الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوّفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «1» .
20-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان صلّى الله عليه وسلّم، إذا قام من اللّيل افتتح صلاته: «اللهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» ) * «2» .
21-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «3» .
22-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك الحمد، ملء السّماء وملء الأرض وملء «4» ما شئت من شيء بعد، اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد.
اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «5» .
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
خسفت الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ قام فأطال القيام- وهو دون القيام الأوّل ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل- ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الأولى ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» . ثمّ قال: «يا أمّة محمّد، والله ما من
__________
(1) النسائي (3/ 54، 55) وهذا لفظه. وذكره الألباني في صحيحه (1/ 280، 281) حديث (1237) وعزاه في صحيح الكلم الطيب (66) إلى الحاكم وقال: صحيح ووافقه الذهبي.
(2) مسلم (770) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7499) . ومسلم (769) وهذا لفظه.
(4) يروى برفع «ملء» ونصبه.
(5) مسلم (476) واللفظ له، وأحمد (4/ 354) ، والنسائي (1/ 198، 199) .(4/1477)
أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «1» .
24-* (عن أبي شريح أنّه قال لعمرو بن سعيد- وهو يبعث البعوث إلى مكّة: ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قام به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغد من يوم الفتح. سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به: حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرى* يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد «2» بها شجرة. فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثمّ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب» . فقيل لأبي شريح: ما قال عمرو؟ قال: أنا أعلم منك يا أبا شريح، إنّ مكّة لا تعيذ «3» عاصيا ولا فارّا بدم، ولا فارّا بخربة «4» * «5» .
25-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة الّتي سرقت في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح. فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ومن يجترأ عليه إلّا أسامة بن زيد، حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال «أتشفع في حدّ من حدود الله؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله؛ فلمّا كان العشيّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاختطب. فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّما أهلك الّذين من قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وإنّي والّذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» ، ثمّ أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) * «6» .
26-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المنبر وكان آخر مجلسه متعطّفا ملحفة على منكبيه قد عصب رأسه بعصابة دسمة، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أيّها النّاس إليّ» فثابوا إليه. ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ هذا الحيّ من الأنصار يقلّون ويكثر النّاس. فمن ولي شيئا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فاستطاع أن يضرّ فيه أحدا أو ينفع فيه أحدا فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم» ) * «7» .
27-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ «8» ولا مودّع «9» ، ولا مستغنى عنه ربّنا» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له، ومسلم (901) .
(2) يعضد: يقطع.
(3) لا تعيذ: لا تجير. ولفظ «مكة» من الفتح، بتحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 267) ، وفي مسلم: الحرم.
(4) بخربة: وأصلها سرقة الإبل وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب وهو اللص المفسد في الأرض.
(5) البخاري- الفتح 1 (104) واللفظ له. ومسلم (1354) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3733) . ومسلم (1688) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 2 (927) .
(8) غير مكفي: يعني أنني غير مكتف بنفسي عن كفايته، أو غير مكافئ نعمة ربي.
(9) غير مودع: أي غير متروك.
(10) البخاري- الفتح 9 (5458) .(4/1478)
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذا كان في سفر وأسحر «1» يقول:
«سمّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربّنا صاحبنا «2» وأفضل علينا. عائذا بالله من النّار» ) * «3» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: «لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت شعب الأنصار أو وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» فقال أبو هريرة:
فما ظلم بأبي وأمّي صلّى الله عليه وسلّم لآووه ونصروه، قال: وأحسبه قال: وواسوه) * «4» .
30-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم:
لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ ولكنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «5» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ترخّص فيه وتنزّه عنه قوم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «ما بال أقوام يتنزّهون عن الشّيء أصنعه؟ فو الله إنّي أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية» ) *» .
32-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال:
«وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيئها إلّا أنت.
لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري.
ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال
__________
(1) أسحر: بلغ وقت السحر وهو آخر الليل ومعناه: ليسمع السامع وليشهد الشاهد على حمدنا لله تعالى على نعمه وحسن بلائه.
(2) ربنا صاحبنا: احفظنا وحطنا بعنايتك.
(3) مسلم (2718) .
(4) أحمد (2/ 414، 469) وقال مخرجه: إسناده صحيح وأصله في الصحيحين من حديث عدد من الصحابة انظر مثلا: البخاري- الفتح 13 (7244) . ومسلم (1059) . المسند، ط. شاكر (18/ 87) حديث (9353) واللفظ من هذا الموضع.
(5) البخاري- الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) وهذا لفظه.
(6) البخاري- الفتح 13 (7301) . ومسلم (2356) .(4/1479)
«اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت.
سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت.
وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الثناء)
1-* (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه-:
«إنّ رجلا بسط له من الدّنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله ويثني عليه حتّى لم يكن إلّا فراش، فجعل يحمد الله ويثني عليه، وبسط لآخر من الدّنيا فقال لصاحب الفراش: أرأيتك أنت علام تحمد الله؟ قال:
أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطي الخلق لم أعطهم إيّاه. قال: وما ذلك؟ قال: أرأيتك بصرك، أرأيتك لسانك، أرأيتك يديك، أرأيتك رجليك) » * «2» .
2-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
«أحبّ أن يقدّم المرء حمد الله تعالى والثّناء عليه سبحانه وتعالى والصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
3-* (قال ابن العطّار- رحمه الله تعالى-:
«لو حلف إنسان ليثنينّ على الله تعالى أحسن الثّناء فطريق البرّ أن يقول: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وزاد بعضهم فلك الحمد حتّى ترضى» ) * «4» .
4-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«يخرج العارف من الدّنيا ولم يقض وطره من شيئين:
بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربّه» ) * «5» .
5-* (قال الزّجّاج: «سمّيت الفاتحة بالمثانى لاشتمالها على الثّناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده وملكه» ) * «6» .
من فوائد (الثناء)
1- يجلب المحبّة ويوسّع الرّزق.
2- مظهر من مظاهر الالتزام بالسنّة.
3- عظم الثّواب من ثمراته ورضا ربّ الأرباب من أعظم ثوابه.
4- دليل الرضا وسمت العرفان بالجميل.
5- الثّناء على الله يجتلب إحاطة الملائكة.
6- الثناء على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفتح باب قبول الدّعاء.
7- الافتتاح بالثّناء يفتح باب التّوفيق.
__________
(1) مسلم (771) .
(2) عدة الصابرين (132) .
(3) مقدمة فتاوى النووي المسماة بالمسائل المنثورة (8) .
(4) المرجع السابق (9) .
(5) الفوائد (33) .
(6) التفسير الكبير، للرازي (19/ 207) .(4/1480)
[حرف الجيم]
جهاد الأعداء
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
52/ 69/ 10
الجهاد لغة:
الجهاد مثل المجاهدة مصدر قولهم جاهد يجاهد، وذلك مأخوذ من مادّة (ج هـ د) الّتي تدلّ في الأصل على المشقّة، ثمّ يحمل على هذا الأصل ما يقاربه، ومصدر الثلاثيّ من ذلك قولهم: جهد (بالفتح) ، وجهد (بالضّمّ) وكلاهما يعني إمّا: الوسع والطّاقة أو التعب والمشقّة، ومن ثمّ يكون الاختلاف بين الفتح والضّمّ راجعا إلى اختلاف اللهجات، فهو بالضّمّ لغة أهل الحجاز، وبالفتح في لغة غيرهم، وقال بعض اللّغويّين: إنّ الجهد بالفتح المشقّة، وبالضّمّ الوسع والطّاقة، ومن الجهد بمعنى المشقّة قولهم جهد دابّته وأجهدها إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها، ومن المشقّة أيضا: جهد الرّجل فهو مجهود، يقال أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم بالكسر أي نكد واشتدّ.
ومن الجهد بمعنى الطّاقة قوله- عزّ وجلّ- وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) .
أي طاقتهم، قال ابن منظور: قال الفرّاء: الجهد في هذه الآية الطّاقة، تقول هذا جهدي أي طاقتي، وقرأ جهدهم بالفتح من قولك اجهد جهدك في هذا الأمر أي ابلغ غايتك، ولا يقال اجهد جهدك، وقيل: إذا كان المعنى هو المشقّة أو الغاية فالفتح لا غير، وإذا كان الوسع والطّاقة فيجوز الفتح والضّمّ، ويراد بالجهد في حديث أمّ معبد «شاة خلّفها الجهد عن الغنم» الهزال، ومن ذلك قولهم:
جهد الرّجل إذا هزل، قال الجوهريّ: يقال جهد الرّجل فهو مجهود (من المشقّة) ، يقال: أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم (بالكسر) أي نكد واشتدّ.
ومن الجهد (بالضم) ما جاء في حديث الصّدقة: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: جهد المقلّ أي قدر ما يحتمله حال القليل المال.
والاجتهاد: أخذ النّفس ببذل الطّاقة وتحمّل المشقّة، يقال جهدت رأيي وأجهدته: أتعبته بالفكر، وجاهد العدوّ مجاهدة وجهادا: قاتله، وفي الحديث:
«لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة» ، الجهاد محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطّاقة من قول أو فعل، والمراد بالنّيّة: إخلاص العمل لله، أي إنّه لم يبق بعد فتح مكّة هجرة؛ لأنّها قد صارت دار إسلام، وإنّما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفّار، والجهاد (أيضا) المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللّسان أو ما أطاق من شيء، قال الرّاغب: والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدوّ الظّاهر، ومجاهدة الشّيطان، ومجاهدة النّفس؛ وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ (الحج/ 78) وقال عليه الصّلاة والسّلام: جاهدوا أهواءكم كما(4/1481)
تجاهدون أعداءكم، والمجاهدة تكون باليد واللّسان، قال صلّى الله عليه وسلّم «جاهدوا الكفّار بأيديكم وألسنتكم» «1» .
اصطلاحا:
قال الرّاغب: الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ، وقال الجرجانيّ: هو الدّعاء إلى الدّين الحقّ، وقد جمع ابن حجر بين هذين النّوعين من الجهاد وأضاف غيرهما فقال: الجهاد بذل الجهد في قتال الكفّار. ويطلق أيضا على مجاهدة النّفس والشّيطان والفسّاق والكفّار. فأمّا مجاهدة النّفس، فعلى تعلّم أمور الدّين ثمّ على العمل بها ثمّ على تعليمها.
وأمّا مجاهدة الشّيطان، فعلى دفع ما يأتي به من الشّبهات وما يزيّنه من الشّهوات.
وأمّا مجاهدة الكفّار، فتقع باليد والمال واللّسان والقلب.
وأمّا مجاهدة الفسّاق، فباليد ثمّ اللّسان، ثمّ القلب «2» .
مراتب الجهاد:
قال ابن القيّم: لمّا كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» ، كان جهاد النّفس مقدّما على جهاد العدوّ في الخارج، وأصلا له، فإنّه ما لم يجاهد نفسه أوّلا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوّه في الخارج. فهذان العدوّان: عدوّ الخارج وعدوّ النّفس وبينهما عدوّ ثالث لا يمكنه جهادهما إلّا بجهاده وهو واقف بينهما يثبّط العبد عن جهادهما، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما وهو الشّيطان، فهذه الأعداء الثّلاثة أمر العبد بمحاربتها وجهادها، وقد بلي بمحاربتها في هذه الدّار، وسلّطت عليه امتحانا من الله له وابتلاء، فأعطى الله العبد مددا وعدّة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد، وأخبرهم أنّه مع المتّقين ومع المحسنين، ومع الصّابرين ومع المؤمنين، وأنّه يدافع عن عباده المؤمنين ما لا يدافعون عن أنفسهم؛ بل بدفاعه عنهم انتصروا على عدوّهم. وهذه المدافعة عنهم بحسب إيمانهم، وعلى قدره، فإن قوي الإيمان، قويت المدافعة، فمن وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه. وأمرهم أن يجاهدوا فيه حقّ جهاده.
واختلفت عبارات السّلف في حقّ الجهاد:
فقال ابن عبّاس: هو استفراغ الطّاقة فيه، وألّا يخاف في الله لومة لائم. وقال مقاتل: اعملوا لله حقّ عمله واعبدوه حقّ عبادته.
أقسام الجهاد:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: أقسام الجهاد أربعة: جهاد النّفس، وجهاد الشّيطان، وجهاد الكفّار، وجهاد المنافقين. أمّا جهاد النّفس فقد أفردنا له صفة
__________
(1) انظر: مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 486) ، المفردات للراغب (ص 101) ، الصحاح (2/ 460) ، ولسان العرب (مادة جهد) (ص 710) (ط دار المعارف) والمصباح المنير (ص 122) .
(2) ابن حجر، فتح الباري (6/ 5) ومفردات الراغب (ص 110) وكتاب التعريفات للجرجاني (ص 84) .(4/1482)
خاصّة باعتباره الجهاد الأكبر. «1»
جهاد الشيطان:
لمّا كان الشّيطان عدوّا مبينا للإنسان منذ خلق الله- عزّ وجلّ- هذا الإنسان، فقد أمرنا الله- عزّ وجلّ- أن نتّخذه عدوّا، يقول الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر/ 6) ، ومن ثمّ وجبت مجاهدته، لا أنّ ذلك يمهّد السّبيل أمام الإنسان لكي يجاهد نفسه وهي عدوّ الدّاخل، ويجاهد الكفّار والمنافقين وهذه عداوة الخارج، ولا يمكن جهادهما إلّا بمجاهدته والتّصدّي له، وتعني هذه المجاهدة- كما ذكرنا قبلا- دفع ما يأتي به من الشّبهات وما يزيّنه من الشّهوات «2» .
ولجهاد الشّيطان- كما يقول ابن القيّم- مرتبتان:
الأولى: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشّبهات والشّكوك.
الثّانية: جهاده على ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشّهوات، فالمرتبة الأولى يكون بعدها اليقين والثانية يكون بعدها الصّبر، قال تعالى:
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) ، فأخبر الله- عزّ وجلّ- أنّ إمامة الدّين إنّما تنال بالصّبر واليقين، فالصّبر يدفع الشّهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشّكوك والشّبهات «3» .
جهاد الكفار والمنافقين ومن في حكمهم:
وأمّا جهاد الكفّار والمنافقين فمراتبه أربعة:
بالقلب، واللّسان، والمال، والنّفس. وجهاد الكفّار أخصّ باليد، وجهاد المنافقين أخصّ باللّسان. وأمّا جهاد أرباب الظّلم والبدع والمنكرات فعلى ثلاث مراتب: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللّسان، فإن عجز جاهد بقلبه «4» .
حكم الجهاد:
جهاد النّفس في ذات الله تعالى وجهاد الشّيطان فرض عين لا ينوب فيه أحد عن أحد.
أمّا جهاد الكفّار والمنافقين ومن في حكمهم من أهل البدع، فهو فرض كفاية قد يكتفى فيه ببعض الأمّة إذا حصل منهم مقصود الجهاد «5» . وأكمل الخلق عند الله تعالى من كمّل مراتب الجهاد كلّها، وهم متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في هذه المراتب «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الثبات- الرجولة- الشجاعة- الشرف- العزة- القوة- قوة الإرادة- علو الهمة- العزم والعزيمة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخلف عن الجهاد- التولى- التخاذل- الجبن- الكسل- الضعف- صغر الهمة- الوهن] .
__________
(1) انظر في ذلك: صفة «مجاهدة النفس» في مجلد (8) ص (3303- 3316) من هذه الموسوعة.
(2) انظر: صفة «الغيّ والإغواء» في مجلد (11) ص (5144) من هذه الموسوعة، وخاصة ما ذكرنا عن تدرج الشيطان في هذا الإغواء وكيفية مقاومته في كل العقبات التي يضعها أمام الإنسان.
(3) زاد المعاد (3/ 10) .
(4) المرجع السابق (3/ 11) .
(5) المراجع السابق (11/ 12) .
(6) المرجع السابق (12) .(4/1483)
الآيات الواردة في «جهاد الأعداء»
ثواب المجاهدين:
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) «1»
2- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) «3»
4- فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (195) «4»
5-* فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ
__________
(1) البقرة: 153- 154 مدنية
(2) آل عمران: 139- 143 مدنية
(3) آل عمران: 156- 158 مدنية
(4) آل عمران: 195 مدنية(4/1484)
مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) «1»
6-* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «2»
7- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «3»
8-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) «4»
9- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) «5»
10- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) «6»
11- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «7»
12- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4)
__________
(1) النساء: 74- 77 مدنية
(2) التوبة: 60 مدنية
(3) التوبة: 86- 89 مدنية
(4) التوبة: 111 مدنية
(5) التوبة: 120 مدنية
(6) النحل: 110 مكية
(7) الحج: 58- 59 مدنية(4/1485)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) «1»
13- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) «2»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «3»
15- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) «4»
الحث على جهاد الأعداء:
16- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «5»
17-* أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «6»
18- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) »
19-* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) «8»
__________
(1) محمد: 4- 6 مدنية
(2) الصف: 4 مدنية
(3) الصف: 10- 13 مدنية
(4) التحريم: 9 مدنية
(5) آل عمران: 146- 148 مدنية
(6) التوبة: 19- 20 مدنية
(7) التوبة: 24 مدنية
(8) التوبة: 34 مدنية(4/1486)
20- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) «1»
21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «2»
22- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) «3» 23- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «4»
24- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «5»
25- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «6»
26- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
__________
(1) التوبة: 41 مدنية
(2) الحج: 77- 78 مدنية
(3) البقرة: 190- 193 مدنية
(4) النساء: 84 مدنية
(5) النساء: 94 مدنية
(6) النساء: 95- 96 مدنية(4/1487)
ْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(45) «1»
27- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29) «2»
28- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «3»
29- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) «4»
30- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) «5»
31- فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (52) «6»
32- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (21) «7»
33- قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) «8»
34- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «9»
جهاد الأعداء سبب البقاء:
35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «10»
__________
(1) الأنفال: 42- 45 مدنية
(2) التوبة: 29 مدنية
(3) التوبة: 36 مدنية
(4) التوبة: 73 مدنية
(5) التوبة: 123 مدنية
(6) الفرقان: 52 مكية
(7) محمد: 31 مدنية
(8) الفتح: 16 مدنية
(9) الحديد: 10 مدنية
(10) المائدة: 54 مدنية(4/1488)
36- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) «1»
37- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «2»
38- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (46)
__________
(1) الأنفال: 39 مدنية
(2) الأنفال: 65- 66 مدنية(4/1489)
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) «1»
39- وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) «2»
جهاد الأعداء لإعلاء كلمة الله- عزّ وجل-:
40- وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) «3»
41- قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13) «4»
42- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (7) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «5»
43- لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
__________
(1) التوبة: 38- 47 مدنية
(2) العنكبوت: 6 مكية
(3) البقرة: 244 مدنية
(4) آل عمران: 13 مدنية
(5) الأنفال: 72- 75 مدنية(4/1490)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) «1»
44- وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) «2»
45-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «3»
جهاد الأعداء دليل صدق الإيمان:
46- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «4»
47- أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) «5»
48- وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167)
__________
(1) التوبة: 10- 16 مدنية
(2) العنكبوت: 69 مكية
(3) المزمل: 20 مدنية
(4) البقرة: 216- 218 مدنية
(5) البقرة: 246 مدنية(4/1491)
الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «1»
49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «2»
50- وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) »
51- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) «4»
52- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «5»
__________
(1) آل عمران: 167- 171 مدنية
(2) المائدة: 35 مدنية
(3) محمد: 20- 21 مدنية
(4) الحجرات: 15 مدنية
(5) الممتحنة: 1 مدنية(4/1492)
الأحاديث الواردة في (جهاد الأعداء)
1-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «أفضل العمل: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» ) * «1» .
