|
المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي
الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة
الطبعة : الرابعة
عدد الأجزاء : 12 (11 ومجلد للفهارس)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
من أدعية القرآن الكريم
68- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) «1»
69- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «2»
70- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) «3»
71- وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) «4»
72- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «5»
73- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9) «6»
74-* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)
__________
(1) الفاتحة: 5- 6 مكية
(2) البقرة: 127- 128 مدنية
(3) البقرة: 201 مدنية
(4) البقرة: 250 مدنية
(5) البقرة: 285- 286 مدنية
(6) آل عمران: 7- 9 مدنية
(5/1916)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «1»
75- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) «2»
76- رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) «3»
77- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) «4»
78- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «5»
79- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «6»
80- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) «7»
__________
(1) آل عمران: 15- 16 مدنية
(2) آل عمران: 26- 27 مدنية
(3) آل عمران: 53 مدنية
(4) آل عمران: 146- 147 مدنية
(5) آل عمران: 173 مدنية
(6) آل عمران: 190- 195 مدنية
(7) النساء: 75 مدنية
(5/1917)
81- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) «1»
82-* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) «2»
83- قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «3»
84- وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (126) «4»
85- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «5»
86- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «6»
87-* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «7»
88- وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) «8»
__________
(1) الأعراف: 19- 23 مدنية
(2) الأعراف: 47 مدنية
(3) الأعراف: 89 مدنية
(4) الأعراف: 126 مدنية
(5) الأعراف: 155- 156 مدنية
(6) يونس: 84- 86 مكية
(7) يوسف: 101 مكية
(8) الإسراء: 80 مكية
(5/1918)
89- إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «1»
90- قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) «2»
91- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «3»
92- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «4»
93- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) «5»
94- وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) «6»
95- وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) «7»
96- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) «8»
97- وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «9»
98- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «10»
99- رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) «11»
100- وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «12»
101- فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «13»
__________
(1) الكهف: 10 مكية
(2) طه: 25- 27 مكية
(3) طه: 114 مكية
(4) الأنبياء: 87 مدنية
(5) الأنبياء: 89 مدنية
(6) المؤمنون: 29 مكية
(7) المؤمنون: 97- 98 مكية
(8) المؤمنون: 109 مكية
(9) المؤمنون: 118 مكية
(10) الفرقان: 63- 67 مكية
(11) الشعراء: 83- 85 مكية
(12) الشعراء: 87- 89 مكية
(13) النمل: 19 مكية
(5/1919)
102- قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «1»
103- فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) «2»
104- وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «3»
105- رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) «4»
106- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «5»
107- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «6»
108- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «7»
109- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ
__________
(1) القصص: 16 مكية
(2) القصص: 21 مكية
(3) غافر: 6- 9 مكية
(4) الدخان: 12 مكية
(5) الأحقاف: 15 مكية
(6) الحشر: 10 مدنية
(7) الممتحنة: 4- 5 مدنية
(5/1920)
يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «1»
110- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) «2»
111- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «3»
112- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (2)
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (3)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (5) «4»
113- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
مَلِكِ النَّاسِ (2)
إِلهِ النَّاسِ (3)
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «5»
__________
(1) التحريم: 8 مكية
(2) التحريم: 11 مكية
(3) نوح: 28 مكية
(4) الفلق: 1- 5 مكية
(5) الناس: 1- 6 مكية
(5/1921)
الأحاديث الواردة في (الدعاء)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» ) * «1» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادعوا فإنّ الدّعاء يردّ القضاء» ) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- أنّه سمع ابنه يقول: اللهمّ إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة إذا دخلتها، فقال: أي بنيّ، سل الله الجنّة، وتعوّذ به من النّار فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه سيكون في هذه الأمّة قوم يعتدون في الطّهور والدّعاء» ) * «3» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» ) * «4» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتت امرأة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصبيّ لها فقالت: يا نبيّ الله ادع الله له فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنت ثلاثة؟» قالت:
نعم. قال: «لقد احتظرت «5» بحظار شديد من النّار» ) * «6» .
6-* (عن أمّ الدّرداء- رضي الله عنها- قالت لصفوان بن عبد الله بن صفوان، لمّا قدم عليها من الشّام وكان متزوّجا أمّ الدّرداء: أتريد الحجّ العام؟
قال: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير. فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكّل. كلّما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكّل به: آمين ولك بمثل» ) * «7» .
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فليعزم «8» المسألة، ولا يقولنّ اللهمّ إن شئت فأعطني فإنّه لا مستكره له» ) * «9» .
__________
(1) الترمذي (3479) وقال: حديث غريب. والحاكم (1/ 493) وقال: حديث مستقيم الإسناد. وذكره الألباني في الصحيحة وعزاه كذلك لابن عساكر ومفتاح معاني الآثار وقال له شاهد عند أحمد (حديث 594) .
(2) الطبراني في الدعاء (3/ 798) حديث (29) وقال مخرجه: حسن، وأحمد (3/ 155، 255) ، وشرح السنة للبغوي (5/ 165) ، وقال مخرجاه: إسناده حسن.
(3) أبو داود (96) واللفظ له، والطبراني في الكبير (2/ 811) حديث (59) وقال مخرجه: إسناده حسن. وابن ماجة (3864) .
(4) الترمذي (212) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (521) وقال الحافظ: الحديث حسن. والأذكار النووية (95) . وعزاه رحمه الله تعالى في البلوغ للنسائي وابن حبان وهو في المسند (3/ 225) .
(5) احتظرت: استمنعت بمانع وثيق.
(6) مسلم (2636) .
(7) مسلم (2733) .
(8) ليعزم المسألة: أي يجتهد ويلح في الدعاء.
(9) البخاري- الفتح 11 (6338) .
(5/1922)
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا أحدكم فلا يقولنّ اللهمّ إن شئت ولكن ليعظم رغبته، فإنّ الله عزّ وجلّ لا يتعاظم عليه شيء أعطاه» ) * «1» .
9-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون الرّبّ من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك السّاعة فكن» ) * «2» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد فأكثروا الدّعاء» ) * «3» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، وأبخل النّاس من بخل بالسّلام» ) * «4» .
12-* (عن أسير بن جابر- رضي الله عنه- قال: إنّ أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممّن كان يسخر بأويس فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيّين؟ فجاء ذلك الرّجل. فقال عمر: إنّ
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قال: «إنّ رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس. لا يدع باليمين غير أمّ له قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلّا موضع الدّينار أو الدّرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم» ) * «5» .
13-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه بدعوة أن يردّهما صفرا ليس فيهما شيء» ) * «6» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحّد أحّد «7» » ) * «8» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال:
«إنّك تقدم على أهل كتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة الله عزّ وجلّ، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم. فإذا
__________
(1) أحمد في المسند (2/ 457- 458) ، والطبراني في الدعاء (2/ 817) حديث (76) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(2) الترمذي (3579) وقال: حسن صحيح غريب. والنسائي (1/ 279، 280) بسياق أطول من هذا وقال الألباني: صحيح (1/ 123) حديث (557) ، والطبراني في الدعاء: وفيه قال: «أقرب ما يكون من الدعاء جوف الليل الآخر» (2/ 840) حديث (128) وقال: إسناده حسن.
(3) مسلم (482) .
(4) الطبراني في الدعاء (2/ 811) حديث (60) وقال مخرجه: إسناده حسن، ومجمع الزوائد (10/ 146) وقال: رواه أبو يعلى موقوفا ورجاله رجال الصحيح.
(5) مسلم (2542) .
(6) الترمذي (3556) ، أبو داود (1488) ، ابن ماجة (3865) ، والحاكم (1/ 535) وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في الدعاء (2/ 877) حديث (202) وقال مخرجه: إسناده حسن. وقال الحافظ في الفتح: سنده جيد (11/ 143) ، وقال الألباني في مختصر العلو للعلي الغفار: حديث صحيح (97) .
(7) أحّد أحّد: أي: أشر بإصبع واحدة؛ لأن الّذي تدعو إليه واحد، وهو الله تعالى. قاله ابن الأثير في «النهاية» .
(8) الترمذي (3557) وقال: حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (3/ 38) ، وقال الألباني في صحيحه: صحيح (1/ 272) حديث (1207) .
(5/1923)
فعلوا، فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم» وفي لفظ آخر: «واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «1» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلّا أعطاه إيّاه، قال:
وهي ساعة خفيفة» «2» .
وهو عند الطّبرانيّ وفيه: «في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد وهو يصلّي أو ينتظر الصّلاة يدعو الله عزّ وجلّ فيها إلّا استجاب له» ) * «3» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر. فأووا إلى غار فانطبق عليهم. فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ «4» ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق. فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر.
فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء.
فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كانت لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «5» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهنّ: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم» ) * «6» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا تردّ دعوتهم:
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2448) ، ومسلم (19) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 2 (935) ، ومسلم (852) واللفظ له.
(3) الطبراني (2/ 849) حديث (149) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(4) أرز: فيها ست لغات، فتح الألف وضمها مع فتح الراء وبضم الألف مع سكون الراء وتشديد الزاي وتخفيفها.
(5) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له، ومسلم (2743)
(6) أبو داود (1536) واللفظ له، وابن ماجة (3862) ، والبخاري في الأدب المفرد (169) حديث (481) . والطبراني-
(5/1924)
الصّائم حتّى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السّماء ويقول الرّبّ: وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين» ) * «1» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يردّ دعاؤهم: الذّاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط» ) * «2» .
21-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت يا رسول الله علّمني كلمات أدعو بهنّ في صلاتي، قال: «سبّحي الله عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، ثمّ سليه حاجتك يقل: نعم نعم» ) * «3» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّى فأطال القيام جدّا، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا، ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ رفع رأسه فقام فأطال القيام وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبّروا وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا» .
ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا، ألا هل بلّغت» ) * «4» .
23-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء هو العبادة ثمّ قرأ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (غافر/ 60) » ) * «5» .
__________
- في الدعاء (3/ 1417) حديث (1325) وقال مخرجه: حسن.
(1) الترمذي (3598) واللفظ له، وقال: حسن، وابن ماجة (1752) . والطبراني في الدعاء (3/ 1416) حديث (1322) وقال مخرجه: رجال إسناده حسن.
(2) شعب الإيمان للبيهقي (2/ 399) . وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 72) وقال: حسن. وهو في الصحيحة له (3/ 211، 212) وقال إسناده حسن.
(3) النسائي (3/ 51) واللفظ له، وقال الألباني: حسن الإسناد (1/ 279) حديث (1232) . والترمذي (481) وقال: حسن غريب. والحاكم (1/ 317، 318) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وذكر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 348) أن المنذري في الترغيب والترهيب نسبه كذلك لأحمد وابن خزيمة وابن حبان.
(4) البخاري- الفتح 11 (6631) . ومسلم (901) واللفظ له. وإن من أحد: إن نافية بمعنى: ما.
(5) أبو داود (1479) ، والترمذي (3247) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (3828) . وقال الحافظ في الفتح: أخرجه الأربعة وصححه الترمذي.
(5/1925)
24-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين؛ فإنّه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له» ) * «1» .
25-* (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» ، ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» .
26-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، علّمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل اللهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم» ) * «3» .
27-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أيّها النّاس إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ عزّ وجلّ، وأمّا السّجود فاجتهدوا فيه في الدّعاء فقمن «4» أن يستجاب لكم» ) * «5» .
28-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا إذا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصّلاة قلنا:
السّلام على الله من عباده، السّلام على فلان وفلان.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقولوا السّلام على الله، فإنّ الله هو السّلام، ولكن قولوا: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإنّكم إذا قلتم ذلك أصاب كلّ عبد في السّماء أو بين السّماء والأرض، أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو» ) *» .
29-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: «اربعوا «7» على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا،
__________
(1) الترمذي (3505) ، والحاكم (1/ 505) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والطبراني في الدعاء (2/ 838) حديث (124) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(2) أبو داود (1481) ، والنسائي (3/ 44- 45) واللفظ له، وذكره الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 275) حديث (1217) ، والترمذي (3476) وقال: حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 2 (834) واللفظ له، ومسلم (2705) .
(4) قمن: حقيق وجدير.
(5) مسلم (479) .
(6) البخاري- الفتح 2 (835) واللفظ له. ومسلم (402) .
(7) اربعوا: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم.
(5/1926)
ثمّ أتى عليّ وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . فقال: «يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فإنّها كنز من كنوز الجنّة» ، أو قال: «ألا أدلّك به» ) * «1» .
30-* (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: كنّا نداوي الكلمى «2» ، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟. قال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» ) * «3» .
31-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا يعني ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا، فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم، إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بم دعا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات. ثنتين في ذات الله.
قوله: إِنِّي سَقِيمٌ. وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة. وكانت أحسن النّاس. فقال لها: إنّ هذا الجبّار إن يعلم أنّك امرأتي، يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي. فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار. أتاه فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم عليه السّلام إلى الصّلاة.
فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها. فقبضت يده قبضة شديدة. فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك. ففعلت: فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى. فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي. فلك الله «5» أن لا أضرّك. ففعلت. وأطلقت يده. ودعا الّذي جاء بها فقال له: إنّك إنّما أتيتني بشيطان. ولم تأتني بإنسان. فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر. قال فأقبلت تمشي. فلمّا رآها إبراهيم عليه السّلام انصرف. فقال لها. مهيم «6» ؟. قالت:
خيرا. كفّ الله يد الفاجر. وأخدم خادما «7» » ) * «8» .
33-* (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- وقد اكتوى سبعا في بطنه، قال: لولا أنّ رسول
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (7386) واللفظ له، ومسلم (2704) .
(2) الكلمى: هو جمع كليم وهو الجريح.
(3) البخاري- الفتح 1 (324) واللفظ له، ومسلم (890) .
(4) صحيح سنن النسائي (1233) ، وقال: صحيح. وابن ماجة (3858) .
(5) شاهد وضامن أن لا أضرك، والرواية فيه بالنصب وهو قسم.
(6) مهيم: أي ما شأنك وما خبرك؟
(7) وأخدم خادما: أي وهبني خادما وهي هاجر، ويقال: آجر. والخادم يقع على الذكر والأنثى.
(8) البخاري- الفتح 6 (3358) ، ومسلم (2371) واللفظ له.
(5/1927)
الله صلّى الله عليه وسلّم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) * «1» .
34-* (عن أبي أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدّعاء» ) * «2» .
35-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» ، فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «3» .
36-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ «4» من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: اللهمّ اغفر لي، أو دعا استجيب، فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «5» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يستجاب له عند الكرب والشّدائد فليكثر من الدّعاء في الرّخاء» ) * «6» .
38-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النّداء: اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة» ) * «7» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتمنّ أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنّه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنّه لا يزيد المؤمن عمره إلّا خيرا» ) * «8» .
40-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يردّ القدر إلّا الدّعاء، ولا يزيد في العمر إلّا البرّ، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه» ) * «9» .
41-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: يابن آدم
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6349) واللفظ له، ومسلم (2681) .
(2) الترمذي (3370) وقال: حسن غريب، والبخاري في الأدب المفرد (249) حديث (712) ، والطبراني في الدعاء (2/ 798) حديث (28) وقال مخرجه: حسن. والحاكم في مستدركه (1/ 490) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) الترمذي (3573) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وخرج مثله البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي سعيد الخدري وفيه زيادة: «أو يدخرها له في الآخرة» (248) حديث (710) ، وبه مثله عند الطبراني في الدعاء (2/ 802) حديث (37) وقال مخرجه: حسن.
(4) تعارّ: بالراء المشددة- أي تقلب على الفراش ليلا، وقيل: انتبه واستيقظ، وقيل: تمطّى وأنّ.
(5) البخاري- الفتح 3 (1154) .
(6) الطبراني في الدعاء (2/ 805) حديث (44) وقال مخرجه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/ 544) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(7) البخاري- الفتح 2 (614) .
(8) البخاري- الفتح 11 (6351) . ومسلم (2682) واللفظ له.
(9) الترمذي (2139) وقال: حسن غريب. ابن ماجة (4022) وقال في الزوائد: إسناده حسن. وأحمد (5/ 277، 282) ،-
(5/1928)
إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء، ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «1» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» ) * «2» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتنزّل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الدعاء) معنى
44-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن وقل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول» .
فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال:
«لا، وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «4» .
45-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقل: اللهمّ خلقت نفسي وأنت توفّاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتّها فاغفر لها، اللهمّ إنّي أسألك العافية» ) * «5» .
__________
- والطبراني في المعجم الكبير (2/ 100) حديث (1442) وفي الدعاء (2/ 799) حديث (31) ، وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 236) حديث (154) ، والحاكم فى المستدرك (1/ 493) واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(1) الترمذي (3540) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والدارمي (2788) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. وأحمد (5/ 154، 167) من حديث أبي ذر رضي الله عنه- أيضا. الطبراني في الدعاء (2/ 791) حديث (13) وقال مخرجه: إسناده حسن لغيره.
(2) البخاري- الفتح 11 (6340) واللفظ له، ومسلم (2735) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7494) واللفظ له، ومسلم (758) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6311) واللفظ له. ومسلم (2710) .
(5) مسلم (2712) .
(5/1929)
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره، فلينفض بها فراشه، وليسمّ الله، فإنّه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه، فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقّة الأيمن، وليقل:
سبحانك اللهمّ ربّي بك وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين» ) * «1» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سمعتم صياح الدّيكة، فسألوا الله من فضله، فإنّها رأت ملكا. وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوّذوا بالله من الشّيطان، فإنّها رأت شيطانا» ) * «2» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع» ) * «3» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال:
فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟
قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنّة. قال: يقول:
وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها.
قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون:
من النّار. قال يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول فكيف لو رأوها؟
قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم.
قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «4» .
50-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد ابن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلّي
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6320) . ومسلم (2714) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 6 (3303) واللفظ له، ومسلم (2729) .
(3) الحاكم، وقال: صحيح ولم يخرجاه وأقره الذهبي (1/ 104) ورواه من حديث ابن عمر، والنسائي (3/ 112) نسخة الألباني حديث (5050) وقال: صحيح، وابن ماجة (250) ، وذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 140) حديث (1308) وقال: صحيح.
(4) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له، ومسلم (2689) .
(5/1930)
عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، والسّلام كما قد علمتم» ) * «1» .
51-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج علينا فقلنا يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «2» .
52-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها.
فقالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا. ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ- حتّى بلغ- يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) . وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى أو قال: يتلبّط «3» فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه- تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف» . قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» . قال فشربت
__________
(1) مسلم (405) ، وخرجه البخاري من حديث أبي سعيد (6358) ومن حديث أبي حميد الساعدي (6360) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6357) واللفظ له، ومسلم (406) .
(3) يتلبّط: يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض.
(5/1931)
وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإنّ هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء «1» ، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا أو جريّين «2» فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا. قال: وأمّ إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم» . قال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس» ، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم. وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة.
فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه» . قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر.
قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال:
__________
(1) كداء: بالفتح والمد: الثنيّة العليا بمكة مما يلي المقابر وهو المعلا.
(2) جريّا أو جريّين: الجريّ هو الرسول وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير.
(5/1932)
وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) ، قال فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «1» .
53-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل اللهمّ اهدني وسدّدني «2» ، واذكر بالهدى «3» هدايتك الطّريق، والسّداد سداد السّهم» ) * «4» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول: اللهمّ ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم. ربّنا وربّ كلّ شيء. فالق الحبّ والنّوى، ومنزّل التّوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت أخذ بناصيته. اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر» ) * «5» .
55-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: باسم الله، اللهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه شيطان أبدا» ) * «6» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ 284) . قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق، الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير» . قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير. فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ 285) ،
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3364) .
(2) سددني: وفقني.
(3) الهدى: الرشاد.
(4) مسلم (2725) .
(5) مسلم (2713) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6388) واللفظ له، ومسلم (1434) .
(5/1933)
فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله عزّ وجلّ:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) (البقرة/ 286)) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الدعاء)
57-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ائت قومك فقل: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها» ) * «2» .
58-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: خفّت أزواد النّاس وأملقوا، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟. فدخل عمر على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ناد في النّاس يأتون بفضل أزوادهم، فدعا وبرّك «3» عليهم، ثمّ دعاهم بأوعيتهم» . فاحتثى «4» النّاس حتّى فرغوا، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله» ) * «5» .
59-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال:
«الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي» ) * «6» .
60-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت.
لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت.
__________
(1) مسلم (125) .
(2) مسلم (2514) .
(3) وبرك: بتشديد الراء أي دعا بالبركة.
(4) فاحتثى: بسكون المهملة بعدها مثناة مفتوحة ثم مثلثة افتعل من الحثى وهو الأخذ بالكفين.
(5) البخاري- الفتح 6 (2982) واللفظ له. ومسلم (27) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) مسلم (2715) .
(5/1934)
وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال:
«اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به منّي، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «1» .
61-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهنّ ويقولهنّ عند الكرب، يعني: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش العظيم» ) * «2» .
62-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. اللهمّ إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» . فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله. فقال:
«إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب، ووعد فأخلف» ) * «3» .
63-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «4» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان في سفر وأسحر «5» يقول:
«سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا «6» ، ربّنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النّار» ) * «7» .
65-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السّماء، فقال: «سبحان الله العظيم» ، وإذا اجتهد في الدّعاء
__________
(1) مسلم 1 (771) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7426) ، 2 (832) ، 11 (6345) .
(3) مسلم (589) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7499) . ومسلم (769) وهذا لفظه.
(5) السحر: هو آخر الليل.
(6) سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا: ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا الله تعالى على نعمه وحسن بلائه.
(7) مسلم (2718) .
(5/1935)
قال: «يا حيّ يا قيّوم» ) * «1» .
66-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهذا الدّعاء: «ربّ اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كلّه، وما أنت أعلم به منّي، اللهمّ اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدّي وكلّ ذلك عندي، اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر وأنت على كلّ شيء قدير» ) * «2» .
67-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد، اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «3» .
68-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: إنّهم كانوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتى البئر وقعد على شفيرها ثمّ قال: «ائتوني بدلو من مائها» ، فأتي به فبصق فدعا، ثمّ قال: «دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم حتّى ارتحلوا» ) * «4» .
69-* (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه صلّى صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت، فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدّعاء فأخبر به القوم:
«اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «5» .
70-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة» - وهو نصب كانوا يعبدونه يسمّى الكعبة اليمانية- قلت: يا رسول الله، إنّي رجل لا أثبت على الخيل، فصكّ في صدري، فقال: «اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا» . قال: فخرجت في خمسين
__________
(1) الترمذي (3436) وقال: حسن غريب.
(2) البخاري- الفتح 11 (6398) . ومسلم (2719) .
(3) مسلم (476) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4151) .
(5) النسائي (3/ 54، 55) وذكره الألباني في صحيحه (1/ 280، 281) حديث (1237) وعزاه في صحيح الكلم الطيب (66) إلى الحاكم، وقال: صحيح ووافقه الذهبي.
(5/1936)
من أحمس من قومي فأتيتها فأحرقتها ثمّ أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، والله ما أتيتك حتّى تركتها مثل الجمل الأجرب، فدعا لأحمس وخيلها) * «1» .
71-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، طبّ حتّى إنّه ليخيّل إليه أنّه قد صنع الشّيء وما صنعه، وإنّه دعا ربّه، ثمّ قال: «أشعرت أنّ الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟» . فقالت عائشة:
وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليّ، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرّجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبّه؟. قال: لبيد بن الأعصم، قال: فبماذا؟. قال: في مشط ومشاطة وجفّ طلعة، قال: فأين هو؟. قال: في ذروان، (وذروان بئر في بني زريق) . قالت: فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى عائشة فقال: «والله فكأنّ ماءها نقاعة الحنّاء، ولكأنّ نخلها رؤوس الشّياطين» .
قالت: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرها عن البئر.
فقلت يا رسول الله: فهلّا أخرجته؟. قال: «أمّا أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على النّاس شرّا» . وفي رواية: سحر صلّى الله عليه وسلّم فدعا ودعا) * «2» .
72-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه) * «3» .
73-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند ميمونة، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه، ثمّ نام ثمّ قام، فأتى القربة فأطلق شناقها «4» ، ثمّ توضّأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ، فصلّى فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أنّي كنت أتّقيه «5» ، فتوضّأت، فقام يصلّي فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه، فتتامّت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثمّ اضطجع فنام حتّى نفخ وكان إذا نام نفخ- فآذنه بلال بالصّلاة، فصلّى ولم يتوضّأ وكان يقول في دعائه: «اللهمّ اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا» ) * «6»
74-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فقام رجل، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا، فتغيّمت السّماء ومطرنا حتّى ما كاد الرّجل يصل إلى منزله، فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة، فقام ذلك الرّجل أو غيره.
فقال: ادع الله أن يصرفه عنّا، فقد غرقنا، فقال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» ، فجعل السّحاب يتقطّع حول المدينة ولا يمطر أهل المدينة» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6333) واللفظ له. ومسلم (2476) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6391) واللفظ له. ومسلم (2189) .
(3) الترمذي (3385) وقال: حسن غريب صحيح، وقال محقق جامع الأصول (4/ 157) : حديث حسن.
(4) شناقها: هو رباط القربة يشد عنقها.
(5) أتقيه: يعني أرقبه.
(6) البخاري- الفتح 11 (6316) واللفظ له. ومسلم (763) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6342) واللفظ له. ومسلم (897) .
(5/1937)
75-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: دعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بماء فتوضّأ به، ثمّ رفع يديه فقال: «اللهمّ اغفر لعبيد أبي عامر» - ورأيت بياض إبطيه- فقال: «اللهمّ اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من النّاس» ) * «1» .
76-* (عن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثمّ توضّأ فشربت من وضوئه، ثمّ قمت إلى خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زرّ الحجلة «2» » ) * «3» .
77-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » .
قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «4» .
78-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «5» ، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «6» .
79-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قالت أمّي: يا رسول الله، خادمك أنس ادع الله له، قال: «اللهمّ أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته» ) * «7» .
80-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدم الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ، على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها فظنّ النّاس أنّه يدعو عليهم، فقال:
«اللهمّ اهد دوسا، وائت بهم» ) * «8» .
81-* (عن شهر بن حوشب قال: قلت لأمّ سلمة- رضي الله عنها- يا أمّ المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كان عندك، قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» ) * «9» .
82-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6383) واللفظ له. ومسلم (2498) بسياق طويل.
(2) الحجلة: بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى. وقيل الحجلة طائر معروف وزرها بيضها.
(3) البخاري- الفتح 11 (6352) واللفظ له، ومسلم (2345) .
(4) مسلم (963) .
(5) المراد بالمسجد في الحديث: مكان السجود.
(6) مسلم (486) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6344) واللفظ له، ومسلم (2480) .
(8) البخاري- الفتح 11 (6397) .
(9) الترمذي (3522) واللفظ له وقال: حديث حسن، والحاكم (1/ 525) عن القواس.
(5/1938)
قال: كان أكثر دعوة يدعو بها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار» .
وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه) * «1» .
83-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتى المريض يدعو له، قال: «أذهب الباس ربّ النّاس، واشف أنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما» ) * «2» .
84-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى، قال:
«أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ أسألك خير ما في هذه اللّيلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرّ ما في هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها، ربّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، ربّ أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر» ، وإذا أصبح قال ذلك أيضا، «أصبحنا وأصبح الملك لله» ) * «3» .
85-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا دخل الخلاء، قال: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبث «4» والخبائث «5» » ) * «6» .
86-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه، قال:
«اللهمّ باسمك أحيا وباسمك أموت، وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» ) * «7» .
87-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع يديه في الدّعاء لم يحطّهما حتّى يمسح بهما وجهه) * «8» .
88-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6389) ، ومسلم (2690) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 10 (5743) . ومسلم (2191) واللفظ له.
(3) مسلم (2723) .
(4) الخبث: بضم الباء التحتية جمع خبيث، والمراد به ذكور الشياطين.
(5) الخبائث: جمع خبيثة والمراد إناثها.
(6) البخاري- الفتح 11 (6322) . ومسلم (375) .
(7) مسلم (2711) .
(8) الترمذي (3386) وقال: حديث صحيح غريب. وأبو داود (1485) ، وله شاهد آخر عند أبي داود (1487) ، وابن ماجه (3866) (وكلاهما فيه ضعيف) بيد أن مجموع الروايات يرقى بالحديث إلى الحسن كما قال ابن حجر في بلوغ المرام، انظر: سبل السلام شرح بلوغ المرام: (4/ 427) . ط الريان.
(5/1939)
قلبي» ) * «1» .
89-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو فيقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ ما عملت، وشرّ ما لم أعمل» ) * «2» .
90-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستحبّ الجوامع من الدّعاء ويدع ما سوى ذلك) * «3» .
91-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ أصلح لي ديني الّذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي الّتي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي الّتي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كلّ خير، واجعل الموت راحة لي من كلّ شرّ» ) * «4» .
92-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان من دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك» ) * «5» .
93-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يؤتى بالصّبيان فيدعو لهم فأتي بصبيّ فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إيّاه، ولم يغسله» ) * «6» .
94-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) * «7» .
95-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «8» .
96-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبأ دعوتي شفاعة لأمّتي في الآخرة» ) * «9» .
97-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدع هؤلاء الدّعوات حين يمسي وحين يصبح: «اللهمّ إنّي أسألك العافية في
__________
(1) أبو داود (1510) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح، وابن ماجة (3830) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 337) : هو حديث صحيح.
(2) مسلم (2716) .
(3) أبو داود (1482) واللفظ له، والطبراني في الدعاء (2/ 807) حديث (50) وقال: رجال إسناده ثقات، وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 264) حديث (4825) وعزاه للحاكم أيضا. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 163) : إسناده حسن.
(4) مسلم (2720) .
(5) مسلم (2739) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6355) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6347) واللفظ له، وقال الراوي: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي، ومسلم (2707) .
(8) مسلم (770) .
(9) البخاري- الفتح 11 (6304) واللفظ له، ومسلم (334) .
(5/1940)
الدّنيا والآخرة، اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهمّ استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهمّ احفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي «1» » ) * «2» .
98-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» .
99-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: هلك أبي وترك سبع أو تسع بنات، فتزوّجت امرأة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تزوّجت يا جابر؟» قلت: نعم. قال: «بكرا أم ثيّبا؟» . قلت: ثيّبا. قال:
«هلّا جارية تلاعبها وتلاعبك، أو تضاحكها وتضاحكك؟» . قلت: هلك أبي فترك سبع أو تسع بنات فكرهت أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فتزوّجت امرأة تقوم عليهنّ. قال: «فبارك الله عليك» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الدعاء)
1-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «إنّ الدّعاء موقوف بين السّماء والأرض لا يصعد منه شيء حتّى تصلّي على نبيّك صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حدّث النّاس كلّ جمعة فإن أبيت فمرّتين، فإن أكثرت فثلاث مرّات ولا تملّ النّاس هذا القرآن، ولا ألفينّك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقصّ عليهم فتقطع حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدّثهم وهم يشتهونه، فانظر السّجع من الدّعاء فاجتنبه، فإنّي عهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لا يفعلون إلّا ذلك الاجتناب» ) * «6» .
3-* (قال بعض الصّحابة: في معنى قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (الإسراء/ 110) : «أي لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعيّر بها» ) * «7» .
4-* (عن سالم بن عبد الله بن عمر- رحمه
__________
(1) أن أغتال من تحتي: يعني (الخسف) .
(2) أبو داود (5074) . وابن ماجة (3871) . والحاكم (1/ 517) ووافقه الذهبي.
(3) مسلم (2722) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6387) .
(5) الترمذي (486) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 356) : هذا موقوف في حكم المرفوع، ونقل كلام القاضي أبي بكر بن العربي في العارضة، وذكره الحافظ في الفتح (11/ 164) وعزاه إلى الترمذي.
(6) البخاري- الفتح 11 (6337) .
(7) فتح الباري (8/ 406) .
(5/1941)
الله تعالى-: أنّه رأى سائلا يسأل النّاس يوم عرفة، فقال: «يا عاجز، في هذا اليوم يسأل غير الله- عزّ وجلّ-» ) * «1»
5-* (قال مجاهد- رحمه الله تعالى-: «إنّ الصّلاة جعلت في خير السّاعات فعليكم بالدّعاء خلف الصّلوات» ) * «2» .
6-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«إذا كان يوم القيامة نادى مناد: سيعلم الجمع من أولى بالكرم أين الّذين كانت تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (السجدة/ 16) » . قال: «فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس» ، قال: «ثمّ ينادي مناد:
سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الّذين كانت لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ النور/ 37) .
قال: «فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس» ، قال: «ثمّ ينادي مناد، سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمّادون لله على كلّ حال؟» ، قال: «فيقومون وهم كثير، ثمّ يكون التّنعيم والحساب فيمن بقي) * «3» .
7-* (قال الإمام مالك- رحمه الله تعالى-:
«أكره للرّجل أن يقول في دعائه: يا سيّدي يا سيّدي يا حنّان يا حنّان ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء: ربّنا ربّنا» ) * «4» .
8-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«خرج النّاس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثمّ قال: «يا معشر من حضر، ألستم مقرّين بالإساءة؟» . قالوا: بلى، فقال:
«اللهمّ إنّا سمعناك تقول ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلّا لمثلنا؟، اللهمّ اغفر لنا وارحمنا واسقنا» ، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا) * «5» .
9-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله تعالى-:
«بلغني أنّ بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتّى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال، وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرّعون فأوحى الله- عزّ وجلّ إلى أنبيائهم- عليهم السّلام- لو مشيتم إليّ بأقدامكم حتّى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السّماء وتكلّ ألسنتكم عن الدّعاء، فإنّي لا أجيب لكم داعيا، ولا أرحم لكم باكيا حتّى تردّوا المظالم إلى أهلها، ففعلوا فمطروا من يومهم» ) * «6» .
10-* (قال أبو سليمان الدّارانيّ- رحمه الله تعالى-: «من أراد أن يسأل الله حاجة، فليبدأ بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يسأله حاجته ثمّ يختم بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّ الله- عزّ وجلّ- يقبل الصّلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما» ) * «7» .
11-* (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى-: «لا يمنعنّ أحدا الدّعاء ما يعلم في نفسه-
__________
(1) الأذكار النووية (291) .
(2) إحياء علوم الدين، للغزالي (1/ 304) .
(3) الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم (89) .
(4) مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 285) .
(5) الأذكار، للنووي (612) .
(6) الإحياء (1/ 307) .
(7) إحياء علوم الدين (1/ 307) .
(5/1942)
يعني من التّقصير- فإنّ الله قد أجاب دعاء شرّ خلقه، وهو إبليس حين قال: ربّ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*» ) * «1» .
12-* (قال يحيى الغسّانيّ- رحمه الله تعالى-:
أصاب النّاس قحط على عهد داود عليه السّلام، فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتّى يستسقوا بهم، فقال أحدهم: «اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعفو عمّن ظلمنا، اللهمّ إنّا ظلمنا أنفسنا فاعف عنّا، وقال الثّاني: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقّاءنا، اللهمّ إنّا أرقّاؤك فأعتقنا، وقال الثّالث: اللهمّ إنّك أنزلت في توراتك أن لا نردّ المساكين إذا وقفوا بأبوابنا، اللهمّ إنّا مساكينك وقفنا ببابك فلا تردّ دعاءنا» فسقوا) * «2» .
13-* (قال الدّاوديّ- رحمه الله تعالى-:
«على الدّاعي أن يجتهد ويلحّ ولا يقل إن شئت كالمستثني ولكن دعاء البائس الفقير» ) * «3» .
14-* (قال ابن بطّال- رحمه الله تعالى-:
«ينبغي للدّاعي أن يجتهد في الدّعاء ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرّحمة، فإنّه يدعو كريما» ) * «4» .
15-* (وقال أيضا: «وعد الله على لسان نبيّه أنّ من استيقظ من نومه لهجا لسانه بتوحيد ربّه والإذعان له بالملك والاعتراف بنعمه يحمده عليها وينزّهه عمّا لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتّكبير والتّسليم له بالعجز عن القدرة إلّا بعونه أنّه إذا دعاه أجابه، وإذا صلّى قبلت صلاته» ) * «5» .
16-* (قال القاضي حسين- رحمه الله تعالى-:
«يستحبّ لمن وقع في شدّة أن يدعو بصالح عمله» ) * «6» .
17-* (قال ابن عقيل الحنبليّ- رحمه الله تعالى-: «والله ما أعتمد على أنّي مؤمن بصلاتي وصومي بل أعتمد إذا رأيت قلبي في الشّدائد يفزع إليه (أي بالدّعاء) وشكري لما أنعم عليّ. قال: (أي الله تعالى) : قد صنتك بكلّ معنى من أن تكون عبد العبد وأعلمتك أنّي أنا الخالق الرّازق فتركتني وأقبلت على العبيد، كلّكم تسألوني وقت جدب المطر، وبعد الإجابة يعبد بعضكم بعضا» ) * «7» .
18-* (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-:
«فالعارف (يعني الّذي يعلم حقّ الله عليه مثلا) يجتهد في تحصيل أسباب الإجابة من الزّمان والمكان وغير ذلك ولا يملّ ولا يسأم ويجتهد في معاملته بينه وبين ربّه- عزّ وجلّ- في غير وقت الشّدّة، فإنّه أنجح، فالواجب النّظر في الأمور، فإن عدم الإجابة فليعلم أنّ ذلك إمّا لعدم بعض المقتضى أو لوجود مانع فيتّهم نفسه لا غيرها، وينظر في حال سيّد الخلائق وأكرمهم على الله عزّ وجلّ، كيف كان اجتهاده في وقعة بدر
__________
(1) الفتح (11/ 144- 145) .
(2) الأذكار النووية (612) .
(3) الفتح (11/ 145) .
(4) المرجع السابق (11/ 144) .
(5) المرجع السابق (3/ 41) .
(6) الأذكار النووية (612) .
(7) الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/ 150) .
(5/1943)
وغيرها، ويثق بوعد ربّه- عزّ وجلّ- في قوله:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ 60) ، وليعلم أيضا أنّ كلّ شيء عنده بأجل مسمّى» ) * «1» .
19-* (قال بعض أهل العلم: «ادع بلسان الذّلّة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق» ) * «2» .
20-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
أتهزأ بالدّعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدّعاء
سهام اللّيل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء) * «3» .
21-* (وقال:
وربّ ظلوم قد كفيت بحربه ... فأوقعه المقدور أيّ وقوع
فما كان لي الإسلام إلّا تعبّدا ... وأدعية لا تتّقى بدروع
وحسبك أن ينجو الظّلوم وخلفه ... سهام دعاء من قسيّ ركوع
مريّشة بالهدب «4» من كلّ ساهر ... منهلّة أطرافها بدموع) * «5» .
من فوائد (الدعاء)
(1) سرعة الفرج وتفريج الكرب.
(2) إلقاء الهمّ على الرّبّ لحسن الظّنّ بالقرب.
(3) سلاح يتّقى به العدوّ وسوء القضاء.
(4) يجلب المصالح ويدفع المفاسد.
(5) يشغل العبد بذنبه وعيبه عن عيب غيره.
(6) مداومة الشّعور بالضّعف والحاجة، فلا يزال يدعو حتّى ينال حاجته.
(7) يعدّ من أجلّ أنواع العبادة، فيقصد لذاته كما يقصد لقضاء الحاجة ولدفع المضرّة.
(8) يدعو المسلم إلى التعرّف على الآداب الشّرعيّة.
(9) يشعر المسلم بأنّه فى معيّة الحقّ دوما.
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 149) .
(2) إحياء علوم الدين (1/ 306) .
(3) ديوان الشافعي (48) ، تحقيق د. خفاجي.
(4) مريشة بالهدب: كناية عن لصق شعر الأهداب فيها كما يلصق الشعر على مؤخرة السهم لتزيد سرعته، والمعنى: دعوة المظلوم مرسلة إرسال السهم السريع لأنها مبتلة بريش الهدب ودموع الجفن.
(5) ديوان الشافعي (91) .
(5/1944)
الدعوة إلى الله
الدعوة لغة:
تكون مصدرا لقولهم: دعا فلان إلى كذا دعوة، وهو مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على: إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، وجاء في الصّحاح يقال: دعوت فلانا، أي صحت به واستدعيته، ودعوت الله له وعليه دعاء، وتكون الدّعوة (أيضا) المرّة الواحدة من الدّعاء، وتكون أيضا الاسم من قولهم: دعا الرّجل دعوا ودعاء: قال ابن منظور والاسم الدّعوة.
والدّعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الله تعالى، وكذلك المؤذّن. وفي التّهذيب: المؤذّن داعي الله، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الأمّة إلى توحيد الله وطاعته «1» .
قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إذا كانت الدّعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصّل إلّا بالعلم الّذي يدعو به وإليه، بل لا بدّ في كمال الدّعوة من البلوغ في العلم، الآيات الأحاديث الآثار 13 32 9
إلى حدّ أقصى يصل إليه السّعي، ويكفي هذا في شرف العلم أنّ صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء «2» .
قال ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ: أي دعا عباد الله إليه وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصّلت/ 33) : أي وهو في نفسه مهتد بما يقول فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدّ وليس هو من الّذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر، ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشرّ ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى، وهذه عامّة في كلّ من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أولى النّاس بذلك «3» .
الدعوة إلى الله اصطلاحا:
هي دعوة النّاس إلى الإسلام بالقول والعمل «4» .
أقسام الدعوة إلى الله:
نقل الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ عن ابن القيّم- رحمه الله تعالى- قوله في معنى قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (14/ 258- 259) .
(2) التفسير القيم (319) .
(3) تفسير ابن كثير (4/ 100) .
(4) تفسير الطبري (11/ 53) .
(5/1945)
الْحَسَنَةِ (النحل/ 125) : ذكر سبحانه مراتب الدّعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعوّ: فإنّه إمّا أن يكون طالبا للحقّ محبّا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال. وإمّا أن يكون مشتغلا بضدّ الحقّ، ولكن لو عرفه آثره واتّبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالتّرغيب والتّرهيب. وإمّا أن يكون معاندا معارضا فهذا يجادل بالّتي هي أحسن، فإن رجع وإلّا انتقل معه إلى الجدال إن أمكن «1» .
الدعوة إلى الله وآدابها:
تبليغ الدّعوة إلى الله يكون بالقول وبالعمل وبسيرة الدّاعي الّتي تجعله قدوة حسنة لغيره فتجذبهم إلى الإسلام «2» .
ولا بدّ أن يستعين الدّاعي إلى الله بأساليب الدّعوة الإسلاميّة، وهي:
1- الحكمة.
2- الوعظ عن طريق التّرغيب والتّرهيب.
3- الجدل والحوار وإقامة الحجّة.
4- القدوة.
5- الجهاد.
6- التّربية والتّعليم.
7- استخدام العلم ونظريّاته واكتشافاته.
8- الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
9- الإعلام.
10- التّأليف والكتابة والتّحقيق والتّخريج.
11- دروس المساجد.
12- الخروج إلى القرى والمساجد والمدن.
13- الاهتمام بالعقل.
14- الاهتمام بالرّوح وتزكية النّفس وأعمال البرّ «3» .
من أسس الدعوة إلى الله الاستقامة على أمر الله:
دعا الإسلام إلى الاستقامة وجعلها أعلى المقامات. وأسلوبه في الدّعوة إليها أسلوب يستهوي الأفئدة ويؤثّر في النّفوس ويحملها على التزامها والتّعلّق بأهدابها. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أي إنّ الّذين آمنوا بالله إيمانا حقّا واستقاموا على الطّريق الّذي رسمه لعباده فإنّ الملائكة تنزّل عليهم عند الموت قائلة لهم:
لا تخافوا ممّا أمامكم من أهوال القبر ولا تحزنوا على ما تركتم وراءكم من أموال وأولاد وأبشروا بالجنّة الّتي وعدكم الله بها.
وإنّ هؤلاء الّذين قالوا ربّنا الله واستقاموا
__________
(1) فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (86- 87) .
(2) أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان (470) .
(3) الأسلوب التربوي للدعوة إلى الله في العصر الحاضر لخالد ابن عبد الكريم الخياط (104، 105) .
(5/1946)
يتولّاهم الله برحمته ورضاه كلّما التزموا الاستقامة وساروا على الجادّة دون اعوجاج أو انحراف «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- التذكير- النصيحة- الوعظ- اللين- الأسوة الحسنة- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- البشارة- الإنذار- التبليغ- التعاون على البر والتقوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغي والإغواء- الكسل- التهاون- التعاون على الإثم والعدوان- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- التفريط والإفراط] .
__________
(1) انظر كتاب «إسلامنا» لسيد سابق ص 146- 147.
(5/1947)
الآيات الواردة في «الدعوة إلى الله»
الدعوة إلى الله:
1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1»
2- وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «2»
3- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «3»
4- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) «4»
5- وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) «5»
6- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) «6»
7- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «7»
8- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «8»
9- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) «9»
دعوة الله عباده المؤمنين:
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) «10»
__________
(1) يوسف: 108 مكية
(2) الرعد: 36 مدنية
(3) النحل: 125 مكية
(4) الحج: 67 مدنية
(5) القصص: 87 مكية
(6) الأحزاب: 45- 46 مدنية
(7) فصلت: 33 مكية
(8) الشورى: 15 مكية
(9) الأحقاف: 31 مكية
(10) الأنفال: 24 مدنية
(5/1948)
دعوة الأنبياء وصالحي المؤمنين إلى الله والجنة، ودعوة الكفار إلى النار:
11-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) «1»
12- قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً (6) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) «2»
13-* وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) «3»
__________
(1) غافر: 41- 42 مكية
(2) نوح: 5- 7 مكية
(3) الكهف: 32- 38 مكية
(5/1949)
الأحاديث الواردة في (الدعوة إلى الله)
1-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال:
انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل يعني عظيم الرّوم، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى «1» ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ... الحديث وفيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «2»
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) » ) * «3» .
2-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة النّجاشيّ، فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام، فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به ... الحديث) * «4» .
3-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، فإن أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) أي أميرها، وبصرى هي مدينة حوران قريبة من طرف البرية التي بين الشام والحجاز.
(2) الأريسيّين: المشهور أنهم الفلاحون والزارعون، ومعناه إن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك.
(3) البخاري- الفتح 1 (7) ، ومسلم (1773) واللفظ له.
(4) أحمد في المسند (1/ 202) ، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح، والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع.
(5) البخاري- الفتح 3 (1458) ، ومسلم (19) واللفظ له.
(5/1950)
بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدارس، فقال:
«أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض لله ورسوله وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض لله ورسوله» ) * «1» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد أطاع الله، ومن عصى محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، ومحمّد فرّق بين النّاس) * «2» .
6-* (عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلنا على عبادة بن الصّامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله، حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه، فقال: «فيما أخذ علينا أن بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» ) * «3» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا:
يا رسول الله، إنّا هذا الحيّ من ربيعة قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر، ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا، قال: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلّا الله- وعقد بيده هكذا- وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدّبّاء «4» ، والحنتم «5» ، والنّقير «6» ، والمزفّت «7» » ) * «8» .
8-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة «9» ، أوصاه في خاصّته «10» بتقوى الله ومن معه من
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3167) واللفظ له، ومسلم (1765) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7281) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7055- 7056) واللفظ له، ومسلم (1709) .
(4) الدباء: هو القرع اليابس أي الوعاء منه.
(5) الحنتم: أصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر.
(6) النقير: جذع ينقر وسطه.
(7) المزفت: وهو المطلي بالقار وهو الزفت.
(8) البخاري- الفتح 3 (1398) ، ومسلم (17) .
(9) سرية: هي قطعة من الجيش تخرج منه تغير وتعود إليه. قال إبراهيم الحربي: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، قالوا: سميت سرية لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها، وهي فعلية بمعنى فاعلة، يقال: سرى وأسرى، إذا ذهب ليلا.
(10) في خاصته: أي في حق نفس ذلك الأمير خصوصا.
(5/1951)
المسلمين خيرا، ثمّ قال: «اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «1» ولا تغدروا «2» ، ولا تمثلوا «3» ، ولا تقتلوا وليدا «4» ، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام «5» ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «6» وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك ... الحديث) * «7» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف «8» ، فسمعت أمّي خشف قدميّ «9» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «10» ، قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيرا، قال:
قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين، ويحبّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة-
__________
(1) ولا تغلوا: من الغلول، ومعناه الخيانة في المغنم، أي لا تخونوا في الغنيمة.
(2) ولا تغدروا: أي لا تنقضوا العهد.
(3) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.
(4) وليدا: أي صبيّا لأنه لا يقاتل.
(5) ثم ادعهم إلى الإسلام: هكذا في جميع نسخ صحيح مسلم: ثم ادعهم، قال القاضي عياض: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد، وفي سنن أبي داود وغيرهما، لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها، وقال المازري: ليست ثم هنا زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ.
(6) ذمة الله: الذمة هنا العهد.
(7) مسلم (1731) .
(8) مجاف: مغلق.
(9) خشف قدميّ: أي صوتهما في الأرض.
(10) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(5/1952)
وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين» ، فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلّا أحبّني) * «1» .
10-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله» ، قال: فبات النّاس يدوكون «2» ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب» ، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال:
«فأرسلوا إليه» . فأتي به. فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له فبرأ، حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية، فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا، فقال: «انفذ على رسلك «3» حتّى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، من حقّ الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم «4» » ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (الدعوة إلى الله) معنى
11-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب النّاس فقال: «ألا تدرون أيّ يوم هذا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، فقال: «أليس بيوم النّحر؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «أيّ بلد هذا؟
أليست بالبلدة الحرام؟» ، قلنا: بلى يا رسول الله، قال:
«فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت؟» ، قلنا: نعم، قال: «اللهمّ اشهد، فليبلّغ الشّاهد الغائب، فإنّه ربّ مبلّغ يبلّغه من هو أوعى له» فكان كذلك) * «6» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» ، قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «7» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدّرجات؟» ، قالوا: بلى يا رسول الله!، قال «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا
__________
(1) مسلم (2491) .
(2) يدوكون: يخوضون، وهو على وزن (يقولون) .
(3) على رسلك: بأدب وأناة.
(4) حمر النعم: أنفس أموال العرب.
(5) البخاري- الفتح 7 (3701) ، ومسلم (2405) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 13 (7078) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له، ومسلم (15) .
(5/1953)
إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلكم الرّباط» ) * «1» .
14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، ويأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلّوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرّمت علينا دماؤهم وأموالهم إلّا بحقّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين» ) * «2» .
15-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله» ) * «3» .
16-* (عن حارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... - الحديث وفيه- وآمركم بالصّيام، فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة كلّهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك ... الحديث» ) * «4» .
17-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما، فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب ما جئت به من الحقّ» ) * «5» .
18-* (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ، فذكر في الحديث قصّة، فقال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان عندكم «6» ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا، ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقّهنّ عليكم
__________
(1) مسلم (251) .
(2) البخاري- الفتح 1 (392) ، الترمذي (2608) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح.
(3) البخاري- الفتح 1 (25) واللفظ له، ومسلم (22) .
(4) الترمذي (2863) ، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة (3/ 195) ، وقال محققه: رواه أحمد (4/ 202) وإسناده صحيح.
(5) البخاري- الفتح 13 (7283) واللفظ له، ومسلم (2283) .
(6) عوان عندكم: أي أسرى في أيديكم.
(5/1954)
أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «1» .
19-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ) * «2» .
20-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي «3» ، فاحملني، فقال: «ما عندي» ، فقال رجل:
يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» ) * «4» .
21-* (عن أبي أيّوب- رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنّة، ويباعدني من النّار، قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصل ذا رحمك» ، فلمّا أدبر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن تمسّك بما أمر به دخل الجنّة» ) * «5» .
22-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة، والنّاس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلست إليه، فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلا، فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل، ومنّا من هو في جشره «6» إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «7» ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم» ... الحديث) * «8» .
23-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة يوم العيد، فبدأ بالصّلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، ثمّ قام متوكّئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثّ على طاعته، ووعظ النّاس، وذكّرهم، ثمّ مضى، حتّى أتى النّساء فوعظهنّ وذكّرهنّ، فقال: «تصدّقن فإنّ أكثركنّ حطب جهنّم» ، فقامت امرأة من سطة النّساء «9» سفعاء الخدّين «10» ، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن الشّكاة «11» ، وتكفرن العشير «12» » ، قال:
فجعلن يتصدّقن من حليّهنّ يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتمهنّ) * «13» .
24-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) الترمذي (1163) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحديث أصله في مسلم من حديث جابر رضي الله عنه (1218) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3461) .
(3) أبدع بي: أي هلكت دابتي وهي مركوبي.
(4) مسلم (1893) .
(5) مسلم (13) .
(6) في جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها.
(7) الصّلاة جامعة بالنصب على الإغراء.
(8) مسلم (1844) .
(9) من سطة النساء: أي من خيارهن، والوسط العدل والخيار.
(10) سفعاء الخدين: السفعة: سواد مشرب بحمرة.
(11) الشكاة: الشكوى.
(12) تكفرن العشير: أي يجحدن الإحسان لضعف عقولهن وقلة معرفتهن.
(13) البخاري- الفتح 2 (978) ، ومسلم (885) واللفظ له.
(5/1955)
قال: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّفا ذات يوم فقال:
«يا صباحاه» ، فاجتمعت إليه قريش، قالوا: مالك؟، قال: «أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ يصبّحكم أو يمسّيكم أما كنتم تصدّقونني؟» . قالوا: بلى، قال:
«فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» ، فقال أبو لهب: تبّالك ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) * «1» .
25-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا، بماء يدعى خمّا «2» ، بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى، ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر؛ يوشك أن يأتي رسول ربّي، فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما: كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» ) * «3» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمّه: «قل لا إله إلّا الله، أشهد لك بها يوم القيامة» ، قال: لولا أن تعيّرني قريش، يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) * «4» .
27-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار، قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ، ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير، الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» ، قال:
ثمّ تلا: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) ، ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه» . قلت:
بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصّلاة وذروة سنامه الجهاد» ، ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه» ، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، قال: «كفّ عليك هذا» ، فقلت: يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «5» .
28-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ، فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4801) .
(2) خما: غيضة على ثلاثة أميال من الجحفة.
(3) مسلم (2408) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4772) ، ومسلم (25) واللفظ له.
(5) الترمذي (2616) ، وقال: حسن صحيح واللفظ له، وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (5/ 13) وابن ماجة (3973) ، وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29- 30) : صحيح الإسناد.
(5/1956)
النّاس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلّا وجبت له الجنّة» ، قال:
فقلت: ما أجود هذه!، فإذا قائل بين يديّ يقول:
الّتي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا «1» ، قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ «2» ، (أو فيسبغ) الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله، إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «3» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «4» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي، فعدّ خمسا وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «5» .
31-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ «6» عليهنّ قلب مسلم:
إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمّة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ الدّعوة تحيط من ورائهم» ) * «7» .
32-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب» . فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «8» .
__________
(1) آنفا: أي قريبا.
(2) فيبلغ أو يسبغ: أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون.
(3) مسلم (234) .
(4) مسلم (2674) .
(5) الترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) .
(6) لا يغلّ: بالضم من الإغلال، وهو الخيانة.
(7) الترمذي (2658) .
(8) الترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح.
(5/1957)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الدعوة إلى الله)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خطب أبو طلحة أمّ سليم. فقالت: «والله ما مثلك يا أبا طلحة يردّ، ولكنّك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجك؛ فإن تسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها» ) * «1» .
2-* (عن ابن سيرين- رحمه الله- في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ (فصلت/ 33) قال: «ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
3-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- أنّه تلا هذه الآية: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فقال: هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحبّ أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا النّاس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنّني من المسلمين، هذا خليفة الله» ) * «3» .
4-* (عن قتادة- رحمه الله- في قوله تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قال: هذا عبد صدق قوله، وعمله، ومولجه، ومخرجه، وسرّه، وعلانيته، ومشهده، ومغيبه) * «4» .
5-* (عن ابن شهاب قال: لما بايع أهل العقبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجعوا إلى قومهم، فدعوهم سرّا، وأخبروهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والّذي بعثه الله به، وتلوا عليهم القرآن. ثمّ بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ ابن عفراء، ورافع بن مالك، أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فليدع النّاس بكتاب الله؛ فإنّه قمن- أي حقيق- أن يتّبع، فبعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مصعب بن عمير أخا بني عبد الدّار، فلم يزل عندهم يدعو آمنا، ويهديهم الله على يديه، حتّى قلّ دار من دور الأنصار إلّا وقد أسلم أشرافهم، وأسلم عمرو بن الجموح، وكسّرت أصنامهم وكان المسلمون أعزّ أهل المدينة) * «5» .
6-* (قال أحد السّلف في خطبته الّتي ذكرها ابن وضّاح في كتاب الحوادث والبدع له: «الحمد لله الّذي امتنّ على العباد بأن جعل في كلّ زمان فترة من الرّسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون على الأذى، ويبصّرون بكتاب الله أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضالّ قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على النّاس، وما أقبح أثر النّاس
__________
(1) النسائي (5/ 114) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (3133) .
(2) الدر المنثور للسيوطي (7/ 352) .
(3) تفسير ابن كثير (4/ 101) .
(4) الدر المنثور للسيوطي (7/ 325) . ومولجه: مدخله.
(5) انظر حلية الأولياء (1/ 107) .
(5/1958)
عليهم، يغلبونهم في سالف الدّهر، وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربّك، وما كان ربّك نسيّا، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم فلا تقصر عنهم، فإنّهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة» ) * «1» .
7-* (قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله- في سياق قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي (يوسف/ 108) : «إنّ الله سبحانه أمر رسوله أن يخبر أنّ سبيله الدّعوة إلى الله، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدّعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرّسل في أممهم، والنّاس تبع لهم، والله سبحانه قد أمر رسوله أن يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه، وضمن له حفظه وعصمته من النّاس، وهؤلاء المبلّغون عنه من أمّته لهم من حفظ الله وعصمته إيّاهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم له، وقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلّغ عنه ولو حديثا، وتبليغ سنّته إلى الأمّة أفضل من تبليغ السّهام إلى نحور العدوّ؛ لأنّ تبليغ السّهام يفعله كثير من النّاس، وأمّا تبليغ السّنن فلا يقوم به إلّا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه» ) * «2» .
8-* (قال الشّيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله-: «الواجب على جميع القادرين من العلماء وحكّام المسلمين والدّعاة الدّعوة إلى الله- عزّ وجلّ- حتّى يصل البلاغ إلى العالم كافّة في جميع أنحاء المعمورة، وهذا هو البلاغ الّذي أمر الله به، قال الله تعالى لنبيّه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (المائدة/ 67) فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم عليه البلاغ، وهكذا الرّسل جميعا عليهم البلاغ صلوات الله وسلامه عليهم، وعلى أتباع الرّسل أن يبلّغوا، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بلّغوا عنّي ولو آية» ، وكان إذا خطب النّاس يقول: «فليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع» . فعلى جميع الأمّة حكّاما وعلماء وتجّارا وغيرهم أن يبلّغوا عن الله وعن رسوله صلّى الله عليه وسلّم هذا الدّين وأن يشرحوه للنّاس بشتّى اللّغات الحيّة المستعملة» ) * «3» .
9-* (وقال أيضا- حفظه الله-: «ليس الخافي على كلّ من له أدنى علم أو بصيرة أنّ العالم الإسلاميّ اليوم، بل العالم كلّه في أشدّ الحاجة إلى الدّعوة الإسلاميّة الواضحة الجليّة الّتي تشرح للنّاس حقيقة الإسلام، وتوضّح لهم أحكامه ومحاسنه، وبذلك يتّضح لكلّ مسلم طالب علم أنّ الدّعوة إلى الله من أهمّ المهمّات، وأنّ الأمّة في كلّ زمان ومكان في أشدّ الحاجة إليها بل في أشدّ الضّرورة إلى ذلك، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلّغوا دعوة
__________
(1) التفسير القيم لابن القيم (431) .
(2) المرجع السابق (430- 431) .
(3) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 333) .
(5/1959)
الله، وأن يصبروا على ذلك، وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله وسنّة رسوله الصّحيحة، عليه الصّلاة والسّلام، وعلى طريق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ومنهج السّلف الصّالح رضي الله عنهم» ) * «1» .
من فوائد (الدعوة إلى الله)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) دلالة النّاس على الخير وهدايتهم إليه.
(3) دليل على صلاح العبد واستقامته.
(4) تثمر محبّة الله ومحبّة النّاس.
(5) التّشبّه بالأنبياء والصّالحين وسلوك مسالكهم.
(6) في القيام بها نشر للفضيلة ومحاربة للرّذيلة.
(7) بها تصلح الأفراد وتسعد الشّعوب.
(8) بها يتقرّب العبد من ربّه ويفوز بمحبّته.
(9) باب من أبواب النّصيحة إلى الله ورسوله والمؤمنين لا يفوز بها إلّا الصّالحون.
(10) تكسب الدّاعي بركة دعوة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بأن ينضّر الله وجهه.
(11) تشرح للعالم كلّه سبل الإسلام السّمحة وتردّ على الدّعاوى الباطلة الّتي يلصقها المغرضون بالدّين الحنيف.
(12) للدّاعي أجر عظيم يتضاعف بعدد الّذين يستجيبون له (انظر الحديث 29) .
__________
(1) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 248) .
(5/1960)
[حرف الذال]
الذكر
الذكر لغة:
تدور مادّة (ذ ك ر) حول معنيين: الأوّل الذّكورة ضدّ الأنوثة وما شابهها، والثّاني: الذّكر ضدّ النّسيان، يقول ابن فارس: (الذّال والكاف والرّاء) أصلان عنهما يتفرّع كلم الباب، فالمذكر الّتي ولدت ذكرا، والمذكار: الّتي تلد الذّكران عادة والأصل الآخر: ذكرت الشّيء، خلاف نسيته، ثمّ حمل عليه الذّكر باللّسان، ويقولون: اجعله منك على ذكر أي لا تنسه «1» .
والذّكر والذّكرى خلاف النّسيان، وكذلك الذّكرة، يقول الشّاعر:
أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ... ومطافه لك ذكرة وشعوف «2»
والذّكر يأتي بمعنى الحفظ للشّيء، وهو أيضا الشّيء يجري على اللّسان، ومنه قولهم ذكرت لفلان حديث كذا وكذا، أي قلته له. تقول: ذكره يذكره ذكرا وذكرا.
ومن المجاز: الذّكر: الصّيت يكون في الخير والشّرّ، والذّكر: الثّناء ويكون في الخير فقط ...
الآيات الأحاديث الآثار 174 73 16
ورجل مذكور أي يثنى عليه بخير، ومن المجاز؛ الذّكر: الشّرف، ومنه قوله تعالى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (الزخرف/ 44) أي القرآن شرف لك ولهم، وقوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح/ 4) أي شرفك.
كما يطلق الذّكر على معان أخر منها: الصّلاة لله تعالى، والدّعاء إليه، ويطلق أيضا على الطّاعة، والشّكر، والدّعاء، والتّسبيح، وقراءة القرآن، وتمجيد الله وتهليله وتسبيحه والثّناء عليه بجميع محامده، والذّكر أيضا: الكتاب الّذي فيه تفصيل الدّين ووضع الملل، وكلّ كتاب من الأنبياء ذكر، ومنه قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر/ 9) ، وحمل على خصوص القرآن وحده أيضا «3» .
وقيل: الذّكر: ما ذكرته بلسانك وأظهرته.
والذّكر بالقلب، يقال: ما زال منّي على ذكر: أي لم أنسه «4» والذّكرى: كثرة الذّكر، وهو أبلغ من الذّكر، قال تعالى: رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (ص/ 43) وقال أيضا: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ والتّذكرة: ما يتذكّر به الشّيء وهو أعمّ من
__________
(1) المقاييس (2/ 358) .
(2) الصحاح (2/ 664) ، وانظر اللسان «ذكر» . والشّعوف: الولوع بالشيء حتّى لا يعدل عنه.
(3) تاج العروس للزبيدي (6/ 376- 378) ، وقارن باللسان «ذكر» ، والقاموس المحيط (2/ 36) .
(4) اللسان «ذكر» (4/ 308) (ط. بيروت) .
(5/1961)
الدّلالة والأمارة، قال تعالى فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ 49) «1» والاستذكار: الدّراسة للحفظ، والتّذكّر: طلب شيء فات «2» . واستذكر الرّجل ربط في إصبعه خيطا ليذكر به حاجته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان، وتذكّرته، وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى، قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أي ذكر بعد نسيان، وأصله اذتكر فأدغم «3» .
واصطلاحا:
التّخلّص من الغفلة والنّسيان «4» ويقول الرّاغب: «الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وتارة يقال لحضور الشّيء القلب أو القول، ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللّسان» «5» .
منزلة الذكر:
يبيّن ابن القيّم منزلة الذّكر وأهميّته فيقول:
وهي منزلة القوم الكبرى الّتي منها يتزوّدون، وفيها يتّجرون، وإليها دائما يتردّدون.
والذّكر منشور الولاية الّذي من أعطيه اتّصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الّذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم الّتي إذا تعطّلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الّذي يقاتلون به قطّاع الطّريق، وماؤهم الّذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الّذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسّبب الواصل؛ والعلاقة الّتي كانت بينهم وبين علّام الغيوب.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... فنترك الذّكر أحيانا فننتكس
به يستدفعون الآفات، ويستكشفون
الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلّهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النّوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنّتهم الّتي فيها يتقلّبون.. يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا، ويوصّل الذّاكر إلى المذكور، بل يدع الذّاكر مذكورا.
وفي كلّ جارحة من الجوارح عبوديّة مؤقّتة.
والذّكر عبوديّة القلب واللّسان وهي غير مؤقّتة، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كلّ حال قياما وقعودا، وعلى جنوبهم، فكما أنّ الجنّة قيعان، وهو غراسها فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها وأساسها.
وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلّما ازداد الذّاكر في ذكره استغراقا.
ازداد المذكور محبّة إلى لقائه واشتياقا،.. به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظّلمة عن الأبصار. زيّن الله به ألسنة الذّاكرين، كما
__________
(1) المفردات (180) .
(2) المحيط في اللغة (6/ 235) .
(3) اللسان «ذكر» (4/ 309) (ط. بيروت) .
(4) مدارج السالكين (2/ 451) .
(5) المفردات (179) .
(5/1962)
زيّن بالنّور أبصار النّاظرين، فاللّسان الغافل كالعين العمياء، والأذن الصّمّاء، واليد الشّلّاء. وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته «1» .
درجات الذّكر:
قال ابن القيّم عن درجات الذّكر: «وهو على ثلاث درجات:
الدّرجة الأولى: الذّكر الظّاهر ثناء أو دعاء أو رعاية» .
فأمّا ذكر الثّناء فنحو «سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلّا الله والله أكبر» .
وأمّا ذكر الدّعاء فنحو رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (الأعراف/ 23) .
وأمّا ذكر الرّعاية فمثل قول الذّاكر «الله معي، الله ناظر إليّ، الله شاهدي» .
الدّرجة الثّانية: الذّكر الخفيّ وهو الخلاص من القيود، والبقاء مع الشّهود، ولزوم المسامرة.
الدّرجة الثّالثة: الذّكر الحقيقيّ، وهو شهود ذكر الحقّ إيّاك، والتّخلّص من شهود ذكرك» .
وقد سمّي هذا الذّكر حقيقيّا؛ لأنّه منسوب إلى الرّبّ تعالى فذكر الله لعبده هو الذّكر الحقيقيّ، وهو شهود ذكر الحقّ عبده «2» ... إلخ.
الدلالات العامة للذكر:
قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: والمراد بالذّكر: الإتيان بالألفاظ الّتي ورد التّرغيب في قولها، والإكثار منها، مثل الباقيات الصّالحات، وهي:
«سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة «3» والاستغفار ونحو ذلك. والدّعاء بخيري الدّنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتّنفّل بالصّلاة، ثمّ الذّكر يقع تارة باللّسان ويؤجر عليه النّاطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألّا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النّطق الذّكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذّكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النّقائص عنه ازداد كمالا. فإن وقع ذلك في عمل صالح ممّا فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالا، فإن صحّ التوجّه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال.
وقال الفخر الرّازيّ: المراد بذكر اللّسان الألفاظ الدّالّة على التّسبيح والتّحميد والتّمجيد.
والذّكر بالقلب: التّفكّر في أدلّة الذّات والصّفات وفي أدلّة التّكاليف من الأمر والنّهي حتّى يطّلع على
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 440- 441) .
(2) مدارج السالكين (2452- 453) .
(3) الحسبلة: هي قول الذاكر: حسبي الله ونعم الوكيل.
(5/1963)
أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله. والذّكر بالجوارح، هو أن تصير مستغرقة في الطّاعات ومن ثمّ سمّى الله الصّلاة ذكرا فقال فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الجمعة/ 9) . ونقل عن بعضهم، قال: الذّكر على سبعة أنحاء:
فذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالإصغاء، وذكر اللّسان بالثّناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرّجاء، وذكر الرّوح بالتّسليم والرّضاء «1» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله-: وذكر الله يتضمّن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثّناء عليه بأنواع المدح. وذلك لا يتمّ إلّا بتوحيده. فذكره الحقيقيّ يستلزم ذلك كلّه ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه «2» .
وقال أبو الفرج ابن الجوزيّ: الذّكر يقال على وجهين: أحدهما الذّكر بالقلب. والثّاني: الذّكر باللّسان. وهو في الموضعين حقيقيّ، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة «3» .
آداب الذّكر وحكمه:
قال الإمام النوويّ- رحمه الله تعالى-: ينبغي أن يكون الذّاكر على أكمل الصّفات، فإن كان جالسا في موضع استقبل القبلة وجلس متخشّعا متذلّلا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز، ولو كان ذلك (أي ترك الذّاكر ذلك) بغير عذر كان تاركا للأفضل، وينبغي أن يكون الموضع الّذي يذكر فيه خاليا نظيفا، ولهذا مدح الذّكر في المساجد والأماكن الشّريفة، وقد جاء عن أبي ميسرة «لا يذكر الله تعالى إلّا في مكان طيّب» ، وينبغي للذّاكر أيضا أن يكون فمه نظيفا، فإن كان فيه تغيّر أزاله بالسّواك (ونحوه) ، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالماء، فإن ذكر ولم يفعل، فهو مكروه وليس بحرام، وهو محبوب في جميع الأحوال، إلّا في أحوال ورد الشّرع باستثنائها منها: عند الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصّلاة لأنّ عليه الاشتغال بالقراءة، وفي حالة النّعاس، ولا يكره في الطّريق، ولا في الحمّام «4» .
معاني كلمة الذكر في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ الذّكر في القرآن على أوجه منها:
أحدها: الذّكر باللّسان. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 200) : فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً وغيرها.
الثّاني: الذّكر بالقلب: ومنه قوله تعالى في (آل عمران/ 135) : وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وقيل هو النّدم.
__________
(1) فتح الباري (11/ 212- 213) .
(2) الفوائد (174) .
(3) نزهة الأعين النواظر (301) .
(4) الأذكار النووية ص 17- 18.
(5/1964)
الثّالث: الحديث. ومنه قوله تعالى في (يوسف/ 42) : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ. ومثله:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ (مريم/ 41) ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى (مريم/ 51) .
الرّابع: الخبر. ومنه قوله تعالى في (الكهف/ 83) : قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً.
الخامس: العظة. ومنه قوله تعالى في (الأنعام/ 44) : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ.
السّادس: الوحي. ومنه قوله تعالى في (الصّافات/ 3) : فَالتَّالِياتِ ذِكْراً.
السّابع: القرآن. ومنه قوله تعالى في (الأنبياء/ 50) : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ.
الثّامن: التّوراة والكتب السّابقة. ومنه قوله تعالى في (النّحل/ 43) : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
التّاسع: الشّرف. ومنه قوله تعالى في (الزخرف/ 44) : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
العاشر: الطّاعة. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 152) : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. أي أطيعوني أغفر لكم.
الحادي عشر: البيان. ومنه قوله تعالى في (الأعراف/ 63) : أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ.
الثّاني عشر: الصّلوات الخمس. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 239) : فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ.
الثّالث عشر: صلاة الجمعة. ومنه قوله تعالى في سورة (الجمعة/ 9) : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ.
الرّابع عشر: صلاة العصر. ومنه قوله تعالى في (ص/ 32) : إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
الخامس عشر: الرّسول. ومنه قوله تعالى في (الطّلاق/ 10، 11) : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولًا قيل: إنّ أنزل هاهنا بمعنى أرسل.
وهذه الآيات الّتي استشهد بها لهذه المعاني تحتملها وغيرها «1» .
وقال ابن القيّم: جاء الذّكر في القرآن على عشرة أوجه:
الأوّل: الأمر به مطلقا ومقيّدا وذلك كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الأحزاب/ 41- 42) .
الثّاني: النّهي عن ضدّه من الغفلة والنّسيان كقوله تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (الأعراف/ 205) .
الثّالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته كقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة/ 10) .
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (302- 306) ، ونحوه في بصائر ذوي التمييز (3/ 13- 15) .
(5/1965)
الرّابع: الثّناء على أهله، والإخبار بما أعدّ الله لهم من الجنّة والمغفرة، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ... إلى قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 35) .
الخامس: الإخبار عن خسران من لها عنه بغيره. كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (المنافقون/ 9) .
السّادس: أنّه سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له، كقوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة/ 152) .
السّابع: الإخبار أنّه أكبر من كلّ شيء، كقوله تعالى: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ وَأَقِمِ الصَّلاةَ.. إلى قوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (العنكبوت/ 45) .
الثّامن: أنّه جعله خاتمة الأعمال الصّالحة كما كان مفتاحها، وذلك كما ختم به الحجّ في قوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة/ 200) ، وختم به الصّلّاة كقوله فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ (النساء/ 103) . وختم به الجمعة كقوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة/ 10) .
التّاسع: الإخبار عن أهله بأنّهم هم أهل الانتفاع بآياته وأنّهم أولو الألباب دون غيرهم كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ (آل عمران/ 190- 191) ..
العاشر: أنّه جعله قرين جميع الأعمال وروحها، فقد قرنه بالصّلاة كقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) ، وكذلك قرنه بالصّيام وبالحجّ وغيرها «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير التهليل- الثناء- الدعاء- الشكر- الحمد- الحوقلة- التقوى- الطمأنينة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللغو- اللهو واللعب- اتباع الهوى- الغرور- الكبر والعجب- الضلال- السخط] .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 441- 444) .
(5/1966)
الآيات الواردة في «الذكر»
ذكر الله باللسان:
1- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) «1»
2- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) «2»
3- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) «3»
4- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)
__________
(1) البقرة: 114 مدنية
(2) البقرة: 198- 203 مدنية
(3) آل عمران: 38- 41 مدنية
(5/1967)
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) «1»
5- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «2»
6- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4) «3»
7- فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) «4»
8- وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138) «5»
9- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
__________
(1) آل عمران: 190- 193 مدنية
(2) النساء: 102- 103 مدنية
(3) المائدة: 4 مدنية
(4) الأنعام: 118- 121 مكية
(5) الأنعام: 138 مكية
(5/1968)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «1»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) «2»
11- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «3»
12- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «4»
13- وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) «5»
14- إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «6»
15- وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36) «7»
__________
(1) الأنفال: 2- 4 مدنية
(2) الأنفال 45- 46 مدنية
(3) الإسراء: 45- 47 مكية
(4) الكهف: 23- 24 مكية
(5) طه: 29- 35 مكية
(6) طه: 38- 44 مكية
(7) الأنبياء: 36 مكية
(5/1969)
16- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) «1»
17- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «2»
18- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «3»
19- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «4»
20- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «5»
__________
(1) الحج: 27- 28 مدنية
(2) الحج: 34- 37 مدنية
(3) الحج: 39- 41 مدنية
(4) النور: 36- 38 مدنية
(5) الشعراء: 224- 227 مكية
(5/1970)
21- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «1»
22- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «2»
23- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) «3»
24- وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) «4»
25- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) «5»
26- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا
(26) «6»
الذكر بالقلب:
27- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «7»
28-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ
__________
(1) الأحزاب: 21 مدنية
(2) الأحزاب: 35 مدنية
(3) الأحزاب: 41- 43 مدنية
(4) الزمر: 45 مكية
(5) المزمل: 8- 9 مكية
(6) الإنسان: 23- 26 مدنية
(7) البقرة: 235 مدنية
(5/1971)
يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) «1»
29- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «2»
30- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ* (206) «3»
31- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) «4»
32- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) «5»
33- يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «6»
الذكر بمعنى الحديث:
34- وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) «7»
35- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) «8»
36- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) «9»
37- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52)
__________
(1) آل عمران: 133- 136 مدنية
(2) الأعراف: 201 مكية
(3) الأعراف: 205- 206 مكية
(4) العنكبوت: 45 مكية
(5) الزخرف: 36- 37 مكية
(6) المنافقون: 8- 11 مدنية
(7) يوسف: 42 مكية
(8) مريم: 1- 2 مكية
(9) مريم: 41- 42 مكية
(5/1972)
وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) «1»
38- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) «2»
39- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
(49) «3»
40-* وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) «4»
الذكر بمعنى الخبر:
41- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) «5»
42- لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) «6»
الذكر بمعنى الاتعاظ:
43- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) «7»
44- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) «8»
45- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) «9»
__________
(1) مريم: 51- 57 مكية
(2) الأنبياء: 24 مكية
(3) ص: 41- 49 مكية
(4) الأحقاف: 21 مكية
(5) الكهف: 83- 85 مكية
(6) الأنبياء: 10 مكية
(7) البقرة: 40 مدنية
(8) البقرة: 47 مدنية
(9) البقرة: 63 مدنية
(5/1973)
46- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «1»
47- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «2»
48- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «3»
49- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «4»
50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «5»
51- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (14) «6»
__________
(1) البقرة: 221 مدنية
(2) البقرة: 231 مدنية
(3) آل عمران: 7 مدنية
(4) المائدة: 7 مدنية
(5) المائدة: 11 مدنية
(6) المائدة: 13- 14 مدنية
(5/1974)
52- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (20) «1»
53- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «2»
54- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) «3»
55- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) «4»
56- أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «5»
57- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «6»
58- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152) «7»
59- المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «8»
60- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) «9»
__________
(1) المائدة: 20 مدنية
(2) المائدة: 110 مدنية
(3) الأنعام: 44 مكية
(4) الأنعام: 80 مكية
(5) الأنعام: 90 مكية
(6) الأنعام: 126 مكية
(7) الأنعام: 152 مكية
(8) الأعراف: 1- 3 مكية
(9) الأعراف: 26 مكية
(5/1975)
61- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) «1»
62- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) «2»
63- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) «3»
64- وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) «4»
65- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) «5»
66-* وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) «6»
67- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «7»
68- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) «8»
69- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) «9»
__________
(1) الأعراف: 57 مكية
(2) الأعراف: 67- 69 مكية
(3) الأعراف: 74 مكية
(4) الأعراف: 86 مكية
(5) الأعراف: 130 مكية
(6) الأعراف: 171 مكية
(7) الأنفال: 26 مدنية
(8) الأنفال: 55- 57 مكية
(9) التوبة: 124- 126 مدنية
(5/1976)
70- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «1»
71- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29)
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) «2»
72- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (114) «3»
73- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) «4»
74-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) «5»
75- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) «6»
__________
(1) يونس: 3 مكية
(2) هود: 24- 30 مكية
(3) هود: 114 مكية
(4) هود: 120 مكية
(5) الرعد: 19 مدنية
(6) إبراهيم: 5- 6 مكية
(5/1977)
76- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) «1»
77- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «2»
78- وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) «3»
79- أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) «4»
80- طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) «5»
81- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) «6»
82- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) «7»
83- قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) «8»
84- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) «9»
85- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) «10»
86- وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) «11»
87- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «12»
88- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) «13»
89- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)
__________
(1) إبراهيم: 24- 25 مكية
(2) إبراهيم: 52 مكية
(3) النحل: 13 مكية
(4) النحل: 17 مكية
(5) طه: 1- 3 مكية
(6) طه: 113 مكية
(7) الأنبياء: 48 مكية
(8) المؤمنون: 84- 85 مكية
(9) النور: 1 مدنية
(10) النور: 27 مدنية
(11) الفرقان: 50 مكية
(12) الفرقان: 62 مكية
(13) الفرقان: 73 مكية
(5/1978)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «1»
90- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «2»
91-* وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) «3»
92- أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «4»
93- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «5»
94- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «6»
95- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «7»
96- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) «8»
97- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) «9»
98- فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) «10»
__________
(1) النمل: 61- 62 مكية
(2) القصص: 43- 46 مكية
(3) القصص: 51- 52 مكية
(4) العنكبوت: 51 مكية
(5) السجدة: 4 مكية
(6) السجدة: 15 مكية
(7) السجدة: 22 مكية
(8) الأحزاب: 9 مدنية
(9) فاطر: 3 مكية
(10) الصافات: 11- 13 مكية
(5/1979)
99- فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) «1»
100- ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2)
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6)
ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7)
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) «2»
101- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (31) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (32) «3»
102- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87) «4»
103- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «5»
104- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ
__________
(1) الصافات: 149- 155 مكية
(2) ص: 1- 8 مكية
(3) ص: 29- 32 مكية
(4) ص: 86- 87 مكية
(5) الزمر: 9 مكية
(5/1980)
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «1»
105- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) «2»
106- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «3»
107- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) «4»
108- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) «5»
109- فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) «6»
110- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «7»
111- فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19)
__________
(1) الزمر: 21- 23 مكية
(2) الزمر: 27- 28 مكية
(3) غافر: 13 مكية
(4) الزخرف: 1- 5 مكية
(5) الزخرف: 9- 14 مكية
(6) الدخان: 58- 59 مكية
(7) الجاثية: 23 مكية
(5/1981)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20)
طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) «1»
112- وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) «2»
113- وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) «3»
114- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «4»
115- وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)
أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «5»
116- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) «6»
117- إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12) «7»
118- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
__________
(1) محمد: 18- 21 مكية
(2) ق: 7- 8 مكية
(3) ق: 36- 37 مكية
(4) ق: 45 مكية
(5) الذاريات: 49- 55 مكية
(6) الطور: 29- 31 مكية
(7) الحاقة: 11- 12 مكية
(5/1982)
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) «1»
119- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «2»
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
120- مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) «3»
121- إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «4»
122- وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7) «5»
123- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8)
__________
(1) الحاقة: 38- 52 مكية
(2) المدثر: 31 مكية
(3) المدثر: 49- 56 مكية
(4) الإنسان: 29- 31 مدنية
(5) المرسلات: 1- 7 مكية
(5/1983)
وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «1»
124- إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29) «2»
125- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) «3»
126- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) «4»
127- كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «5»
الذكر بمعنى التذكير:
128- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى
__________
(1) عبس: 1- 16 مكية
(2) التكوير: 27- 29 مكية
(3) الأعلى: 9- 15 مكية
(4) الغاشية: 21- 24 مكية
(5) الفجر: 21- 30 مكية
(5/1984)
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «1»
129- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «2»
130- وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) «3»
131- قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63)
قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65)
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66)
قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) «4»
132-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
__________
(1) البقرة: 282 مدنية
(2) الأنعام: 68- 70 مكية
(3) يوسف: 84- 85 مكية
(4) الكهف: 63- 70 مكية
(5/1985)
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) «1»
133- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) «2»
134- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46) «3»
الذكر بمعنى القرآن:
135- فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «4»
136- وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «5»
137- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «6»
__________
(1) غافر: 41- 44 مكية
(2) الإنسان: 1- 2 مكية
(3) النازعات: 34- 46 مكية
(4) آل عمران: 56- 58 مدنية
(5) الحجر: 6- 9 مكية
(6) الكهف: 28 مكية
(5/1986)
138-* وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً
(101) «1»
139- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) «2»
140- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (124) «3»
141- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) «4»
142- قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) «5»
143- وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) «6»
144- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) «7»
145- قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «8»
146- وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «9»
147- وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) «10»
148- إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
__________
(1) الكهف: 99- 101 مكية
(2) طه: 99 مكية
(3) طه: 124 مكية
(4) الأنبياء: 1- 2 مكية
(5) الأنبياء: 42 مكية
(6) المؤمنون: 71 مكية
(7) المؤمنون: 109- 110 مكية
(8) الفرقان: 18 مكية
(9) الفرقان: 27- 29 مكية
(10) الشعراء: 5 مكية
(5/1987)
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «1»
149- وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70) «2»
150- وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) «3»
151- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «4»
152- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «5»
153- وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) «6»
154- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30) «7»
__________
(1) يس: 11- 19 مكية
(2) يس: 69- 70 مكية
(3) الصافات: 1- 3 مكية
(4) غافر: 53- 58 مكية
(5) فصلت: 41- 42 مكية
(6) الزخرف: 36 مكية
(7) النجم: 29- 30 مكية
(5/1988)
155- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* (40) «1»
156- كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) «2»
157-* أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «3»
158- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «4»
159- وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17) «5»
الذكر بمعنى التوراة والكتب السابقة:
160- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)
بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «6»
161- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) «7»
الذكر بمعنى الشرف:
162- فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) «8»
163- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
__________
(1) القمر: 17، 22، 32، 40 مكية
(2) القمر: 23- 26 مكية
(3) الحديد: 16 مدنية
(4) الطلاق: 8- 11 مدنية
(5) الجن: 16- 17 مكية
(6) النحل: 43- 44 مكية
(7) الأنبياء: 7 مكية
(8) الزخرف: 43- 45 مكية
(5/1989)
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «1»
الذكر بمعنى الطاعة:
164- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) «2»
165- إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) «3»
166- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) «4»
167- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) «5»
168- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) «6»
الذكر بمعنى البيان:
169- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «7»
170- وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104) «8»
__________
(1) الشرح: 1- 8 مكية
(2) البقرة: 151- 153 مدنية
(3) المائدة: 91 مدنية
(4) الرعد: 28- 29 مدنية
(5) طه: 11- 14 مكية
(6) المنافقون: 9 مدنية
(7) الأعراف: 61- 63 مكية
(8) يوسف: 104 مكية
(5/1990)
الذكر بمعنى الصلوات الخمس:
171- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «1»
الذكر بمعنى صلاة الجمعة:
172- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) «2»
الذكر بمعنى اللوح المحفوظ:
173-* وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) «3»
174- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) «4»
__________
(1) البقرة: 238- 239 مدنية
(2) الجمعة: 9- 10 مدنية
(3) الأنبياء: 83- 84 مكية
(4) الأنبياء: 105 مكية
(5/1991)
الأحاديث الواردة في (الذكر)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال لهم: «أتحبّون أيّها النّاس أن تجتهدوا في الدّعاء؟» . قالوا: نعم يا رسول الله. قال:
«قولوا اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أفضل الذّكر لا إله إلّا الله، وأفضل الدّعاء الحمد لله» ) * «2» .
