الإنسان ثقة بسداد ما بيّنه أمرا متوكّلا فيه على ربّه، وأملا بمعونة الله
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في: الأخلاق الإسلامية (1/ 116) .
(2) النظرية الخلقية عند ابن تيمية (174) .(8/3197)
في تحقيق النّتائج الّتي يرجوها، فتقوى بذلك إرادته.
2- التّدريب العمليّ على مقاومة أهواء النّفس ومخالفة شهواتها، كلّما ألحّت عليه بمطالبها.
3- ممارسة أنواع العبادات الإسلاميّة تعتبر من الوسائل لتقوية الإرادة الإنسانيّة.
فتأدية عبادة الصّلاة بالتزام وانتظام وسيلة تقوّي الإرادة الإنسانيّة على مخالفة كثير من أهواء النّفس.
وتأدية عبادة الصّوم بالتزام تامّ وسيلة أخرى تقوّي الإرادة الإنسانيّة ضدّ طائفة من أهواء النّفس.
وهكذا سائر العبادات.
4- والتزام طاعة الله في كلّ ما أمر به ونهى عنه من الوسائل النّاجعة في تقوية الإرادة «1» .
5- يستطيع المؤمن أن يقوّي إرادته بوسائل الذّكر والوجل والاستعانة والاستخارة وتلاوة القرآن والتّوكّل على الله- عزّ وجلّ- إذ يجعله ذلك في معيّة مولاه ويزيده أمانا ويقينا ويصير بذلك من المؤمنين حقّا. قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (الأنفال/ 2- 4) .
6- وممّا يقوّي إرادة المؤمن في عمل الخير أن يضع دائما ابتغاء مرضاة الله- عزّ وجلّ- له هدفا وأن يعلم أنّ جائزته العظمى هي الجنّة وما أعدّ الله فيها للمتّقين، وأن يتذكّر دائما قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (النازعات/ 40- 41) .
7- وممّا يزيد قوّة الإرادة فيما يتعلّق بالابتعاد عن المعاصي ويردع عن التّهاون والتّكاسل في الطّاعات، يقين المؤمن بأنّ جزاء ذلك العصيان هو جهنّم وساءت مصيرا، وقد سجّل القرآن على لسان الرّسول- ولنا فيه الأسوة الحسنة-: قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الأنعام/ 15) «2» .
مظاهر قوة الإرادة:
لقوّة الإرادة مظاهر عديدة من أهمّها:
1- نهي النّفس عن الهوى والقدرة على السّيطرة على النّفس الأمّارة بالسّوء وكبح جماح النّفس الغضبيّة والشّهويّة.
2- الجدّ في الأمور والأخذ فيها بالحزم والنّظام في الأعمال والبعد عن الفوضى.
3- المبادرة بفعل الخير قبل وجود الموانع وينجم عن ذلك المسارعة إلى الخيرات.
4- من ظواهر قوّة الإرادة التّفاؤل بالخير وصرف النّفس عن التّشاؤم.
5- تلقّي الأحداث بالصّبر وعدم الحزن على ما فات وعدم التّطلّع إلى ما هو بعيد المنال مستحيل التّنفيذ.
6- امتلاك النّفس عند الغضب «3» وكبح جماحها عند اشتدادها في معاملة الغير «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: العزم والعزيمة- علو الهمة. القوة- كظم الغيظ- الرجولة- المروءة- الشهامة- مجاهدة النفس- الصبر والمصابرة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- التهاون صغر الهمة- الطيش- الكسل- اليأس] .
__________
(1) الأخلاق الإسلامية (2/ 127) .
(2) المرجع السابق (2/ 132) .
(3) انظر صفة «الغضب» ووسائل السيطرة عليها.
(4) الأخلاق الإسلامية (2/ 134- 165) .(8/3198)
الأحاديث الواردة في (قوة الإرادة)
1-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أتعلّم له كتاب يهود قال:
«إنّي والله ما آمن يهود على كتاب» ، قال: فما مرّ بي نصف شهر حتّى تعلّمته له. قال: فلمّا تعلّمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم) * «1» .
2-* (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه، فقال لي: لن أقضيك حتّى تكفر بمحمّد. قال: فقلت له: إنّي لن أكفر بمحمّد حتّى تموت ثمّ تبعث. قال:
وإنّي لمبعوث من بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. قال: فنزلت هذه الآية أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً إلى قوله: وَيَأْتِينا فَرْداً (مريم/ 77- 80)) * «2» .
3-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة ... الحديث، وفيه: ثمّ إنّ المشركين راسلونا الصّلح.
حتّى مشى بعضنا فى بعض «3» . واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا «4» لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسّه «5» وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «6» فاضطجعت فى أصلها. قال: فأتانى أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون فى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى. وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال:
فاخترطت سيفي «7» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «8» في يدي.
قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد، لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «9» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّى عامر برجل من العبلات «10» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «11» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «12» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) ذكره البخاري تعليقا 13 (7195) ، والترمذي (2715) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وأبو داود (3645) .
(2) مسلم (2795) .
(3) مشى بعضنا في بعض في هنا بمعنى إلى أي مشى بعضنا إلى بعض. وربما كانت بمعنى مع.
(4) تبيعا: أي خادما.
(5) وأحسّه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه
(6) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(7) فاخترطت سيفى: أى سللته.
(8) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله فى يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(9) ضربت الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
(10) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، هم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
(11) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(12) بدء الفجور وثناه: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين.(8/3199)
بظهره «1» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه.
وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه «2» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «3» .
حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها:
وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرّضّع
قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «4» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته، فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «5» ، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة.
قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا. يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «6» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا «7» من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعنى يتغدّون) . وجلست على رأس قرن «8» . قال الفزارىّ: ما هذا الّذى أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح «9» . والله ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا.
قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال:
قلت: هل تعرفونى؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت:
أنا سلمة بن الأكوع، والّذى كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ.
قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولّوا مدبرين. قلت:
يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن. قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادة- فارس رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم- بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله.
فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ.
__________
(1) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(2) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(3) فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(4) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(5) حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: أي فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه وحتى لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
(6) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدى بها. واحده إرم كعنب وأعناب.
(7) حتى أتوا متضايقا من ثنية: أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
(8) على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.
(9) البرح: أي الشدة.(8/3200)
حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا. حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال له ذا قرد «1» . ليشربوا منه وهم عطاش قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه «2» (يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم فى نغض «3» كتفه. قال: قلت خذها
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: يا ثكلته أمّه، أكوعه بكرة «4» ؟. قال: قلت:
نعم. يا عدوّ نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال:
ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه «5» . فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها.
قال: قلت: يا رسول الله! خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال:
فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه فى ضوء النّار.
فقال: «يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم. والّذى أكرمك، فقال: «إنّهم الآن ليقرون «6» في أرض غطفان» .
