الله صلّى الله عليه وسلّم بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجلىّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم، شيئا.
حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء.
يقال له ذا قرد «1» . ليشربوا منه وهم عطاش قال:
فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه»
(يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «3» كتفه. قال قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «4» . قال قلت:
نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأرادوا «5» فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن «6» وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم «7» عنه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي «8» استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه «9» في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة
__________
(1) ذا قرد: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد. وفي بعضها: ذو قرد وهو الوجه.
(2) فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث.
(3) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا.
(4) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة.
(5) وأردوا: قال القاضي: رواية الجمهور بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة. قال: وكلاهما متقارب المعني. فبالمعجمة معناه خلفوهما. والرذى الضعيف من كل شيء وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما. ومنه المتردية وأردت الفرس الفارس أسقطته.
(6) بسطيحة فيها مذقة من لبن: السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض. والمذقة قليل من لبن ممزوج بماء.
(7) حلأتهم: كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم. وفي بعضها حليتهم.
(8) من الإبل الذي: كذا في أكثر النسخ: الذي. وفي بعضها: التي. وهو أوجه لأن الإبل مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين. والأول صحيح أيضا. وأعاد الضمير إلى الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل.
(9) نواجذه: أي أنيابه.(6/2358)
أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم. والّذي أكرمك فقال: «إنّهم الآن ليقرون «1» في أرض غطفان» . قال:
فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا.
فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم.
فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «2» .
راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا «3» قال: فجعل يقول:
ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ذرني فلأسابق الرّجل قال: إن شئت، قال قلت:
اذهب إليك وثنيت رجلي فطفرت «4» فعدوت. قال:
فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «5» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «6» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله. قال: أنا أظنّ «7» قال: فسبقته إلى المدينة» الحديث ... ) * «8» .
23-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته فقال: «يا جرير لأيّ شيء جئت؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه وقال: «إذا جآءكم كريم قوم فأكرموه» .
وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «9» .
24-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أهانه الله يوم القيامة» ) * «10» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة
__________
(1) ليقرون: أي يضافون، والقرى الضيافة
(2) العضباء: هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم. والعضباء مشقوقة الأذن. ولم تكن ناقته صلّى الله عليه وسلّم كذلك، وإنما هو لقب لزمها.
(3) شدّا: أي عدوا على الرجلين.
(4) فطفرت: أي وثبت وقفزت.
(5) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر.
(6) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(7) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(8) مسلم (1807) .
(9) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة سنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) وقد ذكر له طرقا كثيرة.
(10) أحمد (5/ 42) واللفظ له، والترمذي (2224) وروى الجزء الأخير منه، وقال: حسن غريب، وفي سنده عندهم زيار بن كسيب وثقه بن حبان ولم يجرحه أحد وقال ابن حجر: مقبول. وحسن الترمذي حديثه التقريب (220) والتهذيب (3/ 382) .(6/2359)
من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة «1» ، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة «2» ، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «3» .
26-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد فأتى على حمار، فلمّا دنا من المسجد قال للأنصار: «قوموا إلى سيّدكم، أو خيركم» .
فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك. فقال: «تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريّهم» . قال: «قضيت بحكم الله» . وربّما قال: «بحكم الملك» ) * «4» .
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الشرف)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قصّة وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخطبة أبي بكر في الأنصار: فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: «ألا من كان يعبد محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزّمر/ 30) . وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ، (آل عمران/ 144) . قال فنشج النّاس يبكون. قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير؛ فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح، فذهب عمر يتكلّم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلّا أنّي قد هيّأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ النّاس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء.
فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منّا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله
__________
(1) السكينة: فعيلة من السكون والطمأنينة.
(2) حفتهم الملائكة: أي أحاطت بهم.
(3) مسلم (2699) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4121) . واللفظ له ومسلم (1768) .(6/2360)
صلّى الله عليه وسلّم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه النّاس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله» ) * «1» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشّهيد من احتسب نفسه على الله» ) * «2» .
3-* (وقال أيضا- رضي الله عنه-:
«تفقّهوا قبل أن تسودوا» . قال أبو عبد الله (أي البخاريّ) وبعد أن تسودوا) * «3» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «كان عمر يقول: أبو بكر سيّدنا وأعتق سيّدنا، يعني بلالا» ) * «4» .
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«ما رأيت أحدا كان أسود من معاوية بن أبي سفيان.
قال: قلت ولا عمر؟ قال: كان عمر خيرا من معاوية رضي الله عنهما- وكان معاوية أسود منه» ) * «5» .
6-* (عن عكرمة قال: «السّيّد: الّذي لا يغلبه الغضب» ) * «6» .
7-* (وقال الضّحّاك: «السّيّد: الحليم التقيّ» ) * «7» .
8-* (وقال مرّة: «السّيّد: الحسن الخلق» ) * «8» .
9-* (عن هشام الكلبيّ قال: «قيل لمعاوية:
من أسود النّاس؟ فقال: أسخاهم نفسا حين يسأل وأحسنهم في المجالس خلقا، وأحلمهم حين يستجهل» ) * «9» .
10-* (عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنّه أوصى ولده عند موته، قال: «اتّقوا الله- عزّ وجلّ- وسوّدوا أكبركم؛ فإنّ القوم إذا سوّدوا أكبرهم خلفوا أباهم.- فذكر الحديث- فلا تنوحوا عليّ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم ينح عليه» ) * «10» .
11-* (قال بعض الأنصار:
وقال رسول الله والقول قوله ... لمن قال منّا من تسمّون سيّدا
فقالوا له جدّ بن قيس على الّتي ... نبخّله فيها وإن كان أسودا
فسوّد عمرو بن الجموح لجوده ... وحقّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا) *1» .
12-* (قد روي من طرق ذكرها الصّوليّ
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3668) .
(2) تنوير الحوالك (2/ 19) .
(3) فتح الباري (1/ 199) .
(4) المنتقى من مكارم الأخلاق (115) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق (116) .
(10) أحمد (5/ 61) .
(11) فتح الباري (5/ 211) .(6/2361)
والجريريّ وغير واحد؛ أنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة أبيه وأخيه الوليد، فطاف بالبيت، فلمّا أراد أن يستلم الحجر لم يتمكّن حتّى نصب له منبر فاستلم وجلس عليه، وقام أهل الشّام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين، فلمّا دنا من الحجر ليستلمه تنحّى عنه النّاس إجلالا وهيبة واحتراما، وهو في بزّة حسنة، وشكل مليح، فقال أهل الشّام لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه استنقاصا به، واحتقارا، لئلّا يرغب فيه أهل الشّام، فقال الفرزدق وكان حاضرا: أنا أعرفه، فقالوا: ومن هو؟ فأشار الفرزدق يقول:
هذا الّذي تعرف البطحاء «1» وطأته ... والبيت «2» يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ الّتي قصرت ... عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم «3» إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم
بكفّه خيزران ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه «4» شمم
مشتقّة من رسول الله نبعته ... طابت عناصرها والخيم والشّيم «5»
ينجاب نور الهدى من نور غرّته ... كالشّمس ينجاب عن إشراقها الغيم
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا ... حلو الشّمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا
من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمّته دانت له الأمم
عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت «6» ... عنها الغواية والإملاق والظّلم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... يزينه اثنان حسن الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته ... رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبّهم دين وبغضهم ... كفر وقربهم منجى ومعتصم
__________
(1) البطحاء: أرض منبسطة ومسيل واسع في وسطها مكة.
(2) والبيت: البيت العتيق، الكعبة.
(3) الحطيم: ما بين ركن الكعبة والباب. وقيل: جدار الكعبة.
(4) عرنينه: أنفه.
(5) الشيم: الفضائل.
(6) فانقشعت: انجلت.(6/2362)
يستدفع السّوء والبلوى بحبّهم ... ويستزاد به الإحسان والنّعم
مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلّ حكم ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم ... أو قيل: من خير أهل الأرض قيل: هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم ... خيم كرام وأيد بالنّدى هضم
لا ينقص العدم بسطا من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّلية هذا أوله نعم
فليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
من يعرف الله يعرف أوّلية ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم
قال: فغضب هشام من ذلك وأمر بحبس الفرزدق بعسفان، بين مكّة والمدينة، فلمّا بلغ ذلك عليّ بن الحسين بعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، فلم يقبلها وقال: إنّما قلت ما قلت لله- عزّ وجلّ- ونصرة للحقّ، وقياما بحقّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذرّيّته، ولست أعتاض عن ذلك بشيء. فأرسل إليه عليّ بن الحسين يقول: قد علم الله صدق نيّتك في ذلك، وأقسمت عليك بالله لتقبلنّها فتقبّلها منه ثمّ جعل يهجو هشاما) * «1» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- في وصف إرادة ربّ العالمين: يا محمّد! أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان، أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال عبد مناف. وإذا انتسب افتخر بالآباء. وإذا ذكرت الأموال عدّ الإبل. وسلمان إذا سئل عن اسمه قال: عبد الله، وعن نسبه قال ابن الإسلام. وعن ماله قال:
الفقر. وعن حانوته قال: المسجد، وعن كسبه قال:
الصّبر. وعن لباسه قال: التّقوى والتّواضع. وعن وساده: قال: السّهر. وعن فخره قال: سلمان منّا. وعن قصده قال: يريدون وجهه. وعن سيره قال: إلى الجنّة.
وعن دليله في الطّريق قال: إمام الخلق وهادي الأئمّة) * «2» .
14-* (قال الماورديّ- رحمه الله-: «من يعين ولا يستعين، فهو كريم الطّبع، مشكور الصّنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة، فهذا أشرف الإخوان نفسا وأكرمهم طبعا» ) * «3» .
__________
(1) ديوان الفرزدق. ورواية البيت الأخير فيه:
من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا ... فالدين من بيت هذا ناله الأمم
والقصيدة بهذا الترتيب في البداية والنهاية (9/ 180، 109) .
(2) الفوائد (56) .
(3) أدب الدنيا والدين (173) .(6/2363)
15-* (قال الشّعبيّ:
لا نرفع العبد فوق سنّته ... ما دام فينا بأرضنا شرف «1» ) * «2» .
16-* (قال النّابغة الذّبيانيّ:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب «3»
17-* (قال المتنبّي:
لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى ... حتّى يراق على جوانبه الدّم) * «4» .
18-* (قال الشّاعر:
ومن ذا الّذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه) * «5» .
() من فوائد (الشرف)
(1) شرف المرء بحسن فعاله لا بحسب آبائه.
(2) شرف المرء يجلب له المحبّة بين أهله.
(3) الشّرف يحجب المرء عن السّقوط في قبيح الأفعال.
(4) إذا شرف المرء بحسن عمله اكتسب رضوان الله وغنم محبّته.
(5) محمّد صلّى الله عليه وسلّم سيّد ولد آدم في الدّنيا والآخرة وأشرفهم بحسن خلائقه وكرم أصله.
(6) الشّرف إذا اتّخذ ذريعة لأغراض غير مشروعة أضلّ صاحبه وأهلكه.
__________
(1) شرف: أي شريف.
(2) لسان العرب (9/ 170) .
(3) أدب الدنيا والدين (174) .
(4) تاريخ الأدب العربي عمر فروح (2/ 477) .
(5) أدب الدنيا والدين (174) .(6/2364)
الشفاعة
الشفاعة لغة:
الشّفاعة مصدر قولهم شفع يشفع وهو مأخوذ من مادّة (ش ف ع) الّتي تدلّ على مقارنة الشّيئين، من ذلك الشّفع خلاف الوتر، تقول: كان فردا فشفعته، قال جلّ ثناؤه وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (الفجر/ 3) ، قال أهل التّفسير: الوتر الله تعالى، والشّفع: الخلق، وشفع فلان لفلان إذا جاء ملتمسا مطلبه ومعينا له، والشّفعة في الدّار من هذا؛ لأنّه يشفع بها ماله، وقال الرّاغب:
الشّفع ضمّ الشّيء إلى مثله، ومن ذلك: الشّفعة الّتي هي طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمّه إلى ملكه، والشّفعة: الزّيادة، وهي أن يشفّعك فيما تطلب حتّى تضمّه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها، أي تزيده بها أي إنّه كان وترا، فضمّ إليه ما زاده وشفعه به. وقد كان الرّجل في الجاهليّة إذا أراد بيع منزل أتاه رجل فشفع إليه فيما باع فشفّعه وجعله أولى بالمبيع ممّن بعد فبسببه سمّيت شفعة. وشفع: أيضا طلب، وتقول:
شفع لي يشفع شفاعة وتشفّع. والشّفيع: الشّافع.
والجمع شفعاء، واستشفع بفلان على فلان، وتشفّع له إليه فشفّعه فيه. وقال الفارسيّ: استشفعه طلب منه الشّفاعة، أي قال له: كن لي شافعا، واستشفعته إلى
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
16/ 40/ 11
فلان أي سألته أن يشفع لي إليه. وفي التّنزيل: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها (النساء/ 85) . أي من انضمّ إلى غيره وعاونه وصار شفعا له، أو شفيعا في فعل الخير والشّرّ فعاونه وقوّاه شاركه في نفعه وضرّه، وقيل الشّفاعة هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير أو شرّ فيقتدي به فيصير كأنّه شفع له، وقول الله عزّ وجلّ- ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس/ 3) أي يدبّر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلّا أن يأذن للمدبّرات والمقسّمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه. وتقول: شفعت في الأمر شفعاء وشفاعة: طالبت بوسيلة وذمام.
والشّفاعة: الدّعاء، والشّفاعة: كلام الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره. والشّافع: الطّالب لغيره، يتشفّع به إلى المطلوب، يقال: تشفّعت بفلان إلى فلان فشفّعني فيه. وتشفّعت إليه في فلان فشفّعني فيه تشفيعا. والمشفّع: الّذي يقبل الشّفاعة، والمشفّع الّذي تقبل شفاعته. واستشفعت بفلان فشفع لي، وشفّعه:
أجاب شفاعته ومنه قوله عليه الصّلاة والسّلام «القرآن شافع مشفّع» «1» .
__________
(1) لسان العرب (8/ 183) ، والصحاح (3/ 1238) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2013) ، والمفردات للراغب (263) ، ومختار الصحاح (340) مادة «ش ف ع» . والمصباح المنير (317) .(6/2365)
واصطلاحا:
قال الرّاغب: الشّفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشّفاعة يوم القيامة «1» . وقال الجرجانيّ وابن المناويّ: هي السّؤال في التّجاوز عن الذّنوب من الّذي وقعت الجناية في حقّه «2»
وقال الكفويّ: هي سؤال فعل الخير وترك الضّرّ عن الغير على سبيل الضّراعة «3» . وقال المناويّ (نقلا عن الحراليّ) : الشّفاعة وصلة بين الشّفيع والمشفوع له لمزيد وصلة بين الشّفيع والمشفوع عنده «4» .
أنواع الشفاعة:
قال ابن أبي العزّ- رحمه الله تعالى- في شرحه للعقيدة الطّحاوية: الشّفاعة أنواع:
النّوع الأوّل: الشّفاعة العظمى الخاصّة بنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
النّوع الثّاني: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيّئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنّة.
النّوع الثّالث: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم في قوم آخرين قد أمر بهم إلى النّار أن لا يدخلوها.
النّوع الرّابع: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم في رفع درجات من يدخل الجنّة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم.
النّوع الخامس: الشّفاعة في أقوام ليدخلوا الجنّة بغير حساب وهم السّبعون ألفا.
النّوع السّادس: الشّفاعة في تخفيف العذاب عمّن يستحقّه. كشفاعته في عمّه أبي طالب أن يخفّف عنه عذابه.
النّوع السّابع: شفاعته صلّى الله عليه وسلّم أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنّة.
النّوع الثّامن: شفاعته في أهل الكبائر من أمّته ممّن دخل النّار فيخرجون منها.
وهذه الشّفاعة تشاركه فيها الملائكة والنّبيّون والمؤمنون «5» .
الفرق بين الشفاعة الشرعية والشفاعة الشّركيّة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: عند قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ* قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الزمر/ 43- 44) . أخبر الله في كتابه أنّ الشفاعة لمن له ملك السّموات والأرض، وهو الله وحده. فهو الّذي يشفع بنفسه إلى نفسه، ليرحم عبده. فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه.
فصارت الشّفاعة في الحقيقة إنّما هي له، والّذي يشفع عنده إنّما يشفع بإذنه له وأمره له، بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده. وهذا ضدّ الشّفاعة الشّركيّة الّتي أثبتها المشركون ومن وافقهم، وهي الّتي أبطلها الله سبحانه في كتابه،
__________
(1) المفردات للراغب (263) .
(2) التعريفات للجرجاني (133) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (206) .
(3) الكليات للكفوي (536) .
(4) التوقيف (206) .
(5) شرح العقيدة الطحاوية (525- 257) بتصرف واختصار.(6/2366)
بقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ (البقرة/ 123) وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ (البقرة/ 254) وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الأنعام/ 51) وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ (السجدة/ 4) .
فأخبر سبحانه أنّه ليس للعباد شفيع من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه. كما قال تعالى: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس/ 3) وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) فالشّفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه.
والفرق بين الشّفيعين، كالفرق بين الشّريك والعبد المأمور. فالشّفاعة الّتي أبطلها الله: شفاعة الشّريك فإنّه لا شريك له، والّتي أثبتها: شفاعة العبد المأمور الّذي لا يشفع، ولا يتقدّم بين يدي مالكه حتّى يأذن له. ويقول: اشفع في فلان. ولهذا كان أسعد النّاس بشفاعة سيّد الشّفعاء يوم القيامة أهل التّوحيد، الّذين جرّدوا التّوحيد وخلّصوه من تعلّقات الشّرك وشوائبه، وهم الّذين ارتضى الله سبحانه. قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء/ 28) وقال:
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه/ 109) . وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده: هم الرّسل والملائكة المقرّبون. وهم عبيد محض، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدّمون بين يديه، ولا يفعلون شيئا إلّا بعد إذنه لهم، وأمرهم. ولا سيّما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيّدة بأمره وإذنه. فإذا أشرك بهم المشرك، واتّخذهم شفعاء من دونه، ظنّا منه أنّه إذا فعل ذلك تقدّموا وشفعوا له عند الله، فهو من أجهل النّاس بحقّ الرّبّ سبحانه وما يجب له. ويمتنع عليه.
فإنّ هذا محال ممتنع، شبيه قياس الرّبّ تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتّخذ الرّجل من خواصّهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج. وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتّخذ المشركون من دون الله الشّفيع والوليّ. فالشّفعاء عند المخلوقين: هم شركاؤهم. فإنّ قيام مصالحهم بهم. وهم أعوانهم وأنصارهم، الّذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم.
ولولا هم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في النّاس، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم. وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشّافع. لأنّهم يخافون أن يردّوا شفاعتهم فتنتقض طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم. فلا يجدون بدّا من قبول شفاعتهم على الكره والرّضى. فأمّا الغنيّ الّذي غناه من لوازم ذاته، وكلّ ما سواه فقير إليه بذاته. وكلّ من في السّماوات والأرض عبيد له، مقهورون بقهره، مصروفون بمشيئته. لو أهلكهم جميعا لم ينقص من عزّه وسلطانه وملكه وربوبيّته وإلهيّته مثقال ذرّة، قال سبحانه في سيّدة آي(6/2367)
القرآن، آية الكرسيّ: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) وقال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الزّمر/ 44) . فأخبر أنّ حال ملكه للسّموات والأرض يوجب أن تكون الشّفاعة كلّها له وحده، وأنّ أحدا لا يشفع عنده إلّا بإذنه، فإنّه ليس بشريك، بل مملوك محض. بخلاف شفاعة أهل الدّنيا بعضهم عند بعض.
شروط قبول الشفاعة:
وسرّ الفرق بين الشّفاعتين: أنّ شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خلقا، ولا أمرا، ولا إذنا، بل هو سبب محرّك له من خارج كسائر الأسباب الّتي تحرّك الأسباب. وهذا السّبب المحرّك قد يكون عند المتحرّك لأجله ما يوافقه، كمن يشفع عنده في أمر يحبّه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يخالفه، كمن يشفع إليه في أمر يكرهه، ثمّ قد يكون سؤاله، وشفاعته أقوى من المعارض، فيقبل شفاعة الشّافع، وقد يكون المعارض الّذي عنده أقوى من شفاعة الشّافع، فيردّها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران، فيبقى متردّدا بين ذلك المعارض الّذي يوجب الرّدّ، وبين الشّفاعة الّتي تقتضي القبول، فيتوقّف إلى أن يترجّح عنده أحد الأمرين بمرجّح، فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله: هي سعي في سبب منفصل عن المشفوع إليه يحرّكه به، ولو على كره منه، فمنزلة الشّفاعة عنده منزلة من يأمر غيره، أو يكرهه على الفعل، إمّا بقوّة وسلطان، وإمّا برغبة، فلا بدّ أن يحصل للمشفوع إليه من الشّافع إمّا رغبة ينتفع بها، وإمّا رهبة منه تندفع عنه بشفاعته، وهذا بخلاف الشّفاعة عند الرّبّ سبحانه، فإنّه ما لم يخلق شفاعة الشّافع، ويأذن له فيها، ويحبّها منه، ويرضى عن الشّافع، لم يمكن أن توجد. والشّافع لا يشفع عنده لحاجة الرّبّ إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه، وإنّما يشفع عنده مجرّد امتثال لأمره وطاعة له. فهو مأمور بالشّفاعة، مطيع بامتثال الأمر. فإنّ أحدا من الأنبياء والملائكة، وجميع المخلوقات لا يتحرّك بشفاعة ولا غيرها إلّا بمشيئة الله تعالى وخلقه. فالرّبّ سبحانه وتعالى هو الّذي يحرّك الشّفيع حتّى يشفع، والشّفيع عند المخلوق هو الّذي يحرّك المشفوع إليه حتّى يقبل. والشّافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره. وهو في الحقيقة شريكه.
ولو كان مملوكه وعبده. فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النّفع بالنّصر، والمعاونة. وغير ذلك. كما أنّ الشّافع محتاج إليه فيما يناله منه: من رزق، أو نصر، أو غيره، فكلّ منهما محتاج إلى الآخر «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التوسل- التعاون على البر والتقوى- التناصر- الضراعة والتضرع- الإخاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- التخاذل- القسوة- التعاون على الإثم والعدوان] .
__________
(1) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 220- 223) بتصرف.(6/2368)
الآيات الواردة في «الشفاعة»
آيات تثبت عدم قبول الشفاعة:
1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) «1»
2- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122)
وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «3»
4- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «4»
5- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71) «5»
6- الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «6»
__________
(1) البقرة: 47- 48 مدنية
(2) البقرة: 122- 123 مدنية
(3) البقرة: 254 مدنية
(4) الأنعام: 50- 51 مكية
(5) الأنعام: 70- 71 مكية
(6) السجدة: 1- 4 مكية(6/2369)
الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله تعالى:
7- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) «1»
8- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(5) «2»
9- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) «3»
10- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) «4»
11- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ
__________
(1) البقرة: 255 مدنية
(2) يونس: 3- 5 مكية
(3) طه: 105- 110 مكية
(4) الأنبياء: 25- 29 مكية(6/2370)
قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) »
12-* وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) «2»
الشفاعة لله- عز وجل-:
13- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) «3»
الشفاعة يثاب عليها:
14- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) «4»
الشفاعة للكفار أمنية لا سبيل إليها:
15- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53) «5»
الشفاعة في سياق التحذير:
16- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) «6»
__________
(1) سبأ: 22- 23 مكية
(2) النجم: 26 مكية
(3) الزمر: 43- 44 مكية
(4) النساء: 85 مدنية
(5) الأعراف: 52- 53 مكية
(6) الأنعام: 93- 94 مكية(6/2371)
الأحاديث الواردة في (الشفاعة)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها، فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة حتّى إذا كانوا فحما، أذن بالشّفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر «2» . فبثّوا على أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل» فقال رجل من القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كان بالبادية) * «3» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل شفيع في الجنّة لم يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت، وإنّ من الأنبياء نبيّا ما يصدّقه من
أمّته إلّا رجل واحد» ) * «4» .
4-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءه السّائل أو طلبت إليه حاجة قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما شاء» ) * «5» .
5-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني آت من عند ربّي فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا» ) * «6» .
6-* (عن عثمان بن حنيف- رضي الله عنه-:
أنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: «إن شئت أخّرت لك وهو خير وإن شئت دعوت» . فقال: ادعه. فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويصلّي ركعتين، ويدعو بهذا الدّعاء:
«اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرّحمة. يا محمّد! إنّي قد توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى اللهمّ فشفّعه فيّ» ) * «7» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (335) واللفظ له، ومسلم (521) .
(2) الضبائر: جمع ضبارة، والمراد الجماعات المتفرقة.
(3) مسلم (185) .
(4) مسلم (196) والبخاري تعليقا.
(5) البخاري- الفتح 3 (1432) واللفظ له. ومسلم (2627) .
(6) الترمذي (2441) واللفظ له، وقال مخرج جامع الأصول: إسناده حسن (10/ 477) . وذكره في المشكاة وعزاه للترمذي وابن ماجة وقال الشيخ ناصر في تخريجه: صحيح (3/ 1558) رقم (5600) .
(7) الترمذي (3578) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجة (1385) واللفظ له وقال عقبة قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح. والحاكم (1/ 313) وقال: صحيح على-(6/2372)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل يشفع للرّجلين والثّلاثة» ) * «1» .
8-* (عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّجل ليسألني الشّيء فأمنعه حتّى تشفعوا فيه فتؤجروا» وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اشفعوا تؤجروا» ) * «2» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر عنده عمّه أبو طالب.
فقال: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح «3» من نار يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتّى غفر له وهي سورة تبارك الّذي بيده الملك» ) * «5» 11-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أحرّم ما بين لابتي المدينة. أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها» .
وقال: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يدعها أحد رغبة عنها إلّا أبدل الله فيها من هو خير منه. ولا يثبت أحد على لأوائها «6» وجهدها إلّا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» ) * «7» .
12-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خيّرت بين الشّفاعة وبين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة فاخترت الشّفاعة، لأنّها أعمّ وأكفى، أترونها للمتّقين؟ لا. ولكنّها للمذنبين، الخطّائين المتلوّثين» ) * «8» .
13-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال: سألت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أن يشفع لي يوم القيامة قال:
«أنا فاعل بهم» . قال: فأين أطلبك يوم القيامة يا نبيّ
__________
- شرطهما وأقره الذهبي. وفي (1/ 519) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وفي (1/ 562) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأحمد (4/ 138) . وهذا ليس من دعاء غير الله إذ إن ذلك شرك ولكن طلب الدعاء والشفاعة من الحي القادر عليه.
(1) البزار في كشف الأستار (4/ 173) ، وذكره الهيثمي في المجمع. وقال: رجاله رجال الصحيح (10/ 382) ، ورواه المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 446) .
(2) النسائي (5/ 78) ، وصحيح سنن النسائي (2397) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 64) وقال: صحيح وعزاه للطبراني وهو في الصحيحة برقم (1464) .
(3) ضحضاح: الضحضاح ما رقّ من الماء على وجه الأرض نحو الكعبين.
(4) البخاري- الفتح 7 (3885) ، ومسلم (210) واللفظ له.
(5) الترمذي (2891) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (1400) . وابن ماجة (3786) . أحمد (2/ 299) رقم (7962) وقال شاكر: إسناده صحيح (15/ 129) . وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لأهل السنن (4/ 395) .
(6) لأوائها: شدّتها.
(7) مسلم (1363) وبعضه عند البخاري من حديث أبي هريرة. الفتح 3 (1869)
(8) ابن ماجة (4311) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وله شاهد عن ابن عمر من طريق صحيحة عند الطبراني قال عنها الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/ 378) وطريق أخرى ضعيفة عند أحمد (2/ 75) وضعفها الشيخ شاكة رقم (5452) .(6/2373)
الله قال: «اطلبني أوّل ما تطلبني على الصّراط» قال:
قلت: فإذا لم ألقك على الصّراط. قال: «فأنا عند الميزان» . قال: قلت فإن لم ألقك عند الميزان. قال:
«فأنا عند الحوض لا أخطأ هذه الثّلاث مواطن يوم القيامة» ) * «1» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه قال: شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا محمّد إنّا أهل وعشيرة، فمنّ علينا، منّ الله عليك، فإنّه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك. فقال: «اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم» . قالوا: خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، فإذا صلّيت الظّهر، فقولوا: إنّا نستشفع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المؤمنين وبالمؤمنين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نسائنا وأبنائنا» . قال:
ففعلوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم» . وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالت الأنصار: مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أمّا ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم فلا، وقال عبّاس ابن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم فلا، فقالت الحيّان: كذبت، بل هو لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها الناس ردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم، فمن تمسّك بشيء من الفيء فله علينا ستّة فرائض من أوّل شيء يفيئه الله علينا» . ثمّ ركب راحلته، وتعلّق به النّاس، يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا، حتّى ألجأوه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: «يا أيّها النّاس: ردّوا عليّ ردائي، فو الله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثمّ لا تلفوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا» . ثمّ دنا من بعيره، فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السّبّابة والوسطى، ثمّ رفعها، فقال: «يا أيّها النّاس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه إلّا الخمس، والخمس مردود عليكم فردّوا الخياط والمخيط، فإنّ الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا، فقام رجل معه كبّة من شعر، فقال: إنّي أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر «2» ، قال: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لك» ، فقال الرّجل: يا رسول الله أمّا إذ بلغت ما أرى، فلا أرب لي بها، ونبذها) * «3» .
15-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ
__________
(1) الترمذي (2433) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأحمد (3/ 178) واللفظ له. والظاهر والله أعلم أن هذا حوض آخر غير الكوثر لأن المعروف أنه قبل الصراط انظر النهاية لابن كثير (2/ 36) .
(2) الدّبر: الجرح الذي يكون في ظهر البعير، وقيل: هو أن يقرح خفّ البعير.
(3) أحمد (2/ 184) واللفظ له، وقال شاكر: إسناده صحيح (11/ 18) رقم (6729) . وروى أبو داود بعضه (2694) . والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 336، 337) ، ورواه النسائي مطولا (6/ 262- 264) .(6/2374)
منعته الطّعام والشّهوات بالنّهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النّوم باللّيل فشفّعني فيه. قال:
فيشفّعان» ) * «1» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (الإسراء/ 79) : سئل عنها قال: «هي الشّفاعة» ) * «2» .
17-* (عن خادم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (رجل أو امرأة) قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا يقول للخادم ألك حاجة؟ قال: حتّى كان ذات يوم قال: يا رسول الله حاجتي. قال: «وما حاجتك؟» . قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: «ومن دلّك على هذا؟» .
قال: ربّي- عزّ وجلّ-. قال: «إمّا لا فأعنّي بكثرة السّجود» ) * «3» .
18-* (عن المقدام بن معد يكرب أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للشّهيد عند الله ستّ خصال:
يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة. ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدّنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه» ) * «4»
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبأ دعوتي شفاعة لأمّتي في الآخرة» ) * «5» .
20-* (عن عبد الله بن شقيق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليدخلنّ الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي، أكثر من بني تميم» ) * «6» .
21-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان. فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له. فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت،
__________
(1) الحاكم (1/ 554) ، أحمد (2/ 174) واللفظ له. وقال شاكر: إسناده صحيح (10/ 118) . وقال في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح (3/ 181) . وذكره ابن كثير في التفسير (1/ 93) .
(2) الترمذي (3137) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن، وأحمد (2/ 441، 444، 528) . وصحح إسناده الشيخ شاكر.
(3) أحمد (3/ 500) واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع (2/ 249) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والحديث أصله عند مسلم (498) .
(4) الترمذي (1663) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجه (2799) . وأحمد (4/ 131) . وسنده صحيح.
(5) البخاري- الفتح 11 (6304) واللفظ له. ومسلم (198) .
(6) أحمد (3/ 469) ، (5/ 366) ، والدارمي (2/ 328) ، وابن ماجة (4316) ، والحاكم (1/ 570- 571) ، وأيضا الترمذي (2438) وقال: حسن صحيح غريب.(6/2375)
فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «1» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من ميّت تصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه» ) * «2» .
23-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما تقولون في هذا؟» . قالوا: حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع، وإن قال أن يستمع.
قال: ثمّ سكت. فمرّ رجل من فقراء المسلمين، فقال: «ما تقولون في هذا؟» . قالوا: حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يستمع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» ) * «3» .
24-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استطاع أن يموت بالمدينة، فليمت بها، فإنّي أشفع لمن يموت بها» ) * «4» .
25-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم» . قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟، وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» . قالوا: لا. يا رسول الله! قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «5» . إذا كان يوم القيامة أذّن مؤذّن ليتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «6» . فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟. قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله. فيقال:
كذبتم، ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟. قالوا: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب «7» يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النّار. ثمّ يدعى
__________
(1) مسلم (948) .
(2) مسلم (947) .
(3) البخاري- الفتح 9 (5091) .
(4) الترمذي (3917) واللفظ له، وقال: حسن غريب من حديث أيوب السختياني. وابن ماجة (3112) . والحديث عند أحمد (2/ 74، 104) رقم (5437، 5818) . وقال مخرج جامع الأصول (9/ 321) : رواه أحمد وإسناده صحيح ونقل كلام الترمذي إلا أنه قال: حسن صحيح (9/ 321) . وصحح إسناده الشيخ شاكر (7/ 222) .
(5) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.
(6) وغبّر أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر.
(7) كأنها سراب: السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معا مثل الماء يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.(6/2376)
النّصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟
فيقولون: عطشنا. يا ربّنا فاسقنا. قال فيشار إليهم:
ألا تردون؟. فيحشرون إلى جهنّم كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا «1» فيتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر، أتاهم ربّ العالمين- سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها قال: فما تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربّنا فارقنا النّاس في الدّنيا أفقر ما كنّا إليهم «2» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون:
نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب «3» . فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم.
فيكشف عن ساق «4» . فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسجود. ولا يبقى من كان يسجد اتّقاء ورياء إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة «5» . كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه. ثمّ يرفعون رؤوسهم، وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فقال: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا. ثمّ يضرب الجسر على جهنّم. وتحلّ الشّفاعة «6» .
ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم» . قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة «7» فيه خطاطيف وكلاليب وحسك «8» . تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان. فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالرّيح وكالطّير وكأجاويد الخيل والرّكاب «9» . فناج
__________
(1) يحطم بعضها بعضا: معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك. والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها.
(2) فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم: معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم.
(3) ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.
(4) فيكشف عن ساق: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها. وهما صحيحان.
(5) ظهره طبقة واحدة: قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى.
(6) ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة: الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان: وهو الصراط. ومعنى تحل الشفاعة: بكسر الحاء وقيل بضمها: أي تقع ويؤذن فيها.
(7) دحض مزلة: الدحض والمزلة بمعنى واحد. وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر. ومنه: دحضت الشمس أي مالت. وحجة داحضة أي لا ثبات لها.
(8) فيها خطاطيف وكلاليب وحسك: أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد والكلاليب بمعناه. وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد.
(9) وكأجاويد الخيل والركاب: من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال في النهاية: الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي. والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها. فهو عطف على الخيل. والخيل جمع الفرس من غير لفظه.(6/2377)
مسلّم. ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنّم «1» . حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله، في استقصاء الحقّ «2» ، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم:
أخرجوا من عرفتم. فتحرّم صورهم على النّار.
فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النّار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه. ثمّ يقولون: ربّنا ما بقي فيها أحد ممّن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير «3» فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها أحدا ممّن أمرتنا.
ثمّ يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها ممّن أمرتنا أحدا. ثمّ يقول:
ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرا «4» » . وكان أبو سعيد الخدريّ يقول: إن لم تصدّقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) » . فيقول الله عزّ وجلّ-: شفعت الملائكة وشفع النّبيّون وشفع المؤمنون. ولم يبق إلّا أرحم الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «5» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد عادوا حمما «6» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «7» يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «8» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر.
ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون
__________
(1) ناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم: معناه أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص. وقسم يكدس ويلقى فيسقط في جهنم. قال في النهاية: وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا.
(2) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.
(3) من خير: قال القاضي عياض- رحمه الله-: قيل: معنى الخير هنا اليقين. قال: والصحيح إن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان. لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق، لا يتجزأ. وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة.
(4) لم نذر فيها خيرا: هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير.
(5) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة.
(6) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
(7) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
(8) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.(6/2378)
منها إلى الظّلّ يكون أبيض «1» ؟» . فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم «2» يعرفهم أهل الجنّة.
هؤلاء عتقاء الله «3» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة، فما رأيتموه، فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟.
فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «4» .
26-* (عن رويفع بن ثابت الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال اللهمّ صلّ على محمّد وأنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة شفعت له» ) * «5» .
27-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمن سأله عن الورود. فقال: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق النّاس «6» ، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأوّل فالأوّل، ثمّ يأتينا ربّنا بعد ذلك فيقول:
من تنظرون؟. فيقولون: ننظر ربّنا. فيقول: أنا ربّكم.
فيقولون: حتّى ننظر إليك. فيتجلّى لهم يضحك.
فينطلق بهم ويتّبعونه. ويعطى كلّ إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا. ثمّ يتّبعونه. وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك. تأخذ من شاء الله. ثمّ يطفأ نور المنافقين.
ثمّ ينجو المؤمنون. فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر. سبعون ألفا لا يحاسبون. ثمّ الّذين يلونهم كأضوأ نجم في السّماء. ثمّ كذلك. ثمّ تحلّ الشّفاعة.
ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله.
وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنّة. ويجعل أهل النّار يرشّون عليهم الماء حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل. ويذهب حراقه «7» . ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها» ) * «8» .
28-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
(2) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ.
(3) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله.
(4) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له.
(5) أحمد (4/ 108) . والطبراني في الكبير (5/ 26) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (1/ 163) : رواه البزار والطبراني في الكبير وأسانيدهم حسنة.
(6) هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم، وهو تصحيف وتغيير وقال القاضي عياض: هذه صورة الحديث في جميع النسخ وفيه تغيير كثير وتصحيف وصوابه: نجيء يوم القيامة على كوم. وفي حديث كعب بن مالك: يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل.
(7) الحراق: أثر النار.
(8) مسلم (191) .(6/2379)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل النّاس على الصّراط يوم القيامة فتتقادع «1» بهم جنبة الصّراط تقادع الفراش في النّار. قال فينجّي الله- تبارك وتعالى- برحمته من يشاء. قال: ثمّ يؤذن للملائكة والنّبيّين والشّهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرّة من إيمان» ) * «2» .
29-* (عن عبد الله بن شقيق- رضي الله عنه- قال: كنت مع رهط بإيلياء، فقال رجل منهم:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يدخل الجنّة بشفاعة رجل من أمّتي أكثر من بني تميم» ، قيل: يا رسول الله سواك؟. قال: «سواي» . فلمّا قام، قلت: من هذا؟.
قالوا: هذا ابن أبي الجدعاء) * «3» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، أو نفسه» ) * «4» .
() الأحاديث الواردة في (الشفاعة) معنى
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- ليرفع الدّرجة للعبد الصّالح في الجنّة، فيقول: يا ربّ أنّى لي هذه، فيقول: باستغفار ولدك لك» ) * «5» .
32-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي. فقرأ قراءة أنكرتها عليه. ثمّ دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فلمّا قضينا الصّلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرآ. فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شأنهما. فسقط في نفسي من التّكذيب «6» ولا إذ كنت في الجاهليّة، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا. وكأنّما أنظر إلى الله- عزّ وجلّ- فرقا.
__________
(1) فتتقادع بهم جنبتا الصراط: أي تسقطهم فيها.
(2) أحمد (5/ 43) واللفظ له. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. ورواه الطبراني في الصغير والكبير بنحوه. ورواه البزار أيضا ورجاله رجال الصحيح (10/ 359) . والحديث عند البزار كما في كشف الأستار (4/ 171) رقم (3467) . وقال البزار: إسناده مرضيون.
(3) الترمذي (2438) واللفظ له، وقال: حسن صحيح غريب. وقال مخرج جامع الأصول: هو كما قال (9/ 201) . وكذلك ابن ماجة (4316) . وأحمد (5/ 366) . الدارمي (2/ 423) . والحاكم (1/ 70- 71) وقال: هذا حديث صحيح قد احتجوا برواته.
(4) البخاري- الفتح 1 (99) .
(5) ابن ماجة (3660) وقال في الزوائد: إسناده صحيح. وأحمد (2/ 509) واللفظ له رقم (10618) . وقال مخرجه: إسناده صحيح (20/ 158) .
(6) معنى قول: فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية: وسوس إليه الشيطان تكذيبا لم يعتقده.(6/2380)
فقال لي: «يا أبيّ! أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف.
فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثّانية: اقرأه على حرفين. فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي. اللهمّ اغفر لأمّتي. وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم حتّى إبراهيم عليه السّلام» ) * «1» .
33-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الّذين كانوا يعملون به. تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال، ما نسيتهنّ بعد، قال: كأنّهما غمامتان أو ظلّتان سوداوان بينهما شرق «2» أو كأنّهما حزقان «3» من طير صوافّ تحاجّان عن صاحبهما» ) * «4» .
34-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث النّاس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلّ ويكسوني ربّي تبارك وتعالى- حلّة خضراء. ثمّ يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود» ) * «5» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ زده فيلبس حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكلّ آية حسنة» ) * «6» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشفاعة)
36-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ أباه توفّي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلّم جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّم اليهوديّ، ليأخذ تمر نخله بالّتي له فأبى، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّخل فمشى فيها، ثمّ قال لجابر: «جدّ له فأوف له الّذي له» ، فجدّه بعد ما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بالّذي كان فوجده يصلّي العصر، فلمّا انصرف أخبره بالفضل، فقال: «أخبر ذلك ابن الخطّاب» ، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليباركنّ فيها) * «7» .
37-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: «إنّ زوج بريرة كان عبدا يقال له: مغيث، كأنّي أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته،
__________
(1) مسلم (820) .
(2) الشرق: الضياء والنور.
(3) حزقاق: الحزق والحزيقة: الجماعة من كل شيء.
(4) مسلم (805) .
(5) أحمد (3/ 456) واللفظ له، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الكبير رجاله رجال الصحيح. والحاكم (2/ 263) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
(6) الترمذي (2915) واللفظ له. والدارمي (2/ 522) رقم (3311) .
(7) البخاري- الفتح 5 (2396) .(6/2381)
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبّاس: «يا عبّاس! ألا تعجب من حبّ مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو راجعته» . قالت: يا رسول الله! أتأمرني؟.
قال: «إنّما أنا أشفع» ، قالت: لا حاجة لي فيه) * «1» .
38-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره فأغمضه، ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر» ، فضجّ ناس من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلّا بخير، فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» ، ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره ونوّر له فيه» ) * «2» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سألت ربّي- عزّ وجلّ- فوعدني أن يدخل من أمّتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كلّ ألف سبعين ألفا، فقلت: أي ربّ! إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمّتي. قال: إذن أكملهم لك من الأعراب» ) * «3» .
40-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون:
أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه، فيستحي. ائتوا نوحا، فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم ائتوا موسى عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النّفس بغير نفس، فيستحي من ربّه فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال:
ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع.
فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفّع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله- ثمّ أشفّع فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثمّ يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله، وكان في قلبه (من الخير) ما يزن ذرّة» ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5283) واللفظ له. وخرجه مسلم من حديث عائشة- رضي الله عنها- (1504) .
(2) مسلم (920) .
(3) أحمد (2/ 359) واللفظ له، وقال الشيخ شاكر (6/ 288) رقم (8692) : رمز له السيوطي في الجامع الصغير بأنه صحيح. وذكره الشيخ ناصر في صحيح الجامع (2/ 197) . وهو في الصحيحة (1879) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له. ومسلم (193) .(6/2382)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الشفاعة)
1-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-:
«يجيء القرآن يشفع لصاحبه، يقول: يا ربّ لكلّ عامل عمالة من عمله، وإنّي كنت أمنعه اللّذّة والنّوم فأكرمه، فيقال: ابسط يمينك فيملأ من رضوان الله، ثمّ يقال:
ابسط شمالك فيملأ من رضوان الله، ويكسى كسوة الكرامة، ويحلّى حلية الكرامة ويلبس تاج الكرامة» ) * «1» .
2-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
«يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون له قائدا إلى الجنّة، ويشهد عليه، ويكون سائقا به إلى النّار» ) * «2» .
3-* (وقال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ هذا القرآن مأدبة الله فتعلّموا من مأدبته ما استطعتم، إنّ هذا القرآن حبل الله والنّور والشّافع النّافع، عصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتّبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوجّ فيقوّم ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرّدّ، فاتلوه فإنّ الله يأجركم على تلاوته، بكلّ حرف عشر حسنات، أما إنّي لا أقول: الم، ولكن بألف ولام وميم» ) * «3» .
4-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«السّابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنّة برحمة الله، والظّالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنّة بشفاعة محمّد صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» .
5-* (قال عروة بن الزّبير: «لقي الزّبير سارقا فشفّع فيه، فقيل له حتّى يبلغ الإمام، فقال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشّافع والمشفّع» ) * «5» .
6-* (قال عكرمة- رحمه الله تعالى-: «إنّ عبّاسا وعمّارا والزّبير أخذوا سارقا فخلّوا سبيله فقلت لابن عبّاس: بئسما صنعتم حين خلّيتم سبيله، فقال: لا أمّ لك! أما لو كنت أنت لسرّك أن يخلّى سبيلك» ) * «6» .
7-* (كان أبو المليح- رحمه الله تعالى- يصلّي على جنازة فظنّوا أنّه قد كبّر، فأقبل عليهم بوجهه وقال: «أقيموا صفوفكم ولتحسن شفاعتكم» ) * «7» .
8-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
أحبّ الصّالحين ولست منهم ... لعلّي أن أنال بهم شفاعة
__________
(1) الدارمي (2/ 523) رقم (3312) .
(2) الدارمي (2/ 525) رقم (3325) .
(3) الدارمي (2/ 523- 524) رقم (3325) واللفظ له. والحاكم (1/ 566) وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 267- 269) رقم (660) .
(4) تفسير ابن كثير (3/ 555) .
(5) قال الحافظ: رواه الطبراني، وقال: والحديث عند ابن أبي شيبة بسند حسن (12/ 87) .
(6) قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح (12/ 90) .
(7) النسائي (4/ 76) بتصرف.(6/2383)
وأكره من تجارته المعاصي ... ولو كنّا سواء في البضاعة) * «1» .
9- (قال أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى- لتلميذه مهنّا لمّا سأله فقال: رجل ظلمني وتعدّى عليّ ووقع في شيء عند السّلطان أعين عليه عند السّلطان؟
قال أحمد: «لا، بل اشفع فيه إن قدرت» . قال: سرقني في المكيال والميزان أدسّ إليه من يوقفه على السّرقة؟.
قال أحمد: «إن وقع في شيء فقدرت أن تشفع له فاشفع له» ) * «2» .
10-* (قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى-: «نقل ابن عبد البرّ وغيره: جواز الشّفاعة فيما يقتضي التّعزير» ) * «3» .
11-* (وقال ابن عبد البرّ أيضا: «لا أعلم خلافا أنّ الشّفاعة في ذوي الذّنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السّلطان، وأنّ على السّلطان أن يقيمها إذا بلغته» ) * «4» .
() من فوائد (الشفاعة)
(1) من دلائل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) دليل كمال شفقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
(3) بها ترفع الدّرجات وتقال العثرات وتقضى الحاجات.
(4) دليل حبّ الله ورضاه عن الشّافع والمشفوع به لمن وقعت منه، ووسيلة الحبّ والرّضا لمن يتطلّع إليه.
(5) هي للمسلمين أحبّ من فضائل أعمالهم.
(6) دليل حبّ الخير للآخرين وحسن الظّنّ بهم.
(7) يحتاج إليها كلّ الخلق يوم القيامة حتّى الفضلاء والمقرّبون.
(8) دليل رقّة قلب الشّافع ورحمته بغيره.
(9) تزيد من الألفة والتّرابط بين الأفراد في المجتمع الإسلاميّ.
__________
(1) ديوان الشافعي (ص 90) .
(2) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 203) .
(3) الفتح (12/ 90) بتصرف.
(4) الفتح (12/ 98) .(6/2384)
الشفقة
الشفقة لغة:
هي الاسم من الإشفاق، وكذلك الشّفق وهي مأخوذة من مادّة (ش ف ق) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على رقّة في الشّيء فمن ذلك قولهم أشفقت من الأمر إذا رققت وحاذرت، وربّما قالوا شفقت، وقال أكثر أهل اللّغة لا يقال إلّا أشفقت وأنا مشفق (وشفيق) .
فأمّا قول القائل:
كما شفقت على الزّاد العيال
فليس من هذا الباب وإنّما معناه بخلت به، إذا قلت أشفقت منه فإنّما تعني حذرته.
ويقال شفقت وأشفقت بمعنى واحد وأنكر ذلك أهل اللّغة، والشّفق يأتي على معان منها:
بمعنى الشّفقة وذلك كما في قول الشّاعر (إسحاق بن خلف) أو ابن المعلّى:
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزّال على الحرم
والشّفق: بقيّة ضوء الشّمس وحمرتها في أوّل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
8/ 6/ 5
اللّيل إلى قريب من العتمة، وقيل: هي الحمرة من غروب الشّمس إلى وقت العشاء.
قال ابن الأثير في مواقيت الصّلاة: حتّى يغيب الشّفق.
الشّفق من الأضداد: يقع على الحمرة الّتي ترى في المغرب بعد مغيب الشّمس وبه أخذ الشّافعيّ، وعلى البياض الباقي في الأفق الغربيّ وبه أخذ أبو حنيفة.
وقال الفرّاء: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب كأنّه الشّفق، الشّفق هنا الحمرة. ويأتي الشّفق أيضا بمعنى الرّديء من الأشياء، وبمعنى الخيفة (الخوف) تقول أنا مشفق عليك أي أخاف، وأشفقت عليه (خفت) أن يناله مكروه، وأشفق عليه: حذر، وأشفق منه جزع.
وقال ابن منظور: الشّفق والشّفقة: الخيفة من شدّة النّصح والشّفق أيضا الشّفقة، وهو أن يكون النّاصح- من عدم بلوغ النّصح خائفا على المنصوح «1» ، والشّفيق: النّاصح الحريص على
__________
(1) في الأصل أن يكون الناصح من بلوغ النصح خائفا على المنصوح، ولعله سقط في المطبوعة لأن الخشية تكون من عدم البلوغ لا من البلوغ.(6/2385)
صلاح المنصوح، وقول الله تعالى قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (الطور/ 26) أي كنّا في أهلنا خائفين لهذا اليوم، وشفيق بمعنى مشفق مثل أليم بمعنى مؤلم، وفي حديث بلال أنّه كان يفعل ذلك شفقا من أن يدركه الموت، الشّفق (هنا) والإشفاق:
الخوف.
والشّفق والشّفقة (أيضا) رقّة من نصح أو حبّ يؤدّي إلى خوف «1» .
اصطلاحا:
قال الرّاغب: الإشفاق (والشّفقة) عناية مختلطة بخوف؛ لأنّ المشفق يحبّ المشفق عليه، ويخاف ما يلحقه (من أذى) فإذا عدّي ب «من» فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدّي ب «في» فمعنى العناية فيه أظهر «2» .
وقال المناويّ: الشّفقة: صرف الهمّة إلى إزالة المكروه عن النّاس «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: تفريج الكربات- الحنان- الرأفة- الرحمة- الرفق- العطف- التيسير الإحسان- تكريم الإنسان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- سوء المعاملة- العنف- القسوة- التعسير- الإساءة] .
__________
(1) انظر في ذلك: مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 197) الصحاح للجوهري (4/ 1501) ، ولسان العرب (شفق) (ص 2292) ط. دار المعارف، والنهاية لابن الأثير (2/ 487) .
(2) المفردات للراغب (264) ، وإلى مثل هذا ذهب كل من الكفوي (في الكليات ص 469) ، والفيروز آبادي (في البصائر ص 33) إلا أنهما ذكرا «على» بدلا من «في» لمعنى العناية ولا تعارض بين الرأيين؛ لأن الفعل أشفق يعدّى بكليهما للمعنى نفسه.
(3) وإلى مثل هذا ذهب الجرجاني في التعريفات (127) إلّا أن هناك تصحيفا إذا وردت «الشّفعة» بفاء ساكنة تليها عين مفتوحة، وقد جاء التصويب من المصادر الأخرى التي ربما أخذت عن نسخ صحيحة.(6/2386)
الآيات الواردة في «الشفقة»
آيات الاشفاق فيها من الله- عز وجل-:
1- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26)
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «1»
2- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60)
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «2»
آيات الإشفاق فيها من الساعة:
3- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) «3»
4- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) «4»
آيات الإشفاق فيها من عذاب الله:
5-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)
إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)
وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) «5»
__________
(1) الأنبياء: 25- 28 مكية
(2) المؤمنون: 57- 61 مكية
(3) الأنبياء: 48- 49 مكية
(4) الشورى: 17- 18 مكية
(5) المعارج: 19- 27 مكية(6/2387)
آيات الإشفاق فيها ذكرى لما كان منه في الدنيا:
6- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25)
قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) «1»
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «2»
آيات الإشفاق فيها من الجماد:
8- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) «3»
__________
(1) الطور: 25- 27 مكية
(2) المجادلة: 12- 13 مكية
(3) الأحزاب: 72 مدنية(6/2388)
الأحاديث الواردة في (الشفقة)
1-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السّلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيمّمت، ثمّ صلّيت بأصحابي الصّبح، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عمرو، صلّيت بأصحابك، وأنت جنب؟» فأخبرته بالّذي منعني من الاغتسال، وقلت: إنّي سمعت الله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل شيئا» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتيت الطّور فوجدت ثمّ كعبا فمكثت أنا وهو يوما أحدّثه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويحدّثني عن التّوراة فقلت له: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير يوم طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه قبض وفيه تقوم السّاعة ما على الأرض من دابّة إلّا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة «2» حتّى تطلع الشّمس شفقا من السّاعة إلّا ابن آدم ... الحديث) * «3» .
3-* (عن أبي لبابة بن عبد المنذر- رضي الله عنه-، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ يوم الجمعة سيّد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر. فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفّى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلّا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم السّاعة. ما من ملك مقرّب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلّا وهنّ يشفقن من يوم الجمعة» ) * «4» .
4-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة. فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها. فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال:
عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم. لا يستطيع أن ينكر.
وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. فيقال له:
فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» . فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «5» .
5-* (عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه- قال: بينما هو يقرأ من اللّيل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ
__________
(1) أبو داود (334) . وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن أبي داود 1/ 68) .
(2) مصيخة: أي مصغية مستمعة.
(3) أبو داود (1046) . والترمذي (488، 491) وقال: حسن صحيح. والنسائي (3/ 114) واللفظ له.
(4) ابن ماجة (1084) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (1/ 490) وقال: رواه أحمد وغيره.
(5) مسلم (190) .(6/2389)
فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثمّ قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلمّا اجترّه رفع رأسه إلى السّماء حتّى ما يراها، فلمّا أصبح حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له:
«اقرأ يابن حضير، اقرأ يا ابن حضير» . قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى «1» وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السّماء، فإذا مثل الظّلّة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتّى لا أراها «2» ، قال: «وتدري ما ذاك؟» . قال: لا، قال:
«تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر النّاس إليها، لا تتوارى منهم» ) «3» .
6-* (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤّذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ، قلت: يا لبّاه، فتجهّمني، وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال:
قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فاخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو:
يا بلال! أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك؟»
__________
(1) يحيى: ولده.
(2) قال ابن حجر: كذا فيه اختصار، وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه «رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها» وفي رواية إبراهيم بن سعد «فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال الشبح، فعرجت في الجو حتى ما أراها» . أهـ. (الفتح 8/ 682) .
(3) البخاري الفتح 8 (5018) .(6/2390)
قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال:
«انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت:
هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى إذا جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة، حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «1» .
() الأحاديث الواردة في (الشفقة) معنى
انظر صفات: الخشية- الخوف- الرهبة
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشفقة)
انظر صفات: الخشية- الخوف- الرهبة
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشفقة)
1-* (قال إبراهيم التّيميّ: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النّار؛ لأنّ أهل الجنّة قالوا: الحمد لله الّذي أذهب عنّا الحزن. وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة لأنّهم قالوا: إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين» ) * «2» .
2-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال:
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون/ 60) قال: «كانوا يعملون ما عملوا من أنواع البرّ وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله» ) * «3» .
3-* (قال الزّهريّ- رحمه الله-: «نهى الله تعالى أن تضارّ والدة بولدها، وذلك أن تقول الوالدة:
لست مرضعته، وهي أمثل له غذاء وأشفق عليه وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما جعل الله عليه» ) * «4» .
__________
(1) أبو داود (3055) . قال الألباني: صحيح الإسناد انظر صحيح سنن أبي داود (2628) .
(2) التخويف من النار لابن رجب (ص 21) .
(3) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 390) .
(4) البخاري- الفتح (9/ 414) .(6/2391)
4-* (عن يحيى بن جعدة قال: كان يقال: «اعمل وأنت مشفق، ودع العمل وأنت تحبّه، عمل قليل ما يداوم عليه» ) * «1» .
5-* (قال بعض الشّعراء:
أما والّذي شاء لم يخلق النّوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
أخيّ رعاك الله في كلّ وجهة ... توجّهتها ما بين شرق إلى غرب
توهّم منك الشّوق حتّى كأنّني ... أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي
وأرقب إشفاقي عليك من القذى ... وهبّ ضميري منه أجنحة الرّعب) * «2» .
() من فوائد (الشفقة)
(1) طريق موصل إلى الجنّة.
(2) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(3) تثمر الألفة والمحبّة بين النّاس.
(4) مظهر من مظاهر مراقبة الله عزّ وجلّ.
(5) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
(6) دليل على قرب العبد من ربّه ومحبّته له.
__________
(1) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 489) .
(2) الإخوان لابن أبي الدنيا (153) .(6/2392)
الشكر
الشكر لغة:
مصدر شكر يشكر، وهو مأخوذ من مادّة (ش ك ر) الّتي تدلّ على «الثّناء على الإنسان بمعروف يوليكه»
ويقال: إنّ حقيقة الشّكر الرّضا باليسير، ومن ذلك فرس شكور إذا كفاه لسمنه العلف القليل.
قال: الأعشى:
ولا بدّ من غزوة في المصي ... ف رهب تكلّ الوقاح الشّكورا «1»
وقال الرّاغب: الشّكر تصوّر النّعمة وإظهارها، وقيل: هو مقلوب عن الكشر أي الكشف: ويضادّه الكفر الّذي هو نسيان النّعمة وسترها. وقيل أصله من عين شكرى أي ممتلئة. فالشّكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه «2» .
وقال ابن منظور: «الشّكر، عرفان الإحسان ونشره، وهو مأخوذ من قولك: شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه، والشّكران خلاف النكران. والشّكر من الله: المجازاة والثّناء الجميل.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
50/ 35/ 38
ويقال: شكره وشكر له يشكر شكرا وشكورا وشكرانا.
ويقال أيضا: شكرت الله، وشكرت لله، وشكرت بالله، وكذلك شكرت نعمة الله، ورجل شكور: كثير الشّكر، وهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته «3» .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الشّكر كلّ ما هو جزاء للنّعمة عرفا، وقال أيضا: أصل الشّكر: تصوّر النّعمة وإظهارها، والشّكر من العبد: عرفان الإحسان، ومن الله المجازاة والثّناء الجميل «4» .
وقال المناويّ: الشّكر: شكران: الأوّل شكر باللّسان وهو الثّناء على المنعم، والآخر: شكر بجميع الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر الاستحقاق، والشّكور الباذل وسعه في أداء الشّكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا «5» .
وقال ابن القيّم: الشّكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة «6» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 207) وقد ذكر لهذه المادة ثلاثة معان أخر هى الامتلاء ونوع من النبات والنكاح. انظر هذه المعاني وأمثلتها في (ص 208) من المرجع نفسه.
(2) المفردات للراغب (265) .
(3) لسان العرب (4/ 2305- 2308) . والصحاح (2/ 702- 703) .
(4) الكليات للكفوي (523) .
(5) التوقيف على مهمات التعاريف (206- 207) .
(6) مدارج السالكين (2/ 244) لابن القيم.(6/2393)
وقيل: هو الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع «1» .
معنى اسم الله (الشكور) :
قال الإمام الغزاليّ: الشّكور (في أسماء الله تعالى) هو الّذي يجازي بيسير الطّاعات كثير الدّرجات، ويعطي بالعمل في أيّام معدودة نعيما في الآخرة غير محدود، ومن جازى الحسنة بأضعافها يقال إنّه شكر تلك الحسنة، ومن أثنى على المحسن أيضا يقال: إنّه شكر، فإن نظرت إلى معنى الزّيادة في المجازاة لم يكن الشّكور المطلق إلّا الله- عزّ وجلّ- لأنّ زياداته في المجازاة غير محصورة ولا محدودة، ذلك أنّ نعيم الجنّة لا آخر له، والله سبحانه وتعالى يقول:
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (الحاقة/ 24) . وإن نظرنا إلى معنى الثّناء فإنّ ثناء كلّ مثن يكون على فعل غيره، والرّبّ- عزّ وجلّ- إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه، لأنّ أعمالهم من خلقه، فإن كان الّذي أعطى فأثنى شكورا، فالّذي أعطى وأثنى على المعطي أحقّ بأن يكون شكورا، ومن ثنائه عزّ وجلّ على عباده قوله سبحانه وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (الأحزاب/ 35) ، وقوله- جلّ من قائل: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص/ 30) ، كلّ ذلك وما يجري مجراه عطيّة منه سبحانه «2» .
وقال ابن منظور- رحمه الله تعالى-: والشّكور من صفات الله- جلّ اسمه- معناه: أنّه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرته لهم وإنعامه على عباده وجزاؤه بما أقامه من العبادة.
وقال ابن سعديّ: وأمّا الشّكور من عباد الله فهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته.
ومن أسماء الله الحسنى الشّكور، وهو الّذي يشكر القليل من العمل الخالص النّقيّ النّافع، ويعفو عن الكثير من الزّلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عدّ ولا حساب.
ومن شكره أنّه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وقد يجزي الله العبد على العمل بأنواع من الثّواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حقّ واجب بمقتضى أعمال العباد، وإنّما هو الّذي أوجب الحقّ على نفسه كرما منه وجودا، والله لا يضيع أجر العاملين إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها لله تعالى «3» .
الفرق بين الشاكر والشكور:
قال المناويّ: إنّ الشّاكر من يشكر على الرّخاء.
والشّكور من يشكر على البلاء.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (3/ 339) .
(2) المقصد الأسنى (105- 106) .
(3) شرح الشافية الكافية، شرح عبد الرحمن بن ناصر السعدي (125، 126) .(6/2394)
وقيل: الشّاكر من يشكر على العطاء. والشّكور من يشكر على المنع.
وإذا وصف الباري بالشّكور فالمراد إنعامه على عباده «1» .
منزلة الشكر من الإيمان وثناء الله على الشاكرين:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ (النساء/ 147) أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟. وأخبر سبحانه أنّ أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده. فقال وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (الأنعام/ 53) . وقسّم الله سبحانه وتعالى النّاس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحبّ الأشياء إليه الشّكر وأهله. قال تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (الإنسان/ 3) وهذا كثير في القرآن. يقابل سبحانه بين الشّكر والكفر فهو ضدّه. وعلّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (إبراهيم/ 7) . وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر. فقال تعالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 145) وقال سبحانه وتعالى: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 144) بل قد جعل الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره، فقال تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (النحل/ 78) . وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة/ 172) وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء/ 3) . كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه.
فقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل/ 120- 121) فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف/ 144) . بل جعل الله- عزّ وجلّ- أوّل وصيّة وصّى بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشّكر له وللوالدين. فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ
__________
(1) التوقيف على مهمات التعاريف (207) .(6/2395)
اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ 14) . كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (الزمر/ 7) «1» .
القواعد التي يقوم عليها الشكر:
قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: الشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان ومبناه على خمس قواعد:
(1) خضوع الشّاكر للمشكور.
(2) وحبّه له.
(3) واعترافه بنعمته.
(4) والثّناء عليه بها.
(5) وألّا يستعملها فيما يكره.
فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر «2» .
أنواع الشكر:
والشّكر على ثلاثة أضرب:
شكر القلب وهو تصوّر النّعمة. وشكر اللّسان. وهو الثّناء على المنعم وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر استحقاقه، وقوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً (سبأ/ 13) معناه اعملوا ما تعملونه شكرا لله. وقيل شكرا مفعول لقوله اعْمَلُوا، وذكر اعملوا ولم يقل اشكروا لينبّه على التزام الأنواع الثّلاثة من الشّكر بالقلب واللّسان وسائر الجوارح وقوله سبحانه اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ (لقمان/ 14) - وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 144) - وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (النمل/ 40) وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (سبأ/ 13) . ففيه تنبيه أنّ توفية شكر الله صعب ولذلك لم يثن بالشّكر من أوليائه إلّا على اثنين، قال في إبراهيم عليه السّلام شاكِراً لِأَنْعُمِهِ (النحل/ 121) وقال في نوح: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء/ 3) وإذا وصف الله بالشّكر في نحو قوله: وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (التغابن/ 17) إنّما يعني به إنعامه على عباده «3» .
العلاقة بين الشكر والصبر:
قال ابن حجر- رحمه الله تعالى- الشّكر يتضمّن الصّبر على الطّاعة، والصّبر عن المعصية وقال بعض الأئمّة: الصّبر يستلزم الشّكر ولا يتمّ إلّا به، وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر. فمن كان في نعمة ففرضه الشّكر، والصّبر «4» . أمّا الشّكر فواضح، وأمّا الصّبر فعن المعصية، ومن كان في بليّة ففرضه الصّبر والشّكر، أمّا الصّبر فواضح، وأمّا الشّكر فالقيام بحقّ الله في تلك البليّة، فإنّ لله على العبد عبوديّة في البلاء، كما له عليه عبوديّة في النّعماء «5» .
__________
(1) عدة الصابرين (118- 121) بتصرف.
(2) بصائر ذوي التمييز (3/ 34، 334) بتصرف شديد.
(3) المفردات للراغب (265- 266) .
(4) ففرضه الشكر والصبر: أي الواجب عليه الشكر والصبر
(5) الفتح (11/ 311) .(6/2396)
الشكر والابتلاء (بالخيرات) :
قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: وقوله وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أي نخبركم بالمصائب تارة وبالنّعم تارة أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط كما قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس وَنَبْلُوكُمْ يقول: نبتليكم بالشّر والخير فتنة بالشّدّة والرّخاء والصّحّة والسّقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطّاعة والمعصية والهوى والضّلال «1» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: كلّ ما يلقى العبد في هذه الدّار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر لا يوافقه، وهو محتاج إلى الصّبر في كلّ منهما (فإنّه مختبر وممتحن) .
النّوع الأوّل: الموافق لغرضه فكالصّحة والسّلامة والجاه والمال وأنواع الملاذّ المباحة وهو أحوج بشيء إلى الصّبر فيها من وجوه: أحدها: أن لا يركن إليها ولا يغترّ بها، ولا تحمله على البطر والأشر والفرح المذموم الّذي لا يحبّ الله أهله.
الثّاني: أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فإنّها تنقلب إلى أضدادها.
الثّالث: أن يصبر على أداء حقّ الله فيها ولا يضيّعه فيسلبها.
الرّابع: أن يصبر عن صرفها في الحرام فلا يمكّن نفسه من كلّ ما تريده منها فإنّها توقعه في الحرام، فإن احترز كلّ الاحتراز أوقعته في المكروه، ولا يصبر على السّرّاء إلّا الصّدّيقون.
قال بعض السّلف: البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر ولا يصبر على العافية إلّا الصّدّيقون. وقال عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: ابتلينا بالضّرّاء فصبرنا وابتلينا بالسّرّاء فلم نصبر ولذلك حذّر الله عباده من فتنة المال والأزواج والأولاد وإنّما كان الصّبر على فتنة السّرّاء أعظم لأنّه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة الطّعام أقدر منه على الصّبر عند حضوره «2» .
الفرق بين الشكر والحمد:
الشّكر كالحمد في أنّهما وصف باللّسان بإزاء النّعمة، إلّا أنّ الحمد يكون باللّسان وبالقلب، بخلاف الشّكر فإنّه يقع بالجوارح. والنّعمة مقيّدة في الشّكر بوصولها إلى الشّاكر بخلافها في الحمد.
ويختصّ الشّكر بالله تعالى، بخلاف الحمد «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل الثناء- الحمد- الطاعة- العبادة- الكلم الطيب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجحود- الإعراض- الغرور- الكبر والعجب- نكران الجميل- الكفر (كفر النعمة) ] .
__________
(1) تفسير ابن كثير 3/، 178
(2) عدة الصابرين (6664) بتصرف يسير.
(3) الكليات للكفوي (535) .(6/2397)
الآيات الواردة في «الشكر»
آيات الشكر فيها لفظا أو معنى:
1- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156)
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
* إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2»
3- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) «3»
__________
(1) البقرة: 151- 158 مدنية
(2) البقرة: 172- 173 مدنية
(3) الأعراف: 143- 144 مكية(6/2398)
4- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112)
وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (113)
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) «1»
5- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)
وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80) «2»
6- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)
إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «3»
7- أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31)
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) «4»
8- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71)
وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) «5»
9- إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «6»
__________
(1) النحل: 112- 114 مكية
(2) الأنبياء: 78- 80 مكية
(3) العنكبوت: 16- 17 مكية
(4) يس: 31- 35 مكية
(5) يس: 71- 73 مكية
(6) الزمر: 7 مكية(6/2399)
10- وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65)
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) «1»
11- أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) «2»
آيات الشكر فيها رجاء اقتضاأ أمر:
12- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
(185) «3»
13- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) «4»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «5»
15- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «6»
__________
(1) الزمر: 65- 66 مكية
(2) الواقعة: 68- 74 مكية
(3) البقرة: 185 مدنية
(4) آل عمران: 123 مدنية
(5) المائدة: 6- 7 مدنية
(6) المائدة: 89 مدنية(6/2400)
16- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) «1»
17- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) «2»
18- وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) «3»
19- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) «4»
20- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) «5»
21- وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «6»
22- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) «7»
23- وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) «8»
24-* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) «9»
__________
(1) الأنفال: 25- 27 مدنية
(2) إبراهيم: 37 مكية
(3) النحل: 14 مكية
(4) النحل: 78 مكية
(5) الحج: 36 مدنية
(6) القصص: 73 مكية
(7) الروم: 46 مكية
(8) فاطر: 12 مكية
(9) الجاثية: 12- 13 مكية(6/2401)
آيات الشكر فيها صفة كمال لله تعالى:
25- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) «1»
26- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «2»
27- ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «3»
28- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «4»
آيات الشكر فيها جزاء عمل صالح أو وعد عليه:
29- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
__________
(1) النساء: 145- 147 مدنية
(2) فاطر: 29- 35 مكية
(3) الشورى: 23 مدنية
(4) التغابن: 17- 18 مكية(6/2402)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) «1»
30- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «2»
31- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18)
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) «3»
32- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) «4»
33- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً (4) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً
__________
(1) آل عمران: 144- 145 مدنية
(2) الأنعام: 52- 53 مكية
(3) الإسراء: 18- 19 مكية
(4) القمر: 33- 35 مكية(6/2403)
مَنْثُوراً (19) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) «1»
آيات الشكر فيها صفة لقلة من البشر وفي مقدمتهم الرسل- صلوات الله عليهم-:
34- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) «2»
35- وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «3»
36- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) «4»
37- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) «5»
38- ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (9) «6»
39-* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
__________
(1) الإنسان: 1- 22 مدنية
(2) الأعراف: 16- 18 مكية
(3) الأعراف: 58 مكية
(4) النحل: 120- 121 مكية
(5) الإسراء: 1- 3 مكية
(6) السجدة: 6- 9 مكية(6/2404)
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13)
فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) «1»
40- أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (23)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) «2»
آيات الشكر فيها منبع التفكر في آيات الكون:
41- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «3»
42-* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)
أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)
وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) «4»
43- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)
__________
(1) سبأ: 10- 15 مكية
(2) الملك: 22- 24 مكية
(3) الأنعام: 63- 64 مكية
(4) الأعراف: 189- 192 مكية(6/2405)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7)
وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) «1»
44- تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «2»
45- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3»
46- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «4»
47- وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) «5»
48- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
__________
(1) إبراهيم: 5- 8 مكية
(2) الفرقان: 61- 62 مكية
(3) النمل: 15- 19 مكية
(4) لقمان: 31 مكية
(5) الشورى: 32- 34 مكية(6/2406)
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «1»
آيات الشكر فيها ثمرة للشاكر نفسه:
49- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «2»
50- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) «3»
__________
(1) الأحقاف: 15- 16 مكية
(2) النمل: 40 مكية
(3) لقمان: 12- 14 مكية(6/2407)
الأحاديث الواردة في (الشكر)
1-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذّ «1» ذو حظّ من الصّلاة، أحسن عبادة ربّه وأطاعه في السّرّ، وكان غامضا في النّاس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثمّ نفض بيده، فقال: عجّلت منيّته، قلّت بواكيه، قلّ تراثه، وبهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا، قلت: لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما» قال ثلاثا أو نحو هذا، فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» ) * «2» .
2-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله إنّي لأحبّك والله إنّي لأحبّك، فقال: أوصيك يا معاذ! لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للطّاعم الشّاكر من الأجر مثل ما للصّائم الصّابر» ) * «4» .
4-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول:
يا عيسى إنّي باعث من بعدك أمّة إن أصابهم ما يحبّون حمدوا الله وشكروه، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. قال: يا ربّ كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم. قال: أعطيهم من حلمي وعلمي» ) * «5» .
5-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يلقى رجلا فيقول: «يا فلان كيف أنت؟» فيقول: بخير أحمد الله، فيقول له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «جعلك الله بخير» فلقيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: «كيف أنت يا فلان؟» فقال: بخير إن شكرت.
قال: فسكت عنه. فقال: يا نبيّ الله إنّك كنت تسألني فتقول: «جعلك الله بخير وإنّك اليوم سكتّ عنّي فقال له: «إنّي كنت أسألك تقول: بخير أحمد الله
__________
(1) خفيف الحاذ: أي خفيف الظهر.
(2) الترمذي (2347) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (5/ 252) . وذكره في المشكاة (3/ 1433) رقم (5190) . وقال مخرجه الألباني: إسناده حسن.
(3) أبو داود (1522) واللفظ له. والنسائي (3/ 53) وقال الألباني: صحيح (1/ 280) رقم (1236) . وأحمد (5/ 245، 247) .
(4) الترمذي (2486) واللفظ له وقال: حسن غريب. وابن ماجة (1764) . والدارمي (2/ 131) . وأحمد (2/ 283) رقم (3/ 779) وقال شاكر: إسناده صحيح (14/ 212) . والحاكم (4/ 236) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في الفتح وعزاه لابن حبان وابن خزيمة وعبد الرزاق. وقال مخرج جامع الأصول: رجاله ثقات (2/ 516) .
(5) أحمد (6/ 450) واللفظ له وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبي حليس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان 3 (67، 68) . والحديث ذكره ابن القيم في الزاد وقال مخرجه: إسناده حسن (1/ 46) .(6/2408)
فأقول جعلك الله بخير، وإنّك اليوم قلت: إن شكرت فشككت فسكتّ عنك» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي خير يا محمّد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» .
فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل:
صبوت؟. قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينا رجل يمشى فاشتدّ عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثمّ خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الّذي بلغ بي. فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه، ثمّ رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له» . قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ قال: «في كلّ كبد رطبة أجر» ) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطّريق، فأخّره، فشكر الله له، فغفر له» وقال «الشّهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله» ) * «4» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن لم تكن فيه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو
__________
(1) رواه البخاري في المغازي (70) ، ومسلم في الجهاد (59) ، وأبو داود في الجهاد أيضا (114) .
(2) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2363) واللفظ له. مسلم (2244) .
(4) البخاري- الفتح 2 (652) . ومسلم (1914) واللفظ له.(6/2409)
فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد الله على ما فضّله به عليه كتبه الله شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله شاكرا ولا صابرا» ) * «1» .
10-* (عن صهيب الرّوميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير. وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضرّاء صبر. فكان خيرا له» ) * «2» .
11-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه إمّا شاكرا وإمّا كفورا» ) * «3» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في دعوة، فرفعت إليه الذّراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسة، وقال: أنا سيّد النّاس يوم القيامة. هل تدرون بمن يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم النّاظر، ويسمعهم الدّاعي، وتدنو منهم الشّمس، فيقول بعض النّاس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم؟
ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس: أبوكم آدم. فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنّة ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: ربّي غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشّجرة فعصيت. نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح! أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وسمّاك الله عبدا شكورا، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ فيقول: ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. نفسي نفسي، ائتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيأتوني فأسجد تحت العرش فيقال: يا محمّد
ارفع رأسك، واشفع تشفّع وسل تعطه» ) * «4» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء فقال: «ما هذا من الصّوم؟» قالوا: هذا
__________
(1) الترمذي (2512) واللفظ له وقال: حسن غريب وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة (2963) . وابن ماجة (4142) . والحديث في المشكاة (3/ 1446) برقم (5256) وعزاه إلى الترمذي.
(2) مسلم (2999) .
(3) أحمد (3/ 353) واللفظ له وأصله في الصحيحين دون زيادة: إما شاكراة وإما كفورا. وهو مشهور، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-. وقال الهيثمي في المجمع (7/ 218) رواه أحمد وفيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة وفيه خلاف وبقية رجاله ثقات. وثقه الحاكم وابن عبد البر وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وراجع التهذيب (1260) .
(4) البخاري الفتح 6 (3340) واللفظ له. ومسلم (194) .(6/2410)
اليوم الّذي نجّى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السّفينة على الجوديّ، فصامه نوح وموسى شكرا لله تعالى. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّنا أحقّ بموسى وأحقّ بصوم هذا اليوم» . فأمر أصحابه بالصّوم) * «1» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مطر النّاس على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أصبح من النّاس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا» قال:
فنزلت هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتّى بلغ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (الواقعة/ 75- 82) * «2» .
15-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به «3» ، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره» ) * «4» .
16-* (عن عبد الله بن غنّام البياضيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: اللهمّ ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك. فلك الحمد ولك الشّكر. فقد أدّى شكر يومه. ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته» ) * «5» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل أحد الجنّة إلّا أري مقعده من النّار لو أساء، ليزداد شكرا، ولا يدخل النّار أحد إلّا أري مقعده من الجنّة لو أحسن ليكون عليه حسرة» ) * «6» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشكر الله من لا يشكر النّاس» ) * «7» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، كن ورعا تكن أعبد النّاس. وكن قنعا تكن أشكر النّاس. وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مؤمنا. وأحسن جوار من
__________
(1) رواه البخاري (24) كتاب الأنبياء، ومسلم (128) (الصيام) ، وأحمد (2/ 359، 360) رقم (8702) وقال شاكر: صحيح (16/ 292) وهذا لفظ أحمد.
(2) مسلم (73) واللفظ له. وهو في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني بمعناه.
(3) فليجز به: أي يكافأ من أعطاه.
(4) أبو داود (4813) واللفظ له وقال الألباني: حسن (3/ 914) . والترمذي (2034) وقال حسن غريب.
(5) أبو داود (5073) واللفظ له. والنسائي في اليوم والليلة (7) . وذكره النووي في الأذكار، وقال مخرجه: إسناده حسن (152) . وذكره أيضا ابن القيم في الوابل الصيب، وقال مخرجه: رواه أيضا ابن حبان رقم (2361) ونقل تحسين الحافظ في شرح الأذكار (124)
(6) البخاري الفتح 11 (6569) .
(7) أبو داود (4811) واللفظ له. والترمذي (1954) وقال: حسن صحيح. وأحمد (2/ 258، 295) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح ونقل عن المناوي عزوه لابن حبان (13/ 246) رقم (7495) . والبخاري في الأدب المفرد رقم (33) .(6/2411)
جاورك تكن مسلما. وأقلّ الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ- يوم القيامة:
يابن آدم حملتك على الخيل والإبل وزوّجتك النّساء وجعلتك تربع «2» وترأس «3» ، فأين شكر ذلك؟» ) * «4» .
() الأحاديث الواردة في (الشكر) معنى
21-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «5» .
22-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟! فو الله لأنا أغير منه. والله أغير منّي، من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا شخص أغير من الله. ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «6» .
23-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا ذكر عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك قطعت عنق صاحبك، يقوله مرارا، إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنّه كذلك، والله حسيبه، ولا يزكّي على الله أحدا» ) * «7» .
24-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول في الصّلاة: السّلام على الله، السّلام على فلان، فقال لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: «إنّ الله هو السّلام، فإذا قعد
أحدكم في الصّلاة فليقل:
التّحيّات لله ... - إلى قوله- الصّالحين، فإذا قالها أصاب كلّ عبد الله في السّماء والأرض صالح. أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من الثّناء ما شاء» ) * «8» .
25-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا:
__________
(1) ابن ماجة (4217) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده حسن، وأورده السيوطي في الجامع الصغير وحسّن إسناده الشيخ الألباني (7710) وكذا في الصحيحة (927) .
(2) تربع: تأخذ ربع غنيمة القوم.
(3) ترأس: تكون رئيسا للقوم.
(4) مسلم (2968) . وأحمد (2/ 492) رقم (10383) واللفظ له وقال مخرجه د. أحمد الحسيني هاشم: إسناده صحيح (20/ 84) .
(5) مسلم (2734)
(6) البخاري- الفتح 13 (7416) . ومسلم (1499) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 10 (6061) واللفظ له. ومسلم (3000) .
(8) البخاري- الفتح 11 (6328) واللفظ له. ومسلم (402) .(6/2412)
يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل، من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنإ، حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا. ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم» ) * «1» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «وجبت» . ثمّ مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرّا، فقال: «وجبت» . فقال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: ما وجبت؟ قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنّة. وهذا أثنيتم عليه شرّا فوجبت له النّار. أنتم شهداء الله في الأرض» ) * «2» .
27-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثّناء» ) * «3» .
28-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه» ) «4» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده! لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما» . قال:
فيلقى العبد فيقول: أي فل «5» ! ألم أكرمك، وأأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ «6» فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني.
ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ! فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقول: ههنا إذا قال: ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «7» .
__________
(1) أبو داود (4812) . والترمذي (2487) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. وقال مخرج جامع الأصول: إسناده صحيح (2/ 561) .
(2) البخاري الفتح 3 (1367) واللفظ له. ومسلم (949) .
(3) الترمذي (2035) واللفظ له وقال: حسن جيد غريب. والنسائي في عمل اليوم والليلة (75) . وقال مخرج جامع الأصول: إسناده قوي (2/ 558) .
(4) مسلم (2760) كتاب التوبة.
(5) فل: أي يا فلان.
(6) تربع: أي تأخذ ربع غنيمة القوم. والمراد أنك رئيس أو المراد: تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب.
(7) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (2968) واللفظ له.(6/2413)
المثل التطبيقي من حياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في (الشكر)
30-* (عن المغيرة بن شبعة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه أو ساقاه. فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟» ) * «1» .
31-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في (ص) وقال: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» ) * «2» .
32-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في صلاته: «اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ) * «3» .
33-* (عن أبي بكرة نفيع بن الحارث- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا جاءه أمر شرور أو بشّر به خرّ ساجدا شاكرا لله» ) * «4» .
34-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو يقول: «ربّ أعنّى ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ.
واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ! اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا إليك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ! تقبّل توبتي واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة قلبي» ) * «5» .
35-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش.
فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد. وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1130) واللفظ له. ومسلم (2819) .
(2) النسائي (2/ 159) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (1/ 902) رقم (917) . والحديث في المشكاة (1/ 326) رقم (1038) وقال الألباني كذلك رواه. والدارقطني بإسناد صحيح، وصححه ابن السكن كما في التلخيص.
(3) النسائي (3/ 54) واللفظ له. والترمذي (3407) . وأحمد (4/ 123، 135) . وذكره في جامع الأصول وقال مخرجه: رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وابن حبان في صحيحه (4/ 259) .
(4) أبو داود (2774) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 534) . وابن ماجة (1394) .
(5) أبو داود (1510) . وابن ماجة (3830) . وأحمد (1/ 227) رقم (1997) وقال شاكر: إسناده صحيح (3/ 309) . وعزاه كذلك للنسائي وابن حبان والحاكم واين أبي شيبة. وصححه الشيخ الألباني (1/ 282) .
(6) مسلم (486) .(6/2414)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشكر)
1-* (كان أبو بكر- رضي الله عنه- يقول في دعائه: «أسألك تمام النّعمة في الأشياء كلّها، والشّكر لك عليها حتّى ترضى وبعد الرّضا، والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع ميسور الأمور كلّها لا معسورها يا كريم» ) * «1» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «ما ابتليت ببلاء إلّا كان لله تعالى عليّ فيه أربع نعم: إذا لم يكن في ديني، وإذا لم يكن أعظم، وإذا لم أحرم الرّضا به، وإذا أرجو الثّواب عليه» ) * «2» .
3-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «إنّ النّعمة موصولة بالشّكر، والشّكر يتعلّق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتّى ينقطع الشّكر من العبد» ) * «3» .
4-* (وقال لرجل: يا ابن أعبد هل تدري ما حقّ الطّعام. قال: قلت: وما حقّ الطّعام؟ قال: تقول باسم الله! اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا، قال: وتدري ما شكره إذا فرغت؟ قال: «قلت: وما شكره قال تقول:
الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا» ) * «4» .
5-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى ويخرج الأذى إلّا وجب عليه الشّكر» ) * «5» .