3-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذّهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟.
قالوا: بلى. قال: «ذكر الله تعالى» . فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه-: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله) * «3» .
4-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يقول أنا مع عبدي إن هو ذكرني وتحرّكت بي شفتاه» ) * «4» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ امرأة من الأنصار، قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه؟، فإنّ لي غلاما نجّارا. قال: «إن شئت» . فعملت له المنبر. فلمّا كان يوم الجمعة قعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المنبر الّذي صنع فصاحت النّخلة الّتي كان يخطب عندها حتّى كادت أن تنشقّ، فنزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أخذها فضمّها إليه، فجعلت تئنّ أنين الصّبيّ الّذي يسكّت حتّى استقرّت. قال: «بكت على ما كانت تسمع من الذّكر» ) * «5» .
6-* (عن عبد الله بن بسر- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بشيء أتشبّث «6» به، قال: «لا يزال
__________
(1) الحاكم (1/ 499) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، والهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن مسعود (10/ 172) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير الأودي وهو ثقة.
(2) الترمذي (3383) وقال: حديث غريب، وحسنه الألباني (3/ 1400) برقم (2694) ، وابن ماجة (3800) . وقال الحاكم (1/ 498) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والموطأ (1/ 185) .
(3) الموطأ. تنوير الحوالك (1/ 211) ، الترمذي (3377) واللفظ له، قال الحاكم في المستدرك (1/ 496) حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وكذا ذكره محقق جامع الأصول (9/ 514) .
(4) الحاكم (1/ 496) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(5) البخاري- الفتح 4 (2095) .
(6) أتشبث: أتمسك.
(5/1992)
لسانك رطبا من ذكر الله» ) * «1» .
7-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخذ بيده وقال: «يا معاذ والله إنّى لأحبّك [والله إنّي لأحبّك] . فقال: «أوصيك يا معاذ، لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ) * «2» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رفع الصّوت بالذّكر حين ينصرف النّاس من المكتوبة كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وقال ابن عبّاس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) * «3» .
9-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أوحى إلى يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بهنّ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ فكأنّه أبطأ بهنّ، فأتاه عيسى فقال: إنّ الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهنّ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فإمّا أن تخبرهم، وإمّا أن أخبرهم، فقال: يا أخي، لا تفعل فإنّي أخاف إن تسبقني بهنّ أن يخسف بي، أو أعذّب. قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدّس حتّى امتلأ المسجد وقعدوا على الشّرفات، ثمّ خطبهم فقال: إنّ الله أوحى إليّ بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، أوّلهنّ: أن لا تشركوا بالله شيئا، فإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، ثمّ أسكنه دارا. فقال:
اعمل وارفع إليّ فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك، فإنّ الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا، وإذا قمتم إلى الصّلاة فلا تلتفتوا، فإنّ الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت وآمركم بالصّيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة مسك، كلّهم يحبّ أن يجد ريحها، وإنّ الصّيام أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصّدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ فأوثقوا يده إلى عنقه، وقرّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول:
هل لكم أن أفدي نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير حتّى فدى نفسه، وأمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدوّ سراعا في أثره حتّى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشّيطان إلّا بذكر الله ...
الحديث» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في
__________
(1) الترمذي (3375) واللفظ له، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 495) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2) أبو داود (1522) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 284) رقم (1347) : صحيح، والنسائي (3/ 53) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 209) : إسناده صحيح.
(3) البخاري- الفتح 2 (841) .
(4) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب (2863) وزاد فيه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: وأنا آمركم بخمس والمنذري في الترغيب (2/ 397) وقال: رواه الترمذي والنسائي ببعضه وابن خزيمة-
(5/1993)
الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال:
فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟.
قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون:
لا، والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟. قال:
يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟. قال: يسألونك الجنّة. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال: يقولون: لا والله. يا ربّ ما رأوها. قال:
فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟. قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال يقولون: من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟. قال:
يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء، لا يشقى جليسهم» ) * «1» .
11-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: انكسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس معه. فقام قياما طويلا قدر نحو سورة البقرة. ثمّ ركع ركوعا طويلا. ثمّ رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع ركوعا طويلا، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد. ثمّ قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع ركوعا طويلا، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع ركوعا طويلا، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد. ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس. فقال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» . قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا. ثمّ رأيناك كففت. فقال:
«إنّي رأيت الجنّة. فتناولت منها عنقودا. ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدّنيا. ورأيت النّار. فلم أر كاليوم منظرا قطّ. ورأيت أكثر أهلها النّساء» . قالوا:
بم يا رسول الله؟. قال: «بكفرهنّ» قيل: أيكفرن بالله؟
قال: «بكفر العشير. وبكفر الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهنّ الدّهر، ثمّ رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ» ) * «2» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ جاء أعرابيّ، فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول
__________
- في صحيحه (3/ 195، 196) برقم (1895) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (1/ 421) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي.
(1) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له ومسلم (2689) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5197) ، ومسلم (907) واللفظ له.
(5/1994)
الله صلّى الله عليه وسلّم: مه مه «1» . قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه «2» . دعوه» . فتركوه حتّى بال. ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاه فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عزّ وجلّ- والصّلاة، وقراءة القرآن» . أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنّه عليه) * «3» .
13-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد. فقال:
ما أجلسكم؟. قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله، ما أجلسكم إلّا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلّا ذاك.
قال: أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم. وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقلّ عنه حديثا منّي. وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟» . قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا. قال: «آلله، ما أجلسكم إلّا ذاك؟» . قالوا: والله ما أجلسنا إلّا ذاك. قال: «أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنّه أتاني جبريل فأخبرني أنّ الله- عزّ وجلّ- يباهي بكم الملائكة» ) * «4» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة لا يردّ الله دعاءهم: الذّاكر الله كثيرا، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط» ) * «5» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي «6» ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ.
اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا «7» ، لك مطواعا، إليك مخبتا «8» ، أو منيبا «9» ، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «10» ، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي «11» ، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي «12» » ) * «13» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربّه، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله
__________
(1) مه مه: كلمة زجر بمعنى اكفف. كما في «القاموس المحيط» .
(2) لا تزرموه: أي لا تحبسوا عليه البول بكهره ونهره.
(3) مسلم (285) ، ونحوه عند البخاري- الفتح 1 (219- 220) . وشنّه عليه أي صبّه عليه.
(4) مسلم (4/ 2701) .
(5) البيهقي في الشعب (1/ 419) برقم (558) ، (6/ 11) برقم (7358) ، والألباني في الصحيحة (1211) وحسنه.
(6) امكر لي: المكر: الخداع وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه، وقيل هو استدراج العبد بالطاعات فيتوهم أنها مقبولة وهي مردودة.
(7) راهبا: الرهبة: الخوف والفزع.
(8) مخبتا: خاشعا مخلصا.
(9) منيبا: الإنابة: الرجوع إلى الله بالتوبة والإخلاص.
(10) حوبتي: من الحوب وهو الإثم والذنب.
(11) ثبت حجتي: الحجة: الدليل والبينة في الدنيا والآخرة وعند جواب الملكين في القبر.
(12) سخيمة قلبي: السخيمة الغضب والغل.
(13) الترمذي (3551) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (1510) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 282) رقم (1337) : صحيح، وقال محقق الجامع (4/ 337) : وهو حديث صحيح.
(5/1995)
اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق أخفى حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «1» .
17-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «غطّوا الإناء، وأوكوا السّقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السّراج. فإنّ الشّيطان لا يحلّ سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلّا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل. فإنّ الفويسقة «2» تضرم على أهل البيت بيتهم» ) * «3» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير في طريق مكّة، فمرّ على جبل يقال له جمدان. فقال: «سيروا. هذا جمدان، سبق المفرّدون» . قالوا: وما المفرّدون يا رسول الله؟
قال: الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (الأحزاب/ 35)) * «4» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يذكر الله على كلّ أحيانه» ) * «5» .
20-* (عن عباية بن رفاعة بن رافع عن جدّه- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذي الحليفة، فأصاب النّاس جوع، فأصبنا إبلا وغنما وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أخريات النّاس، فعجلوا فنصبوا القدور، فدفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، فأمر بالقدور فأكفئت، ثمّ قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير، فندّ منها بعير، وكان في القوم خيل يسيرة، فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لهذه البهائم أوابد كأوابد «6» الوحش، فما ندّ «7» عليكم منها فاصنعوا به هكذا» ، قال: قال جدّي: إنّا لنرجو- أو نخاف- أن نلقى العدوّ غدا وليست معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: ما أنهر الدّم وذكر اسم الله فكل، ليس السّنّ والظّفر. وسأخبركم عنه: أمّا السّنّ فعظم، وأمّا الظّفر فمدى الحبشة» ) * «8» .
21-* (عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنهما- أنّهما شهدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:
«لا يقعد قوم يذكرون الله- عزّ وجلّ- إلّا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» ) * «9» .
22-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة الغداة «10» حتّى تطلع الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (660) واللفظ له، ومسلم (1031) .
(2) الفويسقة: الفأرة ونحوها.
(3) مسلم (2012) واللفظ له، وعند البخاري- الفتح 10 (5623) نحوه. وتضرم على أهل البيت أي تحرق سريعا.
(4) مسلم (2676) .
(5) مسلم (373) .
(6) الأوابد: جمع آبدة وهي النفرة والفرار والشرود.
(7) ند: شرد وهرب نافرا.
(8) البخاري- الفتح 9 (5498) واللفظ له، ومسلم (1968) .
(9) مسلم (2700) .
(10) صلاة الغداة: صلاة الفجر.
(5/1996)
قوم يذكرون الله منذ صلاة العصر إلى أن تغرب الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة» ) * «1» .
23-* (عن حنظلة الأسيّديّ- رضي الله عنه- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لقينى أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟. قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله، ما تقول؟. قال: قلت:
نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة. حتّى كأنّا رأي عين «2»
، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «3»
الأزواج والأولاد والضّيعات «4»
فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا.
فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن، يا حنظلة، ساعة وساعة» (ثلاث مرّات)) * «5» .
24-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مثل الّذي يذكر ربّه والّذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت» ) * «6» .
25-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أوى إلى فراشه طاهرا يذكر الله حتّى يدركه النّعاس لم يتقلّب ساعة من اللّيل سأل الله من خير الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه إيّاه» ) * «7» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة «8»
ثمّ راح «9»
، فكأنّما قرّب بدنة «10»
، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة، فكأنّما قرّب كبشا أقرن «11»
، ومن راح في
__________
(1) البيهقي في الشعب (2/ 1/ 409) برقم (561) ، وأبو داود (3667) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 698) رقم (3114) ، والمشكاة (970) ، وابن الأثير في الجامع (9/ 515- 516) ، وقال محققه: إسناده حسن.
(2) حتى كأنا رأي العين: قال القاضي: ضبطناه رأي عين، بالرفع. أي كأنا بحال من يراها بعينه. قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي عين.
(3) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك وما رسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(4) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة.
(5) مسلم (2750) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6407) واللفظ له، ومسلم (779) .
(7) الترمذي (3526) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 478) : ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها.
(8) غسل الجنابة: أي مثل غسل الجنابة.
(9) ثم راح: أي ذهب في أول النهار.
(10) قرب بدنة: أي تصدق بواحدة من الإبل.
(11) كبشا أقرن: الكبش الأقرن هو ذو القرن وهو أكمل وأحسن.
(5/1997)
السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة، فكأنّما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «1» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة.
ومن ستر مسلما، ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة.
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطّأ «2»
به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «3» .
28-* (عن أبي ثعلبة الخشنيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا نبيّ الله، إنّا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟، وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الّذي ليس بمعلّم، وبكلبي المعلّم، فما يصلح لي؟. قال: «أمّا ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلّم فأدركت ذكاته فكل» ) * «4» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم «5»
إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كلّ عقدة، عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ وذكر الله انحلّت عقدة، فإن توضّأ انحلّت عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة. فأصبح نشيطا طيّب النّفس وإلّا أصبح خبيث النّفس كسلان» ) * «6» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي «7»
، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا «8» .
تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (929) ، ومسلم (850) واللفظ له.
(2) من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه: يعني من كان عمله ناقصا لم يلحقه نسبه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل.
(3) مسلم (2699) .
(4) البخاري- الفتح 9 (5478) واللفظ له، ومسلم (1930) .
(5) قافية رأس أحدكم: القافية آخر الرأس وقافية كل شيء آخره.
(6) البخاري- الفتح 3 (1142) واللفظ له، ومسلم (776) .
(7) أنا عند ظن عبدي بي: قيل معناها المراد به الرجاء وتأميل العفو.
(8) وإن تقرب مني شبرا: ومعناه من تقرب إليّ بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة.
(9) حديث قدسي، رواه البخاري- الفتح (7536) عن أنس نحوه، ومسلم 4 (2675) واللفظ له.
(5/1998)
الأحاديث الواردة في (الذكر) معنى
31-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة. فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله فكيف نصلّي عليك؟.
قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله.
ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد. كما صلّيت على آل إبراهيم. وبارك على محمّد وعلى آل محمّد. كما باركت على آل إبراهيم.
في العالمين إنّك حميد مجيد. والسّلام كما قد علمتم» ) * «1» .
32-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر. لا يضرّك بأيّهنّ بدأت. ولا تسمّينّ غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا، ولا أفلح، فإنّك تقول: أثمّ هو؟. فلا يكون. فيقول: لا. إنّما هنّ أربع «2»
، فلا تزيدنّ عليّ) * «3» .
33-* (عن ربيعة بن عامر- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألظّوا «4»
بياذا الجلال والإكرام» ) * «5» .
34-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: أمرنا أن نسبّح دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين، ونحمده ثلاثا وثلاثين، ونكبّره أربعا وثلاثين. قال:
فرأى رجل من الأنصار في المنام، فقال: أمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تسبّحوا في دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدوا الله ثلاثا وثلاثين وتكبّروا أربعا وثلاثين؟
قال: نعم، قال فاجعلوا خمسا وعشرين، واجعلوا التّهليل معهنّ» ، فغدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثه فقال:
«افعلوا» ) * «6» .
35-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ الكلام أفضل؟. قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده» ) * «7» .
36-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد خفت «8»
__________
(1) مسلم (405) .
(2) قوله: إنما هن أربع إلى آخره من كلام الراوي: ويقصد هذا ما سمعته فلا تنقلوا عني غيرها.
(3) مسلم (2137) .
(4) ألظوا: أي الزموا ذلك.
(5) أخرجه الترمذي (3524، 3525) ، والحاكم (1/ 499) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6) الترمذي (3413) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح، وعند النسائي، والحاكم في المستدرك (1/ 253) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ ووافقه الذهبي، وأخرجا بمعناه من حديث أبي هريرة.
(7) مسلم (2731) .
(8) خفت: ضعف.
(5/1999)
فصار مثل الفرخ «1»
. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إيّاه؟» . قال: نعم. كنت أقول: اللهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدّنيا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله. لا تطيقه أو لا تستطيعه- أفلا قلت: اللهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار» . قال:
فدعا الله له، فشفاه) * «2» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ فاطمة، أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تسأله خادما وشكت العمل.
فقال: «ما ألفيته عندنا» . قال: ألا أدلّك على ما هو خير لك من خادم؟، تسبّحين ثلاثا وثلاثين، وتحمدين ثلاثا وثلاثين، وتكبّرين أربعا وثلاثين، حين تأخذين مضجعك» ) * «3» .
38-* (عن أوس بن أوس- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة فأكثروا عليّ من الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ» . قال فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: يقولون بليت. قال: «إنّ الله تبارك وتعالى حرّم على الأرض أجساد الأنبياء صلّى الله عليهم» ) * «4» .
39-* (عن جويرية- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها «5» ، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد «6» كلماته» ) * «7» .
40-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال:
علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» .
قال: فهؤلاء لربّي. فما لي؟. قال: «قل اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «8» .
41-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا، فعلّمني ما يجزئني منه. قال: «قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» . قال: يا رسول
__________
(1) الفرخ: صغار الطير التي لا ريش لها.
(2) مسلم (2688) .
(3) مسلم (2728) ، ونحوه عند البخاري- الفتح 7 (3705) .
(4) أبو داود (1531) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 285) رقم (1355) : صحيح وكذا رقم (1047) ، والنسائي (2/ 91، 92) وقال محقق جامع الأصول (9/ 265) : إسناده صحيح.
(5) مسجدها: موضع صلاتها.
(6) مداد كلماته: قيل عددها وقيل مثلها في أنها لا تنفد.
(7) مسلم (2726) .
(8) مسلم (2696) .
(5/2000)
الله هذا لله- عزّ وجلّ- فما لي؟. قال: «قل: اللهمّ ارحمني وارزقني وعافني واهدني. فلمّا قام قال: هكذا بيده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا فقد ملأ يده من الخير» ) * «1» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: ذهب أهل الدّثور «2» من الأموال بالدّرجات العلى «3» والنّعيم المقيم. يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون. قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين، فاختلفنا بيننا: فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين. فرجعت إليه فقال: تقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «4» .
43-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته فلم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «عجل هذا» . ثمّ دعاه فقال له ولغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثّناء عليه، ثمّ ليصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ليدع بما شاء» ) * «5» .
44-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور «6» شطر «7» الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض.
والصّلاة نور «8» . والصّدقة برهان، والصّبر ضياء «9» والقرآن حجّة لك أو عليك. كلّ النّاس يغدو «10» ، فبايع نفسه. فمعتقها أو موبقها «11» » ) * «12» .
45-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- علّمني عليّ- رضي الله عنه- كلمات علّمهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاه يقولهنّ عند الكرب والشّيء يصيبه:
__________
(1) أبو داود (832) واللفظ له، والنسائي (2/ 143) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 374) : حديث حسن. وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 241) ، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) الدثور: واحدها دثر وهو المال الكثير.
(3) الدرجات العلى: جمع العليا تأنيث الأعلى ككبرى وكبر.
(4) البخاري- الفتح 2 (843) واللفظ له، ومسلم (595) .
(5) أبو داود (1481) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 278) : صحيح، والترمذي (3477) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 44) .
(6) الطهور: الوضوء وزنا ومعنى. ويقال: الوضوء والطهور بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به.
(7) شطر: نصف.
(8) الصلاة نور: مثل النور، يستضاء بها في البعد عن المعاصي وتهدي إلى الصواب.
(9) الصبر ضياء: والمراد أن الصبر محمود ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا إلى الصواب.
(10) كل الناس يغدو: يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى.
(11) موبقها: مهلكها.
(12) مسلم (223) .
(5/2001)
«لا إله إلّا الله الحليم، سبحان الله، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين» ) * «1» .
46-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قلنا يا رسول الله هذا السّلام عليك فكيف نصلّي؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» ) * «2» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده» ) * «3» .
48-* (عن سعد- رضي الله عنه- قال:
كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟. قال:
«يسبّح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة» ) * «4» .
49-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فجعل النّاس يجهرون بالتّكبير، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس اربعوا «5» على أنفسكم، إنّكم ليس تدعون أصمّ ولا غائبا. إنّكم تدعون سميعا قريبا. وهو معكم، قال وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فقال:
«يا عبد الله بن قيس، ألا أدلّك على كنز من كنوز الجنّة؟» . فقلت: بلى، يا رسول الله قال: «قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «6» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا جنّتكم «7» » . قالوا: يا رسول الله أمن عدوّ حضر؟. قال: «لا، ولكن جنّتكم من النّار، قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، فإنّهنّ يأتين يوم القيامة معقّبات مجنّبات وهنّ الباقيات الصّالحات» ) * «8» .
51-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلّتان «9» لا يحصيهما رجل مسلم إلّا دخل الجنّة، ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبّح الله في دبر كلّ صلاة عشرا، ويحمده عشرا، ويكبّره عشرا» . قال: فأنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعقدها بيده، قال: «فتلك خمسون ومائة باللّسان وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت
__________
(1) البيهقي في الشعب (1/ 433) رقم (623) واللفظ له، وقال محققه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/ 508) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ونحوه عند مسلم.
(2) البخاري- الفتح 11 (6358) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6406) واللفظ له، ومسلم (2694) .
(4) مسلم (2698) .
(5) اربعوا: ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم.
(6) مسلم (2704) .
(7) جنتكم: ما تستترون به وتتقون به النار.
(8) النسائي في عمل اليوم والليلة (848) واللفظ له، والبيهقي في الشعب (1/ 425) رقم (606) ، وقال محققه: إسناده حسن، والحاكم في المستدرك (1/ 541) وصححه ووافقه الذهبي. والمجنبات: أي مقدمات أمامكم، ومعقبات: أي مؤخرات يعقبنكم من ورائكم.
(9) خلتان: خصلتان.
(5/2002)
مضجعك تسبّحه وتكبّره وتحمده مائة فتلك مائة باللّسان وألف في الميزان، فأيّكم يعمل في اليوم واللّيلة ألفين وخمسمائة سيّئة؟» . قالوا: وكيف لا يحصيهما، قال: «يأتي أحدكم الشّيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، حتّى ينتقل فلعلّه لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينوّمه حتّى ينام» ) * «1» .
52-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل يقول: «اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت قيّام السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ. ووعدك الحقّ. ولقاؤك حقّ.
والجنّة حقّ. والنّار حقّ. والسّاعة حقّ. اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت. وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت. وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، إنّك إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «2» .
53-* (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت يدي تطيش في الصّحفة، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام، سمّ الله، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك» . فما زالت تلك طعمتي «3» بعد) * «4» .
54-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد، أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «5» .
55-* (عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى- رحمه الله تعالى- قال: لقيني كعب بن عجرة- رضي الله عنه- فقال: ألا أهدي لك هديّة؟. خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «6» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لله تسعة وتسعون اسما، من حفظها دخل الجنّة، وإنّ الله وتر، يحبّ الوتر» «7» . وفي رواية
__________
(1) الترمذي (3410) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (1348، 3/ 74) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6317) ، والترمذي (3418) وقال: حديث حسن صحيح، وهذا لفظ الترمذي.
(3) طعمتي: هيأة أكلتي.
(4) البخاري- الفتح 9 (5376) واللفظ له، ومسلم (2022) .
(5) الترمذي (3462) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (4/ 379) : حديث حسن.
(6) البخاري- الفتح 11 (6357) واللفظ له، ومسلم (406) .
(7) الوتر: الفرد، ومعناه في حق الله تعالى: الواحد الذي لا شريك له ولا نظير.
(5/2003)
ابن أبي عمر: «من أحصاها» ) * «1» .
57-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «معقّبات «2» لا يخيب قائلهنّ (أو فاعلهنّ) دبر كلّ صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة» ) * «3» .
58-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ «4» من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وهو على كلّ شيء قدير. وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: ربّ اغفر لي، أو قال: «ثمّ دعا استجيب له فإن عزم فتوضّأ، ثمّ صلّى قبلت صلاته» ) * «5» .
59-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» ) * «6» .
وعند النّسائيّ من حديث أنس رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى عليّ صلاة واحدة، صلّى الله عليه عشر صلوات، وحطّت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» ) * «7» .
60-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر «8» » ) * «9» .
61-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير عشر مرار. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» ) * «10» .
62-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر رقاب.
وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي. ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء إلّا رجل عمل أكثر منه» ) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6410) ومسلم (2677) اللفظ له.
(2) معقبات: تسبيحات تفعل أعقاب الصلوات.
(3) مسلم (596) .
(4) التعارّ: السهر والتمطي والتقلب على الفراش ليلا مع كلام وقيل: انتبه.
(5) البخاري- الفتح 3 (1154) ، الترمذي (3414) واللفظ له.
(6) مسلم (408) .
(7) النسائي (3/ 50) وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 405) : إسناده حسن.
(8) زبد البحر: ما يعلو وجه البحر عند اضطرابه واصطدام الأمواج، يعبر به عن الكثرة، والزبد البحري جسم مستطيل بيضي رخو دقيق المسام يوجد طافيا على وجه ماء البحر يتداوى به، (محيط المحيط) .
(9) رواه مالك في «الموطأ» (1/ 209) والترمذي (3466) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو عند مسلم جزء من حديث طويل رقم (2691) .
(10) مسلم (2693) .
(11) البخاري- الفتح 11 (6403) واللفظ له، ومسلم (2691) .
(5/2004)
63-* (عن خولة بنت حكيم السّلميّة- رضي الله عنها- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نزل منزلا ثمّ قال: أعوذ بكلمات الله التّامّات من شرّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتّى يرتحل من منزله ذلك» ) * «1» .
64-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قالوا: يا رسول الله، كيف نصلّي عليك؟. قال:
«قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وأزواجه وذرّيّته، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيّته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» ) * «2» .
65-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى «3» من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزأ «4» من ذلك ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الذكر)
66-* (عن زرارة أنّ سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «6» . ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك. وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. فنهاهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟» . فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها. وأشهد على رجعتها «7» . فأتى ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال ابن عبّاس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. قال: من؟. قال: عائشة. فأتها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك «8» . فانطلقت إليها.
فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها «9» فقال:
ما أنا بقاربها «10» . لأنّى نهيتها أن تقول في هاتين
__________
(1) مسلم (2708) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6360) واللفظ له، ومسلم (407) .
(3) السلامى: أصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن.
(4) ويجزىء: أي يكفي من كفى يكفي.
(5) مسلم (720) .
(6) الكراع: اسم للخيل.
(7) رجعتها: بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح عند الأكثرين، وقال الأزهري: الكسر أفصح.
(8) بردها عليك: أي بجوابها لك.
(9) فاستلحقته إليها: أي طلبت منه مرافقته إياي في الذهاب إليها.
(10) ما أنا بقاربها: يعني لا أريد قربها.
(5/2005)
الشّيعتين «1» شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «2» ، قال:
فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟
(فعرفته) فقال: نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد ابن هشام. قالت: من هشام؟. قال: ابن عامر.
فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى.
قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن «3» ، قال فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت. ثمّ بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟
(المزمل/ 1) . قلت: بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك الله خاتمتها «4» اثني عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره.
فيبعثه الله «5» ما شاء أن يبعثه من اللّيل. فيتسوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّى التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنيّ. فلمّا سنّ «6» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم «7» ، أوتر بسبع. وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل.
فتلك تسع، يا بنيّ. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة. ولا صلّى ليلة إلى الصّبح. ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال فانطلقت إلى ابن عبّاس فحدّثته بحديثها. فقال:
صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها «8» ما حدّثتك حديثها» ) * «9» .
__________
(1) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان، والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة عليّ وأصحاب الجمل.
(2) فأبت فيهما إلا مضيّا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا (يس/ 67) .
(3) فإن خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.
(4) وأمسك الله خاتمتها: تعني أنها متأخرة النزول عما قبلها. وهي قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ (المزّمل/ 20) .
(5) فيبعثه الله: أي يوقظه. لأن النوم أخو الموت.
(6) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول: سن، وفي بعضها: أسن، وهذا هو المشهور في اللغة.
(7) وأخذه اللحم: وفي بعض النسخ: وأخذ اللحم، وهما متقاربان. والظاهر أن معناه كثر لحمه.
(8) لو علمت أنك لا تدخل عليها: قال القاضي عياض: هو على طريق العتب له في ترك الدخول عليها، ومكافأته على ذلك بأن يحرمه الفائدة حتى يضطر إلى الدخول عليها.
(9) مسلم (746) .
(5/2006)
67- (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربّنا» ) * «1» .
68-* (عن ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة، قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة- في كتاب إلى معاوية- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دبر «2» كلّ صلاة مكتوبة: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ «3» منك الجدّ» ) * «4» .
69-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا رأى ما يحبّ قال: «الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات» ، وإذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كلّ حال» ) * «5» .
70-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقفله «6» من عسفان ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته، وقد أردف صفيّة بنت حييّ، فعثرت ناقته فصرعا جميعا، فاقتحم أبو طلحة فقال:
يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: «عليك المرأة» .
فقلب ثوبا على وجهه وأتاها فألقاه عليها، وأصلح لهما مركبهما فركبا، واكتنفنا «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أشرفنا على المدينة، قال: «آيبون «8» ، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» فلم يزل يقول ذلك حتّى دخل المدينة) * «9» .
71-* (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت عند باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأعطيه وضوءه فأسمعه الهويّ من اللّيل «10» . يقول:
«سمع الله لمن حمده» وأسمعه الهويّ من اللّيل يقول:
«الحمد لله ربّ العالمين» ) * «11» .
72-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم. لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم. لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «12» .
73-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاة بعد أن نزلت عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) إلّا قال:
«سبحانك ربّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي» ) * «13» .
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5458) .
(2) دبر: خلف كل صلاة وبعدها.
(3) الجد: غنى.
(4) البخاري- الفتح 2 (844) ،
(5) ابن ماجة (3803) واللفظ له، وفي الزوائد: إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 499) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه وأقره الذهبي، والبغوي في شرح السنة (5/ 180) وقال محققه: حسن بشواهده.
(6) مقفله: وقت رجوعه.
(7) اكتنفنا: أي أحطنا به.
(8) آيبون: راجعون الى الله عن ذنوبنا وخطايانا وراجعون عائدون إلى منازلنا.
(9) البخاري- الفتح 6 (3085) .
(10) الهوىّ من الليل: يعني الحين الطويل من الليل.
(11) الترمذي (3416) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(12) مسلم (2730) .
(13) البخاري- الفتح 8 (4967) واللفظ له، ومسلم (484) .
(5/2007)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الذكر)
1-* (قال أبو بكر- رضي الله عنه-:
«ذهب الذّاكرون الله بالخير كلّه» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «يطوف الرّجل بالبيت ما كان حلالا حتّى يهلّ بالحجّ، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسّر له هديه من الإبل أو البقر أو الغنم ما تيسّر له من ذلك أيّ ذلك شاء، غير إن لم يتيسّر له فعليه ثلاثة أيّام في الحجّ، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يوم من الأيّام الثّلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه، ثمّ لينطلق حتّى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظّلام ثمّ ليدفعوا من عرفات، فإذا أفاضوا منها حتّى يبلغوا جمعا الّذي يتبرّر فيه، ثمّ ليذكروا الله كثيرا، أو أكثروا التّكبير والتّهليل قبل أن تصبحوا، ثمّ أفيضوا فإنّ النّاس كانوا يفيضون، وقال الله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة/ 199) حتّى ترموا الجمرة» ) * «2» .
3-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«لكلّ شيء جلاء، وإنّ جلاء القلوب ذكر الله- عزّ وجلّ-» ) * «3» .
4-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- «إنّ الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مرّ بك أحد ذكر الله- عزّ وجلّ-؟ فإذا قال نعم استبشر» ) * «4» .
5-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس» ) * «5» .
6-* (قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-:
«ما عمل العبد عملا أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله» ) * «6» .
7-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه:
«من أكثر ذكر الله برأ من النّفاق» ) * «7» .
8-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (الأحزاب/ 33) :
إنّ الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلّا جعل لها حدّا معلوما ثمّ عذر أهلها في حال العذر، غير الذّكر فإنّ الله تعالى لم يجعل له حدّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلّا مغلوبا على تركه فقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ (النساء/ 103) باللّيل
__________
(1) شعب الإيمان (1/ 408) رقم (558) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4521) ، وفي بعض طبعات البخاري: إذا أفاضوا، ويبيتون بدلا من يتبرّر.
(3) شعب الإيمان (1/ 396) برقم (523) ، والوابل الصيب (60) .
(4) شعب الإيمان (1/ 453) رقم (691) .
(5) الوابل الصيب (56) .
(6) أخرجه الموطأ (1/ 211) ، وشعب الإيمان (3/ 394) رقم (519) .
(7) شعب الإيمان (1/ 415) .
(5/2008)
والنّهار في البرّ والبحر، وفي السّفر والحضر، والغنى والفقر، والسّقم والصّحّة، والسّرّ والعلانية، وعلى كلّ حال» ) * «1» .
9-* (قال الحسن- رحمه الله-: «من ذكر الله في السّوق كان له من الأجر بعدد كلّ فصيح فيها وأعجميّ. قال المبارك سعيد بن مسروق الثّوريّ:
الفصيح: الإنسان، والأعجم: البهيمة» ) * «2» .
10-* (عن الحسن البصريّ يحدّث قال: «بينا رجل رأى في المنام أنّ مناديا ينادي من السّماء: أيّها النّاس خذوا سلاح فزعكم فعمد النّاس فأخذوا السّلاح حتّى إنّ الرّجل ليجيء وما معه إلّا عصا، فنادى من السّماء ما هذا سلاح فزعكم. فقال رجل من أهل الأرض وما سلاح فزعنا؟. قال: لا إله إلّا الله وسبحان الله والله أكبر والحمد لله» ) * «3» .
ملاحظة: والرّؤيا لا ينبني عليها حكم شرعيّ، ومعناها صحيح جاءت به الأحاديث منها حديث نبيّ الله يحيى عليه السّلام.
11-* (قال التّرمذيّ يروي عن بعض أهل العلم: «إذا صلّى الرّجل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس» ) * «4» .
12-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: «الذّكر للقلب مثل الماء للسّمك، فكيف يكون حال السّمك إذا فارق الماء» ) * «5» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الذّكر باب المحبّة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم» ) * «6» .
14-* (وقال- رحمه الله-: «محبّة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسّكون إليه والطّمأنينة إليه وإفراده بالحبّ والخوف والرّجاء والتّوكّل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولى على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنّة الدّنيا والنّعيم الّذي لا يشبهه نعيم، وهو قرّة عين المحبّين وحياة العارفين» ) * «7» .
15-* (وقال أيضا: «ثبت أنّ غاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر. يذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر. وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره، شاكر لمن شكره» ) * «8» .
16-* (وقال: «وأفضل الذّكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللّسان وكان من الأذكار النّبويّة وشهد الذّاكر معانيه ومقاصده» ) * «9» .
__________
(1) ذكره ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب (3/ 503)
(2) شعب الإيمان (1/ 412) رقم (568) .
(3) البيهقي في الشعب (1/ 437) رقم (634) .
(4) الترمذي (5/ 551) تعقيبا على حديث: «رغم أنف رجل» .
(5) الوابل الصيب (63) .
(6) الوابل الصيب (62) .
(7) المصدر السابق (70) .
(8) الفوائد (176) .
(9) المصدر السابق (260) .
(5/2009)
من فوائد (الذكر)
قال ابن القيّم- رحمه الله-: في الذّكر أكثر من مائة فائدة منها «1» :
(1) أنّه يطرد الشّيطان ويقمعه.
(2) أنّه يرضي الرّحمن- عزّ وجلّ-.
(3) أنّه يزيل الهمّ والغمّ عن القلب.
(4) أنّه يجلب للقلب الفرح والسّرور والبسط.
(5) أنّه يقوّي القلب والبدن.
(6) أنّه ينوّر الوجه والقلب.
(7) أنّه يجلب الرّزق.
(8) أنّه يكسو الذّاكر المهابة والحلاوة والنّضرة.
(9) أنّه يورثه المحبّة الّتي هي روح الإسلام وقطب رحى الدّين ومدار السّعادة والنّجاة.
(10) أنّه يورثه المراقبة حتّى يدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنّه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذّكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
(11) أنّه يورثه الإنابة، وهي الرّجوع إلى الله- عزّ وجلّ-.
(12) أنّه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله- عزّ وجلّ- يكون قربه منه.
(13) أنّه يفتح له بابا عظيما من أبواب المعرفة.
(14) أنّه يورثه الهيبة لربّه- عزّ وجلّ- وإجلاله، لشدّة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل؛ فإنّ حجاب الهيبة رقيق في قلبه.
(15) أنّه يورثه ذكر الله تعالى له كما قال تعالى:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة: 152) . ولو لم يكن في الذّكر إلّا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا.
(16) أنّه يورثه حياة القلب.
(17) أنّه فوت القلب والرّوح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته.
(18) أنّه يورث جلاء القلب من صدئه.
(19) أنّه يحطّ الخطايا ويذهبها.
(20) أنّه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربّه تبارك وتعالى.
(21) من ذكر الله تعالى عزّ وجلّ ذكره ربّه، ولذكر الله أكبر.. قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ «2» (البقرة/ 152) .
(22) أنّ العبد إذا تعرّف إلى الله تعالى بذكره في الرّخاء عرفه في الشّدّة.
__________
(1) لفظ فائدة هنا يشمل أمرين: الأول فائدة للذكر والآخر فائدة عن الذكر، وقد ذكر من النوع الأول ثلاثا وسبعين، ومن النوع الثاني خمس فوائد، ولذلك قال- رحمه الله تعالى- في الذكر ولم يقل للذكر.
(2) ذكر ابن القيم في الفائدة الحادية والعشرين «أن ما يذكر به العبد ربه.. يذكر به عند الشدة» ثم ذكر في الفائدة الثانية والعشرين ان العبد اذا تعرف الى الله بذكره في الرخاء عرفه في الشدة» وهما في الحقيقة شيء واحد، وما ذكرناه هنا يتضمن ذكر الله تعالى لمن يذكره في الرخاء والشدة معا، انظر في ذلك احياء علوم الدين 2/ 294.
(5/2010)
(23) أنّه ينجّي من عذاب الله تعالى.
(24) أنّه سبب تنزيل السّكينة، وغشيان الرّحمة، وحفوف الملائكة بحلقات الذّكر.
(25) أنّه سبب اشتغال اللّسان عن الغيبة والنّميمة والكذب والفحش والباطل.
(26) أنّ مجالس الذّكر مجالس الملائكة، ومجالس اللّغو والغفلة مجالس الشّياطين، فليتخيّر العبد أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله في الدّنيا والآخرة.
(27) أنّه يسعد الذّاكر بذكره ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أينما كان.
(28) أنّه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
(29) أنّه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحرّ الأكبر في ظلّ عرشه، وهذا الذّاكر مستظلّ بظلّ عرش الرّحمن- عزّ وجلّ-.
(30) أنّ الاشتغال به سبب لعطاء الله للذّاكر أفضل ما يعطي السّائلين.
(31) أنّه أيسر العبادات، وهو من أجلّها وأفضلها.
(32) أنّه غراس الجنّة.
(33) أنّ العطاء والفضل الّذي رتّب عليه لم يرتّب على غيره من الأعمال.
(34) أنّ دوام ذكر الرّبّ تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الّذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده.
(35) أنّ الذّكر نور للذّاكر في الدّنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصّراط.
(36) لمّا كان الذّكر متيسّرا للعبد في جميع الأوقات والأحوال فإنّ الذّاكر وهو مستلق على فراشه يسبق (في الفضل والخير) القائم الغافل.
(37) الذّكر يفتح باب الدّخول إلى الله عزّ وجلّ، فإذا فتح الباب ووجد الذّاكر ربّه فقد وجد كلّ شيء.
(38) في القلب خلّة وفاقة لا يسدّها شيء البتّة إلّا ذكر الله- عزّ وجلّ-، فإذا صار القلب بحيث يكون هو الذّاكر بطريق الأصالة، واللّسان تبع له فهذا هو الذّكر الّذي يسدّ الخلّة ويفني الفاقة.
(39) أنّ الذّكر يجمع المتفرّق ويفرّق المجتمع، ويقرّب البعيد ويبعد القريب، فيجمع ما تفرّق على العبد من قلبه وإرادته وهمومه وعزومه، والعذاب كلّ العذاب في تفرقتها وتشتّتها عليه وانفراطها له، والحياة والنّعيم في اجتماع قلبه وهمّه وعزمه وإرادته. ويفرّق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والأحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه. ويفرّق أيضا ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره حتّى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحلّ. ويفرّق أيضا ما اجتمع على حربه من جند الشّيطان.
(40) أنّ الذّكر ينبّه القلب من نومه، ويوقظه من سنته.
(5/2011)
(41) أنّ الذّكر شجرة تثمر المعارف والأحوال الّتي شمّر إليها السّالكون.
(42) أنّ الذّاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه. وهذه المعيّة معيّة خاصّة غير معيّة العلم والإحاطة العامّة، فهي معيّة بالقرب والولاية والمحبّة والنّصرة والتّوفيق.
(43) أنّ الذّكر يعدل حتّى عتق الرّقاب ونفقة الأموال والحمل على الخيل والضّرب بالسّيف في سبيل الله- عزّ وجلّ-.
(44) أنّ الذّكر رأس الشّكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
(45) أنّ أكرم الخلق على الله تعالى من المتّقين من لا يزال لسانه رطبا بذكر الله.
(46) أنّ في القلب قسوة لا يذيبها إلّا ذكر الله تعالى.
(47) أنّ الذّكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.
(48) الذّكر أصل موالاة الله عزّ وجلّ، ورأسها، والغفلة أصل معاداته ورأسها، لأنّ العبد لا يزال يذكر ربّه- عزّ وجلّ- حتّى يحبّه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتّى يبغضه فيعاديه.
(49) أنّه ما استجلبت نعم الله- عزّ وجلّ- واستدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى.
(50) أنّ الذّكر يوجب صلاة الله- عزّ وجلّ- وملائكته على الذّاكر، ومن صلّى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كلّ الفلاح وفاز كلّ الفوز.
(51) أنّ من شاء أن يسكن رياض الجنّة في الدّنيا فليجلس في مجالس الذّكر.
(52) أنّ مجالس الذّكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدّنيا لهم مجلس إلّا مجلس يذكر الله تعالى فيه.
(53) أنّ الله- عزّ وجلّ- يباهي بالذّاكرين ملائكته.
(54) من داوم على الذّكر دخل الجنّة مستبشرا فرحا بما أنعم الله عليه «1» .
(55) الذّاكر يحقّق الغاية الّتي من أجلها شرعت الأعمال كالصّلاة ونحوها، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) .
(56) إكثار الذّكر في الأعمال يجعل الذّاكر أفضل أهل ذلك العمل، فأفضل الصّوّام أكثرهم ذكرا لله عزّ وجلّ في صومهم، وأفضل المتصدّقين أكثرهم ذكرا لله تعالى ... وهكذا.
(57) إدامة الذّكر تنوب عن التّطوّعات وتقوم مقامها (ممّن لا يقدر عليها) سواء كانت هذه التّطوّعات بدنيّة (كالجهاد) أو ماليّة (كالصّدقة) أو بدنيّة ماليّة كحجّ التّطوّع.
(58) ذكر الله عزّ وجلّ من أكبر العون على طاعته عزّ وجلّ فإنّه يحبّبها للعبد ويسهّلها عليه.
ويجعل قرّة عينه فيها.
__________
(1) عبارة ابن القيم «مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك» .
(5/2012)
(59) أنّ ذكر الله- عزّ وجلّ- يسهّل الصّعب، وييسّر العسير ويخفّف المشاقّ. فما ذكر الله عزّ وجلّ- على صعب إلّا هان، ولا على عسير إلّا تيسّر، ولا مشقّة إلّا خفّت، ولا شدّة إلّا زالت، ولا كربة إلّا انفرجت.
(60) أنّ ذكر الله- عزّ وجلّ- يذهب عن القلب مخاوفه كلّها. فليس للخائف الّذي قد اشتدّ خوفه أنفع من ذكر الله- عزّ وجلّ-.
(61) الذّكر يعطي الذّاكر قوّة (عظيمة) حتّى إنّه ليفعل مع الذّكر ما لم يظنّ فعله بدونه.
(62) الذّاكرون هم السّابقون يوم القيامة.
(63) الذّكر سببّ لتصديق الرّبّ عزّ وجلّ عبده، لأنّه يخبر عن الله بأوصاف كماله، ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد، صدّقه ربّه، ومن صدّقه الله تعالى، لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصّادقين.
(64) الملائكة تبني للذّاكر دورا في الجنّة ما دام يذكر، فإذا أمسك عن الذّكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
(65) الذّكر سدّ بين العبد وبين جهنّم- والعياذ بالله تعالى- فإذا كان ذكرا دائما محكما، كان سدّا محكما لا منفذ فيه، وإلّا فبحسبه.
(66) الملائكة تستغفر للذّاكر كما تستغفر للتّائب.
(67) بالذّاكرين تتباهى الجبال والقفار وتستبشر بمن عليها من الذّاكرين.
(68) كثرة الذّكر أمان من النّفاق، فإنّ المنافقين قليلو الذّكر لله تعالى، كما أخبر عنهم سبحانه بقوله وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
. (النساء/ 142) .
(69) يحصّل الذّاكر من اللّذّة ما لا يحصل لغيره، ولذا سمّيت مجالس الذّكر رياض الجنّة.
(70) يكسو الذّكر صاحبه نضرة في الدّنيا ونورا في الآخرة.
(71) في تكثير الذّكر تكثير لشهود العبد يوم القيامة.
(72) في الذّكر اشتغال عن الكلام الباطل من الغيبة والنّميمة واللّغو ونحو ذلك من حيث إنّ اللّسان لا يسكت البتّة، وهو إمّا لسان ذاكر، وإمّا لسان لاغ، ولا بدّ من أحدهما، والنّفس إن لم تشغلها بالحقّ شغلتك بالباطل..
(73) لا سبيل إلى تفريق جمع الشّياطين الّتي تحوط بالإنسان إلّا بذكر الله عزّ وجلّ.
(74) الذّكر يجعل الدّعاء مستجابا «1» .
__________
(1) بتلخيص وتصرف عن صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب، ص 82- 153، وقد ذكر ابن القيم- رحمه الله تعالى- ثلاثا وسبعين، واستخلصنا الفائدة الرابعة والسبعين مما ذكره عن الذكر والدعاء وأيهما أفضل، أما ما ذكره رحمه الله- من الفوائد أرقام 74، 75- 76، 77، 78، فهي فوائد عن الذكر وليست فوائد له.
(5/2013)
[حرف الراء]
الرأفة
الرأفة لغة:
مصدر قولهم: رؤف به يرؤف رأفة ورآفة وهو مأخوذ من مادّة (ر أف) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على الرّقّة والرّحمة، قال- عزّ وجلّ- وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ (النور/ 2) وقرئت رآفة، والرّأفة أشدّ الرّحمة، وقيل هي أرقّ من الرّحمة، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرّحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة، يقول أبو زيد: رؤفت بالرّجل أرؤف رأفة ورآفة، ورأفت به أرأف (كذلك) ورئفت به رأفا، قال:
كلّ من كلام العرب «1» والرّءوف اسم للمولى- عزّ وجلّ- وصفة من صفات رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم:
الرّءوف من أسماء الله الحسنى:
من صفات الله- عزّ وجلّ- الّتي سمّي بها «الرّءوف» ومعناها الرّحيم لعباده العطوف عليهم بألطافه وفيه لغتان قرأ بهما جميعا: رءوف على فعول وهي قراءة أهل المدينة ورؤف على فعل، فمن الأوّل قول كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه-:
نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رءوفا
الآيات الأحاديث الآثار 12 2 4
ومن الثّاني قول جرير:
يرى للمسلمين عليه حقّا ... كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم
فالله- عزّ وجلّ- هو الرّءوف لأنّه المتناهي في الرّحمة بعباده لا راحم أرحم منه ولا غاية وراء رحمته، وقد يقال أيضا «رأف» بسكون الهمزة، ومن ذلك قول الشّاعر:
فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم
رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم
ونقل ابن منظور عن الفرّاء أنّه يقال (أيضا) رئف بكسر الهمزة «2» .
وقال الغزاليّ: الرّؤف (معناه) ذو الرّأفة، والرّأفة شدّة الرّحمة «3» ، وقال ابن الأثير: هو الرّؤف بعباده العطوف عليهم بألطافه «4» .
الرءوف من صفة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين:
جاء وصف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالرّءوف والرّحيم في قوله- عزّ وجلّ- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
__________
(1) انظر مقاييس اللغة (2/ 471) ، والصحاح (4/ 1362) .
(2) انظر الصحاح (4/ 1362) ، ولسان العرب (1534) (ط. دار المعارف) .
(3) المقصد الأسنى 140.
(4) النهاية لابن الأثير 2/ 176.
(5/2014)
عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة/ 128) فالرّءوف (هنا) شديد الرّحمة، (والرّحيم) الّذي يريد لهم الخير، وقيل رءوف بالطّائعين ورحيم بالمذنبين، قال ابن عبّاس: سمّاه (المولى) باسمين من أسمائه، وفي الجمع بينهما دلالة على أنّ في كلّ منهما معنى ليس في الآخر على نحو ما ذكره أهل العلم.
يقول النّيسابوريّ: ومن رأفته صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر بالرّفق كما قال: إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق ومن رحمته قيل له فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (159 آل عمران) وههنا نكتة وهي أنّ رأفته ورحمته لمّا كانت مخلوقة اختصّت بالمؤمنين فقط وكانت رأفته- عزّ وجلّ- ورحمته للنّاس عامّة إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (البقرة/ 143) وهناك نكتة أخرى هي أنّ رحمته صلّى الله عليه وسلّم عامّة للعالمين وأمّا رحمته المضمومة إلى الرّأفة فخاصّة بالمؤمنين، وكأنّ الرّأفة إشارة إلى ظهور أثر الدّعوة في حقّهم فالمؤمنون أمّة الدّعوة والإجابة جميعا وغيرهم أمّة الدّعوة فقط «1» .
الرأفة اصطلاحا:
قال الكفويّ: الرّأفة مبالغة فى رحمة مخصوصة هي رفع المكروه وإزالة الضرّ «2» .
بين الرحمة والرأفة:
قال بعض العلماء الرّحمة هي أن يوصّل إليك المسارّ، والرّأفة هي أن يدفع عنك المضارّ، والرّأفة إنّما تكون باعتبار إفاضة الكمالات والسّعادات الّتي بها يستحقّ الثّواب، والرّحمة من باب التّزكية والرّأفة من باب التّخلية، وذكر الرّحمة بعد الرّأفة مطّرد في القرآن الكريم لتكون أعمّ وأشمل «3» .
وقال ابن الأثير: الرّأفة أرقّ من الرّحمة، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرّحمة (قد) تقع في الكراهة للمصلحة «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- الحنان.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- سوء المعاملة- العنف- القسوة] .
__________
(1) زاد المسير (3/ 521) ، وغرائب القرآن للنيسابورى (بهامش الطبري) (ج 11 ص 46) .
(2) الكليات للكفوي (ص 378) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها (بتصرف يسير) .
(4) النهاية 2/ 176.
(5/2015)
الآيات الواردة في «الرأفة»
الرءوف من أسماء الله الحسنى:
1- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1»
2- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «2»
3- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)
قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «3»
4- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «4»
5- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
__________
(1) البقرة: 143 مدنية
(2) البقرة: 204- 207 مدنية
(3) آل عمران: 28- 30 مدنية
(4) التوبة: 117- 119 مدنية
(5/2016)
يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) «1»
6- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
(44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ
(45) «2»
7- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) «3»
8- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) «4»
9- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) «5»
__________
(1) النحل: 1- 9 مكية
(2) النحل: 43- 47 مكية
(3) الحج: 63- 66 مدنية
(4) النور: 19- 20 مدنية
(5) الحديد: 9 مدنية
(5/2017)
الرءوف من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم:
10- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «1»
النهي عن الرأفة في حدود الله:
11- الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) «2»
الرأفة من صفة المؤمنين من أتباع المسيح عليه السلام:
12- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «3»
__________
(1) التوبة: 128- 129 مدنية
(2) النور: 2 مدنية
(3) الحديد: 26- 27 مدنية
(5/2018)
الأحاديث الواردة في (الرأفة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطّعام، فكان أبو هريرة ممّا يكثر أن يدعونا إلى رحله، فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثمّ لقيت أبا هريرة من العشيّ فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة، فقال سبقتني، قلت: نعم. فدعوتهم. فقال أبو هريرة:
ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار ثمّ ذكر فتح مكّة. فقال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى قدم مكّة فبعث الزّبير على إحدى المجنبتين «1» ، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر «2» . فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة. قال: فنظر فرآني، فقال: «أبو هريرة؟» . قلت:
لبّيك يا رسول الله. فقال: «لا يأتيني إلّا أنصاريّ» - زاد غير شيبان- فقال: «اهتف لي بالأنصار» . قال:
فأطافوا به. ووبّشت قريش أوباشا لها «3» وأتباعا.
فقالوا: نقدّم هؤلاء. فإن كان لهم شيء كنّا معهم. وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» . ثمّ قال بيديه، إحداهما على الأخرى. ثمّ قال: «حتّى توافوني بالصّفا» . قال: فانطلقنا. فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلّا قتله. وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا. قال:
فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم. ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» فقالت الأنصار، بعضهم لبعض: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة: وجاء الوحي. وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا. فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ينقضي الوحي. فلمّا انقضى الوحي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار» . قالوا:
لبّيك يا رسول الله قال: «قلتم أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته» . قالوا: قد كان ذاك. قال «كلّا إنّي عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم» . فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الّذي قلنا إلّا ضنّا «4» بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» .
قال: فأقبل النّاس إلى دار أبي سفيان. وأغلق النّاس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل إلى الحجر. فاستلمه. ثمّ طاف بالبيت. قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه. قال: وفي يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوس. وهو آخذ بسية القوس «5» . فلمّا أتى على الصّنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاء
__________
(1) المجنبتين: هما الميمنة والميسرة ويكون القلب بينهما.
(2) الحسر: الذين لا دروع لهم.
(3) أي جمعت جموعا من قبائل شتّى.
(4) الضن: هو الشح.
(5) بسية القوس: أي بطرفها المنحني، قال في المصباح: هي خفيفة الياء ولامها محذوفة، وترد في النسبة فيقال: سيوي. والهاء عوض عنها، ويقال لسيتها العليا يدها، ولسيتها السفلى رجلها، وقال النووي: هي المنعطف من طرفي القوس.
(5/2019)
الحقّ وزهق الباطل» . فلمّا فرغ من طوافه أتى الصّفا فعلا عليه. حتّى نظر إلى البيت ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو) * «1» .
2-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أبا هريرة كان حريصا «2» على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء لا يسأله عنها غيره. فقال يا رسول الله ما أوّل ما رأيت في أمر النّبوّة؟. فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا، وقال: «لقد سألت أبا هريرة.
إنّي لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟. قال:
نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قطّ، وأرواح لم أجدها من خلق قطّ، وثياب لم أرها على أحد قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان حتّى أخذ كلّ واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّا، فقال أحدهما لصاحبه:
أضجعه فأضجعاني بلا قصر ولا هصر «3» ، وقال أحدهما لصاحبه: افلق «4» صدره فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له:
أخرج الغلّ والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثمّ نبذها فطرحها فقال له: أدخل الرّأفة والرّحمة، فإذا مثل الّذي أخرج يشبه الفضّة ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى فقال: اغد واسلم فرجعت بها أغدو رقّة على الصّغير ورحمة للكبير» ) * «5» .
من الأحاديث الواردة في (الرأفة) معنى
انظر: صفات: الرحمة- والرفق- والشفقة
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرأفة)
انظر: صفات: الرحمة- والرفق- والشفقة
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الرأفة)
1-* (عن زيد بن ثابت الأنصاريّ- رضي الله عنه- وكان ممّن يكتب الوحي قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر. فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بالنّاس، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلّا أن تجمعوه، وإنّي
__________
(1) مسلم (1780) .
(2) في مسند الإمام أحمد «وكان جريا» ولعلها تصحيف.
(3) بلا قصر ولا هصر: أي بلا عنف ولا عصر.
(4) تضبط على وجهين: مثل: انصر، ومثل: اضرب.
(5) أحمد (5/ 139) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه عبد الله (يعني ابن أحمد) ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان (8/ 222، 223) .
(5/2020)
لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتّى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الّذي رأى عمر- قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلّم- فقال أبو بكر:
إنّك رجل شابّ عاقل ولا نتّهمك وكنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فتتبّع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير. فلم أزل أراجعه حتّى شرح الله صدري للّذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبّعت القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعسب «1» وصدور الرّجال، حتّى وجدت من سورة التّوبة آيتين مع خزيمة الأنصاريّ لم أجدهما مع أحد غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة/ 128) إلى آخرها. وكانت الصّحف الّتي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند حفصة بنت عمر» ) * «2» .
2-* (قال كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي الله عنه-:
نطيع نبيّنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رءوفا)
* «3» .
3-* (قال أبو سليمان الدّارنيّ- رحمه الله تعالى-: «جلساء الرّحمن يوم القيامة من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر» ) * «4» .
4-* (قال الشّاعر:
فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم
رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم
) * «5» .
من فوائد (الرأفة)
(1) مدعاة لرضى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وتكون سببا في دخول الجنّة.
(2) صاحبها يحمل صفة يتحلّى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(3) أنّها سبب للألفة والمحبّة بين عباد الله المسلمين
(4) من رزق الرّأفة فقد جمع كثيرا من خصال الخير.
(5) أنّ صاحبها ينال درجة عالية من الأجر؛ لأنّها أشدّ الرّحمة وأرقّها.
__________
(1) الأكتاف: جمع كتف، وهي عظم عريض خلف المنكب في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم. والعسب: جمع عسيب والعسيب: جريد النخل إذا نحّي عنه خوصه.
(2) البخاري- الفتح 8 (4679) .
(3) الصحاح للجوهري (4/ 1362) .
(4) عدة الصابرين (144) .
(5) لسان العرب (3/ 1536) .
(5/2021)
الرجاء
الرجاء لغة:
الرّجاء مصدر قولهم رجوت فلانا أرجوه وهو مأخوذ من مادّة (ر ج و) الّتي تدلّ على الأمل الّذي هو نقيض اليأس، ممدود. يقال رجوت فلانا رجوا ورجاء ورجاوة. ويقال ما أتيتك إلّا رجاوة الخير، وترجّيته، ترجية بمعنى رجوته.
قال بشر يخاطب ابنته:
فرجّي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزيّ آبا
وقيل: الأمل أكبر من الرّجاء؛ لأنّ الرّجاء معه خوف. قال في اللّسان: وقد يكون الرّجو، والرّجاء بمعنى الخوف. قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (نوح/ 13) . أي تخافون عظمة الله.
قال أبو ذؤيب:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عواسل
قال الرّاغب: ووجه ذلك أنّ الرّجاء والخوف يتلازمان قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ (النساء/ 104) . وقال عزّ من قائل: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ (التوبة/ 106) ، ويقال: أرجت النّاقة: دنا نتاجها، الآيات الأحاديث الآثار 34 48 8
وحقيقته: جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها «1» .
الرجاء اصطلاحا:
تأمّل الخير وقرب وقوعه، وفي الرّسالة القشيريّة:
الرّجاء تعليق القلب بمحبوب في المستقبل.
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الرّجاء هو النّظر إلى سعة رحمة الله.
وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرّبّ تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه.
وقيل: هو الثّقة بجود الرّبّ تعالى.
وقال الرّاغب: الرّجاء ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة.
وقال المناويّ: الرّجاء ترقّب الانتفاع بما تقدّم له سبب ما «2» .
الفرق بين الرجاء والتمني:
والفرق بينه وبين التّمنّي: أنّ التّمنّي يصاحبه الكسل.
ولا يسلك صاحبه طريق الجدّ، والرّجاء على الضّدّ من ذلك. ومن الوجهة اللّغويّة فإنّ أداة الرّجاء «لعلّ» وأداة التّمنّي «ليت» . كما أنّ الرّجاء يفيد إمكان الوقوع بخلاف التّمنّي الّذي يفيد تعذّر الوقوع أو استحالته «3» .
من معاني كلمة الرجاء في القرآن الكريم:
وقد ورد الرّجاء في القرآن على ستّة أوجه:
أوّلها: بمعنى الخوف: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ
__________
(1) انظر الصحاح للجوهري (6/ 2352) ، والمفردات، للراغب (190) ، ولسان العرب (14/ 309- 310) ، ومدارج السالكين (1/ 37) .
(2) مدارج السالكين (1/ 37) ، التوقيف على مهمات التعاريف (174) ، والمفردات، للراغب (19) ، والتعريفات للجرجاني (109) .
(3) انظر مدارج السالكين (1/ 37) .
(5/2022)
وَقاراً (نوح/ 13) . أي ما لكم لا تخافون. ومنه:
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (النبأ/ 27) وقوله:
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ (العنكبوت/ 5) .
الثّاني: بمعنى الطّمع: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ (الإسراء: 57) أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ (البقرة/ 218) .
الثّالث: بمعنى توقّع الثّواب: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (فاطر/ 29) .
الرّابع: الرّجا المقصور بمعنى الطّرف: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها (الحاقة/ 17) .
الخامس: الرّجاء المهموز: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ (الأعراف/ 111) أي احبسه.
السّادس: بمعنى التّرك والتّأخير: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ (الأحزاب/ 51) : تؤخّر، وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ (التوبة/ 106) «1» .
حقيقة الرجاء:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الرّجاء هو عبوديّة، وتعلّق بالله من حيث اسمه: البرّ المحسن فذلك التّعلّق والتّعبّد بهذا الاسم، والمعرفة بالله: هو الّذي أوجب للعبد الرّجاء من حيث يدري ومن حيث لا يدري. فقوّة الرّجاء على حسب قوّة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه ولولا روح الرّجاء لعطّلت عبوديّة القلب والجوارح، وهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. بل لولا روح الرّجاء لما تحرّكت الجوارح بالطّاعة. ولولا ريحه الطّيّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات. ولي من الأبيات:
لولا التّعلّق بالرّجاء تقطّعت ... نفس المحبّ تحسّرا وتمزّقا
لولا الرّجا يحدو المطيّ لما سرت ... بحمولها لديارهم ترجو اللّقا
فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة، فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء. وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه، ولكنّ خوف المحبّ لا يصحبه وحشة. بخلاف خوف المسيء. ورجاء المحبّ لا يصحبه علّة، بخلاف رجاء الأجير، وأين رجاء المحبّ من رجاء الأجير وبينهما كما بين حاليهما؟ «2» .
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: المقصود من الرّجاء أنّ من وقع منه تقصير فليحسن ظنّه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأمّا من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور. وما أحسن قول أبي عثمان الجيزيّ: من علامة السّعادة أن تطيع، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشّقاء أن تعصي، وترجو أن تنجو «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- الضراعة والتضرع- حسن الظن- الخوف- الرغبة- الدعاء- العبادة- الرهبة- الاستغاثة- الابتهال- الإنابة- التوبة- القنوت- تذكر الموت.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- سوء الظن- الغرور- التفريط والإفراط- اليأس- اتباع الهوى القنوط- الغفلة- القلق- الكبر والعجب- الجزع] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (3/ 50) .
(2) انظر مدارج السالكين: (1/ 43- 44) .
(3) انظر فتح الباري لابن حجر (11/ 301) .
(5/2023)
الآيات الواردة في «الرجاء»
الرجاء بمعنى الطمع في (رحمة الله) :
1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «1»
2- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «2»
3- وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «3»
الرجاء بمعنى توقع الثواب:
4- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «4»
5- مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) «5»
6- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «6»
7- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «7»
الرجاء بمعنى الخوف:
8- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «8»
9- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) «9»
__________
(1) البقرة: 218 مدنية
(2) النساء: 104 مدنية
(3) الإسراء: 55- 57 (55- 56 مكية، 57 مدنية)
(4) الإسراء: 28 مكية
(5) العنكبوت: 5 مكية
(6) فاطر: 29- 30 مكية
(7) الزمر: 9 مكية
(8) الكهف: 110 مكية
(9) العنكبوت: 36 مكية
(5/2024)
10- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «1»
11- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «2»
12- ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) «3»
الرجاء بمعنى توقع العذاب:
13- إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) «4»
الرجاء بمعنى خوف العقاب والطمع في الثواب:
14- إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) «5»
15-* وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) «6»
16- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «7»
17-* وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21) «8»
الآيات الواردة في «الرجاء» معنى
18- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) «9»
19- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) «10»
__________
(1) الأحزاب: 21 مدنية
(2) الممتحنة: 6 مدنية
(3) نوح: 13 مكية
(4) النبأ: 27 مكية
(5) يونس: 6- 7 مكية
(6) يونس: 11 مكية
(7) يونس: 15 مكية
(8) الفرقان: 21 مكية
(9) البقرة: 216 مدنية
(10) النساء: 19 مدنية
(5/2025)
20- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «1»
21- فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99) «2»
22- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52) «3»
23- قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) «4»
24- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «5»
25- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) «6»
26- قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «7»
27- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81) «8»
28- إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) «9»
29- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39)
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) «10»
__________
(1) النساء: 84 مدنية.
(2) النساء: 99 مدنية.
(3) المائدة: 52 مدنية.
(4) الأعراف: 129 مكية.
(5) التوبة: 18 مدنية.
(6) يوسف: 21 مكية.
(7) يوسف: 83 مكية.
(8) الإسراء: 78- 81 مكية.
(9) الكهف: 24 مكية.
(10) الكهف: 39- 40 مكية.
(5/2026)
30- وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) «1»
31- وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) «2»
32- فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «3»
33-* عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) «4»
34- قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «5»
__________
(1) مريم: 48 مكية
(2) القصص: 22 مكية
(3) القصص: 67 مكية
(4) الممتحنة: 7 مدنية
(5) القلم: 29- 32 مكية
(5/2027)
الأحاديث الواردة في (الرجاء)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف على أناس جلوس فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شرّكم؟» . قال: فسكتوا. فقال ذلك ثلاث مرّات، فقال رجل: بلى. يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرّنا. قال: «خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شرّه. وشرّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإنّي سمعت دفّ نعليك «2» بين يديّ في الجنّة» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لكلّ شيء شرّة «4» ولكلّ شرّة فترة فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه» ) * «5» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «6» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «7» . فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) . قال: فحدّثه الحديث. قال:
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكلّم. فقال: «إنّ لنا طلبة «8» فمن كان ظهره «9» حاضرا فليركب معنا» ، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم «10» في علو المدينة. فقال: «لا.
إلّا من كان ظهره حاضرا» ، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه «11» » ، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» . قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله، جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال: نعم. قال: بخ بخ «12» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» .
قال: لا. والله يا رسول الله إلّا رجاءة «13» أن أكون من
__________
(1) الترمذي (2263) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) دفّ نعليك: أي تحريك نعليك.
(3) البخاري- الفتح 3 (1149) .
(4) الشرة: الشدة.
(5) الترمذي (2453) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 314) : إسناده حسن.
(6) عينا: أي متجسسا ورقيبا.
(7) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره.
(8) طلبة: أي شيئا نطلبه.
(9) ظهره: الظهر: الدواب التي تركب.
(10) ظهرانهم: أي مركوباتهم.
(11) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء.
(12) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير. وتقال بالسكون وبالجر والتنوين (بخ بخ) .
(13) إلا رجاءة: أي والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها.
(5/2028)
أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» . فأخرج تمرات من قرنه «1» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) * «2» .
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟» . قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو وآمنه ممّا يخاف» ) * «3» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة أعلاهنّ منيحة العنز- ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» ) * «4» .
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ) * «5» .
8-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، قال: فبات النّاس يدوكون «6» ليلتهم أيّهم يعطاها. فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» . فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله. قال: «فأرسلوا إليه فأتوني به» . فلمّا جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك «7» حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النّعم «8» » ) * «9» .
9-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-:
لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد ... الحديث، وفيه: فقبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم.
__________
(1) قرنه: أي جعبة النشاب.
(2) مسلم (1901) .
(3) الترمذي (983) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال النووي: إسناده جيد.
(4) البخاري- الفتح 5 (2631) .
(5) الترمذي (3540) وقال: حديث حسن، وقال محقق رياض الصالحين (178) : للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني فالحديث حسن.
(6) يدوكون: يخوضون.
(7) على رسلك: بأدب وأناة.
(8) حمر النعم: أنفس أموال العرب.
(9) البخاري- الفتح 7 (3701) واللفظ له، ومسلم (2405) .
(5/2029)
ووكل سرائرهم إلى الله. حتّى جئت. فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: «تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال: قلت: يا رسول الله إنّي والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا «1» .
ولكنّي، والله لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ.
ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «2» ، إنّي لأرجو فيه عقبى الله «3» . والله ما كان لي عذر. والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هذا- فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت ... والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي ... الحديث» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (الرجاء) معنى
10-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم عليه ثوب أبيض. ثمّ أتيته فإذا هو نائم. ثمّ أتيته وقد استيقظ فجلست إليه.
فقال: «ما من عبد قال لا إله إلّا الله ثمّ مات على ذلك إلّا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟.
قال: «وإن زنى وإن سرق» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال: «وإن زنى وإن سرق» . (ثلاثا) . ثمّ قال في الرّابعة: «على رغم أنف أبي ذرّ» . قال: فخرج أبو ذرّ وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذرّ) * «5» .
11-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال: بسم الله، فلمّا استوى عليها، قال: الحمد لله، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13- 14) ، ثمّ حمد الله ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحانك لا إله إلّا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي» ، ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا أمير المؤمنين. قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل ما فعلت ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا رسول الله؟. قال: «يعجب الرّبّ من عبده إذا قال ربّ اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «6» .
__________
(1) أعطيت جدلا: أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة.
(2) تجد علي فيه: أي تغضب.
(3) إني لأرجو فيه عقبى الله: أي أن يعقبني خيرا، وأن يثيبني عليه.
(4) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم (2769) واللفظ له.
(5) مسلم (94) .
(6) الترمذي (3446) وقال: هذا حديث صحيح. وأبو داود (2602) ، وأحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 97) حديث (756) واللفظ له.
(5/2030)
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال اللهمّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال أي ربّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب.
اعمل ما شئت فقد غفرت لك» ) * «1» .
13-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم» .. الحديث وفيه: «فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله في استقصاء الحقّ من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتحرّم صورهم على النّار فيخرجون خلقا كثيرا.. الحديث» ) * «2» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) .
فرفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» . فقال الله عزّ وجلّ-: يا جبريل اذهب إلى محمّد وربّك أعلم فسله: ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك» ) * «3» .
15-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟. فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه «4» ويستره، فيقول:
أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟. فيقول: نعم.
أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك. قال: سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون.
فيقول الأشهاد «5» هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18) » ) * «6» .
16-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان «7» . فقال: يا كريب- مولى ابن عبّاس- انظر ما اجتمع له من
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7- 750) ، ومسلم (2758) واللفظ له
(2) البخاري- الفتح 13 (7439) ، ومسلم (183) واللفظ له.
(3) مسلم (202) .
(4) كنفه: حفظه وستره.
(5) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن.
(6) البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) .
(7) قديد وعسفان: موضع بين الحرمين.
(5/2031)
النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له.
فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال:
أخرجوه فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكلّ سيّئة يعملها تكتب له بمثلها» ) * «2» .
18-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» ) * «4» .
20-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟. قال:
لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله عزّ وجلّ-: تجوّزوا عنه» ) * «5» .
21-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ ض سبي، فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي. إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال النّبيّ ض:
«أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» . قلنا: لا. وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «6» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا. فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجّار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع الجدول) فاحتفزت «7» كما يحتفز الثّعلب فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أبو هريرة؟» . فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك» .
قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا
__________
(1) مسلم (948) .
(2) البخاري- الفتح 1 (42) واللفظ له، ومسلم (129) .
(3) مسلم (2759)
(4) البخاري- الفتح 10 (6000) ، ومسلم (2752) واللفظ له
(5) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له، ومسلم (2754) .
(7) احتفزت: تضاممت ليسعني المدخل
(5/2032)
أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أوّل من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب وهؤلاء النّاس ورائي. فقال: «يا أبا هريرة» (وأعطاني نعليه) . قال:
«اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة ... الحديث» ) * «1» .
23-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي ببني سالم وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتدّ النّهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟» ، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «2» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل منهم ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» . فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «3» .
24-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف «4» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على حمار يقال له عفير. فقال: «يا معاذ، هل تدري حقّ الله على عباده وما حقّ العباد على الله؟» . قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحقّ العباد على الله أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا» . فقلت يا رسول الله أفلا أبشّر به النّاس؟ قال:
«لا تبشّرهم فيتّكلوا» ) * «5» .
25-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوّيّة «6» مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتّى أدركه العطش، ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته
__________
(1) مسلم (31)
(2) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه دقيق فان لم يكن فيها فهي عصيدة.
(3) البخاري- الفتح 3 (1186) واللفظ له، ومسلم (33) .
(4) كنت ردف: الرّدف والرديف هو الراكب خلف الراكب.
(5) البخاري- الفتح 6 (2856) واللفظ له، ومسلم (30) .
(6) الأرض الدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية.
(5/2033)
وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «1» .
26-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت رجل مسلم إلّا أدخل الله مكانه النّار يهوديّا أو نصرانيّا» .
وفي لفظ: «إذا كان يوم القيامة دفع الله- عزّ وجلّ- إلى كلّ مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك «2» من النّار» ) * «3» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي غلبت غضبي» ) * «4» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا كانت غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة قالوا:
يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «5» فأكلنا وادّهنّا «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» . قال فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلت قلّ الظّهر «7» ولكن ادعهم بفضل أزوادهم «8» ، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة لعلّ الله أن يجعل في ذلك «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . قال: فدعا بنطع «10» فبسطه ثمّ دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة، قال ويجيء الآخر بكفّ تمر، قال ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير.
قال فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه بالبركة، ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» قال: فأخذوا في أوعيتهم حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملأوه قال فأكلوا حتّى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» ) * «11» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من جنّته أحد» ) * «12» .
30-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها. ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «الله أكثر» ) * «13» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6308) ، ومسلم (2744) واللفظ له
(2) فكاكك: بفتح الفاء وكسرها، والفتح أفصح وأشهر وهو الخلاص والفداء.
(3) مسلم (2767) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3194) واللفظ له، ومسلم (2751)
(5) النواضح: من الإبل التي يستقى عليها.
(6) ادّهنّا: أي اتخذنا دهنا من شحومها.
(7) الظهر: الدواب.
(8) أزوادهم: جمع زاد وهي لا تملأ إنما تملأ بها أوعيتهم.
(9) لعلّ الله أن يجعل في ذلك: فيه محذوف تقديره يجعل في ذلك بركة أو خيرا، أو نحو ذلك.
(10) نطع: هو بساط متخذ من أديم.
(11) مسلم (27) ، (45) .
(12) مسلم (2755) .
(13) الترمذي (3573) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 512) : وهو حديث صحيح.
(5/2034)
31-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقاه الله فتنة القبر» ) * «1» .
32-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من ميّت تصلّي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه» ) * «2» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصّلاة، وصام رمضان. كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة.
هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» .
قالوا: يا رسول الله أفلا ننبيء النّاس بذلك؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، كلّ درجتين ما بينهما كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة وفوقه عرش الرّحمن ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «3»
34-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسّيّئة فجزاؤه سيّئة مثلها أو أغفر. ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض «4» خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» ) * «5» .
35-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «من شهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنّة حقّ، والنّار حقّ. أدخله الله الجنّة على ما كان من العمل» ) * «6» .
36-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنّة ومن لقيه يشرك به دخل النّار» ) * «7» .
37-* (عن عثمان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ) * «8» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» ) * «9» .
__________
(1) الترمذي (1074) ، وأحمد في المسند (2/ 176، 220) ، وقال محقق جامع الأصول (9/ 272) : والحديث بمجموع طرقه لا ينزل عن مرتبة الحسن.
(2) مسلم (947) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7423) .
(4) قراب الأرض: أي ما يقارب ملؤها.
(5) مسلم (2687) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3435) واللفظ له، ومسلم (28) .
(7) مسلم (93) .
(8) مسلم (26) .
(9) مسلم (2749) .
(5/2035)
39-* (عن أبي بردة عن أبيه- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنّصارى» ) * «1» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي «2» ، وأنا معه إذا ذكرني «3» ، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا، تقرّبت إليه باعا «4» ، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة» ) * «5» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا، حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، يقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرجاء)
42-* (عن خارجة بن زيد بن ثابت، أنّ أمّ العلاء، امرأة من الأنصار، بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله قد أكرمه؟» . فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟. فقال: «أمّا هو فقد جاءه اليقين. والله إنّي لأرجو له الخير. والله ما أدري- وأنا رسول الله- ما يفعل بي» . قالت: فو الله لا أزكّي أحدا بعده أبدا) * «7» .
43-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصّلاة وأنا جنب أفأصوم؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا تدركني الصّلاة وأنا جنب فأصوم» . فقال: لست مثلنا يا رسول الله. قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال: «والله إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي» ) * «8» .
44-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله
__________
(1) مسلم (2767) .
(2) معنى قوله: (أنا عند ظن عبدي بي) : المراد بالظن هنا: العلم، قال ابن أبي جمرة، وقال القرطبي: معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار.
(3) قوله «وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي.
(4) والباع: قدر مد اليدين وما بينهما من البدن.
(5) البخاري- الفتح 13 (7405) واللفظ له، ومسلم (2675) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1145) . ومسلم (758) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1243) .
(8) مسلم (1110) .
(5/2036)
عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟» . قال: فكبّرنا. ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟» . قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة، وسأخبركم عن ذلك: ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض» ) * «1» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه- بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «2» . فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم» ) * «3» .
46-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين وتجهّز أبو بكر مهاجرا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر: أو ترجوه بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر. قال عروة: قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة فقال قائل لأبي بكر:
هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر فدا لك بأبي وأمّي. والله إن جاء به في هذه السّاعة لأمر. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن فأذن له فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: «أخرج من عندك» . قال: إنّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله.
قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله. قال: «نعم» . قال: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«بالثّمن» . قالت: فجهّزناهما أحثّ الجهاز، ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكأت به الجراب- ولذلك كانت تسمّى ذات النّطاقين- ثمّ لحق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر- وهو غلام شابّ لقن ثقف- فيرحل من عندهما سحرا فيصبح من قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلّا وعاه، حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسلهما حتّى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس. يفعل
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6528) ، ومسلم (221) واللفظ له.
(2) من ضرورة: أي من ضرر.
(3) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له، ومسلم (1027) .
(5/2037)
ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث) * «1» .
47-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «2» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «3» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر. وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرجاء)
1-* (عن محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: «اللهمّ إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك» ) * «5» .
2-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله- في مرض موته:
فلمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما
تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته ... بعفوك ربّي كان عفوك أعظما)
* «6» .
3-* (قال سفيان- رحمه الله-: «من أذنب ذنبا فعلم أنّ الله تعالى قدّره عليه، ورجا غفرانه، غفر الله له ذنبه» ) * «7» .
4-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الرّجاء
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5807) .
(2) الأخشبان: جبلان عظيمان بمكة.
(3) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له، ومسلم (1795) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4981) .
(5) حلية الأولياء، لأبي نعيم (9/ 333) .
(6) دليل الفالحين، لابن علان (2/ 361) .
(7) إحياء علوم الدين، للغزالي 1 (145) .
(5/2038)
والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كلّ مقام محمود، ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود» ) * «1» .
5-* (قال شاه الكرمانيّ: «علامة صحّة الرّجاء حسن الطّاعة» ) * «2» .
6-* (قال أبو عمران السّلميّ منشدا:
وإنّي لآتي الذّنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو ويغفر
لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها ... وإن عظمت في رحمة الله تصغر
) * «3» .
7-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «الرّجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدّار الآخرة، ويطيّب لها السّير» ) * «4» .
8-* (قال الرّافعيّ- رحمه الله-:
إذا أمسى فراشي من تراب ... وصرت مجاور الرّب الرّحيم
فهنّوني أحبّائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم)
* «5» .
من فوائد (الرجاء)
(1) إظهار العبوديّة والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه العبد من ربّه، ويترقّبه من إحسانه، وأنّه لا يستغنى عن فضله وإحسانه طرفة عين.
(2) أنّه سبحانه يحبّ من عباده أن يؤمّلوه ويرجوه، ويسألوه من فضله.
(3) أنّ الرّجاء حاد يحدو بالعبد في سيره إلى الله، ويطيّب له المسير، فلولا الرّجاء لما سار أحد، فإنّ الخوف وحده لا يحرّك العبد، وإنّما يحرّكه الحبّ ويزعجه الخوف ويحدوه الرّجاء.
(4) أنّ الرّجاء يطرحه على عتبة المحبّة، ويلقيه في دهليزها، فإنّه كلّما اشتدّ رجاؤه، وحصل له ما يرجوه، ازداد حبّا لله تعالى وشكرا له، ورضى به وعنه.
(5) أنّه يبعث العبد على أعلى المقامات، وهو مقام الشّكر، الّذي هو خلاصة العبوديّة، فإنّه إذا حصل له مرجوّة كان أدعى لشكره.
(6) أنّه يوجب للعبد المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها، والتّعلّق به، فإنّ الرّاجي متعلّق بأسمائه الحسنى، متعبّد بها، داع بها.
(7) أنّ الرّجاء مستلزم للخوف، والخوف مستلزم
__________
(1) المرجع السابق (1/ 142) .
(2) مدارج السالكين (2/ 37) .
(3) حسن الظن، لابن أبي الدنيا (ص 106) .
(4) مدارج السالكين (2/ 36) .
(5) دليل الفالحين لابن علان (2/ 361) .
(5/2039)
للرّجاء، فكلّ راج خائف، وكلّ خائف راج، ولأجل هذا حسن وقوع الرّجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف
(8) أنّ العبد إذا تعلّق قلبه برجاء ربّه فأعطاه ما رجاه.
كان ذلك ألطف موقعا وأحلى عند العبد وأبلغ من حصول ما لم يرجه، وهذا أحد الأسباب والحكم في جعل المؤمنين بين الرّجاء والخوف في هذه الدّار، فعلى قدر رجائهم وخوفهم يكون فرحهم في القيامة بحصول مرجوّهم واندفاع مخاوفهم.
(9) أنّ الله سبحانه وتعالى يريد من عبده تكميل مراتب عبوديّته، من الذّلّ والانكسار والتّوكّل والاستعانة، والخوف، والرّجاء، والصّبر والشّكر، والرّضى والإنابة، وغيرها. ولهذا قدّر عليه الذّنب وابتلاه به لتكمل مراتب عبوديّته بالتّوبة الّتي هي من أحسن عبوديّات عبده إليه، فكذلك تكميلها بالرّجاء والخوف.
(10) أنّ في الرّجاء من الانتظار والتّرقّب والتّوقّع لفضل الله ما يوجب تعلّق القلب بذكره، ودوام الالتفات إليه بملاحظة أسمائه وصفاته.
(5/2040)
الرجولة
الرجولة لغة:
الرّجل: الذّكر من نوع الإنسان خلاف المرأة.
وفي هذا يقول الرّاغب: الرّجل مختصّ بالذّكر من النّاس، ولذلك قال تعالى وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا (الأنعام/ 9) ويقال رجلة للمرأة: إذا كانت متشبّهة بالرّجل في بعض أحوالها.
قال الشّاعر: لم ينالوا حرمة الرّجلة «1» .
وقيل: إنّما يكون رجلا فوق الغلام، وذلك إذا احتلم وشبّ، وتصغيره رجيل ورويجل، على غير قياس، والجمع رجال. وفي التّنزيل العزيز:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ (البقرة/ 282) ، ورجالات جمع الجمع، وقد يجمع رجل أيضا على رجلة.
وقد يكون الرّجل صفة يعني بذلك الشّدّة والكمال.
وقيل: في جمع الرّجل: أراجل، وترجّلت المرأة:
صارت كالرّجل، وفي الحديث: «أنّه لعن المترجّلات من النّساء» . يعني اللّاتي يتشبّهن بالرّجال في زيّهم وهيآتهم، فأمّا في العلم والرّأي فمحمود، وفي رواية:
«لعن الله الرّجلة من النّساء» بمعنى المترجّلة، ويقال:
الآيات الأحاديث الآثار 32 26 1
امرأة رجلة إذا تشبّهت بالرّجال في الرّأي والمعرفة. وفي الحديث: «كانت عائشة- رضي الله عنها- رجلة الرّأي» .
والرّجلة، بالضّمّ: مصدر الرّجل، والرّاجل والأرجل، يقال: رجل جيّد الرّجلة، ورجل بيّن الرّجولة والرّجلة والرّجليّة والرّجوليّة وهي من المصادر الّتي لا أفعال لها.
وهذا أرجل الرّجلين أي أشدّهما، أو فيه رجليّة ليست في الآخر «2» .
الرجولة اصطلاحا:
لم تعرّف كتب المصطلحات لفظ الرّجولة بيد أنّها عرّفت الرّجل.
يقول الكفويّ: واسم الرّجل شرعا موضوع للذّات من صنف الذّكور من غير اعتبار وصف مجاوزة حدّ الصّغر أو القدرة على المجامعة أو غير ذلك، فيتناول كلّ ذكر من بني آدم «3» .
ومن هنا يمكن تعريف الرّجولة بأنّها اتّصاف المرء بما يتّصف به الرّجل عادة.
__________
(1) المفردات، للراغب (189) .
(2) لسان العرب لابن منظور (11/ 265- 267) .
(3) الكليات للكفوي (1/ 393) .
(5/2041)
الرّجولة والفتوّة والمروءة والإنسانيّة:
هذه صفات أربع يرجع اشتقاقها إلى جنس الذّكور وما يتحلّون به من صفات القوّة ونحوها، فالرّجولة نسبة إلى الرّجل والفتوّة ترجع إلى الفتى، والمروءة إلى المرء، والإنسانيّة ترجع إلى الإنسان، وفي المجال الأخلاقيّ (أو الاصطلاحيّ) ، نجد المقصود بالمروءة والإنسانيّة «1» أعمّ من نظيريهما الفتوّة والرّجولة لأنّ المرء أو الإنسان قد يكون فتى شابّا أو رجلا كهلا، والرّجولة في أظهر معانيها تعني اتّصاف الإنسان بما يوصف به الرّجال عادة من نحو تحمّل الأعباء الثّقال ومن أبرز ذلك تحمّل الرّسل الكرام لأعباء الرّسالة، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ (الأنبياء/ 7) ، ومن ذلك صدق الرّجل فيما عاهد عليه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) ، ومنها حبّ التّطهّر فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (التوبة/ 108) ، ومنها أنّ الرّجل لا تشغله العوارض عن ذكر الله والعمل للآخرة، مصداق ذلك قول الله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ 37) ، فالرّجل الحقّ على ذلك هو من يتحمّل الأعباء وينهض بها ويصدق العهد ويحبّ التّطهّر ولا تشغله سفاسف الأمور عن معاليها، أمّا الفتوّة فإنّها تعني اتّصاف المرء بما يوصف به الفتى من النّجدة والنّشاط وتوقّد الذّكاء، قال طرفة:
إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنّني ... عنيت، فلم أكسل ولم أتبلّد «2»
وقال بعض الشّعراء:
إنّ الفتى حمّال كلّ ملمّة ... ليس الفتى بمنعّم الشّبّان
ولا تتوقّف الفتوّة على المال أو الجاه وإنّما على شرف الأعمال والخصال.