قال: فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا.
فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «7» . راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير.
قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا. قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه، قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
قلت: يا رسول الله، بأبي وأمّي، ذرني فلأ سابق الرّجل، قال:
«إن شئت» ، قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجليّ فطفرت «8» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «9» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «10» . قال: فأصكّه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبق والله! قال: أنا أظنّ «11» . قال:
فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «12» .
__________
(1) ذا قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينه وبين خيبر (حوالي 75 كيلو) . وفي بعض النسخ: ذو قرد.
(2) فحليتهم عنه: أى طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعنى أجليتهم عنه. قال القاضى: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا فى الحديث.
(3) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا.
(4) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أى أنت الأكوع الذى كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة.
(5) حلأتهم عنه: أي منعتهم عنه.
(6) ليقرون: أي يضافون: والقرى الضيافة.
(7) العضباء: لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(8) فطفرت: أى وثبت وقفزت.
(9) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أى لئلا يقطعني البهر.
(10) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(11) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(12) مسلم (1807) .(8/3201)
من الآثار الواردة في (قوة الإرادة)
1-* (قال حبيب الطائيّ:
أعاذلتي ما أخشن اللّيل مركبا ... وأخشن منه في الملمّات راكبه
ذريني وأهوال الزّمان أقاسها ... فأهواله العظمى تليها رغائبه
«1» 2- قال كعب بن زهير:
وليس لمن لم يركب الهول بغية ... وليس لرحل حطّه الله حامل
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل
) * «2» .
3-* (قال عليّ بن عبد العزيز القاضي رحمه الله تعالى:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
) * «3» .
4-* (قال الشّاعر:
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في أمره غير نفسه ... ولم يرض إلّا قائم السّيف صاحبا
) * «4» .
5-* (نظر معاوية إلى عسكر عليّ- رضي الله عنه- يوم صفّين، فقال: من طلب عظيما خاطر بعظيمته، وأشار إلى رأسه) * «5» .
6-* (من لم يركب الأهوال لم ينل الرّغائب، ومن ترك الأمر الّذي لعلّه أن ينال منه حاجته مخافة ما لعلّه يوقّاه فليس ببالغ جسيما، وإنّ الرّجل ذا المروءة ليكون خامل الذّكر خافض المنزلة، فتأبى مرؤته إلّا أن يستعلي ويرتفع، كالشّعلة من النّار الّتى يصونها صاحبها وتأبى إلّا ارتفاعا) * «6»
من فوائد (قوة الإرادة)
1- تيسّر الصّعاب وبها تتخطّى المشاقّ.
2- دليل على قوّة النّفس وصدق العزيمة.
3- تعين على أشرف العبادات وأشقّ الطّاعات.
4- قوّة الإرادة تصنع العظائم.
5- تثمر صلابة الدّين وسعادة الدّنيا والآخرة.
6- قوّة الإرادة تساعد على النّجاح في سائر الأعمال.
7- قويّ الإرادة يحسن استخدام طاقاته.
8- قوّة الإرادة تبعد صاحبها عن الفوضى وتؤدّي إلى سرعة إنجاز الأعمال.
9- في الأخذ بقوّة الإرادة تأسّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم مع أصحابه حياة جدّ وحزم ونظام.
10- تؤدّي الإرادة القويّة إلى المسارعة في الخيرات.
11- تؤدّى قوّة الإرادة بصاحبها إلى القناعة وعدم الأسى على ما يفوته.
12- قويّ الإرادة يستطيع أن يكبح غضبه ويسيطر عليه.
13- تؤدّي قوّة الإرادة بصاحبها إلى التّحمّل والصّبر والمثابرة وجعله معدودا من أولى العزم.
14- يستطيع الإنسان بقوّة إرادته أن يعمر الكون فيصبح بذلك أهلا للاستخلاف في الأرض، شريطة أن يستخدم هذه القوّة الإراديّة في طاعة الله- عزّ وجلّ- ولا تنحو به في اتّجاه الفساد أو سفك الدّماء.
__________
(1) العقد الفريد (3/ 19) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) أدب الدنيا والدين (92) .
(4) أسرار البلاغة (115) .
(5) العقد الفريد (3/ 18) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(8/3202)
[حرف الكاف]
كتمان السر
الكتمان لغة:
مصدر قولهم: كتم يكتم، كتما وكتمانا، وهو مأخوذ من مادّة (ك ت م) الّتي تدلّ على الإخفاء، ومن ذلك قولك: كتمت الحديث كتما وكتمانا، ويقال:
ناقة كتوم: لا ترغو إذا ركبت، قوّة وصبرا، وسحاب مكيتم: لا رعد فيه، وخرز كتيم: لا ينضح الماء، وقوس كتوم لا ترنّ «1» ، وقال الرّاغب: الكتمان: ستر الحديث، وكتمان الفضل هو كفران النّعمة، وقول الله تعالى:
وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) ، قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- إنّ المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنّة إلّا من لم يكن مشركا، قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (الأنعام/ 23) فتشهد عليهم جوارحهم، فحينئذ يودّون أن لم يكتموا الله حديثا.
وقال الحسن: في الآخرة مواقف، في بعضها يكتمون وفي بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم:
لا يكتمون الله حديثا: هو أن تنطق جوارحهم «2» .
وقولهم: سرّ كاتم، أي مكتوم. ومكتّم (بالتّشديد)
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
11/ 8/ 10
بولغ في كتمانه، واكتتمته مثل كتمته، أمّا استكتمته سرّي فمعناه: سألته أن يكتمه، وكاتمني سرّه: كتمه عنّي، ورجل كتمة: إذا كان يكتم سرّه «3» ، ورجل كاتم للسّرّ وكتوم، والكتيم والكتوم القوس، وفي الحديث:
أنّه كان اسم قوس سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتوم» سمّيت به لانخفاض صوتها إذا رمي عنها، يقال:
كتمت (القوس) كتوما، وكتمت المزادة تكتم كتوما (أيضا) إذا ذهب سيلان الماء من مخارزها أوّل ما تسرّب «4» ، وقال الفيروز اباديّ: يقال: كتم الشّيء كتما وكتمانا، وكتّمه تكتيما، واكتتمه: أخفاه، قال زهير:
فلا تكتمنّ الله ما في نفوسكم ... ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم
يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم
وكتمان الحقّ في قوله تعالى: وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (آل عمران/ 71) إنّما هو لليهود الّذين كانوا يعرفون نعوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصفاته الواردة في التّوراة ويخفونها «5» .
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 159) .
(2) المفردات (426) .
(3) الصحاح (5/ 2018) .
(4) لسان العرب (كتم) (3822- 3824) ، ط. دار المعارف.
(5) بتصرف عن: بصائر ذوي التمييز، (4/ 335) .(8/3203)
الكتمان اصطلاحا:
قال المناويّ: الكتمان: هو ستر الحديث «1» .