6-* (قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى-: «الشّكر تقوى الله تعالى، والعمل الصّالح، وهذا يقال لمن هو متلبّس بالفعل» ) * «6» .
7-* (قال أبو عبد الرّحمن السّلميّ- رحمه الله تعالى-: «الصّلاة شكر، والصّيام شكر، وكلّ خير تعمله لله- عزّ وجلّ- شكر، وأفضل الشّكر الحمد» ) * «7» .
8-* (قال أبو حازم- رحمه الله تعالى- لرجل سأله: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ قال: «إن رأيت بهما خيرا أعلنته، وإن رأيت بهما شرّا سترته، قال فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيرا وعيته وإن سمعت بهما شرّا دفعته» ، قال: فما شكر اليدين؟ قال:
لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقّا لله هو فيهما.
قال: فما شكر البطن؟ قال: قال الله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (المؤمنون/ 5- 7» ) * «8» .
9-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«الخير الّذي لا شرّ فيه: العافية مع الشّكر، فكم من
__________
(1) عدة الصابرين (133) .
(2) مختصر منهاج القاصدين (292- 293) .
(3) عدة الصابرين (123) .
(4) أحمد (1/ 153) .
(5) عدة الصابرين (145) .
(6) تفسير ابن كثير (3/ 528) .
(7) المرجع السابق (3/ 528) .
(8) عدة الصابرين (135- 136) .(6/2415)
منعم عليه غير شاكر» ) * «1» .
10-* (وقال أيضا: «إنّ الله ليمتّع بالنّعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمّون الشّكر: الحافظ، لأنّه يحفظ النّعم الموجودة:
والجالب، لأنّه يجلب النّعم المفقودة» ) * «2» .
11-* (قال بكر بن عبد الله المزنيّ- رحمه الله تعالى-: «قلت لأخ لي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول غير أنّه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر من الحمد والاستغفار، فإنّ ابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النّعمة إلّا بالحمد والشّكر، ولا يصلح الذّنب إلّا بالتّوبة والاستغفار» ) * «3» .
12-* (قال كعب الأحبار- رحمه الله تعالى-: «ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله إلّا أعطاه الله نفعها في الدّنيا ورفع له بها درجة في الآخرة. وما أنعم الله على عبد نعمة في الدّنيا، فلم يشكرها لله، ولم يتواضع بها إلّا منعه الله نفعها في الدّنيا، وفتح له طبقات من النّار يعذّبه إن شاء أو يتجاوز عنه» ) * «4» .
13-* (قال يونس بن عبيد- رحمه الله تعالى- لرجل يشكو ضيق حاله: «أيسرّك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرّجل: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا.
فذكّره نعم الله عليه. فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة» ) * «5» .
14-* (قال مطرّف- رحمه الله تعالى-:
«لأن أعافى فأشكر، أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر» ) * «6» .
15-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-:
«الشّكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه» ) * «7» .
16-* (كتب ابن السّمّاك إلى محمّد بن الحسن رحمهما الله تعالى حين ولي القضاء بالرّقّة: «أمّا بعد فلتكن التّقوى من بالك على كلّ حال، وخف الله من كلّ نعمة أنعم بها عليك من قلّة الشّكر عليها مع المعصية بها. وأمّا التّبعة فيها فقلّة الشّكر عليها، فعفا الله عنك كلّ ما ضيّعت من شكر، أو ركبت من ذنب أو قصّرت من حقّ» ) * «8» .
17-* (قال أبو سليمان الدارنيّ- رحمه الله تعالى-: «جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر» ) * «9» .
18-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «عليكم بملازمة الشّكر على النّعم، فقلّ
__________
(1) الإحياء (4/ 134) .
(2) عدة الصابرين (122) .
(3) المرجع السابق (140) .
(4) المرجع السابق (145) .
(5) المرجع السابق (132)
(6) مختصر منهاج القاصدين (295) .
(7) عدة الصابرين (124) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق (130) .(6/2416)
نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم» ) * «1» .
19-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه، لم يستتمّ ذلك حتّى يرى الزّيادة لقول الله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) ، وإنّ من شكر النّعمة أن يحدّث بها» ) * «2» .
20-* (قال مكّيّ بن إبراهيم- رحمه الله تعالى-: «كنّا عند ابن جريج المكّيّ، فجاء سائل فسأله؟ فقال ابن جريج لخازنه: أعطه دينارا، فقال: ما عندي إلّا دينار إن أعطيته لجعت وعيالك. قال:
فغضب وقال: أعطه. قال مكّيّ: فنحن عند ابن جريج، إذ جاءه رجل بصرّة وكتاب وقد بعث إليه بعض إخوانه، وفي الكتاب: إنّي قد بعثت إليك خمسين دينارا قال: فحلّ ابن جريج الصّرّة فعدّها فإذا هي أحد وخمسون دينارا قال: فقال ابن جريج لخازنه: قد أعطيت واحدا فردّه الله عليك وزادك خمسين دينارا» ) * «3» .
12-* (قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ رحمه الله تعالى-: «الواجب على العاقل أن يشكر النّعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته إن قدر بالضّعف وإلّا فبالمثل، وإلّا فبالمعرفة بوقوع النّعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشّكر» ) * «4» .
22-* (وقال: أنشدني عليّ بن محمّد:
علامة شكر المرء إعلان حمده ... فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا ما صديقي نال خيرا فخانني ... فما الذّنب عندي للّذي خان أو فجر) * «5» .
23-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «إنّي لأستحبّ للمرء أن يلزم الشّكر للصّنائع، والسّعي فيها من غير قضائها- إذا كان المنعم من ذوي القدر فيه- والاهتمام بالصّنائع؛ لأنّ الاهتمام ربّما فاق المعروف وزاد على فعل الإحسان، إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى النّاس، وهو غير مهتمّ به، ولا مشفق عليه، وربّما فعله الإنسان، وهو كاره، وأمّا الاهتمام فلا يكون إلّا من فرط عناية، وفضل ودّ، فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكر المعروف، وقال: أنشدني عبد العزيز بن سليمان:
لأشكرنّك معروفا هممت به ... إنّ اهتمامك بالمعروف معروف
ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشّيء بالقدر المجلوب مصروف) * «6» .
24-* (وقال أنشدني المنتصر بن بلال:
ومن يسد معروفا إليك فكن له ... شكورا يكن معروفه غير ضائع
ولا تبخلن بالشّكر والقرض فاجزه ... تكن خير مصنوع إليه وصانع) * «7»
__________
(1) عدة الصابرين (144) .
(2) الإحياء (4/ 127) .
(3) الترمذي (4/ 331) .
(4) روضة العقلاء (353) .
(5) المرجع السابق (354) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق (350) .(6/2417)
25-* (وقال أنشدني الكريزيّ:
أحقّ النّاس منك بحسن عون ... لمن سلفت لكم نعم عليه
وأشكرهم أحقّهم جميعا ... بحسن صنيعة منكم إليه) * «1» .
26-* (وقال أنشدني بعضهم:
فكن شاكرا للمنعمين لفضلهم ... وأفضل عليهم إن قدرت وأنعم
ومن كان ذا شكر فأهل زيادة ... وأهل لبذل العرف من كان ينعم) * 2.
27-* (وقال آخر:
«الحرّ لا يكفر النّعمة، ولا يتسخّط المعصية، بل عند النّعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقع أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنّعم لا تستجلب زيادتها ولا تدفع الآفات عنها إلّا بالشّكر» ) * 3.
28-* (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-:
«من تفضّل الله على عباده أن يجعل للطّاعم إذا شكر ربّه على ما أنعم به عليه ثواب الصّائم الصّابر» ) * «4» .
29-* (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... عليّ له في مثلها يجب الشّكر
فكيف وقوع الشّكر إلّا بفضله ... وإن طالت الأيّام واتّصل العمر
إذا مسّ بالسّرّاء عمّ سرورها ... وإن مسّ بالضّرّاء أعقبها الأجر
وما منهما إلّا له فيه منّة ... تضيق بها الأوهام والبرّ والبحر) * «5» .
30-* (قال أبو حامد الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ حقيقة الشّكر ترجع إلى كون العبد مستعملا في إتمام حكمة الله تعالى، فأشكر العباد أحبّهم إلى الله وأقربهم إليه» ) * «6» .
31-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: «لم يقصّر بالخلق عن شكر النّعمة إلّا الجهل والغفلة، فإنّهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النّعم، ولا يتصوّر شكر النّعمة إلّا بعد معرفتها ثمّ إنّهم إن عرفوا نعمة ظنّوا أنّ الشّكر عليها أن يقول بلسانه: الحمد لله، الشّكر لله، ولم يعرفوا أنّ معنى الشّكر أن يستعمل النّعمة في إتمام الحكمة الّتي أريدت بها وهي طاعة الله عزّ وجلّ- فلا يمنع من الشّكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلّا غلبة الشّهوة واستيلاء الشّيطان» ) * «7» .
32-* (قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-:
«الشّكر يكون بالقلب واللّسان والجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة. وأمّا
__________
1، 2، 3 روضة العقلاء (350) .
(4) الفتح (9/ 583) .
(5) عدة الصابرين (130) .
(6) الإحياء (984) .
(7) المرجع السابق (4/ 123) .(6/2418)
باللّسان: فهو إظهار الشّكر لله بالتّحميد، وإظهار الرّضى عن الله تعالى. وأمّا الجوارح: فهو استعمال نعم الله في طاعته، والتّوقّي من الاستعانة بها على معصيته، فمن شكر العينين أن تستر كلّ عيب تراه للمسلم، ومن شكر الأذنين أن تستر كلّ عيب تسمعه» ) * «1» .
33-* (قال الفيروز آباديّ- رحمه الله تعالى-:
«الشّكر مع المزيد أبدا، لقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) فمتى لم تر حالك في مزيد فاستقبل الشّكر» ) * «2» .
34-* (قال الحافظ في الفتح: «اختلف النّاس في أيّهما أفضل: الفقير الصّابر أم الغنيّ الشّاكر.
والتّحقيق عند أهل الحذق أن لا يجاب في ذلك بجواب كلّيّ، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأحوال» ) * «3» .
35-* (قال بعض السّلف رحمهم الله تعالى:
«النّعم وحشيّة فقيّدوها بالشّكر» ) * «4» .
36-* (قال بعض الحكماء: «من قصرت يداه عن المكافأة فليطل لسانه بالشّكر» ) * «5» .
37-* (قال أبو تمّام:
ومن الرّزيّة أنّ شكري صامت ... عمّا فعلت وأنّ برّك ناطق
أأرى الصّنيعة منك ثمّ أسرّها ... إنّي إذا لندى الكريم لسارق» ) * «6» .
38-* (قال بعض أهل العلم: «من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي
المشورة لم يمنع الصّواب» ) * «7» .
() من فوائد (الشكر)
(1) من كمال الإيمان وحسن الإسلام إذ إنّه نصف والنّصف الآخر الصبر.
(2) اعتراف بالمنعم والنعمة.
(3) سبب من أسباب حفظ النعمة بل المزيد.
(4) لا يكون باللّسان فقط بل اللّسان يعبّر عمّا في الجنان وكذلك يكون بعمل الجوارح والأركان.
(5) كثرة النّعم من المنعم لا يمكن أن يؤدّي الإنسان حقّها إلّا بالشّكر عليها.
(6) يكسب رضا الرّبّ ومحبّته.
(7) الإنسان الشّكور قريب من النّاس حبيب إليهم.
(8) فيه دليل على سموّ النّفس ووفور العقل.
(9) الشّكور قرير العين، يحبّ الخير للآخرين ولا يحسد من كان في نعمة.
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (277) .
(2) بصائر ذوي التمييز (3/ 339) .
(3) الفتح (9/ 583) .
(4) الإحياء (4/ 127) .
(5) بصائر ذوي التمييز (3/ 339) .
(6) المصدر السابق (3/ 340) .
(7) إحياء علوم الدين (1/ 160) .(6/2419)
الشهامة
الشهامة لغة:
مصدر: شهم شهامة وهو مأخوذ من مادّة (ش هـ م) الّتي تدلّ على الذّكاء، يقول ابن فارس:
الشّين والهاء والميم أصل يدلّ على ذكاء، يقال من ذلك رجل شهم، وربّما قالوا للمذعور مشهوم، وهذا صحيح؛ لأنّه إذا تفزّع بدا ذكاء قلبه، ويقولون: إنّ الشّهام: السّعلاة فإن صحّ هذا فهو أيضا من الذّكاء.
الشّهم: الذّكيّ الفؤاد المتوقّد، الجلد، والجمع شهام، وقد شهم الرّجل، بالضّمّ، شهامة وشهومة إذا كان ذكيّا، فهو شهم أي جلد. والشّهم: السّيّد النّجد النّافذ في الأمور، والجمع شهوم. وفرس شهم: سريع نشيط قويّ. وشهم الفرس يشهمه شهما: زجره. وقال الفرّاء: الشّهم في كلام العرب الحمول الجيّد القيام بما
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 8/ 6
حمّل، الّذي لا تلقاه إلّا حمولا طيّب النّفس بما حمّل وفي الحديث: كان شهما أي نافذا في الأمور ماضيا «1» .
واصطلاحا:
الحرص على ما يوجب الذّكر الجميل في العظائم، وقال بعضهم: هي الحرص على الأمور العظام توقّعا للذّكر الجميل «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- التناصر- الرجولة- الشجاعة- علو الهمة- قوة الإرادة- المواساة- النبل- النزاهة- المواساة- المروءة- العفة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمّعة- الجبن السفاهة- صغر الهمة] .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 223) ، ولسان العرب (12/ 328) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 516) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (208) .(6/2420)
الأحاديث الواردة في (الشهامة) معنى
1-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد فقال: يا رسول الله؟
أقاتل أو أسلم؟ قال «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «عمل قليلا، وأجر كثيرا» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم. فقال كفى بالله شهيدا. قال:
فائتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمّى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبا يركبه يقدم عليه للأجل الّذي أجّله فلم يجد مركبا. فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه. ثمّ زجّج موضعها «2» ، ثمّ أتى بها إلى البحر. فقال: اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت تسلّفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بذلك، وإنّي جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي أستودعكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة الّتي فيها المال. فأخذها لأهله حطبا، فلمّا نشرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟
قال: أخبرك أنّي لم أجد مركبا قبل الّذي جئت فيه، قال: فإنّ الله قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدّينار راشدا» ) * «3» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «4» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «5» فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدثّه الحديث قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتكلّم فقال: «إنّ لنا طلبة «6» فمن كان ظهره «7» حاضرا فليركب معنا» فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة فقال: «لا إلّا من كان ظهره حاضرا» ، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر. وجاء المشركون. فقال رسول
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2808) واللفظ له. ومسلم (1900) .
(2) زجّج موضعها: سوى موضع النقر وأصلحه.
(3) البخاري- الفتح 4 (2291) .
(4) عينا: أي متجسسا ورقيبا.
(5) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره.
(6) طلبة: أي شيئا نطلبه.
(7) الظهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب.(6/2421)
الله صلّى الله عليه وسلّم «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه» «1» فدنا المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض» قال: يقول عمير ابن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله! جنّة عرضها السّموات والأرض؟ قال «نعم» قال: بخ بخ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» «2» قال: لا. والله يا رسول الله! إلّا رجاءة أن أكون من أهلها. قال «فإنّك من أهلها» فأخرج تمرات من قرنه «3» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه. إنّها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التّمر. ثمّ قاتلهم حتّى قتل) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟ «5» » فقال: عندي خير. يا محمّد! إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت. قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّي يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
5-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشّهادة. قال: فعرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه. فكان سعد- رضي الله عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة) * «7» .
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا
__________
(1) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء. لئلا يفوت شيء من المصالح التي لا تعلمونها.
(2) بخ بخ: فيه لغتان: إسكان الخاء وكسرها منونا وهي كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه.
(3) قرنه: أي جعبة النشاب.
(4) مسلم (1901) .
(5) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك.
(6) البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764) .
(7) الإصابة (5/ 36) واللفظ له، وقال أخرجه البزار، ورجاله ثقات، كما في المجمع (6/ 69) .(6/2422)
كان يوم أحد انهزم النّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأبو طلحة بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مجوّب «1» به عليه بحجفة «2» له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القدّ «3» يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرّجل يمرّ معه الجعبة من النّبل، فيقول: انثرها لأبي طلحة، فأشرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمّي، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك. ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمّ سليم وإنّهما لمشمّرتان أرى خدم سوقهما تنقزان «4» القرب على متونهما، تفرغانه في أفواه القوم، ثمّ ترجعان فتملآنها، ثمّ تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم. ولقد وقع السّيف من يد أبي طلحة إمّا مرّتين وإمّا ثلاثا) * «5» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشهامة)
7-* (سأل رجل البراء- رضي الله عنه- فقال: يا أبا عمارة! أولّيتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يولّ يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلمّا غشيه المشركون نزل فجعل يقول: أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب. قال: فما رئي من النّاس يومئذ أشدّ منه) * «6» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأجود النّاس وأشجع النّاس.
ولقد فزع أهل المدينة، ذات ليلة فانطلق النّاس قبل الصّوت فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سبق النّاس إلى الصّوت وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» «7» وهو على فرس
لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرا «8» ، أو إنّه لبحر» ) * «9» .
() من الآثار الواردة في (الشهامة)
1-* (عن حذيفة العدويّ، قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي، ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، ومسحت به وجهه، فإذا أنا به فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم، فإذا رجل
__________
(1) مجوّب: أي مترس عليه يقيه بها، ويقال للتّرس جوبة.
(2) بحجفة: الحجفة بفتحتين الترّس.
(3) القد: سير من جلد غير مدبوغ.
(4) تنقزان: النقز الوثب.
(5) البخاري- الفتح 7 (3811) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3042) واللفظ له. ومسلم (1776) .
(7) لم تراعوا: أي روعا مستقرّا، أو روعا يضركم.
(8) بحر: أي فرس واسع الجري.
(9) البخاري- الفتح 10 (6033) واللفظ له. ومسلم (2307) .(6/2423)
يقول: آه ... فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته، فإذا هو هشام بن العاص. فقلت: أسقيك؟
فسمع به آخر فقال: آه.. فأشار هشام انطلق به إليه، فجئته، فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي، فإذا هو قد مات، رحمة الله عليهم أجمعين) * «1» .
2-* (عن زيد بن أسلم عن أبيه قال:
خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي، وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا «2» ولا لهم زرع ولا ضرع «3» وخشيت أن تأكلهم الضّبع «4» ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ، وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فوقف معها عمر ولم يمض. ثمّ قال: مرحبا بنسب قريب ثمّ انصرف إلى بعير ظهير «5» كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه ثمّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمّك، والله إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا فيه) * «6» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال يوم أحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا) * «7» .
4-* (عن سليمان بن بلال- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمر أن يخرج أحدهما. فاستهما، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي الله عنهما-: إنّه لا بدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ) * «8» .
5-* (عن معقل بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان: الرّأس وفارس وأذربيجان الجناحان فإذا قطعت إحدى الجناحين فالرّأس بالجناح، وإن قطعت الرّأس وقع الجناحان، فابدأ بأصبهان فدخل عمر بن الخطّاب المسجد فإذا هو بالنّعمان بن مقرّن يصلّي فانتظره حتّى قضى صلاته فقال له: إنّي مستعملك فقال: أمّا جابيا فلا وأمّا غازيا فنعم. قال: فإنّك غاز فسرّحه، وبعث إلى أهل الكوفة
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 258) ، وتفسير ابن كثير (4/ 338) .
(2) الكراع بضم الكاف: ما دون الكعب من الشاة.
(3) ولا لهم ضرع: ليس لهم ما يحلبونه.
(4) الضبع: السنة المجدبة، ومعنى تأكلهم: تهلكهم.
(5) بعير ظهير: أي قوي الظهر معد للحاجة.
(6) البخاري- الفتح 7 (4160) . ونستقي سهماننا أي نسترجع أنصباءنا من الغنيمة.
(7) الهيثمي (5/ 298) . وقال: رجاله رجال الصحيح، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) .
(8) أسد الغابة: (2/ 275) بتصرف.(6/2424)
أن يمدّوه ويلحقوا به، وفيهم حذيفة بن اليمان والمغيرة ابن شعبة ... الحديث وفيه فقال المغيرة للنّعمان: إنّ القوم قد أسرعوا فينا فاحمل. فقال: إنّك ذو مناقب وقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّي أنا شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا لم يقاتل أوّل النّهار أخّر القتال حتّى تزول الشّمس وتهبّ الرّياح، فقال النعمان: أيّها النّاس! أهتزّ ثلاث هزّات، فأمّا الهزّة الأولى فليقض الرّجل حاجته، وأمّا الثّانية فلينظر الرّجل في سلاحه وسيفه، وأمّا الثّالثة فإنّي حامل فاحملوا، فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد، وإن قتلت فلا تلووا عليّ إنّي داع الله بدعوة فعزمت على كلّ امرئ منكم لما أمّن عليها. فقال:
اللهمّ ارزق اليوم النّعمان شهادة تنصر المسلمين وافتح عليهم فأمّن القوم، وهزّ لواءه ثلاث مرّات ثمّ حمل فكان أوّل صريع، فذكرت وصيّته فلم ألو عليه وأعلمت مكانه فكنّآ إذا قتلنا رجلا منهم شغل عنّا أصحابه يجرّونه، ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشّهباء فانشقّ بطنه وفتح الله على المسلمين فأتيت النّعمان وبه رمق فأتيته بماء فجعلت أصبّه على وجهه أغسل التّراب عن وجهه، فقال: من هذا؟ فقلت: معقل بن يسار فقال: ما فعل النّاس؟ فقلت: فتح الله عليهم فقال:
الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه) * «1» .
6-* (كان سبب فتح المعتصم عمّوريّة أنّ امرأة من الثّغر سبيت فنادت: وا محمّداه، وا معتصماه، فبلغه الخبر فركب لوقته، وتبعه الجيش فلمّا فتحها قال:
لبّيك أيّتها المنادية) * «2» .
() من فوائد (الشهامة)
(1) تورث الذّكر الجميل.
(2) تنبأ عن علوّ الهمّة وإباء النّفس.
(3) تعود بالخير على صاحبها وعلى المجتمع.
(4) تعين على التّحلّي بالصّفات الحسنة.
(5) تدفع إلى أعلى المقامات وأرفع الدّرجات.
(6) تشيع الأمن والطّمأنينة في المجتمع.
__________
(1) الحاكم (3/ 293) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (6/ 215) .
(2) المستطرف في كل فن مستظرف (1/ 135) .(6/2425)
الشورى
الشورى لغة:
اسم للمشاورة، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ش ور) الّتي تدلّ على أخذ شيء من شيء «1» ، وقال بعض أهل اللّغة: من هذا الباب شاورت فلانا في أمري، وهو مشتقّ من شور العسل وكأنّ المستشير يأخذ الرّأي من غيره، يقال: شاوره في الأمر مشاورة. طلب منه المشورة. وأشار به: عرّفه. وأشار إليه وعليه بيده وبعينه وبحاجبه: أومأ. وأشار عليه بكذا: أمره وارتآه له، وبيّن له وجه المصلحة، ودلّه على الصّواب «2» . وفي المصباح: أشار في كذا (أي جعل التّعدية ب (في) لا بالباء. واستشرته راجعته لأرى رأيه، فأشار عليّ بكذا أي أراني ما عنده فيه من المصلحة فكانت إشارته حسنة. والاسم:
المشورة. والشّورى: اسم من أشار عليه بكذا، بمعنى استخراج الرّأي. ومنه أهل المشورة ومجلس الشّورى، وهي مصدر بمعنى التّشاور. والمشورة:
الشّورى، وكذا المشورة بضمّ الشّين، تقول: شاوره في الأمر واستشاره بمعنى. وفلان خيّر شيّر أي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 17/ 32
يصلح للمشاورة. وجمعه شوراء، والمشيرة: الإصبع السّبّابة «3» .
واصطلاحا:
استنباط المرء الرّأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئيّة الّتي يتردّد المرء فيها بين فعلها وتركها «4» .
شروط المستشار:
وقد اشترطوا لأهليّة المستشار شروطا خمسة:
1- عقل كامل مع تجربة سالفة، قال أبو الأسود الدّؤليّ:
وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... ولا كلّ مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب ... فحقّ له من طاعة بنصيب
2- أن يكون ذا دين وتقى: فقد ورد في الأثر عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: من أراد أمرا فشاور فيه امرءا مسلما وفّقه الله لأرشد أموره.
3- أن يكون ناصحا ودودا، فإنّ النّصح
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 226) ، قال ابن فارس ولهذه المادة معنى آخر هو إبداء شيء وإظهاره وعرضه مثل قولهم: شرت الدابّة شورا إذا عرضتها، والمكان الذي يعرض فيه الدواب هو المشوار.
(2) لسان العرب (4/ 437) ، ومختار الصحاح (350) .
(3) المصباح المنير للفيومي (350- 351) .
(4) الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب (294) .(6/2426)
والمودّة يصدّقان الفكرة ويمحّضان «1» الرّأي.
4- أن يكون سليم الفكر من همّ قاطع، وغمّ شاغل، فإنّ من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، ولا يستقيم له خاطر.
5- ألّا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه، ولا هوى يساعده، فإنّ الأغراض جاذبة والهوى صادّ «2» ، والرّأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- التعاون على البر والتقوى- التناصر- القدوة الحسنة- النظام الاجتماع] .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- التفرق- التنازع- التهاون- التفريط والإفراط] .
() الآيات الواردة في «الشورى»
آيات الشورى فيها على سبيل الأمر:
1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «4»
آيات الشورى فيها وصف للمؤمنين:
2- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ
يَغْفِرُونَ (37)
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) «5»
__________
(1) يمحّضان: يخلّصان الرأي.
(2) صادّ: مانع صارف.
(3) أدب الدنيا والدين (262) .
(4) آل عمران: 159 مدنية.
(5) الشورى: 36- 39 مكية.(6/2427)
الأحاديث الواردة في (الشورى)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي سأعرض عليك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتّى تشاوري أبويك» . فقلت: وما هذا الأمر؟. قالت: فتلا عليّ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 28- 29) . قالت عائشة: فقلت: وفي أيّ ذلك تأمرني أشاور أبويّ، بل أريد الله ورسوله والدّار الآخرة.
قالت: فسرّ بذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأعجبه، وقال سأعرض على صواحبك ما عرضت عليك، قالت: فقلت له:
فلا تخبرهنّ بالّذي اخترت، فلم يفعل، وكان يقول لهنّ كما قال لعائشة، ثمّ يقول: قد اختارت عائشة الله ورسوله والدّار الآخرة، قالت عائشة: قد خيّرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نر ذلك طلاقا) * «1» .
2-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّ جليبيبا كان امرأ يدخل على النّساء يمرّ بهنّ ويلاعبهنّ، فقلت لامرأتي: لا يدخلنّ عليكم جليبيب، فإنّه إن دخل عليكم لأفعلنّ ولأفعلنّ، قال: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيّم «2» لم يزوّجها، حتّى يعلم هل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها حاجة أم لا؟، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل من الأنصار: «زوّجني ابنتك» ، فقال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عيني، فقال: إنّي لست أريدها لنفسي، قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: «لجليبيب» ، قال: فقال: يا رسول الله أشاور أمّها فأتى أمّها، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب ابنتك، فقالت: نعم ونعمة عيني، فقال: إنّه ليس يخطبها لنفسه، إنّما يخطبها لجليبيب، فقالت: أجليبيب؟، إنيه «3» أجليبيب؟ إنيه. أجليبيب؟
إنيه لا. لعمر الله لا تزوّجه، فلمّا أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخبره بما قالت أمّها، قالت الجارية:
من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمّها، فقالت: أتردّون على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمره، ادفعوني. فإنّه لم يضيّعني.
فانطلق أبوها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، قال: شأنك بها فزوّجها جليبيبا، قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة له، قال: فلمّا أفاء الله عليه قال لأصحابه:
«هل تفقدون من أحد؟» ، قالوا: نفقد فلانا ونفقد فلانا. قال: «انظروا هل تفقدون من أحد؟» . قالوا: لا.
قال: «لكنّي أفقد جليبيبا» . قال: «فاطلبوه في القتلى» قال: فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمّ قتلوه. فقالوا: يا رسول الله! ها هو ذا إلى جنب سبعة قد
__________
(1) أحمد (6/ 185) واللفظ له. وأصله عند البخاري- الفتح 8 (4686) . ومسلم (1478) .
(2) أيّم: العزب رجلا كان أو امرأة.
(3) إنيه: بكسر الهمزة والنون وسكون الياء وبعدها هاء كلمة تستعملها العرب في الإنكار.(6/2428)
قتلهم ثمّ قتلوه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام عليه. فقال:
«قتل سبعة وقتلوه، هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه» مرّتين أو ثلاثا، ثمّ وضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ساعديه، وحفر له. ما له سرير إلّا ساعدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ وضعه في قبره، ولم يذكر أنّه غسّله. قال ثابت:
فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها، وحدّث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتا قال: هل تعلم ما دعا لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ صبّ عليها الخير صبّا، ولا تجعل عيشها كدّا كدّا» «1» قال: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها، قال أبو عبد الرّحمن: ما حدّث به في الدّنيا أحد إلّا حمّاد بن سلمة، ما أحسنه من حديث) * «2» .
3-* (عن الزّبير- رضي الله عنه- أنّه خاصم رجلا من الأنصار، قد شهد بدرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمّتك؟. فتلوّن «3» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: اسق، ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر. فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة. قال الزّبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء: الآية 65)) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البكر تستأمر، والثّيّب تشاور» ، قيل: يا رسول الله! إنّ البكر تستحي. قال:
«سكوتها رضاها» ) * «5» .
5-* (عن صهيب- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى همس شيئا لا نفهمه، ولا يحدّثنا به، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فطنتم لي» . قال قائل: نعم، قال: «فإنّي قد ذكرت نبيّا من الأنبياء أعطى جنودا من قومه، فقال: من يكافيء؟ هؤلاء، أو من يقوم لهؤلاء- أو كلمة شبيهة بهذه- (شكّ سليمان) - قال: فأوحى الله إليه اختر لقومك بين إحدى ثلاث: إمّا أن أسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، أو الجوع، أو الموت، قال: فاستشار قومه في ذلك فقالوا: أنت نبيّ الله نكل ذلك إليك، فخر لنا، قال:
فقام إلى صلاته، قال: وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصّلاة، قال: فصلّى، قال: أمّا عدوّ من غيرهم فلا، أو الجوع فلا، ولكن الموت، قال: فسلّط عليهم الموت ثلاثة أيّام فمات منهم سبعون ألفا، فهمسي الّذي
__________
(1) كدّا: شديدا.
(2) أحمد (4/ 422) واللفظ له وذكره ابن كثير (3/ 497- 498) في سبب نزول قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً ... (الأحزاب/ 26) ، وأصله عند مسلم (2472) .
(3) فتلون: فتغير.
(4) البخاري- الفتح 5 (2708) .
(5) أحمد (2/ 329) وقال الشيخ أحمد شاكر (12/ 102) برقم (7131) : إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين.(6/2429)
ترون أنّي أقول: اللهمّ يا ربّ بك أقاتل، وبك أصاول «1» ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المستشار مؤتمن» ) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من تقوّل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النّار، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشده فقد خانه، ومن أفتى بفتيا غير ثبت فإنّما إثمه على من أفتاه» ) * «4» .
8-* (عن معاوية بن جاهمة- رضي الله عنهما-:
أنّ جاهمة جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك. فقال: «هل لك من أمّ» ؟ قال: نعم. قال: «فالزمها، فإنّ الجنّة عند رجلها» ) * «5» .
() الأحاديث الواردة في (الشورى) معنى
9-* (عن مروان والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطّائفتين: إمّا السّبي وإمّا المال. وقد كنت استأنيت بكم» وكان أنظرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطّائف- فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين قالوا: فإنّا نختار سبينا، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ إخوانكم قد جاؤونا تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل. ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء «6» الله علينا فليفعل» . فقال النّاس: قد طيّبنا ذلك يا رسول الله.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّا لا ندري من أذن منكم في
__________
(1) أصاول: أسطو وأقهر.
(2) الترمذي (3340) وقال عنه: حديث حسن غريب. وأحمد (4/ 333) واللفظ له، وفي جامع الأصول: (10/ 306، 307) وساقه مع حديث أصحاب الأخدود.
(3) الترمذي (2823، 2824) ، وأبو داود (5128) ، وقال محقق جامع الأصول: (11/ 562) حديث حسن، والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 97) عن عبد الله بن الزبير وقال: رجاله رجال الصحيح واللفظ فيها جميعا. وصححه الشيخ الألباني، صحيح أبي داود (3/ 965) .
(4) أحمد (1/ 876) وقال أحمد شاكر صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك بلفظ (من قال علي) (1/ 103) واللفظ له وصححه ووافقه الذهبي، وقال محقق جامع الأصول (12/ 562) : إسناده حسن.
(5) النسائي رقم 197 (6/ 11) واللفظ له وأخرجه أحمد في المسند (3/ 429) ، وابن الأثير في الجامع (1/ 403) وقال محققه: إسناده حسن وصححه الحاكم. وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(6) يفيء: الفيء هو الغنيمة بلا قتال.(6/2430)
ذلك ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم «1» أمركم» . فرجع النّاس، فكلّمهم عرفاؤهم، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه أنّهم قد طيّبوا وأذنوا. هذا الّذي بلغني عن سبي هوازن) * «2» .
10-* (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: قدم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة. وهم يأبرون «3» النّخل يقولون: يلقّحون النّخل. فقال: «ما تصنعون؟» قالوا: كنّا نصنعه. قال: «لعلّكم لو لم تفعلوا كان خيرا» فتركوه. فنفضت «4» - أو فنقصت. قال: فذكروا ذلك له، فقال: «إنّما أنا بشر. إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به. وإذا أمرتكم بشيء من رأي «5» فإنّما أنا بشر» ) * «6» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشورى)
11-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: استشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأسارى أبا بكر، فقال: قومك وعشيرتك فخلّ سبيلهم. فاستشار عمر، فقال: اقتلهم، قال: ففداهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عزّ وجلّ-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ «7» فِي الْأَرْضِ- إلى قوله فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً (الأنفال/ 67- 69) قال فلقي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمر، قال: «كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء» ) * «8» .
12-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان.
قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن معاذ، فقال: إيّانا تريد؟
يا رسول الله! والّذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «9» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها «10» إلى برك الغماد «11» لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا.
__________
(1) عرفاؤكم: جمع عريف وهو القيّم بأمر القوم وسيّدهم.
(2) البخاري- الفتح 7 (4318، 4319) .
(3) يأبرون: يقال منه أبر يأبر ويأبر. كبذر يبذر ويبذر. ويقال: أبّر يؤبّر تأبيرا. وتفسيرها بعدها في لفظ الحديث.
(4) فنفضت أو فنقصت: فنفضت أي أسقطت ثمرها. قال أهل اللغة: ويقال لذلك المتساقط النفض، بمعنى المنفوض كالخبط بمعنى المخبوط. وأنفض القوم فني زادهم.
(5) من رأي: أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع.
(6) مسلم (2362) .
(7) يثخن: يبالغ في قتل أعدائه.
(8) الحاكم (2/ 329) وصححه ووافقه الذهبي. وقد أخرج مسلم نحوه.
(9) أن نخيضها البحر لأخضناها: يعني الخيل. أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وتمشيتنا إياها فيه لفعلنا.
(10) أن نضرب أكبادها: كناية عن ركضها.
(11) برك الغماد: برك بفتح الباء وإسكان الراء. موضع من وراء مكة بناحية الساحل.(6/2431)
ووردت عليهم روايا قريش «1» . وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج. فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي علم بأبي سفيان. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة ابن خلف. فإذا قال ذلك ضربوه فقال: نعم. أنا أخبركم. هذا أبو سفيان. فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في النّاس. فإذا قال هذا أيضا ضربوه.
ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّي. فلمّا رأى ذلك انصرف «2» .
قال: «والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم» . قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصرع فلان» قال: ويضع يده على الأرض، هاهنا وهاهنا. قال: فما ماط «3» أحدهم عن موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
13-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: كان النّاس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتبايعون الثّمار فإذا جدّ «5» النّاس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنّه أصاب الثّمر الدّمان، (أصابه مرض) ، أصابه قشام- عاهات يحتجّون بها- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا كثرت عنده الخصومة في ذلك: «فأمّا لا فلا تتبايعوا حتّى يبدو صلاح الثّمر» ، كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم. وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنّ زيد ابن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتّى تطلع الثّريّا، فيتبيّن الأصفر من الأحمر) * «6» .
14-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم الحديبية، خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا:
يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقّائنا وليس لهم فقه في الدّين، وإنّما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا. قال: «فإن لم يكن لهم فقه في الدّين سنفقّههم» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسّيف على الدّين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان» . قالوا: من هو يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ قال: «هو خاصف «7» النّعل» وكان أعطى عليّا نعله يخصفها، ثمّ التفت إلينا عليّ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «8» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر، وما علمت به، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فتشهّد. فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثمّ قال: «أمّا بعد. أشيروا عليّ في أناس
__________
(1) روايا قريش: أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها. فهي الإبل الحوامل للماء. واحدتها راوية.
(2) انصرف: أي سلم من صلاته.
(3) فما ماط أحدهم: أي تباعد.
(4) مسلم (1779)
(5) جدّ: قطع الثمر وجناه.
(6) البخاري- الفتح 4 (2193) .
(7) خاصف: خرزها بالمخصف.
(8) الترمذي (3715) وقال: حديث حسن صحيح غريب.(6/2432)
أبنوا أهلي «1» . وايم الله ما علمت على أهلي من سوء قطّ. وأبنوهم، بمن؟ والله ما علمت عليه من سوء قطّ، ولا دخل بيتي قطّ إلّا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلّا غاب معي» . وساق الحديث بقصّته. وفيه:
ولقد دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيتي فسأل جاريتي.
فقالت: والله ما علمت عليها عيبا، إلّا أنّها كانت ترقد حتّى تدخل الشّاة فتأكل عجينها. أو قالت خميرها (شكّ هشام) فانتهزها بعض أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى أسقطوا لها به «2» . فقالت: سبحان الله! والله ما علمت عليها إلّا ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر «3» . وقد بلغ الأمر ذلك الرّجل الّذي قيل له. فقال: سبحان الله! والله ما كشفت عن كنف أنثى قطّ. قالت عائشة: وقتل شهيدا في سبيل الله.
وفيه أيضا من الزّيادة: وكان الّذين تكلّموا به مسطح وحمنة وحسّان. وأمّا المنافق عبد الله بن أبيّ، فهو الّذي كان يستوشيه «4» ويجمعه. وهو الّذي تولّى كبره، وحمنة) * «5» .
16-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم بدر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى» قال: فقال أبو بكر- رضوان الله عليه-: يا رسول الله! قومك وأهلك استفدهم واستأدهم لعلّ الله أن يتوب عليهم، قال: وقال عمر:
يا رسول الله! أخرجوك وكذّبوك، قرّبهم فاضرب أعناقهم، قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله! انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثمّ أضرمه عليهم نارا، قال: فقال العبّاس: قطعتك رحمك، قال:
فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يردّ عليهم، فقال ناس:
يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال:
فخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- ليلين قلوب رجال فيه حتّى تكون ألين من اللّبن، وإنّ الله- عزّ وجلّ- ليشدّد قلوب رجال فيه حتّى تكون أشدّ من الحجارة وإنّ مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (إبراهيم/ 36) ، ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى صلّى الله عليه وسلّم قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، وإنّ مثلك يا عمر كمثل- نوح صلّى الله عليه وسلّم قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ 26) ، وإنّ مثلك يا عمر كمثل موسى صلّى الله عليه وسلّم قال: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (يونس/ 88) ، أنتم عالة فلا ينقلبنّ أحد منهم إلّا بفداء- أو ضربة عنق» قال عبد الله:
فقلت إلّا سهيل بن بيضاء، فإنّي قد سمعته يذكر
__________
(1) أبّنوا أهلي: باء مفتوحة مخففة ومشددة. رووه، هنا بالوجهين، والتخفيف أشهر. والأبن بفتح الهمزة: التهمة.
(2) حتى أسقطوا لها به: ومعناه صرحوا لها بالأمر.
(3) تبر الذهب الأحمر: هي القطعة الخالصة.
(4) يستوشيه: أي يستخرجه بالبحث والمسألة، ثم يفشيه ويشيعه ويحركه، ولا يدعه يخمد.
(5) البخاري- الفتح 8 (4750) و13 (7369- 7370) . ومسلم (2770) واللفظ له.(6/2433)
الإسلام، قال: فسكتّ، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن يقع عليّ حجارة من السّماء في ذلك اليوم. حتّى قال إلّا سهيل بن بيضاء، فأنزل الله- عزّ وجلّ- لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وقوله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ «1» فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» ) * «3» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، قالت: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد- رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي يسألهما، وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأمّا أسامة، فأشار بالّذي يعلم من براءة أهله، وأمّا عليّ فقال: لم يضيّق الله عليك، والنّساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. فقال: «هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت: ما رأيت أمرا أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها فتأتي الدّاجن فتأكله.
فقام على المنبر فقال: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلّا خيرا» وذكر براءة عائشة، وقال أبو أسامة عن هشام وعنها قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما تشيرون عليّ في قوم يسبّون أهلي ما علمت عليهم من سوء قطّ» وعن عروة قال: لمّا أخبرت عائشة بالأمر، قالت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها، وأرسل معها الغلام. وقال رجل من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلّم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم) * «4» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشورى)
1-* (عن ميمون بن مهران، قال: كان أبو بكر الصّدّيق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل
__________
(1) يثخن: يبالغ في قتل عدوه.
(2) هكذا ورد ترتيب الآيات على سبيل الخطأ في مسند أحمد (1/ 383) ومجمع الزوائد (6/ 86- 87) وصوابها وفق المصحف: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (سورة الأنفال/ 67- 68) .
(3) الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 86- 87) واللفظ له وقال: روى الترمذي منه طرفا- ورواه أحمد (1/ 383) وفي رواية فقام عبد الله بن جحش، فقال: يا رسول الله أعداء الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك وأنت بواد كثير الحطب، وفي رواية يستنقذهم بك الله من النّار، وقال أبو بكر: يا رسول الله عترتك وأهلك وقومك تجاوز عنهم لينقذهم الله بك من النار، ورواه أبو يعلى بنحوه ورواه الطبراني أيضا وفيه أبو عبيدة ولم يسمع من أبيه ولكن رجاله ثقات. وذكره الحاكم في المستدرك (3/ 2221) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(4) البخاري- الفتح 13 (7369، 7370) واللفظ له، ومسلم (2770) نحوه.(6/2434)
المسلمين عن السّنّة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم) * «1» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «الرّجال ثلاثة: رجل ترد عليه الأمور، فيسدّدها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرّأي، ورجل حائر بائر «2» لا يأتمر رشدا، ولا يطيع مرشدا» ) * «3» .
3-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- خرج إلى الشّام حتّى إذا كان بسرغ «5» لقيه أمراء الأجناد- أبو عبيدة ابن الجرّاح وأصحابه- فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بأرض الشّام. قال ابن عبّاس: فقال عمر: «ادع لي المهاجرين الأوّلين، فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أنّ الوباء قد وقع في الشّام، فاختلفوا: فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر، ولا نرى أن نرجع عنه. وقال بعضهم: معك بقيّة النّاس وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عنّي. ثمّ قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا عنّي.
ثمّ قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالنّاس ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في النّاس: إنّي مصبّح على ظهر، فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجرّاح:
أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت إن كانت لك إبل هبطت واديا له عدوتان «6» : إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟
قال: فجاء عبد الرّحمن بن عوف- وكان متغيّبا في بعض حاجته- فقال: إنّ عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» . قال: فحمد الله عمر، ثمّ انصرف) * «7» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّآء أصحاب مجالس عمر، ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا. فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن
__________
(1) فتح الباري: (13/ 354) .
(2) بائر: هالك فاسد.
(3) أدب الدنيا والدين (260) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) سرغ: قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز يجوز صرفه وترك الصرف.
(6) العدوة: المكان المرتفع.
(7) البخاري- الفتح 10 (5729) واللفظ له، ومسلم (2219) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «إذا سمعتم به بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا ... » الحديث.(6/2435)
له عمر، فلمّا دخل عليه، قال: هيه يابن الخطّاب فو الله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199) وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله) * «1» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
كنت أقرأ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرّحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرّحمن، فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر، لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة فتمّت، فغضب عمر ... الحديث وفيه: ثمّ قال: إنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول: إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا إنّها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه تغرّة «2» أن يقتلا ... الحديث) * «3» .
7-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه-:
أنّ الرّهط الّذين ولّاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرّحمن: لست بالّذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنّكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرّحمن، فلمّا ولوا عبد الرّحمن أمرهم فمال النّاس على عبد الرّحمن حتّى إذا كانت اللّيلة الّتي أصبحنا منها، فبايعنا عثمان- قال المسور- طرقني عبد الرّحمن بعد هجع من اللّيل، فضرب الباب حتّى استيقظت، فقال: أراك نائما، فو الله ما اكتحلت هذه الثّلاث بكثير نوم. انطلق فادع الزّبير وسعدا، فدعوتهما له، فشاورهما، ثمّ دعاني فقال: ادع لي عليّا، فدعوته، فناجاه حتّى ابهارّ اللّيل «4» . ثمّ قام عليّ من عنده، وهو على طمع، وقد كان عبد الرّحمن يخشى من عليّ شيئا. ثمّ قال: ادع لي عثمان، فدعوته، فناجاه حتّى فرّق بينهم المؤذّن بالصّبح. فلمّا صلّى للنّاس الصّبح واجتمع أولئك الرّهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد- وكانوا وافوا تلك الحجّة مع عمر- فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرّحمن، ثمّ قال: أمّا بعد يا عليّ إنّي قد نظرت في أمر النّاس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا. فقال: أبايعك على سنّة الله وسنّة رسوله والخليفتين من بعده: فبايعه عبد الرّحمن وبايعه النّاس: المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون) «5» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4642) .
(2) تغرة: أي حذارا.
(3) البخاري- الفتح 12 (6830) .
(4) ابهارّ اللّيل: انتصف.
(5) البخاري- الفتح 13 (7207) .(6/2436)
أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جلد في الخمر بالجريد والنّعال، ثمّ جلد أبو بكر أربعين. فلمّا كان عمر، ودنا الناس من الرّيف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرّحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود.
قال: فجلد عمر ثمانين» ) * «1» .
9-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن عمر- رضي الله عنه-، أنّه استشارهم في إملاص المرأة «2» ، فقال المغيرة: قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالغرّة «3» عبد أو أمة) * «4» .
10-* (وقال عمر بن عبد العزيز: «إنّ المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة، لا يضلّ معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم» ) * «5» .
11-* (عن معدان بن أبي طلحة: أنّ عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة. فذكر نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وذكر أبا بكر. قال: إنّي رأيت كأنّ ديكا نقرني ثلاث نقرات. إنّي لا أراه إلّا حضور أجلي. وإنّ أقواما يأمرونني أن أستخلف. وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه، ولا خلافته، ولا الّذي بعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فإن عجل بي أمر. فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة. الذّين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض. وإنّي قد علمت أنّ أقواما يطعنون في هذا الأمر. أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام. فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله، الكفرة الضّلّال. ثمّ إنّي لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة «6» . ما راجعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شيء ما راجعته في الكلالة. وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه. حتّى طعن بإصبعه في صدري. قال: «يا عمر! ألا تكفيك آية الصّيف «7» الّتي في آخر سورة النّساء؟» وإنّي إن أعش أقض فيها بقضيّة. يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك على أمراء الأمصار. وإنّي إنّما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلّموا النّاس دينهم، وسنّة نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، ويقسموا فيهم فيئهم «8» ، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم. ثمّ إنّكم، أيّها النّاس تأكلون شجرتين لا أراهما إلّا خبيثتين. هذا البصل والثّوم. لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد، أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا» ) * «9» .
12-* (قال عياض الأشعريّ: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجرّاح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض، وليس عياض هذا بالّذي حدّث سماكا، قال:
وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال: فكتبنا
__________
(1) مسلم (1706) واللفظ له، والبخاري- الفتح 12 (6779) نحوه.
(2) إملاص المرأة: هي التي تضرب بطنها فتلقي جنينها.
(3) الغرّة: عبد أو أمة.
(4) البخاري- الفتح 12 (6905) .
(5) أدب الدنيا والدين: 260.
(6) الكلالة: أن يموت المرء وليس له والد أو ولد يرثه.
(7) آية الصيف: أي التي نزلت في الصيف وهي قوله تعالى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (المائدة/ 176) ... إلى آخرها.
(8) فيئهم: هو الغنيمة بلا قتال.
(9) مسلم (567) .(6/2437)
إليه: إنّه قد جاش إلينا الموت «1» ، واستمددناه، فكتب إلينا، إنّه قد جاءني كتابكم تستمدّوني، وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرا وأحضر جندا، الله- عزّ وجلّ- فاستنصروه، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد نصر يوم بدر في أقلّ من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال:
وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كلّ رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنّي «2» فقال شابّ: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي «3» أبي عبيدة تنقزان «4» وهو خلفه على فرس عري) * «5» .
13-* (عن الحسن- رحمه الله- قال:
«والله، ما استشار قوم قطّ إلّا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثمّ تلا وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ (الشورى/ 38) » ) * «6» .
14-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «إنّما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبّهه على ما يغفل عنه، ويدلّه على ما لا يستحضره من الدّليل لا ليقلّد المشير فيما يقوله، فإنّ الله لم يجعل هذا لأحد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» .
15-* (وقال الماورديّ: «اعلم أنّ من الحزم لكلّ ذي لبّ، ألّا يبرم أمرا ولا يمضي عزما إلّا بمشورة ذي الرّأي النّاصح، ومطالعة ذي العقل الرّاجح» ) * «8» .
16-* (قال أحدهم: «من أعجب برأيه لم يشاور، ومن استبدّ برأيه كان من الصّواب بعيدا» ) * «9» .
17-* (وقال أحدهم: «المشاور في رأيه، ناظر من ورائه» ) * «10» .
18-* (وقيل في منثور الحكم: «المشاورة راحة لك، وتعب على غيرك» ) * «11» .
19-* (وقال بعض الحكماء: «الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه» ) * «12» .
20-* (وقال بعض الأدباء: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار» ) * «13» .
21-* (وقال بعض البلغاء: «من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما زلّ» ) * «14» .
__________
(1) جاش إلينا الموت: أي تدفق وفاض.
(2) يراهني: أصلها (يراهنني) والمراهنة: المخاطرة.
(3) عقيصتي: العقصة: خصلة من الشعر معقوصة.
(4) تنقزان: يريد تهتزان من شدة الجري، وأصل النقز: القفز والوثوب.
(5) أحمد (1/ 49) ، وقال محقق المسند (1/ 344) : إسناده صحيح.
(6) فضل الله الصمد في شرح الأدب المفرد: (258)
(7) فتح الباري: 13/، 354
(8) أدب الدنيا والدين: (260) .
(9) المرجع السابق (261) .
(10) المرجع السابق نفسه.
(11) المرجع السابق، 289
(12) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.
(13) المرجع السابق (261) .
(14) المرجع السابق (263) .(6/2438)
22-* (وقال بشّار بن برد:
إذا بلغ الرّأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة ... فإنّ الخوافي قوّة للقوادم) * «1» .
23-* (وقال آخر:
«خليليّ ليس الرّأي في صدر واحد ... أشيرا عليّ بالّذي تريان) * «2» .
24-* (قال ابن عطيّة: والشّورى من قواعد الشّريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدّين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه وقد مدح الله المؤمنين بقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ (الشورى/ 38) قال أعرابيّ: ما غبنت قطّ حتّى يغبن قومي.
قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا حتّى أشاورهم.
وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب، ووجوه النّاس فيما يتعلّق بالمصالح، ووجوه الكتّاب والوزراء والعمّال فيما يتعلّق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال: ما ندم من استشار، وكان يقال من أعجب برأيه ضلّ) * «3» .
25-* (عن الحسن البصريّ والضّحّاك قالا:
ما أمر الله تعالى نبيّه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم وإنّما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمّته من بعده وفي قراءة ابن عبّاس:
* وشاورهم في بعض الأمر) «4» .
26-* (قال الشّاعر:
شاور صديقك في الخفيّ المشكل ... واقبل نصيحة ناصح متفضّل
فالله قد أوصى بذاك نبيّه ... في قوله شاورهم وتوكّل) * «5» .
27-* (قال الحسن: «ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله» .
فإذا استشير من هذه صفته واجتهد في الصّلاح وبذل جهده فوقعت الإشارة خطأ فلا غرامة عليه) * «6» .
28-* (قال القرطبيّ: وصفة المستشار في أمور الدّنيا أن يكون عاقلا مجرّبا وادّا في المستشير) * «7» .
29-* (قال الشّاعر:
وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا ولا تعصه) * «8» .
30-* (وقال ابن العربيّ: الشّورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصّواب، وما تشاور قوم إلّا هدوا) * «9» .
__________
(1) أدب الدنيا والدين (263)
(2) المرجع السابق (292) ط. مصطفى السقا.
(3) تفسير القرطبى (2/ 159) .
(4) المرجع السابق (2/ 159- 161) .
(5) المرجع السابق نفسه.
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق (2/ 161) .
(9) المرجع السابق (16/ 25) .(6/2439)
31-* (قال القرطبيّ: والشّورى مبنيّة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسّنّة إن أمكنه فإذا أرشده الله- تعالى- إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكّلا عليه، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب) * «1» .
32-* (وقال بعضهم: شاور من جرّب الأمور، فإنّه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غاليا وأنت تأخذه مجّانا) * «2» .
() من فوائد (الشورى)
(1) الشّورى من مبادإ الإسلام السّمحة في نظام الحكم.
(2) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شاور المؤمنين ليطيّب بذلك قلوبهم وليشجّعهم على المضيّ في نشر الدّين والدّعوة إلى الله- عزّ وجلّ-.
(3) لقد مدح الله المؤمنين بانتها جهم مبدأ الشّورى بينهم.
(4) الشّورى: تبعث في النّاس حبّ التّعاون مع المسئولين وتشجّعهم على تحمّل مسئوليّاتهم أمام مجتمعهم.
(5) شورى- ما يدعونه- الدّيمقراطيّة تعتمد رأي الأكثريّة مهما كان شأنها، وشورى الإسلام تعتمد رأي العلماء الأتقياء المخلصين من رجال الأمّة.
(6) الشّورى والتّشاور كما تكون في الأمور العامّة بين الحاكم والمحكومين تكون أيضا في الأمور الخاصّة بين أفراد الأسرة في المجتمع.
(7) إذا وردت النّصوص الواضحة في المسألة فلا مشورة بعدها.
(8) لا يستشار إلّا من عرف بالأمانة والإخلاص والعلم.
(9) من استشاره أخوه المسلم، فعليه أن ينصحه فيما يعلم.
__________
(1) تفسير القرطبى (2/ 162) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(6/2440)
[حرف الصاد]
الصبر والمصابرة
الصبر لغة:
مصدر صبر يصبر وهو مأخوذ من مادّة (ص ب ر) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معان ثلاثة: الأوّل الحبس، والثّاني: أعالي الشّيء، والثّالث:
جنس من الحجارة، وقد اشتقّ الصّبر المراد هنا من المعنى الأوّل وهو الحبس، يقال: صبرت نفسي على ذلك الأمر أي حبستها، والمصبورة المحبوسة على الموت، ومن الباب ما ورد من نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن قتل شيء من الدّوابّ صبرا.
وقال الرّاغب: الصّبر: الإمساك في ضيق، يقال صبرت الدّابّة بمعنى حبستها بلا علف، ويقال صبر فلان عند المصيبة صبرا وصبّرته أنا حبسته. قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (الكهف/ 28) أي احبس نفسك معهم.
وقال عنترة يذكر حربا كان فيها:
فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع
يقول: حبست نفسا صابرة «1» .
وقيل: أصل الكلمة من الشّدّة والقوّة، ومنه الصّبر للدّواء المعروف بشدّة مرارته وكراهته.
قال الأصمعيّ: إذا لقي الرّجل الشّدّة بكمالها قيل لقيها بأصبارها، وقيل مأخوذ من الجمع والضّمّ،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
103/ 48/ 13
فالصّابر يجمع نفسه، ويضمّها عن الهلع.
والتّصبّر: تكلّف الصّبر «2» .
أمّا الصّبر الجميل في قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السّلام- فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (يوسف/ 18) ، فالمراد به الصّبر الّذي لا جزع فيه ولا شكوى «3» ، وقال ابن جريج عن مجاهد إنّ المعنى: لا أشكو ذلك لأحد «4» .
وقال مجاهد أيضا: «الصّبر الجميل: الّذي لا جزع فيه» «5» وقال أبو حيّان: المعنى: أتجمّل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم (من قبل) «6» وقال ابن تيميّة:
الصّبر الجميل هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه» «7» .
من معاني الصبر:
قال الفيروز اباديّ: وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبرا، وإن كان في محاربة سمّي شجاعة، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا، وإن كان عن فضول العيش سمّي زهدا «8» ، وإن كان عن شهوة الفرج سمّي عفّة، وإن كان عن شهوة طعام سمّي شرف نفس، وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمّي حلما «9» .
قال ابن القيّم: والاسم الجامع لذلك كلّه «الصّبر» وهذا يدلّك على ارتباط مقامات الدّين كلّها
__________
(1) لسان العرب (4/ 438) .
(2) الصحاح للجوهري (2/ 706، 707) ، ولسان العرب، لابن منظور «ص ب ر» (4/ 438) ، والمقاييس (3/ 329) .
(3) تفسير القرطبي 9/، 152
(4) السابق 9/، 247
(5) تفسير ابن كثير مجلد 2 ص، 489
(6) تفسير البحر المحيط 5/، 290
(7) انظر الأثر رقم، 8
(8) في الكليات للكفوي (560) ، والصبر في إمساك النفس عن الفضول قناعة.
(9) بصائر ذوي التمييز (3/ 383) ، وانظر: التعريفات للجرجاني (ص 131) ، وفي المفردات للراغب (ص 273) : الصبر لفظ-(6/2441)
بالصّبر «1» .
معنى اسم الله الصبور:
قال ابن منظور في أسماء الله تعالى: الصّبور «وهو الّذي لا يعاجل العصاة بالانتقام. وهو من أبنية المبالغة، ومعناه قريب من معنى الحليم. والفرق بينهما أنّ المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصّبور كما يأمنها في صفة الحليم. قال أبو إسحاق: الصّبور في صفة الله- عزّ وجلّ-: الحليم. وفي الحديث «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله- عزّ وجلّ-» . أي أشدّ حلما على فاعل ذلك وترك المعاقبة عليه «2» .
قال الزّجّاج: الصّبور فعول بمعنى فاعل، ومعنى الصّبر والصّبور في اسم الله تعالى قريب من معنى الحليم «3» .
وقال الغزاليّ: الصّبور هو الّذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزّل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سنن محدود، لا يؤخّرها عن آجالها المقدّرة لها، ولا يقدّمها على أوقاتها، بل يودع كلّ شيء في أوانه على الوجه الّذي يجب أن يكون كما ينبغي «4» .
الصبر اصطلاحا:
قال الرّاغب: هو حبس النّفس على ما يقتضيه العقل والشّرع أو عمّا يقتضيان حبسها عنه. وقال الجاحظ: الصّبر عن الشّدائد خلق مركّب من الوقار والشّجاعة. وقال المناويّ: الصّبر: قوّة مقاومة الأهوال والآلام الحسّيّة والعقليّة «5» .
وقيل: هو حبس النّفس عن الجزع والتّسخّط، وحبس اللّسان عن الشّكوى، وحبس الجوارح عن التّشويش.
وقيل: هو ترك الشّكوى من ألم البلوى لغير الله إلّا إلى الله؛ لأنّ الله تعالى أثنى على أيّوب- عليه السّلام- بالصّبر بقوله إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً (ص/ 44) مع دعائه في دفع الضّرّ عنه بقوله وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء/ 83) فعلم أنّ العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضّرّ عنه لا يقدح في صبره.
وقيل: هو خلق فاضل من أخلاق النّفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوّة من قوى النّفس الّتي بها صلاح شأنها وقوام أمرها.
وقيل: هو الثّبات على أحكام الكتاب والسّنّة.
وقيل: هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.
وقيل: هو الثّبات مع الله، وتلقّي بلائه بالرّحب والسّعة.
وقيل: هو ثبات القلب عند موارد الاضطراب «6» .
مراتب الصبر:
قال الفيروز اباديّ: مراتب الصّبر خمسة: صابر ومصطبر، ومتصبّر، وصبور، وصبّار. فالصّابر أعمّها، والمصطبر: المكتسب للصّبر، المبتلى به، والمتصبّر:
متكلّف الصّبر حامل نفسه عليه، والصّبور: العظيم الصّبر الّذي صبره أشدّ من صبر غيره، والصّبّار:
الشّديد الصّبر فهذا في القدر والكمّ والّذي قبله في
__________
- عام وربما خولف بين أسمائه باختلاف مواقعه وزاد على ما هنا: وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحابة صدر ويضاده الضجر.
(1) مدارج السالكين (3/ 165) .
(2) الصحاح للجوهري (2/ 706) ، ولسان العرب (4/ 438) ، التعريفات للجرجاني (131) .
(3) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (65) .
(4) المقصد الأسنى للغزالي (149) .
(5) مفردات الراغب (5273) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (212) .
(6) مدارج السالكين (1/ 162، 163) ، والتوقيف (212) .(6/2442)
الوصف والكيف «1» .
أنواع الصبر:
قال أبو عمر: سألت الحليميّ عن الصّبر، قال:
ثلاثة أنواع: الصّبر على طاعة الجبّار، والصّبر عن معاصي الجبّار، والصّبر على الصّبر على طاعته وترك معصيته «2» .
وقال ابن القيّم: الصّبر باعتبار متعلّقه ثلاثة أقسام: صبر الأوامر والطّاعات حتّى يؤدّيها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتّى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتّى لا يتسخّطها «3» .
وقال الفيروز اباديّ: الصّبر على ثلاثة أنواع:
(1) صبر بالله، (2) صبر مع الله، (3) صبر لله «4» .
أهمية الصبر:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «قد ذكر الله الصّبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعا. وقرنه بالصّلاة في قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (البقرة/ 45) ، وجعل الإمامة في الدّين موروثة عن الصّبر واليقين بقوله:
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) . فإنّ الدّين كلّه علم بالحقّ وعمل به، والعمل به لا بدّ فيه من الصّبر. بل وطلب علمه يحتاج إلى الصّبر. كما قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: عليكم بالعلم فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يعرف الله ويعبد، وبه يمجّد الله ويوحّد، يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للنّاس قادة وأئمّة يهتدون بهم وينتمون إلى رأيهم.
فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بدّ في الجهاد من الصّبر، ولهذا قال تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (سورة العصر) ، وقال تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (ص/ 45) .
فالعلم النّافع هو أصل الهدى، والعمل بالحقّ هو الرّشاد، وضدّ الأوّل الضّلال، وضدّ الثّاني الغيّ.
فالضّلال العمل بغير علم، والغيّ اتّباع الهوى، قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 1- 2) فلا ينال الهدى إلّا بالعلم ولا ينال الرّشاد إلّا بالصّبر. ولهذا قال عليّ: «ألا إنّ الصّبر من الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد، فإذا انقطع الرّأس بان الجسد، ثمّ رفع صوته فقال ألا لا إيمان لمن لا صبر له» «5» .
المصابرة:
المصابرة مفاعلة- من الصّبر، ويكثر استعمال هذه الصّيغة- كما يقول الصّرفيّون- في أحد أمرين؛ المشاركة في الأمر كما في نحو قاتل فلان فلانا أي أنّهما اشتركا معا في القتال، الآخر: الموالاة والمتابعة في الأمر كما في قول الله تعالى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (الأعراف/ 21) أي والى في القسم «6» ، وعلى ذلك فإنّ المصابرة قد تعني:
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (3/ 378) ومدارج السالكين (2/ 165) .
(2) ذكر في بصائر ذوي التمييز (3/ 375) النوعين الأوّلين وعبر عن الثالث بقوله: صبر على امتحان الله.
(3) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 165) ، ودليل الفالحين (1/ 137) .
(4) البصائر (3/ 376) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) انظر في معاني هذه الصيغة: شذا العرف في فن الصرف للشيخ الحملاوي (41) وقد تفيد هذه الصيغة معان أخر، منها: التكثير والمبالغة كما في: ضاعفت الشيء بمعنى ضعفته.(6/2443)
1- المشاركة في الصّبر كأن يصبر الإنسان عن المعاصي، ويصبر الشّيطان على الإغواء وحينئذ تكون الغلبة لأكثرهما صبرا.
2- موالاة الصّبر ومتابعته سواء كان صبرا عن المعاصي أو صبرا على الطّاعات.
وكما أمرنا المولى عزّ وجلّ بالصّبر فقد أمرنا أيضا بالمصابرة في قوله عزّ من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران/ 200) .
فما معنى المصابرة الّتي أمرنا بها؟
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- إجابة عن هذا التّساؤل: «قيل في قوله تعالى اصْبِرُوا وَصابِرُوا..
الآية» أنّه انتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالصّبر دون المصابرة «1» .
وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله، وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله.
وقيل: اصبروا في الله، وصابروا بالله، (أي أنّ الصّبر يكون في طاعة الله والمصابرة تكون في الاستعانة بالله) .
وقيل: اصبروا على النّعماء، وصابروا على البأساء والضّرّاء وقال- رحمه الله تعالى- فالصّبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك «2» » «3» .
وقال- رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة مؤكّدا هذا المعنى الأخير: أمرهم بالصّبر، وهو حال الصّابر في نفسه، والمصابرة مقاومة الخصم في ميدان الصّبر، فإنّها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين- كالمشاتمة والمضاربة «4» - وهي إذن حال المؤمن في الصّبر مع خصمه، أمّا المرابطة فهي الثّبات واللّزوم والإقامة على الصّبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبّد بالتّقوى، فأخبر سبحانه أنّ ملاك ذلك كلّه: التّقوى، وأنّ الفلاح موقوف عليها، فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» .
وهذا الّذي ذهب إليه ابن القيّم هو عين ما رجّحه الطّبريّ عند ما قال: وأولى التأويلات في ذلك قول من قال: «اصبروا على دينكم وطاعة ربّكم، وذلك أنّ الله لم يخصّص من معاني الصّبر على الدّين والطّاعة شيئا فيجوز إخراجه من ظاهر التّنزيل، ومن ثمّ يكون الأمر بالصّبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى صعبها وشديدها وسهلها وخفيفها، أمّا المصابرة فيقصد بها مصابرة الأعداء من المشركين لأنّ المعروف من كلام العرب في المفاعلة أن تكون من فريقين أو اثنين فصاعدا، ولا تكون من واحد إلّا قليلا، وإذا كان ذلك كذلك فإنّما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم وألّا يكون عدوّهم أصبر منهم «6» .
وقال النّيسابوريّ: المراد بالصّبر جهاد النّفس بالرّياضات، وبالمصابرة: مراقبة القلب عند الابتلاءات «7» .
وقال القرطبيّ: المصابرة: في قول زيد بن أسلم:
«مصابرة الأعداء» وقال الحسن: «على الصّلوات الخمس» ، وقيل: إدامة مخالفة النّفس عن شهواتها فهي
__________
(1) ويشير بهذا إلى أن الصيغة «فاعل» تفيد الموالاة في الصبر والمبالغة فيه.
(2) يشير بهذا القول الى أن المراد بالمصابرة المشاركة في الصبر وكأن الإنسان يصبر على الجهاد مثلا (جهاد النفس أو جهاد العدو) فيصبر عليه بمثل ما صبر.
(3) مدارج السالكين 1/ 166-، 167
(4) يشير بذلك إلى المعنى الصرفي الأول للصيغة وقد ذكرناه آنفا.
(5) التفسير القيم لابن قيم الجوزية ص، 217
(6) ذكر- رحمه الله تعالى- آراء عديدة في تفسير معنى الصبر والمصابرة، ثم وازن بينها ورجح أولى الآراء بالقبول، انظر هذه الآراء في المجلد 3 ج 4 ص 148، 149
(7) تفسير النيسابوري (بهامش الطبري) مجلد 4 ج 4 ص، 175(6/2444)
تدعو وهي تنزع «1» ، وقال عطاء والقرظيّ (محمّد بن كعب) :
صابروا الوعد الّذي وعدتم، أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج.
قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- والقول الأوّل (أي قول زيد بن أسلم) هو رأي الجمهور، ومثله قول عنترة:
فلم أر حيّا صابروا مثل صبرنا ... ولا كافحوا مثل الّذين نكافح
أي صابروا العدوّ في الحرب، ولم يبد منهم جبن ولا خور «2» .
وقال أبو حيّان: أمر الله تعالى بالصّبر والمصابرة والرّباط، فقيل اصبروا وصابروا بمعنى واحد للتّوكيد «3» ، ثمّ ذكر الآراء الأخرى الّتي ذكرها القرطبيّ «4» ، وذكر ابن كثير- رحمه الله تعالى- أنّ الصّبر على الصّلوات، والمصابرة على النّفس والهوى «5» .
قلت: ولا تنافي بين هذه الأقوال جميعا لأنّ الصّيغة تحتملها معا، وقد قرّر علماء الأصول «أنّ المعاني المحتملة (للّفظ أو الصّيغة) مرادة لله تعالى «6» .
من مظاهر المصابرة:
ذكر ابن القيّم وغيره للمصابرة صورا عديدة، وأشكالا متنوّعة، ذكرناها فيما سبق، ونضيف إليها:
1- المثابرة في إنجاز الأعمال والمواظبة عليها، طالما أنّ هذا العمل في طاعة الله تعالى، وفي هذا يلتقي معنى الاصطبار مع المصابرة، قال تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ (مريم/ 65) ، وقال تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه/ 132) .
2- متابعة الأعمال وعدم اليأس من إنجازها لما في هذا من إدامة للصّبر عليها، وانتظار للفرج الموعود في قوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (الكهف/ 30) «7» .
الصبر على الابتلاء:
الابتلاء في اللّغة مصدر قولهم: ابتلى الله العبد ابتلاء إذا اختبره في صبره وشكره «8» .
أمّا في الاصطلاح فقد قال الكفويّ: الابتلاء في الأصل هو التّكليف بالأمر الشّاقّ لكنّه لمّا استلزم الاختبار إلى من يجهل العواقب ظنّ ترادفهما «9» ، وقال المناويّ: البلاء كالبليّة: الامتحان، وسمّي الغمّ بلاء لأنّه يبلي الجسم «10» . وقال بعض الباحثين المحدثين:
الابتلاء هو المظهر العمليّ لعلاقة العبوديّة بين الله والإنسان، ومعنى هذه العلاقة كمال الطّاعة لكمال المحبّة، والحياة الدّنيا هي الزّمن المقرّر لهذا الابتلاء، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ (الملك/ 2) «11» . وينقسم الابتلاء إلى قسمين:
الأوّل: الابتلاء بالشّرّ، وهو مناط الصّبر.
الثّاني: الابتلاء بالخير، وهو مناط الشّكر «12» .
وفيما يتعلّق بالنّوع الأوّل، فإنّه يشمل الابتلاء
__________
(1) يشير صاحب هذا الرأي إلى أن معنى المفاعلة هنا هو المداومة.
(2) تفسير القرطبي (4/ 322- 323) .
(3) وهو يشير هنا إلى أن الصيغة تفيد معنى التكثير والمبالغة.
(4) انظر تفسير البحر المحيط (3/ 156) .
(5) تفسير ابن كثير (1/ 454) .
(6) انظر في هذه القاعدة الأصولية الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 227) ، وانظر أيضا المبحث الخامس «المعاني المحتملة مرادة» من كتاب بحوث في علوم القرآن لعبد الغفور جعفر (205- 229) .
(7) قال في مختار الصحاح «المثابرة على الأمر: المواظبة عليه، انظر مادة «ث ب ر» (83) ط. دار الكتب المصرية.
(8) انظر في المعنى اللغوي للابتلاء: أحمد بن فارس، مقاييس اللغة (1/ 292) ، وقارن بالصحاح (6/ 2284) .
(9) معنى الترادف: هو أن يكون للابتلاء والاختبار المعنى نفسه.
(10) التوقيف على مهمات التعاريف (83) .
(11) ماجد الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية (163) .
(12) انظر صفة الشكر (2397) من هذا المجلد، وقارن بصفة «تكريم الإنسان» (// 1135) .(6/2445)
بالمحن والكوارث ونقص الأموال والأنفس والثّمرات مصداقا لقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ (البقرة/ 155) ، وهنا يكون الصّبر والرّضا هما المقياس الحقيقيّ للإيمان الصّادق.
ضرورة الابتلاء بالشّرّ:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: سأل رجل الشّافعيّ رحمه الله- فقال: يا أبا عبد الله، أيّهما أفضل للرّجل أن يمكّن (فيشكر الله عزّ وجلّ) أو يبتلى (بالشّرّ فيصبر) ؟
فقال الشّافعيّ: لا يمكّن حتّى يبتلى، فإنّ الله ابتلى نوحا وإبراهيم ومحمّدا- صلوات الله عليهم أجمعين- فلمّا صبروا مكّنهم، فلا يظنّ أحد أن يخلص من الألم البتّة «1» .
الصبر والمصابرة في القرآن الكريم:
ورد الصّبر في القرآن الكريم في سياقات عديدة منها:
1- الثّناء على أهله كقوله: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ (البقرة/ 177) .
2- الاستجابة لأمر الله تعالى بالصّبر وإيجاب معيّته لهم تلك المعيّة الّتي تتضمّن حفظهم لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) ، وقوله تعالى وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/ 46) . راجع ص 2451 رقم (26) .
3- الإخبار أنّ أهل الصّبر مع أهل العزائم وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ (الشورى/ 43) .
4- يورث صاحبه الإمامة وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (السّجدة/ 24) .
5- اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان «2» .
6- إطلاق البشرى لأهل الصّبر على الابتلاء بمصائب الحياة الدّنيا ومصاعبها بأنّ جزاءهم على صبرهم هو الحصول على صلوات من ربّهم ورحمة وهداية إلى السّراط المستقيم بإذن الله كقوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 155- 157) . راجع ص 2450 رقم (19)
7- إنّ الصّابرين بأنفسهم على طاعة الله والتّكاليف المنوطة بهم والتّقوى ومجاهدة النّفس ونهيها عن الهوى وتزكيتها ومحاسبتها ومراقبتها عند الابتلاءات جزاؤهم أن يوفّى لهم أجورهم بغير حساب لقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ...
(الزمر/ 9- 10) ، وأولئك الصّابرين لهم عقبى الدّار، لقوله تعالى وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ...
(الرعد 22- 24) . راجع ص 2449 رقم (12) .
8- ضمان النّصر والمدد لهم كقوله بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران/ 125) «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: التأني- الثبات- الحلم- الزهد- العفة- كتمان السر- الاحتساب- الرضا- الاستعانة- مجاهدة النفس- محاسبة النفس.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجزع- العجلة القنوط- اليأس- إفشاء السر- الوهن] .
__________
(1) الفوائد لابن القيم (283) (بتصرف يسير) .
(2) لم يذكر الفيروز آبادى آية معينة لهذا المعنى، ويمكن التمثيل لذلك بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ... (آل عمران/ 200) .
(3) البصائر (3/ 375) .(6/2446)
الآيات الواردة في «الصبر والمصابرة»
الصبر على الطاعات:
1- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «1»
2- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «3»
4- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) «4»
5- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
__________
(1) البقرة: 45- 46 مدنية
(2) البقرة: 249 مدنية
(3) آل عمران: 118- 126 مدنية
(4) آل عمران: 142 مدنية(6/2447)
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «1»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «2» .
7- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «3»
8- وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «4»
9- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «5»
10- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (46) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) «6»
11- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) «7»
__________
(1) آل عمران: 146- 148 مدنية
(2) آل عمران: 200 مدنية
(3) النساء: 25 مدنية
(4) يونس: 109 مكية
(5) هود: 9- 11 مكية
(6) هود: 45- 49 مكية
(7) هود: 114- 115 مكية(6/2448)
12- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «1»
13- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «2»
14- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3»
15- وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63)
قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) «4»
16- تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «5»
17- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «6»
__________
(1) الرعد: 22- 24 مدنية
(2) النحل: 110 مكية
(3) الكهف: 28 مكية
(4) الكهف: 60- 69 مكية
(5) مريم: 63- 65 مكية
(6) المدثر: 1- 7 مكية(6/2449)
18- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) «1»
الصبر على البلاء:
19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «2»
20-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «3»
21- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) * لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «4»
22- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) «5»
23- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «6»
__________
(1) الإنسان: 23- 25 مدنية
(2) البقرة: 153- 157 مدنية
(3) البقرة: 177 مدنية
(4) آل عمران: 185- 186 مدنية
(5) الأنعام: 33- 34 مكية
(6) الأعراف: 87 مكية(6/2450)
24-* وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (125) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «1»
25- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «2»
26- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) «3»
27- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16)
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17)
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «4»
28- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82)
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «5»
29- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ
__________
(1) الأعراف: 117- 126 مكية
(2) الأعراف: 128 مكية
(3) الأنفال: 45- 46 مدنية
(4) يوسف: 16- 18 مكية
(5) يوسف: 81- 83 مكية(6/2451)
وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) * قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «1»
30- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) «2»
31- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «3»
32- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) «4»
33- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) «5»
34- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) «6»
35- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77) «7»
__________
(1) إبراهيم: 7- 12 مكية
(2) طه: 130- 132 مكية
(3) الحج: 34- 35 مدنية
(4) الفرقان: 20 مكية
(5) لقمان: 17 مكية
(6) غافر: 53- 55 مكية
(7) غافر: 77 مكية(6/2452)
36- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «1»
37- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) «2»
ثمار الصبر:
38- الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «3»
39- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (137) «4»
40- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) «5»
41- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89)
قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) «6»
42- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) «7»
__________
(1) محمد: 31 مدنية
(2) المزمل: 1- 10 مكية
(3) آل عمران: 16- 17 مدنية
(4) الأعراف: 137 مكية
(5) الأنفال: 65- 66 مدنية
(6) يوسف: 88- 90 مكية
(7) إبراهيم: 5 مكية(6/2453)
43- وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) «1»
44- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96) «2»
45- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) «3»
46- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4»
47- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (74)
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) «5»
48-* وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا
__________
(1) إبراهيم: 21 مكية
(2) النحل: 96 مكية
(3) النحل: 126- 128 مكية
(4) المؤمنون: 99- 111 مكية
(5) الفرقان: 73- 75 مكية(6/2454)
وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «1»
49- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «2»
50- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «3»
51- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «4»
52- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) «5»
53- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) «6»
54- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «7»
55- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «8»
__________
(1) القصص: 51- 54 مكية
(2) القصص: 79- 80 مكية
(3) العنكبوت: 57- 59 مكية
(4) لقمان: 31 مكية
(5) السجدة: 23- 24 مكية
(6) سبأ: 15- 19 مكية
(7) الزمر: 10 مكية
(8) فصلت: 33- 35 مكية(6/2455)
56- وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) «1»
57- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «2»
58- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «3»
59- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) «4»
60- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «5»
الصبر سمة النبيين والصالحين:
61- وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) «6»
62- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ
__________
(1) الشورى: 32- 33 مكية
(2) الحجرات: 4- 5 مدنية
(3) الإنسان: 5- 12 مدنية
(4) البلد: 1- 20 مكية
(5) العصر: 1- 3 مكية
(6) الأنبياء: 85- 86 مكية(6/2456)
الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) «1»
63- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «2»
64- وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) «3»
65- وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) «4»
66- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) «5»
67- وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) «6»
68- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «7»
69- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) «8»
70- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) «9»
71- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً
__________
(1) الروم: 58- 60 مكية
(2) الأحزاب: 35 مدنية
(3) الصافات: 99- 102 مكية
(4) ص: 16- 17 مكية
(5) ص: 41- 44 مكية
(6) الشورى: 40- 43 مكية
(7) الأحقاف: 35 مكية
(8) ق: 39 مكية
(9) الطور: 48- 49 مكية(6/2457)
نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) «1»
72- فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) «2»
73- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) «3»
74- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) «4»
75- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «5»
76-* لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «6»
الآيات الواردة في «الصبر والمصابرة» معنى
77- وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) «7»
78-* وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) «8»
__________
(1) القمر: 23- 27 مكية
(2) القلم: 44- 50 مكية
(3) المعارج: 1- 7 مكية
(4) البقرة: 155 مدنية
(5) البقرة: 249 مدنية
(6) آل عمران: 186 مدنية
(7) البقرة: 49 مدنية
(8) البقرة: 124 مدنية(6/2458)
79- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) «1»
80- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «2»
81- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «3»
82- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «4»
83- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «5»
84- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «6»
85- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) «7»
86- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) «8»
87- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) «9»
__________
(1) آل عمران: 152 مدنية
(2) آل عمران: 154 مدنية
(3) المائدة: 48 مدنية
(4) المائدة: 94 مكية
(5) الأنعام: 165 مكية
(6) الأعراف: 141 مكية
(7) الأعراف: 163 مدنية
(8) الأعراف: 168 مدنية
(9) الأنفال: 17 مدنية(6/2459)
88- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «1»
89- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) «2»
90- وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) «3»
91- إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) «4»
92- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) «5»
93- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) «6»
94- قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) «7»
95- هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) «8»
96- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) «9»
97- وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) «10»
98- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) «11»
99- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «12»
100- الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) «13»
101- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) «14»
102- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) «15»
103- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) «16»
__________
(1) هود: 7 مكية
(2) إبراهيم: 6 مكية
(3) النحل: 92 النحل
(4) الكهف: 7 مكية
(5) الأنبياء: 35 مكية
(6) المؤمنون: 30 مكية
(7) النمل: 40 مكية
(8) الأحزاب: 11 مدنية
(9) الصافات: 106 مكية
(10) الدخان: 33 مكية
(11) محمد: 4 مدنية
(12) محمد: 31 مدنية
(13) الملك: 2 مدنية
(14) القلم: 17 مكية
(15) الإنسان: 2 مكية
(16) الفجر: 15- 16 مكية(6/2460)
الأحاديث الواردة في (الصبر والمصابرة)
1- عن أميّة الشّعبانيّ، قال: سألت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ؟ (المائدة/ 105) قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متّبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك- يعني بنفسك- ودع عنك العوامّ فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» ) * «1» .
2- (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟
قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» . قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» . قال: قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال: «خلق حسن» . قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-» ... الحديث) * «2» .
3-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: أرسلت ابنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليه: إنّ ابنا لي قبض، فأتنا.
فأرسل يقرأ السّلام ويقول: «إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى.
وكلّ عنده بأجل مسمّى. فلتصبر ولتحتسب» . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينّها. فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّبيّ ونفسه تتقعقع «3» - قال حسبته أنّه قال: كأنّها شنّ «4» - ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله: ما هذا؟ فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده. وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» ) * «5» .
4- (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، أنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل. قالوا:
يغفر الله لرسول الله. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم!. قال أنس بن مالك فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم «6» . فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: «ما حديث بلغني عنكم؟» فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا، يا رسول الله! فلم يقولوا شيئا.
وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم، قالوا يغفر الله لرسوله.
يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم!، فقال
__________
(1) أبو داود (4341) وهذا لفظه، والترمذي (3058) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (4014) ، وشرح السنة (14/ 348) ، وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها. وقال الألباني في ضعيف أبي داود (430) : لكن فقرة أيام الصبر ثابتة.
(2) أحمد (4/ 385) واللفظ له، وابن ماجة (2794) . وأصله عند مسلم.
(3) تتقعقع: تتحرك وتضطرب.
(4) شنّ: هو القربة الخلق الصغيرة.
(5) البخاري الفتح 3 (1284) واللفظ له، ومسلم (923) .
(6) في قبة من أدم: القبّة من الخيام: بيت صغير مستدير. ومن أدم معناه من جلود.(6/2461)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله! لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» فقالوا: بلى. يا رسول الله! قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة «1» شديدة.
فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله. فإنّي على الحوض» .
قالوا: سنصبر) * «2» .
5-* (عن عثمان بن حنيف: أنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال:
«إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك» .
قال: فادعه. وقال: فأمره أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدّعاء «اللهمّ إنّي أسألك، وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة، إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهمّ فشفّعه فيّ» ) * «3» .
6-* (عن أسيد بن حضير: أنّ رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلانا. فقال: «إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض» ) * «4» .
7-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ ينتظر حتّى إذا مالت الشّمس قام فيهم فقال: «يا أيّها النّاس لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف» . ثمّ قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهمّ منزّل الكتاب، ومجري السّحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» ) * «5» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّ مولاة له أتته فقالت: اشتدّ عليّ الزّمان، وإنّي أريد أن أخرج إلى العراق. قال: فهلّا إلى الشّام أرض المنشر واصبري لكاع «6» فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«من صبر على شدّتها ولأوائها «7» كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» ) * «8» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-:
أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده قال: «ما يكن عندي من خير فلن أدّخره عنكم. ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله. ومن يصبر يصبّره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر» ) * «9» .
10-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
أنّه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلت:
__________
(1) أثرة: فيها لغتان إحداهما ضم الهمزة وإسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما: بفتحهما جميعا والأثرة الاستئثار بالمشترك.
(2) البخاري- الفتح 7 (3793) ، ومسلم (1059) واللفظ له
(3) الترمذي (3578) وقال: حديث حسن صحيح. وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني (1290) . وزاد أحمد وابن خزيمة والحاكم «وشفعني فيه» وهي من الأدلة الكثيرة على أن التوسل والتوجه المذكور في الحديث هو بدعائه صلّى الله عليه وسلّم لأن معناها: اقبل شفاعتي: أي في دعائه وكذلك قوله «فشفعه في» أي اقبل شفاعته أي دعاءه. ذكر هذه الفائدة الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1/ 404) .
(4) البخاري- الفتح 7 (3792) ، مسلم (1845) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 6 (3024، 3025) ، مسلم (1742) واللفظ له.