قد يدرك الشّرف الفتى، ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع «3»
لقد لا حظ العرب بعض هذه المعاني، فقال الجوهريّ: الفتى: السّخيّ الكريم «4» ، يقال: هو فتى بيّن الفتوّة، ويتأكّد هذا المعنى اللّغويّ للفتوّة بما جاء في الذّكر الحكيم من وصف أهل الكهف بأنّهم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وفي هذا إشارة واضحة إلى أنّ صفة الفتوّة فيهم تفيد قوّة تحمّلهم وصلابة عزيمتهم وكمال عقولهم المتمثّل في الإيمان بالله تعالى، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: ذكر الله تعالى أنّهم فتية وهم الشّباب وهم أقبل للحقّ وأهدى للسّبيل من الشّيوخ الّذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله شبابا، وأمّا الشّيوخ من قريش فعامّتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلّا القليل» «5» .
__________
(1) سوّى ابن القيم بين صفتي المروءة والانسانية وجعلهما مترادفين انظر مدارج السالكين 2/ 366.
(2) ديوان طرفة/ المعلقة.
(3) عن لسان العرب 15/ 146 (ط. بيروت) .
(4) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(5) تفسير ابن كثير (3/ 78) .
(5/2042)
وبهذا يتّضح أنّ الفتوّة تشير إلى معان ذات قيمة أخلاقيّة عظمى، حتّى وإن كانت في الأصل لا تشعر بمدح ولا ذمّ كما يقول الفيروز اباديّ «1» ، ثمّ انتقلت اللّفظة بعد ذلك للدّلالة على معنى «استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق» كما يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «2» ومعنى هذه العبارة أنّ الفتوّة هي التّطبيق العمليّ والتّنفيذ الفعليّ لما تقتضيه الأخلاق الحميدة الّتي لا بدّ أن يتحلّى بها من اتّصف بالفتوّة، وقد عدّها- رحمه الله تعالى- من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ* وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فقال: حقيقة هذه المنزلة هي الإحسان إلى النّاس وكفّ الأذى عنهم، واحتمال أذاهم «وهي إذن نتيجة حسن الخلق واستعماله (أي إخراجه إلى حيّز الوجود بعد أن كان هيئة راسخة في النّفس) .
وأقدم من تكلّم في الفتوّة جعفر الصّادق ثمّ الفضيل بن عياض، والإمام أحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التّستريّ والجنيد، (ومن سار على نهجهم) ، وقد سئل جعفر الصّادق عن الفتوّة فقال للسّائل: ما تقول أنت؟ قال: إن أعطيت شكرت، وإن منعت صبرت، فقال (جعفر) : لكن المروءة عندنا: إن أعطينا آثرنا، وإن منعنا شكرنا.
وقال الفضيل: الفتوّة الصّفح عن عثرات الإخوان.
وقال الإمام أحمد: الفتوّة: ترك ما تهوى لما تخشى.
وقال الجنيد: الفتوّة ألّا تنافر فقيرا ولا تعارض غنيّا.
وقال المحاسبيّ: الفتوّة أن تنصف ولا تنتصف.
وقال التّرمذيّ: الفتوّة أن تكون خصيما لربّك على نفسك، وقيل: هي ألّا ترى لنفسك فضلا على غيرك «3» .
وقد لخّص ابن القيّم- رحمه الله تعالى- هذه الأقوال عند ما ذكر أنّ أصل الفتوّة عندهم هي أن يكون العبد أبدا في أمر (خدمة) غيره «4» .
وهذا الخلق الرّفيع لا يتأتّى بكماله إلّا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم- كما يقول الدّقّاق- فإنّ كلّ أحد يقول يوم القيامة: نفسي نفسي، وهو يقول: أمّتي أمّتي «5» .
وفيما يتعلّق بالفرق بين المروءة «6» والفتوّة فيتمثّل في أنّ بينهما عموما وخصوصا يقول ابن القيّم موضّحا لهذا الفرق: الفتوّة نوع من أنواع المروءة إذ المروءة استعمال ما يجمل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد، أو متعدّ إلى غيره، وترك ما يدنّس ويشين ممّا هو مختصّ أيضا به أو متعلّق بغيره، أمّا الفتوّة فهي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق «7» ، أي إنّ المروءة تتعلّق بالنّفس وبالغير، والفتوّة تتعلّق بالغير فقط إذ هي أن
__________
(1) بصائر ذوي التمييز 4/ 171.
(2) مدارج السالكين 2/ 353.
(3) انظر هذه الأقوال وغيرها في: مدارج السالكين 2/ 354، وبصائر ذوي التمييز 4/ 170 وما بعدها.
(4) مدارج السالكين 2/ 355.
(5) مدارج السالكين 2/ 355، وبصائر ذوي التمييز 4/ 171.
(6) انظر صفة «المروءة» ووفقا لما ذكر ابن القيم فإن الإنسانية والمروءة يستويان في المعنى.
(7) مدارج السالكين 2/ 353.
(5/2043)
يكون المرء في خدمة غيره، أمّا صفة الإنسانيّة فهي والمروءة سواء.
الرجولة فى القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: الرّجال جمع: رجل، فهو اسم لذكور بني آدم بعد البلوغ، وقيل: إنّه اسم مأخوذ من القوّة. وذكر بعض المفسّرين أنّ الرّجال في القرآن على عشرة أوجه:
أحدها: الرّسل وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ... (الأنبياء/ 7) .
الثّاني: الصّابرون من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغزوات: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ 23) .
الثّالث: أهل قباء ومنه قوله تعالى فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (براءة/ 108) .
الرّابع: المحافظون على أوقات الصّلاة. ومنه قوله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ 37) .
الخامس: المقهورون من مؤمني أهل مكّة.
ومنه قوله تعالى: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ (الفتح/ 25) .
السّادس: فقراء المسلمين. ومنه قوله تعالى وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (ص/ 62) .
السّابع: المشاة. ومنه قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً (البقرة/ 239) وقوله تعالى يَأْتُوكَ رِجالًا (الحج/ 27) .
الثّامن: الأزواج ومنه قوله تعالى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة/ 228) . وقوله تعالى:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ (النساء/ 34) .
التّاسع: الذّكور. ومنه قوله تعالى: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً (النساء/ 1) . وقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ (الأحزاب/ 40) .
العاشر: الكفّار ومنه قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ (الأعراف/ 48) «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الشجاعة- الشهامة- القوة- قوة الإرادة- المروءة- الشرف- العزة- النبل- الثبات- النزاهة- جهاد الأعداء- العزم والعزيمة- المسئولية- علو الهمة- الطموح- العفة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- التهاون- الخنوثة- الذل- الجبن- الضعف- الوهن- الكسل- صغر الهمة- التخلف عن الجهاد التولي- التفريط والإفراط- اللهو واللعب- اتباع الهوى] .
__________
(1) الأعين النواظر: لابن الجوزي (326- 328) .
(5/2044)
الآيات الواردة في «الرجولة»
في سياق حق القوامة:
1- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «1»
2- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «2»
3- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «3»
في سياق إثبات الحقوق:
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «4»
__________
(1) البقرة: 228 مدنية
(2) النساء: 32 مدنية
(3) النساء: 34 مدنية
(4) البقرة: 282 مدنية
(5/2045)
حقوق الرجال في الميراث:
5- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «1»
6-* وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) «2»
7- يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) «3»
الرجولة من أعلى صفاتها الإيمان بالله والخوف من عذاب الله والصدق معه:
8- وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ
تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً
(78)
__________
(1) النساء: 7 مدنية
(2) النساء: 12 مدنية
(3) النساء: 176 مدنية
(5/2046)
ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) «1»
9- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (20) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (21) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) «2»
10- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107)
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «3»
11- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «4»
12- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «5»
__________
(1) النساء: 75- 79 مدنية
(2) المائدة: 20- 23 مدنية
(3) التوبة: 107- 108 مدنية
(4) النور: 36- 38 مدنية
(5) الأحزاب: 21- 24 مكية
(5/2047)
13- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «1»
14- قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62) «2»
15- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) «3»
الرجال أصل في الانتشار والشهرة في الدنيا والآخرة:
16- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) «4»
17- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «5»
الرجولة من صفات النبيين:
18-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)
__________
(1) يس: 20- 27 مكية
(2) ص: 61- 62 مكية
(3) غافر: 27- 28 مكية
(4) النساء: 1 مدنية
(5) الأعراف: 155- 156 مكية
(5/2048)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) «1»
19- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «2»
20- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (79) «3»
21- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «4»
22- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «5»
الرجولة تتنافى مع اللواط:
23- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) «6»
من ابتلاء الرجال في القرآن الكريم:
24-* وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32)
__________
(1) الأعراف: 65- 69 مكية
(2) يونس: 1- 2 مكية
(3) هود: 77- 79 مكية
(4) يوسف: 109 مكية
(5) النحل: 43- 44 مكية
(6) الأعراف: 80- 81 مكية
(5/2049)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) «1»
الذكورة أعلى صفات الرجولة وعليها تترتب تشريعات:
25- وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2»
الرجولة في سياق تحريم التبني:
26- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) «3»
الرجال بمعنى الملائكة:
27- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) «4»
__________
(1) الكهف: 32- 37 مكية
(2) النور: 31 مدنية
(3) الأحزاب: 40 مدنية
(4) الأعراف: 44- 49 مكية
(5/2050)
حرمة الرجال والنساء:
28- وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «1»
الرجل خلاف المرأة:
29- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) «2»
30- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «3»
31- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) «4»
32- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) «5»
__________
(1) الفتح: 24- 25 مدنية
(2) الأنعام: 8- 9 مكية
(3) القصص: 15- 16 مكية
(4) القصص: 20 مكية
(5) الأحزاب: 1- 4 مدنية
(5/2051)
الأحاديث الواردة في (الرجولة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلمّا ولّى، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «1» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه- وإنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة، فيراهما جميعا» ) * «2» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في أضحى أو في فطر إلى المصلّى، فمرّ على النّساء، فقال: «يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي أريتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن:
وبم يا رسول الله؟. قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ» . قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟. قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرّجل؟» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟» .
قلن: بلى. قال: «فذلك من نقصان دينها» ) * «3» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: رأيت في المنام كأنّ في يدي قطعة إستبرق «4» .
وليس مكان أريد من الجنّة إلّا طارت إليه. قال:
فقصصته على حفصة. فقصّته حفصة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرى عبد الله رجلا صالحا «5» » ) * «6» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم «7» ، طوالا جعدا «8» كأنّه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا «9» ، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرّأس «10» ورأيت مالكا خازن النّار، والدّجّال في آيات أراهنّ الله إيّاه، فلا تكن في مرية من لقائه» ) * «11» .
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر، فقال:
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له، ومسلم (14) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1374) واللفظ له، ومسلم (2870) .
(3) البخاري- الفتح 1 (304) واللفظ له، ومسلم (79) .
(4) إستبرق: هو ما غلظ من الديباج.
(5) صالحا: الصالح هو القائم بحدود الله تعالى وحقوق العباد.
(6) البخاري- الفتح 7 (3740) ، ومسلم (2478) واللفظ له.
(7) آدم: وصف موسى بالأدمة وهي لون بين البياض والسواد.
(8) جعدا: المراد جعودة الجسم وهي اجتماعه واكتنازه وشنوءة قبيلة من قبائل العرب. والطوال بمعنى الطويل.
(9) المربوع الخلق: هو الذي ليس بالطويل البائن ولا بالقصير الحقير.
(10) سبط الرأس: أي مسترسل الشعر.
(11) البخاري- الفتح 6 (3239) واللفظ له، ومسلم (165) .
(5/2052)
يا رسول الله: غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: «اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء» يعني أصحابه، «وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء» يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد ابن معاذ، فقال: «يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد» . قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... الآية) * «1» .
7-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال:
فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «2» ، فإمّا دعا وإمّا بسق «3» فيها ... الحديث وفيه: فلمّا كشفوا جلدها رأوها غبارا. فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل.
فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء «4» . راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا «5» قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمّي ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إن شئت» .
قال: قلت: أذهب إليه، وثنيت رجليّ فطفرت «6» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «7» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «8» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت والله. قال: أنا أظنّ «9» قال: فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «10» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سهر، فلمّا قدم المدينة، قال: «ليت
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2805) .
(2) جبا الركية: الجبا ما حول البئر، والركي البئر. والمشهور في اللغة ركى، بغير هاء، ووقع هنا الركية بالهاء، وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
(3) وإمّا بسق: هكذا هو في النسخ: بسق، وهي صحيحة، يقال: بزق وبصق وبسق، ثلاث لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال.
(4) العضباء: هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم، والعضباء مشقوقة الأذن، ولم تكن ناقته صلّى الله عليه وسلّم كذلك، وإنما هو لقب لزمها.
(5) شدا: أي عدوا على الرجلين.
(6) فطفرت: أي وثبت وقفزت.
(7) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد، والشرف ما ارتفع من الأرض، وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر.
(8) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت، قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي، وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(9) أظن: أي أظن ذلك، حذف مفعوله للعلم به.
(10) مسلم (1807) .
(5/2053)
رجلا من أصحابي صالحا يحرسني اللّيلة، إذ سمعنا صوت سلاح» ، فقال: «من هذا؟» . فقال: أنا سعد ابن أبي وقّاص جئت لأحرسك. فنام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
9-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كمل من الرّجال كثير، ولم يكمل من النّساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإنّ فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام» ) * «2» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ سعد بن عبادة الأنصاريّ، قال: يا رسول الله أرأيت الرّجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . قال سعد: بلى، والّذي أكرمك بالحقّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم» ) * «3» .
11-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال: يا رسول الله؟. أقاتل أو أسلم؟. قال: «أسلم ثمّ قاتل» . فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» ) * «4» .
12-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لكعب بن الأشرف؟ فإنّه قد آذى الله ورسوله» . فقام محمّد بن مسلمة، فقال: يا رسول الله، أتحبّ أن أقتله؟
قال: «نعم» . قال فائذن لي أن أقول شيئا. قال: «قل» فأتاه محمّد بن مسلمة فقال: إنّ هذا الرّجل قد سألنا صدقة، وإنّه قد عنّانا، وإنّي قد أتيتك أستسلفك.
قال: وأيضا والله لتملّنّه، قال: «إنّا قد اتّبعناه، فلا نحبّ أن ندعه حتّى ننظر إلى أيّ شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين» ، وحدّثنا عمرو غير مرّة فلم يذكر (وسقا أو وسقين) . فقلت له: فيه (وسقا أو وسقين) ؟ فقال: «أرى فيه (وسقا أو وسقين) » . فقال: نعم، ارهنوني. قالوا: أيّ شيء تريد؟، قال: ارهنوني نساءكم. قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم.
قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسبّ أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين، هذا عار علينا، ولكنّا نرهنك اللّأمة. قال سفيان: يعني السّلاح. فواعده أن يأتيه.
فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرّضاعة، فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم، فقالت له امرأته:
أين تخرج هذه السّاعة؟ فقال: إنّما هو محمّد بن مسلمة وأخي أبو نائلة. وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتا كأنّه يقطر منه الدّم. فقال: إنّما هو أخي محمّد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة. إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويدخل محمّد بن مسلمة معه رجلين. قيل لسفيان: سمّاهم عمرو؟ قال: سمّى بعضهم. قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2885) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3433) ، ومسلم (2431) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح (12/ 6846) ، ومسلم (1498) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2808) واللفظ له، ومسلم (1900) .
(5/2054)
عمرو: أبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، وعبّاد بن بشر، قال عمرو: جاء معه برجلين، فقال: إذا ما جاء فإنّي قائل بشعره فأشمّه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه. وقال مرّة: ثمّ أشمّكم. فنزل إليهم متوشّحا وهو ينفخ منه ريح الطّيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحا- أي أطيب- وقال غير عمرو: قال عندي أعطر نساء العرب، وأكمل العرب. قال عمرو فقال: أتأذن لي أن أشمّ رأسك؟ قال: نعم. فشمّه، ثمّ أشمّ أصحابه. ثمّ قال: أتأذن لي؟، قال: نعم. فلمّا استمكن منه، قال:
دونكم. فقتلوه. ثمّ أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه) * «1» .
الأحاديث الواردة في (الرجولة) معنى
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «2» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «3» . فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدّثه الحديث. قال: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكلّم. فقال: «إنّ لنا طلبة «4» فمن كان ظهره «5» حاضرا فليركب معنا» فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم «6» في علو المدينة. فقال: «لا.
إلّا من كان ظهره حاضرا» فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه «7» » . فدنا المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» . قال: يقول عمير ابن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال:
«نعم» . قال: بخ بخ «8» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» ؟ قال: لا. والله يا رسول الله إلّا رجاءة «9» أن أكون من أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» . فأخرج تمرات من قرنه «10» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) * «11» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «12» . على رأس جبل وعر. لا
__________
(1) البخاري- الفتح (4037) .
(2) عينا: أي متجسسا ورقيبا.
(3) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره.
(4) طلبة: أي شيئا نطلبه.
(5) ظهره: الظهر: الدواب التي تركب.
(6) ظهرانهم: أي مركوباتهم.
(7) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء.
(8) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير.
(9) إلا رجاءة: أي والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها.
(10) قرنه: أي جعبة النشاب.
(11) مسلم (1901) .
(12) غث: قال أبو عبيد وسائر أهل الغريب والشرح: المراد بالغث المهزول.
(5/2055)
سهل فيرتقى. ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية:
زوجي لا أبثّ خبره «1» . إنّي أخاف أن لا أذره. إن أذكره أذكر عجره وبجره «2» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «3» . إن أنطق أطلّق. وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «4» لا حرّ ولا قرّ. ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «5» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد ... الحديث) * «6» .
15-* (عن سليمان بن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه- قال: حدّثني أبي، أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ. فذكر في الحديث قصّة فقال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان «7» عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك، إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا. ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا. فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «8» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ «9» خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل. فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «10» .
17-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في مغزى له فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: «هل تفقدون من أحد» . قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا. ثمّ قال: «هل تفقدون من أحد؟» . قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا. ثمّ قال: «هل تفقدون من أحد؟» . قالوا: لا. قال: «لكنّي أفقد جليبيبا فاطلبوه» . فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثمّ قتلوه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوقف
__________
(1) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(2) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه.
(3) زوجي العشنق: العشنق هو الطويل، ومعناه ليس فيه أكثر من طول بلا نفع.
(4) زوجي كليل تهامة: هذا مدح بليغ، ومعناه ليس فيه أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة.
(5) زوجي إن دخل فهد: هذا أيضا مدح، فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي، وشبهته بالفهد لكثرة نومه، يقال أنوم من فهد، وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد، أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه، وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة، ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد، يقال: أسد واستأسد.
(6) البخاري- الفتح 9 (5189) ، ومسلم (2448) واللفظ له.
(7) فإنما هن عوان: أي أسرى أو كالأسرى، المفرد: عانية وهي الأسيرة، قال ابن سيده: العواني النساء لأنهن يظلمن فلا ينتصرن.
(8) الترمذي (1163) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحديث أصله في مسلم من حديث جابر- رضي الله عنه- (1218) .
(9) المؤمن القوي خير: المراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والصبر على الأذى في ذلك وأرغب في الصلاة والصوم وسائر العبادات ونحو ذلك.
(10) مسلم (2664) .
(5/2056)
عليه، فقال: «قتل سبعة ثمّ قتلوه. هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه» . قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلّا ساعدا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلا) * «1» .
18-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- أنّهم ساروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين فأطنبوا السّير، حتّى كانت عشيّة، فحضرت الصّلاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إنّي انطلقت بين أيديكم حتّى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» . ثمّ قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ: أنا يا رسول الله قال: «فاركب» . فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال (له) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«استقبل هذا الشّعب حتّى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ من قبلك اللّيلة» . فلمّا أصبحنا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصلّاه فركع ركعتين ثمّ قال: «هل أحسستم فارسكم؟» . قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوّب بالصّلاة، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وهو يلتفت إلى الشّعب حتّى إذا قضى صلاته وسلّم، قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» . فجعلنا ننظر إلى خلال الشّجر في الشّعب، فإذا هو قد جاء، حتّى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم، فقال: إنّي انطلقت حتّى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أصبحت اطّلعت الشّعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نزلت اللّيلة؟» .
قال: لا. إلّا مصلّيا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أوجبت، فلا عليك أن لا تعمل بعدها» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرجولة)
19-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّما سعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالبيت وبين الصّفا والمروة، ليري المشركين قوّته) * «3» .
20-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه بينما هو يسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «4» من حنين، فعلقت النّاس يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «5» .
__________
(1) أبو داود (2501) ، وصححه الألباني (2183) ، وراجع أحمد في المسند (4/ 421، 425) .
(2) أبو داود (2501) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (2/ 83- 84) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 149) وابن خزيمة (487) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1649) .
(4) مقفله: يعني زمان رجوعه.
(5) البخاري- الفتح 6 (2821) .
(5/2057)
21-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب وقد وارى التّراب بياض بطنه وهو يقول: «لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا، فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا، إنّ الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا» ) * «1» .
22-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس، وأجود النّاس. ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرس، وقال: «وجدناه «2» بحرا» ) * «3» .
23-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدور على نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل والنّهار وهنّ إحدى عشرة. قال:
قلت لأنس: أو كان يطيقه؟. قال: كنّا نتحدّث أنّه أعطي قوّة ثلاثين) * «4» .
24-* (سأل رجل البراء- رضي الله عنه- قال: يا أبا عمارة، أولّيتم يوم حنين؟. قال البراء- وأنا أسمع «5» -: أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يولّ يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلمّا غشيه المشركون نزل فجعل يقول: «أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلّب» . قال: فما رئي من النّاس يومئذ أشدّ منه) * «6» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة رهط سريّة عينا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ جدّ عاصم بن عمر ابن الخطّاب، فانطلقوا حتّى إذا كانوا بالهدأة، وهو بين عسفان ومكّة، ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل، كلّهم رام، فاقتصّوا آثارهم حتّى وجدوا مأكلهم تمرا تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصّوا آثارهم. فلمّا رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت أمير السّريّة: أمّا أنا فو الله لا أنزل اليوم في ذمّة كافر. اللهمّ أخبر عنّا نبيّك، فرموهم بالنّبل فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق. منهم خبيب الأنصاريّ وابن دثنة ورجل آخر. فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فأوثقوهم. فقال الرّجل الثّالث: هذا أوّل الغدر، والله لا أصحبكم، إنّ لي في هؤلاء لأسوة- يريد القتلى- وجرّروه وعالجوه، على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتّى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا فأخبرني عبيد الله ابن عياض أنّ بنت الحارث أخبرته أنّهم حين اجتمعوا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2837) واللفظ له، ومسلم (1803) .
(2) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس واسع الجري.
(3) البخاري- الفتح 6 (2820) واللفظ له، ومسلم (2307) .
(4) البخاري- الفتح 1/ 268) .
(5) القائل هو راوي الحديث عن البراء.
(6) البخاري- الفتح 6 (3042) واللفظ له، ومسلم (1776) .
(5/2058)
استعار منها موسى يستحدّ بها «1» ، فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حتّى أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي. فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنّه لموثق في الحديد، وما بمكّة من ثمر. وكانت تقول: إنّه لرزق من الله رزقه خبيبا. فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحلّ، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثمّ قال: لولا أن تظّنّوا أنّ ما بي جزع لطوّلتها. اللهمّ أحصهم عددا.
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع
فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنّ الرّكعتين لكلّ امرئ مسلم قتل صبرا. فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفّار قريش إلى عاصم حين حدّثوا أنّه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظّلّة من الدّبر «2» ، فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا) * «3» .
26-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي رافع، عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتّى دنوا من الحصن، فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم حتّى أنطلق أنا فأنظر. قال:
فتلطّفت أن أدخل الحصن، ففقدوا حمارا لهم، قال:
فخرجوا بقبس يطلبونه، قال: فخشيت أن أعرف، قال فغطّيت رأسي ورجليّ كأنّي أقضي حاجة. ثمّ نادى صاحب الباب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه. فدخلت، ثمّ اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن، فتعشّوا عند أبي رافع وتحدّثوا حتّى ذهبت ساعة من اللّيل، ثمّ رجعوا إلى بيوتهم. فلمّا هدأت الأصوات ولا أسمع حركة خرجت، قال: ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوّة، فأخذته ففتحت به باب الحصن، قال: قلت: إن نذر بي القوم انطلقت على مهل، ثمّ عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلّقتها عليهم من ظاهر، ثمّ صعدت إلى أبي رافع في سلّم، فإذا البيت مظلم قد طفأ سراجه فلم أدر أين الرّجل. فقلت: يا أبا رافع. قال: من هذا؟
قال فعمدت نحو الصّوت فأضربه، وصاح، فلم تغن شيئا. قال: ثمّ جئت كأنّي أغيثه فقلت: مالك يا أبا رافع؟ وغيّرت صوتي. فقال: ألا أعجبك، لأمّك الويل، دخل عليّ رجل فضربني بالسّيف. قال فعمدت له أيضا فأضربه أخرى، فلم تغن شيئا،
__________
(1) موسى يستحدبها: الموس آلة الحلاقة، يستحدبها أي يحلق بها.
(2) الظلة من الدّبر: الظلة: ما يستظل به من الشمس كالسحاب ونحوه، والدبر- بفتح الدال المشددة وسكون الباء- النحل والزنابير ولا مفرد له.
(3) البخاري- الفتح 6 (3045) .
(5/2059)
فصاح، وقام أهله. قال: ثمّ جئت وغيّرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره، فأضع السّيف في بطنه، ثمّ أنكفأ عليه حتّى سمعت صوت العظم، ثمّ خرجت دهشا، حتّى أتيت السّلّم أريد أن أنزل فأسقط منه، فانخلعت رجلي فعصبتها، ثمّ أتيت أصحابي أحجل، فقلت: انطلقوا فبشّروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّي لا أبرح حتّى أسمع النّاعية. فلمّا كان في وجه الصّبح صعد النّاعية، فقال: أنعي أبا رافع. قال فقمت أمشي ما بي قلبة «1» ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبشّرته) * «2» .
من الآثار الواردة في (الرجولة)
1-* (عن ابن عيينة وحمّاد بن زيد: لا تتمّ الرّئاسة للرّجال إلّا بأربع. علم جامع وورع تامّ، وحلم كامل وحسن التّدبير، فإن لم تكن هذه الأربع فمائدة منصوبة وكفّ مبسوطة، وبذل مبذول وحسن المعاشرة مع النّاس، فإن لم تكن هذه الأربع فبضرب السّيف وطعن الرّمح وشجاعة القلب وتدبير العساكر، فإن لم يكن فيه من هذه الخصال شيء فلا ينبغي له أن يطلب الرّئاسة) * «3» .
من فوائد (الرجولة)
(1) نشر الفضيلة ودحض الرّذيلة.
(2) صيانة الأعراض وحفظ الأموال.
(3) تثمر الثّبات على الحقّ.
(4) تورث الحبّ وتثمر الصّدق.
(5) تمنح ثقة الآخرين واطمئنانهم له.
(6) ترهب المفسدين والمرجفين.
(7) تبثّ الأمان من الغدر.
__________
(1) قلبة: أي إصابة.
(2) البخاري الفتح 7 (4040) .
(3) شعب الإيمان للبيهقى (6/ 76) .
(5/2060)
المجلد السادس
[تابع حرف الراء]
الرحمة
الرحمة لغة:
تدور مادّة (ر ح م) حول معنى الرّقّة والعطف والرّأفة، يقول ابن فارس: الرّاء والحاء والميم أصل واحد يدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة. يقال من ذلك رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرّحم والمرحمة والرّحمة بمعنى «1» .
ويقول الجوهريّ: الرّحمة: الرّقّة والتّعطّف.
والمرحمة مثله، وقد رحمته وترحّمت عليه، وتراحم القوم:
رحم بعضهم بعضا ... ورجل مرحوم ومرحّم، شدّد للمبالغة، والرّحم بالضّمّة: الرّحمة. قال تعالى وَأَقْرَبَ رُحْماً (الكهف/ 81) .
والرّحمة المغفرة، وقوله تعالى في وصف القرآن هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأعراف/ 52) أي فصّلناه هاديا وذا رحمة. رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة (حكى الأخيرة سيبويه) ومرحمة، وقال الله- عزّ وجلّ-: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (البلد/ 17) أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الضّعيف والتّعطّف عليه، وترحّمت عليه أي قلت: رحمة الله عليه «2» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
199/ 57/ 8
وتطلق الرّحمة ويراد الرّزق، فقد نقل ابن منظور عن الأزهريّ قوله: قال عكرمة في قوله تعالى:
ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها (الإسراء/ 28) أي رزق. وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ «3»
أي رزقا وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ (يونس/ 21) أي حيا وخصبا بعد مجاعة، وأراد بالنّاس الكافرين. وترحّم عليه: دعا له بالرّحمة.
واسترحمه: سأله الرّحمة.
وسمّى الله الغيث رحمة لأنّه برحمته ينزل من السّماء، والرّحموت من الرّحمة، يقال: لأن ترهب خير من أن ترحم، لم يستعمل على هذه الصّيغة إلّا مزوّجا «4» .
وأمّ الرّحم مكّة، والمرحومة: من أسماء مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «5» .
والرّحم علاقة القرابة، ثمّ سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا؛ لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد «6» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: هي إرادة إيصال الخير «7» .
__________
(1) المقاييس لابن فارس (2/ 498) .
(2) الصحاح للجوهرى (5/ 1929) رحم.
(3) هود/ 9 مكية.
(4) لسان العرب (12/ 230) ط. بيروت.
(5) القاموس المحيط (4/ 118) رحم.
(6) المقاييس (2/ 498) .
(7) التعريفات (110) .
(6/2061)
وقال الجاحظ: الرّحمة خلق مركّب من الودّ والجزع، والرّحمة لا تكون إلّا لمن تظهر منه لراحمه خلّة مكروهة، فالرّحمة هي محبّة للمرحوم مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم.
وقال الكفويّ: الرّحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمن به رقّة القلب وتكون مبدأ للانعطاف النّفسانيّ الّذي هو مبدأ الإحسان «1» .
معنى الرحمن الرحيم:
قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى-: في أسماء الله تعالى «الرّحمن الرّحيم» وهما اسمان مشتقّان من الرّحمة، مثل ندمان ونديم. وهما من أبنية المبالغة ورحمن أبلغ من رحيم. والرّحمن خاصّ بالله لا يسمّى به غيره، ولا يوصف. والرّحيم يوصف به غير الله تعالى، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال رحمن. والرّحمة من صفات الذّات لله تعالى والرّحمن وصف، وصف الله تعالى به نفسه وهو متضمّن لمعنى الرّحمة «2» .
وقال الخطّابيّ: ذهب الجمهور إلى أنّ «الرّحمن» مأخوذ من الرّحمة. ومعناه ذو الرّحمة لا نظير له فيها.
ثمّ قال: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة للخلق، والرّحيم خاصّ بالمؤمنين «3» . قال الله تعالى: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (الأحزاب/ 43) .
وقال الغزاليّ: الرّحمن الرّحيم اسمان مشتقّان من الرّحمة. والرّحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلّا وهو محتاج. والّذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمّى رحيما، والّذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسمّ رحيما، إذ لو تمّت الإرادة لوفّى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمّى رحيما
باعتبار ما اعتوره من الرّقّة، ولكنّه ناقص. وإنّما الرّحمة التّامّة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرّحمة العامّة هي الّتي تتناول المستحقّ وغير المستحقّ، ورحمة الله، عزّ وجلّ، تامّة وعامّة، أمّا تمامها: فمن حيث أنّه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها. وأمّا عمومها:
فمن حيث شمولها المستحقّ وغير المستحقّ، وعمّ الدّنيا والآخرة، وتناول الضّرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما. فهو الرّحيم المطلق حقّا.
وقال- رحمه الله تعالى-: والرّحمة لا تخلو عن رقّة مؤلمة تعتري الرّحيم، فتحرّكه إلى قضاء حاجة المرحوم. والرّبّ، سبحانه وتعالى، منزّه عنها. فلعلّك تظنّ أنّ ذلك نقصان في معنى الرّحمة، فاعلم أنّ ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرّحمة.
أمّا أنّه ليس بنقصان فمن حيث إنّ كمال الرّحمة بكمال ثمرتها. ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها لم يكن للمرحوم حظّ في تألّم الرّاحم وتفجّعه، وإنّما تألّم الرّاحم لضعف نفسه ونقصانها. ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا، بعد أن قضيت حاجته.
وأمّا أنّه كمال في معنى الرّحمة، فهو أنّ الرّحيم عن رقّة وتألّم يكاد يقصد بفعله دفع ألم الرّقّة عن نفسه،
__________
(1) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 24) ، والكليات للكفوي (2/ 376) .
(2) النهاية لابن الأثير (2/ 210) .
(3) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3/ 35، 54) .
(6/2062)
فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرّحمة. بل كمال الرّحمة أن يكون نظره إلى المرحوم لأجل المرحوم، لا لأجل الاستراحة من ألم الرّقّة.
أمّا الرّحمن فهو أخصّ من الرّحيم، ولذلك لا يسمّى به غير الله، عزّ وجلّ. والرّحيم قد يطلق على غيره، ولذلك جمع الله، عزّ وجلّ، بينهما، فقال: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الإسراء/ 110) . فيلزم من هذا الوجه أن يفرّق بين معنى الاسمين فمن ثمّ يكون المفهوم من الرّحمن نوعا من الرّحمة هي أبعد من مقدورات العباد، وهي ما يتعلّق بالسّعادة الأخرويّة. فالرّحمن هو العطوف على العباد، بالإيجاد أوّلا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السّعادة ثانيا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنّظر إلى وجهه الكريم رابعا.
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: الرّحمة سبب واصل بين الله- عزّ وجلّ- وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبوديّة، وبينه وبينهم سبب الرّحمة «1» .
من معاني كلمة «الرحمة» في القرآن الكريم:
وقد وردت الرّحمة في القرآن على أوجه منها:
1- بمعنى أرزاق الإنسان والحيوان: لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي (الإسراء/ 100) .
2- بمعنى قطرات ماء الغيث (المطر) : وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى/ 28) .
3- بمعنى العافية من الابتلاء والامتحان:
أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ (الزمر/ 38) .
4- بمعنى النّجاة من عذاب النّيران: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ* (النور/ 10، 14، 20، 21) .
5- بمعنى النّصرة على أهل العدوان: أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً (الأحزاب/ 17) .
6- بمعنى الألفة والمحبّة بين أهل الإيمان:
وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً (الحديد/ 27) .
7- بمعنى (وصف) الكتاب المنزّل على موسى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً (هود/ 17) .
8- بمعنى الجنّة دار السّلام والأمان: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 56) .
9- بمعنى صفة الرّحيم الرّحمن: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (الأنعام/ 54) «2» .
الرحمة تقتضي الحزم لا الإهمال:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إنّ الرّحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه وشقّت عليها. فهذه هي الرّحمة الحقيقيّة.
فأرحم النّاس من شقّ عليك في إيصال مصالحك ودفع المضارّ عنك. فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التّأدّب بالعلم والعمل، ويشقّ عليه في
__________
(1) التفسير القيم ص 35.
(2) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 55- 58) . باختصار.
(6/2063)
ذلك بالضّرب وغيره، ويمنعه شهواته الّتي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلّة رحمته به، وإن ظنّ أنّه يرحمه ويرفّهه ويريحه. فهذه رحمة مقرونة بجهل ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الرّاحمين تسليط أنواع البلاء على العبد، فابتلاؤه له وامتحانه ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته: من رحمته به.
الابتلاء من صور رحمة الله بعباده:
قال ابن القيّم: ومن رحمته سبحانه: ابتلاء الخلق بالأوامر والنّواهي رحمة لهم وحميّة لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به. ومن رحمته: أن نغّص عليهم الدّنيا وكدّرها؛ لئلّا يسكنوا إليها ولا يطمئنّوا إليها ويرغبوا عن النّعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم. ومن رحمته بهم: أن حذّرهم نفسه؛ لئلّا يغترّوا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به. ومن رحمته أن أنزل لهم كتبا، وأرسل لهم الرّسل لكنّ النّاس افترقوا إلى فريقين؛ فأمّا المؤمنون:
فقد اتّصل الهدى في حقّهم بالرّحمة فصار القرآن لهم هدى ورحمة. وأمّا الكافرون: فلم يتّصل الهدى بالرّحمة فصار لهم القرآن هدى بلا رحمة.
وهذه الرّحمة المقارنة للهدى في حقّ المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة، فأمّا العاجلة فما يعطيهم الله في الدّنيا من محبّة الخير والبرّ وذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته، والفرح والسّرور والأمن والعافية. قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس/ 58) فأمرهم- عزّ وجلّ- بأن يفرحوا بفضله ورحمته، فهم يتقلّبون في نور هداه ويمشون به في النّاس ويرون غيرهم متحيّرا في الظّلمات، فهم أشدّ الناس فرحا بما آتاهم ربّهم من الهدى والرّحمة. وغيرهم جمع الهمّ والغمّ والبلاء والألم والقلق والاضطراب مع الضّلال والحيرة.
وهذه الرّحمة الّتي تحصل للمهتدين تكون بحسب هداهم، فكلّما كان نصيب الواحد من الهدى أتمّ كان حظّه من الرّحمة أوفر، فتجد الصّحابة كانوا أرحم الأمّة كما قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح/ 29) .
والصّدّيق أرحم الأمّة بالأمّة، فقد جمع الله له بين سعة العلم وسعة الرّحمة. وهكذا الرّجل كلّما اتّسع علمه اتّسعت رحمته. وقد وسع ربّنا كلّ شيء رحمة وعلما فوسعت رحمته كلّ شيء، وأحاط بكلّ شيء علما، فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل هو أرحم بالعبد من نفسه، كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرأفة- الرفق- الحنان- الشفقة- العطف- المحبة- التيسير- تفريج الكربات- حسن العشرة- حسن المعاملة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: القسوة- العنف- سوء المعاملة- العتو- التعسير- الجفاء- الطغيان] .
__________
(1) بتصرف شديد من إغاثة اللهفان (2/ 172- 175) . انظر حكمة الابتلاء بالضراء في المجلد الأول ص 12.
(6/2064)
الآيات الواردة في «الرحمة»
من رحمة الله قبول التوبة والعفو عن العاصين والمضطرين:
1- فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) «1»
2- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) «2»
3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) «5»
6- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «6»
7- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) «7»
8- لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «8»
__________
(1) البقرة: 37 مدنية
(2) البقرة: 54 مدنية
(3) البقرة: 63- 64 مدنية
(4) البقرة: 159- 160 مدنية
(5) البقرة: 172- 173 مدنية
(6) البقرة: 182 مدنية
(7) البقرة: 190- 192 مدنية
(8) البقرة: 226- 227 مدنية
(6/2065)
9- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)
خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «1»
10- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) «2»
11- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ
وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) «3»
12- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «4»
13- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
__________
(1) آل عمران: 86- 89 مدنية
(2) النساء: 15- 16 مدنية
(3) النساء: 23 مدنية
(4) المائدة: 3 مدنية
(6/2066)
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «1»
14- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «2»
15- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73)
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) «3»
16- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «4»
17- وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) «5»
18- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) «6»
19- فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) «7»
20- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26)
__________
(1) المائدة: 33- 34 مدنية
(2) المائدة: 38- 39 مدنية
(3) المائدة: 73- 74 مدنية
(4) الأنعام: 54 مكية
(5) الأنعام: 133 مكية
(6) الأنعام: 145 مكية
(7) الأنعام: 147 مكية
(6/2067)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «1»
21- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) «2»
22- وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «3»
23- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117)
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «4»
24- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «5»
25- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) «6»
26- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) «7»
27- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «8»
__________
(1) التوبة: 25- 27 مدنية
(2) التوبة: 91 مدنية
(3) التوبة: 102- 104 مدنية
(4) التوبة: 117- 118 مدنية
(5) النحل: 110 مكية
(6) النحل: 115 مكية
(7) الكهف: 58 مكية
(8) النور: 4- 5 مدنية
(6/2068)
28- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «1»
29- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) «2»
30- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «3»
31- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «4»
32- وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) «5»
33- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) «6»
34- ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) «7»
35- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
__________
(1) النور: 10 مدنية
(2) النور: 14 مدنية
(3) النور: 20- 22 مدنية
(4) النور: 33 مدنية
(5) النمل: 10- 11 مكية
(6) العنكبوت: 20- 21 مكية
(7) الأحزاب: 5 مدنية
(6/2069)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «1»
36- لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «2»
37- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) «3»
38- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «4»
39- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) «5»
40- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «6»
41- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «7»
42- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «8»
43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «9»
44- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «10»
__________
(1) الأحزاب: 23- 24 مدنية
(2) الأحزاب: 73 مدنية
(3) سبأ: 1- 2 مكية
(4) الأحقاف: 8 مكية
(5) الفتح: 14 مدنية
(6) الحجرات: 4- 5 مدنية
(7) الحجرات: 12 مدنية
(8) الحجرات: 14 مدنية
(9) المجادلة: 12 مدنية
(10) التغابن: 14 مدنية
(6/2070)
45- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) «1»
التشريع من رحمة الله بعباده:
46- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «2»
47- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) «3»
48- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) «4»
49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «5»
50- فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) «6»
51- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «7»
52- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) «8»
__________
(1) التحريم: 1 مدنية
(2) البقرة: 143 مدنية
(3) البقرة: 178 مدنية
(4) آل عمران: 31 مدنية
(5) النساء: 29 مدنية
(6) الأنفال: 69- 70 مدنية
(7) النور: 56 مدنية
(8) الأحزاب: 50 مدنية
(6/2071)
53- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «1»
54- هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) «2»
55- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «3»
إرسال الرسل وإنزال الكتاب رحمة من الله بعباده:
56- ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) «4»
57- يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) «5»
58- وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (157) «6»
59- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «7»
60- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «8»
__________
(1) الأحزاب: 59 مدنية
(2) الجاثية: 20 مكية
(3) الحديد: 27- 28 مدنية
(4) البقرة: 105 مدنية
(5) آل عمران: 74 مدنية
(6) الأنعام: 153- 157 (153 مدنية، 154- 157 مكية)
(7) الأعراف: 52 مكية
(8) الأعراف: 63 مكية
(6/2072)
61- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)
وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) «1»
62- وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (61) «2»
63- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) «3»
64- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) «4»
65- قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) «5»
66- قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) «6»
67- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «7»
68- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) «8»
69- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «9»
__________
(1) الأعراف: 203- 204 مكية
(2) التوبة: 61 مدنية
(3) يونس: 57- 58 مكية
(4) هود: 17 مكية
(5) هود: 28 مكية
(6) هود: 62- 63 مكية
(7) يوسف: 111 مكية
(8) النحل: 64 مكية
(9) النحل: 89 مكية
(6/2073)
70- وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «1»
71- فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17)
قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) «2»
72- فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا (49)
وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) «3»
73- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52)
وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) «4»
74- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «5»
75- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4)
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «6»
76- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «7»
__________
(1) الإسراء: 82 مكية
(2) مريم: 17- 21 مكية
(3) مريم: 49- 50 مكية
(4) مريم: 51- 53 مكية
(5) الأنبياء: 107- 112 مكية
(6) الفرقان: 4- 6 مكية
(7) النمل: 76- 77 مكية
(6/2074)
77- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «1»
78- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «2»
79- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) «3»
80- أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «4»
81- الم (1)
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2)
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) «5»
82- وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) «6»
83- حم (1)
وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)
فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «7»
84- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «8»
85- هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9) «9»
__________
(1) القصص: 43 مكية
(2) القصص: 46 مكية
(3) القصص: 85- 86 مكية
(4) العنكبوت: 51 مكية
(5) لقمان: 1- 3 مكية
(6) الزخرف: 31- 32 مكية
(7) الدخان: 1- 6 مكية
(8) الأحقاف: 11- 12 مكية
(9) الحديد: 9 مدنية
(6/2075)
رحمة الله ثواب المؤمنين والصابرين:
86- الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156)
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) «1»
87- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) «2»
88- وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) «3»
89- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «4»
90-* وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100) «5»
91- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) «6»
92- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «7»
93- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) «8»
94- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «9»
__________
(1) البقرة: 156- 157 مدنية
(2) آل عمران: 106- 107 مدنية
(3) آل عمران: 157 مدنية
(4) النساء: 95- 96 مدنية
(5) النساء: 100 مدنية
(6) النساء: 152 مدنية
(7) النساء: 174- 175 مدنية
(8) الأنعام: 15- 16 مكية
(9) الأعراف: 55- 56 مكية
(6/2076)
95- فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «1»
96- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) «2»
97- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «3»
98- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «4»
99-* وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) «5»
100- قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «6»
101- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) «7»
102- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ
__________
(1) الأعراف: 72 مكية
(2) التوبة: 20- 21 مدنية
(3) التوبة: 71 مدنية
(4) التوبة: 99 مدنية
(5) هود: 41- 43 مكية
(6) هود: 73- 75 مكية
(7) هود: 94 مكية
(6/2077)
رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) «1»
103- كهيعص (1)
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) «2»
104- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74)
وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «3»
105- الم (1)
غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) «4»
106- وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) «5»
107- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «6»
رحمة الله شاملة للمؤمنين وغيرهم في الدنيا وخاصة بالمؤمنين في الآخرة:
108- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) «7»
109- وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (162) «8»
110- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «9»
111- اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) «10»
__________
(1) الكهف: 80- 82 مكية
(2) مريم: 1- 3 مكية
(3) الأنبياء: 74- 75 مكية
(4) الروم: 1- 5 مكية
(5) ص: 41- 43 مكية
(6) الجاثية: 30 مكية
(7) الفاتحة: 1- 3 مكية
(8) البقرة: 163 مدنية
(9) آل عمران: 129 مدنية
(10) المائدة: 98 مدنية
(6/2078)
112- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «1»
113- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) «2»
114- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) «3»
115- وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5)
وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) «4»
116- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «5»
117- رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) «6»
118- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) «7»
119- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) «8»
120- وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «9»
121- وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* (9) «10»
122- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «11»
__________
(1) الأنعام: 165 مكية
(2) الأعراف: 167 مكية
(3) يونس: 107 مكية
(4) النحل: 5- 7 مكية
(5) النحل: 18 مكية
(6) الإسراء: 54 مكية
(7) الإسراء: 66 مكية
(8) الحج: 65 مكية
(9) الفرقان: 48- 49 مكية
(10) الشعراء: 9 مكية، وانظر الآيات: 68، 104، 122، 140، 159، 175، 191.
(11) النمل: 63 مكية
(6/2079)
123- وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) «1»
124- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2»
125- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) «3»
126- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) «4»
127- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) «5»
128- ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) «6»
129- وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (44) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) «7»
130- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «8»
131- وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «9»
__________
(1) القصص: 73 مكية
(2) الروم: 21 مكية
(3) الروم: 46 مكية
(4) الروم: 50 مكية
(5) السجدة: 4- 6 مكية
(6) فاطر: 2 مكية
(7) يس: 43. 45 مكية
(8) غافر: 7- 9 مكية
(9) الشورى: 28 مكية
(6/2080)
132- يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) «1»
133- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «2»
134- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) «3»
135- وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «4»
وجوب دأب المؤمنين في طلب الرحمة:
136- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «5»
137- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) «6»
138- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «7»
139- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286) «8»
__________
(1) الدخان: 41- 42 مكية
(2) الفتح: 25 مدنية
(3) الملك: 28- 29 مكية
(4) الإنسان: 30- 31 مدنية
(5) البقرة: 127- 128 مدنية
(6) البقرة: 198- 199 مدنية
(7) البقرة: 218 مدنية
(8) البقرة: 286 مدنية
(6/2081)
140- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) «1»
141- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «2»
142- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) «3»
143- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
(110) «4»
144- وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «5»
145- قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (22) «6»
146- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) «7»
147- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155)
__________
(1) آل عمران: 8 مدنية
(2) النساء: 64 مدنية
(3) النساء: 105- 106 مدنية
(4) النساء: 110 مدنية
(5) النساء: 129 مدنية
(6) الأعراف: 23 مكية
(7) الأعراف: 148- 149 مكية
(6/2082)
* وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «1»
148- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «2»
149- قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (47)
قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) «3»
150- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (91) «4»
151- قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) «5»
152- قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «6»
153- قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (97) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98) «7»
154- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) «8»
155-* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ
__________
(1) الأعراف: 151- 156 مكية
(2) يونس: 84- 86 مكية
(3) هود: 47- 48 مكية
(4) هود: 90- 91 مكية
(5) يوسف: 64 مكية
(6) يوسف: 92 مكية
(7) يوسف: 97- 98 مكية
(8) إبراهيم: 35- 36 مكية
(6/2083)
بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «1»
156- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) «2»
157-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «3»
158- وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «4»
159- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «5»
160- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) «6»
161- وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) «7»
162-* وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) «8»
163- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) «9»
__________
(1) الحجر: 49- 56 مكية
(2) الإسراء: 7- 8 مكية
(3) الإسراء: 23- 24 مكية
(4) الإسراء: 28 مكية
(5) الإسراء: 56- 57 مكية
(6) الكهف: 9- 10 مكية
(7) الكهف: 16 مكية
(8) الأنبياء: 83- 86 مكية
(9) المؤمنون: 109 مكية
(6/2084)
164- وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «1»
165- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «2»
166- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) «3»
167- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «4»
168- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) «5»
169- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) «6»
170- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «7»
171- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) «8»
__________
(1) المؤمنون: 117- 118 مكية
(2) النور: 62 مدنية
(3) الشعراء: 215- 217 مكية
(4) النمل: 17- 19 مكية
(5) النمل: 45- 46 مكية
(6) القصص: 15- 16 مكية
(7) الزمر: 9 مكية
(8) الزمر: 38 مكية
(6/2085)
172-* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) «1»
173- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) «2»
174- وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «3»
175- وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «4»
176-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «5»
الرحمة صفة النبيين والصالحين وأفعالهم رحمة:
177- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «6»
178- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «7»
179- قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (64)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) «8»
__________
(1) الزمر: 53 مكية
(2) الحجرات: 10 مدنية
(3) الطور: 25- 28 مكية
(4) الحشر: 10 مدنية
(5) المزمل: 20 مدنية
(6) آل عمران: 159 مدنية
(7) التوبة: 128- 129 مدنية
(8) الكهف: 64- 65 مكية
(6/2086)
180- قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) «1»
181- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «2»
العصمة من الضلال من رحمة الله للمؤمنين:
182- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(113) «3»
183- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) «4»
184-* وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) «5»
__________
(1) الكهف: 94- 98 مكية
(2) الفتح: 29 مدنية
(3) النساء: 113 مدنية
(4) هود: 118- 119 مكية
(5) يوسف: 53- 56 مكية
(6/2087)
185- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) «1»
186- قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (17) «2»
187- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) «3»
188- وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) «4»
من رحمة الله جمع الخلق للحساب:
189- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) «5»
رحمة الله بالكافرين ابتلاء لهم:
190- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) «6»
191- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) «7»
192- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) «8»
193-* وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) «9»
194- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) «10»
195- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49)
__________
(1) الإسراء: 85- 87 مكية
(2) الأحزاب: 17 مدنية
(3) الأحزاب: 43 مدنية
(4) الشورى: 8 مكية
(5) الأنعام: 12 مكية
(6) يونس: 21 مكية
(7) هود: 9 مكية
(8) النحل: 45- 47 مكية
(9) المؤمنون: 75 مكية
(10) الروم: 33 مكية
(6/2088)
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) «1»
196- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2»
بخل العباد بما لا يملكون:
197- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) «3»
198- أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) «4»
وجوب شيوع الرحمة بين المؤمنين:
199- أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)
وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9)
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15)
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16)
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) «5»
__________
(1) فصّلت: 49- 50 مكية
(2) الشورى: 47- 48 مكية
(3) الإسراء: 100 مكية
(4) ص: 8- 9 مكية
(5) البلد: 8- 17 مكية
(6/2089)
الأحاديث الواردة في (الرحمة)
1-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الآخر، ثمّ يضمّهما، ثمّ يقول: «اللهمّ ارحمهما فإنّي أرحمهما» ) * «1» .
2-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: «اللهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار) » . قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت) * «2» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» . قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة» ) * «4» .
5-* (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «5» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم، ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه- أو صاحبه- يرحمك الله، فإذا قال يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم» ) * «7» .
7-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6003) .
(2) مسلم (963) . وتاميتئي (1/ 52) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له، ومسلم (2754) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6361) ، ومسلم (2601) واللفظ له.
(5) شببة: جمع شاب، مثل بررة جمع بار.
(6) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) .
(7) البخاري- الفتح 10 (6224) ، ومسلم (2992) مثله من حديث أبي موسى.
(6/2090)
عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء. فقال: «أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي، والحاشر، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة» ) * «1» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي» ) * «2» .
9-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا. كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم. وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «3» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «4» .
تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا.
فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «5» فيدعوه خبزة. قال:
استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله.
وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، والشّنظير «7» الفحّاش) * «8» .
10-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق يوم خلق السّماوات والأرض مائة رحمة، كلّ رحمة طباق ما بين السّماء والأرض. فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطّير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرّحمة» ) * «9» .
__________
(1) مسلم (2355) . والمقفّي. المتّبع للأنبياء. والحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره.
(2) البخاري- الفتح 13 (7404) ، ومسلم (2751) واللفظ له.
(3) فاجتالتهم: كذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذبه به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(4) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان.
(5) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(6) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.
(7) الشنظير: فسره في الحديث بأنه الفحاش، وهو السيء الخلق.
(8) مسلم (2865) .
(9) مسلم (2753) .
(6/2091)
11-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قام موسى عليه السّلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟. فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الحديث. وفي آخره قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله موسى، لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما» ) * «1» .
12-* (عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذه الأمّة مرحومة جعل الله عذابها بينها فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كلّ امرئ منهم رجل من أهل الأديان، فقال:
هذا يكون فداءك من النّار» ) * «2» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلنا: بلى.
قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «3» رويدا.
فجعلت درعي في رأسي «4» ، واختمرت وتقنّعت إزاري «5» . ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام.
فأطال القيام. ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات. ثمّ انحرف فانحرفت. فأسرع فأسرعت. فهرول فهرولت.
فأحضر فأحضرت «6» . فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل. فقال: «مالك؟ يا عائش حشيا رابية «7» » . قالت: قلت: لا شيء. قال: «لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» . قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» . قلت: نعم.، فلهدني «8» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» . قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك «9» ، فأجبته، فأخفيته منك. أو لم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي. فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» .
قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله. قال: «قولي:
السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3401) ، ومسلم (2380) واللفظ له.
(2) الحاكم 4 (444) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأحمد (4/ 408) واللفظ له عن أبي بردة عن أبيه. وشعب الإيمان للبيهقي (2/ 274) وقال مخرجه في الطبراني الصغير (1/ 10) حديث (5) ، وقال الألباني في الصحيحة (2/ 685) : الحديث صحيح.
(3) أجافه: أغلقه.
(4) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة: قميصها.
(5) تقنعت إزاري: لبست إزاري.
(6) فأحضر فأحضرت: أي فعدا فعدوت.
(7) مالك يا عائش حشيا رابية: يعني وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره. ورابية: أي مرتفعة البطن.
(8) فلهدني: دفعني.
(9) فأخفاه منك: أي الصوت.
(6/2092)
الله المستقدمين منّا والمستأخرين. وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «1» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم؟ قال الله تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذاب أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منهما ملؤها. فأمّا النّار فلا تمتلأ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلأ ويزوى بعضها إلى بعض. ولا يظلم الله- عزّ وجلّ- من خلقه أحدا. وأمّا الجنّة فإنّ الله عزّ وجلّ ينشأ لها خلقا» ) * «2» .
15-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» ) * «3» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرّحمة» ) * «4» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «جعل الله الرّحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين. وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق. حتّى ترفع الدّابّة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» ) * «5» .
18-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه الله مالا وولدا، يعني أعطاه. قال: فلمّا حضر «6» . قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟. قالوا: خير أب. قال: فإنّه لم يبتئر عند الله خيرا» . فسّرها قتادة: لم يدّخر. «وإن يقدم على الله يعذّبه. فانظروا، فإذا متّ فأحرقوني، حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني. أو قال فاسهكوني «7» - ثمّ إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال الله: كن، فإذا رجل قائم، ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك «8» ، فما تلافاه أن رحمه الله» ) * «9» .
19-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» ) * «10»
__________
(1) مسلم (974) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4850) واللفظ له، ومسلم (2846) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6011) واللفظ له، ومسلم (2586) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5998) واللفظ له، ومسلم (2317) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6000) ، ومسلم (2752) واللفظ له
(6) فلما حضر: أي حضرته الوفاة.
(7) فاسهكوني: أي اسحقوني، وقيل: هو دون السّحق.
(8) فرق منك: أي خوف منك.
(9) البخاري- الفتح 11 (6481) واللفظ له، ومسلم (2757) .
(10) البخاري- الفتح 4 (2076) .
(6/2093)
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا قام من اللّيل فصلّى، ثمّ أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من اللّيل فصلّت، ثمّ أيقظت زوجها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» ) * «1» .
21-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله امرأ صلّى قبل العصر أربعا» ) * «2» .
22-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله. قال: «رحم الله المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله. قال:
«رحم الله المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله.
قال: «والمقصّرين» ) * «3» .
23-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء» ) * «4» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سدّدوا «5» وقاربوا «6» وأبشروا، فإنّه لا يدخل أحدا الجنّة عمله» ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله بمغفرة ورحمة» ) * «7» .
25-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في المسجد. فقال:
«رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهنّ من سورة كذا وكذا» ، وزاد عبّاد بن عبد الله عن عائشة:
تهجّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فسمع صوت عبّاد يصلّي في المسجد. فقال: «يا عائشة أصوت عبّاد هذا؟» . قلت:
نعم. قال: «اللهمّ ارحم عبّادا» ) * «8» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها:
إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: آتوني بالسّكّين أشقّه بينهما. فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو
__________
(1) أبو داود (1308) ، وقال الألباني في صحيح النسائي (1519) : حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (1336) .
(2) الترمذي (430) وقال: هذا حديث غريب حسن. وأبو داود (1271) ، وأحمد (2/ 117) . والبغوي في شرح السنة (3/ 470) والبيهقي في الكبرى (2/ 664) برقم (4481) ، وابن خزيمة (1193) ، وابن حبان، وقال مخرجه: إسناده حسن، وقال مخرج جامع الأصول: (6/ 26) : إسناده حسن.
(3) البخاري- الفتح 3 (1727) ، ومسلم (1301) واللفظ له.
(4) أبو داود (4941) واللفظ له، والترمذي (1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال مخرج جامع الأصول (5/ 515) : الحديث صحيح بشواهده.
(5) سددوا: اطلبوا السداد أي الصواب.
(6) قاربوا: لا تفرطوا في العبادة.
(7) البخاري- الفتح 11 (6467) واللفظ له. ومسلم (2816) .
(8) البخاري- الفتح 4 (2655) واللفظ له، ومسلم (788) .
(6/2094)
ابنها، فقضى به للصّغرى» ) * «1» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ» ) * «2» .
28-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرحم الله من لا يرحم النّاس» ) * «3» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابيّ وهو في الصّلاة: اللهمّ ارحمني ومحمّدا ولا ترحم معنا أحدا. فلمّا سلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال للأعرابيّ: «لقد حجّرت واسعا» يريد رحمة الله) * «4» .
30-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أبا هريرة كان حريصا على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله ما أوّل ما رأيت في أمر النّبوّة؟
فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا وقال: «لقد سألت أبا هريرة، إنّي لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال: نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قطّ وأرواح لم أجدها من خلق قطّ، وثياب لم أرها على أحد قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان حتّى أخذ كلّ واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّا فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قصر ولا هصر «5» . وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره.
فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها، فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغلّ والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثمّ نبذها فطرحها، فقال له:
أدخل الرّأفة والرّحمة، فإذا مثل الّذي أخرج يشبه الفضّة، ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى فقال: اغد واسلم، فرجعت بها أغدو رقّة على الصّغير ورحمة للكبير» ) * «6» .
31-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن تؤمنوا حتّى ترحموا» . قالوا: كلّنا رحيم يا رسول الله، قال: «إنّه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنّها رحمة النّاس، رحمة العامّة» ) * «7» .
32-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه جاءه ابن الدّيلميّ، فقال: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدّثني بشيء لعلّ الله أن يذهبه من قلبي،
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3427) ، ومسلم (1720) .
(2) الترمذي (1923) وقال: حديث حسن. وأبو داود (4942) وقال الألباني: حسن (3/ 933) حديث (4133) ، وقال مخرج جامع الأصول: حسن (4/ 516) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7376) واللفظ له، ومسلم (2319) .
(4) البخاري- الفتح 10 (6010) .
(5) بلا قصر ولا هصر: أي بلا عنف ولا ضغط.
(6) أحمد (5/ 139) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 222- 223) : رواه عبد الله (يعني ابن أحمد عن أبيه) ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان.
(7) قال الحافظ في الفتح (10/ 453) : أخرجه الطبراني ورجاله ثقات، وقال الألباني في الصحيحة (1/ 270) : هو في كتاب الأدب للبيهقي حديث (167) .
(6/2095)
فقال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر، وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو متّ على غير هذا لدخلت النّار. قال:
ثمّ أتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك، قال:
ثمّ أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثمّ أتيت زيد بن ثابت، فحدّثني عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك) * «1» .
33-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو تعلمون قدر رحمة الله لا تّكلتم» . أحسبه قال: عليها) * «2» .
34-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا» ) * «3» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «من لا يرحم لا يرحم» ) * «4» .
36-* (عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحبّ أنّ لي الدّنيا وما فيها بهذه الآية قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ... (الزمر/ 53) » ) * «5» .
37-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد، فأتاه. فقال: «ما شأنك؟» .
فقال: بم أخذتني؟، وبم أخذت سابقة الحاجّ.
فقال: (إعظاما لذلك) «أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» . ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد، يا محمّد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا. فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كلّ الفلاح» ، ثمّ انصرف فناداه فقال: يا محمّد، يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي جائع فأطعمني. وظمان فاسقني.
قال: «هذه حاجتك» . ففدي بالرّجلين ...
الحديث) * «6» .
38-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله
__________
(1) أبو داود (4699) واللفظ له. وقال الألباني في صحيح أبي داود (3/ 890) حديث (2932) : صحيح، وابن ماجة (77) ، وأحمد (5/ 185) .
(2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 213) : رواه البزار وإسناده حسن.
(3) الترمذي (1920) وقال: حسن صحيح، واللفظ له، وأحمد (1/ 257) وصححه الشيخ أحمد شاكر (4/ 95) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5997) واللفظ له ومسلم (2318) . ومن هنا شرطية.
(5) رواه أحمد (5/ 275) ، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن- مجمع الزوائد (10/ 214) .
(6) مسلم (1641) .
(6/2096)
عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المنبر: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله، التّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب» ) * «1» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الملائكة تصلّي على أحدكم ما دام في مصلّاه الّذي صلّى فيه ما لم يحدث، تقول:
اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه» ) * «2» .
40-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم دخل نخلا لبني النجّار.
فسمع صوتا ففزع. فقال: «من أصحاب هذه القبور؟» . قالوا: يا رسول الله، ناس ماتوا في الجاهلية.
فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار، ومن فتنة الدّجّال» . قالوا: وممّ ذاك يا رسول الله؟. قال: «إنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه، قال: كنت أعبد الله، فيقال له:
ما كنت تقول في هذا الرّجل؟، فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها. فينطلق به إلى بيت كان له في النّار، فيقال له: هذا بيتك كان لك في النّار، ولكنّ الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتا في الجنّة، فيقول: دعوني حتّى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكن، وإنّ الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟، فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرّجل؟، فيقول: كنت أقول ما يقول النّاس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثّقلين» ) * «3» .
41-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح بالحديبية في إثر السّماء «4» كانت من اللّيل، فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: مطرنا بنوء «5» كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب» ) * «6» .
42-* (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل الله أهل الجنّة الجنّة. يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النّار النّار، ثمّ يقول: انظروا، من وجدتم في قلبه
__________
(1) أحمد (4/ 278) واللفظ له، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (667) (2/ 276) ، وعزاه أيضا للقضاعي.
(2) البخاري- الفتح 1 (445) واللفظ له، ومسلم (649) - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة.
(3) أبو داود (4751) واللفظ له. وذكره المنذري في مختصر أبي داود (7/ 138) وقال: أخرج النسائي طرفا منه، وقال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح (3/ 900) برقم (3977) ، وأحمد 3 (233) .
(4) السماء: المطر.
(5) ناء النجم: سقط النجم أو طلع.
(6) البخاري- الفتح 7 (414) ، ومسلم (71) واللفظ له.
(6/2097)
مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما «1» قد امتحشوا «2» ، فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبّة إلى جانب السّيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية» ) * «3» .
() الأحاديث الواردة في (الرحمة) معنى
43-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- أنّه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» ) * «4» .
44-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أعتم «5» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، حتّى ذهب عامّة اللّيل، وحتّى نام أهل المسجد ثمّ خرج فصلّى، فقال: «إنّه لوقتها لولا أن أشقّ على أمّتي» ) * «6» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما كلب يطيف بركيّة «7» كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيّ من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها «8» فسقته فغفر لها به» ) * «9» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف، فإنّ في النّاس الضّعيف والسّقيم وذا الحاجة» ) * «10» .
47-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة «11» معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تفرّش «12» جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها» ورأى قرية نمل قد حرّقناها، فقال: «من حرّق هذه؟» . قلنا: نحن، قال: «إنّه لا ينبغي أن يعذّب بالنّار إلّا ربّ النّار» ) * «13» .
48-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه
__________
(1) حمما: فحما.
(2) امتحشوا: احترقوا.
(3) البخاري- الفتح 11 (6560) ، ومسلم (184) واللفظ له.
(4) مسلم (1955) .
(5) أعتم: أخر العشاء حتى اشتد الظلام.
(6) البخاري- الفتح 2 (569) ومسلم (638) واللفظ له.
(7) يطيف بركيّة: أي يدور حول بئر.
(8) موقها: أي خفها، فارسي معرب.
(9) البخاري- الفتح 6 (3467) ، ومسلم (2245) .
(10) البخاري- الفتح 2 (702) . ومسلم (467) واللفظ له.
(11) الحمرة: طائر صغير يشبه العصفور.
(12) تفرش: هو أن تفرش جناحيها وتقرب من الأرض وترفرف.
(13) سنن أبي داود (5268) وقال الألباني (3/ 988) حديث (4388) : صحيح.
(6/2098)
- أنّه دخل دار الحكم بن أيّوب فرأى غلمانا- أو فتيانا- نصبوا دجاجة يرمونها، فقال أنس: «نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن تصبر البهائم «1» » ) * «2» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرحمة)
49-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأقوم في الصّلاة أريد أن أطوّل فيها. فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أمّه» ) * «3» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال: «إنّي لم أبعث لعّانا، وإنّما بعثت رحمة» ) * «4» .
51-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها) * «5»
52-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال «أرسلت ابنة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليه: إنّ ابنا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السّلام ويقول: «إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ عنده بأجل مسمّى. فلتصبر ولتحتسب» . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينّها. فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّبيّ ونفسه تتقعقع «6» قال حسبته أنّه قال: كأنّها شنّ «7» ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟. فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» ) * «8» .
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك مع كلّ صلاة» ) * «9» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي أو على النّاس- ما تخلّفت عن سريّة، ولكن لا أجد حمولة «10» ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشقّ عليّ أن يتخلّفوا عنّي، ولوددت أنّي قاتلت في سبيل الله فقتلت ثمّ أحييت، ثمّ قتلت ثمّ أحييت» ) * «11» .
55-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله
__________
(1) تصبر البهائم: أي تحبس لترمى حتى تموت.
(2) البخاري- الفتح 9 (5513) ، ومسلم (1959) .
(3) البخاري- الفتح 2 (707) واللفظ له، ومسلم (470) .
(4) مسلم (2599) .
(5) البخاري- الفتح 10 (5996) واللفظ له، ومسلم (543) .
(6) تتقعقع: صوت الشيء اليابس إذا حرك.
(7) شن: القربة القديمة.
(8) البخاري- الفتح 3 (1284) واللفظ له، ومسلم (923) .
(9) البخاري- الفتح 2 (887) واللفظ له، ومسلم (252) .
(10) الحمولة: بالفتح ما يحتمل عليه الناس من الدواب.
(11) البخاري- الفتح 6 (2972) واللفظ له، ومسلم (1876) .
(6/2099)
عنهما- قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده مع عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهم- فلمّا دخل عليه فوجده في غاشية «1» أهله. فقال: قد قضى «2» ؟ قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى القوم بكاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكوا. فقال: «ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا- وأشار إلى لسانه- أو يرحم. وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه» . وكان عمر رضي الله عنه- يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة ويحثي بالتّراب) * «3» .
56-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «4» ، وكان ظئرا «5» لإبراهيم عليه السّلام. فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه، ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان، فقال له عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة. ثمّ أتبعها بأخرى، فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «6» .
57-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» ) * «7» .
__________
(1) الغاشية: أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها. وقيل هي الداهية من شر أو مكروه.
(2) قد قضى: أي هل قضى نحبه ومات؟.
(3) البخاري- الفتح 3 (1304) واللفظ له، ومسلم (924) .
(4) القين: الحداد. ويطلق على كل صانع.
(5) ظئرا لإبراهيم: الظئر: زوج المرضعة، وإبراهيم هو ابن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) البخاري- الفتح 3 (1303) ، ومسلم (2315) بسياق مختلف وفي أوله قال أنس: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(7) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) .
(6/2100)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الرحمة)
1-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «اللهمّ إن لم أكن أهلا أن أبلغ رحمتك، فإنّ رحمتك أهل أن تبلغني، رحمتك وسعت كلّ شيء وأنا شيء، فلتسعني رحمتك يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ إنّك خلقت قوما فأطاعوك فيما أمرتهم، وعملوا في الّذي خلقتهم له، فرحمتك إيّاهم كانت قبل طاعتهم لك يا أرحم الرّاحمين» ) * «1» .
2-* (وعن الحسن وقتادة، في قوله تعالى:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (الأعراف/ 156) ، قالا:
وسعت في الدّنيا البرّ والفاجر، وهي يوم القيامة للّذين اتّقوا خاصّة) * «2» .
3-* (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى-:
«خلقت النّار رحمة يخوّف الله بها عباده لينتهوا» ) * «3» .
4- (وقال الفيروز آبادي- رحمه الله تعالى-:
«الرّحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم» ) * «4» .
5-* (قال المهلّب- رحمه الله تعالى-:
«الرّحمة الّتي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدّنيا هي الّتي يتغافرون بها يوم القيامة التّبعات بينهم» ) * «5» .
6-* (وقال ابن حجر تعليقا علي حديث «من لا يرحم لا يرحم» ، قال ابن بطّال: فيه الحضّ على استعمال الرّحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التّعاهد بالإطعام، والسّعي، والتّخفيف في الحمل، وترك التّعدّي بالضّرب» ) * «6» .
7-* (قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الشّريعة كلّها مبنيّة على الرّحمة في أصولها وفروعها، وفي الأمر بأداء الحقوق سواء كانت لله أو للخلق، فإنّ الله لم يكلّف نفسا إلّا وسعها، وإذا تدبّرت ما شرعه الله- عزّ وجلّ- في المعاملات والحقوق الزّوجيّة وحقوق الوالدين والأقربين، والجيران، وسائر ما شرع وجدت ذلك كلّه مبنيّا على الرّحمة، ثمّ قال: لقد وسعت هذه الشّريعة برحمتها وعدلها العدوّ والصّديق، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفّقون من الخلق» ) * «7» .
__________
(1) حلية الأولياء لأبي نعيم (5/ 299) .
(2) تفسير الطبري (6/ 81) .
(3) المرجع السابق (7/ 275) .
(4) بصائر ذوي التمييز (3/ 55) .
(5) فتح الباري (10/ 447) .
(6) البخاري- الفتح 10 (455) .
(7) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة (61- 65) بتصرف.
(6/2101)
8-* (قال الشّاعر:
فامنوا بنبيّ لا أبا لكم ... ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم
رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم ... مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم) * «1» .
() من فوائد (الرحمة)
(1) سعة رحمة الله تعالى حتّى إنّها تسع كلّ شيء.
(2) لا يستحقّ رحمة الله تعالى إلّا الرّاحمون الموفّقون.
(3) تثمر الرّحمة محبّة الله تعالى ومحبّة النّاس.
(4) الرّحمة في الإسلام عامّة وشاملة لا تخصّ أحدا دون أحد، ولا نوعا دون نوع.
(5) من آثار رحمة الله تعالى إنزال المطر، وإرسال الرّسل، وإنزال الكتب، وغفران الذّنوب.
والابتلاء بشتّى المصائب والعيوب.
(6) الاجتماع على الحقّ دليل الرّحمة والافتراق دليل الشّقاء.
(7) الجنّة هي دار الرّحمة لا يدخلها إلّا الرّاحمون برحمة الله.
(8) برحمة الله تعالى يوفّق العبد لترك المعاصي، ونيل الدّرجات.
(9) التّعويل عليها لا على كثرة العمل.
(10) دليل رقّة القلب وسموّ النّفس.
(11) إشاعة الرّحمة بين أفراد المجتمع ترفع من مستواه وتجمع شمله.
__________
(1) لسان العرب مادة (رأف) .
(6/2102)
الرضا
الرضا لغة:
الرّضا مصدر رضي يرضى وهو مأخوذ من مادّة (ر ض و) الّتي تدلّ على خلاف السّخط. وفي حديث الدّعاء: اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك.
وتثنية الرّضا رضوان ورضيان، والاسم الرّضاء (بالمد) والرّضا (بالقصر) ، قال القحيف العقيليّ:
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
ولا تنبو سيوف بني قشير ... ولا تمضي الأسنّة في صفاها
عدّاه بعلى لأنّه إذا رضيت عنه أحبّته وأقبلت عليه. فلذلك استعمل على بمعنى عن.
وقوله عزّ وجلّ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (البيّنة/ 8) معناه أنّ الله تعالى رضي عنهم أفعالهم ورضوا عنه ما جازاهم به.
وقال الرّاغب: رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرا بأمره ومنتهيا عن نهيه. وأرضاه: أعطاه ما يرضى به. وترضّاه طلب رضاه، قال:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
46/ 40/ 14
إذا العجوز غضبت فطلّق ... ولا ترضّاها ولا تملّق
وفي الصّحاح: الرّضوان: الرّضا، وكذلك الرّضوان، بالضّمّ، والمرضاة مثله. والمرضاة والرّضوان مصدران، وقيل في عيشة راضية أي مرضيّة أي ذات رضى. والرّضوان: الرّضا الكثير، ولمّا كان أعظم الرّضا رضا الله- سبحانه- خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من الله- عزّ وجلّ- قال سبحانه يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً (الفتح/ 29) ، وقال عزّ من قائل يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ (التوبة/ 21) .
ويقال: رضيت به صاحبا، وأرضيته عنّي ورضّيته، بالتشديد أيضا، فرضي، وتراضى القوم: أظهر كلّ واحد منهم الرّضا بصاحبه ورضيه «1» .
الرضا اصطلاحا:
هو سرور القلب بمرّ القضاء. وقيل: الرّضا ارتفاع الجزع في أيّ حكم كان، وقيل الرّضا هو صحّة العلم الواصل إلى القلب. فإذا باشر القلب حقيقة
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (14/ 324) ، والصحاح للجوهري (2353) ومقاييس اللغة (2/ 402) ، ومفردات الراغب (ص 197) .
(6/2103)
العلم أدّاه إلى الرّضا.
وقيل استقبال الأحكام بالفرح. وقيل: سكون القلب تحت مجاري الأحكام. وقيل: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد فإنّه اختار له الأفضل. وهو ترك السّخط «1» .
وقال المناويّ: الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر، وقول الفقهاء يشهد على رضاها أي إذنها جعلوا الإذن رضا لدلالته عليه.
أنواع الرضا:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-:
من لزم ما يرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيّما إذا قام بواجبها ومستحبّها فإنّ الله يرضى عنه، كما أنّ من لزم محبوبات الحقّ أحبّه الله. كما قال في الحديث الصّحيح الّذي في البخاريّ: «من عادى لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته ... » الحديث. وذلك أنّ الرّضا نوعان:
أحدهما: الرّضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه الله من غير تعدّ محظور.
وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (التوبة/ 59) . وهذا الرّضا واجب.
ولهذا ذمّ من تركه بقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ...
(التوبة/ 58- 59) .
والنّوع الثّاني: الرضا بالمصائب: كالفقر والمرض والذّلّ. فهذا رضا مستحبّ في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنّه واجب، والصّحيح أنّ الواجب هو الصّبر. كما قال الحسن:
الرّضا غريزة، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن. وقد روي في حديث ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن استطعت أن تعمّ بالرّضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا» . وأمّا الرّضا بالكفر والفسوق والعصيان: فالّذي عليه أئمّة الدين أنّه لا يرضى بذلك، فإنّ الله لا يرضاه كما قال: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (الزمر/ 7) ، وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 205) ، وقال تعالى: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 96) «2» .
قال ابن القيّم- رحمه الله- بعد أن ساق حديثين: الأوّل: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا» .
والثّاني: قوله: «من قال حين يسمع النّداء
__________
(1) التعريفات للجرجاني (ص 111) ، مدارج السالكين لابن القيم (2/ 185) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوى (ص 178) .
(2) الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 683681) .
(6/2104)
رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا غفرت له ذنوبه» . قال- رحمه الله-: هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدّين، وإليهما ينتهي. وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وألوهيّته. والرّضا برسوله، والانقياد له، والرّضا بدينه والتّسليم له.
ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصّدّيق حقّا.
وهي سهلة بالدّعوى واللّسان، وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان. ولا سيّما إذا جاء ما يخالف هوى النّفس ومرادها، من ذلك تبيّن «1» أنّ الرّضا كان لسانه به ناطقا. فهو على لسانه لا على حاله.
فالرّضا بإلهيّته يتضمّن الرّضا بمحبّته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتّبتّل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحبّ كلّها إليه، فعل الرّاضي بمحبوبه كلّ الرّضا. وذلك يتضمّن عبادته والإخلاص له، والرّضا بربوبيّته يتضمّن الرّضا بتدبيره لعبده. ويتضمّن إفراده بالتّوكّل عليه، وبالاستعانة به والثّقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكلّ ما يفعل به. فالأوّل: يتضمّن رضاه بما يؤمر به. والثّاني: يتضمّن رضاه بما يقدّره عليه.
وأمّا الرّضا بنبيّه رسولا فيتضمّن كمال الانقياد له، والتّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقّى الهدى إلّا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلّا إليه، ولا يحكّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتّة. لا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلّا بحكمه.
فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطّرّ إذا لم يجد ما يقيته إلّا من الميتة والدّم. وأحسن أحواله:
أن يكون من باب التّراب الّذي إنّما يتيمّم به عند العجز عن استعمال الماء الطّهور.
وأمّا الرّضا بدينه: فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى، رضي كلّ الرّضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلّم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلّده وشيخه وطائفته «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- السرور- الصبر والمصابرة- اليقين- السماحة- القناعة- الزهد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: السخط- الجزع- القلق- الغضب- الحسد- الحقد- الغل] .
__________
(1) هكذا في الأصل ولعلّ المراد: ومن تبيّن أنّ الرّضا.
(2) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 179، 180) وراجع: بصائر ذوى التمييز (3/ 79- 81) .
(6/2105)
الآيات الواردة في «الرضا»
وجوب ابتغاء مرضاة الله- عز وجل- في كل عمل:
1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «2»
3-* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «4»
5- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15)
__________
(1) البقرة: 207 مدنية
(2) البقرة: 264- 265 مدنية
(3) النساء: 114 مدنية
(4) المائدة: 2- 3 (2 مدنية، 3 نزلت بعرفات في حجة الوداع) .
(6/2106)
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) «1»
6- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (62) «2»
7- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) «3»
8- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (26)
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27) «4»
9- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) «5»
10- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «6»
إرضاء الله- عز وجل- رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين في الدنيا والآخرة:
11- قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) «7»
__________
(1) المائدة: 15- 16 مدنية
(2) التوبة: 62 مدنية
(3) التوبة: 109 مدنية
(4) الحديد: 26- 27 مدنية
(5) الحشر: 8 مدنية
(6) الممتحنة: 1 مدنية
(7) البقرة: 144 مدنية
(6/2107)
12-* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) «1»
13- أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) «2»
14- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «3»
15- قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «4»
16- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «5»
17- وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «6»
18- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «7»
19- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «8»
20- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
__________
(1) آل عمران: 15 مدنية
(2) آل عمران: 162 مدنية
(3) آل عمران: 172- 174 مدنية
(4) المائدة: 119 مدنية
(5) التوبة: 20- 22 مدنية
(6) التوبة: 72 مدنية
(7) التوبة: 100 مدنية
(8) طه: 130 مكية
(6/2108)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «1»
21-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «2»
22- اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (20) «3»
23- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «4»
24- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) «5»
25- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) «6»
26- يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) «7»
27- وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «8»
28- وَالضُّحى (1)
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2)
ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
__________
(1) الحج: 58- 59 مدنية
(2) الفتح: 18 مدنية
(3) الحديد: 20 مدنية
(4) المجادلة: 22 مدنية
(5) الحاقة: 19- 21 مكية
(6) الغاشية: 8- 10 مكية
(7) الفجر: 27- 30
(8) الليل: 17- 21 مكية
(6/2109)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) «1»
29- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «2»
30- الْقارِعَةُ (1)
مَا الْقارِعَةُ (2)
وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7)
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8)
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10)
نارٌ حامِيَةٌ (11) «3»
رضا الله- عز وجل- أعلى مطلوب النبيين
31- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) «4»
32- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «5»
33-* وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) «6»
34- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18)
__________
(1) الضحى: 1- 5 مكية
(2) البينة: 7- 8 مكية
(3) القارعة: 1- 11 مكية
(4) مريم: 1- 6 مكية
(5) مريم: 54- 55 مكية
(6) طه: 83- 84 مكية
(6/2110)
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) «1»
35- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) «2»
36- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «3»
لا شفاعة إلا لمن رضي الله عنهم:
37- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) «4»
38- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «5»
39-* وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) «6»
40- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26)
إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) «7»
__________
(1) النمل: 17- 19 مكية
(2) الأحقاف: 15 مكية
(3) الفتح: 29 مدنية
(4) طه: 105- 109 مكية
(5) الأنبياء: 25- 28 مكية
(6) النجم: 26 مكية
(7) الجن: 26- 27 مكية
(6/2111)
شرع الله- عز وجل- ما ارتضاه لعباده:
41- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «1»
الشرع لا يمنع التنازل عن الحقوق بالتراضي:
42- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) * وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «2»
43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) «3»
شاهد الدّين يشترط فيه رضا الطرفين عنه:
44- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «4»
__________
(1) النور: 55 مدنية
(2) البقرة: 232- 233 مدنية
(3) النساء: 29 مدنية
(4) البقرة: 282 مدنية
(6/2112)
وجوب الرضا بالمعاش:
45-* تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) «1»
عتاب الله- عز وجل- على رسوله صلّى الله عليه وسلّم
46- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) «2»
__________
(1) الأحزاب: 51 مدنية
(2) التحريم: 1- 3 مدنية
(6/2113)
الأحاديث الواردة في (الرضا)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل.
فهو يمشي مرّة ويكبو «1» مرّة. وتسفعه «2» النّار مرّة. فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الّذي نجّاني منك. لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة. فيقول: أي ربّي، أدنني من هذه الشّجرة، فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول الله- عزّ وجلّ-: يابن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «3» . فيدنيه منها، فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها، ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى.
فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول «4» : يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟، فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟. قال: بلى يا ربّ، هذه لا أسألك غيرها. وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة، فيقول: أي ربّ، أدخلنيها، فيقول: يابن آدم ما يصريني منك؟ «5» أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟. قال: يا ربّ، أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين» . فضحك ابن مسعود فقال:
ألا تسألوني ممّ أضحك؟. فقالوا: ممّ تضحك؟.
قال: هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟. قال: «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين؟.
فيقول: إنّي لا أستهزأ منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «6» .
2-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. قال: «هل بقي من والديك أحد؟» .
قال: أمّي. قال: «قابل الله في برّها، فإذا فعلت ذلك كان لك أجر حاجّ ومعتمر ومجاهد، فإذا رضيت عنك أمّك فاتّق وبرّها» ) * «7» .
__________
(1) يكبو: معناه يسقط على وجهه.
(2) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا.
(3) ما لا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها.
(4) القائل هنا هو المولى- عز وجل- وفي الكلام إيجاز بحذف قول ابن آدم: «بلى: يا رب» .
(5) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني. أو أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك.
(6) مسلم (187) واللفظ له، وأحمد في المسند (1/ 392) رقم (3713) .
(7) الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه أبو يعلى-
(6/2114)
3-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم، وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك؟
يا رسول الله، قال: «ذكر الله» ) * «1» .
4-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التّراب؟. فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلن أسبّه. لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له، خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النّساء والصّبيان؟. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى. إلّا أنّه لا نبوّة بعدي» . وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليّا» ، فأتي به أرمد. فبصق في عينه ودفع الرّاية إليه.
ففتح الله عليه. ولمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ (آل عمران: 61) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي» ) * «2» .
5-* (عن عامر بن ربيعة- رضي الله عنه- أنّ امرأة من بني فزارة تزوّجت على نعلين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟» . قالت: نعم. قال: «فأجازه» ) * «3» .
6- (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل. فقالوا: يغفر الله لرسول الله. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك: فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم «4» فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«ما حديث بلغني عنكم؟» . فقال له فقهاء الأنصار:
أمّا ذوو رأينا، يا رسول الله فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم، قالوا: يغفر الله لرسوله. يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم «5» . أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال،
__________
- والطبراني في الصغير والأوسط. ورجالهما رجال الصحيح. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 315) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط وإسنادهما جيد.
(1) الترمذي (3377) ، وابن ماجة (2/ 3790) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3057) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3706) ، مسلم (2404) واللفظ له
(3) الترمذي (1113) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1888) ، وأحمد (3/ 445) .
(4) في قبة من أدم: القبة من الخيام: بيت صغير مستدير. وهو من بيوت العرب. ومن أدم معناه من جلود. وهو جمع أديم بمعنى الجلد المدبوغ. ويجمع أيضا على آدم.