وقال الكفويّ: الكتمان: الصّبر في إمساك الضّمير «2» .
السّرّ لغة:
السّرّ في اللّغة: اسم لما يسرّ به الإنسان أي يكتمه، وهو مأخوذ من مادّة (س ر ر) الّتي تدلّ على إخفاء الشّيء «3» ، ومن ذلك السّرّ: خلاف الإعلان.
يقال: أسررت الشّيء إسرارا: خلاف أعلنته. ومن الباب: السّرّ وهو النّكاح، وسمّي بذلك لأنّه أمر لا يعلن به، ويقال: السّرسور: العالم الفطن، وأصله من السّرّ، كأنّه اطّلع على أسرار الأمور «4» . وقال الرّاغب:
الإسرار خلاف الإعلان. قال تعالى: يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (البقرة/ 77) .
ويقال: سارّه إذا أوصاه بأن يسرّه، وأسررت إلى فلان حديثا: أفضيت إليه في خفية، وقول الله تعالى:
تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة/ 1) أي يطلعونهم على ما يسرّون من مودّتهم، وقد فسّر بأنّ معناه:
يظهرون، وهذا صحيح لأنّ الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسّرّ، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره، فإذا قولهم: أسررت إليه يقتضي من وجه الإظهار، ومن وجه الإخفاء، وعلى هذا قوله تعالى: وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (نوح/ 9) «5» .
السّرّ اصطلاحا:
قال الرّاغب: السّرّ: هو الحديث المكتّم في النّفس «6» .
كتمان السّرّ اصطلاحا:
قال الجاحظ: ومنها «7» كتمان السّرّ وهذا الخلق مركّب من الوقار وأداء الأمانة، فإنّ إخراج السّرّ من فضول الكلام وليس بوقور من تكلّم بالفضول.
وأيضا فكما أنّه من استودع مالا فأخرجه إلى غير مودعه فقد خفر الأمانة، كذلك من استودع سرّا فأخرجه إلى غير صاحبه فقد خفر الأمانة، وكتمان السّرّ محمود من جميع النّاس وخاصّة ممّن يصحب السّلطان فإنّ إخراجه أسراره مع أنّه قبيح في نفسه يؤدّي إلى ضرر عظيم يدخل عليه من سلطانه «8» .
السّرّ نوعان:
قال الرّاغب: السّرّ ضربان: أحدهما ما يلقي الإنسان من حديث يستكتم، وذلك إمّا لفظا كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك، وإمّا حالا وهو أن يتحرّى القائل حال انفراده فيما يورده، أو يخفض صوته أو يخفيه عن مجالسيه. ولهذا قيل: إذا حدّثك الإنسان
__________
(1) التوقيف (280) .
(2) الكليات (560) .
(3) لهذه المادة معنى آخر هو: ما كان من خالص الشيء ومستقرّه، انظر مقاييس اللغة (3/ 67) .
(4) المرجع السابق (3/ 67- 70) .
(5) المفردات (228) .
(6) الذريعة إلى مكارم الشريعة، الأصبهاني (194) .
(7) أي من الأخلاق المحمودة.
(8) تهذيب الأخلاق للجاحظ (25) .(8/3204)
بحديث فالتفت فهو أمانة «1» . والثّاني: أن يكون حديثا في نفسك بما تستقبح إشاعته أو شيئا تريد فعله. وإلى الأوّل من ذلك أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «من أتى منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله» وإلى الثّاني أشار من قال: «من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه» .
وكتمان النّوع الأوّل من الوفاء ويختصّ بعامّة النّاس، والثّاني من الحزم والاحتياط وهو مختصّ بالملوك وأصحاب السّياسات. وإذاعة السّرّ من قلّة الصّبر وضيق الصّدر، وتوصف به ضعفة الرّجال والصّبيان والنّساء، والسّبب في أنّه يصعب كتمان السّرّ هو أنّ للإنسان قوّتين: آخذة، ومعطية. وكلتاهما تتشوّف إلى الفعل المختصّ بها، ولولا أنّ الله تعالى وكّل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوّده، فصارت هذه القوّة تتشوّف إلى فعلها الخاصّ بها. فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلى حيث ما يجب إطلاقها، ولا يخدعنّك عن سرّك قول من قال: وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق. وقول من ينشدك:
ويكاتم الأسرار حتّى كأنّه ... ليصونها عن أن تمرّ بباله
فذلك قول من يستنزلك عمّا في قلبك، فإذا استفرغ ما عندك لم يرع فيه حقّك، فقد قيل: الصّبر على القبض على الجمر أيسر من الصّبر على كتمان السّرّ. وما أصدق من أنبأ عن حقيقة حاله حيث قال له صديقه: أريد أن أفشي إليك سرّا تحفظه عليّ فقال:
لا أريد أن أوذي قلبي بنجواك، وأجعل صدري خزانة شكواك، فيقلقني ما أقلقك، ويؤرّقني ما أرّقك فتبيت بإفشائه مستريحا ويبيت قلبي بحرّه جريحا.
وقد قيل: أكثر ما يستنزل الإنسان عن سرّه في ثلاثة مواضع: عند الاضطجاع على فراشه، وعند خلوّه بعرسه، وفي حال سكره، ومن حقّ من يسارر غيره أن يتجنّب المحافل لأمرين: أحدهما: الحذر من أن يساء به الظّنّ:
فهذا يقول قد اغتابني ... وذا يستريب، وذا يتّهم
والثّاني: أنّه ربّما يتتبّع بالفحص فيطّلع على مراده. ولذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثّالث؛ فإنّ ذلك يحزنه» «2» .
والكتمان نوعان أيضا:
الأوّل: الكتمان المحمود، وهو ضرب من الأمانة ونوع من الوفاء، وعلامة على الوقار، وهو كتمان سرّ الغير أو النّفس وهو مناط هذه الصّفة ومعقدها.
الآخر: الكتمان المذموم وهو على ضربين أيضا:
أ- كتمان الشّهادة: وقد ذمّه المولى عزّ وجلّ في قوله وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (البقرة/ 283) .
وقال عزّ وجلّ أيضا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ (البقرة/ 140) .
ب- كتمان ما أنزل الله: وقد أخذ المولى عزّ
__________
(1) أي التفت المتكلم يرى أيسمعه أحد أم لا.
(2) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب (297) .(8/3205)
وجلّ العهد على الأنبياء والمرسلين بألّا يكتموا ممّا أوحي عليهم شيئا، وتوعّد من يفعل ذلك بذلّ الدّنيا وعذاب الآخرة فقال عزّ من قائل إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (البقرة/ 174) .
وقد لعنهم المولى عزّ وجلّ في آية أخرى فقال إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة/ 159) . قال العزّ بن عبد السّلام: وكتمان ذلك وسيلة إلى تضييع أحكام الله، وما يتعلّق بها من طاعة «1» .