(6) لكاع: يقال امرأة لكاع ورجل لكع، ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يفهم كلام غيره وعلى الصغير. وخاطبها ابن عمر بهذا إنكارا عليها وليس المراد وصفها بذلك المعنى.
(7) أي لأواء المدينة. واللأواء: الشدة وضيق العيش.
(8) رواه الترمذي (3918) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله. وأصل الحديث عند مسلم (481، 843، 1004) .
(9) البخاري- الفتح 11 (6470) ، ومسلم (1053) واللفظ له.(6/2462)
بلى، قال: هذه المرأة السّوداء أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّي أصرع وإنّي أتكشّف، فادع الله لي. قال: «إن شئت صبرت ولك الجنّة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» . قالت: أصبر. قالت: فإنّي أتكشّف فادع الله أن لا أتكشّف، فدعا لها) * «1» .
11-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قام فيهم فذكر لهم «أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال» ، فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» . قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلّا الدين، فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «2» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّها سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّاعون فأخبرها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطّاعون، فيمكث في بلده صابرا يعلم أنّه لن يصيبه إلّا ما كتبه الله له إلّا كان له مثل أجر الشّهيد» ) * «3» .
13-* (عن محمود بن لبيد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحبّ الله قوما ابتلاهم. فمن صبر فله الصّبر. ومن جزع فله الجزع» ) * «4» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّا كنّا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده جميعا لم تغادر منّا واحدة.
فأقبلت فاطمة- عليها السّلام- تمشي، ولا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رآها رحّب.
قال: «مرحبا بابنتي» . ثمّ أجلسها عن يمينه- أو عن شماله-. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى حزنها سارّها الثّانية، فإذا هي تضحك. فقلت لها أنا- من بين نسائه-: خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسّرّ من بيننا، ثمّ أنت تبكين؟ فلمّا قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألتها عمّ سارّك؟
قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه فلمّا توفّي قلت لها: عزمت عليك- بما لي عليك من الحقّ- لما أخبرتني. قالت: أمّا الآن فنعم. فأخبرتني. قالت:
أمّا حين سارّني في الأمر الأوّل، فإنّه أخبرني «أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ سنة مرّة. وأنّه قد عارضني به العام مرّتين. ولا أرى الأجل إلّا قد اقترب فاتّقي الله واصبري، فإنّي نعم السّلف أنا لك» . قالت:
فبكيت بكائي الّذي رأيت. فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية قال: «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة» ) * «5» .
15-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوّضته منهما الجنّة» يريد عينيه) * «6» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5652) ، ومسلم (2576) واللفظ له.
(2) مسلم (1885) .
(3) أخرجه البخاري الفتح 10 (5734) .
(4) قال المنذري: رواه أحمد ورواته ثقات. الترغيب والترهيب (4/ 283) . وأورده السيوطي في الجامع الصغير وصححه الشيخ الألباني (282) وفي السلسلة الصحيحة (146) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6285، 6286) واللفظ له، مسلم (2450) .
(6) البخاري- الفتح 10 (5653) .(6/2463)
- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيّه من أهل الأرض فصبر واحتسب، وقال ما أمر به بثواب دون الجنّة» ) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شهر الصّبر وثلاثة أيّام من كلّ شهر صوم الدّهر» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّاعم الشّاكر بمنزلة الصّائم الصّابر» ) * «3» .
19-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن- أو تملأ- ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك، كلّ النّاس يغدو، فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» ) * «4» .
20-* (عن رجل من بني سليم قال: عدّهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يدي أو في يده: «التّسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملؤه، والتّكبير يملأ ما بين السّماء والأرض، والصّوم نصف الصّبر، والطّهور نصف الإيمان» ) * «5» .
21-* (عن صهيب- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «6» .
22-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من قضاء الله- عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر، المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى اللّقمة يرفعها إلى فيّ امرأته» ) * «7» .
23-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله وسعديك فذكر الحديث، قال فيه: «كيف أنت إذا أصاب النّاس موت يكون البيت فيه بالوصيف «8» » ؟
قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بالصّبر» أو قال: «تصبر» ثمّ قال لي: «يا أبا ذرّ» . قلت: لبّيك وسعديك. قال:
__________
(1) النسائي (4/ 23) ، وقال محقق جامع الأصول (6/ 434) : إسناده حسن.
(2) النسائي (4/ 218) واللفظ له، وأحمد (2/ 263، 384، 513) ، وأحمد (ط شاكر) (7567) وقال محققه إسناده صحيح وجامع الأصول (6/ 340) .
(3) الترمذي (2486) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب في صحيح سنن الترمذي للألباني (2021) ، وابن ماجه (1764) ، أخرجه أحمد في المسند (7793) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(4) مسلم (223) .
(5) الترمذي (3519) وقال: حديث حسن، وقال محقق جامع الأصول (9/ 558) : حديث حسن. وله شاهد صحيح عند مسلم (223) ، والترمذي (3517) عن أبي مالك: «الطهور شطر الإيمان» والحمد لله تملأ الميزان ... الحديث» .
(6) مسلم (2999) .
(7) أحمد في المسند (1487) وقال محققه: إسناده صحيح. وقال الهيثمي (7/ 209) : رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح.
(8) يكون البيت فيه بالوصيف: الوصيف: العبد، والأمة: وصيفة. وجمعهما: وصفاء ووصائف والمراد يكثر الموت حتى يصير موضع قبر يشترى بعبد، من كثرة الموتى. وقبر الميت: بيته.(6/2464)
«كيف أنت إذا رأيت أحجار الزّيت قد غرقت بالدّم؟» قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: «عليك بمن أنت منه» قلت: يا رسول الله أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: «شاركت القوم إذن» قلت: فما تأمرني؟
قال: «تلزم بيتك» قلت: فإن دخل عليّ بيتي؟ قال:
«فإن خشيت أن يبهرك شعاع السّيف فألق ثوبك على وجهك يبؤ بإثمك وإثمه» ) * «1» .
24-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى- عليه السّلام- خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ! كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا «2» في مكتل «3» فحيث تفقد «4» الحوت، فهو ثمّ «5» . فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نون، فحمل موسى- عليه السّلام- حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصخرة، فرقد موسى- عليه السّلام- وفتاه. فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق «6» فكان للحوت سربا، وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى- عليه السّلام- قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا «7» . قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى «8» عليه بثوب فسلّم عليه موسى.
فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام؟ قال أنا موسى.
قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم الله علّمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه. قال له موسى- عليه السّلام-: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟ قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال:
نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول «9» فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة، فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا «10» . قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من
__________
(1) أبو داود (4261) ، ابن ماجه في الفتن (3958) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 7) : حديث حسن.
(2) الحوت: السمكة.
(3) مكتل: هو القفة والزنبيل.
(4) تفقد: أي يذهب منك.
(5) فهو ثم: أي هناك.
(6) الطاق: عقد البناء.
(7) نصبا: النصب: التعب.
(8) مسجى: مغطى.
(9) بغير نول: بغير أجر.
(10) إمرا: عظيما.(6/2465)
أمري عسرا، ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية «1» بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا. قال: وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا. فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ «2» فأقامه. يقول مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه. قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرا.
قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «3» .
25-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قسما، فقال رجل: إنّ هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته.
فغضب حتّى رأيت الغضب في وجهه ثمّ قال: «يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) * «4» .
26-* (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم.
وكان له ساحر ... الحديث، وفيه: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيد «5» واحد. وتصلبني على جذع. ثمّ خذ سهما من كنانتي. ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «6» ثمّ قل: باسم الله، ربّ الغلام. ثمّ ارمني، فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع. ثمّ أخذ سهما من كنانته. ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه فوقع السّهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السّهم، فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام.
آمنّا بربّ الغلام. آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له:
أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله نزل بك حذرك. قد آمن النّاس، فأمر بالأخدود «7» في أفواه السّكك «8» فخدّت وأضرم النّيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري، فإنّك على الحقّ» ) * «9» .
27-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام- أو يا غليم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت:
بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا
__________
(1) زاكية: قرىء في السبع زاكية وزكية، قالوا ومعناه طاهرة من الذنوب.
(2) ينقض: قرب من الانقضاض أو السقوط.
(3) البخاري- الفتح 6 (3401) ، ومسلم (2380) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 6 (3405) واللفظ له، مسلم (1062) .
(5) صعيد: الصعيد هنا: الأرض البارزة.
(6) كبد القوس: مقبضها عند الرمي.
(7) الأخدود: هو الشق العظيم في الأرض، وجمعه أخاديد.
(8) أفواه السكك: أبواب الطرق.
(9) مسلم (3005) .(6/2466)
أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه. واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «1» .
28-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
كنت شاكيا فمرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أقول: اللهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخّرا فارفعني، وإن كان بلاء فصبّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«كيف قلت؟» قال: فأعاد عليه ما قال. قال: فضربه برجله. وقال: «اللهمّ عافه أو اشفه» قال: فما اشتكيت وجعي بعد) * «2» .
29-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس أحد- أو ليس شيء- أصبر على أذى سمعه من الله، إنّهم ليدعون له ولدا وإنّه ليعافيهم ويرزقهم» ) * «3» .
30-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بامرأة تبكي عند قبر فقال: «اتّقي الله واصبري» . قالت: إليك عنّي فإنّك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتت باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم تجد عنده بوّابين. فقالت: لم أعرفك.
فقال: «إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى» ) * «4» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهنّ كنّ له حجابا من النّار» ) * «5» .
32-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنّه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهليّة» ) * «6» .
33-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن الّذي يخالط النّاس، ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الّذي لا يخالط النّاس، ولا يصبر على أذاهم» ) * «7» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصبيّ لها فقالت: يا نبيّ الله! ادع الله له فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنت ثلاثة؟» قالت: نعم قال: «لقد احتظرت بحظار شديد «8» من النّار» ) * «9» .
() الأحاديث الواردة في (الصبر والمصابرة) معنى
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد فتحتسبه إلّا دخلت الجنّة» فقالت امرأة منهنّ: أو اثنين؟ يا رسول الله! قال: «أو
__________
(1) رواه أحمد في المسند (1/ 307) ، وذكره أحمد شاكر برقم (2804) وقال محققه: إسناده صحيح، الترمذي (2516) وقال: حديث حسن صحيح.
(2) رواه الترمذي (3564) وقال حديث حسن صحيح.
(3) البخاري الفتح 10 (6099) واللفظ له، مسلم (2804) .
(4) البخاري الفتح 3 (1283) واللفظ له، مسلم (926) .
(5) صحيح سنن الترمذي (1561) وصححه الألباني، وقال: حديث حسن صحيح.
(6) مسلم (1849) .
(7) الترمذي (2507) ، ابن ماجة (4032) واللفظ له، أحمد في المسند (5022) وقال محققه: إسناده صحيح.
(8) احتظرت بحظار شديد: أي احتمت بحمى عظيم من النار يقيها حرها ويؤمنها من دخولها لأنها صبرت على فقد ابنها.
(9) مسلم 2626) .(6/2467)
اثنين» ) * «1» .
36-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذ أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدّنيا، وإذا أراد بعبده الشّرّ أمسك عنه بذنبه حتّى يوافى به يوم القيامة» ) * «2» .
وبهذا الإسناد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء. وإنّ الله إذا أحبّ قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرّضى، ومن سخط فله السّخط» «3» .
37-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم.
فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله:
ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) * «4» .
38-* (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا.
فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرّجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه فما يصدّه ذلك عن دينه. والله ليتمّنّ هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله والذّئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون» ) * «5» .
39-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، أيّ النّاس أشدّ بلاء؟
قال: «الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل. يبتلى الرّجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلي على قدر دينه. فما يبرح البلاء بالعبد حتّى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» ) * «6» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «7» » ) * «8» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» ) * «9» .
42-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) ، اللهمّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف الله له خيرا منها» ) * «10» .
__________
(1) البخاري الفتح 3 (1249) ، ومسلم (2632) واللفظ له.
(2) الترمذي (2326) وقال: حديث حسن غريب، وقال الألباني (2/ 285) برقم (1953) : حسن صحيح.
(3) الترمذي (2396) . وقال الألباني (2/ 286) برقم (1954) : حسن، وابن ماجه (4031) .
(4) الترمذي (1021) وقال: حديث حسن غريب، وحسن إسناده الألباني (1/ 298) برقم (814) .
(5) البخاري- الفتح 12 (6943) .
(6) سنن الترمذي (2400) ، وقال الترمذي: حديث صحيح، وصحح إسناده الألباني، وابن ماجة (4023) .
(7) تحلة القسم: هي تحلة قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها والقسم قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (مريم: 68) .
(8) البخاري الفتح 3 (1251) ، مسلم (2632) .
(9) البخاري الفتح 11 (6424) .
(10) مسلم (918) .(6/2468)
43-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مصيبة يصاب بها المسلم، إلّا كفّر بها عنه حتّى الشّوكة «1» يشاكها» ) * «2» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتّى يلقى الله وما عليه خطيئة» ) * «3» .
45-* (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب «4» ولا وصب «5» ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ- حتّى الشّوكة يشاكها-، إلّا كفّر الله بها من خطاياه» ) * «6» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصبر والمصابرة)
46-* (عن عائشة رضي الله عنها- زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «7» . فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد! فقال:
ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «8»
47-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله إنّك توعك «9» وعكا شديدا. قال:
«أجل إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت:
ذلك بأنّ لك أجرين. قال: «أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى- شوكة فما فوقها- إلّا كفّر الله بها سيّئاته كما تحطّ «10» الشّجرة ورقها» ) * «11» .
48-* (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- قال: «دميت «12» إصبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض تلك المشاهد فقال:
«هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت» ) * «13» .
__________
(1) حتى الشوكة: جوزوا فيها الحركات الثلاث، فالجر بمعنى الغاية والنصب بتقدير عامل أي حتى وجدانه الشوكة، والرفع عطفا على الضمير في «نصيب» ، وقيل: على الابتداء.
(2) مسلم (2572) .
(3) سنن الترمذي (2401) ، وقال الترمذي: حديث حسن، وحسّن إسناده الألباني.
(4) النصب: التعب.
(5) الوصب: الوجع.
(6) البخاري- الفتح 10 (5641، 5642) واللفظ له، ومسلم (2573) .
(7) قرن الثعالب: هو قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكة، وأصل القرن كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير.
(8) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له، مسلم (1795) .
(9) توعك: الوعك قيل الحمى وقيل ألمها.
(10) تحط: تلقيه منتثرا.
(11) البخاري- الفتح 10 (5648) واللفظ له، مسلم (2571) .
(12) دميت: أي جرحت وخرج منها الدم
(13) البخاري- الفتح 10 (6146) ، ومسلم (1796) واللفظ له.(6/2469)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الصبر والمصابرة)
1-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
«وجدنا خير عيشنا الصّبر» ) * «1» .
2-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- «الصّبر مطيّة لا تكبو» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما-: أنّ ثلاثة نفر جاءوه فقالوا: يا أبا محمّد إنّا والله! ما نقدر على شيء: لا نفقة ولا دابّة ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم، إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسّر الله لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسّلطان، وإن شئتم صبرتم» ) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: «الصّبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه» ) * «4» .
5-* (قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز عند ما مات ولد سليمان: «أيصبر المؤمن حتّى لا يجد لمصيبته ألما؟ قال يا أمير المؤمنين: «لا يستوي عندك ما تحبّ وما تكره، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن» ) * «5» .
6-* (قيل لربيعة بن عبد الرّحمن: ما منتهى الصّبر؟ قال: يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه» ) * «6» .
7-* (وقال أبو عليّ الدّقّاق: «فاز الصّابرون بعزّ الدّارين. لأنّهم نالوا من الله معيّته فإنّ الله مع الصّابرين» ) * «7» .
8-* (وقيل: الصّبر لله غناء، وبالله تعالى بقاء، وفي الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء، والصّبر على الطّلب عنوان الظّفر وفي المحن عنوان الفرج.
قال ابن تيمية: ذكر الله تعالى في كتابه: الصّبر الجميل، والصّفح الجميل، والهجر الجميل» .
الصّبر الجميل: هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه، والصّفح الجميل: هو الّذي لا عتاب معه، والهجر الجميل: هو الّذي لا أذى معه» ) * «8» .
9-* (قال ذو النّون: «الصّبر: التّباعد من المخالفات، والسّكون عند تجرّع غصص البليّات، وإظهار الغنى مع طول الفقر بساحات المعيشة» ) * «9» .
10- قال الفيروز اباديّ: «قيل: الصّبر:
__________
(1) الدر المنثور (1/ 163) .
(2) عدة الصابرين لابن القيم (17) .
(3) مسلم (2979) .
(4) الزهد لوكيع بن الجراح (2/ 456) وقال محققه: رجاله ثقات وقد صح وقفه.
(5) الدر المنثور للسيوطي (1/ 378) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها
(7) مدارج السالكين (2/ 166) .
(8) المرجع السابق (2/ 167) .
(9) بصائر ذوي التمييز (3/ 377) .(6/2470)
الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقيل: هو الفناء في البلوى، بلا ظهور شكوى، وقيل: إلزام النّفس الهجوم على المكاره، وقيل: المقام مع البلاء بحسن الصّحبة، كالمقام مع العافية» ) * «1» .
11-* (وقيل الصّبر: هو الاستعانة بالله، وقيل هو ترك الشّكوى، وقيل:
الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل) * «2» .
12-* (قال الحريريّ: «الصّبر ألّا تفرّق بين حال النّعمة وحال المحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتّصبّر: السّكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة» ) * «3» .
13-* (قال الثوريّ عن بعض أصحابه:
ثلاث من الصّبر: ألّا تحدّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك» ) * «4» .
() من فوائد (الصبر والمصابرة)
(1) ضبط النّفس عن السّأم والملل، لدى القيام بأعمال تتطلّب الدّأب والمثابرة خلال مدّة مناسبة، قد يراها المستعجل مدّة طويلة.
(2) ضبط النّفس عن العجلة والرّعونة، لدى تحقيق مطلب من المطالب المادّيّة أو المعنويّة.
(3) ضبط النّفس عن الغضب والطّيش، لدى مثيرات عوامل الغضب في النّفس، ومحرّضات الإرادة للاندفاع بطيش لا حكمة فيه ولا اتّزان في القول أو في العمل.
(4) ضبط النّفس عن الخوف لدى مثيرات الخوف في النّفس.
(5) ضبط النّفس عن الطّمع لدى مثيرات الطّمع فيها «5» .
(6) ضبط النّفس عن الاندفاع وراء أهوائها وشهواتها وغرائزها.
(7) ضبط النّفس لتحمّل المتاعب والمشقّات والآلام الجسديّة والنّفسيّة، كلّما كان في هذا التّحمّل خير عاجل أو آجل.
(8) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(9) يورث هداية في القلب.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (3/ 377) .
(2) المرجع السابق (3/ 378) .
(3) المرجع السابق (3/ 379) .
(4) تفسير ابن كثير (3/ 489) .
(5) الفوائد من (1- 5) عن كتاب الأخلاف الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني (306- 307) بتصرف يسير.(6/2471)
(10) يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس.
(11) سبب للتّمكين في الأرض.
(12) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(13) معيّة الله للصّابرين.
(14) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
(15) مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة وعلامة على حسن الخاتمة.
(16) صلاة الله ورحمته وبركاته على الصّابرين.(6/2472)
الصدق
الصدق لغة:
مصدر قولهم صدق يصدق صدقا «1» وهو مأخوذ من مادّة (ص د ق) الّتي تدلّ على قوّة في الشّيء قولا أو غير قول، من ذلك الصّدق خلاف الكذب لقوّته في نفسه ولأنّ الكذب لا قوّة له، وهو باطل، وأصل هذا من قولهم. شيء صدق، أي صلب «2» ، ورمح صدق، ويقال صدقوهم القتال، وفي خلاف ذلك كذبوهم، وقال الرّاغب: الصّدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره، ولا يكونان في القول إلّا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام ولذلك قال تعالى وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (النساء/ 87) وقال ابن منظور: الصّدق: نقيض الكذب، يقال: صدقه الحديث: أنبأه بالصّدق، وصدقت القوم: قلت لهم صدقا، ورجل صدوق أبلغ من الصّادق، والصّدّيق الدّائم التّصديق، ويكون أيضا الّذي يصدّق قوله
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
92/ 44/ 17
بالعمل، والصّدّيق المبالغ في الصّدق «3» .
والصّدّيقون في قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء/ 69) جمع صدّيق، وهو المبالغ في الصّدق أو التّصديق أو هو الّذي يحقّق بفعله ما يقوله بلسانه، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء الّذين يسبقون إلى تصديقهم كأبي بكر- رضي الله عنه- «4» . أمّا الصّادقون الّذين أمرنا المولى بأن نكون معهم في قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) فهم الّذين خرجوا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا مع المنافقين، والمعنى: كونوا على مذهب الصّادقين وسبيلهم، وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم الموفون بما عاهدوا، وقيل: هم المهاجرون، وقيل: هم الّذين استوت ظواهرهم مع بواطنهم «5» ، والّذي جاء بالصّدق وصدّق به في قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (الزمر/ 33)
__________
(1) في اللسان أنه يقال أيضا صدقا بفتح الصاد وتصداقا وما ذكرناه أشهر- لسان العرب «ص د ق» (10/ 193) .
(2) لم يرتض ابن درستويه هذا الاشتقاق فقال: ليس الصدق من الصلابة في شيء ولكن أهل اللغة أخذوه (أي هذا المعنى) من قول النابغة:
في حالك اللون صدق غير ذي أود
قال: وإنما الصّدق: الجامع للأوصاف المحمودة ... قال الخليل: الصدق الكامل من كل شيء. انظر اللسان (10/ 196) ط. بيروت.
(3) المقاييس (3/ 339) ، والمفردات للراغب (277) ، ولسان العرب لابن منظور 10/ 192
(4) باختصار وتصرف يسير عن القرطبي (5/ 272) .
(5) المرجع السابق (8/ 288) بتصرف واختصار.(6/2473)
فقد قيل في تفسيره: الّذي جاء بالصّدق هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: جبريل عليه السّلام. أمّا الّذي جاء به فهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم جاء بالصّدق أي جاء ب «لا إله إلّا الله» وروي عن مجاهد قوله «الّذي جاء بالصّدق وصدّق به» هم أصحاب القرآن والمؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون:
هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا» قال ابن كثير:
وهذا القول عن مجاهد يشمل كلّ المؤمنين، فإنّ المؤمنين يقولون الحقّ ويعملون به، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم أولى النّاس بالدّخول في هذه الآية؛ لأنّه جاء بالصّدق وصدّق المرسلين وآمن بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. وحكي عن زيد بن أسلم:
أنّ الّذي جاء بالصّدق هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأنّ الّذي صدّق به هم المسلمون «1» .
الصدق اصطلاحا:
قال الرّاغب: الصّدق مطابقة القول الضّمير والمخبر عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تامّا، بل إمّا ألّا يوصف بالصّدق، وإمّا أن يوصف تارة بالصّدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد: محمّد رسول الله، فإنّ هذا يصحّ أن يقال: صدق لكون المخبر عنه كذلك، ويجوز أن يقال كذب لمخالفة قوله ضميره، وبالوجه الثّاني، إكذاب الله المنافقين حيث قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ. (المنافقون/ 1) «2» .
وقال الجرجانيّ: مطابقة الحكم للواقع، وهذا هو ضدّ الكذب «3» .
وقيل: استواء السّرّ والعلانية والظّاهر والباطن بألّا تكذّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.
وجعلوا الإخلاص لازما، والصّدق أعمّ، فقالوا: كلّ صادق مخلص، وليس كلّ مخلص صادقا.
وسئل الجنيد- رحمه الله- عن الصّدق والإخلاص أهما واحد أم بينهما فرق؟ فقال: بينهما فرق. الصّدق أصل، والإخلاص فرع، والصّدق أصل كلّ شيء، والإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في الأعمال، والأعمال لا تكون مقبولة إلّا بهما «4» .
قال القشيريّ: الصّدق أن لا يكون في أحوالك شوب «5» ، ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب.
وقد لخّص الماورديّ- رحمه الله- دواعي الصّدق فقال:
1- العقل: من حيث كونه موجبا لقبح الكذب.
2- الشّرع: حيث ورد بوجوب اتّباع الصّدق وحظر الكذب، والله سبحانه لم يشرع إلّا كلّ خير.
3- المروءة: لأنّها مانعة من الكذب باعثة على الصّدق.
4- حبّ الاشتهار بالصّدق: فمن يتمتّع بهذا الاشتهار بين النّاس، لا يردّ عليه قوله، ولا يلحقه ندم «6» .
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/ 58- 59) .
(2) المفردات للراغب (277) .
(3) التعريفات للجرجاني (132) .
(4) دليل الفالحين (1/ 202) .
(5) الشوب: هو ما اختلط بغيره من الأشياء.
(6) أدب الدنيا والدين (261- 262) .(6/2474)
مجالات الصدق:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: والصّدق ثلاثة:
قول وعمل وحال.
فالصّدق في الأقوال: استواء اللّسان على الأقوال كاستواء السّنبلة على ساقها.
والصّدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة، كاستواء الرّأس على الجسد.
والصّدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص. واستفراغ الوسع وبذل الطّاقة.
فبذلك يكون العبد من الّذين جاءوا بالصّدق. وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صدّيقيّته. كما فعل أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- «1» .
وقد أخبر- سبحانه- أنّه أكرم عباده المتّقين بأن جعل لهم: مدخل صدق ومخرج صدق ولسان صدق وقدم صدق ومقعد صدق.
وحقيقة الصّدق في هذه الأشياء هو الحقّ الثّابت المتّصل بالله، الموصل إلى الله. وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال. وجزاء ذلك في الدّنيا والآخرة «2» .
قال الفيروز اباديّ: والصّدّيق: الرّجل الكثير الصّدق. وقيل: الصّدّيق: من لم يصدر منه الكذب أصلا. وقيل: من صدق بقوله واعتقاده، وحقّق صدقه، قال تعالى في حقّ إبراهيم: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (مريم/ 41) .
فالصّدّيقون: قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ولكنّ درجتهم ثاني درجة النّبيّين. وفي الجملة، منزلة الصّدق من أعظم منازل القوم، الّذي نشأ منه جميع منازل السّالكين. وهو الطّريق الأقوم الّذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين. وبه تميّز أهل النّفاق من أهل الإيمان، وسكّان الجنان من أهل النّيران. وهو سيف الله في أرضه الّذي ما وضع على شيء إلّا قطعه، ولا واجه باطلا إلّا أزاله وصرعه. فهو روح الأعمال، ومحلّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الّذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال «3» .
الرسول صلّى الله عليه وسلّم إمام الصادقين:
لقد كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم أفضل مثال للإنسان الكامل الّذي اتّخذ من الصّدق في القول والأمانة في المعاملة خطّا ثابتا لا يحيد عنه قيد أنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السّجيّة والطّبع فعرف بذلك حتّى قبل البعثة، وكان لذلك يلقّب بالصّادق الأمين، واشتهر بهذا وعرف به بين أقرانه، وقد اتّخذ صلّى الله عليه وسلّم من الصّدق الّذي اشتهر به بين أهله وعشيرته مدخلا إلى المجاهرة بالدّعوة، إذ إنّه لمّا نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) جمع أهله وسألهم عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر من الأمور، فأجابوا بما عرفوا عنه قائلين: ما جرّبنا عليك إلّا
__________
(1) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 281) .
(2) المرجع السابق (2/ 282) .
(3) بصائر ذوي التمييز (3/ 397- 398) .(6/2475)
صدقا، روى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّآ نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ... (الشعراء/ 214) صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» .
فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟
فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (المسد/ 1- 2) .
وقد كان الصّدق من خصائص أقواله صلّى الله عليه وسلّم، يقول صاحب جلاء الأفهام ما خلاصته: لقد كان صلّى الله عليه وسلّم محفوظ اللّسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصّدق مجانبا..
وكانت قريش كلّها تعرف عنه ذلك، ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرّسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرّسالة، ومن لزم الصّدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حقّ نفسه كان في حقوق الله أعصم «1» .
وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق» «2» ، وصدق الله- عزّ وجلّ- إذ قال: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم/ 2- 4) .
تسمية أبي بكر- رضي الله عنه- بالصّدّيق:
لمّا كان حادث الإسراء والمعراج، وأخبر به المصطفى صلّى الله عليه وسلّم قريشا، اختلف النّاس بين مصدّق ومرتاب، ومندهش ومتحيّر، وقد ارتدّ نفر عن الإسلام عند ما حكّموا عقولهم القاصرة، وتجاربهم الّتي ألفوها، لكنّ أبا بكر عند ما أخبر بذلك لم يخالجه شكّ أو يقع في نفسه ريب وأعلن بملء فيه أنّ الرّسول صادق فيما أخبر به، وقد روى الحاكم في المستدرك عنه قوله: «لئن قال ذلك لقد صدق» . فتعجّبوا وقالوا: أو تصدّقه أنّه ذهب اللّيلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح؟ فقال: «وما يعجّبكم من ذلك! فو الله إنّي لأصدّقه بما هو أبعد من ذلك، أصدّقه في خبر السّماء في غدوة أو روحة» ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن وصفه، وكلّما ذكر شيئا قال: صدقت. أشهد أنّك رسول الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنت يا أبا بكر الصّدّيق» «3» فمنذئذ سمّي بالصّدّيق، وقيل سمّي بالصّدّيق لتصديقه هذه الواقعة حين كذّبها النّاس «4» .
__________
(1) انظر: الخصلة السادسة من فضائل أقواله صلّى الله عليه وسلّم (443) من هذه الموسوعة.
(2) انظر الحديث رقم (36) الذي جاء فيه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «سمعت الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم ... » .
(3) المستدرك (3/ 62- 63) ، وانظر أيضا سيرة ابن هشام (1/ 399) .
(4) الرحيق المختوم (27) .(6/2476)
فضل الصدق وأثره:
قال صاحب البصائر: أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصّادقين، وخصّص المنعم عليهم بالنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) ، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (النساء/ 69) ، فهم أهل الرّفيق الأعلى، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ولا يزال الله يمدّهم بنعمه وألطافه، ويزيدهم إحسانا منه وتوفيقا، ولهم مزيّة المعيّة مع الله، فإنّ الله تعالى مع الصّادقين. وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان، والإسلام، والصّدقة، والصّبر، وبأنّهم أهل الصّدق فقال: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ (البقرة/ 177) إلى قوله:
أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وهذا صريح في أنّ الصّدق بالأعمال الظّاهرة والباطنة، وأنّ الصّدق هو مقام الإسلام والإيمان.
وقسّم سبحانه النّاس إلى صادق ومنافق، فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ (الأحزاب/ 24) .
والإيمان أساسه الصّدق، والنّفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلّا وأحدهما يحارب الآخر. وأخبر سبحانه أنّه في القيامة لا ينفع العبد وينجّيه من عذابه إلّا صدقه، فقال تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة/ 119) ، وقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ* لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (الزمر/ 33- 35) ، والّذي جاء بالصّدق هو من شأنه الصّدق في قوله، وعمله، وحاله.
وقد أمر سبحانه رسوله أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصّدق، فقال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. (الإسراء/ 80) .
لسان الصدق- قدم الصدق- مدخل ومخرج الصدق- مقعد الصدق:
وأخبر عن خليله إبراهيم عليه السّلام أنّه سأله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين. وبشّر عباده أنّ لهم قدم صدق، ومقعد صدق؛ فقال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس/ 2) ، وقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ (القمر/ 54- 55) . فهذه خمسة أشياء: مدخل الصّدق، ومخرج الصّدق، ولسان الصّدق، ومقعد الصّدق، وقدم الصّدق. وحقيقة الصّدق في هذه الأشياء هو الحقّ الثّابت المتّصل بالله، الموصّل إلى الله، وهو ما كان به وله من الأعمال والأقوال. وجزاء ذلك في الدّنيا والآخرة.
أمّا لسان الصّدق فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصّدق وليس بالكذب؛ كما قال عن بعض(6/2477)
الأنبياء: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (مريم/ 50) ، والمراد باللّسان ههنا الثناء الحسن، فلمّا كان باللّسان وهو محلّه عبّر عنه به؛ لأنّ اللّسان يراد به ثلاثة معان: هذا، واللّغة كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (إبراهيم/ 4) ، وقوله- عزّ من قائل-: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ (الروم/ 22) ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ (النحل/ 103) ، ويراد به الجارحة نفسها كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
(القيامة/ 16) .
وأمّا قدم الصّدق ففسّر بالجنّة، وفسّر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وفسّر بالأعمال الصّالحة. وحقيقة القدم: ما قدّموه، ويقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدّموا الأعمال والإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويقدمون على الجنّة؛ ومن فسّره بالأعمال وبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلأنّهم قدّموها، وقدّموا الإيمان به بين أيديهم.
وأمّا مقعد الصّدق، فهو الجنّة عند ربّهم تبارك وتعالى.
ووصف ذلك كلّه بالصّدق مستلزم ثبوته واستقراره، وأنّه حقّ، وأنّه متّصل بالحقّ سبحانه، كان به وله.
فمدخل الصّدق ومخرج الصّدق أن يكون دخوله وخروجه حقّا ثابتا لله تعالى ومرضاته، متّصلا بالظّفر ببغيته، وحصول المطلوب، وهو ضدّ مخرج الكذب ومدخله الّذي لا غاية له يوصّل إليها. ولا له ساق ثابتة يقوم عليها؛ كمخرج أعدائه يوم بدر. ومخرج الصّدق كمخرجه هو وأصحابه في ذلك الغزو. وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله، فاتّصل به التّأييد، والظّفر، والنّصر، وإدراك ما طلبه في الدّنيا والآخرة؛ بخلاف مدخل الكذب الّذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب؛ فإنّه لم يكن بالله ولا لله بل محادّة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يتّصل به إلّا الخذلان والبوار.
وكذلك مدخل من دخل من اليهود والمحاربين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصن بني قريظة؛ فإنّه لمّا كان مدخل كذب أصابهم منه ما أصابهم. وكلّ مدخل ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله، فهو مدخل صدق ومخرج صدق، ولذلك فسّر مدخل الصّدق ومخرجه بخروجه من مكّة، ودخوله المدينة. ولا ريب أنّ هذا على سبيل التّمثيل؛ فإنّ هذا المدخل والمخرج من أجلّ مداخله ومخارجه صلّى الله عليه وسلّم؛ وإلّا فمداخله ومخارجه كلّها مداخل صدق ومخارج صدق إذ هي بالله، ولله، وبأمره، ولابتغاء مرضاته. وما خرج أحد من بيته أو دخل سوقا أو مدخلا آخر إلّا بصدق أو كذب.
فمدخل كلّ أحد ومخرجه لا يعدو الصّدق والكذب.
فهو صدق غير كذب، وحقّ غير باطل، ودائم غير زائل، ونافع غير ضارّ، وما للباطل ومتعلّقاته إليه سبيل ولا مدخل.
علامة الصدق:
من علامات الصّدق طمأنينة القلب إليه، ومن علامات الكذب حصول الرّيبة؛ كما في التّرمذيّ مرفوعا: «الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» ، وفي الصّحيحين: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ(6/2478)
يهدي إلى الجنّة وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا، فجعل الصّدق مفتاح الصّدّيقيّة ومبدأها، وهي غايته، فلا ينال درجتها كاذب البتّة، لا في قوله، ولا في عمله، ولا في حاله. ولا سيّما كاذب على الله في أسمائه وصفاته، بنفي ما أثبته لنفسه، أو بإثبات ما نفاه عن نفسه، فليس في هؤلاء صدّيق أبدا، وكذلك الكذب عليه في دينه، وشرعه بتحليل ما حرّمه، وتحريم ما أحلّه، وإسقاط ما أوجبه، وإيجاب ما أسقطه، وكراهة ما أحبّه، واستحباب ما لم يحبّه، كلّ ذلك مناف للصّدّيقيّة. وكذلك الكذب معه في الأعمال بالتّحلّي بحلية الصادقين المخلصين، الزّاهدين المتوكّلين وليس منهم. وكانت الصّدّيقيّة كمال الإخلاص، والانقياد والمتابعة في كلّ الأمور؛ حتّى إنّ صدق المتبايعين يحلّ البركة في بيعهما، وكذبهما يمحو بركة بيعهما. كما في الصّحيحين: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- الأمانة- البر- الوفاء- الإيمان- الاستقامة- الطمأنينة- إقامة الشهادة- اليقين] .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكذب- الافتراء- الإفك- البهتان- الخيانة- نقض العهد- الغدر- شهادة الزور] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (398- 403) ، وقارن بمدارج السالكين (2/ 281) وما بعدها.(6/2479)
الآيات الواردة في «الصدق»
طلب الدليل على الصدق:
1- وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «1»
2- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31)
قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) «2»
3- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «3»
4- وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) «4»
5- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)
* كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93)
فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) «5»
6- الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) «6»
__________
(1) البقرة: 23- 24 مدنية
(2) البقرة: 30- 33 مدنية
(3) البقرة: 94- 95 مدنية
(4) البقرة: 111 مدنية
(5) آل عمران: 92- 95 مدنية
(6) آل عمران: 168 مدنية(6/2480)
7- الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) «1»
8- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) «2»
9- قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) «3»
10- وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (104) . حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (105) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) «4»
11- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) «5»
12- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) «6»
13- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) «7»
14- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) «8»
15- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) «9»
16- خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
__________
(1) آل عمران: 183 مدنية
(2) الأنعام: 40 مكية
(3) الأعراف: 70 مكية
(4) الأعراف: 104- 106 مكية
(5) يونس: 38- 40 مكية
(6) يونس: 48- 49 مكية
(7) هود: 13 مكية
(8) هود: 32 مكية
(9) يوسف: 17 مكية(6/2481)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) «1»
17- قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) «2»
18- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145)
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152)
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)
قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)
فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (157)
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) «3»
19- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177)
__________
(1) الأنبياء: 37- 40 مكية
(2) الشعراء: 23- 33 مكية
(3) الشعراء: 141- 159 مكية(6/2482)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180)
* أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)
وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)
وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (186)
فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)
قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (188)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) «1»
20- أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) «2»
21- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) «3»
22- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) «4»
23- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) «5»
__________
(1) الشعراء: 176- 191 مكية
(2) النمل: 64- 65 مكية
(3) النمل 71- 72 مكية
(4) القصص: 48- 50 مكية
(5) السجدة: 28- 30 مكية(6/2483)
24- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) «1»
25- وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33)
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34)
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)
فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) «2»
26- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «3»
27- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) «4»
28- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «5»
29-* وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) «6»
30- أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) «7»
31- أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85)
فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) «8»
__________
(1) الصافات: 151- 157 مكية
(2) الدخان: 33- 37 مكية
(3) الجاثية: 25- 26 مكية
(4) الأحقاف: 4 مكية
(5) الأحقاف: 11- 12 مكية
(6) الأحقاف: 21- 22 مكية
(7) الطور: 33- 34 مكية
(8) الواقعة: 81- 87 مكية(6/2484)
32- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) «1»
33- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) «2»
34- أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) «3»
الحق والصدق متلازمان:
35- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) «4»
36- الم (1)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) «5»
37- يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) «6»
38- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ
__________
(1) الجمعة: 6- 7 مدنية
(2) الملك: 25- 26 مكية
(3) القلم: 35- 41 مكية
(4) البقرة: 91 مدنية
(5) آل عمران: 1- 4 مدنية
(6) النساء: 47 مدنية(6/2485)
وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «1»
39- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «2»
40- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25)
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26)
وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29) «3»
41- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «4»
__________
(1) المائدة: 44- 48 مدنية
(2) الأنعام: 92 مكية
(3) يوسف: 23- 29 مكية
(4) يوسف: 111 مكية(6/2486)
42- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) «1»
43- وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)
* قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27)
اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28)
قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30)
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) «2»
44- قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)
وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (35) «3»
45- وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7)
لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8) «4»
__________
(1) النور: 6- 9 مدنية
(2) النمل: 20- 31 مكية
(3) القصص 33- 35 مكية
(4) الأحزاب: 7- 8 مدنية(6/2487)
46- وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) «1»
47- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «2»
48- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) «3»
49- وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) «4»
صفات الصادقين:
50-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «5»
51- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «6»
__________
(1) فاطر: 31 مكية
(2) غافر: 28 مدنية
(3) الأحقاف: 29- 30 مكية
(4) الذاريات: 1- 6 مكية
(5) البقرة: 177 مدنية
(6) الحجرات: 15- 18 مدنية(6/2488)
ثواب الصادقين:
52- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16)
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «1»
53- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66)
وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67)
وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69)
ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «2»
54- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)
ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «3»
__________
(1) آل عمران: 14- 17 مدنية
(2) النساء: 65- 70 مدنية
(3) المائدة: 116- 119 مدنية(6/2489)
55- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) «1»
56- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) «2»
الصدق سمة النبيين والملائكة والصالحين:
57- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) «3»
58- مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) «4»
59- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «5»
60- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) «6»
61- فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)
قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)
قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)
__________
(1) يونس: 93 مكية
(2) الليل: 5- 7 مكية
(3) آل عمران: 38- 40 مدنية
(4) المائدة: 75 مدنية
(5) التوبة: 117- 119 مدنية
(6) يوسف: 50- 52 مكية(6/2490)
وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) «1»
62- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) «2»
63- فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «3»
64- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) «4»
65- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي
__________
(1) الحجر: 61- 66 مكية
(2) مريم: 41- 45 مكية
(3) مريم: 49- 55 مكية
(4) مريم: 56- 57 مكية(6/2491)
إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «1»
66- وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «2»
67- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «3»
68- فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) «4»
69- وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) «5»
70- فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) «6»
71-* فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32)
__________
(1) الشعراء: 69- 89 مكية
(2) الأحزاب: 22- 24 مدنية
(3) الأحزاب: 35 مدنية
(4) يس: 50- 52 مكية
(5) الصافات: 36- 37 مكية
(6) الصافات: 101- 110 مكية(6/2492)
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) «1»
72- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «2»
73- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «3»
74- وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) «4»
75- وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) «5»
76- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «6»
77-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ
__________
(1) الزمر: 32- 35 مكية
(2) القمر: 54- 55 مكية
(3) الحديد: 18- 19 مدنية
(4) الحشر: 6- 8 مدنية
(5) الصف: 6 مدنية
(6) التحريم: 11- 12 مدنية(6/2493)
وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1»
من صدق الله صدق الله وعده معه:
78- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) «2»
79- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «3»
80- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «4»
81- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ
__________
(1) المعارج: 19- 35 مكية
(2) آل عمران: 152- 155 مدنية
(3) النساء: 87 مدنية
(4) النساء: 122 مدنية(6/2494)
تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) «1»
82- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «2»
83- وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (146) «3»
84- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1)
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «4»
85- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80)
وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) «5»
__________
(1) المائدة: 110- 115 مدنية
(2) الأنعام: 114- 115 مكية
(3) الأنعام: 146 مكية
(4) يونس: 1- 2 مكية
(5) الإسراء: 78- 81 مكية(6/2495)
86- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73)
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) «1»
87- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «2»
88- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) «3»
الصدق يكشف الحقائق:
89- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «4»
90- قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17) «5»
__________
(1) الزمر: 73- 74 مكية
(2) الأحقاف: 15- 16 مكية
(3) الفتح: 27 مدنية
(4) التوبة: 42- 47 مدنية
(5) يوسف: 17 مكية(6/2496)
91- وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) «1»
92- نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57)
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59)
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) «2»
__________
(1) النمل: 48- 50 مكية
(2) الواقعة: 57- 62 مكية(6/2497)
الأحاديث الواردة في (الصدق)
1-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا، فهو صادق النّيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيّته، فوزرهما سواء» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا اقترب الزّمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب. وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا. ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النّبوّة. والرّؤيا ثلاثة: فرؤيا الصّالحة بشرى من الله. ورؤيا تحزين من الشّيطان. ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلّ، ولا يحدّث بها النّاس» ) * «2» .
3-* (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثائر الرّأس «3» فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصّلاة؟ فقال: «الصّلوات الخمس إلّا أن تطوّع شيئا» . فقال: أخبرني بما فرض الله عليّ من الصّيام؟
فقال: «شهر رمضان إلّا أن تطوّع شيئا» . فقال:
أخبرني ما فرض الله عليّ من الزّكاة؟ قال: فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشرائع الإسلام. قال: والّذي أكرمك بالحقّ، لا أتطوّع شيئا ولا أنقص ممّا فرض الله عليّ شيئا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق، أو دخل الجنّة إن صدق» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدّنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة» ) * «5» .
5-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل شفيع في الجنّة. لم
__________
(1) أحمد (4/ 230) . والترمذي (2325) وقال: حديث حسن صحيح- وهذا لفظه. وابن ماجة برقم (4228) بلفظ قريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 10) كما قال الترمذي.
(2) البخاري- الفتح 12 (7017) ، ومسلم (2263) واللفظ له
(3) ثائر الرأس: منتشر الرأس.
(4) البخاري- الفتح 4 (1891) واللفظ له. ومسلم (11) .
(5) أحمد (2/ 177) واللفظ له، وقال أحمد شاكر (10/ 6652) : إسناده صحيح. قال المنذري في الترغيب (3/ 589) : إسناده حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 314) من رواية عبد الله بن عمر وسكت هو والذهبي عليه.(6/2498)
يصدّق نبيّ من الأنبياء ما صدّقت. وإنّ من الأنبياء نبيّا ما يصدّقه من أمّته إلّا رجل واحد» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انصرف من اثنتين. فقال له ذو اليدين:
أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق ذو اليدين؟» فقال النّاس: نعم.
فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى اثنتين أخريين، ثمّ سلّم ثمّ كبّر، فسجد مثل سجوده، أو أطول» ) * «2» .
7-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «إنّما أنا بشر، وإنّه يأتيني الخصم، فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنّه صادق، فأقضي له بذلك. فمن قضيت له بحقّ مسلم، فإنّما هي قطعة من النّار، فليأخذها أو ليتركها» ) * «3» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاور، حين بلغة إقبال أبي سفيان. قال:
فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة فقال: إيّانا تريد؟
يا رسول الله! والّذي نفسي بيده! لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «4» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها «5» إلى برك الغماد «6» لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا. ووردت عليهم روايا قريش «7» وفيهم غلام أسود لبني الحجّاج.
فأخذوه. فكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه؟ فيقول: ما لي علم بأبي سفيان.
ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة ابن خلف.
فإذا قال ذلك ضربوه. فقال: نعم. أنا أخبركم. هذا أبو سفيان. فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيان علم. ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف في الناس. فإذا قال هذا أيضا ضربوه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّي. فلمّا رأى ذلك انصرف «8» . قال:
«والّذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه «9» إذا كذبكم» . قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصرع فلان» قال: ويضع يده على الأرض، هاهنا وهاهنا.
قال: فما ماط «10» أحدهم عن موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «11» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-
__________
(1) مسلم (196) .
(2) البخاري- الفتح 2 (714) واللفظ له. ومسلم (573) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7181) واللفظ له. ومسلم (1713) .
(4) أن نخيضها البحر لأخضناها: يعني الخيل. أي لو أمرتنا بإدخال خيولنا في البحر وتمشيتنا إياها فيه لفعلنا.
(5) أن نضرب أكبادها: كناية عن ركضها.
(6) برك الغماد: أما برك فهو بفتح الباء وإسكان الراء. وهو موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل.
(7) روايا قريش: أي إبلهم التي كانوا يستقون عليها. فهي الإبل الحوامل للماء. واحدتها راوية.
(8) انصرف: أي سلم من صلاته.
(9) لتضربوه.. وتتركوه: هكذا وردت بحذف النون في الموضعين لغة، لا لناصب ولا جازم.
(10) فما ماط أحدهم: أي تباعد.
(11) مسلم (1779) .(6/2499)
قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أضحى أو فطر إلى المصلّى، ثمّ انصرف فوعظ النّاس وأمرهم بالصّدقة، فقال: «أيّها النّاس، تصدّقوا» . فمرّ على النّساء، فقال: «يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير «1» ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» . ثمّ انصرف. فلمّا صار إلى منزله جاءت زينب امرأة عبد الله بن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله! هذه زينب، فقال: «أيّ الزّيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: «نعم، ائذنوا لها» ، فأذن لها، قالت: يا نبيّ الله، إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق بها، فزعم ابن مسعود أنّه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم» ) * «2» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف «3» بهم، فقال: «اثبت أحد؛ فإنّ «4» عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان» ) * «5» .
11-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: أصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم» ) * «6» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ومعاذ رديفه على الرّحل-، قال:
«يا معاذ بن جبل» . قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك.
قال: «يا معاذ» . قال: لبّيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثا) . قال: «ما من أحد يشهد أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صادقا من قلبه إلّا حرّمه الله على النّار» . قال: يا رسول الله أفلا أخبر به النّاس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتّكلوا» ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثّما «7» ) * «8» .
13-* (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فرأى النّاس يتبايعون. فقال:
«يا معشر التّجّار» ! فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم
__________
(1) العشير: الزوج.
(2) البخاري- الفتح 3 (1462) واللفظ له. ومسلم (1000) من حديث زينب امرأة عبد الله، نحوه.
(3) رجف بهم: أي اضطرب. وذلك معجزة.
(4) هكذا وردت في الفتح والصواب (فإنّما) كما أثبته ابن حجر في شرح الحديث (7/ 47) . وكما هو مدون في صحيح البخاري ج 3 ص 1344- 1345 (تحقيق مصطفى البغا) .
(5) البخاري- الفتح 7 (3675) واللفظ له. ومسلم (2417) والصدّيق هو أبو بكر، والشهيدان هما عمر وعثمان- رضي الله عنهم-. وقد ماتا شهيدين. وعن أبي هريرة، وفيه زيادة على من ذكر عند البخاري: وعلي وطلحة والزبير وسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهم، وأخرى عن أبي هريرة أيضا.
(6) الحاكم في المستدرك (4/ 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه وصححه الذهبي. وأخرجه أحمد (5/ 233، 323) .
(7) قوله: تأثما: أي خشية كتم العلم.
(8) البخاري- الفتح 1 (128) .(6/2500)
القيامة فجّارا، إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «1» .
14-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه كان له جرين «2» تمر، فكان يجده ينقص، فحرسه ليلة، فإذا هو بمثل الغلام المحتلم فسلّم عليه، فردّ السّلام فقال: أجنّي أم إنسيّ؟ فقال: بل جنّي. فقال:
أرني يدك فأراه، فإذا يد كلب وشعر كلب، فقال:
هكذا خلق الجنّ، فقال: لقد علمت الجنّ أنّه ليس فيهم رجل أشدّ منّي. قال: ما جاء بك؟ قال: أنبئنا أنّك تحبّ الصّدقة، فجئنا نصيب من طعامك. قال:
ما يجيرنا منكم؟ قال: تقرأ آية الكرسيّ من سورة البقرة اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قال: نعم. قال: إذا قرأتها غدوة أجرت منّا حتّى تمسي، وإذا قرأتها حين تمسي أجرت منّا حتّى تصبح. قال أبيّ: فغدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته بذلك. فقال «صدق الخبيث» ) * «3» .
15-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رأيت في المنام أنّي أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي «4» إلى أنّها اليمامة أو هجر «5» ، فإذا هي المدينة، يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أنّي هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. ثمّ هززته بأخرى، فعاد أحسن ما يكون، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرا، والله خير، فإذا هم النّفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير، وثواب الصّدق الّذي آتانا الله بعد، يوم بدر» ) * «6» .
61-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ أهل الجنّة يتراءون «7» أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ «8» الغابر «9» في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بلى والّذي نفسي بيده، رجال
__________
(1) الترمذي (1210) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم (2/ 6) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والحديث أورده الهيثمي في المجمع (4/ 73) ، (8/ 36) ونسبه لأحمد والطبراني وقال: رجالهما رجال الصحيح.
(2) الجرن: هو موضع تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة.
(3) الحاكم في المستدرك (1/ 562) وقال: صحيح الإسناد. ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. والهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 118) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(4) وهلى: وهمي واعتقادي.
(5) هجر: مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين.
(6) البخاري- الفتح 6 (3622) . ومسلم (2272) . واللفظ له. وقال أكثر شراح الحديث: معناه ثواب الله خير. أي صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا وتأويل النبي لها: «إذا الخير ما جاء الله به» .
(7) في رواية أبي ذر: «إنّ أهل الجنّة يتراءون» بوزن يتفاعلون. والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم.
(8) الكوكب الدري: الكوكب العظيم. قيل سمي درّيّا لبياضه كالدر. وقيل: لإضاءته.
(9) الغابر: الذاهب الماشي الذي تدلى للغروب وبعد عن العيون.(6/2501)
آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» ) * «1» .
17-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكون صدّيقا، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «2» .
18-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إنّ عليّا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة- رضي الله عنها- فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسمعته حين تشهّد يقول: «أمّا بعد، أنكحت أبا العاص بن الرّبيع فحدّثني وصدقني، وإنّ فاطمة بضعة «3» منّي، وإنّي أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» فترك عليّ الخطبة) * «4» .
19-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا أو قال: حتّى يتفرّقا- فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما «5» » ) * «6» .
20-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينا راع يرعى بالحرّة، إذ عدا الذّئب على شاة من الشّياه، فحال الرّاعي بين الذّئب وبين الشّاة، فأقعى الذّئب على ذنبه، فقال: يا عبد الله! أتحول بيني وبين رزق ساقه الله إليّ. فقال الرّجل: يا عجباه! ذئب يكلّمني بكلام الإنسان. فقال الذّئب: ألا أخبرك بأعجب منّي، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الحرّتين يخبر النّاس بأنباء ما قد سبق، فزوى «7» الرّاعي شياهه إلى زاوية من زوايا المدينة، ثمّ أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النّاس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدق والّذي نفسي بيده» ) * «8»
21-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ «9» ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له:
اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3256) واللفظ له، ومسلم (2831) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6094) واللفظ له، مسلم (2607) .
(3) بضعة: البضعة: قطعة اللحم. وفي مسلم (مضغة) .
(4) البخاري- الفتح 7 (3729) واللفظ له، ومسلم (2449) .
(5) محقت بركة بيعهما: أي ذهبت بركته، وهي زيادته ونماؤه.
(6) البخاري- الفتح 4 (2079) . واللفظ له ومسلم (1532) .
(7) زوى: جمع.
(8) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 467) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. والهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 291- 292) وقال: رجاله رجال الصحيح.
(9) فرق من أرزّ: الفرق مكيال يسع ثلاثة آصع.(6/2502)
الفرق فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا.
فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وإنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها. فقالت: اتّق الله، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة دّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «1» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم. رجل كان له فضل ماء بالطّريق فمنعه من ابن السّبيل، ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلّا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر.
فقال: والله الّذي لا إله غيره لقد أعطيت بهذا كذا وكذا، فصدّقه رجل، ثمّ قرأ هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (آل عمران/ 77) » ) * «2» .
23-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فامن به، واتّبعه وصدّقه، فله أجران.
وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها، ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها، فله أجران» ) * «3» .
24-* (عن أبي محمّد، الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك «4» إلى ما لا يريبك، فإنّ الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» ) * «5» .
25-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- في حديث صلاة الكسوف قالت: دخلت على
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له، ومسلم (2743) إلا أنه لم يأت بلفظ «الصدق» .
(2) البخاري- الفتح 5 (2358) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2544) جزء منه وهو ما يخص الجارية، (2547) جزء آخر ما يخص الجارية والمملوك، وساقه كاملا في 6 (3011) . ومسلم (154) واللفظ له.
(4) يريبك: من الريب وهو الشك والتهمة، ويروى بفتح الياء وضمها.
(5) رواه الترمذي (2518) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 327، 328) وقال محقق جامع الأصول (6/ 443، 444) : إسناده صحيح.(6/2503)
عائشة- رضي الله عنها- والنّاس يصلّون قلت: ما شأن النّاس؟ فأشارت برأسها إلى السّماء، فقلت: آية؟
فأشارت برأسها أي نعم قالت: فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جدّا حتّى تجلّاني الغشي «1» ، وإلى جنبي قربة فيها ماء ففتحتها، فجعلت أصبّ منها على رأسي، فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد تجلّت الشّمس، فخطب النّاس وحمد الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد» . قالت:
ولغط «2» نسوة من الأنصار، فانكفأت إليهنّ لأسكّتهنّ، فقلت لعائشة: ما قال؟ قالت: قال: «ما من شيء لم أكن أريته إلّا قد رأيته في مقامي هذا، حتّى الجنّة والنّار، وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور مثل- أو قريبا- من فتنة المسيح الدّجّال، يؤتى أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن (شكّ هشام) - فيقول: هو رسول الله، هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم، جاءنا بالبيّنات والهدى فامنّا وأجبنا واتّبعنا وصدّقنا. فيقال له: نم صالحا، قد كنّا نعلم إن كنت لتؤمن به. وأمّا المنافق- أو قال: المرتاب (شكّ هشام) - فيقال له: ما علمك بهذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «3» .
26-* (عن سويد بن حنظلة- رضي الله عنه- قال: خرجنا نريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدوّ له، فتحرّج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنّه أخي، فخلّى سبيله. فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته أنّ القوم تحرّجوا أن يحلفوا، وحلفت أنّه أخي، قال: «صدقت، المسلم أخو المسلم» ) * «4» .
27-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث الإفك قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة:
فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي.
فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب ... الحديث، وفيه: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث «5» الوحي.
يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله! هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة. فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ! إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه «6» عليها، أكثر من أنّها
__________
(1) تجلّاني الغشي: أي غطّاني ما ينوب الإنسان من الغيبوبة.
(2) لغط نسوة: صوّتن أصواتا مختلطة مبهمة لا تفهم.
(3) البخاري- الفتح 2 (922) واللفظ له. ومسلم (905) .
(4) أبو داود (3256) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 628) : صحيح وهو في صحيح ابن ماجة (2119) . ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 300) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
(5) استلبث: تأخر ولم ينزل.
(6) أغمصه: أي أعيبها به.(6/2504)
جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «1» فتأكله ... الحديث إلى أن قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.
وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت:
فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد.
يا عائشة! فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب.
فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «2» حتّى ما أحسّ منه قطرة.
فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال.
فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به، فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا، والله! حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله! ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم» .. إلى آخر الحديث) * «4» .
28-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- فى حديث توبته وصاحبيه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك.
غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون غير قريش. حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام «5» . وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ. حتّى جمعتهما في تلك الغزوة.
__________
(1) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(2) قلص دمعي: أي ارتفع لاستعظام ما يصيبني من الكلام.
(3) ما رام: أي ما فارق
(4) البخاري- الفتح 7 (4141) ، ومسلم (2770) واللفظ له.
(5) تواثقنا على الإسلام: أي تبايعنا عليه وتعاهدنا.(6/2505)
فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «1» . واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الّذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب، يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عزّ وجلّ- وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «2» . فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه.
وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم. فأرجع ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت.
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ.
فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه. ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط «3» الغزو. فهممت أن أرتحل فأدركهم. فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس، بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة.
إلّا رجلا مغموصا «4» عليه في النّفاق. أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بلغ تبوكا «5» فقال، وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» . فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت. والله! يا رسول الله! ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبينما فهو على ذلك رأى رجلا مبيّضا «7» يزول به «8» السّراب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ. وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه «9» المنافقون. فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد توجّه قافلا من تبوك، حضرني بثّي «10» ، فطفقت أتذكّر الكذب، وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أظلّ قادما، زاح عنّي الباطل، حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه «11» . وصبّح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قادما.
وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين.
ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال:
«تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال
__________
(1) مفازا: أي برية طويلة قليلة الماء. يخاف فيها الهلاك.
(2) أصعر: أميل.
(3) تفارط: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.
(4) مغموصا: متهما به.
(5) تبوكا: بالتنوين، وكأنه صرفها لإرادة الموقع دون البقعة.
(6) عطفيه: جانبيه وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(7) مبيّضا: لابس البياض.
(8) يزول به: يتحرك به.
(9) لمزه: عابوه واحتقروه.
(10) بثّي: البث هو أشد الحزن.
(11) أجمعت صدقه: أي عزمت عليه.(6/2506)
لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال:
قلت يا رسول الله! إنّي، والله! لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر.
ولقد أعطيت جدلا «1» . ولكنّي، والله! لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «2» ، إنّي لأرجو فيه عقبى الله «3» .
والله! ما كان لي عذر. والله! ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أمّا هذا فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» .
فقمت. وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي:
والله! ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لك. قال: فو الله! ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكذّب نفسي. قال:
ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا:
نعم. لقيه معك رجلان. قالا مثل ما قلت. فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال:
فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا «4» وقعدا في بيوتهما يبكيان. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم «5» وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطواف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام، أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي.
حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت «6» جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ. فسلّمت عليه فو الله! ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة! أنشدك بالله هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟ قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته. فقال: الله ورسوله أعلم.
ففاضت عيناي، وتولّيت، حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ «7» من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك. قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ. حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان. وكنت
__________
(1) أعطيت جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة.
(2) تجد عليّ فيه: أي تغضب.
(3) إني لأرجو فيه عقبى الله: أي يعقبني خيرا وأن يثيبني عليه.
(4) استكانا: خضعا.
(5) أشب القوم: أصغرهم سنّا.
(6) تسورت: صعدت سوره.
(7) نبطيّ: هم فلاحو العجم.(6/2507)
كاتبا. فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. قال: فقلت، حين قرأتها:
وهذه أيضا من البلاء. فتياممت «1» بها التّنّور فسجرتها «2» بها. حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث «3» الوحي، إذا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا.
بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال: فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت له:
يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال: «لا. ولكن لا يقربنّك» . فقالت: إنّه، والله! ما به حركة إلى شيء.
ووالله! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه. قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ. قال: فلبثت بذلك عشر ليال. فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة، على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى «4» على سلع «5» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشر.
قال: فخررت ساجدا. وعرفت أن قد جاء فرج. قال فاذن «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني.
فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله! ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله! ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك
__________
(1) فتياممت: قصدت.
(2) سجرتها: أحرقتها.
(3) استلبث: أبطأ.
(4) أوفى: صعد وارتفع.
(5) سلع: جبل بالمدينة.
(6) فاذن: فأعلم.
(7) أتأمّم: أقصد.(6/2508)
منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت: أمن عندك يا رسول الله! أم من عند الله؟. فقال: «لا. بل من عند الله» .
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله! إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» . قال:
فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت:
يا رسول الله! إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله! ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، أحسن ممّا أبلاني الله به. والله! ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-:
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب:
والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95، 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه.
فبذلك قال الله- عزّ وجلّ-: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «2» .
29-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب. شديد سواد الشّعر. لا يرى عليه أثر السّفر. ولا يعرفه منّا أحد.
حتّى جلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه. وقال: يا محمّد! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقيم
__________
(1) أرجأ: أخر.
(2) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) واللفظ له.(6/2509)
الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» قال: صدقت. قال:
فعجبنا له يسأله ويصدّقه. قال: فأخبرني عن الإيمان.
قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» قال: صدقت. قال:
فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» . قال: فأخبرني عن السّاعة.
قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» قال:
فأخبرني عن أمارتها «1» . قال: «أن تلد الأمة ربّتها «2» .
وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشّاء، يتطاولون في البنيان «3» » . قال: ثمّ انطلق. فلبثت مليّا «4» . ثمّ قال لي: «يا عمر! أتدري من السّائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه جبريل. أتاكم يعلّمكم دينكم» ) * «5» .
30-* (عن أبي سفيان صخر بن حرب- رضي الله عنه- في حديثه في قصّة هرقل قال هرقل: فماذا يأمركم؟ - يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قال أبو سفيان قلت:
يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدق، والعفاف، والصّلة» ... الحديث) * «6» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح «7» . ثمّ حبّب إليه الخلاء.
فكان يخلوا بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد. قبل أن يرجع إلى أهله. ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني «8» حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ. قال فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال:
اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ الآية 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «9» حتّى دخل على خديجة. فقال:
«زمّلوني «10» ، زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة! مالي» وأخبرها الخبر. قال:
«لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا.
__________
(1) أمارتها: الأمارة بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة.
(2) ربتها: معنى ربها وربتها: سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها.
(3) العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان: أما العالة فهم الفقراء. والعائل الفقير. والعيلة الفقر. وعال الرجل يعيل عيلة. أي افتقر. والرعاء ويقال فيهم: رعاة، ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان.
(4) فلبث مليا: أي وقتا طويلا.
(5) البخاري- الفتح 1 (50) من حديث أبي هريرة. ومسلم (8) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773)
(7) فلق الصبح: ضياؤه.
(8) غطني: عصرني وضمني.
(9) ترجف بوادره: معنى ترجف: ترعد وتضطرب. البوادر: جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق.
(10) زملوني: غطوني بالثياب ولفوني.(6/2510)
أبشر. فو الله! لا يخزيك الله أبدا. والله! إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «1» ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ «2» . فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «3» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، يا ليتني فيها جذعا «4» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «5» .
32-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثمّ قال: «صدق الله ورسوله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
(التغابن/ 15) . رأيت ولديّ هذين فلم أصبر حتّى نزلت فأخذتهما» ، ثمّ أخذ في خطبته) * «6» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنّبة اليمنى، وجعل الزّبير على المجنّبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة «7» وبطن الوادي. فقال: «يا أبا هريرة! ادع لي الأنصار» .
فدعوتهم. فجاءوا يهرولون. فقال: «يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش «8» قريش؟» . قالوا: نعم. قال:
«انظروا، إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا» .
وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله. وقال: «موعدكم الصّفا» . قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلّا أناموه «9» .
قال: وصعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّفا، وجاءت الأنصار.
فأطافوا بالصّفا فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم قال أبو
__________
(1) تحمل الكلّ: أي تنفق على الضعيف واليتيم والعيال.
(2) وتعين على نوائب الحق: النوائب جمع نائبة وهي الحادثة.
(3) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(4) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويّا، حتى أبالغ في نصرك.
(5) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له.
(6) الحاكم في المستدرك (1/ 287) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه. والذهبي في التلخيص. ورواه الحاكم من طريق آخر عن بريدة (4/ 189) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
(7) البياذقة: هم الرجالة (وهو فارسي معرب) .
(8) أوباش: جموع من شتى البطون.
(9) أناموه: أي قتلوه فوقع إلى الأرض.(6/2511)
سفيان: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السّلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.. فقالت الأنصار: أمّا الرّجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته. ونزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: «قلتم أمّا الرّجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته. ألا فما اسمي إذا! (ثلاث مرّات) أنا محمّد عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم» . قالوا: والله! ما قلنا إلّا ضنّا «1» بالله ورسوله. قال: «فإنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» ) * «2» .
34-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.
فذكرت ذلك لعمّي- أو لعمر- فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدعاني فحدّثته. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومقتك، فأنزل الله تعالى إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ... فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقرأ فقال: «إنّ الله قد صدّقك يا زيد» ) * «3» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمّهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلّا بالله، ولا تحلفوا بالله- عزّ وجلّ- إلّا وأنتم صادقون» ) * «4» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت الصّادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم، صاحب هذه الحجرة، يقول: «لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ» ) * «5» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ولا ينبغي لصدّيق أن يكون لعّانا» ) * «6» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى كاهنا فصدّقه بما يقول أو أتى امرأته حائضا، أو أتى امرأته في دبرها فقد برأ ممّا أنزل الله على محمّد» ) * «7» .
__________
(1) الضن: هو الشح.
(2) مسلم (1780) .
(3) البخاري- الفتح 8 (4900) واللفظ له. ومسلم (2772) نحو حديث البخاري.
(4) أبو داود (3248) واللفظ له. وقال الألباني (2/ 627) : صحيح وفي صحيح سنن النسائي (3529) والنسائي (7/ 5) . قال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح. انظر جامع الأصول (11/ 655) .
(5) أبو داود (4942) واللفظ له. وقال الألباني (3/ 933) : حسن وكذا الترمذي والمشكاة وصحيح الجامع والترمذي (323) برقم (1924) وقال: هذا حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (4/ 516) : وهو حديث حسن.
(6) مسلم (2597) .
(7) أبو داود (3904) . وقال الألباني (2/ 739) : صحيح وفي صحيح سنن ابن ماجة (522) . والترمذي (135) . وقال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وابن ماجة (639) وساق كلام الترمذي فيه قال: إنما معنى الحديث عند أهل العلم على التغليظ. وقال محقق جامع الأصول (5/ 65) : وهو حديث صحيح.(6/2512)
39-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب الشّهادة صادقا، أعطيها ولو لم تصبه» ) * «1» .
ونحوه من حديث سهل بن حنيف أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سأل الله الشّهادة بصدق بلّغه الله منازل الشّهداء، وإن مات على فراشه» ) * «2» .
() الأحاديث الواردة في (الصدق) معنى
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غزا نبيّ من الأنبياء فقال لقومه:
لا يتبعني رجل ملك بضع «3» امرأة، وهو يريد أن يبني بها «4» ولمّا يبن بها. ولا أحد بنى بيوتا، لم يرفع سقوفها، ولا آخر اشترى غنما أو خلفات «5» وهو ينتظر ولادها «6» .
فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك.
فقال للشّمس: إنّك مأمورة، وأنا مأمور. اللهمّ احبسها علينا، فحبست حتّى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم فجاءت- يعني النّار- لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إنّ فيكم غلولا، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول «7» فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذّهب فوضعوها فجاءت النّار فأكلتها، ثمّ أحلّ الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلّها لنا» ) * «8» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصدق)
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
شهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيبر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل ممّن معه يدّعي الإسلام: «هذا من أهل النّار» .
فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل من أشدّ القتال، وكثرت به الجراح فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أرأيت الّذي تحدّثت أنّه من أهل النّار، قاتل في سبيل الله من أشدّ القتال فكثرت به الجراح. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه من أهل النار» . فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هو على ذلك إذ وجد الرّجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته، فانتزع منها سهما فانتحر بها، فاشتدّ رجال من المسلمين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله! صدّق الله حديثك، قد
__________
(1) مسلم (1908) .
(2) مسلم (1909) .
(3) بضع: بضم الباء هو فرج المرأة، أي ملك فرجها بالنكاح.
(4) يبني بها: يدخل بها.
(5) الخلفات: بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام: جمع خلفة وهي الناقة الحامل. وانظر صفة الإخلاص والتقوى.
(6) ولادها: أي نتاجها.
(7) الغلول: الخيانة في المغنم.
(8) البخاري- الفتح 6 (3124) واللفظ له. ومسلم (1747) .(6/2513)
انتحر فلان فقتل نفسه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا بلال قم فأذّن، لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، وإنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرّجل الفاجر» ) * «1» .
42-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- في حديث الحجّ المشهور. قال: فلمّا قدمنا أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن نحلّ. وقال: «أحلّوا وأصيبوا من النّساء» ، قال جابر: ولم يعزم عليهم، ولكن أحلّهنّ لهم. فبلغه أنّا نقول لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس أمرنا أن نحلّ إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي قال: ويقول جابر بيده هكذا وحرّكها، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم، ولولا هديي لحللت كما تحلّون فحلّوا، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت. فحللنا وسمعنا وأطعنا» ) * «2» .
43-* (عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاء وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطّائفتين، إمّا السّبي وإمّا المال فقد كنت استأنيت بهم» ... الحديث» ) * «3» .
44-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:
«أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (المسد/ 1- 2) * «4» .
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الصدق)
1-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «من كانت له عند النّاس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث، من إذا حدّثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفّى لهم، وجب له عليهم أن تحبّه قلوبهم، وتنطق بالثّناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم» ) * «5» .
2-* (عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي الله عنها-: أرأيت قول الله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «6» أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: والله لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6606) .
(2) البخاري- الفتح 13 (736) واللفظ له، ومسلم (1216) .
(3) البخاري- الفتح 4 (2307، 2308) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4770) .
(5) الآداب الشرعية: 1/ 29.
(6) يوسف: 110.(6/2514)
وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عريّة، لقد استيقنوا بذلك.
قلت: فلعلّها (أو كذبوا) . قالت: معاذ الله، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية. قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النّصر، حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر الله» ) * «1» .
3-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- في حديث الغيرة قالت: «ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صدق» ) * «2» .
4-* (وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال:
تقوى الله- عزّ وجلّ-، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني، ثمّ قال:
ألا ربّ من تغتشّه «3» لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين) * «4» .
5-* (قال نافع مولى ابن عمر: «طاف ابن عمر سبعا وصلّى ركعتين، فقال رجل من قريش: ما أسرع ما طفت وصلّيت يا أبا عبد الرّحمن؟ فقال ابن عمر: «أنتم أكثر منّا طوافا وصياما ونحن خير منكم بصدق الحديث وأداء الأمانة وإنجاز الوعد» ) * «5» .
6-* (وأنشد محمود الورّاق:
اصدق حديثك إنّ في الصّ ... دق الخلاص من الدّنس
ودع الكذوب لشأنه ... خير من الكذب الخرس) * «6» .
7-* (وقال منصور الفقيه:
الصّدق أولى ما به ... دان امرؤ فاجعله دينا
ودع النّفاق فما رأي ... ت منافقا إلّا مهينا) * «7» .
8-* (قال عبد الواحد بن زيد: «الصّدق الوفاء لله بالعمل» ) * «8» .
9-* (وقال إبراهيم الخوّاص: «الصّادق لا تراه إلّا في فرض يؤدّيه، أو فضل يعمل فيه» ) * «9» .
10-* (وقال الجنيد: «حقيقة الصّدق: أن تصدق في موطن لا ينجّيك منه إلّا الكذب» ) * «10» .
11-* (وقيل: «ثلاث لا تخطأ الصّادق:
الحلاوة، والملاحة، والهيبة» ) * «11» .
12-* (وقال يوسف بن أسباط: «لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصّدق أحبّ إليّ من أن أضرب
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3389) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5224) واللفظ له، ومسلم (2182) .
(3) تغتشه: تظن به الغش.
(4) الآداب الشرعية (1/ 39) .
(5) مدارج السالكين (2/ 290) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(6/2515)
بسيفي في سبيل الله» ) * «1» .
13-* (وقال بعضهم: «من لم يؤدّ الفرض الدّائم لم يقبل منه الفرض المؤقّت. قيل: وما الفرض الدّائم؟ قال: الصدق» ) * «2» .
14-* (وقيل: من طلب الله بالصّدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحقّ والباطل» ) * «3» .
15-* (وقيل: «عليك بالصّدق حيث تخاف أنّه يضرّك، فإنّه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنّه ينفعك فإنّه يضرّ بك» ) * «4» .
16-* (وقيل: «ما أملق «5» تاجر صدق» ) * «6» .
17-* (وقال الشّاعر:
قم لوجه الله بالحقّ وكن ... صادق الوعد فمن يخلف يلم) * «7» .
() من فوائد (الصدق)
(1) الصّدق طريق الأبرار إلى الجنّة.
(2) الصّادقون هم أحباب الله المقرّبون.
(3) مدح الله أنبياءه وخلّاصه بأنّهم مصدّقون وصادقون ويوم القيامة ينفعهم صدقهم.
(4) الصّادقون يحبّهم النّاس ويثقون بهم ويأتمنونهم في سائر معاملاتهم.
(5) الصّادق يعتزّ بنفسه ويرفع نفسه بين أفراد مجتمعه.
(6) الصّدق يرفع الأعمال ويعلي شأنها.
(7) الصّدق دليل القوّة وسمة الثّقة بالنّفس.
(8) الصّدق منجاة والكذب مهواة.
(9) الصّدق في الحديث يجعله مؤثّرا في القلوب.
(10) الصّادق محشور مع النّبيّين والشّهداء والصّالحين.
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 290) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) أملق: افتقر.
(6) مدارج السالكين (2/ 290) .
(7) الآداب الشرعية (1/ 39) .(6/2516)
الصدقة
الصدقة لغة:
اسم لما يتصدّق به وهو مأخوذ من مادّة (ص د ق) الّتي تدلّ على قوّة في الشّيء قولا أو غيره، ومن ذلك أخذ الصّدق لقوّته في نفسه، ومن الصّدق أخذت الصّدقة، لأنّها تدلّ على صدق العبوديّة لله- تعالى- والصّدقة ما تصدّقت به على الفقراء (أو المساكين) ، والمتصدّق هو الّذي يعطي الصّدقة، ولا يقال ذلك للّذي يسأل الصدقة ليأخذها، والعامّة تغلط في ذلك، وقال بعض أهل اللّغة: إنّ المتصدّق يقال للاثنين جميعا أي الّذي يعطي الصّدقة والّذي يسألها، والمصدّق يقال به على معنيين: الّذي يصدّقك في حديثك، والّذي يأخذ صدقات الغنم (ونحوها) ، وقول الله- تعالى-: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ (الحديد/ 18) بتشديد الصّاد أصله المتصدّقين فقلبت التّاء صادا وأدغمت في الصّاد، والصّدقة ما أعطيته في ذات الله للفقراء، يقال
تصدّق عليه (أعطاه الصّدقة) ، وفي الحديث لمّا قرأ القارأ قوله تعالى وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر/ 18) .
قال صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّق رجل من ديناره، ومن درهمه، ومن ثوبه» ، أي ليتصدّق، لفظه الخبر، ومعناه الأمر كقولهم:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
13/ 31/ 7
أنجز حرّ ما وعد، أي لينجز. ويقال صدّق عليه في معنى تصدّق كما في قوله- عزّ وجلّ- فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (القيامة/ 31) ، وفي حديث الزّكاة لا تؤخذ في الصّدقة هرمة ولا تيس إلّا أن يشاء المصدّق.
رويت بفتح الصّاد مخفّفة وبفتح الدّال وكسرها، فعلى رواية فتح الدّال- وهي لأبي عبيد- صاحب الماشية وعلى رواية الكسر- وهي للجمهور- عامل الزّكاة، وقال أبو موسى (المدينيّ) : الرّواية بتشديد الصّاد مفتوحة، وتشديد الدّال مكسورة وهو صاحب المال وأصله المتصدّق، والصّدقة في هذا الحديث هي المفروضة أو الواجبة، قال الرّاغب: وقد يسمّى الواجب صدقة إذا تحرّى صاحبها الصّدق في فعله، قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (التوبة/ 60) ، ويقال أيضا لما يتجافى عنه الإنسان من حقّه: تصدّق به، وذلك قوله عزّ وجلّ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ (المائدة/ 45) ، وقوله- عزّ من قائل- وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (البقرة/ 280) . أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصّدقة، وعلى هذا ما ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما تأكله العافية «1» فهو صدقة» ، وقول الله
__________
(1) العافية والعافي كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. وجمعها العوافي، انظر النهاية (3/ 266) .(6/2517)
- عزّ وجلّ- فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (المنافقون/ 10) ويحتمل أن يكون من الصّدق أو من الصّدقة «1» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: هي العطيّة يبتغى بها المثوبة من الله- تعالى- وقال الرّاغب: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكنّ الصّدقة في الأصل تقال للمتطوّع به، والزّكاة للواجب «2» .
وقال التّهانويّ: الصّدقة: عطيّة يراد بها المثوبة لا التّكرمة؛ لأنّ بها يظهر الصّدق في العبوديّة، وهي أعمّ من الزّكاة، وقد تطلق عليها أيضا «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإخلاص التقوى- الإسلام- اليقين- الأمانة- البر- الوفاء- الاستقامة- الطمأنينة- إقامة الشهادة- الزكاة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الشح الجحود- قطيعة الرحم- الكنز- نكران الجميل] .
__________
(1) بتصرف يسير من المراجع الآتية: مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 339) ، والصحاح للجوهري (4/ 1506) ، ولسان العرب، لابن منظور (ص 2419) (ط. دار المعارف) ، والمفردات، للراغب (ص 278) .
(2) التعريفات، للجرجاني 138) ، والمفردات للراغب (278) ، وقارن بالتوقيف على مهمات التعريف، للمناوي (214) .
(3) كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي (4/ 260) .(6/2518)
الآيات الواردة في «الصدقة»
الصدقة بمعنى الكفارة:
1- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «1»
2- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «2»
3- وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «3»
صدقة التطوع:
4- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) «4»
5- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) «5»
6*- لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «6»
__________
(1) البقرة: 196 مدنية
(2) النساء: 92 مدنية
(3) المائدة: 45 مدنية
(4) البقرة: 271 مدنية
(5) البقرة: 276 مدنية
(6) النساء: 114 مدنية(6/2519)
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «1»
التصدق بإنظار المعسر:
8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «2»
مصارف الزكاة والصدقات:
9- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59)
* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «3»
فوائد الصدقة:
10- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «4»
التّصدّق من سمات الصالحين والمؤمنين:
11- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) «5»
12- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
__________
(1) المجادلة: 12- 13 مدنية
(2) البقرة: 278- 280 مدنية
(3) التوبة: 58- 60 مدنية
(4) التوبة: 103- 104 مدنية
(5) يوسف: 88 مكية(6/2520)
وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «1»
وقت الصدقة:
13- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) «2»
__________
(1) الأحزاب: 35 مدنية
(2) المنافقون: 10 مدنية(6/2521)
الأحاديث الواردة في (الصدقة)
1-* (عن ابن السّاعديّ المالكيّ أنّه قال:
استعملني «1» عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على الصّدقة. فلمّا فرغت منها، وأدّيتها إليه، أمر لي بعمالة «2» . فقلت: إنّما عملت لله وأجري على الله.
فقال: خذ ما أعطيت، فإنّي عملت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعمّلني «3» . فقلت مثل قولك. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل، فكل وتصدّق» ) * «4» .
2-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته ...
الحديث وفيه: وأهل الجنّة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال» ... الحديث) * «5» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر ابن الخطّاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟. قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها» .
قال: فتصدّق بها عمر أنّه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدّق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرّقاب وفي سبيل الله وابن السّبيل، والضّيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متموّل.
قال (الرّاوي) : فحدّثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثّل مالا) * «6» .
4-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ فاطمة- عليها السّلام- ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة. فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به،
فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، وأمّا خيبر وفدك، فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه «7» ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم» ) * «8» .
__________
(1) استعملني: أي جعلني عاملا على الصدقة، أي على أخذها وجمعها.
(2) بعمالة: أجرة عمل.
(3) فعمّلني: أي أعطاني عمالتي وأجرة عملي.
(4) مسلم (1045) .
(5) مسلم (2865) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2737) واللفظ له. ومسلم (1632) . وقوله غير متأثل مالا: أي غير جامع مالا.
(7) تعروه: التي تقصده لطلب رفده واعتراه أمر أي أصابه.
(8) البخاري- الفتح 6 (3092- 3093) .(6/2522)
5-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله ذهب أهل الدّثور «1» بالأجور يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم ويتصدّقون بفضول أموالهم.
قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع «2» أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «3» .
6-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على أمّ مبشّر الأنصاريّة في نخل لها. فقال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من غرس هذا النّخل؟. أمسلم أم كافر؟» فقالت: بل مسلم. فقال: «لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، ولا دابّة ولا شيء إلّا كانت له صدقة» ) * «4» .
7-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها «5» ، كانت له صدقة «6» » ) * «7» .
8-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله. فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فتردّ في فقرائهم. فإن هم أطاعوا لذلك، فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «8» .
9-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» ، قال: «ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر. وأحدّثكم حديثا فاحفظوه» ، قال: «إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة، يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو نيّته. فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم
__________
(1) أهل الدثور: أصحاب الأموال.
(2) البضع: هو فرج المرأة. ويطلق على الجماع.
(3) مسلم (1006) . وردت فيه «أجرا» بالرفع على أنه اسم كان مؤخر، وخبرها الجار والمجرور، وبالنصب على أنه خبر كان واسمها مقدر تقديره كان ذلك أجرا له.
(4) مسلم (1552) .
(5) أي يقصد بها طلب الثواب.
(6) أي يثاب عليها كما يثاب على الصدقة.
(7) مسلم (1002) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1458) .(6/2523)
لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «1» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! نبّئني، ما حقّ النّاس منّي بحسن الصّحبة؟ فقال:
«نعم. وأبيك! لتنبّأنّ. أمّك؟» . قال: ثمّ من؟ قال:
«ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أبوك» قال: نبئّني يا رسول الله عن مالي، كيف أتصدّق فيه؟ قال: «نعم. والله! لتنبّأنّ.
أن تصدّق وأنت صحيح شحيح. تأمل العيش وتخاف الفقر. ولا تمهل حتّى إذا بلغت نفسك هاهنا، قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان. وهو لهم وإن كرهت» ) * «2» .
11-* (عن المنذر بن جرير عن أبيه؛ قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار، قال:
فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار أو العباء. متقلّدي السّيوف، عامّتهم من مضر بل كلّهم من مضر.
فتمعّر «3» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة.
فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، والآية الّتي في الحشر اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) تصدّق رجل من ديناره من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ، ولو بشقّ تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب.
حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة «4» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «5» .
12-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخازن المسلم الأمين الّذي ينفّذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به كاملا موفّرا طيّبا به نفسه فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» ) * «6» .
__________
(1) الترمذي (2325) . وقال: هذا حديث حسن صحيح وبعضه عند مسلم (2588) . ورواه أحمد (4/ 231) .
(2) ابن ماجة 2 (2706) . والحديث أصله في الصحيحين.
(3) فتمعر: انقبض وتغير.
(4) مذهبة: قال ابن الأثير هكذا جاء في سنن النسائي وبعض طرق مسلم والرواية بالدال المهملة والنون وقد تقدمت. فإن صحت الرواية فهي من الشيء المذهب وهو المموّه بالذهب أو من قولهم: فرس مذهب إذا علت حمرته صفرة. والأنثى مذهبة وإنما خصّ الأنثى بالذكر لأنها أصفى لونا وأرق بشرة.
(5) مسلم (1017) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1438) واللفظ له. ومسلم (1023) .(6/2524)
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه «1» يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل «2» . وشابّ نشأ بعبادة الله «3» .