(5) أتألفهم: أي أستميل قلوبهم بالإحسان ليثبتوا على الإسلام، رغبة في المال.
(6/2115)
وترجعون إلى رحالكم «1» برسول الله؟ فو الله، لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به فقالوا: بلى. يا رسول الله، قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة «2» .
فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله. فإنّي على الحوض» قالوا: سنصبر) * «3» .
7-* (عن أبي قتادة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: كيف تصوم؟
فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا. نعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسوله. فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدّهر كلّه؟. قال: «لا صام ولا أفطر؟» (أو قال) «لم يصم ولم يفطر» . قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟. قال: «ويطيق ذلك أحد؟» . قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال:
«ذاك صوم داود (عليه السّلام) » . قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟. قال: «وددت أنّي طوّقت ذلك» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كلّ شهر.
ورمضان إلى رمضان. فهذا صيام الدّهر كلّه. صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله، والسّنة الّتي بعده. وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله» ) * «4» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين «5» . وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده. اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل. اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء «6» السّفر، وكآبة «7» المنظر، وسوء المنقلب «8» في المال والأهل.
وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ «آيبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون» ) * «9» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل ترى ربّنا يوم القيامة؟ ... الحديث وفيه:
فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال:
«فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم «10» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير
__________
(1) رحالكم: أي منازلكم.
(2) أثرة شديدة: أى يستأثر عليكم، ويفضل عليكم غيركم بغير حق.
(3) البخاري- الفتح 7 (3793) ، مسلم (1059) واللفظ له
(4) مسلم (1162) .
(5) وما كنا له مقرنين: أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
(6) وعثاء: المشقة والشدة.
(7) وكآبة: هي تغير النفس من حزن ونحوه.
(8) المنقلب: المرجع.
(9) مسلم (1342) .
(10) الخواتم جمع خاتم بفتح التاء وكسرها أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها.
(6/2116)
عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا.
فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول:
رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «1» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قالت الرّحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟. قالت: بلى يا ربّ. قال:
فهو لك» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فاقرأوا إن شئتم:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (محمد/ 22) » ) * «2» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة «3» فيحمده عليها، أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «4» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله «5» جميعا ولا تفرّقوا.
ويكره لكم قيل وقال «6» ، وكثرة السّؤال «7» ، وإضاعة المال» ) * «8» .
13-* (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا: إنّا لنرى البشرى في وجهك. فقال: «إنّه أتاني الملك فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقول: أما يرضيك أنّه لا يصلّي عليك أحد إلّا صلّيت عليه عشرا، ولا يسلّم عليك أحد إلّا سلّمت عليه عشرا» ) * «9» .
14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة «10» ثلاثين صباحا يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصيّة عصت الله ورسوله. قال أنس: أنزل الله- عزّ وجلّ- في الّذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتّى نسخ بعد: أن بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا، ورضينا عنه) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7439) ، ومسلم (183) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 10 (5987) واللفظ له، مسلم (2554) .
(3) الأكلة: بفتح الهمزة، وهي المرة الواحدة من الأكل، كالغداء والعشاء.
(4) مسلم (2734) .
(5) الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده واتباع كتابه والتأدب بآدابه.
(6) قيل وقال: هو الخوض في أخبار الناس.
(7) كثرة السؤال: المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع ولا تدعو إليه الحاجة.
(8) مسلم (1715) ، وبعضه عند البخاري 10 (5975) .
(9) النسائي (3/ 44) ، والحاكم في المستدرك (2/ 420) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (4/ 405) : وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن أو الصحيح.
(10) بئر معونة: في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة.
(11) البخاري- الفتح 6 (3046) . مسلم (677) واللفظ له. وعند البخاري: فرضي عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد.
(6/2117)
15-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّب في رضا الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) » * «1» .
16-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- يرفعه؛ قال: سأل موسى ربّه: «ما أدنى أهل الجنّة منزلة؟. قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنّة الجنّة. فيقال له: ادخل الجنّة. فيقول: أي ربّ، كيف؟. وقد نزل النّاس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ «2» فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدّنيا؟. فيقول: رضيت ربّ. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله. فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله. ولك ما اشتهت نفسك ولذّت عينك. فيقول: رضيت ربّ،. قال:
ربّ، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الّذين أردت «3» غرست «4» كرامتهم بيدي. وختمت عليها.
فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر «5» .
قال ومصداقه في كتاب الله- عزّ وجلّ-: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (السجدة/ 17) الآية) * «6» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يحلف بأبيه. فقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله» ) * «7» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّواك مطهرة للفم، مرضاة للرّبّ» ) * «8» .
19-* (عن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالأبكار، فإنّهنّ أعذب أفواها، وأنتق أرحاما، وأرضى باليسير» ) * «9» .
20-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة» . قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» . قال: فكبّرنا، ثمّ قال: «إنّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنّة وسأخبركم عن ذلك، ما المسلمون في الكفّار إلّا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور
__________
(1) الترمذي (1899) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1549) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 401) : إسناده صحيح
(2) وأخذوا أخذاتهم: هو ما أخذوه من كرامة مولاهم.
(3) أردت: اخترت واصطفيت.
(4) غرست: اصطفيتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير.
(5) لم يخطر على قلب بشر: أي لم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم.
(6) مسلم (189) .
(7) ابن ماجة (2101) ، وقال البوصيري في الزوائد: رجال إسناده ثقات. وحسنه الحافظ في الفتح (11/ 536) .
(8) النسائي (1/ 10) وصححه الألباني، صحيح الجامع (3695) ، وصحيح سنن النسائي (5) وقال الحافظ الدمياطي: رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان، والبخاري معلقا مجزوما.
(9) ابن ماجة (1/ 1861) وحسنه الألباني، وهو في الصحيحة (623) .
(6/2118)
أبيض» ) * «1» .
21-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّم السّورة من القرآن، يقول: «إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ ليقل: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهمّ فإن كنت تعلم هذا الأمر- ثمّ يسمّيه بعينه- خيرا لي في عاجل أمري وآجله- قال: أو في ديني ومعاشي- وعاقبة أمري- فاقدره لي، ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، اللهمّ إن كنت تعلم أنّه شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به» ) * «2» .
22-* (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ الكذب إلّا في ثلاث: يحدّث الرّجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين النّاس» ) * «3» .
23-* (عن أبي سلّام- رضي الله عنه- خادم النّبي صلّى الله عليه وسلّم- عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما من مسلم، أو إنسان، أو عبد، يقول، حين يمسي، وحين يصبح: رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا.
إلّا كان حقّا على الله أن يرضيه يوم القيامة» ) * «4» .
24-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية. فما أستطيع أن أسأله هيبة له، ... الحديث وفيه:
فقلت «5» : يا رسول الله، إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة؟» ) * «6» .
25-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . قالت عائشة- أو بعض أزواجه-: إنّا لنكره الموت. قال:
«ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله، وأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» ) * «7» .
26-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من التمس رضا الله بسخط النّاس كفاه الله مؤنة النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط الله وكله الله إلى النّاس» ) * «8» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) مسلم (221) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7390) .
(3) الترمذي (4/ 1939) وقال: حديث حسن وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي (1582) .
(4) ابن ماجة (2/ 3870) وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(5) القائل هو عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
(6) البخاري- الفتح 8 (4913) واللفظ له، مسلم (1479) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6507) ، ومسلم (2683) .
(8) صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في الصحيحة (2311) .
(6/2119)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ» . فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلّا كان الّذي في السّماء ساخطا عليها حتّى يرضى عنها» ) * «2» .
29-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله إنّ البكر تستحي. قال: «رضاها صمتها» ) * «3» .
() الأحاديث الواردة في (الرضا) معنى
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد فتحتسبه إلّا دخلت الجنّة» . فقالت امرأة منهنّ: أو اثنين يا رسول الله؟. قال: «أو اثنين» ) * «4» .
31-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلّا أخلف الله له خيرا منها» ) * «5» .
32-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
أصيب حارثة يوم بدر- وهو غلام- فجاءت أمّه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة منّي، فإن يك في الجنّة أصبر وأحتسب. وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟. فقال: «ويحك. أو هبلت «6» - أو جنّة واحدة هي؟. إنّها جنان كثيرة، وإنّه لفي جنّة الفردوس» ) * «7» .
33-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول:
قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) * «8» .
__________
(1) أحمد في المسند (2/ 310) ، والترمذي (2305) واللفظ له وحسنه الألباني، وابن ماجة (4217) وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن.
(2) البخاري- الفتح 9 (5193) ، ومسلم (1436) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 9 (5137) ونحوه عند مسلم (1420) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1249) ، ومسلم (2632) واللفظ له
(5) مسلم (918) .
(6) هبلت: بفتح الهاء وكسر الباء أي: أفقدت عقلك بفقد ابنك حتى جعلت الجنان جنة واحدة.
(7) البخاري- الفتح 11 (6550) .
(8) الترمذي (1021) وحسّن إسناده الألباني.
(6/2120)
34-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من قضاء الله عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر. المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى في اللّقمة يرفعها إلى فيّ امرأته» ) * «1» .
35-* (عن صهيب- رضي الله عنه-: قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن. إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «2» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّة من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» ) * «3» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرضا)
37-* (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- أنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال:
«بينما أنا في الحطيم- وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت فقدّ- قال: وسمعته يقول: فشقّ- ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته ... الحديث. وفيه:
«ثمّ أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللّبن، فقال: هي الفطرة الّتي أنت عليها وأمّتك. ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟.
قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله.
فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟. قلت:
أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال:
سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم.
قال: فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي،
__________
(1) أحمد (1/ 173، 177، 178) وشرح السنة (1540) وقال مخرجه: إسناده حسن والبيهقي في السنن (3/ 375، 376) والهيثمي في المجمع (7/ 209) وقال: رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح.
(2) مسلم (2999) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6424) .
(6/2121)
وخفّفت عن عبادي» ) * «1» .
38-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلس على المنبر؛ فقال: «إنّ عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده» ، فبكى أبو بكر، وقال:
فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس:
انظروا إلى هذا الشّيخ، يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدّنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكا أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر، إلّا خلّة الإسلام، لا يبقينّ في المسجد خوخة «2» إلّا خوخة أبي بكر» ) * «3» .
39-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «4» ، وكان ظئرا «5» لإبراهيم عليه السّلام، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله. فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» . ثمّ أتّبعها بأخرى. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا. وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «6» .
40-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة في الفراش.
فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «7» وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك «8» . أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له، ومسلم (164) .
(2) الخوخة: هي الباب الصغير بين البيتين أو الدارين.
(3) البخاري- الفتح 7 (3904) واللفظ له، ومسلم (2382) .
(4) القين: الحدّاد.
(5) الظئر: المرضعة ولد غيرها واللفظ له. وزوجها ظئر لذلك الرضيع.
(6) البخاري- الفتح 3 (1303) واللفظ له، ومسلم (2315) .
(7) المسجد: أي في السجود أو في الموضع الذي كان يصلي فيه، في حجرته.
(8) لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك.
(9) مسلم (486) .
(6/2122)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرضا)
1-* (قال لقمان لابنه: «أوصيك بخصال تقرّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت» ) * «1» .
2- (كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما-: «أمّا بعد، فإنّ الخير كلّه في الرّضى، فإن استطعت أن ترضى وإلّا فاصبر» ) * «2» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّا كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأمّإسماعيل، ومعهم شنّة «3» فيها ماء، فجعلت أمّ إسماعيل تشرب من الشّنّة فيدرّ لبنها على صبيّها حتّى قدم مكّة فوضعها تحت دوحة «4» ، ثمّ رجع إبراهيم إلى أهله فاتّبعته أمّ إسماعيل حتّى لمّا بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال:
إلى الله. قالت: رضيت بالله» ) * «5» .
4-* (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- «إذا توفّي العبد المؤمن، أرسل الله إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنّة. فيقال: اخرجي أيّتها النّفس المطمئنّة، اخرجي إلى روح وريحان وربّ عنك راض» ) * «6» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- في قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً النساء/ 128) ، قالت: «هو الرّجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها، فتقول: أمسكني، أو اقسم لي ما شئت. قالت: ولا بأس إذا تراضيا» ) * «7» .
6-* (قال ميمون بن مهران: «من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء» ) * «8» .
7-* (قال الرّبيع بن أنس: «علامة حبّ الله، كثرة ذكره، فإنّك لا تحبّ شيئا إلّا أكثرت من ذكره، وعلامة الدّين: الإخلاص لله في السّرّ والعلانية، وعلامة الشّكر: الرّضى بقدر الله والتّسليم لقضائه» ) * «9» .
8-* (عن مالك بن أنس- رحمه الله- قال بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير رضي الله عنهما- يقول: «ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق باللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من
__________
(1) مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 229) .
(2) المرجع السابق: (2/ 185) .
(3) الشّنّة: هي القربة الصّغيرة.
(4) الدوحة: الشجرة الكبيرة.
(5) البخاري- الفتح 6 (3365) .
(6) مدارج السالكين (2/ 186) .
(7) البخاري- الفتح 5 (2694) .
(8) الإحياء للغزالي (3/ 346) .
(9) مدارج السالكين (2/ 227) .
(6/2123)
أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم» ) * «1» .
9-* (قال عبد الله بن المبارك: قال داود لابنه سليمان عليهما السّلام: «يا بنيّ، إنّما تستدلّ على تقوى الرّجل بثلاثة أشياء: لحسن توكّله على الله فيما نابه، ولحسن رضاه فيما آتاه، ولحسن زهده فيما فاته» ) * «2» .
10-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضى: الفرح والسّرور بالرّبّ تبارك وتعالى» ) * «3» .
11-* (قال الفيروز اباديّ: «رضا العبد عن الله على ألّا يكره ما يجري به قضاؤه، والرّضوان الرّضا الكبير. ولمّا كان أعظم الرّضا رضا الله خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من الله تعالى» ) * «4» .
12-* (قال محمود الورّاق:
أعييت كلّ النّاس من نفسي الرّضا ... إلّا الحسود فإنّه أعياني
ما إنّ لي ذنبا إليه عملته ... إلّا تظاهر نعمة الرّحمن
وأبى فما يرضيه إلّا ذلّتي ... وذهاب أموالي وقطع لساني) * «5» .
13-* (قال المتنبّيّ:
وعين الرّضى عن كلّ عيب كليلة ... كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا) * «6» .
14-* (قال كشاجم:
لم أرض عن نفسي مخافة سخطها ... ورضا الفتى عن نفسه إغضابها
ولو انّني عنها رضيت لقصّرت ... عمّا تزيد بمثله آدابها
وتبيّنت آثار ذاك فأكثرت ... عذلي عليه فطال فيه عتابها) * «7» .
() من فوائد (الرضا)
(1) يثمر محبّة الله ورضاه وتجنّب سخطه.
(2) دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(3) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(4) مظهر من مظاهر صلاح العبد وتقواه.
(5) الوعد بالبشرى في الآخرة.
(6) دليل حسن ظنّ العبد بربّه.
(7) طريق إلى الفوز برضوان الله تعالى.
(8) يضفي على الإنسان المسلم راحة نفسيّة وروحيّة.
(9) يجنّب المسلم الأزمات النّفسيّة من قلق زائد وتوتّر.
(10) طريق واضح إلى تحقيق السّلام الاجتماعي.
__________
(1) جامع الأصول (11/ 703، 704) .
(2) الدر المنثور للسيوطي (1/ 62) .
(3) ابن أبي الدنيا، في التقوى.
(4) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 329) .
(5) المرجع السابق (283) .
(6) مدارج السالكين (2/ 183) .
(7) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 77) .
(6/2124)
الرغبة والترغيب
الرغبة لغة:
الرّغبة مصدر قولهم رغب في الشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ر غ ب) الّتي تدلّ في أصل اللّغة على معنيين:
أحدهما: طلب لشيء، والآخر سعة في شيء.
فمن الأصل الأوّل: الرّغبة في الشّيء: الإرادة له، تقول: رغبت في الشّيء، فإذا لم ترده قلت: رغبت عنه، ومن المعنى الثّاني قولهم: الشّيء الرّغيب: الواسع الجوف، يقال: حوض رغيب، وسقاء رغيب، والرّغيبة العطاء الكثير، والجمع رغائب، قال الشّاعر:
ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الّذي يعطي الرّغائب فارغب
وذكر الرّاغب أنّ أصل الرّغبة هو السّعة في الشيء مطلقا، وأنّ الرّغب والرّغبة والرّغبى السّعة في الإرادة، والرّغيبة العطاء الكثير إمّا لكونه مرغوبا فيه وإمّا لسعته.
والرّغبة أيضا: السّؤال والطّمع. وأرغبني في الشّيء ورغّبني، بمعنى (واحد) .
ورغبه: أعطاه ما رغب، والرّغباء: الضّراعة والمسألة. وفي حديث الدّعاء: «رغبة ورهبة إليك» .
قال ابن الأثير: أعمل لفظ الرّغبة وحدها، ولو أعملهما معا، لقال: رغبة إليك ورهبة منك، ولكن لمّا
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
74/ 44/ 4
جمعهما في النّظم، حمل أحدهما على الآخر.
وفي حديث عمر- رضي الله عنه- قالوا له عند موته: جزاك الله خيرا فعلت وفعلت، فقال:
راغب وراهب: أراد إنّني راغب فيما عند الله، وراهب من عذابه، فلا تعويل عندي على ما قلتم من الوصف والإطراء. ورجل رغبوت: من الرّغبة. وقد رغب إليه ورغّبه هو. وفي الحديث أنّ أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: «أتتني أمّي راغبة» ... قال الأزهريّ: قولها أتتني أمّي راغبة، أي طائعة، تسأل شيئا. يقال: رغبت إلى فلان في كذا وكذا: أي سألته إيّاه. وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «كيف أنتم إذا مرج الدّين، وظهرت الرّغبة؟» ، وقوله: «ظهرت الرّغبة» أي كثر السّؤال وقلّت العفّة، ومعنى ظهور الرّغبة: الحرص على الجمع، مع منع الحقّ.
ويقال: إنّه لوهوب لكلّ رغيبة، أي لكلّ مرغوب فيه.
وقال يعقوب: الرّغبى والرّغباء مثل النّعمى والنّعماء. وفي الحديث أنّ ابن عمر كان يزيد في تلبيته: والرّغبى إليك والعمل. وفي رواية: والرّغباء بالمدّ وهما من الرّغبة كالنّعمى والنّعماء من النّعمة.
ودعا الله رغبة ورغبة، عن ابن الأعرابيّ. وفي التّنزيل العزيز: يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً (الأنبياء/ 90) ،
(6/2125)
قال: ويجوز رغبا ورهبا.
قال: ويقال: الرّغبى إلى الله تعالى والعمل أي الرّغبة، وأصبت منك الرّغبى، أي الرّغبة الكثيرة.
وفي حديث ابن عمر: «لا تدع ركعتي الفجر، فإنّ فيهما الرّغائب» ، قال الكلابيّ: الرّغائب ما يرغب فيه من الثّواب العظيم، يقال: رغيبة ورغائب، وقال غيره: هي ما يرغب فيه ذو رغب النّفس، ورغب النّفس سعة الأمل وطلب الكثير، ومن ذلك صلاة الرّغائب، واحدتها رغيبة، والرّغيبة: الأمر المرغوب فيه «1» .
الرغبة اصطلاحا:
قال في الكلّيّات: رغب فيه: أراده بالحرص عليه ومن ثمّ تكون الرّغبة: إرادة الشّيء بالحرص عليه «2» .
وذكر المناويّ: أنّ الرّغبة إرادة الشّيء مع حرص عليه، فإذا قيل رغب فيه وإليه اقتضى الحرص عليه، وإذا قيل رغب عنه اقتضى صرف الرّغبة عنه والزّهد فيه «3» .
بين الرغبة والابتغاء:
الابتغاء في اللّغة مصدر قولهم: ابتغى الشّيء بمعنى طلبه، ويقال أيضا: بغى الرّجل حاجته أو ضالّتهإذا طلبها، والبغية الطّلبة «4» .
أمّا في الاصطلاح فهو كما قال المناويّ:
الاجتهاد في الطّلب، وقيل هو الاشتداد في طلب شيء ما، وأصله مطلق الطّلب والإرادة «5» .
وبالموازنة بين تعريف كلّ من الرّغبة والابتغاء يتّضح أنّهما متقاربان جدّا، بيد أنّه لوحظ في الرّغبة معنى الحرص وفي الابتغاء معنى الشّدّة والاجتهاد، وكلاهما قد يستعمل- في بعض السّياقات- استعمال الآخر.
الفرق بين الرغبة والرجاء:
والفرق بين الرّغبة والرّجاء أنّ الرّجاء طمع، والرّغبة طلب. فهي ثمرة الرّجاء، فإنّه إذا رجا الشّيء طلبه. والرّغبة من الرّجاء كالهرب من الخوف، فمن رجا شيئا طلبه ورغب فيه، ومن خاف شيئا هرب منه.
والمقصود: أنّ الرّاجي طالب، والخائف هارب، وأنّ الرّغبة: هي الرّجاء بالحقيقة؛ لأنّ الرّجاء طمع يحتاج إلى تحقيق، أي طمع في مغيّب عن الرّجاء مشكوك في حصوله، وإن كان متحقّقا في نفسه، كرجاء العبد دخوله الجنّة؛ فإنّ الجنّة متحقّقة لا شكّ فيها، وإنّما الشّكّ في دخوله إليها، وهل يوافي ربّه بعمل يمنعه منها أم لا؟. بخلاف الرّغبة، فإنّها طلب، وإذا قوي الطّمع صار طلبا.
وأوّلها: رغبة تتولّد من العلم، فتبعث على
__________
(1) لسان العرب (1/ 422- 423) ، بصائر ذوي التمييز (2/ 89) ، والمفردات للراغب (198) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 415) .
(2) الكليات للكفوي (482) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (179) .
(4) لسان العرب (14/ 76) ، ط. بيروت.
(5) التوقيف على مهمات التعاريف ص 35.
(6/2126)
الاجتهاد المنوط بالشّهود، وتصون السّالك عن الفترة والكسل.
وتتصاعد الرّغبة حتّى تكون رغبة لا تبقي من المجهود مبذولا، ولا تدع للهمّة ذبولا، ولا تترك غير القصد مأمولا.
فرغبته لا تدع من مجهوده مقدورا له إلّا بذله ولا تدع لهمّته وعزيمته فتورا ولا خمودا، وعزيمته في مزيد، ولا تترك في قلبه نصيبا لغير مقصوده.
فإذا اكتملت رغبته اكتمل معها خلق الرّعاية الإيمانيّة، وهي: مراعاة العلم وحفظه بالعمل، ومراعاة العمل بالإحسان والإخلاص، وحفظه من المفسدات وصيانته «1» .
التّرغيب:
أمّا التّرغيب فهو مصدر قولهم: رغّبه في الشّيء أي أوجد فيه الرّغبة إليه، ويكون ذلك بتحسينه وتزيينه، لأنّ النّفس لا ترغب إلّا فيما فيه سعادتها وصلاح أمرها، وما جاء به الشّرع الحنيف كلّه- بعد الإقرار بالوحدانية وصدق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم- لا يعدو أن يكون ترغيبا في الخيرات وترهيبا من المعاصي والموبقات، وثمرة ذلك حثّ المؤمن على الرّغبة فيما عند الله تعالى والرّهبة من عقابه، وقد لخّص أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عند موته حياة المؤمن الحقّ، عند ما قالوا له: جزاك الله خيرا فعلت وفعلت، فقال: راغب وراهب قال ابن الأثير:
المعنى: راغب فيما عند الله وراهب من عذابه» «2» .
التّرغيب في الجنّة ونعيمها:
لقد حفلت آي الذّكر الحكيم، ووردت الأحاديث الشّريفة بوصف الجنّة وما أعدّه الله فيها للمتّقين جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (النبأ/ 36) ، ترغيبا للمؤمنين وحثّا لهم على الطّاعات وتحمّل مشاقّ العبادة، ذلك أنّ الإنسان إذا علم أنّ الله قد أعدّ له دارا فيها كلّ ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ (التوبة/ 72) ، تولّدت عنده الرّغبة الصّادقة في أن يكون من أهل هذه الجنّة وسعى لها سعيها فكان من المتّقين، ومن المحسنين، ومن الذّاكرين ومن المخبتين، ومن المنفقين، ومن الأوّابين المنيبين الّذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة/ 16) ، وسوف نذكر عقب آيات وأحاديث الرّغبة، طرفا ممّا رغّب الله به عباده في الطّاعة بذكر الآيات والأحاديث الواردة في وصف الجنّة ونعيمها وما أعدّه الله فيها لأهل طاعته.
[للاستزادة: انظر صفات: الطموح- العبادة علو الهمة- النشاط- الرهبة- الإخبات- الدعاء الإنابة- الخوف- القنوت- الطاعة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- الكسل- القنوط- اليأس- الوهن- الغرور- الغفلة- التفريط والإفراط] .
__________
(1) تهذيب مدارج السالكين (307) .
(2) هذا أحد قولين في تفسير عبارة أمير المؤمنين، والقول الآخر أن من قال هذا إما راغب فيما عندي أو راهب مني، والرأي الأول أصح، انظر النهاية 2/ 237.
(6/2127)
الآيات الواردة في «الرغبة»
1- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59) «1»
2- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «2»
3- قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «3»
4- فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «4»
الآيات الواردة في «الرغبة» معنى
5- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) «5»
6- قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) «6»
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «7»
8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «8»
__________
(1) التوبة: 59 مدنية
(2) الأنبياء: 89- 90 مكية
(3) القلم: 28- 32 مكية
(4) الشرح: 7- 8 مكية
(5) البقرة: 198 مدنية
(6) آل عمران: 84- 85 مدنية
(7) المائدة: 2 مدنية
(8) المائدة: 35 مدنية
(6/2128)
الآيات الواردة في «الترغيب في الجنة»
9- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «1»
10- زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
* قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) «2»
11-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ
(136) «3»
12- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191)
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192)
رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (192)
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194)
__________
(1) البقرة: 25 مدنية
(2) آل عمران: 14- 15 مدنية
(3) آل عمران: 133- 136 مدنية
(6/2129)
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195)
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196)
مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197)
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) «1»
13- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) «2»
14- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «3»
15- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «4»
16-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «5»
17-* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82)
وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)
وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84)
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «6»
__________
(1) آل عمران: 190- 198 مدنية
(2) النساء: 13 مدنية
(3) النساء: 57 مدنية
(4) النساء: 122 مدنية
(5) المائدة: 12 مدنية
(6) المائدة: 82- 85 مدنية
(6/2130)
18- قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «1»
19- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «2»
20- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «3»
21- لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «4»
22- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100) «5»
23-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «6»
__________
(1) المائدة: 119 مدنية
(2) التوبة: 20- 22 مدنية
(3) التوبة: 71- 72 مدنية
(4) التوبة: 88- 89 مدنية
(5) التوبة: 99- 100 مدنية
(6) التوبة: 111- 112 مدنية
(6/2131)
24- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «1»
25- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23) «2»
26-* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) «3»
27-* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) «4»
28-* مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) «5»
29- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «6»
30- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) «7»
31-* وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) «8»
__________
(1) يونس: 9- 10 مكية
(2) هود: 23 مكية
(3) هود: 108 مكية
(4) الرعد: 19- 24 مدنية
(5) الرعد: 35 مدنية
(6) إبراهيم: 23 مكية
(7) الحجر: 45- 48 مكية
(8) النحل: 30- 32 مكية
(6/2132)
32- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) «1»
33- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) «2»
34- إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) «3»
35- وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «4»
36- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «5»
37- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «6»
38- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «7»
__________
(1) الكهف: 30- 31 مكية
(2) الكهف: 107- 108 مكية
(3) مريم: 60- 63 مكية
(4) طه: 75- 76 مكية
(5) الحج: 14 مكية
(6) الحج: 23- 24 مكية
(7) المؤمنون: 1- 11 مكية
(6/2133)
39- قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15)
لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا (16) «1»
40- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «2»
41- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «3»
42- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17)
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «4»
43- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33)
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «5»
44- إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) «6»
45- إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (44) يُطافُ عَلَيْهِمْ
__________
(1) الفرقان: 15- 16 مكية
(2) العنكبوت: 58- 59 مكية
(3) لقمان: 8- 9 مكية
(4) السجدة: 15- 19 مكية
(5) فاطر: 32- 35 مكية
(6) يس: 55- 58 مكية
(6/2134)
بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55) قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61) «1»
46- هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50)
مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51)
* وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52)
هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53)
إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (54) «2»
47- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) «3»
48- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «4»
49- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «5»
50- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
__________
(1) الصافات: 40- 61 مكية
(2) ص: 49- 54 مكية
(3) الزمر: 20 مكية
(4) الزمر: 73- 75 مكية
(5) غافر: 40 مكية
(6/2135)
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
(32) «1»
51- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «2»
52- رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «3»
53- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) «4»
54- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) «5»
55- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
__________
(1) فصلت: 30- 32 مكية
(2) الشورى: 22- 23 مكية
(3) الأحزاب: 68- 73 مدنية
(4) الدخان: 51- 57 مكية
(5) محمد: 15 مدنية
(6/2136)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «1»
56- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) «2»
57- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ
وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
(28) «3»
58- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «4»
59- وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (49) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (51) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (55) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (63) مُدْهامَّتانِ (64) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (65) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
__________
(1) ق: 31- 35 مكية
(2) الذاريات: 15- 19 مكية
(3) الطور: 17- 28 مكية
(4) القمر: 54- 55 مكية
(6/2137)
تُكَذِّبانِ (67) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (71) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «1»
60- وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19)
وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)
وَحُورٌ عِينٌ (22)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25)
إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26)
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27)
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32)
لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33)
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35)
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36)
عُرُباً أَتْراباً (37)
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39)
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) «2»
__________
(1) الرحمن: 46- 78 مدنية
(2) الواقعة: 10- 40 مكية
(6/2138)
61- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) «1»
62- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «2»
63- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «3»
64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «4»
65- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «5»
66- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «6»
67- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) «7»
__________
(1) الحديد: 12 مدنية
(2) الحديد: 21 مدنية
(3) المجادلة: 22 مدنية
(4) الصف: 10- 13 مدنية
(5) التغابن: 8- 9 مدنية
(6) التحريم: 8 مدنية
(7) الحاقة: 19- 24 مكية
(6/2139)
68-* إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) «1»
69- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34)
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35)
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «2»
70- وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «3»
71- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) «4»
72- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «5»
73- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11)
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) «6»
74- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «7»
__________
(1) المعارج: 19- 35 مكية
(2) النبأ: 31- 36 مكية
(3) النازعات: 40- 41 مكية
(4) المطففين: 22- 28 مكية
(5) البروج: 11 مكية
(6) الغاشية: 8- 16 مكية
(7) البينة: 7- 8 مدنية
(6/2140)
الأحاديث الواردة في (الرغبة)
1-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «1» فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «2» ، وفوّضّت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك «3» ، رغبة ورهبة «4» إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، واجعلهنّ من آخر كلامك، فإن متّ من ليلتك متّ وأنت على الفطرة «5» » قال فردّدتهنّ لأستذكرهنّ فقلت:
آمنت برسولك الّذي أرسلت قال: «قل: آمنت بنبيّك الّذي أرسلت» ) * «6» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم أصوات الدّيكة فإنّها رأت ملكا فاسألوا الله وارغبوا إليه، وإذا سمعتم نهاق الحمير فإنّها رأت شيطانا فاستعيذوا بالله من شرّ ما رأت» ) * «7» .
3-* (عن يزيد بن حيّان. قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا.
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: يابن أخي والله لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلّفونيه. ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا. بماء يدعى خمّا «8» بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد ألا أيّها النّاس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين «9» :
أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه.
ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي.
أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي» .
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟. قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟.
__________
(1) إذا أخذت مضجعك: معناه إذا أردت النوم في مضجعك.
(2) أسلمت وجهي إليك. وفي الرواية الأخرى أسلمت نفسي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك. قال العلماء: الوجه والنفس، هنا بمعنى الذات كلها، يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى.
(3) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدت في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
(4) رغبة ورهبة: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عذابك.
(5) الفطرة: أي الإسلام.
(6) البخاري- الفتح 1 (247) ، ومسلم (2710) واللفظ له.
(7) أحمد (2/ 321) وصححه الشيخ أحمد شاكر (16/ 118) وقد رواه البخاري- الفتح (3303) ، ومسلم (2729) بلفظ آخر.
(8) خمّ: اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خم.
(9) ثقلين: قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل بهما.
(6/2141)
قال: هم، آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس.
قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟. قال: نعم) * «1» .
4-* (عن خبّاب بن الأرتّ- وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أنّه راقب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللّيلة كلّها حتّى كان مع الفجر فلمّا سلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من صلاته جاءه خبّاب فقال: يا رسول الله- بأبي أنت وأمّي- لقد صلّيت اللّيلة صلاة ما رأيتك صلّيت نحوها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أجل إنّها صلاة رغب ورهب، سألت ربّي- عزّ وجلّ- فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربّي- عزّ وجلّ- أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربّي- عزّ وجلّ- أن لا يظهر علينا عدوّا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربّي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها» ) * «2» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: حدّثوني عن رجل دخل الجنّة لم يصلّ قطّ فإذا لم يعرفه النّاس سألوه من هو؟. فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش. فقلت لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبي الإسلام على قومه، فلمّا كان يوم أحد وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتّى أتى القوم، فدخل في عرض النّاس، فقاتل حتّى أثبتته الجراحة، فبينا رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، قالوا:
والله إنّ هذا للأصيرم. وما جاء به؟ لقد تركناه وإنّه لمنكر الحديث، فسألوه ما جاء به؟، فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؟ أحربا على قومك أو رغبة في الإسلام؟.
فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثمّ أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقاتلت حتّى أصابني ما أصابني فلم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لمن أهل الجنّة» ) * «3» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أوصى سلمان الخير، قال: «إنّ نبيّ الله عليه السّلام يريد أن يمنحك كلمات تسألهنّ الرّحمن ترغب إليه فيهنّ وتدعو بهنّ باللّيل والنّهار. قال:
اللهمّ إنّي أسألك صحّة إيمان وإيمانا في خلق حسن ونجاحا يتبعه فلاح «4» » ) * «5» .
7-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدّجّال ذات غداة، فخفّض فيه ورفّع «6» ، حتّى ظننّاه في طائفة النّخل ...
الحديث، وفيه: فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى:
__________
(1) مسلم (2408) .
(2) الترمذي (2175) وقال: حسن غريب صحيح، وصححه أحمد (5/ 109) ، والنسائي (3/ 217) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (9/ 200) ، كما قال الترمذي.
(3) أحمد (5/ 428) ، وقال الهيثمي (9/ 362- 363) واللفظ له: رجاله ثقات، ونحوه عند أبي داود رقم (2537) ، وحسنه الألباني (2/ 482) .
(4) تكملته: يعني ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانا، قال أبي وهن مرفوعة في الكتاب: يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوان.
(5) أحمد (2/ 321) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (8255) : إسناده حسن. وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
(6) فخفّض منه ورفّع: بتشديد الفاء فيهما، وفي معناه قولان: أحدهما أن خفض بمعنى حقّر، وقوله رفع أي عظّمه، وفخّمه، فمن-
(6/2142)
أنّي قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم «1» فحرّز عبادي إلى الطّور «2» . ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدب ينسلون «3» ، فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبريّة، فيشربون ما فيها، ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرّة ماء، ويحضر نبيّ الله عيسى وأصحابه، حتّى يكون رأس الثّور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبيّ الله «4» عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النّغف «5» في رقابهم، فيصبحون فرسى «6» كموت نفس واحدة. ثمّ يهبط نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلّا ملأه زهمهم «7» ونتنهم. فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت «8» فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثمّ يرسل الله مطرا لا يكنّ «9» منه بيت مدر «10» ولا وبر، فيغسل الأرض حتّى يتركها كالزّلفة «11» . ثمّ يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة «12» من الرّمّانة. ويستظلّون بقحفها «13» ، ويبارك في الرّسل «14» ، حتّى إنّ اللّقحة «15» من الإبل
__________
- تحقيره وهوانه على الله تعالى: عوره، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم هو أهون على الله من ذلك» وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل، ثم يعجز عنه، وأنه يضمحل أمره، ويقتل بعد ذلك، هو وأتباعه، ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به: هذه الأمور الخارقة للعادة، وأنه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، والوجه الثاني أنه خفض من صوته في حال الكثرة فيما تكلم فيه، فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح، ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد بلاغا كاملا مفخما.
(1) لا يدان لأحد بقتالهم: يدان تثنية يد. قال العلماء: معناه لا قدرة ولا طاقة. يقال: ما لي بهذا الأمر يد، وما لي به يدان، لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد. وكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه.
(2) فحرّز عبادي إلى الطور: أي ضمهم واجعله لهم حرزا. يقال: أحرزت إحرازا، إذا حفظته وضممته إليك، وصنته عن الأخذ.
(3) وهم من كل حدب ينسلون: قال الفراء: من كل أكمة، ومن كل موضع مرتفع، وينسلون يمشون مسرعين. يريد: يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها.
(4) فيرغب نبي الله: أي إلى الله، أو يدعو.
(5) النغف: هو دود يكون في أنوف الإبل والغنم، الواحدة نغفة.
(6) فرسى: أي قتلى، واحدهم فريس، كقتيل، وقتلى.
(7) الزّهم: رائحة اللحم والزّهمة بالضم الريح المنتنة.
(8) البخت: قال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب، وهي الإبل الخراسانية، تنتج من عربية وفالج، وهي جمال طوال الأعناق.
(9) لا يكن: أي لا يمنع من نزول الماء.
(10) مدر: هو الطين الصلب.
(11) كالزلفة: روي الزّلفة. وروي: الزّلفة. وروي الزّلفة. قال القاضي: وكلها صحيحة، واختلفوا في معناه فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون: معناه كالمرآة، وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عباس أيضا: شبهها بالمرآة في صفائها ونظافتها. وقيل: كمصانع الماء، أي أن الماء يستنقع فيها حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء. وقال أبو عبيد: معناه كالإجّانة الخضراء. وقيل: كالصفحة. وقيل: كالروضة.
(12) العصابة: هي الجماعة.
(13) بقحفها: بكسر القاف، وهو مقعر قشرها، شبهها بقحف الرأس وهو الذي فوق الدماغ، وقيل: ما انفلق من جمجمته وانفصل.
(14) الرسل: هو اللبن.
(15) اللقحة: بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان، الكسر أشهر، وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها لقح كبركة وبرك، واللقوح ذات اللبن، وجمعها لقاح.
(6/2143)
لتكفي الفئام «1» من النّاس، واللّقحة من البقر لتكفي القبيلة من النّاس. واللّقحة من الغنم لتكفي الفخذ من النّاس «2» . فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيّبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كلّ مؤمن وكلّ مسلم»
. ويبقى شرار النّاس، يتهارجون فيها تهارج الحمر «4» فعليهم تقوم السّاعة» ) * «5» .
8-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- وكان ممّن شهد العقبة وبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، قال:
خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا معنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا، فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة. قال البراء لنا: يا هؤلاء، إنّي قد رأيت والله رأيا وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا. قال: قلنا له: وما ذاك؟. قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر يعني الكعبة، وأن أصلّي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أنّ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم يصلّي إلّا إلى الشّام، وما نريد أن نخالفه. فقال: إنّي أصلّي إليها.
فقلنا له: لكنّا لا نفعل. فكنّا إذا حضرت الصّلاة صلّينا إلى الشّام وصلّى إلى الكعبة حتّى قدمنا مكّة. قال أخي: وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه، فلمّا قدمنا مكّة، قال يابن أخي: انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إيّاي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنّا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة فسألناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل تعرفانه.
قال: قلنا: لا، قال: فهل تعرفان العبّاس ابن عبد المطلّب عمّه. قلنا: نعم، قال: وكنّا نعرف العبّاس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرّجل الجالس مع العبّاس، قال:
فدخلنا المسجد فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه جالس، فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس: «هل تعرف هذين الرّجلين يا أبا الفضل؟» . قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشّاعر؟» . قال: نعم. قال: فقال البراء بن معرور: يا نبيّ الله إنّي خرجت في سفري هذا وهداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر صلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله.
قال: «لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها» . قال:
__________
(1) الفئام: هي الجماعة الكثيرة، هذا هو المشهور والمعروف في اللغة وكتب الغريب.
(2) الفخذ من الناس: قال أهل اللغة: الفخذ الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة، قال القاضي: قال ابن فارس: الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير، فلا يقال إلا بإسكانها، بخلاف الفخذ التي هي العضو فإنها تكسر وتسكن.
(3) وكل مسلم: هكذا هو في جميع نسخ مسلم: وكل مسلم، بالواو.
(4) يتهارجون فيها تهارج الحمر: أي يجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس، كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك، والهرج، بإسكان الراء، الجماع. يقال: هرج زوجته أي جامعها، يهرجها، بفتح الراء وضمها وكسرها.
(5) مسلم (2937) .
(6/2144)
فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى معنا إلى الشّام، قال: وأهله يزعمون أنّه صلّى إلى الكعبة حتّى مات، وليس ذلك، نحن أعلم به منهم. قال:
وخرجنا إلى الحجّ فواعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيّام التّشريق، فلمّا فرغنا من الحجّ وكانت اللّيلة الّتي وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله ابن عمرو بن حرام أبو جابر سيّد من ساداتنا وكنّا نكتم من معنا من المشركين أمرنا فكلّمناه وقلنا له يا أبا جابر إنّك سيّد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنّا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنّار غدا، ثمّ دعوته إلى الإسلام وأخبرته بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا، قال: فنمنا تلك اللّيلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث اللّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نتسلّل مستخفين تسلّل القطا حتّى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائهم نسيبة بنت كعب أمّ عمارة إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو بن عديّ بن ثابت إحدى نساء بني سلمة وهي أمّ منيع. قال: فاجتمعنا بالشّعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءنا يومئذ عمّه العبّاس ابن عبد المطلّب، وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثّق له، فلمّا جلسنا كان العبّاس بن عبد المطلّب أوّل من تكلّم، فقال: يا معشر الخزرج، قال:
وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج أوسها وخزرجها. إنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه وهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده. قال: فقلنا: قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت. قال: فتكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا ودعا إلى الله- عزّ وجلّ- ورغّب في الإسلام. قال:
«أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده. ثمّ قال:
نعم والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنحن أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر ... الحديث) * «1» .
9-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عجب ربّنا- عزّ وجلّ- من رجلين، رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيّه إلى صلاته، فيقول ربّنا: أيا ملائكتي، انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه ومن بين حيّه وأهله إلى صلاته، رغبة فيما عندي، وشفقة ممّا عندي. ورجل غزا في سبيل الله- عزّ وجلّ- فانهزموا، فعلم ما عليه من الفرار، وما له في الرّجوع، فرجع حتّى أهريق دمه، رغبة فيما عندي، وشفقة ممّا عندي، فيقول الله- عزّ وجلّ- لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، ورهبة ممّا عندي، حتّى أهريق دمه» ) * «2» .
__________
(1) أحمد (3/ 461) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 42، 43، 44) : رجال أحمد رجال الصحيح غير محمد ابن إسحاق وقد صرح بالسماع والطبراني بنحوه..
(2) أحمد (1/ 416) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (6/ 22) : إسناده صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 255) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير وإسناده حسن.
(6/2145)
10-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قدمت عليّ أمّي وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله قدمت عليّ أمّي وهي راغبة، أفأصل أمّي؟. قال: «نعم صلي أمّك» ) * «1» .
11-* (عن سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جيّ، وكان أبي دهقان «2» قريته، وكنت أحبّ خلق الله إليه، فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته، أي ملازم النّار، كما تحبس الجارية، وأجهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «3» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة. قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها وأمرني فيها بعض ما يريد. فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى فسمعت
أصواتهم فيها وهم يصلّون وكنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته. فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس وتركت ضيعة أبي، ولم آتها فقلت لهم: أين أصل هذا الدّين؟. قالوا: بالشّام. قال: ثمّ رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كلّه قال:
فلمّا جئته قال: أي بنيّ! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت! مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس، قال: أي بنيّ! ليس في ذلك الدّين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلّا والله إنّه خير من ديننا.
قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثمّ حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النّصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشّام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام فلمّا قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدّين. قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلّم منك وأصلّي معك، قال: فادخل. فدخلت معه قال: فكان رجل سوء، يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثمّ مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء،
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3183) ، ومسلم (1003) واللفظ له.
(2) الدهقان: بكسر الدال وضمها: رئيس القرية- وهو معرّب.
(3) قطن النار: خازنها وخادمها.
(6/2146)
يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلّكم على كنزه. قالوا: فدلّنا عليه. قال: فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلمّا رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا. فصلبوه ثمّ رجموه بالحجارة، ثمّ جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا يصلّي الخمس، أرى أنّه أفضل منه، وأزهد منه في الدّنيا، ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه. قال: فأحببته حبّا لم أحبّه من قبله، وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة.. الحديث) * «1» .
12-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه. ثمّ دخل آخر. فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلمّا قضينا الصّلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ، فحسّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شأنهما، فسقط في نفسي من التّكذيب، ولا إذ كنت في الجاهليّة «2» ، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا «3» ، وكأنّما أنظر إلى الله- عزّ وجلّ- فرقا «4» .
فقال لي: «يا أبيّ أرسل إليّ: أن اقرإ القرآن على حرف فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثّانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هوّن على أمّتي، فردّ إليّ الثّالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكلّ ردّة رددتكها مسألة تسألنيها «5» . فقلت: اللهمّ اغفر لأمّتي. اللهمّ اغفر لأمّتي، وأخّرت الثّالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلّهم، حتّى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» .
13-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
قيل: يا رسول الله من يؤمّر بعدك؟ قال: «إن تؤمّروا
__________
(1) أحمد (5/ 441- 444) ، وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (9/ 332- 336) ، ورواه أحمد والطبراني في المعجم الكبير رقم (6065) بأسانيد رجالها رجال الصحيح غير محمد ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية: معناه وسوس إلى الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية، لأنه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا، فوسوس لي الشيطان الجزم بالتكذيب. قال القاضي عياض: معنى قوله: سقط في نفسي، أنه اعترته حيرة ودهشة. قال: وقوله: ولا إذ كنت في الجاهلية، معناه: أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيبا لم يعتقده. قال: وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها، لا يؤاخذ بها. قال القاضي: قال المازري: معنى هذا أنه وقع في نفس أبي بن كعب نزغة من الشيطان غير مستقرة ثم زالت في الحال، حين ضربه النبي صلّى الله عليه وسلّم بيده في صدره ففاض عرقا.
(3) ضرب في صدري ففضت عرقا: قال القاضي: ضربه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم. قال: ويقال: فضت عرقا وفصت، بالضاد المعجمة والصاد المهملة. قال وروايتنا هنا بالمعجمة. قال النووي: وكذا هو في معظم أصول بلادنا، وفي بعضها بالمهملة.
(4) فرقا: بفتحتين: أي خوفا.
(5) مسألة تسألنيها: معناه: مسألة مجابة قطعا، وأما باقي الدعوات فمرجوة، ليست قطعيّة الإجابة.
(6) مسلم (820) .
(6/2147)
أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدّنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر تجدوه قويّا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّا، ولا أراكم فاعلين، تجدوه هاديا مهديّا يأخذ بكم الطّريق المستقيم» ) * «1» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق «2» راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيّتهم النّار، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «3» .
15-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يهلّ ملبّدا «4» يقول: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك» . لا يزيد على هؤلاء الكلمات. وإنّ عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- كان يقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثمّ إذا استوت به النّاقة قائمة عند مسجد الحليفة، أهلّ بهؤلاء الكلمات.
وكان عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يقول: كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يهلّ بإهلال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من هؤلاء الكلمات، ويقول:
لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك وسعديك، والخير في يديك لبّيك، والرّغباء إليك والعمل) * «5» .
() الأحاديث الواردة في (الرغبة) معنى
16-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ، فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا، ثمّ سلوا الله لي الوسيلة «6» ، فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة» ) * «7» .
17-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي «8» فاحملني. فقال: «ما عندي» ، فقال رجل:
__________
(1) أحمد (1/ 109) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 158) : إسناده صحيح، ووثق الهيثمي رجاله في المجمع (5/ 176) .
(2) ثلاث طرائق: أي ثلاث فرق، ومنه قوله تعالى إخبارا عن الجن: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً أي فرقا مختلفة الأهواء.
(3) البخاري- الفتح 11 (6522) ، ومسلم (2861) واللفظ له
(4) يهلّ ملبّدا، قال العلماء: الإهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام. أما التلبيد فهو ضفر الرأس بالصمغ أو الخطمى وشبههما مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض ويمنعه التمعط والقمل فيستحب لكونه أرفق به.
(5) مسلم (1184) .
(6) الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الله تعالى من صالح القول والعمل، وقد جاء في الحديث: «أنها منزلة من منازل الجنة» .
(7) مسلم (384) .
(8) أبدع بي: وفي بعض النسخ: بدّع بي: ونقله القاضي عن جمهور رواة مسلم، قالوا: والأول هو الصواب، ومعروف في اللغة، ومعناه: هلكت دابتي وهي مركوبي.
(6/2148)
يا رسول الله، أنا أدلّه على من يحمله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله» ) * «1» .
18-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل بناقة مخطومة «2» ، فقال:
هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لك بها يوم القيامة، سبعمائة ناقة، كلّها مخطومة» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والأمر على ذلك، ثمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر على ذلك) * «4» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ) * «5» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به، إلّا رجل عمل أكثر منه» ) * «6» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» . فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «7» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «8» .
24-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: «كسفت الشّمس، فصلّى عليّ- رضي الله عنه- للنّاس، فقرأ يس أو نحوها، ثمّ ركع نحوا من قدر السّورة، ثمّ رفع رأسه
__________
(1) مسلم (1893) .
(2) مخطومة: أي فيها خطام، وهو قريب من الزمام.
(3) مسلم (1892) .
(4) البخاري- الفتح 4 (2009) ، ومسلم (759) واللفظ له.
(5) مسلم (2674) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6403) ، ومسلم (2691) واللفظ له
(7) الترمذي (2305) واللفظ له، وأحمد (2/ 310) ، وابن ماجة (4217) ، وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن.
(8) البخاري- الفتح 13 (7405) ، ومسلم (2675) واللفظ له.
(6/2149)
فقال: سمع الله لمن حمده، ثمّ قام قدر السّورة يدعو ويكبّر، ثمّ ركع قدر قراءته أيضا، ثمّ قال: سمع الله لمن حمده، ثمّ قام أيضا قدر السّورة، ثمّ ركع قدر ذلك، حتّى صلّى أربع ركعات، ثمّ قال: سمع الله لمن حمده، ثمّ سجد، ثمّ قام في الركعة الثّانية ففعل كفعله في الرّكعة الأولى، ثمّ جلس يدعو ويرغب، حتّى انكشفت الشّمس، ثمّ حدّثهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك فعل» ) * «1» .
25-* (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه-:
«خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا» ... الحديث وفيه:
«فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر «2» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها»
، فأتيا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها ... وفيه: «فقال أنيس:
إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني، فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة، فراث عليّ «4» ثمّ جاء، فقلت: ما صنعت؟. قال:
لقيت رجلا بمكّة على دينك، يزعم أنّ الله أرسله، قلت: فما يقول النّاس؟، قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشّعراء» . قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «5» فما يلتئم على لسان أحد بعدي، أنّه شعر، والله! إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكّة ... الحديث، وفيه: «ولقد لبثت يابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني «6» ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع «7» » ... الحديث، وفيه: «وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثمّ صلّى، فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام، قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول الله، فقال: «وعليك ورحمة الله» . ثمّ قال: «من أنت؟» ، قال: قلت: من غفار، قال:
فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقدعني «8» صاحبه، وكان أعلم به منّي، ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال: «متى كنت هاهنا؟» ، قال فقلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: «فمن كان يطعمك؟» ، قال: قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى انكسرت عكن بطني، وما أجد
__________
(1) أحمد (1/ 143) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 591) : إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (2/ 207) ، وقال: رجاله ثقات.
(2) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر.
(3) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه: تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك، فأيهما كان أفضل أخذ الصرمة، فتحاكما إلى الكاهن، فحكم بأن أنيسا أفضل، وهو معنى قوله: فخير أنيسا، أي جعله الخيار والأفضل.
(4) فراث علي: أي أبطأ.
(5) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه.
(6) عكن بطني: جمع عكنة وهي الطي في البطن من السمن معنى تكسرت أي انثنت وانطوت طاقات لحم بطنه.
(7) سخفة جوع: بفتح السين وضمها، هي رقة الجوع وضعفه وهزاله.
(8) فقد عني: أي كفني، يقال: قدعه وأقدعه، إذا كفه ومنعه.
(6/2150)
على كبدي سخفة جوع. قال: «إنّها مباركة، إنّها طعام طعم «1» » . فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه اللّيلة، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف، وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها، ثمّ غبرت ما غبرت «2» ، ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه قد وجّهت لي أرض «3» ذات نخل، لا أراها «4» إلّا يثرب «5» فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟
عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» . فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما «6» ، فإنّي قد أسلمت وصدّقت.
فاحتملنا «7» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم إيماء «8» بن رحضة الغفاريّ، وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «9» .
() الأحاديث الواردة في (الترغيب في الجنة)
26-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدّنيا وما فيها، ولقاب «10» قوس أحدكم- أو موضع قدّه «11» من الجنّة خير من الدّنيا وما فيها، ولو أنّ امرأة من نساء أهل الجنّة اطّلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، ولنصيفها- يعني الخمار- خير من الدّنيا وما فيها» ) * «12» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها
__________
(1) طعام طعم: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.
(2) غبرت ما غبرت: أي بقيت ما بقيت.
(3) وجهت لي أرض: أي أريت جهتها.
(4) أراها: ضبطوه أراها بضم الهمزة وفتحها.
(5) يثرب: هذا كان قبل تسمية المدينة طابة وطيبة، وقد جاء بعد ذلك حديث في النهي عن تسميتها يثرب.
(6) ما بي رغبة عن دينكما: أي لا أكرهه، بل أدخل فيه.
(7) فاحتملنا: يعني حملنا أنفسنا ومتناعا على إبلنا، وسرنا.
(8) إيماء: الهمزة في أوله مكسورة، على المشهور، وحكى القاضي فتحها أيضا، وأشار إلى ترجيحه، وليس براجح.
(9) مسلم (2473) .
(10) القاب: هو القدر.
(11) القدّ: وتر القوس، ويطلق أيضا على السواط.
(12) البخاري- الفتح 11 (6568) واللفظ له، وأحمد (2/ 483) ، الترمذي (1651) .
(6/2151)
الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السّماء والأرض» ) * «1» .
28-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجنّة! فيقولون: لبّيك ربّنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربّ؟ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟
فيقولون: يا ربّ، وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول:
أحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «2» .
29-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى، والّذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» ) * «3» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: إنّ في الجنّة لشجرة يسير الرّاكب في ظلّها مائة سنة» ) * «4» .
31-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة لسوقا يأتونها كلّ جمعة فتهبّ ريح الشّمال «5» فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله، لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا» ) * «6» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله عزّ وجلّ: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرأوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (السجدة/ 17) » ) * «7» .
33-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: شهدت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2790) جزء من حديث، والمنذري في الترغيب والترهيب 4/ 511.
(2) مسلم (2829) واللفظ له، والبخاري (الفتح) 11/ 6549.
(3) مسلم (2831) .
(4) مسلم (2826) واللفظ له، وانظر رواية أخرى عن سهل ابن سعد برقم (2827) وهي رواية البخاري- الفتح 11 (6552) والترمذي برقم 2524 من حديث أبي سعيد، قال أبو عيسى: حديث حسن غريب، ورواه مسلم عن أبي سعيد برقم (2828) ، وابن ماجه (4335) .
(5) ريح الشمال: هي التي تأتي من دبر القبلة، قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال، لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام وبها يأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحاب الشامية.
(6) مسلم (2833) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3244) ، ومسلم (2824) واللفظ له، وأحمد 2/ 313 وابن ماجه (4328) ، والمنذري في الترغيب والترهيب 4/ 133.
(6/2152)
وصف فيه الجنّة حتّى انتهى، ثمّ قال في آخر حديثه «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» ، ثمّ اقترأ هذه الآية تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16، 17) » ) * «1» .
34-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «2» ، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «3» عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب «4» ، وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «5» ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «6» ، تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت ربّ إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال، قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «7» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل أو الكذب» والشّنظير»
الفحّاش» ) * «9» .
35-* (عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر أحاديث منها:
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله- عزّ وجلّ- آدم على صورته «10» ، طوله ستّون ذراعا، فلمّا خلقه قال:
اذهب فسلّم على أولئك النّفر. وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يجيبونك. فإنّها تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك، قال: فذهب فقال: السّلام عليكم. فقالوا:
السّلام عليك ورحمة الله. قال: فزادوه! ورحمة الله. قال:
فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم، وطوله ستّون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتّى الآن» ) * «11» .
36-* (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ قال:
__________
(1) مسلم (2825) .
(2) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(3) مقتهم: المقت: أشد البغض.
(4) الا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل.
(5) أي لأمتحنك بتبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد والصبر وأبتلى بك من أرسلتك إليهم.
(6) كتابا لا يغسله الماء: أي محفوظ في الصدور باق على مر الزمان.
(7) لا زبر له: أي لا عقل له.
(8) الشنظير: الفحاش، سيء الخلق.
(9) مسلم (2865) .
(10) على صورته: أي أنه خلق في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض، وتوفي عليها، وهي طوله ستون ذراعا. ولم ينتقل أطوارا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير.
(11) مسلم (2841) .
(6/2153)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ كلّ ضعيف متضعّف. لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النّار؟ كلّ جوّاظ «1» زنيم «2» متكبّر» ) * «3» .
37-* (عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«تحاجّت النّار والجنّة، فقالت النّار. أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: فما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم «4» وعجزهم «5» . فقال الله للجنّة:
أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: أنت عذابي، أعذّب بك من أشاء من عبادي.
ولكلّ واحدة منكم ملؤها. فأمّا النّار فلا تمتلىء، فيضع قدمه عليها، فتقول: قط قط. فهنالك تمتليء، ويزوى بعضها إلى بعض» ) * «6» .
38-* (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينادي مناد: إنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا. وإنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا» ، فذلك قوله- عزّ وجلّ- وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الأعراف/ 43) » ) * «7» .
39-* (عن أبي بكر عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ للمؤمن في الجنّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوّفة، طولها ستّون ميلا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» ) * «8» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ أوّل زمرة يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر، والّذين يلونهم على أشدّ كوكب درّيّ في السّماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخطون ولا يتفلون. أمشاطهم الذّهب، ورشحهم المسك «9» ، ومجامرهم الألوّة «10» ، وأزواجهم الحور العين. أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستّون ذراعا في السّماء» ) * «11» .
41-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ موسى عليه السّلام سأل ربّه: ما أدنى أهل الجنّة منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعد ما دخل أهل الجنّة الجنّة فيقال له: ادخل الجنّة، فيقول: ربّ كيف وقد نزل النّاس منازلهم وأخذوا أخذاتهم «12» ؟
__________
(1) جواظ: جموع منوع، وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين، وقيل الفاخر.
(2) زنيم: هو الدّعيّ في النسب، الملصق بالقوم وليس منهم، شبه بزنمة الشاة.
(3) مسلم (2853) اللفظ له، والبخاري- الفتح 8 (4918) وابن ماجة (4116) ، وأحمد 2/ 169 والترمذي (2605) .
(4) سقطهم: أي ضعفاؤهم والمتحقرون منهم.
(5) عجزهم: جمع عاجز أي: العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها والثروة والشوكة.
(6) مسلم (2846) واللفظ له، والبخاري- الفتح 8 (4850) .
(7) مسلم (2837) واللفظ له.
(8) مسلم (2838) .
(9) رشحهم: عرقهم.
(10) الألوة: هو العود الذي يتبخر به، العود الهندي.
(11) البخاري- الفتح 6 (3245) ، (3246) ، ومسلم (2834) واللفظ له.
(12) أخذاتهم: درجاتهم.
(6/2154)
فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدّنيا؟ فيقول: رضيت ربّ، فيقول له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت ربّ، فيقول:
هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذّت عينك. فيقول رضيت ربّ، قال: ربّ فأعلاهم منزلة؟
قال: أولئك الّذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر» ) * «1» .
42-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النّار قبل الجنّة ومثّل له شجرة ذات ظلّ فقال: أي ربّ قرّبني من هذه الشّجرة أكون في ظلّها» .
فذكر الحديث في دخوله الجنّة وتمنّيه إلى أن قال في آخره: «إذا انقطعت به الأمانيّ قال الله: هو لك وعشرة أمثاله، قال: ثمّ يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فيقولان: الحمد لله الّذي أحياك لنا وأحيانا لك. قال: فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت» ) * «2» .
43-* (عن سهل بن سعد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليدخلنّ الجنّة من أمّتي سبعون- أو سبعمائة ألف- لا يدري أبو حازم أيّهما قال- متماسكون، آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أوّلهم حتّى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» ) * «3» .
44-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يسمّى الرّيّان لا يدخله إلّا الصّائمون» ) * «4» .
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرغبة والترغيب)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«حضرت أبي حين أصيب، فأثنوا عليه. وقالوا:
جزاك الله خيرا. فقال: راغب وراهب «5» . قالوا:
استخلف. فقال: أتحمّل أمركم حيّا وميّتا؟ لوددت أنّ حظّي منها الكفاف، لا عليّ ولا لي، فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي «6» (يعني أبا بكر) ،
__________
(1) مسلم (312) .
(2) مسلم (311) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6554) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3267) .
(5) راغب وراهب: أي راج وخائف، ومعناه: الناس صنفان أحدهما يرجو والثاني يخاف، أي راغب في حصول شيء مما عندي، أو راهب مني. وقيل: راغب في الخلافة فلا أحب تقديمه لرغبته، وراهب لها فأخشى عجزه عنها.
(6) فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني: حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت، وقبل ذلك، يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر- رضي الله عنه-، وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان.
(6/2155)
وإن أترككم فقد ترككم، من هو خير منّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال عبد الله: فعرفت أنّه حين ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير مستخلف» ) * «1» .
2-* (عن الحسن قال: كانوا يرغبون في تعليم القرآن والفرائض والمناسك) * «2» .
3-* (قال صاحب المنازل أبو إسماعيل الهرويّ: الرّغبة: هي من الرّجاء بالحقيقة لأنّ الرّجاء طمع يحتاج إلى تحقيق، والرّغبة سلوك على التّحقيق.
أي الرّغبة تتولّد من الرّجاء لكنّه طمع، وهي سلوك وطلب) * «3» .
4-* (قال الشّاعر:
ومتى تصبك خصاصة، فارج الغنى ... وإلى الّذي يعطي الرّغائب، فارغب) * «4» .
() من فوائد (الرغبة والترغيب)
(1) الرّغبة إلى الله تعالى وما عنده فيها خير كثير.
(2) تقرّب العبد من الله زلفى.
(3) تجعل عمله خالصا لله.
(4) يكثر من العبادة والقربات إلى الله عزّ وجلّ.
(5) يكون قدوة صالحة في مجتمعه.
(6) تجعل الفرد سعيدا مسرورا في دنياه.
(7) يطمئنّ إلى الآخرة ويرجو المغفرة.
(8) تمنحه زهدا فيما في أيدي الناس.
(9) يثق النّاس فيه لزهده فيهم ورغبته في الله وحده.
(10) تقضي على داء الحرص والجشع في المجتمع لرغبة النّاس فيما عند الله وحده.
أمّا التّرغيب فله فوائد عديدة منها:
(11) يجعل العبد يتوق إلى ما أعدّه الله للطّائعين فيزداد طاعة وتقوى.
(12) يورث الصّبر على المكاره في الدّنيا رجاء أن يعوّض عنه بالنّعيم المقيم في الآخرة.
(13) التّرغيب يولّد الأمل، ويبعث على النّشاط والعمل للآخرة.
(14) التّرغيب يحبّب إلى المسلم الطّاعات وينأى به عن المعاصي، ويدفع به إلى مقاومة الشّيطان.
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7218) ، ومسلم (182) واللفظ له.
(2) الدارمي (2860) .
(3) مدارج السالكين (2/ 58) .
(4) لسان العرب (1/ 422) .
(6/2156)
الرفق
الرفق لغة:
أصل المادّة يدلّ على موافقة ومقاربة بلا عنف، يقول ابن فارس: الرّاء والفاء والقاف أصل واحد يدلّ على موافقة ومقاربة بلا عنف، فالرّفق خلاف العنف.
وفي الحديث «إنّ الله- جلّ ثناؤه- يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» هذا هو الأصل، ثمّ يشتقّ منه كلّ شيء يدعو إلى راحة وموافقة. يقال: رفق بالأمر، وله، وعليه يرفق رفقا، ورفق يرفق، ورفق (الرّجل) : لطف، ورفق بالرّجل وأرفق بمعنى، حكاه أبو زيد، وكذلك ترفّق به، ويقال: أرفقته: أي نفعته، وأولاه رافقة أي رفقا، وهو به رفيق: لطيف.
ويقول اللّيث: الرّفق: لين الجانب، ولطافة الفعل، وصاحبه رفيق، وقد رفق يرفق، وإذا أمرت قلت: رفقا، ومعناه: ارفق رفقا، ويقول ابن الأعرابيّ:
رفق: انتظر، ورفق: إذا كان رفيقا بالعمل، ويقول أبو زيد: رفق الله بك ورفق عليك رفقا ومرفقا، وأرفقك الله إرفاقا، وفي حديث المزارعة: نهانا عن أمر كان بنا رافقا، أي ذا رفق، والرّفق: لين الجانب وهو خلاف العنف، وفي الحديث «ما كان الرّفق في شيء إلّا زانه»
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 48/ 9
وفي الحديث: «في إرفاق ضعيفهم وسدّ خلّتهم» ، أي إيصال الرّفق إليهم، وفي الحديث الآخر: «أنت رفيق والله الطّبيب» ، أي أنت ترفق بالمريض وتتلطّفه والله الّذي يبرئه ويعافيه.
والرّفق والمرفق والمرفق: ما استعين به، وقد ترفّق به وارتفق، وفي التّنزيل وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (الكهف/ 16) «1» .
وقال في النّهاية: وفي حديث الدّعاء: «وألحقني بالرّفيق الأعلى» الرّفيق: جماعة الأنبياء الّذين يسكنون أعلى علّيّين وهو اسم جاء على فعيل، ومعناه الجماعة كالصّديق والخليط يقع على الواحد والجمع، وقيل معناه: أي بالله عزّ وجلّ يقال: (الله رفيق بعباده) ، من الرّفق والرّأفة فهو فعيل بمعنى فاعل «2» .
واصطلاحا:
هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضدّ العنف «3» .
حقيقة الرفق:
قال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ الرّفق محمود ويضادّه العنف والحدّة. والعنف نتيجة الغضب والفظاظة،
__________
(1) انظر مقاييس اللغة (2/ 418) ، والقاموس 3/ 236.
(2) انظر النهاية لابن الأثير (2/ 246) ، ولسان العرب، لابن منظور (10/ 118) ، والصحاح (4/ 1482) .
(3) انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 449) ، ودليل الفالحين، لابن علان (3/ 89) .
(6/2157)
والرّفق واللّين نتيجة حسن الخلق والسّلامة، وقد يكون سبب الحدّة الغضب وقد يكون سببها شدّة الحرص واستيلاؤه بحيث يدهش عن التّفكّر ويمنع من التّثبّت فالرّفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلّا حسن الخلق، ولا يحسّن الخلق إلّا بضبط قوّة الغضب وقوّة الشّهوة وحفظهما على حدّ الاعتدال. ولأجل هذا أثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرّفق وبالغ فيه، قال سفيان الثّوريّ لأصحابه: «تدرون ما الرّفق؟» . قالوا: قل يا أبا محمّد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشّدّة في موضعها واللّين في موضعه والسّيف في موضعه والسّوط في موضعه. وهذه إشارة إلى أنّه لا بدّ من مزج الغلظة باللّين والفظاظة بالرّفق، كما قيل:
ووضع النّدى في موضع السّيف بالعلا ... مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدى.
فالمحمود وسط بين العنف واللّين كما في سائر الأخلاق، ولكن لمّا كانت الطّباع إلى العنف والحدّة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرّفق أكثر، فلذلك كثر ثناء الشّرع على جانب الرّفق دون العنف «1» .
وقال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: ومن أسمائه تعالى:" الرّفيق" في أفعاله وشرعه. ومن تأمّل ما احتوى عليه شرعه من الرّفق وشرع الأحكام شيئا بعد شيء وجريانها على وجه السّداد واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارا ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم وأسرار لا تحيط بها العقول، وهو تعالى يحبّ من عباده أهل الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف. والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقا في أموره متأنّيا، ومع ذلك لا يفوّت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- حسن المعاملة- حسن العشرة- الرأفة- الشفقة- العطف الحنان- حسن الخلق- اللين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- العنف- القسوة- الجفاء- التعسير- الإساءة- سوء الخلق] .
() الآيات في «الرفق» معنى
1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «3»
2- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) »
__________
(1) إحياء علوم الدين، للغزالي (3/ 184- 185) .
(2) توضيح الكافية الشافية (123) .
(3) آل عمران: 159 مدنية
(4) طه: 43- 44 مكية
(6/2158)
الأحاديث الواردة في (الرفق)
1-* (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا فلمّا رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: «ارجعوا فكونوا فيهم وعلّموهم وصلّوا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: السّامّ عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم.
قال: «مهلا يا عائشة عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش» . قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟. قال: «أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ» ) * «2» .
3-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه، ولا ينزع من شيء إلّا شانه» ) * «3» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به» ) * «4» .
5-* (عن ظهير بن رافع- رضي الله عنه- قال: لقد نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أمر كان بنا رافقا. قلت ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو حقّ. قال:
دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما تصنعون بمحاقلكم؟» .
قلت: نؤاجرها على الرّبيع «5» وعلى الأوسق من التّمر والشّعير. قال: «لا تفعلوا ازرعوها أو أزرعوها أو أمسكوها» . قال رافع: قلت سمعا وطاعة) * «6» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسير له فحدا الحادي.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرفق يا أنجشة ويحك بالقوارير» ) * «7» .
7-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق حرم حظّه من الخير» ) * «8» .
8-* (عن جرير- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يحرم الرّفق يحرم الخير» ) * «9» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال لها: «يا عائشة أرفقي فإنّ الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلّهم على باب الرّفق» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (628) واللفظ له، ومسلم (674) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6030) .
(3) مسلم (2594) .
(4) مسلم (1828) .
(5) الربيع: النهر الصغير.
(6) البخاري- الفتح 5 (2339) .
(7) البخاري- الفتح 10 (6209) .
(8) الترمذي (213) وقال: حديث حسن صحيح.
(9) مسلم (2592) .
(6/2159)
وفي رواية: «إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرّفق» ) * «1» .
10-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت يا رسول الله أحقّ أن يهبن.
ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلن: نعم. أنت أغلظ وأفظّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «2» .
() الأحاديث الواردة في (الرفق) معنى
11-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: أخبرني من هو خير منّي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمّار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: «بؤس ابن سميّة تقتلك فئة باغية» ) * «3» .
12- (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه يقول: لأقومنّ اللّيل ولأصومنّ النّهار ما عشت.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول ذلك؟» .
فقلت له: قد قلته يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشّهر ثلاثة أيّام، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدّهر» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «صم يوما وأفطر يومين» . قال: قلت: فإنّي أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: «صم يوما وأفطر يوما، وذلك صيام داود عليه السّلام: وهو أعدل الصّيام» . قال:
قلت فإنّى أطيق أفضل من ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا أفضل من ذلك قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: لأن أكون قبلت الثّلاثة الأيام الّتي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من أهلي ومالي) * «4» .
13-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فأسرّ إليّ
__________
(1) أحمد في المسند (6/ 104) ، والمنذري (2/ 262) وقال: رواه أحمد والبزار من حديث جابر ورواتهما رواة الصحيح والهيثمي في المجمع (8/ 19) ، وقال: رواه أحمد ورجال الثانية رجال الصحيح وهو في الصحيحة للألباني (523) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3683) . ومسلم (2396) واللفظ له
(3) مسلم (2915) .
(4) البخاري- الفتح 4 (1976) ، ومسلم (1159) واللفظ له.
(6/2160)
حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «1» أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «2» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل. لمن هذا الجمل؟» . فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها، فإنّه شكى إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «3» » ) * «4» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطّاب فاستقرأته آية من كتاب الله فدخل داره وفتحها عليّ فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على رأسي فقال: «يا أبا هريرة» . فقلت: لبّيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الّذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعسّ من لبن فشربت منه ثمّ قال: «عد فاشرب يا أبا هرّ» . فعدت فشربت، ثمّ قال: «عد» . فعدت فشربت حتّى استوى بطني فسار كالقدح «5» ، قال:
فلقيت عمر وذكرت له الّذي كان من أمري، وقلت له تولّى ذلك من كان أحقّ به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآية ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك أحبّ من أن يكون لي مثل حمر النّعم) * «6» .
15-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار، وبمن تحرم عليه النّار، على كلّ قريب هيّن سهل» ) * «7» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيا بال في المسجد فثار إليه النّاس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا «8» من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «9» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه، فقال له: «إن أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم» ) * «10» .
18-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته ... الحديث وفيه: «وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال»
__________
(1) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه.
(2) ذفراه: ذفرى البعير الموضع الذي يعرق من قفاه.
(3) تدئبه: تتعبه وتشقيه.
(4) أبو داود (2549) ، قال محقق جامع الأصول (4/ 527) إسناده صحيح وهو عند مسلم بدون قصة الجمل.
(5) القدح: بكسر القاف وسكون الدال: السهم الذي لا ريش له.
(6) البخاري- الفتح 9 (5375) .
(7) الترمذي (2488) وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : وهو كما قال، ورواه أيضا الطبراني عن ابن مسعود وأبو يعلى عن جابر وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (935) .
(8) السجل: الدلو المملوءة الكبيرة.
(9) البخاري- الفتح 10 (6128) .
(10) الحاكم في المستدرك (2/ 263) وهو في الصحيحة للألباني (854) .
(6/2161)
.. الحديث) * «1» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟.
قالت: فلانة تذكر من صلاتها. قال: «مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» ) * «2» .
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى شيخا يهادى بين ابنيه، قال: «ما بال هذا؟» . قالوا: نذر أن يمشي، قال: «إنّ الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيّ» ، وأمره أن يركب) * «3» .
21-* (عن عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ رضي الله عنه-، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «أمّ قومك» .
قال: قلت يا رسول الله، إنّي أجد في نفسي شيئا، قال: «ادنه» . فجلّسني بين يديه ثمّ وضع كفّه في صدري بين ثديي، ثمّ قال: «تحوّل» . فوضعها في ظهري بين كتفيّ، ثمّ قال: «أمّ قومك فمن أمّ قوما فليخفّف فإنّ منهم الكبير، وإنّ فيهم المريض، وإنّ فيهم الضّعيف، وإنّ فيهم ذا الحاجة، وإذا صلّى أحدكم وحده فليصلّ كيف شاء» ) * «4» .
22-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه طلب غريما له فتوارى «5» عنه ثمّ وجده فقال: إنّي معسر فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه» ) * «6» .
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار» ) * «7» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخفّف فإنّ منهم الضّعيف والسّقيم والكبير وإذا صلّى أحدكم لنفسه فليطوّل ما شاء» ) * «8» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة» ) *» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّي لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز ممّا
__________
(1) مسلم (2865) .
(2) البخاري- الفتح 1 (43) .
(3) البخاري- الفتح 4 (1865) ، ومسلم (1642) واللفظ له. يهادى يمشي بينهما متوكئا عليهما لضعفه.
(4) مسلم (468) .
(5) توارى: استتر عن غريمه.
(6) مسلم (1563) .
(7) مسلم (2630) .
(8) البخاري- الفتح 2 (703) واللفظ له، ومسلم (467) .
(9) البخاري- الفتح 10 (6000) . مسلم (2752) واللفظ له.
(6/2162)
أعلم من شدّة وجد أمّه من بكائه» ) * «1» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر، فإنّ الله إنّما سخّرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجتكم» ) * «2» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والوصال» . قالوا:
فإنّك تواصل يا رسول الله، قال: «إنّكم لستم في ذلك مثلي إنّي أبيت يطعمني ربّي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون» ) * «3» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما عندك يا ثمامة «4» ؟» . فقال: عندي خير يا محمّد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» ، قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» . قال: ما قلت لك.
فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. يا محمّد، والله ما كان علي الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ.
والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة. فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة. قال له قائل: صبوت. قال: لا.
ولكن أسلمت مع محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثمّ خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال الرّجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» . قالوا: يا رسول الله، وإنّ لنا في البهائم أجرا. فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر» ) * «6» .
31-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (709) واللفظ له. ومسلم (470) .
(2) أبو داود (2567) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن.
(3) البخاري- الفتح 4 (1966) . ومسلم (1103) واللفظ له.
(4) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك.
(5) البخاري- الفتح (4372) ، ومسلم (1764) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6009) ، ومسلم (2244) .
(6/2163)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟. قال: لا.
قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فامر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله عزّ وجلّ-: تجوّزوا عنه» ) * «1» .
32-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» ) * «2» .
33-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه.
فقال: «ماله؟» . قالوا: رجل صائم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر» ) * «3» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تفرش فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«من فجع هذه بولدها، ردّوا ولدها إليها) » * «4» .
35-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها) * «5» .
36-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة «6» ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «7» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ) * «8» .
38-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «9» .
39-* (عن أمّ خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله عنها- قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي وعليّ قميص أصفر. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سنه سنه» .
قال عبد الله وهي بالحبشيّة حسنة قالت فذهبت ألعب
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2077) . مسلم (1560) واللفظ له.
(2) مسلم (1955) .
(3) البخاري- الفتح 4 (1946) ، ومسلم (115) واللفظ له.
(4) رواه أبو داود (2675) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 529) : حديث حسن.
(5) البخاري- الفتح 7 (3560) ، ومسلم (2327) .
(6) المعجمة: التي لا تنطق.
(7) أبو داود (2548) وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن.
(8) مسلم (2699) .
(9) البخاري- الفتح 10 (6125) . مسلم (1734) .
(6/2164)
بخاتم النّبوّة فزبرني «1» أبي؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«دعها» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبلي وأخلقي، ثمّ أبلي وأخلقي، ثمّ أبلي وأخلقي» ) * «2» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» ، ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» .
قالوا: يا رسول الله إلّا أمثل من سنّه. فقال: «اعطوه فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ) * «3» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرفق)
41-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» فقال الله- عزّ وجلّ:
يا جبريل اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام، فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله:
يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك) * «4» .
42-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟» . قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «5» فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني» ، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد. فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «6» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «7» .
43-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: رأيتني وقثم وعبيد الله ابني عبّاس ونحن صبيان نلعب إذ مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على دابّة، فقال: «ارفعوا
__________
(1) زبرني: نهرني.
(2) البخاري- الفتح 10 (5993) .
(3) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له. ومسلم (1601) .
(4) مسلم (202) .
(5) قرن الثعالب: هو ميقات أهل نجد، ويقال له قرن المنازل أيضا وهو على يوم وليلة من مكة.
(6) الأخشبان: جبلان عظيمان بمكة.
(7) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. مسلم (1795) .
(6/2165)
هذا إليّ فحملني أمامه وقال لقثم ارفعوا هذا إليّ فحمله وراءه وكان عبيد الله أحبّ إلى عبّاس من قثم فما استحى من عمّه أن حمل قثم وتركه. قال: ثمّ مسح على رأسه ثلاثا وقال كلّما مسح: «اللهمّ اخلف جعفرا في ولده» ) * «1» .
44-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الأولى، ثمّ خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدّي أحدهم واحدا واحدا. قال: وأمّا أنا فمسح خدّي. قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنّما أخرجها من جؤنة عطّار) * «2» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قدم الطّفيل بن عمرو الدّوسيّ وأصحابه على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا يا رسول الله إنّ دوسا عصت وأبت فادع الله عليها، فقيل هلكت دوس. قال: «اللهمّ اهد دوسا وأت بهم» ) * «3» .
46-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «4» .
47-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة فقلت والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فخرجت حتّى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السّوق فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي، قال فنظرت إليه وهو يضحك فقال: «يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟» . قال: قلت نعم أنا أذهب يا رسول الله) * «5» .
48-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء «6» فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . فقال: بم أخذتني؟، وبم أخذت سابقة الحاجّ. فقال: (إعظاما لذلك) أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» . ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد يا محمّد وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا. فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي مسلم. قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كلّ الفلاح» ، ثمّ انصرف، فناداه، فقال: يا محمّد يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» . قال: إنّي جائع فأطعمني وظمان فاسقني. قال: «هذه حاجتك» . ففدي بالرّجلين) * «7» .
__________
(1) أحمد في المسند (3/ 1760) وقال محققه: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله ثقات، والحاكم في المستدرك (3/ 567) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (2329) .
(3) البخاري- الفتح 6 (2937) ، ومسلم (2524) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3477) ، ومسلم (1792) واللفظ له
(5) مسلم (2310) .
(6) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل ثم انتقلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(7) مسلم (1641) .
(6/2166)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الرفق)
1-* (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:
«أيّها النّاس أيّتها الرّعيّة إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه، واعلموا أنّه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهريه يرزق العافية ممّن هو دونه» ) * «1» .
2-* (عن زيد بن أسلم عن أبيه؛ قال:
خرجت مع عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا «2» ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فوقف معها عمر ولم يمض. ثمّ قال: «مرحبا بنسب قريب»
» ، ثمّ انصرف إلى بعير ظهير «4» كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين «5» ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه، ثمّ قال: «اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم الله بخير» . فقال رجل: يا أمير المؤمنين أكثرت لها، قال عمر: «ثكلتك أمّك، والله إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا فيه» ) * «6» .
3-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«إنّ من فقه الرّجل رفقه في معيشته» ) * «7» .
4-* (قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله رضي الله عنهما-: «ما الرّفق؟» . قال: «تكون ذا أناة فتلاين الولاة» . قال: «فما الخرق؟» . قال:
«معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضررك» ) * «8» .
5-* (عن هشام بن عروة عن أبيه، قال:
«مكتوب في الحكمة (الرّفق رأس الحكمة» ) * «9» .
6-* (وعن قيس بن أبي حازم، قال: «كان يقال من يعط الرّفق في الدّنيا نفعه في الآخرة» ) * «10» .
__________
(1) إحياء علوم الدين، للغزالي (3/ 188، 189) .
(2) كراعا: هو ما دون الكعب من الشاة، ومعناه أنهم لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه.
(3) بنسب قريب: يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش لأن كنانة يجمعهم، أو أراد أنها نسبت إلى شخص واحد معروف.
(4) بعير ظهير: أي قوي الظهر معد للحاجة.
(5) الغرارتان: واحدها غرارة، وهي الجوالق.
(6) البخاري- الفتح 7 (4160) .
(7) أخرجه هناد السري في الزهد، ووكيع في الزهد (3/ 782) ورجاله ثقات.
(8) إحياء علوم الدين (3/ 188) .
(9) أخرجه هناد السري في الزهد ورجاله ثقات.
(10) أخرجه وكيع في الزهد (3/ 777) ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
(6/2167)
7-* (قال ابن أبي خالد: «الرّفق يمن، والخرق شؤم» ) * «1» .
8-* (قال وهب بن منبّه: «الرّفق ثنيّ الحلم» ) * «2» .
9-* (وقال بعضهم: «ما أحسن الإيمان يزيّنه العلم، وما أحسن العلم يزيّنه العمل، وما أحسن العمل يزيّنه الرّفق، وما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم) * «3» .
() من فوائد (الرفق)
(1) طريق موصّل إلى الجنّة.
(2) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(3) يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس.
(4) ينمّي روح المحبّة والتّعاون بين النّاس.
(5) دليل على صلاح العبد وحسن خلقه.
(6) ينشأ مجتمعا سالما من الغلّ والعنف.
(7) عنوان سعادة العبد في الدّارين.
(8) الرّفق يزيّن الأشياء.
(9) رفق الوالي بالرّعية مدعاة لأن يرفق الله بالرّعية
(10) حظّ الإنسان من الخير هو بمقدار حظّه من الرّفق.
(11) الرّفق بالحيوان في إطعامه أو ذبحه من مظاهر الإحسان.
(12) الرّفق دليل على فقه الرّجل وأناته وحكمته.
__________
(1) أخرجه وكيع في الزهد (3/ 780)
(2) إحياء علوم الدين (3/ 189)
(3) المصدر السابق نفسه (3/ 189)
(6/2168)
الرهبة والترهيب
الرهبة لغة:
الرّهبة مصدر قولهم رهب، يقال رهب بكسر ثانيه- يرهب- بالفتح- رهبة ورهبا (بالضّمّ) ورهبا (بالتّحريك) أي خاف وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ر هـ ب) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنيين:
أحدهما الخوف والآخر الدّقّة والخفّة «1» ، والرّهبة في هذه الصّفة ترجع إلى المعنى الأوّل: يقال: رهبه إذا خافه، وتقول: أرهبه واسترهبه إذا أخافه، وترهّب غيره إذا توعّده، والاسم من ذلك: الرّهب والرّهباء، تقول:
الرّهباء من الله والرّغباء إليه، وفي حديث الدّعاء:
«رغبة ورهبة» وفسّر قول الله تعالى: قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (الأعراف/ 116) استدعوا رهبتهم حتّى رهبهم النّاس، يقال:
ترهّب الرّجل: إذا صار راهبا يخشى الله، والترهّب:
التّعبّد وهو استعمال الرّهبة، والرّهب مقابل الرّغب، كما في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً (الأنبياء/ 90) والرّهبانية: غلوّ في تحمّل التّعبّد من فرط الرّهبة وهي بدعة ابتدعوها لم يشرعها الحقّ- عزّ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
74/ 38/ 10
وجلّ- «2» .
ورهب الشّيء رهبا ورهبا ورهبة: خافه. والاسم:
الرّهب، وتقول: أرهبه واسترهبه إذا أخافه. وترهّب غيره إذا توعّده. والرّهباء اسم من الرّهب، واسترهبه:
استدعى رهبته حتّى رهبه النّاس، وبذلك فسّر قوله عزّ وجلّ-: وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (الأعراف/ 116) أي أرهبوهم. وترهّب الرّجل إذا صار راهبا يخشى الله. والتّرهّب: التّعبّد، وهو استعمال الرّهبة «3» .