كتمان السّرّ في القرآن الكريم:
ورد في الذّكر الحكيم كلّ من لفظي «السّرّ» و «الكتمان» على حدته، ولكنّهما لم يردا معا بهذه الصّيغة «كتمان السّرّ» بيد أنّ المعنى المقصود بكتمان السّرّ قد ورد في آيات عديدة لاندراج هذه الصّفة في كلّ من الأمانة والوفاء من جهة، والوقار من جهة أخرى، وذلك أنّ نقيض هذه الصّفة وهو إفشاء السّرّ (انظرها في الصّفات المنهيّ عنها) من قبيل اللّغو الّذي أمرنا بالإعراض عنه، ومن ثمّ يكون الكتمان وقارا والإفشاء لغوا، ومن الوضوح بمكان أنّ الّذي يؤتمن على سرّ فيحافظ عليه يكون مؤدّيا للأمانة، وقد جاء في الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة» (انظر الحديث رقم 2) .
ومن الوفاء أيضا أن يحافظ المسلم على سرّ أخيه فيكتمه وإلّا كان غادرا، ومن حقّ المسلم على المسلم أن يكتم عنه ما يكون قد وصل إليه من سرّه، خاصّة إذا كان قد تعهّد له بحفظ هذا السّرّ وعدم إذاعته.
ومن هنا كان كتمان السّرّ نوعا من الوفاء بالعهد، وقد قال تعالى وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (الإسراء/ 34) .
[للاستزادة: انظر صفات: الأمانة- الشرف- الصمت وحفظ اللسان- المروءة- النبل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الخيانة- الفضح- الإساءة- الأذى] .
__________
(1) انظر شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام (312) .(8/3206)
الآيات الواردة في «كتمان السر» معنى*
1-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1»
2-* وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) «2»
3- بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «3»
4-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «4»
5- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152) «5»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) «6»
7-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (91) «7»
__________
* ذكرت هذه الآيات لما في كتمان السر من الأمانة التي أمرنا الله عز وجل بالمحافظة عليها.
(1) البقرة: 177 مدنية
(2) البقرة: 283 مدنية
(3) آل عمران: 76- 77 مدنية
(4) النساء: 58 مدنية
(5) الأنعام: 152 مكية
(6) الأنفال: 27- 28 مدنية
(7) النحل: 90- 91 مكية(8/3207)
8- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) «1»
9- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «2»
10- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) «3»
11- وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34)
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «4»
__________
(1) الإسراء: 34 مكية
(2) المؤمنون: 1- 11 مكية
(3) التحريم: 3 مدنية
(4) المعارج: 29- 35 مكية(8/3208)
الأحاديث الواردة في (كتمان السر)
1-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإنّ كلّ ذي نعمة محسود» ) * «1» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة» ) «2» .
3-* (عن أبي بكر بن محمّد بن بكر بن حزم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما يتجالس المتجالسان بالأمانة ولا يحلّ لأحدهما أن يفشي علي صاحبه ما يكره» ) «3» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «المجالس بالأمانة إلّا ثلاثة: مجالس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حقّ» ) * «4» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ من أشرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة، الرّجل يفضي إلى امرأته «5» ، وتفضي إليه، ثمّ ينشر سرّها» ) «6» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه سمع عمر بن الخطّاب يحدّث حين تأيّمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السّهميّ وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتوفّي
__________
(1) مجمع الزوائد (8/ 194) ، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، والحديث في المعجم الكبير (20/ 94) ، والصغير (2/ 149) ، وكشف الخفاء (1/ 123) وقال رواه الطبراني وأبو نعيم بسند ضعيف عن معاذ بن جبل رفعه، والصغير للطبراني (2/ 292) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (943) وصححه.
(2) أبو داود (4868) واللفظ له، والترمذي (1959) وقال: حديث حسن، وأحمد في المسند (3/ 324) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 247) ، ومجمع الزوائد (8/ 98) والصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا (449) حديث رقم (404) ، وقال محققه: حديث حسن، والألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (486) وحسنه.
(3) مصنف عبد الرزاق (13/ 22) برقم (1979) ، ابن حجر (11/ 82) ، الزهد لابن المبارك (240، 241) ، وانظر: الإحياء (2/ 194) هامش رقم 5) ، والبيهقي في الشعب (7/ 520) وقال: هذا مرسل جيد.
(4) البيهقي في السنن (10/ 247) واللفظ له، أبو داود (4869) ، وأحمد في المسند (2/ 342) وصحيح الجامع الصغير حديث رقم (6678) ، وحسنه الألباني، وتاريخ بغداد (11/ 169) ، والبيهقي في الشعب (7/ 521) ، وفردوس الديلمي (6650) . وانظر: الإحياء (2/ 194) والمعنى أن ما يحدث في المجالس أمانة إلا ما يؤدي إلى إراقة دم من مسلم بغير حق، أو استحلال فرج حرام على وجه الزنا، أو استحلال مال من غير حله سواء من مال مسلم أو ذمي، فمن قال في مجلس أريد قتل فلان والزنا بفلانة أو اقتطاع مال فلان ظلما لا يجوز للمسلمين حفظ سره، بل عليهم إفشاؤه دفعا للمفسدة. (تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، استخراج أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد. (3/ 1126) برقم (1644) .
(5) يفضي إلى امرأته: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة.
(6) مسلم (1437) .(8/3209)
بالمدينة- فقال عمر بن الخطّاب. أتيت عثمان بن عفّان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري. فلبثت ليالي ثمّ لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوّج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصّدّيق فقلت: إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، وكنت أوجد عليه منّي على عثمان، فلبثت ليالي، ثمّ خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنكحتها إيّاه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلّك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال عمر. قلت: نعم. قال أبو بكر: لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلّا أنّي كنت علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو تركها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبلتها» ) * «1» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده، لم يغادر منهنّ واحدة فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطىء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية فضحكت. فقلت لها. خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين، فلمّا قام رسول صلّى الله عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحقّ لما حدّثتني ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: أمّا الآن فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني: «أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين، وأنّه عارضه الآن مرّتين (وقال) إنّي لا أرى «2» الأجل إلّا قد اقترب، فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف أنا لك» قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: يا فاطمة: أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت: فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «3» .
8-* (عن ثابت عن أنس- رضي الله عنهما- قال: أتى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال: فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة.
فأبطأت على أمّي، فلمّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت:
بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت:
إنّها سرّ. قالت: لا تحدّثنّ بسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا.
قال أنس: والله لو حدّثت به أحدا لحدّثتك يا ثابت) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح (9/ 5133) واللفظ له. وأحمد (2/ 27) .
(2) لا أرى: أى لا أظن.
(3) البخاري- الفتح (7/ 3715، 3716) ، ومسلم (2450) واللفظ له،.
(4) مسلم (2482) .(8/3210)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (كتمان السر)
1-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-:
ولا تفش سرّك إلّا إليك ... فإنّ لكلّ نصيح نصيحا
فإنّي رأيت غواة الرّجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا
) * «1» .