ورجل قلبه معلّق في المساجد «4» . ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه «5» . ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال «6» . فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «7» .
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحرّ والذّكر والأنثى والصّغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة) * «8» .
15-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعيذك بالله يا كعب ابن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة، الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت «9» إلّا كانت النّار أولى به» ) * «10» .
16-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها «11» وأكثرها ثمنا» .
قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق «12» » قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) * «13» .
__________
(1) يظلهم الله في ظله: المراد هنا ظل العرش. والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين. ودنت منهم الشمس، وأخذهم العرق. ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش.
(2) الإمام العادل: هو كل من إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام.
(3) شاب نشأ بعبادة الله: أي نشأ متلبسا للعبادة، أو مصاحبا لها أو ملتصقا بها.
(4) ورجل قلبه معلق في المساجد: أي شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد.
(5) ورجلان تحابا في الله ... : أي اجتمعا وتفرقا على الله، وكانا صادقين في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما.
(6) ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال: أي ذات الحسب، والنسب، والجمال، ومعنى دعته أي دعته إلى الزنا بها.
(7) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 3 (1503) واللفظ له. ومسلم (984) .
(9) السحت: هو المال الحرام.
(10) الترمذي (614) واللفظ له، وقال حديث حسن غريب. وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1/ 189) برقم (501) ، والنسائي (7/ 160) . والحاكم في المستدرك (4/ 422) . وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(11) أنفسها عند أهلها: أي أرفعها وأجودها.
(12) تصنع لأخرق: الأخرق: هو الذي ليس بصانع. يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء، لمن لا صنعة له.
(13) مسلم (84) .(6/2525)
17-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير:
الصّوم جنّة، والصدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا:
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ» ) * «1» .
18-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ معروف صدقة» ) * «2» .
19-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة «3» » ) * «4» .
20-* (عن زينب الثّقفيّة امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟
فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمرّ علينا بلال، فقلت: سل النّبيّ:
أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» قال: زينب. قال: «أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. قال: «نعم، ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «5» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يتصدّق أحد بتمرة من كسب طيّب، إلّا أخذها الله بيمينه، فيربّيها كما يربّى أحدكم فلوّه أو قلوصه «6» . حتّى تكون مثل الجبل أو أعظم» ) * «7» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين بهذا الطّوّاف الّذي يطوف على النّاس، فتردّه اللّقمة واللّقمتان.
والتّمرة والتّمرتان» . قال: فما المسكين؟ يا رسول الله! قال: «الّذي لا يجد غنى يغنيه. ولا يفطن له.
فيتصدّق عليه، ولا يسأل النّاس شيئا» ) * «8» .
__________
(1) الترمذي (2616) . واللفظ له وقال: حسن صحيح وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (3/ 13) ، وابن ماجة (3973) . وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29- 30) : صحيح.
(2) البخاري- الفتح 10 (6021) واللفظ له. ومسلم (1005) .
(3) مخيلة: التعاجب والتفاخر.
(4) النسائي (5/ 79) واللفظ له وحسنه الألباني (صحيح النسائي برقم 2399) . وابن ماجة (3605) . والحاكم في المستدرك (4/ 135) . وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(5) البخاري- الفتح 3 (1466) واللفظ له. ومسلم (1000) .
(6) قلوصه: هي الناقة الفتية.
(7) البخاري- الفتح 3 (1410) . ومسلم (1014) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 3 (1476) . ومسلم (1039) واللفظ له.(6/2526)
23-* (عن المقدام بن معديكرب الزّبيديّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما كسب الرّجل كسبا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرّجل على نفسه وأهله وولده وخادمه، فهو صدقة» ) * «1» .
24-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة» ) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما نقصت صدقة من مال «3» ، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا «4» ، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله «5» » ) * «6» .
26-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال عمر- رضي الله عنه-: من يحفظ حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قال حذيفة: أنا سمعته يقول:
«فتنة الرّجل في أهله وماله وجاره، تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة» ... الحديث» ) * «7» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» ) * «8» .
28-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى «9» من أحدكم صدقة. فكلّ تسبيحة صدقة. وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة. وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «10» .
__________
(1) ابن ماجة (2138) . وصححه الألباني- صحيح سنن ابن ماجة (1739) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2320) واللفظ له. ومسلم (1553) .
(3) ما نقصت صدقة من مال: ذكروا فيها وجهين: أحدهما معناه أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات، فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية. وهذا مدرك بالحس والعادة، والثاني: أنّه، وإن نقصت صورته، كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة.
(4) وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا: فيه أيضا، وجهان: أحدهما على ظاهره. ومن عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه. والآخر: شأن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك.
(5) وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله: فيه أيضا وجهان: أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة، ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. والآخر: أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة. وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها. في الدنيا والآخرة.
(6) مسلم (2588) .
(7) البخاري- الفتح 4 (1895) واللفظ له. ومسلم (144) .
(8) البخاري- الفتح 4 (1897) .
(9) على كل سلامى: قال النووي: أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله.
(10) مسلم (720) .(6/2527)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصدقة)
29-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاهم. ثم سألوه فأعطاهم. حتّى إذا نفد ما عنده قال: «ما يكن عندي من خير، فلن أدّخره عنكم، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبّره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصّبر» ) * «1» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جآءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «مالك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا. قال:
«فهل تجد إطعام ستّين مسكينا؟» . قال: لا. قال:
فمكث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما نحن على ذلك أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق «2» فيها تمر، قال: «أين السّائل؟» فقال: أنا.
قال: «خذ هذا فتصدّق به» . فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول الله! فو الله ما بين لابتيها (يريد الحرّتين) أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه، ثمّ قال: «أطعمه أهلك» ) * «3» .
31-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة «4» المدينة عشاء ونحن ننظر إلى أحد. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ!» ، قال: قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «ما أحبّ أنّ أحدا ذاك عندي ذهب، أمسى ثالثة عندي منه دينار، إلّا دينارا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا (حثا بين يديه) «5» ، وهكذا (عن يمينه) ، وهكذا (عن شماله ... الحديث) * «6» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصدقة)
1-* (عن عمر- رضي الله عنه- أنّ الأعمال تباهت فقالت الصّدقة: أنا أفضلكم) * «7» .
2-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال:
لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء،
__________
(1) مسلم (1053) .
(2) العرق: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص وكل شيء مضفور فهو عرق.
(3) البخاري- الفتح 4 (1936) واللفظ له، ومسلم (1111) .
(4) في حرة المدينة: هي أرض ذات حجارة سود خارج المدينة.
(5) حثا بين يديه: هو من كلام أبي ذر ومعناه: رمى.
(6) مسلم (94) .
(7) المستطرف للإبشيهي (1/ 10) .(6/2528)
فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الآية (التوبة/ 79) » ) * «1» .
3-* (قال عبد العزيز بن عمير: «الصّلاة تبلّغك نصف الطّريق، والصّوم يبلّغك باب الملك، والصّدقة تدخلك عليه» ) * «2» .
4-* (قال ابن أبي الجعد: «إنّ الصّدقة لتدفع سبعين بابا من السّوء» ) * «3» .
5-* (عن الرّبيع بن خثيم أنّه خرج في ليلة شاتية وعليه برنس خزّ فرأى سائلا فأعطاه إيّاه، وتلا قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) * «4» .
6-* (قال يحيى بن معاذ: «ما أعرف حبّة تزن جبال الدّنيا إلّا من الصّدقة» ) * «5» .
7-* (قال الشّعبيّ: «من لم ير نفسه إلى ثواب الصّدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه» ) * «6» .
() من فوائد (الصدقة)
(1) طهرة للنّفس، وقربة إلى الله- عزّ وجلّ-.
(2) طريق موصل إلى محبّة الله ورضوانه.
(3) تثمر سعادة الدّين والدّنيا.
(4) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(5) حفظ الإنسان في ماله وبدنه.
(6) دليل على الزّهد.
(7) طاعة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
(8) باب من أبواب التّكافل الاجتماعيّ.
(9) تثمر محبّة النّاس.
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4668) .
(2) المستطرف للإبشيهي (1/ 9) .
(3) إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 226) .
(4) المستطرف للإبشيهي (1/ 9) .
(5) المرجع السابق (1/ 10) .
(6) المرجع السابق نفسه (1/ 10) .(6/2529)
الصفح
الصفح لغة:
الصّفح مصدر «صفح يصفح» إذا أعرض عن الذّنب وتجاوز عنه، فهو من مادّة (ص ف ح) الّتي تدلّ علي عرض الشّيء، ومن ذلك صفح الشّيء عرضه، والصّفح الجنب، وصفحا كلّ شيء جانباه، وصفحة الرّجل: عرض وجهه. ونظر إليه بصفح وجهه، وصفحه أي بعرضه.
وصفح عنه يصفح صفحا: أعرض عن ذنبه فلم يؤاخذه به، وحقيقته: ولّاه صفحة وجهه، وهو صفوح وصفّاح: أي عفوّ. والصّفوح: الكريم لأنّه يصفح عمّن جنى عليه. واستصفحه ذنبه: استغفره إيّاه، وطلب أن يصفح له عنه. وفي حديث عائشة تصف أباها- رضي الله عنهما-: «صفوح عن الجاهلين» أي كثير الصفح والعفو والتّجاوز عنهم.
والصّفوح من أبنية المبالغة.
وقال الفيروز آباديّ: والصّفح أبلغ من العفو، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح. وصفحت عنه: أوليته صفحة جميلة معرضا عن ذنبه، أو لقيت صفحته متحاميا عنه أو تجاوزت الصّفحة الّتي أثبتّ فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولهم: تصفّحت الكتاب.
وقوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ (الزخرف/ 89) أمر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يخفّف على نفسه كفر من كفر.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 11/ 7
وقوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (الحجر/ 85) أمر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّجاوز عن جنايات المؤمنين. وقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا (التغابن/ 14) إشارة إلى الآباء والأزواج بالعفو عن الأولاد والعيال. وقوله:
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا (النور/ 22) إشارة إلى أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- بالتّجاوز عن ذنب مسطح بن أثاثة فيما أخطأ من الخوض في حديث الإفك «1» .
واصطلاحا:
قال القرطبيّ- رحمه الله-: الصّفح: إزالة أثر الذّنب من النّفس، صفحت عن فلان، إذا أعرضت عن ذنبه، وقد ضربت عنه صفحا، إذا أعرضت عنه وتركته. وقال الرّاغب: الصّفح: ترك الذّنب «2» .
بين العفو والصفح:
الصّفح أبلغ من العفو؛ لأنّ الصّفح تجاوز عن الذّنب بالكلّيّة واعتباره كأن لم يكن، أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذّمّ فقط، ولا يقتضى حصول الثّواب «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: العفو- الرأفة- الرحمة السماحة- كظم الغيظ- النبل- الشهامة- الرضا.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- سوء المعاملة- الشماتة- العدوان- الحقد- النقمة- البغض] .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 272) ، ولسان العرب، (2/ 512 515) . وبصائر ذوي التمييز (3/ 421- 422) ، والنهاية في غريب الحديث (3/ 34) .
(2) الجامع لأحكام القرآن (2/ 71) ، والمفردات للراغب (ص ف ح) .
(3) الكليات للكفوي (666) بتصرف.(6/2530)
الآيات الواردة في «الصفح»
الصفح عن المذنبين من المسلمين:
1-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) «2»
الصفح عن أهل الكتاب:
3- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «3»
4-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) «4»
الصفح عن المشركين:
5- وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) «5»
6- وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) «6»
__________
(1) النور: 21- 22 مدنية
(2) التغابن: 14- 15 مكية
(3) البقرة: 109 مدنية
(4) المائدة: 12- 13 مدنية
(5) الحجر: 85 مكية
(6) الزخرف: 88- 89 مكية(6/2531)
الأحاديث الواردة في (الصفح)
1-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال في التّوراة: يا أيّها النبىّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا «1» للأمّيّين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ «2» ولا غليظ «3» ولا سخّاب بالأسواق «4» ، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبنا غلفا» ) * «5» .
2-* (عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله الجدليّ يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحّشا ولا صخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة ولكن يعفو ويصفح) * «6» .
() الأحاديث الواردة في (الصفح) معنى
3-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
«أتي الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا. فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثا قال: يا ربّ! آتيتني مالك. فكنت أبايع النّاس. وكان من خلقي الجواز. فكنت أتيسّر على الموسر، وأنظر المعسر.
فقال الله: أنا أحقّ بذا منك. تجاوزوا عن عبدي» .
فقال عقبة بن عامر الجهنيّ، وأبو مسعود الأنصاريّ:
هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «7» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلّا الحدود» ) * «8» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا كان قبلكم رغسه «9» الله مالا، فقال لبنيه لمّا حضر: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا:
__________
(1) حرزا: وعاء حصينا لحفظ الأميين.
(2) فظّ: الفظ هو الجافي السيء.
(3) غليظ: شديد صعب.
(4) سخاب بالأسواق: بمعنى الصياح بصوت عال وهي بالسين والصاد.
(5) البخاري الفتح 8 (4838) .
(6) أحمد (6/ 174) وأصله عند البخاري ومسلم. وهذا لفظ الترمذي (2016) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(7) مسلم (1560) .
(8) أبو داود (4375) وهذا لفظه وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 827) : صحيح، وهو في الصحيحة رقم (638) وصحيح الجامع (1185) . وفي المسند (6/ 186) وقال محقق جامع الأصول (3/ 604) : له شواهد ترقيه إلى الحسن.
(9) رغسه: بارك له في ماله.(6/2532)
خير أب. قال فإنّي لم أعمل خيرا قطّ، فإذا متّ فأحرقوني، ثمّ اسحقوني، ثمّ ذرّوني في يوم عاصف.
ففعلوا. فجمعه الله- عزّ وجلّ- فقال: ما حملك؟
قال: مخافتك. فتلقّاه برحمته» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لأمّتي ما حدّثت به أنفسها «2» ما لم يتكلّموا أو يعملوا به» ) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان الرّجل يداين النّاس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعلّ الله أن يتجاوز عنّا. قال فلقي الله فتجاوز عنه» ) * «4» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة» ) * «5» .
9-* (عن هيّاج بن عمران البرجميّ: أنّ غلاما لأبيه أبق «6» ، فجعل لله عليه إن قدر عليه ليقطعنّ يده، فلمّا قدر عليه بعثني إلى عمران بن حصين، فسألته فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحثّ في خطبته على الصّدقة وينهى عن المثلة «7» ، مر أباك فليتجاوز عن غلامه، وليكفّر عن يمينه. وبعثني إلى سمرة بن جندب فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحثّ في خطبته على الصّدقة، وينهى عن المثلة، فقال له:
فليتجاوز عن غلامه، وليكفّر عن يمينه» ) * «8» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصفح)
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «9» .
11-* (عن عروة بن الزّبير: أنّ أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار عليه قطيفة فدكيّة «10» وأسامة وراءه يعود سعد بن عبادة في بني حارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا، حتّى مرّا بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ ابن
__________
(1) البخاري الفتح 6 (3478) واللفظ له. ومسلم (2757) .
(2) قال النووي: ضبط العلماء أنفسها بالنصب والرفع. وهما ظاهران. إلا أن النصب أظهر وأشهر. قال القاضي عياض: أنفسها بالنصب. ويدل عليه قوله: إنّ «أحدنا يحدث نفسه» قال: قال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون أنفسها بالرفع. يريدون بغير اختيارها. قال تعالى: وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ والله أعلم.
(3) البخاري- الفتح 5 (2528) . ومسلم (127) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 6 (3480) .
(5) أبو داود رقم (3460) . وابن ماجة رقم (2199) واللفظ له. وقال محقق منتقى مكارم الأخلاق (ص 84) : إسناده صحيح. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 662) : صحيح.
(6) أبق: أي هرب من غير خوف من باب (قتل وضرب) .
(7) المثلة: العقوبة بقطع طرف من الأطراف.
(8) المنتقى من مكارم الأخلاق (88) .
(9) البخاري- الفتح 11 (6361) . ومسلم (2601) واللفظ له.
(10) فدك: مدينة معروفة.(6/2533)
سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبيّ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «1» خمّر «2» ابن أبيّ أنفه بردائه، وقال: لا تغبّروا علينا، فسلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم، ثمّ وقف، فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبيّ بن سلول: أيّها المرء، لا أحسن ممّا تقول إن كان حقّا، فلا تؤذنا به في مجالسنا، فمن جاءك، فاقصص عليه. قال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى كادوا يتساورون «3» .
فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «4» حتّى سكنوا. ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دابّته، فسار حتّى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟» يريد عبد الله بن أبيّ. قال كذا وكذا. فقال سعد بن عبادة: أي رسول الله، بأبي أنت، اعف عنه واصفح، فو الّذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحقّ الّذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوّجوه ويعصّبوه بالعصابة، فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاك شرق «5» بذلك. فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله- تعالى- وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (آل عمران/ 186) الآية. وقال وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (البقرة/ 109) فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل في العفو عنهم ما أمره الله به، حتّى أذن له فيهم، فلمّا غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفّار وسادة قريش. فقفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفّار وسادة قريش. قال ابن أبيّ ابن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه «6» ، فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام، فأسلموا) * «7» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصفح)
1-* (قال يوسف- عليه السّلام- لإخوته لمّا حضرته الوفاة: «يا إخوتاه، إنّي لم أنتصف لنفسي من مظلمة ظلمتها في الدّنيا، وإنّي كنت أظهر الحسنة، وأدفن السّيّئة. فذلك زادي من الدّنيا، يا إخوتي إنّي شاركت آبائي في صالح أعمالهم، فأشركوني في قبورهم» ) * «8» .
__________
(1) عجاجة الدابة: ما ارتفع من غبار حوافرها.
(2) خمّر: غطّى.
(3) يتساورون: يتشاجرون ويأخذون برأس بعضهم في العراك.
(4) يخفّضهم: يسكّنهم ويهدّئهم.
(5) شرق: غصّ أي حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) هذا أمر توجه: يريدون انطلقت السيادة لمحمد وصحبه فبايعوا لما أفلسوا.
(7) البخاري الفتح 10 (6207) واللفظ له. ومسلم (1798) .
(8) المنتقى من مكارم الأخلاق (84) .(6/2534)
2-* (قال معاوية: «عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال» ) * «1» .
3-* (عن صالح بن أحمد بن حنبل قال:
«قلت لأبي يوما: إنّ فضلا الأنماطيّ جاء إليه رجل، فقال: اجعلني في حلّ، قال: لا جعلت أحدا في حلّ أبدا، قال: فتبسّم، فلمّا مضت أيّام، قال: يا بنيّ، مررت بهذه الآية فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
(الشورى/ 40) فنظرت في تفسيرها، فإذا هو: إذا كان يوم القيامة قام مناد فنادى: لا يقوم إلّا من كان أجره على الله، فلا يقوم إلّا من عفا فجعلت الميّت في حلّ من ضربه إيّاي، ثمّ جعل يقول: وما على رجل ألّا يعذّب الله بسببه أحدا» ) * «2» .
4-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: ذكر الله تعالى في كتابه الصّبر الجميل والصّفح الجميل والهجر الجميل. الصّبر الجميل هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه، والصّفح الجميل هو الّذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الّذي لا أذى معه» ) * «3» .
5-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه في قوله- تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال:
«الرّضا بغير عتاب» ) * «4» .
6-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى-: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ الحجر/ 85) قال: هذا الصّفح الجميل كان قبل القتال» ) * «5» .
7-* (قال الطّبريّ عند قوله تعالى وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا (التغابن/ 14) : «وإن تعفوا أيّها المؤمنون عمّا سلف منهم من صدّهم إيّاكم عن الإسلام والهجرة، وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إيّاهم على ذلك، وتغفروا لهم غير ذلك من الذّنوب» ) * «6» .
() من فوائد (الصفح)
(1) الصّفح أعمق من العفو. إذ يزيل الله به أثر الضّغائن.
(2) أمر الله المؤمنين بالصّفح حتّى عن ألدّ الأعداء كي يذوقوا حلاوة الإيمان، فيدخلوا فيه.
(3) الصّفح من مستلزمات الإحسان، والإحسان أعلى درجات الإيمان.
(4) الصّفح يقوّي رابطة التّآخي بين أفراد المجتمع ويجعلهم متحابّين متّحدين.
(5) الأمّة الّتي يتحلّى معظم أفرادها بالصّفح، تكون أمّة سعيدة في الدّنيا والآخرة. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 184) .
(2) المرجع السابق (87) .
(3) مدارج السالكين (2/ 167) . بتصرف.
(4) الدر المنثور (5/ 94) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) جامع البيان (12/ 118) .(6/2535)
الصلاة
الصلاة لغة:
اسم مصدر من قولهم صلّى صلاة وهو مأخوذ من مادّة (ص ل و/ ي) الّتي تدلّ على أمرين: الأوّل:
النّار وما أشبهها من الحمّى، والآخر جنس من العبادة، يقول ابن فارس: فأمّا الأوّل فقولهم صليت العود بالنّار، والصّلاة ما يصطلى به وما يذكى به النّار ويوقد. وأمّا الثّاني فالصّلاة هي الدّعاء، يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصلّ» أي فليدع لهم بالخير والبركة.
والصّلاة هي الّتي جاء بها الشّرع من الرّكوع والسّجود وسائر حدود الصّلاة، فأمّا الصّلاة من الله تعالى فالرّحمة، ومن ذلك الحديث: اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى يريد بذلك الرّحمة «1» .
أمّا الصّلاة فقال كثير من أهل اللّغة هي الدّعاء والتّبريك والتّمجيد، يقال صلّيت له أي دعوت له وزكّيت ... ، وصلاة الله للمسلمين: هو في التّحقيق تزكيته إيّاهم، قال تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة/ 157)
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
65/ 178/ 8
والصّلاة من الملائكة هي الدّعاء والاستغفار كما هي من النّاس، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (الأحزاب/ 56) «2» ، وقال ابن الأثير: وقولنا في التشهّد: الصّلوات لله أي الأدعية الّتي يراد بها تعظيم الله تعالى، هو مستحقّها لا تليق بأحد سواه، وأمّا قولنا: اللهمّ صلّ على محمّد فمعناه عظّمه في الدّنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمّته وتضعيف أجره ومثوبته، وقيل المعنى: لمّا أمر الله بالصّلاة عليه ولم تبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا اللهمّ صلّ أنت على محمّد، لأنّك أعلم بما يليق به «3» .
وقال الجوهريّ: هي أيضا واحدة الصّلوات المفروضة وهو اسم يوضع موضع المصدر تقول: صلّيت صلاة ولا تقل تصلية، ويقال: صلّيت العصا بالنّار إذا ليّنتها وقوّمتها.
والمصلّى: تالي السّابق: يقال صلّى الفرس: إذا جاء مصلّيا وذلك لأنّ رأسه عند صلاه، والصّلا ما
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 300) .
(2) المفردات للراغب (285) .
(3) النهاية لابن الأثير (3/ 50) .(6/2536)
عن يمين الذّنب وشماله، وهما صلوان يقال: أصلت الفرس إذا استرخى صلواها، وذلك إذا قرب نتاجها، والصّلاء بالكسر: الشّواء. لأنّه يصلى بالنّار، يقال صليت اللّحم وغيره أصليه صليا إذا شويته، وفي الحديث أنّه صلّى الله عليه وسلّم أتي بشاة مصليّة أي مشويّة «1» والصّلاء أيضا: صلاء النّار فإن فتحت الصّاد قصرت (حذفت الهمزة) وقلت صلا النّار.
وقال ابن منظور: الصّلاة: الرّكوع والسّجود، فأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» . فإنّه أراد لا صلاة فاضلة أو كاملة، والجمع صلوات، والصّلاة الدّعاء والاستغفار، والصّلاة من الله الرّحمة.
ومن الصّلاة بمعنى الاستغفار حديث سودة:
أنّها قالت يا رسول الله، إذا متنا صلّى لنا عثمان بن مظعون حتّى تأتينا، فقال لها: «إنّ الموت أشدّ ممّا تقدّرين» ، قال شمر: قولها صلّى لنا أي استغفر لنا عند ربّه، وكان عثمان مات حين قالت سودة ذلك، وقال الزّجّاج: الأصل في الصّلاة اللّزوم، يقال: قد صلي واصطلى إذا لزم، ومن هذا من يصلى في النّار أي يلزم النّار «2» .
وقال ابن الأثير: وقال بعضهم إنّ أصل الصّلاة في اللّغة التّعظيم، وسمّيت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرّبّ «3» ، وقال السّهيليّ: إنّ أصل الصّلاة انحناء وانعطاف من الصّلوين ثمّ قالوا صلّى عليه بمعنى انحنى عليه، ثمّ سمّوا الرّحمة حنوّا وصلاة إذا أرادوا المبالغة فيها (أي الرّحمة) فقولك صلّى الله على محمّد أرقّ وأبلغ من قولك رحم الله محمّدا في الحنوّ والعطف، والصّلاة أصلها فى المحسوسات وعبّر بها عن هذا المعنى مبالغة وتأكيدا، ومنه قيل: صلّيت على الميّت دعوت له دعاء من يحنو عليه ولذلك لا تكون الصّلاة بمعنى الدّعاء على الإطلاق، فلا تقول صلّيت على العدوّ أي دعوت عليه وإنّما يقال صلّيت عليه في معنى الحنوّ والرّحمة والعطف؛ لأنّها فعي انعطاف، ومن أجل ذلك عدّيت في اللّفظ ب «على» ولا تقول في الدّعاء إلّا صلّيت له بمعنى دعوت له فتعدّي الفعل باللّام إلّا أن تريد الشّرّ والدّعاء على العدوّ «4» .
واصطلاحا:
أقوال وأفعال مفتتحة بالتّكبير مختتمة بالتّسليم، بشرائط مخصوصة. على تفصيل لدى المذاهب «5» .
__________
(1) الصحاح (6/ 2402) .
(2) لسان العرب (14/ 464، 465) وما بعدها.
(3) النهاية لابن الأثير (3/ 50) .
(4) انظر في هذا الرأي ومناقشته: الغرابة في الحديث النبوي للبركاوي (178) .
(5) الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري وجماعته (1/ 175) . وانظر أيضا الفروع لابن مفلح (1/ 285) .(6/2537)
أحوال المصلين:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: والنّاس في الصّلاة على مراتب خمس:
أحدها: مرتبة الظّالم لنفسه المفرّط، وهو الّذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثّاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظّاهرة ووضوئها لكن قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثّالث: من يحافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوّه لئلّا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
الرّابع: من إذا قام إلى الصّلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلّا يضيّع شيئا منها، بل همّه كلّه مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصّلاة وعبوديّة ربّه تبارك وتعالى فيها.
الخامس: من إذا قام إلى الصّلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربّه- عزّ وجلّ- ناظرا بقلبه إليه، مراقبا له ممتلئا من محبّته وعظمته كأنّه يراه ويشاهده، وقد اضمحلّت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربّه، فهذا بينه وبين غيره في الصّلاة أفضل وأعظم ممّا بين السّماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربّه- عزّ وجلّ- قرير العين به.
فالقسم الأوّل معاقب، والثّاني محاسب، والثّالث مكفّر عنه، والرّابع مثاب، والخامس مقرّب من ربّه- عزّ وجلّ- «1» .
الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
وصلاة الله على رسوله: رحمته له وحسن ثنائه عليه.
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب/ 56) فالصّلاة من العبد دعاء ومن الملائكة دعاء واستغفار، ومن الله رحمة، وبه سمّيت الصّلاة لما فيها من الدّعاء والاستغفار.
وفي الحديث: «التّحيّات لله والصّلوات..» قال أبو بكر: الصّلوات معناها التّرحّم.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (الأحزاب/ 56) أي يترحّمون.
وتكون الصّلاة بمعنى الدّعاء: وفي الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصلّ» . قوله:
فليصلّ: يعني فليدع لأرباب الطّعام بالبركة والخير. ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ صلاة صلّت
__________
(1) الوابل الصيب (38- 39) .(6/2538)
عليه الملائكة عشرا» . وكلّ داع فهو مصلّ «1» .
وأمّا قولنا: اللهمّ صلّ على محمّد، فمعناه عظّمه في الدّنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمّته، وتضعيف أجره ومثوبته «2» .
وقيل: المعنى لمّا أمرنا الله سبحانه بالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم ولمّا نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، اللهمّ صلّ أنت على محمّد، لأنّك أعلم بما يليق به.
وهذا الدّعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو لا؟. والصّحيح أنّه خالص له، ولا يقال لغيره.
وقال الخطّابيّ: الصّلاة الّتي بمعنى التّعظيم والتّكريم لا تقال لغيره، والّتي بمعنى الدّعاء والتّبريك تقال لغيره. ومنه: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» أي ترحّم وبارك «3» .
معنى صلاة الله والملائكة والإنس والجن:
قال ابن الأعرابيّ: الصّلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين (الملائكة والإنس والجنّ) : القيام والرّكوع والسّجود والدّعاء والتّسبيح. والصّلاة من الطّير والهوامّ التّسبيح «4» .
وقيل: أصلها في اللّغة التّعظيم، وسمّيت الصّلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرّبّ تعالى وتقديسه. وقوله في التّشهّد: «الصّلوات لله» أي الأدعية الّتي يراد بها تعظيم الله هو مستحقّها لا تليق بأحد سواه.
من معاني كلمة «الصلاة» في القرآن الكريم:
وقد ورد لفظ الصّلاة في القرآن على أوجه منها:
1- بمعنى الدّعاء: إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة/ 103) .
2- بمعنى الاستغفار: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ (الأحزاب/ 56) .
3- بمعنى الرّحمة: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ (الأحزاب/ 43) .
4- بمعنى صلاة الخوف وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (النساء/ 102) .
5- بمعنى صلاة الجنازة: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (التوبة/ 84) .
6- بمعنى صلاة السّفر: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (النساء/ 101) .
7- بمعنى صلاة الأمم الماضية: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ (مريم/ 31) .
8- بمعنى كنائس اليهود: وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ
__________
(1) لسان العرب (14/ 465) ، وجلاء الأفهام لابن القيم (106- 107) .
(2) بصائر ذوي التمييز (3/ 436- 438) .
(3) لسان العرب (14/ 466) .
(4) تهذيب اللغة (12/ 237) .(6/2539)
(الحج/ 40) .
9- بمعنى الصّلوات الخمس: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ (البقرة/ 43 وفي غيرها) .
10- بمعنى الإسلام: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (القيامة/ 31) أي لا أسلم «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان التقوى- الطاعة- العبادة- الاستقامة- القنوت الضراعة والتضرع- الذكر- الخشوع- الخشية- الخوف- الفرار إلى الله- تلاوة القرآن- تعظيم الحرمات- التوسل- السكينة- الطمأنينة- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: ترك الصلاة- العصيان- الكفر- الفسوق- انتهاك الحرمات- الأمن من المكر- التخاذل- الإلحاد- الزندقة- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- الشرك- الإعراض التفريط والإفراط- التهاون- الكسل- اللهو واللعب- الكبر والعجب- الفجور- الهجر- الغي والإغواء] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز: 3/ 436-، 438(6/2540)
الآيات الواردة في «الصلاة»
إقامة الصلاة صفة المؤمنين:
1- الم (1)
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) «1»
2- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «2»
3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «3»
4- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «4»
5-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا
__________
(1) البقرة: 1- 4 مدنية
(2) البقرة: 40- 43 مدنية
(3) البقرة: 83 مدنية
(4) البقرة: 109- 110 مدنية(6/2541)
عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1»
6- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «2»
7- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «3»
8- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) «4»
9- وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) «5»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) «6»
__________
(1) البقرة: 177 مدنية
(2) البقرة: 238- 239 مدنية
(3) البقرة: 277 مدنية
(4) النساء: 77 مدنية
(5) النساء: 159- 162 مدنية
(6) المائدة: 6 مدنية(6/2542)
11- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «1»
12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «2»
13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «3»
14- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (71)
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) «4»
15- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «5»
16- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ
__________
(1) المائدة: 55- 58 مدنية
(2) المائدة: 90- 91 مدنية
(3) المائدة: 106 مدنية
(4) الأنعام: 71- 72 مكية
(5) الأنعام: 91- 92 مكية(6/2543)
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «1»
17- وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) «2»
18- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «3»
19- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «4»
20- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) «5»
21- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17)
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «6»
22- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «7»
23- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) «8»
24- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «9»
__________
(1) الأنعام: 161- 163 مكية
(2) الأعراف: 170 مكية
(3) الأنفال: 2- 4 مدنية
(4) التوبة: 5 مدنية
(5) التوبة: 11- 12 مدنية
(6) التوبة: 17- 18 مدنية
(7) التوبة: 71 مدنية
(8) يونس: 87 مكية
(9) الرعد: 22- 24 مدنية(6/2544)
25- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) «1»
26- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) «2»
27- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) «3»
28- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «4»
29- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) «5»
30- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «6»
31- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «7»
32- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5)
__________
(1) إبراهيم: 31 مكية
(2) الإسراء: 78 مكية
(3) الإسراء: 110 مكية
(4) الأنبياء: 73 مكية
(5) الحج: 34- 35 مدنية
(6) الحج: 39- 41 مدنية
(7) الحج: 78 مدنية(6/2545)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «1»
33- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36)
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «2»
34- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) «3»
35- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «4»
36- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)
* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «5»
__________
(1) المؤمنون: 1- 11 مكية
(2) النور: 36- 38 مكية
(3) النور: 55- 58 مدنية
(4) النمل: 1- 3 مكية
(5) الروم: 30- 32 مكية(6/2546)
37- الم (1)
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2)
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
38- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «2»
39- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) «3»
40- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «4»
41- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «5»
42- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) «6»
43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
__________
(1) لقمان: 1- 5 مكية
(2) لقمان: 17- 19 مكية
(3) الأحزاب: 32- 33 مدنية
(4) فاطر: 18 مكية
(5) فاطر: 29- 30 مكية
(6) الشورى: 36- 39 مكية(6/2547)
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «1»
44- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «2»
45-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «3»
46- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) «4»
47- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «5»
الصلاة خير عون في الدنيا والدين:
48- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45)
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «6»
49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (15) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ
__________
(1) المجادلة: 12- 13 مدنية
(2) الجمعة: 9- 11 مدنية
(3) المزمل: 20 مكية
(4) العلق: 9- 14 مكية
(5) البينة: 5 مدنية
(6) البقرة: 45- 46 مدنية(6/2548)
صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «1»
50-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «2»
51- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) «3»
52- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) «4»
53-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «5»
54- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) «6»
الصلاة شريعة قديمة بقدم النبيين:
55- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ
(39)
__________
(1) البقرة: 153- 157 مدنية
(2) المائدة: 12 مدنية
(3) هود: 114 مكية
(4) العنكبوت: 45 مكية
(5) المعارج: 19- 35 مكية
(6) الأعلى: 14- 15 مكية(6/2549)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) «1»
56- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «2»
57- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) «3»
58- وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) «4»
59- وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) «5»
شروط يجب توافرها في الصلاة:
60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «6»
من أنواع الصلاة «صلاة الخوف» :
61- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101)
__________
(1) آل عمران: 38- 41 مدنية
(2) إبراهيم: 35- 41 مكية
(3) مريم: 30- 31 مكية
(4) مريم: 55- 56 مكية
(5) طه: 132 مكية
(6) النساء: 43 مدنية(6/2550)
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1»
صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم رحمة وسكن؛ لذا يجب الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم:
62- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) «2»
63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) «3»
64- إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) «4»
الصلاة مثار سخرية الكافرين:
65- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) «5»
__________
(1) النساء: 101- 103 مدنية
(2) التوبة: 103 مدنية
(3) الأحزاب: 41- 43 مدنية
(4) الأحزاب: 56 مدنية
(5) هود: 87 مكية(6/2551)
الأحاديث الواردة في (الصلاة) مرتبة حسب الموضوعات
مشروعية الصلاة:
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«فرض الله الصّلاة حين فرضها ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأقرّت صلاة السّفر، وزيد في صلاة الحضر» ) * «1» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- في حديث الإسراء قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتّى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمّتك؟ قلت:
«فرض خمسين صلاة» . قال: فارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها.
فرجعت إلى موسى، قلت: «وضع شطرها» ، فقال:
راجع ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. «فراجعت» ، فوضع شطرها. فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربّك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. «فراجعته» . فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدّل القول لديّ. فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربّك. فقلت: «استحييت من ربّي» . ثمّ انطلق بي حتّى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي. ثمّ أدخلت الجنّة، فإذا فيها حبايل اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «2» .
أهمية الصلاة ووجوبها:
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لوفد عبد القيس: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله، هل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وتعطوا من المغنم الخمس.
وأنهاكم عن أربع: لا تشربوا في الدّبّاء «3» والنّقير «4» والظّروف المزفّتة «5» والحنتمة «6» » ) * «7» .
4-* (عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، وحجّ البيت» ) * «8» .
5-* (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد ثائر «9» الرّأس، يسمع دويّ صوته، ولا يفقه ما يقول،
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (350) واللفظ له. ومسلم (685) .
(2) البخاري- الفتح 1 (349) واللفظ له. ومسلم (163) .
(3) الدباء: القرع، واحدها دباءة كانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب.
(4) النقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر.
(5) المزفتة: هي آنية مطلية بالزفت وهو نوع من القار.
(6) الحنتمة: جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة.
(7) البخاري- الفتح 13 (7556) واللفظ له. ومسلم (17) . ونحوه عند ابن خزيمة (307) .
(8) البخاري- الفتح 1 (8) . ومسلم (16) واللفظ له.
(9) ثائر الرأس: منتفش الشعر.(6/2552)
حتّى دنا. فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة» . فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلّا أن تطوّع» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وصيام رمضان» . قال: هل عليّ غيره؟ قال:
«لا، إلّا أن تطوّع» ، قال: وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الزّكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلّا أن تطوّع» ، قال: فأدبر الرّجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح إن صدق» ) * «1» .
6-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم» ) * «2» .
7-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب. شديد سواد الشّعر. لا يرى عليه أثر السّفر. ولا يعرفه منّا أحد. حتّى جلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه. وقال: يا محمّد، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدّقه. قال:
فأخبرني عن الإيمان: قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر. وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» . قال:
فأخبرني عن السّاعة. قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» . قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: «أن تلد الأ مة ربّتها. وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشّاء، يتطاولون في البنيان» . قال: ثمّ انطلق. فلبثت مليّا. ثمّ قال لي: «يا عمر، أتدري من السّائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه جبريل. أتاكم يعلّمكم دينكم» ) * «3» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّثني أبو سفيان في حديث هرقل فقال: «يأمرنا (يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة «4» ... الحديث» ) * «5» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «إذا توضّأ أحدكم في بيته ثمّ أتى المسجد كان في صلاة حتّى يرجع فلا يقل هكذا:
وشبّك بين أصابعه» ) * «6» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (46) ، واللفظ له، ومسلم (11) .
(2) البخاري- الفتح 2 (524) واللفظ له، ومسلم (56) متفق عليه.
(3) مسلم (8) .
(4) العفاف: هو الكف عن الحرام والسؤال من الناس.
(5) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773) .
(6) المستدرك 1/ 206 عن طريق عبد الوارث، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الذهبي في التلخيص على شرطهما واللفظ له، وأخرجه ابن خزيمة (439) وقال الأعظمي: إسناده صحيح.(6/2553)
أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «1» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال:
«فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله به «2» الخطايا» ) * «3»
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصّلاة فتقام.
ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» ) * «4» .
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلّكم على ما يكفّر الله به الخطايا ويزيد في الحسنات؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إسباغ الوضوء في المكاره «5» . وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة. ما منكم من رجل يخرج من بيته فيصلّي مع الإمام ثمّ يجلس ينتظر الصّلاة الأخرى إلّا والملائكة تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه» ) * «6» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلّاه ينتظر الصّلاة، وتقول الملائكة: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه، حتّى ينصرف أو يحدث» . قلت: ما يحدث؟ قال: «يفسو، أو يضرط» ) * «7» .
فضل الصلاة:
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصّلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينهنّ ما لم تغش الكبائر» ) * «8» .
15-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه «9» ، قال وحضرت الصّلاة فصلّى مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة قام إليه الرّجل. فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا فأقم فيّ كتاب الله. قال: «أليس قد صلّيت معنا؟» . قال: نعم. قال: «فإنّ الله قد غفر لك ذنبك» . أو قال: «حدّك» ) * «10» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار. ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون:
__________
(1) الدرن: الوسخ.
(2) ورواية مسلم «بهن» .
(3) البخاري- الفتح 2 (528) واللفظ له. ومسلم (667) .
(4) البخاري- الفتح 2 (644) . مسلم (651) واللفظ له ملاحظة: كرر هذا الحديث تحت عنوان صلاة الجماعة. حيث يدخل هنا وهناك.
(5) المكاره: جمع مكره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه.
(6) مسلم (251) نحوه. وابن خزيمة برقم (357) واللفظ له، والمستدرك 1/ 191-، 192
(7) مسلم (649) واللفظ له. وابن خزيمة (360) .
(8) مسلم (233) . وقوله «ما لم تغش الكبائر» أي ما لم تقصد.
(9) لم يسأله عنه: أي لم يستفسره.
(10) البخاري- الفتح 12 (6823) واللفظ له. ومسلم (2765) .(6/2554)
تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون» ) * «1» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «حبّب إليّ من الدّنيا النّساء والطّيب. وجعل قرّة عيني في الصّلاة» ) * «2» .
18-* (عن رجل من الصّحابة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا بلال! أقم الصّلاة، أرحنا بها» ) * «3» .
شروط صحة الصلاة:
(1) النّيّة. (2) الإسلام. (3) العقل.
(4) التّمييز. (5) الوضوء.
(6) طهارة البدن والثّوب والمكان.
(7) ستر العورة. (8) دخول الوقت.
(9) استقبال القبلة.
19-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) * «4» .
حكم ترك الصلاة
20-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» ) * «5» .
21-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رفع القلم عن ثلاثة:
عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يعقل» ) * «6» .
22-* (عن سبرة بن معبد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «علّموا الصّبيّ الصّلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر» ) * «7» .
23-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (555) . مسلم (632) متفق عليه.
(2) النسائي (7/ 62) وحسنه الألباني 3 (3680) . قال في المستدرك (2/ 160) : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأحمد (3/ 128) واللفظ له.
(3) أبو داود (4985) واللفظ له. وسكت عنه المنذري، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 392) فيه إسنادان جيدان بعد ذكر الحديث. (فاسترحت) قال في النهاية: كان اشتغاله بالصلاة راحة له فإنه كان يعدّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعبا فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى (2/ 274) . وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 4171) . صحيح وهو في المشكاة (1253) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 263) : إسناده صحيح.
(4) البخاري- الفتح 1 (1) واللفظ له. مسلم (1907) .
(5) الترمذي (5/ 2621) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 231، 232) . والحاكم (1/ 7) وقال: حديث صحيح الإسناد لا نعرف له علة ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول: (5/ 203، 204) وهو حديث صحيح.
(6) الترمذي (1423) ، وقال عنه: حديث حسن غريب والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم. وأبو داود (4403) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (3/ 506، 611) : وإسناده حسن ويشهد له حديث عائشة، وهو حديث صحيح بطرقه وحديث ابن عباس بمعناه أيضا. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 833) : صحيح.
(7) الترمذي (407) وقال: حديث حسن صحيح.(6/2555)
- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع» ) * «1» .
الطّهارة:
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتّى يتوضّأ» ) * «2» .
25-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه دعا بوضوء فتوضّأ، فغسل كفّيه ثلاث مرّات، ثمّ مضمض واستنثر «3» ، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرّات، ثمّ غسل اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من توضّأ نحو وضوئي هذا، ثمّ قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه «4» ، غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «5» .
26-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة. وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة» ) * «6» .
27-* (عن عائشة- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- قالت: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء (أو بذات الجيش) «7» انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التّيمّم، فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير (وهو أحد النّقباء) : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته) * «8» .
28-* (عن أبي جهيم بن الحارث بن الصّمّة
__________
(1) أبو داود (495) وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن. (5/ 187) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 1 (135) . ومسلم (225) واللفظ له.
(3) واستنثر: الاستنثار: هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق.
(4) لا يحدث فيهما نفسه: أي بأمر من أمور الدنيا، ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عن ذلك.
(5) البخاري- الفتح 1 (159) . ومسلم 1 (226) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 1 (335) واللفظ له. ومسلم (521) .
(7) بالبيداء أو بذات الجيش: موضعان بين المدينة وخيبر.
(8) البخاري- الفتح 7 (3672) . ومسلم (367) واللفظ له.(6/2556)
الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نحو بئر جمل «1» فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يردّ عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثمّ ردّ عليه السّلام) * «2» .
29-* (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلمّا رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته، قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ جبريل صلّى الله عليه وسلّم أتاني فأخبرني أنّ فيهما قذرا» . وقال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه، وليصلّ فيهما» ) * «3» .
30-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى أعرابيّا يبول في المسجد، فقال:
«دعوه، حتّى إذا فرغ دعا بماء فصبّه عليه» ) * «4» .
31-* (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ أخاها معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- سألها: هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي في الثّوب الّذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى» ) * «5» .
32-* (عن جرهد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أبصره وقد انكشف فخذه في المسجد وعليه بردة، فقال: «إنّ الفخذ من العورة» ) * «6» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يصلّ أحدكم في الثّوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء» ) * «7» .
34-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقبل صلاة الحائض إلّا بخمار» ) * «8» .
__________
(1) من نحو بئر جمل: أي من جانب ذلك الموضع. وبئر جمل موضع بقرب المدينة.
(2) البخاري- الفتح 1 (337) واللفظ له. ومسلم (369) .
(3) أبو داود (650) واللفظ له، رجاله ثقات خرج لهم الشيخان إلا أبا نعامة السعدي؛ فإنه ثقة خرج له مسلم فقط. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 128) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (5/ 445) : إسناده صحيح.
(4) البخاري- الفتح 1 (219) واللفظله. ومسلم (284) .
(5) أبو داود (366) واللفظ له. والنسائي (1/ 155) ، وذكره البخاري في ترجمة باب (1/ 555) في الصلاة، باب وجوب الصلاة في الثياب، وفي الثوب الذي يجامع فيه ما لم ير فيه أذى قال محقق جامع الأصول (5/ 443) : صححه ابن حبان وابن خزيمة.
(6) أبو داود (4014) . وقال الألباني (2/ 758) : صحيح وخرجه في الإرواء (1/ 297- 298) ، الترمذي (2798) وقال: هذا حديث حسن. والحاكم (4/ 180) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(7) البخاري- الفتح 1 (359) . ومسلم (516) واللفظ له.
(8) أبو داود (641) . الترمذي 2 (377) واللفظ له، قال: وقوله: الحائض يعني المرأة البالغ يعني إذا حاضت. وقال: حديث عائشة حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم: أن المرأة إذا أدركت فصلت، وشيء من شعرها مكشوف، لا تجوز صلاتها، والحاكم (1/ 251) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(6/2557)
أوقات الصلاة:
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للصّلاة أوّلا وآخرا.
وإنّ أوّل وقت صلاة الظّهر: حين تزول الشّمس، وآخر وقتها: حين يدخل وقت العصر. وإنّ أوّل وقت صلاة العصر: حين يدخل وقتها، وإنّ آخر وقتها:
حين تصفرّ الشّمس. وإنّ أوّل وقت المغرب: حين تغرب الشّمس، وإنّ آخر وقتها: حين يغيب الأفق.
وإنّ أوّل وقت العشاء: حين يغيب الأفق، وإنّ آخر وقتها: حين ينتصف اللّيل. وإنّ أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإنّ آخر وقتها: حين تطلع الشّمس» ) * «1» .
36-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: «الصّلاة على وقتها» ، قلت: ثمّ أيّ؟
قال: «ثمّ برّ الوالدين» ، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ الجهاد في سبيل الله» . قال: حدّثني بهنّ، ولو استزدته لزادني) * «2» .
37-* (سئل أبو برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي المكتوبة؟
فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي الهجير- الّتي تدعونها الأولى- حين تدحض الشّمس «3» ، ويصلّي العصر، ثمّ يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة، والشّمس حيّة، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحبّ أن يؤخّر من العشاء الّتي تدعونها العتمة، وكان يكره النّوم قبلها، والحديث بعدها. وكان ينفتل من صلاة الغداة «4» حين يعرف الرّجل جليسه، يقرأ بالسّتّين إلى المائة) * «5» .
38-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-، قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي الظّهر بالهاجرة، والعصر والشّمس نقيّة، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحيانا وأحيانا، إذا رآهم اجتمعوا عجّل، وإذا رآهم أبطأوا أخّر، والصّبح كانوا أو كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّيها بغلس «6» ) * «7» .
39-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أعتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة بالعشاء حتّى رقد النّاس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطّاب فقال: الصّلاة. قال عطاء: قال ابن عبّاس:
فخرج نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم- كأنّي أنظر إليه الآن- يقطر رأسه ماء واضعا يده على رأسه فقال: «لولا أن أشقّ على أمّتى لأمرتهم أن يصلّوها هكذا» ) * «8» .
40-* (عن عن عائشة- رضي الله عنها-
__________
(1) الترمذي (151) واللفظ له، وقال: في الباب عن عبد الله بن عمرو، ورواية أخرى عن الأعمش عن مجاهد، قال: كان يقال إن للصلاة أولا وآخرا فذكر نحو القول بمعناه، وقال محقق جامع الأصول: وهو حديث حسن (5/ 214) . ورواه أيضا مالك في الموطأ (1/ 8) والنسائي (1/ 925 و250) .
(2) البخاري- الفتح 2 (527) . ومسلم (85) واللفظ له.
(3) تدحض الشمس: أي تزول عن وسط السماء.
(4) ينفتل من صلاة الغداة: أي يرجع من صلاة الصبح.
(5) البخاري- الفتح 2 (547) واللفظ له. ومسلم (647) .
(6) بغلس: الغلس: ظلمة آخر الليل.
(7) البخاري- الفتح 2 (560) واللفظ له. ومسلم (646) .
(8) البخاري- الفتح 2 (571) واللفظ له. ومسلم (642) .(6/2558)
قالت: لقد كان نساء من المؤمنات يشهدن الفجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متلفّعات «1» بمروطهنّ «2» ، ثمّ ينقلبن إلى بيوتهنّ وما يعرفن من تغليس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّلاة) * «3» .
41-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شغل عنها ليلة فأخّرها حتّى رقدنا في المسجد، ثمّ استيقظنا، ثمّ رقدنا، ثمّ استيقظنا، ثمّ خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصّلاة غيركم» ) * «4» .
42-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الّذي تفوته صلاة العصر كأنّما وتر «5» أهله وماله» ) * «6» .
43-* (عن ابن عمارة بن رؤيبة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها» يعني الفجر والعصر) * «7» .
44-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى البردين «8» دخل الجنّة» ) * «9» .
45-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا نصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شدّة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه، فسجد عليه) * «10» .
46-* (عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا عن الصّلاة «11» ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم «12» » ) * «13» .
47-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بينما النّاس بقباء في صلاة الصّبح إذ جاءهم آت فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه اللّيلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشّام، فاستداروا إلى الكعبة) * «14» .
48-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي نحو بيت المقدس فنزلت قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
__________
(1) متلفعات: ملتحفات.
(2) المروط: أكسية معلمة تكون من خز وتكون من صوف.
(3) البخاري- الفتح 2 (578) . ومسلم (645) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (570) واللفظ له. ومسلم (642) .
(5) وتر: سلب ونقص: أي أصيب بأهله وماله.
(6) البخاري- الفتح 2 (552) . ومسلم (626) واللفظ له.
(7) مسلم (634) .
(8) البردين: أي الفجر والعصر.
(9) البخاري- الفتح 2 (574) ومسلم واللفظ له (635) عن أبي بكر عن أبيه.
(10) البخاري- الفتح 3 (1208) . ومسلم (620) واللفظ له 8
(11) أبردوا عن الصلاة: أي أخروها إلى أن يبرد الوقت.
(12) فيح جهنم: أي سطوع حرها وانتشاره، وغليانها.
(13) البخاري- الفتح 2 (534) واللفظ له. ومسلم (615) .
(14) البخاري- الفتح 1 (403) واللفظ له. ومسلم (526) .(6/2559)
تَرْضاها (البقرة/ 144) فمرّ رجل من بني سلمة، وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلّوا ركعة فنادى: ألا إنّ القبلة قد حوّلت، فمالوا كما هم نحو القبلة) * «1» .
49-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكبا على حمار أتان «2» ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام «3» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بالنّاس، بمنى، إلى غير جدار، فمررت بين بعض الصّفّ فنزلت وأرسلت الأتان ترتع «4» ودخلت في الصّفّ، فلم ينكر ذلك عليّ أحد) * «5» .
50-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من النّاس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنّما هو شيطان» ) * «6» .
51-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجليّ، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) * «7» .
52-* (عن أبي جهيم بن الصّمّة الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين، خيرا له من أن يمرّ بين يديه» قال أبو النّضر:
لا أدري قال: أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة) * «8» .
الأذان والإقامة:
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نودي للصّلاة أدبر الشّيطان، وله ضراط حتّى لا يسمع التّأذين، فإذا قضي النّداء أقبل، حتّى إذا ثوّب «9» بالصّلاة أدبر، حتّى إذا قضي التّثويب أقبل، حتّى يخطر «10» بين المرء ونفسه يقول:
اذكر كذا اذكر كذا- لما لم يكن يذكر- حتّى يظلّ الرّجل لا يدري كم صلّى» ) * «11» .
54-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا كثر النّاس قال ذكروا أن يعلموا وقت الصّلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوروا «12» نارا أو يضربوا ناقوسا، فأمر بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة) * «13» .
55-* (عن عمر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا قال المؤذّن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ قال:
__________
(1) وللبخاري نحوه من حديث ابن عمر (4493) في الفتح، ومسلم (527) واللفظ له. وابن خزيمة بلفظ متقارب (430) .
(2) أتان: الأنثى من جنس الحمير.
(3) ناهزت الاحتلام: قاربت البلوغ.
(4) ترتع: ترعى.
(5) البخاري- الفتح 1 (493) واللفظ له. ومسلم (504) .
(6) البخاري- الفتح 1 (509) واللفظ له. ومسلم (505) .
(7) البخاري- الفتح 1 (513) .
(8) البخاري- الفتح 1 (510) . ومسلم (507) واللفظ له.
(9) ثوب: التثويب هاهنا: إقامة الصلاة.
(10) يخطر: أي يوسوس.
(11) البخاري- الفتح 2 (608) واللفظ له. ومسلم (389) .
(12) يوروا: يشعلوا النار ويوقدوا لها.
(13) البخاري- الفتح 2 (606) واللفظ له. ومسلم (378) بلفظ (ينوّروا) بدل (يوروا) .(6/2560)
أشهد أنّ محمّدا رسول الله، قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: الله أكبر، الله أكبر. قال: الله أكبر، الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله، قال: لا إله إلّا الله، من قلبه دخل الجنّة» ) * «1» .
56-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت «2» له الشّفاعة» ) * «3» .
57-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة، آت محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة» ) * «4» .
58-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصّلاة، وعليكم بالسّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) * «5» .
القراءة في الصلاة:
59-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصّلاة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وفي رواية:
صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ولمسلم: «صلّيت خلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبي
بكر، وعمر، وعثمان- رضي الله عنهم- فكانوا يستفتحون ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أوّل قراءة ولا في آخرها) * «6» .
60-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ) * «7» .
61-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى:
قسمت الصّلاة «8» بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرّحمن الرّحيم، قال
__________
(1) مسلم (385) . وابن خزيمة (417) باللفظ نفسه
(2) حلت: وجبت.
(3) البخاري عن أبي سعيد 2 (611) إلى قوله «ما يقول المؤذن» . ومسلم (384) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (614) .
(5) البخاري- الفتح 2 (636) واللفظ له. ومسلم (602) .
(6) البخاري- الفتح 2 (743) إلى قوله «رب العالمين» . ومسلم (399) بلفظ قريب من هذا.
(7) البخاري- الفتح 2 (756) . ومسلم (394) متفق عليه.
(8) الصلاة هنا: يراد بها الفاتحة.(6/2561)
الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي، (وقال مرّة: فوّض إليّ عبدي) ، فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل» ) * «1» .
62-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت أصلّي في المسجد فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله! إنّي كنت أصلّي، فقال: «ألم يقل الله اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ؟» (الأنفال/ 24) ثمّ قال لي: «لأعلّمنّك سورة هي أعظم السّور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» ثمّ أخذ بيدي، فلمّا أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلّمنّك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟
قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أوتيته» ) * «2» .
63-* (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الرّكعتين الأوليين من صلاة الظّهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطوّل في الأولى ويقصّر في الثّانية، ويسمع الآية أحيانا. وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطوّل في الرّكعة الأولى في صلاة الصّبح ويقصّر في الثّانية) * «3» .
64-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاذ: «لولا صلّيت ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ووَ الشَّمْسِ وَضُحاها ووَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى فإنّه يصلّي وراءك الكبير والضّعيف وذو الحاجة» ) * «4» .
65-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في سفر، فصلّى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الرّكعتين ب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه) * «5» .
66-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلا على سريّة، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. فلمّا رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«سلوه، لأيّ شيء يصنع ذلك؟» . فسألوه فقال:
«لأنّها صفة الرّحمن- عزّ وجلّ-، فأنا أحبّ أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخبروه أنّ الله- تعالى- يحبّه» ) * «6» .
__________
(1) مسلم (395) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4474) ، وانظر تعليق ابن حجر (8/ 7) على هذا الحديث.
(3) البخاري- الفتح 2 (759) واللفظ له. ومسلم (451) .
(4) البخاري- الفتح 2 (705) واللفظ له. ومسلم (465) .
(5) البخاري- الفتح 2 (769) ولم يذكر (كان في سفر) . ومسلم (464) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 2 (774) نحوه. ومسلم (813) واللفظ له.(6/2562)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصلاة)
(وفيها جميع الأركان والهيئات تامة) 67-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما صلّيت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة ولا أتمّ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإن كان ليسمع بكاء الصّبيّ فيخفّف مخافة أن تفتن أمّه) * «1» .
68-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كبّر في الصّلاة سكت هنيّة «2» قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمّي! أرأيت سكوتك بين التّكبير والقراءة ما تقول؟ قال:
«أقول: اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهمّ! نقّني من خطاياي كما ينقّى الثّوب الأبيض من الدّنس، اللهمّ! اغسلني من خطاياي بالماء والثّلج والبرد» ) * «3» .
69-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلاة، وإذا كبّر للرّكوع، وإذا رفع رأسه من الرّكوع، رفعهما كذلك، وقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السّجود) * «4» .
70-* (عن أبي حميد السّاعدي- رضي الله عنه- قال: كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيته إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثمّ هصر «5» ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتّى يعود كلّ فقار «6» مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الرّكعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الرّكعة الآخرة قدّم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته) * «7» .
71-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفتح الصّلاة بالتّكبير والقراءة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوّبه «8» ، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الرّكوع لم يسجد حتّى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السّجدة لم يسجد حتّى يستوي جالسا، وكان يقول في كلّ ركعتين التّحيّة، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (708) .
(2) هنية: أي قليلا من الزمان.
(3) البخاري- الفتح 2 (744) . ومسلم (598) .
(4) البخاري- الفتح 2 (735) . ومسلم 1 (390) .
(5) هصر ظهره: أي ثناه إلى الأرض.
(6) الفقار: جمع فقرة وهي خرزات الظهر.
(7) البخاري- الفتح 2 (828) .
(8) لم يشخص رأسه ولم يصوبه: الإشخاص هو الرفع، ولم يصوبه: أي يخفضه خفضا بليغا بل يعدل فيه بين الإشخاص والتصويب.(6/2563)
عقبة «1» الشّيطان، وينهى أن يفترش الرّجل ذراعيه افتراش السّبع، وكان يختم الصّلاة بالتّسليم) * «2» .
72-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصّلاة يكبّر حين يقوم، ثمّ يكبّر حين يركع، ثمّ يقول: «سمع الله لمن حمده» ، حين يرفع صلبه من الرّكوع، ثمّ يقول وهو قائم: «ربّنا ولك الحمد» ، ثمّ يكبّر حين يهوي، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يكبّر حين يسجد، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يفعل مثل ذلك في الصّلاة كلّها حتّى يقضيها، ويكبّر حين يقوم من المثنى «3» بعد الجلوس) * «4» .
73-* (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير قال: صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبّر، وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الرّكعتين كبّر، فلمّا قضى الصّلاة أخذ بيدي عمران بن حصين، فقال: قد ذكّرني هذا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، أو قال: لقد صلّى بنا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
74-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: رمقت «6» الصّلاة مع محمّد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السّجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التّسليم والانصراف قريبا من السّواء. وفي رواية البخاريّ: ما خلا القيام والقعود قريبا من السّواء) * «7» .
75-* (عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرميّ البصريّ قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إنّي لأصلّي بكم وما أريد الصّلاة، أصلّي كيف رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلّي؟ قال: مثل شيخنا هذا، قال: وكان شيخنا يجلس إذا رفع رأسه من السّجود قبل أن ينهض في الرّكعة الأولى) * «8» .
76-* (عن عبد الله بن مالك بن بحينة- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا صلّى «9» فرّج بين يديه حتّى يبدو بياض إبطيه) * «10» .
77-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس في الصّلاة افترش رجله اليسرى، ونصب رجله اليمنى) * «11» .
__________
(1) وعقبة الشيطان: أن يجلس على مقعدته وينصب ساقيه.
(2) مسلم (498) .
(3) من المثنى: أي من الشفع من الركعتين.
(4) البخاري- الفتح 2 (789) . ومسلم (392) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 2 (786) واللفظ له. ومسلم (393) .
(6) رمقت الصلاة: أي أطلت النظر إليها.
(7) البخاري- الفتح 2 (792 و801 و820) . ومسلم (471) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 2 (677) .
(9) أي في السجود.
(10) البخاري- الفتح 2 (807) .
(11) ابن خزيمة (691) وقال مخرجه: إسناده صحيح. والنسائي نحوه (4/ 126) ، وصحيحه (1/ 193، 194) برقم (856) . وعند البخاري- الفتح 2 (827) من حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- نحوه، و (828) من حديث أبي حميد الساعدي نحوه أيضا. واللفظ لابن خزيمة.(6/2564)
78-* (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) * «1» .
واجبات الصلاة:
79-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، دخل المسجد فدخل رجل فصلّى، ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه السّلام، فقال: «ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ» ، فصلّى، ثمّ جاء فسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ارجع فصلّ؛ إنّك لم تصلّ (ثلاثا) » ، فقال: والّذي بعثك بالحقّ فما أحسن غيره فعلّمني. قال «إذا قمت إلى الصّلاة، فكبّر، ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن، ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» ) * «2» .
80-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التّشهّد، كفّي بين كفّيه، كما يعلّمني السّورة من القرآن. وفي لفظ فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل: «التّحيّات لله، والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح، في السّماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء» ) * «3» .
81-* (عن كعب بن عجرة رضي الله عنه- أنّه لقي عبد الرّحمن بن أبي ليلى، فقال له: ألا أهدي لك هديّة؟ إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «4» .
82-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجزأ صلاة من لا يقيم صلبه في الرّكوع والسّجود» ) * «5» .
الإمامة في الصلاة:
83-* (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «6» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رفيقا، فلمّا ظنّ أنّا قد اشتهينا أهلنا (أو قد اشتقنا) سألنا عمّن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (516) واللفظ له. ومسلم (543) .
(2) البخاري- الفتح 2 (793) واللفظ له. ومسلم (397) .
(3) البخاري- الفتح 2 (831، 835) . ومسلم (402) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 11 (6357) واللفظ له. ومسلم (406) .
(5) ابن خزيمة (591) واللفظ له، وقال محققه: إسناده صحيح. وابن ماجة (870) بلفظ (لا يقيم الرجل فيها) .
(6) شببة: أي شبان واحدهم شاب.(6/2565)
«ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلّموهم، ومروهم- وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها- وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم» ) * «1» .
84-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ) * «2» .
ولمسلم: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوّي صفوفنا حتّى كأنّما يسوّي بها القداح «3» ، حتّى رأى أنّا قد عقلنا عنه، ثمّ خرج يوما فقام حتّى كاد يكبّر، فرأى رجلا باديا صدره من الصّفّ، فقال: «عباد الله لتسوّنّ صفوفكم، أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم» ) * «4» .
85-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سوّوا صفوفكم، فإنّ تسوية الصّفوف من تمام الصّلاة» ) * «5» .
86-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه أنّ جدّته مليكة دعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعته فأكل منه، ثمّ قال: «قوموا فأصلّي لكم» . قال أنس ابن مالك: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس «6» فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصففت أنا واليتيم «7» وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين، ثمّ انصرف) * «8» .
87-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أما يخشى الّذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار» ) * «9» .
88-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قال: «سمع الله لمن حمده» . لم يحن أحد منّا ظهره حتّى يقع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساجدا، ثمّ نقع سجودا بعده» ) * «10» .
89-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربّنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسا فصلّوا جلوسا أجمعون» ) * «11» .
90-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنّه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (631) واللفظ له. ومسلم (674) .
(2) البخاري- الفتح 2 (717) .
(3) القداح: جمع قدح، وهو السهم الذي كانوا يقتسمون به، أو الذي يرمى به عن القوس.
(4) مسلم (436) .
(5) البخاري- الفتح 2 (723) . ومسلم (433) واللفظ له.
(6) ما لبس: إن لبس كل شيء بحسبه واللبس هنا بمعنى الافتراش.
(7) اليتيم: هو (ضمير بن مسعد الحميريّ) .
(8) البخاري- الفتح 1 (380) . ومسلم (658) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 2 (691) . ومسلم (427) واللفظ له.
(10) البخاري- الفتح 2 (690) . مسلم (474) متفق عليه.
(11) البخاري- الفتح 2 (722) . مسلم (414) واللفظ له.
(12) البخاري- الفتح 2 (780) . مسلم (410) متفق عليه.(6/2566)
صلاة الجماعة:
91-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ «1» بسبع وعشرين درجة» ) * «2» .
92-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا. وذلك أنّه إذا توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ خرج إلى المسجد لا يخرجه إلّا الصّلاة، لم يخط خطوة «3» إلّا رفعت له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلّى لم تزل الملائكة تصلّي عليه ما دام في مصلّاه. اللهمّ صلّ عليه، اللهمّ ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصّلاة» ) * «4» .
93-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت «5» أن آمر بالصّلاة فتقام، ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» ) * «6» .
94-* (وعنه- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثمّ آمر بالصّلاة فيؤذّن لها، ثمّ آمر رجلا، فيؤمّ النّاس، ثمّ أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم، والّذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنّه يجد عرقا «7» سمينا أو مرماتين «8» حسنتين لشهد العشاء» ) * «9»
95-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصّبح من أجل فلان، ممّا يطيل بنا، قال: فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غضب في موعظة قطّ أشدّ ممّا غضب يومئذ، فقال: «يا أيّها الناس، إنّ منكم منفّرين، فأيّكم أمّ النّاس فليوجز، فإنّ من ورائه الكبير والصّغير وذا الحاجة» ) * «10» .
96-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل بناضحين «11» (وقد جنح اللّيل) فوافق معاذا يصلّي، فترك ناضحه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة، أو النّساء، فانطلق الرّجل،
__________
(1) والفذّ: أي الفرد.
(2) البخاري- الفتح 2 (645) . ومسلم (650) واللفظ له.
(3) خطوة: بضم الخاء ويجوز الفتح. وقيل: الخطوة بالضم: ما بين القدمين، وبالفتح: المرة الواحدة.
(4) البخاري- الفتح 2 (647) واللفظ له. ومسلم (649) .
(5) هممت: من هم بالأمريهم إذا عزم عليه.
(6) البخاري- الفتح 2 (657) و13 (7224) . ومسلم (651) واللفظ له. وقد سبق هذا الحديث برقم (11) في هذه الصفة في بيان أهمية الصلاة، وأعيد هنا لبيان فضل صلاة الجماعة.
(7) العرق: بالسكون، العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم (بفتح العين) كما ضبطها الحافظ ابن حجر في الفتح.
(8) مرماتين: أي ما بين ظلفي الشاة، يريد حقارته
(9) البخاري- الفتح 1 (644) واللفظ له. ومسلم (651، 652) .
(10) البخاري- الفتح 2 (704) . ومسلم (466) واللفظ له.
(11) النواضح: جمع ناضح وهي الإبل التي يستقى عليها.(6/2567)
وبلغه أنّ معاذا نال منه، فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فشكا إليه معاذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا معاذ، أفتّان أنت- أو أفاتن- ثلاث مرار، فلولا صلّيت بسبّح اسم ربّك، والشّمس وضحاها، واللّيل إذا يغشى، فإنّه يصلّي وراءك الكبير والضّعيف وذو الحاجة» ) * «1» .
97-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» . فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّا سيّئا، ما سمعته سبّه مثله قطّ، وقال: أخبرك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقول: والله لنمنعهنّ؟. وفي لفظ آخر: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ) * «2» .
الخشوع والطمأنينة في الصلاة:
98-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى في خميصة «3» لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلمّا انصرف، قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانيّة «4» أبي جهم، فإنّها ألهتني آنفا عن صلاتي» وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: «كنت أنظر علمها وأنا في الصّلاة فأخاف أن تفتنني» ) * «5» .
99-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما. ثمّ انصرف، فقال:
«يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلّي إذا صلّى كيف يصلّي؟ فإنّما يصلّي لنفسه، إنّي والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديّ» ) * «6» .
100-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الالتفات في الصّلاة، فقال: «هو اختلاس «7» يختلسه الشّيطان من صلاة العبد» ) * «8» .
من مبطلات الصلاة:
101-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم الرّجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصّلاة حتّى نزلت وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «9» فأمرنا بالسّكوت، ونهينا عن الكلام) * «10» .
مكروهات الصلاة:
102-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا وضع العشاء وأقيمت الصّلاة فابدأوا بالعشاء» وعن ابن عمر نحوه) * «11» .
ولمسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (705) واللفظ له. ومسلم 2 (465) .
(2) البخاري- الفتح 2 (865) . ومسلم (442) واللفظ له..
(3) خميصة لها أعلام: كساء مربع مخطط بألوان مختلفة.
(4) الأنبجانية: بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الباء كساء غليظ ليس له أعلام، منسوبة إلى بلد تسمى أنبجان.
(5) البخاري- الفتح 1 (373) واللفظ له. ومسلم (556) . ملاحظة: هذا الحديث يدخل في مكروهات الصلاة أيضا.
(6) البخاري- الفتح 2 (741) . ومسلم (423) واللفظ له.
(7) اختلاس: الأخذ نهبة وسلبا.
(8) البخاري- الفتح 2 (751) .
(9) سورة البقرة: آية، 238 وقال الراغب: القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع.
(10) البخاري- الفتح 3 (1200) . ومسلم (539) واللفظ له.
(11) البخاري- الفتح 2 (671) .(6/2568)
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا صلاة بحضرة الطّعام، ولا هو يدافعه الأخبثان» «1» .
103-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «اعتدلوا في السّجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» ) * «2» .
104-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في صلاتهم؟ فاشتدّ قوله في ذلك حتّى قال: لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفنّ أبصارهم» ) * «3» .
105-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته. وإنّه أتي بقدر فيها خضرات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: «قرّبوها» إلى بعض أصحابه، فلمّا رآه كره أكلها، قال: «كل. فإنّي أناجي من لا تناجي» ) * «4» .
الأوقات التي ينهى عن الصلاة فيها:
106-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: شهد عندي رجال مرضيّون، وأرضاهم عندي عمر، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصّلاة بعد الصّبح حتّى تشرق الشّمس، وبعد العصر حتّى تغرب) * «5» .
107-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا صلاة بعد الصّبح حتّى ترتفع الشّمس، ولا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشّمس» ) * «6» .
وعند مسلم «بعد صلاة الفجر حتّى تطلع الشّمس» .
قضاء ما فات من الصلاة:
108-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي صلاة فليصلّ إذا ذكرها، لا كفّارة لها إلّا ذلك (وتلا قوله تعالى) : وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) .
ولمسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفّارتها أن يصلّيها إذا ذكرها» ) * «7» .
109-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشّمس، فجعل يسبّ كفّار قريش، قال: يا رسول الله، ما كدت أصلّي العصر حتّى كادت الشّمس تغرب، قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «والله ما صلّيتها، فقمنا إلى بطحان «8» ، فتوضّأ للصّلاة وتوضّأنا لها، فصلّى العصر بعد ما غربت الشّمس، ثمّ صلّى بعدها المغرب» ) * «9» .
110-* (عن معاذة قالت: سألت عائشة
__________
(1) مسلم (560) والأخبثان: البول والغائط.
(2) البخاري- الفتح 2 (822) واللفظ له. ومسلم (493) .
(3) البخاري- الفتح 2 (750) واللفظ له. ومسلم (428) عن جابر بن سمرة نحوه (429) عن أبي هريرة نحوه.
(4) البخاري- الفتح 9 (5452) . ومسلم (564) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 2 (581) واللفظ له. ومسلم (826) .
(6) البخاري- الفتح 2 (586) واللفظ له. ومسلم (827) .
(7) البخاري- الفتح 2 (597) واللفظ له. ومسلم (684) .
(8) بطحان: واد بالمدينة.
(9) البخاري- الفتح 2 (596) واللفظ له. ومسلم (631) .(6/2569)
- رضي الله عنها- فقلت: ما بال الحائض تقضي الصّوم ولا تقضي الصّلاة؟. فقالت: أحروريّة أنت؟ «1» .
فقالت: لست بحروريّة ولكنّي أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة) * «2» .
الأذكار في الصلاة وبعدها:
111-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
واصرف عنّي سيّئها، لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت.
لبّيك! وسعديك! والخير كلّه في يديك، والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال:
«اللهمّ لك سجدت، وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» ، ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به منّي، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت» ) * «3» .
112-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منذ نزل عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يصلّي صلاة إلّا دعا أو قال فيها:
«سبحانك ربّي وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» .
وفي لفظ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» ) * «4» .
113-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله تعالى عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علّمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: «قل: اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «5» .
__________
(1) أحرورية أنت: نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان أول اجتماع الخوارج بها، ومعنى قول عائشة- رضي الله عنها- إن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الفائتة في زمن الحيض وهو خلاف إجماع المسلمين.
(2) البخاري- الفتح 1 (321) . ومسلم (335) واللفظ له.
(3) مسلم (771) .
(4) البخاري- الفتح 2 (794) . ومسلم (484) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له. ومسلم (2705) .(6/2570)
114-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة، كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
قال ابن عبّاس: كنت أعلم إذا انصرفوا، بذلك إذا سمعته.
وفي لفظ: ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا بالتّكبير.
115-* (عن ورّاد مولى المغيرة بن شعبة، قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة- في كتاب إلى معاوية-:
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دبر كلّ صلاة مكتوبة: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «2» .
116-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدّثور بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم، فقال: «وما ذاك؟» قالوا: يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا أعلّمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم؟ ولا يكون أحد أفضل منكم إلّا من صنع مثل ما صنعتم» قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «تسبّحون وتكبّرون وتحمدون، دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرّة» ، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» .
قال سميّ: فحدّثت بعض أهلي هذا الحديث فقال: وهمت إنّما قال: تسبّح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبّر الله ثلاثا وثلاثين. فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: قل:
الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتّى تبلغ من جميعهنّ ثلاثا وثلاثين) * «3» .
117-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النّار ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدّجّال» .
وفي لفظ لمسلم: «إذا فرغ أحدكم من التشّهّد الآخر فليتعوّذ بالله من أربع: من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر. ومن فتنة المحيا والممات. ومن شرّ المسيح الدّجّال» ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (841، 842) . ومسلم (583) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 2 (844) واللفظ له. ومسلم (593) .
(3) البخاري- الفتح (843) نحوه. ومسلم (595) واللفظ له. وقال النووي: وذكر من طرق غير طريق أبي صالح أنه يسبح ثلاثا وثلاثين مستقلة ويكبر ثلاثا وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك. وهذا ظاهر الأحاديث. انظر مسلم بشرح النووي.
(4) البخاري- الفتح 3 (1377) واللفظ الأول له. ومسلم (588) .(6/2571)
سجود السهو:
118-* (عن عبد الله بن بحينة، قال: صلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين من بعض الصّلوات، ثمّ قام فلم يجلس. فقام النّاس معه، فلمّا قضى صلاته ونظرنا تسليمه: كبّر. فسجد سجدتين وهو جالس قبل التّسليم ثمّ سلّم) * «1» .
119-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إحدى صلاتي العشيّ «2» - قال محمّد: وأكثر ظنّي أنّها العصر- ركعتين، ثمّ سلّم، ثمّ قام إلى خشبة في مقدّم المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- فهابا أن يكلّماه، وخرج سرعان «3» النّاس، فقالوا: أقصرت الصّلاة؟ ورجل يدعوه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذا اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: «لم أنس، ولم تقصر» قال: بلى، قد نسيت، فصلّى ركعتين ثمّ سلّم، ثمّ كبّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثمّ رفع رأسه فكبّر، ثمّ وضع رأسه فكبّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثمّ رفع رأسه وكبّر) * «4» .
صلاة الجمعة:
120-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر، ويدّهن من دهنه، أو يمسّ من طيب بيته، ثمّ يخرج فلا يفرّق بين اثنين، ثمّ يصلّي ما كتب له، ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام إلّا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» ) * «5» .
121-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة «6» ، ومن راح في السّاعة الثّانية
فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة، فكأنّما قرّب كبشا أقرن «7» ، ومن راح في السّاعة الرّابعة، فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة، فكأنّما قرّب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «8» .
122-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة:
الم تَنْزِيلُ- السجدة- وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ. وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون) * «9» .
123-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1224) . ومسلم 1 (570) واللفظ له.
(2) العشي: ما بين زوال الشمس إلى غروبها.
(3) السرعان: المسرعون إلى الخروج.
(4) البخاري- الفتح 3 (1229) . واللفظ له. ومسلم (573) . ظاهر هذا الحديث أن سجود السهو بعد السلام ما قبله، وقد حمله الشافعي على أنه وقوعه بعد السلام كان نسيانا لا عمدا. ينظر: مسلم بشرح النووي.
(5) البخاري- الفتح 2 (883) .
(6) قرب بدنة: معنى قرب تصدق والبدنة كما قال الجمهور: يقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم. وسميت بذلك لعظم بدنها والمراد هنا الإبل.
(7) كبشا أقرن: والكبش الأقرن هو ذو القرن.
(8) البخاري- الفتح 2 (881) . ومسلم (850) واللفظ له.
(9) مسلم (879) .(6/2572)
يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل الله تعالى شيئا إلّا أعطاه إيّاه» ، وأشار بيده يقلّلها) * «1» .
124-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب النّاس يوم الجمعة، فقال: «أصلّيت يا فلان؟» قال: لا. قال:
«قم، فاركع ركعتين» وفي رواية: «فصلّ ركعتين» ) * «2» .
125-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قلت: لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» ) * «3» .
126-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة قائما. ثمّ يجلس. ثمّ يقوم. قال: كما تفعلون اليوم) * «4» .
127-* (عن سلمة بن الأكوع وكان من أصحاب الشّجرة) - رضي الله عنه- قال: كنّا نصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجمعة ثمّ ننصرف وليس للحيطان ظلّ نستظلّ فيه) «5» .
وفي لفظ: (كنّا نجمّع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا زالت الشّمس، ثمّ نرجع نتتبّع الفيء «6» ) * «7» .
128-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد «8» أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثمّ هذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالنّاس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنّصارى بعد غد» ) * «9» .
129-* (عن أبي حازم بن دينار: أنّ رجالا أتوا سهل بن سعد السّاعديّ، وقد امتروا «10» في المنبر ممّ عوده؟ فسألوه عن ذلك فقال: والله إنّي لأعرف ممّ هو، ولقد رأيته أوّل يوم وضع، وأوّل يوم جلس عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «11» إلى فلانة- امرأة سمّاها سهل- مري غلامك النّجّار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهنّ إذا كلّمت النّاس، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة «12» ، ثمّ جاء بها فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر بها فوضعت هاهنا. ثمّ رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى عليها، وكبّر وهو عليها، ثمّ ركع وهو عليها، ثمّ نزل القهقرى «13» فسجد في أصل المنبر ثمّ عاد، فلمّا فرغ أقبل على النّاس فقال: «أيّها الناس إنّما صنعت هذا لتأتمّوا ولتعلموا صلاتي» ) * «14» .
130-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (935) واللفظ له. ومسلم (852) .
(2) البخاري- الفتح 2 (930) .
(3) البخاري- الفتح 2 (934) . ومسلم (851) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (920) بلفظ قريب منه، (928) . ومسلم (861) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 7 (4168) .
(6) نتتبع الفيء: أي نتطلب مواقع الظل.
(7) مسلم (860) .
(8) بيد: غير.
(9) البخاري- الفتح 2 (876) واللفظ له. ومسلم (855) .
(10) امتروا: من الامتراء وهو المجادلة.
(11) هذه الزيادة من نسخة الفتح ط. الباز، وبها يستقيم المعنى.
(12) طرفاء الغابة: شجر من شجر الغابة مثل الأثل وأعظم منه، والغابة هنا موضع من عوالي المدينة جهة الشام. وفي الأصل الشجر الملتف.
(13) القهقري: المشي إلى الخلف.
(14) البخاري- الفتح 2 (917) .(6/2573)
قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سجدتين قبل الظّهر وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأمّا المغرب والعشاء ففي بيته.
وفي رواية عن حفصة: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر وكانت ساعة لا أدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها) * «1» .
131-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على شيء من النّوافل أشدّ منه تعاهدا على ركعتي الفجر.
وفي لفظ لمسلم: «ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها» ) * «2» .
132-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» ) * «3» .
133-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان يسبّح على الرّاحلة قبل أيّ وجه توجّه، ويوتر عليها، غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة.
وفي رواية: كان يوتر على البعير.
ولمسلم أيضا: غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة) * «4» .
صلاة الليل والوتر:
134-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت:
يركع عند المائة ثمّ مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسّلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» ، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع، ثمّ سجد، فقال:
«سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه.
قال: وفي حديث جرير من الزّيادة: فقال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا لك الحمد» ) * «5» .
135-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه رقد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستيقظ (يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) فتسوّك وتوضّأ وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) فقرأ هؤلاء الآيات حتّى ختم السّورة، ثمّ قام فصلّى ركعتين فأطال فيهما القيام والرّكوع والسّجود، ثمّ انصرف فنام حتّى نفخ، ثمّ فعل ذلك ثلاث مرّات ستّ ركعات، كلّ ذلك يستاك ويتوضّأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثمّ أوتر بثلاث، فأذّن المؤذّن فخرج إلى الصّلاة وهو يقول: «اللهمّ! اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1172، 1173) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1163) واللفظ له. ومسلم (725) في اللفظ الآخر.
(3) البخاري- الفتح 1 (444) . ومسلم 1 (714) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (1098) واللفظ له. ومسلم (700) .
(5) مسلم (772) .(6/2574)
خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهمّ أعطني نورا» ) * «1» .
136-* (عن زيد بن خالد الجهني- رضي الله عنه- أنّه قال: لأرمقنّ «2» صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّيلة، فصلّى ركعتين خفيفتين، ثمّ صلّى ركعتين طويلتين. طويلتين. طويلتين، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللّتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين. وهما دون اللّتين قبلهما ثمّ أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة) * «3» .
137-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى حتّى انتفخت «4» قدماه، فقيل له: أتكلّف هذا؛ وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؛ فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «5» .
138-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت ذات ليلة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له وما ذاك الأمر؟ قال: هممت أن أجلس وأتركه صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
139-* (سئلت عائشة- رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان ينام أوّل اللّيل ويحيي آخره، ثمّ إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثمّ ينام، فإذا كان عند النّداء الأوّل (قالت) وثب، (ولا والله! ما قالت: قام) فأفاض عليه الماء، (ولا والله! ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد) وإن لم يكن جنبا توضّأ وضوء الرّجل للصلاة، ثمّ صلّى الرّكعتين) * «7» .
140-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على مكان كلّ عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة، فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «8» .
141-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا قال: يا رسول الله كيف صلاة اللّيل؟ قال: «مثنى مثنى، فإذا خفت الصّبح فأوتر بواحدة» ) * «9» .
142-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي من اللّيل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلّا في
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (699) . ومسلم (763) واللفظ له.
(2) لأرمقن: يقال: رمقه بعينه رمقا، إذا أطال النظر إليه أي لأطيلنّ النظر إلى صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(3) مسلم (765) .
(4) انتفخت: أي تورمت، وشدة التورم يصاحبها التشقق.
(5) البخاري- الفتح 3 (1130) . ومسلم (2819) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 3 (1135) بلفظ (أذر) بدل (أقعد) . وابن ماجة (1418) واللفظ له.
(7) مسلم 1 (739) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1142) واللفظ له. ومسلم (776) .
(9) البخاري- الفتح 3 (1137) .(6/2575)
آخرها) * «1» .
143-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا فاتته الصّلاة من اللّيل من وجع أو غيره صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة) * «2» .
144-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: من كلّ اللّيل «3» قد أوتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أوّل اللّيل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السّحر) * «4» .
145-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبّر ويرفع رأسه «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد» ، ثمّ يقول وهو قائم: «اللهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعيّاش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ... » ) الحديث) * «5» .
صلاة العيدين:
146-* (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: أمرنا (تعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) أن نخرج في العيدين، العواتق «6» وذوات الخدور «7» ، وأمر الحيّض «8» أن يعتزلن مصلّى المسلمين.
وفي لفظ: كنّا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتّى نخرج البكر من خدرها، وحتّى نخرج الحيّض فيكنّ خلف النّاس، فيكبّرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته) * «9» .
147-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خطبنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم النّحر قال: إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي ثمّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنّتنا، ومن ذبح قبل أن يصلّي فإنّما هو لحم عجّله لأهله ليس من النّسك في شيء، فقام خالي أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، أنا ذبحت قبل أن أصلّي، وعندي جذعة خير من مسنّة قال: «اجعلها مكانها» أو قال: اذبحها- «ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك» ) * «10» .