وجاء عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أيضا.
2-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله قال:
«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ) * «2» .
3-* (عن سهل بن سعد السّاعدي- رضي الله عنه- أنّ زيد بن ثابت أخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أملى عليّ: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «3» (النساء/ 95) . قال فجاءه ابن أمّ مكتوم وهو يملّها عليّ. فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت- وكان رجلا أعمى- فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم فخذه على فخذي. فثقلت علىّ حتّى خفت أن ترضّ فخذي. ثمّ سرّي عنه، فأنزل الله- عزّ وجلّ- غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله؟ قال: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة، وأعلى الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله» . قيل: ثمّ ماذا؟. قال: «الجهاد في سبيل الله» . قيل: ثمّ ماذا؟ قال: «حجّ مبرور» ) * «6» .
6-* (عن مجاشع بن مسعود- رضي الله عنه- قال: انطلقت بأبي معبد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليبايعه على الهجرة. قال: «مضت الهجرة لأهلها، أبايعه على الإسلام والجهاد» . فلقيت أبا معبد، فسألته فقال: صدق مجاشع) * «7» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تكفّل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى منزله الّذي خرج منه بما نال من أجر، أو غنيمة، والّذي نفس محمّد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم. لونه لون دم،
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2518) واللفظ له. ومسلم (84) .
(2) الترمذي (2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) النساء: من الآية 95.
(4) البخاري- الفتح 6 (2832) .
(5) البخاري- الفتح 6 (2790) .
(6) البخاري- الفتح 1 (26) واللفظ له. ومسلم (83) من حديث أبي هريرة و (84) من حديث أبي ذر، و (85) من حديث ابن مسعود.
(7) البخاري- الفتح 7 (4307) واللفظ له. ومسلم (1863) .(4/1493)
وريحه ريح مسك. والّذي نفس محمّد بيده، لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» ) * «1» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله أيّ النّاس خير؟. قال: «رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشّعاب يعبد ربّه ويدع النّاس من شرّه)) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: دلّني على عمل يعدل الجهاد. قال: «لا أجده» . قال: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟» قال: ومن يستطيع ذلك؟. قال أبو هريرة: إنّ فرس المجاهد ليستنّ «3» في طوله «4» فيكتب له حسنات) * «5» .
10-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحيّ والداك؟» . قال: نعم. قال:
«ففيهما فجاهد» ) * «6» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التّراب على متونهم ويقولون:
نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يجيبهم ويقول:
اللهمّ إنّه لا خير إلّا خير الآخره ... فبارك في الأنصار والمهاجرة» )
* «7» .
12-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمّهاتهم. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلّا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنّكم؟» ) * «8» .
13-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3123) إلى قوله (أو غنيمة) ومسلم 3 (1876) .
(2) البخاري الفتح 11 (6494) واللفظ له. وله لفظ آخر 6 (2786) : أي الناس أفضل؟ فقال: «مؤمن يجاهد ... » .
(3) استن الفرس يستن استنانا: أي عدا لمرحه ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب على ظهره.
(4) الطول والطيل بالكسر: الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتد أو غيره والآخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى.
(5) البخاري- الفتح 6 (2785) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3004) واللفظ له. ومسلم (2549) .
(7) البخاري- الفتح 6 (2834- 2835) واللفظ له. ومسلم (1805) .
(8) مسلم (1897) . والمعنى: أن هذا في شيئين: أحدهما تحريم التعرض لهن بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك، والثاني في برّهنّ والإحسان إليهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل إليها ريبة ونحوها.(4/1494)
عزّ وجلّ؟. قال: «الصّلاة على وقتها» ، قال: ثمّ أيّ؟. قال: «برّ الوالدين» . قال: ثمّ أيّ؟. قال:
«الجهاد في سبيل الله» . قال: حدّثني بهنّ ولو استزدته لزادني) * «1» .
14-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- في غزوة خيبر ... الحديث وفيه: قال: فلمّا تصافّ القوم، كان سيف عامر يعني ابن الأكوع فيه قصر فتناول به يهوديّا ليضربه ويرجع ذباب سيفه «2» ، فأصاب ركبة عامر فمات. فلمّا قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاحبا. فقال لي: «مالك؟» فقلت:
فدى لك أبي وأمّي زعموا أنّ عامرا أحبط عمله.
قال: «من قاله؟» . قال: فلان وفلان وأسيد بن الحضير الأنصاري. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب من قاله «3» » .
إنّ له لأجرين» - وجمع بين إصبعيه- «إنّه لجاهد مجاهد، قلّ عربيّ نشأ بها مثله «4» » ) * «5» .
15-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله فاقتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلّوا ولا تغذروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم إن تخفروا «6» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2782) و10 (5970) .
(2) ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به.
(3) كذب من قاله: أي أخطأ.
(4) قوله (قل عربي نشأ بها مثله) : الضمير للأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة. وقد فسرها قتيبة بقوله: نشأ.
(5) البخاري- الفتح 10 (6148) واللفظ له من حديث في غزوة خيبر، و7 (4196) من حديث غزوة خيبر. ومسلم (1802) .
(6) تخفروا ذممكم: أي تنقضوا عهودكم.
(7) مسلم (1731) .(4/1495)
16-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا» ) * «1» .
17-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي إلّا كان له من أمّته حواريّون وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره ثمّ إنّها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «2» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفّاه أن يدخله الجنّة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة» ) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصّلاة وصام رمضان كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة. جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» . فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشّر النّاس؟ قال:
«إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله. ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة» - أراه قال: «وفوقه عرش الرّحمن- ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «4» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله: ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» ) * «5» .
21-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا سعيد من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد نبيّا، وجبت له الجنّة» . فعجب لها أبو سعيد. فقال: أعدها عليّ يا رسول الله. ففعل. ثمّ قال: «وأخرى يرفع بها العبد
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2783) واللفظ له. ومسلم (1864) بلفظ آخر عن ابن عباس، وبلفظ البخاري نفسه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1864) .
(2) مسلم (50) .
(3) البخاري- الفتح 6 (2787) واللفظ له. ومسلم (1876) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2790) .
(5) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له. ومسلم (1027) .(4/1496)
مائة درجة في الجنّة. ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض» . قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله. الجهاد في سبيل الله» ) * «1» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: «لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور» ) * «2» .
23-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد. فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: «أسلم ثمّ قاتل» .
فأسلم ثمّ قاتل فقتل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» ) *» .
الأحاديث الواردة في (جهاد الأعداء) معنى
24-* (عن عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ألا إنّ القوّة الرّمي» ) * «4» .
25-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم، إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله تعالى» ) * «5» .
26-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه- في حديث صلح الحديبية ... الحديث، وفيه:
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّا لم نجأ لقتال أحد ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «6» . وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي، ولينفذنّ الله أمره» ) * «7» .
27-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: «فأرسلوا إليه» . فأتي به فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه ودعا له فبرأ. حتّى كأن لم يكن به وجع.
فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى
__________
(1) مسلم (1884) .
(2) البخاري- الفتح 6 (2784) .
(3) البخاري- الفتح 6 (2808) .
(4) مسلم (1917) .
(5) البخاري- الفتح 1 (25) . ومسلم (22) .
(6) جمّوا: أي استراحوا وكثروا.
(7) البخاري- الفتح 5 (2731- 2732) .(4/1497)
يكونوا مثلنا. فقال: «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» ) * «1» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «: تعس عبد الدّينار والدّرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبّرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفّع» ) * «2» .
29-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: الرّجل يقاتل حميّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء فأيّ ذلك في سبيل الله؟» . قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» ) * «3» .
30-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خطب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أخذ الرّاية زيد فأصيب، ثمّ أخذها جعفر فأصيب، ثمّ أخذها عبد الله ابن رواحة فأصيب، ثمّ أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففتح له» . وقال: «ما يسرّنا أنّهم عندنا» .
قال أيّوب: أو قال: «ما يسرّهم أنّهم عندنا وعيناه تذرفان» ) * «4» .
31-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدّنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنّة خير من الدّنيا وما عليها، والرّوحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدّنيا وما عليها» ) * «5» .
32-* (عن عروة البارقيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» ) * «6» .
33-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمّ حرام بنت ملحان فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج «7» هذا البحر ملوكا على الأسرّة، أو مثل الملوك على الأسرّة- شكّ إسحاق- قالت:
فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثمّ وضع رأسه فنام ثمّ استيقظ وهو يضحك. فقلت:
ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى. قالت: فقلت: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3701) . ومسلم (2406) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 6 (2887) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7458) واللفظ له. ومسلم (1904) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2798) .
(5) البخاري- الفتح 6 (2892) .
(6) البخاري- الفتح 6 (2852) بهذا اللفظ. ومسلم (1873) .
(7) ثبج هذا البحر: أي وسطه ومعظمه.(4/1498)
الأوّلين. فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابّتها حين خرجت من البحر فهلكت» ) * «1» .
34-* (عن سمرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت اللّيلة رجلين أتياني فصعدا بي الشّجرة وأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أر قطّ أحسن منها، قال: أمّا هذه الدّار فدار الشّهداء» ) * «2» .
35-* (عن سلمان- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتن» ) * «3» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الشّهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله» ) * «4» .
37-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: أرأيت إن قتلت أنا؟ فأين أنا؟ قال: «في الجنّة» . فألقى تمرات في يده، ثمّ قاتل حتّى قتل) * «5» .
38-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «كلّ الميّت يختم على عمله إلّا المرابط في سبيل الله، فإنّه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمّن من فتّان القبر» ) * «6» .
39-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمّة» ) * «7» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يقاتل المسلمون التّرك، قوما وجوههم كالمجانّ «8» المطرقة يلبسون الشّعر ويمشون في الشّعر» ) * «9» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتّى يختبأ اليهوديّ من وراء الحجر والشّجر، فيقول الحجر أو
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2877- 2878) . ومسلم (1912) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 6 (2791) .
(3) الترمذي (1165) وقال: حديث حسن صحيح. وعند البخاري من حديث سهل بن سعد، وعند مسلم (1881) نحوه.
(6) البخاري- الفتح 6 (2793) . ومسلم (1883) نحوه من حديث أبي أيوب.
(4) البخاري- الفتح 7 (4046) .
(5) أبو داود (2500) واللفظ له. والترمذي (1621) وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 144) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
(6) البخاري- الفتح 13 (7311) مختصرا. ومسلم (156) واللفظ له.
(7) مسلم (156) ، ومسند الإمام أحمد (3/ 345) ونصه «ليكرم الله هذه الأمة» .
(8) المجانّ: جمع مجنّ وهو ما يتقى به المحارب كالترس. ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتلون وجناتها بالترسة المطرقة.
(9) البخاري- الفتح 6 (2929) . ومسلم (2912) واللفظ له. ويمشون في الشعر معناه: ينتعلون الشعر.(4/1499)
الشّجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله، إلّا الغرقد «1» فإنّه من شجر اليهود» ) * «2» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم «3» في سبيله، إلّا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب «4» ، اللّون لون دم والرّيح ريح مسك» ) * «5» .
43-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لغدوة في سبيل الله، أو روحة، خير من الدّنيا وما فيها» ) * «6» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقاب قوس في الجنّة خير ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب» . وقال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير ممّا تطلع عليه الشّمس وتغرب» ) * «7» .
45-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله، حتّى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنّم» ) * «8» .
46-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لن يبرح هذا الدّين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم السّاعة» ) * «9» .
47-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أحد يدخل الجنّة يحبّ أن يرجع إلى الدّنيا وله ما على الأرض من شيء إلّا الشّهيد يتمنّى أن يرجع إلى الدّنيا فيقتل عشر مرّات، لما يرى من الكرامة» ) * «10» .
48-* (عن أبي عبس عبد الرّحمن بن جبر، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما اغبرّتا قدما عبد في سبيل الله فتمسّه النّار» ) *1» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا. وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «12» .
50-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من جهّز غازيا في
__________
(1) الغرقد: نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس. قال الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة.
(2) البخاري- الفتح 6 (2925، 2926) . ومسلم (2922) واللفظ له.
(3) يكلم بضم أوله: أي يجرح.
(4) يثعب: أي يجري.
(5) البخاري- الفتح 6 (2803) . ومسلم (1876) واللفظ لمسلم.
(6) البخاري- الفتح 6 (2792) مختصرا ومطولا برقم (2796) . ومسلم (1880) .
(7) البخاري- الفتح 6 (2793) .
(8) الترمذي (1633) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 6/ 12.
(9) مسلم (1922) .
(10) البخاري- الفتح 6 (2817) واللفظ له. وأحمد (3/ 103) .
(11) البخاري- الفتح 6 (2811) .
(12) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له. ومسلم (1841) .(4/1500)
سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا» ) * «1» .
51-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب الشهادة صادقا أعطيها وإن لم تصبه» ) * «2» .
52-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قاتل في سبيل الله فواق ناقة «3» وجبت له الجنّة، ومن سأل الله القتل في سبيل الله صادقا من نفسه ثمّ مات أو قتل فإنّ له أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة، فإنّها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزّعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله، فإنّ عليه طابع الشّهداء» ) * «4» .
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف، وفي كلّ خير ... الحديث» ) * «5» .
54-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من خير معاش النّاس لهم:
رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلّما سمع هيعة أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانّه «6» ، أو رجل في غنيمة في رأس شعفة «7» من هذه الشّعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويعبد ربّه حتّى يأتيه اليقين، ليس من النّاس إلّا في خير» ) * «8» .
55-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من علم الرّمي، ثمّ تركه، فليس منّا، أو قد عصى» ) * «9» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات ولم يغز، ولم يحدّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق» ) * «10» .
57-* (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: هاجرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ومنّا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئا، كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد لم يترك إلّا نمرة «11» كنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّي بها رجلاه خرج رأسه.
فقال لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «غطّوا بها رأسه واجعلوا على رجله
__________
(1) مسلم (1895) .
(2) مسلم (1908) وفي الرواية الأخرى: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وان مات على فراشه» . انظر: جامع الأصول (2/ 584) .
(3) فواق ناقة: أي قدر مدة حلب الناقة.
(4) أبو داود (2541) واللفظ له. والترمذي (1657) والحاكم في المستدرك (2/ 77) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله إسناد صحيح على شرط الشيخين مختصرا.
(5) مسلم (2664) .
(6) والموت مظانه: يعني يطلبه من مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة.
(7) شعفة: أعلى الجبل.
(8) مسلم (1889) .
(9) مسلم (1919) .
(10) مسلم (1910) . قال عبد الله بن المبارك: فنرى- أي نظن- أن ذلك كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: إنه عام.
(11) النمرة: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب وجمعها نمار.(4/1501)
الإذخر، أو قال: ألقوا على رجله من الإذخر. ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها «1» » ) * «2» .
58-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في هذه الآية وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران/ 169) قال: أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال:
«أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوي إلى تلك القناديل» ) * «3» .
59-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف» ) * «4» .
60-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يغفر للشّهيد كلّ ذنب إلّا الدّين» ) * «5» .
61-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به» . أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على المشركين، فقال: «لا نقول كما قال قوم موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك» . فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه، يعني قوله) * «6» .
62-* (عن جبير بن حيّة- رحمه الله تعالى- في حديث غزو فارس في زمن عمر- رضي الله عنه- قال: «قال المغيرة- رضي الله عنه- مجيبا عامل كسرى: فأمرنا نبيّنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نقاتلكم حتّى تعبدوا الله وحده، أو تؤدّوا الجزية، وأخبرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عن رسالة ربّنا أنّه من قتل منّا صار إلى الجنّة في نعيم لم ير مثلها قطّ، ومن بقي منّا ملك رقابكم» ) * «7» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (جهاد الأعداء)
63-* (عن جندب بن سفيان- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض المشاهد قد دميت إصبعه فقال:
«هل أنت إلّا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت» ) * «8» .
64-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّه سئل عن جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد فقال: أما والله إنّي لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن كان يسكب الماء وبما دووي، قال: كانت فاطمة- رضي الله عنها- بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تغسله وعليّ يسكب
__________
(1) يهدبها: أي يجنيها. من قولهم هدب الثمرة جناها.
(2) البخاري- الفتح 7 (4047) .
(3) مسلم (1887) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2818) . ومسلم (1902) من حديث أبي موسى نحوه.
(5) مسلم (1886) .
(6) البخاري- الفتح 7 (3952) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3159) .
(8) البخاري- الفتح 6 (2802) .(4/1502)
الماء بالمجنّ «1» . فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدّم إلّا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدّم. وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة «2» على رأسه» ) * «3» .
65-* (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين.
فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نفارقه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكفّار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يركض بغلته قبل الكفّار. قال عبّاس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكفّها إرادة أن لا يسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي عبّاس ناد أصحاب السّمرة» «4» . فقال عبّاس: (وكان رجلا صيّتا) فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السّمرة؟ قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبّيك يا لبّيك. قال: فاقتتلوا والكفّار. والدّعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار. قال: ثمّ قصرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج. يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين حمي الوطيس «5» » قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفّار.
ثمّ قال: «انهزموا، وربّ محمّد» . قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله ما هو إلّا أن رماهم بحصياته. فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا) * «6» .
66-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «جعل رزقي تحت ظلّ رمحي، وجعل الذّلّة والصّغار على من خالف أمري» ) * «7» .
67-* (عن بريدة عن أبيه- رضي الله عنه- قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع عشرة غزوة قاتل في ثمان منهنّ) * «8» .