2-* (وقال عليّ بن أبي طالب- كرّم الله وجهه-: «سرّك أسيرك، فإن تكلّمت به صرت أسيره» ) * «2» .
3-* (أسرّ معاوية- رضي الله عنه- إلى الوليد بن عتبة حديثا فقال لأبيه: يا أبتي إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدّثني به، فإنّ من كتم سرّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت يا أبتي وإنّ هذا ليدخل بين الرّجل وبين أبيه، قال: لا، والله يا بنيّ، ولكن أحبّ أن لا تذلّل لسانك بأحاديث السّرّ، فأتيت معاوية- رضي الله عنه- فحدّثته فقال:
يا وليد أعتقك أخي من رقّ الخطإ) * «3» .
4-* (قال عمرو بن العاص- رضي الله عنه- ما وضعت سرّي عند أحد أفشاه عليّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إيّاه) * «4» .
5-* (أخبر المبارك بن فضالة) عن الحسن رحمه الله- قال: سمعته يقول: «إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك» ) * «5» .
6-* (عن سعيد بن المسيّب- رضي الله عنه- قال: «كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امرىء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه. ومن كتم سرّه كانت الخيرة فى يده. وما كافأت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه ... » الأثر) * «6» .
7-* (قال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ كن جوادا بالمال في موضع الحقّ. ضنينا بالأسرار عن جميع الخلق، فإنّ أحمد جود المرء، الإنفاق في وجه البرّ، والبخل بمكتوم السّرّ) * «7» .
8-* (وقال بعض الفصحاء: ما لم تغيّبه الأضالع فهو مكشوف ضائع) * «8» .
9-* (وقد قيل: الصّبر على القبض على الجمر أيسر من الصّبر على كتمان السّرّ) * «9» .
__________
(1) كتاب الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا (451) .
(2) أدب الدنيا والدين، الماوردي (295) .
(3) كتاب الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا (452) .
(4) كتاب الصمت وآداب اللسان (451- 452) .
(5) المرجع السابق (450- 451) .
(6) شعب الإيمان، تحقيق البسيوني زغلول (6/ 323 برقم (8345) .
(7) أدب الدنيا والدين (295) .
(8) المرجع السابق (295) .
(9) الذريعة إلى مكارم الشريعة الأصفهاني (298) .(8/3211)
10-* (وقيل: أكثر ما يستنزل الإنسان عن سرّه في ثلاثة مواضع: عند الاضطجاع على فراشه.
وعند خلوّه بعرسه. وفي حال سكره) * «1» .
ومن أقوال الشعراء:
1- قال الشّاعر:
إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق «2»
2- وقال صالح بن عبد القدّوس:
لا تذع سرّا إلى طالبه ... منك فالطّالب للسّرّ مذيع «3»
3- وقال آخر:
فلا تنطق بسرّك كلّ سرّ ... إذا ما جاوز الاثنين فاشي «4»
4- قال بعض الشّعراء:
ولو قدرت على نسيان ما اشتملت ... منّي الضّلوع على الأسرار والخبر
لكنت أوّل من ينسى سرائره ... إذ كنت من نشرها يوما على خطر «5»
5- وقال الشّاعر:
ومستودعي سرّا تضمّنت سرّه ... فأودعته من مستقرّ الحشى قبرا
ولكنّني أخفيه عنّي كأنّني ... من الدّهر يوما ما أحطت به خبرا
وما السّرّ في قلبي كميت بحفرة ... لأنّى أرى المدفون ينتظر النّشرا «6»
6- قال الشّاعر:
وأكتم السّرّ فيه ضربة العنق
7- وقال الآخر:
ويكتم الأسرار حتّى إنّه ... ليصونها عن أن تمرّ بباله «7»
8- قال ابن المعتزّ:
ومستودعي سرّا تبوّأت كتمه ... فأودعته صدري فصار له قبرا «8»
9- وقيل:
وما السّرّ في صدري كثاو بقبره ... لأنّي أرى المقبور ينتظر النّشرا
ولكنّني أنساه حتّى كأنّني ... بما كان منه لم أحط ساعة خبرا «9»
__________
(1) الذريعة إلى مكارم الشريعة- الأصفهاني (298) .
(2) أدب الدنيا والدين للماوردي (296) .
(3) المرجع السابق (297) .
(4) المرجع السابق (297) .
(5) المرجع السابق (298) .
(6) المرجع السابق (298) .
(7) الذريعة إلى مكارم الشريعة- الأصفهاني (297) .
(8) إحياء علوم الدين (2/ 194) .
(9) المرجع السابق (2/ 195) .(8/3212)
10- وقيل:
وترى الكريم إذا تصرّم وصله ... يخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللّئيم إذا تقضّى وصله ... يخفي الجميل ويظهر البهتانا «1» .
من فوائد (كتمان السر)
(1) به يتمكّن الإنسان من قضاء مصالحه، ولا يواجه بما يعوقه عنها.
(2) كتمان السّرّ لون من ألوان الأمانة، والأمانة من علامات الإيمان.
(3) كتمان السّرّ لون من الوقار والاحتشام ودليل على الرّزانة والوقار.
(4) هو فضيلة إنسانيّة بها يرتقي المرء في درجات الكمال.
(5) يوثّق صلة الإنسان بأخيه حين يحفظ أسراره.
(6) حين يثق الإنسان بأنّ صاحبه يحفظ أسراره يمهّد ذلك له استشارته فيما لا يحبّ أن يطّلع عليه النّاس.
(7) يؤدّي حفظ السّرّ إلى توثيق عرى المحبّة بين الإنسان ومن يحفظ عليه سرّه.
__________
(1) إحياء علوم الدين (2/ 195) .(8/3213)
الكرم
الكرم لغة:
مصدر قولهم (كرم) فلان يكرم، وهو مأخوذ من مادّة (ك ر م) الّتي تدلّ على شرف في الشّيء في نفسه أو شرف في خلق من الأخلاق، يقال رجل كريم، وفرس كريم، ونبات كريم، أمّا الكرم في الخلق فهو الصّفح عن ذنب المذنب، قال ابن قتيبة: الكريم:
الصّفوح، والله تعالى هو الكريم الصّفوح عن ذنوب عباده المؤمنين.