148-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثّ على طاعته، ووعظ النّاس، وذكّرهم، ثمّ مضى. حتّى أتى النّساء.
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1140) مع اختلاف في آخره. ومسلم (737) واللفظ له.
(2) مسلم (746) .
(3) من كل الليل: أي: من كل أجزاء الليل. من أوله وأوسطه وآخره.
(4) مسلم (745) .
(5) البخاري- الفتح 2 (797) نحوه و8 (4560) . ومسلم (675) واللفظ له.
(6) العواتق: جمع عاتق وهي الجارية البالغة أو التي قاربت البلوغ.
(7) الخدور: البيوت، وقيل الخدر ستر يكون في ناحية البيت
(8) الحيض: جمع حائض، مثل راكع وركع.
(9) البخاري- الفتح 2 (971) واللفظ الثاني له. ومسلم (890) واللفظ الأول له.
(10) البخاري- الفتح 2 (968) . ولعل مرجع هذه الخصوصية أنه كان قد ذبح قبل الصلاة فإجزاء الجذعة من المعز عنه أشبه بالرخصة.(6/2576)
فوعظهنّ وذكّرهنّ، فقال: «تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» ، فقامت امرأة من سطة «1» النّساء سفعاء «2» الخدّين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «3» وتكفرن العشير «4» » قال: فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ «5» وخواتمهنّ» ) * «6» .
149-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر يصلّون العيدين قبل الخطبة) * «7» .
صلاة المسافرين:
150-* (عن أبي جحيفة (وهب بن عبد الله السّوائيّ) - رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة وهو بالأبطح في قبّة له حمراء من أدم «8» قال:
فخرج بلال بوضوئه، فمن نائل وناضح «9» ، قال:
فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه حلّة حمراء. كأنّي أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضّأ وأذّن بلال، قال: فجعلت أتتبّع فاه هاهنا وهاهنا، (يقول يمينا وشمالا) يقول حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، قال ثمّ ركزت له عنزة «10» فتقدّم فصلّى الظّهر ركعتين يمرّ بين يديه الحمار والكلب، لا يمنع، ثمّ صلّى العصر ركعتين، ثمّ لم يزل يصلّي ركعتين حتّى رجع إلى المدينة) * «11» .
151-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
فرض الله الصّلاة على لسان نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم في الحضر أربعا وفي السّفر ركعتين وفي الخوف ركعة) * «12» .
152-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكان لا يزيد في السّفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك رضي الله عنهم-) * «13» .
153-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجمع بين صلاة الظّهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء) * «14» .
__________
(1) من سطة النساء: من خيارهن والوسط العدل والخيار.
(2) سفعاء الخدين: السفعة: وزان غرفة: سواد مشرب بحمرة.
(3) الشكاة: الشكوى.
(4) العشير: الزوج.
(5) أقرطتهن: جمع قرط، وهو ما علق بشحمة الأذن من ذهب وغيره.
(6) مسلم (885) . وروى البخاري قريبا منه، انظر الفتح 2 (961) .
(7) مسلم 888) واللفظ له. وعند البخاري نحوه، انظر الفتح 2 (957) . وبلفظه عن ابن عباس، الفتح 2 (962) .
(8) الأدم: الجلد.
(9) فمن نائل وناضح: فمنهم من ينال منه شيئا ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله، ويرش عليه بللا مما حصل له.
(10) عنزة: العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا.
(11) مسلم (503) .
(12) مسلم (687) . قال النووي: صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال، وتأولوا حديث ابن عباس على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا ينظر: مسلم بشرح النووي. ولا يخفى أن هذا التأويل إنما هو لصلاة الخوف الواقعة في السفر كما تبين ذلك في أحاديث صلاة الخوف الآتية بعد.
(13) البخاري- الفتح 2 (1102) واللفظ له. ومسلم (689) .
(14) البخاري- الفتح 2 (1107) .(6/2577)
وفي رواية مسلم: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الصّلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظّهر والعصر، والمغرب والعشاء» ) * «1» .
الصلاة على الميت:
154-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه وعافه «2» واعف عنه وأكرم نزله «3» ووسّع مدخله «4» واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » .
قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «5» .
155-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له- بقديد أو بعسفان- فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من النّاس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقالوا: تقول هم أربعون؟. قال: نعم، قال: أخرجوه. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «6» .
156-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعى للنّاس النّجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه فخرج إلى المصلّى وكبّر أربع تكبيرات) * «7» .
157-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى على قبر بعد ما دفن، فكبّر عليه أربعا) * «8» .
158-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: صلّيت وراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها) * «9» .
159-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شهد الجنازة حتّى يصلّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتّى تدفن فله قيراطان» قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» . ولمسلم: «أصغرهما مثل أحد» ) * «10» .
صلاة الخوف:
ملاحظة: إنّ صلاة الخوف وإن تعدّدت هيئاتها فلا يعني هذا تعارضا في الأخبار، بل تصلّى كلّ حالة حسب حالة العدوّ فيما إذا كان وجاه المسلمين أو بعيدا عنهم.
160-* (عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب- رضي
__________
(1) مسلم (705) .
(2) عافه: أي خلصه من المكاره.
(3) وأكرم نزله: أي أحسن نصيبه من الجنة.
(4) وسع مدخله: يعني (قبره) .
(5) مسلم (963) .
(6) مسلم (948) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1318) . ومسلم (951) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 3 (1336) . ومسلم (954) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 3 (1331) واللفظ له. ومسلم (964) .
(10) البخاري- الفتح 3 (1325) . ومسلم (945) واللفظ له.(6/2578)
الله عنهما- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف في بعض أيّامه، فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدوّ، فصلّى بالّذين معه ركعة ثمّ ذهبوا، وجاء الآخرون فصلّى بهم ركعة، ثمّ قضت الطّائفتان ركعة ركعة) * «1» .
161-* (عن صالح بن خوّات- رضي الله عنه- عمّن صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم ذات الرّقاع «2» صلاة الخوف: أنّ طائفة صفّت معه وطائفة وجاه العدوّ، فصلّى بالّذين معه ركعة، ثمّ ثبت قائما وأتمّوا لأنفسهم، ثمّ انصرفوا فصفّوا وجاه العدوّ، وجاءت الطّائفة الأخرى فصلّى بهم الرّكعة الّتي بقيت، ثمّ ثبت جالسا وأتمّوا لأنفسهم ثمّ سلّم بهم) * «3» .
162-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف، فصفّنا صفّين: صفّ خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعدوّ بيننا وبين القبلة، فكبّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكبّرنا جميعا، ثمّ ركع وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، وقام الصّفّ المؤخّر في نحر العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود وقام الصّفّ الذي يليه، انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود، وقاموا، ثمّ تقدّم الصّفّ المؤخّر، وتأخّر الصّفّ المقدّم، ثمّ ركع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّف الّذي يليه الّذي كان مؤخّرا في الرّكعة الأولى، وقام الصّفّ المؤخّر في نحور العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود والصّفّ الّذي يليه؛ انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود، فسجدوا، ثمّ سلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وسلّمنا جميعا. قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم) * «4» .
صلاة الخسوف:
163-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: خسفت الشّمس، على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلت على عائشة وهي تصلّي، فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟. فأشارت برأسها إلى السّماء، فقلت:
آية؟، قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «5» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي. فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا رأيته في مقامي هذا، حتّى الجنّة والنّار، وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) ،
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (942) نحوه. ومسلم (839) واللفظ له.
(2) يوم ذات الرّقاع: هي غزوة معروفة. كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد. سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرقة.
(3) مسلم (842) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4125، 4126، 4127، 4136) مجزءا. وذكره مسلم بتمامه (840) واللفظ له.
(5) الغشي: بفتح الغين وسكون الشين وتشديد الياء: الغشاوة أو الغيبوبة التي تحدث بسبب طول القيام في الحر أو غيره من الأحوال. وهي أشبه بالنوم ولهذا جعلت تصب الماء لتفيق.(6/2579)
فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟. فأمّا المؤمن، أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) .
فيقول: هو محمّد هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا وأطعنا- ثلاث مرار- فيقال له: نم.
قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به، فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول:
لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «1» .
164-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ الشّمس خسفت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعث مناديا: «الصّلاة جامعة» فاجتمعوا. وتقدّم فكبّر، وصلّى أربع ركعات. في ركعتين «2» وأربع سجدات» ) * «3» .
165-* (عن أبي مسعود (عقبة بن عامر) الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوّف الله بهما عباده وإنّهما لا ينكسفان لموت أحد من النّاس، فإذا رأيتم منها شيئا فصلّوا، وادعوا الله حتّى يكشف ما بكم» ) * «4» .
166-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ قام فأطال القيام- وهو دون القيام الأوّل- ثمّ ركع فأطال الرّكوع- وهو دون الرّكوع الأوّل- ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الرّكعة الأولى، ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «5» .
167-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة، حتّى أتى المسجد فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قطّ، ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله تعالى لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ) * «6» .
صلاة الاستسقاء:
168-* (عن عبد الله بن زيد المازنيّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فاستسقى، وحوّل رداءه حين استقبل القبلة) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (1053) . ومسلم (905) واللفظ له.
(2) أي أربع ركوعات في ركعتين.
(3) البخاري- الفتح 2 (1062) ، ومسلم (901) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 2 (1042) . ومسلم (911) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (904) .
(6) البخاري- الفتح 2 (1059) . ومسلم (912) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 2 (1012) . ومسلم (894) واللفظ له.(6/2580)
169-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء «1» ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما، ثمّ قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل «2» فادع الله يغثنا، قال:
فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال: «اللهمّ! أغثنا، اللهمّ! أغثنا، اللهمّ! أغثنا» ، قال أنس: ولا والله! ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة «3» وما بيننا وبين سلع «4»
من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس «5» ، فلمّا توسّطت السّماء، انتشرت، ثمّ أمطرت، قال: فلا والله! ما رأينا الشّمس سبتا «6» ، قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السّبل، فادع الله يمسكها عنّا، قال: فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه ثمّ قال:
«اللهمّ! حوالينا ولا علينا، اللهمّ! على الآكام «7» ، والظّراب «8» وبطون الأودية ومنابت الشّجر» .
فانقلعت وخرجنا نمشي في الشّمس. قال شريك:
فسألت أنس بن مالك: أهو الرّجل الأوّل؟ قال: لا أدري) * «9» .
صلاة الضّحى:
170-* (عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة- رضي الله عنها-: هل كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي الضّحى؟ قالت: لا. إلّا أن يجيأ من مغيبه» ) * «10» .
171-* (عن معاذة أنّها سألت عائشة- رضي الله عنها-: كم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة الضّحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء) * «11» .
صلاة سنّة الفجر:
172-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-:
أنّ حفصة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أخبرته: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سكت المؤذّن من الأذان لصلاة الصّبح، وبدأ الصّبح ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصّلاة) * «12» .
173-* (وعن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها» ) * «13» .
174-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي ركعتي الفجر، إذا سمع
__________
(1) دار القضاء: هي دار عمر بن الخطاب. رضي الله عنه. سميت بذلك لأنها بيعت في قضاء دينه.
(2) انقطعت السبل: أي الطرق، فلم تسلكها الإبل، إما لخوف الهلاك أو الضعف بسبب قلة الكلأ أو عدمه.
(3) القزعة: القطعة من السحاب.
(4) سلع: هو جبل بقرب المدينة.
(5) الترس: هو ما يتقى به السيف أي قطعة سحاب مستديرة. ووجه الشبه الاستدارة والكثافة، لا القدر.
(6) سبتا: أي قطعة من الزمان.
(7) الآكام: جمع أكمة وهي أعلى من الرابية ودون الهضبة.
(8) الظراب: الجبل الصغير.
(9) البخاري- الفتح 2 (1013) . ومسلم (897) واللفظ له.
(10) مسلم (717) .
(11) مسلم (719) .
(12) مسلم (723) .
(13) مسلم (725) .(6/2581)
الأذان، ويخفّفهما) * «1» .
صلاة تحية المسجد:
175-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس» ) * «2» .
176-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان لي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دين فقضاني وزادني، ودخلت عليه المسجد، فقال لي: «صلّ ركعتين» ) * «3» .
177-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان لا يقدم من سفر إلّا نهارا؛ في الضّحى. فإذا قدم بدأ بالمسجد. فصلّى فيه ركعتين. ثمّ جلس فيه» ) * «4» .
صلاة الاستخارة:
178-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة الأمور كلّها كالسّورة من القرآن: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ يقول:
اللهمّ! إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ! إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به، ويسمّي حاجته» ) * «5» .
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الصلاة)
1-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: «من السّنّة إذا قال المؤذّن في أذان الفجر حيّ على الفلاح، قال: الصّلاة خير من النّوم» ) * «6» .
2-* (عن عطاء بن أبي رباح، قال: «صلّى بنا ابن الزّبير في يوم عيد في يوم جمعة أوّل النّهار، ثمّ رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلّينا وحدانا، وكان ابن عبّاس بالطّائف، فلمّا قدم ذكرنا ذلك له، فقال:
أصاب السّنّة» .
وفي رواية: «اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزّبير، فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعا، فصلّاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتّى صلّى العصر) * «7» .
3-* (قال حسّان بن عطيّة: «إنّ الرّجلين ليكونان في الصّلاة الواحدة وإنّ ما بينهما في الفضل
__________
(1) مسلم (724) .
(2) مسلم (714) .
(3) مسلم (715) .
(4) مسلم (716) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6382) .
(6) ابن خزيمة (386) وقال محققه: إسناده صحيح.
(7) أبو داود (1071، 1072) واللفظ له، قال محقق جامع الأصول (6/ 146) : وإسناده صحيح.(6/2582)
كما بين السّماء والأرض، وذلك أنّ أحدهما مقبل بقلبه على الله- عزّ وجلّ- والآخر ساه غافل، فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه وبينه حجاب لم يكن إقبالا ولا تقريبا، فما الظّنّ بالخالق- عزّ وجلّ-؟ وإذا أقبل على الخالق- عزّ وجلّ- وبينه وبينه حجاب الشّهوات والوساوس، والنّفس مشغوفة بها ملأى منها، فكيف يكون ذلك إقبالا، وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كلّ مذهب؟» ) * «1» .
4-* (عن أمّ الدّرداء قالت: «بات أبو الدّرداء لّيلة يصلّي فجعل يبكي ويقول: اللهمّ أحسنت خلقي فأحسن خلقي حتّى أصبح، فقلت: يا أبا الدّرداء ما كان دعاؤك منذ اللّيلة إلّا في حسن الخلق قال: يا أمّ الدّرداء، إنّ العبد المسلم يحسن خلقه حتّى يدخله حسن خلقه الجنّة ويسوء خلقه حتّى يدخله سوء خلقه النّار. وإنّ العبد المسلم ليغفر له وهو نائم قالت: قلت: وكيف ذاك يا أبا الدّرداء؟ قال: يقوم أخوه من اللّيل فيتهجّد فيدعو الله فيستجيب له ويدعو لأخيه فيستجيب له» ) * «2» .
5-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«لولا ثلاث لأحببت أن أكون في بطن الأرض لا على ظهرها: لولا إخوان لي يأتوني ينتقون طيّب الكلام كما ينتقى طيّب التّمر، أو أغفّر وجهي ساجدا لله- عزّ وجلّ- أو غدوة أو روحة في سبيل الله- عزّ وجلّ-» ) * «3» .
6-* (قال عبد الله: كان أبي ساعة يصلّي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثمّ يقوم إلى الصّباح يصلّي ويدعو» ) * «4» .
7-* (وقال إبراهيم بن شمّاس: «كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام وهو يحيي اللّيل» ) * «5» .
8-* (في كتاب أبي جعفر الأدميّ بخطّه، قال: «كنت باليمن في بعض أسفاري، فإذا رجل معه ابن له شابّ، فقال: إنّ هذا أبي وهو من خير الآباء، وقد يصنع شيئا أخاف عليه منه، قلت: وأيّ شيء يصنع؟ قال: لي بقر تأتيني مساء فأحلبها، ثمّ آتي أبي وهو في الصّلاة، فأحبّ أن يكون عيالي يشربون فضله، ولا أزال قائما عليه والإناء في يدي، وهو مقبل على صلاته فعسى أن لا ينفتل ويقبل عليّ حتّى يطلع الفجر، قلت للشّيخ: ما تقول؟ قال: صدق، وأثنى على ابنه، وقال لي: أخبرك بعذري، إذا دخلت في الصّلاة، فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب، وشغلني حتّى ما أذكره حتّى أصبح، قال سلامة:
فذكرت أمرهما لعبد الله بن مرزوق، فقال: هذان يدفع بهما عن أهل اليمن، قال وذكرت أمرهما لابن عيينة، فقال: هذان يدفع بهما عن أهل الدّنيا» ) * «6» .
__________
(1) الوابل الصيب لابن القيم (36) .
(2) كتاب الزهد للإمام أحمد (174) .
(3) المرجع السابق (168، 169) .
(4) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 169) .
(5) المرجع السابق نفسه (2/ 169) .
(6) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (100) .(6/2583)
من فوائد (الصلاة)
(1) حضور القلب واستشعار عظمة الله في الصّلاة.
(2) إذا أحضر المصلّي قلبه في صلاته، فإنّه يخرج من صلاته وقد غفرت خطاياه.
(3) الصّلاة راحة للنّفس، فإذا أدّاها حقّ أدائها، وجد نشاطا وراحة وروحا.
(4) الدّنيا سجن المؤمن يشعر فيها بالضّيق، إذا دخل في الصّلاة وجدها قرّة عينيه ونعيم روحه وجنّة قلبه ومستراحه في الدّنيا.
(5) كما أنّها للجسم رياضة بدنيّة تقوّيه وتفيده، فإنّها رياضة للرّوح تقوّيها وتنعشها.
(6) الصّلاة صلة بين العبد وربّه، وتذكّر العبد بدوام مراقبته لله- عزّ وجلّ- فيحسن باطنه كما يحسن ظاهره.
(7) من أسباب إشاعة النّظافة بين المؤمنين.
(8) توحيد اتّجاه جميع المصلّين إلى بيت الله الحرام إشعار بوجوب توحيد القلوب على أمر الله وطاعته وأن يكون المسلمون كالجسد الواحد متعاونين متآزرين.
(9) الصّلاة الجامعة: كالجمعة والجماعات وغيرهما تجمع المصلّين ليقفوا على أحوال بعضهم بعضا وليتعلّموا ويتعاونوا ويتآخوا في دين الله، ومن أجل هذا شرع بناء المساجد في الإسلام، وعدّ بناؤها من أكبر القربات عند الله.
(10) تقوّي خلق المراقبة والخشية لله- عزّ وجلّ-.
(11) تكرار الصّلاة في اليوم واللّيلة خمس مرّات يكون تطهيرا روحيّا للمسلم، يتطهّر بها من غفلات قلبه وزلّات لسانه ومقترفات جوارحه.
(12) الصّلاة قوّة خلقيّة هائلة، وفيها إحياء للضّمائر المؤمنة تأمرها بالخير وتنهاها عن الشّرّ «1» .
__________
(1) العبادة في الإسلام للقرضاوي (221) .(6/2584)
الصلاح
الصلاح لغة:
مصدر «صلح» الشّيء يصلح ويصلح صلاحا وهو ضدّ الفساد، ويقال فيه أيضا صلح صلوحا، والوصف منه صالح وصليح، والجمع صلحاء وصلوح، ورجل مصلح في أعماله وأموره، وقد أصلحه الله، والمصلحة: الصّلاح وجمعها مصالح والاستصلاح نقيض الاستفساد، والصّلح: السّلم، والصّلح: تصالح القوم بينهم «1» .
قال الرّاغب: قوبل الصّلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسّيّئة. قال تعالى: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً (التوبة/ 102) . وقال- عزّ وجلّ-: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 56) . والصّلح يختصّ بإزالة النّفار بين النّاس، يقال منه: اصطلحوا وتصالحوا. قال تعالى:
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء/ 128) ، وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إيّاه صالحا، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصّلاح «2» . وذلك كما في قوله سبحانه وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (محمد/ 2) . وقوله- عزّ من قائل-:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
112/ 51/ 9
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي (الأحقاف/ 15) ، وقوله- تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (يونس/ 81) . والصّلاح بكسر الصّاد مصدر كالمصالحة، والاسم منهما «الصّلح» يذكّر ويؤنّث.
يقال أصلح ما بينهم (إصلاحا) ، وصالحهم مصالحة وصلاحا. والعرب تؤنّث ذلك. قال بشر بن أبي خازم:
يسومون الصّلاح بذات كهف ... وما فيها لهم سلع وقار
وقوله: وما فيها أي وما في المصالحة، ولذلك أنّث الصّلاح.
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الصّلاح هو سلوك طريق الهدى، وقيل: هو استقامة الحال على ما يدعو إليه (الشّرع) والعقل «3» ، والصّالح: المستقيم الحال في نفسه، وقال بعضهم: هو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد، والكمال في الصّلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنّى الأنبياء والمرسلين.
وقيل: التّغيّر إلى الاستقامة في الحال وضدّه الفساد.
__________
(1) الصحاح (1/ 383) ، ولسان العرب (2/ 516) (ط. بيروت) ، والقاموس المحيط (1/ 293) .
(2) المفردات، للراغب (285) .
(3) الكليات للكفوي (561) ، ولفظ الشرع إضافة يستقيم بها المعنى وهو غير موجود في الأصل.(6/2585)
وقيل: هو حسن الهيئة والمنظر من جهة الخير والدّين لا من جهة الجمال والزّينة «1» .
من معاني كلمة «الصلاح» في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ الصّلاح في القرآن على أوجه:
الأوّل: الإيمان ومنه قوله- تعالى- في «الرّعد» : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (الرعد/ 23) .
الثّاني: علوّ المنزلة. ومنه قوله- تعالى- في «البقرة» : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (البقرة/ 130) .
الثّالث: تسوية الخلق. ومنه قوله تعالى في «الأعراف» : لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً (الأعراف/ 189) ، أي: سويّ الخلق.
الرّابع: يكون بمعنى الرّفق، ومنه قوله- تعالى-:
سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (القصص/ 27) أي الرّافقين بك.
الخامس: يكون بمعنى الإحسان كما في قوله- سبحانه- إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ (هود/ 88) .
السّادس: يكون بمعنى الطّاعة، قال تعالى:
إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (البقرة/ 11) ، يعني مطيعين لله- عزّ وجلّ-.
السّابع: يكون بمعنى الأمانة، قال تعالى وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً (الكهف/ 82) . يعني ذا أمانة «2» .
أهل الصلاح:
قال الكفويّ- نقلا عن بعضهم-: من كان مستورا ليس بمهتوك ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطّريقة، وسليم النّاحية من الأذى قليل السّوء، ليس يعاقر النّبيذ، وليس بقذّاف للمحصنات، ولا معروفا بكذب، فهذا عندنا من أهل الصّلاح.
اقتران الإيمان بالعمل الصالح:
كثيرا ما اقترن الإيمان بالعمل الصّالح في القرآن الكريم، وقد وعد الله- عزّ وجلّ- من جمع بين هذين بالحياة الطّيّبة في الدّنيا والنّعيم المقيم في الآخرة.
وفي عديد من آي الذّكر الحكيم ورد الصّلاح سمة للأنبياء ودعوة لهم كما ورد الحثّ عليه في هذه الأمّة وفيمن سبقها من الأمم، كما سيتّضح ذلك من التّصنيف التّالي للآيات الكريمة:
[للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإخبات- الإنابة- الإصلاح- التقوى- حسن السّمت- الخشوع- الخوف- الخشية- الطاعة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الفساد- الاعوجاج- الغي والإغواء- الطغيان- الضلال- الفسوق- العصيان] .
__________
(1) الفتح (10/ 526) .
(2) نزهة الأعين النواظر (397، 398) ، وكشف الأسرار عن معنى الوجوه والنظائر (299) .(6/2586)
الآيات الواردة في «الصلاح»
جزاء العمل الصالح:
1- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «1»
2- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «2»
3- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) «3»
4- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «5»
6- فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56)
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) «6»
7- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «7»
8- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69)
ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «8»
9- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)
__________
(1) البقرة: 25 مدنية
(2) البقرة: 62 مدنية
(3) البقرة: 82 مدنية
(4) البقرة: 130 مدنية
(5) البقرة: 277 مدنية
(6) آل عمران: 56- 57 مدنية
(7) النساء: 56- 57 مدنية
(8) النساء: 69- 70 مدنية(6/2587)
لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «1»
10- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «2»
11- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) «3»
12- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) «4»
13- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)
وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «5»
14- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42)
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «6»
15- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) «7»
16- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)
__________
(1) النساء: 122- 124 مدنية
(2) النساء: 173 مدنية
(3) المائدة: 9 مدنية
(4) المائدة: 69 مدنية
(5) المائدة: 83- 85 مدنية
(6) الأعراف: 42- 43 مكية
(7) الأعراف: 196 مكية(6/2588)
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (121) «1»
17- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3)
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «2»
18- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) «3»
19- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «4»
20- وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) «5»
21- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) «6»
22- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «7»
23- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97) «8»
24- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) «9»
25- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)
__________
(1) التوبة: 120- 121 مدنية
(2) يونس: 3- 4 مكية
(3) هود: 9- 11 مكية
(4) هود: 23 مكية
(5) الرعد: 22- 23 مكية
(6) الرعد: 28- 29 مكية
(7) إبراهيم: 23 مكية
(8) النحل: 97 مكية
(9) الإسراء: 9 مكية(6/2589)
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) «1»
26- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) «2»
27- الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) «3»
28- وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) «4»
29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) «5»
30-* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «6»
31- وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) «7»
32- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «8»
33- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «9»
34- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «10»
35- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «11»
36- فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94) «12»
37- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) «13»
38- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «14»
__________
(1) الكهف: 1- 3 مكية
(2) الكهف: 30 مكية
(3) الكهف: 46 مكية
(4) الكهف: 88 مكية
(5) الكهف: 107- 108 مكية
(6) مريم: 59- 60 مكية
(7) مريم: 76 مكية
(8) مريم: 96 مكية
(9) طه: 74- 76 مكية
(10) طه: 82 مكية
(11) طه: 112 مكية
(12) الأنبياء: 94 مكية
(13) الأنبياء: 105 مكية
(14) الحج: 14 مدنية(6/2590)
39- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) «1»
40- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «2»
41- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «3»
42- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) «4»
43- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) «5»
44- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «6»
45- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) «7»
46- أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «8»
47- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)
* وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «9»
48- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «10»
__________
(1) الحج: 23 مدنية
(2) الحج: 49- 51 مدنية
(3) الحج: 56- 59 مدنية
(4) العنكبوت: 58 مكية
(5) الروم: 15 مكية
(6) الروم: 44- 45 مكية
(7) لقمان: 8 مكية
(8) السجدة: 19 مكية
(9) الأحزاب: 30- 31 مدنية
(10) سبأ: 4 مكية(6/2591)
49- وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) «1»
50- الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «2»
51- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «3»
52- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) «4»
53- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «5»
54- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «6»
55- وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «7»
56- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «8»
57- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21) «9»
58- هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «10» 59- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى
__________
(1) سبأ: 37 مكية
(2) فاطر: 7 مكية
(3) فاطر: 10 مكية
(4) فصلت: 8 مكية
(5) فصلت: 46 مكية
(6) الشورى: 22- 23 مكية
(7) الشورى: 26 مكية
(8) الجاثية: 15 مكية
(9) الجاثية: 21 مكية
(10) الجاثية: 29- 30 مكية(6/2592)
والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «1»
60- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) «2»
61- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «3»
62- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «4»
63- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «5»
64- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «6»
65- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) «7»
66- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «8»
67- وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
__________
(1) الأحقاف: 15 مكية
(2) محمد: 2 مدنية
(3) محمد: 12 مدنية
(4) الفتح: 29 مدنية
(5) التغابن: 9 مدنية
(6) الطلاق: 8- 11 مدنية
(7) الانشقاق: 22- 25 مكية
(8) البروج: 11 مكية(6/2593)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «1»
68- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) «2»
69- وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «3»
الصلاح سمة النبيين والمؤمنين:
70- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) «4»
71- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)
قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) «5»
72*- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «6»
73- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «7»
74- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «8»
__________
(1) التين: 1- 8 مكية
(2) البينة: 7 مدنية
(3) العصر: 1- 3 مكية
(4) آل عمران: 38- 39 مدنية
(5) آل عمران: 45- 47 مدنية
(6) آل عمران: 113- 114 مدنية
(7) النساء: 34- 35 مدنية
(8) المائدة: 93 مدنية(6/2594)
75- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) «1»
76- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) «2»
77- إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8)
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (9) «3»
78- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
(101) «4»
79- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) «5»
80- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «6»
81- قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) «7»
__________
(1) الأنعام: 83- 86 مكية
(2) الأعراف: 168 مكية
(3) يوسف: 8- 9 مكية
(4) يوسف: 99- 101 مكية
(5) النحل: 120- 122 مكية
(6) الكهف: 110 مكية
(7) الأنبياء: 69- 72 مكية(6/2595)
82- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «1»
83-* وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) «2»
84- يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) «3»
85- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) «4»
86- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «5»
87- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «6»
88- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70)
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71)
قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)
أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
__________
(1) الأنبياء: 74- 75 مكية
(2) الأنبياء: 83- 86 مكية
(3) المؤمنون: 51 مكية
(4) النور: 32 مدنية
(5) النور: 55 مدنية
(6) الفرقان: 68- 71: (68، 69، 71 مكية، 70 مدنية)(6/2596)
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) «1»
89- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «2»
90- وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3»
91- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) «4»
92- فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «5»
93- وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) «6»
94- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7) «7»
95- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) «8»
96- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) «9»
__________
(1) الشعراء: 69- 83 مكية
(2) الشعراء: 224- 227 مكية
(3) النمل: 16- 19 مكية
(4) القصص: 27 مكية
(5) القصص: 67 مكية
(6) القصص: 80 مكية
(7) العنكبوت: 7 مكية
(8) العنكبوت: 9 مكية
(9) العنكبوت: 27 مكية(6/2597)
97- وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) «1»
98- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) «2»
99-* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «3»
100- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «4»
101- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) «5»
102- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «6»
103- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «7»
104- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «8»
105- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) «9»
__________
(1) الصافات: 99- 101 مكية
(2) الصافات: 109- 112 مكية
(3) ص: 21- 24 مكية
(4) ص: 27- 28 مكية
(5) غافر: 7- 8 مكية
(6) غافر: 40 مكية
(7) غافر: 58 مكية
(8) فصلت: 33 مكية
(9) التحريم: 4 مدنية(6/2598)
106- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) «1»
107- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) «2»
108- وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (11) «3»
في الصلاح نجاة من الإهلاك:
109- فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116)
وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (117) «4»
110- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) «5»
111- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «6»
الأمر بالصلاح يشمل الأمم السابقة:
112-* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) «7»
__________
(1) التحريم: 10 مدنية
(2) القلم: 48- 50 مكية
(3) الجن: 11 مكية
(4) هود: 116- 117 مكية
(5) الإسراء: 25 مكية
(6) الكهف: 82 مكية
(7) سبأ: 10- 11 مكية(6/2599)
الأحاديث الواردة في (الصلاح)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
أرق «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فقال: «ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني اللّيلة» . قالت وسمعنا صوت السّلاح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» قال سعد بن أبي وقّاص: يا رسول الله، جئت أحرسك.
قالت عائشة: فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى سمعت غطيطه «2» ) * «3» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أسرعوا بالجنازة. فإن كانت صالحة قرّبتموها إلى الخير. وإن كانت غير ذلك كان شرّا تضعونه عن رقابكم» ) * «4» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي: «إنّ عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا، ثمّ عرضت له التّوبة. فسأل عن أعلم أهل الأرض. فدلّ على رجل فأتاه. فقال: إنّي قتلت تسعة وتسعين نفسا! فهل لي من توبة؟ قال: بعد تسعة وتسعين نفسا. قال: فانتضى «5» سيفه فقتله.
فأكمل به المائة. ثمّ عرضت له التّوبة. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل فأتاه، فقال: إنّي قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟. قال: فقال: ويحك ومن يحول بينك وبين التّوبة؟ اخرج من القرية الخبيثة الّتي أنت فيها، إلى القرية الصّالحة، قرية كذا وكذا. فاعبد ربّك فيها. فخرج يريد القرية الصّالحة، فعرض له أجله في الطّريق. فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب. قال إبليس: أنا أولى به، إنّه لم يعصني ساعة قطّ. قال: فقالت ملائكة الرّحمة: إنّه خرج تائبا. فبعث الله- عزّ وجلّ- ملكا فاختصموا إليه ثمّ رجعوا.
فقال: انظروا أيّ القريتين كانت أقرب، فألحقوه بأهلها. قال قتادة: فحدّثنا الحسن، قال: لمّا حضره الموت احتفز «6» بنفسه فقرب من القرية الصّالحة، وباعد منه القرية الخبيثة. فألحقوه بأهل القرية الصّالحة» ) * «7» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أمّ حبيبة وأمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أولئك إذا كان فيهم الرّجل الصّالح، فمات. بنوا على قبره مسجدا، وصوّروا فيه تلك الصّور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» ) * «8» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ
__________
(1) أرق: أي سهر ولم يأته النوم.
(2) غطيطه: صوت النائم المرتفع.
(3) البخاري- الفتح 6 (2885) . ومسلم (2410) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 3 (1315) . ومسلم (944) واللفظ له.
(5) فانتضى: انتضى السيف أخرجه من غمده.
(6) احتفز: أي جدّ وأسرع.
(7) البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم (2766) . وابن ماجة (2622) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 3 (1341) . ومسلم (528) واللفظ له.(6/2600)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء إلى السّقاية فاستسقى. فقال العبّاس: يا فضل، اذهب إلى أمّك فأت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشراب من عندها. فقال: اسقني. قال: يا رسول الله! إنّهم يجعلون أيديهم فيه. قال: اسقني. فشرب منه.
ثمّ أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها. فقال:
«اعملوا فإنّكم على عمل صالح» . ثمّ قال: «لولا أن تغلبوا لنزلت حتّى أضع الحبل على هذه» يعني عاتقه «1» . وأشار إلى عاتقه) * «2» .
6-* (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّ ماعز بن مالك الأسلميّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّي قد ظلمت نفسي وزنيت، وإنّي أريد أن تطهّرني. فردّه، فلمّا كان من الغد أتاه. فقال: يا رسول الله، إنّي قد زنيت. فردّه الثّانية. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قومه فقال: «أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟» . فقالوا: ما نعلمه إلّا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى. فأتاه الثّالثة. فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه.
فأخبروه: أنّه لا بأس به ولا بعقله. فلمّا كان الرّابعة، حفر له حفرة ثمّ أمر به فرجم ... » الحديث) * «3» .
7-* (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به، قال:
«بينما أنا في الحطيم «4» - وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت ... الحديث، وفيه: «ثمّ أتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض» . فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس «5» : نعم «يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتّى أتى السّماء الدّنيا، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال:
محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه. فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح.
ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الثّانية، فاستفتح، قيل:
من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد.
قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما، فسلّمت، فردّا، ثمّ قالا: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة، فاستفتح، قيل:
من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد.
قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، إذا يوسف، قال:
هذا يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثمّ قال:
مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الرّابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم
__________
(1) عاتقه: ما بين منكبه وعنقه.
(2) البخاري- الفتح 3 (1635) .
(3) مسلم (1695) واللفظ له. وأصله عند البخاري الفتح 12 (6824) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-.
(4) الحطيم: بناء قبالة الميزاب من خارج الكعبة. هو حجر إسماعيل، وقد جاء ذكره في الحديث عقب كلمة (الحطيم) . وانظر القاموس مادة (حطم) .
(5) هو أنس بن مالك- رضي الله عنه-، والحديث من روايته عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.(6/2601)
المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت، فإذا إدريس، قال:
هذا إدريس فسلّم عليه، فسلّمت عليه فردّ، ثمّ قال:
مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:
جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت، فإذا هارون. قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء السّادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل.
قيل: من معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟
قال: نعم. قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. فلمّا خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثمّ قال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. فلمّا تجاوزت بكى. قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنّ غلاما بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أكثر ممّن يدخلها من أمّتي. ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟
قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء. فلمّا خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه. قال: فسلّمت عليه، فردّ السّلام، ثمّ قال:
مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال «1» هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى ...
لحديث) * «2» .
8-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء «3» فيتحنّث «4» فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ، وهو في غار حراء ... » الحديث) * «5» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله» فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «6» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخذ داخلة إزاره «7» فلينفض بها فراشه، وليسمّ الله.
فإنّه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه. فإذا أراد أن يضطجع، فليضطجع على شقّه الأيمن. وليقل:
سبحانك اللهمّ ربّي بك وضعت جنبي. وبك أرفعه.
__________
(1) قلال هجر: القلال: الجرار، وهجر: بلد معروف من ناحية البحرين.
(2) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له. ومسلم (164) .
(3) حراء: فيه الصرف ومنعه فيقال: حراء وحراء. كما في «القاموس» .
(4) يتحنّث: يتعبد وهي مفسرة في الحديث.
(5) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) .
(6) أخرجه الترمذي (2142) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح. والبغوي في شرح السنة (14/ 290) . وقال محققه: إسناده صحيح.
(7) فليأخذ داخلة إزاره: داخلة الإزار طرفه.(6/2602)
إن أمسكت نفسي فاغفر لها. وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «1» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «2» .
12-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو على المنبر: «إن تطعنوا في إمارته- يريد أسامة بن زيد- فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله. وأيم «3» الله إن كان لخليقا لها.
وأيم الله إن كان لأحبّ النّاس إليّ. وأيم الله إنّ هذا لها لخليق «4» - يريد أسامة بن زيد- وأيم الله إن كان لأحبّهم إليّ من بعده، فأوصيكم به فإنّه من صالحيكم» ) * «5» .
13-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس، فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام كالرّاعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا وإنّ حمى الله محارمه، ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «6» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا «7» . ثمّ قرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء/ 104) ، وأوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم. وإنّ أناسا من أصحابي أخذ بهم ذات الشّمال، فأقول: أصحابي أصحابي. فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصّالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ إلى قوله الْحَكِيمُ (المائدة/ 117- 118) » ) * «8» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع، ولا مشعوف «9» . ثمّ يقال له: فيم كنت «10» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج «11» له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6320) . ومسلم (2714) واللفظ له.
(2) مسلم (1631) .
(3) وأيم الله: كلمة تقال في القسم.
(4) خليق: جدير.
(5) البخاري- الفتح 7 (3730) . ومسلم (2426) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 1 (52) . ومسلم (1599) واللفظ له.
(7) غرلا: الغرلة هي جلدة الصبي التي تقطع في الختان.
(8) البخاري- الفتح 6 (3349) واللفظ له. ومسلم (2860) .
(9) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(10) فيم كنت: أي في أي دين.
(11) يفرج: يفتح له فتحة.(6/2603)
يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «1» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟
فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول:
سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «2» .
16-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الهدي الصّالح والسّمت الصّالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «3» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة، فادعوا الله بها لعلّه يفرجها. فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت «4» عليهم حلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه ناء بي الشّجر فما أتيت حتّى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما والصّبية يتضاغون عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله لهم فرجة حتّى يرون «5» منها السّماء. وقال الثّاني: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحبّها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتّى جمعت مائة دينار فلقيتها بها، فلمّا قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتّق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه، فقمت عنها، اللهمّ فإن كنت تعلم أنّي قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه حقّه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا وراعيها، فجآءني وقال: اتّق الله ولا تظلمني وأعطني حقّي. فقلت: اذهب إلى تلك البقر وراعيها. فقال: اتّق الله ولا تهزأ بي. فقلت: إنّي لا أهزأ بك، فخذ تلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق.
__________
(1) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(2) ابن ماجة (4268) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3443) .
(3) أبو داود (4776) ، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه أبو داود وأحمد، وسنده حسن- الفتح 10 (526) باب الهدى الصالح.
(4) أرحت عليهم: أي إذا رددكت الماشية من المرعى إليهم.
(5) حتى يرون: هكذا بإثبات النون والصواب حذفها.(6/2604)
فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم» ) * «1» .
18-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فدخلت على عائشة، وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت:
آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا.
حتّى تجلّاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنبي.
فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء.
قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس.
فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا، أو مثل فتنة المسيح الدّجّال (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) .
فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) .
فيقول: هو محمّد، هو رسول الله جاءنا بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم.
قد كنّا نعلم إنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) .
فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «2» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير نساء ركبن الإبل «3» صالح نساء قريش: أحناه «4» على ولد في صغره، وأرعاه على زوج «5» في ذات يده» ) * «6» .
20-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يوعك «7» فوضعت يدي عليه. فوجدت حرّه بين يديّ، فوق اللّحاف. فقلت: يا رسول الله ما أشدّها عليك قال: «إنّا كذلك. يضعّف لنا البلاء، ويضعّف لنا الأجر» . فقلت: يا رسول الله! أيّ النّاس أشدّ بلاء؟ قال:
«الأنبياء» قلت: يا رسول الله! ثمّ من؟ قال: «ثمّ الصّالحون. إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر. حتّى ما يجد أحدهم إلّا العباءة يحوّيها. وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرّخاء» ) * «8» .
21-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدّنيا متاع وخير متاع الدّنيا المرأة الصّالحة» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5974) واللفظ له. ومسلم (2743) .
(2) البخاري- الفتح 1 (184) . ومسلم (905) واللفظ له.
(3) ركبن الإبل: إشارة إلى نساء العرب لأنهم الذين يكثر منهم ركوب الإبل.
(4) أحناه: أكثره شفقة.
(5) وأرعاه على زوج: أي أحفظ وأصون لماله.
(6) البخاري- الفتح 9 (5082) واللفظ له. ومسلم (2527) .
(7) يوعك: يتألم من المرض.
(8) ابن ماجة (4024) وهذا لفظه، وفي الزوائد: إسناده صحيح. وبعضه في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. البخاري- الفتح 10 (5648) . ومسلم (2571) .
(9) مسلم (1467) .(6/2605)
22-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: رأيت في المنام أنّ في يدي قطعة إستبرق «1» . وليس مكان أريد من الجنّة إلّا طارت إليه. قال فقصصته على حفصة. فقصّته حفصة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرى عبد الله رجلا صالحا «2» » ) * «3» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة جزء من ستّة وأربعين جزءا من النّبوّة» ) * «4» .
24-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الرّؤيا الصّالحة من الله والحلم من الشّيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث «5» عن شماله ثلاثا، وليتعوّذ من الشّيطان فإنّها لا تضرّه. وإنّ الشّيطان لا يتراءى «6» بي» ) * «7» .
25-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جهارا غير سرّ يقول:
«إنّ آل أبي (يعني فلانا «8» ) ليسوا بأوليائي، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين» ) * «9» .
26-* (عن جندب- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إنّي أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. فإنّ الله تعالى قد اتّخذني خليلا، كما اتّخذ إبراهيم خليلا.
ولو كنت متّخذا من أمّتي خليلا لا تّخذت أبا بكر خليلا. ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد، إنّي أنهاكم عن ذلك» ) * «10» .
27-* (عن رفاعة الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صدرنا «11» مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «والّذي نفس محمّد بيده! ما من عبد يؤمن ثمّ يسدّد «12» . إلّا سلك به في الجنّة، وأرجو ألّا يدخلوها حتّى تبوّءوا «13» أنتم، ومن صلح من ذراريّكم مساكن في الجنّة. ولقد وعدني ربّي- عزّ وجلّ- أن يدخل الجنّة من أمّتي سبعين ألفا بغير حساب» ) * «14» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: (أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) مصداق ذلك في كتاب الله:
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة/ 17) » ) * «15» .
__________
(1) إستبرق: هو ما غلظ من الديباج.
(2) صالحا: الصالح هو القائم بحدود الله تعالى وحقوق العباد.
(3) البخاري- الفتح 7 (3740) . ومسلم (2478) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 12 (6983) . ومسلم (2263) واللفظ له.
(5) فلينفث: فلينفخ.
(6) يتراءى: أي لا يظهر في صورتي.
(7) البخاري- الفتح 12 (6995) واللفظ له. ومسلم (2261) .
(8) (يعني فلانا) هي من بعض الرواة خشي أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة. إما في حق نفسه وإما في حق غيره ولذا كنى عنه.
(9) البخاري- الفتح 10 (5990) . ومسلم (215) واللفظ له.
(10) مسلم (532) .
(11) صدرنا: أي رجعنا من غزو أو سفر.
(12) يسدد: يصلح.
(13) تبوءوا: يقال بوأه الله منزلا أي أسكنه إياه وتبوأت منزلا أي اتخذته.
(14) ابن ماجة (4285) وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجة (3458) وهو في الصحيحة (2405) .
(15) البخاري- الفتح 6 (3244) . ومسلم (2824) واللفظ له.(6/2606)
29-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد توفّي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلمّ فصلّوا عليه» . قال: فصففنا، فصلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليه ونحن صفوف) * «1» .
30-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يحبّ قال:
«الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات، وإذا رأى ما يكره قال «الحمد لله على كلّ حال» ) * «2» .
31-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ ...
الحديث وفيه: «فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ «3» رأسه بالحجر، فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن، فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر «4» شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر، فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها «5» ويسعى حولها، فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة، فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة» ، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) * «6» .
32-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال:
«لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير- أو كثير- إنّك أن تذر «7» ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة «8» يتكفّفون النّاس «9» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» .
فقلت: يا رسول الله! أخلّف بعد أصحابي؟. قال:
«إنّك لن تخلّف «10» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1320) واللفظ له. ومسلم (952) .
(2) ابن ماجة (3803) وفي الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 499) . وصححه وأقره الذهبي، والبغوي في شرح السنة (5/ 180) وقال محققه: حسن بشواهده.
(3) يثلغ: أي يصيبه ويشدخه.
(4) يشرشر: شرشر الشيء عضه ثم ألقاه والشرشرة أصلها أخذ السبع بفيه.
(5) يحشها: يحركها لتتقد.
(6) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له. ومسلم (2275) .
(7) تذر: تترك.
(8) عالة: فقراء محتاجين.
(9) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم.
(10) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه.(6/2607)
به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة. يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة» ) * «1» .
33-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة «2» ، والنّاس صفوف خلف أبي بكر. فقال: «أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم، أو ترى له. ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «3» أن يستجاب لكم» ) * «4» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول في الصّلاة خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
السّلام على الله. والسّلام على فلان. فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: «إنّ الله هو السّلام. فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته.
السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء» ) * «5» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للعبد المملوك المصلح! أجران» .
والّذي نفس أبي هريرة بيده، لولا الجهاد في سبيل الله والحجّ، وبرّ أمّي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك) * «6» .
36-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (المائدة/ 93) قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت منهم» ) * «7» .
37-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام العمل الصّالح فيهنّ أحبّ إلى الله من هذه الأيّام العشر» فقالوا:
يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا الجهاد في سبيل الله. إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» ) * «8» .
38-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من نبيّ يمرض إلّا
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (12951 واللفظ له. ومسلم (1628) . وأفاد أبو داود الطيالسي أن القائل «يرثى له» .. الخ هو الزهري ويؤيده سقوطها من بعض روايات الحديث.
(2) الستارة: هي الستر الذي يكون على باب البيت والدار.
(3) فقمن: أي حقيق وجدير.
(4) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبي هريرة. ومسلم (479) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 2 (831) . ومسلم (402) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 5 (2548) واللفظ له. ومسلم (1665)
(7) مسلم (2459) ، والترمذي (3056) ، وأخرجه الطبري (31/ 125) ، والحاكم (4/ 143- 144) .
(8) البخاري- الفتح 2 (969) . والترمذي (757) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح.(6/2608)
خيّر بين الدّنيا والآخرة» . وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّة «1» شديدة، فسمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (النساء/ 69) فعلمت أنّه خيّر) * «2» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كانت له مظلمة «3» لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «4» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مات مرابطا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصّالح الّذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن من الفتّان «5» ، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع» ) * «6» .
41-* (عن مرداس الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يذهب الصّالحون الأوّل فالأوّل، ويبقى حفالة «7» كحفالة الشعير- أو التّمر- لا يباليهم الله بالة «8» » ) * «9» .
() الأحاديث الواردة في (الصلاح) معنى
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصّلاة المكتوبة. وتؤدّي الزّكاة المفروضة. وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا» ) * «10» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف على أناس جلوس فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم» قال: فسكتوا. فقال ذلك ثلاث مرّات، فقال رجل: بلى يا رسول الله! أخبرنا بخيرنا من شرّنا. قال: «خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرّه. وشرّكم من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شرّه» ) * «11» .
__________
(1) بحّة: غلظ الصوت وخشونته من داء.
(2) البخاري- الفتح 8 (4586) واللفظ له. ومسلم (2444) .
(3) المظلمة بكسر اللام على المشهور، وحكى ابن قتيبة والجوهري فتحها.
(4) البخاري- الفتح 5 (2449) .
(5) الفتان: منكر ونكير.
(6) الترمذي (1665) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (2767) واللفظ له. وهو عند مسلم بغير هذا اللفظ (1913) .
(7) حفالة: أي حثالة، وهي الرديء من كل شيء، وقيل الحثالة: سقط الناس.
(8) لا يباليهم الله بالة: أي لا يرفع لهم قدرا ولا يقيم لهم وزنا.
(9) البخاري- الفتح 11 (6434) .
(10) البخاري- الفتح 3 (1397) . ومسلم (14) متفق عليه.
(11) أحمد (2/ 378) ، والترمذي (2263) ، وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان (527) ، (528) .(6/2609)
44-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه:
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله! أنا أعلم لك علمه، فأتاه، فوجده جالسا في بيته منكّسا «1» رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شرّ. كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه فقل له: «إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «2» .
45-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض «3» فمروه فليستغفر لكم» وفي رواية: كان عمر بن الخطّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن «4» سألهم أفيكم أويس بن عامر؟
حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟
قال نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن؟ قال: نعم. قال:
فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟ قال:
نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟
قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال:
أكون في غبراء «5» النّاس أحبّ إليّ» ) * «6» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ربّ أشعث «7» مدفوع بالأبواب «8» لو أقسم على الله لأبرّه «9» » ) * «10» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع: لما لها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدّين تربت يداك «11» » ) * «12» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب
__________
(1) منكسا: مطأطئا رأسه من ذلّ.
(2) البخاري- الفتح 8 (4846) واللفظ له. ومسلم (119) .
(3) بياض: برص.
(4) أمداد أهل اليمن: هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو.
(5) غبراء الناس: ضعافهم وصعاليكهم الذين لا يؤبه لهم.
(6) مسلم (2542) .
(7) أشعث: ثائر شعر الرأس.
(8) مدفوع بالأبواب: لا قدر له عند الناس.
(9) أقسم على الله لأبره: أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراما له باجابة سؤاله. وهذا لعظم منزلته عند الله.
(10) مسلم (2622) .
(11) تربت يداك: لصقت يداك بالتراب إن لم تظفر بذات الدين، وهي دعاء عليه بالفقر.
(12) البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له.(6/2610)
وجمال، فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» .
49-* (عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع.
فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته، فقلت: إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدّثك لم ذاك؟
رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقصصتها عليه.
ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السّماء. في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه. قلت لا أستطيع. فأتاني منصف «2» فرفع ثيابي من خلفي.
فرقيت، حتّى كنت في أعلاها. فأخذت بالعروة. فقيل لي: استمسك. فاستيقظت، وإنّها لفي يدي.
فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» وذلك الرّجل عبد الله بن سلام) * «3» .
50-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تصاحب إلّا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ» ) * «4» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ) * «5» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصلاح)
انظر صفات: الإخبات- الإنابة- التقوى- الخشوع- الخشية- الخوف
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له.. ومسلم (1031)
(2) منصف: أي خادم من خدام الجنة.
(3) البخاري- الفتح 7 (3381) واللفظ له. ومسلم (2484) .
(4) أبو داود (4832) واللفظ له. والترمذي (2395) وقال: حديث حسن، والحاكم في المستدرك (4/ 128) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) البخاري- الفتح 8 (5026) ، ومسلم (816) .(6/2611)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصلاح)
1-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-:
«إنّ عمر بن الخطّاب كان حصنا حصينا للإسلام يدخل فيه، ولا يخرج منه، فلمّا مات عمر انثلم «1» من الحصن ثلمة فهو يخرج منه، ولا يدخل فيه، وكان إذا سلك بنا طريقا وجدناه سهلا، فإذا ذكر الصّالحون، فحيّ هلا بعمر بن الخطّاب، كان فصل ما بين الزّيادة والنّقصان، والله لوددت أنّي أخدم مثله حتّى أموت» ) * «2» .
2-* (قال مجاهد- رحمه الله-: «العمل الصّالح يرفع الكلم الطّيّب» ) * «3» .
3-* (عن الحسن قال: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولكن ما وقر «4» في القلوب وصدّقته الأعمال، من قال حسنا، وعمل غير صالح، ردّه الله على قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل، وذلك بأنّ الله تعالى يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ 10) » ) * «5» .
4-* (عن أبي حازم قال: «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تكلّم، فقال: ما لها لا تكلّم؟ قالوا: حجّت مصمتة. قال لها:
تكلّمي، فإنّ هذا لا يحلّ. هذا من عمل الجاهليّة.
فتكلّمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أيّ المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أيّ قريش أنت؟ قال: إنّك لسئول «6» ، أنا أبو بكر. قالت:
ما بقاؤنا على هذا الأمر الصّالح الّذي جاء الله به بعد الجاهليّة؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمّتكم. قالت: وما الأئمّة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى.
قال: فهم أولئك على النّاس» ) * «7» .
5-* (قال مالك بن أنس- رحمه الله-:
«حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره» ) * «8» .
6- قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
أحبّ الصّالحين ولست منهم ... لعلّي أن أنال بهم شفاعه
وأكره من تجارته المعاصي ... ولو كنّا سواء في البضاعه «9»
7-* (قال يحيى بن معين:
وإذا افتقرت إلى الذّخائر «10» لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال) * «11» .
__________
(1) انثلم: انكسر.
(2) شرح السنة للبغوي (14/ 95، 96) .
(3) البخاري- الفتح 13 (415) .
(4) وقر: ثبت واستقر.
(5) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص 42- 43) .
(6) لسئول: أي كثيرة السؤال.
(7) البخاري- الفتح 7 (3834) .
(8) حلية الأولياء لأبي نعيم 6 (320) .
(9) ديوان الشافعي (ص 90) .
(10) الذخائر: جمع ذخيرة وهي ما يخبّأ لوقت الحاجة.
(11) انظر: اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (ص 99) .(6/2612)
8-* (قال أبو العتاهية:
وإذا تناسبت الرّجال، فما أرى ... نسبا يقاس بصالح الأعمال
وإذا بحثت عن التّقيّ وجدته ... رجلا يصدّق قوله بفعال
وإذا اتّقى الله امرؤ وأطاعه ... فتراه بين مكارم ومعالي) * «1» .
9-* (قال أبو الفضل الرّياشيّ:
ما من روى علما ولم يعمل به ... فيكفّ عن وتغ «2» الهوى بأديب
حتّى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب
ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب) * «3» .
() من فوائد (الصلاح)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) به تجلب النّعم وتدفع النّقم.
(3) علامة على حسن الخاتمة.
(4) يثمر محبّة الله، ثمّ محبّة النّاس.
(5) طريق موصل إلى الجنّة.
(6) وقاية من خطر الذّنوب والمعاصي.
(7) الصّلاح سبيل إلى الاستخلاف في الأرض.
(8) طريق إلى الحياة الطّيّبة.
(9) سبيل إلى النّصر في الدّنيا والآخرة.
__________
(1) ديوان أبو العتاهية.
(2) وتغ: الوتغ هو الهلاك والفساد.
(3) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (63) .(6/2613)
المجلد السابع
[تابع حرف الصاد]
صلة الرحم
الصلة لغة:
الصّلة والوصل في اللّغة مصدر «وصل يصل صلة ووصلا» وتدلّ مادّة (وص ل) على «ضمّ شيء إلى شيء حتّى يعلقه، من ذلك الوصل (والصّلة) ضدّ الهجران، والوصل (أيضا) وصل الثّوب والخفّ ونحوهما، ويقال هذا وصل هذا أي مثله، يقال:
وصلت الشّيء وصلا وصلة ووصلة، ووصل إليه وصولا أي بلغ وأوصله غيره، وقد يستعمل وصل بمعنى اتّصل: أي دعا بدعوى الجاهليّة، وهو أن يقال: يا لفلان، قال تعالى إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ (النساء/ 90) أي يتّصلون، وكلّ شيء اتّصل بشيء فما بينهما وصلة، وصلة، أي اتّصال وذريعة، يقال: توصّل إليه، أي تلطّف في الوصول إليه، والتّواصل ضدّ التّصارم، ووصّله توصيلا إذا أكثر من وصله. والوصل خلاف الفصل، واتّصل الشّيء بالشّيء لم ينقطع «1» .
الصّلة اصطلاحا:
وحقيقة الصّلة في هذه الصّفة (صلة الرّحم) :
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
12/ 46/ 17
العطف والرّحمة، أمّا صلة الله لمن وصل رحمه فهي عبارة عن لطفه بهم ورحمته إيّاهم وعطفه عليهم بإحسانه ونعمه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته «2» .
الرّحم لغة:
الرّحم لغة: اسم مشتقّ من مادّة «ر ح م» الّتي تدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة، والرّحم والرّحم (علاقة) القرابة، وقد سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا، لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد، والرّحمة والرّحم: الرّقّة والتّعطّف، يقال: رحمته وترحّمت عليه (لنت له وتعطّفت عليه) ، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا، والرّحمن والرّحيم اسمان مشتقّان من الرّحمة، والرّحيم قد يكون بمعنى المرحوم كما يكون بمعنى الرّاحم «3» (انظر أيضا صفة الرّحمة) .
الرّحم اصطلاحا:
قال النّوويّ: اختلفوا في حدّ الرّحم الّتي يجب وصلها، فقيل: كلّ رحم محرم، بحيث لو كان أحدهما أنثى والآخر ذكرا حرمت مناكحتهما، وقيل: هو عامّ
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 115) ، والصحاح للجوهري (5/ 1842) ، ولسان العرب لابن منظور (8/ 4850، ط- دار المعارف) .
(2) مسلم بشرح النووي (16/ 112، 113) ، الصحاح للجوهري (5/ 1842) . وقد أشار الإمام النووي إلى حقيقة الصلة عند شرحه لقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» .
(3) مقاييس اللغة (2/ 498) ، الصحاح (5/ 1929) .(7/2614)
في كلّ رحم من ذوي الأرحام «1» في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره. وهذا هو الصّحيح لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أبرّ البرّ أن يصل الرّجل أهل ودّ أبيه» «2» .
صلة الرحم اصطلاحا:
قال النّوويّ: صلة الرّحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة، وتارة بالزّيارة والسّلام وغير ذلك «3» . وقد أوضح ابن منظور العلاقة بين المعنيين اللّغويّ والاصطلاحيّ فقال: هي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النّسب والأصهار، والعطف عليهم، والرّفق بهم، والرّعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا أو أساؤا، وقطع الرّحم ضدّ ذلك كلّه، فكأنّه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصّهر والصّلة الجائزة والعطيّة «4» .
حكم صلة الرحم ودرجاتها:
قال القاضي عياض: لا خلاف أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة والأحاديث تشهد لهذا، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب، ومنها مستحبّ. ولو وصل بعض الصّلة، ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلا «5» .
الصلة بر وإحسان:
قال أبو البركات بدر الدّين محمّد الغزّيّ:
ويكون حسن العشرة والصّحبة للأهل والولد بالمداراة، وسعة الخلق والنّفس، وتمام النّفقة، وتعليم الأدب والسّنّة، وحملهم على الطّاعة، لقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (التحريم/ 6 مدنية) . والصّفح عن عثراتهم والغضّ عن مساوئهم في غير إثم أو معصية «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- البر- بر الوالدين- تكريم الإنسان- الاعتراف بالفضل- المروءة- المحبة- التودد- الإنفاق- الصدقة- حسن العشرة- حسن المعاملة- حسن الخلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: قطيعة الرحم- الإساءة- الجحود- عقوق الوالدين- نكران الجميل- الكبر والعجب- سوء الخلق- سوء المعاملة] .
__________
(1) ذو الرحم عند أهل الفرائض من الفقهاء هو القريب الذي ليس بذي سهم مقدر ولا عصبة ذكرا كان أو انثى. انظر: كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 80) .
(2) مسلم بشرح النووي (16/ 113) .
(3) المرجع السابق (2/ 201) .
(4) لسان العرب (8/ 4851) .
(5) مسلم بشرح النووي (16/ 112، 113)
(6) آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة للغزي (ص 51) .(7/2615)
الآيات الواردة في «صلة الرحم»
الأمر بالإحسان إلى ذوي الأرحام:
1- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «1»
2- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «2»
3- يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) «3»
4- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «4»
5- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «5»
6- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «6»
__________
(1) البقرة: 83 مدنية
(2) البقرة: 177 مدنية
(3) البقرة: 215 مدنية
(4) النساء: 36 مدنية
(5) الأنفال: 74- 75 مدنية
(6) النحل: 90 مكية(7/2616)
7- وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) «1»
8- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) «2»
9- فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) «3»
10- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «4»
تعظيم قدر الأرحام:
11- بسم الله الرّحمن الرّحيم يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) «5»
12- أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) «6»
__________
(1) الإسراء: 23- 27 مكية
(2) النور: 22 مدنية
(3) الروم: 38 مكية
(4) الأحزاب: 6 مدنية
(5) النساء: 1 مدنية
(6) الرعد: 19- 21 مدنية(7/2617)
الأحاديث الواردة في (صلة الرحم)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احافظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بعد بالرّحم إذا قربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت، وإن كانت قريبة، وكلّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: أتيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبّة من أدم حمراء في نحو من أربعين رجلا. فقال: «إنّه مفتوح لكم وأنتم منصورون مصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل رحمه، ومثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل البعير يتردّى «2» فهو يمدّ بذنبه «3» » ) * «4» .
3-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أوّل ما بعث وهو بمكّة، وهو حينئذ مختف، فقلت: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» .
قلت: وما النّبيّ؟. قال: «رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . قلت: بما «5» أرسلك؟ قال: «بأن يعبد الله، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام بالبرّ والصّلة» ) * «6» .
4-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكّة، فسلّم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنّهم الأعراب وإنّهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إنّ أبا هذا كان ودّا لعمر «7» بن الخطّاب، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» ) * «8» .
5-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة. قال: «ماله ماله» . وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أرب ماله «9» تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل الرّحم» ) * «10» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 156 حديث رقم 73) ورجاله ثقات.. وهو في المستدرك بلفظ قريب وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجه واحد منهما وسكت الذهبي في التلخيص. وفي (4/ 161) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(2) يتردّى: يسقط من مكان عال.
(3) بذنبه: بذيله.
(4) الحاكم (4/ 159) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
(5) في الأصل: بما. ومعروف أن (ما) الاستفهامية- تحذف ألفها: إذا دخل عليها حرف جر.
(6) الحاكم (4/ 149) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
(7) ودّا لعمر: صديقا من أهل مودة عمر ومحبته.
(8) مسلم (2552) .
(9) أرب ماله: يعني حاجة له.
(10) البخاري- الفتح 3 (1396) واللفظ له، ومسلم (14) .(7/2618)
أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليعمّر بالقوم الدّيار، ويثمّر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم» ، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال:
«بصلتهم لأرحامهم» ) * «1» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّحم شجنة «2» متمسّكة بالعرش تكلّم بلسان ذلق «3» ، اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول الله- تبارك وتعالى-: أنا الرّحمن الرّحيم، وإنّي شققت للرّحم من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن نكثها «4» نكثته» ) * «5» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال:
فذاك لك» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ* أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (محمد/ 22- 24) * «6» .
9-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومة لائم، وأوصاني بصلة الرّحم وإن أدبرت» ) * «7» .
10-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان بن حرب- رضي الله عنه- أخبره: أنّ هرقل أرسل إليه فى ركب من قريش، وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ «8» فيها أبا سفيان وكفّار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظاماء الرّوم، ثمّ دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا. فقال: أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل، فإن كذبني فكذّبوه. فو الله لولا
__________
(1) الحاكم (4/ 161) وقال: صحيح غريب ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن، مجمع الزوائد (8/ 152) ، ونقله المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 336) وذكر الهيثمي بعينها.
(2) الشجنة: بالكسر والضم في الأصل الشعبة (في غصن من غصون الشجرة) والمراد قرابة مشتبكة كاشتباك العروق.
(3) ذلق: فصيح بليغ.
(4) النكث: نقض العهد، والمراد فمن قطعها
(5) الحديث له أصل في البخاري- الفتح 10 (5988) والأدب المفرد (ج 1 ص 92، 93، 94 برقم 53، 54، 55) ومجمع الزوائد (8/ 151) واللفظ له وقال: رواه البزار وإسناده حسن والترغيب والترهيب (3/ 340) وقال إسناده حسن. ويشهد له الحديث الذي بعده.
(6) البخاري- الفتح 10 (5987) ، ومسلم (2554) واللفظ له، والترغيب والترهيب (3/ 338، 339) .
(7) ذكره في المجمع وقال: رواه الطبراني في الصغير (2/ 48 حديث رقم (758) والكبير (2/ 156) برقم (1648) فى حديث طويل والبزار في الزوائد (7/ 265) ورجال الطبراني رجال الصحيح غير سلام بن المنذر وهو ثقة (8/ 154) .
(8) مادّ: جاذب وماطل.(7/2619)
الحياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عنه ... الحديث وفيه: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصّلاة، والصّدق، والعفاف، والصّلة ... »
الحديث) * «1» .
11-* (عن أمّ رومان- رضي الله عنها- قالت: بينا أنا عند عائشة إذ دخلت علينا امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بابنها وفعل. قالت عائشة: ولم؟ قالت: إنّه كان فيمن حدّث الحديث.
قالت عائشة: وأيّ حديث؟ قالت: كذا وكذا.
قالت: وقد بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: نعم.
وبلغ أبا بكر؟ قالت: نعم. قالت: فخرّت عائشة مغشيّا عليها فما أفاقت إلّا وعليها حمّى بنافض «2» قالت: فقمت فدثّرتها «3» . قالت: ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ما شأن هذه» ؟ قالت: قلت يا رسول الله أخذتها حمّى بنافض. قال: «لعلّه في حديث تحدّث به» . قالت: فاستوت له عائشة قاعدة. قالت: والله لئن حلفت لكم لا تصدّقوني، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، والله المستعان على ما تصفون. قالت: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: وأنزل الله عذرها، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه أبو بكر فدخل فقال: «يا عائشة! إنّ الله- عزّ وجلّ- قد أنزل عذرك» . قالت: بحمد الله لا بحمدك.
قالت: قال أبو بكر لها: تقولين هذا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟.
قالت: نعم. قالت: فكان فيمن حدّث الحديث رجل كان يعوله أبو بكر، فحلف أبو بكر، أن لا يصله، فأنزل الله- عزّ وجلّ- وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ (النور/ 22) إلى آخر الآية. قال أبو بكر: بلى فوصله) * «4» .
12-* (عن مالك بن ربيعة السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ جاءه رجل من بني سلمة. فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به من بعد موتهما؟
قال: «نعم، الصّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهودهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرّحم الّذي لا رحم لك إلّا من قبلهما» ) * «5» .
13-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: إنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله عزّا، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر- أو كلمة نحوها- وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه،
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (7) واللفظ له. ومسلم (1773) .
(2) حمّى بنافض: أي حمّى ذات رعدة.
(3) فدثرتها: فغطّيتها.
(4) أحمد (6/ 367، 368) وهذا لفظه وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، وذكره ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسيره (3/ 271) وقال رواه البخاري معلقا مجزوما به وكذلك ابن أبي حاتم وابن جرير.
(5) أبو داود (5142) . وابن ماجة (3664) ، والحاكم (4/ 155) وهذا لفظه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(7/2620)
ويعلم لله فيه حقّا. فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النيّة يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو نيّته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل.
وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيّته فوزرهما سواء» ) * «1» .
14-* (عن سلمان بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرّحم اثنتان: صدقة وصلة) * «2» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرّحم معلّقة بالعرش تقول:
من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» ) * «3» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلة الرّحم وحسن الجوار، أو حسن الخلق يعمّران الدّيار، ويزيدان في الأعمار» ) * «4» .
17-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
قدمت أمّي وهي مشركة في عهد قريش ومدّتهم، إذ عاهدوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع أبيها، فاستفتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أمّي قدمت وهي راغبة (يعني في صلتها) .
قال: «نعم، صلي أمّك» ) * «5» .
18-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت أشياء كنت أتحنّث «6» بها في الجاهليّة من صدقة، أو عتاقة، ومن صلة رحم فهل فيها من أجر؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أسلمت على ما سلف من خير» ) * «7» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! إنّي إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني، فأنبئني عن كلّ شيء. قال: «كلّ شيء خلق من ماء» قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنّة. قال: «أفش السّلام، وأطعم الطّعام، وصل الأرحام، وقم باللّيل والنّاس نيام، ثمّ ادخل الجنّة بسلام» ) * «8» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) الترمذي (2325) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 10) : وهو كما قال.
(2) النسائي (5/ 92) واللفظ له والترمذي (658) وقال: حسن. وابن ماجة (1844) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 493) : حسن.
(3) البخاري- الفتح 10 (5989) . ومسلم (2555) وهذا لفظه.
(4) البخاري- الفتح (10/ 429) وقال الحافظ ابن حجر: عند أحمد ورجاله ثقات. وفي أحمد (6/ 159) : عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «إنّه من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة ... إلى آخر الحديث» ، والترغيب والترهيب (3/ 337) وقال: رواته ثقات إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة.
(5) البخاري الفتح 10 (5979) .
(6) أتحنث: أتعبد
(7) البخاري الفتح 3 (1436) واللفظ له. ومسلم (123) .
(8) الحاكم (4/ 160) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.(7/2621)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرّحم؛ واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع ... » الحديث) * «1» .
21-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الواصل بالمكافىء. ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها» ) * «2» .
22-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يبسط «3» له في رزقه وينسأ «4» له في أثره «5» فليصل رحمه» ) * «6» .
23-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يمدّ له في عمره ويوسّع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السّوء، فليتّق الله، وليصل رحمه» ) * «7» .
24-* (عن مسروق. قال: كنّا عند عبد الله جلوسا. وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرّحمن! إنّ قاصّا عند أبواب كندة يقصّ ويزعم أنّ آية الدّخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفّار. ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزّكام. فقال عبد الله- وجلس، وهو غضبان-: يا أيّها النّاس! اتّقوا الله، من علم منكم شيئا، فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنّه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإنّ الله- عزّ وجلّ- قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (ص/ 86) إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأى من النّاس إدبارا، فقال: «اللهم سبع كسبع يوسف» . قال:
فأخذتهم سنة حصّت «8» كلّ شيء حتّى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السّماء أحدهم فيرى كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمّد! إنّك جئت تأمر بطاعة الله، وبصلة الرّحم، وإنّ قومك هلكوا، فادع الله لهم. قال الله- عزّ وجلّ- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ. يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (الدخان/ 10- 11) إلى قوله تعالى إِنَّكُمْ عائِدُونَ) قال: أفيكشف عذاب الآخرة؟ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (الدخان/ 16) قال يعني، فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدّخان، والبطشة، واللّزام «9» ، وآية
__________
(1) البيهقي في السنن الكبرى (10/ 62) . والألباني في صحيح الجامع (2/ 950) برقم (5391) .
(2) البخاري- الفتح 10 (5991) .
(3) بسط الرزق: توسعته.
(4) الإنساء: التأخير.
(5) الأثر: الأجل.
(6) البخاري الفتح 10 (5986) ومسلم (2557) .
(7) عبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند» (3/ 156) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 290 برقم 1212) صحيح ومجمع الزوائد (8/ 152- 153) وقال: رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح غير عاصم بن عروة وهو ثقة. والترغيب والترهيب (3/ 335) واللفظ له. وقال: إسناده جيد
(8) حصت: أي استأصلت
(9) اللزام: المراد به قوله سبحانه وتعالى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً، أي يكون عذابهم لزاما. قالوا وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر، وهي البطشة الكبرى.(7/2622)
الرّوم «1» » ) * «2» .
25-* (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة، انجفل النّاس قبله «3» . وقيل: قد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثا فجئت في النّاس لأنظر فلمّا تبيّنت وجهه، عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، فكان أوّل شيء سمعته تكلّم به أن قال: «يا أيّها النّاس أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» ) * «4» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «5» .
27-* (عن رجل من خثعم أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو فى نفر من أصحابه، فقلت: أنت الّذي تزعم أنّك رسول الله؟ قال: «نعم» . قال:
قلت: يا رسول الله! أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال:
«الإيمان بالله» قال: قلت يا رسول الله! ثمّ مه؟
قال: «ثمّ صلة الرّحم» . قال: قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟. قال: «ثمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» . قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: «الإشراك بالله» . قال: قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟. قال: «ثمّ قطيعة الرّحم» . قال قلت: يا رسول الله! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف» ) * «6» .
28-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّه قال: لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبدرته، فأخذت بيده وبدرني «7» فأخذ بيدي فقال: «يا عقبة! ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدّنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك.
ألا ومن أراد أن يمدّ في عمره، ويبسط في رزقه، فليصل ذا رحمه» ) * «8» .
29-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه قال: أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر «9» فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألك مال غيره؟» فقال:
لا. فقال: «من يشتريه منّي؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله
__________
(1) وآية الروم: المراد به قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. وقد مضت غلبة الروم على فارس، يوم الحديبية.
(2) البخاري الفتح 8 (4822) . ومسلم (2798) واللفظ له.
(3) انجفل الناس قبله: انقلعوا كلهم فمضوا جهته.
(4) الترمذي (2485) . وابن ماجة (3251) . واللفظ له. وأحمد (5/ 451) . وذكره الألباني في الصحيحة برقم (569) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6138) . واللفظ له، ومسلم (47) .
(6) مجمع الزوائد (8/ 151) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير نافع بن خالد الطاحي، وهو ثقة، والمنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى بإسناد جيد (3/ 336) واللفظ له.
(7) بدرني: أسرع.
(8) الحاكم (4/ 161- 162) وهذا لفظه وسكت عنه الذهبي، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 342) .
(9) عن دبر: أي علق عتقه بموته، فقال: أنت حر يوم أموت.(7/2623)
العدويّ بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدفعها إليه، ثمّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا» . يقول: «فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) * «1» .
الأحاديث الواردة في (صلة الرحم) معنى
30-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟. قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال:
نعم. قال: «فبرّها» ) * «2» .
31-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ، فقال: يا نبيّ الله، علّمني عملا يدخلني الجنّة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال أوليستا واحدا؟ قال «لا» ، «عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب «3» ، والفيء «4» على ذي الرّحم، فإن لم تطق فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «5» .
32-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: «فهل من والديك أحد حيّ» ؟
قال: نعم، بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم. قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «6» .
33-* (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يوصيكم بأمّهاتكم، ثمّ يوصيكم بأمّهاتكم، ثمّ يوصيكم بأمّهاتكم، ثمّ يوصيكم بابائكم، ثمّ يوصيكم بالأقرب فالأقرب» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7186) . ومسلم (997) واللفظ له.
(2) صحيح الترمذي (1985) ط. الألباني، أما طبعة شاكر ففيها تحريف شديد في هذا الموضع (1904) . الحاكم (4/ 155) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي وذكر: «ألك والدان؟» . وذكره الألباني في صحيح الترمذي (1554) واللفظ له في هذا الموضع.
(3) المنيحة: هي ذات اللبن يقدمها المرء لغيره ليأخذ لبنها ثم يردها إلى صاحبها.
(4) الفيء على ذي الرحم: العطف عليه بالبر.
(5) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 104 حديث/ 69) ورجاله ثقات. وقال مخرجه محب الدين الخطيب: رواه أحمد وابن حبان فى صحيحه والبيهقي في الشعب. وقال في المجمع (4/ 240) : رواه أحمد ورجاله ثقات. وللحديث روايات أخرى انظرها في «موسوعة أطراف الحديث النبوى» (6/ 563) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3004) بلفظ مختلف. ومسلم (2546) واللفظ له.
(7) قال الحافظ في الفتح (10/ 416) : أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد، وابن ماجة، والحاكم، كما في المستدرك (4/ 151) ، وصححه وأقره الذهبي فيما قال وهو في الأدب المفرد بشرحه (1/ 97، 98 برقم 60) . وهذا لفظه.(7/2624)
34-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ «1» ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» .
فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «2» .
35-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا كلّ مال نحلته عبدا، حلال «3» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «4» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» .
وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «8» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «9» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «10» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم
__________
(1) بخ: كلمة تقال عند الرضا والمدح وإذا كررت أفادت التأكيد.
(2) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له. ومسلم (998) .
(3) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(4) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(5) فاجتالتهم: هكذا هو في نسخ بلادنا: فاجتالتهم. وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفّوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(6) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(7) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(8) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق.
(9) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان.
(10) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.(7/2625)
كما استخرجوك. واغزهم نغزك «1» . وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «2» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون «3» أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع «4» وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب «5» «والشّنظير «6» الفحّاش» ولم يذكر أبو غسّان في حديثه «وأنفق فسننفق عليك» ) * «7» .
36-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمّى فيها القيراط «8» ، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها. فإنّ لهم ذمّة «9» ورحما «10» ، أو قال:
ذمّة وصهرا «11» فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها» ) * «12» .
37-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها- أخبرته أنّها أعتقت وليدة ولم تستأذن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا كان يومها الّذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت يا رسول الله أنّي أعتقت وليدتي؟ قال: «أو فعلت؟» قالت: نعم.
قال: «أما إنّك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك» ) * «13» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أبوك» ) * «14» .
39-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «رأى عمر- رضي الله عنه- حلّة سيراء «15» تباع، فقال: يا رسول الله! ابتع هذه والبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود، قال: «إنّما يلبس هذه من
__________
(1) نغزك: أي نعينك.
(2) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي. وقيل: هو الذي لا مال له. وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(3) لا يتبعون: مخفف ومشدد من الاتباع. أي يتبعون ويتّبعون. وفي بعض النسخ: يبتغون أي يطلبون.
(4) والخائن الذي لا يخفى له طمع: معنى لا يخفى لا يظهر. قال أهل اللغة: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته. وأخفيته إذا سترته وكتمته. هذا هو المشهور. وقيل: هما لغتان فيهما جميعا.
(5) وذكر البخل أو الكذب: هكذا هو في أكثر النسخ: أو الكذب. وفي بعضها: والكذب. والأول هو المشهور.
(6) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق.
(7) مسلم (2865) .
(8) القيراط: قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما. وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به.
(9) الذمة: الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام.
(10) رحما: الرحم بكون هاجر أم إسماعيل منهم.
(11) صهرا: الصهر بكون أم إبراهيم منهم.
(12) مسلم (2543) .
(13) البخاري- الفتح 5 (2592) وهذا لفظه. ومسلم (999) . وفى رواية عند مسلم: ثم أدناك أدناك.
(14) البخاري- الفتح 10 (5971) . ومسلم (2548) واللفظ له.
(15) حلة سيراء: حلّة حرير.(7/2626)
لا خلاق له» ، فأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منها بحلل، فأرسل إلى عمر بحلّة فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: «إنّي لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها» ، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكّة قبل أن يسلم) * «1» .
40-* (عن زينب- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّقن يا معشر النّساء! ولو من حليّكنّ» ، قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنّك رجل خفيف ذات اليد «2» وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمرنا بالصّدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عنّي وإلّا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد الله: بل ائتيه أنت. قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ألقيت عليه المهابة قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّ امرأتين بالباب تسألانك: أتجزي الصّدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما «3» ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هما؟» فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لهما أجران أجر القرابة وأجر الصّدقة) * «4» .
41-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: إنّ أمركنّ ممّا يهمّني بعدي، ولن يصبر عليكنّ إلّا الصّابرون» . قال:
ثمّ تقول عائشة (لأبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف) فسقى الله أباك من سلسبيل الجنّة، وكان قد وصل أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمال بيعت بأربعين ألفا» ) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (صلة الرحم)
42-* (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث- رضي الله عنه- قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عبّاس) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصّدقات، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، وأصابا ممّا يصيب النّاس! قال: فبينما هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا ذلك. فقال عليّ بن أبي طالب: لا تفعلا فو الله ما هو
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5981) .
(2) خفيف ذات اليد: كناية عن الحاجة.
(3) حجورهما: الحجور جمع حجر، بالفتح وبالكسر، وهو الحضن، يقال: فلان في حجر فلان أي في كنفه وحمايته.
(4) البخاري- الفتح 3 (1462) من حديث أبي سعيد. ومسلم (1000) واللفظ له.
(5) الترمذي (3749) وقال: حسن صحيح غريب. وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» (3/ 1729) : إسناده حسن.(7/2627)
بفاعل فانتحاه «1» ربيعة، فقال: والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة «2» منك علينا، فو الله! لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما نفسناه عليك. قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا، واضطّجع عليّ. قال: فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتّى جاء فأخذ باذاننا، ثمّ قال: «أخرجا ما تصرّران «3» ثمّ دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال فتواكلنا الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا فقال: يا رسول الله! أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصّدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال وجعلت زينب تلمع «4» علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه، قال:
ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي محميّة ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب» . قال فجاآه. فقال لمحميّة «5» : «أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عبّاس) فأنكحه وقال: لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك (لي) فأنكحني، وقال لمحميّة: «أصدق عنهما «6» من الخمس كذا وكذا) » * «7» .
43-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهارا غير سرّ: «إنّ آل أبي- قال عمرو في كتاب محمّد بن جعفر- بياض- ليسوا بأوليائي، وإنّما وليّي الله وصالح المؤمنين، زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان، عن قيس، عن عمرو ابن العاص، قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها «8» » يعني أصلها بصلتها) * «9» .
44-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فاطمة بضعة «10» منّي، فمن أغضبها أغضبني» ) * «11» .
45-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما غرت على نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا على خديجة، وإنّي لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا ذبح الشّاة فيقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة» . قالت:
__________
(1) فانتحاه: عرض له.
(2) نفاسة: حسدا.
(3) ما تصرران: ما تجمعانه في صدوركما من الكلام.
(4) تلمع: هو بضم التاء وكسر الميم، ويجوز فتح التاء والميم. يقال: ألمع ولمع، إذا أشار بثوبه أو بيده.
(5) محمية: اسم رجل كان على الخمس.
(6) أصدق عنهما: أدّ عنهما المهر من حقي.
(7) مسلم (1072) .
(8) أبلها ببلالها: أنديها بما يبل به الحلق ونحوه (كناية عن الصلة والإيتاء) . وقوله: ببلالها بفتح الباء وكسرهما وهما وجهان مشهوران قيل: وهو بالكسر أوجه فإن من البلال جمع بلل وهو النداوة.
(9) البخاري الفتح 10 (5990) واللفظ له. ومسلم (215) . ومعنى الحديث على ما جاء في الفتح: لا أوالي أحدا بالقرابة، وإنما أحب الله تعالى لما له من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى، وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كان من ذوي رحم أو لا. ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم.
(10) البضعة: القطعة من اللحم.
(11) البخاري- الفتح 7 (3714) واللفظ له. مسلم (2449) .(7/2628)
فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي قد رزقت حبّها» ) * «1» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الآية وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ 214) ، دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قريشا فاجتمعوا. فعمّ وخصّ. فقال: «يا بني كعب بن لؤيّ، أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني مرّة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد المطّلب! أنقذوا أنفسكم من النّار، يا فاطمة! أنقذي نفسك من النّار. فإنّي لا أملك لكم من الله شيئا. غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (صلة الرحم)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «تعلّموا أنسابكم ثمّ صلوا أرحامكم، والله إنّه ليكون بين الرّجل وبين أخيه شيء، ولو يعلم الّذي بينه وبينه من داخلة الرّحم لأوزعه «3» ذلك عن انتهاكه» ) * «4» .
2-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحبّ إليّ من أن أتصدّق بعشرين درهما، ولأن أصله بعشرين درهما أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة» ) * «5» .
3-* (عن عائشة رضي الله عنها- قالت:
إنّ فاطمة. عليها السّلام- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم تطلب صدقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
لا نورث ما تركنا فهو صدقة،: إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل. وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حالها الّتي كانت عليها في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتشهّد عليّ، ثمّ قال: إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك- وذكر قرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحقّهم- فتكلّم أبو بكر فقال: «والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي» ) * «6» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر
__________
(1) البخاري الفتح 7 (3818) . مسلم (2435) وهذا لفظه.
(2) مسلم (204) .
(3) أوزعه: كفه ومنعه.
(4) جامع البيان فى تفسير القرآن (1/ 144) .
(5) إحياء علوم الدين (1/ 220) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3711، 3712) .(7/2629)
مهاجرا قبل الحبشة حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وأمّنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف «1» عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة، فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك- بأبي أنت-، قال: «نعم» .
فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر» ) * «2» .
5-* (قال ابن أبي مليكة: غدوت على ابن عبّاس فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزّبير فتحلّ ما حرّم الله فقال: معاذ الله. إنّ الله كتب ابن الزّبير وبني أميّة محلّين «3» وإنّي والله لا أحلّه أبدا. قال: قال
__________
(1) يتقصّف: يجتمع ويزدحم.
(2) البخاري- الفتح 4 (2297) . ورد هذا الأثر في سياقة حديث، والمقصود الاستشهاد بالأثر.