الرهبة اصطلاحا:
يقول الرّاغب: الرّهبة والرّهب مخافة مع تحرّز واضطراب «4» .
أمّا الرّاهب (في النصرانيّة) فهو العامل بالرّياضة الشّاقّة، وترك المأكولات اللّذيذة، والملبوسات اللّيّنة، وقد منع ذلك ديننا الحنيف لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا رهبانيّة في الإسلام» «5» .
وقال الجرجانيّ: الرّاهب: هو العابد في النصرانيّة (الّذي له) من الرّياضة والانقطاع من الخلق،
__________
(1) من هذا المعنى قولهم: الرهب: الناقة المهزولة، والرهاب الرقاق من النصال. انظر مقاييس اللغة 2/ 447.
(2) انظر مقاييس اللغة (2/ 447) ، والمفردات للراغب (209) ، والصحاح للجوهري (2/ 280، 281) ، ولسان العرب (1/ 436، 437) (ط. بيروت) .
(3) مقاييس اللغة (2/ 477) ، والصحاح للجوهري (2/ 280، 281) ، ولسان العرب لابن منظور (1/ 436، 437) ، والمفردات للراغب (209) .
(4) المفردات (209) .
(5) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (3/ 16) .
(6/2169)
والتّوجّه إلى الحقّ (ما ليس لغيره) «1» .
الترهيب:
أمّا التّرهيب فهو مصدر قولهم: رهّبه من الشّيء بمعنى أخافه منه خوفا شديدا ترتعد له فرائصه، ويتحقّق بذلك رهبة منه تخالج شعوره وتدفع صاحبها إلى البعد عنه وعمّا يؤدّي إليه من أعمال في هذه الحياة الدّنيا.
لماذا الترهيب من عذاب الآخرة؟
إنّ الجزاء العاجل الّذي يلقاه الطّائعون والعصاة في هذه الحياة الدّنيا لا يردع العصاة، ولا يكافيء الطّائعين على النّحو الّذي يستحقّه كلّ منهم للأسباب الآتية:
أولا: لأنّ كلّ هذه الجزاءات الدّنيويّة مقدّ مات للعدالة الإلهيّة الشّاملة الكاملة، مصداقا لقوله تعالى: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 185) .
ثانيا: لأنّ ضروب السّعادة والتّعاسة في الدّنيا مختلطة بعضها ببعض، فالصّالحون يدفعون في الواقع ثمن أخطائهم، حتّى ما كان منها لمما «2» ، من آلامهم، وما يلقون من عقبات في هذه الدّنيا، قال تعالى في حقّ المؤمنين: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ (آل عمران/ 153) ، ثمّ إنّ أحلك القلوب ظلمة لا تعدم أن تفعل بعض الخير، وتنال عنها مكافأة مضمونة من طيّبات هذه الحياة الدّنيا، بحيث تبقى جرائمهم دون مقاصّة تنتظر الفصل في يوم الدّين.
ثالثا: لأنّ ما يحدث لنا من خير وشرّ في هذه الدّنيا لا بدّ وأن ينظر إليه على أنّه ابتلاء.
وانطلاقا من هذه الأمور الثّلاثة تنبع ضرورة الجزاء الأخرويّ «3» ، وقد تحدّثنا في صفة الرّغبة عن هذا الجزاء الّذي أعدّه الله للطّائعين، وسنحاول هنا أن نذكر من آيات الذّكر الحكيم والأحاديث الشّريفة ما يجعل العصاة يقفون على ما أعدّه الله لهم حتّى تتحقّق رهبتهم منه، ويعلموا سلفا عاقبة عصيانهم ومخالفة أمر ربّهم وما سوف يسامون من عذاب.
[للاستزادة: انظر صفات: الخوف- الخشوع الخشية- الإخبات- الإنابة- الطاعة- الدعاء- القنوت.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر العصيان- الغفلة- الفجور- السخط- الكبر والعجب] .
__________
(1) التعريفات للجرجاني (114) ، وما بين الأقواس زيادة اقتضاها السياق.
(2) اللمم: صغائر الذنوب.
(3) بتلخيص وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن للشيخ دراز (261- 262) . وقد صنّف الشيخ دراز هذه العقوبات الأخروية إلى: أ- الجانب الحرماني مثل حبوط الأعمال وخيبة الأمل واليأس من الرحمة. ب- الجانب الإيماني المتمثل في تنكيس الرؤوس وسواد الوجوه. ج- عقوبات بدنية تتمثل فيما يلقونه في جهنم وساءت مصيرا، انظر دستور الأخلاق في القرآن (387- 400) .
(6/2170)
الآيات الواردة في «الرهبة»
1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) «1»
2- وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) «2»
3- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «3» .
4-* وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)
وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) «4»
5- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «5»
__________
(1) البقرة: 40 مدنية
(2) الأعراف: 149- 154 مكية
(3) الأنفال: 60 مدنية
(4) النحل: 51- 52 مكية
(5) الأنبياء: 89- 90 مكية
(6/2171)
الآيات الواردة في «الترهيب من النار»
6- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) «1»
7- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) «2»
8- فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80)
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) «3»
9- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) «4»
10- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) «5»
11- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ
__________
(1) البقرة: 21- 24 مدنية
(2) البقرة: 39 مدنية
(3) البقرة: 79- 81 مدنية
(4) البقرة: 126 مدنية
(5) البقرة: 174- 175 مدنية
(6/2172)
حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) «1»
12- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «2»
13- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) «3»
14- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) »
15- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) «5»
16- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196)
مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) «6»
17- تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «7»
18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «8»
__________
(1) البقرة: 217 مدنية
(2) البقرة: 257 مدنية
(3) البقرة: 275 مدنية
(4) آل عمران: 10 مدنية
(5) آل عمران: 129- 131 مدنية
(6) آل عمران: 196- 197 مدنية
(7) النساء: 13- 14 مدنية
(8) النساء: 29- 30 مدنية
(6/2173)
19- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) «1»
20- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «2»
21- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) «3»
22- وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «4»
23- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
(130) «5»
24- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) «6»
25-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34)
__________
(1) النساء: 56 مدنية
(2) النساء: 115 مدنية
(3) النساء: 145 مدنية
(4) المائدة: 71- 73 مدنية
(5) الأنعام: 128- 130 مكية
(6) الأنفال: 15- 16 مدنية
(6/2174)
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) «1»
26- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) «2»
27- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) «3»
28- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) «4»
29-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) «5»
30- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) «6»
31- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ
__________
(1) التوبة: 34- 35 مدنية
(2) يونس: 7- 8 مكية
(3) هود: 103- 107 مكية
(4) إبراهيم: 13- 17 مكية
(5) إبراهيم: 28- 30 مكية
(6) إبراهيم: 47- 51 مكية
(6/2175)
وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42)
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) «1»
32- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) «2»
33- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً
(39) «3»
34- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98) «4»
35- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) «5»
__________
(1) الحجر: 39- 43 مكية
(2) الإسراء: 18 مكية
(3) الإسراء: 31- 39 مكية
(4) الإسراء: 97- 98 مكية
(5) الكهف: 28- 29 مكية
(6/2176)
36-* وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) «1»
37- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99)
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) «2»
38-* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22) «3»
39- وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104)
أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105)
قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106)
رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107)
قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108)
إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4»
40- بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11)
إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13)
لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) «5»
41- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) «6»
__________
(1) الأنبياء: 29 مكية
(2) الأنبياء: 97- 100 مكية
(3) الحج: 19- 22 مدنية
(4) المؤمنون: 103- 111 مكية
(5) الفرقان: 11- 15 مكية
(6) النمل: 90 مكية
(6/2177)
42- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) «1»
43- إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) «2»
44- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «3»
45- أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69)
فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) «4»
46- هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (56)
هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (58)
هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (59)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (60)
قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (61)
__________
(1) السجدة: 18- 21 مكية
(2) الأحزاب: 64- 68 مدنية
(3) فاطر: 36- 37 مكية
(4) الصافات: 62- 70 مكية
(6/2178)
وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (62)
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (63)
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) »
47- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) «2»
48- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «3»
49- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) «4»
50- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
__________
(1) ص: 55- 64 مكية
(2) الزمر: 13- 16 مكية
(3) الزمر: 71- 72 مكية
(4) غافر: 69- 76 مكية
(6/2179)
* وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (25) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (28) «1»
51- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) «2»
52- إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43)
طَعامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) «3»
53- وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) «4»
54- وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) * قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) «5»
__________
(1) فصلت: 19- 28 مكية
(2) الزخرف: 74- 83 مكية
(3) الدخان: 43- 50 مكية
(4) الأحقاف: 20 مكية
(5) ق: 23- 30 مكية
(6/2180)
55- إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) «1»
56- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) «2»
57- فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) «3»
58- وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) «4»
59- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) «5»
60- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا
__________
(1) الطور: 7- 16 مكية
(2) القمر: 47- 48 مكية
(3) الرحمن: 37- 44 مدنية
(4) الواقعة: 41- 55 مكية
(5) التحريم: 6 مدنية
(6/2181)
نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «1»
61- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ (37) «2»
62- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) «3»
63- سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «4»
__________
(1) الملك: 6- 11 مكية
(2) الحاقة: 25- 37 مكية
(3) المعارج: 1- 18 مكية
(4) المدثر: 26- 31 مكية
(6/2182)
64- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39)
فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40)
عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45)
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47)
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) «1»
65- وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) «2»
66- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (30) «3»
67- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) «4»
68- سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (13) «5»
69- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى ناراً حامِيَةً (4) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) «6»
__________
(1) المدثر: 38- 48 مكية
(2) المرسلات: 28- 39 مكية
(3) النبأ: 21- 30 مكية
(4) البروج: 10 مكية
(5) الأعلى: 10- 13 مكية
(6) الغاشية: 1- 7 مكية
(6/2183)
70- كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23)
يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (24)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25)
وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (26) «1»
71- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14)
لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) «2»
72- وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8)
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10)
نارٌ حامِيَةٌ (11) «3»
73- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2)
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) «4»
74- فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5)
الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6)
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7) «5»
__________
(1) الفجر: 21- 26 مكية
(2) الليل: 14- 16 مكية
(3) القارعة: 8- 11 مكية
(4) الهمزة: 1- 9 مكية
(5) الماعون: 4- 7 مكية
(6/2184)
[الأحاديث الواردة في الرهبة والترهيب]
أولا: الأحاديث الواردة في (الرهبة)
1-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاءه، فقال: أوصني. فقال: سألت عمّا سألت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبلك، أوصيك بتقوى الله فإنّه رأس كلّ شيء، وعليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنّه روحك في السّماء وذكرك في الأرض» ) * «1» .
2-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «2» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «3» .
وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك»
، رغبة ورهبة إليك «5» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت.
واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «6» » ) * «7» .
3-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قلت يا رسول الله: إنّ أمّي قدمت عليّ وهي راغبة أو راهبة، أفأصلها قال: «نعم» ) * «8» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: يحشر النّاس على ثلاث طرائق «9» راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم النّار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم، حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «10» .
__________
(1) أحمد في المسند (3/ 82) واللفظ له، والهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات، الحديث في الصحيحة للألباني (55) .
(2) إذا أخذت مضجعك: أي إذا أردت النوم في مضجعك.
(3) أسلمت وجهي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك.
(4) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
(5) رغبة ورهبة إليك: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك.
(6) الفطرة: الإسلام.
(7) مسلم (2710) .
(8) البخاري- الفتح 10 (5978) ، ومسلم (1003) واللفظ له.
(9) ثلاث طرائق: أي ثلاث فرق.
(10) البخاري- الفتح 11 (6522) واللفظ له، ومسلم (2861) .
(6/2185)
الأحاديث الواردة في (الرهبة) معنى
5-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل.
فهو يمشي مرّة ويكبو «1» مرّة. وتسفعه «2» النّار مرّة.
فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الّذي نجّاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة. فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه الشّجرة فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول الله- عزّ وجلّ- يا بن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «3» . فيدنيه منها فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى.
فيقول: أي ربّ! أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول: يا بن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه.
فيدنيه منها. فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين.
فيقول: أي ربّ! أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. لا أسألك غيرها. فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا ربّ. هذه لا أسألك غيرها، وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة. فيقول: أي ربّ أدخلنيها. فيقول:
يا بن آدم، ما يصريني منك «4» ؟. أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟ قال: يا ربّ! أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين» . فضحك ابن مسعود فقال:
ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: ممّ تضحك؟ قال:
هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟. قال: «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين؟. فيقول: إنّي لا أستهزأ منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «5» .
6-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟!» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى
__________
(1) يكبو: معناه يسقط على وجهه.
(2) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا.
(3) ما لا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها.
(4) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني، أو أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك.
(5) مسلم (187) .
(6/2186)
أوحى الله إليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (هود/ 114) . قال أبو اليسر: فأتيته فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟. قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «2» منها نهسة، فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «3» .
فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «4» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون. وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟. ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟» ... الحديث) * «5» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ذكرت النّار فبكت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟» . قالت: ذكرت النّار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (الحاقة/ 19) حتّى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهري جهنّم» ) * «6» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «7» . ثمّ يقال له: فيم كنت «8» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة.
فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك.
ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «9» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها.
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) ، والترمذي (3115) واللفظ له.
(2) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه.
(3) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(4) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم.
(5) البخاري- الفتح 8 (4712) ومسلم (194) واللفظ له.
(6) أبو داود (4755) ، وقال محقق جامع الأصول (10/ 475) حديث حسن. والحاكم (4/ 622) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين لولا إرسال فيه ابن الحسن وعائشة على أنه قد صحت الروايات أن الحسن كان يدخل وهو صبي منزل عائشة وأم سلمة، وأقره الذهبي، وصححه السيوطي في الجامع الصغير رقم (1603) وقال المناوي: رواه أحمد بأتم من هذا، وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وذكره الهيثمي (فيض القدير (2/ 171) ولم يذكره الألباني في ضعيف الجامع.
(7) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(8) فيم كنت؟: أي في أي دين.
(9) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(6/2187)
فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: هذا مقعدك. على الشّكّ كنت. وعليه متّ.
وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «1» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء «2» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «3» لقوله، كأنّه «4» سلسلة على صفوان، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترقو السّمع هكذا بعضه فوق بعض ووصف سفيان بكفّيه فحرّفها وبدّد بين أصابعه. فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمعت من السّماء» ) * «5» .
11-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (المؤمنون/ 104) . قال: «تشويه النّار فتقلّص شفته العالية حتّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته» ) * «6» .
12-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة حتّى أتى المسجد فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود. ما رأيته يفعله في صلاة قطّ. ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده. فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ) * «7» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال أبو بكر: يا رسول الله، قد شبت. قال:
«شيّبتني هود والواقعة والمرسلات وعَمَّ يَتَساءَلُونَ وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» ) * «8» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله- عزّ وجلّ- إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا
أكتبها بعشر أمثالها. وإذا
__________
(1) ابن ماجه 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجه (3443) .
(2) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله.
(3) خضعانا: أي خاضعين.
(4) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله-.
(5) البخاري- الفتح 8 (4800) .
(6) الترمذي (2587) وقال: حديث حسن غريب صحيح. وكذا قال في نفسي سورة المؤمنون رقم (3176) ، وأحمد (3/ 88) ، والحاكم (2/ 395) وصححه. وفي سنده عندهم دراج أبو السموح، وهو ضعيف في روايته عن أبي الهيثم (التقريب 201) ، لكن الترمذي والحاكم صححاه، كما أن له شاهدا صحيحا عن عبد الله بن مسعود بلفظ «وهم فيها كالحون» قال: ألم تر إلي الرأس المشيط الذي قد بدا أسنانه وقلصت شفتاه» تفسير الطبري (18/ 43) .
(7) البخاري- الفتح 2 (1059) ، مسلم (912) واللفظ له.
(8) الترمذي (3297) وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك (2/ 343) ووافقه الذهبي، والبغوي في شرح السنة (14/ 372) وقال محققه: إسناده حسن. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3616) .
(6/2188)
تحدّث بأن يعمل سيّئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«قالت الملائكة: ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها. وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنّما تركها من جرّاي «1» » ) * «2» .
15-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» ... الحديث، وفيه: «قال قلت لهما: ما هذا؟. قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ. قال قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن.
قال قالا لي: ارق، فارتقيت فيها، قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض «3» فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء»
. قال: قالا لي:
هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟. قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم» ) * «5» .
16-* (عن هانىء، مولى عثمان، قال: كان
__________
(1) من جرّاي: من أجلي.
(2) البخاري- الفتح 13 (7501) ، ومسلم (129) واللفظ له.
(3) المحض من البياض: أي البياض الخالص الذي لا يخالطه غيره.
(4) الربابة البيضاء: السحابة البيضاء.
(5) البخاري- الفتح 12 (7047) .
(6/2189)
عثمان بن عفّان، إذا وقف على قبر، يبكي حتّى يبلّ لحيته. فقيل له: تذكر الجنّة والنّار، فلا تبكي. وتبكي من هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منازل الآخرة. فإن نجا منه فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه، فما بعده أشدّ منه» . قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ سمع وجبة «2» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تدرون ما هذا؟» . قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النّار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النّار الآن، حتّى انتهى إلى قعرها» ) * «3» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه، الّتي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنّم» . قالوا: والله إن كانت لكافية، يا رسول الله. قال: «فإنّها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا. كلّها مثل حرّها» ) * «4» .
19-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «5» .
20-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا «6» » . قلت: يا رسول الله النّساء والرّجال جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟. قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) * «7» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرج عنق من النّار «8» يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «9» .
22-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-
__________
(1) سنن الترمذي (2309) ، وسنن ابن ماجه (2/ 4267) . والبغوي في شرح السنة (5/ 418) وقال محققه: سنده حسن.
(2) وجبة: أي سقطة.
(3) مسلم (2844) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3265) ، ومسلم (2843) واللفظ له.
(5) الترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (4607) ، وابن ماجه في المقدمة ص (42) . والعض بالنواجذ مثل في شدة الاستمساك بالشيء.
(6) غرلا: أي غير مختونين، جمع أغرل، وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان. والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا، ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم.
(7) مسلم (2859) .
(8) عنق من النار: أي قطعة منها.
(9) سنن الترمذي (2574) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وحسّن إسناده محقق جامع الأصول (10/ 518) .
(6/2190)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: يا آدم، فيقول:
لبّيك وسعديك، والخير في يديك. قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟. قال: «من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى ولكنّ عذاب الله شديد.
فاشتدّ ذلك عليهم» . فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرّجل؟. قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل» . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» . قال: فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة «1» في ذراع الحمار» ) * «2» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الرهبة)
23-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم. لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم. لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «3» .
24-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، صلاة، فأطال فيها.
فلمّا انصرف قلنا (أو قالوا) : يا رسول الله، أطلت اليوم الصّلاة. قال: «إنّي صلّيت صلاة رغبة ورهبة.
سألت الله- عزّ وجلّ- لأمّتي ثلاثا. فأعطاني اثنتين، وردّ عليّ واحدة. سألته أن لا يسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يهلكهم غرقا. فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فردّها عليّ» ) * «4» .
25-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة في الفراش.
فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «5» وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهمّ، أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك «6» ، أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «7» .
26-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) الرقمة: أثر في باطن عضدي الحمار، وقيل هي الدائرة في ذراعيه، وقيل: هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل.
(2) البخاري- الفتح 11 (6530) ، ومسلم (222) .
(3) مسلم (2730) .
(4) ابن ماجة (3951) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح. والترمذي (2175) وقال: حديث حسن صحيح.
(5) المسجد: أي في السجود أو في الموضع الذي كان يصلي فيه، في حجرته.
(6) لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك.
(7) مسلم (486) .
(6/2191)
قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو يقول: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر لي الهدى، وانصرني على من بغى عليّ.
ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطواعا، لك مخبتا إليك أوّاها منيبا. ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، وسدّد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري» ) * «1» .
() ثانيا: الأحاديث الواردة في (الترهيب)
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- (يرفعه) قال: «ما بين منكبي الكافر في النّار مسيرة ثلاثة أيّام، للرّاكب المسرع» ) * «2» .
28-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيد، حتّى يضع فيها ربّ العزّة تبارك وتعالى قدمه، فتقول: قط قط، وعزّتك، ويزوى «3» بعضها إلى بعض» ) * «4» .
29-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أهون أهل النّار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» ) * «5» .
30-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: يقول الله تعالى لأهون أهل النّار عذابا يوم القيامة: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به، فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلّا أن تشرك بي» ) * «6» .
31-* (عن النّعمان عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أهون أهل النّار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه» ) * «7» .
32-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النّار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النّار إلى حجزته «8» ، ومنهم من تأخذه النّار إلى ترقوته «9» » ) * «10» .
33-* (عن عديّ بن حاتم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر النّار فأشاح بوجهه فتعوّذ منها، ثمّ ذكر النّار فأشاح بوجهه فتعوّذ منها ثمّ قال: «اتّقوا النّار ولو بشقّ
__________
(1) الترمذي (3551) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (1510) وابن ماجه (3830) وصححه الألباني. والسخيمة: الحقد والضغينة في النفس.
(2) البخاري- الفتح 11 (6551) ، ومسلم (2852) واللفظ له.
(3) يزوى أي يتجمع وينقبض.
(4) البخاري- الفتح (8/ 4848) ، ومسلم (2848) واللفظ له.
(5) مسلم (212) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6557) ، ومسلم (2805) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6561) ، ومسلم (213) .
(8) حجزته: هي مقعد الإزار والسروايل.
(9) ترقوته: هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.
(10) مسلم (2845) .
(6/2192)
تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «1» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اشتكت النّار إلى ربّها فقالت: ربّ أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشّتاء ونفس في الصّيف، فأشدّ ما تجدون من الحرّ، وأشدّ ما تجدون من الزّمهرير» ) * «2» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الحميم حتّى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتّى يمرق من قدميه وهو الصّهر، ثمّ يعاد كما كان» ) * «3» .
36-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 102) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ قطرة من الزّقّوم قطرت في دار الدّنيا لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم. فكيف بمن يكون طعامه؟» ) * «4» .
37-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ رضاضة»
مثل هذه- وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السّماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل اللّيل، ولو أنّها أرسلت من رأس السّلسلة لصارت أربعين خريفا اللّيل والنّهار قبل أن تبلغ أصلها أو قعرها» ) * «6» .
38-* (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ كلّ ضعيف متضعّف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النّار؟ كلّ جوّاظ زنيم متكبّر» ) * «7» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الرهبة والترهيب)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول في دعائه: «خائفا مستجيرا تائبا مستغفرا راغبا راهبا» ) * «8» .
2-* (قرأ ابن عمر- رضي الله عنهما- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فلمّا بلغ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ بكى حتّى خرّ وامتنع عن قراءة ما بعده) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6563) ، ومسلم (1016) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3260) ، ومسلم (617) .
(3) الترمذي (2582) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (4325) .
(4) أحمد في السند (1/ 301) ، والترمذي (2585) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4325) ، وذكره ابن كثير في تفسيره (2/ 201) ، وعزاه لأحمد، وقال محقق جامع الأصول (11/ 518) : إسناده حسن.
(5) الرضاضة: فتات الشيء.
(6) الترمذي (2588) قال أبو عيسى: هذا حديث إسناده حسن صحيح. وأبو داود (1510) وابن ماجه (3830) وأحمد في المسند (3/ 310) وابن حبان في صحيحه (2414) .
(7) البخاري- الفتح 8 (4918) ، ومسلم (2853) واللفظ له، وقد سبق في (الترغيب في الجنة- الرغبة) .
(8) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (2/ 545) .
(9) المصدر السابق (1/ 253) .
(6/2193)
3-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟. قال: «إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ، فأثنوا عليه فقال: «راغب وراهب، وددت أنّي نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ، لا أتحمّلها حيّا وميّتا» ) * «1» .
4-* (بكي أبو هريرة في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟. فقال: «أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى أيّتهما يؤخذ بي» ) * «2» .
5-* (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) . قال: «من القنوت: الرّكوع، والخشوع، وغضّ البصر، وخفض الجناح من رهبة الله» ) * «3» .
6-* (عن قتادة في قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) قال: «كان يقال كفى بالرّهبة علما» ) * «4» .
7-* (روى الطّبريّ عن أبي العالية في قوله تعالى وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (البقرة/ 40) . يقول:
« «فاخشون» . وروي مثل ذلك عن السّدّيّ) * «5» .
8-* (قال النّيسابوريّ: «الرّهبة هي الخوف والخوف إمّا من العقاب وهو نصيب أهل الظّاهر وإمّا من الجلال وهو وظيفة أرباب القلوب، والأوّل يزول والثّاني لا يزول، ومن كان خوفه في الدّنيا أشدّ كان أمنه يوم القيامة أكثر، وبالعكس» ) * «6» .
9-* (وقال السّلميّ: «الرّهبة: خشية القلب من رديء خواطره» ) * «7» .
10-* (ويقول أبو حيّان في تفسيره: «وفي الأمر بالرّهبة وعيد بالغ ... وقيل: الخوف خوفان:
خوف العقاب، وهو نصيب أهل الظّاهر ويزول، وخوف جلال، وهو نصيب أهل القلب ولا يزول» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7218) .
(2) شرح السنة، للبغوي (14/ 373) .
(3) المرجع السابق (3/ 262) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) تفسير الطبري (1/ 199) .
(6) غرائب القرآن المنشور بهامش تفسير الطبري (1/ 270) .
(7) البحر المحيط (1/ 176) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6/2194)
من فوائد (الرهبة)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
(3) طريق موصّل إلى محبّة الله وجنّته.
(4) مظهر من مظاهر صلاح العبد واستقامته.
(5) سبب سعادة العبد في الدّارين
(6) تشيع المسالمة بين النّاس.
(7) تثمر حسن الخلق وطهارة النّفس والعزوف عن التّنافس في الدّنيا.
أمّا التّرهيب فإنّ له فوائد عديدة منها:
(8) يجعل العصاة والمستهترين يقفون على حقيقة ما لهم في الآخرة.
(9) يزوّد المؤمن بما يدفع به إغواء الشّيطان فيقلع عن المعاصي.
(10) يعجّل بتوبة التّائبين حتّى لا يدركهم الموت وهم عصاة.
(11) التّرهيب يورث الخوف من عذاب الله عزّ وجلّ ويولّد الرّهبة حتّى تصير طبعا في الإنسان توصّله إلى تقوى الله عزّ وجلّ.
وانظر أيضا فوائد: الخوف- الخشية- التقوى
(6/2195)
[حرف الزاء]
الزكاة*
الزكاة لغة:
أصل المادّة يدلّ على الزّيادة والنّماء، يقول ابن فارس: الزّاي والكاف والحرف المعتلّ أصل يدلّ على نماء وزيادة، ويقال: الصّدقة زكاة المال. قال بعضهم:
سمّيت بذلك لأنّها ممّا يرجى به زكاء المال، وهو زيادته ونماؤه. وقال بعضهم: سمّيت زكاة لأنّها طهارة، قالوا:
وحجّة ذلك قوله- جلّ ثناؤه- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) والأصل في ذلك كلّه راجع إلى هذين المعنيين، وهما النّماء والطّهارة «1» .
ويرى الرّاغب أنّ النّموّ فيها ناتج من بركة الله تعالى فيقول: «أصل الزّكاة: النّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيوية والأخرويّة يقال زكا الزّرع يزكو إذا حصل منه نموّ وبركة ... ومنه الزّكاة لما يخرج الإنسان من حقّ الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات، أولهما جميعا،
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
51/ 44/ 10
فإنّ الخيرين موجودان فيها «2» .
وتطلق الزّكاة على معان، فهي: الصّلاح، ورجل تقيّ زكيّ أي زاك من قوم أتقياء أزكياء، وقد زكا زكاء وزكوّا وزكي وتزكّى وزكّاه الله، وزكّى نفسه تزكية مدحها، وتزكّى أي تصدّق.
والزّكاة: زكاة المال معروفة، وهو تطهيره، والفعل منه زكّى يزكّي تزكية، إذا أدّى عن ماله زكاته ... وقيل الزّكاة: صفوة الشّيء، وزكّاه إذا أخذ زكاته «3» .
والزّكاء- ممدود-: النّماء والرّيع، زكا يزكو زكاء وزكوّا ... والزّكاء: ما أخرجه الله من الثّمر. وأرض زكيّة طيّبة سمينة ... والزّرع يزكو زكاء، ممدود أي نما، وأزكاه الله، وكلّ شيء يزداد وينمي فهو يزكو زكاء «4» .
والزّكا مقصور: الشّفع من العدد ... والعرب تقول للفرد خسا وللزّوجين اثنين زكا «5» وزكا الرّجل يزكو زكوّا، تنعّم وكان في خصب ... ورجل زكأة أي موسر.. وقيل: إنّه لملىء زكأة
أي حاضر النّقد عاجله،
__________
* هذه المادة عامة في زكاة الأموال والأبدان وزكاة النفس وطهارتها.
(1) المقاييس (3/ 17) «زكا» .
(2) المفردات (218) «زكا.
(3) اللسان «زكا» ، والقاموس (4/ 339) .
(4) الصحاح (6/ 2368) نما، وانظر اللسان نما والقاموس (4/ 339) ، والمصباح المنير (1/ 254) «زكا» .
(5) لسان العرب (14/ 359) ط. بيروت، وقارن ب «الصحاح» (6/ 368) والقاموس المحيط (4/ 339) .
(6/2196)
ويقال: قد زكأه إذا عجّل نقده.
وقول الله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (مريم/ 13) ، معناه: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه وتزكية له، أقام الاسم (وهو الزّكاة) مقام المصدر (وهو التّزكية) «1» .
الزكاة اصطلاحا:
اسم لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة «2» .
وعند الجرجانيّ «عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص» «3» .
قال الماوردي: الصّدقة زكاة، والزّكاة صدقة، يفترق الاسم ويتّفق المسمّى «4» .
وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إنّما سمّيت الزكاة صدقة، لأنّه مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد «5» .
وقال: مشابهة الصّدق هاهنا للصّدقة: أنّ من أيقن من دينه أنّ البعث حقّ، وأنّ الدّار الآخرة هي المصير، وأنّ هذه الدّار الدّانية قنطرة إلى الأخرى، وباب إلى السّوأى أو الحسنى عمل لها، وقدّم ما يجده فيها، فإن شكّ فيها، أو تكاسل عنها، وآثر عليها بخل بماله، واستعدّ لآماله، وغفل عن ماله «6» .
وقال الفيروزآباديّ: الزّكاة النّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى. ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيويّة والأخرويّة، وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (الكهف/ 19) . هذه المادّة عامّة في زكاة الأموال والأبدان، وزكاة النّفس وطهارتها إشارة إلى ما يكون حلالا لا يستوضح عقباه. ومنه الزّكاة لما يخرجه الإنسان من حقّ الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيه من رجاء البركة، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعا؛ فإنّ الخيرين موجودان فيها. وقرن الله تعالى الزّكاة بالصّلاة في القرآن تعظيما لشأنها.
تزكية النفس:
وبزكاء النّفس وطهارتها يصير الإنسان زاكيا بحيث يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة، وهو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره. واسم الزّكاة ينسب تارة إلى العبد لاكتسابه ذلك نحو قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (الشمس/ 9) . وتارة إلى الله تعالى لكونه فاعلا لذلك في الحقيقة نحو: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ (النساء/ 49) . وتارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم. نحو: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها (التوبة/ 103) . وتارة إلى العبادة الّتي هي آلة في ذلك نحو: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً (مريم/ 13) . وقوله تعالى: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
(مريم/ 19) . أي زكيّ الخلقة عن طريق الاجتباء،
__________
(1) لسان العرب (14/ 358) .
(2) المجموع شرح المهذب (5/ 325) .
(3) التعريفات (114) .
(4) فقه الزكاة للقرضاوي (1/ 40) .
(5) المصدر السابق (1/ 41) .
(6) فقه الزكاة للقرضاوي (1/ 41) .
(6/2197)
وهو أن يجعل سبحانه بعض عباده عالما وطاهر الخلق لا بالتّعلّم والممارسة بل بقوّة إلهيّة، كما يكون لكلّ الأنبياء والرّسل. ويجوز أن يكون تسميته بالزكيّ لما يكون عليه في الاستقبال وفي الحال. والمعنى سيتزكّى.
من معاني الزكاة في القرآن:
ورد في القرآن على أوجه منها:
1- بمعنى الأقرب إلى المصلحة كما في قوله تعالى: هُوَ أَزْكى لَكُمْ (النور/ 28) .
2- بمعنى الحلال كما في قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (الكهف/ 19) .
3- بمعنى الحسن واللطافة كما في قوله تعالى:
أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ (الكهف/ 74) أي ذات جمال.
4- بمعنى العلاج والصّيانة كما في قوله تعالى:
أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً (الكهف/ 81) .
5- بمعنى الاحتراز عن الفواحش كما في قوله تعالى: ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ (النور/ 21) .
6- بمعنى الإقبال على الخدمة (أي الطّاعة) كما في قوله تعالى: وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ (فاطر/ 18) .
7- بمعنى التّوحيد والشّهادة كما في قوله تعالى: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (عبس/ 7) .
8- بمعنى الثّناء والمدح كما في قوله تعالى:
فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ (النجم/ 32) .
9- بمعنى النّقاء والطّهارة كما في قوله تعالى:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (الشمس/ 9) .
10- بمعنى أداء الزّكاة الشّرعيّة كما في قوله تعالى: وَآتُوا الزَّكاةَ (البقرة/ 43) . وأيضا قوله تعالى: وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ (البينة/ 5) «1» .
ولها نظائر كثيرة في القرآن «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- الإحسان- البر- الصدقة- المواساة- بر الوالدين- العبادة- صلة الرحم- الطاعة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الردة- الشح- العصيان- الفسوق- الكنز- قطيعة الرحم] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3132/، 135) بتصرف.
(2) ذكر الفيروز آبادي أربعة معان أخرى للفظ الزكاة ترجع إلى ما سبق.
(6/2198)
الآيات الواردة في «الزكاة»
الزكاة الشرعية:
1- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) «1»
2- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «2»
3- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) «3»
4-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4»
5- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «5»
__________
(1) البقرة: 40- 43 مدنية
(2) البقرة: 83 مدنية
(3) البقرة: 109- 110 مدنية
(4) البقرة: 177 مدنية
(5) البقرة: 276- 277 مدنية
(6/2199)
6- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) »
7-* وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «2»
8- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) «3»
9-* وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «4»
10- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «5»
11- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) «6»
12- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «7»
13- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(71) «8»
14- قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) «9»
__________
(1) النساء: 77 مدنية
(2) المائدة: 12 مدنية
(3) المائدة: 55 مدنية
(4) الأعراف: 156 مكية
(5) التوبة: 5 مدنية
(6) التوبة: 11 مدنية
(7) التوبة: 18 مدنية
(8) التوبة: 71 مدنية
(9) مريم: 30- 32 مكية
(6/2200)
15- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) «1»
16- وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) «2»
17- الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) «3»
18- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «4»
19- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) «5»
20- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36)
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) «6»
21- وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) «7»
22- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1)
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «8»
23- وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) «9»
24- الم (1)
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2)
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
__________
(1) مريم: 54- 55 مكية
(2) الأنبياء: 73 مكية
(3) الحج: 41 مدنية
(4) الحج: 78 مدنية
(5) المؤمنون: 1- 6 مكية
(6) النور: 36- 37 مدنية
(7) النور: 56 مدنية
(8) النمل: 1- 3 مكية
(9) الروم: 39 مكية
(6/2201)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «2»
26-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «3»
27- فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14)
لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18)
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19)
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20)
وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «4»
28- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) «5»
الزكاة بمعنى الحلال:
29- وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا
__________
(1) لقمان: 1- 5 مكية
(2) المجادلة: 12- 13 مدنية
(3) المزمل: 20 مكية
(4) الليل: 14- 21 مكية
(5) البينة: 1- 5 مكية
(6/2202)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) «1»
الزكاة بمعنى الحسن واللطافة:
30- فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) * قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) «2»
31- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17)
قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) «3»
الزكاة بمعنى العلاج والصيانة:
32- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) «4»
33- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) «5»
الزكاة بمعنى الاحتراز عن الفواحش:
34-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «6»
الزكاة بمعنى الإقبال على الطاعة:
35- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) «7»
__________
(1) الكهف: 19- 20 مكية
(2) الكهف: 74- 76 مكية
(3) مريم: 16- 19 مكية
(4) الكهف: 80- 81 مكية
(5) مريم: 12- 14 مكية
(6) النور: 21 مدنية
(7) طه: 74- 76 مكية
(6/2203)
36- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «1»
الزكاة بمعنى التوحيد والشهادة:
37- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) «2»
38- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2)
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) »
39- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (19) «4»
الزكاة بمعنى النقاء والطهارة:
40- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «5»
41- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) «6»
42- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «7»
43- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
__________
(1) فاطر: 18 مكية
(2) النازعات: 17- 19 مكية
(3) عبس 1- 7 مكية
(4) الأعلى: 14- 19 مكية
(5) البقرة: 127- 129 مدنية
(6) البقرة: 151- 152 مدنية
(7) آل عمران: 164 مدنية
(6/2204)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) «1»
44- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «2»
45- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «3»
الزكاة بمعنى الثناء والمدح:
46- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) «4»
الزكاة بمعنى القرب إلى المصلحة:
47- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «5»
48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) «6»
49- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) «7»
الآيات الواردة في «الزكاة» معنى
50-* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «8»
51- وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) «9»
__________
(1) التوبة: 103- 104 مدنية
(2) الجمعة: 1- 2 مدنية
(3) الشمس: 7- 10 مكية
(4) النساء: 49 مدنية
(5) البقرة: 232 مدنية
(6) النور: 27- 28 مدنية
(7) النور: 30 مدنية
(8) التوبة: 60 مدنية
(9) المعارج: 24- 25 مكية
(6/2205)
الأحاديث الواردة في (الزكاة)
1-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال:
«اتّقوا الله ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (التوبة/ 34) . قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر- رضي الله عنه-: أنا أفرّج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبيّ الله، إنّه كبر على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يفرض الزّكاة إلّا ليطيّب ما بقي من أموالكم وإنّما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم» . فكبّر عمر، ثمّ قال له: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟، المرأة الصّالحة: إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» ) * «2» .
3-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- أنّه قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر. اللهمّ آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها. اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع. ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» ) * «3» .
4-* (عن بشير بن الخصاصية- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام فاشترط عليّ: «تشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل الله» . قال: قلت: يا رسول الله أمّا اثنتان فلا أطيقهما، أمّا الزّكاة فما لي إلّا عشر ذود «4» هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من الله فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي. قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها، ثمّ قال: «لا صدقة، ولا جهاد فبم تدخل الجنّة «5» ؟» . قال: ثمّ قلت: يا رسول الله، أبايعك فبايعني عليهنّ كلّهنّ) * «6» .
5-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله
__________
(1) الترمذي (616) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (1/ 3899) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأحمد (5/ 251- 262) ، وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 550) برقم (867) .
(2) أبو داود (1664) واللفظ له. وذكره ابن كثير في التفسير (2/ 352) وعزاه لابن أبي حاتم والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي، وحسّن إسناده محقق جامع الأصول (2/ 163) .
(3) مسلم (2722) .
(4) عشر ذود: القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر مؤنث يقال خمس ذود أي خمس من الذود.
(5) فبم تدخل الجنة: أي إذا لم تدخلوا الجنة بالجهاد ولا بالصدقة فبأي عمل تدخلون الجنة؟!.
(6) أحمد (5/ 224) ، والحاكم (2/ 79، 80) واللفظ له وصححه وأقره الذهبي، والبيهقي في الشعب (3/ 187) ، السنن (9/ 20) ، وعزاه مخرج الشعب للطبراني في الكبير (2/ 44، 45) وقال: إسناده حسن.
(6/2206)
عنهما- قال: «أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير. قال عبد الله- رضي الله عنه-:
فجعل النّاس عدله مدّين «1» من حنطة» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمر بإخراج زكاة الفطر أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى الصّلاة» ) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنّة. قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة المكتوبة، وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: والّذي نفسي بيده لا أزيد على هذا.
فلمّا ولّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا» ) * «4» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أدّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك» ) * «5» .
9-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني بعمل يدخلني الجنّة؟. قال: ماله ماله. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أرب «6» ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة وتصل الرّحم» ) * «7» .
10-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنهما- أنّ امرأة أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان «8» من ذهب فقال لها: «أتعطين زكاة هذا» ؟. قالت: لا. قال:
«أيسرّك أن يسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟» . قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقالت:
هما لله- عزّ وجلّ- ولرسوله) * «9» .
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلّا بحقّ الإسلام وحسابهم على الله» ) * «10» .
12-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنصح لكلّ مسلم) * «11» .
13-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-
__________
(1) مدّين من حنطة: المد رطل وثلث.
(2) البخاري- الفتح 3 (1507) واللفظ له، ومسلم (984) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1509) ، ومسلم (986) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 3 (1397) واللفظ له، ومسلم (15) .
(5) الترمذي (618) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من غير وجه: «أنه ذكر الزكاة، فقال رجل: يا رسول الله! هل عليّ غيرها؟ قال: «لا.. إلا أن تتطوع» ، وابن ماجة (1788) ، والحاكم (1/ 390) مطولا وصححه وأقره الذهبي وفي سنده عندهم دراج أبو السمح وهو صدوق. لأن حديثه هنا عن غير أبي الهيثم، ومن ثم حسنه محقق جامع الأصول (4/ 594) ، وصححه السيوطي في الجامع الصغير (371) .
(6) أرب ماله: يعني حاجة له.
(7) البخاري- الفتح 3 (1396) .
(8) مسكتان: يعني سوارين غليظين.
(9) أبو داود (1563) واللفظ له، والترمذي بسياق مختلف (637) ، وحسنه الألباني (2324) صحيح النسائي.
(10) البخاري- الفتح 1 (25) واللفظ له، ومسلم (22) .
(11) البخاري- الفتح 3 (1401) . ومسلم (56) واللفظ له.
(6/2207)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بني الإسلام على خمسة:
على أن يوحّد الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، والحجّ» ) * «1» .
14-* (عن عبد الله بن معاوية الغاضريّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من فعلهنّ فقد طعم طعم الإيمان، من عبد الله وحده وأنّه لا إله إلّا الله، وأعطى زكاة ماله طيّبة بها نفسه رافدة عليه كلّ عام، ولا يعطي الهرمة»
ولا الدّرنة «3» ولا المريضة، ولا الشّرط اللّئيمة «4» . ولكن من وسط أموالكم، فإنّ الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشرّه» ) * «5» .
15-* (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل نجد. ثائر الرّأس «6» ، نسمع دويّ صوته، ولا نفقه ما يقول حتّى دنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة» ، فقال: هل عليّ غيرهنّ؟. قال: «لا إلّا أن تطّوّع، وصيام شهر رمضان» ، فقال: هل عليّ غيره؟. فقال: «لا إلّا أن تطوّع» ، وذكر له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الزكاة» . فقال: هل عليّ غيرها؟. قال: «لا. إلّا أن تطّوّع» . قال: فأدبر الرّجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أفلح إن صدق» ) * «7» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلان، فكلّماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه، فلعنهما وسبّهما. فلمّا خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان، قال: «وما ذاك؟» . قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما. قال: «أو ما علمت ما شارطت عليه ربّي؟، قلت: اللهمّ إنّما أنا بشر فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا» ) * «8» .
17-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أخبرني أبو سفيان- رضي الله عنه- وذكر حديثه مع هرقل عظيم الرّوم فقال له: بم يأمركم؟
فقال أبو سفيان: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة «9» والعفاف) * «10» .
18-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من جاء بهنّ مع إيمان دخل الجنّة: من حافظ على الصّلوات الخمس على وضوئهنّ وسجودهنّ ومواقيتهنّ، وصام رمضان، وحجّ البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزّكاة طيّبة
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (8) . ومسلم (16) واللفظ له.
(2) المراد بالهرمة: العجوزة.
(3) والدرنة: الجرباء. وأصله الوسخ.
(4) والشرط اللئيمة: رذال المال، وقيل صغاره وشراره.
(5) أبو داود (1582) لكن فيه انقطاع. وسنن البيهقي (4/ 96، 95) موصولا، وكذا شعب الإيمان (3/ 187) ، وقال مخرجه: إسناده حسن وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 37، 38) برقم (1046) وعزاه كذلك للطبراني في الصغير (115) .
(6) ثائر الرأس: منتشر شعر الرأس وهو بالرفع ويجوز نصبه على الحال.
(7) البخاري- الفتح 1 (46) ، ومسلم (11) وهذا لفظه.
(8) مسلم (2600) .
(9) الصلة: صلة الرحم.
(10) البخاري- الفتح 1 (6) ، ومسلم (1773) واللفظ له.
(6/2208)
بها نفسه، وأدّى الأمانة» . قالوا: يا أبا الدّرداء: وما أداء الأمانة؟. قال: الغسل من الجنابة) * «1» .
19-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر.
أو صاعا «2» من شعير. على كلّ عبد أو حرّ. صغير أو كبير) * «3» .
20-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، إنّا، هذا الحيّ «4» من ربيعة، قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر. ولسنا نخلص إليك إلّا في الشّهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا. قال: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع.
الإيمان بالله «5» ، وشهادة أن لا إله إلّا الله- وعقد بيده هكذا- وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن: الدّبّاء «6» ، والحنتم «7» ، والنّقير «8» ، والمزفّت «9» ) * «10» .
21-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير. الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» .
قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16، 17) » . ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» .
قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» . قلت: بلى يا نبيّ الله. فأخذ بلسانه قال: «كفّ عليك هذا» . فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «11» .
22-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط «12» ، أو صاعا من زبيب) * «13» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال
__________
(1) أبو داود (429) ، وقال الألباني (1/ 87) : حسن برقم (414) .
(2) الصاع: مكيال يسع أربعة أمداد.
(3) البخاري- الفتح 3 (1507) ، ومسلم (984) واللفظ له.
(4) الحيّ: منصوب على الاختصاص، والخبر في قولهم «من ربيعة» .
(5) ذكر بعدها في مسلم (ثم فسرها لهم فقال:) ... الحديث وإلّا فالعدد المأمور به خمس لا أربع.
(6) الدباء: القرع اليابس أي الوعاء منه.
(7) الحنتم: جرار خضر، يجلب فيها الخمر.
(8) النقير: جذع ينقر وسطه.
(9) المزفت: هو المطليّ بالزفت.
(10) البخاري- الفتح 3 (1398) واللفظ له، ومسلم (17) .
(11) الترمذي (2616) واللفظ له وقال: حسن صحيح، وعزاه أحمد شاكر في المسند للسنن الكبرى للنسائي (5/ 13) ، وابن ماجة (3973) ، وأحمد (5/ 231) وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد.
(12) الأقط: لبن محمّض يجمّد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به.
(13) البخاري- الفتح 3 (1508) ، ومسلم (985) واللفظ له.
(6/2209)
لمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطّاب لأبي بكر:
كيف تقاتل النّاس، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله، فمن قال لا إله إلّا الله فقد عصم منّي ماله ونفسه إلّا بحقّه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله! لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة، فإنّ الزّكاة حقّ المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطّاب: فو الله ما هو إلّا أن رأيت الله- عزّ وجلّ- قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحقّ) * «1» .
() الأحاديث الواردة في (الزكاة) معنى
24-* (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه- قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عبّاس) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصّدقات، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، وأصابا ممّا يصيب النّاس قال: فبينما هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك. فقال عليّ بن أبي طالب: لا تفعلا. فو الله ما هو بفاعل. فانتحاه «2» ربيعة بن الحارث، فقال: والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة «3» منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما نفسناه عليك. قال عليّ:
أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع عليّ. قال: فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتّى جاء فأخذ بآذاننا، ثمّ قال: «أخرجا ما تصرّران «4» » . ثمّ دخل، ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال فتواكلنا «5» الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصّدقات، فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال: وجعلت زينب تلمع «6» علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه قال: ثمّ قال: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب» . قال فجاءاه. فقال لمحمية «7» : «أنكح هذا الغلام ابنتك (للفضل بن عبّاس) » فأنكحه.
وقال لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك» (لي) فأنكحني، وقال لمحمية: «أصدق عنهما «8» من
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7284، 7285) ، ومسلم (20) واللفظ له.
(2) فانتحاه: عرض له وقصده.
(3) نفاسة: حسدا.
(4) ما تصرران: ما تسرران.
(5) التواكل: أن يكل كل واحد أمره إلى صاحبه.
(6) تلمع: تشير.
(7) محمية: اسم رجل كان على الخمس.
(8) أصدق عنهما: أدّ عنهما صداقهما.
(6/2210)
الخمس كذا وكذا» ) * «1» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّدقة فقيل منع ابن جميل، وخالد ابن الوليد، وعبّاس بن عبد المطّلب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«ما ينقم ابن جميل إلّا أنّه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأمّا خالد فإنّكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأمّا العبّاس بن عبد المطّلب فعمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهي عليه صدقة ومثلها معها» ) * «2» .
26-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: إنّ أبا بكر- رضي الله عنه- أرسل لهم كتابا فإذا فيه: هذه فريضة الصّدقة الّتي فرضها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المسلمين الّتي أمر الله- عزّ وجلّ- بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم: في كلّ خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض»
، إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون «4» ، إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستّا وأربعين ففيها حقّة طروقة الفحل «5» ، إلى ستّين، فإذا بلغت إحدى وستّين ففيها جذعة «6» ، إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستّا وسبعين ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون، وفي كلّ خمسين حقّة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصّدقات: فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنّها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده حقّة وعنده جذعة فإنّها تقبل منه ويعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليس عنده حقّة وعنده ابنة لبون فإنّها تقبل منه» - قال أبو داود: من هاهنا لم أضبطه عن موسى كما أحبّ- «ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلّا حقّة فإنّها تقبل منه» . قال أبو داود: إلى هاهنا ثمّ أتقنته-، «ويعطيه المصدّق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلّا بنت مخاض، فإنّها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلّا ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه، وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلّا أربع فليس فيها شيء، إلّا أن يشاء ربّها، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة، إلى عشرين ومائة. فإذا
__________
(1) مسلم (1072) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1468) واللفظ له. ومسلم (983) .
(3) بنت مخاض: النوق التي أتى على حملها عشرة أشهر.
(4) بنت لبون: الناقة إذا استكملت السنة الثانية ودخلت في الثالثة.
(5) حقة طروقة الفحل: ما دخل في السنة الرابعة.
(6) جذعة: من الإبل ما استكمل أربعة أعوام ودخل في السنة الخامسة، ومن الخيل والبقر: ما استكمل سنتين ودخل في الثالثة، ومن الضأن: ما بلغ ثمانية أشهر أو تسعة.
(6/2211)
زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان، إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه، إلى أن تبلغ ثلثمائة، فإذا زادت على ثلثمائة ففي كلّ مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصّدقة: هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم، إلّا أن يشاء المصدّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرّق بين مجتمع، خشية الصّدقة، وما كان من خليطين فإنّهما يتراجعان بينهما بالسّويّة، فإن لم تبلغ سائمة الرّجل أربعين فليس فيها شيء، إلّا أن يشاء ربّها، وفي الرّقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلّا تسعين ومائة فليس فيها شيء، إلّا أن يشاء ربّها» ) * «1» .
27-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتي بلحم تصدّق به على بريرة فقال: «هو عليها صدقة، وهو لنا هدية» ) * «2» .
28-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال عمر- رضي الله عنه- أيّكم يحفظ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الفتنة؟. قال قلت: أنا أحفظه كما قال:
قال: إنّك عليه لجريء، فكيف قال؟. قلت: «فتنة الرّجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّدقة والمعروف» - قال: سليمان قد كان يقول: «الصّلاة والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» -. قال:
ليس هذه أريد، ولكنّي أريد التي تموج كموج البحر.
قال: قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس.
بينك وبينها باب مغلق. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟. قال: قلت: لا بل يكسر. قال: فإنّه إذا كسر لم يغلق أبدا. قال: قلت: أجل» ... الحديث) * «3» .
29-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الهجرة، فقال: «ويحك «4» ، إنّ شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدّي صدقتها؟. قال: نعم.
قال: «فاعمل من وراء البحار فإنّ الله لن يترك «5» من عملك شيئا» ) * «6» .
30-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث معاذا- رضي الله عنه- إلى اليمن، فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم» ) * «7» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأنقلب إلى أهلي فأجد
__________
(1) أبو داود (1567) واللفظ له، والنسائي (5/ 18، 23) . وأحمد (1/ 11، 12) ، وطبعة شاكر (72) وإسناده صحيح، والحاكم (1/ 391، 392) ، وفرقه البخاري في صحيحه في كتاب الزكاة (1448، 1450، 1451، 1453، 1454، 1455) وجامع المسانيد والسنن لابن كثير (17/ 31، 32) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1495) واللفظ له، ومسلم (1074) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1435) واللفظ له، ومسلم (4/ 144) باب الفتنة التي تموج كموج البحر.
(4) ويحك: كلمة ترحم.
(5) يترك: ينقصك.
(6) البخاري- الفتح 3 (1452) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1395) واللفظ له، ومسلم (19) .
(6/2212)
التّمرة ساقطة على فراشي ثمّ أرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «1» .
32- (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسيّة كخ، كخ «2» أما تعرف أنّا لا نأكل الصّدقة؟» ) * «3» .
33-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك. كلّ النّاس يغدو «4» ، فبايع نفسه فمعتقها «5» أو موبقها «6» » ) * «7» .
34-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيما سقت السّماء والعيون أو كان عثريّا العشر «8» ، وما سقي بالنّضح نصف العشر» ) * «9» .
35-* (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «في كلّ سائمة «10» إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرّق إبل عن حسابها «11» ، من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربّنا- عزّ وجلّ- ليس لآل محمّد منها شيء» ) * «12» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتي بطعام سأل عنه أهديّة أم صدقة؟، فإن قيل صدقة. قال لأصحابه: «كلوا ولم يأكل» . وإن قيل: هديّة، ضرب بيده صلّى الله عليه وسلّم فأكل معهم) * «13» .
37-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهمّ صلّ على آل فلان» ، فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» ) * «14» .
38-* (عن زينب الثّقفيّة امرأة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ، وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها،
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2432) ، ومسلم (1070) واللفظ له.
(2) كخ كخ: وهي كلمة زجر للصبي إذا فعل ما لا ينبغي.
(3) البخاري- الفتح 6 (3072) واللفظ له، ومسلم (1069) .
(4) يغدو: يصبح أوّل النهار.
(5) معتقها: من العقاب.
(6) موبقها: مهلكها.
(7) مسلم (223) .
(8) أو كان عثريّا: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي، وما سقي بالنضح: أي بالآلة.
(9) البخاري- الفتح 3 (1483) واللفظ له. وروى مسلم مثله من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- (981) .
(10) سائمة: الحيوان الذي يرعى أغلب العام.
(11) لا يفرق إبل عن حسابها: يعني هروبا من الزكاة، مؤتجرا بها: طالبا أجرها وثوابها.
(12) أبو داود (1575) واللفظ له، وأحمد (5/ 2، 3) ، والنسائي 5 (15، 16) وقال في جامع الأصول (4/ 573) : إسناده حسن، وذكره الألباني في صحيح النسائي (2292) ، وقال: إسناده حسن.
(13) البخاري- الفتح 5 (2576) واللفظ له، ومسلم (1077) .
(14) البخاري- الفتح 3 (1497) واللفظ له، ومسلم (1078) .
(6/2213)
فقالت لعبد الله سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟.
فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري.
وقلنا: لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» .
قال: زينب. قال: «أيّ الزّيانب؟» . قال: امرأة عبد الله، قال: «نعم ولها أجران، أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «1» .
39-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: لمّا أمرنا بالصّدقة كنّا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إنّ الله لغنيّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رئاء. فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ... الآية (التوبة/ 79)) * «2» .
40-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس فيما دون خمس أواق «3» صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أوسق «4» صدقة» ) * «5» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة» ) * «6» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» ) * «7» .
43-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اليد العليا»
خير من اليد السّفلى «9» ، وابدأ بمن تعول، وخير الصّدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1466) واللفظ له، ومسلم (1000) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4668) واللفظ له، ومسلم (1018) .
(3) أواق: جمع أوقية وهي أربعون درهما من الفضة، ذود: من واحد إلى تسع وقيل من ثلاث إلى عشر.
(4) أوسق: جمع وسق وهو ستون صاعا.
(5) البخاري- الفتح 3 (1405) واللفظ له، ومسلم (979) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1463) واللفظ له، ومسلم (982) .
(7) مسلم (2588) .
(8) اليد العليا: اليد المنفقة.
(9) اليد السلفى: اليد السائلة.
(10) البخاري- الفتح 3 (1427) واللفظ له، ومسلم (1034) .
(6/2214)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الزكاة)
44-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجذبه جذبة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جذبته، ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «1» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الزكاة)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«إنّ الأعمال تباهت، فقالت الصّدقة أنا أفضلكنّ» ) * «2» .
2-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «إنّ عرى الدّين وقوامه الصّلاة، والزّكاة، لا يفرق بينهما، وحجّ البيت، وصيام رمضان، وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والجهاد» ) * «3» .
3-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-:
«المال الّذي لا تؤدّى زكاته كنز» ) * «4» .
4-* (وقال- رضي الله عنهما- لأعرابيّ سأله عن معنى قول الله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ 34) . قال: «من كنزها فلم يؤدّ زكاتها فويل له، إنّما كان هذا قبل أن تنزّل الزّكاة، فلمّا أنزلت جعلها الله طهرا للأموال» ) * «5» .
5-* (قال حذيفة- رضي الله عنه-:
«الإسلام ثمانية أسهم، الصّلاة سهم، والزّكاة سهم، والجهاد سهم، وصوم رمضان سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنّهي عن المنكر سهم، والإسلام سهم، وقد خاب من لا سهم له» ) *
«6» .
6-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه- «باكروا بالصّدقة فإنّ البلاء لا يتخطّى الصّدقة» ) * «7»
7-* (قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «أبى الله أن يقبل الصّلاة إلّا بالزّكاة، وقال: يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه» - يعني لمّا قاتل مانعي الزّكاة) * «8» .
8-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «الصّلاة تبلّغك نصف الطّريق، والصّوم
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3149) واللفظ له، ومسلم (1057) .
(2) إحياء علوم الدين (1/ 268) .
(3) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 46) .
(4) شعب الإيمان للبيهقي (6/ 482) وانظر فتح الباري (3/ 320) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1404) .
(6) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 7) .
(7) المصدر السابق (6/ 529) .
(8) ابن كثير (2/ 336) .
(6/2215)
يبلّغك باب الملك، والصّدقة تدخلك عليه» ) * «1» .
9-* (قال سفيان: «من منّ فسدت صدقته» ، فقيل له: كيف المنّ؟. فقال: «أن يذكره ويتحدّث به» ) * «2» .
10-* (قال الشّعبيّ: «من لم ير نفسه إلى ثواب الصّدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه» ) * «3» .
() من فوائد (الزكاة)
(1) أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام.
(2) تطهير المال من حقوق الغير فيه.
(3) برهان صدق الإيمان، ووقاية للنّفس من شحّها.
(4) مواساة الفقراء والمحتاجين وسدّ حاجة المعوزين.
(5) سبب بركة المال ونمائه، وخيرها وبرّها راجع إلى المتصدّق نفسه أوّلا.
(6) المال مال الله والعبد وكيل عليه يصرفه حيث أمر سيّده ومالكه الحقيقيّ، فبإخراجها يؤدّي شكر نعمة المال.
(7) تقوية العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأمّة كلّها.
(8) المساعدة على حلّ معضلة الفقر الّتي أعجزت العالم المعاصر.
(9) إحلال التّراحم بدلا من التّحاسد والتّباغض.
(10) في تكليف الفقير بإخراج زكاة الفطر إذا كان يجد قوت يومه تربية له على خلق العطاء حتّى يستشعر عزّ العطاء بدلا من ذلّ الأخذ.
(11) بها تدفع النّقم وتستجلب النّعم.
(12) الفلاح مضمون لمن زكّى نفسه وطهّرها بالتّقوى والعبادة.
__________
(1) إحياء علوم الدين (1/ 267) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6/2216)
الزهد
الزهد لغة:
تدلّ مادّة «زهد» على القلّة في كلّ شيء، يقول ابن فارس: «الزّاء والهاء والدّال» أصل يدلّ على قلّة الشّيء. والزّهيد: الشّيء القليل، وهو مزهد: قليل المال: ويقال: رجل زهيد: قليل المطعم، وهو ضيّق الخلق أيضا، وقال بعضهم: الزّهيد: الوادي القليل الأخذ للماء، والزّهاد: الأرض الّتي تسيل من أدنى مطر «1» ، وقد أيّد الرّاغب ما ذهب إليه ابن فارس، فالمادّة تدور عنده حول هذا المعنى. تقول: الزّهيد:
الشّيء القليل، والزّاهد في الشّيء: الرّاغب عنه، والرّاضي منه بالزّهيد أي القليل كما في قوله تعالى:
وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (يوسف/ 20) «2» .
وقد تطرّقت المعاجم إلى هذا المعنى فيقول صاحب الصّحاح: والمزهد: القليل المال، وفي الحديث: «أفضل النّاس مؤمن مزهد» .
والزّهيد القليل ... وفلان يزهد عطاء فلان أي يعدّه زهيدا قليلا «3» ، ويقول الزّمخشريّ: «وفلان زاهد زهيد بيّن الزّهادة والزّهد وهي قلّة الطّعم، وقدّم إليهم طعاما فتزاهدوه أي رأوه زهيدا قليلا وتحاقروه.
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 50/ 21
ومن المجاز واد زهيد: قليل الأخذ للماء، ورجل زهيد:
أي قليل الخير. وهو زهيد العين يقنعه القليل «4» .
وزهيد الأرض ضيّقها لا يخرج منها كثير ماء وجمعه زهدان. والزّهيد: الحقير، وعطاء زهيد قليل.
وازدهد العطاء استقلّه ... وفي الحديث «ليس عليك حساب ولا على مؤمن مزهد» ومنه حديث ساعة الجمعة «فجعل يزهّدها» أي يقلّلها، وفي حديث عليّ رضي الله عنه- «إنّك لزهيد» وفي حديث خالد:
كتب إلى عمر- رضي الله عنه- «أنّ النّاس قد اندفعوا في الخمر، وتزاهدوا الحدّ أي احتقروه وأهانوه ورأوه زهيدا» «5» . والزّهد بفتحتين الزّكاة؛ لأنّ زكاة المال أقلّ شيء فيه «6» .
والزّهد ضدّ الرّغبة، يقال: فلان يزهد في الشّيء أي يرغب عنه، وهو من الأصل الأوّل أيضا؛ لأنّه لا يزهد إلّا في القليل أو الحقير، يقول الجوهريّ: «الزّهد خلاف الرّغبة. تقول: زهد في الشّيء وعن الشّيء:
خلاف التّرغيب فيه «7» » وزهّده في الأمر: رغّبه عنه، وفي حديث الزّهريّ: وسئل عن الزّهد في الدّنيا فقال:
هو ألّا يغلب الحلال شكره، ولا الحرام صبره، أراد ألا
__________
(1) المقاييس (3/ 30) .
(2) المفردات (220) .
(3) الصحاح (2/ 481) .
(4) أساس البلاغة (197) .
(5) اللسان (3/ 197) بتصرف- ط. بيروت.
(6) أساس البلاغة (197) «بتصرف» .
(7) الصحاح (2/ 481) .
(6/2217)
يعجز ويقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال، ولا صبره عن ترك الحرام «1» ، وفلان يتزهّد: أي يتعبّد «2» .
واصطلاحا:
قيل: هو بغض الدّنيا والإعراض عنها، وقيل:
هو ترك راحة الدّنيا طلبا لراحة الآخرة، وقيل: هو أن يخلو قلبك ممّا خلت منه يدك «3» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الزّهد المشروع:
هو ترك الرّغبة فيما لا ينفع في الدّار الآخرة، وهو فضول المباح الّتي لا يستعان بها على طاعة الله، كما أنّ الورع المشروع: هو ترك ما قد يضرّ في الدّار الآخرة.
وهو ترك المحرّمات والشّبهات الّتي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها، كالواجبات، فأمّا ما ينفع في الدّار الآخرة، فالزّهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87) . كما أنّ الاشتغال بفضول المباحات، هو ضدّ الزّهد المشروع، فإن اشتغل بها عن فعل واجب أو فعل محرّم كان عاصيا، وإلّا كان منقوصا عن درجة المقرّبين إلى درجة المقتصدين «4» .
وقال ابن الجوزيّ: الزّهد: عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه، وشرط المرغوب عنه أن يكون مرغوبا بوجه من الوجوه، فمن رغب عن شيء ليس مرغوبا فيه، ولا مطلوبا في نفسه لم يسمّ زاهدا. كمن ترك التّراب لا يسمّى زاهدا وإنّه ليس الزّهد ترك المال وبذله على سبيل السّخاء والقوّة واستمالة القلوب فحسب، بل الزّهد أن يترك الدّنيا للعلم بحقارتها بالنّسبة إلى نفاسة الآخرة «5» .
وقال ابن القيّم: إنّ الزّهد سفر القلب من وطن الدّنيا، وأخذه في منازل الآخرة. وعلى هذا صنّف المتقدّمون كتب الزّهد، كالزّهد لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهنّاد بن السّريّ، ولغيرهم.
ومتعلّقه ستّة أشياء لا يستحقّ العبد اسم الزّهد حتّى يزهد فيها: وهي المال، والصّور، والرّياسة، والنّاس، والنّفس، وكلّ ما دون الله.
وليس المراد رفضها من الملك، فقد كان سليمان وداود- عليهما السّلام- من أزهد أهل زمانهما. ولهما من المال والملك والنّساء مالهما. وكان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من أزهد البشر على الإطلاق. وله تسع نسوة، وكان عليّ بن أبي طالب، وعبد الرّحمن بن عوف، والزّبير وعثمان- رضي الله عنهم- من الزّهّاد مع ما كان لهم من الأموال، وغيرهم كثير «6» .
حقيقة الزهد:
وقال الإمام الغزاليّ: الزّهد هو عبارة عن انصراف الرّغبة عن الشّيء إلى ما هو خير منه.
وكلّ من عدل عن شيء إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنّما عدل عنه لرغبته عنه، وإنّما عدل إلى
__________
(1) لسان العرب (3/ 197) .
(2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) التعريفات للجرجانى (115) .
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (مج 10 ص 21) .
(5) مختصر منهاج القاصدين (324) بتصرف.
(6) مدارج السالكين (2/ 13، 14) .
(6/2218)
غيره لرغبته فيه «1» ، فحاله بالإضافة إلى المرغوب (المعدول) عنه تسمّى زهدا، وبالإضافة إلى المعدول إليه (المرغوب فيه) يسمّى رغبة وحبّا، ومن ثمّ يستدعي حال الزّهد مرغوبا عنه ومرغوبا فيه هو خير من المرغوب عنه، وشرط المرغوب عنه أن يكون هو أيضا مرغوبا فيه بوجه من الوجوه، ومن رغب عمّا ليس مطلوبا في نفسه لا يسمّى زاهدا، وشرط المرغوب فيه أن يكون عنده خيرا من المرغوب عنه ... » «2» .
أقسام الزهد وأحكامه:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الزّهد أقسام:
(1) زهد في الحرام: وهو فرض عين.
(2) وزهد في الشّبهات: وهو بحسب مراتب الشّبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبّا.
(3) وزهد في الفضول، وهو زهد فيما يعني من الكلام والنّظر والسّؤال واللّقاء وغيره، وزهد في النّاس، وزهد في النّفس حيث تهون عليه نفسه في الله.
(4) وزهد جامع لذلك كلّه، وهو الزّهد فيما سوى ما عند الله، وفي كلّ ما يشغلك عن الله، وأفضل الزّهد إخفاء الزّهد، وأصعبه الزّهد في الحظوظ «3» .
ما يعين على الزهد:
والّذي يصحّح هذا الزّهد ثلاثة أشياء:
أحدها: علم العبد أنّ الدّنيا ظلّ زائل، وخيال زائر، فهي كما قال تعالى كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً (الحديد/ 20 مدنية) وسمّاها الله مَتاعُ الْغُرُورِ ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترّين، وحذّرنا مثل مصارعهم، وذمّ من رضي بها، واطمأنّ إليها.
الثّاني: علمه أنّ وراءها دار أعظم منها قدرا، وأجلّ خطرا، وهي دار البقاء، فالزّهد فيها لكمال الرّغبة فيما هو أعظم منها.
والثّالث: معرفته وإيمانه الحقّ بأنّ زهده فيها لا يمنعه شيئا كتب له منها، وأنّ حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها فمتى تيقّن ذلك ثلج له صدره، وعلم أنّ مضمونه منها سيأتيه.
فهذه الأمور الثّلاثة تسهّل على العبد الزّهد في الدّنيا وتثبّت قدمه في مقامه «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: التواضع- الرضا القناعة- الورع- اليقين- الطاعة- تذكر الموت.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطمع- طول الأمل- الكبر والعجب- العصيان] .
__________
(1) يقال: رغب عن الشيء كرهه، ورغب فيه: أحبّه
(2) إحياء علوم الدين (4/ 217) .
(3) الفوائد (118) .
(4) جامع العلوم والحكم، مختصرا (254- 255) .
(6/2219)
الآيات الواردة في «الزهد»
1- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16)
قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (17)
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18)
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) «1»
الآيات الواردة في «الزهد» معنى
2- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130)
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) »
3-* وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «3»
4- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً
__________
(1) يوسف: 16- 20 مكية
(2) طه: 130- 131 مكية
(3) القصص: 51- 55 مكية
(6/2220)
وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)
فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (82)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) «1»
5- اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) «2»
6- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) «3»
__________
(1) القصص: 79- 83 مكية
(2) الشورى: 19- 20 مكية
(3) الحديد: 22- 23 مدنية
(6/2221)
الأحاديث الواردة في (الزهد)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أدّى العبد حقّ الله وحقّ مواليه كان له أجران» . قال: فحدّثتها كعبا. فقال كعب:
ليس عليه حساب ولا على مؤمن زهد «1» ) * «2» .
2-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنّها تزهّد في الدّنيا وتذكّر الآخرة» ) * «3»
3-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل، إذا أنا عملته، أحبّني الله، وأحبّني النّاس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ازهد في الدّنيا، يحبّك الله، وازهد فيما في أيدي النّاس، يحبّوك» ) * «4» .
() الأحاديث الواردة في (الزهد) معنى
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: آلله الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: يا أبا هرّ! قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق، ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن، فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللّبن؟ قالوا:
أهداه لك فلان- أو فلانه- قال: أبا هرّ! قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصّفّة «5» فادعهم لي.
قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا
__________
(1) قال النووي- رحمه الله-: وهذا الذي قاله كعب يحتمل أنه أخذه بتوقيف ويحتمل أنه بالاجتهاد ... (انظر صحيح مسلم بشرح النووي، ج 11، ص 136) ، والمزهد قليل المال.
(2) مسلم (1666) .
(3) ابن ماجة (1571) واللفظ له وفي الزوائد: إسناده حسن، وأصله عند مسلم (976، 977) ، وذكره الحاكم في المستدرك (1/ 375) ، ونحوه قبله عن أبي سعيد الخدري وصححه ووافقه الذهبي على رواية أبي سعيد.
(4) ابن ماجة (4102) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة برقم (3310) .
(5) أهل الصفة: هي سقيفة مظللة كانت تأوي إليها المساكين في المسجد النبوي.
(6/2222)
رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت» ، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» ، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» ، فأعطيته القدح، فحمد الله، وسمّى وشرب الفضلة) * «1» .
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي» . قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت» ) * «3» .
7-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر- رضي الله عنهما- يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك» ) * «4» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «إذا فتحت عليكم فارس والرّوم، أيّ قوم أنتم؟» . قال:
عبد الرّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله «5» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو غير ذلك. تتنافسون «6» ثمّ تتحاسدون، ثمّ تتدابرون «7» أو نحو ذلك، ثمّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض» ) * «8» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6452) .
(2) البخاري- الفتح 6 (2834) ، ومسلم (1805) واللفظ له.
(3) مسلم (2958)
(4) البخاري- الفتح 11 (6416) . قالوا في شرح هذا الحديث: معناه لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله وبالله التوفيق.
(5) نقول كما أمرنا الله: أي نحمده ونشكره ونسأله المزيد من فضله.
(6) تتنافسون: التنافس إلى الشيء: المسابقة إليه وكراهة أخذ غيرك إياه.
(7) تتدابرون: التدابر: كناية عن الاختلاف والافتراق وأصله أن يولي كل واحد ظهره لأخيه.
(8) مسلم (2962) .. وتجعلون بعضهم على رقاب بعض: أي تجعلون بعضهم أمراء على بعض.
(6/2223)
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل» ) * «1» .
10-* (عن عبد الله بن عبّاس وعمران بن حصين- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«اطّلعت في الجنّة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطّلعت في النّار فرأيت أكثر أهلها النّساء» ) * «2» .
11-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه كان في إبله فجاءه ابنه عمر، فلمّا رآه سعد قال: أعوذ بالله من شرّ هذا الرّاكب، فنزل فقال له:
أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت النّاس يتنازعون الملك بينهم؟، فضرب سعد في صدره فقال: اسكت.
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ، الغنيّ، الخفيّ «3» » ) * «4» .
12-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم وما يجد من الدّقل «5» ما يملأ به بطنه) * «6» .
13-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ بالسّوق، داخلا من بعض العالية والنّاس كنفته «7» فمرّ بجدي أسكّ «8» ميّت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثمّ قال: «أيّكم يحبّ أنّ هذا له بدرهم؟» . فقالوا: ما نحبّ أنّه لنا بشيء، وما نصنع به؟. قال: «أتحبّون أنّه لكم؟» . قالوا: والله لو كان حيّا، كان عيبا فيه، لأنّه أسكّ. فكيف وهو ميّت؟. فقال: «فو الله! للدّنيا أهون على الله من هذا عليكم» ) * «9» .
14-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يسأله أحد منهم إلّا أعطاه، حتّى نفد ما عنده، فقال لهم حين نفد كلّ شيء أنفق بيديه: «ما يكون عندي من خير لا أدّخره عنكم، وإنّه من يستعفّ يعفّه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، ومن يستغن يغنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصّبر» ) * «10» .
15-* (عن عمرو بن عوف الأنصاري- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين، وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6489) ، ومسلم (2256) واللفظ له.
(2) أخرجه البخاري 11 (6449) ، والترمذي عنهما (2602) ، ومسلم عن ابن عباس وحده (2737) .
(3) الغني: المراد غنى النفس، وأما الخفي، فالخاء المعجمة ومعناه: الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه.
(4) مسلم (2965) .
(5) الدقل: التمر الرديء.
(6) مسلم (2977) .
(7) كنفته وكنفتيه: يعني جانبه وجانبيه.
(8) جدي أسكّ: صغير الأذنين.
(9) مسلم (2957) .
(10) البخاري- الفتح 11 (6470) واللفظ له، ومسلم (1053) .
(6/2224)
عبيدة، وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله.
قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «1» .
16-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدّنيا حلوة خضرة، وإنّ الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء، وإنّ فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء» ) * «2» .
17-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» . فقال رجل:
يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّر؟ فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقيل له: ما شأنك تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟. فرأينا أنّه ينزل عليه. قال فمسح عنه الرّحضاء «3» فقال: «أين السائل؟» - وكأنّه حمده- فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ «4» ، إلّا آكلة الخضر، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت»
وبالت ورتعت. وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل» . أو كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّه من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة» ) * «6» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه جاءه ثلاثة نفر فقالوا: يا أبا محمّد، إنّا والله، ما نقدر على شيء. لا نفقة ولا دابّة ولا متاع. فقال لهم: ما شئتم. إن شئتم
رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسّر الله لكم. وإن شئتم ذكرنا أمركم للسّلطان. وإن شئتم صبرتم. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنّة بأربعين خريفا «7» » . قالوا: فإنّا نصبر، لا نسأل شيئا) * «8» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له، ومسلم (2961) .
(2) مسلم (4/ 2742) .
(3) الرّحضاء: أي العرق، وأكثر ما يسمّى به عرق الحمى.
(4) إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم: إن نبات الربيع وخضره يقتل تخمة لكثرة الأكل؛ ويقارب القتل إلا إذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فإنه لا يضر. وهكذا المال فإنه كنبات الربيع، مستحسن تطلبه النفوس، وتميل إليه فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب إهلاكه، ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا يسيرا ويصرفه في وجوهه الشرعية فهذا لا يضره، وهذا مختصر معنى الحديث.
(5) ثلطت: ثلط البعير يثلط إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا.
(6) البخاري- الفتح 3 (1465) واللفظ له، ومسلم (1052) .
(7) أربعين خريفا: أي أربعين سنة.
(8) مسلم (2979) .
(6/2225)
أنّه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصليّة «1» فدعوه فأبى أن يأكل. قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الدّنيا ولم يشبع من الخبز الشّعير) * «2» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعس «3» عبد الدّينار والدّرهم والقطيفة «4» والخميصة «5» ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض» ) * «6» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-، فقال:" ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: «وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الّذي أخرجكما، قوموا» فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة، قالت:
مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين فلان؟» .
قالت: ذهب يستعذب «7» لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أجد اليوم أكرم أضيافا منّي، فانطلق فجاءهم بعذق «8» فيه بسر وتمر ورطب، فقال:
كلوا من هذه، وأخذ المدية «9» فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إيّاك والحلوب» . فذبح لهم، فأكلوا من الشّاة ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-: «والّذي نفسي بيده لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم» ) * «10» .
22-* (عن أبان بن عثمان- رضي الله عنهما- قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان بنصف النّهار، قلت: ما بعث إليه هذه السّاعة إلّا لشيء سأل عنه، فسألته فقال: سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كانت الدّنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدّنيا إلّا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدّنيا وهي راغمة» ) * «11» .
23-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي وحده. ليس معه إنسان. قال: فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظلّ القمر. فالتفت فرآني فقال: «من هذا؟» . فقلت: أبو
__________
(1) مصلية: مشوية.
(2) البخاري- الفتح 9 (5414) .
(3) تعس: دعاء عليه بالهلاك، وهو الوقوع على الوجه من العثار.
(4) القطيفة: كساء له خمل.
(5) الخميصة: ثياب خز أو صوف معلمة.
(6) البخاري- الفتح 11 (6435) .
(7) يستعذب الماء: أي يأتي بالماء العذب الصافي.
(8) العذق: هي الكباسة وهي الغصن من النّخل، وهو بمنزلة العنقود من العنب.
(9) المدية: السكين.
(10) مسلم (2038) .
(11) ابن ماجة (4105) واللفظ له قال في الزوائد: صحيح ورجاله ثقات، وهو عند الترمذي (2465) من رواية أنس ابن مالك- رضي الله عنه- وبدون قصة وسكت عنه.
(6/2226)
ذرّ! جعلني الله فداءك. قال: «يا أبا ذرّ تعاله «1» » قال: فمشيت معه ساعة. فقال: «إنّ المكثرين هم المقلّون يوم القيامة. إلّا من أعطاه الله خيرا. فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا» . قال فمشيت معه ساعة. فقال: «اجلس هاهنا. قال:
فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي: «اجلس هاهنا حتّى أرجع إليك» . قال: فانطلق في الحرّة حتّى لا أراه. فلبث عنّي. فأطال اللّبث. ثمّ إنّي سمعته وهو مقبل وهو يقول: «وإن سرق وإن زنى» . قال: فلمّا جاء لم أصبر فقلت: يا نبيّ الله جعلني الله فداءك. من تكلّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: «ذاك جبريل. عرض لي في جانب الحرّة.
فقال: بشّر أمّتك أنّه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: يا جبريل! وإن سرق وإن زنى؟. قال:
نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم.
قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟. قال: نعم، وإن شرب الخمر» ) * «2» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّنيا سجن المؤمن، وجنّة الكافر» ) * «3» .
25-* (عن خالد بن عمير العدويّ قال:
خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أمّا بعد. فإنّ الدّنيا قد آذنت «4» بصرم «5» وولّت حذّاء «6» ، لم يبق منها إلّا صبابة «7» كصبابة الإناء، يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم؛ فإنّه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا. ووالله لتملأنّ. أفعجبتم ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنة وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ «8» من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لنا طعام إلّا ورق الشّجر، حتّى قرحت «9» أشداقنا، فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك «10» فاتّزرت بنصفها، واتّزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منّا أحد إلّا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإنّي أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنّها لم تكن نبوّة قطّ إلّا تناسخت حتّى يكون آخر عاقبتها ملكا، فستخبرون وتجرّبون الأمراء
__________
(1) تعاله: هكذا بهاء السكت.
(2) البخاري- الفتح 11 (6443) . ومسلم (94) باب الترغيب في الصدقة، واللفظ له. ومعنى الحديث إجمالا: أن المكثرين من حطام الدنيا والمنهمكين في جمعها هم المقلون من الحسنات يوم القيامة إلا من جعل ما جمع في سبيل الله وعمل فيه خيرا.
(3) مسلم 4 (2956) .
(4) آذنت: أعلمت.
(5) بصرم: الصرم: الانقطاع والذهاب.
(6) حذاء: مسرعة الانقطاع.
(7) صبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء.
(8) كظيظ: أي ممتلئ.
(9) قرحت: أي صار فيها قروح وجراح، من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته.
(10) سعد بن مالك: هو سعد بن أبي وقاص. رضي الله عنه.
(6/2227)
بعدنا) * «1» .
26-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كانت الدّنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» ) * «2» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس» ) * «3» .
28-* (عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس لابن آدم حقّ في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف «4» الخبز والماء» ) * «5» .
29-* (عن المستورد بن شدّاد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما الدّنيا في الآخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه- وأشار يحيى بالسّبّابة- في اليم «6» فلينظر بم يرجع؟» ) * «7» .
30-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: مرّ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نعالج خصّا»
لنا، فقال: «ما هذا؟» . فقلنا:
قد وهى فنحن نصلحه، قال: «ما أرى الأمر إلّا أعجل من ذلك» ) * «9» .
31-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» . فقال: رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيك في هذا؟» . فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» ) * «10» .
32-* (عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه- قال: هاجرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نريد وجه الله، فوقع
__________
(1) مسلم (2967) واللفظ له، وابن ماجة (4156) .
(2) الترمذي (2320) واللفظ له وقال: حديث صحيح غريب من هذا الوجه، وابن ماجة (4110) وقال محقق جامع الأصول (4/ 510) : حديث حسن، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (940) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6446) ، ومسلم (1051) واللفظ له.
(4) قال الترمذي: الجلف: الخبز ليس معه إدام وقيل: هو غليظ الخبز.
(5) الترمذي (2341) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (1/ 62) وصححه الشيخ شاكر رقم (440) ، والحاكم (4/ 312) وصححه وأقره الذهبي، وصححه السيوطي في الجامع الصغير رقم (7661) وأقره المناوي في فيض القدير (5/ 380) .
(6) اليمّ: هو البحر.
(7) مسلم (2858) .
(8) الخص: هو بيت يعمل من خشب وقصب، وجمعه: خصاص وأخصاص.
(9) أبو داود (5235) ، وعنده بدل (نعالج خصا) (أطين حائطا) وقال الألباني في صحيح سننه (3/ 983) : صحيح، والترمذي (2335) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح
(10) البخاري- الفتح 11 (6447) واللفظ له، وقال صاحب الجامع: أخرجه البخاري ومسلم وهو ليس عند مسلم، والله أعلم وابنماجة (4120) .
(6/2228)
أجرنا على الله- تعالى- فمنّا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد وترك نمرة «1» ، فإذا غطّينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نغطّي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر «2» ، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهديها) * «3» .
33-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: والله إنّي لأوّل رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما لنا طعام نأكله إلّا ورق الحبلة «4» وهذا السّمر حتّى إنّ أحدنا ليضع كما تضع الشّاة، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني «5» على الدّين لقد خبت إذا، وضلّ عملي) * «6» .
34-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتبع الميّت ثلاثة. فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله» ) * «7» .
35-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة فيصبغ في النّار صبغة «8» ثمّ يقال: يا بن آدم، هل رأيت خيرا قطّ، هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا والله يا ربّ، ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا والله يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ» ) * «9» .
36-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ما طلعت شمس قطّ إلّا بعث بجنبتيها ملكان إنّهما ليسمعان أهل الأرض إلّا الثّقلين، يأيّها النّاس، هلمّوا إلى ربّكم؛ فإنّ ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى. وما غربت شمس قطّ إلّا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهمّ عجّل لمنفق خلفا وعجّل لممسك تلفا» ) * «10» .
37-* (عن ربيعة بن كعب- رضي الله عنه- قال: «كنت أخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتّى يصلّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلّها أن تحدث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجة فما أزال أسمعه يقول صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده» . حتّى أملّ فأرجع أو تغلبني عيني فأرقد،
__________
(1) نمرة: هي إزار من صوف مخطط أو بردة.
(2) الإذخر: هو حشيش معروف طيب الرائحة.
(3) البخاري- الفتح 11 (6448) واللفظ له، ومسلم (940) ويهدبها أي يقطفها.
(4) ورق الحبلة وهذا السمر: هما نوعان من شجر البادية.
(5) تعزرني: المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام ومعنى تعزرني توقفني وتقومني وتعلمني والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض.
(6) البخاري- الفتح 11 (6453) ، ومسلم (2966) واللفظ له
(7) البخاري- الفتح 11 (6514) ، ومسلم (2960) .
(8) يصبغ صبغة: أي يغمس غمسة.
(9) مسلم (2807) .
(10) المستدرك للحاكم (2/ 445) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6/2229)
قال: فقال لي يوما لما يرى من خفّتي له وخدمتي إيّاه:
سلني يا ربيعة أعطك، قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله، ثمّ أعلمك ذلك. قال: ففكّرت في نفسي، فعرفت أنّ الدّنيا منقطعة زائلة وأنّ لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لآخرتي فإنّه من الله- عزّ وجلّ- بالمنزل الّذي هو به، قال: فجئت، فقال: ما فعلت يا ربيع؟ قال: فقلت:
نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربّك فيعتقني من النّار، قال: فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ قال:
فقلت: لا والله الذي بعثك بالحقّ، ما أمرني به أحد، ولكنّك لمّا قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الّذي أنت به. نظرت في أمري وعرفت أنّ الدّنيا منقطعة وزائلة، وأنّ لي فيها رزقا سيأتيني، فقلت:
أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لآخرتي، قال: فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا ثمّ قال لي: «إنّي فاعل فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «1» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الزهد)
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتا «2» » ، وفي رواية عمرو: «اللهمّ ارزق» ، وفي أخرى: «كفافا» ) * «3» .