وقال الجوهريّ: الكرم ضدّ اللّؤم، وقد كرم الرّجل بالضّمّ فهو كريم، وقوم كرام وكرماء، ونسوة كرائم، ويقال رجل كرم، وامرأة كرم ونسوة كرم والكرام بالضّمّ مثل الكريم، فإذا أفرط في الكرم قيل كرّام، وكارمت الرّجل إذا فاخرته في الكرم فكرمته أكرمه (بالضّمّ) إذا غلبته فيه. وأكرمت الرّجل أكرمه وأصله أأكرمه مثل أدحرجه فحذفوا الهمزة الثّانية استثقالا، والتّكرّم: تكلّف الكرم، قال الشّاعر المتلمّس:
تكرّم لتعتاد الجميل فلن ترى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
40/ 30/ 21
ويقال (أيضا) : أكرم الرّجل إذا أتى بأولاد كرام، واستكرم: استحدث علقا كريما، والأكرومة من الكرم كالأعجوبة من العجب، (وقد يكون) التّكريم والإكرام بمعنى، والاسم: الكرامة، واستكرم الشّيء:
طلبه كريما، أو وجده كذلك. والكريم: الّذي كرّم نفسه عن التّدنّس بشيء من مخالفة ربّه. ويقال: هذا رجل كرم أبوه، وكرم آباؤه. وهو أيضا واسع الخلق.
وأرض مكرمة وكرم وكريمة: طيّبة، والكريمان: الحجّ والجهاد. والإكرام والتّكريم: أن يوصل إلى الإنسان نفع لا تلحقه فيه غضاضة، أو يوصل إليه شيء شريف. وقوله تعالى بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (الأنبياء/ 36) ، أي جعلهم كراما «1» .
واصطلاحا:
قال ابن مسكويه: الكرم إنفاق المال الكثير بسهولة من النّفس فى الأمور الجليلة القدر، الكثيرة النّفع «2» .
وقيل: هو التّبرّع بالمعروف قبل السّؤال، والإطعام في المحل، والرّأفة بالسّائل مع بذل النّائل.
__________
(1) لسان العرب (7/ 3681- 3684) . وانظر الصحاح (6/ 2019- 2021) . ومختار الصحاح (568) . وبصائر ذوي التمييز (3/ 343) . ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 172) .
(2) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (30) .(8/3214)
وقيل هو: الإعطاء بالسّهولة.
وقيل: الكرم هو إفادة ما ينبغي لا لغرض فمن يهب المال لغرض جلبا للنّفع، أو خلاصا عن الذّمّ، فليس بكريم. فالكريم من يوصل النّفع بلا عوض «1» .
معنى اسم الله (الكريم) :
قال أبو حامد الغزاليّ: والكريم من أسماء الله تعالى؛ هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب، ولا يضيع من لاذبه والتجأ. ويغنيه عن الوسائط والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتّكلّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط. وقيل: الكريم: هو الكثير الخير، الجواد المعطي الّذي لا ينفد عطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكريم:
الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل. والكريم اسم جامع لكلّ ما يحمد، فالله- عزّ وجلّ- كريم حميد الفعال وربّ العرش الكريم العظيم «2» .
أنواع الكرم:
قال الكفويّ: الكرم إن كان بمال فهو جود.
وإن كان بكفّ ضرر مع القدرة فهو عفو. وإن كان ببذل النّفس فهو شجاعة «3» .
الكرم أخلاق محمودة وأفعال مشهودة:
قال الفيرزاباديّ- رحمه الله-: والكرم إذا وصف الله به فهو اسم لإحسانه وإنعامه، وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة.
الّتي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتّى يظهر منه ذلك. قال بعض العلماء: الكرم كالحرّية، إلّا أنّ الحرّيّة قد تقال في المحاسن الصّغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إلّا في الكبيرة؛ كإنفاق مال في تجهيز جيش الغزاة، وتحمّل حمالة ترقأ بها دماء قوم. وقوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ آية 13) ، إنّما كان كذلك لأنّ الكرم الفعال المحمودة، وأكرمها ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرف الوجوه ما يقصد به وجه الله، فمن قصد به ذلك فهو التّقيّ. فإذا أكرم النّاس أتقاهم، وكلّ شيء يشرف في بابه وصف بالكرم، نحو قوله تعالى أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (الشعراء/ 7) ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (الواقعة/ 77) .
وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (الإسراء/ 23) «4» .
الفرق بين الكرم والجود:
قال الكفويّ: الكرم يكون مسبوقا باستحقاق السّائل والسّؤال منه.
والجود: صفة ذاتيّة للجواد ولا يستحقّ بالاستحقاق والسّؤال، والجواد يطلق على الله تعالى
__________
(1) التعريفات للجرجاني (184) والإحياء للغزالي (3/ 246) ، التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (281) .
(2) لسان العرب (7/ 3861) .
(3) الكليات للكفوي (53) .
(4) بصائر ذوي التمييز (4/ 343، 344) .(8/3215)
دون السّخيّ.
وقال أبو هلال العسكريّ: الجود: كثرة العطاء من غير سؤال من قولك: جادت السّماء إذا جاءت بمطر غزير، والله تعالى جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة.
أمّا الكرم: فيتصرّف على وجوه: منها: العزّة، ومنها الفضل، ومنها الحسن، ومنها التّفضيل، ومنها:
السّيادة، ويجوز أن يقال: الكرم هو إعطاء شيء عن طيب نفس قليلا كان أو كثيرا، والجود سعة العطاء سواء أكان عن طيب نفس أو لا، ويجوز أن يقال:
الكرم هو إعطاء من يريد (المعطي) إكرامه وإعزازه، والجود قد يكون كذلك وقد لا يكون «1» .
من معاني الكرم في القرآن الكريم:
1- الحسن، قال تعالى: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (النمل/ 29) .
2- السّهل، قال تعالى: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (الإسراء/ 23) .
3- الكثير، قال تعالى: وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (الأحزاب/ 31) .
4- العظيم، قال تعالى: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (المؤمنون/ 116) .
5- الفضل. ومنه قوله تعالى في (بني آدم) : أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (الإسراء/ 62) . أي فضّلت عليّ، وفيها «2» : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ (آية/ 70) .
6- الصّفوح، ومنه قوله تعالى في (الانفطار) (آية 6) ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار- الجود- السخاء- المسارعة في الخيرات- تفريج الكربات- المواساة- الإحسان- الصدقة- كفالة اليتيم.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل الشح- الكنز- التفريط والإفراط] .
__________
(1) الكليات للكفوي (353) ، والفروق اللغوية لأبي هلال (167، 168) بتصرف.
(2) أي سورة الإسراء.