68-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأله فقال: أكنتم ولّيتم يوم حنين؟ يا أبا عمارة فقال: أشهد على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ما ولّى. ولكنّه انطلق أخفّاء من النّاس وحسّر إلى هذا الحيّ من هوازن. وهم قوم رماة. فرموهم برشق من نبل. كأنّها
__________
(1) المجن: الترس الذي يواري حامله أثناء القتال.
(2) البيضة: الخوذة من المعدن يلبسها المقاتل.
(3) البخاري- الفتح 7 (4075) واللفظ له. ومسلم (1790) .
(4) أصحاب السمرة: هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان. ومعناه نادهم.
(5) هذا حين حمى الوطيس: قيل الوطيس هو التنور المسجور. وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) مسلم (1775) .
(7) البخاري- الفتح 6 (تعليقا 88) باب ما قيل في الرماح (ص 115) . ورواه أحمد بأطول من هذا، انظر تعليق الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 115- 116) .
(8) مسلم (1814) .(4/1503)
رجل من جراد فانكشفوا. فأقبل القوم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته. فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب، أنا ابن عبد المطّلب، اللهمّ نزّل نصرك» . قال البراء: كنّا والله إذا احمرّ البأس نتّقي به، وإنّ الشّجاع منّا للّذي يحاذي به يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
69-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والّذي نفسي بيده، لولا أنّ رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلّفوا عنّي ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلّفت عن سريّة تغدو في سبيل الله، والّذي نفسي بيده لوددت أنّي أقتل في سبيل الله، ثمّ أحيا ثمّ أقتل، ثمّ أحيا ثمّ أقتل، ثمّ أحيا ثمّ أقتل» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (جهاد الأعداء)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها-: أنّ سعدا قال: «اللهمّ إنّك تعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذّبوا رسولك صلّى الله عليه وسلّم وأخرجوه، اللهمّ فإنّي أظنّ أنّك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم» ) * «3» .
2-* (قال مجاهد رحمه الله: قلت لابن عمر:
«الغزو» ، قال: «إنّي أحبّ أن أعينك بطائفة من مالي» ، قلت: «أوسع الله عليك» ، قال: «إنّ غناك لك، وإنّي أحبّ أن يكون من مالي في هذا الوجه» ، وقال عمر:
«إنّ ناسا يأخذون من هذا المال ليجاهدوا، ثمّ لا يجاهدون فمن فعله فنحن أحقّ بماله حتّى نأخذ منه ما أخذ» ) *» .
3-* (قال ابن دقيق العيد: «الجهاد أفضل الأعمال مطلقا؛ لأنّه وسيلة إلى إعلان الدّين ونشره، وإخماد الكفر ودحضه؛ ففضيلته بحسب فضيلة ذلك، والله أعلم» ) * «5» .
4-* (قال العزّ بن عبد السّلام: «إذا كانت مشقّة الغبار عاصمة من عذاب النّار فما الظّنّ بمن بذل ماله وغرّر بنفسه في قتال الكفّار» ) * «6» .
5-* (وقال نقلا عن بعض أهل العلم: «إنّ أتمّ الشّرائع وأكمل النّواميس هو الشّرع الّذي يؤمر فيه بالجهاد» ) * «7» .
6-* (وقال أيضا: «إنّما شرفت النّفقة في سبيل الله؛ لأنّها وسيلة إلى أفضل الأعمال بعد
__________
(1) مسلم (1776) . ورجل من جراد: كأنها قطعة من جراد، وانكشفوا: انهزموا.
(2) البخاري- الفتح 6 (2797) .
(3) البخاري- الفتح 7 (3901) .
(4) البخاري- الفتح (6/ 144) باب الجعائل والحملان في السبيل برقم (119) .
(5) الفتح (6/ 8) .
(6) أحكام الجهاد وفضله (68) .
(7) المرجع السابق (37) .(4/1504)
الإيمان، وإذا كانت حسنة الوسيلة بسبعمائة فما الظّنّ بحسنة الجهاد في سبيل الله» ) * «1» .
7-* (وقال أيضا: «إنّما ضمن الله الرّجعة والرّضوان والغفران لمن جاهد في سبيله ابتغاء مرضاته ونصرة دينه، فإنّ الله لا يقبل من الأعمال إلّا ما أريد به وجهه» ) * «2» .
8-* (وقال: «لمّا بذل الشّهداء أنفسهم من أجل الله، أبدلهم الله حياة خيرا من حياتهم الّتي بذلوها وجعلهم جيرانه، يبيتون تحت عرشه ويسرحون من الجنّة حيث شاءوا، لمّا انقطعت
آثارهم من السّروح في الدّنيا» ) * «3» .
9-* (وقال: «من سهر في سبيل الله فقد ترك غرضه من النّوم؛ طاعة لله بما يتجشّمه من خوف العدوّ؛ ولذلك حرّمت عينه على النّار» ) * «4» .
10-* (وقال: «يشرف البذل بشرف المبذول، وأفضل ما بذله الإنسان نفسه وماله، ولمّا كانت الأنفس والأموال مبذولة في الجهاد، جعل الله من بذل نفسه في أعلى رتب الطّائعين وأشرفها لشرف ما بذله، مع محو الكفر ومحق أهله وإعزاز الدّين وصون دماء المسلمين» ) * «5» .
من فوائد (جهاد الأعداء)
(1) الجهاد من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) هو دليل على حسن الظّنّ بالله وقوّة اليقين.
(3) الجهاد لإعلاء كلمة الله فيه عزّ الإسلام والمسلمين وقمع الشّرك وأعوانه.
(4) لولا الجهاد لاستفحل الشّر ولفسدت الأرض.
(5) فيه تمحيص للقلوب واختبار للنّفوس.
(6) الشّهداء أحياء عند ربّهم يرزقون.
(7) من أسباب التّمكين في الأرض.
(8) الجهاد فيه إرضاء لله وإذلال ودحر للشّيطان وأعوانه.
(9) من أفضل كسب المؤمن غنائم الجهاد.
(10) جهاد الأعداء والانتصار عليهم فيه شفاء لصدور المؤمنين، وإذهاب لغيظ قلوبهم.
(11) به ينال العبد أعلى الجنان ويقرّب من عرش الرّبّ الرّحمن.
(12) من أسمى معاني الجهاد إعلان العبوديّة لله- عزّ وجلّ- ودحض ما سواها.
(13) ليس ثمّة عمل يعدل الجهاد في سبيل الله.
(14) من الضّرورة بمكان أن يسأل العبد ربّه الشّهادة في سبيل الله دائما.
__________
(1) أحكام الجهاد وفضله (61) .
(2) المرجع السابق (60) .
(3) المرجع السابق (84) .
(4) المرجع السابق (73) .
(5) المرجع السابق (54) .(4/1505)
الجود
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
14/ 16
الجود لغة:
مصدر قولهم: جاد الرّجل بماله يجود جودا، وهو مأخوذ من مادّة (ج ود) الّتي تدلّ على التّسمّح بالشّيء وكثرة العطاء، يقال: رجل جواد بيّن الجود، وقوم أجواد، والجود (بفتح الجيم) المطر الغزير، وفرس جواد: يجود بمدّخر عدوه، وقيل: هو الفرس الذّريع والسّريع، والجمع جياد، قال تعالى: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (ص/ 31) ويقال: في الفرس جودة، وفي المال جود، وفي المطر جود، ويقال: شيء جيّد على (وزن) فيعل والجمع جياد، وجيائد بالهمز على غير قياس، أمّا في المطر فيقال: مطر جائد، والجمع جود مثل صاحب وصحب، وفي وصف الرّجل يقال: رجل جواد أي سخيّ، وقوم جود وأصلها جود (وسكّنت الواو لأنّها حرف علّة) وأجواد وأجاود، وجوداء وكذلك امرأة جواد ونسوة جود، مثل نوار ونور، قال أبو شهاب الهذليّ:
صناع بإشفاها حصان بشكرها ... جواد بقوت البطن والعرق ذاخر
والفعل من ذلك: جاد، يقال: جاد الشّيء جودة وجودة أي صار جيّدا، والجيّد (هنا) ضدّ الرّديء، وجاد الفرس أي صار رائعا، وجاد الرّجل بماله يجود جودا، وجاد عليه بماله: تكرّم، به وأجاد الرّجل إذا كان معه فرس جواد، وأجدت الشّيء فجاد، وجوّد: مثله، وربّما قالوا: أجودت الشّيء بدون إعلال، كما قالوا أطال (بالإعلال) وأطول (بالتّصحيح) ، ويقال: شاعر مجواد أي يجيد كثيرا، واستجدت الشّيء: عددته جيّدا، واستجاده طلب جوده، وجاودت الرّجل فجدته أي غلبته بالجود، ويقال جيدت الأرض: سقاها الجود، ومنه الحديث:
«تركت أهل مكّة وقد جيدوا» أي مطروا مطرا جودا، وأجاده: قتله، وجاد بنفسه عند الموت يجود جودا وجئودا، قارب أن يقضي، والعرب تقول: هو يجود بنفسه معناه يسوق بنفسه من قولهم: إنّ فلانا ليجاد إلى فلان أي يساق إليه، وفي الحديث فإذا ابنه إبراهيم عليه السّلام- يجود بنفسه أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به، قال: والجود الكرم يريد أنّه كان في النّزع، وسياق الموت، والجوديّ موضع، وقيل: جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه(4/1506)
وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة والسّلام «1» .
واصطلاحا:
قال التّهانويّ: إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض.
وقال الجرجانيّ: الجود صفة هي مبدأ إفادة ما ينبغي لا لعوض، فلو وهب واحد كتابه (لمن هو) من غير أهله أو من أهله لغرض دنيويّ أو أخرويّ لا يكون جودا «2» .
وقال الزّبيديّ: الجواد، هو الّذي يعطي بلا مسألة صيانة للآخذ من ذلّ السّؤال. وقال:
وما الجود من يعطي إذا ما سألته ... ولكنّ من يعطي بغير سؤال «3»
وقال الكفويّ: الجود هو صفة ذاتيّة للجواد ولا يستحقّ بالاستحقاق ولا بالسّؤال «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإحسان- الإغاثة- الإنفاق- التعاون على البر والتقوى- السخاء- السماحة- الكرم- تفريج الكربات- الإيثار- المروءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البخل- الشح الكنز- الإسراف- الأثرة] .
الآيات الواردة في «الجود»
انظر صفة «الكرم»
__________
(1) مقاييس اللغة (1/ 493) ، مفردات الراغب (ص 102، 103) ، والصحاح (2/ 460) ، ولسان العرب مادة «جود» (ص 722، ط. دار المعارف) .
(2) المفردات للراغب (ص 102) وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 279) والتعريفات للجرجاني (ص 84) بتصرف يسير.
(3) تاج العروس، للزبيدي (4/ 403) .
(4) الكليات للكفوي (ص 352) .(4/1507)
الأحاديث الواردة في (الجود)
1-* (عن عائشة رضي الله عنها- قالت:
دار عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دورة، قال: «أعندك شيء؟» قالت: ليس عندي شيء. قال: «فأنا صائم» . قالت:
ثمّ دار عليّ الثّانية وقد أهدي لنا حيس «1» فجئت به فأكل فعجبت منه. فقلت: يا رسول الله دخلت عليّ وأنت صائم ثمّ أكلت حيسا. قال: «نعم يا عائشة إنّما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التّطوّع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه وبخل منها بما بقي فأمسكه» ) * «2» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وكان أجود النّاس، وكان أشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصّوت. فتلقّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعا، وقد سبقهم إلى الصّوت وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السّيف، وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا «3» » ) * «4» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الرّيح المرسلة) * «5» .
4-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: «يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا. يا عبادي كلّكم ضالّ إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلّكم جائع إلّا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلّكم عار إلّا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا.
يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومّن إلّا نفسه) * «6» .
وفيه عند التّرمذيّ وغيره: «ذلك بأنّي جواد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئا فإنّما أقول له كن فيكون» ) * «7» .
5-* (عن جابر بن عبد الله قال: «ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ فقال: لا» ) * «8» .
__________
(1) الحيس: تمر وأقط وسمن تخلط وتعجن وتسوى كالثريد.
(2) مسلم (1154) . والنسائي (4/ 194) واللفظ له.
(3) لم تراعوا: أي روعا مستقرّا أو روعا يضركم.
(4) البخاري- الفتح 6 (2820) . ومسلم (2307) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 1 (5) واللفظ له. ومسلم (2308) .
(6) مسلم (2577) .
(7) الترمذي (2495) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجة (4257) وهذا لفظه. وأحمد (5/ 145) .
(8) البخاري- الفتح 10 (6034) . ومسلم (2311) واللفظ له. أحمد (3/ 307) .(4/1508)
الأحاديث الواردة في (الجود) معنى
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غنما بين جبلين. فأعطاه إيّاه. فأتى قومه. فقال: أي قوم. أسلموا، فو الله إنّ محمّدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر) * «1» .
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» . وقال بيديه جميعا. فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يجيء مال البحرين. فقدم على أبي بكر بعده. فأمر مناديا فنادى:
من كانت له على النّبيّ عدة أو دين فليأت. فقمت فقلت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» . فحثى أبو بكر مرّة. ثمّ قال لي: عدّها. فعددتها فإذا هي خمسمائة.
فقال: خذ مثليها) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحّى ذلك السّحاب فأفرغ ماءه في حرّة «3» فإذا شرجة من تلك الشّراج «4» قد استوعبت ذلك الماء كلّه فتتبّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحوّل الماء بمسحاته «5» فقال له:
يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الّذي سمع في السّحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ قال: إنّي سمعت صوتا في السّحاب الّذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمّا إذ قلت هذا، فإنّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدّق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأردّ فيها ثلثه» ) * «6» .
9-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟» فقال أبو بكر- رضي الله عنه:
دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرّحمن فأخذتها منه فدفعتها إليه) * «7» .
10-* عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما أن نتصدّق، فوافق ذلك ما لا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر- رضي الله عنه- بكلّ ما عنده، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟» ، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا) * «8» .
__________
(1) مسلم (2312) .
(2) مسلم (2314) .
(3) الحرة: أرض بها حجارة سود كثيرة.
(4) الشراج: مسايل الماء.
(5) المسحاة: آلة يحرف بها الطين.
(6) مسلم (2984) .
(7) أبو داود (1670) وهذا لفظه. وقال محقق جامع الأصول (11/ 206) : حديث حسن بشواهده.
(8) أبو داود (1678) وقال الألباني: حسن (1/ 315) .(4/1509)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الجود)
11-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- أنّه قال: بينما أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «1» من حنين فعلقت النّاس يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة «2» فخطفت رداءه فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي لو كان عدد هذه العضاه «3» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) *» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّي مجهود «5» فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلّا ماء. ثمّ أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك. حتّى قلن كلّهنّ مثل ذلك: لا. والّذي بعثك بالحقّ ما عندي إلّا ماء. فقال: «من يضيف هذا اللّيلة، رحمه الله» ، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا، يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا. إلّا قوت صبياني. قال: فعلّليهم بشيء. فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السّراج وأريه أنّا نأكل. فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السّراج حتّى تطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضّيف. فلمّا أصبح غدا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة» ) * «6» .
13-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «7» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «8» . فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «9» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد
__________
(1) مقفله: جأي حين قفل عائدا إلى مكة.
(2) سمرة: أي ألجأوه إلى شجرة من شجر البادية ذات شوك.
(3) العضاه: هو شجر ذو شوك.
(4) البخاري- الفتح 6 (2821) .
(5) إني مجهود: أي أصابني الجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع.
(6) البخاري- الفتح 7 (3798) . ومسلم (2054) واللفظ له.
(7) الجهد: بفتح الجيم هو الجوع والمشقة.
(8) الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها.
(9) وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه.(4/1510)
فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا.
فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك.
فقال «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» قال فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «1» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ.
فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» «2» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ما هذه إلّا رحمة من الله «3» . أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس) * «4» .
14-* (عن ابن شهاب- رضي الله عنه- قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة الفتح، فتح مكّة. ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن معه من المسلمين. فاقتتلوا بحنين.
فنصر الله دينه والمسلمين. وأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ صفوان بن أميّة مائة من النّعم. ثمّ مائة. ثمّ مائة.
قال ابن شهاب: حدّثني سعيد بن المسيّب:
أنّ صفوان قال: والله! لقد أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطاني، وإنّه لأبغض النّاس إليّ. فما برح يعطيني حتّى إنّه لأحبّ النّاس إليّ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الجود)
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «لمّا مات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرميّ. فقال أبو بكر: «من كان له على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دين، أو كانت له قبله عدة، فليأتنا» ) * «6» .
2-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «ما احتذى البغال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور من رجل بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل من جعفر بن أبي طالب في الجود والكرم» ) * «7» .
3-* (قال عبد الله بن جعفر لرجل قال له:
تماكس في درهم وأنت تجود من المال بكذا وكذا؟ فقال:
«ذاك مالي جدت به، وهذا عقلي بخلت به» ) * «8» .
4-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى:
«بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود» ) * «9» .
__________
(1) حافلة: أي ممتلئ ضرعها باللبن.
(2) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي؟.
(3) ما هذه إلا رحمة من الله: يشير صلّى الله عليه وسلّم إلى إحداث اللبن في غير حينه.
(4) مسلم (2055) .
(5) مسلم (2313) .
(6) أحمد (2/ 413- 414) .
(7) المقاصد الحسنة للسخاوي (292) .
(8) الإحياء (3/ 247) .
(9) الإحياء (3/ 724) .(4/1511)
5-* (عن محمّد بن الحسن قال: قال مالك ابن دينار- رحمهم الله تعالى-: «المؤمن كريم في كلّ حالة لا يحبّ أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه، قال: ثمّ يبكي مالك وهو يقول: وهو مع ذلك غنيّ القلب لا يملك من الدّنيا شيئا، إن أزلّته عن دينه لم يزلّ، وإن خدعته عن ماله انخدع، لا يرى الدّنيا من الآخرة عوضا، ولا يرى البخل من الجود حظّا، منكسر القلب ذو هموم قد تفرّد بها، مكتئب حزين ليس له في فرح الدّنيا نصيب، إن أتاه منها شيء فرّقه وإن زوي عنه كلّ شيء فيها لم يطلبه ويبكي ويقول: هذا والله الكرم، هذا والله الكرم» ) * «1» .