(3) محلين: يعني استحلوا القتال بالحرم المكى.(7/2630)
النّاس: بايع لابن الزّبير. فقلت: وأين بهذا الأمر عنه، أمّا أبوه فحواريّ «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- يريد الزّبير- وأمّا جدّه فصاحب الغار- يريد أبا بكر-، وأمّا أمّه فذات النّطاقين- يريد أسماء-، وأمّا خالته فأمّ المؤمنين- يريد عائشة- وأمّا عمّته فزوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،- يريد خديجة-، وأمّا عمّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجدّته- يريد صفيّة- ثمّ عفيف في الإسلام قارئ للقرآن. والله لو وصلوني وصلوني من قريب، وإن ربّوني ربّوني أكفاء كرام» ) * «2» .
6-* (عن عروة بن الزّبير قال: ذهب عبد الله بن الزّبير مع أناس من بني زهرة إلى عائشة:
وكانت أرقّ شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
7-* (قال عطاء- رحمه الله تعالى-:
«لدرهم أضعه فى قرابتي أحبّ إليّ من ألف أضعها في فاقة. قال له قائل: يا أبا محمّد، وإن كان قرابتي مثلي في الغنى. قال: وإن كان أغنى منك» ) * «4» .
8-* (قال سعيد بن المسيّب- رحمه الله تعالى- وقد ترك دنانير «اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم أجمعها إلّا لأصون بها ديني وحسبي، لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه، ويصل رحمه، ويكفّ به وجهه» ) * «5» .
9-* (قال محمّد بن عليّ بن الحسين- رحمه الله تعالى-: «إنّ أهل البيت ليتبارون، فينمّي الله- عزّ وجلّ- أموالهم» ) * «6» .
10-* (قال عمرو بن دينار- رحمه الله تعالى-:
«تعلمنّ أنّه ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجرا من خطوة إلى ذي الرّحم» ) * «7» .
11-* (قال سليمان بن موسى: «قيل لعبد الله بن محيريز: ما حقّ الرّحم؟ قال: تستقبل إذا أقبلت، وتتبع إذا أدبرت» ) * «8» .
12-* (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى-:
«مودّة يوم صلة، ومودّة سنة رحم ماسّة، من قطعها قطعه الله- عزّ وجلّ-» ) * «9» .
13- قال المرّوذيّ: «أدخلت على أبي عبد الله (أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى-) رجلا من الثّغر فقال: لي قرابة (بالمرغة) ترى لي أن أرجع إلى الثّغر، أو ترى أن أذهب فأسلّم على قرابتي؟ فقال له: استخر الله، واذهب فسلّم عليهم» ) * «10» .
14-* (وقال مثنّى، قلت له: «الرّجل يكون له القرابة من النّساء، فلا يقومون بين يديه فأيّ شيء يجب عليه من برّهم، وفي كم ينبغي أن يأتيهم؟
قال: اللّطف والسّلام» ) * «11» .
__________
(1) حواريّ: هو الصاحب والناصر.
(2) البخاري- الفتح 8 (4665) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3503) .
(4) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (62) .
(5) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 269) .
(6) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (51) .
(7) المرجع السابق (62) .
(8) المرجع السابق (64) .
(9) الآداب العشرة للغزي (44) .
(10) المرجع السابق (1/ 452) .
(11) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(7/2631)
15-* (وقال الفضل بن عبد الصّمد لأبي عبد الله «1» - رحمه الله تعالى-: «رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب ترى أن يزورهم، قال: نعم، يزورهم ويراودهم على الخروج منها، فإن أجابوا وإلّا لم يقم معهم، ولا يدع زيارتهم» ) * «2» .
16-* (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: «صلة الرّحم هي أداء الواجب لها من حقوق الله الّتي أوجب لها، والتّعطّف عليها بما يحقّ التّعطّف به عليها» ) * «3» .
17-* (قال الطّيبيّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الله يبقي أثر واصل الرّحم طويلا فلا يضمحلّ سريعا كما يضمحلّ أثر قاطع الرّحم» ) * «4» .
من فوائد (صلة الرحم)
(1) علامة كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) تحقّق السّعة في الأرزاق والبركة في الأعمار.
(3) اكتساب رضى الرّبّ ثمّ محبّة الخلق.
(4) تقوية أواصر العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأسرة الواحدة والأسر المرتبطة بالمصاهرة والنّسب حتّى يعمّ المجتمع كلّه.
(5) استصحاب معيّة النّصر، والتّأييد من الله القويّ العزيز للواصل.
(6) للأرحام حقّ وإن كانوا كفّارا، أو فجّارا، أو مبتدعة.
(7) تقوّي الصّلة بقرب العلاقة وهي للأقرب أقوى منها للأبعد.
__________
(1) هو أحمد بن حنبل- رحمه الله-.
(2) الآداب الشرعية (1/ 452) .
(3) جامع البيان في تفسير القرآن (1/ 144) .
(4) فتح الباري (10/ 430) .(7/2632)
الصمت وحفظ اللسان
[الصمت]
الصمت لغة:
مصدر قولهم: صمت يصمت إذا سكت، وهو مأخوذ من مادّة (ص م ت) الّتي تدلّ على إبهام وإغلاق، يقال من ذلك صمت الرّجل وأصمت إذا سكت، ومنه قولهم: لقيت فلانا ببلدة إصمت، وهي القفر الّتي لا أحد بها، كأنّها صامتة ليس بها ناطق، ويقال ماله صامت ولا ناطق فالصّامت الذّهب والفضّة، والنّاطق: الإبل والغنم والخيل، والصّموت الدّرع اللّيّنة الّتي إذا صبّها الرّجل على نفسه لم يسمع لها صوت، وباب مصمت: قد أبهم إغلاقه، والصّامت من اللّبن: الخاثر، لأنّه إذا كان كذلك فأفرغ فى إناء لم يسمع له صوت.
وقال الجوهريّ: يقال: صمت يصمت صمتا وصموتا وصماتا، وأصمت وقيل: أصمت معناه أطال السّكوت مثله، والتّصميت: التّسكيت ومثله السّكوت، ورجل صمّيت أي سكّيت والصّمتة بالضّمّ مثل السّكتة، ويقال: رميته بصماته وسكاته، أي بما صمت به وسكت، وفي حديث أسامة- رضي الله عنه-: «لمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
-/ 22/ 38
دخلت عليه يوم أصمت فلم يتكلّم» . قال الأزهريّ معناه: «ليس بيني وبينه أحد» وقال ابن الأثير: يقال صمت العليل وأصمت فهو صامت ومصمت إذا اعتقل لسانه، ومنه الحديث الآخر أنّ امرأة من أحمس حجّت مصمتة أي: ساكتة لا تتكلّم. وفي حديث عليّ- رضي الله عنه-: «لا صمت يوما إلى اللّيل» معناه:
لا تصمت يوما إلى اللّيل «1» .
وفى حديث صفة التّمرة أنّها صمتة للصّغير.
أي أنّه إذا بكى أسكت بها.
والصّمتة هي الاسم من: صمت، وقيل الصّمت المصدر، وما سوى ذلك فهو اسم، ومن أمثالهم: إنّك لا تشكو إلى مصمّت، أي لا تشكو إلى من لا يعبأ بشكواك، من قولهم صمّت الرّجل شكا إليه فنزع إليه من شكايته «2» .
الصمت اصطلاحا:
قال الكفويّ: الصّمت إمساك عن قول الباطل دون الحقّ «3» .
وقال المناويّ: الصّمت: فقد الخاطر بوجد حاضر، وقيل: سقوط النّطق بظهور الحقّ، وقيل:
__________
(1) نسب الكسائيّ هذه العبارة إلى العرب أيضا، وقال إنها تروى بالرفع والنصب والجر في (يوم) فمن نصب أراد لا تصمت يوما إلى الليل، ومن رفع أراد «لا يصمت يوم إلى اللّيل» ومن خفض فعلى الإضافة.
(2) المقاييس (3/ 308) ، الصحاح (1/ 256) ، النهاية (3/ 51) ، لسان العرب (3/ 2492) ، ط. دار المعارف.
(3) الكليات للكفوي (507) .(7/2633)
انقطاع اللّسان بظهور العيان «1» .
الفرق بين السكوت والصمت:
الفرق بينهما من وجوه:
1- أنّ السّكوت هو ترك التّكلّم مع القدرة عليه، وبهذا القيد الأخير يفارق الصّمت؛ فإنّ القدرة على التّكلّم غير معتبرة فيه.
2- كما أنّ الصّمت يراعى فيه الطّول النّسبيّ فمن ضمّ شفتيه آنا يكون ساكتا ولا يكون صامتا إلّا إذا طالت مدّة الضّمّ.
3- السّكوت إمساك عن الكلام حقّا كان أو باطلا، أمّا الصّمت فهو إمساك عن قول الباطل دون الحقّ.
حفظ اللسان:
الحفظ لغة:
انظر حفظ في صفة (حفظ الأيمان) .
اللسان لغة:
اللّسان في اللّغة هو جارحة الكلام، وقد يكنى به عن الكلمة فتؤنّث حينئذ كما في قول أعشى باهلة:
إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها.
فمن ذكّره قال في الجمع ثلاثة ألسنة ومن أنّثه قال: ثلاث ألسن؛ لأنّ ذلك قياس ما جاء على فعال من المذكّر والمؤنّث وإن أردت به اللّغة أنّثت، واللّسن بالتّحريك الفصاحة، وقد لسن بالكسر فهو لسن وألسن، وقوم لسن. ويقال: لسنته إذا أخذته بلسانك، والملسون: الكذّاب، واللّسن: الكلام واللّغة، واللّسن بالتّحريك: الفصاحة؛ يقال لكلّ قوم لسن: أي لغة يتكلّمون بها واللّسان: اللّغة، قال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ (الروم/ 22) ومن ذلك قولهم: فلان يتكلّم بلسان قومه. أي بلغتهم، واللّسان أيضا الرّسالة، واللّسان: المقول، واللّسان: الثّناء، والإلسان:
إبلاغ الرّسالة، وألسنه ما يقول أي أبلغه، وألسن عنه بلّغ، ولسنه يلسنه لسنا: كان أجود لسانا منه، ولسنه:
كلّمه، ولسنه أخذه بلسانه، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- وذكر امرأة فقال: إن دخلت عليك لسنتك، أي أخذتك بلسانها، يصفها بالسّلاطة وكثرة الكلام والبذاء، ولسان القوم: المتكلّم بلسانهم، وقوله في الحديث: لصاحب الحقّ اليد واللّسان، اليد: اللّزوم (والقوّة) ، واللّسان: التّقاضي، ولسان الميزان: عذبته، ولسان النّار ما يتشكّل منها على شكل اللّسان «2» .
حفظ اللسان اصطلاحا:
أن يصون المرء لسانه عن الكذب، والغيبة والنّميمة، وقول الزّور، وغير ذلك ممّا نهى عنه الشّارع الحكيم.
قال الجاحظ: ومن الأخلاق الفاضلة: اللهجة وهى الإخبار عن الشّيء على ما هو به، وهذا الخلق مستحسن، ما لم يؤدّ إلى ضرر مجحف، فإنّه ليس بمستحسن صدق الإنسان إن سئل عن فاحشة كان قد ارتكبها، إذ لا يفى صدقة بما يلحقه في ذلك من العار والمنقصة الباقية اللّازمة «3» .
__________
(1) التوقيف على مهمات التعاريف (218) .
(2) الصحاح (6/ 2195) ، ولسان العرب (13/ 387) ، ط. بيروت.
(3) تهذيب الأخلاق للجاحظ (26) بتصرف يسير.(7/2634)
خطر اللسان:
قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-: إنّ اللّسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة. فإنّه صغير جرمه «1» ، عظيم طاعته وجرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلّا بشهادة اللّسان، وهما غاية الطّاعة والعصيان. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللّسان، فإنّه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه. وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله. وإنّه أعظم آلة للشّيطان في استغواء الإنسان.
واللّسان رحب الميدان، ليس له مردّ، ولا لمجاله منتهى وحدّ. له في الخير مجال رحب، وله في الشّرّ ذيل سحب، فمن أطلق عذبة «2» اللّسان، وأهمله مرخيّ العنان «3» سلك به الشّيطان في كلّ ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطرّه إلى البوار، ولا يكبّ النّاس في النّار على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شرّ اللّسان إلّا من قيّده بلجام الشّرع، فلا يطلقه إلّا فيما ينفعه في الدّنيا والآخرة، ويكفّه عن كلّ ما يخشى غائلته في عاجله وآجله.
ذلك أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت، فلذلك مدح الشّرع الصّمت وحثّ عليه.
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «من صمت نجا» «4» . «5»
فضل الكلام والصمت:
يقول الماورديّ: اعلم أنّ الكلام ترجمان يعبّر عن مستودعات الضّمائر، ويخبر بمكنونات السّرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على ردّ شوارده، فحقّ على العاقل أن يحترز من زلله، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه. وفى شروط الكلام يقول الماورديّ: واعلم أنّ للكلام شروطا لا يسلم المتكلّم من الزّلل إلّا بها، ولا يعرى من النّقص إلّا بعد أن يستوفيها. وهي أربعة:
الشّرط الأوّل: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إمّا فى اجتلاب نفع، أو دفع ضرر. ذلك أنّ مالا داعي له هذيان، وما لا سبب له هجر، ومن سامح نفسه في الكلام إذا عنّ، ولم يراع صحّة دواعيه، وإصابة معانيه، كان قوله مرذولا، ورأيه معلولا.
الشّرط الثّاني: أن يأتي به في موضعه، ويتوخّى به إصابة فرصته؛ لأنّ الكلام في غير حينه لا يقع موقع الانتفاع به، وما لا ينفع من الكلام فقد تقدّم القول بأنّه هذيان وهجر، فإن قدّم ما يقتضي التّأخير كان عجلة وخرقا، وإن أخّر ما يقتضي التّقديم كان توانيا وعجزا، لأنّ لكلّ مقام قولا، وفي كلّ زمان عملا.
الشّرط الثّالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته، فإنّ الكلام إن لم ينحصر بالحاجة، ولم يقدّر بالكفاية، لم يكن لحدّه غاية، ولا لقدره نهاية، وما لم يكن من الكلام محضورا كان إمّا حصرا إن قصر، أو هذرا إن كثر.
الشّرط الرّابع: اختيار اللّفظ الّذي يتكلّم به، لأنّ اللّسان عنوان الإنسان، يترجم عن مجهوله،
__________
(1) جرم: الجرم الجسد.
(2) عذبة اللسان: طرفه.
(3) العنان: سير اللجام الذي تمسك به الدابة.
(4) رواه الترمذي رقم (2503) . وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (8/ 387) .
(5) انظر إحياء علوم الدين (3/ 108) .(7/2635)
ويبرهن عن محصوله، فيلزم أن يكون بتهذيب ألفاظه حريّا، وبتقويم لسانه مليّا.
ومن آداب الكلام: قال- رحمه الله-: واعلم أنّ للكلام آدابا إن أغفلها المتكلّم أذهب رونق كلامه وطمس بهجة بيانه، ولها النّاس عن محاسن فضله، بمساوئ أدبه، فعدلوا عن مناقبه، بذكر مثالبه.
ومن آدابه:
1- أن لا يتجاوز في مدح، ولا يسرف في ذمّ، وإن كانت النّزاهة عن الذّمّ كرما، والتّجاوز في المدح قلقا يصدر عن مهانة؛ والسّرف في الذّمّ انتقام يصدر عن شرّ، وكلاهما شين، وإن سلم من الكذب.
2- أن لا تبعثه الرّغبة والرّهبة في وعد أو وعيد يعجز عنهما، ولا يقدر على الوفاء بهما؛ فإنّ من أطلق بهما لسانه، وأرسل فيهما عنانه، ولم يستثقل من القول ما يستثقله من العمل صار وعده نكثا، ووعيده عجزا.
3- أنّه إن قال قولا حقّقه بفعله، وإذا تكلّم بكلام صدّقه بعمله، فإنّ إرسال القول اختيار، والعمل به اضطرار، ولأن يفعل ما لم يقل أجمل من أن يقول ما لم يفعل.
4- أن يراعي مخارج كلامه بحسب مقاصده وأغراضه، فإن كان ترغيبا قرنه باللّين واللّطف، وإن كان ترهيبا خلطه بالخشونة والعنف، فإنّ لين اللّفظ في التّرهيب، وخشونته في التّرغيب، خروج عن موضعهما، وتعطيل للمقصود بهما، فيصير الكلام لغوا، والغرض المقصود لهوا.
5- ألّا يرفع بكلامه صوتا مستكرها، ولا ينزعج له انزعاجا مستهجنا، وليكفّ عن حركة تكون طيشا، وعن حركة تكون عيّا، فإنّ نقص الطّيش أكثر من فضل البلاغة.
6- أن يتجافى هجر القول ومستقبح الكلام، وليعدل إلى الكناية عمّا يستقبح صريحه، ويستهجن فصيحه، ليبلغ الغرض ولسانه نزه، وأدبه مصون، وكما أنّه يصون لسانه عن ذلك، فهكذا يصون عنه سمعه، فلا يسمع خنى، ولا يصغي إلى فحش، فإنّ سماع الفحش داع إلى إظهاره، وذريعة إلى إنكاره؛ وإذا وجد عن الفحش معرضا، كفّ قائله وكان إعراضه أحد النّكيرين، كما أنّ سماعه أحد الباعثين.
7- أن يجتنب أمثال العامّة الغوغاء، ويتخصّص بأمثال العلماء الأدباء. فإنّ لكلّ صنف من النّاس أمثالا تشاكلهم، فلا تجد لساقط إلّا مثلا ساقطا، وتشبيها مستقبحا، وللأمثال من الكلام موقع في الأسماع، وتأثير في القلوب، لا يكاد الكلام المرسل يبلغ مبلغها، ولا يؤثّر تأثيرها؛ لأنّ المعاني بها لائحة والشّواهد بها واضحة، والنّفوس بها وامقة، والقلوب بها واثقة، والعقول لها موافقة، فلذلك ضرب الله الأمثال في كتابه العزيز وجعلها من دلائل رسله، وأوضح بها الحجّة على خلقه؛ لأنّها في العقول معقولة، وفي القلوب مقبولة «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الصدق- كتمان السر- الكلم الطيب- خفظ الصوت- الحلم- الصبر والمصابرة- الأدب- مجاهدة النفس.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الكذب- اللغو- الغيبة- النميمة- البذاءة] .
__________
(1) أدب الدنيا والدين (266- 276) بتصرف.(7/2636)
الأحاديث الواردة في (الصمت وحفظ اللسان)
1-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه أدرك عمر بن الخطّاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ الله- عزّ وجلّ- ينهاكم أن تحلفوا بابائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صمت نجا» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» ) * «3» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله إنّ البكر تستحي، قال: «رضاها صمتها» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (الصمت وحفظ اللسان) معنى
5-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا زعيم ببيت في ربض «5» الجنّة لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه» ) * «6» .
6-* (عن الحارث بن هشام- رضي الله عنه- أنّه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «املك هذا» ، وأشار إلى لسانه) * «7» .
7-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه ارتقى الصّفا فأخذ بلسانه، فقال: يا لسان، قل خيرا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم، من قبل أن تندم، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أكثر خطأ ابن آدم في لسانه» ) * «8» .
8-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6108) ، ومسلم (1646) واللفظ له.
(2) الترمذي (2503) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث غريب. وقال الحافظ العراقي في الإحياء (3/ 118) : رواه الطبراني بسند جيد، وقال الحافظ بن حجر في الفتح (11/ 315) : رواته ثقات. وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (8/ 387) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6018) ، ومسلم (47) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 9 (5137) واللفظ له، ومسلم (1421) .
(5) ربض الجنة: ما حول الجنة خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع (وهو ما يعرف الآن بضواحي المدن) انظر النهاية (2/ 185) .
(6) أبو داود 4 (4800) وهذا لفظه. والترمذي (1993) وقال: حديث حسن
(7) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 527) وقال: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد.
(8) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 534) . وقال: رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن.(7/2637)
سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ المسلمين أفضل؟. قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» ) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «2» جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم قيل وقال «3» وكثرة السّؤال «4» وإضاعة المال» ) * «5» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟. قال: «الصّلاة على ميقاتها» قلت: ثمّ ماذا يا رسول الله؟ قال: «أن يسلم النّاس من لسانك» ) * «6» .
11-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟. قال:
«أن يسلم قلبك لله- عزّ وجلّ- وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك» . قال: فأيّ الإسلام أفضل؟. قال:
«الإيمان» . قال: وما الإيمان؟. قال: «تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت» . قال:
فأيّ الإيمان أفضل؟. قال: «الهجرة» . قال: فما الهجرة؟. قال: «تهجر السّوء» . قال: فأيّ الهجرة أفضل؟. قال: «الجهاد» . قال: وما الجهاد؟. قال: «أن تقاتل الكفّار إذا لقيتهم» . قال: فأيّ الجهاد أفضل؟.
قال: «من عقر «7» جواده وأهريق «8» دمه» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثمّ عملان هما أفضل الأعمال إلّا من عمل بمثلهما: حجّة مبرورة أو عمرة مبرورة» ) * «9» .
12-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه.
تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16) ثمّ
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (10) ، ومسلم (40) . والترمذي (2504) واللفظ له.
(2) والاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بادابه.
(3) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس.
(4) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة.
(5) مسلم (1715) . وبعضه عند البخاري 9 (5975) .
(6) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 523) وقال: رواه الطبراني بإسناد صحيح وصدره في الصحيحين.
(7) عقر: قطعت رجله في المعركة.
(8) أهريق: لغة من أريق. أي أسيل.
(9) قال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 285) : رواه أحمد (4/ 114) وهذا لفظه بإسناد رجاله رجال الصحيح. وهو في الصحيحة للألباني (551) ، والحديث أصله في مسلم.(7/2638)
قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه «1» ؟» قلت: بلى. يا رسول الله! قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه» .
قلت: بلى، يا نبيّ الله. فأخذ بلسانه. قال: «كفّ عليك هذا» . فقلت: يا نبيّ الله! وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. قال: «ثكلتك «2» أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «3» .
13-* (عن أسود بن أصرم- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله! أوصني. قال: «تملك يدك» ؟.
قلت: فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: «تملك لسانك» ؟. قلت: فماذا أملك إذا لم أملك لساني؟.
قال: «لا تبسط يدك إلّا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلّا معروفا» ) * «4» .
14-* (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل: «ربّي الله ثمّ استقم» . قلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: «هذا» ) * «5» .
15-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما النّجاة؟. قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك» ) * «6» .
16-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان فلان رديف «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، قال: فجعل الفتى يلاحظ النّساء وينظر إليهنّ. قال:
وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجهه بيده مرارا، قال:
وجعل الفتى يلاحظ إليهنّ. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ابن أخي، إنّ هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» ) * «8» .
17-* (عن أمّ حبيبة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ كلام ابن آدم عليه لا له إلّا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله» ) * «9» .
18-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإنّ
__________
(1) سنامه: السنام من كل شيء أعلاه.
(2) ثكلتك: دعاء عليه بالهلاك.
(3) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح وأحمد (5/ 237) ، وابن ماجة (3973) وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد، والبيهقي.
(4) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 530) وقال: رواه ابن أبي الدنيا. والطبراني بإسناد حسن والبيهقي.
(5) الترمذي (2522) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (3972) وصححه الألباني صحيح سنن ابن ماجه (3208) .
(6) الترمذي (2406) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : وهو كما قال.
(7) رديف: يعني يركب خلفه على دابته.
(8) أحمد (1/ 229) واللفظ له، وقال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد بإسناد صحيح. انظر المتجر الرابح (312) .
(9) رواه الترمذي (2412) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (3974) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 731) حديث حسن.(7/2639)
أبعد النّاس من الله القلب القاسي» ) * «1» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ) * «2» .
20-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يضمن «3» لي ما بين لحييه «4» وما بين رجليه أضمن له الجنّة» ) * «5» .
21-* (عن معاذ- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، أوصني. قال: «اعبد الله كأنّك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كلّه» . قال: «هذا» ، وأشار بيده إلى لسانه) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصمت وحفظ اللسان)
22- عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر الذّكر، ويقلّ اللّغو، ويطيل الصّلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصمت وحفظ اللسان)
1-* (قيل لعيسى- عليه السّلام-: دلّنا على عمل ندخل به الجنّة. قال: «لا تنطقوا أبدا» ، قالوا: لا نستطيع ذلك، فقال: «فلا تنطقوا إلّا بخير» ) * «8» .
2-* (قال عيسى- عليه السّلام-: «طوبى لمن بكى على خطيئته، وخزن لسانه، ووسعه بيته» ) * «9» .
3-* (قال سليمان بن داود- عليهما السّلام-:
«إن كان الكلام من فضّة فالسّكوت من ذهب» ) * «10» .
__________
(1) الترمذي (2411) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 538) وقال: رواه الترمذي والبيهقي، وقال محقق رياض الصالحين (ص 575) : رواه الترمذي وسنده حسن.
(2) مالك في الموطأ (2/ 903) . والترمذي (2317) وقال: هذا حديث غريب، وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي (1886) ، وابن ماجة (3976) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 729) : حديث حسن.
(3) يضمن: من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه.
(4) لحييه، بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما: اللسان.
(5) البخاري- الفتح 11 (6474) واللفظ له. والترمذي (2408) .
(6) الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 532) وقال رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد.
(7) النسائي (3/ 109) ، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1341) .
(8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 120) .
(9) انظر حسن السمت في الصمت (65) .
(10) إحياء علوم الدين (3/ 120) .(7/2640)
4-* (كان أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- يضع حصاة في فيه، يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول: «هذا الّذي أوردني الموارد» ) * «1» .
5-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«من كثر كلامه كثر سقطه» ) * «2» .
6-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة» ) * «3» .
7-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «أنذرتكم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته» ) * «4» .
8-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «والله الّذي لا إله إلّا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من اللّسان» ) * «5» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «خمس لهنّ أحبّ إليّ من الدّهم «6» الموقوفة:
1- لا تتكلّم فيما لا يعنيك؛ فإنّه فضل، ولا آمن عليك الوزر.
2- ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعينه، قد وضعه في غير موضعه فعنت.
3- ولا تمار «7» حليما ولا سفيها؛ فإنّ الحليم يقليك، والسّفيه يؤذيك.
4- واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، وأعفه ممّا تحبّ أن يعفيك منه، وعامل أخاك بما تحبّ أن يعاملك به.
5- واعمل عمل رجل يعلم أنّه مجازى بالإحسان مأخوذ بالاحترام» ) * «8» .
10-* (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: «دع ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك «9» » ) * «10» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «لا يتّقي الله- عزّ وجلّ- رجل أو أحد حقّ تقاته حتّى يخزن من لسانه» ) * «11» .
12-* (قال عبد الله بن طاوس- رحمه الله-:
«كان طاوس- رحمه الله- يتعذّر من طول السّكوت ويقول: «إنّي جرّبت لساني فوجدته لئيما» ) * «12» .
13-* (قال طاوس- رحمه الله-: «لساني
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 120) .
(2) انظر الصمت لابن أبي الدنيا (241) .
(3) المرجع السابق (249) .
(4) الصمت لابن أبي الدنيا (239- 240) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 120) .
(6) الدّهم: جمع أدهم، وهو من الخيل ما بين الأشقر والأسود، وناقة دهماء إذا اشتدت ورقتها حتى ذهب البياض الذي فيها.
(7) تمار: تجادل.
(8) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 122) .
(9) ورق: بكسر الراء الفضة وقد تسكّن.
(10) إحياء علوم الدين (3/ 122) .
(11) ابن ماجة في المقدمة (11) . وحسن السمت في الصمت (53) .
(12) الصمت لابن أبي الدنيا (248) .(7/2641)
سبع إن أرسلته أكلني» ) * «1» .
14-* (عن يعلى بن عبيد- رحمه الله- قال:
«دخلنا على محمّد بن سوقة فقال: «أحدّثكم بحديث لعلّه ينفعكم فإنّه قد نفعني. قال لنا عطاء بن أبي رباح: يا بني أخي، إنّ من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه، أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك الّتي لا بدّ لك منها، أتنكرون: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ (الانفطار: 10- 11) وعَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ* ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق/ 17- 18) . أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته الّتي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه» ) * «2» .
15-* (قال محمّد بن واسع لمالك بن دينار:
«يا أبا يحيى حفظ اللّسان أشدّ على النّاس من حفظ الدّيا نار والدّرهم» ) * «3» .
16-* (قال وهب بن منبّه: في حكمة آل داود: «حقّ على العاقل أن يكون عارفا بزمانه، حافظا للسانه، مقبلا على شانه» ) * «4» .
17-* (قال الحسن- رحمه الله-: «ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه» ) * «5» .
18-* (قال الحسن بن هانئ:
إنّما العاقل من ... ألجم فاه بلجام
لذ «6» بداء الصّمت خي ... ر لك من داء الكلام
) * «7» .
19-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: كانوا يتكلّمون عند معاوية- رضي الله عنه- والأحنف ساكت، فقالوا: مالك لا تكلّم يا أبا بحر؟. قال:
«أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت» ) * «8» .
20-* (عن الأوزاعيّ قال: «كتب إلينا عمر ابن عبد العزيز- رحمه الله- برسالة لم يحفظها غيري، وغير مكحول: «أمّا بعد، فإنّه من أكثر ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير، ومن عدّ كلامه من عمله، قلّ كلامه فيما لا ينفعه» ) * «9» .
21-* (عن عمرو بن قيس- رحمه الله- أنّ رجلا مرّ بلقمان، والنّاس عنده، فقال: «ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى. الّذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فما الّذي بلغ بك ما أرى؟.
قال: «صدق الحديث، وطول السّكوت عمّا لا يعنيني» ) * «10» .
22-* (قال محمّد بن الفضل الحارثيّ- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: كثرة الكلام تذهب
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 120) .
(2) الصمت لابن أبي الدنيا (240- 241) ، والإحياء (23- 124) .
(3) إحياء علوم الدين (3/ 120) .
(4) المرجع السابق (3/ 120) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 120) .
(6) لذ: الجأ.
(7) الآداب الشرعية (38) .
(8) الصمت لابن أبي الدنيا (226) .
(9) إحياء علوم الدين (3/ 112) .
(10) الصمت لابن أبي الدنيا (265) .(7/2642)
الوقار» ) * «1» .
23-* (عن يزيد بن أبي حبيب- رحمه الله- قال: «من فتنة العالم أن يكون الكلام أحبّ إليه من الاستماع وإن وجد من يكفيه؛ فإنّ في الاستماع سلامة، وزيادة في العلم، والمستمع شريك المتكلّم في الكلام إلّا من عصم الله، ترمّق «2» ، وتزيّن، وزيادة، ونقصان) * «3» .
24-* (عن يونس بن عبيد قال: «ما من النّاس أحد يكون لسانه منه على بال إلّا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله» ) * «4» .
25-* (عن الرّبيع بن خثيم- رحمه الله- قال: «لا خير في الكلام إلّا في تسع: تهليل، وتكبير، وتسبيح، وتحميد، وسؤالك عن الخير، وتعوّذك من الشّرّ، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وقراءتك القرآن» ) * «5» .
26-* (عن إبراهيم بن عبد العزيز التّيميّ قال: «المؤمن إذا أراد أن يتكلّم نظر، فإن كان كلامه له تكلّم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنّما لسانه رسلا رسلا «6» » ) * «7» .
27-* (قال عبيد الله بن أبي جعفر: «إذا كان المرء يحدّث في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإن كان ساكتا فأعجبه السّكوت فليتحدّث» ) * «8» .
28-* (عن عبد الله بن المبارك- رحمه الله- قال: «قال بعضهم في تفسير العزلة: هو أن يكون مع القوم، فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت» ) * «9» .
29-* (قال أبو بكر بن عيّاش: «اجتمع أربعة ملوك، فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل، وقال آخر: إنّي إذا تكلّمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلّم بها ملكتها ولم تملكني، وقال ثالث: عجبت للمتكلّم إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرّابع: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت» ) * «10» .
30-* (عن عبد العزيز بن أبي روّاد قال:
قال رجل لسلمان- رضي الله عنه-: أوصني؟ قال:
«لا تكلّم. قال: وكيف يصبر رجل على أن لا يتكلّم؟. قال: فإن كنت لا تصبر على الكلام، فلا تتكلّم إلّا بخير أو اصمت» ) * «11» .
31-* (وذكر ابن عبد البرّ ما أنشده بعضهم:
سأرفض ما يخاف عليّ منه ... وأترك ما هويت لما خشيت
__________
(1) حسن السمت في الصمت للسيوطي (28) .
(2) ترميق الكلام: تلفيقه.
(3) الصمت لابن أبي الدنيا (253) .
(4) المرجع السابق (257) .
(5) الصمت لابن أبي الدنيا (246) .
(6) رسلا: ليّنا مسترخيا لا تؤدة فيه.
(7) الصمت لابن أبي الدنيا (247) .
(8) المرجع السابق (252) .
(9) المرجع السابق (241) .
(10) إحياء علوم الدين (3/ 133) .
(11) الصمت لابن أبي الدنيا (215) .(7/2643)
لسان المرء ينبي عن حجاه «1» . ... وعيّ المرء يستره السّكوت) * «2» .
32-* (قال الشّاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم
وكائن «3» ترى من ساكت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم) * «4» .
33-* (قال الشّاعر:
وأعلم علما ليس بالظّنّ إنّه ... إذا زال مال المرء فهو ذليل
وإنّ لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة «5» على عوراته لدليل) * «6» .
34-* (قال الشّاعر:
عوّد لسانك قلّة اللّفظ ... واحفظ كلامك أيّما حفظ
إيّاك أن تعظ الرّجال وقد ... أصبحت محتاجا إلى الوعظ) * «7» .
35-* (قال الشّاعر:
من لزم الصّمت اكتسى هيبة ... تخفي على النّاس مساويه) * «8» .
لسان من يعقل في قلبه ... وقلب من يجهل في فيه) * «9» .
36-* (قال بعضهم:
عجبت لإدلال العييّ «10» بنفسه ... وصمت الّذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصّمت ستر للعييّ وإنّما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلّما) * «11»
37-* (قال بعضهم: «الصّمت يجمع للرّجل فضيلتين: السّلامة في دينه، والفهم عن صاحبه» ) * «12» .
38-* (قال بعضهم:
احفظ لسانك أيّها الإنسان ... لا يلد غنّك إنّه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشّجعان) * «13» .
من فوائد (الصمت وحفظ اللسان)
(1) دليل كمال الإيمان، وحسن الإسلام.
(2) السّلامة من العطب في المال، والنّفس، والعرض.
(3) دليل حسن الخلق، وطهارة النّفس.
(4) يثمر محبّة الله، ثمّ محبّة النّاس.
(5) يهيّأ المجتمع الصّالح، والنّشء الصّالح.
(6) الفوز بالجنّة، والنّجاة من النّار.
__________
(1) حجاه: عقله.
(2) الآداب الشرعية (1/ 38) .
(3) وكائن: وكثيرا ما ترى.
(4) انظر: أدب الدنيا والدين للماوردي (85) .
(5) حصاة: العقل والرزانة.
(6) أدب الدنيا والدين للماوردي (87) .
(7) المرجع السابق (87) .
(8) مساويه: عيوبه.
(9) حسن السمت في الصمت للسيوطي رقم (120) (ص 49، 50) .
(10) العييّ: العاجز عن الكلام.
(11) الآداب الشرعية (1/ 37) .
(12) إحياء علوم الدين (3/ 111) .
(13) الأذكار للنووي (ص 298) .(7/2644)
الصوم
الصوم لغة:
مصدر صام يصوم صوما وصياما، مأخوذ من مادّة (ص وم) الّتي تدلّ على «إمساك وركود في مكان» من ذلك صوم الصّائم، وهو إمساكه عن مطعمه ومشربه وسائر ما منعه، ويكون الإمساك عن الكلام صوما، قال أهل اللّغة في قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (مريم/ 26) : إنّه الإمساك عن الكلام أي الصّمت، وأمّا الرّكود فيقال للقائم صائم.
والصّوم أيضا: ركود الرّيح، والصّوم: استواء الشّمس انتصاف النّهار كأنّها ركدت عند تدويمها «1» ، وكذلك يقال صام النّهار.
وقال ابن منظور: الصّوم ترك الطّعام والشّراب والنّكاح والكلام.
وفي الحديث قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى «كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّوم فإنّه لي» قال أبو عبيد:
إنّما خصّ الله تبارك وتعالى الصّوم بأنّه له وهو يجزي به، وإن كانت أعمال البرّ كلّها له وهو يجزي بها؛ لأنّ الصّوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فتكتبه الحفظة، إنّما هو نيّة في القلب وإمساك عن حركة المطعم والمشرب.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
8/ 69/ 7
ورجل صوّام قوّام إذا كان يصوم النّهار ويقوم اللّيل. ورجال ونساء صوّم وصيّم وصوّام وصيّام «2» .
وقد جمع المناويّ بين المعاني المختلفة للفظ الصّوم عندما قال:
الصّوم: الثّبات على تماسك عمّا من شأن الشّيء أن يتصرّف فيه، ويكون شأنه كالشّمس في وسط السّماء. يقال: صامت الشّمس إذا لم تظهر لها حركة لصعود ولا نزول الّتي هي شأنها، وصامت الخيل إذا لم تزل راكضة غير مركوبة، وصام الإنسان إذا تماسك عمّا من شأنه فعله من حفظ بدنه بالتّغذّي وحفظ نسله بالنّكاح، وفي الصّوم خلاء عن الطّعام، وانصراف عن حال الأنعام، وانقطاع شهوة الفرج، وسلامة الإعراض عن الاشتغال بالدّنيا، والتّوجّه إلى الله، والعكوف في بيته ليحصل بذلك ينبوع الحكمة من القلب «3» .
واصطلاحا:
هو الإمساك عن الأكل والشّرب والجماع وسائر المفطرات يوما كاملا بنيّة الصّيام من طلوع الفجر الصّادق إلى غروب الشّمس.
وقيل: هو إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة.
__________
(1) تدويمها: دورانها.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 323) ، ولسان العرب لابن منظور (12/ 350- 351) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (220) .(7/2645)
وقال الجرجانيّ: الصّوم في الشّرع عبارة عن إمساك مخصوص وهو الإمساك عن الأكل والشّرب والجماع من الصّبح إلى المغرب مع النّيّة «1» .
حقيقة الصوم:
قال ابن القيّم- رحمه الله- (في الصّوم) : هو لجام المتّقين، وجنّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرّبين، وهو لربّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصّائم لا يفعل شيئا، وإنّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النّفس وتلذّذاتها؛ إيثارا لمحبّة الله ومرضاته، وهو سرّ بين العبد وربّه لا يطّلع عليه سواه، والعباد قد يطّلعون منه
على ترك المفطرات الظّاهرة، وأمّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطّلع عليه بشر، وتلك حقيقة الصّوم.
وللصّوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظّاهرة، والقوى الباطنة، وحمايتها من التّخليط الجالب لها الموادّ الفاسدة الّتي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ الموادّ الرّديئة المانعة لها من صحّتها، فالصّوم يحفظ على القلب والجوارح صحّتها، ويعيد إليها ما استلبته «2» منها أيدي الشّهوات، فهو من أكبر العون على التّقوى، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 183) «3» .
مراتب الصوم:
وللصّوم ثلاث مراتب: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. فأمّا صوم العموم فهو: كفّ «4» البطن والفرج عن قضاء الشّهوة.
وأمّا صوم الخصوص: فهو كفّ النّظر، واللّسان، واليد، والرّجل، والسّمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام.
وأمّا صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم «5» الدّنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفّه عمّا سوى الله تعالى بالكلّيّة «6» .
وأفضل صوم التّطوّع: صوم داود- عليه السّلام- كان يصوم يوما ويفطر يوما. ومن أسرار ذلك النّوع من الصّيام: أنّ النّفس تعطى يوم الفطر حظّها، وتستوفي في يوم الصّوم تعبّدها، وفي ذلك جمع بين مالها وما عليها. وهو العدل.
وإنّما سمّي الصّيام صبرا؛ لأنّ الصّبر في كلام العرب الحبس، والصّائم يحبس نفسه عن أشياء جعل الله تعالى قوام بدنه بها.
وقال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ في الصّوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى الله- عزّ وجلّ- حيث يقول سبحانه في الحديث القدسيّ:
«الصّوم لي وأنا أجزي به» . وكفى بهذه الإضافة شرفا
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (ص 44) ، والتعريفات للجرجاني (141) ، وانظر في شرح هذا التعريف الأخير كشاف اصطلاحات الفنون (4/ 269) .
(2) استلبته: أخذته قهرا.
(3) زاد المعاد (2/ 29) .
(4) كفّ: أي منع.
(5) الهمم: جمع همة وهي ما هم به من أمر ليفعل.
(6) مختصر منهاج القاصدين (44)(7/2646)
كما شرّف البيت بإضافته إليه في قوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ (الحج/ 26) وإنّما فضّل الصّوم لمعنيين:
أحدهما: أنّه سرّ وعمل باطن، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء.
الثّاني: أنّه قهر لعدوّ الله؛ لأنّ وسيلة العدوّ الشّهوات، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب وما دامت أرض الشّهوات مخصبة، فالشّياطين يتردّدون إلى ذلك المرعى، وبترك الشّهوات تضيق عليهم المسالك «1» .
قال الحليميّ- رحمه الله-: إنّ جماع العبادات فعل أشياء وكفّ عن أشياء، والصّوم يقمع الشّهوات فيتيسّر به الكفّ عن المحارم وهو شطر الصّبر، لأنّه صبر عن الشّهوات، ويبقى وراءه الصّبر على المشاقّ، وهو تكلّف الأفعال المأمور بها. فهما صبران: صبر عن أشياء، وصبر على أشياء. والصّوم معين على أحدهما، فهو إذا نصف الصّبر «2» .
حكم الصوم:
صوم رمضان واجب بالكتاب والسّنّة «3» والإجماع «4» ، أمّا الصّوم في غير رمضان فينقسم إلى قسمين:
الأوّل: صوم الكفّارات والنّذور.
الثّاني: صوم التّطوّع.
وحكم الأوّل الوجوب «5» ، أمّا الثّاني فحكمه النّدب ما لم يواصل الصّوم «6» .
أنواع صوم التّطوّع:
لصيام التّطوّع أنواع عديدة منها:
1- صيام ستّة أيّام من شوّال (انظر الحديث رقم 57) .
2- صيام تسع من ذي الحجّة، ويتأكّد صوم يوم عرفة لغير الحاجّ (انظر في فضل صوم يوم عرفة:
الحديث رقم 6) .
3- صيام يوم عاشوراء ويوم قبله، أو يوم بعده (انظر الأحاديث: 2، 6، 12) .
4- صيام أكثر شهر شعبان (انظر الحديث رقم 69) .
5- صيام يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع (انظر الحديثين: 25، 48) .
6- صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر (انظر الأحاديث:
13، 14، 23) .
7- صيام يوم وإفطار يوم (انظر الحديثين: 6، 14) .
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز الفطر لمن صام متطوّعا واستحبّوا له قضاء ذلك اليوم «7» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان- الصبر والمصابرة- العبادة- الطاعة- العبادة- التقوى- تعظيم الحرمات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الضلال- العصيان- الفسوق- انتهاك الحرمات- التهاون] .
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (44، 45) .
(2) المرجع السابق نفسه (44، 45) .
(3) انظر الآيات المذكورة (ص 2648) تحت الرقم (1) ، والحديث رقم (4) ص (2651) ، والحديث رقم (20) ص (2654) .
(4) يقول الشيخ سيد سابق (فقه السنة 1/ 366) : أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان وأنه أحد أركان الإسلام التي علمت من الدين بالضرورة ومنكره كافر.
(5) انظر تفصيل ذلك في مظانه من كتب الفقه.
(6) انظر الحديث رقم (67) .
(7) انظر في تفصيل ذلك: فقه السنة للشيخ سيد سابق (1/ 380- 384) .(7/2647)
الآيات الواردة في «الصوم»
صيام الفريضة:
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «1»
صيام الكفارات:
2- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «2»
__________
(1) البقرة: 183- 187 مدنية
(2) البقرة: 196 مدنية(7/2648)
3- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «1»
4- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «2»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «3» .
6- وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4) «4»
جزاء الصائمين:
7- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «5»
صيام السابقين:
8- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19)
__________
(1) النساء: 92 مدنية
(2) المائدة: 89 مدنية
(3) المائدة: 95 مدنية
(4) المجادلة: 3- 4 مدنية
(5) الأحزاب: 35 مدنية(7/2649)
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22)
فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23)
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) «1»
__________
(1) مريم: 16- 26 مكية(7/2650)
الأحاديث الواردة في (الصوم)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«كان أحبّ الشّهور إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يصومه شعبان ثمّ يصله برمضان» ) * «1» .
2-* (عن الرّبيّع بنت معوّذ- رضي الله عنها- قالت: أرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتمّ بقيّة يومه، ومن أصبح صائما فليصم، قالت: فكنّا نصومه بعد ونصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللّعبة من العهن «2» ، فإذا بكى أحدهم على الطّعام أعطيناه ذلك حتّى يكون عند الإفطار» ) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» ، قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «5» .
5-* (عن أمّ هانئ- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثمّ ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله أما إنّي كنت صائمة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّائم المتطوّع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر» ) * «6» .
6-* (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن صومه، قال:
فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عمر- رضي الله عنه-:
رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا وببيعتنا بيعة. قال فسئل عن صيام الدّهر؟ فقال: «لا صام ولا أفطر- أو ما صام وما أفطر» قال: فسئل عن صيام يومين وإفطار يوم؟ قال: «ومن يطيق «7» ذلك؟» قال: وسئل عن صيام يوم وإفطار يومين؟
قال: «ليت أنّ الله قوّانا لذلك» . وقال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: «ذاك صوم أخي داود- عليه السّلام-» . قال وسئل عن صوم يوم الاثنين،
__________
(1) أبو داود (2431) ، والنسائي (4/ 199) ، وصححه الألباني، صحيح النسائي (2214) ، والبيهقي في السنن (4/ 483) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (6/ 330) وقال محققه: إسناده حسن.
(2) العهن: الصوف المصبوغ.
(3) البخاري- الفتح 4 (1960) واللفظ له. ومسلم (1136) .
(4) مسلم (1163) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1397) ، ومسلم (14) واللفظ له.
(6) الترمذي (732) واللفظ له، والبغوي (6/ 372) ، وفي صحيح سنن الترمذي للألباني (585) .
(7) يطيق: يتحمّل.(7/2651)
قال: «ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت (أو أنزل عليّ فيه) » . قال: فقال: «صوم ثلاثة من كلّ شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدّهر» ، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفّر السّنة الماضية والباقية» ، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «يكفّر السّنة الماضية» ) * «1» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى مكّة في رمضان فصام، حتّى بلغ الكديد «2» أفطر، فأفطر النّاس) * «3» .
8-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له (أو قال لرجل وهو يسمع) : «يا فلان» : «أصمت من سرّة «4» هذا الشّهر» ؟
قال: لا. قال: «فإذا أفطرت فصم يومين» ) * «5» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: ... الحديث وفيه: «فو الّذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشدّ منا شدة لله، في استقصاء الحقّ «6» ، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار.
يقولون: ربّنا! كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم ... » الحديث) * «7» .
10-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه-: أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
يا رسول الله! ذهب أهل الدّثور «8» بالأجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أوليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟
إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع «9» أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «10» .
11-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ العمل أفضل؟
قال: «عليك بالصّوم فإنّه لا عدل «11» له» ) * «12» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: ما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صام يوما يطلب فضله على الأيّام إلّا هذا اليوم، ولا شهرا إلّا هذا الشّهر يعني
__________
(1) مسلم (1162) .
(2) الكديد: ماء بين عسفان وقديد.
(3) البخاري- الفتح 4 (1944) .
(4) سرة هذا الشهر: سرّته وسطه؛ لأن السرة وسط قامة الإنسان.
(5) مسلم (1161) واللفظ له، وأحمد (4/ 428) .
(6) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.
(7) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (183) واللفظ له
(8) الدثور: المال الكثير.
(9) بضع: هو الزواج والفرج.
(10) مسلم (1006) .
(11) العدل: بكسر العين هو المثل والنظير.
(12) النسائي (4/ 165) واللفظ له، وقال محقق جامع. الأصول (9/ 456) : إسناده صحيح، كما أخرجه ابن خزيمة (3/ 1893) وهو في الصحيحة للألباني (1937) .(7/2652)
رمضان» ) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث: «صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وركعتي الضّحى، وأن أوتر قبل أن أنام» ) * «2» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه يقول:
لأقومنّ اللّيل ولأصومنّ النّهار، ما عشت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول ذلك» ؟ فقلت له:
قد قلته يا رسول الله! قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشّهر ثلاثة أيّام، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدّهر. قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك.
قال: «صم يوما وأفطر يومين» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله! قال: «صم يوما وأفطر يوما. وذلك صيام داود- عليه السّلام- وهو أعدل الصّيام» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أفضل من ذلك» ) * «3» .
15-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل اللّيل من هاهنا «4» وأدبر النّهار من هاهنا، وغربت الشّمس، فقد أفطر الصّائم» ) * «5» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصلّ «6» » ) * «7» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ «8» عليكم فصوموا ثلاثين يوما» ) * «9» .
18-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ في الجنّة بابا يقال له الرّيّان، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصّائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد» ) * «10» .
19-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2006) ، ومسلم (1132) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 4 (1981) واللفظ له. ومسلم (721) .
(3) البخاري- الفتح 4 (1976) . ومسلم (1159) .
(4) إذا أقبل الليل من هاهنا: أي من جهة المشرق والمراد وجود الظلام حسّا.
(5) البخاري- الفتح 4 (1954) واللفظ له. ومسلم (1100) .
(6) معنى فليصل: أي فليدعو لصاحب الطعام.
(7) مسلم (1150) ، والترمذي (780) وصححه الألباني صحيح الألباني (626) . وعند مسلم بلفظ «إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم» - مسلم (1150) .
(8) غمّ: غم عليه الهلال أي حال دون رؤيته غيم.
(9) البخاري- الفتح 4 (1900) . ومسلم (1081) واللفظ له.
(10) البخاري الفتح 4 (1896) ، ومسلم (1152) واللفظ له.(7/2653)
يعلموا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشّرف «1» ، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق «2» .
فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآموركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في إثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه «3» منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله.
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ:
السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة «4» الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «5» جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «6» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» ) * «7» .
21-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد «8» ليدرك درجة الصّوّام القوّام بايات الله- عزّ وجلّ- لكرم ضريبته وحسن خلقه» ) * «9» .
__________
(1) الشّرف: جمع شرفة: أعلى الشيء وهي أيضا بناء خارج من البيت يستشرف منه على ما حوله.
(2) الورق: الفضة.
(3) فأحرز: فحفظ نفسه منهم.
(4) ربقة: واحدة الرّبق: وهو حبل ذو عرى أو ذو حلق لربط الدواب.
(5) جثا جهنم: يقال بالحاء المهملة من حثا: إذا عرف وضم، ويقال بالجيم من جثا: جمع جثوة وهي الجماعة المحكوم عليهم بالنار.
(6) الترمذي (2863) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة (3/ 195) وقال محققه: إسناده صحيح. وأحمد (4/ 202) ، وابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) .
(7) النسائي (4/ 158) واللفظ له، وأحمد (1/ 191) ، عن عبد الرحمن بن عوف وقال الشيخ شاكر (3/ 127) برقم (1660) : إسناده صحيح، وجامع الأصول (9/ 440) وقال محققه: حسن بشواهده.
(8) المسدّد: المستقيم الصحيح.
(9) أحمد في المسند (2/ 220) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (8/ 22) . وصححه الألباني في الصحيحة (522) .(7/2654)
22-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان» ) * «1» .
23-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
بينا أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أتته امرأة، فقالت: إنّي تصدّقت على أمّي بجارية وإنّها ماتت.
قال: فقال: «وجب أجرك وردّها عليك الميراث» .
قالت: يا رسول الله! إنّه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟. قال: «صومي عنها» . قالت: إنّها لم تحجّ قطّ، أفأحجّ عنها؟. قال: «حجّي عنها» ) * «2» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «مالك؟» قال:
وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» . قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستّين مسكينا؟. قال: لا. قال: فمكث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فبينما نحن على ذلك أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق «3» فيها تمر، قال: «أين السّائل؟» . فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدّق به» . فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها (يريد الحرّتين) «4» أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه، ثمّ قال: «أطعمه أهلك» ) * «5» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم» ) * «6» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم.
الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ: وعزّتي، لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «7» .
27-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط «8» إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟. أما والله! إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (8) واللفظ له، ومسلم (16) .
(2) مسلم (1149) .
(3) العرق: هو زنبيل منسوج من نسائج الخوص وكل شيء مضفور فهو عرق.
(4) الحرّة: هي الأرض ذات الحجارة السود.
(5) البخاري- الفتح 4 (1936) واللفظ له، ومسلم (1111) .
(6) الترمذي (747) واللفظ له، وصححه الألباني.
(7) الترمذي (3598) ، وقال: حديث حسن، والبغوي في شرح السنة (6/ 354) وقال محققه: حديث حسن غريب.
(8) الرّهط: الجماعة من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة.(7/2655)
أصوم وأفطر وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «1» .
28-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال:
«نعم، فدين الله أحقّ أن يقضى» ) * «2» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم اللّيل الصّائم النّهار» ) * «3» .
30-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلميّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الصّيام في السّفر؟. فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» ) * «4» .
31-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال: «اتّقوا الله، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «5» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «شهر الصّبر وثلاثة أيّام من كلّ شهر صوم الدّهر» ) * «6» .
33-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدّهر، وأيّام البيض صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة» ) * «7» .
34-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صيام يوم عرفة، إنّي أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده» ) * «8» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «الصّوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحّون» ) * «9» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الصّيام جنّد، وحصن حصين من النّار» ) * «10» .
37-* (عن عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الصّيام جنّة من النّار كجنّة أحدكم من القتال» قال: «وصيام
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له، ومسلم (1401) .
(2) البخاري- الفتح 4 (1953) واللفظ له، ومسلم (1148) .
(3) البخاري- الفتح 9 (5353) .
(4) البخاري- الفتح 4 (1943) ، ومسلم (1121) واللفظ له.
(5) الترمذي (616) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (1955) ، وأحمد (5/ 251) .
(6) النسائي (4/ 218) واللفظ له، وأحمد (2/ 263) وقال الشيخ أحمد شاكر (14/ 12) حديث رقم (7567) : إسناده صحيح.
(7) النسائي (4/ 221) واللفظ له، وقال محقق جامع. الأصول (6/ 329) : حديث حسن.
(8) الترمذي (749) وقال: حديث حسن. وهو جزء من حديث طويل رواه مسلم (1162) .
(9) أبو داود (2322) . والترمذي (697) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (6/ 277) : حديث حسن.
(10) أحمد في المسند (2/ 402) واللفظ له، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 172) وقال محققه: إسناده حسن، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 83) وقال: رواه أحمد بإسناده حسن.(7/2656)
حسن صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر» ) * «1» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّاعم الشّاكر بمنزلة الصّائم الصّابر» ) * «2» .
39-* (عن رجل من بني سليم قال:
عدّهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يدي، أو في يده. «التّسبيح نصف الميزان، والحمد يملأه، والتّكبير يملأ ما بين السّماء والأرض، والصّوم نصف الصّبر، والطّهور نصف الإيمان» ) * «3» .
40-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر» ) * «4» .
41-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال عمر- رضي الله عنه-: من يحفظ حديثا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟. قال حذيفة: أنا، سمعته يقول:
«فتنة الرّجل في أهله وماله وجاره، تكفّرها الصّلاة والصّيام والصّدقة ... » . قال: ليس أسأل عن هذه، إنّما أسأل عن الّتي تموج كما يموج البحر. قال: وإنّ دون ذلك بابا مغلقا. قال: فيفتح أو يكسر؟ قال: يكسر قال: ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة. فقلنا لمسروق: سله، أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله فقال: نعم، كما يعلم أنّ دون غد اللّيلة» ) * «5» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ-: (كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصّيام فإنّه لي وأنا أجزي به) ، والصّيام جنّة «6» وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث «7» ولا يصخب «8» ، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إنّي امرؤ صائم، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف «9» فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» ) * «10» .
43-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت يا رسول الله: ما عندنا شيء قال:
«فإنّي صائم» قالت: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأهديت لنا هديّة (أو جاءنا زور) «11» . قالت: فلمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله أهديت لنا هديّة (أو جاءنا زور) وقد خبّأت لك شيئا. قال: «ما هو؟»
__________
(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 1891) وقال محققه: إسناده حسن.
(2) الترمذي (2468) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، وصحيح سنن الترمذي، للألباني (2021) ، وأحمد في المسند (7793) وقال محققه: إسناده صحيح.
(3) الترمذي (3519) واللفظ له وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (9/ 558) : إسناده حسن.
(4) مسلم (1096) .
(5) البخاري- الفتح 4 (1895) .
(6) جنة: سترة ووقاية ومانع من الآثام.
(7) الرفث: السخف وفاحش الكلام.
(8) الصخب: الصياح.
(9) لخلوف: الخلوف تغير رائحة الفم.
(10) البخاري- الفتح 4 (1904) واللفظ له، ومسلم (1151) .
(11) أو جاءنا زور: الزور الزوار. ويقع الزور على الواحد والجماعة القليلة والكثيرة. وقولها: جاءنا زور وقد خبأت لك: معناه جاءنا زائرون ومعهم هدية فخبأت لك منها. أو يكون معناه: جاءنا زور فأهدي لنا بسببهم هدية، فخبأت لك منها.(7/2657)
قلت: حيس «1» . قال: «هاتيه» فجئت به فأكل، ثمّ قال: «قد كنت أصبحت صائما» ) * «2» .
44-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء. فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. قال: «فأنا أحقّ بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه» ) * «3» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله- عزّ وجلّ-؟ قال: «لا تستطيعونه» . قال: فأعادوا عليه مرّتين أو ثلاثا. كلّ ذلك يقول: «لا تستطيعونه» .
وقال في الثّالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصّائم القائم القانت بايات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتّى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى» ) * «4» .
46-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه. فقال: «ما له؟» .
قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «5» .
47-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل إحدى نسائه وهو صائم. ثمّ تضحك» .
وفي لفظ: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنّه أملككم لإربه «6» » ) * «7» .
48-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتحرّى صوم الاثنين والخميس» ) * «8» .
49-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهليّة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصومه. فلمّا هاجر إلى المدينة، صامه، وأمر بصيامه، فلمّا فرض شهر رمضان. قال: «من شاء صامه، ومن شاء تركه» ) * «9» .
50-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شبابا لا نجد شيئا، فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة «10» فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء «11» » ) * «12» .
__________
(1) حيس: الحيس هو التمر مع السمن والأقط. وقال الهروي: يريده من أخلاط. والأول هو المشهور.
(2) مسلم (1154) .
(3) البخاري- الفتح 4 (2004) واللفظ له. ومسلم (1130) .
(4) مسلم (1878) .
(5) البخاري- الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له.
(6) إربه: أي حاجته والإربة: البغية في النساء.
(7) البخاري- الفتح 4 (1928) . ومسلم (1106) واللفظ له.
(8) الترمذي (745) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (595) .
(9) البخاري- الفتح 4 (2002) . ومسلم (1125) واللفظ له.
(10) الباءة: مؤن النكاح، وقيل: التزوج.
(11) وجاء: الوجاء هو رض الخصيتين: والمراد أن الصوم يقطع الشهوة ويخفف من حدتها.
(12) البخاري- الفتح 9 (5066) واللفظ له، ومسلم (1400) .(7/2658)
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلّا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» ) * «1» .
52-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلّا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النّار سبعين خريفا» ) * «2» .
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصّلاة، وصام رمضان. كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبّأ النّاس بذلك؟
قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كلّ درجتين ما بينهما كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة وفوقه عرش الرّحمن، منه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «3» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم اليوم صائما» ؟
قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة» ؟ قال أبو بكر- رضي الله عنه-:
أنا. قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» . قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟» . قال أبو بكر- رضي الله عنه-: أنا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمعن في امرئ إلّا دخل الجنّة» ) * «4» .
55-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله! ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «5» ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» ) * «6» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «7» .
57-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان، ثمّ أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر» ) * «8» .
58-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فطّر صائما
__________
(1) الترمذي (743) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (593) .
(2) البخاري- الفتح 6 (2840) ، ومسلم (1153) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 13 (7423) .
(4) مسلم (1028) .
(5) من ضرورة: أي من ضرر.
(6) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له. ومسلم (1027) .
(7) البخاري- الفتح 1 (38) . ومسلم (760) واللفظ له.
(8) مسلم (1164) .(7/2659)
كان له مثل أجره، غير أنّه لا ينقص من أجر الصّائم شيئا» ) * «1» .
59-* (عن حفصة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لم يجمع «2» الصّيام قبل الفجر فلا صيام له» ) * «3» .
60-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليّه» ) * «4» .
61-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنّما أطعمه الله وسقاه» ) * «5» .
62-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّه قيل لها: أكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟
قالت نعم. فقلت لها: من أيّ أيّام الشّهر كان يصوم؟
قالت: لم يكن يبالي من أيّ أيّام الشّهر يصوم) * «6» .
63-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لستّ عشرة مضت من رمضان، فمنّا من صام، ومنّا من أفطر، فلم يعب الصّائم على المفطر، ولا المفطر على الصّائم» ) * «7» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الصوم)
64-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أمّ سليم، فأتته بتمرو سمن، قال: «أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه فإنّي صائم» . ثمّ قام إلى ناحية من البيت فصلّى غير المكتوبة، فدعا لأمّ سليم وأهل بيتها. فقالت أمّ سليم:
يا رسول الله إنّ لي خويصة «8» . قال: «ما هي» ؟ قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة، ولا دنيا إلّا دعا لي به: «اللهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له» ، فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا. وحدّثتني ابنتي أمينة أنّه دفن لصلبي مقدم الحجّاج البصرة بضع وعشرون ومائة «9» ) * «10» .
65-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) الترمذي (807) ، وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» : وهو كما قال، والبغوي في شرح السنة (6/ 377) .
(2) يجمع: أي يبيت. والمعنى أن من لم يبيت النية لصيام الفريضة فلا صيام له.
(3) الترمذي (730) واللفظ له. وأبو داود (2454) . وقال محقق جامع الأصول (6/ 285) : إسناده صحيح.
(4) البخاري- الفتح 4 (1952) . ومسلم (1147) . متفق عليه.
(5) البخاري- الفتح 4 (1933) . ومسلم (1155) واللفظ له.
(6) مسلم (1160) .
(7) مسلم (1116) .
(8) خويصة: تصغير خاصة وهي ما يختص بالشيء دون غيره.
(9) المراد أنه دفن من أبنائه وحفدته حتى زمن الحجاج ما يزيد على مائة وعشرين، فما بالك بمن بقي منهم؟ وهذا يدل على إجابة المولى- عز وجل- لدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنس.
(10) البخاري- الفتح 4 (1982) .(7/2660)
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم يعني من غرّة «1» كلّ شهر ثلاثة أيّام» ) * «2» .
66-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل العشر شدّ مئزره «3» وأحيا ليله «4» وأيقظ أهله» ) * «5» .
67-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والوصال «6» » .
قالوا: فإنّك تواصل، يا رسول الله! قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي، إنّي أبيت يطعمني ربّي ويسقيني.
فاكلفوا «7» من العمل ما تطيقون» ) * «8» .
68-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان في حرّ شديد حتّى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله ابن رواحة) * «9» .
69-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتّى نقول لا يفطر، ويفطر حتّى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استكمل صيام شهر قطّ إلّا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان» ) * «10» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الصوم)
1-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
«ليس الصّيام من الطّعام والشّراب، ولكن من الكذب والباطل واللّغو» ) * «11» .
2-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما:
«إنّ عرى «12» الدّين وقوامه الصّلاة والزّكاة لا يفرّق بينهما، وحجّ البيت وصيام رمضان، وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والصّيام» ) * «13» .
3-* (قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والماثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صيامك وفطرك سواء» ) * «14» .
__________
(1) غرّة: الغرّة من الشهر ليلة استهلال القمر، والغرة من كل شيء: أوله وأكرمه.
(2) أبو داود (2450) واللفظ له والترمذي (742) وقال محقق جامع الأصول (6/ 341) : إسناده حسن.
(3) شد مئزره: استعد للعبادة وشمر لها. وقيل: اعتزل النساء.
(4) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر.
(5) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) .
(6) الوصال: هو صوم يومين فصاعدا من غير أكل وشرب بينهما
(7) اكلفوا: أي تحمّلوا من العمل ما تستطيعون الوفاء به أو ما تقدرون عليه.
(8) البخاري- الفتح 4 (1966) . ومسلم (1103) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 4 (1945) . ومسلم (1122) واللفظ له.
(10) البخاري- الفتح 4 (1969) . ومسلم (1156) واللفظ له.
(11) المصنف لابن أبي شيبة (2/ 422) .
(12) عرى: جمع عروة وهي ما يستمسك به ويعتصم.
(13) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 46) .
(14) البخاري- الفتح 4 (1947) ، ومسلم (1116) واللفظ له.(7/2661)
4-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
«إذا صمت فتحفّظ ما استطعت» ) * «1» .
5-* (عن الضّحّاك- رحمه الله- قال:
«كان الصّوم الأوّل صامه نوح فمن دونه، حتّى صامه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان صومه من شهر ثلاثة أيّام إلى العشاء، هكذا صامه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه» ) * «2» .
6-* (قال البغويّ- رحمه الله- في قوله تعالى الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ (التوبة/ 112) :
السّائحون هم الصّائمون. وسمّي الصّائم سائحا لأنّ الّذي يسيح في الأرض متعبّدا لا يكون له زاد فحين يجد يطعم، فالصّائم كذلك يمضي نهاره لا يطعم شيئا» ) * «3» .
7-* (قال البغويّ- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (البقرة/ 153) : أي بالصّوم، وسمّي شهر رمضان شهر الصّبر، وأصل الصّبر الحبس، ففي الصّوم حبس النّفس عن المطاعم وبعض اللّذّات» ) * «4» .
من فوائد (الصوم)
(1) الوعد بالبشرى والفوز بالجنّة.
(2) طهرة للنّفس ووقاية للبدن.
(3) يثمر محبّة الله وطاعته.
(4) يهذّب الطّباع ويكبح جماح النّفس.
(5) دليل صلاح العبد واستقامته.
(6) صمام أمن من الوقوع في المحرّمات.
(7) يورث الخشية من الله- عزّ وجلّ-.
(8) يثمر مراقبة الله- عزّ وجلّ- في السّرّ.
(9) ينزّه الإنسان عن مشابهة بقيّة المخلوقات.
(10) فيه ناحية صحّيّة فالمعدة بيت الدّاء والحمية (أي الجوع) رأس الدّواء.
(11) فيه حرب على الشّيطان.
(12) فيه إحساس بألم الفقير والمريض الممنوع من الطّعام.
__________
(1) المصنف لابن أبي شيبة (2/ 421) .
(2) تفسير ابن كثير (1/ 214) ، والدر المنثور، للسيوطي (2/ 430) .
(3) شرح السنة، للبغوي (6/ 219) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(7/2662)
[حرف الضاد]
الضراعة والتّضرّع
الضراعة لغة:
مصدر قولهم: ضرع يضرع ضراعة وذلك مأخوذ من مادة (ض ر ع) الّتي تدلّ على لين في الشّيء، ومن هذا الباب ضرع الشّاة، سمّي بذلك لما فيه من لين فأمّا المضارعة فهي التشّابه بين الشّيئين وكأنّهما ارتضعا من ضرع واحد، والنّحويّون يقولون للفعل المستقبل: مضارع لمشاكلته الأسماء فيما يلحقها من الإعراب.
يقال: ضرع فلان لفلان وضرع له، إذا ما تخشّع له وسأله أن يعطيه.
ويقال: ضرع الرّجل ضراعة أي خضع وذلّ، وأضرعه غيره، وفي المثل: إنّ الحمّى أضرعتني لك والضّرع: الضّعيف، وإنّ فلانا لضارع الجسم أي نحيف ضعيف، وتضرّع فلان إلى الله أي ابتهل قال الفرّاء: يقال: جاء فلان يتضرّع ويتعرّض بمعنى إذا جاء يطلب إليك حاجة.
وقال ابن منظور: ضرع إليه يضرع ضرعا وضراعة: خضع وذلّ فهو ضارع من قوم ضرعة وضروع، وتضرّع: تذلّل وتخشّع وقول الله- عزّ وجلّ- فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا (الأنعام/ 43) معناه: تذلّلوا وخضعوا ويقال: ضرع له واستضرع
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 13/ 3
(بمعنى) والضّارع المتذللّ للغنيّ، وأضرعت له مالي أي بذلته له، وقوله- عزّ وجلّ- تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأنعام/ 63) المعنى: تدعونه مظهرين الضّراعة وهي شدّة الفقر والحاجة إلى الله- عزّ وجلّ- وفي حديث الاستسقاء «خرج متبذّلا متضرّعا» ، التّضرّع: التّذلّل والمبالغة في السّؤال والرّغبة، وقال الرّاغب: التّضرّع:
إظهار الضّراعة وقوله سبحانه: لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (الأعراف/ 94) أي يتضرّعون فأدغم. قال صاحب البصائر: معناه يتذلّلون في دعائهم إيّاه والدّعاء تضرّع؛ لأنّ فيه تذلّل الرّاغبين، قال: وقوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً (الأعراف/ 55) أي مظهرين الضّراعة وهي شدّة الفقر إلى الله تعالى وحقيقته الخشوع «1» .
الضراعة اصطلاحا:
قال المناويّ: الضّراعة: الخضوع والتّذلّل.
التّضرّع: أن تدعو الله- عزّ وجلّ- بضراعة «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: التوسل- الابتهال- الإخبات- الإنابة- الدعاء- الذكر- الخوف- الخشية- الرجاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغرور- الكبر والعجب- العصيان- القنوط- الغافلة- اليأس- اتباع الهوى] .
__________
(1) المقاييس (3/ 396) ، تهذيب اللغة للأزهري (1/ 470) ، والصحاح (3/ 1249) ، ولسان العرب «ضرع» (2580) ط، دار المعارف، والمفردات للراغب (295) ، وبصائر ذوي التمييز (3/ 473) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (222) .(7/2663)
الآيات الواردة في «الضراعة والتضرع»
التّضرع على سبيل الأمر والتوجيه:
1- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) «1»
2- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) «2»
التّضرع ثمرة الأخذ بالبأساء والضراء:
3- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40)
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) «3»
4-* وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «4»
__________
(1) الأعراف: 55 مكية
(2) الأعراف: 205 مكية.
(3) الأنعام: 40- 45 مكية
(4) الأنعام: 59- 64 مكية(7/2664)
5- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96)
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97)
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) «1»
6- وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74)
* وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76)
حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) «2»
__________
(1) الأعراف: 94- 99 مكية
(2) المؤمنون: 74- 77 مكية(7/2665)
الأحاديث الواردة في (الضراعة والتضرع)
1-* (عن الفضل بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة مثنى مثنى، تشهّد في كلّ ركعتين وتخشّع، وتضرّع، وتمسكن، وتذرّع «1» وتقنع «2» يديك- يقول: ترفعهما إلى ربّك مستقبلا ببطونهما وجهك- وتقول: يا ربّ يا ربّ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا» ) * «3» .
2-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبا» ، قلت: «لا يا ربّ، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. وقال ثلاثا أو نحو هذا- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (الضراعة والتضرع) معنى
3-* (عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «5» من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها «6» على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل، وهي ترضعه حتّى وضعها عند البيت عند دوحة «7» فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء؟!، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها.
فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «8» ، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ. حتّى بلغ يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . الحديث؛ وفيه: ثمّ قال: «يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة
__________
(1) تذرّع: تتوسل.
(2) تقنع: أي تمدّ يديك مسترحما ربك.
(3) الترمذي (385) واللفظ له، وانظر كلام أحمد شاكر تعليقا عليه (2/ 227) ، وأبو داود (1296) من حديث المطلب ابن ربيعة، وابن ماجة (1325) نحوه. وأحمد (1/ 211) وقد صححه الشيخ أحمد شاكر وبالغ في الرد على من ضعفه.
(4) الترمذي (2347) واللفظ له وقال: حسن، وأحمد (5/ 254) ، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وقال مخرجه (10/ 137) : إسناده حسن.
(5) المنطق: ما يشد به الوسط (الحزام) .
(6) تعفي أثرها: تزيله وتمحوه.
(7) الدّوحة: الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة.
(8) الثّنيّة: الطريق في الجبل.(7/2666)
على ما حولها- قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يا بني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يا بني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) . قال: فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127)) * «1» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له:
اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق، فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت «2» عنهم الصّخرة.
فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون «3» من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها. فقالت: اتّق الله، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّيا نار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «4» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أيّها النّاس! إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء فقمن «5» أن يستجاب لكم» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3364) .
(2) انساخت عنهم الصخرة: أي انشقت.
(3) يتضاغون: أي يصيحون ببكاء.
(4) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) .
(5) قمن: بفتح الميم وكسره- لغتان مشهورتان ومعناه: حقيق وجدير.
(6) مسلم (479) .(7/2667)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الضراعة والتضرع)
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أفاض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من آخر يومه حين صلّى الظّهر، ثمّ رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيّام التّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشّمس، كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة، ويقف عند الأولى والثّانية، فيطيل القيام ويتضرّع ويرمي الثّالثة، ولا يقف عندها) * «1» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا، حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد) * «2» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات.
اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم «3» » . فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» ) * «4» .
9-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا كان يوم بدر، قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم القبلة، ثمّ مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثمّ قال: «اللهمّ أين ما وعدتني، اللهمّ أنجز ما وعدتني، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا» ، قال: فما زال يستغيث ربّه- عزّ وجلّ- ويدعوه حتّى سقط رداؤه: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّه، ثمّ التزمه من ورائه، ثمّ قال: يا نبيّ الله، كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (الأنفال/ 9) فلمّا كان يومئذ والتقوا، فهزم الله- عزّ وجلّ- المشركين، فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا، فاستشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر وعليّا وعمر، فقال أبو بكر: يا نبيّ الله، هؤلاء بنو العمّ والعشيرة والإخوان، فإنّي أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفّار، وعسى الله أن يهداهم فيكونون لنا عضدا «5» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى يا ابن الخطّاب؟» قال: قلت: والله ما
__________
(1) أبو داود (1973) واللفظ له، وأحمد (6/ 90) . وذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم، فتح الباري (3/ 576) ط. السلفية. ووصله أبو داود رقم (2000) ، وذكره الترمذي (920) وقال: حسن صحيح، وانظر أيضا ابن ماجة (3059) ، وأحمد (ت: الشيخ أحمد شاكر) حديث رقم (2612) وقال: إسناده حسن.
(2) الترمذي (558) واللفظ له، وقال: حسن صحيح. وأبو داود (1165) ، والنسائي (3/ 156) . وابن ماجة (1266) . وأحمد (1/ 230) . وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (6/ 192) وقال محققه:
إسناده حسن. والحديث في صلاة الاستسقاء.
(3) المغرم: الغرامة، والغرامة في المال ما يلزم أداؤه تأديبا أو تعويضا أو المغرم «الدين» .
(4) البخاري- الفتح 2 (832) . ومسلم (589) .
(5) العضد: المعين.(7/2668)
أرى ما رأى أبو بكر، ولكنّي أرى أن تمكّنني من فلان، (قريب لعمر) ، فأضرب عنقه، وتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتّى يعلم الله أنّه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم «1» وأئمّتهم، وقادتهم، فهوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء، فلمّا أن كان من الغد، قال عمر:
غدوت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو قاعد وأبو بكر، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله! أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«الّذي عرض على أصحابك من الفداء، لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة» (لشجرة قريبة) وأنزل الله- عزّ وجلّ-: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الأنفال/ 67) إلى قوله: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ (الأنفال/ 68) من الفداء، ثمّ أحلّ لهم الغنائم، فلمّا كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكسرت رباعيته وهشّمت البيضة على رأسه، وسال الدّم على وجهه، وأنزل الله تعالى: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها (آل عمران/ 165) الآية بأخذكم الفداء) * «2» .
10-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدويّ النّحل، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرّي عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنّا» ، ثمّ قال صلّى الله عليه وسلّم:
«أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهنّ دخل الجنّة، ثمّ قرأ:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (المؤمنون/ 1) حتّى ختم عشر آيات» ) * «3» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع. ثمّ قام فأطال القيام- وهو دون القيام الأوّل- ثمّ ركع فأطال الرّكوع- وهو دون الرّكوع الأوّل- ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الأولى، ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» . ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم
__________
(1) صناديدهم: الصّنديد من الناس الصّندد وهو الشديد.
(2) أحمد (1/ 30- 31) رقم (209) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 244- 245) .
(3) الترمذي (3173) واللفظ له، وأحمد (1/ 34) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 255) حديث (223) . والحاكم (1/ 535) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. والحديث ذكره ابن كثير في أول تفسير سورة المؤمنين من طريق. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 282) : وهو حديث حسن.(7/2669)
كثيرا» ) * «1» .
12-* (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السّماء، فقال: «سبحان الله العظيم» ، وإذا اجتهد في الدّعاء قال: «يا حيّ يا قيّوم» ) * «2» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العليم الحكيم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش الكريم» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الضراعة والتضرع)
1-* (عن عون بن عبد الله قال: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير «4» مكتئبا، معه شيء ينكت «5» به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له «6» صاحب مسحاة «7» ، فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه «8» . فقال: لا شيء. فقال صاحب المسحاة: أللدّنيا فإنّ الدّنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه، قال: فقال: لما فيه المسلمون.
قال: فإنّ الله سينجّيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه، وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت لدعاء «9» : اللهمّ سلّمني وسلّم منّي فتمحّلت «10» ولم تصب منه أحدا» ) * «11» .
2-* (قال يحيى الغسّانيّ- رحمه الله تعالى-:
«أصاب النّاس قحط على عهد داود- عليه السّلام- فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث:
اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (901) .
(2) الترمذي (3436) وقال: حسن غريب..
(3) البخاري- الفتح 13 (7426) . ومسلم (2730) .
(4) فتنة ابن الزبير: قتاله مع الحجاج.
(5) نكت: نكت الأرض أثر فيها بعود أو نحوه.
(6) فسنح له: عرض له.
(7) مسحاة: مجراف من الحديد.
(8) ازدراه: استصغر شأنه.
(9) فعلقت لدعاء: فاغتنمته.
(10) فتمحلت: فانكشفت الفتنة.
(11) التوكل على الله لابن أبي الدنيا (52) وقال مخرجه: إسناده صحيح.(7/2670)
وقفوا بأبوابنا، اللهمّ إنّا مساكينك، وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا، فسقوا» ) * «1» .
3-* (قال الدّاوديّ- رحمه الله تعالى-:
«على الدّاعي أن يجتهد ويلحّ ولا يقل: إن شئت، كالمستثني ولكن دعاء البائس الفقير» ) * «2» .
من فوائد (الضراعة والتضرع)
(1) تثمر إخلاص الطّلب من الله.
(2) تؤذن بضعف العبد وقوّة الرّبّ.
(3) تدلّ على دوام الصّلة بين العبد والرّبّ.
(4) تثمر النّجاة من الضّرّ والتّخفيف عند القضاء.
(5) هي سمة التّوحيد الخالص.
(6) سبيل النّجاة في الدّنيا والآخرة.
(7) التّضرّع عند نزول البأس سبيل إلي دفعه وترك التّضرّع حينئذ أمارة قسوة القلب.
(8) تضرّع قوم يونس إلى الله نفعهم وكشف عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا.
__________
(1) الأذكار، للنووي (612) .
(2) الفتح (11/ 145) .(7/2671)
[حرف الطاء]
الطاعة
الطاعة لغة:
هي الاسم من قولهم: أطاعه يطيعه طاعة، والمصدر الإطاعة، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ط وع) الّتي تدلّ على الإصحاب والانقياد، يقال: طاعه يطوعه طوعا: إذا انقاد معه ومضى لأمره، وأطاعه بمعنى طاع له، ويقال لمن وافق غيره قد طاوعه، والطّوع الانقياد وضدّه الكره، قال تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً (آل عمران/ 83) والطّاعة مثل الطّوع، لكن أكثر ما تقال في الائتمار لما أمر به والارتسام فيما رسم، يقال: طاعه يطوعه (طوعا) ، وطاوعه، يطاوعه مطاوعة، والاسم من ذلك الطّواعة والطّواعة، والوصف من ذلك:
طائع وطيّع ومطواع، ومطواعة، يقال: جاء فلان طائعا غير مكره، والجمع: طوّع وجمع المطواع مطاويع، ورجل طيّع أي طائع.
وقال ابن منظور: والطّواعية اسم لما يكون مصدرا لطاوعه أي للمطاوعة يقال: طاوعت المرأة زوجها طواعية، وقال ابن السّكّيت: طاع له وأطاعه سواء «1» ولا يقال في الأمر إلّا أطاع، وفي الحديث
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
39/ 57/ 32
الشّريف: «هوى متّبع وشحّ مطاع» هو أن يطيعه صاحبه في منع الحقوق الّتي أوجبها الله عليه في ماله، أمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، فإنّه يريد طاعة ولاة الأمر إذا أمروا بما فيه معصية كالقتل والقطع أو نحوه، وقيل معناه أنّ الطّاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بمعصية، وإنّما تصحّ الطّاعة، وتخلص مع اجتناب المعاصي، والأوّل أشبه بمعنى الحديث، وقولهم: أنا طوع يدك أي منقاد لك، وفلان طوع المكاره: إذا كان معتادا لها، وتطوّع للشّيء وتطوّعه كلاهما: حاوله، وقول الله تعالى:
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ معناه: رخّصت وسهّلت وروي عن مجاهد: طوّعت له: شجّعته أي أعانته على ذلك وأجابته إليه. قال أبو عبيد: ولا أدري أصله إلّا من الطّواعية، والاستطاعة استفعال من الطّاعة، ومعناها القدرة على الشّيء، وتطاوع للأمر، وتطوّع به وتطوّعه:
تكلّف استطاعته. وفي التّنزيل: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ (المائدة/ 30) ويقال: تطوّع لهذا الأمر حتّى تستطيعه، والتّطوّع: ما تبرّع به الشّخص من ذات نفسه ممّا لا يلزمه فرضه، كأنّهم جعلوا التفعّل هنا اسما
__________
(1) معنى عبارة ابن السكيت أن الفعل طاع يتعدى بالهمزة وبحرف الجر «اللام» .(7/2672)
كالتّنوّط، والمطّوّعة: الّذين يتطوّعون للجهاد «1» .
الطاعة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الطّاعة هي موافقة الأمر عندنا (معشر أهل السّنة) ، وعند المعتزلة موافقة الإرادة.
وقال الكفويّ: الطّاعة فعل المأمورات ولو ندبا، وترك المنهيّات ولو كراهة، فقضاء الدّين والإنفاق على الزّوجة والمحارم ونحو ذلك طاعة لله وليس بعبادة.
وقال ابن المناويّ: (بعد أن نقل كلام الجرجانيّ) عرّفت الطّاعة أيضا بأنّها: كلّ ما فيه رضا وتقرّب إلى الله تعالى «2» .
وقال ابن علّان: هي الامتثال ظاهرا، والرّضا باطنا لحكم الله ورسوله وما يقوله من دعا إلى ذلك «3» .
أحوال الناس في الطاعة:
قال الماورديّ- رحمه الله-: ليس يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه، من فعل الطّاعات واجتناب المعاصي، من أربعة أحوال: فمنهم من يستجيب إلى فعل الطّاعة، ويكفّ عن ارتكاب المعاصي. وهذا أكمل أحوال أهل الدّين، وأفضل صفات المتّقين، فهذا يستحقّ جزاء العاملين وثواب المطيعين، ومنهم من يمتنع عن فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي، وهي أخبث أحوال المكلّفين، وشرّ صفات المتعبّدين، فهذا يستحقّ عذاب اللّاهي عن فعل ما أمر به من طاعته، وعذاب المجترئ على ما أقدم عليه من معاصيه، وقد قال ابن شبرمة:
عجبت لمن يحتمي من الطّيّبات مخافة الدّاء كيف لا يحتمي من المعاصي مخافة النّار؟ فأخذ ذلك بعض الشّعراء، فقال:
جسمك قد أفنيته بالحمى ... دهرا من البارد والحار
وكان أولى بك أن تحتمي ... من المعاصي حذر النّار
ومنهم من يستجيب إلى فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي، فهذا يستحقّ عذاب المجترئ لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة على الإقدام على المعصية، وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة «4» .
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النّساء/ 65) قال: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة أنّه لا يؤمن أحد حتّى يحكّم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء/ 65) . أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا ممّا حكمت به، وينقادون له في الظّاهر والباطن فيسلّموا لذلك تسليما كلّيّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة «5» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 431) ، بصائر ذوي التمييز (3/ 521) ، الصحاح للجوهري (3/ 1255) ، لسان العرب لابن منظور «طوع» (2720) . ط. دار المعارف.
(2) الكليات للكفوي (582،) والتعريفات للجرجاني (ص 145) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (225) .
(3) دليل الفالحين لابن علان (1/ 430) .
(4) أدب الدنيا والدين للماوردي (103- 105) بتصرف.
(5) تفسير ابن كثير (1/ 520) .(7/2673)
الفرق بين الطاعة والعبادة:
قال الكفويّ: الطّاعة: أعمّ من العبادة لأنّ العبادة غلب استعمالها في تعظيم الله غاية التّعظيم والطّاعة تستعمل لموافقة أمر الله وأمر غيره.
وقال أبو هلال: الفرق بين الطّاعة والعبادة أنّ العبادة غاية الخضوع، ولا تستحقّ إلّا بغاية الإنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلّا مع المعرفة بالمعبود، والطّاعة: الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممّن يفعل ذلك، وتكون للخالق والمخلوق، والعبادة لا تكون إلّا للخالق، والطّاعة في مجاز اللّغة تكون في اتّباع المدعوّ الدّاعي إلى ما دعاه إليه، وإن لم يقصد التّبع، كالإنسان يكون مطيعا للشّيطان وإن لم يقصد أن يطيعه ولكنّه اتّبع دعاءه وإرادته «1» .