(3) المفردات للراغب (246) وبصائر ذوي التمييز (4/ 344، 345) ، ونزهة الأعين النواظر (521، 522) .(8/3216)
الآيات الواردة في «الكرم»
الكرم بمعنى الإحسان:
1- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) «1»
الكرم بمعنى عظمة القدر والشأن:
2- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) «2»
3-* وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) «3»
4- اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) «5»
__________
(1) يوسف: 21 مكية
(2) الشعراء: 1- 7 مكية
(3) الشعراء: 52- 59 مكية
(4) النمل: 28- 31 مكية
(5) لقمان: 8- 11 مكية(8/3217)
6- كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (27) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (28) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) «1»
7- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) «2»
8- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) «3»
الكرم بمعنى السهل:
9-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) «4»
الكرم بمعنى الكثير:
10- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
(4) «5»
11- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «6»
__________
(1) الدخان: 25- 29 مكية
(2) الحديد: 11 مدنية
(3) الحديد: 18 مدنية
(4) الإسراء: 23 مكية
(5) الأنفال: 1- 4 مدنية
(6) الأنفال: 72- 75 مدنية(8/3218)
12- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «1»
13- الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) «2»
14- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «3»
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «4»
الكرم بمعنى العظمة:
16- قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «5»
__________
(1) الحج: 49- 51 مدنية
(2) النور: 26 مدنية
(3) الأحزاب: 28- 31 مدنية
(4) الأحزاب: 41- 48 مدنية
(5) النمل: 38- 40 مكية(8/3219)
17- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26)
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28) «1»
18- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77)
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «2»
19- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «3»
20- فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) «4»
21- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2)
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8)
وَهُوَ يَخْشى (9)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11)
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «5»
الكرم بمعنى الفضل والشرف:
22- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61)
قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) «6»
23-* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «7»
__________
(1) الرحمن: 26- 28 مكية
(2) الرحمن: 77- 78 مكية
(3) المؤمنون: 115- 118 مدنية
(4) الواقعة: 75- 80 مكية
(5) عبس: 1- 16 مكية
(6) الإسراء: 61- 62 مكية
(7) الإسراء: 70 مكية(8/3220)
24- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «1»
الكرم بمعنى الفضل:
25- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16)
كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18)
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «2»
26- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «3»
الإكرام عاقبة المؤمنين في الجنة:
27- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) «4»
28- يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7)
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9)
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «5»
29- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23)
إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
__________
(1) الحجرات: 13 مدنية
(2) الفجر: 15- 20 مدنية
(3) العلق: 1- 5 مكية
(4) النساء: 31 مدنية
(5) يس: 1- 11 مكية(8/3221)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «1»
30- وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) «2»
31-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)
إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34)
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «3»
الكرم صفة الملائكة والنبيين:
32- إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
* وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) «4»
33- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) «5»
34- فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) «6»
__________
(1) يس: 20- 27 مكية
(2) الصافات: 39- 49 مكية
(3) المعارج: 19- 35 مكية
(4) الدخان: 15- 17 مكية
(5) الحاقة: 38- 43 مكية
(6) التكوير: 15- 21 مكية(8/3222)
35- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11)
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) «1»
36-* وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) «2»
37- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26)
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «3»
38- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) «4»
لا يكرم من يهن الله:
39- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18) «5»
وصف الكافر بالكرم على سبيل
40- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43)
طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) «6»
__________
(1) الانفطار: 6- 12 مكية
(2) يوسف: 30- 31 مكية
(3) الأنبياء: 25- 28 مكية
(4) الذاريات: 24- 25 مكية
(5) الحج: 18 مدنية
(6) الدخان: 43- 50 مكية(8/3223)
الأحاديث الواردة في (الكرم)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي، ولا فخر» ) * «1» .
2-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حييّ كريم، يستحيي إذا رفع الرّجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين» ) * «2» .
3-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك، والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا بك، إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ وما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة، توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الممات ولذّة نظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أن أظلم أو أظلم، أو أعتدي أو يعتدى عليّ، أو أكتسب خطيئة محبطة، أو ذنبا لا يغفر، الّلهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام، فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا، أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كلّ شيء قدير، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حقّ، والجنّة حقّ، والسّاعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي؛ تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاغفر لي ذنبي كلّه إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «3» .
4-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله كريم يحبّ الكرم،
__________
(1) الترمذي (3610) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: وهو كما قال (8/ 527- 528) ومعناه في الصحيحين. وعزاه الحافظ في النكت الظراف على الأطراف (1/ 218) إلى أبي يعلى.
(2) الترمذي (3556) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود (1488) وابن ماجة (3865) . وقال الألباني، في مختصر العلو للعلي الغفار: صحيح وصحح رواية أبي داود، صحيح سنن أبي داود (1320) ورواية ابن ماجة، صحيح سنن ابن ماجة (3117)
(3) أحمد (5/ 191) واللفظ له وذكره في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف.. ورواه الطبراني في الكبير (5/ 119) رقم (4803) ، رقم (4932) (5/ 173) .(8/3224)
ويحبّ معالي الأخلاق، ويكره سفسافها «1» » ) * «2» .
5-* (عن أبي أسيد مالك بن ربيعة السّاعديّ رضي الله عنه- قال: بينا نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل من بني سلمة؛ فقال: يا رسول الله! هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال:
«نعم، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما، وإكرام صديقهما» ) * «3» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني الصّعق- أحد بني كلاب- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن عسب «4» الفحل فنهاه عن ذلك، فقال: «إنّا نكرم على ذلك «5» » ) * «6» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة؟. قالا: الجوع. يا رسول الله! قال:
«وأنا. والّذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه. فأتى رجلا من الأنصار. فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين فلان؟» . قالت: ذهب يستعذب «7» لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا منّي، قال فانطلق فجاء هم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية «8» فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاك والحلوب» . فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة. ومن ذلك العذق وشربوا؛ فلمّا أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-: «والّذي نفسي بيده! لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم» ) * «9» .
8-* (عن السّائب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جيء بي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة جاء بي عثمان ابن عفّان وزهير فجعلوا يثنون عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلموني به قد كان صاحبي
__________
(1) السّفساف: الأمر الحقير والرديء من كل شيء، وهو ضد المعالي والمكارم، وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل، والتراب إذا أثير.
(2) الحاكم (1/ 48) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد. والطبراني في الكبير (6/ 181) .، وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح (3/ 344) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي، وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 336، 337) . وصححه في صحيح الجامع (1801) .
(3) أبو داود (5142) واللفظ له. وابن ماجة (3664) . وأحمد (3/ 498) . وابن حبان رقم (418) . والحاكم (4/ 154) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة رقم (913) .
(4) عسب الفحل: ماؤه فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما وضرابه أيضا، ولم ينه عنهما بل نهى عن الكراء الذي يؤخذ عليه.
(5) أي يعطون عليه شيئا من باب الهدية والإكرام لا من باب الأجرة والثمن.
(6) النسائي (7/ 310) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيحه (3/ 967) حديث (4357) وقال: صحيح.
(7) يستعذب الماء: أي يأتي بالماء العذب الصافي.
(8) المدية: السكين.
(9) مسلم (2038) .(8/3225)
في الجاهليّة» . قال: قال: نعم، يا رسول الله، فنعم الصّاحب كنت. قال: فقال: «يا سائب! انظر أخلاقك الّتي كنت تصنعها في الجاهليّة فاجعلها في الإسلام. اقر الضّيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك» ) * «1»
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أكرم النّاس؟. قال: «أكرمهم أتقاهم» . قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك.