6-* (قال جعفر الصّادق- رحمه الله تعالى-:
«لا مال أعون من العقل، ولا مصيبة أعظم من الجهل، ولا مظاهرة كالمشاورة، ألا وإنّ الله- عزّ وجلّ- يقول: إنّي جواد كريم لا يجاورني لئيم. واللّؤم من الكفر وأهل الكفر في النّار، والجود والكرم من الإيمان وأهل الإيمان في الجنّة» ) * «2» .
7-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
على المقلّين من أهل المروءات ... إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني
ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات) * «3» .
8-* (قال أبو محمّد إسحاق الموصلّي- رحمه الله تعالى-:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل
أرى النّاس خلّان الجواد ولا أرى ... بخيلا له في العالمين خليل
وإنّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا أن يكون نبيل
عطائي عطاء المكثرين تكرّما ... ومالي كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جليل)
* «4» .
9-* (قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-:
«الجواد من قام بواجب الشّرع (الزّكاة والنّفقة على العيال) ولازم المروءة (ترك المضايقة، والاستقصاء عن المحقّرات) ويبذل زيادة على ذلك) » * «5» .
10-* (قال ابن منظور في لسان العرب:
«أجود العرب مذكورون، فأجواد أهل الكوفة همّ:
عكرمة بن ربعيّ وأسماء بن خارجة وعتّاب بن ورقاء الرّياحيّ. وأجواد أهل البصرة: عبيد الله بن أبي بكرة ويكنّى أبا حاتم وعمرو بن عبد الله بن معمر التّيميّ وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعيّ وهؤلاء أجود من
__________
(1) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (54 (ت. محمد عبد القادر عطا. (ط. أولى) .
(2) الإحياء (3/ 246) .
(3) المرجع السابق (3/ 251) .
(4) وفيات الأعيان (1/ 204) والبيتان الأخيران ذكرهما الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء (11/ 121) . وذكر أنّه لمّا أنشدهما الرشيد أمر له بمائة ألف درهم.
(5) مختصر منهاج القاصدين (207) بتصرف.(4/1512)
أجواد الكوفة. وأجواد أهل الحجاز: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبيد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب، وهما أجود من أجواد أهل البصرة، فهؤلاء الأجواد المشهورون، وأجواد النّاس بعد ذلك كثير» ) * «1» .
11-* (قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-:
«الجود بالنّفس أقصى غاية الجود» ) * «2» .
12-* (قال بعض الشّعراء:
لا تجد بالعطاء في غير حقّ ... ليس في منع غير ذي الحقّ بخل
إنّما الجود أن تجود على من ... هو للجود والنّدى منك أهل) * «3» .
13-* (وقال بعضهم: جود الرّجل يحبّبه إلى أضداده، وبخله يبغّضه إلى أولاده) * «4» .
14-* (وقال شاعر:
وقال رسول الله والحقّ قوله ... لمن قال منّا من تسمّون سيّدا
فقالوا الجدّ بن قيس على تلك الّتي ... نبخّله فيها وإن كان أسودا
فتى ما تخطّى خطوة لدنيّة ... ولا مدّ في يوم إلى سوأة يدا
فسوّد عمرو بن الجموح بجوده ... وحقّ لعمرو بالنّدى أن يسوّدا) *
«5» .
15-* (قال عنترة العبسيّ:
ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتّى أنال به كريم المأكل
«6»
16-* (وقال حاتم الطّائيّ- يخاطب امرأته (نوار) -:
مهلا نوار أقلّي اللّوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه ... مهلا سأعطي الأنام الأنس والخبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إنّ الجواد يرى في ماله سبلا)
* «7» .)
من فوائد (الجود)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) دليل حسن الظّنّ بالله تعالى.
(3) حبّ النّاس له وقربهم منه.
(4) رفعة مكانته في الآخرة وحبّ المولى له.
(5) قليل أعداؤه وحسّاده.
(6) حسن ثناء النّاس عليه.
__________
(1) لسان العرب (3/ 136) .
(2) الموافقات (2/ 248) .
(3) أدب الدنيا والدين (224) .
(4) المرجع السابق (226) .
(5) المنتقى من مكارم الأخلاق ومعاليها، للخرائطي (138) .
(6) المرجع السابق (143) . وفيه: قال حاتم الطائي، والصواب ما أثبتناه.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(4/1513)
[حرف الحاء]
الحجاب
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 13/ 13
الحجاب لغة:
لفظ الحجاب يستعمل في اللّغة مرادا به أحد أمرين: الأوّل أن يكون مصدرا، ومعناه حينئذ المنع ويرادفه الحجب، يقال: حجب الشّيء يحجّبه حجبا وحجابا منعه، يقول ابن فارس: الحاء والجيم والباء أصل واحد وهو المنع، يقال حجبته عن كذا أي منعته. وقال الرّاغب: الحجب والحجاب: المنع من الوصول.
الآخر أن يكون اسما، ويراد به: السّتر أو السّاتر، قال في الصّحاح: الحجاب: السّتر وحجاب الجوف: ما يحتجب بين الفؤاد وسائره «1» (أي الجوف) والحاجبان: العظمان فوق العينين بالشّعر واللّحم، وهذا على التّشبيه كأنّهما تحجبان شيئا يصل إلى العينين، والحاجب: المانع عن السّلطان، قال الجوهريّ: حاجب العين جمعه حواجب وحاجب الأمير (أو السّلطان) جمعه: حجّاب، وحواجب الشّمس نواحيها وذلك على التّشبيه بحواجب الإنسان، والحجبة رأس الورك، وهذا على التّشبيه أيضا لإشرافها عليه.
ويقال: احتجب الملك عن النّاس (في معنى امتنع) ، واستحجبه ولّاه الحجابة (أي جعله حاجبا له) ، ويقال: قد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب.
وامرأة محجوبة: قد سترت بستر. والحجاب:
اسم ما احتجب به، وكلّ ما حال بين شيئين: حجاب، والجمع حجب لا غير. وقوله تعالى: وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ معناه: ومن بيننا وبينك حاجز في النّحلة والدّين. وفي حديث أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب» قيل: يا رسول الله، وما الحجاب؟ قال: «أن تموت النّفس، وهي مشركة، كأنّها حجبت بالموت عن الإيمان» .
وقال ابن شميل في حديث ابن مسعود: من اطّلع الحجاب واقع ما وراءه، أي إذا مات الإنسان واقع ما وراء الحجابين: حجاب الجنّة وحجاب النّار لأنّهما قد خفيا.
وقيل اطّلاع الحجاب: مدّ الرّأس لأنّ المطالع يمدّ رأسه ينظر من وراء الحجاب وهو السّتر «2» .
__________
(1) هذه عبارة الصحاح (1/ 107) وأوضح منها عبارة ابن فارس في المقاييس (2/ 143) «وحجاب الجوف: ما يحجب بين الفؤاد وسائر الجوف» .
(2) لسان العرب 1 (/ 298- 300) . مختصرا ومختار الصحاح (1/ 112) .(4/1514)
واصطلاحا:
قال الكفويّ: الحجاب: كلّ ما يستر المطلوب، ويمنع من الوصول إليه فهو حجاب، كالسّتر والبوّاب والجسم والعجز والمعصية «1» .
والحجاب المقصود من أمر الله ورسوله ستر الوجه وسائر البدن سترا كاملا بحيث لا يبين منه شيء «2» .
وقال الشّيخ عبد الرّحمن ناصر بن السّعديّ في قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ (النور/ 31) . وهذا لكمال الاستتار، ويدلّ ذلك على أنّ الزّينة الّتي يحرم إبداؤها يدخل فيها جميع البدن.
وذلك كما في قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ* كالثّياب الجميلة، وجميع البدن كلّه من الزّينة «3» .
من معاني كلمة الحجاب في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ الحجاب في القرآن على أوجه، منها:
أحدها: السّور، ومنه قوله تعالى في الأعراف:
وَبَيْنَهُما حِجابٌ (آية/ 46) .
الثّاني: السّتر، ومنه قوله تعالى في «مريم» :
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً
(آية/ 17) . وفي الأحزاب: فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ (آية/ 53) ، وهو السّتر الشّرعيّ.
الثّالث: الجبل، ومنه قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ذكره ابن الأثير في النّهاية» .
الرّابع: المنع، ومنه قوله تعالى في المطفّفين:
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (آية/ 15) «5» .
زينة المرأة وحجابها:
قال ابن مسعود- رضي الله عنه- الزّينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلّا الزّوج.
فأمّا الزّينة الظّاهرة: فالثّياب، وأمّا الزّينة الباطنة:
فالكحل والسّوار والخاتم «6» .
قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ- رحمه الله:
أظهر القولين عندي قول ابن مسعود- رضي الله عنه-: إنّ الزّينة الظّاهرة: هي ما لا يستلزم النّظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبيّة، وإنّما قلنا هذا القول هو الأظهر؛ لأنّه هو
الأحوط، وأبعدها عن أسباب الفتنة وأطهرها لقلوب الرّجال والنّساء، ولا يخفى أنّ وجه المرأة هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها- كما هو معلوم- والجاري على قواعد الشّرع الكريم هو تمام المحافظة والابتعاد عن الوقوع فيما لا ينبغي.
وقال أيضا: فقد أوضحنا أنّ المراد بها (آية الحجاب) يدخل فيه ستر الوجه وتغطيته عن الرّجال،
__________
(1) الكليات، للكفوي (360) .
(2) الحجاب والسفور (146) .
(3) تفسير الكريم المنان (5/ 201، 202) .
(4) النهاية، لابن الأثير (1/ 340) .
(5) نزهة الأعين النواظر (246) . وانظر بصائر ذوي التمييز: (2/ 433) .
(6) أضواء البيان (6/ 195) .(4/1515)
وأنّ ستر المرأة وجهها عمل بالقرآن كما قالته عائشة- رضي الله عنها- «1» .
قال ابن تيمية: وقوله: أَوْ نِسائِهِنَّ قالوا:
احتراز عن النّساء المشركات، فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة ولا تدخل المشركة معهنّ الحمّام. وليس للذّمّيّات أن يطّلعن على الزّينة الباطنة، ويكون الظّهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره. ولهذا كان أقاربها تبدي لهنّ الباطنة، وللزّوج خاصّة ما ليس للأقارب «2» .
وقد نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب فقال في الفتاوى المطبوعة أخيرا (ص 110 ج 2 من الفقه و22 من المجموع) : «وحقيقة الأمر أنّ الله جعل الزّينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة، ويجوز لها إبداء زينتها الظّاهرة لغير الزّوج وذوي المحارم وكانوا قبل أن تنزّل آية الحجاب كان النّساء يخرجن بلا جلباب يرى الرّجل وجهها ويديها، وكانت إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفّين وكان حينئذ يجوز النّظر إليها؛ لأنّه يجوز لها إظهاره ثمّ لمّا أنزل الله آية الحجاب بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ (الأحزاب/ 59) حجب النّساء عن الرّجال ثمّ قال:
والجلباب هو الملاءة وهو الّذي يسمّيه ابن مسعود وغيره الرّداء وتسمّيه العامّة الإزار، وهو الإزار الكبير الّذي يغطّي رأسها وسائر بدنها ثمّ قال فإذا كنّ مأمورات بالجلباب؛ لئلّا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنّقاب كان الوجه واليدان من الزّينة الّتي أمرت أن لا تظهرها للأجانب، فما بقي يحلّ للأجانب النّظر أي إلى الثّياب الظّاهرة «3» .
أدلة وجوب الحجاب:
وقد ساق الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ أدلّة وجوب الحجاب من الكتاب والسّنّة على النّحو التّالي:
1- قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ:
أنّهنّ يسترن بها جميع وجوههنّ، ولا يظهر منهنّ شيء إلّا عين واحدة تبصر بها، وممّن قال به ابن مسعود، وابن عبّاس، وعبيدة السّلمانيّ وغيرهم.
2- قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها، من أنّ استقراء القرآن يدلّ على أنّ معنى إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها الملاءة فوق الثّياب، وأنّه لا يصحّ تفسير إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها بالوجه والكّفين.
وأنّ عامّة المفسّرين من الصّحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأنّ نساء أهل المدينة كنّ يخرجن باللّيل لقضاء حاجتهنّ خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون
__________
(1) أضواء البيان (6/ 200) .
(2) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (119) .
(3) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (98- 99) .(4/1516)
للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زيّ ليس متميّزا عن زيّ الإماء، فيتعرّض لهنّ أولئك الفسّاق بالأذى ظنّا منهم أنّهنّ إماء. فأمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيّهنّ عن زيّ الإماء وذلك بأن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ، فإذا فعلن ذلك ورآهنّ الفسّاق، علموا أنّهنّ حرائر، ومعرفتهم بأنّهنّ حرائر لا إماء هو معنى قوله- عزّ وجلّ-: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فهي معرفة بالصّفة لا بالشّخص.
وهذا التّفسير منسجم مع ظاهر القرآن- كما ترى-.
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زيّ الإماء ليهابهنّ الفسّاق، ودفع ضرر الفسّاق عن الإماء لازم، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب «1» .
وقال أيضا: وإذا علمت أنّ حكم آية الحجاب عامّ، وأنّ ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدّلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرّجال الأجانب، علمت أنّ القرآن دلّ على الحجاب، ولو فرضنا أنّ آية الحجاب خاصّة بأزواجه صلّى الله عليه وسلّم فلا شكّ أنّهنّ خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطّهارة التّامّة وعدم التّدنّس بأنجاس الرّيبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين- كالدّعاة للسّفور والتبرّج والاختلاط اليوم- من الاقتداء بهنّ في هذا الأدب السّماويّ الكريم المتضمّن سلامة العرض والطّهارة من دنس الرّيبة غاشّ لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم مريض القلب- كما ترى- واعلم أنّه مع دلالة القرآن على وجوب احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب، قد دلّت على ذلك أيضا أحاديث نبويّة.
3- فمن ذلك ما أخرجه الشّيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» . فقال رجل من الأنصار:
يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» أخرج البخاريّ هذا الحديث في كتاب النّكاح في باب: لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا ذو محرم ... إلخ.
ومسلم في كتاب السّلام في باب: تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها، فهذا الحديث الصّحيح صرّح فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّحذير الشّديد من الدّخول على النّساء، فهو دليل واضح على منع الدّخول عليهنّ، وسؤالهنّ متاعا إلّا من وراء حجاب؛ لأنّ من سألها متاعا لا من وراء حجاب، فقد دخل عليها، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذّره من الدّخول عليها، ولمّا سأله الأنصاريّ عن الحمو الّذي هو قريب الزّوج الّذي ليس محرما لزوجته كأخيه وابن أخيه وعمّه وابن عمّه ونحو ذلك. قال له صلّى الله عليه وسلّم: الحمو الموت، فسمّى صلّى الله
عليه وسلّم دخول قريب الرّجل على امرأته وهو غير محرم لها باسم الموت، ولا شكّ أنّ تلك العبارة هي أبلغ عبارات التّحذير؛ لأنّ الموت هو أفظع حادث يأتي
__________
(1) أضواء البيان (6/ 586- 588) .(4/1517)
على الإنسان في الدّنيا.
فتحذيره صلّى الله عليه وسلّم هذا التّحذير البالغ من دخول الرّجال على النّساء، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت، دليل صحيح نبويّ على أنّ قوله تعالى: فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ عامّ في جميع النّساء- كما ترى-. إذ لو كان حكمه خاصّا بأزواجه صلّى الله عليه وسلّم، لما حذّر الرّجال هذا التّحذير البالغ العامّ من الدّخول على النّساء، وظاهر الحديث التّحذير من الدّخول عليهنّ ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدّخول عليهنّ، والخلوة بهنّ كلاهما محرّم تحريما شديدا بانفراده، كما قدّمنا أنّ مسلما (رحمه الله) أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها فدلّ على أنّ كليهما حرام.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث المذكور: إيّاكم والدّخول، بالنّصب على التّحذير، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرّز عنه- كما قيل:
إيّاك والأسد.
وتقدير الكلام اتّقوا أنفسكم أن تدخلوا على النّساء، وتضمّن منع الدّخول منع الخلوة بها بطريق الأولى.
4-* وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأوّل، لمّا أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها) «1» . وعن صفيّة بنت شيبة: (أنّ عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول:
لمّا نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ أخذن أزرهنّ فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها. انتهى من صحيح البخاريّ «2» . قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن: أي غطّين وجوههنّ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التّقنّع.
قال الفرّاء: كانوا في الجاهليّة تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدّامها فأمرن بالاستتار «3» .
انتهى محلّ الغرض من فتح الباري. وهذا الحديث الصّحيح صريح في أنّ النّساء الصّحابيّات المذكورات فيه فهمن أنّ معنى قوله تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ يقتضي ستر وجوههنّ، وأنّهنّ شققن أزرهنّ، فاختمرن أي سترن وجوههنّ بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ المقتضي ستر وجوههنّ، وبهذا يتحقّق المنصف: أنّ احتجاب المرأة عن الرّجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السّنّة الصّحيحة المفسّرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة- رضي الله عنها- على تلك النّساء بمسارعتهنّ لامتثال أوامر الله في كتابه. ومعلوم
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4758- 4759) . والمروط: جمع مرط، وهو الإزار.
(2) البخاري- الفتح 8 (4759) .
(3) معاني القرآن للفراء (2/ 249) باختلاف في لفظه، وينظر فتح الباري (8/ 347) .(4/1518)
أنّهنّ ما فهمن ستر الوجوه من قوله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ إلّا من النّبيّ؛ لأنّه موجود وهنّ يسألنه عن كلّ ما أشكل عليهنّ في دينهنّ، والله- جلّ وعلا- يقول: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل/ 44) . فلا يمكن أن يفسّرنها من تلقاء أنفسهنّ. وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفيّة ما يوضّح ذلك، ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهنّ فقالت: إنّ لنساء قريش فضلا، ولكن والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشدّ تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتّنزيل، لقد أنزلت سورة النّور وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ فانقلب رجالهنّ إليهنّ يتلون عليهنّ ما أنزل فيها، ما منهنّ امرأة إلّا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلّين الصّبح معتجرات كأنّ على رءوسهنّ الغربان. انتهى محلّ الغرض من فتح الباري، ومعنى معتجرات:
مختمرات كما جاء موضّحا في رواية البخاريّ المذكورة آنفا. فترى عائشة- رضي الله عنها- مع علمها، وفهمها وتقاها أثنت عليهنّ هذا الثّناء العظيم، وصرّحت بأنّها ما رأت أشدّ منهنّ تصديقا بكتاب الله، ولا إيمانا بالتّنزيل. وهو دليل واضح على أنّ فهمهنّ لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ من تصديقهنّ بكتاب الله وإيمانهنّ بتنزيله، وهو صريح في أنّ احتجاب النّساء عن الرّجال وسترهنّ وجوههنّ تصديق بكتاب الله وإيمان بتنزيله كما ترى، فالعجب كلّ العجب ممّن يدّعي من المنتسبين للعلم أنّه لم يرد في الكتاب ولا في السّنّة، ما يدلّ على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أنّ الصّحابيّات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصّحيح كما تقدّم عن البخاريّ، وهذا أعظم الأدلّة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما ترى «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- غض البصر- الحياء- العفة- حسن السمت- حفظ الفرج- الستر- الغيرة- المروءة- التقوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التبرج- إطلاق البصر- اتباع الهوى- الزنا- الفتنة- انتهاك الحرمات- التفريط والإفراط- العصيان] .