الفرق بين الطاعة وموافقة الإرادة:
أنّ موافقة الإرادة قد تكون طاعة وقد لا تكون طاعة، وذلك إذا لم تقع موقع الدّاعي إلى الفعل كنحو إرادتك أن يتصدّق زيد بدرهم من غير أن يشعر بذلك، فلا يكون بفعله مطيعا لك ولو علمه ففعله من أجل إرادتك كان مطيعا لك ولذلك لو أحسن بدعائك إلى ذلك فمال معه كان مطيعا لك «2» .
الفرق بين الطاعة والخدمة:
إنّ الخادم هو الّذي يطوف على الإنسان راعيا في حوائجه، ولهذا لا يجوز أن يقال: إنّ العبد يخدم الله تعالى، وأصل الكلمة الإطافة بالشّيء ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي الاشتغال بما يصلح به شأن المخدوم خدمة، وليس ذلك من الطّاعة والعبادة في شيء، ألا ترى أنّه يقال فلان يخدم المسجد إذا كان يتعهّده بتنظيف وغيره «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان- الإخلاص- التقوى- العبادة- الفرار إلى الله- الخوف- الخشوع- الخشية- الدعاء- الإنابة- الاتباع- الصلاة- الزكاة- الحج والعمرة- تعظيم الحرمات- الصوم.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- العصيان- الفجور- الفسوق- ترك الصلاة- اتباع الهوى- الإعراض- التفريط والإفراط- الضلال- الغي والإغواء- اللهو واللعب- انتهاك الحرمات- التهاون] .
__________
(1) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (182) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (182- 183) بتصرف يسير(7/2674)
الآيات الواردة في «الطاعة»
رأس الطاعة طاعة الله والرسل:
1- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) «1» .
2- قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) «2»
3- وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) «3»
4- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) «4»
5- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «5»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «6»
7- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «7»
8- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «8»
9- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «9»
10- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) «10»
__________
(1) البقرة: 285 مدنية
(2) آل عمران: 32 مدنية
(3) آل عمران: 50 مدنية
(4) آل عمران: 132 مدنية
(5) النساء: 46 مدنية
(6) النساء: 59 مدنية
(7) النساء: 64 مدنية
(8) المائدة: 7 مدنية
(9) المائدة: 92 مدنية
(10) الأنفال: 1 مدنية(7/2675)
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) «1» .
12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) «2»
13- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) «3»
14- وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) «4»
15- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «5»
16- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «6»
17- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127)
__________
(1) الأنفال: 20 مدنية
(2) الأنفال: 45- 46 مدنية
(3) طه: 90 مكية
(4) النور: 47 مدنية
(5) النور: 51- 56 مدنية
(6) الشعراء: 106- 110 مكية(7/2676)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)
وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) «1»
18- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145)
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) «2»
19- إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) «3»
20- إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) «4»
21- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) «5»
22- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) «6»
23-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) «7»
24- أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «8»
25- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
__________
(1) الشعراء: 124- 131 مكية
(2) الشعراء: 142- 151 مكية
(3) الشعراء: 161- 163 مكية
(4) الشعراء: 177- 179 مكية
(5) الأحزاب: 32- 33 مدنية
(6) الزخرف: 63 مكية
(7) محمد: 33 مدنية
(8) المجادلة: 13 مدنية(7/2677)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) «1»
26- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «2»
27- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) «3»
كل المخلوقات تدين لله بالطاعة:
28- أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) «4»
29- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) «5»
30-* قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9)
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) «6»
31- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) «7»
ثواب الطائعين وعقوبة العاصين:
32- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) «8»
33- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) «9»
34- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80)
__________
(1) التغابن: 11- 12 مدنية
(2) التغابن: 16 مدنية
(3) نوح: 1- 3 مكية
(4) آل عمران: 83 مدنية
(5) الرعد: 15 مدنية
(6) فصّلت: 9- 11 مكية
(7) التكوير: 19- 21 مكية
(8) النساء: 13 مدنية
(9) النساء: 69 مدنية(7/2678)
وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) «1»
35- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «2»
36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «3»
37- قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) «4»
38- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «5»
الطاعة تعفي من العقوبة:
39- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «6»
__________
(1) النساء: 80- 81 مدنية
(2) التوبة: 71 مدنية
(3) الاحزاب: 70- 71 مدنية
(4) الفتح: 16- 17 مدنية
(5) الحجرات: 14 مدنية
(6) النساء: 34 مدنية(7/2679)
الأحاديث الواردة في (الطاعة)
1-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته «1» . عبدا حلال.
وإنّي خلقت عبادي حنفاء «2» . كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» . عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «4» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «5» . رأسي فيدعوه خبزة.
قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك «6» .
وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله.
وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى، ومسلم. وعفيف ذو عيال.
قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «7» . له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له «8» . طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير «9» .
الفحّاش» ) * «10» .
2-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ومعاذا إلى اليمن. فقال:
«يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا لا تختلفا» ) * «11» .
3-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أدّب الرّجل أمته فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثمّ أعتقها فتزوّجها كان له أجران، وإذا آمن بعيسى ثمّ آمن بي فله أجران، والعبد إذا اتّقى ربّه وأطاع مواليه فله أجران» ) * «12» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأنّ رأسه زبيبة» ) * «13» .
__________
(1) نحلته: أعطيته.
(2) حنفاء: أي مسلمين وقيل: طاهرين من المعاصي.
(3) اجتالتهم: أى استخفّوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه.
(4) لا يغسله الماء: يريد أنه محفوظ في الصدور.
(5) يثلغوا رأسي: يصيبوه بالحجارة فيشدخوه.
(6) نغزك: أي نعينك.
(7) لا زبر له: لا عقل له يمنعه، وقيل: هو الذي لا مال له.
(8) لا يخفي له: أي لا يظهر له.
(9) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش وهو السيء الخلق.
(10) مسلم (2865) .
(11) البخارى- الفتح 6 (3038) . ومسلم (1733) واللفظ له.
(12) البخارى- الفتح 6 (3446) .
(13) البخارى- الفتح 13 (7142) .(7/2680)
5-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
«إنّ خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع. وإن كان عبدا مجدّع الأطراف «1» ) * «2» .
6-* (عن فاطمة بنت قيس قالت: إنّ زوجها طلّقها ثلاثا. فلم يجعل لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سكنى ولا نفقة. قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا حللت فاذنيني» فاذنته «3» . فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة ابن زيد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا معاوية فرجل ترب لا مال له «4» . وأمّا أبو جهم فرجل ضرّاب للنّساء. ولكن أسامة بن زيد» فقالت بيدها هكذا:
أسامة، أسامة. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طاعة الله وطاعة رسوله خير لك» قالت: فتزوّجته فاغتبطت) * «5» .
7-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، ... الحديث، وفيه: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام «6» من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا جهنّم «7» » فقال رجل: يا رسول الله؛ وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «8» .
8-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا «9» . فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم «10» فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ) * «11» .
9-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّاس كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشّرّ، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إنّي قد أرى الّذي تنكرون، إنّي قلت: يا رسول الله، أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا الله أيكون بعده شرّكما كان قبله؟ قال «نعم» قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال «السّيف» قلت: يا رسول الله،
__________
(1) وإن كان عبدا مجدّع الأطراف: أى مقطوعا. والمراد أخس العبيد. أي أسمع وأطيع للأمير وإن كان دنيء النسبة. حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف. فطاعته واجبة.
(2) مسلم (1837) .
(3) آذنته: أعلمته.
(4) ترب لا مال له: الترب هو الفقير. فأكده بأنه لا مال له. لأن الفقير قد يطلق على من له شيء يسير لا يقع موقعا من كفايته.
(5) مسلم (1480) وقولها «فاغتبطت» أي فرحت بالنعمة.
(6) ربقة الإسلام: أي رباطه والربقة: حبل ذو عرى.
(7) جثا جهنم: جمع جثوة وهي الجماعة المحكوم عليهم بالنار.
(8) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب وابن خزيمة (3/ 195) . وابن منده في الإيمان (1/ 376- 377) حديث (212) . وأحمد في «المسند» (4/ 130 و202) .
(9) أدلجوا: أي ساروا معه ليلا.
(10) واجتاحهم: أي استأصلهم.
(11) البخارى- الفتح 13 (7283) واللفظ له. ومسلم (2283) .(7/2681)
ثمّ ماذا يكون؟ قال: «إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه وإلّا فمت وأنت عاضّ بجذل شجرة «1» .» قلت: ثمّ ماذا؟ قال: «ثمّ يخرج الدّجّال معه نهر ونار فمن وقع في ناره وجب أجره وحطّ وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحطّ أجره» . قال: قلت: ثمّ ماذا؟ قال: «ثمّ هي قيامة السّاعة» ) * «2» .
10-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث معاذا- رضي الله عنه- إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم» ) * «3» .
11-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال:
بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة. فلقّنني: «فيما استطعت، والنّصح لكلّ مسلم» ) * «4» .
12-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في المنشط والمكره. وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم- أو نقول- بالحقّ حيثما كنّا. ولا نخاف في الله لومة لائم) * «5» .
13- (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة وأمّر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثمّ دخلتم فيها. فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا، فلمّا همّوا بالدّخول، فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنّما تبعنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرارا من النّار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النّار وسكن غضبه، فذكر للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنّما الطّاعة في المعروف» ) * «6» .
14-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا قال:
فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: إنّه نائم؛ وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا. جعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن
__________
(1) جذل شجرة: الجذل أصل الشجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع.
(2) أبو داود (4244) وأصله في الصحيحين. وهو في الصحيحة للألباني (1791) .
(3) البخارى- الفتح 3 (1395) واللفظ له ومسلم (19) .
(4) البخارى- الفتح 13 (7204) واللفظ له ومسلم (56) .
(5) البخارى- الفتح 13 (7199، 7200) .
(6) البخارى- الفتح 13 (7145) واللفظ له. ومسلم (1840) .(7/2682)
لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة.
فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم.
وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا:
فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «1» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث، وفيه: بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبثّ حديثنا تبثيثا «2» .. ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «3» . ولا تملأ بيتنا تعشيشا ... الحديث) * «4» .
16-* (عن أمّ الحصين- رضي الله عنها- قالت: حججت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجّة الوداع.
فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته.
ومعه بلال وأسامة. أحدهما يقود به راحلته. والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الشّمس. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قولا كثيرا. ثمّ سمعته يقول: «إن أمّر عليكم عبد مجدّع «5» . أسود يقودكم بكتاب الله تعالى، فاسمعوا له وأطيعوا» ) * «6» .
17-* (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فحمد الله وأثنى عليه، وذكّر ووعظ، فذكر في الحديث قصّة فقال «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان «7» . عندكم، ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربا غير مبرّح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «8» .
18-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت:
آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا.
حتّى تجلّاني الغشي «9» فأخذت قربة من ماء إلى جنبي.
فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء.
قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس.
فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه.
ثمّ قال: «أمّا بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7281) .
(2) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله
(3) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(4) البخاري- الفتح 9 (5189) . مسلم (2448) .
(5) مجدّع: أي مقطع الأعضاء.
(6) مسلم (1298) .
(7) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم.
(8) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث صحيح.. والحديث أصله فى مسلم من حديث جابر رضى الله عنه (1218) .
(9) تجلاني الغشي: بمعني الغشاوة، أي علاني مرض قريب من الإغماء. لطول تعب الوقوف.(7/2683)
رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله. جاءنا بالبيّنات والهدى فأجبنا وأطعنا، ثلاث مرار، فيقال له: نم. قد كنّا نعلم أنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «1» .
19-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّكم تسيرون عشيّتكم وليلتكم. وتأتون الماء، إن شاء الله، غدا» فانطلق النّاس لا يلوي أحد على أحد «2» ....
الحديث، وفيه: ثمّ قال: ما ترون النّاس صنعوا؟ قال:
ثمّ قال «3» .: أصبح النّاس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدكم. لم يكن ليخلّفكم. وقال النّاس: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أيديكم. فإن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا ... الحديث) * «4» .
20-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم. ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشرار أئمّتكم الّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» . قيل: يا رسول الله؛ أفلا ننابذهم بالسّيف؟ فقال: «لا. ما أقاموا فيكم الصّلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة» ) * «5» .
21-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه.
ومنّا من ينتضل «6» ومنا من هو في جشره «7» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإن أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور
__________
(1) البخارى- الفتح 1 (86) . ومسلم (905) واللفظ له.
(2) لا يلوي على أحد: أي لا يعطف.
(3) ما ترون الناس صنعوا ثم قال. إلخ: قال النووي: معنى هذا الكلام أنه لما صلى بهم الصبح بعد ارتفاع الشمس، وقد سبقهم الناس، وانقطع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهؤلاء الطائفة اليسيرة عنهم قال: ما تظنون الناس يقولون فينا؟ فسكت القوم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أما أبو بكر وعمر فيقولان للناس: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وراءكم ولا تطيب نفسه أن يخلفكم وراءه ويتقدم بين أيديكم فينبغي لكم أن تنتظروه حتى يلحقكم وقال باقي الناس: إنه سبقكم فالحقوه فإن أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، فإنهما على الصواب.
(4) مسلم (681) .
(5) مسلم (1855) واللفظ له أحمد (5/ 444، 6/ 24) والدارمي (2797) .
(6) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب.
(7) في جشره: الجشر قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم. النهاية (1/ 273) .(7/2684)
تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «1» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف.
وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) .
قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله.
واعصه في معصية الله» ) * «2» .
22-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: السّمع والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ) * «3» .
23-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجل سأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقّنا ويسألونا حقّهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمعوا وأطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا، وإنّما عليكم ما حمّلتم» ) * «4» .
24-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال: «اتّقوا الله ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «5» .
25-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة يوم العيد. فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة. بغير أذان ولا إقامة.
ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله. وحثّ على طاعته. ووعظ النّاس. وذكّرهم. ثمّ مضى. حتّى أتى النّساء. فوعظهنّ وذكّرهنّ. فقال: «تصدّقن. فإنّ
__________
(1) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل معناه يشبه بعضه بعضا.
(2) مسلم (1844) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7144) واللفظ له، ومسلم (1839) .
(4) مسلم (1846) . والترمذى (2199) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5) الترمذي (616) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (1/ 9، 389) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. ورواه أحمد في «المسند» (5/ 251) .(7/2685)
أكثركنّ حطب جهنّم» فقامت امرأة من سطة النّساء «1» سفعاء الخدّين «2» . فقالت: لم؟ يا رسول الله! قال:
«لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «3» وتكفرن العشير «4» » . قال:
فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ. يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتمهنّ» ) * «5» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك السّمع والطّاعة في عسرك ويسرك «6» ومنشطك ومكرهك وأثرة «7» عليك» ) * «8» .
27-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «الغزو غزوان، فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشّريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه.
وأمّا من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «9» .
28-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رجل: يا رسول الله، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربّك، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي. فأمّا البادي فيجيب إذا دعي، ويطيع إذا أمر، وأمّا الحاضر فهو أعظمها بليّة، وأعظمها أجرا» ) * «10» .
29-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «11» .
30-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان غلام يهوديّ يخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمرض، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: «أسلم» فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم. فأسلم فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أنقذه
__________
(1) من سطة النساء: أي من خيارهن. والوسط العدل والخيار.
(2) سفعاء الخدين: السفعة: سواد مشرب بحمرة.
(3) الشكاة: الشكوى.
(4) تكفرن العشير: أي يجحدن الإحسان لضعف عقولهن وقلة معرفتهن.
(5) البخارى- الفتح 2 (978) . ومسلم (885) واللفظ له.
(6) قال العلماء معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره، مما ليس بمعصية. فإن كان معصية فلا سمع ولا طاعة.
(7) وأثرة: هي الاستئثار بأمور الدنيا عليكم. أى اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم.
(8) مسلم (1836) .
(9) صحيح سنن النسائي (2987) واللفظ له. والحاكم في المستدرك (2/ 85) ووافقه الذهبي.
(10) النسائي (7/ 144) وقال محقق جامع الأصول (11/ 608) : حديث حسن.
(11) الترمذي (3502) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب. والحاكم في المستدرك (1/ 528) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.(7/2686)
من النّار» ) * «1» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا من أبى» . قالوا: يا رسول الله؛ ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى» ) * «2» .
32-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» قال:
فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصّلوات الخمس وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا» . فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحدا يناوله إيّاه) * «3» .
33-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كنّا نبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، فيقول لنا: «فيما استطعتم» ) * «4» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ- عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة: آية 284) قال: فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله؛ كلّفنا من الأعمال ما نطيق، الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا:
سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
(البقرة/ 285) . فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم.
فأنزل الله في إثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال:
نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) (البقرة/ 286) * «5» .
35-* (عن عديّ بن حاتم، أنّ رجلا خطب عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: من يطع الله ورسوله فقد
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1356) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7280) .
(3) مسلم (1043) .
(4) الترمذي (1593) وقال هذا حديث حسن صحيح.
(5) مسلم (125) .(7/2687)
رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال. رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله) * «1» .
36-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» ) * «2» .
37-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجّة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» ) * «3» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهليّة «4» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «5» يغضب لعصبة «6» . أو يدعو إلى عصبة.
أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «7» . من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه) * «8» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة «9» يقاتل من ورائه. ويتّقى به. فإن أمر بتقوى الله وعدل؛ فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «10» .
الأحاديث الواردة في (الطاعة) معنى
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا. وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّد، فلينظر إلى هذا» ) * «11» .
__________
(1) مسلم (870) الفرق بين الصيغتين: أن عبارة التثنية (ومن يعصهما) توهم التسوية بين الله ورسوله فأراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم إزالة هذا الوهم.
(2) البخارى- الفتح 11 (6696) .
(3) مسلم (1851) .
(4) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(5) عمية: هى الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه.
(6) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره. لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه.
(7) ولا يتحاش: أى لا يخاف وباله وعقوبته ولا يكترث بما يفعله فيها.
(8) مسلم (1848) .
(9) جنّة: أي كالستر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض.
(10) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له ومسلم (1841) .
(11) البخارى- الفتح 3 (1397) . ومسلم (14) واللفظ له.(7/2688)
41-* (عن طلق بن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا الرّجل دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التّنّور «1» » ) * «2» .
42-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فامن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى، وحقّ سيّده فله أجران، ورجل له أمة فغذّاها فأحسن غذاءها. ثمّ أدّبها فأحسن أدبها، ثمّ أعتقها وتزوّجها، فله أجران» ) * «3» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «دعوني ما تركتكم «4» ، فإنّما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» ) * «5» .
44-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلنا واديا أفيح «6» .
فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي حاجته فاتّبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «7» ، الّذي يصانع قائده حتّى أتى الشّجرة الآخرى، فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» . فانقادت معه كذلك حتّى إذا كان بالمنصف «8» ممّا بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال: التئما عليّ بإذن الله» فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر «9» مخافة أن يحسّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقربي فيبتعد (وقال محمّد بن عبّاد: فيتبعّد) فجلست أحدّث نفسي. فحانت منّي لفتة، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا. وإذا الشّجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثمّ أقبل. فلمّا انتهى قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم.
يا رسول الله، قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا فأقبل بهما حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته «10» .
__________
(1) التنور: الذي يخبز فيه.
(2) الترمذي (1160) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول 6 (496) : إسناده حسن.
(3) البخاري- الفتح 1 (97) ومسلم (154) واللفظ له.
(4) دعوني ما تركتكم: أي اتركوني مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء.
(5) البخارى- الفتح 13 (7288) واللفظ له. ومسلم (1337) .
(6) واديا أفيح: أي واسعا.
(7) كالبعير المخشوش: هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا. ويشد فيه حبل ليذل وينقاد.
(8) بالمنصف: أي نصف المسافة.
(9) أحضر: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا.
(10) حسرته: أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به.(7/2689)
فانذلق «1» لي. فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنا. ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثمّ لحقته فقلت: قد فعلت. يا رسول الله فعمّ ذاك؟ قال: «إنّي مررت بقبرين يعذّبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفّه «2» عنهما، ما دام الغصنان رطبين» ) * «3» .
45-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء «4» ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) وإنّ أحبّ أموالي إلىّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله. فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح. ذلك مال رابح. وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «5» .
46-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟
أأكرهتك؟ قالت: لا، ولكنّه عمل ما عملته قطّ، وما حملني عليه إلّا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته «6» ؟ اذهبي فهي لك، وقال: لا، والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل) * «7» .
47-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ. مخافة أن يدركني. فقلت:
يا رسول الله؛ إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن» «8» قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي.
ويهدون بغير هديي «9» ، تعرف منهم وتنكر» . فقلت:
__________
(1) فانذلق: أي صار حادّا.
(2) أن يرفه عنهما: أي يخفف.
(3) مسلم (3012) .
(4) بيرحاء: اسم مال، وموضع بالمدينة.
(5) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له. ومسلم (998) .
(6) أي هل تفعلينه الآن وما فعلته قبل ذلك.
(7) الترمذي (2496) وقال: حديث حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 254، 255) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(8) دخن: قال أبو عبيد وغيره: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض. ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
(9) هديي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة.(7/2690)
هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم دعاة على أبواب جهنّم «1» من أجابهم إليها قذفوه فيها» . فقلت:
يا رسول الله صفهم لنا. قال: «نعم. قوم من جلدتنا ويتكلّمون بألسنتنا» . قلت: يا رسول الله؛ فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها. ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «2» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم «3» الأنبياء. كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ. وإنّه لا نبيّ بعدي.
وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأوّل فالأوّل «4» . وأعطوهم حقّهم، فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» ) * «5» .
49-* (عن عبد الله بن عمر عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: كانت تحتي امرأة كان عمر يكرهها فقال: طلّقها، فأبيت، فأتى عمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال «أطع أباك» ) * «6» .
50-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى، فرخّص لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «كلوا وتزوّدوا، فأكلنا وتزوّدنا» ) * «7» .
51-* (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله «8» صلّى الله عليه وسلّم وكانت يدي تطيش في الصّحفة «9» . فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك» فما زالت تلك طعمتي «10» بعد) * «11» .
52-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: لمّا قدم معاذ من الشّام سجد للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما هذا يا معاذ؟» قال: أتيت الشّام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم. فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا تفعلوا.
فإنّي لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والّذي نفس محمّد
__________
(1) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك، فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.
(2) البخارى 6 (3606) ، ومسلم (1847) واللفظ له.
(3) تسوسهم الأنبياء: أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية.
(4) فوا ببيعة الأول فالأول: أي إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها.
(5) البخاري- الفتح 6 (3455) . ومسلم 1842 واللفظ له.
(6) أحمد فى المسند (4711) واللفظ له (5011) . وأبو داود (1538) ، والترمذى (1201) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 404) : إسناده حسن.
(7) البخاري- الفتح 3 (1719) واللفظ له. ومسلم (1972) .
(8) في حجر رسول الله: أي في تربيته وتحت رعايته.
(9) تطيش في الصحفة: أي تتحرك وتميل إلى نواحي القصعة.
(10) طعمتي- بكسر الطاء- أي صفة أكلي.
(11) البخاري- الفتح 9 (5376) واللفظ له. ومسلم (2022) .(7/2691)
بيده لا تؤدّي المرأة حقّ ربّها حتّى تؤدّي حقّ زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب «1» لم تمنعه» ) * «2» .
53-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم. انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء. وأرسلت عليهم الشّهب. فرجعت الشّياطين إلى قومهم. فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء. وأرسلت علينا الشّهب. قالوا ما ذاك إلّا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها.
فانظروا ما هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء.
فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها. فمرّ النّفر الّذين أخذوا نحو تهامة. (وهو بنخل «3» ، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر) فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء. فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرّشد فامنّا به ولن نشرك بربّنا أحدا. فأنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1)) * «4» .
54-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته، ويقتدون بأمره ثمّ إنّها تخلف «5» من بعده خلوف. يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل) * «6» .
55-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات وقد كادت الشّمس تغرب فقال: «يا بلال، أنصت لي النّاس، فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله
صلّى الله عليه وسلّم. فنصت النّاس فقال:
معاشر النّاس، أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام وقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التّبعات «7» فقام عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله؟ هذا لنا خاصّة؟ قال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» فقال عمر بن الخطّاب: كثر خير الله وطاب) * «8» .
__________
(1) قتب: القتب: إكاف البعير. وقيل: رحل صغير على قدر السنام. والمراد: الحث لهن على مطاوعة أزواجهن.
(2) الترمذى (1159) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (1853) واللفظ له وقال الألبانى: حسن صحيح. وهو فى الصحيحة له (1203) .
(3) بنخل: هكذا وقع، وصوابه بنخلة بالهاء. وهو موضع معروف هناك كذا جاء صوابه في صحيح البخاري.
(4) البخارى- الفتح 8 (4921) . ومسلم (449) واللفظ له.
(5) إنها تخلف الضمير في إنها ضمير القصة، ومعنى تخلف: تحدث.
(6) مسلم (50) .
(7) أي حمل عنهم المظالم التى بينهم.
(8) قال الحافظ الدمياطي: في المتجر الرابح (236) برقم (953) ، رواه ابن المبارك بإسناد جيد ورواته ثقات أثبات.(7/2692)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الطاعة)
56-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ. وانصرني ولا تنصر عليّ. وامكر لي «1» ولا تمكر عليّ. واهدني ويسّر الهدى لي. وانصرني على من بغى عليّ. ربّ اجعلني لك شكّارا. لك ذكّارا. لك رهّابا.
لك مطيعا. إليك مخبتا «2» . إليك أوّاها منيبا «3» . ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «4» . وأجب دعوتي. واهد قلبي. وسدّد لساني. وثبّت حجّتي واسلل سخيمة قلبي «5» » ) * «6» .
57-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ وهو في اليمن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذهيبة في تربتها، فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظليّ ثمّ أحد بني مجاشع وبين عيينة بن بدر الفزاريّ وبين علقمة بن علاثة العامريّ ثمّ أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطّائيّ، ثمّ أحد بني نبهان فتغيّظت قريش والأنصار فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا، قال: إنّما أتألّفهم. فأقبل رجل غائر العينين ناتأ الجبين «7» كثّ اللّحية مشرف الوجنتين «8» محلوق الرّأس. فقال: يا محمّد اتّق الله. فقال: النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «فمن يطيع الله إذا عصيته؟ فيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!» فسأل رجل من القوم قتله، أراه خالد ابن الوليد، فمنعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من ضئضئ «9» هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السّهم من الرّميّة يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد «10» ) * «11» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الطاعة)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «لا تصحب الفجّار، لتعلّم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله، وتخشّع عند القبور، وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الّذين يخشون الله» ) * «12» .
__________
(1) امكر لي: مكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه.
(2) مخبتا: من الإخبات وهو الخشوع والتواضع.
(3) أواها: متضرعا، ومنيبا: من الإنابة وهو الرجوع إلى الله بالتوبة.
(4) حوبتي: أي إثمي.
(5) اسلل سخيمة قلبي: أي انزع الحقد منه.
(6) أبو داود رقم (1510) والترمذي (3551) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (3830) واللفظ له. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 337) : وهو حديث صحيح.
(7) ناتئ الجبين: أي بارزه.
(8) مشرف الوجنتين: أي غليظهما.
(9) ضئضئ: هو الأصل.
(10) قتل عاد: يريد قتلا عاما مستأصلا.
(11) البخاري- الفتح 13 (7432) واللفظ له. ومسلم (1064) .
(12) الدر المنثور للسيوطي (7/ 22) .(7/2693)
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في وصيّته بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ...
الحديث، وفيه: قال: «إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ... الحديث» ) * «1» .
3-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه-: «إنّ معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقيل: إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقال: ما نسيت، هل تدري ما الأمّة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم. فقال: الأمّة؟ الّذي يعلّم الخير، والقانت المطيع لله وللرّسول، وكان معاذ يعلّم النّاس الخير ومطيعا لله ولرسوله» ) * «2» .
4-* (كتب أبو الدّرداء إلى سلمة بن مخلد:
«أمّا بعد، فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، وإذا أحبّه الله حبّبه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله فإذا أبغضه بغّضه إلى خلقه» ) * «3» .
5-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في قوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ (آل عمران/ 102) قال: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى) * «4» .
6-* (عن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علّمني، قال: وهل أنت مطيعي؟
قال: إنّي على طاعتك لحريص، قال: صم وأفطر، وصلّ ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتنّ إلّا وأنت مسلم، وإيّاك ودعوة المظلوم) * «5» .
7-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) قال: بلى يا ربّ، بلى يا ربّ) * «6» .
8-* (عن خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطّاب قال: خرجت مع عبد الله بن عمر، فلحقه أعرابيّ. فقال له: قول الله وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) قال له ابن عمر: من كنزها فلم يؤّد زكاتها فويل له. إنّما كان هذا قبل أن تنزل الزّكاة. فلمّا أنزلت جعلها الله طهورا للأموال. ثمّ التفت فقال: ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا، أعلم عدده وأزكّيه، وأعمل فيه بطاعة الله- عزّ وجلّ-) * «7» .
9-* (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- قال: كتب إلىّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما
__________
(1) البخارى- الفتح 3 (1392) .
(2) حلية الأولياء، لأبى نعيم (1/ 230) .
(3) الزهد، للإمام أحمد بن حنبل ص (168) .
(4) أخرجه الحاكم (2/ 294) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(5) حلية الأولياء، لأبى نعيم (1/ 233) .
(6) الدر المنثور، للسيوطى (8/ 59) .
(7) ابن ماجة (1/ 1787) .(7/2694)
يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه) * «1» .
10-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- عملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا) * «2» .
11-* (سئل الحسن البصريّ ما برّ الوالدين؟ قال: أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلّا أن يكون معصية) * «3» .
12-* (قال بعض السّلف: لمّا قدم سليمان ابن عبد الملك المدينة المنوّرة، وهو يريد مكّة المكرّمة أرسل إلى أبي حازم فدعاه، فلمّا دخل عليه، قال له سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنّكم خرّبتم آخرتكم وعمّرتم الدّنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال: أيّ المؤمنين أكيس؟ قال:
رجل عمل بطاعة الله ودعا النّاس إليها. قال: فأيّ المؤمنين أخسر؟ قال: رجل أخطأ في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره، قال سليمان: ماذا تقول فيما نحن فيه؟ قال: أو تعفيني؟ قال: لا. ولكن نصيحة تلقيها إليّ، قال: يا أمير المؤمنين، إنّ آباءك قهروا النّاس بالسّيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضى منهم حتّى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقد ارتحلوا فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم؟. فقال له رجل من جلسائه: بئسما قلت. قال أبو حازم. إنّ الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه. قال: فكيف لنا نصلح هذا الفساد، فقال: أن تأخذه من حلّه فتضعه في حقّه، فقال سليمان: ومن يقدر عليه؟. قال: من يطلب الجنّة ويخاف النّار. فقال: ادع لي. قال أبو حازم: اللهمّ إن كان سليمان وليّك فيسّر له خير الدّنيا والآخرة، وإن كان عدوّك فخذ بناصيته إلى ما تحبّ وترضى. فقال سليمان: أوصني. قال: عظّم ربّك ونزّهه أن يراك حيث ينهاك، أو يفقدك حيث أمرك) * «4» .
13-* (عن الزّهريّ- رحمه الله- قال: إنّ عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه- تلا هذه الآية:
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال: استقاموا والله لله بطاعته ولم يروغوا «5» روغان الثّعالب) * «6» .
14-* (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-:
أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص
أطاع الله قوم فاستراحوا ... ولم يتجرّعوا غصص المعاصي
) * «7» .
__________
(1) شعب الإيمان، للبيهقي (2/ 103) .
(2) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (2/ 545) .
(3) الدر المنثور، للسيوطي (5/ 259) وقال أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه.
(4) الدارمي (1164) برقم (647) .
(5) يروغوا: أي يخادعوا.
(6) الزهد لابن المبارك (110) .
(7) أدب الدنيا والدين للماوردي (104) .(7/2695)
15-* (قال أبو البختريّ- رحمه الله-:
لوددت أنّ الله تعالى يطاع وأنّي عبد مملوك) * «1» .
16-* (عن عبد الله بن المبارك، في ذكر شروط التّوبة، قال: النّدم، والعزم على عدم العود، وردّ المظلمة، وأداء ما ضيّع من الفرائض، وأن يعمد إلى البدن الّذي ربّاه بالسّحت، فيذيبه بالهمّ والحزن حتّى ينشأ له لحم طيّب، وأن يذيق نفسه ألم الطّاعة، كما أذاقها لذّة المعصية) * «2» .
17-* (قال طلق بن حبيب: التّقوى عمل بطاعة الله، رجاء رحمة الله، على نور من الله، والتّقوى ترك معصية الله، مخافة عقاب الله، على نور من الله) * «3» .
18-* (قال مالك- رحمه الله-: بلغني أنّ عمر بن الخطّاب قال: إنّي لأضطجع على فراشي فما يأتيني النّوم، وأقوم إلى الصّلاة، فما تتوجّه إليّ القراءة من اهتمامي بأمر النّاس. قال مالك: يريد أن يطاع الله ولا يعصى الله) * «4» .
19-* (سئل أبو حمزة الشّيبانيّ عن الإخوان في الله- عزّ وجلّ- فقال: المتعاونون على أمر الله- عزّ وجلّ- وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم) * «5» .
20-* (كتب رجل إلى أبي العتاهية:
يأبا إسحاق إنّي ... واثق منك بودّك
فأعنّي بأبي أن ... ت على عيبي برشدك «6»
فأجابه بقوله:
أطع الله بجهدك ... راغبا أو دون جهدك
فأطع مولاك ما تطلب من طاعة عبدك) * «7» .
21-* (قال الحسن- رضي الله عنه- في قوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ قال: أي من طاعتي) * «8» .
22-* (قال محمود الورّاق:
هذا الدّليل لمن أرا ... د غنى يدوم بغير مال
وأراد عزّا لم توطّده العشائر بالقتال ومهابة من غير سلطان وجاها في الرّجال
فليعتصم بدخوله ... في عزّ طاعة ذي الجلال
وخروجه من ذلّ معصية له في كلّ حال) * «9» .
23-* (قال شاه الكرمانيّ: علامة صحّة الرّجاء حسن الطّاعة) * «10» .
24-* (قال أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الأندلسيّ لنفسه:
إذا كنت أعلم علما يقينا ... بأنّ جميع حياتي كساعةْ
__________
(1) الزهد، لابن المبارك (ص 69) .
(2) فتح الباري ج 11، ص 106.
(3) المصنف، لابن أبى شيبة (11/ 23) والدر المنثور للسيوطي (1/ 61) .
(4) شرح السنة للبغوي (3/ 257) .
(5) الإخوان لابن أبي الدنيا (127) .
(6) أدب الدنيا والدين للماوردي (131) .
(7) الزهد لابن المبارك (109) .
(8) الدر المنثور (5/ 7) .
(9) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 153) .
(10) مدارج السالكين (2/ 37) .(7/2696)
فلم لا أكون ضنينا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه) * «1» .
25-* (قال أبو العتاهية:
وإذا تناسبت الرّجال، فما أرى ... نسبا يقاس بصالح الأعمال
وإذا بحثت عن التّقيّ وجدته ... رجلا يصدّق قوله بفعال
وإذا اتّقى الله امرؤ وأطاعه ... فيداه بين مكارم ومعال
) * «2» .
26-* (قال الشّاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
) * «3» .
27-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: من أعجب الأشياء أن تعرفه ثمّ لا تحبّه، وأن تسمع داعيه ثمّ تتأخّر عن الإجابة. وأن تعرف قدر الرّبح في معاملته ثمّ تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثمّ تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثمّ لا تطلب الأنس بطاعته. وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثمّ لا تشتاق إلى انشراح الصّدر بذكره ومناجاته. وأن تذوق العذاب عند تعلّق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعمى الإقبال عليه والإنابة إليه) * «4» .
28-* (وقال- رحمه الله- أيضا: إذا علقت شروش «5» . المعرفة في أرض القلب نبتت فيه شجرة المحبّة، فإذا تمكّنت وقويت أثمرات الطّاعة، فلا تزال الشّجرة تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها) * «6» .
29-* (وقال- رحمه الله-: مثال تولّد الطّاعة ونموّها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثمّ أثمرات فأكلت ثمرها وغرست نواها فكلّما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبّر اللّبيب هذا المثال) * «7» .
30-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: قال أكثر المفسّرين في قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (الأعراف/ 56) أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدّعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها ببعث الرّسل، وبيان الشّريعة، والدّعاء إلى طاعة الله، فإنّ عبادة غير الله والدّعوة إلى غيره والشّرك به. هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنّما هو بالشّرك به ومخالفة أمره، فالشّرك والدّعوة إلى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متّبع غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو أعظم فساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلّا بأن يكون الله وحده هو المعبود المطاع،
__________
(1) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (107)
(2) ديوان أبي العتاهية.
(3) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 154) .
(4) الفوائد لابن القيم (61) .
(5) شروش: أي جذور النبات وأصول الشيء.
(6) الفوائد لابن القيم (49) .
(7) المصدر السابق (49) .(7/2697)
والدّعوة له لا لغيره والطّاعة والاتّباع لرسوله ليس إلّا، وغيره إنّما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، ومن تدبّر أحوال العالم وجد كلّ صلاح في الأرض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكلّ شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك فسببه: مخالفة رسوله، والدّعوة إلى غير الله ورسوله) * «1» .
31-* (قال ابن ضبارة- رحمه الله-: إنّا نظرنا فوجدنا الصّبر على طاعة الله تعالى أهون من الصّبر على عذاب الله تعالى) * «2» .
32-* (قال الشّاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النّعم
وحطها بطاعة ربّ العبا ... د فربّ العباد سريع النّقم
وإيّاك والظّلم مهما استطع ... ت فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم
) * «3» .
من فوائد (الطاعة)
(1) الفوز بالجنّة، والنّجاة من النّار.
(2) علامة على صلاح العبد واستقامته.
(3) تورث هداية في القلب.
(4) تثمر محبّة الله ورضاه.
(5) بها تدفع النّقم، وتجلب النّعم.
(6) حصن حصين من أخطار المعاصي والذّنوب.
(7) علامة على حسن الخاتمة.
(8) صمام أمن للبيوت وعمارة لها.
(9) دليل اليقين وعلامة التّصديق بالدّين.
(10) اتّباع للرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) التفسير القيم لابن القيم (255) .
(2) أدب الدنيا والدين للماوردي (103) .
(3) الجواب الكافي لابن القيم (103) .(7/2698)
طلاقة الوجه
الطلاقة لغة:
الطّلاقة في اللّغة مصدر قولهم: طلق وجهه إذا كان ضاحكا مستبشرا، وهو مأخوذ من مادّة (ط ل ق) الّتي تدلّ على التّخلية والإرسال، يقال من هذا الأصل: انطلق الرّجل انطلاقا: ذهب، ورجل طلق الوجه وطليقه: أي فرح ظاهر البشر، كأنّه منطلق، وهو ضدّ الباسر؛ لأنّ الباسر «1» الّذي لا يكاد يهشّ ولا ينفسح ببشاشة، ويقال: طلق يده بخير وأطلق بمعنى، ورجل
طلق اليدين والوجه وطليقهما:
سمحهما وفي الحديث: «أفضل الإيمان أن تكلّم أخاك وأنت طليق» أي مستبشر منبسط الوجه ومنه الحديث أن تلقاه بوجه طلق. ويوم طلق: بيّن الطّلاقة، وليلة طلق أيضا، وليلة طلقة: مشرق لا برد فيه ولا حرّ ولا مطر ولا قرّ، والطّالق: النّاقة ترسل ترعى حيث شاءت، وتقول: هذا أمر ما تطّلق له نفسي، أي لا
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
-/ 9/ 2
تنشرح له، ويقال: طلّق السّليم (أي اللّديغ) إذا سكن وجعه بعد العداد، وقال أبو زيد: الطّليق:
المتهلّل البسّام، إذا لم يكن كالحا. ويجمع طلق على طلقات، ولا يقال: أوجه طوالق إلّا في الشّعر خاصّة.
ويقال: لقيته منطلق الوجه (بفتحة ثمّ كسرة) إذا أسفر. ويقال للرّجل السّخيّ: طلق الوجه «2» .
طلاقة الوجه اصطلاحا:
انفساحه بالبشاشة وهشاشته عند اللّقاء بحيث لا يكون كالحا ولا باسرا «3» .
[للاستزادة: البشاشة- التودد- حسن السمت- السرور- البشارة- حسن المعاملة- الرضا- التفاؤل- حسن الظن- حسن العشرة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العبوس- الجفاء- الحزن- التطير- الغضب- سوء الظن- سوء الخلق- سوء المعاملة] .
__________
(1) بسر: عبس، قال تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي مقطّبة وقال: ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ أي نظر بكراهة شديدة.
(2) الصحاح (4/ 1517) . ولسان العرب (5/ 2693- 3696) ، والمفردات للأصفهاني (522) ، والمصباح المنير (377) ، ومقاييس اللغة (3/ 421) .
(3) استنبطنا هذا التعريف من جملة ما ذكره الراغب في المفردات (306) ، وابن فارس في المقاييس (3/ 421) .(7/2699)
الأحاديث الواردة في (طلاقة الوجة)
1-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «1» » ) * «2» .
2-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه. فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه» ) * «3» .
3-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «4» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: إنّي كنت عند رفاعة فطلّقني فبتّ طلاقي «5» فتزوّجت عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّما معه مثل هدبة الثّوب، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتّى تذوقي عسيلته «6» ويذوق عسيلتك» ، وأبو بكر عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخالد بن سعيد بن العاص على الباب ينتظر أن يؤذن له فسمع كلامها فقال: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال مرّة: ما نرى هذه ترفث عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى (اذهب أنت وربّك فقاتلا) ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أشرق وجهه، وسرّه- يعني قوله-) * «8» .
6-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتيته، فقال: «يا جرير لأيّ شيء جئت؟» قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى إليّ كساءه، ثمّ أقبل على أصحابه،
__________
(1) وجه طلق: وجه منبسط.
(2) مسلم (2626) .
(3) أبو داود (3920) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (7/ 628) : إسناده صحيح.
(4) الترمذي (1956) واللفظ له، وقال: حسن غريب. والبخاري في الأدب المفرد (307) ح (891) . وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 112) ح (572) وعزاه كذلك لابن حبان (864) وقال بعد كلامه: والحديث حسن لغيره. والحديث في الشعب للبيهقي (6/ 503، 504) رقم (3056) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(5) بتّ طلاقي: أي طلقني طلاقا لا رجعة فيه.
(6) عسيلته: هذه استعارة لطيفة؛ فإنه شبه لذة الجماع بحلاوة العسل، أو سمى الجماع عسلا لأن العرب تسمى كل ما تستحليه عسلا وأشار بالتصغير إلى تقليل القدر الذي لا بد منه في حصول الاكتفاء منه.
(7) البخاري- الفتح 10 (5825) . وهذا اللفظ لأحمد (6/ 37، 38) .
(8) البخاري- الفتح 7 (3952) .(7/2700)
وقال: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه» وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «1» .
7-* (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا ممّا تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم، ولربّما ضحك حتّى تبدو نواجذه. قال الحافظ العراقيّ: حديث «كان أكثر النّاس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه وتعجّبا مما تحدّثوا به وخلطا لنفسه بهم» أخرجه التّرمذيّ في الشّمائل من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء. ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وفي الصّحيحين من حديث جرير من حديث عليّ: يضحك ممّا تضحكون منه ويتعجّب ممّا تعجبون منه، ومسلم من حديث جابر بن سمرة: كانوا يتحدّثون في أمر الجاهليّة فيضحكون ويتبسّم» ) * «2» .
8-* (أخرج التّرمذيّ في الشّمائل: كان ضحك أصحابه عنده التّبسّم اقتداء به وتوقيرا له) * «3» .
9-* (كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا سرّ ورضي فهو أحسن النّاس رضا) * «4» .
من الآثار الواردة في (طلاقة الوجه)
1-* (قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس» ) * «5» .
2- قال بعض الحكماء: من جاد لك بمودّته، فقد جعلك عديل نفسه. فأوّل حقوقه اعتقاد مودّته، ثمّ إيناسه بالانبساط إليه في غير محرّم، ثمّ نصحه في السّرّ والعلانية، ثمّ تخفيف الأثقال عنه، ثمّ معاونته فيما ينوبه من حادثة، أو يناله من نكبة، فإنّ مراقبته في الظّاهر نفاق، وتركه في الشّدّة لؤم» ) * «6» .
من فوائد (طلاقة الوجه)
(1) تثمر المحبّة بين المسلمين.
(2) تبعث الاطمئنان في اللّقاء بين المسلمين.
(3) تعين على مناصحة الإخوان.
(4) فيها مرضاة للرّبّ.
(5) فيها تأسّ بسيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة. وسنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) فانظره هناك فقد ذكر له طرقا كثيرة.
(2) الإحياء (2/ 398) . وصححه الألباني في مختصر الشمائل (ح 194) ، وانظر الشمائل، باب ما جاء في ضحكه صلّى الله عليه وسلّم.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) الإحياء (2/ 399) .
(5) الإخوان لابن أبي الدنيا (194) .
(6) أدب الدنيا والدين (216) .(7/2701)
الطمأنينة
الطمأنينة لغة:
هي الاسم من الاطمئنان الّذي هو مصدر قولهم: اطمأنّ الشّيء يطمئنّ إذا سكن، وذلك مأخوذ من مادّة (ط م ن) بزيادة الهمزة، يقال فيه: اطمأنّ المكان إذا ثبت واستقرّ. واطمأنّ الرّجل اطمئنانا وطمأنينة أي سكن، قال أبو إسحاق في قوله تعالى:
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (النساء/ 103) :
أي إذا سكنت قلوبكم، يقال: اطمأنّ الشّيء إذا سكن وطأمنته وطمأنته إذا سكّنته.
وقوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ (الرعد/ 28) معناه: إذا ذكر الله بوحدانيّته آمنوا به غير شاكّين.
وقيل في تفسير قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ هي الّتي قد اطمأنّت بالإيمان وأخبتت لربّها. وقال الرّاغب: معناه: هي ألّا تصير أمّارة بالسّوء، واطمأنّ وتطامن متقاربان لفظا ومعنى «1» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
12/ 21/ 6
الطمأنينة اصطلاحا:
قال الرّاغب: الطّمأنينة: هي السّكون بعد الانزعاج، وقال الكفويّ: الطّمأنينة في الشّرع (أي عند الفقهاء) القرار بمقدار التّسبيحة في أركان الصّلاة «2» ، وقال الحراليّ: هي الهدوء والسّكون على سواء الخلقة واعتدال الخلق «3» ، وقال صاحب المنازل (الهرويّ) الطّمأنينة: سكون يقوّيه أمن صحيح شبيه بالعيان «4» .
الفرق بين الطمأنينة والسكينة:
قال الفيروز آباديّ: الطّمأنينة والسّكينة كلّ منهما تستلزم الآخرى. لكنّ استلزام الطّمأنينة السّكينة أقوى من العكس. ثمّ إنّ الطّمأنينة أعمّ من السّكينة. وهي على درجات: طمأنينة القلب بذكر الله. وهي طمأنينة الخائف إلى الرّجاء، والطّمأنينة:
سكون أمن فيه استراحة أنس.
والسّكينة تكون: حينا بعد حين، والطّمأنينة لا تفارق صاحبها وكأنّها نهاية السّكينة «5» .
__________
(1) الصحاح للجوهري (6/ 2158) . ولسان العرب لابن منظور (13/ 268) والمفردات للراغب ص 307 ومقاييس اللغة لابن فارس 3/ 422.
(2) المفردات للراغب (307) ، والكليات للكفوي (565)
(3) انظر التوقيف على مهمات التعاريف (228) .
(4) مدارج السالكين (2/ 536) .
(5) انظر بصائر ذوي التمييز (3/ 517) .(7/2702)
وذكر ابن القيّم عن صاحب المنازل أنّ بين الطّمأنينة والسّكينة فرقين:
أحدهما: أنّ السّكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا، والطّمأنينة: سكون أمن في استراحة أنس.
والثّاني: أنّ السّكينة تكون نعتا، وتكون حينا بعد حين، والطّمأنينة لا تفارق صاحبها، ومن ثمّ تكون الطّمأنينة موجب السّكينة وأثرا من آثارها وكأنّها نهاية السّكينة «1» .
درجات الطمأنينة:
هي على درجات منها:
الدّرجة الأولى: طمأنينة القلب بذكر الله.
وهي طمأنينة الخائف إلى الرّجاء. والضّجر إلى الحكم.
والمبتلى إلى المثوبة.
لأنّ الخائف إذا طال عليه الخوف واشتدّ به، وأراد الله- عزّ وجلّ- أن يريحه، ويحمل عنه أنزل عليه السّكينة فاستراح قلبه إلى الرّجاء واطمأنّ به، وسكن لهيب خوفه.
وأمّا طمأنينة الضّجر إلى الحكم: فالمراد بها:
أنّ من أدركه الضّجر من قوّة التّكاليف، وأعباء الأمر وأثقاله. ولا سيّما من أقيم مقام التّبليغ عن الله.
ومجاهدة أعداء الله، وقطّاع الطّريق إليه. فإنّ ما يحمله ويتحمّله فوق ما يحمله النّاس ويتحمّلونه. فلابدّ أن يدركه الضّجر ويضعف صبره. فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه: أنزل عليه سكينة. فاطمأنّ إلى حكمه الدّينيّ. وحكمه القدريّ. ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين.
وأمّا طمأنينة المبتلى إلى المثوبة. فلا ريب أنّ المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه، واطمأنّ بمشاهدة العوض. وإنّما يشتدّ به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثّواب.
الدّرجة الثّانية: طمأنينة الرّوح في الشّوق إلى ما وعدت به بحيث لا تلتفت إلى ما وراءها، وهذا شأن كلّ مشتاق إلى محبوب وعد بحصوله، إذ تحدث الطّمأنينة بسكون نفسه إلى وعد اللّقاء والعلم بحصول الموعود به «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: السكينة- الإيمان- التقوى- الثبات- حسن السمت- الرضا- القناعة- اليقين- الإخبات- الخشوع- الخشية- الذكر- القنوت.
وفي ضد ذلك: القلق- السخط- الشك- العجلة- القنوط- الجزع- الكفر- اليأس] .
__________
(1) انظر شرح هذين الفرقين في مدارج السالكين لابن القيم (2/ 536) .
(2) المرجع السابق (2/ 538- 540) بتصرف.(7/2703)
الآيات الواردة في «الطمأنينة»
1- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «1»
2- وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «2»
3- فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «3»
4- إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) «4»
5- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «5»
6- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) «6»
7- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) «7»
8- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) «8»
__________
(1) البقرة: 260 مدنية
(2) آل عمران: 126 مدنية
(3) النساء: 103 مدنية
(4) المائدة: 112- 114 مدنية
(5) الأنفال: 9- 10 مدنية
(6) يونس: 7- 8 مكية
(7) الرعد: 28 مدنية
(8) النحل: 106 مكية(7/2704)
9- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (112) «1»
10- قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95) «2»
11- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) «3»
12- يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «4»
__________
(1) النحل: 112 مكية
(2) الإسراء: 95 مكية
(3) الحج: 11 مدنية
(4) الفجر: 27- 30 مكية(7/2705)
الأحاديث الواردة في (الطمأنينة)
1-* (عن ميمونة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سجد خوّى بيديه (يعني جنّح) حتّى يرى وضح إبطيه من ورائه.
وإذا قعد اطمأنّ على فخذه اليسرى) * «1» .
2-* (عن صفيّة بنت شيبة- رضي الله عنها- قالت: لمّا اطمأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عام الفتح طاف على بعير يستلم الرّكن بمحجن في يده. قالت: وأنا أنظر إليه) * «2» .
3-* (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- قال: «قلت يا رسول الله أخبرني بما يحلّ لي ويحرم عليّ قال: فصعّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصوّب فيّ النّظر. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «البرّ ما سكنت إليه النّفس واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النّفس. ولم يطمئنّ إليه القلب، وإن أفتاك المفتون» . وقال «لا تقرب لحم الحمار الأهليّ، ولا ذا ناب من السّباع) * «3» .
4-* (عن وابصة بن معبد- رضي الله عنه- قال: «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البرّ والإثم إلّا سألته عنه، وإذا عنده جمع، فذهبت أتخطّى النّاس، فقالوا: إليك وابصة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إليك يا وابصة. فقلت: أنا وابصة، دعوني أدنو منه، فإنّه من أحبّ النّاس إليّ أن أدنو منه. فقال لي: ادن يا وابصة. ادن يا وابصة، فدنوت منه حتّى مسّت ركبتي ركبته. فقال: يا وابصة أخبرك ما جئت تسألني عنه، أو تسألني؛ فقلت: يا رسول الله، فأخبرني. قال جئت تسألني عن البرّ والإثم. قلت: نعم فجمع أصابعه الثّلاث. فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت نفسك: البرّ ما اطمأنّ إليه القلب، واطمأنّت إليه النّفس. والإثم ما حاك في القلب، وتردّد في الصّدر، وإن أفتاك النّاس» ) * «4» .
5-* (عن أبي الحوراء السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قلت للحسن بن عليّ (رضي الله عنهما) ما حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: حفظت من رسول
__________
(1) مسلم (497) واللفظ له، وأحمد (6/ 332) والنسائي (2/ 232) وصححه الألباني، صحيح النسائي (1/ 247 برقم 1099) .
(2) أبو داود (1878) وحسنه الألبانى فى صحيحه (1/ 352 برقم 1654) وابن ماجة (2947) وحسنه الألباني في صحيحه (2/ 162 برقم 2354) .
(3) أحمد (4/ 194) وقال مخرج جامع المسانيد والسنن (13/ 451) برقم (10868) تفرد به الإمام أحمد، وذكره الهيثمي في الجمع (1/ 175) وقال: رواه أحمد والطبراني، وفي الصحيح طرف من أوله ورجاله ثقات.
(4) أحمد (4/ 228) واللفظ له، وقال مخرج جامع المسانيد (12/ 316 برقم 9701) تفرد به الإمام أحمد فى مسنده ورواه الطبراني في المعجم الكبير (22/ 148 برقم 403) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 175) وقال فيه أيوب بن عبد الله بن مكرز: قال ابن عدي: لا يتابع على حديث، ووثقه ابن حبان، وذكره الهيثمي أيضا في (10/ 294) وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحد إسنادي الطبراني ثقات والدارمي (2533) .(7/2706)
الله صلّى الله عليه وسلّم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فإنّ الصّدق طمأنينة وإنّ الكذب ريبة» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نحن أحقّ بالشّك من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (البقرة/ 260)) * «2» .
7-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يكون عليكم أمراء تطمئنّ إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود، ثمّ يكون عليكم أمراء تشمئزّ منهم القلوب. وتقشعرّ منهم الجلود» ، فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: «لا ما أقاموا الصّلاة» ) * «3» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال. أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ «4» لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديناي إلى السّبيل، فيحسب الحاسب أنّه إنّما يهديه الطّريق وإنّما يعني سبيل الخير، فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال: يا نبيّ الله هذا فارس قد لحق بنا. قال: فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه» فصرعته فرسه، ثمّ قامت تحمحم قال: ثمّ قال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: «قف مكانك لا تتركنّ أحدا يلحق بنا» قال: فكان أول النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وكان آخر النّهار مسلحة «5» له. قال فنزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة ثمّ بعث إلى الأنصار فجاؤا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطمئنّين. قال:
فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وخفروا حولهما بالسّلاح.
قال فقيل بالمدينة جاء نبيّ الله فاستشرفوا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ينظرون إليه ويقولون: جاء نبيّ الله، فأقبل يسير حتّى جاء إلى جانب دار أبي أيّوب، قالوا: فإنّه ليحدّث أهلها إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «6» لهم منه، فعجل أن يضع الّذي يخترف فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع إلى أهله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّ بيوت أهلنا أقرب؟» قال: فقال أبو أيّوب أنا يا نبيّ الله هذه داري، وهذا
__________
(1) الترمذي (2518) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له، وأحمد (1/ 200) والحاكم في المستدرك (2/ 13، 4/ 199) وصححه ووافقه الذهبي، وعبد الرزاق في مصنفه (4984) والطبراني في الكبير (2708، 2711) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4537) واللفظ له، ومسلم (151) ، وابن ماجة (4026) ، وأحمد (2/ 326) وشرح السنة (1/ 114 برقم 63) وقال: هذا حديث متفق على صحته. وقوله «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ليس اعترافا بالشك على نفسه ولا على إبراهيم، ولكن فيه نفي الشك عنهما، يقول: إذا لم أشك أنا ولم أرتب في قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك ولا يرتاب. فالمسألة من قبل ابراهيم لم تكن شكّا، وإنما لزيادة العلم حيث إن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدراك (شرح السنة 1/ 116) .
(3) أحمد (3/ 28، 29) وقال مخرج جامع المسانيد (33/ 180 برقم 382، 383) تفرد بها الإمام أحمد في مسنده. وفي شرح السنة بلفظ آخر (10/ 48 برقم 2459) عن أم سلمة.
(4) أي: باعتبار الناظر إليهما، وإلا فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسنّ من أبي بكر.
(5) مسلحة: الموضع الذي يقيم فيه قوم يحفظون من وراءهم من العدو، لئلا يهجموا عليهم، ويدخلوا عليهم.
(6) يخترف: الاختراف اجتناء الثمر من الشجر.(7/2707)
بابي، قال: «فانطلق فهيّأ لنا مقيلا، ثمّ جاء. فقال: يا نبيّ الله قد هيّأت لكم مقيلا، فقوما على بركة الله فقيلا. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال، أشهد أنّك رسول الله حقّا، وأنّك جئت بحقّ، ولقد علمت اليهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم فدخلوا عليه فقال لهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ. أسلموا» . قالوا ما نعلمه ثلاثا) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل المسجد، فدخل رجل فصلّى، ثمّ جاء فسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّلام. قال: «ارجع فصلّ. فإنّك لم تصلّ» . فرجع الرّجل فصلّى كما كان صلّى. ثمّ جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم عليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعليك السّلام» ، ثمّ قال: «ارجع فصلّ. فإنّك لم تصلّ» . حتّى فعل ذلك ثلاث مرّات. فقال الرّجل: والّذي بعثك بالحقّ ما أحسن غير هذا. علّمني. قال: «إذا قمت إلى الصّلاة فكبّر. ثمّ اقرأ ما تيسّر معك من القرآن. ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعا، ثمّ ارفع حتّى تعتدل قائما، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجدا. ثمّ ارفع حتّى تطمئنّ جالسا، ثمّ افعل ذلك في صلاتك كلّها» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (الطمأنينة) معنى
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الإيمان يمان، والكفر قبل المشرق، والسّكينة في أهل الغنم. والفخر والرّياء في الفدّادين «3» أهل الخيل والوبر» ) * «4» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا «5» شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «أيّها النّاس، عليكم بالسّكينة، فإنّ البرّ ليس بالإيضاع «6» » ) * «7» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون. وأتوها تمشون. وعليكم السّكينة،
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3911) ، أحمد (3/ 211) واللفظ له، وقال مخرج جامع المسانيد والسنن (22/ 487) برقم 1912) وإسناده صحيح، وانظر «جامع الأصول» (11/ 600) .
(2) البخاري- الفتح 2 (793) . ومسلم (397) واللفظ له.
(3) هم الذين تعلوا أصواتهم في إبلهم وخيلهم، وقيل الرعاة والجمالون، وإنما هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضى إلى قساوة القلب.
(4) البخاري- الفتح 6 (3301) . ومسلم (52) واللفظ له.
(5) زجرا: إثارة للإبل على السرعة.
(6) الإيضاع: الإسراع.
(7) البخاري- الفتح 3 (1671) .(7/2708)
فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) * «1» .
13-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال «مالي أراكم رافعي أيديكم كأنّها أذناب «2» خيل شمس «3» ؟
اسكنوا في الصّلاة» ، قال: ثمّ خرج علينا فرآنا حلقا «4» . فقال: «مالي أراكم عزين «5» ؟» ، قال: ثمّ خرج علينا فقال: «ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربّها؟» . فقلنا: يا رسول الله وكيف تصفّ الملائكة عند ربّها؟ قال: «يتمّون الصّفوف الأول، ويتراصّون في الصّفّ» ) * «6» .
14-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول:
لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزل السّكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا «7» .
15-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
كان رجل يقرأ سورة الكهف. وعنده فرس مربوط بشطنين «8» فتغشّته سحابة. فجعلت تدور وتدنو.
وجعل فرسه ينفر منها. فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: «تلك السّكينة تنزّلت للقرآن» ) * «9» .
16-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوموا حتّى تروني، وعليكم السّكينة» ) * «10» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «11» .
18-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (635) . ومسلم (602) واللفظ له.
(2) أذناب: جمع ذنب وهو الذّيل.
(3) شمس: جمع شموس. وهي التي لا تستقر بل تتحرك بأذنابها وأرجلها.
(4) حلقا: جمع الحلقة.
(5) عزين: أي جماعات في تفرقة.
(6) مسلم (430) .
(7) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له. ومسلم (1802) .
(8) بشطنين: أي بحبلين طويلين مضطربين.
(9) مسلم (795) .
(10) البخاري- الفتح 2 (909) .
(11) مسلم (2699) .
(12) البخاري- الفتح 10 (6125) . ومسلم (1734) متفق عليه.(7/2709)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الطمأنينة)
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءته مثل فلق الصّبح. فكان يأتي حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد. ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فتزوّده لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني «1» حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارىء. فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتّى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها ترجف بوادره «2» حتّى دخل على خديجة. فقال: زمّلوني، زمّلوني «3» » فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع. فقال:
«يا خديجة! مالي؟» ، وأخبرها الخبر. وقال: «قد خشيت على نفسي» فقالت له كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «4» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ ثمّ انطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزّى بن قصيّ،- وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرآ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، فيكتب بالعربيّة من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: ابن أخي! ماذا ترى؟. فأخبره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما رأى. فقال ورقة: هذا النّاموس الّذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا «5» ، أكون حيّا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» . فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «6» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي فترة حتّى حزن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل فقال: يا محمّد! إنّك رسول الله حقّا. فيسكن لذلك جأشه «7» وتقرّ نفسه فيرجع. فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك) * «8» .
__________
(1) فغطّني: عصرني عصرا شديدا.
(2) بوادره: هي اللحمة بين المنكب والعنق.
(3) زمّلوني: أي لفّوني وغطّوني.
(4) الكلّ: الضّعيف.
(5) جذعا: أي شابّا حدث السّنّ.
(6) ينشب: يلبث.
(7) الجأش: النفس أو القلب.
(8) البخاري- الفتح 12 (6982) واللفظ له. ومسلم (160) .(7/2710)
20-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «1» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي. فأطال القيام جدّا، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا، ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا، وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع رأسه فقام، فأطال القيام، وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد. ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس، فخطب النّاس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبّروا وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «2» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم «3» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «4» .
21-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قلنا: وما هممت؟ قال:
هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الطمأنينة)
1-* (قال مالك بن أنس- رحمه الله-: «حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره» ) * «6» .
2-* (قال بشير «7» بن كعب: «مكتوب في الحكمة: إنّ من الحياء وقارا، وإنّ من الحياء سكينة» ) * «8» .
3-* (عن قتادة في قوله تعالى وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ (الرعد/ 28) . قال: هشّت إليه واستأنست به»
وقال السّدّيّ في قوله تعالى أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد/ 28) : تسكن القلوب» ) * «9» .
4-* (عن مجاهد في قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا
__________
(1) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه.
(2) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أغير من المعاصي من الله تعالى. ولا أشد كراهية لها منه سبحانه.
(3) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم، لفكركم وخوفكم مما علمتموه.
(4) البخاري- الفتح 11 (6631) . ومسلم (901) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (772) .
(6) حلية الأولياء لأبي نعيم (6/ 320) .
(7) كما في «التقريب» لابن حجر.
(8) البخاري- الفتح 10 (6117) .
(9) الدر المنثور (4/ 642) .(7/2711)
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر/ 27) قال: «الّتي أيقنت بأنّ الله ربّها» ) * «1» .
5-* (أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن- رضي الله عنه- في قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الفجر/ 27) قال: «إنّ الله إذا أراد قبض عبده المؤمن اطمأنّت النّفس إليه، واطمأنّ إليها، ورضيت عن الله، ورضي الله عنها أمر بقبضها فأدخلها الجنّة وجعلها من عباده الصّالحين» ) * «2» .
6-* (عن قتادة في قوله تعالى يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ قال: هذا المؤمن اطمأنّ إلى ما وعد الله» ) * «3» .
من فوائد (الطمأنينة)
(1) أثر من آثار هداية القلب.
(2) ركن من أركان الصّلاة لا تتمّ إلّا بها.
(3) ثناء الله على النّفوس المطمئنّة ورضاه عنها.
(4) سبب من أسباب سعادة الإنسان ودليل فلاحه.
(5) طريق موصل إلى الجنّة.
(6) دليل اليقين وصحّة الدّين.
(7) دليل الوقار.
(8) الطّمأنينة دليل اتّصاف المرء بالحياء وكفى بالحياء خلقا حميدا.
(9) الطّمأنينة عند الموت دليل رضا الله- عزّ وجلّ- وبشرى لصاحبها بدخول الجنّة.
__________
(1) الدر المنثور (8/ 514) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(7/2712)
الطموح
الطّموح لغة:
مصدر قولهم: طمح يطمح، وهو مأخوذ من مادّة (ط م ح) الّتي تدلّ على علوّ في الشّيء، يقال طمح ببصره إلى الشّيء: علا، وكلّ مرتفع مفرط في تكبّر طامح، ويقال في المصدر أيضا طماح مثل جماح، يقال: فرس فيه طماح، وطمحت المرأة مثل جمحت، فهي طامح أي تطمح إلى الرّجال، وفي حديث قيلة:
كنت إذا رأيت رجلا ذا قشر طمح بصري إليه، أي امتدّ وعلا، ومنه أيضا الحديث الآخر: فخرّ إلى الأرض فطمحت عيناه إلى السّماء، ويقال أطمح فلان بصره أي رفعه، قال الجوهريّ: وقال بعضهم طمح، أي أبعد في الطّلب ورجل طمّاح: بعيد الطّرف، والطّماح أيضا: الكبر والفخر لارتفاع صاحبه «1» .
الطّموح اصطلاحا:
لم تذكر كتب الاصطلاحات الّتي وقفنا عليها تعريفا للطّموح ويمكن أن نستخلص ذلك من جملة ما ذكره اللّغويّون وشرّاح الحديث، فنقول: الطّموح: هو أن
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
-/ 2/ 13
ينزع الإنسان إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أسمى وأنفع، وكلّما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها، ولا يكون ذلك محمودا إلّا إذا وافق الشّرع الحنيف.
الطّموح في طلب العلم:
قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه الله-: «وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، أن لا يقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى منه درجة وأرفع منزلة «2» . وفي
هذا المعنى يقول الشّاعر:
والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة ... حتّى يروم «3» الّتي من دونها العطب «4»
يسعى به أمل من دونه أجل ... إن كفّه رهب يستدعه رغب
لذاك ما سال موسى ربّه أرني ... أنظر إليك وفي تساله عجب
يبغي التّزيّد فيما نال من كرم ... وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب «5»
إنّ معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره،
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 423) ، والصحاح للجوهري (1/ 388) ، والنهاية لابن الأثير (3/ 129) ، ولسان العرب لابن منظور (2/ 534) (ط. بيروت) .
(2) انظر رسائل الإصلاح للخضر حسين (ص 54) .
(3) يروم: يطلب.
(4) العطب: الهلاك.
(5) انظر تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 28) .(7/2713)
والعلم أرفع مقام تطمح إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطّالب دون أن يقاسي شدائد، ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشّدائد إلّا كبير الهمّة ماضي العزيمة. كان سعيد بن المسيّب يسير اللّيالي في طلب الحديث الواحد، ورحل أبو أيّوب الأنصاريّ من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فقدم مصر ونزل عن راحلته ولم يحلّ رحلها، فسمع منه الحديث وركب راحلته وقفل إلى المدينة راجعا، ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلّا برجال رحلوا إلى الشّرق ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبا، مثل أسد بن الفرات وأبي الوليد الباجيّ وأبي بكر بن العربيّ.
وخلاصة المقال: تذكير النّبهاء من نشئنا بأن يقبلوا على العلم بهمم كبيرة صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك ولا طول مسافة الطّريق، وألسنة مهذّبة لا تقع في لغو أو مهاترة «1» » «2» .
الفرق بين الطّموح وعلو الهمة:
إذا كان كلّ من الطّموح وعلوّ الهمّة يشتركان في الهدف والغاية، أي تطلّب المعالي، فإنّهما قد يختلفان في الوسيلة والباعث، إذ الباعث في علوّ الهمّة قد يكون الأنفة من خمول الضّعة أو الاستنكار لمهانة النّقص، أمّا الباعث على الطّموح فهو نزوع النّفس دائما نحو الأعلى والأرقى، ومن حيث الوسيلة نجد أنّ الطّموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلوّ والإسراف على النّفس أو الغير، أمّا علوّ الهمّة فلا يسلك صاحبها إلّا الدّروب الشّريفة الّتي تتّفق مع مباديّ الشّرع الحنيف.
[للاستزادة: انظر صفات: علو الهمة- الشجاعة- الشرف- النبل- القوة والشدة- الرجولة- العزم والعزيمة- قوة الإرادة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- التهاون- الجبن- الوهن- الذل- الضعف- الكسل- التفريط والإفراط.
__________
(1) مهاترة: الكلام الساقط.
(2) رسائل الإصلاح للخضر حسين (ص 53) .(7/2714)
الأحاديث الواردة في (الطموح) معنى
1-* (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- تعالى- يحبّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها «1» » ) * «2» .
2-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر يتوارى «3» ، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ الله أن يرزقني الشّهادة. قال: فعرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فردّه، فبكى فأجازه. فكان سعد- رضي الله عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل «4» سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الطموح)
1-* (أخرج الطّبرانيّ عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر- رضي الله عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا) * «6» .
2-* (عن سليمان بن بلال- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأمر أن يخرج أحدهما. فاستهما «7» ، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي الله عنهما-: إنّه لابدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ) * «8» .
3-* (قال معاوية لعمرو بن العاص: «من طلب عظيما خاطر بعظيمته» .
وكان عمرو يقول: «عليكم بكلّ أمر مزلقة مهلكة. أي عليكم بجسام الأمور» ) * «9» .
4-* (عن دكين الرّاجز قال: «أتيت عمر بن
__________
(1) سفسافها: السفساف: الحقير الرديء من كل شيء وعمل.
(2) انظر صحيح الجامع للألباني (1886) وهو في الصحيحة (1388) .
(3) يتوارى: يستتر.
(4) حمائل: جمع حمالة (بكسر الحاء) علاقة السيف ونحوه.
(5) الإصابة (5/ 36) ، واللفظ له، وأخرجه البزار ورجاله ثقات، كما في المجمع (6/ 69) ، وأسد الغابة (4/ 148) .
(6) قال الهيثمي (5/ 298) : رجاله رجال الصحيح. وأخرجه ابن سعد (3/ 275) ، وأبو نعيم في الحلية (1/ 367) نحوه.
(7) فاستهما: أي اقترعا.
(8) الإصابة (3/ 75) .
(9) عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 335) .(7/2715)
عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز منه وعدا كان وعدنيه وهو والي المدينة فقال لي: يا دكين، إنّ لي نفسا توّاقة «1» ، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلمّا نلتها تاقت إلى الخلافة. فلمّا نلتها تاقت إلى الجنّة» ) * «2» .
5-* (عن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير عن أبيه- رضي الله عنهما- قالا: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف- وكان في تلك الغزوة «غزوة مؤتة» قال: والله لكأنّي أنظر إلى جعفر- رضي الله عنه- حين اقتحم عن فرس له «شقراء» ثّمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل وهو يقول:
يا حبّذا الجنّة واقترابها ... طيّبة وبارد شرابها
والرّوم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها «3»
) * «4» .
6- قيل للعتّابيّ: فلان بعيد الهمّة، قال: إذن لا يكون له غاية دون الجنّة) * «5» .
7-* (نظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون فقال: إنّ همّته ترمي به وراء سنّه) * «6» .
8-* (قال مالك بن عمارة اللّخميّ: كنت جالسا في ظلّ الكعبة أيّام الموسم عند عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزّبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال النّاس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتّساع في المعرفة، والتّصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث، فخلوت معه ليلة فقلت له، والله إنّي لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرّفك وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلا فسترى العيون طامحة إليّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليّ فلعلّك أن تنقل إليّ ركابك، فلأملأنّ يديك. فلمّا أفضت إليه الخلافة توجّهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمّا رآني أعرض عنّي فقلت: لعلّه لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكرة، فلمّا قضيت الصّلاة ودخل بيته لم ألبث أن خرج الحاجب، فقال: أين مالك بن عمارة.
فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه فمدّ إليّ يده وقال:
إنّك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلّا ما رأيت، فأمّا الآن فمرحبا، وأهلا، كيف كنت بعدي، فأخبرته، فقال لي: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت:
نعم، فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكنّي أخبرك بخصال منّي سمت بها نفسي إلى الموضع الّذي ترى. ما خنت ذا ودّ قطّ، ولا شمتّ بمصيبة عدوّ قطّ، ولا أعرضت عن محدّث حتّى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذّذا بها. فكنت أؤمّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي، وقد فعل ثمّ دعا بغلام له، فقال: يا غلام بوّئه منزلا في الدّار، فأخذ الغلام بيدي، وأفرد لي منزلا حسنا،
__________
(1) توّاقة: تشتاق إلى الشيء وتنزع إليه.
(2) عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 334) .
(3) ضرابها: أسلوب تمثيلي والمقصود: أعمل فيها السيف حتى ألحق بها الهزيمة.
(4) البداية والنهاية (4/ 244) ، والإصابة (1/ 238) . وأبو نعيم في الحلية (1/ 118) .
(5) عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 337) .
(6) المرجع السابق (1/ 332) .(7/2716)
فكنت في ألذّ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي، وأسمع كلامه، ثمّ أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه فيرفع منزلتي، ويقبل عليّ ويحادثني ويسألني مرّة عن العراق، ومرّة عن الحجاز، حتّى مضت عشرون ليلة، فتغدّيت يوما عنده، فلمّا تفرّق النّاس نهضت قائما، فقال: على رسلك، فقعدت، فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندي مع النّصفة لك في المعاشرة، أو الرّجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين فارقت أهلي وولدي على أنّي أزور أمير المؤمنين، وأعود إليهم فإن أمرني أمير المؤمنين اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا بل أرى لك الرّجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار كسوة، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟ فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السّلامة) * «1» .
9-* (قال الشّاعر:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
) * «2» .
10- قال القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما «3»
أرى النّاس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني ... ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
أنهنهها «4» عن بعض ما لا يشينها «5» ... مخافة أقوال العدا فيم أولما؟
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت، لكن لا أخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة ... إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا ... محيّاه «6» بالأطماع حتّى تجهّما
) * «7» .
__________
(1) انظر المستطرف (1/ 291- 292) .
(2) المرجع السابق (1/ 206) .
(3) أحجما: تأخر عنه.
(4) أنهنهها: أكفها وأزجرها.
(5) يشينها: يعيبها.
(6) محيّاه: أي وجهه على سبيل الاستعارة.
(7) انظر أدب الدنيا والدين للماوردي (92) .(7/2717)
11-* (قال الشّاعر:
وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
) * «1» .
12-* (قال الشّاعر:
سافر إذا حاولت قدرا ... سار الهلال فصار بدرا
والماء يكسب ما جرى ... طيبا ويخبث ما استقرّا
وبنقلها الدّرر النّفيسة ... بدّلت بالبحر نحرا
) * «2» .
13-* (وقال آخر:
لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا ... ولا ينال العلا من قدّم الحذرا
ومن أراد العلا صفوا بلا كدر ... قضى ولم يقض من إدراكه وطرا
وأحزم النّاس من لو مات من ظمأ ... لا يقرب الورد حتّى يعرف الصّدرا «3»
) * «4» .
من فوائد (الطموح)
1- دليل شرف النّفس ونبلها.
2- يكسب معالي الأمور وعظائمها.
3- ينزّه النّفس عن سفاسف الأمور.
4- يكسب النّشاط في طلب العلم.
5- يرفع الصّغير ويسمو بالحقير.
__________
(1) صيد الخاطر لابن الجوزي (570) .
(2) الفلاكة والمفلكون للإمام الدلجي (141) .
(3) الصّدر: الانصراف عن الماء.
(4) الفلاكة والمفلكون (140) .(7/2718)
الطهارة
الطهارة لغة:
مصدر قولهم: طهر الشّيء طهرا وطهارة وهو مأخوذ من مادّة (ط هـ ر) الّتي تدلّ على نقاء وزوال دنس، يقال طهر وطهر (بالفتح والضّمّ) ، طهرا وطهارة (المصدران عن سيبويه) ، وقال الرّاغب: يقال:
طهرت المرأة وطهرت والفتح أقيس لأنّها خلاف طمثت ويقال في المؤنّث طاهرة (بالتّاء) ، وطهّرته بالماء، نظّفته به، ويقال طهّرته فتطهّر وطهر واطّهّر فهو طاهر ومتطهّر. عن ابن الأعرابيّ وأنشد:
أضعت المال للأحساب حتّى ... خرجت مبرّأ طهر الثّياب
والطّهر، نقيض الحيض. والطّهر: نقيض النّجاسة، والجمع أطهار. واسم الماء: الطّهور. وكلّ ماء نظيف: طهور، وماء طهور أي يتطهّر به وكلّ طهور طاهر، وليس كلّ طاهر طهورا.
قال الأزهريّ: وكلّ ما قيل في قوله- عزّ وجلّ- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (الفرقان/ 48) فإنّ الطّهور في اللّغة: هو الطّاهر المطهّر؛ لأنّه لا يكون طهورا إلّا وهو يتطهّر به.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
26/ 62/ 13
وقال ابن الأثير: الطّهور بالضّم: التّطهّر وبالفتح: الماء الّذي يتطهّر به.
والطّهارة: اسم يقوم مقام التّطهّر بالماء.
التّطهّر والتّطهير: التّنزّه والكفّ عن الإثم وما لا يجمل، ورجل طاهر الثّياب أي منزّه. وهم قوم يتطهّرون أي يتنزّهون عن الأدناس ورجل طهر الخلق وطاهره، والأنثى طاهرة.
والتّوبة الّتي تكون بإقامة الحدّ، كالرّجم وغيره: طهور للمذنب تطهّره تطهيرا، وقد طهّره الحدّ.
وطهّر فلان ولده إذا أقام سنّة ختانه «1» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: الطّهارة ضربان: طهارة جسم وطهارة نفس، ولكلّ معناه الاصطلاحيّ فطهارة النّفس: ترك الذّنب والعمل للصّلاح وتنقية النّفس من المعايب.
وطهارة الجسم: رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما «2» .
وقال المناويّ: الطّهارة شرعا صفة حكميّة توجب أن تصحّح للموصوف صحّة الصّلاة به أو فيه
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (4/ 504- 507) . ومقاييس اللغة (3/ 428) .
(2) المجموع شرح المهذب (1/ 79) ، والمفردات للراغب (ص 308) .(7/2719)
أو معه «1» . وقال الجرجانيّ: الطّهارة في الشّرع: عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة «2» .
من معاني كلمة «الطهارة» في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-: ذكر أهل التّفسير أنّ الطّهارة في القرآن على أوجه:
(1) الطّهارة من الذّنوب، ومنه قوله تعالى في براءة: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها التوبة/ 103) . وفي المجادلة فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (المجادلة/ 12) .
(2) الطّهارة من الأوثان، ومنه قوله تعالى في البقرة: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ (البقرة/ 125) ومثلها في الحجّ.
(3) ومنها: الحلال، ومنه قوله تعالى في هود:
هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (هود/ 78) أي أحلّ.
(4) ومنها: طهارة القلب من الرّيبة، ومنه قوله تعالى في البقرة: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ (البقرة/ 232) يريد: أطهر لقلب الرّجل والمرأة من الرّيبة، وفي الأحزاب ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (الأحزاب/ 53) أي من الرّيبة والدّنس.
(5) ومنها: الطّهارة من الفاحشة، ومنه قوله تعالى في آل عمران يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ (آل عمران/ 42) «3» .
أنواع الطهارة:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
الطّهارة أنواع:
(1) منها الطّهارة من الكفر والفسوق، كما يراد بالنّجاسة ضدّ ذلك كقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (التوبة/ 28) .
(2) ومنها: الطّهارة من الحدث وضدّ هذه نجاسة الحدث.
(3) ومنها: الطّهارة من الأعيان الخبيثة الّتي هي نجسة «4» .
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المراد من قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر/ 4) الآية تعمّ كلّ ما ذكره ابن تيميّة سابقا، إن كان طهارة القلب، فطهارة الثّوب، وطيب مكسبه تكميل لذلك، فإنّ خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة، كما أنّ خبث المطعم يكسبه ذلك، ولذلك حرّم ما حرّم من اللّباس، لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات الّتي تلبس جلودها، فإنّ الملابسة الظّاهرة تسري إلى الباطن. والمقصود أنّ طهارة الثّوب وكونه من مكسب طيّب وهو من تمام طهارة القلب وكمالها، فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها. فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به، وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النّفس، فلا يتمّ إلّا بذلك. والله
__________
(1) التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (228) وقد نقل تعريفا آخر لا يخرج عن التعريف الأول للإمام النووي.
(2) التعريفات (146) .
(3) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (419- 422) باختصار.
(4) مجموع الفتاوى (21/ 67، 68) .(7/2720)
سبحانه بحكمته جعل الدّخول إلى جنّته موقوفا على الطّيب والطّهارة، فلا يدخلها إلّا طيّب طاهر، فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب «1» .
قال الفيروز آباديّ- رحمه الله تعالى-: الطّهارة ضربان: جسمانيّة، ونفسانيّة وحمل عليهما عامّة الآيات. وقوله تعالى وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (المائدة/ 6) أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامه. وقال تعالى وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ ...
(البقرة/ 222) . وقوله تعالى: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (آل عمران/ 55) . أي مخرجك من جملتهم ومنزّهك أن تفعل فعلهم. وقيل في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة/ 79) يعني به تطهير النّفس أي إنّه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من يطهّر نفسه من درن الفساد والجهالات والمخالفات. وقوله تعالى وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ (البقرة/ 25) أي مطهّرات من درن الدّنيا وأنجاسها. وقيل من الأخلاق السّيّئة، بدلالة قوله تعالى وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قيل معناه: نفسك نزّهها عن المعايب. وقيل: طهّره عن الأغيار (يعني القلب) ، وتطهّر من الإثم: تنزّه منه.
وهو طاهر الثّياب: نزه من مدانس الأخلاق «2» .
وقال الجرجانيّ: الطّاهر من عصمه الله- تعالى- من المخالفات
وطاهر الظّاهر: من عصمه الله- تعالى- من المعاصي.
وطاهر الباطن: من عصمه الله تعالى من الوساوس والهوامس.
وطاهر السّرّ: من لا يغافل عن الله- تعالى- طرفة عين.
وطاهر السّرّ والعلانية: من قام بتوفية حقوق الحقّ والخلق جميعا لسعته برعاية الجانبين «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التقوى- التوبة- الصلاة- النزاهة- العبادة- الحياء- الوقاية- الصدقة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: النجاسة- الخبث- ترك الصلاة- البذاذة- الإهمال- الكسل- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- التهاون] .
__________
(1) إغاثة اللهفان (1/ 69) بتصرف واختصار.
(2) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 528، 530) باختصار وتصرف.
(3) التعريفات (144) .(7/2721)
الآيات الواردة في «الطهارة»
الطهارة من الذنوب:
1- وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1»
الطهارة من الأوثان:
2-* وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) «2»
3- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) «3»
4- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) «4»
الطهارة بمعنى التعظيم والتوقير:
5- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2)
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8)
وَهُوَ يَخْشى (9)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11)
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «5»
__________
(1) الأحزاب: 33- 34 مدنية
(2) البقرة: 124- 125 مدنية
(3) آل عمران: 55 مدنية
(4) الحج: 26 مدنية
(5) عبس: 1- 16 مكية(7/2722)
6- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) «1»
الطهارة بمعنى الحلال:
7- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) «2»
8- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13)
وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا (14) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا (17) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22) «3»
الطهارة بمعنى طهارة القلب من الريبة:
9- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «4»
10-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ
__________
(1) البيّنة: 1- 3 مدنية
(2) هود: 77- 78 مكية.
(3) الإنسان: 5- 22 مدنية
(4) البقرة: 232 مدنية(7/2723)
أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1»
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2»
12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «3»
الطهارة من الفاحشة:
13- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «4»
14- وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «5»
15- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)
__________
(1) المائدة: 41- 42 مدنية
(2) الأحزاب: 53 مدنية
(3) المجادلة: 12- 13 مدنية
(4) البقرة: 25 مدنية
(5) آل عمران: 42- 43 مدنية(7/2724)
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) «1»
16- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) . فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) «2»
الطهارة من الأقذار والأدناس:
17-* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «3»
18- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «4»
الطهارة من الحدث:
19- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «5»
20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) «6»
__________
(1) الأعراف: 80- 84 مكية
(2) النمل: 54- 56 مكية
(3) آل عمران: 15- 17 مدنية
(4) النساء: 56- 57 مدنية
(5) البقرة: 222- 223 مدنية
(6) المائدة: 6 مدنية(7/2725)
21- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) «1»
22- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) «2»
23- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «3»
24- أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «4»
25- إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78)
لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) «5»
26- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) «6»
__________
(1) الأنفال: 9- 11 مدنية
(2) التوبة: 103 مدنية
(3) التوبة: 107- 108 مدنية
(4) الفرقان: 45- 49 مكية
(5) الواقعة: 77- 80 مكية
(6) المدثر: 1- 7 مكية(7/2726)
الأحاديث الواردة في (الطهارة)
1-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البسوا ثياب البياض فإنّها أطهر وأطيب» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دبغ «2» الإهاب «3» فقد طهر» ) * «4» .