39-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إن كنّا آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم لنمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو إلّا التّمر والماء) * «4» .
40-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما في رفّي «5» من شيء يأكله ذو كبد، إلّا شطر شعير «6» في رفّ لي، فأكلت منه حتّى طال عليّ، فكلته ففني) * «7» .
41-* (خطب النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: ذكر عمر ما أصاب النّاس من الدّنيا.
فقال: لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يظلّ اليوم يلتوي، ما يجد دقلا «8» يملأ به بطنه) * «9» .
42-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أدم «10» وحشوه ليف) * «11» .
__________
(1) أحمد (4/ 59) واللفظ له، ومسلم مختصرا (489) ، وأبو داود مختصرا (1320) ، وكذلك النسائي (2/ 227) .
(2) قوتا: كفايتهم من غير إسراف، وقيل هو سد الرمق.
(3) البخاري- الفتح 11 (6460) ومسلم (1055) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 11 (6458) وزاد: إلا أن نؤتى باللحم، ومسلم (2972) واللفظ له.
(5) رفّي: الرف شبه الطاق على طرائف البيت كالرفوف.
(6) شطر شعير: معناه شيء من شعير. وقيل: نصف وسق.
(7) البخاري- الفتح 11 (6451) ، ومسلم (2973) واللفظ له.
(8) الدقل: رديء التمر.
(9) مسلم (2978) .
(10) الأدم: الجلد.
(11) البخاري- الفتح 11 (6456) ، ومسلم (2082) ولفظ مسلم: «إنما كان فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي ينام عليه أدما حشوه ليف» .
(6/2230)
43-* (عن عائشة زوج النّبيّ- رضي الله عنها- قالت: لقد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرّتين) * «1» .
44-* (عن عمرو بن الحارث- رضي الله عنه- قال: ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا، إلّا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة) * «2» .
45-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّقى «3» من حين ابتعثه الله حتّى قبضه الله تعالى، فقيل له هل كانت لكم في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناخل؟. قال: ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منخلا من حين ابتعثه الله. حتّى قبضه الله، فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشّعير غير منخول؟ قال: كنّا نطحنه وننفخه فيطير ما طار، وما بقي ثرّيناه «4» فأكلناه» ) * «5» .
46-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما شبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيّام تباعا من خبز برّ حتّى مضى لسبيله) * «6» .
وفي رواية أخرى: قالت: ما شبع آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعا حتّى قبض «7» .
47-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: نام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حصير «8» فقام وقد أثّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتّخذنا لك وطاء»
فقال: «مالي وما للدّنيا، ما أنا في الدّنيا إلّا كراكب استظلّ تحت شجرة ثمّ راح وتركها» ) * «10» .
48-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة المدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذرّ» . قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: «ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار إلّا شيئا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- ثمّ مشى» ، ثمّ قال: «إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة، إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- وقليل ما هم» ... الحديث) * «11» .
49-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لم
__________
(1) مسلم (2974) واللفظ له. والترمذي (2356) ولكن بدل زيت (لحم) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2739) .
(3) النقى: هو الخبز الحواري من الحور وهو شدة البياض والدرمك دقيقه.
(4) ثريناه: بللناه بالماء وعجناه.
(5) البخاري- الفتح 9 (5413) .
(6) مسلم 4 (2970) .
(7) البخارى- الفتح 11 (6454) .
(8) الحصير: فراش منسوج من الخوص وهو البارية وجمعه: حصر.
(9) الوطاء: الفراش اللين.
(10) الترمذي (2377) وقال: حديث حسن صحيح.
(11) البخاري- الفتح 11 (6444) واللفظ له. ومسلم 2 (94) باب الترغيب في الصدقة وجزء منه في (991) عن أبي هريرة.
(6/2231)
يأكل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على خوان «1» حتّى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتّى مات) * «2» .
50-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعروة: ابن أختي «3» إن كنّا لننظر إلى الهلال ثمّ الهلال، ثلاثة أهلّة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار. قال: فقلت: ما كان يعيشكم؟
قالت: الأسودان التّمر والماء. إلّا أنّه قد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيران من الأنصار، وأنّ لهم منائح «4» وكانوا يمنحون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أبياتهم فيسقيناه) * «5» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الزهد)
1-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: «ارتحلت الدّنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدّنيا؛ فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» ) * «6» .
2-* (وعنه- رضي الله عنه- أنّه قال:
«طوبى للزّاهدين في الدّنيا، والرّاغبين في الآخرة، أولئك قوم اتّخذوا أرض الله بساطا. وترابها فراشا.
وماءها طيبا، والكتاب شعارا، والدّعاء دثارا، ورفضوا الدّنيا رفضا» ) * «7» .
3-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: «ما كانت عائشة أمّ المؤمنين تستجدّ ثوبا حتّى ترقّع ثوبها وتنكّسه «8» . قال: ولقد جاءها يوما من عند معاوية ثمانون ألفا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلّا اشتريت لنا منه لحما بدرهم؟. قالت:
«لو ذكّرتني لفعلت» ) * «9» .
4-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الدّنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له) * «10» .
5-* (وعن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه كان يخطب بمصر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم أمّا هو فكان أزهد النّاس في الدّنيا
__________
(1) الخوان- بكسر أوله-: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل.
(2) البخاري- الفتح 11 (6450) .
(3) قولها (ابن أختي) : المقصود هو: عروة بن الزبير، راوي الحديث عنها- رضي الله عنه-.
(4) منائح: المنيحة في الأصل الشاة أو الناقة، يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن.
(5) البخاري- الفتح (2567، 6459) .
(6) البخاري- الفتح (11/ ك الرقاق، 4 باب في الأمل وطوله) (ص 239) .
(7) شعب الإيمان للبيهقى (7/ 372) .
(8) تنكسه: تلبسه منكسا أي ما كان داخلا مستترا منه يصبح من الظاهر، وما كان ظاهرا يصبح باطنا.
(9) الترمذي (1781) وهذه زيادة من كتاب رزين، وله شواهد في الصحيحين، وانظر الزهد لوكيع (1/ 337) .
(10) المنهاج فى شعب الإيمان (3/ 388) .
(6/2232)
وأمّا أنتم فأرغب النّاس فيها) * «1» .
6-* (عن موسى بن عتبة قال: كتب أبو الدّرداء إلى بعض إخوانه، أمّا بعد، فإنّي أوصيك بتقوى الله، والزّهد في الدّنيا، والرّغبة فيما عند الله، فإنّك إذا فعلت ذلك أحبّك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبّك النّاس لتركك لهم دنياهم والسّلام) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«رأيت سبعين من أهل الصّفّة ما منهم رجل عليه رداء، إمّا إزار وإمّا كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف السّاقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته» ) * «3» .
8-* (عن أبي واقد اللّيثيّ قال: تابعنا الأعمال أيّها أفضل فلم نجد شيئا أعون على طلب الآخرة من الزّهد في الدّنيا» ) * «4» .
9-* (وعن الحسن- رضي الله عنه-:
«ليس الزّهد في الدّنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها، أرغب منك فيها لو لم تصبك» ) * «5» .
10-* (سئل الزّهريّ- رحمه الله- عن الزّهد في الدّنيا. فقال: أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره، أي لا يقصّر في شكر الحلال إذا أصابه، ويصبر عن الحرام إذا اشتهاه ولا يواقعه) * «6» .
11-* (عن محمّد بن كعب القرظيّ: قال: إذا أراد الله بعبد خيرا أزهده في الدّنيا، وفقّهه في الدّين، وبصّره عيوبه، ومن أوتيهنّ فقد أوتي خيرا كثيرا في الدّنيا والآخرة) * «7» .
12-* (عن طارق بن شهاب- رحمه الله- قال: لمّا قدم عمر- رضي الله عنه- الشّام، تلقّاه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء. فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود وبطارقة الشّام وأنت على حالتك هذه. فقال:
إنّا أعزّنا الله بالإسلام، فلن يلتمس العزّ بغيره) * «8» .
13-* (عن الرّبيع بن سليمان عن الشّافعيّ رحمه الله- قال: يا ربيع عليك بالزّهد، فللزّهد على الزّاهد أحسن من الحليّ على المرأة النّاهد) * «9» .
14-* (وقال يحيى بن معاذ: «الزّهد يورث السّخاء بالملك» ) * «10» .
15-* (وقال الجنيد- رحمه الله-: «الزّهد خلوّ القلب عمّا خلت منه اليد» ) * «11» .
16-* (قال سفيان الثّوريّ- رحمه الله-:
«الزّهد في الدّنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا
__________
(1) شعب الإيمان (3/ 389) .
(2) المرجع السابق (7/ 381) .
(3) البخاري- الفتح 1 (442) .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 174) طبعة دار الفكر، أحمد في الزهد (200) ، وقال محقق كتاب الزهد لوكيع: إسناده حسن لغيره.
(5) بصائر ذوي التمييز (3/ 140) .
(6) المنهاج فى شعب الإيمان للحليمى (3/ 386) .
(7) المرجع السابق (3/ 389) .
(8) المرجع السابق (3/ 387) .
(9) شعب الإيمان (7/ 389) .
(10) بستان العارفين (42) .
(11) المرجع السابق (420) ، وبصائر ذوى التمييز (3/ 139) .
(6/2233)
بلبس العباءة» ) * «1» .
17-* (وقال الإمام الغزاليّ- رحمه الله-:
«الزّهد: عبارة عن الرّغبة عن حظوظ النّفس كلّها إلى ما هو خير منها، علما بأنّ المتروك حقير بالإضافة إلى المأخوذ» ) * «2» .
18-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله- في ذمّ الدّنيا والتّمسّك بها:
وما هي إلّا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همّهنّ اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها) * «3» .
19-* (قال ابن الجلاء: «الزّهد: هو النّظر إلى الدّنيا بعين الزّوال لتصغر في عينيك فيتسهّل عليك الإعراض عنها» ) * «4» .
20-* (وقال ابن خفيف- رحمه الله-: «علامة الزّهد: وجود الرّاحة في الخروج من الملك» ) * «5» .
وقال أيضا: «هو سلوّ القلب عن الأسباب ونفض الأيدي عن الأملاك» وقيل: «هو عزوف القلب عن الدّنيا بلا تكلّف» ) * «6» .
21-* (قيل: الزّهد من قوله سبحانه: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (الحديد/ 23)) * «7» .
() من فوائد (الزهد)
(1) فيه تمام التّوكّل على الله.
(2) يغرس في القلب القناعة.
(3) صرف المسلم عن التّعلّق بالملذّات الفانية إلى العمل من أجل النّعيم المقيم.
(4) فيه كبح جماح النّفس إلى الشّهوات.
(5) يؤصّل العفّة والنّزاهة في نفوس المؤمنين.
(6) يعلّم المسلم كيف يسدّد هدفه إلى الدّار الآخرة.
(7) الزّاهد يحبّه الله ويقرّبه إليه.
(8) راحة في الدّنيا وسعادة في الآخرة.
(9) حبّ النّاس له حيث أنّه لا يزاحمهم على دنياهم.
(10) فيه التّأسّي برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام.
(11) الاطمئنان إلى جناب الله والرّضى بما قسم.
(12) يؤصّل في النّفس حبّ الإنفاق في سبيل الله وعدم التّعلّق بالدّنيا.
(13) يخرج نفسه من عبوديّة الشّيطان والدّنيا والنّفس.
__________
(1) بستان العارفين (42) ، وبصائر ذوى التمييز (3/ 139) .
(2) بستان العارفين (42) .
(3) دليل الفالحين (2/ 411) .
(4) بصائر ذوي التمييز (3/ 139) .
(5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) بصائر ذوي التمييز (3/ 139) .
(7) بستان العارفين: (42) .
(6/2234)
[حرف السين]
الستر
السّتر لغة:
مصدر قولهم سترت الشّيء أستره وأستره إذا غطّيته، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (س ت ر) الّتي تدلّ على التّغطية أو الغطاء، قال ابن فارس: السّين والتّاء والرّاء كلمة تدلّ على غطاء.
وقال الرّاغب: السّتر تغطية الشّيء، يقال:
سترت الشّيء فاستتر أي غطّيته فتغطّى، كما يقال:
تستّر أي تغطّى (في هذا المعنى) ويقال أيضا: ستر الشّيء سترا وسترا: أخفاه، أنشد ابن الأعرابيّ:
ويسترون النّاس من غير ستر
والسّتر والسّترة ما يستتر به، قال تعالى لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (الكهف/ 90) ، وجمع السّتر أستار، وستور، وستر، ويقال امرأة ستيرة أي ذات ستارة، وجارية مستّرة أي مخدّرة، وقول الله- عزّ وجلّ-: حِجاباً مَسْتُوراً (الإسراء/ 45) أي حجابا على حجاب، والأوّل مستور بالثّاني يراد بذلك كثافة الحجاب، ويقال إنّه مفعول بمعنى فاعل أي ساتر كما في قوله سبحانه إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (مريم/ 61) أي آتيا. وفي الحديث الشّريف: «إنّ الله
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 47/ 16
حييّ ستير يحبّ السّتر» فعيل هنا بمعنى فاعل أيضا، أي من شأنه وإرادته، حبّ السّتر والصّون.
والسّترة: ما استترت به من شيء كائنا ما كان وهو أيضا السّتار والسّتارة والجمع السّتائر.
والسّترة والمستر، والسّتارة، والإستار كالسّتر، وفي الحديث: «أيّما رجل أغلق بابه على امرأة، وأرخى دونها إستارة فقد تمّ صداقها» ، الإستارة من السّتر، قيل: لم تستعمل إلّا في هذا الحديث، أو لم تسمع إلّا فيه، والسّتر أيضا: الحياء، يقال: ما لفلان ستر ولا حجر، فالسّتر الحياء، والحجر العقل «1» .
الستير من صفات المولى- عز وجل-:
ورد السّتير والسّتّير صفة للمولى- عزّ وجلّ- قال ابن الأثير في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله حييّ ستير يحبّ الحياء والسّتر» ستير: فعيل بمعنى فاعل، أي من شأنه وإرادته حبّ السّتر والصّون»
وقد أورد النسائيّ صيغة أخرى في هذه الصّفة وهي ستّير بتشديد التّاء مكسورة وذلك في قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الّذي رواه عطاء عن يعلى «إنّ الله- عزّ وجلّ- حليم حييّ ستّير ... الحديث» قال الإمام السّنديّ في
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 132) ، مفردات الراغب (229) ، الصحاح (2/ 677) ، النهاية (2/ 341) ، ولسان العرب (4/ 343- 345) .
(2) النهاية (2/ 341) وانظر: اللسان (4/ 344) .
(6/2235)
الحاشية: معناه أنّه- عزّ وجلّ- تارك للقبائح، ساتر للعيوب والفضائح، يحبّ الحياء والسّتر من العبد؛ ليكون متخلّقا بأخلاقه تعالى «1» وقد روى أبو داود مثل ذلك ولم يذكر (حليم) «2» .
الستر اصطلاحا:
قال المنذريّ: السّتر على المسلم تغطية عيوبه، وإخفاء هناته.
وقال ابن حجر: معنى قوله «ستر مسلما» أي رآه على قبيح فلم يظهره للنّاس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ومن السّتر أيضا: أن يستتر الإنسان إذا وقع منه شيء.
قال ابن حجر: والّذي يظهر أنّ السّتر محلّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التّلبّس بها فيجب عليه الإنكار وإلّا رفعه إلى الحاكم «3» .
وقال الإمام النّوويّ: المراد بالسّتر السّتر على ذوي الهيئات ونحوهم ممّن ليس معروفا بالأذى والفساد، فأمّا المعروف بذلك، فيستحبّ ألّا يستر عليه إلى وليّ الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنّ السّتر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد ... وأمّا جرح الرّواة والشّهود والأمناء على الصّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فلا يحلّ السّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّته، وليس هذا من الغيبة المحرّمة بل من النّصيحة الواجبة «4» .
الفرق بين الستر والغفران:
قال الكفويّ في الكلّيّات: الغفران يقتضي إسقاط العقاب، وقيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن، ولا يستعمل إلّا في الباري- عزّ وجلّ-، أمّا السّتر فهو أخصّ من ذلك إذ يجوز أن يستر ولا يغفر والغفران لا يكون إلّا في الآخرة (أمّا السّتر فيكون في الدّنيا أيضا) «5» .
وقال أبو هلال: الغفران أخصّ. وهو يقتضي إيجاب الثّواب، والسّتر سترك الشّيء بستر، ثمّ استعمل في الإضراب عن ذكر الشّيء، فيقال: ستر فلان إذا لم يذكر ما اطّلع عليه من عثرات، وستر الله عليه خلاف فضحه، ولا يقال لمن يستر عليه في الدّنيا إنّه غفر له، لأنّ الغفران ينبأ عن استحقاق الثّواب على ما ذكرنا، ويجوز أن يستر في الدّنيا على الكافر والفاسق «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- النبل العفة- الحياء- المداراة- الوقاية.
وفي ضد ذلك: انظر صفات الفضح- الإساءة- سوء الخلق- المجاهرة بالمعصية- الطيش] .
__________
(1) سنن النسائي (1/ 2) (وانظر: حاشية السندي أسفل الصفحة المذكورة) .
(2) انظر: سنن أبي داود (4/ 39) (الحديث رقم 4012) .
(3) الترغيب والترهيب (3/ 237) ، وفتح الباري (5/ 117) (حديث 2442) .
(4) صحيح مسلم بشرح النووي (16/ 135) ، وانظر الآداب الشرعية (1/ 235) .
(5) الكليات للكفوي (666) .
(6) الفروق اللغوية (195، 196) .
(6/2236)
الآيات الواردة في «الستر»
1- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20)
وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) «1»
الآيات الواردة في «الستر» ولها معنى آخر
2- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) «2»
3- حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) «3»
__________
(1) فصلت: 19- 22 مكية
(2) الإسراء: 45 مكية
(3) الكهف: 90 مكية
(6/2237)
الأحاديث الواردة في (الستر)
1-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أبا ذرّ، أبد فيها» فبدوت إلى الرّبذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والسّتّ، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«أبو ذرّ» فسكتّ، فقال: «ثكلتك أمّك أبا ذرّ، لأمّك الويل» فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعسّ «1» فيه ماء، فسترتني بثوب، واستترت بالرّاحلة، واغتسلت، فكأنّي ألقيت عنّي جبلا، فقال: «الصّعيد الطّيّب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسّه (جلدك) ؛ فإنّ ذلك خير» وقال مسدّد: غنيمة من الصّدقة) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم خلفه.
فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس. وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته، هدف «3» أو حائش نخل، قال ابن أسماء في حديثه: يعني حائط نخل) * «4» .
3-* (عن ابن شهاب، قال أخبرني أنس بن مالك؛ أنّ أبا بكر كان يصلّي لهم في وجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي توفّي فيه. حتّى إذا كان يوم الإثنين. وهم صفوف في الصّلاة. كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة. فنظر إلينا وهو قائم. كأنّ وجهه ورقة مصحف. ثمّ تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا. قال فبهتنا ونحن في الصّلاة. من فرح بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ. وظنّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارج للصّلاة. فأشار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده أن أتمّوا صلاتكم. قال: ثمّ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرخى السّتر. قال: فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يومه ذلك» ) * «5» .
4-* (عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى فاطمة- رضي الله عنها-، فوجد على بابها سترا، فلم يدخل، قال: وقلّما كان يدخل إلّا بدأ بها، فجاء عليّ- رضي الله عنه- فرآها مهتمّة، فقال: مالك؟
قالت: جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ فلم يدخل، فأتاه عليّ- رضي الله عنه-، فقال: يا رسول الله، إنّ فاطمة اشتدّ عليها أنّك جئتها فلم تدخل عليها، قال: «وما أنا والدّنيا؟ وما أنا والرّقم؟ «6» » فذهب إلى فاطمة فأخبرها بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: قل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يأمرني به، قال: «قل لها فلترسل به إلى بني فلان» ) * «7» .
__________
(1) العس: هو القدح العظيم والجمع عساس.
(2) أبو داود (332) قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 67) ؛ 321 صحيح.
(3) الهدف: ما ارتفع من الأرض.
(4) مسلم 1 (342)
(5) البخاري الفتح 7 (4448) ومسلم (419) واللفظ لمسلم.
(6) الرقم: النقش والوشي.
(7) أبو داود (4149) . وقال الألباني 2/ 781: صحيح 2613 نحوه.
(6/2238)
5-* (عن يعلى- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا يغتسل بالبراز «1» بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله- عزّ وجلّ- حليم حييّ ستّير يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزّبيديّ أنّه مرّ وصاحب له بأيمن وفئة من قريش قد حلّوا أزرهم فجعلوها مخاريق «3» يجتلدون بها، وهم عراة قال عبد الله: فلمّا مررنا بهم، قالوا: إنّ هؤلاء قسّيسون فدعوهم، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج عليهم فلمّا أبصروه تبدّدوا، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغضبا حتّى دخل، وكنت أنا وراء الحجرة فسمعته يقول: «سبحان الله! لا من الله استحيوا، ولا من رسوله استتروا» وأمّ أيمن عنده تقول: استغفر لهم يا رسول الله. قال عبد الله: فبلأي «4» ما استغفر لهم» ) * «5» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ موسى كان رجلا حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فاذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة «6» ، وإمّا آفة. وإنّ الله أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل. فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر.
حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممّا يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إنّ بالحجر لندبا «7» من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله (الأحزاب/ 69) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» ) * «8» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ ابن عمر- والله يغفر له- أوهم، إنّما كان هذا الحيّ من الأنصار- وهم أهل وثن- مع هذا الحيّ من يهود- وهم أهل كتاب- وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النّساء إلّا على حرف «9» ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحيّ من
__________
(1) البراز: الخلاء.
(2) النسائي (1/ 200) واللفظ له. وأبو داود (412) . وقال الألباني 2/ 758) ح 3387: صحيح، والبزار والطبراني وأحد إسنادي الطبراني ثقات.
(3) المخراق: ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا.
(4) فبلأي: أي بعد جهد ومشقة وإبطاء. انظر النهاية (4/ 221) .
(5) الهيثمي في المجمع (8/ 27) وقال: رواه أحمد (4/ 191) واللفظ له وأبو يعلى قال: قال عبد الله يعني ابن الحارث فتأبى ما استغفر لهم والبزار والطبراني وأحد إسنادي الطبراني ثقات.
(6) البرص: داء من الأدواء وهو بياض يقع بالجسد. والأدرة: انتفاخ في الخصية.
(7) النّدب في الأصل أثر الجرح، وقد شبه به أثر الضرب في الحجر.
(8) البخاري- الفتح 6 (3404) .
(9) على حرف: أي على جانب.
(6/2239)
الأنصار، قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النّساء شرحا منكرا «1» ، ويتلذّذون منهنّ مقبلات، ومدبرات ومستلقيات، فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنّما كنّا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلّا فاجتنبي، حتّى شري أمرهما «2» ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله- عزّ وجلّ-: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة/ 223) أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات- يعني بذلك- موضع الولد) * «3» .
9-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا؛ وهو أحد النّقباء ليلة العقبة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال- وحوله عصابة من أصحابه-:
«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا، فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره الله فهو إلى الله: إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك) * «4» .
10-* (عن صفوان بن محرز المازنيّ قال:
بينما أنا أمشي مع ابن عمر- رضي الله عنهما- آخذ بيده إذ عرض رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنّ الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، فيقول:
نعم أي ربّ. حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك قال: سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (هود/ 18)) * «5» .
11-* (عن شيخ من طفاوة، قال تثوّيت «6» أبا هريرة بالمدينة، فلم أر رجلا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشدّ تشميرا»
ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوما، وهو على سرير له، ومعه كيس فيه حصى، أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبّح بها، حتّى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها، فجمعته فأعادته في الكيس، فدفعته إليه، فقال: ألا أحدّثك عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قلت: بلى، قال: بينا أنا أوعك «8» في المسجد إذ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى دخل المسجد فقال: «من أحسّ الفتى الدّوسيّ» ؟
__________
(1) يشرحون النساء شرحا: يقال: شرح فلان جاريته إذا وطئها وهي نائمة على قفاها.
(2) شري أمرهما: أي ظهر خبرهما وعرف.
(3) أبو داود (2164) وقال الألباني (2/ 46) : حسن وأصله عند البخاري من حديث جابر وعند مسلم. وذكره ابن كثير (1/ 262) وقال: يشهد له ما تقدم من الأحاديث
(4) البخاري الفتح 1 (18) واللفظ له. ومسلم (179) .
(5) البخاري الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم 4 (2768) .
(6) تثويت عند فلان وتثوّيته: تضيّفته وأقمت عنده (كما في النهاية.
(7) أشد تشميرا: كناية عن كثرة العبادة.
(8) أوعك: من الوعك وهو الحمى، وقيل: ألمها.
(6/2240)
ثلاث مرّات، فقال رجل: يا رسول الله، هو ذا يوعك في جانب المسجد، فأقبل يمشي حتّى انتهى إليّ، فوضع يده علىّ، فقال لي معروفا، فنهضت، فانطلق يمشي حتّى أتى مقامه الّذي يصلّي فيه، فأقبل عليهم، ومعه صفّان من رجال وصفّ من نساء، أو صفّان من نساء وصفّ من رجال، فقال: «إن أنساني الشّيطان شيئا من صلاتي فليسبّح القوم وليصفّق النّساء» قال: فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينس من صلاته شيئا، فقال: «مجالسكم» زاد موسى «ههنا» ثمّ حمد الله- تعالى- وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد» ثمّ اتّفقوا: ثمّ أقبل على الرّجال فقال: «هل منكم الرّجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟» قالوا: نعم، قال «ثمّ يجلس بعد ذلك، فيقول فعلت كذا، فعلت كذا» قال: فسكتوا، قال: فأقبل على النّساء. فقال: «هل منكنّ من تحدّث؟» فسكتن، فجثت فتاة (قال مؤمّل في حديثه: فتاة كعاب) على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنّهم ليتحدّثون، وإنّهنّ ليتحدّثن، فقال: «هل تدرون ما مثل ذلك؟» فقال: «إنّما ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السّكّة، فقضى منها حاجته، والنّاس ينظرون إليه، ألا وإنّ طيب الرّجال ما ظهر ريحه، ولم يظهر لونه، ألا إنّ طيب النّساء ما ظهر لونه، ولم يظهر ريحه» ) *.
قال أبو داود: من هاهنا حفظته عن مؤمّل وموسى «ألا لا يفضينّ رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة إلّا إلى ولد أو والد» وذكر ثالثة فأنسيتها» ) * «1» .
12-* (عن يعلى بن أميّة- رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بالجعرانة «2» .
عليه جبّة وعليها خلوق «3» (أو قال أثر صفرة) فقال:
كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الوحي. فستر بثوب. وكان يعلى يقول:
وددت أنّي أرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه الوحي. قال فقال «4» : أيسرّك أن تنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه الوحي؟ قال فرفع عمر طرف الثّوب. فنظرت إليه له غطيط. (قال وأحسبه قال) كغطيط البكر «5» . قال:
فلمّا سرّي عنه قال: «أين السّائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الصّفرة (أو قال أثر الخلوق) واخلع عنك جبّتك. واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجّك» ) * «6» .
13-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت:
جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة. فأعطيتها إيّاها. فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها. ولم تأكل منها شيئا. ثمّ قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته
__________
(1) أبو داود (2174) واللفظ له وقال صاحب عون المعبود (6/ 224) قال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي مختصرا. وقال الترمذي: حديث حسن إلا أن الطّفاوي لا نعرفه وأحمد في المسند (2/ 54154) . وأصله عند مسلم (1437) . وأخرى عند أبي داود (487) .
(2) الجعرانة: مكان بين الطائف ومكة وهو إلى مكة أقرب.
(3) الخلوق: الطيب.
(4) القائل: عمر بن الخطاب. رضي الله عنه.
(5) غطيط البكر: هدير البعير أي صوته عند الشقشقة.
(6) البخاري- الفتح 3 (1789) ومسلم 2 (118) واللفظ له.
(6/2241)
حديثها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» ) * «1» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأمّا الّذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال في مرج أو روضة «2» . فما أصابت في طيلها ذلك المرج والرّوضة كان له حسنات، ولو أنّها قطعت طيلها فاستنّت شرفا أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنّها مرّت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن تسقى به، كان ذلك حسنات له، وهي لذلك الرّجل أجر. ورجل ربطها تغنّيا وتعفّفا، ولم ينس حقّ الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورياء، فهي على ذلك وزر. وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحمر قال: «ما أنزل الله عليّ فيها إلّا هذه الآية الفاذّة الجامعة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ 7- 8)) * «3» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، قال: تستترين منّي وأنا عمّك؟ قالت: قلت: من أين؟
قال: أرضعتك امرأة أخي، قالت: إنّما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرّجل، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته فقال: «إنّه عمّك، فليلج عليك» ) * «4» .
16-* (عن العبّاس- رضي الله عنه- قال:
دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساؤه، فاستترن «5» منّي إلّا ميمونة، فقال: لا يبقى في البيت أحد شهد اللّدّ «6» إلّا لدّ، إلّا أنّ يميني لم تصب العبّاس، ثمّ قال: مروا أبا بكر أن يصلّي بالنّاس، فقالت عائشة لحفصة: قولي له: إنّ أبا بكر رجل إذا قام مقامك بكى، قال: مروا أبا بكر ليصلّ بالنّاس، فقام فصلّى، فوجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خفّة، فجاء، فنكص أبو بكر- رضي الله عنه- فأراد أن يتأخّر، فجلس إلى جنبه ثمّ اقترأ) * «7» .
17-* (عن صالح السّمّان قال: رأيت أبا سعيد الخدريّ في يوم جمعة يصلّي إلى شيء يستره من النّاس، فأراد شابّ من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشّابّ فلم يجد مساغا إلّا بين يديه، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشدّ من الأولى، فنال من أبي سعيد ثمّ دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من النّاس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنّما هو
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1418) ومسلم (2629) واللفظ له
(2) المرج: الأرض الواسعة ذات النبات الكثير تمرج فيه الخيل، والروضة أخصب من المرعى.
(3) البخاري- الفتح 13 (7356) واللفظ له ومسلم (987) مطولا.
(4) أبو داود (257) ، قال الألباني (2/ 387) 1812: صحيح وأصله في الصحيحين. ويلج عليك: أي يدخل عليك.
(5) الاستتار هنا بمعنى الحجاب.
(6) اللّدّ: أن يؤخذ بلسان المريض فيمد إلى أحد شقيه ويوضع في الأخرى الدواء على غير إرادته بين اللسان وبين الشدق. وقد فعلوا ذلك معه فلما أفاق دعا عليهم بذلك.
(7) أحمد (1/ 29) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 214) . وأخرجه الهيثمي في المجمع (5/ 181) وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار كثير وأبو يعلى أتم منهم وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وبقية رجاله ثقات.
(6/2242)
شيطان» ) «1» .
18-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ستر ما بين أعين الجنّ وعورات بني آدم، إذا دخل الكنيف، أن يقول: بسم الله» ) * «2» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ أمّتي معافى إلّا المجاهرين. وإنّ من الإجهار أن يعمل العبد باللّيل عملا، ثمّ يصبح قد ستره ربّه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربّه. فيبيت يستره ربّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» ) * «3» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يستر عبد عبدا في الدّنيا، إلّا ستره الله يوم القيامة» ) * «4» .
21-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «5» .
22-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من استطاع منكم أن يستتر من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل» ) * «6» .
23-* (عن أبي كثير مولى عقبة بن عامر عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من رأى عورة فسترها كان كمن استحيا موءودة من قبرها» ) * «7» .
24-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي عالجت امرأة «8» في أقصى المدينة. وإنّي أصبت منها ما دون أن أمسّها «9» . فأنا هذا. فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك. قال: فلم يردّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا. فقام الرّجل فانطلق. فأتبعه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ
«10» إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ* (هود/ 114) .
فقال رجل من القوم: يا نبيّ الله! هذا له خاصّة؟ قال:
«بل للنّاس كافّة «11» » ) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (59) واللفظ له، ومسلم (55) .
(2) ابن ماجة (297) واللفظ له. والترمذي (66) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 316) وللحديث شواهد يقوى بها فيكون صحيحا. وصححه الألباني في صحيح الجامع (3604) والإرواء (49) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6069) ، ومسلم (2990) ، واللفظ له.
(4) مسلم (2590) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، مسلم (2580) .
(6) مسلم (1016) .
(7) أبو داود (4891) ، أحمد (4/ 158) واللفظ له، وأحمد أيضا (4/ 147، 153) ، وقال الحاكم في المستدرك (4/ 384) : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (8683) ونقل المناوي تصحيح من صححه، فيض القدير (6/ 129) والحق: أنه حسن لأن في سنده أبا الهيثم المصري مولى عقبة بن عامر، مقبول، (تقريب 861) وقيل بينه وبين عقبة بن عامر- دخين الحجري- وهو ثقة (التقريب 201) ، (التهذيب 12/ 270) .
(8) إني عالجت امرأة: معنى عالجها أي تناولها واستمتع بها.
(9) دون أن أمسها: المراد بالمس الجماع، ومعناه: استمتعت بها، بالقبلة والمعانقة وغيرهما، من جميع أنواع الاستمتاع، إلا الجماع.
(10) زلفا من الليل: هي ساعاته، ويدخل في صلاة طرفي النهار، الصبح والظهر، والعصر وفي (زلفا) من الليل، المغرب والعشاء.
(11) بل للناس كافة: هكذا تستعمل كافة حالا: أي كلهم. ولا يضاف فيقال كافة الناس، ولا الكافة، بالألف واللام. وهو معدود في تصحيف العوام ومن أشبههم.
(12) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) واللفظ له.
(6/2243)
الأحاديث الواردة في (الستر) معنى
25-* (عن أبي بكر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ببراءة لأهل مكّة: لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مدّة فأجله إلى مدّته، والله بريء من المشركين ورسوله، قال فسار بها ثلاثا، ثمّ قال لعليّ- رضي الله- تعالى عنه-: الحقه فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت، قال:
ففعل، قال: فلمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر بكى، قال: يا رسول الله حدث فيّ شيء؟ قال: «ما حدث فيك إلّا خير، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي» ) * «1» .
26-* (عن جرهد الأسلميّ عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ به وهو كاشف عن فخذه فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غطّ فخذك؛ فإنّها من العورة» ) * «2» .
27-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والتّعرّي؛ فإنّ معكم من لا يفارقكم إلّا عند الغائط، وحين يفضي الرّجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم» ) * «3» .
28-* (عن هزيل، قال: جاء رجل- قال عثمان: سعد- فوقف على باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستأذن، فقام على الباب (قال عثمان) مستقبل الباب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هكذا- عنك- أو هكذا؛ فإنّما الاستئذان من النّظر» ) * «4» .
29-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: حملت حجرا ثقيلا، فبينا أمشي فسقط عنّي ثوبي، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذ عليك ثوبك ولا تمشوا عراة» ) * «5» .
30-* (عن أبي المليح، قال: دخل نسوة من أهل الشّام على عائشة رضي الله عنها فقالت: ممّن أنتنّ؟ قلن: من أهل الشّام، قالت: لعلّكنّ من الكورة الّتي تدخل نساؤها الحمّامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرأة تخلع ثيابها»
في غير بيتها إلّا هتكت ما بينها وبين الله تعالى» ) * «7» .
__________
(1) أحمد (1/ 3) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 156) إسناده صحيح وأصله في البخاري (1622) من حديث أبي هريرة.
(2) الترمذي (2798) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن وأبو داود (414) وقال محقق جامع الأصول (5/ 451) : حديث حسن وقال الألباني (2/ 758) برقم (3389) صحيح.
(3) الترمذي (2800) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (2911) ونقل المناوي عن الترمذي أنه قال: حسن غريب، وقال القطان: ولم يبين لم لا يصح (فيض القدير 3/ 126) وفي سنده ليث ابن أبي سليم، وهو صدوق اختلط، لكن مسلما أصبح به مقرونا (التقريب 464) ويشهد له حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: «احفظ عورتك ... » الحديث في العورات وفي آخره: «فالله أحق أن يستحى منه من الناس» حسنه الترمذي (2794، 2769) وصححه الحاكم (4/ 180) وأقره الذهبي، وعلقه البخاري بصيغة الجزم قبل رقم (278) ووصله أبو داود (4017) .
(4) أبو داود (5174) واللفظ له. وقال الألباني (431) : صحيح.
(5) أبو داود (416) وقال الألباني (339) : صحيح.
(6) أي تتعرى.
(7) أبو داود (41) واللفظ له وقال الألباني (2/ 758) : برقم 3386 صحيح والترمذي (283) وقال: حديث حسن وكذا قال محقق جامع الأصول (7/ 339) .
(6/2244)
31-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
رأيتني أنا والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نتماشى، فأتى سباطة قوم «1» خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه «2» ، فأشار إليّ فجئته، فقمت عند عقبه حتّى فرغ» ) * «3» .
32-* (عن عبد الرّحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: «لا ينظر الرّجل إلى عرية الرّجل، ولا المرأة إلى عرية المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب» ) * «4» .
33-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل الحمّام بغير إزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يدخل حليلته الحمّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر» ) * «5» .
34-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن اشتمال الصّمّاء «6» ، وأن يحتبي الرّجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء» ) * «7» .
35-* (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا. ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك. إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قال قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت أن لا يرينّها أحد، فلا يرينّها» قال قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال «الله أحقّ أن يستحيا منه من النّاس» ) * «8» .
36-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ونحن قعود معه إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله! إنّي أصبت حدّا.
فأقمه عليّ، فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ أعاد فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حدّا. فأقمه عليّ.
فسكت عنه. وأقيمت الصّلاة. فلمّا انصرف نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو أمامة: فاتّبع الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين انصرف. واتّبعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أنظر ما يردّ على الرّجل. فلحق الرّجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ. قال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضّأت فأحسنت الوضوء؟» قال: بلى.
__________
(1) سباطة قوم: السباطة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور.
(2) انتبذت منه: أي تنحيت.
(3) البخاري- الفتح (225) .
(4) أبو داود (418) واللفظ له وقال الألباني (3392) : صحيح وعند ابن ماجة برقم (661) .
(5) الترمذي (281) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث طاووس عن جابر إلا من هذا الوجه والنسائي (1/ 198) وقال محقق جامع الأصول (7/ 34) : حديث حسن.
(6) هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقي ما يخرج منه يده. وقال الفقهاء: هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفع من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا.
(7) البخاري- الفتح 1 (367) .
(8) أبو داود (417) واللفظ له وقال الألباني (2/ 759) 3391: حسن والترمذي (5/ 111) 2794 وقال: حسن والحاكم وصححه الحافظ في الفتح.
(6/2245)
يا رسول الله، قال: «ثمّ شهدت الصّلاة معنا؟» فقال:
نعم. يا رسول الله. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد غفر لك حدّك، أو قال ذنبك» ) * «1» .
37-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها «2» لزوجها كأنّه ينظر إليها» ) * «3» .
38-* (عن أبي برزة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من اتّبع عوراتهم، يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته» ) * «4» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الستر)
39-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أبا بكر دخل عليها. وعندها جاريتان في أيّام منى «5» تغنّيان وتضربان. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجّى بثوبه «6» .
فانتهرهما أبو بكر. فكشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه وقال:
«دعهما يا أبا بكر! فإنّها أيّام عيد» وقالت: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون. وأنا جارية. فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السّنّ «7» ) * «8» .
40-* (عن ابن عبد الله بن الحارث؛ أنّ أباه عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: سألت وحرصت على أن أجد أحدا من النّاس يخبرني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبّح سبحة الضّحى. فلم أجد أحدا يحدّثني ذلك.
غير أنّ أمّ هانىء بنت أبي طالب، أخبرتني؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى، بعد ما ارتفع النّهار، يوم الفتح، فأتي بثوب فستر عليه. فاغتسل. ثمّ قام فركع ثماني ركعات.
لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده. كلّ
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6823) من حديث أنس ومسلم (2765) واللفظ لمسلم.
(2) تنعتها: أي تصفها.
(3) البخاري- الفتح 9 (5240، 5241) .
(4) المنذري في الترغيب (3/ 24) وقال: رواه أبو داود (4880) عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء واللفظ له، وقال في مجمع الزوائد (8/ 93) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
(5) في أيام مني: هي أيام عيد الأضحى أضيف إلى المكان بحسب الزمان قال النووي: يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق.
(6) مسجى بثوبه: أي مغطى به.
(7) فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن: قال النووي: معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبّا بليغا وتحرص على إدامته ما أمكنها، ولا تمل ذلك إلا بعد زمن طويل. وقولها: فاقدروا هو بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره، وهو من التقدير: أي قدروا رغبتها في ذلك إلى أن تنتهي: أي قيسوا قياس أمرها في حداثتها وحرصها على اللهو ومع ذلك كانت هي التي تمل وتنصرف عن النظر إليه والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يمسه شيء من الضجر والإعياء رفقا بها وقولها: العربة، معناها المشتهية للّعب، المحبّة له.
(8) البخاري- الفتح 1 (454) ومسلم (892) واللفظ له.
(6/2246)
ذلك منه متقارب. قالت: فلم أره سبّحها قبل ولا بعد) * «1» .
41-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، صلّى العيد بالمصلّى مستترا بحربة) * «2»
42-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ صفيّة وقعت في سهم دحية الكلبيّ، فقيل يا رسول الله! قد وقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبعة أرؤس فجعلها عند أمّ سليم، حتّى تهيّأ وتعتدّ فيما يعلم حمّاد، فقال النّاس: والله ما ندري أتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو تسرّاها فلمّا حملها سترها وأردفها خلفه فعرف النّاس أنّه قد تزوّجها، فلمّا دنا من المدينة أوضع النّاس وأوضع رسول الله «3» صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك كانوا يصنعون، فعثرت النّاقة فخرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخرّت معه وأزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينظرن، فقلن: أبعد الله اليهوديّة وفعل بها وفعل، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسترها وأردفها خلفه) «4» .
43-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتّى يدنو من الأرض) * «5» .
44-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى نزلنا واديا أفيح «6» .
فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقضي حاجته فاتّبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطيء الوادي «7» فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كالبعير المخشوش «8» الّذي يصانع قائده حتّى أتى الشّجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها. فقال «انقادي عليّ بإذن الله» فانقادت معه كذلك. حتّى إذا كان بالمنصف «9» ممّا بينهما، لأم «10» بينهما (يعني جمعهما) فقال: «التئما عليّ بإذن الله» . فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر «11» مخافة أن يحسّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقربي فيبتعد (وقال محمّد ابن عبّاد: فيتبعّد) فجلست أحدّث نفسي.
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (28) ومسلم (336) باب استحباب صلاة الضحى، واللفظ له.
(2) ابن ماجة (136) وقال: في الزوائد: عزاه المزّيّ في الأطراف للنسائي، وليس في روايتنا وإسناد ابن ماجة صحيح ورجاله ثقات.
(3) أوضع الراكب البعير إذا حمله على سرعة السير.
(4) عند البخاري مقطعا في (42، 421، 4211، 4212، 4213) وهو مجتمعا عند أحمد (3/ 123) وكلها من حديث أنس وهذا لفظ أحمد.
(5) أبو داود (14) وقال الألباني (11) : صحيح.
(6) واديا أفيح: أي واسعا.
(7) بشاطيئ الوادي: أي جانبه
(8) كالبعير المخشوش: هو الذي يجعل في أنفه خشاش، وهو عود يجعل في أنف البعير إذا كان صعبا، ويشد فيه حبل ليذل وينقاد وقد يتمانع لصعوبته، فإذا اشتد عليه وآله انقاد شيئا، ولهذا قال: الذي يصانع قائده.
(9) بالمنصف: هو نصف المسافة
(10) لأم: روى بهمزة مقصورة: لأم وممدودة: لآءم وكلاهما صحيح أي جمع بينهما.
(11) فخرجت أحضر: أي أغدو وأسعى سعيا شديدا.
(6/2247)
فحانت منّي لفتة «1» ، فإذا أنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقبلا.
وإذا الشّجرتان قد افترقتا. فقامت كلّ واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثمّ أقبل. فلمّا انتهى إليّ قال: «يا جابر هل رأيت مقامي؟» قلت: نعم. يا رسول الله قال: «فانطلق إلى الشّجرتين فاقطع من كلّ واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتّى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك» .
قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته «2» . فانذلق «3» لي. فأتيت الشّجرتين فقطعت من كلّ واحدة منهما غصنا. ثمّ أقبلت أجرّهما حتّى قمت مقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثمّ لحقته فقلت: قد فعلت.
يا رسول الله! فعمّ ذاك؟ قال: «إنّي مررت بقبرين يعذّبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفّه عنهما»
، ما دام الغصنان رطبين» ) * «5» .
45-* (عن أبي السّمح- رضي الله عنه- قال: كنت أخدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فكان إذا أراد أن يغتسل قال «ولّني قفاك» فأولّيه قفاي، وأنشر الثّوب فأستره به» ) * «6» .
46-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا انقضت عدّة زينب «7» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزيد «8» :
«فاذكرها عليّ «9» » قال: «فانطلق زيد حتّى أتاها وهي تخمّر عجينها «10» قال: فلمّا رأيتها عظمت في صدري «11» حتّى ما أستطيع أن أنظر إليها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرها. فولّيتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت: يا زينب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكرك. قالت:
__________
(1) فحانت مني لفتة: اللفتة النظرة إلى جنب.
(2) وحسرته: أي أحددته ونحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار مما يمكن قطع الأغصان به.
(3) فانذلق: أي صار حادّا.
(4) أن يرفه عنهما: أي يخفف.
(5) مسلم (3012) .
(6) أبو داود (376) وقال الألباني (1/ 75) : صحيح والنسائي (1/ 158) وابن ماجة وولّني: أي ظهرك لئلا يقع نظره عليه. (613) وزاد عند أبي داود: فأتى بحسن أو حسين- رضي الله عنهما- فبال على صدره فجئت أغسله فقال: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام.
(7) لما انقضت عدة زينب: هي زينب بنت جحش التي زوجها الله سبحانه بنبيه لمصلحة تشريع، بينه في سورة الأحزاب (آية 37) .
(8) لزيد: هو زيد بن حارثة الذي سماه الله سبحانه في تلك السورة من كتابه. انظر الهامش السابق.
(9) فاذكرها علي: أي فاخطبها لي من نفسها.
(10) تخمر عجينها: أي تجعل في عجينها الخمير قال المجد: وتخمير العجين تركه ليجود.
(11) فلما رأيتها عظمت في صدري: معناه أنه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلّى الله عليه وسلّم تزوجها فعاملها معاملة من تزوجها صلّى الله عليه وسلّم، في الإعظام والإجلال والمهابة وقوله: أن رسول الله هو بفتح الهمزة من أن: أي من أجل ذلك وقوله: نكصت: أي رجعت، وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها، على ما كان من عادتهم وهذا قبل نزول الحجاب فلما غلب عليه الإجلال تأخر وخطبها وظهره إليها، لئلا يسبقه النظر إليها.
(6/2248)
ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربّي. فقامت إلى مسجدها «1» ونزل القرآن «2» . وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليها بغير إذن. قال: فقال: «ولقد رأيتنا «3» أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللّحم حين امتدّ النّهار «4» . فخرج النّاس وبقي رجال يتحدّثون في البيت بعد الطّعام. فخرج رسول الله واتّبعته.
فجعل يتتبّع حجر نسائه يسلّم عليهنّ. ويقلن:
يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أنّ القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتّى دخل البيت. فذهبت أدخل معه فألقى السّتر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به. زاد ابن رافع في حديثه: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ «5» ؛ إلى قوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ (الأحزاب/ 53)) * «6» .
47-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن ميمونة بنت الحارث- رضي الله عنها- قالت:
وضعت لرسول الله غسلا وسترته فصبّ على يده فغسلها مرّة أو مرّتين قال سليمان: لا أدري أذكر الثّالثة أم لا ثمّ أفرغ بيمينه على شماله فغسل فرجه، ثمّ دلّك يده بالأرض أو بالحائط، ثمّ تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه، ثمّ صبّ على جسده، ثمّ تنحّى فغسل قدميه، فناولته خرقة فقال بيده هكذا، ولم يردها) * «7» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الستر)
1-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- أنّه قال: «لو أخذت سارقا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت شاربا لأحببت أن يستره الله عزّ وجلّ» ) * «8» .
2-* (عن أبي مسلمة بن عبد الرّحمن- رضي الله عنه- قال: «دخلت على عائشة، أنا وأخوها من الرّضاعة. فسألتها عن غسل النّبيّ من الجنابة؟
فدعت بإناء قدر الصّاع. فاغتسلت. وبيننا وبينها ستر. وأفرغت على رأسها ثلاثا. قال: وكان أزواج النّبيّ يأخذن من رؤوسهنّ حتّى تكون كالوفرة «9» » ) * «10» .
__________
(1) إلى مسجدها: أي موضع صلاتها من بيتها.
(2) ونزل القرآن: يعني نزل قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (الأحزاب/ 37) فدخل عليها بغير إذن.
(3) ولقد رأيتنا أي رأيت أنفسنا.
(4) حين امتد النهار: أي ارتفع هكذا هو في النسخ: حين، بالنون.
(5) غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين لإدراكه والإنى كإلى، مصدر أنى يأنى، إذا أدرك ونضج، ويقال: بلغ هذا إناه أي غايته، ومنه: حميم آن وعين آنية وبابه رمى، ويقال: أنى يأنى أيضا: إذا دنا وقرب ومنه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 86) وقد يستعمل على القلب فيقال: آن يئين أينا فهو آين جمعهما الشاعر في قوله:
ألما يئن لي أن تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا.
(6) البخاري- الفتح 8 (4791) ومسلم (1428) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 1 (266) ومسلم (337) مختصرا.
(8) مكارم الأخلاق (ص 493) .
(9) الوفرة: الشعر المشتمل على الرأس، أو ما جاوز شحمة الأذن.
(10) مسلم (320) ونحوه عند البخاري- الفتح 1 (251) .
(6/2249)
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا أرادوا غسل النّبيّ قالوا: والله ما ندري أنجرّد رسول الله من ثيابه كما نجرّد موتانا أم نغسّله وعليه ثيابه؟ فلمّا اختلفوا ألقى الله عليهم النّوم حتّى ما منهم رجل إلّا وذقنه في صدره، ثمّ كلّمهم مكلّم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النّبيّ وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله فغسّلوه وعليه قميصه يصبّون الماء فوق القميص ويدلّكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّله إلّا نساؤه» ) * «1» .
4-* (عن مريم بنت طارق: أنّ امرأة قالت لعائشة: يا أمّ المؤمنين إنّ كريّا «2» أخذ بساقي وأنا محرمة فقالت حجرا حجرا حجرا «3» وأعرضت بوجهها وقالت بكفّها «4» وقالت: يا نساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكنّ ذنبا فلا تخبرنّ به النّاس ولتستغفرنّ الله ولتتب إليه فإنّ العباد يعيّرون ولا يغيّرون والله تعالى يغيّر ولا يعيّر» ) * «5» .
5-* (عن الحارث بن معاوية الكنديّ: أنّه ركب إلى عمر بن الخطّاب يسأله عن ثلاث خلال، قال:
فقدم المدينة فسأله عمر: ما أقدمك؟ قال: لأسألك عن ثلاث خلال، قال: وما هنّ؟ قال: ربّما كنت أنا والمرأة في بناء ضيّق فتحضر الصّلاة، فإن صلّيت أنا وهي كانت بحذائي، وإن صلّت خلفي خرجت من البناء، فقال عمر: تستر بينك وبينها، بثوب، ثمّ تصلّي بحذائك إن شئت، وعن الرّكعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسول الله، قال: وعن القصص فإنّهم أرادوني على القصص؟ فقال: ما شئت، كأنّه كره أن يمنعه، قال: إنّما أردت أن أنتهي إلى قولك، قال: أخشى عليك أن تقصّ فترتفع عليهم في نفسك، ثمّ تقصّ فترتفع حتّى يخيّل إليك أنّك فوقهم بمنزلة الثّريّا، فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك» ) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«من أطفأ على مؤمن سيّئة فكأنّما أحيا موءدة» ) * «7» .
7-* (عن العلاء بن بدر قال: «لا يعذّب الله قوما يسترون الذّنوب» ) * «8» .
8-* (عن الضّحّاك في قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً (لقمان/ 20) قال: «أمّا الظّاهرة فالإسلام والقرآن. وأمّا الباطنة فما يستر من العيوب» ) * «9» .
9-* (عن الحسن البصريّ أنّه قال: «من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه» ) * «10» .
10-* (قال ابن تيميّة: «فإنّ المرأة لو صلّت وحدها كانت مأمورة بالاختمار» ) * «11» .
11-* (وقال: وأمر النّساء خصوصا بالاستتار، وأن لا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ، ومن
__________
(1) أبو داود (3141) وقال الألباني (2/ 607) : حسن.
(2) الكريّ والمكاري الذي يكريك دابته أي يؤجرك إياها.
(3) حجرا حجرا حجرا: أي سترا وبراءة من هذا الأمر
(4) قالت بكفها: أهوت بكفها.
(5) مكارم الأخلاق للخرائطي (503) .
(6) أحمد (1/ 18) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 23) : إسناده صحيح.
(7) مكارم الأخلاق (480) .
(8) المرجع السابق (502) .
(9) المرجع السابق (488) .
(10) المرجع السابق (495) .
(11) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (23) .
(6/2250)
استثناه الله تعالى في الآية، فما ظهر من الزّينة هو الثّياب الظّاهرة. فهذا لا جناح عليها في إبدائها. إذا لم يكن في ذلك محذور آخر) * «1» .
12-* (عن عوف الأحمسيّ قال: كان يقال:
«من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالّذي بدأها» ) * «2» .
13-* (عن قبيصة بن عقبة قال: بلغ داود الطّائيّ أنّه ذكر عند بعض الأمراء فأثنى عليه، فقال:
إنّما نتبلّغ بستره بين خلقه، ولو يعلم النّاس بعض ما نحن فيه ما ذلّ لنا لسان أن نذكر بخير أبدا» ) * «3» .
14-* (عن أبي الشّعثاء قال: كان شرحبيل ابن السّمط على جيش، قال: فقال: إنّكم نزلتم أرضا فيها نساء وشراب، فمن أصاب منكم حدّا فليأتنا حتّى نطهّره، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فكتب إليه: «لا أمّ لك تأمر قوما ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم» ) *» .
15-* (عن عثمان بن أبي سودة قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله تعالى، قيل: وكيف يهتك ستر الله؟ قال: «يعمل الرّجل الذّنب فيستره الله عليه فيذيعه في النّاس» ) * «5» .
16-* (عن علّام بن مسقين، قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد: «رجل علم من رجل شيئا، أيفشي عليه؟، قال: يا سبحان الله! لا» ) * «6» .
() من فوائد (الستر)
(1) السّتر صفة في الإنسان يحبّها الله- عزّ وجلّ-.
(2) إنّ من مقتضى أسمائه الحسنى السّتر فهو ستّير يحبّ أهل السّتر.
(3) العبد إذا فعل المعصية واسترجع ستره الله في الدّنيا وذكّره بها في الآخرة ثمّ عفا عنه.
(4) السّتر يطفأ نار الفساد المتأجّجة في المجتمع.
(5) السّاتر لعيوب النّاس يرى في نفسه سعادة وسرورا.
(6) السّاتر لعيوب نفسه يسلم من ألسنة النّاس وسخط الله- عزّ وجلّ-.
(7) السّتر علاج اجتماعي جميل يختفي تحته كثير من أمراض المجتمع ثمّ لا تنتشر.
(8) السّتر يثمر حسن الظّنّ بالله تعالى وبالنّاس.
(9) من ستر عيب غيره ستره الله في الدّنيا والآخرة.
(10) قد يؤدّي ستر عيوب النّاس إلى المحبّة والتّعاطف بينهم.
(11) كتم الأسرار نوع من السّتر يحمد عليها صاحبها من النّاس ومن الله سبحانه.
__________
(1) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (23) .
(2) الزهد لوكيع (3/ 768) .
(3) محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (53) .
(4) الزهد لوكيع (3/ 774) .
(5) مكارم الأخلاق (504) .
(6) المرجع السابق (489) .
(6/2251)
السخاء
السخاء لغة:
مصدر قولهم: سخا يسخو ويسخى، وهو مأخوذ من مادّة (س خ ى/ و) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على اتّساع في الشّيء وانفراج فيه، والأصل في ذلك قولهم: سخيت القدر وسخوتها إذا جعلت للنّار تحتها مذهبا، وقيل: السّخواء: الأرض السّهلة، والسّخاوي من الأرض: الواسعة البعيدة الأطراف، والسّخاويّ: ما بعد غوره.
وقيل: السّخاوة والسّخاء: الجود، والسّخيّ:
الجواد والجمع أسخياء وسخواء، ويقال: امرأة سخيّة من نسوة سخيّات وسخايا، يقال: سخيت نفسي عنه:
تركته ولم تنازعني نفسي إليه، وسخو الرّجل يسخو سخاء وسخاوة أي صار سخيّا، وفلان يتسخّى على أصحابه أي يتكلّف السّخاء.
وقيل: السّخاء هو الجود والكرم، ومن ثمّ يكون السّخيّ هو الجواد الكريم «1» .
واصطلاحا:
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: حدّ السّخاء: بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
1/ 25
إلى مستحقّه بقدر الطّاقة «2» .
وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: السّخاء:
بمعنى الجود، وهو بذل ما يقتنى بغير عوض «3» .
وقال الجاحظ: السّخاء بذل المال من غير مسألة ولا استحقاق، وهذا الفعل مستحسن ما لم ينته إلى السّرف والتّبذير؛ فإنّ من بذل جميع ما يملكه لمن لا يستحقّه لم يسمّ سخيّا بل يسمّى مبذّرا مضيّعا «4» .
أنواع السخاء ودرجاته:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إذا كان السّخاء محمودا فمن وقف على حدّه سمّي كريما وكان للحمد مستوجبا، ومن قصّر عنه كان بخيلا وكان للذّمّ مستوجبا.
والسّخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عمّا بيد غيرك، والثّاني سخاؤك ببذل ما في يدك، فقد يكون الرّجل من أسخى النّاس، وهو لا يعطيهم شيئا لأنّه سخا عمّا في أيديهم، وهذا معنى قول بعضهم:
السّخاء أن تكون بمالك متبرّعا، وعن مال غيرك متورّعا «5» .
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 146) ، الصحاح (6/ 2373) ، المصباح المنير (1/ 103) ، تاج العروس (19/ 510) ، لسان العرب (14/ 373) (ط. بيروت) .
(2) أدب الدنيا والدين (226) . والوابل الصيب لابن القيم (53) .
(3) فتح الباري (10/ 457) .
(4) تهذيب الأخلاق للجاحظ (26) .
(5) الوابل الصيب (53) .
(6/2252)
وقال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه الله تعالى-:
اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه.
وأشدّ درجات البخل، أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل.
فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة. فالأخلاق عطايا يضعها الله- عزّ وجلّ- حيث يشاء. وليس بعد الإيثار درجة في السّخاء. وقد أثنى الله- تعالى- على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإيثار، فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9) ، وكان سبب نزول هذه الآية قصّة أبي طلحة، لمّا آثر ذلك الرّجل الجود بقوته وقوت صبيانه «1» .
الفرق بين السخاء والجود:
قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّخاء والجود أنّ السّخاء هو أن يلين الإنسان عند السّؤال ويسهّل مهره (إعطاءه) للسّائل من قولهم سخوت النّار إذا ألنتها ... ولذلك لا يقال لله تعالى: سخيّ، والجود كثرة العطاء من غير سؤال، من قولك: جادت السّماء إذا جادت بمطر غزير، والله تعالى جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- الإيثار الجود- الكرم- الإغاثة- البر- بر الوالدين- الصدقة- صلة الرحم- المواساة- الإحسان- الزكاة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الشح الكنز- قطيعة الرحم- التفريط والإفراط] .
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي (205، 206) .
(2) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (167) .
(6/2253)
الأحاديث الواردة في (السخاء)
1-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني. ثمّ قال: «يا حكيم، إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السّفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله! والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ «1» أحد بعدك شيئا حتّى أفارق الدّنيا. فكان أبو بكر- رضي الله عنه- يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر- رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (السخاء) معنى
انظر صفتي: الكرم والجود)
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السخاء)
(انظر صفتي: الكرم والجود)
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السخاء)
1-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «السّخاء: ما كان منه ابتداء، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتكرّم» ) * «3» .
2-* (وقال أيضا: «البخل جلباب المسكنة وربّما دخل السّخيّ بسخائه الجنّة» ) * «4» .
3-* (وقال- رضي الله عنه-: «إذا أقبلت عليك الدّنيا فأنفق منها فإنّها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنّها لا تبقى وأنشد يقول:
__________
(1) لا أرزأ: أي لا أنقص ماله بالطلب.
(2) البخاري الفتح 3 (1472) واللفظ له. ومسلم (1035) إلى قوله: اليد العليا خير من اليد السفلى.
(3) مختصر منهاج القاصدين (204) .
(4) الآداب الشرعية (3/ 312) .
(6/2254)
لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التّبذير والسّرف
وإن تولّت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف) * «1» .
4-* (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه:
«إذا مات السّخيّ، قالت الأرض والحفظة: ربّ تجاوز عن عبدك في الدّنيا بسخائه، وإذا مات البخيل قالت:
اللهمّ احجب هذا العبد عن الجنّة كما حجب عبادك عمّا جعلت في يديه من الدّنيا» ) * «2» .
5-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«سادات النّاس في الدّنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء» ) * «3» .
6-* (روى مالك- رحمه الله تعالى- عن مولاة لعائشة- رضي الله عنها-: أنّ مسكينا سأل عائشة وهي صائمة، وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه. فقالت أعطيه إيّاه. ففعلت، فلمّا أمسينا، أهدى لها أهل بيت أو إنسان- ما كان يهدي لها-: شاة وكفنها «4» فدعتني عائشة، فقالت: كلي من هذا. هذا خير من قرصك) * «5» .
7-* (قال محمّد بن عبّاد بن عبّاد بن عبّاد ابن حبيب بن المهلّب- رحمه الله تعالى-: بعث مروان وهو على المدينة ابنه عبد الملك إلى معاوية فدخل عليه فقال: إنّ لنا مالا إلى جنب مالك بموضع كذا وكذا من الحجاز، لا يصلح مالنا إلّا بمالك، ومالك إلّا بمالنا، فإمّا تركت لنا مالك فأصلحنا به مالنا، وإمّا تركنا لك مالنا فأصلحت به مالك، فقال له: يا ابن مروان: إنّي لا أخدع عن القليل ولا يتعاظمني ترك الكثير، وقد تركنا لكم مالنا فأصلحوا به مالكم) * «6» .
8-* (قال عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما-:
«رأيت عائشة- رضي الله عنها- تقسّم سبعين ألفا وهي ترقّع ثوبها، وروى أنّها قسّمت في يوم ثمانين ومائة ألف بين النّاس، فلمّا أمست قالت: يا جارية عليّ فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أمّ ذرّة «7» :
أما استطعت فيما قسّمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكّرتني لفعلت» ) * «8» .
9-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-: «السّخاء: أن تجود بمالك في الله- عزّ وجلّ- أي في سبيل الله» ) * «9» .
10-* (قال محمّد بن المنكدر- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: إذا أراد الله بقوم خيرا أمّر عليهم خيارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي سمحائهم» ) * «10» .
11-* (قال بكر بن محمّد- رحمه الله تعالى-: «ينبغي أن يكون المؤمن من السّخاء هكذا
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 246)
(2) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (204، 205) .
(3) أدب الدنيا والدين للماوردي (226) .
(4) كفنها: أي ما يغطيها من الأقراص والرّغف.
(5) جامع الأصول لابن الأثير (6/ 452) .
(6) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (118) .
(7) أم ذرة: خادمة عائشة- رضي الله عنها-.
(8) مختصر منهاج القاصدين (203) . والإحياء (3/ 247) .
(9) الإحياء (3/ 246) .
(10) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (125) .
(6/2255)
وحثا بيديه» ) * «1» .
12-* (قال عليّ بن الحسين- رحمه الله تعالى-: «من وصف ببذل ماله لطلّابه لم يكن سخيّا وإنّما السّخيّ من يبدأ بحقوق الله تعالى في أهل طاعته ولا تنازعه نفسه إلى حبّ الشّكر له إذا كان يقينه بثواب الله تعالى تامّا» ) * «2» .
13-* (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله تعالى- «السّخاء: البرّ بالإخوان والجود بالمال. وقال:
ورث أبي خمسين ألف درهم فبعث بها صررا إلى إخوانه. وقال: قد كنت أسأل الله تعالى لإخواني الجنّة في صلاتي أفأبخل عليهم بالمال» ) * «3» .
14-* (قال اللّيث بن سعد- رحمه الله تعالى-: «كان ابن شهاب من أسخى من رأيت قطّ، كان يعطي كلّ من جاءه وسأله، حتّى إذا لم يبق شيء تسلّف من أصحابه، فيعطونه، حتّى إذا لم يبق معهم شيء حلفوا أنّه لم يبق معهم شيء فيستلف من عبيده فيقول لأحدهم: يا فلان أسلفني كما تعرف وأضعّف لك كما تعلم، فيسلّفونه، ولا يرى بذلك بأسا، وربّما جاءه السّائل فلا يجد ما يعطيه فيتغيّر عند ذلك وجهه فيقول للسّائل: أبشر فسوف يأتي الله بخير، قال فيقيّض الله لابن شهاب على قدر صبره واحتماله» ) * «4» .
15-* (قال إبراهيم بن المفلس اليشكريّ منشدا:
يقول رجال قد جمعت دراهما ... وكيف ولم أخلق لجمع الدّراهم
أبى الله إلّا أن تكون دراهمي ... بذا الدّهر نهبا في صديق وغارم
وما النّاس إلّا جامع أو مضيّع ... وذو نصب يسعى لآخر نائم
يلوم أناس في المكارم والعلا ... وما جاهل في أمره مثل عالم
لقد أمنت منّي الدّراهم جمعها ... كما أمن الأضياف من بخل حاتم) * «5» .
16-* (قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-:
«خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخل لقوم فيها غلام أسود يعمل فيها، إذ أتى الغلام بقوته، فدخل الحائط كلب، فدنا من الغلام فرمى إليه قرصا فأكله، ثمّ رمى إليه قرصا آخر فأكله، ثمّ رمى إليه ثالثا فأكله، وعبد الله ينظر. فقال: يا غلام كم قوتك كلّ يوم؟ قال: ما رأيت. قال: فلم آثرت به هذا الكلب؟ قال: إنّ أرضنا ما هي بأرض كلاب، وأظنّ أنّ هذا الكلب قد جاء من مسافة بعيدة جائعا فكرهت ردّه، قال: فما أنت صانع؟ قال: أطوي يومي
__________
(1) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (13) .
(2) الإحياء (3/ 246) .
(3) المرجع السابق (3/ 247) .
(4) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (134) .
(5) المرجع السابق (128) .
(6/2256)
هذا، فقال عبد الله بن جعفر: ألام على السّخاء وهذا أسخى منّي. فاشترى الحائط وما فيه من الآلات واشترى الغلام وأعتقه ووهبه له» ) * «1» .
17-* (وقال ابن قدامة أيضا: «اجتمع جماعة من الفقراء في موضع لهم وبين أيديهم أرغفة معدودة لا تكفيهم فكسروا الرّغفان، وأطفأوا السّراج، وجلسوا للأكل، فلمّا رفع الطّعام إذا هو بحاله، لم يأكل أحد منهم شيئا إيثارا لأصحابه» ) * «2» .
18-* (قال حميد بن هلال- رحمه الله تعالى- «تفاخر رجلان من قريش رجل من بني هاشم ورجل من بني أميّة فقال هذا: قومي أسخى من قومك، وقال هذا: قومي أسخى من قومك. قال: سل في قومك حتّى أسأل في قومي. فافترقا على ذلك فسأل الأمويّ عشرة من قومه فأعطوه مائة ألف. فجاء الهاشميّ إلى عبيد الله بن العبّاس فأعطاه مائة ألف، ثمّ أتى الحسن بن عليّ، فسأله هل أتيت أحدا من قومي؟ قال: نعم عبيد الله بن عبّاس فأعطاني مائة ألف، فأعطاه الحسن مائة ألف وثلاثين ألفا. ثمّ أتى الحسين بن عليّ فسأله: هل أتيت أحدا قبل أن تأتيني؟، قال: نعم أخاك الحسن فأعطاني مائة ألف وثلاثين ألفا، قال: لو أتيتني قبل أن تأتيه لأعطيتك أكثر من ذلك ولكن لم أكن لأزيد على سيّدي، فجاء الأمويّ والهاشميّ بما معهما، ففخر الهاشميّ الأمويّ، فرجع الأمويّ إلى قومه فأخبرهم الخبر وردّ عليهم المال فقبلوه ورجع الهاشميّ إلى قومه فأخبرهم الخبر، وردّ عليهم المال، فأبوا أن يقبلوه وقالوا: لم نكن لنأخذ شيئا قد أعطيناه) * «3» .
19-* (وقال بعض الشّعراء:
ويظهر عيب المرء في النّاس بخله ... ويستره عنهم جميعا سخاؤه
تغطّ بأثواب السّخاء فإنّني ... أرى كلّ عيب بالسّخاء غطاؤه) *» .
20-* (وقال زهير:
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم
ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبه ... إلى مطمئنّ البرّ لا يتجمجم) * «5» .
21-* (قال محمّد بن عبّاد المهبليّ: «دخل أبي على المأمون فوصله بمائة ألف درهم، فلمّا قام من عنده تصدّق بها، فأخبر بذلك المأمون، فلمّا عاد إليه يعاتبه في ذلك فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالمعبود، فوصله بمائة ألف أخرى) * «6» .
22-* (وقال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: «اعلم أنّ المال إن كان مفقودا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة، وقلّة الحرص، وإن كان موجودا فينبغي أن يكون حاله الإيثار، واصطناع المعروف، والتّباعد عن
__________
(1) المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي (206) .
(2) مختصر منهاج القاصدين (206) .
(3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (116) .
(4) صحيح الوابل الصيب (69) .
(5) انظر معلقة زهير.
(6) إحياء علوم الدين للغزالى (3/ 252) .
(6/2257)
الشّحّ والبخل، فإنّ السّخاء من أخلاق الأنبياء- عليهم السّلام- وهو أصل من أصول النّجاة) * «1» .
23-* (عن واقد بن محمّد الواقديّ قال: «حدّثني أبي أنّه رفع رقعة إلى الخليفة المأمون يذكر فيها كثرة الدّين، وقلّة صبره عليه، فوقّع المأمون على ظهر رقعته، إنّك رجل اجتمع فيك خصلتان السّخاء والحياء، فأمّا السّخاء فهو الّذي أطلق ما في يديك، وأمّا الحياء فهو الّذي يمنعك عن تبليغنا ما أنت عليه، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، فإن كنت قد أصبت فازدد في بسط يدك، وإن لم أكن قد أصبت فجنايتك على نفسك) * «2» .
24-* (وقيل: «بعث هارون الرّشيد إلى مالك ابن أنس- رحمه الله- بخمسمائة دينار؛ فبلغ ذلك اللّيث بن سعد فأنفذ إليه ألف دينار، فغضب هارون، وقال: أعطيته خمسمائة، وتعطيه ألفا وأنت من رعيّتي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ لي من غلّتي كلّ يوم ألف دينار؛ فاستحييت أن أعطي مثله أقلّ من دخل يوم. وحكي أنّه لم تجب عليه الزّكاة مع أنّ دخله كلّ يوم ألف دينار. وحكي أنّ امرأة سألت اللّيث بن سعد. رحمه الله- شيئا من عسل، فأمر لها بزقّ من عسل، فقيل له: إنّها كانت تقنع بدون هذا، فقال: إنّها سألت على قدر حاجتها، ونحن نعطيها على قدر النّعمة علينا. وكان اللّيث بن سعد لا يتكلّم كلّ يوم حتّى يتصدّق على ثلاثمائة وستّين مسكينا) * «3» .
25-* (وروي أنّ الشّافعيّ- رحمه الله- لمّا مرض مرض موته بمصر قال: مروا فلانا يغسّلني، فلمّا توفّي بلغه خبر وفاته فحضر وقال: ائتوني بتذكرته، فأتي بها، فنظر فيها، فإذا فيها «على الشّافعيّ سبعون ألف درهم دينا» ، فكتبها على نفسه وقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إيّاه؛ أي أراد به هذا. وقال أبو سعيد الواعظ الحركوشيّ: لمّا قدمت مصر طلبت منزل ذلك الرّجل فدلّوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده وزرتهم، فرأيت فيهم سيم الخير وآثار الفضل؛ فقلت: بلغ أثره في الخير إليهم، وظهرت بركته فيهم مستدلّا بقوله تعالى: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً (الكهف/ 82) وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: لا أزال احبّ حمّاد بن سليمان لشيء بلغني عنه، أنّه كان ذات يوم راكبا حماره، فحرّكه فانقطع زرّه، فمرّ على خيّاط، فأراد أن ينزل إليه ليسوّي زرّه، فقال الخيّاط: والله لا نزلت، فقام الخيّاط إليه فسوّى زرّه، فأخرج إليه صرّة فيها عشرة دنانير فسلّمها إلى الخيّاط واعتذر إليه من قلّتها، وأنشد الشّافعيّ- رحمه الله- لنفسه:
يا لهف قلبي على مال أجود به ... على المقلّين من أهل المروءات
إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما ليس عندي، لمن إحدى المصيبات) * «4» .
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 243) .
(2) المرجع السابق (3/ 247) .
(3) المرجع السابق (3/ 250) .
(4) المرجع السابق (3/ 251) .
(6/2258)
من فوائد (السخاء)
1- صاحبه محمود في الدّنيا والآخرة.
2- دليل الزّهد في الدّنيا وحبّ الآخرة.
3- تستغفر الأرض والحفظة لموت السّخيّ.
4- يكسب السّيادة في الدّنيا والآخرة.
5- طريق من طرق النّبيّين والسّلف الصّالح.
وانظر فوائد صفتي: الكرم والجود
(6/2259)
السرور
السرور لغة:
جمع ابن فارس تفريعات مادّة (س ر ر) في ثلاثة أشياء: إخفاء الشّيء، وما كان من خالصه، ومستقرّه. يقول في هذا: «السّين والرّاء» يجمع فروعه إخفاء الشّيء، وما كان من خالصه، ومستقرّه. لا يخرج شيء منه عن هذا. فالسّرّ: خلاف الإعلان. يقال:
أسررت الشّيء إسرارا، خلاف أعلنته.
وأمّا الّذي ذكرناه من محض الشّيء وخالصه فالسّرّ: خالص الشّيء، ومنه السّرور؛ لأنّه أمر خال من الحزن ... وأمّا الّذي ذكرناه من الاستقرار فالسّرير، وجمعه سرر وأسرّة «1» .
ويرى الرّاغب أنّ تفريعات المادّة يجمعها أصل واحد، «هو: خلاف الإعلان ... والسّرّ: هو الحديث المكتم في النّفس ... والسّرور: ما ينكتم من الفرح قال تعالى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (الإنسان/ 11) ... والسّرير: الّذي يجلس عليه من السّرور، إذ كان ذلك لأولي النّعمة، وجمعه أسرّة وسرر، وسرير الميّت تشبيها به في الصّورة، وللتّفاؤل بالسّرور الّذي
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 19/ 3
يلحق الميّت برجوعه إلى جوار الله تعالى وخلاصه من سجنه المشار إليه بقوله: صلّى الله عليه وسلّم «الدّنيا سجن المؤمن «2» » فالسّرور عند ابن فارس بمعنى الفرح الّذي لا يخالطه حزن، وعند الرّاغب ما ينكتم من الفرح، وجعله الجوهريّ خلاف الحزن عند ما قال: «والسّرور خلاف الحزن. تقول: سرّني فلان مسرّة. وسرّ هو، على ما لم يسمّ فاعله «3» . وجعله ابن منظور بمعنى الفرح فيقول: «والسّرّ والسّرّاء والسّرور والمسرّة، كلّه الفرح ...
يقال: سررت برؤية فلان، وسرّني لقاؤه، وقد سررته أسرّه أي فرّحته «4» .
ونقل ابن القيّم عن صاحب المنازل أنّ معنى سرّه: أثّر في أسارير وجهه، فإنّه تبرق منه أسارير الوجه، يقول الشّاعر:
وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلّل «5»
واصطلاحا:
هو لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه، أو اندفاع ضرر «6» ، وقيل حقيقة السّرور التذاذ
__________
(1) المقاييس (3/ 67، 68، 69) .
(2) المفردات (228، 229) .
(3) الصحاح (2/ 682) .
(4) اللسان «سرر» ، وقارن بالمحيط لابن عباد (8/ 238) ، والقاموس (2/ 48) ، والتاج (6/ 513) .
(5) مدارج السالكين (3/ 166) .
(6) الكليات للكفوي (3/ 27، 28) .
(6/2260)
وانشراح يحصل في القلب فقط، من غير حصول أثره في الظّاهر «1» .
وقيل: هو حالة نفسانيّة تعرض عند حصول شيء لذيذ «2» .
الفرق بين السرور والحبور والفرح والاستبشار:
السّرور: اسم لاستبشار جامع وهو الخالص المنكتم، والحبور: ما يرى أثره في الظّاهر أي ما يرى حبره في ظاهر البشرة، وهما مستعملان في الأمر المحمود، والفرح: ما يورث أشرا وبطرا، ولذلك كثيرا ما يذمّ كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) فالأوّلان ما يكونان عن القوّة الفكريّة، والفرح: ما يكون عن القوّة الشّهويّة.
أمّا الاستبشار: فهو استفعال من البشرى ويعني السّرور بالبشارة. والبشارة: هي أوّل خبر صادق وسمّيت بذلك لأنّها تؤثّر في بشرة الوجه، وهي نوعان: سارّة، ومحزنة فإذا أطلقت فهي للسّرور.
وقال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّرور والفرح أنّ السّرور لا يكون إلّا بما هو نفع أو لذّة على الحقيقة، وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذّة كفرح الصّبيّ بالرّقص والعدو والسّباحة وغير ذلك ممّا يتعبه ويؤذيه ولا يسمّى ذلك سرورا، ونقيض السّرور الحزن، ونقيض الفرح الغمّ «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الفرح- البشارة- البشاشة- طلاقة الوجه- التفاؤل- الكلم الطيب- الرضا.
وضد ذلك: انظر صفات: الحزن- العبوس- القسوة- الكرب- التنفير] .
__________
(1) تاج العروس (6/ 513) .
(2) التوقيف على مهمات التعاريف (403) .
(3) الكليات للكفوى (3/ 28) ، ومدراج السالكين (3/ 168) ، (169) ، والفروق لأبي هلال العسكري (261) .
(6/2261)
الآيات الواردة في «السرور»
1- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) «1»
2- وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9)
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)
فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) «2»
3- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7)
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8)
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10)
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11)
وَيَصْلى سَعِيراً (12)
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15) «3»
__________
(1) البقرة: 69 مدنية
(2) الإنسان: 8- 11 مدنية
(3) الانشقاق: 7- 15 مكية
(6/2262)
الأحاديث الواردة في (السرور)
1-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، اشهد أنّي قد نحلت النّعمان كذا وكذا من مالي. فقال: «أكلّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النّعمان؟» . قال: لا. قال: «فأشهد على هذا غيري» .
ثمّ قال: «أيسرّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء؟» .
قال: بلى. قال: «فلا، إذا» ) * «1» .
2-* (عن معاوية بن قرّة عن أبيه أنّ رجلا كان يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه ابن له، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أتحبّه؟» . فقال: يا رسول الله، أحبّك الله كما أحبّه، ففقده النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «ما فعل ابن فلان؟» . قالوا يا رسول الله، مات، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبيه: «أما تحبّ أن لا تأتي بابا من أبواب الجنّة إلّا وجدته ينتظرك» فقال الرّجل، يا رسول الله أله خاصّة أم لكلّنا؟. فقال: «بل لكلّكم» ) * «2» .
3-* (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها ... الحديث، وفيه «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم ... » . الحديث) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة ... » . الحديث، وفيه: «فرأى ما فيها من الخير والسّرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت ... »
الحديث) * «4» .
5-* (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طويّ من أطواء «5» بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة «6» ثلاث ليال، فلمّا كان ببدر اليوم الثّالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها، ثمّ مشى واتّبعه أصحابه وقالوا:
ما نرى ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الرّكيّ «7» ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟. قال: فقال عمر:
يا رسول الله، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والّذي نفس محمّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2587) . ومسلم (1623) واللفظ له.
(2) أحمد (3/ 436) والنسائي (4/ 22) .
(3) البخاري- الفتح 7 (4015) ، ومسلم (2961) متفق عليه.
(4) البخاري- الفتح 13 (7437) ، ومسلم (182) واللفظ له.
(5) الأطواء: جمع طويّ وهي البئر التي طويت.
(6) العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والعرصتان كبرى وصغرى بعقيق المدينة.
(7) على شفة الرّكيّ: أي على طرف البئر.
(8) البخاري- الفتح 7 (3976) .
(6/2263)
6- عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيّها النّاس، إنّي قمت فيكم كمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب، حتّى يحلف الرّجل ولا يستحلف، ويشهد الشّاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة «1» فليلزم الجماعة.
من سرّته حسنته، وساءته سيّئته فذلك المؤمن» ) * «2» .
7-* (عن صهيب- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن! إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له) » * «3» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من عبد يموت، له عند الله خير يسرّه أن يرجع إلى الدّنيا وأنّ له الدّنيا وما فيها، إلّا الشّهيد لما يرى من فضل الشّهادة، فإنّه يسرّه أن يرجع إلى الدّنيا فيقتل مرّة أخرى» ) * «4» .
9-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن يبسط عليه رزقه، أو ينسأ «5» في أثره»
، فليصل رحمه» ) * «7» .
10-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، إنّ السّعيد لمن جنّب الفتن، ولمن ابتلي فصبر، فواها» ) * «8» .
() الأحاديث الواردة في (السرور) معنى
11-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: «قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه أمر مبتدع- أو مبتدأ- أو فيما قد فرغ منه؟
فقال: «فيما قد فرغ منه يا ابن الخطّاب، وكلّ ميسّر.
أمّا من كان من أهل السّعادة؛ فإنّه يعمل للسّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء، فإنّه يعمل للشّقاء» ) «9»
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ (مريم/ 39) قال: «يؤتى بالموت كأنّه كبش أملح، حتّى يوقف على السّور بين الجنّة والنّار،
__________
(1) بحبوحة الجنّة: أوسطها وأوسعها.
(2) الترمذي (2165) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه أحمد والحاكم في المستدرك وصححه الألباني في الصحيحة (1116) .
(3) مسلم (2999) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2795) واللفظ له ومسلم (1877)
(5) ينسأ: أي يؤخر.
(6) أثره: الأثر الأجل؛ لأنه تابع للحياة في أثرها.
(7) البخاري- الفتح 10 (5985) ، ومسلم (2557) واللفظ له.
(8) أبو داود (4263) . وكلمة واها: اسم فعل بمعنى التعجب، وصححه الشيخ الألباني (صحيح أبي داود) وفي الصحيحة (973) .
(9) الترمذي (2135) وقال: حديث حسن صحيح وفي الباب عن علي وحذيفة بن أسيد وأنس وعمران بن حصين، والحديث بعض ألفاظه في الصحيحين.
(6/2264)
فيقال: يا أهل الجنّة، فيشرئبّون «1» ، ويقال: يا أهل النّار، فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون:
نعم، هذا الموت، فيضجع فيذبح، فلولا أنّ الله قضى لأهل الجنّة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحا، ولولا أنّ الله قضى لأهل النّار الحياة فيها والبقاء لماتوا ترحا» ) * «2» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟. قال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلّا الله خالصا من قبل نفسه» ) * «3» .
14-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . قالت عائشة- أو بعض أزواجه-: إنّا لنكره الموت. قال:
«ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله، وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه. وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه» ) * «4» .
15-* (عن فاطمة بنت قيس- رضي الله عنها- أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقها البتّة ... الحديث وفيه: فلمّا حللت ذكرت له، أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه «5» . وأمّا معاوية فصعلوك. لا مال له.
«انكحي أسامة بن زيد» فكرهته. ثمّ قال: «انكحي أسامة» فنكحته. فجعل الله فيه خيرا واغتبطت) * «6» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السرور)
16-* (عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال:
غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان معنا أناس من الأعراب، فكنّا نبتدر الماء «7» » . الحديث، وفيه قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرك أذني «8» وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا» ... الحديث) * «9» .
17-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ ... الحديث، وفيه: «فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «وهو يبرق وجهه من السّرور» ، ويقول: «أبشر
__________
(1) فيشرئبون: اشرأبّ مد عنقه وارتفع لينظر.
(2) رواه البخاري (11/ 362) ، ومسلم (2850) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6570) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6507) واللفظ له. ومسلم (2683) .
(5) فلا يضع عصاه عن عاتقه: إمّا كناية عن كثرة الأسفار، وإمّا: أنه كثير الضرب للنساء.
(6) مسلم (1480) .
(7) نبتدر الماء: نتسابق ونسرع إليه.
(8) فعرك أذني: دلكها.
(9) الترمذي (3313) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 208) ورواه أحمد (6/ 413) .
(6/2265)
بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت أمن عندك يا رسول الله؟ أم من عند الله؟. فقال: «لا. بل من عند الله» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استتار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر. قال: وكنّا نعرف ذلك) * «1» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليّ مسرورا تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تري أنّ مجزّزا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد» ، فقال: «إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض» ) * «2» .
19-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو يسرّ به، خرّ ساجدا شكرا لله- تبارك وتعالى-) * «3» .
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السرور)
1-* (سئل أبو سهل محمّد بن سليمان الصّعلوكيّ عن الشّكر والصّبر أيّهما أفضل؟. فقال:
هما في محلّ الاستواء، فالشّكر وظيفة السّرّاء. والصّبر فريضة الضّرّاء» ) * «4» .
2-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ثمرة الرّضى: الفرح والسّرور بالرّبّ- تبارك وتعالى-» ) * «5» .
3-* (وقال- رحمه الله-: «ولا شيء أحقّ أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته، الّتي تتضمّن الموعظة، وشفاء الصّدور من أدوائها بالهدى والرّحمة.
فأخبر- سبحانه-: أنّ ما آتى عباده من الموعظة، الّتي هي الأمر والنّهي، المقرون بالتّرغيب والتّرهيب، وشفاء الصّدور، المتضمّن لعافيتها من داء الجهل، والظّلمة، والغيّ، والسّفه، وهو أشدّ ألما لها من أدواء البدن، ولكنّها لمّا ألفت هذه الأدواء لم تحسّ بألمها. وإنّما يقوى إحساسها بها عند المفارقة للدّنيا.