__________
(1) أضواء البيان (6/ 592- 595) .(4/1519)
الآيات الواردة في «الحجاب»
1- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا
(21) «1»
2- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(31) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «3»
4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4»
__________
(1) مريم: 16- 21 مكية
(2) النور: 30- 31 مدنية
(3) الأحزاب: 53 مدنية
(4) الأحزاب: 59 مدنية(4/1520)
الايات الواردة في «الحجاب لفظا» ولها معنى آخر
5-* وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «1»
6- وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) «2»
__________
(1) الشورى: 51 مكية
(2) المطففين: 10- 15 مكية.(4/1521)
الأحاديث الواردة في (الحجاب)
1-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر بن الخطّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عمر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله، قال: «عجبت من هؤلاء اللّائي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحقّ أن يهبن. ثمّ قال: أي عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «1» .
2-* (عن عروة أنّ عائشة- رضي الله عنها- أخبرته، أنّه جاء أفلح أخو أبي القعيس يستأذن عليها.
بعد ما نزل الحجاب. وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرّضاعة. قالت عائشة فقلت: والله لا آذن لأفلح، حتّى أستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّ أبا القعيس ليس هو أرضعني. ولكن أرضعتني امرأته، قالت عائشة: فلمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: يا رسول الله، إنّ أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليّ. فكرهت أن آذن له حتّى أستأذنك. قالت: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ائذني له» قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرّموا من الرّضاعة ما تحرّمون من النّسب) * «2» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان عتبة بن أبي وقّاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقّاص أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة. قال عتبة: إنّه ابني. فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الفتح أخذ سعد ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقبل معه بعبد بن زمعة. فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي، عهد إليّ أنّه ابنه. فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا أخي، ابن وليدة زمعة، ولد على فراشه. فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ابن وليدة زمعة فإذا هو أشبه النّاس به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هو لك يا عبد بن زمعة، من أجل أنّه ولد على فراش أبيه» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«احتجبي منه يا سودة بنت زمعة» . ممّا رأى من شبهه بعتبة. وكانت سودة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: كنت ردف أبي طلحة يوم خيبر. وقدمي تمسّ قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأتيناهم حين بزغت الشّمس «4» . وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفئوسهم ومكاتلهم ومرورهم «5» . فقالوا: محمّد، والخميس. قال: وقال
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3294) واللفظ له. ومسلم (2396) .
(2) مسلم (1445) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2533) .
(4) حين بزغت الشمس: معناه عند ابتداء طلوعها.
(5) وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم: أما الفؤوس فجمع فأس، وهو الذي يشق به الحطب. والمكاتل جمع مكتل وهو(4/1522)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» قال: وهزمهم الله- عزّ وجلّ-.
ووقعت في سهم دحية جارية جميلة. فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبعة أرؤس. ثمّ دفعها إلى أمّ سليم تصنّعها «1» له وتهيّؤها. قال:- وأحسبه قال-: وتعتدّ في بيتها «2» وهي صفيّة بنت حييّ، قال: وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليمتها التّمر والأقط والسّمن، فحصت الأرض أفاحيص «3» ، وجيء بالأنطاع، فوضعت فيها. وجيء بالأقط والسّمن فشبع النّاس، قال: وقال النّاس: لا ندري أتزوّجها أم اتّخذها أمّ ولد. قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أمّ ولد. فلمّا أراد أن يركب حجبها، فقعدت على عجز البعير «4» فعرفوا أنّه قد تزوّجها. فلمّا دنوا من المدينة دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ودفعنا، قال: فعثرت النّاقة العضباء «5» وندر «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وندرت فقام فسترها. وقد أشرفت النّساء.
فقلن: أبعد الله اليهوديّة. قال قلت: يا أبا حمزة أوقع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: إي، والله لقد وقع) * «7» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كنّ يخرجن باللّيل إذا تبرّزن إلى المناصع- وهو صعيد أفيح- فكان عمر يقول للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: احجب نساءك. فلم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعل.
فخرجت سودة بنت زمعة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة من اللّيالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة. حرصا على أن ينزل الحجاب.
فأنزل الله آية الحجاب) * «8» .
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا انقضت عدّة زينب «9» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزيد «10» :
«فاذكرها عليّ «11» » قال: فانطلق زيد حتّى أتاها
__________
القفة والزنبيل. والمرور جمع مر، بفتح الميم، وهو معروف نحو المجرفة. وأكبر منها. يقال لها: المساحي. هذا هو الصحيح في معناه. وحكى القاضي قولين: أحدهما هذا. والثاني أن المراد بالمرور هنا، الحبال. كانوا يصعدون بها إلى النخيل. قال: واحده مر، بفتح الميم وكسرها، لأنه يمر حين يفتل.
(1) تصنعها: أي لتحسن القيام بها وتزينها له عليه الصلاة والسلام.
(2) تعتد في بيتها: أي تستبرئ؛ فإنها كانت مسبية يجب استبراؤها. وجعلها في مدة الاستبراء في بيت أم سليم. فلما انقضى الاستبراء جهزتها أم سليم وهيأتها. أي زينتها وجملتها على عادة العروس.
(3) فحصت الأرض أفاحيص: أي كشف التراب من أعلاها وحفرت شيئا يسيرا لتجعل الأنطاع في المحفور ويصب فيها السمن، فيثبت ولا يخرج من جوانبها. وأصل الفحص الكشف. والأفاحيص: جمع أفحوص.
(4) عجز البعير: عجز كل شيء مؤخره.
(5) فعثرت الناقة العضباء: أي كبت وتعست. والعضباء هو لقب ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(6) وندر ... وندرت: أي سقط. وأصل الندور الخروج والانفراد. ومنه كلمة نادرة، أي فريدة النظائر.
(7) البخاري- الفتح 9 (5159) . ومسلم (1365) كتاب النكاح (ص 1045) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 1 (146) واللفظ له. ومسلم (2170) . ومناصع: جمع منصع، وهي أماكن معروفه من ناحية البقيع، والأفيح: المتسع.
(9) لما انقضت عدة زينب: هي زينب بنت جحش التى زوجها الله سبحانه بنبيه لمصلحة تشريع.
(10) لزيد: هو زيد بن حارثة الذي سماه الله سبحانه في تلك السورة من كتابه.
(11) فاذكرها علي: أي فاخطبها لي من نفسها.(4/1523)
وهي تخمّر عجينها «1» قال: فلمّا رأيتها عظمت في صدري «2» حتّى ما أستطيع أن أنظر إليها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرها، فولّيتها ظهري ونكصت على عقبي، فقلت: يا زينب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربّي. فقامت إلى مسجدها «3» ونزل القرآن «4» . وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليها بغير إذن. قال فقال: ولقد رأيتنا «5» أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللّحم حين امتدّ النّهار «6» . فخرج النّاس وبقي رجال يتحدّثون في البيت بعد الطّعام. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتّبعته.
فجعل يتتبّع حجر نسائه يسلّم عليهنّ. ويقلن:
يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أنّ القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتّى دخل البيت. فذهبت أدخل معه فألقى السّتر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به.
زاد ابن رافع في حديثه: لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه «7» ؛ إلى قوله: والله لا يستحيي من الحقّ» ) * «8» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث أو وافقني ربّي في ثلاث قلت: يا رسول الله، لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى.
وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه. فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ الله رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه قالت:
يا عمر، أما في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ ... الاية) * «9» .
__________
(1) تخمر عجينها: أي تجعل في عجينها الخمير. قال المجد: وتخمير العجين تركه ليجود.
(2) فلما رأيتها عظمت في صدري ... : معناه أنه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها. فعاملها معاملة من تزوجها صلّى الله عليه وسلّم، في الإعظام والإجلال والمهابة. وقوله: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.. هو بفتح الهمزة من أن: أي من أجل ذلك. وقوله: نكصت: أي رجعت. وكان جاء إليها ليخطبها وهو ينظر إليها، على ما كان من عادتهم. وهذا قبل نزول الحجاب. فلما غلب عليه الإجلال تأخر. وخطبها وظهره إليها، لئلا يسبقه النظر إليها.
(3) إلى مسجدها: أي موضع صلاتها من بيتها.
(4) ونزل القرآن: يعني نزل قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (الأحزاب/ 36) فدخل عليها بغير إذن، لأن الله تعالى زوجها إياه بهذه الاية.
(5) ولقد رأيتنا أي رأيت أنفسنا.
(6) حين امتد النهار: أي ارتفع. هكذا هو في النسخ: حين، بالنون.
(7) غير ناظرين إناه: أي غير منتظرين لإدراكه. والإنى كإلى، مصدر أنى يأني، إذا أدرك ونضج، ويقال: بلغ هذا إناه أي غايته. ومنه: حميم آن وعين آنية. وبابه رمى. ويقال: أنى يأنى أيضا: إذا دنا وقرب. ومنه: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) وقد يستعمل على القلب فيقال: آن يئين أينا فهو آين.
(8) البخاري الفتح 8 (4793) . ومسلم (1428) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 8 (4483) وهذا لفظه. ومسلم (2399) مختصرا.(4/1524)
الأحاديث الواردة في (الحجاب) معنى
8-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» ) * «1» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان الرّكبان يمرّون بنا ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» ) * «2» .
10-* (عن حفصة- رضي الله عنها- قالت:
كنّا نمنع عواتقنا «3» أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدّثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثنتي عشرة، وكانت أختي معه في ستّ، قالت: كنّا نداوي الكلمى «4» ، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها «5» ، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» . فلمّا قدمت أمّ عطيّة سألتها: أسمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: بأبي نعم. وكانت لا تذكره إلّا قالت: بأبي سمعته يقول: «تخرج العواتق وذوات الخدور. أو العواتق ذوات الخدور- والحيّض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيّض المصلّى» . قالت حفصة: «فقلت: الحيّض؟» فقالت: أليس تشهد عرفة وكذا وكذا) * «6» .
11-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشّيطان» ) * «7» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول: «لمّا نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ (النور/ 31) أخذن أزرهنّ فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها» ) * «8» .
__________
(1) أبو داود (570) وقال الألباني في صحيح أبي داود (1/ 114) : صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 200) : إسناده حسن.
(2) أبو داود (1833) وقال محقق جامع الأصول: (3/ 31) في سنده يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي الكوفي وهو ضعيف ولكن يشهد له حديث أسماء وهو ما روته فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر. وقال عنه: إسناده صحيح.
(3) العواتق: جمع عاتق: من بلغت الحلم، أو قاربت، أو استحقت التزويج.
(4) الكلمى: جمع كليم وهو الجريح.
(5) قوله: من جلبابها: قيل المراد به الجنس، أي تعيرها من ثيابها مالا تحتاج إليه. وقيل: المراد تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا ينبني على تفسير الجلباب وهو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف قيل هو المقنعة أو الخمار أو أعرض منه، وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء، وقيل الازار، وقيل الملحفة، وقيل الملاءة، وقيل القميص. أ. هـ، الفتح (1/ 505، 506) .
(6) البخاري- الفتح 1 (324) واللفظ له. ومسلم 2 (890) .
(7) الترمذي (1173) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (6/ 665) : إسناده حسن. ومعنى استشرفها: تطلّع إليها وتعرّض لها.
(8) البخاري- الفتح 8 (4759) .(4/1525)
وفي لفظ آخر: عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لمّا أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها» ) * «1» .
13-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» ، فقالت أمّ سلمة: فكيف يصنع النّساء بذيولهنّ؟ قال: «يرخين شبرا» ، فقالت: إذا تنكشف أقدامهنّ، قال: «فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحجاب)
1-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «إنّما النّساء عورة وإنّ المرأة لتخرج من بيتها وما بها من بأس فيستشرفها الشّيطان، فيقول: إنّك لا تمرّين بأحد إلّا أعجبته. وإنّ المرأة لتلبس ثيابها فيقال:
أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلّي في مسجد، وما عبدت امرأة ربّها، مثل أن تعبده في بيتها» ) * «3» .
2-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما قالت: «كنّا نغطّي وجوهنا من الرّجال وكنّا نمتشط قبل ذلك في الإحرام» ) * «4» .
3-* (حدّثتنا صفيّة بنت شيبة قالت: قالت عائشة- رضي الله عنها-: «يا رسول الله أيرجع النّاس بأجرين وأرجع بأجر؟ فأمر عبد الرّحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التّنعيم «5» قالت: فأردفني خلفه على جمل له. قالت: فجعلت أرفع خماري «6» أحسره «7» عن عنقي، فيضرب رجلي بعلّة الرّاحلة «8» . قلت له:
وهل ترى من أحد «9» ؟ قالت: فأهللت بعمرة. ثمّ أقبلنا حتّى انتهينا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بالحصبة «10» » ) * «11» .
4-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت:
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4758) .
(2) الترمذي (1173) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 209) . وأبو داود (4119) وقال الألباني (2/ 776) : صحيح. وهو عند ابن ماجة (3581) .
(3) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 35) .
(4) أخرجه في الموطأ (1/ 328) . ورواه الحاكم (1/ 454) وصححه ووافقه الذهبي. واللفظ له.
(5) التنعيم: موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة. أقرب أطراف الحل إلى البيت سمي بالتنعيم؛ لأن على يمينه جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم.
(6) خماري: الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها.
(7) أحسره: بكسر السين وضمها. لغتان: أي أكشفه وأزيله.
(8) فيضرب رجلي بعلة الراحلة: المعني أنه يضرب رجل أخته بعود بيده، عامدا لها، في صورة من يضرب الراحلة حين تكشف خمارها، غيرة عليها.
(9) وهل ترى من أحد: أي نحن في خلاء، ليس هنا أجنبي أستتر منه.
(10) بالحصبة: أي بالمحصب. وهو موضع رمي الجمار بمنى.
(11) مسلم (1211) .(4/1526)
«لمّا نزلت هذه الآية يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خرج نساء الأنصار كأنّ على رءوسهنّ الغربان من السّكينة وعليهنّ أكسية سود يلبسنها» ) * «1» .
5-* (عن عطاء: إذ منع ابن هشام النّساء الطّواف مع الرّجال. قال: «كيف تمنعهنّ وقد طاف نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع الرّجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب.
قلت: كيف يخالطن الرّجال؟ قال: لم يكنّ يخالطن، كانت عائشة- رضي الله عنها- تطوف حجرة «2» من الرّجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أمّ المؤمنين، قالت: انطلقي عنك «3» ، وأبت. فكنّ يخرجن متنكّرات باللّيل فيطفن مع الرّجال، ولكنّهنّ كنّ إذا دخلن البيت قمن حتّى يدخلن وأخرج الرّجال، وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير «4» ، قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قبّة تركيّة لها غشاء، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيت عليها درعا مورّدا) * «5» .
6-* (قال عليّ بن طلحة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهنّ في حاجة أن يغطّين وجوههنّ من فوق رؤوسهنّ بالجلابيب ويبدين عينا واحدة» ) * «6» .
7-* (قال محمّد بن سيرين: «سألت عبيدة السّلمانيّ عن قول الله- عزّ وجلّ-: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ فغطّى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى» ) * «7» .
8-* (قال ابن تيمية: الحجاب مختصّ بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنّة المؤمنين في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخلفائه. إنّ الحرّة تحتجب والأمة تبرز.
وكان عمر- رضي الله عنه- إذا رأى أمة مخمّرة ضربها وقال: «أتتشبّهين بالحرائر، أي لكاع، فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها» ) * «8» .
9-* (وقال: «الجيب هو شقّ في طول القميص، فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها. وأمرت بعد ذلك أن ترخي من جلبابها، والإرخاء إنّما يكون إذا خرجت من البيت، فأمّا إذا كانت في البيت فلا تؤمر بذلك» ) * «9» .
10-* (ومن كلامه: «المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرّجل ولهذا خصّت بالاحتجاب، وترك إبداء الزّينة وترك التّبرّج. فيجب في حقّها الاستتار باللّباس والبيوت ما لا يجب في حقّ الرّجل، لأنّ ظهور النّساء سبب الفتنة، والرّجال قوّامون عليهنّ» ) * «10» .
__________
(1) تفسير ابن كثير: 3/ 526 (6/ 471- محقق) .
(2) حجرة: أي معتزلة عنهم لا تخالطهم وفي رواية حجزة أي محجوزا بينها وبين الرجال.
(3) انطلقي عنك: أي عن جهة نفسك.
(4) ثبير: جبل صغير في مكة. قرب منى.
(5) البخاري- الفتح 3 (1618) .
(6) الحجاب والسفور (52) .
(7) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (26) .
(8) المرجع السابق (26) .
(9) المرجع السابق (26- 27) .
(10) المرجع السابق (23) .(4/1527)
11-* (وقال: «لمّا أنزل الله- عزّ وجلّ- آية الحجاب: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ حجب النّساء عن الرّجال» ) * «1» .
12-* (يقول الشّيخ عبد العزيز بن باز- حفظه الله-: «يا معشر المسلمين تأدّبوا بتأديب الله وامتثلوا أمر الله وألزموا نساءكم بالحجاب الّذي هو سبب الطّهارة ووسيلة النّجاة والسّلامة» ) * «2» .
13-* (قال الشّيخ صالح بن عثيمين: «اعلم أيّها المسلم أنّ احتجاب المرأة عن الرّجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلّ على وجوبه كتاب ربّك تعالى وسنّة نبيّك محمّد صلّى الله عليه وسلّم وهو الاعتبار الصّحيح والقياس المطّرد» ) * «3» .
من فوائد (الحجاب)
(1) في الحجاب طهارة لقلب المؤمن والمؤمنة.
(2) في الحجاب ما يمنع إيذاء المؤمنات بقصد أو بغير قصد.
(3) الحجاب أمام الرّجل دليل على الهيبة والتّوقير.
(4) الحجاب يمنع الشّيطان من أن يستشرف المرأة أي ينظر إليها ويتعرّض لها.