3-* (عن سلمان بن عامر الضّبيّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التّمر، فإن لم يجد التّمر فعلى الماء فإنّ الماء طهور» ) * «5» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ أسماء سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن غسل المحيض! فقال: «تأخذ إحداكنّ ماءها وسدرتها فتطهّر فتحسن الطّهور، ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتّى تبلغ شؤون رأسها «6» ثمّ تصبّ عليها الماء، ثمّ تأخذ فرصة ممسّكة فتطهّر بها» فقالت أسماء: وكيف تطهّر بها؟ فقال: «سبحان الله! تطهّرين بها» . فقالت عائشة: (كأنّها تخفي ذلك) تتبّعين أثر الدّم. وسألته عن غسل الجنابة. فقال: «تأخذ ماء فتطهّر فتحسن الطّهور أو تبلغ الطّهور، ثمّ تصبّ على رأسها فتدلكه حتّى تبلغ شؤون رأسها، ثمّ تفيض عليها الماء» .
فقالت عائشة: نعم النّساء نساء الأنصار! لم يكن يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدّين) * «7» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالمساجد أن تبنى في الدّور وأن تطهّر وتطيّب» ) * «8» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل على أعرابيّ يعوده، فقال:
«لا بأس عليك، طهور إن شاء الله» قال: قال الأعرابيّ: طهور بل هو حمّى تفور على شيخ كبير تزيره القبور. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فنعم إذا» ) * «9» .
7-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف.
__________
(1) الترمذي (2811) وقال: حسن صحيح، والنسائي (8/ 250) ، والحاكم (4/ 185) ، وابن ماجة (3567) واللفظ له. وأبو داود (4061) مثله من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-.
(2) الدبغ: معالجة جلد الميتة بقرظ وملح أو دواء لإصلاحه.
(3) الإهاب: جلد الميتة بعد سلخه عنها.
(4) مسلم (366) .
(5) أبو داود (2355) واللفظ له. والترمذي (695) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1699) . والدارمي (2/ 13) حديث (1701) وذكره الألباني في صحيح الجامع وقال: صحيح (1/ 158) .
(6) شؤون رأسها: أصول شعر رأسها.
(7) البخاري- الفتح 1 (314) . ومسلم (332) واللفظ له.
(8) أبو داود (455) وقال المنذري: رواه الخمسة إلا النسائي وأحمد بسند صحيح. وابن ماجة (758) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 13 (7470) .(7/2727)
فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه» . فبايعناه على ذلك) * «1» .
وعند النّسائي بلفظ: «ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فيه فهو طهوره، ومن ستره الله فذاك إلى الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له «2» .
8-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسّه بشرته فإنّ ذلك خير» «3» .
9-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلّل على الحسن والحسين وعليّ وفاطمة كساء، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: «إنّك إلى خير» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر:
«يا بلال! حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإنّي سمعت دفّ نعليك «5» بين يديّ في الجنّة» . قال:
ما عملت عملا أرجى عندي أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي) * «6» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
يا رسول الله! إنّي ذو مال وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج الزّكاة من مالك فإنّها طهرة تطهّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حقّ السّائل والجار والمسكين» ، فقال: يا رسول الله! أقلل لي؟ قال:
«فات ذا القربى حقّه والمسكين وابن السّبيل ولا تبذّر تبذيرا» ، فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أدّيت الزّكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم إذا أدّيتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها، وإثمها على من بدّلها» ) * «7» .
12-* عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي، كان كلّ نبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى كلّ أحمر وأسود. وأحلّت لي
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (1709) .
(2) النسائي (7/ 148) .
(3) الترمذي (1/ 212) / 124 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود (1/ 129- 131) ، والنسائي (1/ 16) ، وأحمد (5/ 180) ، والحاكم (1/ 176- 177) ، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي.
(4) الترمذي (3871) وقال: هذا حديث حسن. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (6/ 292 و304) .
(5) دفّ نعليك: تحريكهما.
(6) البخاري- الفتح 3 (1149) واللفظ له. ومسلم (2458) .
(7) أحمد (3/ 136) واللفظ له، وقالي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (3/ 63) .(7/2728)
الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي. وجعلت لي الأرض طيّبة طهورا ومسجدا، فأيّما رجل أدركته الصّلاة صلّى حيث كان. ونصرت بالرّعب بين يدي مسيرة شهر.
وأعطيت الشّفاعة» ) * «1» .
13-* (عن أبي صخرة قال: سمعت حمران ابن أبان قال: كنت أضع لعثمان طهوره فما أتى عليه يوم إلّا وهو يفيض عليه نطفة «2» ، وقال عثمان: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند انصرافنا من صلاتنا هذه (قال مسعر: أراها العصر) فقال: «ما أدري أحدّثكم بشيء أو أسكت؟» فقلنا يا رسول الله! إن كان خيرا فحدّثنا وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم. قال: «ما من مسلم يتطهّر فيتمّ الطّهور الّذي كتب الله عليه فيصلّي هذه الصّلوات الخمس إلّا كانت كفّارات لما بينها» ) * «3» .
14-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه دخل على ابن عامر يعوده وهو مريض، فقال: ألا تدعو الله لي، يا ابن عمر؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول «4» » وكنت على البصرة) * «5» .
15-* (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها. فقال: أي بنيّ، سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطّهور والدّعاء» ) * «6» .
16-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه طلّق امرأته وهي حائض. فسأل عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأمره أن يراجعها ثمّ يمهلها حتّى تحيض حيضة أخرى. ثمّ يمهلها حتّى تطهر. ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها. فتلك العدّة الّتي أمر الله أن يطلّق لها النّساء. قال: فكان ابن عمر إذا سئل عن الرّجل يطلّق امرأته وهي حائض يقول: إمّا أنت طلّقتها واحدة أو اثنتين، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أمره أن يراجعها ثمّ يمهلها حتّى تحيض حيضة أخرى، ثمّ يمهلها حتّى تطهر.
ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها وإمّا أنت طلّقتها «7» ثلاثا.
فقد عصيت ربّك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك) * «8» .
17-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك «9» ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء فقال:
يا رسول الله! طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (335) . ومسلم (521) واللفظ له.
(2) النطفة: الماء القليل. ومراده: لم يكن يمر عليه يوم إلا اغتسل فيه.
(3) البخاري- الفتح 1 (159) . ومسلم (231) واللفظ له.
(4) الغلول: الخيانة. وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة.
(5) مسلم (224) وقوله: وكنت على البصرة معناه إنك لست بسالم من الغلول فقد كنت واليا على البصرة.
(6) أبو داود (96) وهذا لفظه. وهو في المشكاة برقم (418) وعزاه كذلك لأحمد وابن ماجة وفيه قال الشيخ الألباني: إسناده صحيح وصححه جماعة (1/ 131) .
(7) إما أنت طلقتها: معناه إن كنت طلقتها.
(8) البخاري- الفتح 9 (5258) . ومسلم (1471) واللفظ له.
(9) ويحك: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.(7/2729)
ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد.
ثمّ جاء فقال: يا رسول الله! طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أبه جنون؟» فأخبر أنّه ليس بمجنون.
فقال: «أشرب خمرا؟» فقام رجل فاستنكهه «1» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» فقال: نعم. فأمر به فرجم. فكان النّاس فيه فرقتين.
قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته.
وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز. أنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده. ثمّ قال: اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال:
«استغفروا لما عز بن مالك» . قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تاب توبة لو قسّمت بين أمّة لوسعتهم» .
قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «2» من الأزد. فقالت:
يا رسول الله! طهّرني. فقال: «ويحك! ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ماعز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» قالت: إنّها حبلى من الزّنى فقال: «آنت؟» قالت نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» قال:
فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبيّ الله، قال فرجمها) * «3» .
18-* (عن سراقة بن مالك بن جعشم؛ قال:
جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر دية كلّ واحد منهما لمن قتله أو أسره.
فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتّى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة، إنّي قد رأيت آنفا أسودة «4» بالسّاحل أراها محمّدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنّهم هم، فقلت له: إنّهم ليسوا بهم، ولكنّك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا. ثمّ لبثت في المجلس ساعة، ثمّ قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجّه «5» الأرض، وخفضت عاليه، حتّى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرّب بي «6» حتّى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها
__________
(1) فاستنكهه: شم رائحته.
(2) غامد: بطن من قبيلة جهينة.
(3) البخاري- الفتح 12 (في مواضع من حديث جماعة من الصحابة) . ومسلم 3 (1695) واللفظ له.
(4) أسودة: أي أشخاصا.
(5) الزّجّ: نصل الرمح.
(6) تقرب بي: التقريب السير دون العدو وفوق العادة.(7/2730)
الأزلام، فاستقسمت بها: أضرّهم أم لا؟ فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرّب بي، حتّى إذا سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت «1» يدا فرسي في الأرض حتّى بلغتا الرّكبتين، فخررت عنها، ثمّ زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلمّا استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان «2» ساطع في السّماء مثل الدّخان، فاستقسمت بالأزلام «3» فخرج الّذي أكره فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتّى جئتهم.
ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدّية. وأخبرتهم أخبار ما يريد النّاس بهم، وعرضت عليهم الزّاد والمتاع، فلم يرزآني «4» ، ولم يسألاني إلّا أن قال: أخف عنّا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ابن شهاب:
فأخبرني عروة بن الزّبير أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقي الزّبير في ركب من المسلمين كانوا تجّارا قافلين من الشّام، فكسا الزّبير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ثياب بياض.
وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة، فكانوا يغدون كلّ غداة إلى الحرّة فينتظرونه، حتّى يردّهم حرّ الظّهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلمّا أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود «5» على أطم «6» من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مبيّضين يزول بهم السّراب «7» ، فلم يملك اليّهوديّ أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدّكم «8» الّذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السّلاح، فتلقّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتّى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل، فقام أبو بكر للنّاس، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحيّي أبا بكر حتّى أصابت الشّمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر حتّى ظلّل عليه بردائه، فعرف النّاس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الّذي أسّس على التّقوى، وصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ركب راحلته، فسار يمشي معه النّاس، حتّى بركت عند مسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا «9» للتّمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله
__________
(1) ساخت: أي غاصت.
(2) العثان: الغبار، وقيل: الدخان.
(3) الأزلام: هي الأقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل.
(4) لم يرزآني: أي لم ينقصاني مما معي شيئا.
(5) أوفى رجل من يهود: أي طلع إلى مكان عال فأشرف منه.
(6) (أطم) الأطم- بضمتين-: بناء مرتفع، وجمعه آطام.
(7) يزول بهم السراب: أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له.
(8) جدّكم: بفتح الجيم: أي حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه.
(9) المربد: هو الموضع الذي يجفف فيه التمر.(7/2731)
المنزل» . ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغلامين فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقبله منهما هبة، حتّى ابتاعه «1» منهما، ثمّ بناه مسجدا، وطفق «2» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينقل معهم اللّبن «3» في بنيانه ويقول وهو ينقل اللّبن:
«هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر
ويقول:
اللهمّ إنّ الأجر أجر الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره
فتمثّل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لي» ) * «4» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأسير فلهوت عنه فذهب فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما فعل الأسير؟» قالت:
لهوت عنه مع النّسوة فخرج، فقال: «مالك قطع الله يدك أو يديك» . فخرج فاذن به النّاس فطلبوه فجاؤا به، فدخل عليّ وأنا أقلّب يديّ، فقال: «مالك أجننت؟» قلت: دعوت عليّ فأنا أقلّب يديّ أنظر أيّهما يقطعان، فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه مدّا وقال: «اللهمّ إنّي بشر، أغضب كما يغضب البشر، فأيّما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعله له زكاة وطهورا» ) * «5» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سأل رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، إنّا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضّأنا به عطشنا، أفنتوضّأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته» ) * «6» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّواك مطهرة للفم، مرضاة للرّبّ» ) * «7» .
22-* (عن أبي روح عن رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه صلّى صلاة الصّبح فقرأ «الرّوم» فالتبس عليه فلمّا صلّى قال: «ما بال أقوام يصلّون معنا لا يحسنون الطّهور فإنّما يلبس علينا القرآن أولئك» ) * «8» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «طهور إناء أحدكم إذا ولغ
__________
(1) ابتاعه: أي اشتراه.
(2) طفق: أي جعل.
(3) اللبن: بكسر الباء أي الطوب المعمول من الطين الذي لم يحرق.
(4) البخاري- الفتح 7 (3906) واللفظ له. ومسلم (2009) بعضه من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنهما-.
(5) أحمد (6/ 52) ورجاله كلهم ثقات. والحديث عند مسلم. يعني آخره من حديث جماعة من الصحابة بأرقام (2600، 2604) .
(6) أبو داود (83) واللفظ له. والترمذي (69) وقال: حسن صحيح. والنسائي (1/ 176) وقال الألبانى في صحيح النسائي: صحيح (1/ 71) حديث (32) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 62) : وهو حديث صحيح.
(7) النسائي (1/ 10) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (1/ 4) . وأحمد (5/ 363، 6/ 47) . والدارمي (1/ 184) حديث (684) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 177) : إسناده صحيح.
(8) النسائي (2/ 156) واللفظ له. أحمد 5 (363) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 647) : وهو حديث حسن.(7/2732)
الكلب فيه أن يغسله سبع مرّات» ) * «1» .
24-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد الله تملآن (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض.
والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك، كلّ النّاس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها «2» » ) * «3» .
25-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فحضرت الصّلاة، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن في القوم من طهور؟» قال: فجاء رجل بفضلة في إداوة «4» قال:
فصبّه في قدح قال: فتوضّأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ إنّ القوم أتوا بقيّة الطّهور فقالوا: تمسّحوا تمسّحوا. قال:
فسمعهم رسول الله: صلّى الله عليه وسلّم فقال: على رسلكم» «5» قال:
فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده في القدح في جوف الماء قال:
ثمّ قال: أسبغوا الوضوء الطّهور قال: فقال جابر بن عبد الله والّذي أذهب بصري- قال: وكان قد ذهب بصره- لقد رأيت الماء يخرج من بين أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يرفع يده حتّى توضّأوا أجمعون، قال الأسود: حسبته قال: كنّا مائتين أو زيادة) * «6» .
26-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، من أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصّدقات) * «7» .
27-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قدمت مكّة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصّفا والمروة. قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «افعلي كما يفعل الحاجّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتّى تطهري» ) * «8» .
28-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله! إنّي امرأة أشدّ ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: «لا، إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات «9» ثمّ تفيضين «10» عليك الماء فتطهرين» ) * «11» .
29-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله أنتوضّأ من بئر بضاعة، وهي بئر
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (172) . ومسلم (279) واللفظ له.
(2) موبقها: أى يهلكها بالعذاب والمعاصي.
(3) مسلم (223) .
(4) الإداوة: إناء من جلد فيه ماء.
(5) على رسلكم: على مهلكم.
(6) أحمد (3/ 358) واللفظ له. والدارمى (1/ 27) حديث (26) .
(7) أبو داود (1609) واللفظ له. وابن ماجه (1827) . وذكره فى المشكاة (1/ 570) حديث (1818) وقال الشيخ الألباني: إسناده جيد.
(8) البخاري- الفتح 3 (1650) واللفظ له. ومسلم (1211)
(9) ثلاث حثيات: يعنى ثلاث غرفات.
(10) تفيضين: يعنى تصبين.
(11) مسلم (330) .(7/2733)
يلقى فيها الحيض «1» ولحوم الكلاب والنّتن؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الماء طهور لا ينجّسه شيء» ) * «2» .
30-* (عن عبد لله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما-؛ قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد. اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «3» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّاس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنسان منهم وهو عندي، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا) * «4» .
32-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا نعدّ الآيات بركة وأنتم تعدّونها تخويفا، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فقلّ الماء، فقال:
«اطلبوا فضلة من ماء» ، فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثمّ قال: «حيّ على الطّهور المبارك» ) * «5» .
33-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر فأهويت لأنزع خفّيه، فقال: «دعهما فإنّي أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما» ) * «6» .
34-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يبيت على طهر ثمّ يتعارّ من اللّيل فيذكر الله ويسأل الله خيرا من خير الدّنيا والآخرة إلّا آتاه الله إيّاه» ) * «7» .
35-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مفتاح الصّلاة الطّهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم» ) * «8» .
36-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أوى إلى فراشه طاهرا يذكر الله حتّى يدركه النّعاس لم يتقلّب ساعة من اللّيل سأل الله شيئا من خير الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه» ) * «9» .
37-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-
__________
(1) الحيض: جمع حيضة وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض. والمعنى العام للحديث: أن السيل كان يجمع هذه الأشياء فيلقيها في البئر لا أنهم طرحوها قصدا.
(2) الترمذي (66) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (66) . والنسائى (1/ 174) وقال الألباني فى صحيح النسائي: صحيح (1/ 70) حديث (315) . وذكر الحافظ في التلخيص أنه صحيح (3/ 4) .
(3) مسلم (476) .
(4) البخاري- الفتح 2 (902) واللفظ له. ومسلم (847) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3579) .
(6) البخاري- الفتح 1 (206) واللفظ له. ومسلم (272) .
(7) مجمع الزوائد (1/ 223) واللفظ له وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن ومسند أحمد (4/ 113) .
(8) الترمذي (3) واللفظ له، وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وابن ماجة (275) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 429) : وهو حديث صحيح.
(9) الترمذي (3526) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأبو داود (5042) ومثله من حديث معاذ. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 478) : له شواهد بمعناه يقوى بها.(7/2734)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من بات طاهرا بات في شعاره «1» ملك فلا يستيقظ من ليل إلّا قال الملك:
اللهمّ اغفر لعبدك كما بات طاهرا» ) * «2» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تطهّر في بيته ثمّ مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطّ خطيئة، والآخرى ترفع درجة» ) * «3» .
39-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء» ) * «4» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (التوبة/ 108) قال:
كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية» ) «5» .
41-* (عن أمّ ولد لإبراهيم بن عبد الرّحمن ابن عوف، أنّها سألت أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فقالت: إنّي امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر فقالت أمّ سلمة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يطهّره ما بعده» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في (الطهارة) معنى
42-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ من أفضل أعمالكم الصّلاة.
ولا يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن» ) * «7» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرّات، فإنّ الشّيطان يبيت على خياشيمه» ) * «8» .
__________
(1) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد.
(2) الطبراني في الكبير عن ابن عمر- رضي الله عنهما- بلفظ قريب (12/ 446) برقم (13620) . وقال الهيثمي في المجمع: أرجو أنه حسن الإسناد من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- (1/ 226) وهذا لفظه.
(3) مسلم (666) .
(4) الترمذي (55) وأعله بالاضطراب. وقد ورد لزيادة «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين» شاهد عن ثوبان كما في مجمع الزوائد (1/ 239) ، وقبل هذه الزيادة ابن القيم في زاد المعاد (1/ 196) ، 2/ 288) ، وانظر تحقيق الشيخ شاكر للحديث في الترمذي (1/ 83) .
(5) أبو داود (44) واللفظ له. وقال الألباني (1/ 11) : صحيح. والترمذي (3100) وقال: غريب من هذا الوجه. وابن ماجة (355) من حديث أبي أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك- رضى الله عنهم-. وقال محقق «جامع الأصول» (2/ 171) : له شواهد يشد بعضها بعضا، فيتقوى الحديث بها.
(6) أبو داود (383) واللفظ له. وقال الألباني (1/ 77) : صحيح، وابن ماجة (531) ، وأحمد (6/ 290، 316) .
(7) ابن ماجة (278) واللفظ له، والدارمى من حديث ثوبان مقطوعا وبلفظ آخر موصولا (655، 656) ، والبيهقي في الشعب الطريقين (2713، 2714) وقال مخرجه: إسناد أحدهما حسن. وقال الألباني: صحيح: صحيح الجامع (1/ 952) .
(8) البخاري- الفتح 6 (3295) . ومسلم (238) واللفظ له.(7/2735)
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثا فإنّه لا يدري أين باتت يده» ) * «1» .
45-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن وقل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت.
فإن متّ، متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول.
فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال:
لا، وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «2» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى، يا رسول الله قال: «إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة فذلكم الرّباط» ) * «3» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب فانخنست «4» منه، فذهب فاغتسل ثمّ جاء فقال:
«أين كنت يا أبا هريرة؟» قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: «سبحان الله، إنّ المسلم لا ينجس» ) * «5» .
48-* (عن نعيم بن عبد الله المجمر قال:
رأيت أبا هريرة يتوضّأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثمّ غسل يده اليمنى حتّى أشرع في العضد، ثمّ يده اليسرى حتّى أشرع في العضد، ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجله اليمنى حتّى أشرع في السّاق، ثمّ غسل رجله اليسرى حتّى أشرع في السّاق، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتوضّأ. وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنتم الغرّ المحجّلون يوم القيامة، من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرّته وتحجيله» ) * «6» .
49-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) »
__________
(1) مسلم (278) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6311) واللفظ له. ومسلم (2710) ، وفي لفظ أبي داود: إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك (5047) .
(3) مسلم (251) .
(4) فانخنست: يعنى مضيت عنه مستخفيا.
(5) البخاري- الفتح 1 (283) واللفظ له. ومسلم (371) .
(6) البخاري- الفتح 1 (136) مختصرا. ومسلم (246) واللفظ له(7/2736)
قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «1» .
50-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عشر من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم «2» ، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء «3» » قال زكريّاء قال مصعب:
ونسيت العاشرة، إلّا أن تكون المضمضة» ) * «4» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الفطرة خمس (أو خمس من الفطرة) : الختان، والاستحداد «5» ، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقصّ الشّارب» ) * «6» .
52-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، كيف الوضوء؟ قال:
«أمّا الوضوء فإنّك إذا توضّأت فغسلت كفّيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأنا ملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين ومسحت رأسك وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامّة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله- عزّ وجلّ- خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمّك» ) * «7» .
53-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل. فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث النّاس. فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلّا وجبت له الجنّة» . قال:
فقلت: ما أجود هذه فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا، قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «8» .
54-* (عن معاذة أنّ امرأة قالت لعائشة:
أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟: فقالت: أحروريّة أنت «9» ؟ كنّا نحيض مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلا يأمرنا به أو قالت: فلا نفعله) * «10» .
55-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يتنفّس في الإناء، وأن يمسّ ذكره بيمينه، وأن يستطيب «11» بيمينه) * «12» .
56-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-
__________
(1) مسلم (963) .
(2) البراجم: جمع برجمة، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها.
(3) انتقاص الماء: الاستنجاء.
(4) مسلم (261) .
(5) الاستحداد: حلق العانة.
(6) البخاري- الفتح 10 (5889) . ومسلم (257) واللفظ له.
(7) النسائي (1/ 91، 92) وقال الألباني: صحيح (1/ 107، 108) .
(8) مسلم (234) .
(9) يقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري ... وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دلّ عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام انكار. قاله ابن حجر في «فتح الباري» .
(10) البخاري- الفتح 1 (321) واللفظ له. ومسلم (335) .
(11) يستطيب: الاستطابة والإطابة: كناية عن الاستنجاء.
(12) البخاري- الفتح 1 (154) . ومسلم (267) واللفظ له.(7/2737)
قال: «وقّت لنا في قصّ الشّارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة» ) * «1» .
57-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «2» .
58-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم ثمّ يغتسل منه» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الطهارة)
59-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحبّ التّيمّن في طهوره إذا تطهّر وفي ترجّله إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل) * «4» .
60-* (عن المهاجر بن قنفذ، أنّه أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يبول فسلّم عليه فلم يردّ عليه حتّى توضّأ ثمّ اعتذر إليه فقال: «إنّي كرهت أن أذكر الله- عزّ وجلّ- إلّا على طهر أو قال على طهارة» ) * «5» .
61-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كانت يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) * «6» .
62-* (عن سفينة، قال أبو بكر «7» صاحب «8» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغتسل بالصّاع ويتطهّر بالمدّ «9» ) * «10» .
__________
(1) مسلم (258) .
(2) مسلم (2722) .
(3) البخاري- الفتح 1 (239) . ومسلم (282) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 1 (168) . ومسلم (268) واللفظ له.
(5) أبو داود (17) واللفظ له. والنسائى (1/ 37) وابن ماجة (1/ 350) .
(6) أبو داود (33) واللفظ له. وقال الألباني (1/ 9) : صحيح. وأحمد (6/ 265) . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 137) : وهو حديث حسن.
(7) هو أبو بكر بن أبي شيبة راوي الحديث.
(8) هو بخفض صاحب، صفة لسفينة.
(9) المد:- بالضم- نوع من المكاييل، وهو ربع صاع والصاع خمسة أرطال- والجمع أمداد، ومدد ومداد. ويشبه أن يكون المد الآن بما يقارب نصف لتر أو يزيد.
(10) مسلم (326) . وأخرج الشيخان نحوه من حديث أنس- رضي الله عنه-.(7/2738)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الطهارة)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إنّه مرّ مع صاحب له بميزاب، فقال صاحبه: يا صاحب الميزاب، ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب، لا تخبره فإنّ هذا ليس عليه) * «1» .
2-* (قال عثمان بن عفّان- رضي الله عنه-:
«لو طهرت قلوبنا لما أشبعت من كلام ربّنا» ) * «2» .
3-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«صلّى سلمان الفارسيّ وأبو الدّرداء- رضي الله عنهما- في بيت نصرانيّة، فقال لها أبو الدّرداء: هل في بيتك مكان طاهر فنصلّي فيه؟ فقالت: «طهّرا قلوبكما ثمّ صلّيا أين أحببتما. فقال له سلمان: خذها من غير فقيه» ) * «3» .
4-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصّلوات حيث ينادى بهنّ. فإنّ الله شرع لنبيّكم صلّى الله عليه وسلّم سنن الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى، ولو أنّكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطّهور ثمّ يعمد «4» إلى مسجد من هذه المساجد إلّا كتب الله له بكلّ خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيّئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلّا منافق معلوم النّفاق، ولقد كان الرّجل يؤتى به يهادى بين الرّجلين حتّى يقام في الصّفّ» ) * «5» .
5-* (قال عبد لله بن عمر- رضي الله عنهما:
«فلمّا أنزلت الزّكاة جعلها الله طهرا للأموال» ) * «6» .
6-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ (البقرة/ 124) قال: «ابتلاه بالطّهارة خمس في الرّأس وخمس في الجسد، في الرّأس: قصّ الشّارب والمضمضة والاستنشاق والسّواك، وفرق الرّأس. وفي الجسد: تقليم الأظافر وحلق العانة، والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء» ) * «7» .
7-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-:
«ثلاث من الإيمان. أن يحتلم الرّجل في اللّيلة الباردة فيقوم فيغتسل لا يراه إلّا الله، والصّوم في اليوم الحارّ، وصلاة الرّجل في الأرض الفلاة لا يراه إلّا الله» ) * «8» .
8-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه كان إذا توضّأ يأخذ المسك فيديفه «9» في يده ثمّ يمسح به لحيته) * «10» .
9-* (قال أبو أمامة الباهليّ- رضي الله عنه:
«إذا وضعت الطّهور مواضعه قعدت مغفورا
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 57) .
(2) إغاثة اللهفان (1/ 55) .
(3) المرجع السابق (1/ 153) .
(4) يعمد: أي يقصد.
(5) مسلم (257، 654) .
(6) البخاري- الفتح 3 (318) .
(7) تفسير ابن كثير (1/ 166) .
(8) البيهقي في الشعب (3/ 22) برقم (2757) .
(9) يديفه: يبله بماء ويخلطه.
(10) مجمع الزوائد (1/ 240) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.(7/2739)
لك» ) * «1» .
10-* (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة/ 108) : «إنّ الطّهور بالماء لحسن، ولكنّهم المطّهّرون من الذّنوب» ) * «2» .
11-* (قال الأعمش- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ: التّوبة من الذّنوب والتّطهّر من الشّرك» ) * «3» .
12-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«من تطهّر في الدّنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخل الجنّة بغير معوّق، وأمّا من لم يتطهّر في الدّنيا فإن كانت نجاسته عينيّة كالكافر لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبيّة عارضة دخلها بعد ما يتطهّر في النّار من تلك النّجاسة ثمّ لم يخرج منها «4» » ) * «5» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«جمع الله تعالى بين الزّكاة والطّهارة لتلازمهما كما في قوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) وذلك لأنّ نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرّديئة في البدن، وبمنزلة الدّغل في الزّرع، وبمنزلة الخبث في الذّهب والفضّة والنّحاس والحديد. فكما أنّ البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرّديئة تخلّصت القوّة الطبيعيّة منها فاستراحت، فعملت عملها بلا معوّق ولا ممانع فنما البدن. فكذلك القلب إذا تخلّص من الذّنوب بالتّوبة، فالمقصود أنّ زكاة القلب موقوفة على طهارته كما أنّ زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرّديئة» ) * «6» .
من فوائد (الطهارة)
(1) بها ينال العبد محبّة الله ورضاه.
(2) شرط لصحّة الصّلاة، والطّواف، ومسّ القرآن.
(3) الطّهارة عامّة في كلّ ما يتّصل بالمسلم من مسجده وثوبه وبيته وسوقه وغير ذلك.
(4) صحّة للأبدان وقوّة للأديان.
(5) الأخذ بالأيسر والأسهل والأوسط قدرا ونوعا سمة ظاهرة في الدّين ومنه باب الطّهارة.
(6) طهارة الباطن كطهارة الظّاهر فطهارة الوجدان كطهارة الأبدان بل أهمّ.
(7) عبادة لا يطّلع عليها إلّا الله فيستدلّ بها على صحّة الإيمان.
(8) إشاعة النّظافة في المجتمع تبعث في النّفس السّرور والانشراح.
(9) المجتمع النّظيف الطّاهر قليل خبثه الماديّ والمعنويّ.
(10) الطّهارة وسيلة هامّة من وسائل الوقاية من الأمراض، ومن المعروف أنّ الوقاية خير من العلاج.
__________
(1) مجمع الزوائد (1/ 223) وقال: رواه الطبراني ورجاله موثقون.
(2) تفسير ابن كثير (2/ 391) .
(3) تفسير ابن كثير (2/ 391) .
(4) أي لم يخرج من الجنة.
(5) إغاثة اللهفان (1/ 71) .
(6) انتهى بتصرف واختصار من إغاثة اللهفان (1/ 59- 62) .(7/2740)
[حرف العين]
العبادة
العبادة لغة:
مصدر عبد يعبد عبادة أي أطاع وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ع ب د) الّتي تدلّ على معنيين: الأوّل لين وذلّ، والآخر شدّة وغلظ «1» ومن الأصل الأوّل أخذ العبد وهو المملوك، والجماعة العبيد، وثلاثة أعبد (في جمع القلّة) وهم العباد (في جمع الكثرة) ، قال الخليل: إلّا أنّهم اجتمعوا على تفرقة ما بين عباد الله والعبيد المملوكين. يقال: هذا عبد بيّن العبودة ولم نسمعهم يشتقّون منه فعلا، ولو اشتقّ لقيل (عبد) أي صار عبدا وأقرّ بالعبودة، ولكنّه أميت الفعل فلم يستعمل، قال (الخليل) وأمّا عبد يعبد عبادة، فلا يقال إلّا لمن يعبد الله تعالى، يقال منه عبد يعبد عبادة وعبودة وعبوديّة ومعبدا، وتعبّد يتعبّد تعبّدا، فالمتعبّد: المنفرد بالعبادة، ويقال: استعبدت فلانا: اتّخذته عبدا، ويقال تعبّد فلان فلانا إذا صيّره كالعبد له وإن كان حرّا، ويقال أعبد فلان فلانا أي جعله عبدا، ويقال للمشركين: عبدة الطّاغوت والأوثان، وللمسلمين عبّاد يعبدون الله، وذكر بعضهم في جمع عابد عبد، وتأنيث العبد عبدة، والعبدّاء: جماعة العبيد الّذين ولدوا
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
139/ 69/ 14
في العبوديّة، ومن الباب البعير المعبّد أي المهنوء بالقطران؛ لأنّ ذلك يذلّه ويخفض منه، ومنه أيضا الطّريق المعبّد وهو المسلوك المذلّل «2» .
وقال الرّاغب: العبوديّة: إظهار التّذلّل، والعبادة أبلغ منها لأنّها غاية التّذلّل ولا يستحقّها إلّا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى وجمع العبد الّذي هو مسترقّ عبيد، وقيل عبدّا، وجمع العبد الّذي هو العابد عباد، فالعبيد إذا أضيف إلى الله أعمّ من العباد ولهذا قال: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (ق/ 29) فنبّه أنّه لا يظلم من يختصّ بعبادته ولا من ينتسب إلى غيره كعبد شمس وعبد اللّات ونحو ذلك «3» .
وقال الجوهريّ: العبد خلاف الحرّ، والجمع عبيد وأعبد وعباد وعبدان وعبدان وعبدّان وعبدّا يمدّ ويقصر، ومعبوداء بالمدّ، وأصل العبوديّة: الخضوع والذّلّ، والتّعبيد: الاستعباد، وهو أن يتّخذه عبدا، وكذلك الاعتباد، وفي الحديث «ورجل اعتبد محرّرا» والإعباد مثله وكذلك التّعبّد، والعبادة الطّاعة، والتّعبّد التّنسّك «4» .
وقال ابن منظور: العبد: الإنسان حرّا كان
__________
(1) من هذا الأصل قولهم: العبدة وهي القوّة والصلابة، والعبد وهو الأنفة والحمية انظر في هذا: مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 206) ، ولسان العرب (3/ 275) .
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 205، 206) .
(3) مفردات الراغب (318) .
(4) الصحاح (2/ 502) .(7/2741)
أو رقيقا، يذهب بذلك إلى أنّه مربوب لباريه- عزّ وجلّ-، والعبد المملوك: خلاف الحرّ، وأصل العبوديّة الخضوع والذّلّ، ويقال تعبّد الله العبد بالطّاعة أي استعبده، أمّا تعبّدت فلانا فمعناه اتّخذته عبدا مثل عبّدته سواء، وكلّ من دان لملك فهو عابد له، والمعبّد:
المكرّم المعظّم كأنّه يعبد قال حاتم:
تقول: ألا تبقي عليك، فإنّني ... أرى المال عند الممسكين معبّدا؟ «1» .
واصطلاحا:
اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة.
وقيل: هي اسم يجمع كمال الحبّ لله ونهايته، وكمال الذّلّ لله ونهايته.
وقيل: عبادة الله: طاعته بفعل المأمور وترك المحذور «2» .
وقال المناويّ: العبادة فعل المكلّف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربّه. وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التّذلّل والخضوع المتجاوز لتذلّل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصّت بالرّبّ، وهي أخصّ من العبوديّة الّتي تعني مطلق التّذلّل «3» .
أمّا العبوديّة فقد عرّفها الجرجانيّ بقوله: هي الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرّضا بالموجود، والصّبر على المفقود «4» .
الفرق بين الطاعة والعبادة:
قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الطّاعة والعبادة: أنّ العبادة غاية الخضوع، ولا تستحقّ إلّا بغاية الإنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلّا بمعرفة المعبود، أمّا الطّاعة فهي الفعل الواقع على حسب إرادة المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممّن يفعل ذلك وتكون للخالق، والمخلوق، كما أنّ الطّاعة لا يصحبها قصد الاتّباع، كالإنسان يكون مطيعا للشّيطان وإن لم يقصد أن يطيعه ولكنّه اتّبع دعاءه وإرادته «5» .
العبادة وأنواع العبد:
قال الرّاغب: العبادة ضربان:
1- عبادة بالتّسخير: وهي للإنسان والحيوانات والنّبات.
2- عبادة بالاختيار: وهي لذوي النّطق، وهي المأمور بها في قوله سبحانه يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (البقرة/ 21) .
أمّا العبد فإنّه يقال على أضرب:
الأوّل: عبد بحكم الشّرع: وهو الإنسان الّذي يصحّ بيعه وابتياعه.
الثّاني: عبد بالإيجاد: وذلك ليس إلّا لله وإيّاه
__________
(1) لسان العرب (3/ 2704) .
(2) العبودية لابن تيمية (5) ، وتيسير العزيز الحميد (47) ، وقرة عيون الموحدين (15) ، وفتح المجيد (14) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (234) .
(4) التعريفات (151) .
(5) بتصرف يسير عن الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (182) .(7/2742)
قصد بقوله إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (مريم/ 93) .
الثّالث: عبد بالعبادة والخدمة: والنّاس في هذا ضربان:
أ- عبد مخلص لله، وهو المقصود بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ (الكهف/ 1) .
ب- عبد للدّنيا وأعراضها، وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها وإيّاه قصد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «تعس عبد الدّرهم، تعس عبد الدّيا نار» ... الحديث» «1» .
من معاني كلمة «العبادة» في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ العبادة في القرآن على وجهين: أحدهما: التّوحيد. ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (النساء/ 36) أي وحّدوه.
والثّاني: الطّاعة. ومنه قوله تعالى في يس: أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ (يس/ 60) ، وفي سبأ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (سبأ/ 40) «2» .
حقيقة العبادة:
قال القرطبيّ- رحمه الله-: أصل العبادة:
التّذلّل والخضوع، وسمّيت وظائف الشّرع على المكلّفين عبادات؛ لأنّهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذلّلين لله تعالى «3» .
قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله-: التّحقيق بمعنى قوله (إنّي عبدك) : التزام عبوديّته من الذّلّ والخضوع والإنابة، وامتثال أمر سيّده واجتناب نهيه ودوام الافتقار إليه، واللّجوء إليه والاستعانة به، والتّوكّل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وأن لا يتعلّق قلبه بغيره محبّة وخوفا ورجاء. وفيه أيضا: أنّي عبد من جميع الوجوه: صغيرا وكبيرا، حيّا وميّتا مطيعا وعاصيا، معافى ومبتلى، بالرّوح والقلب واللّسان والجوارح، وفيه أيضا: أنّ مالي ونفسي ملك لك؛ فإنّ العبد وما يملك لسيّده. وفيه أيضا: أنّك أنت الّذي مننت عليّ بكلّ ما أنا فيه من نعمة فذلك كلّه من إنعامك على عبدك. وفيه أيضا: أنّي لا أتصرّف فيما خوّلتني من مالي ونفسي إلّا بأمرك، كما لا يتصرّف العبد إلّا بإذن سيّده، وإنّي لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فإن صحّ له شهود ذلك فقد قال: إنّي عبدك حقيقة.
ثمّ قال: ناصيتي بيدك، أي أنت المتصرّف فيّ تصرّفني كيف تشاء، لست أنا المتصرّف في نفسي.
وكيف يكون له في نفسه تصرّف من نفسه بيد ربّه وسيّده، وناصيته بيده، وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه كلّه إليه سبحانه ليس إلى العبد منه شيء، بل هو في قبضة سيّده أضعف من مملوك ضعيف حقير، ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له، تحت تصرّفه وقهره، بل الأمر فوق ذلك.
ومتى شهد العبد أنّ ناصيته ونواصي العباد كلّها بيد الله وحده يصرّفهم كيف يشاء، لم يخفهم بعد ذلك، ولم يرجهم، ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد
__________
(1) مفردات الراغب (318) .
(2) انظر نزهة الأعين النواظر (431، 432) .
(3) فتح المجيد (18) .(7/2743)
مقهورين مربوبين، المتصرّف فيهم سواهم والمدبّر لهم غيرهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته إلى ربّه وصفا لازما له، ومتى شهد النّاس كذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلّق أمله ورجاءه بهم فاستقام توحيده وتوكّله وعبوديّته «1» .
أركان العبادة:
ويقول ابن القيّم: «العبادة تجمع أصلين: غاية الحبّ وغاية الذّلّ والخضوع ... فمن أحببته ولم تكن خاضعا له لم تكن عابدا له، ومن خضعت له بلا محبّة لم تكن عابدا له حتّى تكون محبّا خاضعا. ومن ههنا كان المنكرون محبّة العباد لربّهم منكرين حقيقة العبوديّة والمنكرون لكونه محبوبا لهم- بل هو غاية مطلوبهم ووجهه الأعلى نهاية بغيتهم- منكرون لكونه إلها، وإن أقرّوا بكونه ربّا للعالمين وخالقا لهم، فهذا الإقرار غاية توحيدهم، وهو توحيد الرّبوبيّة الّذي اعترف به مشركو العرب ولم يخرجوا به عن الشّرك «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإسلام- الاستعانة- الإنابة- التقوى- التوحيد- الخشوع- الضراعة- الصلاة- الحج والعمرة- الصوم- الطاعة- تلاوة القرآن- الصدقة- الزكاة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- العصيان- الفجور- هجر القرآن- الغافلة- ترك الصلاة- الإعراض- النفاق- التفريط والإفراط- الاعوجاج- التهاون] .
__________
(1) الفوائد لابن القيم (34، 35) .
(2) مدارج السالكين (1/ 85- 86) .(7/2744)
الآيات الواردة في «العبادة»
العبادة بمعنى التوحيد
1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1»
2- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «2»
3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «3»
4- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
__________
(1) الفاتحة: 1- 7 مكية
(2) البقرة: 21- 24 مدنية
(3) البقرة: 83 مدنية(7/2745)
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) «1»
5- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «2»
6-* وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «3»
7-نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
(172) «4»
8- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) «5»
9- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)
__________
(1) آل عمران: 45- 51 مدنية
(2) آل عمران: 64 مدنية
(3) النساء: 36 مدنية
(4) النساء: 172 مدنية
(5) المائدة: 72- 76 مدنية(7/2746)
ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «1»
10- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) «2»
11- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) * وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) «3»
12-* إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ
__________
(1) المائدة: 116- 118 مدنية
(2) الأنعام: 56 مكية
(3) الأنعام: 57- 61 مكية(7/2747)
وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) «1»
13- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «2»
14-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «3»
15- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76) «4»
16- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «5»
__________
(1) الأنعام: 95- 102 مكية
(2) الأعراف: 59- 62 مكية
(3) الأعراف: 65- 68 مكية
(4) الأعراف: 73- 76 مكية
(5) الأعراف: 85 مكية(7/2748)
17- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) «1»
18- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «2» .
19- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «3»
20- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) «4»
21- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) «5»
22- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) «6»
23-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «7»
__________
(1) التوبة: 30- 31 مدنية
(2) يونس: 3 مكية
(3) يونس: 104- 107 مكية
(4) هود: 1- 2 مكية
(5) هود: 25- 26 مكية
(6) هود: 50 مكية
(7) هود: 61 مكية(7/2749)
24-* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) «1»
25- وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «2»
26- وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) «3»
27-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «4»
28- وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) «5»
29- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «6»
30- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) «7»
__________
(1) هود: 84 مكية
(2) الرعد: 36 مدنية
(3) النحل: 36 مكية
(4) الإسراء: 23- 24 مكية
(5) الكهف: 16 مكية
(6) الكهف: 110 مكية
(7) مريم: 27- 36 مكية(7/2750)
31- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «1»
32- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) «2»
33- إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) «3»
34- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
__________
(1) الأنبياء: 25- 27 مكية
(2) المؤمنون: 24- 33 مكية
(3) الأنبياء: 92 مكية(7/2751)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «1»
35- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «2»
36- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «3»
37- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «4»
38- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37) «5»
39- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) «6»
40- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «7»
41- قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) «8»
__________
(1) المؤمنون: 101- 111 مكية
(2) النور: 55 مدنية
(3) النمل: 45- 46 مكية
(4) العنكبوت: 16- 17 مكية
(5) العنكبوت: 36- 37 مكية
(6) يس: 20- 23 مكية
(7) الزمر: 1- 3 مكية
(8) الزمر: 64- 66 مكية(7/2752)
42- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (14) «1»
43- وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «2»
44- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) «3»
45-* وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) «4»
46- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) «5»
47- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) «6»
48- وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «7»
49- لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) «8»
__________
(1) فصلت: 13- 14 مكية
(2) فصلت: 37- 38 مكية
(3) الزخرف: 63- 68 مكية
(4) الأحقاف: 21- 22 مكية
(5) نوح: 1- 3 مكية
(6) العلق: 9- 12 مكية
(7) البينة: 5 مدنية
(8) قريش: 1- 4 مكية(7/2753)
العبادة بمعنى الطاعة:
50- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) «1»
51- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «2»
52-نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
(172)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «3»
53- وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «4»
54-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «5»
__________
(1) البقرة: 133- 135 مدنية
(2) البقرة: 172- 173 مدنية
(3) النساء: 172- 173 مدنية
(4) الأعراف: 204- 206 مكية
(5) التوبة: 111- 112 مدنية(7/2754)
55- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) «1»
56- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) «2»
57- فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) «3»
58- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) «4»
59- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) «5»
60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) «6»
61- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «7»
62- وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) «8»
63- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) «9»
__________
(1) هود: 123 مكية
(2) الحجر: 97- 99 مكية
(3) النحل: 114- 115 مكية
(4) طه: 9- 14 مكية
(5) الأنبياء: 19- 20 مكية
(6) الحج: 77 مدنية
(7) النمل: 91- 93 مكية
(8) غافر: 60 مكية
(9) الذاريات: 55- 58 مكية(7/2755)
64- عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) . «1»
العبادة توحي بالتشريف وتحمل الثواب العظيم:
65- وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90) «2»
66- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «3»
67- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «4»
68- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «5»
69- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «6»
__________
(1) التحريم: 5 مدنية
(2) البقرة: 89- 90 مدنية
(3) البقرة: 186 مدنية
(4) البقرة: 207 مدنية
(5) آل عمران: 14- 20 مدنية
(6) آل عمران: 30 مدنية(7/2756)
70- لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) «1»
71- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (86) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (88) «2»
72- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) «3»
73- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «4»
74- وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «5»
75- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (50) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) «6»
__________
(1) آل عمران: 181- 182 مدنية
(2) الأنعام: 83- 88 مكية
(3) الأعراف: 31- 32 مكية
(4) الأعراف: 128 مكية
(5) الأنفال: 41 مدنية
(6) الأنفال: 49- 51 مدنية(7/2757)
76- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «1»
77- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) «2»
78- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)
قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) «3»
79-* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) «4»
80- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) «5»
81- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
__________
(1) التوبة: 103- 104 مدنية
(2) يوسف: 23- 24 مكية
(3) الحجر: 28- 43 مكية
(4) الحجر: 49- 50 مكية
(5) النحل: 1- 2 مكية(7/2758)
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا (5) «1»
82- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61)
قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) «2»
83- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) «3»
84- وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)
__________
(1) الإسراء: 1- 5 مكية
(2) الإسراء: 61- 65 مكية
(3) الكهف: 1- 3 مكية(7/2759)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) «1»
85- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) «2»
86-* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «3»
87- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) «4»
88- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «5»
89-* وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) «6»
90- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) «7»
91- وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32) «8»
92- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) «9»
__________
(1) الكهف: 60- 70 مكية
(2) مريم: 1- 3 مكية
(3) مريم: 59- 65 مكية
(4) طه: 77 مكية
(5) الأنبياء: 72- 73 مكية
(6) الأنبياء: 83- 84 مكية
(7) الأنبياء: 105- 106 مكية
(8) النور: 32 مدنية
(9) الفرقان: 1- 2 مكية(7/2760)
93- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63)
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65)
إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66)
وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68)
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «1»
94-* وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) «2»
95- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «3»
96- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) * فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (57)
__________
(1) الفرقان: 63- 70 مكية
(2) الشعراء: 52- 56 مكية
(3) النمل: 15- 19 مكية(7/2761)
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) «1»
97- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(62) «2»
98- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) «3»
99-* أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «4»
100- وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38)
وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) «5»
101- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) «6»
102- وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «7»
__________
(1) النمل: 54- 59 مكية
(2) العنكبوت: 56- 62 مكية
(3) الروم: 48 مكية
(4) يس: 60- 61 مكية
(5) الصافات: 36- 40 مكية
(6) الصافات: 72- 74 مكية
(7) الصافات: 104- 111 مكية(7/2762)
103- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «1»
104- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) «2»
105- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163) وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (173) «3»
106- وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) «4»
107- وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31)
فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) «5»
__________
(1) الصافات: 114- 122 مكية
(2) الصافات: 123- 132 مكية
(3) الصافات: 158- 173 مكية
(4) ص: 16- 17 مكية
(5) ص: 30- 32 مكية(7/2763)
108- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42)
وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45)
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) «1»
109- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14)
فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «2»
110- أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) «3»
111- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) «4»
__________
(1) ص: 41- 47 مكية
(2) الزمر: 10- 18 مكية
(3) الزمر: 36- 37 مكية
(4) غافر: 14- 17 مكية(7/2764)
112- مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) «1»
113- اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) «2»
114- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26)
* وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) «3»
115- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «4»
116-* وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) «5»
117- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6)
__________
(1) فصلت: 46 مكية
(2) الشورى: 19 مكية
(3) الشورى: 22- 27 (22، 26 مكية، 23، 24، 25، 27 مدنية)
(4) الشورى: 52- 53 مكية
(5) الزخرف: 57- 59 مكية(7/2765)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) «1»
118- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) «2»
119- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) «3»
120- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) «4»
121- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) «5»
122- يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «6»
العبادة في سياق التحذير:
123- وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) «7»
124- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) «8»
125- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «9»
126- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «10»
127- أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا (102) «11»
__________
(1) النجم: 1- 10 مكية
(2) الحديد: 9 مدنية
(3) التحريم: 10 مدنية
(4) الجن: 18- 19 مكية
(5) الإنسان: 5- 6 مدنية
(6) الفجر: 27- 30 مكية
(7) الإسراء: 17 مكية
(8) الإسراء: 29- 30 مكية
(9) الإسراء: 53 مكية
(10) الإسراء: 94- 96 مكية
(11) الكهف: 102 مكية(7/2766)
128- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) «1»
129- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «2»
130- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) «3»
131-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «4»
132- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83)
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
__________
(1) الحج: 8- 10 مدنية
(2) الزمر: 46 مكية
(3) غافر: 28- 31 مكية
(4) غافر: 41- 48 مكية(7/2767)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85) «1»
133- قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) «2»
العبادة تقتضي الاتعاظ والخشية:
134- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها
شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ
(13) «3»
135- وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) «4»
136- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45) «5»
137- أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
__________
(1) غافر: 83- 85 مكية
(2) ق: 27- 29 مكية
(3) سبأ: 9- 13 مكية
(4) فاطر: 28- 31 مكية
(5) فاطر: 45 مكية(7/2768)
رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) «1»
العبادة تؤدي إلى الحسرة على من لم يتعظ:
138- إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (29) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) «2»
العبادة تعني البشارة بالحفظ من الشيطان:
139- إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (72)
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (78) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) «3»
__________
(1) ق: 6- 11 مكية
(2) يس: 29- 30 مكية
(3) ص: 71- 83 مكية(7/2769)
الأحاديث الواردة في (العبادة)
1-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، يعني عظيم الرّوم ... الحديث وفيه: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأه. فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «1» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) ، فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكثر اللّغط. وأمر بنا فأخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «2» إنّه ليخافه ملك بني الأصفر «3» .
قال: فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر، حتّى أدخل الله علىّ الإسلام) * «4» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّد. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: والّذي نفسي بيده! لا أزيد على هذا شيئا أبدا، ولا أنقص منه. فلمّا ولّى. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «5» .
3-* (عن أبي أيوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة. قال: ماله ماله. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أرب «6» ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل الرّحم» ) * «7» .
__________
(1) الأريسيين: هم الأكارون أي الفلاحون والزارعون.
(2) لقد أمر أمر ابن أبي كبشة: أما أمر فبفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها. فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم، كما خالفهم أبو كبشة.
(3) بني الأصفر: بنو الأصفر هم الروم.
(4) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 3 (1397) . ومسلم (14) واللفظ له.
(6) أرب ما له؟ يقول الخطابي في معناه: «كلمة تعجب. يقول: سقطت آرابه وهي أعضاؤه واحدها إرب، وقد يدعى بهذا على الإنسان إذا فعل فعلا يتعجب منه ولا يراد بذلك وقوع العقوبة به وإنما هو كقولهم: قاتله الله، وكقولهم: ثكلته أمه، ونحو ذلك. وفيه وجه آخر قال النضر بن شميل: يقال: أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده وفطن له. وقال الأصمعي: أربت بالشيء إذا صرت فيه ماهرا بصيرا فيكون المعني في ذلك على هذا القول التعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته. (ج 1 ص 728- 729/ أعلام الحديث لأبي سليمان الخطابي) ويقول ابن حجر: «روي بفتح أوله وكسر الراء والتنوين أي هو أرب أي حاذق فطن ولم أقف على صحة هذه الرواية» . فتح الباري.
(7) البخاري- الفتح 3 (1396) واللفظ له. ومسلم (14) .(7/2770)
4-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أدلّك على سيّد الاستغفار: «اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، وأبوء «1» لك «2» بنعمتك عليّ وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، لا يقولها أحدكم حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلّا وجبت له الجنّة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلّا وجبت له الجنّة» ) * «3» .
5-* (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه-: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال: ... الحديث وفيه: «ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال بما أمرت «4» ؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال:
إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال:
إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك.
قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم. قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» ) * «5» .
6-* (عن عليّ بن ربيعة قال: رأيت عليّا- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال: باسم الله، فلمّا استوى عليها، قال:
الحمد لله، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، ثمّ حمد الله ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثمّ قال: سبحانك لا إله إلّا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثمّ ضحك، فقلت له: ممّ ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل ما فعلت، ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا رسول الله؟، قال: «يعجب الرّبّ من عبده إذا قال: ربّ اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «6» .
7-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-
__________
(1) وأبوء: أي أعترف وأقر.
(2) في البخاري «إليك» .
(3) البخاري- الفتح 11 (6306) . الترمذي (5/ 3393) واللفظ له. ولفظ «إليك» من رواية البخاري.
(4) بما أمرت: هكذا في البخاري والمعروف أن ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر حذفت الألف فكان يقال «بم» ولعل هنا سقطا. ويعززه ما في صحيح مسلم «بماذا أمرت» .
(5) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له. ومسلم (164) .
(6) الترمذي (3446) وقال هذا حديث حسن صحيح. أبو داود (2602) . أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. حديث (753) واللفظ له.(7/2771)
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة، قال:
«وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت، أنت ربّي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت» ) * «1» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّها سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الطّاعون، فأخبرها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطّاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنّه لن يصيبه إلّا ما كتبه الله له إلّا كان له مثل أجر الشّهيد» ) * «2» .
9-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النجاشيّ فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف.
فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام- قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «3» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل:
كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفّقه لعمل صالح قبل الموت» ) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله- عزّ وجلّ-: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«قالت الملائكة: ربّ ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «5» » ) * «6» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو
__________
(1) مسلم (771) .
(2) البخاري- الفتح 10 (5734) .
(3) رواه أحمد في المسند 1 (202) واللفظ له، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أن ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(4) سنن الترمذي رقم (2142) وصحيح سنن الترمذي (1741) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5) من جراي: من أجلي.
(6) البخاري- الفتح 13 (7501) . مسلم (129) واللفظ له.(7/2772)
المؤمن) فغسل وجهه. خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها يداه «1» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة مشتها رجلاه «2» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «3» .
13-* (عن أبي هريرة، وأبي سعيد- رضي الله عنهما- أنّهما شهدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا قال العبد: لا إله إلّا الله والله أكبر، قال: يقول الله- عزّ وجلّ-: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا وأنا أكبر.
وإذا قال العبد: لا إله إلّا الله وحده. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا وحدي. وإذا قال: لا إله إلّا الله لا شريك له. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا. ولا شريك لي. وإذا قال: لا إله إلّا الله له الملك وله الحمد. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا لي الملك ولي الحمد. وإذا قال لا إله إلّا الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. قال: صدق عبدي. لا إله إلّا أنا ولا حول ولا قوّة إلّا بي» ) * «4» .
14-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم عرفة إنّ الله ينزل إلى السّماء، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا، ضاحين من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم. فتقول له الملائكة: أي ربّ، فيهم فلان يزهو وفلان وفلان، قال، يقول الله:
قد غفرت لهم» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فما من يوم أكثر عتيقا من النّار من يوم عرفة» ) * «5» .
15-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول:
قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟. فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة، وسمّوه بيت الحمد» ) * «6» .
16-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» ) * «7» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخذ داخلة إزاره «8» فلينفض بها فراشه، وليسمّ الله. فإنّه لا
__________
(1) بطشتها: أي اكتسبتها.
(2) مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها رجلاه.
(3) مسلم (244) .
(4) ابن ماجة 2 (3794) ، وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3061) ، وهو في الصحيحة (1390) .
(5) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2840) واللفظ له وقال محققه: إسناده ضعيف، والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 9) وقال محققه: إسناده لا بأس به، والبغوي في شرح السنة (7/ 159) برقم (1931) وقال: أخرجه ابن خزيمة ورجاله ثقات وإسناده قوي لولا عنعنة أبي الزبير.
(6) رواه الترمذي (1021) وحسّن إسناده الألباني صحيح الترمذي (814) . وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 433) : له شواهد بمعناه يرتقي بها.
(7) البخاري- الفتح 6 (2996) .
(8) فليأخذ داخلة إزاره: داخلة الإزار: طرفه.(7/2773)
يعلم ما خلفه بعده على فراشه. فإذا أراد أن يضطّجع، ليضطجع على شقّه الأيمن. وليقل: سبحانك اللهمّ ربّي، بك وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «1» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ حسن الظّنّ بالله تعالى من حسن العبادة» ) * «2» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه- وإنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة، قال نبيّ الله:
«فيراهما جميعا» ) * «3» .
20-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّكم محشورون حفاة عراة غرلا. ثمّ قرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء/ 104) ، وأوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم. وإنّ أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشّمال، فأقول: أصحابي أصحابي. فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصّالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ إلى قوله: الْحَكِيمُ (المائدة/ 117- 118) * «4» .
21-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشتري عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6320) . ومسلم (2714) واللفظ له.
(2) ذكره ابن الأثير في جامع الأصول (11/ 693) ، وقال محققه: رواه الترمذي رقم (3604) في الدعوات وأبو داود (4993) فى الأدب وأحمد في المسند 2/ 297 وهو حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 3 (1374) . ومسلم (2870) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 6 (3349) واللفظ له. مسلم (2860) .(7/2774)
الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدي نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ:
السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «1» جهنّم، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «2» .
22-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوّضته منهما الجنّة» يريد عينيه) * «3» .
23-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «4» .
24-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ» ) * «5» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «6» جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم: قيل وقال «7» وكثرة السّؤال «8» ، وإضاعة المال» ) * «9» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفونّهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول:
يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال:
فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا، والله ما رأوك.
قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يقولون:
يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال:
يقولون: لا، والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف
__________
(1) جثا: جمع جثوة وهي الجماعة المحكوم عليهم بالنار.
(2) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأحمد في «المسند» (4/ 130 و202) وانظر «موسوعة أطراف الحديث النبوي» (3/ 138) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5653) .
(4) مسلم (2734) .
(5) مسلم (2965) .
(6) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بادابه.
(7) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس.
(8) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع، ولا تدعو إليه الحاجة.
(9) مسلم (1715) .(7/2775)
لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة.
قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النّار.
قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، والله يا ربّ ما رأوها. قال يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون:
لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال:
فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة.
قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «1» .
27-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان» ) * «2» .
28-* (عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ، وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّتي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة، ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا، قال: فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقّه، فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «3» .
29-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله، إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وأمّنه ممّا يخاف» ) * «4» .
30-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه:
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه الله مالا وولدا، يعني أعطاه. قال فلمّا حضر قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب.
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. مسلم (2689) .
(2) البخاري- الفتح 1 (8) . مسلم (16) واللفظ له.
(3) صحيح سنن الترمذي (1894) والترمذي (2325) وقال: حسن صحيح، أحمد (4/ 231) واللفظ له رقم (18060) وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) رقم (3021) وعزاه لأحمد.
(4) الترمذي (983) وهذا لفظه، وابن ماجة (4261) وقال النووي: إسناده حسن، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 10) : إسناده حسن.(7/2776)
قال: فإنّه لم يبتئر عند الله خيرا. (فسّرها قتادة: لم يدّخر) . وإن يقدم على الله يعذّبه. فانظروا، فإذا متّ فأحرقوني، حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني- أو قال فاسهكوني- ثمّ إذا كان ريح عاصف فاذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال الله:
كن. فإذا رجل قائم. ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك. فما تلافاه أن رحمه الله» ) * «1» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل. وشابّ نشأ في عبادة الله.
ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال: إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله.
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «2» .
32-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبادة في الهرج «3» كهجرة إليّ» ) * «4» .
33-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: علّمنا خطبة الحاجة: «الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يقرأ ثلاث آيات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) ، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً ((الأحزاب/ 33)) * «5» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: أعددت لعبادي الصّالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. مصداق ذلك في كتاب الله:
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة/ 17)) * «6» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله- عزّ وجلّ-: إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة. فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف. وإذا همّ بسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه. فإن عملها كتبتها سيّئة واحدة» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6481) واللفظ له. ومسلم (2757) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له.
(3) المراد بالهرج: الفتنة واختلاف أمور الناس.
(4) مسلم (2948) .
(5) النسائي (3/ 105) وهذا لفظه، وأبو داود (2118) وصححه الألباني (1860) ، والترمذي (1105) وقال: حديث حسن. وأصله عند مسلم. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 437) : وهو حديث صحيح بطرقه.
(6) البخاري- الفتح 6 (3244) . ومسلم (2824) واللفظ له.
(7) مسلم (128) .(7/2777)
36-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال:
ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ) * «1» .
37-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع رأسه من الرّكوع قال: «ربّنا لك الحمد. ملء السّماوات والأرض.
وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء والمجد «2» أحقّ ما قال العبد، وكلّنا لك عبد، اللهمّ لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «3» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟. قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث» . قال: ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» .
قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟. قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله، ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (لقمان/ 34) ، ثمّ أدبر فقال: «ردّوه» . فلم يروا شيئا. فقال:
«هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «4» .
39-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّي- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» وكنّا حديث عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» . فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» . قال:
فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟. قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصّلوات الخمس، وتطيعوا (وأسرّ كلمة خفيّة) ولا تسألوا النّاس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إيّاه» ) * «5» .
__________
(1) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (5/ 13) . ابن ماجة (3973) ، وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد.
(2) الثناء والمجد: الثناء الوصف الجميل والمدح. والمجد: العظمة ونهاية الشرف.
(3) مسلم (477) .
(4) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. مسلم (9) .
(5) مسلم (1043) .(7/2778)
40-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا نقول في الصّلاة خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
السّلام على الله. السّلام على فلان. فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات يوم: «إنّ الله هو السّلام. فإذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإذا قالها أصابت كلّ عبد لله صالح في السّماء والأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء» ) * «1» .
41-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف «2» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ليس بيني وبينه إلّا مؤخّرة الرّحل «3» . فقال: «يا معاذ بن جبل» قلت:
لبّيك رسول الله وسعديك «4» . ثمّ سار ساعة. ثمّ قال:
«يا معاذ بن جبل» . قلت: لبّيك رسول الله وسعديك.
ثمّ سار ساعة. ثمّ قال: «يا معاذ بن جبل» . قلت:
لبّيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حقّ الله على العباد؟» . قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال:
«فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» . ثمّ سار ساعة، ثمّ قال: «يا معاذ بن جبل» .
قلت: لبّيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حقّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك» . قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «أن لا يعذّبهم» ) * «5» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض.
وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التّقوى هاهنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرّات- بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «6» .
43-* (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس» ) * «7» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
لمّا كانت غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة قالوا: يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «8» فأكلنا وادّهنّا «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» . قال: فجاء عمر فقال: يا رسول الله! إن فعلت قلّ الظّهر «10»
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (831) . مسلم (402) واللفظ له.
(2) ردف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الردف والرديف هو الراكب خلف الراكب.
(3) مؤخرة الرحل: هو العود الذي يكون خلف الراكب.
(4) لبيك رسول الله وسعديك: لبيك: أي إجابة لك بعد إجابة للتأكيد. وقيل: أي قربا منك وطاعة لك. ومعنى سعديك: أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة.
(5) البخاري- الفتح 13 (7373) . مسلم (30) واللفظ له.
(6) مسلم (2564) .
(7) الترمذي (2451) واللفظ له وقال: حديث حسن غريب وقال محقق جامع الأصول (4/ 682) : وهو حديث حسن.
(8) نواضحنا: النواضح من الإبل التي يستقى عليها.
(9) ادهنا: أي اتخذنا دهنا من شحومها.
(10) الظهر: الدواب.(7/2779)
ولكن ادعهم بفضل أزوادهم «1» ثمّ ادع الله عليها بالبركة لعلّ الله أن يجعل في ذلك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . قال: فدعا بنطع «2» فبسطه ثمّ دعا بفضل أزوادهم. قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال:
ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال ويجيء الآخر بكسرة.
حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. قال:
فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبركة، ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» . قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملؤوه قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» ) * «3» .
45-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من عمل يوم إلّا يختم عليه، فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربّ، عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرّبّ- تبارك وتعالى:
اكتبوا له على مثل عمله حتّى يبرأ أو يموت» ) * «4» .
46-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضره أجله فيقول سبع مرّات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك إلّا عوفي» ) * «5» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من خير معاش النّاس «6» لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه «7» كلّما سمع هيعة «8» أو فزعة طار عليه. يبتغي القتل مظانّه «9» . أو رجل في غنيمة «10» في رأس شعفة «11» من هذه الشّعف. أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة، ويعبد ربّه حتّى يأتيه اليقين، ليس من النّاس إلّا في خير» ) * «12» .
48-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من شهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنّة حقّ، والنّار حقّ. أدخله الله الجنّة على ما كان من العمل» ) * «13» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ
__________
(1) أزوادهم: الأزودة: جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتها.
(2) نطع: هو بساط متخذ من أديم.
(3) مسلم (27) .
(4) أحمد (4/ 146) ، والبغوي في شرح السنة (5/ 240) واللفظ له، وقال محققه: إسناده صحيح.
(5) أبو داود (3106) ، والترمذي (2083) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، والبغوي في شرح السنة، وقال محققه: حديث حسن.
(6) معاش الناس: أي من خير أحوالهم.
(7) يطير على متنه: أي يسرع جدا على ظهره حتى كأنه يطير.
(8) هيعة: الصوت عند حضور العدو.
(9) يبتغي القتل والموت مظانه: يعنى يطلبه من مواطنه التي يرجى فيها لشدة حرصه ورغبته في الشهادة.
(10) غنيمة: تصغير غنم. أي قطعة منها.
(11) شعفة: أعلى الجبل.
(12) مسلم (1889) .
(13) البخاري- الفتح 6 (3435) واللفظ له. ومسلم (28) .(7/2780)
القرآن فهي خداج «1» (ثلاثا) غير تمام» .. فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك.
فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «قال الله تعالى:
قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي. فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «2» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال: من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب. وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «3» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة.
ومن ستر مسلما، ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ) * «4» .
52-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات، فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ» . فقال أبو هريرة:
قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا وقال:
«اتّق المحارم تكن أعبد النّاس. وارض بما قسم الله تكن أغنى النّاس. وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا. وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما. ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «5» .
53-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني
__________
(1) خداج: الخداج النقصان.
(2) مسلم (395) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6502) . وقال الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 330) : هذا الحديث تفرّد بإخراجه البخاري من دون بقية أصحاب الكتب ... وهو من غرائب الصحيح.
(4) مسلم (2699) .
(5) الترمذي (2305) وحسنه الألباني: صحيح الترمذي (1876) .(7/2781)
ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد! فقال: ذلك فيما شئت. إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين» .
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون وأتيناهم وهم يصلّون» ) * «2» .
55-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي «3» ، وأنا معه إذا ذكرني «4» . فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم. وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا. وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت إليه باعا «5» . وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة» ) * «6» .
56-* (عن جبير بن حيّة، قال: بعث عمر النّاس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان، فقال: إنّي مستشيرك في مغازيّ هذه. قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من النّاس من عدوّ المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرّجلان بجناح والرّأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرّجلان والرّأس. وإن شدخ الرّأس ذهبت الرّجلان والجناحان والرّأس. فالرّأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس. فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى. وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حيّة، قال:
فندبنا عمر. واستعمل علينا النّعمان بن مقرّن. حتّى إذا كنّا بأرض العدوّ، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلّمني رجل منكم.
فقال المغيرة: سل عمّا شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب كنّا في شقاء شديد وبلاء شديد.
نمصّ الجلد والنّوى من الجوع. ونلبس الوبر والشّعر.
ونعبد الشّجر والحجر. فبينا نحن كذلك إذ بعث ربّ السّماوات وربّ الأرضين، تعالى ذكره وجلّت عظمته، إلينا نبيّا من أنفسنا، نعرف أباه وأمّه، فأمرنا نبيّنا رسول ربّنا صلّى الله عليه وسلّم أن نقاتلكم حتّى تعبدوا الله وحده. أو تؤدّوا الجزية. وأخبرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عن رسالة ربّنا أنّه من قتل منّا صار إلى الجنّة في نعيم لم ير مثلها قطّ. ومن بقي منّا ملك رقابكم» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له ومسلم (1420) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7429) واللفظ له، ومسلم (632) .
(3) معنى قوله (أنا عند ظن عبدي بي) : المراد بالظن هنا: العلم. قاله ابن أبي جمرة. وقال القرطبي: معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار.
(4) وقوله: وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي.
(5) والباع: قدر مد اليدين وما بينهما من البدن.
(6) البخاري- الفتح 13 (7405) واللفظ له، ومسلم (2675) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3159) .(7/2782)
الأحاديث الواردة في (العبادة) معنى
57-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا قضى الله الأمر في السّماء «1» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «2» لقوله، كأنّه «3» سلسلة على صفوان «4» ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا:
ماذا قال ربّكم؟. قالوا- للّذي قال-: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترقوا السّمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان (الرّاوي) بكفّه فحرفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمع من السّماء» ) * «5» .
58-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون، أطّت «6» السّماء وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته لله ساجدا والله! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات «7» تجأرون «8» إلى الله» . قال أبو ذرّ: لوددت أنّي كنت شجرة تعضد «9» ) * «10» .
59-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة «11» والنّاس صفوف خلف أبي بكر. فقال: «أيّها النّاس، إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم. أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «12» أن يستجاب لكم» ) * «13» .
60-* (عن معدان بن أبي طلحة اليعمريّ؛ قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنّة. أو قال: قلت: بأحبّ الأعمال إلى الله. فسكت، ثمّ سألته فسكت. ثمّ سألته الثّالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال:
«عليك بكثرة السّجود لله. فإنّك لا تسجد سجدة إلّا رفعك الله بها درجة. وحطّ عنك بها خطيئة» ) * «14» .
__________
(1) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله.
(2) خضعانا: أي خاضعين.
(3) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله.
(4) الصفوان: الحجر الأملس.
(5) البخاري- الفتح 8 (4800) .
(6) أطت: الأطيط صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، والمعنى: أن كثرة ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت.
(7) الصعدات: الطرق.
(8) تجأرون: ترفعون أصواتكم بالدعاء.
(9) تعضد: تقطع.
(10) الترمذي (2312) وقال: حديث حسن واللفظ له، وابن ماجة (4190) وقال محقق جامع الأصول (4/ 13) : إسناده حسن. وأحمد في المسند (5/ 173) .
(11) الستارة: هي الستر الذي يكون على باب البيت والدار.
(12) فقمن: أي حقيق وجدير.
(13) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبى هريرة. ومسلم (479) واللفظ له.
(14) مسلم (488) .(7/2783)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (العبادة)
61-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح «1» . ثمّ حبّب إليه الخلاء «2» . فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه. (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد «3» . قبل أن يرجع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها ... الحديث» ) * «4» .
62-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل عن استسقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد» ) * «5» .
63-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم (أو ليصلّي) حتّى ترم قدماه (أو ساقاه) فيقال له. فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» .
وفي رواية، عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا» ) * «6» .
64-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها «7» ، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «8» .
65-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها سئلت: كيف كان عمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ هل كان
__________
(1) فلق الصبح: قال أهل اللغة: فلق الصبح وفرق الصبح هو ضياؤه. وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين.
(2) ثم حبب إليه الخلاء: الخلاء هو الخلوة. قال أبو سليمان الخطابي- رحمه الله-: حببت العزلة إليه صلّى الله عليه وسلّم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخضع قلبه.
(3) الليالي أولات العدد: معناه يتحنث الليالي الكثيرة.
(4) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له.
(5) الترمذي (558) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني. صحيح الترمذي (459) وصحيح ابن ماجة (1046) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) واللفظ له. ومسلم (2819- 2820) .
(7) تقالوها: تقللوها.
(8) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له. ومسلم (1108) .(7/2784)
يخصّ شيئا من الأيّام؟. قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيّكم يستطيع ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستطيع؟!) * «1» .
66-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: وما هممت؟. قال:
هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
67-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصير وكان يحجّره «3» من اللّيل فيصلّي فيه. فجعل النّاس يصلّون بصلاته، ويبسطها بالنّهار، فثابوا «4» ذات ليلة. فقال: «يا أيّها النّاس، عليكم من الأعمال ما تطيقون «5» فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا. وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دووم عليه «6» وإن قلّ. وكان آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم إذا عملوا عملا أثبتوه «7» ) * «8» .
68-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «9» وأحيا ليله «10» وأيقظ أهله) * «11» .
69-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. إذا قام من الّليل يتهجّد، قال:
«اللهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد. أنت نور السّماوات والأرض ولك الحمد. أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد.
أنت الحقّ ووعدك الحقّ ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «12» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (العبادة)
1-* (كتب أبو الدّرداء إلى مسلمة بن مخلد:
«أمّا بعد: فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبّه الله، فإذا أحبّه الله، حبّبه إلى خلقه، وإنّ العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغّضه إلى خلقه» ) * «13» .
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1987) . ومسلم (783) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (772) .
(3) يحجره: أي يتخذه حجرة.
(4) فثابوا: أي اجتمعوا. وقيل: رجعوا للصلاة.
(5) ما تطيقون: أي تطيقون الدوام عليه، بلا ضرر.
(6) ما دووم عليه: فيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثيره المتقطع.
(7) أثبتوه: أي لازموه وداوموا عليه.
(8) مسلم (782) ، وهو عند البخاري بغير هذا اللفظ (6464) .
(9) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، وقيل: اعتزل النساء.
(10) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر.
(11) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) .
(12) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له ومسلم (2769) .
(13) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (3/ 847) .(7/2785)
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر:
أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره، ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا أن تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أريت دار هجرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين- وهما الحرّتان- فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» ، قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «1» .
3-* (سئلت عائشة- رضي الله عنها- عن
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2297) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم عند هجرته بصحبة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لى» .(7/2786)
الهجرة. فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله- تعالى- وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء، ولكن جهاد ونيّة» ) * «1»
4-* (كان عليّ بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟ فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» ) * «2» .
5-* (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال:
«كان عبد الله بن مسعود، إذا هدأت العيون، قام فسمعت له دويّا كدويّ النّحل» ) * «3» .
6-* (عن وهب بن منبّه، قال: «ما عبد الله بمثل الخوف» ) * «4» .
7-* (قال أبو البختريّ- رحمه الله-:
«لوددت أنّ الله تعالى يطاع وأنّي عبد مملوك» ) * «5» .
8-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله- كلّما ازداد العبد تحقيقا للعبوديّة ازداد كماله، وعلت درجته، ومن توهّم أنّ المخلوق يخرج من العبوديّة بوجه من الوجوه، أو أنّ الخروج عنها أكمل، فهو من أجهل الخلق بل من أضلّهم) * «6» .
9-* (وقال- رحمه الله-: «التّوحيد الّذي جاءت به الرّسل إنّما يتضمّن إثبات الإلهيّة لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلّا الله: لا يعبد إلّا إيّاه، ولا يتوكّل إلّا عليه، ولا يوالي إلّا له، ولا يعادي إلّا فيه، ولا يعمل إلّا لأجله» ) * «7» .
10-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-:
فعبادة الرّحمن غاية حبّه ... مع ذلّ عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتّى قامت القطبان
) * «8» .
11-* (وقال رحمه الله:
حقّ الإله عبادة بالأمر لا ... بهوى النّفوس فذاك للشّيطان
من غير إشراك به شيئا هما ... سببا النّجاة فحبّذا السّببان
لم ينج من غضب الإله وناره ... إلّا الّذي قامت به الأصلان
والنّاس بعد فمشرك بإلهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان
) * «9» .
12-* (وقال أيضا- رحمه الله-:
أما والّذي حجّ المحبّون بيته ... ولبّوا له عند المهلّ وأحرموا
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3900) واللفظ له. ومسلم (1864)
(2) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (314) .
(3) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 391) .
(4) التخويف من النار لابن رجب (7) .
(5) الزهد لابن المبارك (69) .
(6) العبودية، لابن تيمية (34) .
(7) فتح المجيد (15) .
(8) الدر النضيد للشيخ سليمان الحمدان (9) .
(9) قرة عيون الموحدين (22) .(7/2787)
وقد كشفوا تلك الرّؤوس تواضعا ... لعزّة من تعنوا الوجوه وتسلم
يهلّون بالبيداء لبّيك ربّنا ... لك الملك والحمد الّذي أنت تعلم
دعاهم فلبّوه رضا ومحبّة ... فلمّا دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شعثا رؤوسهم ... وغبرا وهم فيها أسرّ وأنعم
) * «1»
13-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «العبادة مدارها على خمس عشرة قاعدة. من كمّلها كمّل مراتب العبوديّة. وبيان ذلك: أنّ العبادة منقسمة على القلب واللّسان والجوارح. والأحكام الّتي للعبوديّة خمسة:
واجب، ومستحبّ، وحرام، ومكروه، ومباح. وهنّ لكلّ واحد من القلب واللّسان والجوارح» ) * «2» .
14-* (قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله-:
«إنّ الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلّة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدّة عذابه ودار عقابه الّتي أعدّها لمن عصاه ليتّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرّر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النّار وما أعدّه فيها لأعدائه من العذاب والنّكال، وما احتوت عليه من الزّقّوم والضّريع والحميم والسّلاسل والأغلال، إلى غير ذلك ممّا فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبّه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمّل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السّنة الصّحيحة الّتي هي مفسّرة ومبيّنة لمعاني الكتاب، وكذلك سير السّلف الصّالح أهل العلم والإيمان من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، من تأمّلها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأنّ ذلك هو الّذي رقّاهم إلى تلك الأحوال الشّريفة والمقامات السّنيّات، من شدّة الاجتهاد في الطّاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلا عن المحرّمات» ) * «3» .
__________
(1) ميمية ابن القيم (5) .
(2) فتح المجيد (18) .
(3) التخويف من النار، لابن رجب (6/ 7) .(7/2788)
من فوائد (العبادة)
1- تفيد رفعة المكان والمكانة.
2- فيها عظم الثّواب، ورضا ربّ الأرباب.
3- هي دليل اليقين، وعلامة الدّين.
4- ثوابها سكن الجنّة وهي أعظم منّة.
5- دليل التّوكّل، وعلامة التّعقّل.
6- علامة التّوفيق من الله.
7- الملائكة تحفّ العابد بأجنحتها وتحفظه.
8- تتكاثر حوله الرّحمات، وهي أعظم الهبات.
9- صورة لشكر العبد المنعم عليه، وعلامة رضاه عن النّعم.
10- حسن العبادة يثمر حسن الظّنّ بالله تعالى.
11- التّوفيق في سؤال القبر.
12- تثمر الصّبر، والصّبر يثمر حسن العوض.
13- تثمر حبّ النّاس ممّا يثمر حسن الذّكر وحسن الثّواب بالأثر.(7/2789)
العدل والمساواة
أولا: العدل
العدل لغة:
مصدر عدل يعدل عدلا وهو مأخوذ من مادّة (ع د ل) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على معنيين متقابلين: أحدهما يدلّ على الاستواء، والآخر على اعوجاج، ويرجع لفظ العدل هنا إلى المعنى الأوّل، وإذا كان العدل مصدرا فمعناه: خلاف الجور وهو ما قام في النّفوس أنّه مستقيم، وقد يستعمل هذا المصدر استعمال الصّفات، فيقال: رجل عدل، والعدل من النّاس المرضيّ المستقيم الطّريقة، ويستوي في هذا الوصف المفرد والمثنّى والجمع والمذكّر والمؤنّث. يقال: رجل عدل، ورجلان عدل ورجال عدل، وامرأة عدل، كلّ ذلك على معنى: ذو عدل، أو ذوو عدل، أو ذوات عدل. فإن رأيته مثنّى أو مجموعا أو مؤنّثا فعلى أنّه قد أجري مجرى الوصف الّذي ليس بمصدر كما في قولهم: قوم عدل وعدول أيضا، وحكى ابن جنّي: امرأة عدلة: ومعنى قولهم رجل عدل، بيّن العدل والعدالة أي أنّه رضا ومقنع في الشّهادة.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
27/ 53/ 26
ويرادف العدل (في معناه المصدريّ) العدالة والعدولة والمعدلة والمعدلة يقال: بسط الوالي عدله ومعدلته ومعدلته بمعنى، وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل، وتعديل الشّهود أن تقول إنّهم عدول، والعدل والعدل والعديل سواء أي النّظير والمثيل، وقيل هو المثل وليس بالنّظير عينه وفي التّنزيل أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (المائدة/ 95) ، والعدل بالفتح أصله مصدر قولك: عدلت بهذا عدلا تجعله اسما للمثل، لتفرّق بينه وبين عدل المتاع، وقال الرّاغب: العدل والعدل يتقاربان، لكنّ العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، والعدل والعديل فيما يدرك بالحاسّة كالموزونات والمعدودات والمكيلات، وقد فرّق سيبويه بين العدل والعديل فقال: العديل من عادلك من النّاس، والعدل لا يكون إلّا للمتاع خاصّد.
والعدل (أيضا) الحكم بالحقّ، وفي قول الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (الطلاق/ 2) قال سعيد بن المسيّب: ذوي عقل، وقال إبراهيم (النّخعيّ) : العدل الّذي لم تظهر منه ريبة (ومن معاني) العدل أن تعدل الشّيء عن وجهه أي تصرفه عنه «1» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 246) ، والصحاح (5/ 1760) ، ولسان العرب (5/ 2838) ، ومفردات الراغب (325) .(7/2790)
وفيما يتعلّق بالفعل المشتقّ من هذه المادّة؛ فإنّ معناه يختلف باختلاف التّجرّد والزّيادة من ناحية وباعتبار التّعدّي واللّزوم من ناحية ثانية وباعتبار حرف الجرّ المتعلّق به من ناحية ثالثة، ومن أمثلة ما أوردته كتب اللّغة من ذلك قولهم:
عدل في الحكم: لم يجر فيه، وعدل عليه في القضيّة: أنصفه، وعدل عن الحقّ: جار، ويقال: فلان يعدل فلانا: يساويه، وما يعدلك عندنا شيء: أي لا يقع شيء موقعك، وعدلت فلانا بفلان: سوّيت بينهما، وعدل فلان: صار ذا عدل، وعدل بالله: أشرك، وعدل عن الشّيء: حاد عنه، وعدل إليه: رجع، وعدل الفحل عن الإبل: ترك الضّراب، ومن أمثلة الصّيغ المزيدة قولهم: عدّل الشّيء قوّمه والحكم أقامه، وعدّل الشّاهد: زكّاه، وعادل الشّيء، وازنه، وعادل الأمر ارتبك فيه، وتأتي عادل في معنى انعدل أي اعوجّ، أمّا اعتدل فيراد بها استقام، وقد يحتمل الفعل عدل أكثر من معنى كما في قوله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (النمل/ 60) يصحّ أن يكون على تقدير يعدلون به أي يشركون، ويصحّ أن يكون من قولهم: عدل عن الحقّ: جار «1» .
«العدل» من أسماء الله- عز وجل-:
ومن أسماء الله- تعالى- العدل. وهو الّذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمّي به فوضع موضع (اسم الفاعل) العادل والمصدر أبلغ منه لأنّه جعل المسمّى نفسه عدلا «2» .
ويقول الغزاليّ- رحمه الله-: من أراد أن يفهم وصف الله- عزّ وجلّ- بالعدل ينبغي له أن يحيط علما بأفعال الله- تعالى- من ملكوت السّماوات إلى منتهى الثّرى. حتّى إذا لم ير في خلق الرّحمن من تفاوت، ثمّ رجع إليه بصره فما رأى من فطور، ثمّ رجع مرّة أخرى فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وقد بهره جمال ما رأى، وحيّره اعتداله وانتظامه، فعند ذلك يعبق بفمه شيء من معاني عدله، تعالى وتقدّس. وقد خلق الله أقسام الموجودات، جسمانيّها وروحانيّها، كاملها وناقصها، وأعطى كلّ شيء خلقه، وهو بذلك جواد، ورتّبها في مواضعها اللّائقة بها وهو بذلك عدل، ولينظر الإنسان إلى بدنه فإنّه مركّب من أعضاء مختلفة، فقد ركّبه من العظم واللّحم والجلد، وجعل العظم عمادا مستبطنا، واللّحم صوانا له مكتنفا إيّاه، وكذلك جعل الجلد صوانا للّحم، فلو عكس هذا التّرتيب وأظهر ما أبطن لبطل النّظام واختلّ العدل، وعلى هذا ينبغي أن تعلم أنّه لم يخلق شيء في موضع إلّا لأنّه متعيّن له، ولو تيامن عنه أو تياسر أو تسفّل أو تعلّى، لكان ناقصا أو باطلا، أو قبيحا، أو خارجا عن المتناسب، كريها في المنظر، ألم تر أنّه مثلا لو خلق الأنف على غير وسط الوجه أو لو خلق على الجبهة أو على
__________
(1) المفردات للراغب (324) (بتصرف يسير) ، وانظر هذه الأمثلة وغيرها في المراجع المذكورة فى التعليق السابق.
(2) لسان العرب (5/ 2839) .(7/2791)