فهناك يحضرها كلّ مؤلم محزن. وما آتاها من ربّها الهدى الّذي يتضمّن ثلج الصّدور باليقين، وطمأنينة القلب به، وسكون النّفس إليه، وحياة الرّوح به. والرّحمة الّتي تجلب لها كلّ خير ولذّة، وتدفع عنها كلّ شرّ ومؤلم) * «6» .
() من فوائد (السرور)
1- باب من أبواب تحصيل الثّواب ورضا ربّ الأرباب.
2- يبعث على التّآلف والحبّ ويقوّي روابط المجتمع الإسلاميّ.
3- فيه تأسّ بسيّد المرسلين وخاتم النّبيّين صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 12 (6770) واللفظ له، ومسلم (1459) .
(3) ابن ماجة (1394) واللفظ له، والترمذي (1578) وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه أبو داود (2774) .
(4) الدّر المنثور للسيوطي 1 (371) .
(5) مدارج السالكين (2/ 183) .
(6) انظر مدارج السالكين لابن القيم (3/ 164) ، الألباني وهو في الصحيحة (973) .
(6/2266)
السكينة
السكينة لغة:
السّكينة مأخوذة من مادّة (س ك ن) الّتي تدلّ على خلاف الاضطراب والحركة، يقال: سكن الشّيء إذا ذهبت حركته فاستقرّ وثبت، ومن هذا الباب: السّكينة وهي الوقار، وقيل، الوداعة والوقار «1» ، وقد يراد بها الرّحمة وهي في الحديث الشّريف «يا مسكينة عليك السّكينة» بمعنى الوقار والوداعة والأمن، وقيل أراد بها هاهنا الرّحمة كما في قول ابن مسعود: السّكينة مغنم، والسّكينة الّتي تحملها الملائكة: قيل: هي الطّمأنينة، وقيل: هي النّصر، وقيل هي الوقار وما يسكن به الإنسان «2» ، أمّا السّكينة في قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فقد جاء في تفسيرها أنّها: الطّمأنينة والوقار. وقيل: هي تثبيتهم على الرّضا والتّسليم «3» ، أمّا السّكينة الّتي تكلّم على لسان عمر- رضي الله عنه- فهي أيضا بمعنى الوقار والسّكون، وقيل الرّحمة، وقيل غير ذلك، وأمّا السّكينة في حديث الدّفع من عرفة «عليكم السّكينة» فهي الوقار والتّأنّي في الحركة والسّير «4» .
السكينة اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: هي ما يجده القلب من الطّمأنينة عند تنزّل الغيب وهي نور في القلب يسكن إليه شاهده ويطمئنّ، وقيل: هي زوال الرّعب «5» .
وقال ابن القيّم: هي الطّمأنينة والوقار والسّكون الّذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 9/ 9
من شدّة الخوف فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه ويوجب له زيادة الإيمان وقوّة اليقين والثّبات «6» .
استعمالات لفظ السكينة:
يستعمل لفظ السّكينة ويراد به واحد من ثلاث:
1- سكينة بني إسرائيل الّتي أعطوها في التّابوت.
2- السّكينة الّتي أنزلها الله على قلب رسوله والمؤمنين.
3- السّكينة الّتي تنطق على لسان المحدّثين.
درجات السكينة:
للسّكينة الّتي تنزل على قلب المؤمن، وهي الّتي تسمّى سكينة الوقار درجات ثلاث:
الأولى: سكينة الخشوع، وهي ثمرة السّكينة الثّانية أي تلك الّتي تنزّل على قلب الرّسول والمؤمنين.
الثّانية: السّكينة عند المعاملة بمحاسبة النّفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحقّ.
الثّالثة: السّكينة الّتي توجب الرّضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطح الفاحش «7» .
[للاستزادة: انظر صفات: الطمأنينة- الوقار- الإيمان- اليقين- الرهبة- الرجاء- الصلاة- الإنابة العبادة- الورع- الإخبات- الخشوع- الخشية- الضراعة والتضرع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: القلق- الطيش- العجلة- العنف- الغلو- القسوة- القنوط- الغرور الغفلة- اللهو واللعب] .
__________
(1) انظر مقاييس اللغة (3/ 88) ، والصحاح (5/ 2136) .
(2) لسان العرب مادة «سكن» .
(3) تفسير القرطبي (16/ 289) .
(4) النهاية لابن الأثير (2/ 386) .
(5) التعريفات للجرجاني (125) ، والتوقيف للمناوي (196) .
(6) مدارج السالكين (2/ 525) .
(7) باختصار عن مدارج السالكين (2/ 531- 532) .
(6/2267)
الآيات الواردة في «السكينة»
1- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) «1»
2- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) «2»
3- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «3»
4- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «4»
5-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «5»
6- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «6»
__________
(1) البقرة: 248 مدنية
(2) التوبة: 25- 26 مدنية
(3) التوبة: 40 مدنية
(4) الفتح: 4 مدنية
(5) الفتح: 18 مدنية
(6) الفتح: 26 مدنية
(6/2268)
الأحاديث الواردة في (السكينة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أقيمت الصّلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، عليكم السّكينة.
فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا» ) *» .
2-* (عن جعفر بن محمّد عن أبيه، قال:
دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتّى انتهى إليّ، فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين ...
الحديث وفيه: «ويقول بيده اليمني: أيّها النّاس، السّكينة السّكينة «2» » الحديث ... ) * «3» .
3-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بشطنين «4» فتغشّته سحابة. فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها. فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له. فقال «تلك السّكينة. تنزّلت للقرآن» ) * «5» .
4- عن البراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التّراب- وقد وارى التّراب بياض بطنه- وهو يقول:
والله! لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لا قينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا) * «6» .
5-* (عن الفضل بن عبّاس- رضي الله عنهما- وكان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال، في عشيّة عرفة وغداة جمع، للنّاس حين دفعوا: «عليكم بالسّكينة» وهو كافّ ناقته «7» . حتّى دخل محسّرا (وهو من منى) قال «عليكم بحصى الخذف الّذي يرمى به الجمرة» ) * «8» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الفخر والخيلاء في الفدّادين، أهل الوبر والسّكينة في أهل الغنم. والإيمان يمان والحكمة يمانية» ) * «9» .
7-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تقوموا حتّى تروني وعليكم السّكينة» ) * «10» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (908) ، ومسلم (602) .
(2) السكينة السكينة: أي الزموا السكينة وهي الرفق والطمأنينة.
(3) مسلم (1218)
(4) شطنين: الشطن، وهو الحبل الطويل المضطرب.
(5) البخاري- الفتح 9 (5011) ، ومسلم (795) .
(6) البخاري- الفتح 6 (2836) ، ومسلم (1803) واللفظ له. فيما عدا الشطر الرابع فإنه في البخاري فقط.
(7) كاف ناقته: أي يمنعها الإسراع.
(8) مسلم (1282) .
(9) البخاري- الفتح 6 (3499) واللفظ له، ومسلم (52) .
(10) البخاري- الفتح 2 (909) .
(6/2269)
القيامة ... الحديث وفيه «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» ) * «1» .
9-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «2» .
() الأحاديث الواردة في (السكينة) معنى
انظر: صفة الطمأنينة
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السكينة)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كنّا نتحدّث أنّ السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه) * «3» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
كلّ سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلّا في سورة البقرة) * «4» .
3-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:
السّكينة مغنم وتركها مغرم) * «5» .
4-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: جاء في صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الكتب المتقدّمة: إنّي باعث نبيّا أمّيّا، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا متزيّن بالفحش، ولا قوّال للخنا ...
أجعل السّكينة لباسه والبرّ شعاره) * «6» .
5-* (وقال- رحمه الله تعالى-: السّكينة إذا نزلت على القلب اطمأنّ بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وأنطقت اللّسان بالصّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو والهجر وكلّ باطل) * «7» .
6-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى-: كان شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى- إذا اشتدّت عليه الأمور قرأ آيات السّكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه. لمّا اشتدّ عليّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السّكينة. قال: ثمّ أقلع عنّي ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة) * «8» .
7-* (وقال ابن القيّم أيضا: قد جرّبت أنا
__________
(1) مسلم (2699)
(2) البخاري- الفتح 10 (6125) ، ومسلم (1734) واللفظ له.
(3) بصائر ذوي التمييز 3/ 238.
(4) مدارج السالكين 2/ 525، وبصائر ذوي التمييز 3/ 238.
(5) النهاية لابن الأثير (2/ 386) .
(6) مدارج السالكين (2/ 526) .
(7) المرجع السابق (2/ 227) .
(8) المرجع السابق (2/ 525) باختصار، وقد نقل الفيروز ابادي هذه الواقعة في بصائر ذوي التمييز (3/ 238) ، ولم يذكر اسم الشيخ، وأضاف إلى هذه الواقعة قوله: وقد جربتها الأكابر عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأوا لها تأثيرا عظيما.
(6/2270)
أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته) * «1» .
8-* (وقال- رحمه الله تعالى-: إنّ السّكينة الّتي تنطق على لسان المحدّثين ليست شيئا يملك، وإنّما هي شيء من لطائف صنع الله تعالى تلقي على لسان المحدّث الحكمة كما يلقي الملك الوحي على قلوب الأولياء، وتنطق المحدّثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشّبه «2» . وقد أشار بذلك إلى النّوع الثّاني من أنواع السّكينة) * «3» .
9-* (وقال صاحب المنازل: أمّا السّكينة الّتي نزلت على قلب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقلوب المؤمنين فهي شيء يجمع قوّة وروحا، يسكن إليه الخائف ويتسلّى به الحزين والضّجر، ويسكن إليه العصيّ والجريء والأبي) * «4» .
() من فوائد (السكينة)
(1) علامة رضا الله عن العبد كما تنصّ عليه الآيات.
(2) سمة العلماء وصفة الأولياء، والمتشبّه بهم إن شاء الله في زمرتهم.
(3) علامة اليقين والثّقة بربّ العالمين.
(4) فيها طاعة لله وتأسّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(5) السّكينة تثبّت قلوب المؤمنين وتزيدهم ثقة وإيمانا.
(6) السّكينة تؤدّى إلى الرضا بما قسم الله عزّ وجلّ وتمنع من الشّطط والغلوّ.
(7) السّكينة عند معاملة الخلق تؤدّي إلى اللّطف في هذه المعاملة وهذا يجلب المحبّة ويشيع الألفة.
(8) السّكينة تثمر الخشوع وتجلب الطّمأنينة وتلبس صاحبها ثوب الوقار.
(9) السّكينة تنطق صاحبها بالصّواب والحكمة وتحول بينه وبين قول الخنا والفحش واللّغو وكلّ باطل (انظر الأثر رقم 4) .
(10) السّكينة من الأمور الّتي تسكّن الخائف وتسلّي الحزين والضّجر (انظر الأثر رقم 8) .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 525) ، وانظر هذه الآيات- وهي ستّ- في القسم الخاص بالآيات الواردة في هذه الصفة.
(2) المرجع السابق (2/ 227) ، وانظر أيضا بصائر ذوي التمييز.
(3) انظر أنواع السكينة في المقدمة اللغوية لهذه الصفة.
(4) ورد هذا النص في مدارج السالكين (2/ 599) .
(6/2271)
السلم
السلم لغة:
السّلم (بفتح السين وكسرها) مأخوذ من مادّة (س ل م) الّتي تدلّ على الصّحّة والعافية في كلّ ما اشتقّ منها، قال ابن فارس: ومن هذا الباب: السّلم بمعنى الصّلح، وهو يذكّر ويؤنّث، قال تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال/ 61) وقال الرّاغب: السّلم والسّلامة: التّعرّي من الآفات الظّاهرة والباطنة، والسّلام والسّلم والسّلم:
الصّلح، قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94) قيل نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصّلح «1» ، وقال ابن منظور: من معاني السّلم: الاستسلام، والتّسالم:
التّصالح. والمسالمة: المصالحة. وفي حديث الحديبية:
«أنّه أخذ ثمانين من أهل مكّة سلما» ؛ قال ابن الأثير:
يروى بكسر السّين وفتحها، وهما لغتان للصّلح، وهو المراد في الحديث على ما فسّره الحميديّ في غريبه؛ وقال الخطّابيّ: إنّه السّلم، بفتح السّين واللّام، يريد الاستسلام والإذعان كقوله تعالى: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
5/ 21/ 2
(النساء/ 90) ؛ أي الانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع؛ قال: وهذا هو الأشبه بالقضيّة، فإنّهم لم يؤخذوا عن صلح، وإنّما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا، وللأوّل وجه، وذلك أنّهم لم يجر معهم حرب، إنّما لمّا عجزوا عن دفعهم أو النّجاة منهم، رضوا أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوا، فكأنّهم قد صولحوا على ذلك، فسميّ الانقياد صلحا، وهو السّلم؛ ومنه كتابه بين قريش والأنصار:
وإنّ سلم المؤمنين واحد لا يسالم مؤمن دون مؤمن، أي لا يصالح واحد دون أصحابه، وإنّما يقع الصّلح بينهم وبين عدوّهم باجتماع ملئهم على ذلك؛ قال:
ومن الأوّل حديث أبي قتادة: «لآتينّك برجل سلم» أي أسير، لأنّه استسلم وانقاد. واستسلم أي انقاد. ومنه الحديث: «أسلم سالمها الله» ، هو من المسالمة وترك الحرب، ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا، إمّا دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها، أو أخبر أنّ الله قد سالمها ومنع من حربها. وحكي السّلم والسّلم الاستسلام وضدّ الحرب أيضا «2» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 90) ، والمفردات للراغب (240) .
(2) انظر النهاية لابن الأثير (2/ 2392) ، وتفسير أسماء الله الحسنى (31) والمقصد الأسنى للغزالي (67) .
(6/2272)
السلام من أسماء الله- عز وجل-:
قال ابن منظور: السّلام الله عزّ وجلّ، اسم من أسمائه (الحسنى) لسلامته من النّقص والعيب والفناء (حكاه ابن قتيبة) ، وقيل معناه: أنّه سلم ممّا يلحق الغير من آفات الغير والفناء، وأنّه الباقي الدّائم الّذي تفنى الخلق ولا يفنى «1» .
وقال الغزاليّ: السّلام (في أسماء الله تعالى معناه) الّذي تسلم ذاته عن العيب وصفاته عن النّقص وأفعاله عن الشّرّ، حتّى إذا كان كذلك، لم يكن في الوجود سلامة إلّا وكانت معزيّة إليه، صادرة منه، وأفعاله سبحانه سالمة كلّها عن الشّرّ المطلق المراد لذاته، لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه.
وقال- رحمه الله تعالى- كلّ عبد سلم عن الغشّ والحقد والحسد، وسلم قلبه عن إرادة الشّرّ، وجوارحه عن الآثام والمحظورات، وسلم عقله من أسر الشّهوة والغضب، فهو الّذي يأت الله تعالى بقلب سليم، وهو السّلام من العباد، أمّا السّلام المطلق الحقّ فهو الله عزّ وجلّ وحده «2» .
واصطلاحا:
قال الكفويّ: السّلم (بالكسر والسّكون) ضدّ الحرب، وهو أيضا الإسلام، والسّلم بمعنى الصّلح يفتح ويكسر، ويذكّر ويؤنّث «3» .
قال ابن كثير: السّلم: المسالمة والمصالحة والمهادنة «4» .
وقال ابن حجر: قال أبو عبيدة: السّلم والسّلم واحد وهو الصّلح.
وقال أبو عمر: والسّلم بالفتح الصّلح، والسّلم بالكسر الإسلام «5» .
قال الفيروز آباديّ: والسّلام والسّلم والسّلم:
الصّلح. وقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94) قيل: نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام ومطالبته بالصّلح «6» .
مسائل السلم:
قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال/ 61) فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها إنّما قال «لها» لأنّ السّلم مؤنثّة. ويجوز أن يكون التّأنيث للفعلة. والجنوح الميل. يقول: إن مالوا إلى المسالمة؛ أي الصّلح، فمل إليها.
الأخرى: وقد اختلف في هذه الآية، هل هي منسوخة أم لا؟ فقال قتادة وعكرمة نسخها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (التوبة/ 5) وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (التوبة/ 36) وقالا: نسخت براءة
__________
(1) لسان العرب (12/ 290) ط. بيروت، وقارن بالنهاية لابن الأثير (2/ 392) .
(2) بتصرف واختصار عن المقصد الأسنى (69- 70) .
(3) الكليات للكفوي (507) .
(4) تفسير القرآن العظيم (2/ 335) .
(5) فتح الباري (6/ 318) .
(6) بصائر ذوي التمييز (3/ 254) .
(6/2273)
كلّ موادعة، حتّى يقولوا لا إله إلّا الله. وقال ابن عبّاس: النّاسخ لها فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ (محمد/ 35) وقيل: ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية. وقد صالح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في زمن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- ومن بعده الأئمّة كثيرا من بلاد العجم، على ما أخذوه منهم، وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم. وكذلك صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثيرا من أهل البلاد على مال يؤدّونه؛ من ذلك خيبر، وإن كان للمسلمين مصلحة في الصّلح، لنفع يجتلبونه، أو ضرر يدفعونه، فلا بأس أن يبتدأ المسلمون (به) إذا احتاجوا إليه. وقد صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل خيبر، على شروط نقضوها فنقض صلحهم. وما زالت الخلفاء والصّحابة على هذه السّبيل الّتي شرعناها سالكة، وبالوجوه الّتي شرحناها عاملة. قال القشيريّ: إذا كانت القوّة للمسلمين فينبغي ألّا تبلغ الهدنة سنة. وإذا كانت القوّة للكفّار جاز مهادنتهم عشر سنين، ولا تجوز الزّيادة.
وقال الشّافعي- رحمه الله-: لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين، على ما فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية؛ فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة؛ لأنّ الأصل فرض قتال المشركين حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية. ودلّ على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم، إذا رأى ذلك الإمام وجها «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: إفشاء السلام- تكريم الإنسان- العدل والمساواة- العفو- الصلح الصفح- التناصر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحرب والمحاربة- البغي- العدوان- الطغيان- الظلم الفتنة- التنازع] .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن (8/ 39- 41) .
(6/2274)
الآيات الواردة في «السلم»
1- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) «1»
2-* فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91) »
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «3»
4- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
__________
(1) البقرة: 207- 208 مدنية
(2) النساء: 88- 91 مدنية
(3) النساء: 94 مدنية
(6/2275)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) «1»
5- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) «2»
__________
(1) الأنفال: 55- 62 مدنية
(2) محمد: 34- 36 مدنية
(6/2276)
الأحاديث الواردة في (السلم)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ ثمانين رجلا من أهل مكّة هبطوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من جبل التّنعيم متسلّحين. يريدون غرّة «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فأخذهم سلما «2» . فاستحياهم. فأنزل الله عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24)) * «3» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رفع رأسه من الرّكعة الآخرة يقول:
«اللهمّ أنج عيّاش بن أبي ربيعة، اللهمّ أنج سلمة بن هشام، اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللهمّ اجعلها سنين كسني يوسف» . وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «4» .
3-* (عن طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: «اللهمّ أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسّلامة والإسلام، ربّي وربّك الله» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «انطلقوا إلى يهود» ، فخرجنا حتّى جئنا بيت المدراس. فقال:
«أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض للهّ ورسوله» ) * «6» .
5-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعت أن تكون السّلم «7» فافعل» ) * «8» .
__________
(1) غرة: الغرة هي الغفلة. أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
(2) سلما: ضبطوه بوجهين: أحدهما سلما. والثاني سلما. قال الحميدي: ومعناه الصلح. قال القاضي في المشارق. هكذا ضبطه الأكثرون. قال: والرواية الأولى أظهر. والمعنى أسرهم. والسلم الأسر. وجزم الخطابي بفتح اللام والسين. قال: والمراد به الاستسلام والإذعان. كقوله تعالى: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ، أي الانقياد. وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع. قال ابن الأثير: هذا هو الأشبه بالقصة. فإنهم لم يؤخذوا صلحا وإنما أخذوا قهرا، وأسلموا أنفسهم عجزا. قال: وللقول الآخر وجه. وهو أنه لما لم يجر معهم قتال، بل عجزوا عن دفعهم والنجاة منهم، فرضوا بالأسر، فكأنهم قد صولحوا على ذلك.
(3) مسلم (1808) .
(4) البخاري- الفتح 2 (1006) واللفظ له، ومسلم (679) .
(5) الترمذي (3451) وقال: هذا حديث حسن غريب. والدارمي (1687) . وأحمد (1/ 162) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 365، 366) : إسناده حسن. والحاكم (4/ 285) وسكت عنه.
(6) البخاري- الفتح 6 (3167) .
(7) السلم: بفتح السين وكسرها، المسالم، الذكر والأنثى والمفرد والجمع في ذلك سواء.
(8) أحمد (1/ 90) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 84، 85) : إسناده صحيح.
(6/2277)
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما سالمناهنّ منذ حاربناهنّ ومن ترك شيئا منهنّ خيفة فليس منّا» ) * «1» .
7-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه، فكان من قوله صلّى الله عليه وسلّم:
الحديث ... وفيه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «وإنّ أيّامه أربعون سنة. السّنة كنصف السّنة. والسّنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة. وآخر أيّامه كالشّررة «2» . يصبح أحدكم على باب المدينة. فلا يبلغ بابها الآخر حتّى يمسي» . فقيل له: يا رسول الله كيف نصلّي في تلك الأيام القصار؟ قال: «تقدرون فيها الصّلاة كما تقدرونها في هذه الأيّام الطّوال، ثمّ صلّوا» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيكون عيسى ابن مريم عليه السّلام في أمّتي حكما «3» عدلا، وإماما مقسطا «4» . يدقّ الصّليب «5» ، ويذبح الخنزير «6» ويضع الجزية «7» . ويترك الصّدقة «8» ، فلا يسعى «9» على شاة ولا بعير. وترفع الشّحناء والتّباغض. وتنزع حمة «10» كلّ ذات حمة، حتّى يدخل الوليد يده في فيّ الحيّة، فلا تضرّه، وتفرّ «11» الوليدة الأسد، فلا يضرّها، ويكون الذّئب في الغنم كأنّه كلبها. وتملأ الأرض من السّلم كما يملأ الإناء من الماء. وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلّا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضّة «12» ، تنبت نباتها بعهد آدم. حتّى يجتمع النّفر على القطف «13» من العنب فيشبعهم. ويجتمع النّفر على الرّمّانة فتشبعهم.
ويكون الثّور بكذا وكذا، من المال. وتكون الفرس بالدّريهمات» . قالوا: يا رسول الله وما يرخص الفرس؟
قال: «لا تركب لحرب أبدا» قيل له: فما يغلي الثّور؟
قال: «تحرث الأرض كلّها. وإنّ قبل خروج الدّجّال ثلاث سنوات شداد، يصيب النّاس فيها جوع شديد، يأمر الله السّماء في السّنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها.
ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها. ثمّ يأمر السّماء في الثّانية، فتحبس ثلثي مطرها. ويأمر الأرض فتحبس
__________
(1) أبو داود (5248) واللفظ له وقال الألباني في سنن أبي داود (3/ 985) : حسن صحيح ولفظ أحمد (2/ 247) ما سالمناهن منذ حاربناهن يعني الحيات و (1/ 230) من حديث ابن عباس.
(2) كالشررة: واحدة الشرر. وهو ما يتطاير من النار.
(3) حكما: أي حاكما بين الناس.
(4) مقسطا: أي عادلا في الحكم.
(5) يدق الصليب: أي يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شيء.
(6) ويذبح الخنزير: أي يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد. والحاصل أنه يبطل دين النصارى.
(7) ويضع الجزية: أي لا يقبلها من أحد من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام.
(8) ويترك الصدقة: أي الزكاة، لكثرة الأموال.
(9) فلا يسعى: قال في النهاية: أن يترك زكاتها فلا يكون لها ساع.
(10) حمة: الحمة بالتخفيف السّمّ وقد يشدّد.
(11) تفر: أي تحمله على الفرار.
(12) كفاثور الفضة: الفاثور: الخوان. وقيل: هو طست أو جام من فضة أو ذهب.
(13) القطف: العنقود. وهو اسم لكل ما يقطف. كالذبح والطحن.
(6/2278)
ثلثي نباتها، ثمّ يأمر الله السّماء في السّنة الثّالثة، فتحبس مطرها كلّه. فلا تقطر قطرة «1» ويأمر الأرض فتحبس نباتها كلّه، فلا تنبت خضراء. فلا تبقى ذات ظلف «2» إلّا هلكت، إلّا ما شاء الله» . قيل: فما يعيش النّاس في ذلك الزّمان؟ قال: «التّهليل والتّكبير والتّسبيح والتّحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطّعام» قال أبو عبد الله: سمعت أبا الحسن الطّنافسيّ يقول: سمعت عبد الرّحمن المحاربيّ يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدّب، حتّى يعلّمه الصّبيان في الكتّاب) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل عيسى ابن مريم إماما عادلا، وحكما مقسطا، فيكسر الصّليب، ويقتل الخنزير، ويرجع السّلم، ويتّخذ السّيوف مناجل وتذهب حمة كلّ ذات حمة «4» وتنزل السّماء رزقها وتخرج الأرض بركتها، حتّى يلعب الصّبيّ بالثّعبان فلا يضرّه، ويراعي الغنم الذّئب فلا يضرّها، ويراعي الأسد البقر فلا يضرّها» ) * «5» .
() الأحاديث الواردة في (السلم) معنى
9-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك (وهو في قبّة من أدم) فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم «6» ، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «7» .
10-* (عن أبي سفيان بن حرب- رضي الله عنه- أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي مادّ»
فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان في كفّار قريش) * «9» .
11-* (عن جبير بن نفير؛ قال: انطلق بنا
__________
(1) فلا تقطر قطرة: في المصباح: يتعدى ولا يتعدى. هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدى بنفسه بل بالألف.
(2) الظلف: هو لما اجترّ من الحيوانات بمنزلة الحافر للفرس.
(3) أخرجه البخاري مقطعا 13 (7122- 7131) ومن (7132- 7134) . ومسلم (2937) واللفظ لابن ماجة في رقم (4077) .
(4) الحمة: بالتخفيف السّمّ وقد يشدد ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة.
(5) البخاري الفتح 4 (2222) ، 6 (3448- 3449) . ومسلم (155) . وأحمد (2/ 482- 483) واللفظ له.
(6) عقاص الغنم: بضم العين وتخفيف القاف: داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة.
(7) البخاري الفتح 6 (3176) .
(8) المدّة: طائفة من الزمان تقع على القليل والكثير، ومادّ فيها أي هادنهم وعاهدهم.
(9) البخاري الفتح 6 (3174) واللفظ له. ومسلم (1773) .
(6/2279)
إلى ذي مخبر، رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأتيناه، (فسألته) عن الهدنة؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ستصالحون الرّوم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوّا من ورائكم» ) * «1» .
12-* (عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم؛ أنّهم اصطلحوا على وضع الحرب، عشر سنين، يأمن فيهنّ النّاس، وعلى أنّ بيننا عيبة مكفوفة وأنّه لا إسلال، ولا إغلال) * «2» .
13-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: «غزونا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تبوك، وأهدى ملك أيلة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم» ) * «3» .
14-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «من قتل معاهدا لم يرح «4» رائحة الجنّة، وإنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «5» .
15-* (عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة فصبّحنا الحرقات «6» من جهينة، فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلّا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقال: لا إله إلّا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّما قالها خوفا من السّلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه «7» حتّى تعلم أقالها أم لا» ، فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي أسلمت يومئذ. قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتّى يقتله ذو البطين- يعني أسامة-. قال: قال رجل: ألم يقل الله:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ؟. فقال سعد: قد قاتلنا حتّى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة» ) * «8» .
16-* (عن عقبة بن مالك اللّيثيّ- رضي الله عنه- قال «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة، فأغارت على قوم، فشذّ من القوم رجل قال: فأتبعه رجل من السّريّة شاهرا سيفه، قال: فقال الشّاذّ من القوم: إنّي مسلم، فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله، فنمى الحديث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال فيه قولا شديدا، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب إذ قال القاتل: يا رسول الله! والله ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه وعمّن قبله من النّاس، ثمّ
__________
(1) أبو داود (2767) . وقال الألباني (2/ 532) : صحيح.
(2) أبو داود (2766) . قال الألباني (2/ 532) : حسن. والعيبة: الموادعة والمكافّة عن الحرب. والمكفوفة: المشدودة الممنوعة، وأن تترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب، والإسلال: السرقة، والإغلال من الغلول: هي الخيانة.
(3) البخاري- الفتح 6 (3161) وكتب له ببحرهم أي: بقريتهم.
(4) يرح: بفتح الياء والراء وأصله يراح أي وجد ريحا، وحكى ضم أوله وكسر الراء.
(5) البخاري الفتح 6 (3166) .
(6) فصبحنا الحرقات: أي أتيناهم صباحا. والحرقات: موضع ببلاد جهينة.
(7) أفلا شققت عن قلبه: معناه: إنما كلفت بالعمل الظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان.
(8) مسلم (158) .
(6/2280)
قال أيضا: يا رسول الله، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأعرض عنه وعمّن قبله من النّاس، وأخذ في خطبته، ثمّ لم يصبر، فقال الثّالثة: والله يا رسول الله، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تعرف المساءة في وجهه، فقال له: «إنّ الله أبى على من قتل مؤمنا «1» ، ثلاث مرّات» ) * «2» .
17-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار.
فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ منّى بشجرة «3» ، فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله! بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» قال:
فقلت: يا رسول الله! إنّه قد قطع يدي. ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها. أفأقتله؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله. فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «4» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السلم)
18-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: استأذن أبو بكر- رضي الله عنه- على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسمع صوت عائشة عاليا، فلمّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرّجل؟» . قال:
فمكث أبو بكر أيّاما، ثمّ استأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«قد فعلنا، قد فعلنا» ) * «5» .
19-* (عن عبيد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار، أنّ أباه كعب بن مالك- وكان كعب ممّن شهد العقبة بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها. قال:
خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين، وقد صلّينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا، فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا:
يا هؤلاء إنّي قد رأيت والله رأيا وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قال: قلنا له: وما ذاك؟ قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر، يعني الكعبة، وأن أصلّي إليها، قال: فقلنا: والله، ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلّي إلّا إلى الشّام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إنّي أصلّي إليها فقلنا له: لكنّا لا نفعل، فكنّا إذا حضرت الصّلاة صلّينا إلى الشّام وصلّى إلى الكعبة، حتّى قدمنا مكّة قال أخي، وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه: فلمّا قدمنا مكّة، قال: يا ابن أخي
__________
(1) إن الله أبى: أي أبى دخول الجنة.
(2) أحمد 5/ 289.
(3) لاذمني بشجرة: أي اعتصم مني.
(4) مسلم 1 (95) .
(5) أبو داود (4999) وسنده صحيح علي شرط مسلم.
(6/2281)
انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لمّا رأيت من خلافكم إيّاي فيه، قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنّا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة، فسألناه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هل تعرفانه؟ قال: قلنا: لا، قال: فهل تعرفان العبّاس بن عبد المطّلب عمّه؟ قلنا: نعم قال: وكنّا نعرف العبّاس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد، فهو الرّجل الجالس مع العبّاس، قال:
فدخلنا المسجد، فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه جالس فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعبّاس: هل تعرف هذين الرّجلين يا أبا الفضل؟
قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الشّاعر؟» قال: نعم قال: فقال البراء بن معرور: يا نبيّ الله! إنّي خرجت في سفري هذا، وهداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر، فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله؟
قال: لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها، قال:
فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى معنا إلى الشّام. قال: وأهله يزعمون أنّه صلّى إلى الكعبة حتّى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم، قال: وخرجنا إلى الحجّ فواعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيّام التشريق، فلمّا فرغنا من الحجّ وكانت اللّيلة الّتي وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيّد من سادتنا، وكنّا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلّمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنّك سيّد من سادتنا، وشريف من أشرافنا، وإنّا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنّار غدا، ثمّ دعوته إلى الإسلام، وأخبرته بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا.
قال: فنمنا تلك اللّيلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث اللّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نتسلّل مستخفين تسلّل القطا حتّى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة، ونحن سبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائهم، نسيبة بنت كعب أمّ عمارة إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو بن عديّ بن ثابت إحدى نساء بني سلمة، وهي أمّ منيع، قال: فاجتمعنا بالشّعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جاءنا، ومعه يومئذ عمّه العبّاس ابن عبد المطّلب وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثّق له، فلمّا جلسنا كان العبّاس بن عبد المطّلب أوّل متكلّم، فقال: يا معشر الخزرج! قال وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج أوسها وخزرجها- إنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عزّ من قومه ومنعه في بلده قال: فقلنا: قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت. قال: فتكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا ودعا إلى الله- عزّ وجلّ- ورغّب في الإسلام، قال:
«أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم
(6/2282)
وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثمّ قال:
نعم والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنحن أهل الحروب، وأهل الحلقة «1» ورثناها كابرا عن كابر، قال: فاعترض القول والبراء يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو الهيثم بن التّيّهان حليف بني عبد الأشهل، فقال: يا رسول الله! إنّ بيننا وبين الرّجال حبالا وإنّا قاطعوها- يعني العهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «بل الدّم الدّم والهدم الهدم «2» ، أنا منكم، وأنتم منّي، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» وقد قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم» ، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وأنا معبد بن كعب فحدّثني في حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك، قال كان أوّل من ضرب على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البراء بن معرور، ثمّ تتابع القوم، فلمّا بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صرخ الشّيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قطّ: يا أهل الجباجب- والجباجب المنازل- هل لكم في مذمّم والصّباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ قال عليّ- يعني ابن إسحاق- ما يقول عدوّ الله محمّد؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أذيب. اسمع أي عدوّ الله، أما والله لأفرغنّ لك» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارفعوا إلى رحالكم» قال: فقال له العبّاس بن عبادة ابن نضلة: والّذي بعثك بالحقّ لئن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم أومر بذلك» قال: فرجعنا فنمنا حتّى أصبحنا، فلمّا أصبحنا غدت علينا جلّة قريش حتّى جاؤونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنّه قد بلغنا أنّكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، والله إنّه ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم، قال: فانبعث من هنالك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه وقد صدقوا، لم يعلموا ما كان منّا، قال: فبعضنا ينظر إلى بعض قال: وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميّ، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت كلمة كأنّي أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: ما تستطيع يا أبا جابر، وأنت سيّد من سادتنا أن تتّخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش، فسمعها الحارث فخلعهما ثمّ رمى بهما إليّ، فقال: والله لتنتعلنّهما، قال: يقول أبو جابر: أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه قال: فقلت: والله لا أردّهما قال: والله
__________
(1) الحلقة: السّلاح عامّة، وقيل هي الدروع خاصة.
(2) في المطبوعة: الهدم الهدم، وقد تكون محرفة وصوابها الدم الدم. راجع المسند الجامع (14/ 607) . والهدم بالفتح: القبر، يعني أني أقبر حيث تقبرون وقيل: هو المنزل أي منزلكم منزلي. والهدم بالسكون وبالفتح: هو دم القتيل والمعنى: إن طلب دمكم فقد طلب دمي، وإن أهدر فقد أهدر دمي لاستحكام الألفة بيننا. نهاية (5/ 251) .
(6/2283)
صلح، والله لئن صدق الفأل لأسلبنّه) * «1» .
20-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- قال: خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، زمن الحديبية، في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة، قلّة الهدي، وأشعره، وأحرم بالعمرة وساق الهدي، قال: وسار النّبي صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال النّاس: حل حل «2» خلأت «3» القصواء (مرّتين) «4» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطّة يعظّمون حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» .
ثمّ زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «5» قليل الماء. فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعيّ، ثمّ أتاه- يعني عروة بن مسعود- فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومعه السّيف، وعليه المغفر «6» ، فضرب يده بنعل السّيف، وقال: أخّر يدك عن لحيته. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا «7» ؟ قالوا:
المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا الإسلام فقد قبلنا، وأمّا المال فإنّه مال غدر، لا حاجة لنا فيه» فذكر الحديث فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» . وقصّ الخبر، فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل، وإن كان على دينك، إلّا رددته إلينا. فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثمّ احلقوا» .. ثمّ جاء نسوة مؤمنات مهاجرات فنهاهم الله أن يردّوهنّ، وأمرهم أن يردّوا الصّداق. ثمّ رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير- رجل من قريش-، يعني فأرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى إذا بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر، فقال: أجل قد جرّبت به، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «8» ، وفرّ الآخر، حتّى أتى المدينة، فدخل
__________
(1) أحمد (3/ 460- 462) واللفظ له. وقال ابن حجر في الفتح (7/ 261) : أخرجه ابن إسحاق وصححه ابن حبان من طريقه بطوله. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 43- 45) : رواه أحمد والطبراني بنحوه. ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2) حل حل: اسم صوت مثل: هيد هيد، يقال للناقة لتقوم وتسرع، ومنه ما يقال للبغل: عدس. وللحمار: حاحا. وما يقال عند الإعجاب: بخ بخ.
(3) خلأت: بركت. والقصو: قطع طرف الأذن. والقصواء: هو اسم ناقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
(4) في جميع الأصول كلمة مرتين هنا، وأظن أن المناسب أن تسبق كلمة (القصواء) .
(5) الثمد: الماء القليل الذي لا مادّ له، وقيل: هو الذي يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف.
(6) المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة وقيل حلق يتقنع به المتسلح.
(7) عروة عم المغيرة، ولم يعرفه بسبب لبسه المغفر، ولعل بعض زرده غطى وجهه.
(8) حتى برد: أي مات.
(6/2284)
المسجد يعدو، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأى هذا ذعرا» .
فقال: قد قتل والله صاحبي، وإنّي لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: قد أوفى الله ذمّتك فقد رددتني إليهم، ثمّ نجّاني الله منهم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ويل أمّه مسعر حرب لو كان له أحد» . فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيرّده إليهم، فخرج حتّى أتى سيف البحر، وينفلت أبو جندل، فلحق بأبي بصير حتّى اجتمعت منهم عصابة) * «1» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: نظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم» ) * «2» .
() من الآثار الواردة في (السلم)
1-* (عن أيوب عن عكرمة- رضي الله عنهما- قال: توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الإثنين، فحبس بقيّة يومه والغد حتّى دفن ليلة الأربعاء. وقالوا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يمت، ولكن عرج بروحه، كما عرج بروح موسى، فقام عمر، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يمت، ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى، والله لا يموت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلّم حتّى أزبد شدقاه ممّا يوعد ويقول، فقام العبّاس، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مات، وإنّه لبشر، وإنّه يأسن «3» كما يأسن البشر، أي قوم. فادفنوا صاحبكم فإنّه أكرم على الله من أن يميته إماتتين، أيميت أحدكم إماتة، ويميته إماتتين، وهو أكرم على الله من ذلك، أي قوم! فادفنوا صاحبكم، فإن يك كما تقولون: فليس بعزيز على الله أن يبحث عنه التّراب، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما مات حتّى ترك السّبيل نهجا واضحا، فأحلّ الحلال وحرّم الحرام، ونكح وطلّق، وحارب وسالم، ما كان أرعى غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاه «4» بمخبطه، ويمدر «5» حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان فيكم، أي قوم! فادفنوا صاحبكم، قال: وجعلت أمّ أيمن تبكي، فقيل لها: يا أمّ أيمن، تبكين «6» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: إنّي والله ما أبكي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا أن أكون أعلم أنّه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدّنيا، ولكنّي
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4178- 4181) . وأبو داود (2765) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 529- 531) : صحيح.
(2) أحمد (2/ 442) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (19/ 6) : إسناده صحيح. ورواه الترمذي (3870) وقال حديث غريب. وابن ماجة (145) .
(3) يأسن أي يتغير.
(4) العضاه: شجر الشوك.
(5) والمدر: هو الطين المتماسك.
(6) في سنن الدارمي (تبكي) وما أثبتناه هو الصواب.
(6/2285)
أبكي على خبر السّماء انقطع، قال حمّاد: خنقت العبرة أيّوب حين بلغ ههنا) * «1» .
2-* (عن إبراهيم التّيميّ عن أبيه قال: قال أسامة بن زيد: لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلّا الله أبدا، فقال سعد بن مالك: وأنا والله لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلّا الله أبدا. فقال لهما رجل: ألم يقل الله وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ (الأنفال/ 39) «فقالا: قد قاتلنا حتّى لم تكن فتنة وكان الدّين كلّه لله) *» .
() من فوائد (السلم)
(1) السّلم استسلام لأمر الله يثمر محبّة الله- عزّ وجلّ- ومرضاته.
(2) في السّلم تنتشر الدّعوة إلى الله بأمان واطمئنان.
(3) وفيه حقن الدّماء وصون الأبرياء.
(4) مسالمة العدوّ أمر مشروع إذا كان فيه مصلحة للمسلمين وتقوية لشوكتهم.
(5) كلّ دعوة الإسلام إلى الأمم هي سلم لأنّ في الإسلام السّلام الحقيقيّ.
(6) مع أنّ الإسلام يدعو إلى السّلم فلا يعني ذلك الذّلّة والخضوع لأعداء الله؛ لأنّ المسلمين أعزّة بعزّة الله- عزّ وجلّ-.
__________
(1) سنن الدارمي (1/ 52- 53) .
(2) الدر المنثور (2/ 638) .
(6/2286)
السماحة
السماحة لغة:
مصدر سمح يسمح سماحة وسماحا وسموحة، وتدلّ مادّة (س م ح) كما يقول ابن فارس على معنى السّلاسة والسّهولة، يقال: سمح (بفتح السين) وتسمّح وسامح، فعل شيئا فسهّل فيه وأنشد ثعلب في هذا المعنى:
ولكن إذا ما جلّ خطب فسامحت ... به النّفس يوما كان للكره أذهبا
ويقال أيضا سمح (بضمّ الميم) ، وأسمح: إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء، وذلك لسهولة ذلك عليه. قال الجوهريّ: السّماح والسّماحة: الجود، وسمح به أي جاد به، وسمح لي أعطاني، والوصف من ذلك: سمح وسميح ومسمح ومسماح. قال ابن منظور: ويقال: رجل سمح وامرأة سمحة من رجال ونساء سماح وسمحاء فيهما، ويقال رجل سميح ومسمح ومسماح، والجمع مساميح (للمذكّر والمؤنّث) .
وفي الحديث: «يقول الله عزّ وجلّ: أسمحوا لعبدي، كإسماحه إلى عبادي» ، الإسماح: لغة في السّماح، يقال: سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
18/ 24/ 14
كرم وسخاء، وقيل: إنّما يقال في السّخاء سمح، وأمّا أسمح، فإنّما يقال في المتابعة والانقياد، ويقال:
أسمحت نفسه إذا انقادت، والصّحيح الأوّل، وسمح لي فلان أي أعطاني، وسمح لي بذلك يسمح سماحة.
وأسمح وسامح: وافقني على المطلوب. أنشد ثعلب:
لو كنت تعطي حين تسأل سامحت ... لك النّفس واحلولاك كلّ خليل
والمسامحة: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا.
وقال ابن الأعرابيّ: سمح له بحاجته، وأسمح أي سهّل له.
وفي الأثر: أنّ ابن عبّاس سئل عن رجل شرب لبنا محضا، أيتوضّأ؟ قال: اسمح يسمح لك.
معناه سهّل يسهّل لك وعليك.
وقولهم: الحنيفيّة السّمحة ليس فيها ضيق ولا شدّة، ولقد سمح بالضّم سماحة وجاد بما لديه «1» .
السماحة اصطلاحا:
السّماحة في الاصطلاح تقال على وجهين:
الأوّل: ما ذكره الجرجانيّ من أنّ المراد بها: بذل ما لا يجب تفضّلا، أو ما ذكره ابن الأثير من أنّ المقصود بها: الجود عن كرم وسخاء «2» .
__________
(1) مقاييس اللغة (3/ 298) ، والمصباح (1/ 376) واللسان (2/ 489- 490) ، والمصباح (1/ 308) .
(2) التعريفات للجرجاني (127) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 398) .
(6/2287)
الآخر: في معنى التّسامح مع الغير في المعاملات المختلفة ويكون ذلك بتيسير الأمور والملاينة فيها الّتي تتجلّى في التّيسير وعدم القهر، وسماحة المسلمين الّتي تبدو في تعاملاتهم المختلفة سواء مع بعضهم أو مع غيرهم من أصحاب الدّيانات الأخرى.
سماحة نفس المسلم:
من طبيعة النّفس السمحة أن يكون صاحبها هيّنا ليّنا يتقبّل ما يجري به القضاء والقدر بالرّضا والتّسليم، ويحاول أن يجد لكلّ ما يجري به ذلك حكمة مرضية وإن كان مخالفا لهواه ويراقب دائما قول الله تعالى: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (النساء/ 19) ، وهو من أجل ذلك يستقبل كلّ ما يأتيه من قبل الله عزّ وجلّ بغاية الرّضا، ويلاحظ جوانب الخير في كلّ ما تجري به المقادير، وهو لذلك يترقّب المستقبل بتفاؤل وأمل كما يستقبل الواقع بانشراح لما يحبّ وإغضاء عمّا يكره وبذلك يسعد نفسه ويريح قلبه، وهذا من كمال العقل، لأنّ العاقل هو الشّخص الواقعيّ أي الّذي يسعد نفسه وقلبه بالواقع الّذي لا يملك دفعه أو رفعه، ويعامل النّاس بالتّسامح لأنّه لا يملك أن يطوّع النّاس جميعا لما يريد لأنّهم مثله ذوي طبائع متباينة وإرادات مختلفة «1» .
من ظواهر سماحة النفس:
لسماحة النّفس مظاهر عديدة أشار إلى أهمّها صاحب الأخلاق الإسلامية ومنها:
أوّلا: طلاقة الوجه واستقبال النّاس بالبشر «2» .
ثانيا: مبادرة النّاس بالتّحيّة والسّلام والمصافحة وحسن المحادثة «3» لأنّ من كان سمح النّفس بادر إلى ذلك.
ثالثا: حسن المصاحبة والمعاشرة والتّغاضي عن الهفوات «4» ، لأنّ من كان سمح النّفس كان حسن المصاحبة لإخوانه ولأهله ولأولاده ولخدمه ولكلّ من يخالطه أو يرعاه «5» .
وسائل اكتساب سماحة النفس:
من الوسائل النّاجعة لاكتساب هذا الخلق الحميد ما يلي:
1- التّأمّل في التّرغيبات الّتي رغّب الله بها من يتحلّى بهذا الخلق، وتأمّل الفوائد الّتي يجنيها سمح النّفس في العاجل والآجل.
2- التّأمّل في المحاذير الّتي يقع فيها نكد النّفس، وما يجلبه ذلك من مضارّ ومتاعب وخسائر مادّيّة ومعنويّة.
3- الاقتناع الإيماني بسلطان القضاء والقدر،
__________
(1) باختصار وتصرف عن الأخلاق الإسلامية لحبنكة الميداني (2/ 457- 459) .
(2) انظر صفة «طلاقة الوجه» ، حيث ذكرنا الأحاديث والآثار الدالة على ذلك.
(3) انظر صفة «إفشاء السلام» و «الكلم الطيب» في هذه الموسوعة.
(4) انظر صفتي «حسن العشرة» و «حسن المعاملة» ، حيث بسطنا القول في هذه المظاهر.
(5) بتصرف واختصار عن الأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 463- 471) .
(6/2288)
لأنّ علم الإنسان بأنّ المقادير أمور مرسومة ولا رادّ لها وأنّها تجري وفقا للحكمة الإلهيّة يجلب الطّمأنينة وثبات القلب وراحة البال «1» وعليه أن يعلم أنّ ما ينزل بالنّاس ممّا يحبّون أو يكرهون إنّما هو من عند الله وبقضائه وقدره، أمّا الحسنات فمن فضل الله عزّ وجلّ، وأمّا السّيّئات فبسبب من الإنسان، إمّا لأنّ ذنبه هو السّبب في استحقاق العقوبة، وإمّا لأنّ تربيته وتأديبه يقتضيان إذاقته بعض ما يكره من مصائب وآلام أي أنّ مصلحة الإنسان نفسه هي الّتي اقتضت أن يصيبه من الله بعض ما يكره من صروف الحياة «2» .
نماذج من سماحة الإسلام والمسلمين:
قال الشّيخ محمّد الصّادق عرجون تحت عنوان:
«سماحة المعاملة في تصرّفات القادة والأمراء في فتوح الشّام» : والنّاظر في تصرّفات قادة الفتوحات الإسلاميّة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمرائه وولاته وتلاميذهم من التّابعين وتابعيهم يرى أنّهم كانوا أحرص على الرّفق والسّماحة في تنفيذ العهود والمصالحات ممّا جعل المعاهدين والمصالحين يتعاونون مع المسلمين في صدق وإخلاص؛ نتيجة لما رأوه من العدالة الرّحيمة في معاملة المسلمين لهم.
وقال الشّيخ: تطبيق سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره. وفي هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة أوضح إجابة عن تساؤل المتسائلين عن أسباب السّرعة الهائلة الّتي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظلّه الظّليل.
ويتجلّى إبراز هذه المبادأ في أمور:
أوّلا: أنّ هذه المبادأ السّمحة الرّاشدة تنقض الفكرة المتعنّتة الجاحدة الّتي يردّدها أعداء الإنسانيّة، بتصوير فتوحاته غزوا مادّيّا لنهب ثروات الأمم، واغتصاب خيراتها وحرمانها من نعم الله عليها فيما أنعم به من مصادر الثّروة الاقتصاديّة.
وتصوير هذه الفتوحات بأنّها إكراه للنّاس بقوّة السّلاح على الدّخول في دين الإسلام. لأنّ النّظرة العابرة، بله النّاقدة الفاحصة، في فتوحات الإسلام، تردّ ذلك وتدفع في صدر زاعميه؛ لأنّ هذه الفتوحات، كما دوّنها التّاريخ الصّادق بأقلام جهابذته من أبناء الإسلام، أو غيرهم من طلّاب الحقائق الّذين ينشدونها في مقارّها من واقع الأحداث، مهما كلّفهم ذلك من تعب ومشقّة، أصدق شاهد على عدالة الإسلام وسماحته.
فهذا أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الأمّة الإسلاميّة، وعظيم فتوح المصالحات. نقرأ في مصالحاته لأهل الشّام أنّه صالحهم على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة، لا يهدم منها شيء، ولا يغيّر من معالمها شيء. وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم.
وصالحهم على الدّفاع عنهم وحمايتهم من اعتداء من يهمّ بالاعتداء عليهم. وصالحهم على أنّ من قاتلهم أو
__________
(1) الأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 471) باختصار.
(2) المرجع السابق (2/ 472) .
(6/2289)
ناوأهم وجب على المسلمين أن يقاتلوه دونهم، ويدفعوه عنهم بقوّة السّلاح. فهل هذه المبادأ الّتي تلزم المسلمين أن يحافظوا على معابد أهل الذّمّة والمعاهدين داخل المدن وخارجها، وتلزمهم بحماية دمائهم أن تسفك والدّفاع عنهم. يمكن أن يشتمّ منها رائحة غزو ماديّ لنهب ثروات أو جمع أموال؟ أو يتصوّر فيها اعتداء على حرّية الأديان؟.
ثانيا: إنّ هذه المصالحات الّتي تعتمد على العدل والرّحمة. والّتي قامت على الرّفق بأهل الذّمّة كان لها أثرها الخطير الّذي استهدفه الإسلام من فتوحاته.
فقد رأى أهل الذّمّة وفاء المسلمين لهم بشروطهم، وشاهدوا حسن سيرتهم فيهم، وجرّبوا معاملتهم، فوقفوا معهم مخلصين، وصاروا عونا للمسلمين على أعدائهم، فكانوا يخبرونهم بأحوال أعدائهم، ليكونوا منهم على حذر واستعداد لملاقاتهم.
بهذه المعاملة السّمحة، وبهذه السّماحة في المعاملة فتحت بلاد الشّام، ولم تكن هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة في معاملة أهل الذّمّة هي منهج أبي عبيدة وحده، بل كانت المنهج الّذي أقام الإسلام دعائمه، وثبّت في شريعته أعلامه. وأعلى في آفاقها منائره، فهو ليس منهجا خاصّا لأمير فتح المصالحة أبي عبيدة توصّل إليه باجتهاده، وفرضه على ولاته الّذين عملوا تحت إمرته؛ وإنّما هو منهج عامّ في شريعة الإسلام؛ ينبع من مصدريها الأصيلين:
القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: تكريم الإنسان- التيسير- الجود- السخاء- الكرم- المروءة- اللين المواساة- الإحسان- الصفح- الشهامة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- البخل- التعسير- الشح- الكنز- الإساءة- الجفاء] .
__________
(1) الموسوعة في سماحة الإسلام (1/ 425- 442) باختصار.
(6/2290)
الآيات الواردة في «السماحة» معنى
1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «1»
2- قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) «2»
3- وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «3»
4- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «4»
5- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «5»
6- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) «6»
7- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) «7»
__________
(1) البقرة: 109 مدنية
(2) البقرة: 139 مدنية
(3) البقرة: 237 مدنية
(4) البقرة: 256 مدنية
(5) آل عمران: 19- 20 مدنية
(6) النساء: 4- 5 مدنية
(7) المائدة: 48 مدنية
(6/2291)
8- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) «1»
9- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108) «2»
10- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «3»
11- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) «4»
12- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128)
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «5»
13- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) «6»
14-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) «7»
15- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) «8»
__________
(1) المائدة: 69 مدنية
(2) الأنعام: 106- 108 مكية
(3) الأعراف: 87 مكية
(4) يونس: 99- 100 مكية
(5) طه: 128- 130 مكية
(6) الحج: 67- 69 مدنية
(7) العنكبوت: 46- 47 مكية
(8) الأحزاب: 45 مدنية
(6/2292)
16- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) «1»
17- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) «2»
18- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3)
وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «3»
__________
(1) الشورى: 15 مكية
(2) الجاثية: 14- 15 مكية
(3) الكافرون: 1- 6 مكية
(6/2293)
الأحاديث الواردة في (السماحة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إلى الله.
قال: «الحنفيّة السّمحة» ) * «1» .
2-* (وعنه- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمح يسمح لك» ) * «2» .
3-* (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال:
أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فصلّى الغداة ثمّ جلس، حتّى إذا كان من الضّحى ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ جلس مكانه حتّى صلّى الأولى والعصر والمغرب، كلّ ذلك لا يتكلّم، حتّى صلّ العشاء الآخرة، ثمّ قام إلى أهله، فقال النّاس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شأنه؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قطّ، قال: فسأله، فقال: «نعم، عرض عليّ ما هو كائن من أمر الدّنيا وأمر الآخرة، فجمع الأوّلون والآخرون بصعيد واحد، ففظع النّاس «3» بذلك، حتّى انطلقوا إلى آدم عليه السّلام والعرق يكاد يلجمهم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر، اصطفاك الله عزّ وجلّ، اشفع لنا إلى ربّك، قال: لقد لقيت مثل الّذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم، إلى نوح إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (آل عمران/ 33) .
قال فينطلقون إلى نوح عليه السّلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربّك، فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين ديّارا، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ اتّخذه خليلا، فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول:
ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السّلام، فإنّ الله عزّ وجلّ كلّمه تكليما، فيقول موسى عليه السّلام: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم، فإنّه يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن
__________
(1) أحمد (1/ 236) ورد في البخاري (باب الدين يسر) رقم (29) ، الفتح (1/ 116) بدون إسناد بلفظ «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: قوله (أحب الدين) أي خصال الدين؛ لأن خصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كان منها سمحا- أي سهلا- فهو أحب إلى الله. ويدل عليه ما أخرجه أحمد بسند صحيح من حديث أعرابي لم يسمه أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «خير دينكم أيسره» . أو الدين يسر، أي أحب الأديان إلى الله الحنيفية. والمراد بالأديان الشرائع الماضية قبل أن تبدل وتنسخ. والحنيفية ملة إبراهيم، والحنيف في اللغة ما كان على ملة إبراهيم وسمي إبراهيم حنيفا لميله عن الباطل إلى الحق لأن أصل الحنف الميل، والسمحة السهلة، أي إنها مبنية على السهولة، لقوله تعالى: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب، لأنه ليس على شرطه، نعم وصله في كتاب الأدب المفرد، وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره من طريق محمد بن إسحاق عن داود ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وإسناده حسن لكونه تقاصر عن شرطه، وقواه بما دل على معناه لتناسب السهولة واليسر. فتح الباري (1/ 116- 117) .
(2) أحمد (1/ 248) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (4/ 54) : إسناده صحيح. والسيوطي في الجامع الصغير (1037) ونسبه للطبراني والبيهقي في الشعب.
(3) فظع من الفظاعة وهو الأمر الشديد الشنيع ومعنى فظع الناس أي اشتد عليهم الأمر وهالهم.
(6/2294)
انطلقوا إلى سيّد ولد آدم، فإنّه أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لكم إلى ربّكم عزّ وجلّ، قال: فينطلق، فيأتي جبريل عليه السّلام ربّه، فيقول الله- عزّ وجلّ-: ائذن له وبشّره بالجنّة، قال فينطلق به جبريل فيخرّ ساجدا قدر جمعة، ويقول الله- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربّه عزّ وجلّ خرّ ساجدا قدر جمعة أخرى، فيقول الله- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع، قال: فيذهب ليقع ساجدا، فيأخذ جبريل عليه السّلام بضبعيه»
، فيفتح الله- عزّ وجلّ- عليه من الدّعاء شيئا لم يفتحه على بشر قطّ، فيقول: أي ربّ، خلقتني سيّد ولد آدم ولا فخر، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتّى إنّه ليرد عليّ الحوض أكثر ممّا بين صنعاء وأيلة، ثمّ يقال: ادعوا الصّدّيقين فيشفعون، ثمّ يقال: ادعو الأنبياء، قال: فيجيء النّبيّ ومعه العصابة، والنّبيّ ومعه الخمسة والسّتّة، والنّبيّ وليس معه أحد، ثمّ يقال: ادعوا الشّهداء، فيشفعون لمن أرادوا، وقال: فإذا فعلت الشّهداء ذلك، قال: يقول الله عزّ وجلّ-: أنا أرحم الرّاحمين، أدخلوا جنّتي من كان لا يشرك بي شيئا، قال: فيدخلون الجنّة، قال: ثمّ يقول الله- عزّ وجلّ انظروا في النّار هل تلقون من أحد عمل خيرا قطّ؟ قال: «فيجدون في النّار رجلا.
فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي كنت أسامح النّاس في البيع والشّراء، فيقول الله- عزّ وجلّ-: أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثمّ يخرجون من النّار رجلا فيقول له: هل عملت خيرا قطّ؟ فيقول: لا، غير أنّي قد أمرت ولدي إذا متّ فأحرقوني بالنّار ثمّ اطحنوني حتّى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الرّيح، فو الله لا يقدر عليّ ربّ العالمين أبدا! فقال الله- عزّ وجلّ-:
لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال فيقول الله- عزّ وجلّ-: انظر إلى ملك أعظم ملك، فإنّ لك مثله وعشرة أمثاله، قال: فيقول: لم تسخر بي وأنت الملك؟
قال: وذاك الّذي ضحكت منه من الضّحى» ) * «2» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفضل المؤمنين رجل سمح البيع، سمح الشّراء، سمح القضاء، سمح الاقتضاء» ) * «3» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دخل رجل الجنّة بسماحته قاضيا ومتقاضيا» ) * «4» .
6-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا سمحا
__________
(1) أخذ بضبعيه: أي أخذ بعضديه.
(2) أحمد: (1/ 4- 5) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 161) .
(3) الهيثمي في المجمع (4/ 75) ، وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(4) أحمد (2/ 210) واللفظ له. وقال الهيثمي في المجمع (4/ 74) رواه أحمد ورجاله ثقات. ولفظه قاضيا ومقتضيا.
(6/2295)
إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى» ) * «1» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
نزول الأبطح ليس بسنّة. إنّما نزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنّه كان أسمح لخروجه إذا خرج) * «2» .
8-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، من تبعك على هذا الأمر؟ قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» .
قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال: قلت:
أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» . قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟ قال:
«خلق حسن» . قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟ قال:
«طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟ قال:
«أن تهجر ما كره ربّك- عزّ وجلّ-. قال: قلت: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه» .
قال: قلت: أيّ السّاعات أفضل؟ قال: «جوف اللّيل الآخر. ثمّ الصّلاة المكتوبة مشهودة حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلّا الركعتين حتّى تصلّي الفجر، فإذا صلّيت صلاة الصّبح فأمسك عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس، فإذا طلعت الشّمس فإنّها تطلع في قرني شيطان، وإنّ الكفّار يصلّون لها» ) * «3» .
() الأحاديث الواردة في (السماحة) معنى
9- عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه. ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» ) * «4» .
10-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
أتى الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا. فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال: يا ربّ! آتيتني مالك. فكنت أبايع النّاس. وكان من خلقي الجواز «5» . فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحقّ بذا منك. تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر الجهني، وأبو مسعود الأنصاريّ: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
11-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار، أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2076) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1765) ، ومسلم (1311) واللفظ له. وأسمح لخروجه: أي أسهل لخروجه راجعا إلى المدينة.
(3) أحمد (4/ 385) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 54) : رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب، وقد وثق على ضعف فيه، وأصله عند مسلم.
(4) مسلم (1563) .
(5) الجواز: أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء (أي الطلب) .
(6) البخاري- الفتح 4 (2077) ، ومسلم (1560) واللفظ له.
(7) الترمذي (2488) وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : حديث حسن. ورواه الطبراني وأبو يعلى عن جابر.
(6/2296)
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الدين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «1» .
13-* (عن عطاء بن فرّوخ مولى القرشيّين:
أنّ عثمان- رضي الله عنه- اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه، فلقيه فقال له: ما منعك من قبض مالك؟ قال: إنّك غبنتني، فما ألقى من النّاس أحدا إلّا وهو يلومني، قال: أو ذلك يمنعك؟ قال: نعم، قال: فاختر بين أرضك ومالك، ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أدخل الله- عزّ وجلّ- الجنّة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا، وقاضيا ومقتضيا» ) * «2» .
14-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حوسب رجل ممّن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلّا أنّه كان يخالط النّاس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال: قال الله- عزّ وجلّ-: نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه» ) * «3» .
15-* (عن الأعمش قال: سألت أبا وائل:
شهدت صفّين؟ قال: نعم، فسمعت سهل بن حنيف يقول: اتّهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردّ أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لرددته، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلّا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا) * «4» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله! لا أفعل. فخرج عليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أين المتألّي على الله، لا يفعل المعروف؟» فقال: أنا يا رسول الله! فله أيّ ذلك أحبّ) * «5» .
17-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا إذا اقتضى» ) * «6» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل يداين النّاس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه. لعلّ الله يتجاوز عنّا. فلقي الله فتجاوز عنه» ) * «7» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أقال مسلما، أقال الله
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (39) والغدوة: السير أول النهار والروحة: السير بعد الزوال، والدّلجة: السير آخر الليل.
(2) أحمد (1/ 58) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 335) : إسناده صحيح، ورواه النسائي (7/ 318، 319) وصحيح النسائي (4379) وقال الألباني حسن. وابن ماجة (2202) .
(3) مسلم (1561) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3181) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2705) واللفظ له، ومسلم (1557) .
(6) الترمذي (1320) واللفظ له وقال: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه وابن ماجة (1203) وأخرجه البخاري في البيوع حديث رقم 4 (2076) .
(7) البخاري- الفتح 4 (2078) ، ومسلم (1562) واللفظ له.
(6/2297)
عثرته» ) * «1» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنظر معسرا أو وضع له، أظلّه الله يوم القيامة تحت ظلّ عرشه، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» . قال التّرمذيّ: وفي الباب عن أبي اليسر وأبي قتادة وحذيفة وابن مسعود وعبادة وجابر) * «2» .
() المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (السماحة)
21-* (عن أبي رافع، مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: استسلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكرا. فجاءته إبل من الصّدقة. قال أبو رافع: فأمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقضي الرّجل بكره. فقلت: لا أجد في الإبل إلّا جملا خيارا رباعيّا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطه إيّاه. فإنّ خيار النّاس أحسنهم قضاء» ) * «3» .
22-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ عائشة- رضي الله عنها- في حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أهلّت بعمرة. وساق الحديث بمعنى حديث اللّيث وزاد في الحديث: قال: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا سهلا «4» . إذا هويت الشّيء تابعها عليه. فأرسلها مع عبد الرّحمن بن أبي بكر فأهلّت بعمرة، من التّنعيم) * «5» .
23-* (عن البراء- رضي الله عنه-: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكّة يستأذنهم ليدخل مكّة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلّا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلّا بجلبّان السّلاح «6» ، ولا يدعو منهم أحدا. قال: فأخذ يكتب الشّرط بينهم عليّ بن أبي طالب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله. فقالوا: لو علمنا أنّك رسول الله لم نمنعك ولتابعناك، ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله. فقال: أنا والله محمّد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله. قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعليّ:
امح رسول الله. فقال عليّ: والله لا أمحاه أبدا.
قال: فأرنيه، قال: فأراه إيّاه، فمحاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده.
فلمّا دخل ومضت الأيام أتوا عليّا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل. فذكر ذلك عليّ- رضي الله عنه- لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «نعم» فارتحل) * «7» .
__________
(1) أخرجه أبو داود (3460) واللفظ له، وابن ماجة (2199) . وقال محقق جامع الأصول (1/ 440) : إسناده صحيح. وصححه ابن حبان (5042) ، (5046) . والحاكم (2/ 45) وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) الترمذي (1306) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وكذلك رواه أحمد ومسلم عن أبي اليسر والسيوطي في الجامع، وصححه الشيخ الألباني (5982) والمنذري في الترغيب (2/ 37) .
(3) الترمذي (1318) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4) سهلا: أي سهل الخلق كريم الشمائل، لطيفا.
(5) مسلم (1213) .
(6) جلبّان السّلاح هو ألطف من الجراب يكون من الأدم، يوضع فيه السيف مغمدا، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ويعلقه في الرحل.
(7) البخاري- الفتح 6 (3184) ، واللفظ له ومسلم (1783) .
(6/2298)
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان لرجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: «أعطوه» ، فطلبوا سنّه، فلم يجدوا إلّا سنّا فوقها، فقال: «أعطوه» ، فقال: أوفيتني أوفى الله بك، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خياركم أحسنكم قضاء» ) * «1» .
وفي رواية: أنّ رجلا تقاضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأغلظ له فهمّ به أصحابه، فقال: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا، واشتروا له بعيرا فأعطوه إيّاه» «2» .
() من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (السماحة)
1-* (قال الإمام عليّ- رضي الله عنه-:
«أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلّا ويده بيد الله يرفعه» ) * «3» .
2-* (جاء في الأثر أنّ ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «سئل عن رجل شرب لبنا محضا أيتوضّأ؟
قال: اسمح يسمح لك» ) *
قال الأصمعيّ معناه: سهّل يسهّل لك وعليك «4» .
3-* (عن محمّد بن المنكدر قال: «كان يقال: إذا أراد الله بقوم خيرا أمّر عليهم خيارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي سمحائهم» ) * «5» .
4-* (عن عبيس، أبي عبيدة، قال: كان الحسن إذا اشترى شيئا وكان في ثمنه كسر جبره لصاحبه. قال: ومرّ الحسن بقوم يقولون: نقص دانق وزيادة دانق. فقال: «ما هذا، لا دين إلّا بمروءة» ) * «6» .
5-* (قال فرقد السّبخيّ: «لم يكن أصحاب نبيّ قطّ فيما خلا من الدّنيا أفضل من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أشجع لقاء ولا أسمح أكفّا» ) * «7» .
6-* (ذكر الأبشيهيّ في مستطرفه: «أنّ رجلا سبّ رجلا وقال له: إيّاك أعني، فقال الآخر وعنك أعرض» ) *» .
7-* (وقيل: «من عادة الكريم إذا قدر غفر وإذا رأى زلّة ستر» ) * «9» .
8-* (قال ابن مقبل:
وإنّي لأستحيي وفي الحقّ مسمح ... إذا جاء باغي العرف، أن أتعذّرا) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2393) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2390) ، واللفظ له ومسلم (1601) .
(3) المستطرف (1/ 272) .
(4) لسان العرب (2/ 489) .
(5) المنتقى من مكارم الأخلاق (125) .
(6) المرجع السابق (133) .
(7) المرجع السابق (132) .
(8) المستطرف (1/ 272) .
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) لسان العرب (2/ 490) .
(6/2299)
9-* (أنشد عمران بن موسى المؤدّب:
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم ... لتطلّب الحاجات بالعيدان
بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند اللّقاء كأحسن الألوان) * «1» .
10-* (قال جرير بن عطيّة:
غلب المساميح الوليد سماحة ... وكفى قريش المعضلات وسادها) * «2» .
11-* (وقال آخر:
في فتية بسط الأكفّ مسامح ... عند الفضال نديمهم لم يدثر) * «3» .
12-* (وأنشد ثعلب:
ولكن إذا ما جلّ خطب فسامحت ... به النّفس يوما كان للكره أذهبا) * «4» .
13-* (جاء في مأثور الحكمة: السّماح رباح، أي المساهلة في الأشياء تربح صاحبها) * «5» .
14-* (وقال الشّافعيّ- رحمه الله-:
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ... ودافع ولكن بالّتي هي أحسن) * «6» .
() من فوائد (السماحة)
1- يحبّها الله ورسوله والملائكة المقرّبون.
2- يضفيها الله على وجوه المؤمنين لتكون لهم علامة مميّزة في الدّنيا والآخرة.
3- السّمح محبوب لدى أهله ومجتمعه.
4- السّماحة في البيع والشّراء باب عظيم من أبواب كسب الرّزق وتكثيره.
5- السّماحة تجلب التّيسير في الأمور كلّها.
6- بالسّماحة يغنم الإنسان أكبر قدر من السّعادة وهناءة العيش.
7- يجلب سمح النّفس الخير الدّنيويّ حيث يميل النّاس إلى التّعامل معه فيكثر عليه الخير بكثرة محبّيه والمتعاملين معه «7» .
8- السّماحة في التّعامل مع أصحاب الدّيانات الأخرى تجلب لهم الطّمأنينة والأمن فيؤدّي ذلك إلى حبّهم للمتسامحين معهم ومعاونتهم ثمّ الدّخول في هذا الدّين الّذي يقرّ مبدأ التّسامح مع الآخرين وقد حدث ذلك عقب الفتوح الإسلاميّة «8» .
__________
(1) المنتقى من مكارم الأخلاق (145) .
(2) لسان العرب (2/ 489) . وقيل هذا البيت لعدي بن الرقاع العاملي، شاعر الوليد بن عبد الملك، والبيت من قصيدته التي مطلعها:
عرف الديار توهما فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها
(3) المصدر السابق نفسه (2/ 489) .
(4) لسان العرب (2/ 489) .
(5) لسان العرب (2/ 489) .
(6) ديوانه (119) .
(7) اقتبسنا هاتين الفائدتين من «الأخلاق الإسلامية» 2/ 460.
(8) انظر أثر سماحة الإسلام في نفوس أهل البلاد المفتوحة ص 2288.
(6/2300)
السماع*
السماع لغة:
مصدر قولهم: سمع يسمع سمعا وسماعا، وهو مأخوذ من مادّة (س م ع) الّتي تدلّ على إدراك الشّيء بالأذن، يقال: سمعت الشّيء سمعا أدركته بأذني، ويعبّر بالسّمع تارة عن الأذن كما في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة/ 7) ، وتارة عن الفعل (أي إدراك الشّيء بالأذن) كما في قوله تعالى:
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (الشعراء/ 212) وتارة عن الفهم كما في قولهم (لم تسمع ما قلت) أي لم تفهم، وذلك كما في قوله تعالى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النور/ 51) أي فهمنا وارتسمنا، أمّا قوله سبحانه:
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (الأنفال/ 21) يجوز أن يكون معناه فهمنا وهم لا يفهمون، وأن يكون معناه فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، ومن ثمّ يكونون في حكم من لم يسمع.
والاستماع: الإصغاء، ومنه قوله تعالى:
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ (ق/ 41) ، ويقال: تسمّعت إليه، فإذا أدغمت قلت: اسّمعت إليه، وقرأ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى (الصافات/ 8) يقال:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
91/ 9/ 6
تسمّعت إليه، وسمعت إليه، وسمعت له كلّه بمعنى، وقول الله تعالى: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ (النساء/ 46) أي لا سمعت، وقوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ (الكهف/ 26) أي ما أبصره وأسمعه على التّعجّب، ويقال سمّع به، أي شهّر به، وفي الحديث «من فعل كذا سمّع الله به سامع خلقه» والتّسميع: التّشنيع، ويقال أيضا (في ضدّ ذلك) سمّع به إذا رفعه من الخمول ونشر ذكره، والسّميع: السّامع، والسّميع:
المسمّع، وهو من أسماء الله- عزّ وجلّ- والسّمع آلة السّمع كما في الحديث الشّريف «ملأ الله مسامعه» أو المسامع هنا جمع سمع على غير قياس «1» .
السماع اصطلاحا:
قال المناويّ: السّماع فهم (السّامع) ما كوشف به من البيان «2» .
وقال ابن القيّم: وحقيقة السّماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه عنها طلبا أو هربا، وحبّا أو بغضا «3» .
من أسماء الله تعالى «السميع» :
قال الغزاليّ- رحمه الله-: السّميع هو الّذي لا
__________
* المقصود سماع التدبر والتفكر لا مجرد السماع.
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 102) ، ومفردات الراغب (242) ، ولسان العرب (8/ 162) ، والصحاح (3/ 123) بتصرف واختصار.
(2) التوقيف على مهمات التعاريف ص 197.
(3) مدارج السالكين (1/ 517) .
(6/2301)
يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو يسمع السّرّ والنّجوى، بل ما هو أدقّ من ذلك وأخفى. ويدرك دبيب النّملة السّوداء على الصّخرة الصّمّاء في اللّيلة الظّلماء، يسمع حمد الحامدين فيجازيهم، ودعاء الدّاعين فيستجيب لهم، ويسمع بغير أصمخة وآذان، كما يفعل بغير جارحة ويتكلّم بغير لسان، وسمعه منزّه عن أن يتطرّق إليه الحدثان ... والسّمع في حقّه تعالى عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات «1» .
وقال ابن منظور: والسّميع من صفاته- عزّ وجلّ- وأسمائه، لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو يسمع بغير جارحة، وفعيل: من أبنية المبالغة وفي التّنزيل: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء/ 143) ، وهو الّذي وسع سمعه كلّ شيء كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (المجادلة/ 1) ، وقال في موضع آخر: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى. (الزخرف/ 80) ، قال الأزهريّ والعجب من قوم فسّروا السّميع بمعنى المسمع فرارا من وصف الله بأنّ له سمعا، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه بالسّمع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه، ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف قال: ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السّميع سامعا، ويكون مسمعا، والظّاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السّميع بمعنى السّامع، مثل عليم وعالم، وقدير وقادر، ومناد سميع: مسمع كخبير ومخبر، وأذن سمعة وسمعة وسمعة وسميعة وسامعة وسمّاعة ومسموعة «2» .
سمع الإنسان:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: للعبد من حيث الحسّ حظّ في السّمع، لكنّه قاصر، لأنّه لا يدرك جميع المسموعات، بل ما قرب من الأصوات، ثمّ إنّ إدراكه بجارحة وأداة معرّضة للآفات، فإن خفي الصّوت قصّر (سمع البشر) عن الإدراك، وإن بعد لم يدرك، وإن عظم الصّوت ربّما بطل السّمع واضمحلّ، وإنّما حظّه الدّينيّ أمران:
أحدهما: أن يعلم أنّ الله- عزّ وجلّ- سميع، فيحفظ لسانه.
الثّاني: أن يعلم أنّه لم يخلق له السّمع إلّا ليسمع كلام الله وحديث رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيستفيد به الهداية إلى طريق الله- عزّ وجلّ- «3»
السمع والسماع فى القرآن الكريم:
السّمع قوّة في الأذن بها تدرك الأصوات، ويعبّر تارة بالسّمع عن الأذن نحو: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة/ 7» ) وتارة عن فعله كالسّماع نحو: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ وتارة عن الفهم، وتارة عن الطّاعة، تقول: اسمع ما أقول لك
__________
(1) المقصد الأسنى (90) .
(2) لسان العرب «س م ع» (8/ 164) . والنهاية لابن الأثير (2/ 401) .
(3) المقصد الأسنى (91) .
(6/2302)
ولم تسمع ما قلت: أي لم تفهم.
وقوله: سَمِعْنا وَعَصَيْنا* (البقرة/ 93، والنساء/ 46) أي فهمنا ولم نأتمر لك. وقوله: سَمِعْنا وَأَطَعْنا* (البقرة/ 285، والنساء/ 46) أي فهمنا وارتسمنا، وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (الأنفال/ 21) يجوز أن يكون معناه:
فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، وإذا لم يعمل بموجبه، فهو في حكم من لم يسمع، قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ (الأنفال/ 23) أي أفهمهم بأن جعل لهم قوّة يفهمون بها. وقوله وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ (النساء/ 46) ، فغير مسمع يقال على وجهين:
أحدهما: دعاء على الإنسان بالصّمم، والثّاني: أن يقال:
أسمعت فلانا إذا سببته، وذلك متعارف في السّبّ، وروي أنّ أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوهمون أنّهم يعظّمونه ويدعون له، وهم يدعون عليه بذلك وكلّ موضع أثبت فيه السّمع للمؤمنين أو نفي عن الكافرين أو حثّ على تحرّيه، فالقصد به إلى تصوّر المعنى والتّفكّر فيه. وأمّا قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ 80) أي إنّك لا تفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم- لسوء فعلهم- القوّة العاقلة الّتي هي الحياة المختصّة بالإنسانيّة، وقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ
(الكهف/ 26) أي يقوله فيه تعالى: من وقف على عجائب حكمته، ولا يقال فيه: ما أبصره وما أسمعه لما تقدّم ذكره، وأنّ الله تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السّمع، وقوله في صفة الكفّار أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا (مريم/ 38) معناه: أنّهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عنهم وضلّوا عنه اليوم، لظلمهم أنفسهم وتركهم النظر، وقوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (المائدة/ 41) أى يسمعون منك لأجل أن يكذبوا، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (المائدة/ 41) أي يسمعون لمكانهم، والاستماع: الإصغاء، وقوله: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ (يونس/ 31) أي من الموجد لأسماعهم وأبصارهم والمتولّي بحفظها، والمسمع والمسمع: خرق الأذن، وفي دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلّطه المسائل، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحّين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك، وروح قربك.
وقد ورد السّمع في التّنزيل على وجوه:
الأوّل: بمعنى الإفهام: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ 80) أي لا تفهمهم.
الثّاني: بمعنى إجابة الدّعاء إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (آل عمران/ 38) .
الثّالث: بمعنى فهم القلب: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 37) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (الشعراء/ 212) أي سمع الفؤاد سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النساء/ 46) أي سمعنا بقلوبنا وأطعنا بجوارحنا.
الرّابع: بمعنى سماع جارحة الأذن: سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان/ 12) نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ (الجن/ 9) سَمِعْنا وَعَصَيْنا (النساء 46) أي سمعنا بالآذان، وعصينا بالجنان.
(6/2303)
الخامس: بمعنى سمع الحقّ تعالى المنزّه عن الجارحة والآلة المقدّس عن الصّماخ «1» والمحارة وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء/ 134) وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة/ 224) إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (سبأ/ 50) «2» .
وقد اقتصر ابن الجوزيّ على وجهين اثنين هما:
الأوّل: إدراك السّمع للمسموعات، ومنه قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ (آل عمران/ 193) ، وقوله- عزّ من قائل-: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (الأحقاف/ 29) .
الثّاني: سماع القلب، وهو قبوله للمسموع، ومنه قوله تعالى: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ (هود/ 20) ، وقوله- عزّ وجلّ-: وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (الكهف/ 101) «3» .
منزلة السماع:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أمر الله بالسّماع في كتابه. وأثنى على أهله. وأخبر أنّ البشرى لهم، فقال تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا (المائدة/ 108) . وقال وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا (التغابن/ 16) .
وقال وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ (النساء/ 46) . وقال: فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر/ 17- 18) . وقال وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (الأعراف/ 204) . وقال وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ (المائدة/ 83) .
وجعل السّماع منه والسّماع منهم دليلا على علم الخير فيهم، وعدم ذلك دليلا على عدم الخير فيهم. فقال: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنفال/ 23) .
وأخبر عن أعدائه: أنّهم هجروا السّماع ونهوا عنه. فقال وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ 26) .
فالسّماع رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلّمه. وكم في القرآن من قوله أَفَلا يَسْمَعُونَ؟ وقال أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها؟ (الحج/ 46) الآية.
فالسّماع أصل العقل، وأساس الإيمان الّذي انبنى عليه. وهو رائده وجليسه ووزيره. ولكنّ الشّأن كلّ الشّأن في المسموع. وفيه وقع خبط النّاس واختلافهم. وغلط منهم من غلط.
أنواع السامعين:
وأصحاب السّماع، منهم: من يسمع بطبعه ونفسه وهواه. فهذا حظّه من مسموعه: ما وافق طبعه.
ومنهم: من يسمع بحاله وإيمانه ومعرفته
__________
(1) الصّماخ: الخرق الذي يفضي إلى الرأس، والمحارة للأذن جوفها.
(2) بصائر ذوي التمييز: (3/ 257) وما بعدها.
(3) نزهة الأعين النواظر (346) .
(6/2304)
وعقله. فهذا يفتح له من المسموع بحسب استعداده وقوّته ومادّته.
ومنهم: من يسمع بالله، لا يسمع بغيره. كما في الحديث الإلهيّ الصّحيح «فبي يسمع، وبي يبصر» وهذا أعلى سماعا، وأصحّ من كلّ أحد.
والكلام في «السّماع» - مدحا وذمّا- يحتاج فيه إلى معرفة صورة المسموع، وحقيقته وسببه، والباعث عليه، وثمرته وغايته. فبهذه الفصول الثّلاثة يتحرّر أمر «السّماع» ويتميّز النّافع منه والضّارّ، والحقّ والباطل، والممدوح والمذموم.
أنواع المسموع:
فأمّا «المسموع» فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها: مسموع يحبّه الله ويرضاه. وأمر به عباده. وأثنى على أهله. ورضي عنهم به.
الثّاني: مسموع يبغضه ويكرهه. ونهى عنه.
ومدح المعرضين عنه.
الثّالث: مسموع مباح مأذون فيه. لا يحبّه ولا يبغضه. ولا مدح صاحبه ولا ذمّه. فحكمه حكم سائر المباحات: من المناظر، والمشامّ، والمطعومات، والملبوسات المباحة. فمن حرّم هذا النّوع الثّالث فقد قال على الله ما لا يعلم. وحرّم ما أحلّ الله. ومن جعله دينا وقربة يتقرّب به إلى الله، فقد كذب على الله، وشرع دينا لم يأذن به الله. وضاهأ بذلك المشركين.
السّماع المرضيّ:
إنّ السّماع المرضيّ أي ذلك الّذي مدحه الله في كتابه. وأمر به وأثنى على أصحابه، وذمّ المعرضين عنه ولعنهم. وجعلهم أضلّ من الأنعام سبيلا. وهم القائلون في النّار وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (الملك/ 10) . وهو سماع آياته المتلوّة الّتي أنزلها على رسوله. فهذا السّماع أساس الإيمان الّذي يقوم عليه بناؤه. وهو على ثلاثة أنواع:
سماع إدراك بحاسّة الأذن. وسماع فهم وعقل. وسماع فهم وإجابة وقبول. والثّلاثة في القرآن.
فأمّا سماع الإدراك: ففي قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ (الجن/ 1- 2) . وقوله يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى (الأحقاف/ 30) الآية. فهذا سماع إدراك اتّصل به الإيمان والإجابة.
وأمّا سماع الفهم: فهو المنفيّ عن أهل الإعراض والغفلة. بقوله تعالى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ (الروم/ 52) ، وقوله إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (فاطر/ 22) .
فالتّخصيص هاهنا لإسماع الفهم والعقل. وإلّا فالسّمع العامّ الّذي قامت به الحجّة: لا تخصيص فيه.
ومنه قوله تعالى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنفال/ 23) . أي لو علم الله في هؤلاء الكفّار قبولا وانقيادا لأفهمهم، وإلّا فهم قد سمعوا سمع الإدراك وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ أي ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموا؛ لأنّ في قلوبهم من داعي التّولّي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه.
(6/2305)
وأمّا سماع القبول والإجابة: ففي قوله تعالى حكاية عن عباده المؤمنين أنّهم قالوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النور/ 51) . فإنّ هذا سمع قبول وإجابة مثمر للطّاعة.
والتّحقيق: أنّه متضمّن للأنواع الثّلاثة. وأنّهم أخبروا بأنّهم أدركوا المسموع وفهموه. واستجابوا له.
ومن سمع القبول: قوله تعالى وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التوبة/ 47) أي قابلون منهم مستجيبون لهم. هذا أصحّ القولين في الآية.
والمقصود: أنّ سماع خاصّة الخاصّة المقرّبين:
هو سماع القرآن بالاعتبارات الثّلاثة: إدراكا وفهما، وتدبّرا، وإجابة. وكلّ سماع في القرآن مدح الله أصحابه، وأثنى عليهم، وأمر به أولياءه: فهو هذا السّماع.
وهو سماع الآيات، لا سماع الأبيات. وسماع القرآن، لا سماع مزامير الشّيطان، وسماع كلام ربّ الأرض والسّماء لا سماع قصائد الشّعراء، وسماع المراشد، لا سماع القصائد، وسماع الأنبياء والمرسلين، لا سماع المغنّين والمطربين.
فهذا السّماع حاد يحدو القلوب، إلى جوار علّام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح. ومحرّك يثير ساكن العزمات، إلى أعلى المقامات وأرفع الدّرجات. ومناد ينادي للإيمان.
ودليل يسير بالرّكب في طريق الجنان. وداع يدعو القلوب بالمساء والصّباح. من قبيل فالق الإصباح «حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح» .
فلم يعدم من اختار هذا السّماع إرشادا لحجّة، وتبصرة لعبرة، وتذكرة لمعرفة، وفكرة في آية، ودلالة على رشد، وردّا على ضلالة، وإرشادا من غيّ، وبصيرة من عمى، وأمرا بمصلحة، ونهيا عن مضرّة ومفسدة، وهداية إلى نور، وإخراجا من ظلمة، وزجرا عن هوى. وحثّا على تقى. وجلاء لبصيرة، وحياة لقلب، وغذاء ودواء وشفاء. وعصمة ونجاة، وكشف شبهة، وإيضاح برهان، وتحقيق حقّ، وإبطال باطل.