(5) في التزام الحجاب تنفيذ لا أمر الله- عزّ وجلّ- واتّباع لا أوامره.
(6) في الحجاب سكينة ووقار لمن يرتديه.
(7) الحجاب سمة للحرائر، أمّا التّبرّج والبروز فهو سمة للإماء.
(8) الحجاب وسيلة من وسائل الحيطة الّتي شرعها الله- عزّ وجلّ- لحفظ أعراض المسلمين.
(9) في الحجاب ما يرضي الله- عزّ وجلّ- ويسخط الشّيطان ويسدّ عليه بعض منافذ سهامه القاتلة، وهو بذلك يحمي النّساء من التّعرّض للإيذاء من شياطين الإنس والجنّ.
(10) التزام الحجاب فيه عمل بسيرة الصّحابة والسّلف الصّالح الّذين كانوا أطهر قلوبا وأنقى سريرة.
(11) في الحجاب نشر للفضيلة وهدم للرّذيلة.
(12) الحجاب مظهر من مظاهر تميّز الأمّة الإسلاميّة، وفيه مخالفة لليهود والنّصارى وغيرهم.
(13) المحافظة على الحجاب والدّعوة إليه دليل على عفّة النّفس، ومظهر من مظاهر التّقوى وتعظيم حرمات الله- عزّ وجلّ-.
__________
(1) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (7) .
(2) الحجاب والسفور (51) .
(3) مجموعة رسائل في الحجاب والسفور (81) .(4/1528)
الحج والعمرة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 90/ 12
الحج لغة:
مصدر قولهم حجّ يحجّ هو ومأخوذ من مادّة (ح ج ج) الّتي تدلّ على أربعة معان:
الأول: القصد، وكلّ قصد حجّ، والثّاني: الحجّة وهي السنة، والثّالث: الحجاج- (بفتح الحاء وكسرها) - وهو العظم المستدير حول العين، والرّابع الحجحجة بمعنى النكوص «1» والحجّ المذكور هنا إنّما يرجع إلى المعنى الأوّل وهو القصد أو القصد للزّيارة، يقال: ورجل محجوج أي مقصود، وحجّة يحجّه حجّا:
قصده. وقد حجّ بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف إليه. قال المخبّل السّعديّ:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجّون سبّ «2» الزّبرقان المزعفرا
قال ابن السّكّيت: يكثرون الاختلاف إليه. هذا الأصل، ثمّ تعورف استعماله في القصد إلى مكّة للنّسك والحجّ إلى البيت خاصّة. تقول: حججت البيت أحجّه حجّا. إذا قصدته. ورجل حاجّ: وقوم حجّاج، وحجيج، والحجيج جماعة الحاجّ، والحجّ بالكسر:
الاسم، والحجّة: المرّة الواحدة، وهو من الشّواذّ؛ لأنّ القياس بالفتح والحجّة السّنة، والجمع الحجج.
ويقال للرّجل الكثير الحجّ: إنّه لحجّاج.
قال سيبويه: وقالوا حجّة واحدة، يريدون عمل سنة واحدة. قال الأزهريّ: الحجّ قضاء نسك سنة واحدة. وبعض يكسر الحاء، فيقول: الحجّ والحجّة، وقرئ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (آل عمران/ 97) والفتح أكثر.
وذو الحجّة: شهر الحجّ، سمّي بذلك للحجّ فيه، وامرأة حاجّة ونسوة حواجّ بيت الله بالإضافة إذا كنّ قد حججن، وإن لم يكنّ قد حججن، قلت: حواجّ بيت الله. وأحججت فلانا: إذا بعثته ليحجّ، ويوم الحجّ الأكبر هو يوم النّخر «3» .
واصطلاحا:
قصد بيت الله إقامة للنّسك، وقال الجرجانيّ: قصد لبيت الله تعالى بصفة مخصوصة في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة. وقال الحافظ في الفتح: الحجّ في الشّرع: القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة.
وقال العينيّ: الحجّ قصد إلى زيارة البيت الحرام على وجه التّعظيم بأفعال مخصوصة «4» .
العمرة لغة:
العمرة والاعتمار: الزّيارة الّتي فيها عمارة البيت «5» ،
__________
(1) انظر أمثلة هذه المعاني وشواهدها في مقاييس اللغة (2/ 300) .
(2) السّب- بكسر السين: العمامة والمراد شخص الزبرقان.
(3) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 304) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 340، 341) ، ولسان العرب لابن منظور (2/ 226، 229) ، ومفردات الراغب (170) ، ومقاييس اللغة (2/ 30) . والقاموس المحيط (حجج) (ص 234) ط. بيروت.
(4) انظر: التعريفات للجرجاني (82) ، وفتح الباري (3/ 378) ، وعمدة القاري للعيني (9/ 121) ، ودليل الفالحين لابن علان (4/ 73) .
(5) في الأصل عمارة الود ولا معنى له هنا ولعله تصحيف.(4/1529)
وقوله تعالى إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة/ 18) إمّا من العمارة الّتي هي حفظ البناء أو من العمرة الّتي هي الزّيارة، أو من قولهم عمرت بمكان كذا أي أقمت به، وقال ابن فارس: إنّ العمرة بمعنى الزّيارة إنّما هي مأخوذة من مادّة (ع م ر) الّتي تدلّ على الصّياح والجلبة، يقال اعتمر الرّجل إذا أهلّ بعمرته، وذلك رفعه صوته للتّلبية للعمرة، وقول ابن أحمر:
يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الرّاكب المعتمر
فقال قوم: هو الّذي ذكرناه من رفع الصّوت عند التّلبية بالعمرة، وقال قوم: هو المعتمر وأيّ ذلك كان فهو من العلوّ والارتفاع.
وقال الجوهريّ: والعمرة في الحجّ وأصلها من الزّيارة، والجمع: العمر، وقال ابن منظور، وقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (البقرة/ 196) ، قال الزّجّاج: معنى العمرة في العمل: الطّواف بالبيت والسّعي بين الصّفا والمروة فقط. والفرق بين الحجّ والعمرة: أنّ العمرة تكون للإنسان في السّنة كلّها، والحجّ وقت واحد في السّنة. وتمام العمرة أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصّفا والمروة، والحجّ لا يكون إلّا مع الوقوف بعرفة يوم عرفة «1» .
والعمرة مأخوذة من الاعتمار، وهو الزّيارة، ومعنى اعتمر في «قصد البيت» أنّه إنّما خصّ بهذا لأنّه قصد بعمل في موضع عامر، ولذلك قيل للمحرم بالعمرة معتمر، وقال كراع: الاعتمار: العمرة، سمّاها بالمصدر وهو الزّيارة والقصد، وفي حديث الأسود قال: خرجنا عمّارا فلمّا انصرفنا مررنا بأبي ذرّ فقال: أحلقتم الشّعر وقضيتم التّفث عمّارا؟ أي معتمرين «2» .
واصطلاحا:
زيارة البيت الحرام على وجه مخصوص وبشروط مخصوصة.
الحج عبادة العمر:
قال الغزاليّ- رحمه الله- في الإحياء: إنّ الحجّ من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدّين. فعلى كلّ حاجّ ومعتمر أن يبدأ بالتّوبة، وردّ المظالم، وقضاء الدّيون، وإعداد النّفقة لكلّ من تلزمه نفقته إلى وقت الرّجوع، ويردّ ما عنده من الودائع، ويستصحب من المال الحلال الطّيب ما يكفيه لذهابه وإيابه، كما ينبغي أن يلتمس رفيقا صالحا محبّا للخير معينا عليه، إن ذكر الله أعانه، وإن جبن شجّعه، وإن عجز قوّاه، وإن ضاق صدره صبّره «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإيمان- الزكاة الصلاة- تعظيم الحرمات- العبادة- التكبير- التهليل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العصيان- اتباع الهوى- الإعراض- الغفلة- الفسوق- التهاون] .
__________
(1) المفردات (347) ، ومقاييس اللغة (4/ 141) ، والصحاح (2/ 757) ، ولسان العرب (3102) ط. دار المعارف.
(2) انظر: لسان العرب لابن منظور (3102) ط. دار المعارف.
(3) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 239- 247) .(4/1530)
الآيات الواردة في «الحج والعمرة»
1-* إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158) «1»
2-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «2»
3- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) «3»
4- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96)
__________
(1) البقرة: 158 مدنية
(2) البقرة: 189 مدنية
(3) البقرة: 196- 203 مدنية(4/1531)
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) «1»
5- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) «2»
6- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «3»
__________
(1) آل عمران: 96- 97 مدنية
(2) التوبة: 3 مدنية
(3) الحج: 27- 37 مدنية(4/1532)
الأحاديث الواردة في (الحج والعمرة)
1-* (عن عبد الرّحمن بن يعمر الدّيليّ- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو بعرفة فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلا فنادى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف الحجّ؟. فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا فنادى: «الحجّ الحجّ يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصّبح من ليلة جمع فتمّ حجّه. أيّام منى ثلاثة، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه» ) *.
وفي لفظ آخر عند التّرمذيّ «الحجّ عرفات، الحجّ عرفات، الحجّ عرفات، أيّام منى ثلاث فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحجّ» «1» .
2-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
حدّثني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أتاني اللّيلة آت من ربّي وهو بالعقيق، أن صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل:
عمرة وحجّة» ) * «2» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أليس حسبكم سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن حبس أحدكم عن الحجّ طاف بالبيت وبالصّفا والمروة، ثمّ حلّ من كلّ شيء حتّى يحجّ عاما قابلا، فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا) * «3» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
أنّ امرأة من جهينة، جاءت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت:
إنّ أمّي نذرت أن تحجّ فلم تحجّ حتّى ماتت. أفأحجّ عنها؟. قال: «نعم، حجّي عنها، أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحقّ بالوفاء» ) * «4» .
5-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما أنّ حفصة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت: يا رسول الله، ما شأن النّاس حلّوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟» . قال: «إنّي لبّدت رأسي وقلّدت هديي «5» فلا أحلّ حتّى أنحر» ) * «6» .
6-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خرج حاجّا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة، فقال: «خذوا ساحل البحر حتّى نلتقي» ، فأخذوا ساحل البحر، فلمّا انصرفوا أحرموا كلّهم إلّا أبو قتادة «7» لم يحرم، فبينما
__________
(1) أبو داود (1949) واللفظ له. والترمذي (889) ، (2975) ، وشرح السنة (7/ 2001) وقال محققه: إسناده صحيح.
(2) البخاري- الفتح 13 (7343) .
(3) البخاري- الفتح 4 (1810) .
(4) البخاري- الفتح 4 (1852) واللفظ له. ومسلم (1148) .
(5) قلدت هديي: التقليد: هو تعليق شيء في عنق الهدي ليعلم أنه هدي.
(6) البخاري- الفتح 3 (1566) واللفظ له. ومسلم (1229) .
(7) وللكشميهني «إلّا أبا قتادة» وكذا وقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه، وعلى الرفع «أبو قتادة» تكون «إلا» بمعنى «لكن» و «أبو قتادة» مبتدأ و «لم يحرم» خبره.(4/1533)
هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا، فنزلوا فأكلوا من لحمها، وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحم الأتان، فلمّا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا:
يا رسول الله، إنّا كنّا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا، فنزلنا فأكلنا من لحمها ثمّ قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها. قال:
«أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» .
قالوا: لا. قال: «فكلوا ما بقي من لحمها» ) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا قفل «2» من غزو أو حجّ أو عمرة يكبّر على كلّ شرف «3» ، من الأرض ثلاث تكبيرات، ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، آيبون «4» تائبون عابدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ) * «5» .
8-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ.
فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه، حتّى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال:
«اغتسلي، واستثفري «6» بثوب وأحرمي» . فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ثمّ ركب القصواء «7» ، حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتّوحيد «8» :
لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك. وأهلّ النّاس بهذا الّذي يهلّون به، فلم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم شيئا منه، ولزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلبيته، قال جابر- رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثا «9» ومشى أربعا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السّلام فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (البقرة/ 125) ، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1824) واللفظ له. ومسلم (6/ 1196) .
(2) قفل: رجع.
(3) شرف: مكان عال.
(4) آيبون: نحن راجعون.
(5) البخاري- الفتح 11 (6385) واللفظ له. ومسلم (1344) .
(6) واستثفري: الاستثفار: هو أن تشد في وسطها شيئا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها، من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها.
(7) القصواء: هي ناقته صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو عبيد: القصواء: المقطوعة الأذن عرضا.
(8) فأهل بالتوحيد: يعني قوله: لبيك لا شريك لك.
(9) رمل ثلاثا: الرّمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطا.(4/1534)
أبي يقول (ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) : كان يقرأ في الرّكعتين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب «1» إلى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (البقرة/ 158) ، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصّفا، فرقي عليه، حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
ثمّ دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرّات، ثمّ نزل إلى المروة، حتّى إذا انصبّت قدماه «2» في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا «3» مشى، حتّى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة» . فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟، فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه واحدة في الأخرى وقال:
«دخلت العمرة في الحجّ (مرّتين) لا بل لأبد أبد» ، وقدم عليّ من اليمن ببدن «4» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجد فاطمة- رضي الله عنها- ممّن حلّ، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله محرّشا «5» على فاطمة للّذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما ذكرت عنه فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها. فقال: «صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحجّ؟» . قال:
قلت: اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال: «فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال: فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا، إلّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن كان معه هدي. فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة «6» فسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام «7» كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا
__________
(1) ثم خرج من الباب: أي من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى باب الصفا؛ لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا.
(2) حتى إذا انصبت قدماه: أي انحدرت، فهو مجاز من انصباب الماء.
(3) حتّى إذا صعدتا: أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.
(4) ببدن: هو جمع بدنة، وأصله الضم، كخشب في جمع خشبة.
(5) محرشا: التحريش الإغراء، والمراد هنا: أن يذكر له ما يقتضي عتابها.
(6) بنمرة: بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها. وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
(7) ولا تشك قريش إلّا أنه واقف عند المشعر الحرام: معنى هذا أن قريشا كانت في الجاهلية، تقف بالمشعر الحرام، وهو جبل في(4/1535)
زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي «1» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «2» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده، إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. ثلاث مرّات» . ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات «3» وجعل حبل المشاة بين يديه «4» ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصفرة قليلا حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد شنق «5» للقصواء الزّمام حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: «أيّها النّاس السّكينة السّكينة» كلّما أتى حبلا من الحبال «6» أرخى لها قليلا، حتّى تصعد. حتّى أتى المزدلفة «7» فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبّح بينهما شيئا.
__________
المزدلفة يقال له (قزح) . وقيل: إن المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه. فتجاوزه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه. (أ. هـ. نووي) .
(1) بطن الوادي: هو وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات إلا عند مالك فقال: إنها من عرفات. (نووي) .
(2) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة.
(3) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب.
(4) وجعل حبل المشاة بين يديه: روي حبل وروي جبل، قال القاضي عياض- رحمه الله-: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم.
(5) شنق: ضمّ، وضيّق.
(6) كلما أتى حبلا من الحبال: جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم.
(7) المزدلفة: معروفة، سميت بذلك من التزلف والازدلاف، وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات.(4/1536)
ثمّ اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حين تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفا حتّى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشّمس، وأردف الفضل بن عبّاس وكان رجلا حسن الشّعر أبيض وسيّما، فلمّا دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّت به ظعن يجرين «1» فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على وجه الفضل.
فحوّل الفضل وجهه إلى الشّقّ الآخر ينظر. فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده من الشّق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّق الآخر ينظر. حتّى أتى بطن محسّر «2» فحرّك قليلا ثمّ سلك الطّريق الوسطى الّتي تخرج على الجمرة الكبرى، حتّى أتى الجمرة الّتي عند الشّجرة، فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة منها حصى الخذف «3» ، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستّين بيده، ثمّ أعطى عليّا فنحر ما غبر «4» . وأشركه في هديه. ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأفاض إلى البيت «5» ، فصلّى بمكّة الظّهر فأتى بني عبد المطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا «6» بني عبد المطّلب فلولا أن يغلبكم النّاس «7» على سقايتكم لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا فشرب منه) * «8» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقف في حجّة الوداع بمنى للنّاس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: «اذبح ولا حرج» . فجاء آخر، فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. قال: «ارم ولا حرج» . فما سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شيء قدّم ولا أخّر إلّا قال: «افعل ولا حرج» ) * «9» .
10-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه-
__________
(1) مرت به ظعن يجرين: الظعن: بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين: جمع ظعينة، كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازا لملابستها البعير.
(2) حتى أتى بطن محسّر: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيا وكلّ، ومنه قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ.
(3) حصى الخذف: أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي بأصبعين، والخذف: في الأصل مصدر سمي به، يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب، أي رميتها بطرفي الإبهام والسبابة.
(4) ما غبر: أي ما بقي.
(5) فأفاض إلى البيت: فيه محذوف تقديره (فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلّى الظهر) فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه.
(6) انزعوا: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء.
(7) لولا أن يغلبكم الناس، أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء.
(8) مسلم (1218) .
(9) البخاري- الفتح 1 (83) واللفظ له. ومسلم (1306) .(4/1537)
وهو في سياقة الموت «1» - أنّه بكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟
قال: فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أنّ لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث «2» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط، قال:
«تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التّراب شنّا «3» ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «4» .
11-* (عن عكرمة بن خالد؛ أنّه سأل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن العمرة قبل الحج؟
فقال: لا بأس. قال عكرمة: قال ابن عمر: «اعتمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يحجّ» ) * «5» .
12-* (عن ماعز التّميميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه سئل أيّ الأعمال أفضل؟. قال:
«إيمان بالله وحده، ثمّ حجّة برّة تفضل سائر الأعمال، كما بين مطلع الشّمس إلى مغربها» ) * «6» .
13-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان الفضل بن عبّاس رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجه الفضل إلى الشّقّ الآخر، قالت: يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحجّ، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الرّاحلة، أفأحجّ عنه؟ قال: «نعم» . وذلك في حجّة الوداع) * «7» .
14-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) سياقة الموت: أي حال حضور الموت.
(2) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث.
(3) شنوا عليّ التّراب: قيل: الشن بالمعجمة والسن- بالسين المهملة- الصب، وقيل: بالمهملة: الصب وبالمعجمة: التفريق.
(4) مسلم (121) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1774) .
(6) أحمد (4/ 342) وقال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 218) إسناده جيد.