قال: «فأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال:
«أفعن معادن العرب تسألونني؟» . قالوا: نعم. قال:
«فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام. إذا فقهوا «2» » ) * «3» .
10-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه، وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «4» .
11-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة، فسرّي عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال:
«اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا» ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهنّ دخل الجنّة» ثمّ قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ حتّى ختم عشر آيات) * «5» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما حيينا أبدا
فأجابهم (أي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) :
«اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة. ... فأكرم الأنصار والمهاجره» ) * «6» .
13-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) أحمد (3/ 425) واللفظ له وذكره الحافظ- في الإصابة (2/ 10) في ترجمته وقال لعله هو السائب بن أبي السائب وكان شريك النبي صلّى الله عليه وسلّم، روى هذا أبو داود والنسائي وابن أبي شيبة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه ابو داود باختصار، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8/ 190) .
(2) معناه: أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس.
(3) البخاري- الفتح واللفظ له 6 (3374) . ومسلم (2378) .
(4) مسلم (963) .
(5) الترمذي (3173) واللفظ له. وأحمد (1/ 34) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 255) حديث (223) . والحاكم (535) وقال: صحيح ووافقه الذهبي.
(6) البخاري- الفتح 7 (3796) واللفظ له. ومسلم (1805) .(8/3226)
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا وقال: «اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» ) * «1» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «2» .
15-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحلقة، ورجل قائم يصلّي، فلمّا ركع وسجد جلس وتشهّد ثمّ دعا فقال: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلّا أنت الحنّان بديع السّماوات والأرض ذا الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيّوم. إنّي أسألك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون بم دعا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده! لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» * «3» .
16-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أتيته، فقال: «يا جرير! لأيّ شيء جئت؟» . قال: جئت لأسلم على يديك، يا رسول الله! قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه، وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» .
وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «4» .
17-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم فتح مكّة أمّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس إلّا أربعة نفر وامرأتين، وقال «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة» . عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السّرح. فأمّا عبد الله بن خطل، فأدرك وهو متعلّق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر، فسبق سعيد عمّارا وكان أشبّ الرّجلين فقتله، وأمّا مقيس بن صبابة فأدركه النّاس في السّوق فقتلوه. وأمّا عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصفة. فقال أصحاب السّفينة: أخلصوا فإنّ آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجّني من البحر إلّا الإخلاص، لا ينجّينّي في البرّ غيره، اللهمّ إنّ لك عليّ عهدا إن أنت عافيتني ممّا أنا فيه أن آتي محمّدا صلّى الله عليه وسلّم حتّى أضع يدي في يده فلأجدنّه عفوّا كريما، فجاء فأسلم. وأمّا عبد الله ابن سعد بن أبي السّرح، فإنّه اختبأ عند عثمان بن عفّان، فلمّا دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس إلى البيعة جاء به حتّى أوقفه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: يا رسول الله: بايع عبد الله، قال: فرفع رأسه
__________
(1) مسلم (591) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6346) . ومسلم (2730) واللفظ له
(3) النسائي (3/ 52) وذكره الألباني وقال: صحيح (1/ 279) رقم (1233) . وابن ماجة (3858) . وأحمد (3/ 158) واللفظ له.
(4) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة. وسنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) فانظره هناك فقد ذكر له طرقا كثيرة.(8/3227)
فنظر إليه ثلاثا، كلّ ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟» . فقالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ هلّا أومأت إلينا بعينك؟ قال: «إنّه لا ينبغي لنبيّ أن يكون له خائنة أعين» ) * «1» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان من صداق أو حباء «2» أو هبة قبل عصمة النّكاح «3» فهو لها، وما كان بعد عصمة النّكاح فهو لمن أعطيه أو حبي، وأحقّ ما يكرم الرّجل به ابنته أو أخته» * «4» .
19-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أذنب فى الدّنيا ذنبا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثنّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا في الدّنيا فستر الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه» ) * «5» .
20-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أهانه الله يوم القيامة» ) * «6» .
21-* (عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته «7» ، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «8» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر
__________
(1) النسائي (7/ 105، 106) واللفظ له. وقال الألباني: صحيح (2/ 853) رقم (3791) . وأبو داود (2683) .
(2) الحباء: العطيّة وهو ما يعطيه الزوج سوى الصداق بطريق الهبة، أو بلا تصريح بالهبة.
(3) قبل عصمة النكاح: أي قبل عقد النكاح.
(4) أبو داود (2129) . والنسائي (6/ 120) . وابن ماجة (1955) واللفظ له. وأحمد (2/ 182) وقال أحمد شاكر: اسناده صحيح (10/ 178) حديث (6709) . والبيهقي (7/ 248) .
(5) الترمذي (2626) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وابن ماجة (2604) . وأحمد (1/ 99) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (2/ 118) رقم (577) . والحاكم (2/ 455) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي.
(6) أحمد في المسند (5/ 242) والترمذي (4/ 2224) وابن أبي عاصم في السنة (2/ 478) وحسّنه الألباني والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 162) وهو حديث حسن بشواهده.
(7) أي يضاف ثلاثة أيام، ثم يعطيه ما يجوز مسافة يوم وليلة.
(8) البخاري- الفتح 10 (6019) واللفظ له. مسلم (48) .(8/3228)
فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «1» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «2» كريم، والفاجر خبّ «3» لئيم» * «4» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ أو يضيف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني فقال: هيّئي طعامك وأصبحي «5» سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنّهما يأكلان، فباتا طاويين «6» ، فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ضحك الله اللّيلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9)) * «7» .
الأحاديث الواردة في (الكرم) معنى
25-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «8» شديدة، فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: أنا نازل. ثمّ قام وبطنه معصوب «9» بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا. فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية، فعاد كثيبا «10» أهيل «11» أو أهيم. فقلت: يا رسول الله! ائذن لي إلى البيت، فقلت لا مرأتي: رأيت بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر. فعندك شيء؟. فقالت: عندي شعير وعناق.
فذبحت العناق «12» وطحنت الشّعير، حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «13» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافيّ «14» قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: «كم هو؟» . فذكرت له. فقال: كثير
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6018) واللفظ له. ومسلم (47) .
(2) الغر: الرجل غير المجرب.
(3) الخب: الرجل الخداع.
(4) أبو داود (4790) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (3/ 909) . والترمذي (1964) . والحاكم (1/ 43) . والبخاري في الأدب المفرد (418) ص (151) . وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 382) . وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 644) رقم (935) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 701) : وهو حديث حسن.
(5) أصبحي السراج: يعني أوقديه.
(6) طاويين: جائعين.
(7) البخاري- الفتح 7 (3798) واللفظ له. ومسلم (2054) .
(8) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض.
(9) معصوب: مربوط.
(10) كثيبا: رملا.
(11) أهيل: غير متماسك.
(12) العناق: أنثى المعز.
(13) البرمة: القدر.
(14) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور.(8/3229)