ونحن نرضى بحكم أهل الذّوق في سماع الأبيات والقصائد. ونناشدهم بالّذي أنزل القرآن هدى وشفاء ونورا وحياة: هل وجدوا ذلك- أو شيئا منه- في الدّفّ والمزمار؟ ونغمة الشّادن ومطربات الألحان؟ والغناء المشتمل على تهييج الحبّ المطلق الّذي يشترك فيه محبّ الرّحمن، ومحبّ الأوطان، ومحبّ الإخوان، ومحبّ العلم والعرفان، ومحبّ الأموال والأثمان، ومحبّ النّسوان والمردان، ومحبّ الصّلبان.
فهو يثير من قلب كلّ مشتاق ومحبّ لشيء ساكنه. ويزعج قاطنه. فيثور وجده، ويبدو شوقه.
فيتحرّك على حسب ما في قلبه من الحبّ والشّوق والوجد بذلك المحبوب كائنا ما كان. ولهذا تجد لهؤلاء كلّهم ذوقا في السّماع، وحالا ووجدا وبكاء.
ويا لله العجب! أيّ إيمان ونور وبصيرة وهدى ومعرفة تحصل باستماع أبيات بألحان وتوقيعات. لعلّ أكثرها قيلت فيما هو محرّم يبغضه الله ورسوله، ويعاقب عليه: من غزل وتشبيب بمن لا يحلّ له من ذكر أو أنثى؟ فإنّ غالب التّغزّل والتّشبيب إنّما هو في
(6/2306)
الصّور المحرّمة. ومن أندر النّادر تغزّل الشّاعر وتشبيبه في امرأته، وأمته وأمّ ولده، مع أنّ هذا واقع لكنّه كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود. فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرّب إلى الله، ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه، بالتذاذه بما هو بغيض إليه، مقيت عنده، يمقت قائله والرّاضي به؟ وتترقّى به الحال حتّى زعم أنّ ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النّافع. وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم؟!. يا لله! إنّ هذا القلب مخسوف به، ممكور به منكوس. لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه، ومطالعة أسراره. فبلاه بقرآن الشّيطان، كما في معجم الطّبرانيّ وغيره- مرفوعا وموقوفا- «إنّ الشّيطان قال: يا ربّ، اجعل لي كتابا. قال: كتابك الوشم. قال: اجعل لي مؤذّنا. قال:
مؤذّنك المزمار. قال: اجعل لي بيتا. قال: بيتك الحمّام.
قال: اجعل لي مصائد. قال: مصائدك النّساء. قال اجعل لي طعاما. قال: طعامك ما لم يذكر عليه اسمي» .
السماع المنهي عنه:
وهو ما يبغضه الله ويكرهه، ويمدح المعرض عنه فهو سماع كلّ ما يضرّ العبد في قلبه ودينه كسماع الباطل كلّه، إلّا إذا تضمّن ردّه وإبطاله والاعتبار به وقصد أن يعلم به حسن ضدّه، وكسماع اللّغو الّذي مدح التّاركين لسماعه والمعرضين عنه بقوله سبحانه: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (القصص/ 55) ، وقوله عزّ وجلّ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (الفرقان/ 72) ، قال محمّد بن الحنفيّة: هو الغناء (ومعنى مرّوا كراما) كما قال الحسن أو غيره:
أكرموا نفوسهم عن سماعه، وقال ابن مسعود- رضي الله عنه-: الغناء ينبت النّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل «1» .
السماع المباح:
لم يتحدّث ابن القيّم عن أمثلة هذا النّوع وقد فصّل الإمام الغزاليّ أنواعه، وذكر منها: غناء الحجيج لأشعار تصف الكعبة والمقام وزمزم وسائر المشاعر لما في ذلك من تهييج الشّوق إلى حجّ بيت الله تعالى، ومنها ما يعتاده النّاس لتحريض النّاس على الغزو، ومنها: السّماع في أوقات السّرور تأكيدا للسّرور وتهييجا له إن كان ذلك السّرور مباحا «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: التأمل- التدبر- التفكر- تلاوة القرآن- الذكر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب] .
__________
(1) مدارج السالكين: (1/ 517- 523) بتصرف.
(2) بتصرف واختصار عن الغزالي، انظر إحياء علوم الدين 2/ 277 279.
(6/2307)
الآيات الواردة في «السماع»
السماع التام وصفا للمولى- عز وجل- (وهو السميع المنزه عن الجارحة والآلة) :
1- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) «1»
2- فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «2»
3- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) «3»
4- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «4»
5- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) «5»
6- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «6»
7- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «7»
8- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) «8»
__________
(1) البقرة: 127 مدنية
(2) البقرة: 137 مدنية
(3) البقرة: 181 مدنية
(4) البقرة: 224- 227 مدنية
(5) البقرة: 244 مدنية
(6) البقرة: 256 مدنية
(7) آل عمران: 34- 37 مدنية
(8) آل عمران: 121 مدنية
(6/2308)
9-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) «1»
10- مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134) »
11-* لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) «3»
12- قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) «4»
13-* وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) «5»
14- وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) «6»
15- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) «7»
16- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) «8»
17- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
(42) «9»
18- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) «10»
19-* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) «11»
20- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) «12»
21- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) «13»
__________
(1) النساء: 58 مدنية
(2) النساء: 134 مدنية
(3) النساء: 148 مدنية
(4) المائدة: 76 مدنية
(5) الأنعام: 13 مكية
(6) الأنعام: 115 مكية
(7) الأعراف: 200 مكية
(8) الأنفال: 17 مدنية
(9) الأنفال: 42 مدنية
(10) الأنفال: 53 مدنية
(11) الأنفال: 61 مدنية
(12) التوبة: 98 مدنية
(13) التوبة: 103 مدنية
(6/2309)
22- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «1»
23-* مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) «2»
24- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) «3»
25- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) «4»
26- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) «5»
27- قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) «6»
28- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) «7»
29- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) «8»
30-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) «9»
31- وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «10»
32- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «11»
33- مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) «12»
__________
(1) يونس: 65 مكية
(2) هود: 24 مكية
(3) يوسف: 34 مكية
(4) ابراهيم: 39 مكية
(5) الإسراء: 1 مكية
(6) الأنبياء: 4 مكية
(7) الحج: 61 مدنية
(8) الحج: 75 مدنية
(9) النور: 21 مدنية
(10) النور: 60 مدنية
(11) الشعراء: 217- 220 مكية
(12) العنكبوت: 5 مكية
(6/2310)
34- وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) «1»
35- ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) «2»
36- قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) «3»
37- وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) «4»
38- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «5»
39- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) «6»
40- فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) «7»
41- رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) «8»
42- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) »
43- قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) «10»
السميع صفة للمولى- عز وجل- وهي بمعنى الإجابة:
44- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) «11»
السماع الناقص صفة للإنسان:
45- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) «12»
__________
(1) العنكبوت: 60 مكية
(2) لقمان: 28 مكية
(3) سبأ: 50 مكية
(4) غافر: 20 مكية
(5) غافر: 56 مكية
(6) فصلت: 36 مكية
(7) الشورى: 11 مكية
(8) الدخان: 6 مكية
(9) الحجرات: 1- 2 مدنية
(10) المجادلة: 1 مدنية
(11) آل عمران: 38 مدنية
(12) الإنسان: 1- 3 مدنية
(6/2311)
السماع بمعنى جارحة الأذن:
46- يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «1»
47- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) «2»
48- وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) «3»
49- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) «4»
50- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46) «5»
51- وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً
(140) «6»
52-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ
__________
(1) البقرة: 20 مدنية
(2) البقرة: 93 مدنية
(3) البقرة: 171 مدنية
(4) آل عمران: 193 مدنية
(5) النساء: 46 مدنية
(6) النساء: 140 مدنية
(6/2312)
فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1»
53- ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «2»
54- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) «3»
55- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) «4»
56- وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) «5»
57- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) «6»
58- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) «7»
59- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «8»
60- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) «9»
61- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) «10»
62- فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) «11»
63- وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) «12»
__________
(1) المائدة: 41- 42 مدنية
(2) المائدة: 108 مدنية
(3) الأنعام: 25 مكية
(4) الأنعام: 46 مكية
(5) الأعراف: 204 مكية
(6) الأنفال: 31 مكية
(7) التوبة: 6 مدنية
(8) التوبة: 47 مدنية
(9) يونس: 31 مكية
(10) يونس: 42 مكية
(11) يوسف: 31 مكية
(12) الإسراء: 36 مكية
(6/2313)
64- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «1»
65-* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60)
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) «2»
66- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) «3»
67- قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (60) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) «4»
68- لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100)
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101)
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) «5»
69- الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «6»
70- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) «7»
71- يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) «8»
72- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «9»
السماع بمعنى الفهم:
73- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى
__________
(1) الأسراء: 47 مكية
(2) مريم: 59- 62 مكية
(3) الأنبياء: 45 مكية
(4) الأنبياء: 59- 61 مكية
(5) الأنبياء: 100- 102 مكية
(6) الزمر: 18 مكية
(7) الأحقاف: 29- 30 مكية
(8) ق: 42 مكية
(9) الجن: 1- 2 مكية
(6/2314)
أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) «1»
74-* أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) »
75- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) «3»
76- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) «4»
77- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) «5»
78- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «6»
79- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «7»
80-* إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) «8»
81- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) «9»
82- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) «10»
83- أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «11»
84- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
__________
(1) البقرة: 7 مدنية
(2) البقرة: 75 مدنية
(3) البقرة: 104 مدنية
(4) البقرة: 181 مدنية
(5) البقرة: 285 مدنية
(6) المائدة: 7 مدنية
(7) المائدة: 83 مدنية
(8) الأنعام: 36 مكية
(9) الأعراف: 100 مكية
(10) الأعراف: 179 مكية
(11) الأعراف: 195- 198 مكية
(6/2315)
وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21)
* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) «1»
85- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) «2»
86- أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) «3»
87- أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108) «4»
88- الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) «5»
89- يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) «6»
90- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) «7»
91- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «8»
__________
(1) الأنفال: 20- 23 مدنية
(2) يونس: 67 مكية
(3) هود: 20 مكية
(4) النحل: 108 مكية
(5) الكهف: 101 مكية
(6) الحج: 73 مدنية
(7) النور: 51 مدنية
(8) النمل: 79- 81 مكية
(6/2316)
الأحاديث الواردة في (السماع)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء- وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء وأرسلت علينا الشّهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا ما حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؟ قال: فانطلق الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن تسمّعوا له. فقالوا: هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً* عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. (الجن/ 1- 2) وأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1) وإنّما أوحي إليه قول الجنّ) * «1» .
2-* (عن أسيد بن حضير- رضي الله عنه- بينما هو ليلة، يقرأ في مربده «2» إذ جالت «3» فرسه فقرأ. ثمّ جالت أخرى. فقرأ ثمّ جالت أيضا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى «4» فقمت إليها، فإذا مثل الظّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السّرج، عرجت في الجوّ حتّى ما أراها. قال: فغدوت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله بينما أنا البارحة من جوف اللّيل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير!) قال: فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير!» فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير» . قال: فانصرفت. وكان يحيى قريبا منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظّلّة فيها أمثال السّرج.
عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها النّاس، ما تستتر منهم» ) * «5» .
3- عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك. وإلّا أغار، فسمع رجلا يقول: الله أكبر. الله أكبر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على الفطرة» ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. أشهد أن لا إله إلّا الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «خرجت من النّار» . فنظروا فإذا هو راعي معزى «6» ) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4921) .
(2) مربده: هو الموضع الذي ييبس فيه التمر.
(3) جالت فرسه: وثبت.
(4) يحيى: أراد ابنه وكان قريبا من الفرس.
(5) مسلم (796) .
(6) معزى هي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة.
(7) مسلم (382) .
(6/2317)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة «1» ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» ) * «2» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء. ثمّ أتى الجمعة فاستمع وأنصت. غفر له ما بينه وبين الجمعة. وزيادة ثلاثة أيّام. ومن مسّ الحصى فقد لغا» ) * «3» .
6-* (عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(القيامة/ 16) قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه، فقال ابن عبّاس: فأنا أحرّكها لكم كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرّكهما وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عبّاس يحرّكهما فحرّك شفتيه، فأنزل الله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
قال: جمعه لك في صدرك وتقرؤه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
قال: فاستمع له وأنصت ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ثمّ إنّ علينا أن تقرأه.
فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما قرأه) * «4» .
7-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ) * «5» .
() الأحاديث الواردة في (السماع) معنى
8-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر:
رجل حضرها يلغو وهو حظّه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله- عزّ وجلّ-: إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا، فهي كفّارة إلى الجمعة الّتي تليها وزيادة ثلاثة أيّام، وذلك بأنّ الله- عزّ وجلّ- يقول مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الأنعام/ 160) » ) * «6» .
9-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله
__________
(1) بدنة: المراد هنا الإبل بالاتفاق لتصريح الأحاديث بذلك. أما اللفظ فيقع على الواحدة من الإبل والبقر والغنم سميت بذلك لعظم بدنها.
(2) البخاري- الفتح 2 (881) . ومسلم (850) . متفق عليه.
(3) مسلم (857) والمراد بمس الحصى أي شيء يشغلك عن الاستماع والإنصات.
(4) البخاري- الفتح 1 (5) واللفظ له 8 (4929) ومسلم (448) .
(5) الترمذي (2656) وقال حديث حسن، ورواه أحمد (4/ 80) من حديث جبير بن مطعم، والسيوطي في الجامع الصغير، وصحح إسناده الشيخ الألباني (6642) .
(6) أبو داود (1113) وحسنه الألباني- انظر صحيح أبي داود (984) .
(6/2318)
عنهما-، قال: قال عمر بن الخطّاب، وهو جالس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله قد بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل عليه آية الرّجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرّجم في كتاب الله. فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، وإنّ الرّجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرّجال والنّساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل أو الاعتراف) * «1» .
() من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (السماع)
1-* (قال الشّعبيّ، فيما يصف به عبد الملك ابن مروان: والله ما علمته إلّا آخذا بثلاث، تاركا لثلاث، آخذا بحسن الحديث إذا حدّث، وبحسن الاستماع إذا حدّث، وبأيسر المؤونة إذا خولف، تاركا لمجاوبة اللّئيم، ومماراة السّفيه، ومنازعة اللّجوج) *» .
2-* (قال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن الحديث، وليعلم النّاس أنّك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول، فاحذر أن تسرع في القول فيما يجب
عنه الرّجوع بالفعل، حتّى يعلم النّاس أنّك على فعل ما لم تقل أقرب منك إلى قول ما لم تفعل) * «3» .
3-* (قالوا: من حسن الأدب أن لا تغالب أحدا على كلامه، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إيّاه، ولا تقتحم عليه فيه ولا تره أنّك تعلمه، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجّتك فحسّن مخرج ذلك عليه، ولا تظهر الظّفر به وتعلّم حسن الاستماع، كما تعلّم حسن الكلام) * «4» .
4-* (قالت الحكماء: رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتّفهّم والإصغاء للمتكلّم) * «5» .
5-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
اعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر. واستنباط الحكم. فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار. فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله. وأعظمهم إيمانا وبصيرة. حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه. حتّى قيل: إنّ مثل حال الصّدّيق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كمثل رجلين دخلا دارا. فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئيّاته. والآخر:
وقعت يده على ما في الدّار ولم ير تفاصيله ولا جزئيّاته.
__________
(1) مسلم (1691) .
(2) انظر العقد الفريد (4/ 55) .
(3) المرجع السابق (2/ 264) الصفحة ذاتها.
(4) انظر العقد الفريد (2/ 264) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة ذاتها.
(6/2319)
لكن علم أنّ فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها. ثمّ خرجا. فسأله عمّا رأى في الدّار؟ فجعل كلّما أخبره بشيء صدّقه، لما عنده من شواهده. وهذه أعلى الدّرجات الصّدّيقيّة. ولا تستبعد أن يمنّ الله المنّان على عبد بمثل هذا الإيمان. فإنّ فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان.
فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة: ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ (البقرة/ 265) . والوابل والطّلّ في جميع الأعمال وآثارها، وموجباتها. وأهل الجنّة سابقون مقرّبون، وأصحاب يمين، وبينهما في درجات التّفضيل ما بينهما. حتّى إنّ شراب أحد النّوعين الصّرف يطيب به شراب النّوع الآخر، ويمزج به مزجا. قال الله تعالى وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (سبأ/ 6) . فكلّ مؤمن يرى هذا. ولكنّ رؤية أهل العلم له لون، ورؤية غيرهم له لون آخر) * «1» .
6-* (قال الله تعالى في آياته المشهودة وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 36- 37) . قال ابن القيّم- رحمه الله-: النّاس ثلاثة: رجل قلبه ميّت. فذلك الّذي لا قلب له. فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقّه.
الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعدّ، لكنّه غير مستمع للآيات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة: إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكنّ قلبه مشغول عنها بغيرها. فهو غائب القلب، ليس حاضرا. فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه.
والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ. تليت عليه الآيات. فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه.
ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه. فهو شاهد القلب. ملق السّمع. فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالآيات المتلوّة والمشهودة.
فالأوّل بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر.
والثّاني بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثّالث بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره وقابله على توسّط من البعد والقرب. فهذا هو الّذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور) * «2» .
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 476- 477) .
(2) المرجع السابق (1/ 477) .
(6/2320)
من فوائد (السماع)
(1) السّماع رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلّمه.
(2) أصل العقل وأساس الإيمان.
(3) تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه عنه.
(4) السّماع حاد يحدو القلوب إلى جوار علّام الغيوب.
(5) محرّك يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدّرجات.
(6) هو دليل يسير بالرّكب في طريق الجنان وداع يدعو القلوب بالمساء والصّباح.
(7) هو طريق التّدبّر وسبيل التّفكّر.
(6/2321)
[حرف الشين]
الشجاعة
الشجاعة لغة:
مصدر شجع فلان أي صار شجاعا وهو مأخوذ من مادّة (ش ج ع) الّتي تدلّ على الجرأة والإقدام، قال ابن فارس: ومن ذلك قولهم الرّجل الشّجاع وهو المقدام، والشّجعة من النّساء: الجريئة، وقال ابن منظور: شجع شجاعة: اشتدّ عند البأس.
والشّجاعة: شدّة القلب في البأس.
ويقال: رجل شجاع وشجاع، وشجاع وأشجع، من قوم شجاع وشجعان، وشجعان. والمرأة شجاعة وشجعة وشجيعة وشجعاء، وقيل: لا توصف به المرأة. وتشجّع فلان: أي تكلّف الشّجاعة. وشجّعته: إذا قلت له أنت شجاع أو قوّيت قلبه. ورجل مشجوع: أي مغلوب بالشّجاعة «1» .
واصطلاحا:
قال الجاحظ: الشّجاعة هي الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
7/ 11/ 26
عند المخاوف مع الاستهانة بالموت «2» .
وقال المناويّ: هي الإقدام الاختياريّ على مخاوف نافعة في غير مبالاة «3» .
وقال ابن حزم- رحمه الله تعالى-: هي بذل النّفس للذّود عن الدّين أو الحريم أو عن الجار المضطهد أو عن المستجير المظلوم، وعمّن هضم ظلما في المال والعرض، وسائر سبل الحقّ سواء قلّ من يعارض أو كثر «4» .
وقال الجرجانيّ: هي هيئة حاصلة للقوّة الغضبيّة، بين التّهوّر والجبن، بها يقدم على أمور ينبغي أن يقدم عليها، كالقتال مع الكفّار ما لم يزيدوا على ضعف المسلمين «5» .
وقيل: هي الصّبر والثّبات والإقدام على الأمور النّافع تحصيلها أو دفعها وتكون في الأفعال والأقوال «6» .
الفرق بين الشجاعة والصبر والكرم:
تلتقي هذه الصّفات في بعض الأحيان ولكنّها
__________
(1) لسان العرب (4/ 2200- 2201) . والصحاح: 3/ 1237- 1238، ومقاييس اللغة (3/ 248) .
(2) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 27) .
(3) التوقيف على مهمات التعاريف (ص 202) .
(4) مداواة النفوس (80) .
(5) التعريفات (125) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (4/ 129) .
(6) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ص 54) .
(6/2322)
تنفصل في أحيان أخرى بحسب السّياق، يقول الكفويّ: الكرم إن كان بمال فهو جود وإن كان بكفّ ضرر مع القدرة فهو عفو، وإن كان ببذل النّفس فهو شجاعة، وقال أيضا: الصّبر في المحاربة شجاعة، وفي إمساك النّفس عن الفضول قناعة، وفي إمساك كلام الضّمير كتمان، وقد لخّص- رحمه الله- العلاقة بين هذه المصطلحات بقوله: إنّ اختلاف الأسامي (المصطلحات) يكون باختلاف المواقع «1» .
منزلة الشجاعة بين الفضائل:
قال الطّرطوشيّ: واعلم أنّ كلّ كريهة ترفع، أو مكرمة تكتسب لا تتحقّق إلّا بالشّجاعة، ألا ترى أنّك إذا هممت أن تمنح شيئا من مالك خار طبعك، ووهن قلبك، وعجزت نفسك، فشححت به، وإذا حقّقت عزمك، وقوّيت نفسك، وقهرت ذلك العجز، أخرجت المال المضنون به، وعلى قدر قوّة القلب وضعفه تكون طيبة النّفس بإخراجه، أو كراهية النّفس لإخراجه مع إخراجه، وعلى هذا النّمط جميع الفضائل، مهما لم تقارنها قوّة نفس لم تتحقّق، وكانت مخدوعة. فالجبان يفرّ عن أمّه وأبيه. والشّجاع يقاتل عمّن لا يثوب به إلى رحله، فبقوّة القلب يصاب امتثال الأوامر والانتهاء عن الزّواجر، وبقوّة القلب يصاب اكتساب الفضائل، وبقوّة القلب ينتهى عن اتّباع الهوى والتّضمّخ بالرّذائل. وبقوّة القلب يصبر الجليس على إيذاء الجليس وجفاء الصّاحب، وبقوّة القلب يكتم الأسرار ويدفع العار، وبقوّة القلب يقتحم الأمور الصّعاب، وبقوّة القلب يتحمّل أثقال المكاره، وبقوّة القلب يصبر على أخلاق الرّجال، وبقوّة القلب تنفّذ كلّ عزيمة أوجبها الحزم والعدل.
وليس الصّبر والشّجاعة وقوّة النّفس أن تكون مصرّا في المحال «2» لجوجا في الباطل، ولا أن تكون جلدا عند الضّرب، صبورا على التّعب، مصمّما على التّغرير والتّهوّر؛ فإنّ هذه صفة الحمير والخنازير، ولكن أن تكون صبورا على أداء الحقوق عليك، صبورا على سماعها وإلقائها إليك، غالبا لهواك، مالكا لشهواتك، ملتزما للفضائل بجهدك، عاملا في ذلك على الحقيقة الّتي لا يحيلك عنها حياة ولا موت، حتّى يكون عندك موتك على الخير الّذي أشار به العلم وأوجبه العدل، خيرا من البقاء على ما أوجب رفض العلم والعدل «3» .
وقال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى-: اعلم أنّ الشّجاعة عماد الفضائل، ومن فقدها لم تكمل فيه فضيلة يعبّر عنها بالصّبر وقوّة النّفس. قال الحكماء:
وأصل الخير كلّه في ثبات القلب، والشّجاعة عند اللّقاء على ثلاثة أوجه: الوجه الأوّل إذا التقى الجمعان، وتزاحف العسكران وتكالحت الأحداق بالأحداق، برز من الصّفّ إلى وسط المعترك يحمل ويكرّ وينادي هل من مبارز، والثّاني إذا نشب القوم واختلطوا، ولم يدر أحد منهم من أين يأتيه الموت، يكون رابط الجأش،
__________
(1) الكليات للكفوي (53، 65) .
(2) المحال: الجدال
(3) سراج الملوك للطّرطوشي (2/ 668- 670) بتصرف يسير.
(6/2323)
ساكن القلب، حاضر اللّبّ، لم يخالطه الدّهش، ولا تأخذه الحيرة، فيتقلّب تقلّب المالك الأموره، القائم على نفسه. والثّالث إذا انهزم أصحابه يلزم السّاقة، ويضرب في وجوه القوم، ويحول بينهم وبين عدوّهم، ويقوّي قلوب أصحابه، ويزجي الضّعيف، ويمدّهم بالكلام الجميل، ويشجّع نفوسهم، فمن وقع أقامه، ومن وقف حمله، ومن كبا به فرسه حماه حتّى ييأس العدوّ منهم. وهذا أحمدهم شجاعة، وعن هذا قالوا:
إنّ المقاتل من وراء الفارّين كالمستغفر من وراء الغافلين، ومن أكرم الكرم الدّفاع عن الحرم «1» .
أصل الشجاعة وعوامل تقويتها:
يقول الرّاغب: الشّجاعة إن اعتبرت وهي في النّفس، فصرامة القلب على الأهوال، وربط الجأش في المخاوف، وإن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة، وهي فضيلة بين التّهوّر والجبن، وهي تتولّد من الفزع والغضب إذا كانا متوسّطين؛ فإنّ الغضب قد يكون مفرطا كمن يحتدّ سريعا من أشياء صغيرة، وقد يكون مقصّرا كمن لا يغضب من الاجتراء على حرمه وشتم أبيه وأمّه، وقد يكون متوسّطا على ما يجب في وقت ما يجب، وبقدر ما يجب، وكذلك الفزع قد يكون مفرطا فيتولّد منه الجبن الهالع، ومقصّرا فيتولّد عنه الوقاحة والغمارة كمن لا يفزع من شتم آبائه وتضييع حرمه وأصدقائه، وقد يكون متوسّطا كما يجب وبقدر ما يجب ولكونهما أعني الغضب والفزع على حالين محمود ومذموم صارا يحمدان تارة ويذمّان أخرى؛ فإنّ الغضب في نحو قوله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ والفزع في نحو قول الشّاعر فزعت لظلمة ... إلخ ... محمودان، والتّهوّر هو الثّبات المذموم في الأمور المعطبة «2» .
وأصلها في القلب بثبوته وقوّته وسكونه عند المهمّات والمخاوف، وهي خلق نفسيّ، ولكن لها موادّ تمدّها، فأعظم ما يمدّه وينمّيه: الإيمان، وقوّة التّوكّل على الله، وكمال الثّقة به سبحانه، وعلم العبد أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويمدّه أيضا الإكثار من ذكر الله والثّناء عليه. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأنفال/ 45) . ومن أسباب تقوية هذا الخلق الفاضل أيضا التّمرين؛ فإنّ الشّجاعة، وإن كان أصلها في القلب؛ فإنّها تحتاج إلى تدريب النّفس على الإقدام وعلى التّكلّم بما في النّفس، بإلقاء المقالات والخطب في المحافل، فمن مرّن نفسه على ذلك، لم يزل به الأمر حتّى يكون ملكة له، كذلك يدرّب نفسه على مقارعة الأعداء ولقائهم والجسارة في ميادين القتال فيقوى بذلك قلبه ونفسه، فلا يزال به الأمر حتّى لا يبالي بلقاء الأعداء ولا تزعجه المخاوف. والإخلاص لله وعدم مراعاة الخلق سبب بالغ في تقوية ذلك؛ فإنّ المخلص الّذي لا يريد إلّا وجه الله وثوابه لا يبالي بلوم اللّائمين، إذا كان في ذلك رضا لربّ العالمين. فمتى قوي إيمان العبد بالله
__________
(1) المستطرف (1/ 310) .
(2) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص 328) .
(6/2324)
وبقضائه وقدره، وقوي يقينه بالثّواب والعقاب وتمّ توكّله على الله وثقته بكفاية الله، وعلم أنّ الخلق لا يضرّون ولا ينفعون وأنّ نواصيهم بيد الله، وعلم الآثار الجليلة النّاشئة عن الشّجاعة، قوي قلبه واطمأنّ فؤاده، وأقدم على كلّ قول وفعل ينفع الإقدام عليه.
ولا بدّ لمن كانت هذه حاله أن يمدّها الله بمدد من عنده لا يدركه بحوله ولا قوّته. وكمال زينة هذا الخلق النّبيل: أن يكون موافقا للحكمة؛ فإنّه إذا زاد عن حدّ الحكمة خشي أن يكون تهوّرا وسفها وإلقاء باليد إلى التّهلكة، وذلك مذموم، كما يذمّ الجبن والخور.
فالشّجاعة المحمودة تتوسّط خلقين مذمومين، وهما الجبن والتّهوّر، وتكون محمودة، إذا كان المقصود بها نصر الحقّ وردّ الباطل وتحصيل المنافع العامّة والمصالح المشتركة «1» .
أنواع الشجاعة
قال الرّاغب: أنواع الشّجاعة خمسة:
1- سعيّة كمن أقدم لثوران غضب وتطلّب غلبة.
2- وبهيميّة كمن حارب توصّلا إلى مأكل أو منكح.
3- وتجريبيّة كمن حارب مرارا فظفر. فجعل ذلك أصلا يبني عليه.
4- وجهاديّة كمن يحارب ذبّا عن الدين.
5- وحكميّة وهي ما تكون في كلّ ذلك عن فكر وتمييز وهيئة محمودة بقدر ما يجب وعلى ما يجب، ألا ترى أنّه يحمد من أقدم على كافر غضبا لدين الله أو طمعا في ثوابه أو خوفا من عقابه أو اعتمادا على ما رأى من إنجاز وعد الله في نصرة أوليائه، فإنّ كلّ ذلك محمود وإن كان محض الشّجاعة هو أن لا يقصد بالإقدام حوز ثواب أو دفع عقاب.
والفرق بين المقدم في الحرب لمحض الحكمة وإخلاص الدّين، وبين المقدم لغير ذلك هو أنّ المقدم لغير الحكمة والإخلاص يخاف الموت أكثر ممّا يخاف المذمّة الصّادقة والمقدم للحكمة والإخلاص بالضّدّ من ذلك؛ فإنّه يختار الموت الحميد على الحياة الذّميمة، ولذلك قال عليّ- رضي الله تعالى عنه-: (أيّها النّاس إنّكم إن لم تقتلوا تموتوا والّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون من ميتة على فراش) .
ومن الشّجاعة المحمودة مجاهدة الإنسان نفسه أو غيره، وكلّ واحد منهما ضربان: مجاهدة النّفس بالقول: وذلك بالتّعلّم. وبالفعل: وذلك بقمع الشّهوة، وتهذيب الحميّة. ومجاهدة الغير بالقول. وذلك تزيين الحقّ وتعليمه، وبالفعل وذلك مدافعة الباطل ومتعاطيه بالحرب «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الثبات- الرجولة جهاد الأعداء- القوة- قوة الإرادة- العزم والعزيمة- النبل- علو الهمة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجبن- التخاذل التهاون- التولى- التخلف عن الجهاد- صغر الهمة- الضعف- الوهن] .
__________
(1) بتصرف شديد من الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (54- 60) .
(2) الذريعة إلى مكارم الشريعة (328- 329) .
(6/2325)
الآيات الواردة في «الشجاعة» معنى
1- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) «1»
2- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) «2»
3- وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) «5»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «6»
7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «7»
انظر الآيات الواردة في: الثبات- جهاد الأعداء- والصبر والمصابرة
__________
(1) آل عمران: 139 مدنية
(2) آل عمران: 146 مدنية
(3) النساء: 104 مدنية
(4) الأنفال: 15 مدنية
(5) الأنفال: 45 مدنية
(6) التوبة: 123 مدنية
(7) التحريم: 9 مدنية
(6/2326)
الأحاديث الواردة في (الشجاعة)
1-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأشجع النّاس وأجود النّاس، ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرس، وقال: «وجدناه بحرا «1» » ) * «2» .
() الأحاديث الواردة في (الشجاعة) معنى
2-* (عن يسير بن جابر- رضي الله عنه- قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة. فجاء رجل ليس له هجّيرى «3» إلّا: يا عبد الله بن مسعود جاءت السّاعة.
قال فقعد وكان متّكئا. فقال: إنّ السّاعة لا تقوم، حتّى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة. ثمّ قال بيده هكذا (ونحّاها نحو الشّام) فقال: عدوّ يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الرّوم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردّة شديدة «4» فيشترط «5» المسلمون شرطة «6» للموت لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون حتّى يحجز بينهم اللّيل.
فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة.
ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون. حتّى يحجز بينهم اللّيل. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة.
فيقتتلون حتّى يمسوا. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. فإذا كان يوم الرّابع، نهد»
إليهم بقيّة أهل الإسلام. فيجعل الله الدّبرة عليهم «8» .
فيقتلون مقتلة- إمّا قال: لا يرى مثلها، وإمّا قال: لم ير مثلها- حتّى إنّ الطّائر ليمرّ بجنباتهم «9» فما يخلّفهم حتّى يخرّ ميتا. فيتعادّ بنو الأب «10» كانوا مائة. فلا يجدونه بقي منهم إلّا الرّجل الواحد. فبأيّ غنيمة يفرح؟ أو أيّ ميراث يقاسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس، هو أكبر من ذلك. فجاءهم الصّريخ؛ إنّ الدّجّال قد خلفهم في ذراريّهم. فيرفضون «11» ما في أيديهم. ويقبلون. فيبعثون عشرة فوارس طليعة: قال
__________
(1) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس سريع العدو.
(2) البخاري- الفتح 6 (2820) واللفظ له. ومسلم (2307) .
(3) ليس له هجيري: أي شأنه ودأبه ذلك. والهجيرى بمعنى الهجير.
(4) ردة شديدة: أي عطفة قوية.
(5) فيشترط: ضبطوه بوجهين: أحدهما فيشترط، والآخر فيتشرط.
(6) شرطة: طائفة من الجيش تقدم للقتال.
(7) نهد: أي نهض وتقدم.
(8) فيجعل الله الدبرة عليهم: أي الهزيمة. ورواه بعض رواة مسلم: الدائرة، وهو بمعنى الدبرة. وقال الأزهري: الدائرة هي الدولة تدور على الأعداء. وقيل: هي الحادثة.
(9) بجنباتهم: أي نواحيهم. وحكى القاضي عن بعض رواتهم: بجثمانهم، أي شخوصهم
(10) فيتعاد بنو الأب: في النهاية: أي يعد بعضهم بعضا.
(11) فيرفضون: قال ابن فارس: الراء والفاء والضاد أصل واحد، وهو الترك.
(6/2327)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم. هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ. أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ» ) * «1» .
3-* (قال أنس- رضي الله عنه- إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ سيفا يوم أحد فقال: «من يأخذ منّي هذا؟» . فبسطوا أيديهم، كلّ إنسان منهم يقول: أنا. أنا.
قال: «فمن يأخذه بحقّه؟» . قال: فأحجم القوم. فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقّه. قال:
فأخذه ففلق به هام المشركين) * «2» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان.
قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة، فقال: إيّانا تريد يا رسول الله! والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «3» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد «4» لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش ... الحديث) * «5» .
5-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال:
فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جبا الرّكيّة «6» ، فإمّا دعا وإمّا بسق فيها «7» . قال: فجاشت «8» . فسقينا واستقينا. قال:
ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة، قال: فبايعته أوّل النّاس. ثمّ بايع وبايع. حتّى إذا كان في وسط من النّاس قال: «بايع. يا سلمة» . قال قلت:
قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس. قال: «وأيضا» .
قال: ورآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزلا «9» (يعني ليس معه سلاح) . قال: فأعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجفة أو درقة «10» ، ثمّ بايع. حتّى إذا كان في آخر النّاس قال:
«ألا تبايعني يا سلمة؟» . قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال:
«وأيضا» . قال: فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» . قال قلت:
يا رسول الله لقيني عمّي عامر عزلا. فأعطيته إيّاها.
__________
(1) مسلم (2899) .
(2) مسلم (2470) . وفلق به هام المشركين أي شقّ رؤوسهم.
(3) لأخضناها: يعني بذلك الخيول، والمعنى: لو أمرتنا أن نخوض بها في البحر لخضنا.
(4) برك الغماد: هو موضع من وراء مكة بناحية الساحل. ونضرب أكبادها: أي نركضها ونحثها على السير وهي كناية.
(5) مسلم (1779) .
(6) جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركى، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
(7) بسق فيها: هكذا هي في جميع النسخ «بسق» وهي صحيحة. يقال: بزق، وبصق، وبسق ثلاث لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال.
(8) فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
(9) عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والآخر ضمهما. وقد فسره بأنه الذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
(10) حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.
(6/2328)
قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «1» : اللهمّ أبغني «2» حبيبا، هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «3» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسّه «4» ، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «5» فاضطجعت في أصلها. قال:
فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي:
يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «6» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود.
فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «7» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «8» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. على فرس مجفّف «9» . في سبعين من المشركين.
فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «10» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة:
فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة.
فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «11» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة.
__________
(1) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي إنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(2) أبغني: أي أعطني.
(3) راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(4) وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(5) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(6) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(7) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة.
(8) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات: العبلات من قريش، يقال لهم أميّة الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. ترده إلى الواحد.
(9) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(10) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(11) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(6/2329)
أندّيه «1» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه
طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «2» .
حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال: قلت:
خذها:
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «3» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة.
قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «4» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن. قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا، البرح «5» . والله ما فارقنا منذ غلس «6» . يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة.
قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا:
لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته.
ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ.
وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني
__________
(1) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(2) فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(3) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(4) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها. واحده إرم كعنب وأعناب.
(5) البرح: أي الشدة.
(6) منذ غلس: أي منذ الظلام.
(6/2330)
وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن.
قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله.
وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولا غبارهم شيئا.
حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء.
يقال له ذا قرد. ليشربوا منه، وهم عطاش. قال:
فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه»
(يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «2» كتفه. قال قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «3» . قال قلت:
نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة «4» من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ تلك الإبل. وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّتي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال:
فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلا؟» . قلت:
نعم، والّذي أكرمك. فقال: «إنّهم الآن ليقرون في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان، فقال:
نحر لهم فلان جزورا، فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا.
فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة.
وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراءه على العضباء.
راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك.
قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث.
(2) نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمى بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا.
(3) قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف؛ لأنها من الظروف المتمكنة.
(4) المذقة: الشّربة من اللبن الممذوق أي المختلط.
(6/2331)
قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمّي ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إن شئت» . قال: قلت: اذهب إليك.
وثنيت رجليّ فطفرت «1» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «2» ثمّ عدوت في إثره.
فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «3» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت والله! قال: أنا أظنّ «4» قال: فسبقته إلى المدينة قال:
فو الله ما لبثنا إلّا ثلاث ليال حتّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فجعل عمّي «5» عامر يرتجز بالقوم:
تا لله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبّت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» . قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربّك» . قال: وما استغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان يخصّه إلّا استشهد. قال:
فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبيّ الله لولا ما متّعتنا بعامر. قال: فلمّا قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه «6» ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح «7» بطل مجرّب «8»
إذا الحروب أقبلت تلهّب
قال: وبرز له عمّي عامر، فقال:
قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السّلاح بطل مغامر «9»
قال: فاختلفا ضربتين: فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له «10» . فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة:
فخرجت فإذا نفر من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقولون:
بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) فطفرت: أي وثبت وقفزت
(2) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر
(3) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(4) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(5) فجعل عمي: هكذا قال هنا: عمي. وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي. فلعله كان أخاه من الرضاعة. وكان عمه من النسب.
(6) يخطر بسيفه: أي يرفعه مرة ويضعه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه أخرى.
(7) شاكي السلاح: أي تام السلاح. يقال: شاكي السلاح، وشاك السلاح، وشاك في السلاح، من الشوكة وهي القوة. والشوكة أيضا السلاح. ومنه قوله تعالى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ.
(8) بطل مجرب: أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا.
(9) بطل مغامر: أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي بنفسه فيها.
(10) يسفل له: أي يضربه من أسفله.
(6/2332)
وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال ذلك؟» . قال قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال ذلك. بل له أجره مرّتين» . ثمّ أرسلني إلى عليّ، وهو أرمد. فقال:
«لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله، أو يحبّه الله ورسوله» . قال: فأتيت عليّا فجئت به أقوده، وهو أرمد. حتّى أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبسق في عينيه فبرأ. وأعطاه الرّاية. وخرج مرحب. فقال:
قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فقال عليّ:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره «1» ... كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصّاع كيل السّندره «2»
قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه» ) * «3» .
6-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يحبّهم الله- عزّ وجلّ- وثلاثة يبغضهم الله- عزّ وجلّ-. أمّا الّذين يحبّهم الله- عزّ وجلّ-: فرجل أتى قوما فسألهم بالله- عزّ وجلّ- ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلّفه رجل بأعقابهم، فأعطاه سرّا، لا يعلم بعطيّته إلّا الله- عزّ وجلّ- والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا، فوضعوا رؤوسهم، فقام يتملّقني، ويتلو آياتي، ورجل كانوا في سريّة فلقوا العدوّ فهزموا، فأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح الله له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله- عزّ وجلّ-: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «4» .
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: ندب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّاس يوم الخندق، فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم «5» فانتدب الزّبير. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيّ حواريّا «6» وحواريّ الزّبير» ) * «7» .
__________
(1) أنا الذي سمتني أمي حيدرة: حيدرة اسم للأسد. وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول ولادته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذكره علي- رضي الله عنه- بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. وسمي الأسد حيدرة لغلظه. والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته.
(2) أوفيهم بالصاع كيل السندرة: معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع. وقيل: هي العجلة. أي أقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي.
(3) مسلم (1807) .
(4) النسائي (5/ 84) واللفظ له. والترمذي (2568) وقال: هذا حديث صحيح. والحاكم (1/ 416- 417) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ذكره في المشكاة (1922) . وقال مخرج جامع الأصول: حديث حسن (9/ 564) .
(5) ندبهم: أي دعاهم للجهاد وحرض عليه فأجابه الزبير.
(6) الحواري: الناصر.
(7) البخاري- الفتح 6 (2997) واللفظ له. ومسلم (2415) .
(6/2333)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشجاعة)
8-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال لرجل قال له: أكنتم ولّيتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ما ولّى ولكنّه انطلق أخفّاء من النّاس، وحسّر إلى هذا الحيّ من هوازن، وهم قوم رماة. فرموهم برشق من نبل. كأنّها رجل من جراد. فانكشفوا. فأقبل القوم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته. فنزل ودعا واستنصر، وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب. أنا ابن عبد المطّلب. اللهمّ نزّل نصرك» . قال البراء: كنّا والله إذا احمرّ البأس نتّقي به. وإنّ الشّجاع منّا للّذي يحاذي به- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
9-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: لمّا جال النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الجولة يوم أحد، تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أن أستشهد، وإمّا أن أنجو حتّى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمّر وجهه ما أدري من هو، فأقبل المشركون حتّى قلت: قد ركبوه، ملأ يده من الحصى، ثمّ رمى به في وجوههم، فنكبوا على أعقابهم القهقرى حتّى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مرارا، ولا أدري من هو، وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه، إذ قال المقداد: يا سعد هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك، فقلت: وأين هو؟ فأشار لي المقداد إليه، فقمت ولكأنّه لم يصبني شيء من الأذى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين كنت اليوم يا سعد؟» . فقلت: حيث رأيت يا رسول الله! فأجلسني أمامه فجعلت أرمي، وأقول: اللهمّ سهمك فارم به عدوّك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها «2» سعد» . فداك أبي وأمّي، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ سدّد رميته وأجب دعوته، إيها سعد» حتّى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا) * «3» .
قال الزّهريّ: إنّ السّهام الّتي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم «4» .
10-* (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين.
فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نفارقه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكفّار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4317) . ومسلم (1776) واللفظ له.
(2) إيه: اسم فعل للاستزادة من حديث أو عمل معهود، فإذا نونتها كانت للاستزادة من حديث أو عمل ما، وتكون للإسكات والكف بمعني حسبك وتنون منصوبة فتقول: إيها لا تحدث.
(3) السهم النضي: هو الذي قد ركب عليه الريش وكان أشد من غيره.
(4) الحاكم (3/ 26) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6/2334)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركض بغلته قبل الكفّار. قال عبّاس:
وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أكفّها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي عبّاس! ناد أصحاب السّمرة» فقال عبّاس: (وكان رجلا صيّتا) فقلت بأعلى صوتي:
أين أصحاب السّمرة «1» ؟ قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا:
يا لبّيك يا لبّيك. قال: فاقتتلوا والكفّار. والدّعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار.
قال: ثمّ قصرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا حين حمي الوطيس «2» » قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات، فرمى بهنّ وجوه الكفّار. ثمّ قال:
«انهزموا، وربّ محمّد» . قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله! ما هو إلّا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلا «3» وأمرهم مدبرا) * «4» .
11-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل نجد، فأدركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في واد كثير العضاه «5» . فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة، فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرّق النّاس في الوادي يستظلّون بالشّجر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّ رجلا أتاني وأنا نائم. فأخذ السّيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي. فلم أشعر إلّا والسّيف صلتا «6» في يده. فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلت: الله.
ثمّ قال في الثّانية: من يمنعك منّي؟ قال: قلت: الله.
قال: فشام السّيف «7» فها هو ذا جالس» ثمّ لم يعرض له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) *» .
__________
(1) أصحاب السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه نادهم.
(2) هذا حين حمى الوطيس: قيل الوطيس هو التنور المسجور. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(3) فما زلت أرى حدهم كليلا: أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
(4) البخاري- الفتح 6 (2930) برواية البراء. ومسلم (1775) واللفظ له.
(5) العضاه: هي كل شجرة ذات شوك.
(6) صلتا: بفتح الصاد وضمها: أي مسلولا.
(7) فشام السيف: ردّه في غمده. يقال: شام السيف إذا سله وإذا أغمده، فهو من الأضداد. والمراد هنا غمده.
(8) مسلم (843) .
(6/2335)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشجاعة)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«إنّ الشّجاعة والجبن غرائز في الرّجال، تجد الرّجل يقاتل لا يبالي ألّا يؤوب إلى أهله، وتجد الرّجل يفرّ عن أبيه وأمّه، وتجد الرّجل يقاتل ابتغاء وجه الله فذلك الشّهيد» ) * «1» .
2-* (قيل لعليّ- رضي الله عنه-: «إذا جالت الخيل، فأين نطلبك؟ قال: حيث تركتموني» ) * «2» .
3-* (قال الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- «كان أوّل من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عبد الله بن مسعود. قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجل يسمعهموه؟. قال عبد الله ابن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك. إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال:
دعوني فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضّحى وقريش في أنديتها فقام عند المقام ثمّ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رافعا صوته الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ قال: ثمّ استقبلها يقرأ فيها قال: وتأمّلوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أمّ عبد؟ قال: ثمّ قالوا إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمّد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثمّ انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا في وجهه، فقالوا: هذا الّذي خشينا عليك، قال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها. قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون) * «3» .
4-* (قال طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه- «لمّا كان يوم أحد ارتجزت بهذا الشّعر:
نحن حماة غالب ومالك ... نذبّ عن رسولنا المبارك
نضرب عنه اليوم في المعارك ... ضرب صفاح الكوم «4» في المبارك
فلمّا انصرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، قال لحسّان:
«قل في طلحة» . فأنشأ حسّان، وقال:
طلحة يوم الشّعب آسى محمّدا ... على سالك ضاقت عليه وشّقت
يقيه بكفّيه الرّماح وأسلمت ... أشاجعه تحت السّيوف فشلّت
وكان أمام النّاس إلّا محمّدا ... أقام رحى الإسلام حتّى استقلّت «5»
__________
(1) صفوة الأخبار (88) .
(2) المستطرف (1/ 316) .
(3) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 838837) . وسيرة ابن هشام (1/ 314) وذكره ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 256) .
(4) الكوم: الضراب وأصله من الارتفاع والعلوّ.
(5) الحاكم (3/ 25)
(6/2336)
5-* (وقال موسى بن طلحة: «إنّ طلحة رجع بسبع وثلاثين أو خمس وثلاثين بين ضربة وطعنة ورمية، ترصّع جبينه وقطعت سبّابته وشلّت الإصبع الّتي تليها» ) * «1» .
6-* (قال سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه-: «كان حمزة بن عبد المطّلب يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويقول: «أنا أسد الله» ) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة منهم خبيب الأنصاريّ، فأخبرني عبيد الله بن عياض أنّ ابنة الحارث أخبرته أنّهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدّ بها، فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خبيب الأنصاريّ:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ شقّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع
فقتله ابن الحارث، فأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا) * «3» .
8-* (قال معاذ بن عمرو- رضي الله عنه-:
جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني. فلمّا أمكنني حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، وبقيت معلّقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامّة يومي وإنّي لأسحبها خلفي. فلمّا آذتني، وضعت قدمي عليها ثمّ تمطّأت عليها حتّى طرحتها» قال الذّهبيّ بعد هذه القصّة: «هذه والله الشّجاعة لا كآخر من خدش بسهم ينقطع قلبه وتخور قواه «4» ) * «5» .
9-* (عن رجل من أسلم أنّه قال: «إنّ أبا جهل اعترض لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الصّفا فاذاه وشتمه، وقال فيه ما يكره من العيب لدينه والتّضعيف له، فلم يكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومولاة لعبد الله بن جدعان «6» التّيميّ في مسكن لها فوق الصّفا تسمع ذلك، ثمّ انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطّلب أن أقبل متوشّحا قوسه راجعا عن قنص له، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على نادي قريش وأشدّها شكيمة، وكان يومئذ مشركا على دين قومه، فجاءته المولاة، وقد قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليرجع إلى بيته، فقالت له: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمّد من أبي الحكم آنفا، وجده هاهنا فاذاه وشتمه وبلغ ما يكره، ثمّ انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم ولم يكلّم محمّدا فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته- فخرج سريعا لا يقف على
__________
(1) الحاكم (3/ 25- 26) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
(2) الحاكم (3/ 194) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه في التلخيص.
(3) البخاري- الفتح 13 (7402) .
(4) تخور قواه: تضعف قواه.
(5) سير أعلام النبلاء (1/ 250- 251) .
(6) عبد الله بن جدعان التّيمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوة. (الأعلام 4/ 76) .
(6/2337)
أحد كما كان يصنع يريد الطّواف بالبيت متعمّدا لأبي جهل أن يقع به، فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم، فأقبل نحوه حتّى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة مملوءة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلّا صبأت فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي ذلك منه. أنا أشهد أنّه رسول الله وأنّ الّذي يقول حقّ، فو الله لا أنزع. فامنعوني إن كنتم صادقين. فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة لقد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا، ومرّ حمزة على إسلامه وتابع يخفّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أسلم حمزة علمت قريش أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد عزّ وامتنع، وأنّ حمزة سيمنعه فكفّوا عن بعض ما كانوا يتناولونه وينالون منه، فقال في ذلك سعد حين ضرب أبا جهل فذكر رجزا غير مستقر أوّله: «ذق أبا جهل بما غشيت» . قال:
ثمّ رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشّيطان، فقال: أنت سيّد قريش اتّبعت هذا الصّابأ وتركت دين آبائك، للموت خير لك ممّا صنعت، فأقبل على حمزة شبه، فقال: ما صنعت؟ اللهمّ إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلّا فاجعل لي ممّا وقعت فيه مخرجا، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشّيطان، حتّى أصبح فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ابن أخي إنّي وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غيّ شديد؟ فحدّثني حديثا فقد استشهيت يا ابن أخي أن تحدّثني، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فألقى الله في نفسه الإيمان، كما قال رسول الله، فقال: «أشهد إنّك لصادق شهادة المصدّق والعارف، فأظهر يا ابن أخي دينك، فهو الله ما أحبّ أنّ لي ما ألمعت الشّمس، وأنّي على ديني الأوّل. قال: فكان حمزة ممّن أعزّ الله به الدّين» ) * «1» .
10-* (قيل لعبد الملك: من أشجع العرب في شعره؟ فقال: «عبّاس بن مرداس حين يقول:
أشدّ على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها
وهذا أشجع بيت قالته العرب» ) * «2» .
11-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-:
«كان موالي بلال يضربونه على بطنه ويعصرونه ويقولون: دينك الّلات والعزّى، فيقول: ربّي الله.
أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها.
فمرّ أبو بكر بهم، فقالوا اشتر أخاك في دينك، فاشتراه بأربعين أوقيّة، فأعتقه، فقالوا: لو أبى إلّا أوقيّة لبعناه، فقال- وأقسم بالله-: لو أبيتم إلّا بكذا وكذا بشيء كثير لاشتريته» ) * «3» .
12-* (قال الحافظ ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى- في ترجمة البراء بن مالك- رضي الله عنه- «كان من الأبطال الأشدّاء قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه» . وقال- رحمه الله تعالى-:
«زحف المسلمون إلى المشركين في اليمامة حتّى
__________
(1) الحاكم في المستدرك (3/ 192- 193) .
(2) صفوة الأخبار ومنتقى الآثار (83) .
(3) سير أعلام النبلاء (1/ 352) .
(6/2338)
ألجأوهم إلى الحديقة، وفيها عدوّ الله مسيلمة، فقال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتّى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم حتّى فتح على المسلمين، ودخل عليهم المسلمون ووقع به يومها بضع وثمانون جراحة من بين رمية بسهم وضربة فحمل إلى رحله يداوى» ) * «1» .
13-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتنافون بالجبن والبخل، ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله من يقوم بذلك فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التوبة/ 38- 39) ، وكذلك من تولّى عنه بترك الإنفاق توعّده كما في آخر سورة (محمّد) صلّى الله عليه وسلّم» . ثمّ قال- رحمه الله تعالى-: «وبالشّجاعة والكرم في سبيل الله فضّل الله السّابقين فقال تعالى:
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (الحديد/ 10) . وقد ذكر الله عزّ وجلّ- الجهاد بالنّفس والمال في سبيله ومدحه في غير آية من كتابه، وذلك هو الشّجاعة والسّماحة في طاعته سبحانه وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
14-* (قال الذّهبيّ- رحمه الله تعالى- في ترجمة حمزة بن عبد المطّلب- رضي الله عنه-: «الإمام البطل الضّرغام أسد الله أبو عمارة» ) * «3» .
15-* (وقال في ترجمة خالد بن الوليد- رضي الله عنه-: «سيف الله وفارس الإسلام، وليث المشاهد السّيّد الإمام الأمير الكبير قائد المجاهدين، تأمّر على المسلمين يوم مؤتة بعد استشهاد الأمراء وأخذ الرّاية، وحمل على العدوّ. فكان النّصر، وسمّاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: سيف الله، وشهد الفتح وحنينا، وحارب أهل الرّدّة ومسيلمة، وغزا العراق وشهد حروب الشّام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلّا وعليه طابع الشّهداء» ثمّ ذكر حادثة له وقال بعدها «هذه والله الكرامة، وهذه الشّجاعة» ) * «4» .
16-* (قال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى- عن هذا أيضا: «من الأبطال (الشّجعان) سيف الله وسيف رسوله صلّى الله عليه وسلّم بطل مذكور وفارس مشهور في الجاهليّة والإسلام» ) * «5» .
17-* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- وهو يعدّد الأبطال الشّجعان منهم عليّ بن أبي طالب آية
__________
(1) الاستيعاب (1/ 137- 139) على حاشية الإصابة.
(2) باختصار من الاستقامة (2/ 263- 270) .
(3) السير (1/ 172) .
(4) انظر ترجمته في السير (1/ 366- 384)
(5) المستطرف (1/ 316) .
(6/2339)
من آيات الله، ومعجزة من معجزات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤيّد بالتأييد الإلهي، مثبّت قواعد الإسلام ومرسيها، وهو المتقدّم على ذوي الشّجاعة كلّهم بلا مرية ولا خلاف، وكان يقول: والّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من موتة على فراش، وقال بعض العرب ما لقينا كتيبة فيها عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلّا أوصى بعضنا على بعض» ) * «1» .
18-* (وقال: «قهر ألب آرسلان ملك التّرك ملك الرّوم وقمعه، وقتل رجاله، وأباد جمعه وكانت الرّوم قد جمعت جيوشا يقلّ أن يجمع لغيرهم من بعدهم مثلها، وكان قد بلغ عددهم ستّمائة ألف مقاتل، كتائب متواصلة، وعساكر مترادفة، وكراديس يتلو بعضها بعضا، لا يدركهم الطّرف، ولا يحصيهم العدد، وقد استعدّوا من الكراع، والسّلاح، والمجانيق، والآلات المعدّة للحروب وفتح الحصون بما لا يحصى. وكانوا قد قسّموا بلاد المسلمين: الشّام، والعراق، ومصر، وخراسان، وديار بكر. ولم يشكّوا أنّ الدّولة قد دارت لهم. وأنّ نجوم السّعود قد خدمتهم. ثمّ استقبلوا بلاد المسلمين فتواترت أخبارهم إلى بلاد المسلمين، واضطربت لها ممالك أهل الإسلام. فاحتشد للقائهم الملك ألب آرسلان وهو الّذي يسمّى الملك العادل، وجمع جموعه بمدينة أصبهان، واستعدّ بما قدر عليه، ثمّ خرج يؤمّهم فلم يزل العسكران يتدانيان إلى أن عادت طلائع المسلمين إلى المسلمين. وقالوا لأب آرسلان: غدا يتراءى الجمعان، فبات المسلمون ليلة الجمعة، والرّوم في عدد لا يحصيهم إلّا الله الّذي خلقهم، وما المسلمون فيهم إلّا أكلة جائع، فبقي المسلمون وجلين لما دهمهم، فلمّا أصبحوا صباح يوم الجمعة نظر بعضهم إلى بعض، فهال المسلمين ما رأوا من كثرة العدوّ، فأمر ألب آرسلان أن يعدّ المسلمون، فبلغوا اثني عشر ألفا، فكانوا كالشّامة البيضاء في الثّور الأسود. فجمع ذوي الرّأي من أهل الحرب والتّدبير، والشّفقة على المسلمين، والنّظر في العواقب، واستشارهم في استخلاص أصوب الرّأي فتشاوروا برهة، ثمّ اجتمع رأيهم على اللّقاء. فتوادع القوم، وتحاللوا، وناصحوا الإسلام وأهله، وتأهّبوا أهبة اللّقاء. وقالوا لألب آرسلان: باسم الله نحمل عليهم. فقال ألب آرسلان:
يا معشر أهل الإسلام أمهلوا، فإنّ هذا يوم الجمعة، والمسلمون يخطبون على المنابر، ويدعون لنا في شرق البلاد وغربها، فإذا زالت الشّمس، وعلمنا أنّ المسلمين قد صلّوا ودعوا الله أن ينصر دينه، حملنا عليهم إذ ذاك. وكان ألب آرسلان قد عرف خيمة ملك الرّوم، وعلامته، وزيّه، وزينته، وفرسه. ثمّ قال لرجاله: لا يتخلّف أحد منكم أن يفعل كفعلي، ويتبع أثري، ويضرب بسيفه ويرمي سهمه حيث أضرب بسيفي، وأرمي بسهمي، ثمّ حمل برجاله حملة
__________
(1) المستطرف (1/ 314- 315) .
(6/2340)
رجل واحد إلى خيمة ملك الرّوم فقتلوا من كان دونها، ووصلوا إلى الملك فقتلوا من كان دونه، وجعلوا ينادون بلسان الرّوم: قتل الملك، قتل الملك. فسمعت الرّوم أنّ ملكهم قد قتل، فتبدّدوا، وتمزّقوا كلّ ممزّق، وعمل السّيف فيهم أيّاما، وأخذ المسلمون أموالهم وغنائمهم. وأتوا بالملك أسيرا بين يدي ألب أرسلان، والحبل في عنقه. فقال له ألب آرسلان: ماذا كنت تصنع بي لو أسرتني، قال: وهل تشكّ أنّني كنت أقتلك. فقال له ألب آرسلان: أنت أقلّ في عيني من أن أقتلك. اذهبوا به فبيعوه لمن يزيد فيه، فكان يقاد والحبل في عنقه، وينادى عليه من يشتري ملك الرّوم.
وما زالوا كذلك يطوفون به على الخيام، ومنازل المسلمين وينادون عليه بالدّراهم، والفلوس فلم يدفع فيه أحد شيئا حتّى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الّذي ينادي عليه، وأخذ الكلب وأتى بهما إلى ألب آرسلان وقال قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئا، سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب. فقال قد أنصفك. إنّ الكلب خير منه، ثمّ أمر ألب آرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينيّة، فعزلته الرّوم وكحّلوه بالنّار. فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيلة، والمكيدة» ) * «1» .
19-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «لا ينبغي أن يقدم الجيش إلّا الرّجل ذو البسالة والنّجدة والشّجاعة والجرأة، ثابت الجأش، صارم القلب، صادق البأس، ممّن قد توسّط الحروب ومارس الرّجال ومارسوه، ونازل الأقران، وقارع الأبطال، عارفا بمواضع الفرص، خبيرا بمواقع القلب والميمنة والميسرة. فإنّه إذا كان كذلك وصدر الكلّ عن رأيه كانوا جميعا كأنّهم مثله» ) * «2» .
20-* (حكي أنّه كان للعرب فارس يقال له ابن فتحون، وكان أشجع العرب والعجم في زمانه.
وكان المستعين يكرمه ويعظّمه ويجري له في كلّ عطيّة خمسمائة دينار. وكانت جيوش الكفّار تهابه وتعرف منه الشّجاعة، وتخشى لقاءه. فيحكى أنّ الرّوميّ كان إذا سقى فرسه ولم يشرب يقول له: ويلك لم لا تشرب هل رأيت ابن فتحون في الماء، فحسده نظراؤه على كثرة العطاء ومنزلته من السّلطان. فوشوا به عند المستعين فأبعده ومنعه من عطائه، ثمّ إنّ المستعين أنشأ غزوة إلى بلاد الرّوم فتقابل المسلمون والمشركون صفوفا، ثمّ برز علج إلى وسط الميدان ونادى وقال: هل من مبارز؟
فبرز إليه فارس من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله الرّومي، فصاح المشركون سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب الرّوميّ يجول بين الصّفّين وينادي: هل من اثنين لواحد؟ فخرج إليه فارس من المسلمين فقتله الرّوميّ. فصاح الكفّار سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب يجول بين الصّفّين وينادي ويقول: ثلاثة لواحد، فلم يجترئ
__________
(1) المستطرف (1/ 311) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6/2341)
أحد من المسلمين أن يخرج إليه، وبقي النّاس في حيرة، فقيل للسّلطان: ما لها إلّا أبو الوليد بن فتحون فدعاه وتلطّف به، قال: السّاعة أكفي المسلمين شرّه، فلبس قميص كتّان واستوى على سرج فرسه بلا سلاح وأخذ بيده سوطا طويلا، وفي طرفه عقدة معقودة، ثمّ برز إليه فتعجّب منه النّصرانيّ. ثمّ حمل كلّ واحد منهما على صاحبه فلم تخطأ طعنة النّصرانيّ سرج ابن فتحون. وإذا ابن فتحون متعلّق برقبة الفرس، ونزل إلى الأرض لا شيء منه في السّرج، ثمّ انقلب في سرجه وحمل على العلج، وضربه بالسّوط فالتوى على عنقه فجذبه بيده من السّرج فاقتلعه، وجاء به يجرّه حتّى ألقاه بين يدي المستعين. فعلم المستعين أنّه كان قد أخطأ في صنعه مع أبي الوليد بن فتحون فاعتذر إليه، وأكرمه، وأحسن إليه، وبالغ في الإنعام عليه، وردّه إلى أحسن أحواله، وكان من أعزّ النّاس إليه» ) * «1» .
21-* (يقال: «الشّجاع محبّب حتّى إلى عدوّه، والجبان مبغّض حتّى إلى أمّه) * «2» .
22-* (قال بعضهم: «الشّجاعة صبر ساعة، وقد جمع الله تعالى جميع ما يحتاج إليه في الحرب في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/ 45- 46) » ) * «3» .
23-* (وقيل: «الرّجال ثلاثة: فارس وشجاع وبطل، فالفارس الّذي يشدّ إذا شدّوا، والشّجاع الدّاعي إلى البراز والمجيب داعيه، والبطل الحامي لظهورهم إذا انهزموا» ) * «4» .
24-* (وقيل أيضا: «الشّجاع يبادر للحرب غير مبال بها لثقته بنفسه وعزمه على التّغلّب على عدوّه. لكنّه في نفس الوقت يفرّق بين الشّجاعة والتّهوّر والإقدام، وانتظار الفرصة المناسبة لينقضّ» ) * «5» .
25-* (وقال بعضهم: «الشّجاع لا يقرّ له قرار ولا يهدأ له بال، ولا يغمض له جفن، ولا يهنأ بطعام أو شراب إذا كان يرى عدوّه طليقا يتحدّاه وينغّص عليه حياته. وبالطّبع فإنّ الفارس الشّجاع لا بدّ أن يكون متمرّسا على الطّعن والرّمي والإبداع في إصابة الهدف بمرماه، ولا يعيب الشّجاع أن يفرّ مرّة أو مرّتين» ) * «6» .
26-* (قالت الحكماء: أصل الخيرات كلّها في ثبات القلب، ومنه تستمدّ جميع الفضائل وهو الثّبوت والقوّة على ما يوجبه العدل والعلم، والجبن غريزة يجمعها سوء الظّنّ بالله تعالى، والشّجاعة غريزة يجمعها حسن الظّنّ بالله تعالى) * «7» .
__________
(1) المستطرف (1/ 313- 314) .
(2) صفوة الأخبار (81) .
(3) نفس الموضع السابق
(4) صفوة الأخبار (82)
(5) المرجع السابق (85)
(6) صفوة الأخبار (86)
(7) سراج الملوك للطرطوشي ج 2 (2/ 667) .
(6/2342)
من فوائد (الشجاعة)
(1) دليل على حسن الظّنّ بالله والتّوكّل عليه.
(2) أصلها الّذي يمدّها الإيمان بالله والصّبر، وهي أصل لكلّ فضيلة من النّجدة والمروءة والنّخوة.
(3) الشّجاع يحبّه كلّ الخلق ويهابونه حتّى الأعداء.
(4) خلق وسط بين التّهوّر والجبن.
(5) تظهر في مواطن الشّدّة والمحنة.
(6) تبعث في نفس الإنسان قوّة غير مدركة حين يقرأ عن الشّجعان الأقوياء.
(7) الرّجل الشّجاع درع لأمّته وصون لها.
(8) الشّجاعة تكون في كثير من الأحيان حاسمة لبعض المواقف الشّائكة.
(6/2343)
الشرف
الشرف لغة:
مصدر قولهم شرف يشرف، وهو مأخوذ من مادّة (ش ر ف) الّتي تدلّ على علوّ وارتفاع، فالشّرف:
العلوّ، والشّريف: الرّجل العالي، ويقال للّذي غلبه غيره بالشّرف مشروف واستشرفت الشّيء إذا رفعت بصرك تنظر إليه، ويقال للأنوف: الأشراف، الواحد شرف، والمشرف: المكان تشرف عليه وتعلوه، ومشارف الأرض: أعاليها، ويقال إنّ الشّرفة: خيار المال واشتقاقه من الشّرفة الّتي تشرّف بها القصور، والجمع شرف.
وقال ابن منظور: الشّرف: الحسب بالآباء، شرف يشرف شرفا وشرفة وشرافة وشرفة فهو شريف أي علا في دين أو دنيا والجمع أشراف وشرفاء.
والشّرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء. قال: والحسب والكرم يكونان وإن لم يكن له آباء لهم شرف. يقال:
هو شرف قومه وكرمهم أي شريفهم وكريمهم.
والشّرف: مصدر الشّريف من النّاس، وشريف وأشراف، مثل نصير وأنصار، وشهيد وأشهاد، والجمع شرفاء وأشراف والشّرفة أعلى الشّيء، والشّرف كالشّرفة والجمع أشراف والشّرف: كلّ نشز من
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
2/ 26/ 18
الأرض قد أشرف على ما حوله.
واستعمل أبو إسحاق الزّجّاج الشّرف في القرآن فقال: أشرف آية في القرآن آية الكرسيّ. وقد شرفه وشرف عليه وشرّفه: جعل له شرفا. وشارفت الرّجل: فاخرته أيّنا أشرف وفي الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ذئبان عاديان أصابا فريقة غنم بأفسد فيها من حبّ المرء المال والشّرف لدينه» . يريد أنّه يتشرّف للمباراة والمفاخرة «1» .
الشرف اصطلاحا:
قال الكفويّ: الشّرف محرّكة: العلوّ والمكان العالي، وشرفه كنصره: غلبه شرفا أو طاله في الحسب «2» .
الفرق بين الشرف والعزة:
الفرق بين العزّة والشّرف أنّ العزّة تتضمّن معنى الغلبة والامتناع. فأمّا قولهم عزّ الطّعام فهو عزيز فمعناه قلّ حتّى لا يقدر عليه، فشبّه بمن لا يقدر عليه، لقوّته ومنعته؛ لأنّ العزّ بمعنى القلّة، والشّرف إنّما هو في الأصل شرف المكان، ومنه قولهم:
أشرف فلان على الشّيء إذا صار فوقه، ومنه قيل شرفة القصر، وأشرف على التّلف إذا قاربه، ثمّ استعمل في
__________
(1) لسان العرب (9/ 169- 171) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (3/ 263) .
(2) الكليات للكفوى (539) .
(6/2344)
كرم النّسب فقيل للقرشيّ شريف، وكلّ من له نسب مذكور عند العرب شريف ولهذا لا يقال لله تعالى شريف كما يقال له عزيز» .
الفرق بين الشرف والمجد:
أنّ المجد لا يكون إلّا بالآباء وعلوّ النّسب، والشّرف يكون بذلك وبغيره «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- العزم والعزيمة- العزة- النبل- النزاهة.- علو الهمة- الشهامة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات:- الذل- صغر الهمة- الضعف- التهاون- الدياثة- التفريط والإفراط] .
() الآيات الواردة في «الشرف» معنى
1-* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «3» .
2- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «4»
__________
(1) الفروق اللغوية لأبى هلال العسكرى (148) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) الإسراء: 70 مكية
(4) الحجرات: 13 مدنية
(6/2345)
الأحاديث الواردة في (الشرف)
1-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ امرأة سرقت في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه. قال عروة:
فلمّا كلّمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«أتكلّمني في حدّ من حدود الله؟» . قال أسامة:
استغفر لي يا رسول الله. فلمّا كان العشيّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّما أهلك النّاس قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ. والّذي نفس محمّد بيده، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» . ثمّ أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلك المرأة فقطعت يدها. فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوّجت. قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الحديث وفيه: ثمّ قال لترجمانه: سله. كيف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: ومن يتّبعه؟ أشراف النّاس «2» أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم ... الحديث، وفيه: قال لترجمانه: قل له. إنّي سألتك عن حسبه، فزعمت أنّه فيكم ذو حسب. وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا. فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه، أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. وهم أتباع الرّسل. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا. فقد عرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا. وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب «3» وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون. وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قد قاتلتموه. فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا. ينال منكم وتنالون منه. وكذلك الرّسل تبتلى، ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر. وكذلك الرّسل لا تغدر.
وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا.
فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4304) واللفظ له. ومسلم (1688) .
(2) أشراف الناس: يعني بأشرافهم كبارهم، وأهل الأحساب فيهم. وفيه إسقاط همزة الاستفهام.
(3) بشاشة القلوب: يعني انشراح الصدور. وأصلها اللطف بالإنسان عند قدومه وإظهار السرور برؤيته. يقال بش به وتبشبش
(6/2346)
ائتمّ بقول قيل قبله. قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قلت:
يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف. قال: إن يكن ما تقول فيه حقّا، فإنّه نبيّ. وقد كنت أعلم أنّه خارج.
ولم أكن أظنّه منكم. ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه، لأحببت لقاءه. ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه.
وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ) * «1» .
3-* (عن عبد الله بن حبشيّ الخثعميّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سئل: أيّ الأعمال أفضل؟
قال: «طول القيام» . قيل: فأيّ الصّدقة أفضل؟ قال:
«جهد المقلّ» . قيل: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر ما حرّم الله عليه» . قيل: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال:
«من جاهد المشركين بماله ونفسه» . قيل: فأيّ القتل أشرف؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده» ) * «2» .
4-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد! عش ما شئت فإنّك ميّت، واعمل ما شئت فإنّك مجزيّ به وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه، واعلم أنّ شرف المؤمن قيام اللّيل، وعزّه استغناؤه عن النّاس) * «3» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا» ) * «4» .
6-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: مرّ رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» . فقال: رجل من أشراف النّاس، هذا والله حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ مرّ رجل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيك في هذا؟
فقال: يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا» ) * «5» .
7-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: مرّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيهوديّ محمّما «6» مجلودا.
فدعاهم صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟» . قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم.
فقال: «أنشدك بالله الّذي أنزل التّوراة على موسى! أهكذا تجدون حدّ الزّاني في كتابكم؟» قال: لا. ولولا أنّك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرّجم. ولكنّه كثر في أشرافنا. فكنّا إذا أخذنا الشّريف تركناه. وإذا أخذنا الضّعيف أقمنا عليه الحدّ. قلنا: تعالوا فلنجتمع
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (7) . ومسلم (1773) واللفظ له.
(2) أبو داود (1449) وقال الشيخ ناصر الألباني (1/ 372) : صحيح.
(3) المنذري في الترغيب (1/ 588) وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وأخرجه الحاكم (4/ 324- 325) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، ولكن هو ضعيف بسند الحاكم، والحديث بمجموع طرقه حسن، وراجع السلسلة الصحيحة (831) .
(4) الترمذي (1920) واللفظ له وقال: حسن صحيح. وقد روي عن عبد الله بن عمرو من غير هذا الوجه، وأحمد (2/ 185، 222) ، وصححه الشيخ شاكر (6733) ، 7073) ، والحاكم (1/ 62) ، وصححه على شرط مسلم وأقره الذهبي، وفي أبي داود (4943) : «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا» .
(5) البخاري- الفتح 11 (6447) .
(6) محمّما: أي مسوّد الوجه من الحممة وهي الفحمة.
(6/2347)
على شيء نقيمه على الشّريف والوضيع. فجعلنا التّحميم والجلد مكان الرّجم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«اللهمّ إنّي أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه» . فأمر به فرجم. فأنزل الله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.. إلى قوله إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ (المائدة/ 41) يقول: ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم.
فإن أمركم بالتّحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرّجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) .
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (5/ المائدة/ 45) . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (5/ المائدة/ 47) . في الكفّار كلّها) * «1» .
() الأحاديث الواردة في (الشرف) معنى
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «2» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «3» .
فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر «4» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون.
وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح! أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلى ربّك.
ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم.
فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إنّ
__________
(1) مسلم (1700) .
(2) فنهس: بمعنى أخذ بأطراف أسنانه.
(3) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(4) وينفذهم البصر: قال الكسائي: يقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني. قال ويقال: أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم. فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف. ومعناه: ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. وقال صاحب المطالع: معناه أنه يحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض. أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين.
(6/2348)
ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله!، ولا يغضب بعده مثله. وذكر كذباته، نفسي. نفسي.
اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا موسى أنت رسول الله. فضّلك الله، برسالاته وبتكليمه، على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك.
ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلّى الله عليه وسلّم. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا.
نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
فيأتونّي فيقولون: يا محمّد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء. وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر.
اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فاتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي.
ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد! ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ! أمّتي. أمّتي. فيقال: يا محمّد! أدخل الجنّة من أمّتك من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده! إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر «3» أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» .
9-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال:
سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص:
إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها. فقال له معاوية- وكان والله خير الرّجلين- أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس، من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرّحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز.
فقال: اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه. فأتياه فدخلا عليه فتكلّما، وقالا له وطلبا إليه. فقال لهما الحسن بن عليّ: إنّا بني عبد المطّلب قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في
__________
(1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب.
(2) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب.
(3) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين. قال الجوهري في صحاحه: هجر اسم بلد مذكر مصروف والنسبة إليه هاجري. قال النووي: وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث «إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر» تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها. وهي غير مصروفة.
(4) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل.
(5) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له.
(6/2349)
دمائها. قالا: فإنّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به.
فما سألهما شيئا إلّا قالا: نحن لك به. فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر- والحسن بن عليّ إلى جنبه- وهو يقبل على النّاس مرّة وعليه أخرى، ويقول: «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ) * «1» .
10-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما، قال: فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى منزلي، فقال: لا، حتّى تحدّثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنت معه، قال فقال أبو بكر ... الحديث، وفيه: ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه حتّى قدمنا المدينة، فتلقّاه النّاس
فخرجوا في الطّريق وعلى الأجاجير «2» ، فاشتدّ الخدم والصّبيان في الطّريق يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جاء محمّد، قال: وتنازع القوم أيّهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنزل اللّيلة على بني النّجّار أخوال عبد المطّلب لأكرمهم بذلك، فلمّا أصبح غدا حيث أمر. قال البراء بن عازب: أوّل من كان قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدّار، ثمّ قدم علينا ابن أمّ مكتوم الأعمى أخو بني فهر، ثمّ قدم علينا عمر بن الخطّاب في عشرين راكبا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: هو على أثري، ثمّ قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر معه» ) * «3» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: أقبل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شابّ «4» لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «اللهمّ اصرعه، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخر النّهار مسلحة له، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر، فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبيّ
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2704) .
(2) الأجاجير: جمع إجار وهو السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط.
(3) رواه أحمد (1/ 403) وأصله في الصحيحين. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 154، 156) رقم (3) .
(4) أي كأن كلا منهما قد بدا كذلك وإلا فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسنّ من أبي بكر- رضي الله عنه-.
(6/2350)
الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله، إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «1» لهم، فعجّل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه «2» ، فسمع من نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال: فانطلق فهيّأ لنا مقيلا «3» .
قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ وقد علمت يهود أنّي سيّدهم، وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا. قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالها- ثلاث مرار- قال: فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» . قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال:
«أفرأيتم إن أسلم» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم.
قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام اخرج عليهم» . فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ.
فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
12-* (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحساب أهل الدّنيا الّذي يذهبون إليه: المال» ) * «5» .
13-* (عن أبي هريرة؛ أنّ سعد بن عبادة الأنصاريّ؛ قال: يا رسول الله! أرأيت الرّجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا» . قال سعد: بلى، والّذي أكرمك بالحقّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم» ) * «6» .
14-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- كريم يحبّ الكرم، ويحبّ معالي الأخلاق، ويكره سفسافها» ) *» .
15-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه-
__________
(1) يخترف: أي يجتني من الثمار.
(2) وهي معه: أي الثمرة التي اجتناها.
(3) مقيلا: أي مكانا تقع فيه القيلولة.
(4) البخاري- الفتح 7 (3911) .
(5) أخرجه النسائي (6/ 64) في النكاح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 466) : إسناده حسن، ورواه الحاكم (2/ 163) ، (4/ 425) ، والبيهقي (7/ 135- 136) ، وأحمد (5/ 353، 361) ، والنسائي (2/ 71) والحديث بمجموع طرقه حسن.
(6) البخاري- الفتح 12 (6846) ، مسلم (1498) .
(7) الحاكم (1/ 48) وقال: صحيح الإسناد واللفظ له. والطبراني في الكبير (6/ 181) . حديث رقم (5928) وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح (3/ 344) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي. وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 336، 337) .
(6/2351)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للقرشيّ مثلي قوّة الرّجل من غير قريش» . قيل للزّهريّ: ما عنى بذلك قال: «نبل الرّأي» ) * «1» .
16-* (عن المسور- رضي الله عنه- أنّه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال له: قل له فليلقني في العتمة. قال: فلقيه فحمد المسور الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد، والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحبّ إليّ من سببكم وصهركم، ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فاطمة مضغة منّي، يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها، وإنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنتها، ولو زوّجتك لقبضها ذلك» ، قال: فانطلق عاذرا له) * «2» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل «3» » . فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» . فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت.
فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم «4» أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «5» . ثمّ أدلع لسانه «6» فجعل يحرّكه. فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «7» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة:
فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«هجاهم حسّان فشفى واشتفى» ) * «8» .
قال حسّان:
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
__________
(1) أحمد (4/ 81) ، والهيثمي في المجمع (10/ 26) ، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح.
(2) أحمد (4/ 323) وأصله في الصحيحين، والبخاري. الفتح (3767) ، ومسلم (2449) .
(3) رشق بالنبل: بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرشق، بالكسر، فهم اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة.
(4) لقد آن لكم: أي حان لكم.
(5) الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه. فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه. فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه.
(6) أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه.
(7) لأفرينهم بلساني فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
(8) فشفى واشتفى: أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين.
(6/2352)
هجوت محمّدا برّا تقيّا «1» ... رسول الله شيمته الوفاء «2»
فإنّ أبي ووالده وعرضي «3» ... لعرض محمّد منكم وقاء «4»
ثكلت بنيّتي «5» إن لم تروها ... تثير النّقع «6» من كنفي كداء «7»
يبارين الأعنّة «8» مصعدات «9» ... على أكتافها الأسل الظّماء «10»
تظلّ جيادنا متمطّرات «11» ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء «12»
فإن أعرضتموه عنّا اعتمرنا «13» ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
__________
(1) هجوت محمدا برّا تقيّا: وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيّا. فالبر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر، هنا، بمعنى المتنزه عن الماثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم.
(2) شيمته الوفاء: أي خلقه.
(3) فإن أبي ووالده وعرضي: هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه. لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه.
(4) وقاء: هو ما وقيت به الشيء.
(5) ثكلت بنيتي: قال السنوسي: الثكل فقد الولد. وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء. وعند النووي بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي.
(6) تثير النقع: أي ترفع الغبار وتهيجه.
(7) كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وعلى هذه الرواية في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء.
(8) يبارين الأعنة: ويروى: يبارعن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها، وهي منازعتها لها أيضا. وقال الأبّيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة. وقال البرقوقي في شرحه للديوان: أي إنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها. قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقي: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان.
(9) مصعدات: أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا. ولا يقال للراجع.
(10) الأسل الظماء: الأسل الرماح. والظماء الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقي: من قولهم أنا ظمان إلى لقائك.
(11) تظل جيادنا متمطرات: أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا.
(12) تلطمهن بالخمر النساء: الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقي: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن حسان- رضي الله عنه- أوحي إليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها.
(13) فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا ... إلخ: قال البرقوقي: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها. والحج في وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة، يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول: إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة. وقال الأبّيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صد عن البيت
(6/2353)
وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء
وقال الله: قد يسّرت جندا «1» ... هم الأنصار عرضتها للّقاء «2»
لنا في كلّ يوم من معدّ «3» ... سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء «4» ) * «5» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع «6» : لما لها، ولحسبها «7» ، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدّين تربت يداك «8» » ) * «9» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا ... الحديث، وفيه: قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك ... » ) * «10» .
20-* (عن سمرة- رضي الله عنه- عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحسب: المال، والكرم:
التقوى» ) *1» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟
__________
(1) يسرت جندا: أي هيأتهم وأرصدتهم.
(2) عرضتها اللقاء: أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقي: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قوي عليه. وفلان عرضة للشر أي قوي عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد.
(3) لنا في كل يوم من معد: قال البرقوقي: لنا، يعني معشر الأنصار. وقوله من معد، يريد قريشا لأنهم عدنانيون.
(4) ليس له كفاء: أي ليس له مماثل ولا مقاوم.
(5) البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له.
(6) تنكح المرأة لأربع: الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بما يفعله الناس في العادة. فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع. وآخرها عندهم ذات الدين. لا أنه أمر بذلك. فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين.
(7) لحسبها: الحسب الفعل الجميل للرجل وآبائه.
(8) تربت يداك: ترب الرجل إذا افتقر، أي لصق بالتراب. وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به. والمراد بها الحث والتحريض.
(9) البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له.
(10) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448)
(11) الترمذي (3271) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (5/ 10) . وابن ماجة (4219) . وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 163) وصححه ووافقه الذهبي.
(6/2354)
قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» . قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» .
قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل! «1» ألم أكرمك، وأسوّدك «2» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «3» وتربع «4» ؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقولا: لا فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني «5» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ فيقول:
أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك.
فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت ويثني بخير ما استطاع. فيقول:
هاهنا إذا «6» . قال ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟
فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه:
انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر «7» من نفسه. وذلك المنافق وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «8» .
22-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحديث، وفيه: قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «9» فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى.
وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «10» ثمّ شددت «11»
__________
(1) أي فل: معناه: يا فلان وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي.
(2) أسودك: أي أجعلك سيّدا على غيرك.
(3) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم.
(4) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي: بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: اربع على نفسك، أي ارفق بها.
(5) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي.
(6) هاهنا إذا: معناه قف هاهنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا.
(7) ليعذر: من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.
(8) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (2968) . واللفظ له.
(9) فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(10) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(11) شددت: حملت وكررت.
(6/2355)
على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم.
فجعلته ضغثا «1» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «2» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «3» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
على فرس مجفّف «4» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «5» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون «6» . فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «7» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أندّيه «8» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله.
وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة.
فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «9» .
حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال قلت: خذها:
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرّضّع
قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «10» .
فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها.
ثمّ رميته. فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «11» ، علوت الجبل. فجعلت أرديهم
__________
(1) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(2) الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
(3) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
(4) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(5) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(6) وهم المشركون: هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره. أحدهما وهمّ المشركون على الابتداء والخبر. والآخر وهمّ المشركون، أي همّوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وخافوا غائلتهم. يقال: همني الأمر وأهمّني. وقيل: همني أذابني. وأهمني أغمني. وقيل: معناه هم أمر المشركين النبي صلّى الله عليه وسلّم خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم.
(7) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(8) أندّيه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(9) فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(10) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(11) حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع. أي تدانى. فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
(6/2356)
بالحجارة «1» . قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «2» إلّا خلّفته وراء ظهري «3» . وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم «4» أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا.
يستخفّون «5» . ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «6» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة «7» فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) .
وجلست على رأس قرن «8» . قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا.
قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال:
فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم.
لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن.
قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة فارس رسول
__________
(1) فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره.
(2) حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(3) إلا خلفته وراء ظهري: خلفته أي تركته. يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
(4) ثم اتّبعتهم: هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعني مشى خلفه على الإطلاق. وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه، بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
(5) يستخفون: أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
(6) آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها واحده إرم كعنب وأعناب.
(7) حتى أتوا متضايقا من ثنية: الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
(8) على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.
(6/2357)