(7) البخاري- الفتح 3 (1513) . ومسلم (1334) واللفظ له.(4/1538)
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهلّ بهما جميعا: «لبّيك عمرة وحجّا «1» ، لبيّك عمرة وحجّا» ) * «2» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما عندك يا ثمامة «3» ؟» فقال: عندي خير يا محمّد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» قال: ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. يا محمّد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلّها إليّ.
والله ما كان من دين على الأرض أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة. قال له قائل: أصبوت؟. قال:
لا، ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعثني أبو بكر الصّدّيق في الحجّة الّتي أمّره عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل حجّة الوداع، في رهط يؤذّنون في النّاس يوم النّحر: «لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان «5» » ) * «6» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان» ) * «7» .
18-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تابعوا بين الحجّ والعمرة، فإنّ المتابعة بينهما تنفي الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» ) * «8» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: حجّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على رحل رثّ، وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثمّ قال: «اللهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعة» ) * «9» .
20-* (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة» .
__________
(1) عمرة وحجّا: النصب بفعل محذوف تقديره أريد أو نويت.
(2) مسلم (1251) .
(3) ما عندك يا ثمامة: أي ما تظن أني فاعل بك.
(4) مسلم (1764) .
(5) ولا يطوف بالبيت عريان: هذا إبطال لما كانت الجاهلية عليه من الطواف بالبيت عراة.
(6) البخاري- الفتح 3 (1622) . ومسلم (1347) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 1 (8) واللفظ له. ومسلم (16) .
(8) ابن ماجة (2887) وصححه الألباني: صحيح ابن ماجة (1334) . والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 41) وقال محققه: حديث صحيح بشواهده.
(9) أخرجه ابن ماجة في سننه (2890) . صححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2237) .(4/1539)
قيل: وما برّه؟ قال: «إطعام الطّعام وطيّب الكلام» ) * «1» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أيّها النّاس قد فرض الله عليكم الحجّ فحجّوا» . فقال رجل: أكلّ عام؟ يا رسول الله! فسكت، حتّى قالها (ثلاثا) .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قلت نعم، لوجبت، ولما استطعتم» ، ثمّ قال: «ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» ) * «2» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ضباعة بنت الزّبير، فقال لها: «لعلّك أردت الحجّ» . قالت: والله لا أجدني إلّا وجعة «3» ، فقال لها: «حجّي واشترطي، قولي اللهمّ محلّي «4»
حيث حبستني «5» » . وكانت تحت المقداد بن الأسود) * «6» .
23-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النّحر، ويقول: «لتأخذوا مناسككم «7» ، فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه» ) * «8» .
24-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع، فقال: «اتّقوا الله، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «9» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما «10» ، والحجّ المبرور «11» ليس له جزاء إلّا الجنّة» ) * «12» .
26-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لامرأة من الأنصار: «ما منعك أن تحجّي معنا؟» . قالت: لم يكن لنا إلّا ناضحان «13» ، فحجّ أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحا ننضح عليه، قال: «فإذا جاء رمضان فاعتمري فإنّ عمرة فيه تعدل حجّة» ) * «14» .
__________
(1) أحمد (3/ 325، 334) وفيه: «إفشاء السلام» بدلا من «طيب الكلام» وقال الحافظ الدمياطي: صحيح الإسناد. انظر: المتجر الرابح (ص 218- 219) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7288) . ومسلم (1337) واللفظ له.
(3) وجعة: ذات مرض.
(4) محلي: أي مكان تحللي من الإحرام.
(5) حيث حبستني: أي عن النسك بعلة المرض.
(6) البخاري- الفتح 9 (5089) واللفظ له. ومسلم (1207) .
(7) لتأخذوا مناسككم: اللام لام الأمر، والمعنى: خذوا مناسككم.
(8) مسلم (1297) .
(9) الترمذي (616) وقال: حديث حسن صحيح.
(10) كفارة لما بينهما: أي من الذنوب غير الكبائر.
(11) والحج المبرور: الذي لا يخالطه إثم، أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق.
(12) البخاري- الفتح 3 (1773) . ومسلم (1349) واللفظ لهما.
(13) ناضحان: أي بعيران نستقي بهما.
(14) البخاري- الفتح 3 (1782) . ومسلم (1256) واللفظ له.(4/1540)
27-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني عن النّار، قال: «لقد سألتني عن عظيم وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» . ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير:
الصّوم جنّة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ (السجدة/ 16- 17) . ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت:
بلى، يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه» . قلت: بلى، يا رسول الله. فأخذ بلسانه. قال: «كفّ عليك هذا» . فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟. قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم- أو على مناخرهم- إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «1» .
28-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، ألا نغزو ونجاهد معكم؟ قال: «لكنّ أحسن الجهاد وأجمله الحجّ، حجّ مبرور» . قالت عائشة: فلا أدع الحجّ بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
29-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلّا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلّا مع ذي محرم» . فقام رجل، فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّة، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: «انطلق فحجّ مع امرأتك» ) * «3» .
30-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لقي ركبا «4» بالرّوحاء «5» ، فقال: «من القوم؟» قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال:
«رسول الله» ، فرفعت إليه امرأة صبيّا. فقالت: ألهذا حجّ؟ قال: «نعم، ولك أجر» ) * «6» .
31-* (عن يعلى بن أميّة أنّه قال لعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: ليتني أرى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حين ينزل عليه. فلمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالجعرانة وعلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثوب قد أظلّ به عليه. معه ناس من أصحابه فيهم عمر. إذ جاءه رجل عليه جبّة صوف متضمّخ بطيب. فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة بعدما تضمّخ بطيب؟ فنظر إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ساعة ثمّ سكت. فجاءه الوحي.
__________
(1) الترمذي (2616) وقال: حسن صحيح واللفظ له. وابن ماجة (3973) ، وأحمد (5/ 231) وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 29، 30) : صحيح الإسناد.
(2) البخاري- الفتح 4 (1861) .
(3) مسلم (1341) .
(4) الركب: أصحاب الإبل خاصة، وأصله أن يستعمل في عشرة فما دونها.
(5) بالروحاء: مكان على ستة وثلاثين ميلا من المدينة.
(6) البخاري- الفتح 6 (3006) ، ومسلم (1336) .(4/1541)
فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أميّة: تعال، فجاء يعلى.
فأدخل رأسه فإذا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محمرّ الوجه يغطّ ساعة ثمّ سرّي عنه. فقال: «أين الّذي سألني عن العمرة آنفا؟» ، فالتمس الرّجل فجيء به. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا الطيّب الّذي بك فاغسله ثلاث مرّات. وأمّا الجبّة فانزعها ثمّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك» ) * «1» .
32-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «ليحجّنّ البيت وليعتمرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج» ) * «2» .
33-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- رفعه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أمعر حاجّ قطّ» . قيل لجابر: ما الإمعار؟ قال: «ما افتقر» ) * «3» .
34-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جهّز غازيا، أو حاجّا، أو خلفه في أهل أو فطّر صائما كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ) * «4» .
35-* (عن سهل بن حنيف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خرج حتّى يأتي هذا المسجد. مسجد قباء فصلّى فيه كان له عدل عمرة» ) * «5» .
36-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّفقة في الحجّ كالنّفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف» ) * «6» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يحدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والّذي نفسي بيده ليهلّنّ ابن مريم بفجّ الروحاء حاجّا أو معتمرا أو ليثنينّهما» ) * «7» .
38-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «وقتّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل الشّام: الجحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، فهنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ لمن كان يريد الحجّ والعمرة، فمن كان دونهنّ فمهلّه «8» من أهله، وكذاك، حتّى أهل مكّة يهلّون منها» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1536) . ومسلم (1180) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 3 (1593) .
(3) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني والبزار بإسناد جيد. وانظر: المتجر الرابح (ص 225) . وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجاله رجال الصحيح (2/ 180) .
(4) ابن خزيمة في صحيحه (3/ 2064) وقال محققه: إسناده صحيح. والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 62) وقال محققه: رجاله موثقون.
(5) النسائي (2/ 37) وهذا لفظه. وابن ماجة (1412) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (1160) .
(6) قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني والبيهقي. انظر: المتجر الرابح (ص 225) .
(7) مسلم (1252) .
(8) مهلّه: أي مكان إحرامه.
(9) البخاري- الفتح 3 (1526) واللفظ له. ومسلم (1181) .(4/1542)
الأحاديث الواردة في (الحج والعمرة) معنى
39-* (عن عبد العزيز بن رفيع؛ قال:
سألت أنس بن مالك- رضي الله عنه- قلت:
أخبرني بشيء عقلته عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أين صلّى الظّهر والعصر يوم التّروية «1» ؟ قال: بمنى. قلت: فأين صلّى العصر يوم النّفر «2» ؟. قال: بالأبطح «3» ، ثمّ قال:
افعل كما يفعل أمراؤك) * «4» .
40-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- كان ردف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من عرفة إلى المزدلفة، ثمّ أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قال: لم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يلبّي حتّى رمى جمرة العقبة) * «5» .
41-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ تلبية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لبّيك اللهمّ لبّيك.
لبّيك لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك والملك. لا شريك لك» .
وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبّيك لبّيك وسعديك، والخير بيديك، لبّيك والرّغباء إليك والعمل) * «6» .
42-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما يلبس المحرم من الثّياب؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلبسوا القمص، ولا العمائم ولا السّراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلّا أحدا لا يجد النّعلين فيلبس الخفّين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثّياب شيئا مسّه الزّعفران ولا الورس» ) * «7» .
43-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن رمي الجمار: ما لنا فيه؟
فسمعته يقول: «تجد ذلك عند ربّك أحوج ما تكون إليه» ) * «8» .
44-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثمّ أتى منزله بمنى ونحر، ثمّ قال للحلّاق: «خذ» وأشار إلى جانبيه الأيمن ثمّ الأيسر. ثمّ جعل يعطيه النّاس) * «9» .
45-* (عظن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يقوم على بدنه،
__________
(1) يوم التروية: ثامن ذي الحجة، وسمي بذلك لأن الماء كان قليلا بمنى فكانوا يرتوون من الماء وينهضون إلى منى، أي يتزودون ريهم من الماء. (لسان العرب) .
(2) يوم النفر: الرجوع من منى.
(3) بالأبطح: هو المحصب.
(4) البخاري- الفتح 3 (1653) . ومسلم (1309) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 3 (1686- 1687) واللفظ له. ومسلم (1280- 1281) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1549) . ومسلم (1184) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 3 (1542) . ومسلم (1177) واللفظ له.
(8) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني مختصرا هكذا باسناد حسن. انظر: المتجر الرابح (ص 238) .
(9) البخاري- الفتح 1 (171) . ومسلم (1305) واللفظ له.(4/1543)
وأمره أن يقسّم بدنه كلّها لحومها وجلودها وجلالها، في المساكين ولا يعطي في جزارتها «1» منها شيئا» ) * «2» .
46-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، خطب النّاس يوم النّحر، فقال:
«يا أيّها النّاس، أيّ يوم هذا؟» . قالوا: يوم حرام.
قال: «فأيّ بلد هذا؟» . قالوا: بلد حرام. قال: «فأيّ شهر هذا؟» . قالوا: شهر حرام. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا. ثمّ رفع رأسه فقال: «اللهمّ هل بلّغت؟ اللهمّ هل بلّغت؟» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
فو الّذي نفسي بيده، إنّها لوصيّته إلى أمّته فليبلّغ الشّاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض) * «3» .
47-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا طاف بالبيت الطّواف الأوّل خبّ ثلاثا «4» ومشى أربعا، وكان يسعى ببطن المسيل «5» إذا طاف بين الصّفا والمروة» ) * «6» .
وكان ابن عمر يفعل ذلك.
48-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مرّ بوادي الأزرق، فقال: «أيّ واد هذا؟» . فقالوا: هذا وادي الأزرق. قال: «كأنّي أنظر إلى موسى عليه السّلام هابطا من الثّنيّة وله جؤار «7» إلى الله بالتّلبية» ، ثمّ أتى على ثنيّة هرشى «8» ، فقال: «أيّ ثنيّة هذه؟» . قالوا: ثنيّة هرشى، قال:
«كأنّي أنظر إلى يونس بن متّى عليه السّلام على ناقة حمراء جعدة «9» عليه جبّة من صوف. خطام ناقته خلبة وهو يلبّي» ) * «10» .
49-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ العبّاس بن عبد المطّلب استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أن يبيت بمكّة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له) * «11» .
50-* (عن عبد الله بن حنين عن أبيه، أنّ عبد الله بن العبّاس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال عبد الله بن العبّاس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني عبد الله بن العبّاس إلى أبي أيّوب الأنصاريّ. فوجدته
__________
(1) جزارتها: الجزارة، بالضم، ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته كالعمالة للعامل. وأصل الجزارة أطراف البعير: اليدان والرجلان والرأس، سميت بذلك لأن الجزار كان يأخذه عن أجرته. انظر: اللسان (جزر) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1717) واللفظ له. ومسلم (1317) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1739) .
(4) خب ثلاثا: الخب هو الرمل، وهو إسراع المشي مع تقارب الخطا، ولا يثب وثبا.
(5) يسعى ببطن المسيل: أي يسرع شديدا ببطن الوادي الذي بين الصفا والمروة.
(6) البخاري- الفتح 3 (1617) . ومسلم (1261) واللفظ له.
(7) جؤار: الجؤار رفع الصوت.
(8) هرشى: جبل قرب الجحفة.
(9) جعدة: مكتنزة اللحم.
(10) مسلم (166) . والخطام: الحبل الذي يقاد به البعير. وخلبة: الليف.
(11) البخاري- الفتح 3 (1634) واللفظ له. ومسلم (1315) .(4/1544)
يغتسل بين القرنين «1» ، وهو يستر بثوب، فسلّمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن العبّاس أسألك كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثّوب فطأطأه حتّى بدا لي رأسه، ثمّ قال لإنسان يصبّ عليه: اصبب، فصبّ على رأسه، ثمّ حرّك رأسه بيديه، فأقبل بها وأدبر، وقال: هكذا رأيته صلّى الله عليه وسلّم يفعل) * «2» .
51-* (عن الصّعب بن جثّامة اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّه أهدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حمارا وحشيا وهو بالأبواء، أو بودّان فردّه عليه، فلمّا رأى ما في وجهه، قال: «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم» ) * «3» .
52-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله، فقال: إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك) * «4» .
53-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم، وقال: «أيها النّاس، عليكم بالسّكينة، فإنّ البرّ ليس بالإيضاع «5» » ) * «6» .
54-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- «أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «7» فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه ثمّ يرمي الوسطى، ثمّ يأخذ ذات الشّمال «8» فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف. فيقول: هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله) * «9» .
55-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يقدّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة باللّيل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثمّ يدفعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول صلّى الله عليه وسلّم) * «10» .
__________
(1) بين القرنين: أي بين قرني البئر، وهما جانبا البناء الذي على رأس البئر.
(2) البخاري- الفتح 4 (1840) واللفظ له. ومسلم (1205) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1825) واللفظ له. ومسلم (1193) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1597) . ومسلم (1270) .
(5) الإيضاح: الإسراع.
(6) البخاري- الفتح 3 (1671) . والزجر: الصياح لحث الإبل.
(7) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان الذي لا ارتفاع فيه.
(8) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله.
(9) البخاري- الفتح 3 (1751) .
(10) البخاري- الفتح 3 (1676) . ومسلم (1295) واللفظ له.(4/1545)
56-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: أمر النّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلّا أنّه خفّف عن المرأة الحائض) * «1» .
57-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم عرفة، إنّ الله ينزل إلى السّماء، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، ضاحين من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم، فتقول له الملائكة: أي ربّ فيهم فلان يزهو وفلان وفلان، قال يقول الله: قد غفرت لهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فما من يوم أكثر عتقا من النّار من يوم عرفة» ) * «2» .
58-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الاستجمار توّ «3» . ورمي الجمار توّ.
والسّعي بين الصّفا والمروة توّ. والطّواف توّ. وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوّ» ) * «4» .
59-* (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الرّكن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنّة، طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» ) * «5» .
60-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ مسحهما «6» يحطّ الخطايا» ) * «7» .
61-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته «8» ، أو قال: فأوقصته، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«اغسلوه بماء وسدر، وكفّنوه في ثوبين ولا تحنّطوه، ولا تخمّروا «9» رأسه، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبيّا «10» » * «11» .
62-* (عن نبيه بن وهب؛ قال: خرجنا مع أبان بن عثمان حتّى إذا كنّا بملل، اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه، فلمّا كنّا بالروحاء اشتدّ وجعه فأرسل إلى أبان بن عثمان يسأله، فأرسل إليه أن ضمّدها بالصّبر «12» ، فإنّ عثمان- رضي الله عنه- حدّث عن
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1755) . ومسلم (1328) واللفظ له.
(2) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2840) وقال محققه: إسناده ضعيف. والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 9) وقال محققه: إسناده لا بأس به. والبغوي في شرح السنة (7/ 159) برقم (1931) . وقال: أخرجه ابن خزيمة ورجاله ثقات.
(3) الاستجمار توّ: التوّ هو الوتر. والاستجمار هو الاستنجاء بالحجارة، والمراد بالتو في الجمار سبع، وفي الطواف سبع، وفي السعي سبع، وفي الاستنجاء ثلاث، فإن لم يحصل الإنقاء بثلاث وجبت الزيادة حتى ينقى.
(4) مسلم (1300) .
(5) الترمذي (878) . وابن خزيمة (4/ 2731) وقال محققه: إسناده حسن. وهو في صحيح الجامع للألباني (1629) .
(6) مسحهما: أي مسح الركن اليماني والحجر الأسود.
(7) ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2729) وقال محققه: إسناده حسن. والبيهقي في شعب الايمان (7/ 591) . والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن.
(8) فوقصته: أي كسرت عنقه.
(9) ولا تخمروا رأسه: أي لا تغطوا رأسه.
(10) ملبيّا: أي بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من حج أو عمرة.
(11) البخاري- الفتح 4 (1850) .
(12) الصبر: بكسر الباء ويجوز إسكانها: دواء مرّ.(4/1546)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ الرّجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم، ضمّدهما بالصّبر» ) * «1» .
63-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: خطبنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات، فقال: «من لم يجد الإزار فليلبس السّراويل، ومن لم يجد النّعلين فليلبس الخفّين» ) * «2» .
64-* (عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطوف بالبيت ويستلم الرّكن بمحجن معه ويقبّل المحجن» .
وعند البخاريّ من حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «طاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع على بعير يستلم الرّكن بمحجن» ) * «3» .
65-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. وفي لفظ: رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجمرة يوم
النّحر ضحى وأمّا بعد، فإذا زالت الشّمس) * «4» .
66-* (عن عديّ بن الحمراء- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واقفا على الحزورة، فقال:
«والله إنّك لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت» ) * «5» .
67-* (عن عبد الله بن السّائب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ما بين الرّكنين: «ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النّار» ) * «6» .
68-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أشتكي. فقال: «طوفي من وراء النّاس وأنت راكبة» ، فطفت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ يصلّي إلى جنب البيت وهو يقرأ: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ» ) * «7» .
69-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام» ) * «8» .
70-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: طاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبيت على بعير كلّما أتى الرّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر) * «9» .
71-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: غدونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منى إلى
__________
(1) مسلم (1204) .
(2) البخاري- الفتح 4 (1843) واللفظ له. ومسلم (1178) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1607) . ومسلم (1275) .
(4) مسلم (1299) .
(5) الترمذي (3925) وقال: حديث حسن غريب صحيح، وهذا لفظه، وابن ماجة (3108) . وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2533) . والحزورة: موضع بمكة.
(6) أبو داود (2/ 1892) وهذا لفظه. وابن خزيمة في صحيحه. (4/ 2721) . والبغوي في شرح السنة (7/ 1915) . والحاكم في المستدرك (1/ 455) ، ووافقه الذهبي. والبيهقي في الشعب (7/ 3754) وقال محققه: رجاله موثقون.
(7) البخاري- الفتح 3 (1619) واللفظ له. ومسلم (1276) . وأشتكي: أي إنها ضعيفة.
(8) البخاري- الفتح 3 (1190) . ومسلم (1394) واللفظ له.
(9) البخاري- الفتح 3 (1613) .(4/1547)
عرفات، منّا الملبّي، ومنّا المكبّر) * «1» .
72-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم افتتح مكّة: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة، وإذا استنفرتم فانفروا؛ فإنّ هذا بلد حرّم الله يوم خلق السّماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلّا من عرّفها، ولا يختلى خلاها» ، قال العبّاس: يا رسول الله إلّا الإذخر فإنّه لقينهم ولبيوتهم، قال: «إلّا الإذخر» ) * «2» .
73-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فقال المشركون:
إنّه يقدم عليكم وقد وهنتهم «3» حمّى يثرب، فأمرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يرملوا «4» الأشواط الثّلاثة وأن يمشوا ما بين الرّكنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلّها إلّا الإبقاء عليهم) * «5» .
74-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان فلان ردف «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النّساء وينظر إليهم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ابن أخي إنّ هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له» ) * «7» .
75-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كنت أطيّب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لإحرامه حين يحرم، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت) * «8» .
76-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومسجد الأقصى» ) * «9» .
77-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «10» : «اللهمّ ارحم المحلّقين «11» » . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله قال: «اللهمّ ارحم المحلّقين» . قالوا: والمقصّرين يا رسول الله قال: «والمقصّرين» ) * «12» .
78-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-
__________
(1) مسلم (1284) .
(2) البخاري- الفتح 4 (1834) واللفظ له. مسلم (1353) . والخلا: مقصورا: الرطب من النبات، واختلاؤه: قطعه.
(3) وهنتهم: أي أضعفتهم.
(4) الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطى.
(5) البخاري- الفتح 4 (1602) واللفظ له. ومسلم (1266) .
(6) ردف: يعني يركب خلفه على دابته.
(7) قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد بإسناد صحيح. انظر: المتجر الرابح (ص 237) . وراجع أحمد (1/ 329) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1539) واللفظ له. ومسلم (1189) .
(9) البخاري- الفتح 3 (1189) واللفظ له. ومسلم (1397) .
(10) قال: في حجة الوداع، أو في الحديبية، أو في الموضعين جمعا بين الأحاديث.
(11) اللهمّ ارحم المحلقين: في تفضيل الحلق للرجال على التقصير، الذي هو أخذ أطراف الشعر، لقوله تعالى مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ (الفتح- 27) إذ العرب تبدأ بالأهم والأفضل.
(12) البخاري- الفتح 3 (1727) . ومسلم (1302، 1303) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(4/1548)
أنّه قال: لم أر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح من البيت إلّا الرّكنين اليمانيّين «1» .
وعند البخاري: عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: ما تركت استلام هذين الرّكنين في شدّة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستلمهما) * «2» .
79-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أهلّ مهلّ قطّ إلّا بشّر» . قيل يا رسول الله بالجنّة. قال: «نعم» ) * «3» .
80-* (عن عبد الله بن زيد المازنيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة «4» » ) * «5» .
81-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام أعظم عند الله ولا أحبّ إلى الله العمل فيهنّ من أيّام العشر، فأكثروا فيهنّ من التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير» ) * «6» .
82-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله- عزّ وجلّ- من هذه الأيام» - يعني أيّام العشر «7» . قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلّا رجلا خرج بنفسه وماله ثمّ لم يرجع من ذلك بشيء» ) * «8» .
83-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق «9» الله فيه عبدا من النّار من يوم عرفة، وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟» ) * «10» .
84-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق «11» ، رجع كما ولدته أمّه» ) * «12» .
85-* (عن محمّد بن المنكدر عن أبيه- رضي
__________
(1) الركنان اليمانيان: هما الركن الأسود والركن اليماني. وإنما قيل لهما اليمانيان للتغليب. كما قيل في الأب والأم: الأبوان. وفي الشمس والقمر: القمران. واليمانيان: بتخفيف الياء: هي اللغة المشهورة.
(2) البخاري- الفتح 3 (1606) . ومسلم (1267، 1268) .
(3) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (ص 298) .
(4) روضة من رياض الجنة: ذكروا في معناه قولين: أحدهما أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة. والثاني: أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة.
(5) البخاري- الفتح 3 (1195) . ومسلم (1390) .
(6) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (ص 232) .
(7) أيام العشر: أي أيام العشر من ذي الحجة.
(8) أحمد (1/ 224) واللفظ له، والبخاري- الفتح 2 (969) ، وأبو داود (3438) ، وابن ماجة (1727) .
(9) ما من يوم أكثر من أن يعتق ... إلخ: المعنى ليس يوم أكثر إعتاقا فيه من يوم عرفة.
(10) مسلم (1348) .
(11) فلم يرفث ولم يفسق: قال القاضي: هذا من قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ (البقرة: 197) والرفث: اسم للفحش من القول، وقيل: هو الجماع، وأما الفسوق: فالمعصية، وفسر بالخروج عن الاستقامة.
(12) البخاري- الفتح 4 (1819) . ومسلم (1350) واللفظ له.(4/1549)
الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من طاف بالبيت أسبوعا «1» لا يلغو فيه كان كعدل رقبة يعتقها» ) * «2» .
86-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «3» .
87-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
نزلت المزدلفة، فاستأذنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سودة أن تدفع قبل حطمة «4» النّاس، وكانت امرأة بطيئة، فأذن لها، فدفعت قبل حطمة النّاس، وأقمنا حتّى أصبحنا نحن، ثمّ دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما استأذنت سودة أحبّ إليّ من مفروح «5» به» ) * «6» .
88-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاستفتيته، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لتمش ولتركب» ) * «7» .
89-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- قال: وقف عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا، فقال: «يؤذيك هو امّك؟» . قلت: نعم.
قال: «فاحلق رأسك» أو قال: «احلق» قال: فيّ نزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ إلى آخرها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صم ثلاثة أيّام، أو تصدّق بفرق «8» بين ستّة، أو انسك بما تيّسر» ) * «9» .
90-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات وقد كانت الشّمس تغرب، فقال: «يا بلال أنصت لي النّاس» . فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصمت النّاس.
فقال: «يا معشر النّاس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التّبعات «10» » . قام عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصّة؟. قال:
«هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» . فقال عمر بن الخطّاب: كثر خير الله وطاب) * «11» .
__________
(1) الأسبوع: سبعة أشواط.
(2) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (301) .
(3) الترمذي (878) وقال: حديث حسن صحيح.
(4) الحطمة: الزحمة.
(5) مفروح به: ما يفرح به من كل شيء.
(6) البخاري- الفتح 3 (1681) واللفظ له. ومسلم (1290) .
(7) البخاري- الفتح 4 (1866) . ومسلم (1644) .
(8) الفرق: مكيال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رطلا.
(9) البخاري- الفتح 4 (1815) واللفظ له. ومسلم (1201) .
(10) وضمن عنهم التبعات: أي حمل عنهم المظالم التي بينهم.
(11) قال الحافظ الدمياطي: رواه ابن المبارك بإسناد جيد، ورواته ثقات أثبات. انظر المتجر الرابح (236) .(4/1550)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحج والعمرة)
1-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال: «يا أهل مكّة اتّقوا الله في حرمكم هذا. أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان، فأحلّوا حرمته فهلكوا وبنو فلان فأحلّوا حرمته فهلكوا، حتّى عدّ ما شاء الله، ثمّ قال: والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحبّ إليّ من أن أعمل واحدة بمكّة» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما آسى على شيء فاتني من الدّنيا إلّا أنّني لم أحجّ ماشيا حتّى أدركني الكبر. اسمع قول الله تعالى يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ (الحج/ 27) » ) * «2» .
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«لو يعلم المقيمون ما للحجّاج عليهم من الحقّ لأتوهم حين يقدمون حتّى يقبّلوا رواحلهم، لأنّهم وفد الله من جميع النّاس» ) * «3» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما:
«وفد الله ثلاثة: الحاجّ، والمعتمر، والغازي. أولئك الّذين يسألون الله فيعطيهم سؤالهم» ) * «4» .
5-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما: «إنّ عرى الدّين وقوامه الصّلاة والزّكاة، لا يفرق بينهما، وحجّ البيت، وصيام رمضان. وإنّ من أصلح الأعمال الصّدقة والجهاد» ) * «5» .
6-* (عن عطاء قال: «النّظر إلى البيت عبادة» ) * «6» .
7-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (الحج/ 27) قال: لمّا فرغ إبراهيم عليه السّلام من بناء البيت فقيل له: ناد في النّاس بالحجّ. قال: كيف أقول يا ربّ؟ قال:
قل: يا أيّها النّاس استجيبوا لربّكم فقالها فوقرت في قلب كلّ مؤمن) * «7» .
8-* (عن مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى:
مَثابَةً لِلنَّاسِ (البقرة/ 125) يقول: لا يقضون منه وطرا أبدا وأمنا يقول: لا يخافه من دخله) * «8» .
9-* (عن خيثمة بن عبد الرّحمن- رحمه الله- قال: «إذا قضيت حجّك فسل الله الجنّة» ) * «9» .
10-* (قال الأصمعيّ: «دعا أعرابيّ بمكّة، فقال: «اللهمّ لا تمنعني خير ما عندك بسوء ما عندي، وإن كنت لم تقبل تعبي ونصبي فلا تحرمني أجر
__________
(1) شعب الإيمان للبيهقي (7/ 567) .
(2) المرجع السابق (7/ 537) ورجاله ثقات.
(3) المرجع السابق (8/ 53) . والدر المنثور للسيوطي (1/ 507) .
(4) الدر المنثور للسيوطي (1/ 705) ، وشعب الإيمان (3/ 476) ط. زغلول.
(5) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 46) .
(6) البيهقي في شعب الإيمان (7/ 600) ورجاله ثقات.
(7) المرجع السابق (7/ 566) ورجاله ثقات.
(8) المرجع السابق (7/ 554) ورجاله ثقات.
(9) المرجع السابق (8/ 75) .(4/1551)
المصاب على مصيبته» ) * «1» .
11-* (سئل شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله:
ماذا تقولون أهل العلم في رجل ... آتاه ذو العرش مالا حجّ واعتمرا
فهزّه الشّوق نحو المصطفى طربا ... الحجّ أفضل أم إيثاره الفقرا
أم حجّه عن أبيه ذاك أفضل أم ... ماذا الّذي يا سادتي ظهرا
فافتوا محبّا لكم إنّي فديتكمو ... وذكركم دأبه إن غاب أو حضرا
فأجاب رحمه الله:
نقول فيه بأنّ الحجّ أفضل من ... فعل التّصدّق والإعطاء للفقرا
والحجّ عن والديه فيه برّهما ... والأمّ أسبق في البرّ الّذي ذكرا
لكن إذا الفرض خصّ الأب كان إذا ... هو المقدّم فيما يمنع الضّررا
كما إذا كان محتاجا إلى صلة ... وأمّه قد كفاها من يرى البشرا
هذا جوابك يا هذا موازنة ... وليس مفتيك معدودا من الشّعرا)
* «2» .
12-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-:
أمّا والّذي حجّ المحبّون بيته ... فلبّوا له عند المهلّ وأحرموا
وقد كشفوا تلك الرءوس تواضعا ... لعزّة من تعنو الوجوه وتسلم
يهلّون بالبيداء لبّيك ربّنا ... لك الملك والحمد الّذي أنت تعلم
دعاهم فلبّوه رضا ومحبّة ... فلمّا دعوه كان أقرب منهم
تراهم على الأنضاء شعثا رءوسهم ... وغبرا وهم فيها أسرّ وأنعم) * «3»
من فوائد (الحج والعمرة)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) طهارة النّفس والبدن من أوزار الذّنوب والمعاصي.
(3) إعلان العبوديّة لله وحده وخلع ما سواه.
(4) التجرّد والتحرّر من شهوات النّفس وملذّاتها.
(5) ينمّي روح المحبّة والتّعاون بين المسلمين.
(6) يدعو إلى الوحدة الشّاملة الكاملة بين المسلمين.
(7) إذلال للشّيطان ومرضاة للرّحمن.
(8) يشعر بالمساواة بين النّاس وأنّه لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتّقوى.
(9) تعليم المؤمنين البذل والفداء.
__________
(1) شعب الإيمان للبيهقي (8/ 123) ورجاله ثقات.
(2) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (26/ 10- 11) .
(3) ميمية ابن القيم (20) .(4/1552)
الحذر
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
16/ 35/ 3
الحذر لغة:
تدور مادّة (ح ذ ر) حول معنى التّحرّز والتّيقّظ، يقول ابن فارس «الحاء والذّال والرّاء» أصل واحد، وهو التّحرّز والتّيقّظ. يقال: حذر يحذر حذرا.
ورجل حذر وحذور، وحذريان: متيقّظ متحرّز.
وحذار بمعنى احذر «1» .
ويرى الرّاغب أنّ الاحتراز مقيّد بكونه عن مخيف فيقول: الحذر: احتراز عن مخيف، يقال: حذر حذرا وحذرته «2» .
وقد دارت كلّ تفريعات المادّة حول المعنيين السّابقين، يقول الجوهريّ: «الحذر والحذر: التّحرّز، وقد حذرت الشّيء أحذره حذرا. ورجل حذر وحذر أي متيقّظ متحرّز، والجمع حذرون وحذارى وحذرون «3» .
ويقول صاحب اللّسان: الحذر والحذر:
الخيفة. حذره يحذره حذرا واحتذره (الأخيرة عن ابن الأعرابيّ) .. ورجل حذر وحذر، وحاذورة وحذريان:
متيقّظ شديد الحذر والفزع، متحرّز.
والتّحذير: التّخويف، والحذار: المحاذرة.
والمحذورة: الفزع بعينه «4» ، وجعل الفيّوميّ الحذر بمعنى الاستعداد والتّأهّب فقال: حذر حذرا من باب تعب واحتذر واحترز كلّها بمعنى استعدّ وتأهّب فهو حاذر ... وحذر الشّيء إذا خافه، فالشّيء محذور أي مخوف «5» .
ومن قرأ قوله تعالى: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (الشعراء/ 56) أي مستعدّون، ومن قرأ: حذرون فمعناه: إنّا نخاف شرّهم، وقال الفرّاء في قوله:
حاذِرُونَ: روي عن ابن مسعود أنّه قال:
مؤدون، أي ذوو أداة من السّلاح.
وقال الزّجاج: الحاذر: المستعدّ والحذر:
المتيقّظ. وقد حذّره الأمر، وأنا حذيرك منه أي محذّرك منه «6» .
وقال الفيروز آباديّ في قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء/ 71) أي ما فيه الحذر من السّلاح وغيره «7» .
وقال ابن كثير في معنى الآية الكريمة: يأمر الله عزّ وجلّ عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم وهذا
__________
(1) المقاييس (2/ 37) .
(2) المفردات (109) .
(3) الصحاح (2/ 626) .
(4) اللسان: مادة (حذر) (5/ 175) ، وانظر القاموس (2/ 6) .
(5) المصباح المنير (4/ 176) .
(6) اللسان: مادة (حذر) (5/ 175) .
(7) بصائر ذوي التمييز (2/ 441) .(4/1553)
يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة والعدد، وتكثير العدد بالنّفير في سبيل الله» «1» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: هو احتراز عن مخيف، قال تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ «2» .
وقال الكفويّ: الحذر هو اجتناب الشّيء خوفا منه «3» .
الفرق بين الحذر والرّهبة:
الحذر فيه خوف شديد والرّهبة فيها خوف مع تحيّر «4» .
من معاني كلمة الحذر في القرآن الكريم:
وقد ورد الحذر في القرآن على ثلاثة أوجه، منها:
الأوّل: بمعنى الخوف والخطر: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران/ 28) . أي يخوّفكم.
الثّاني: بمعنى الإباء والامتناع: وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (المائدة/ من الآية 41) . أي امتنعوا.
الثّالث: بمعنى كتمان السّرّ: إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (التوبة/ من الآية 64) . أي مظهر ما تكتمون «5» .
ويمكن أن يضاف إلى ذلك معنى الاستعداد والتّأهّب، وذلك كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء/ 71) .
وقال الفيروز اباديّ- رحمه الله-: ثمّ يختلف الحذر: تارة من فتنة الأولاد: عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن/ 14) ، وتارة حذّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من مكر المنافقين: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ (المنافقين/ 4) ، وتارة حذّره صلّى الله عليه وسلّم من فتنة اليهود:
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ (المائدة/ 49) ، وتارة حذر المنافقون من فضيحتهم بنزول القرآن: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ (التوبة/ 64) ، وحذر فرعون وهامان من عسكر موسى بن عمران: وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (الشعراء/ 56) ، وحذّر المسلم ممّن يخالف الرّحمن:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (النور/ 63) «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحيطة- الوقاية الخوف- الخشية- التقوى- الفطنة- البصيرة- النظر والتبصر- اليقظة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر- العجلة- الغرور- الطيش- التفريط والإفراط- الغفلة- التهاون] .
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 137) .
(2) الكليات للكفوي (2/ 269) .
(3) المفردات (109) ، والكليات للكفوي (2/ 269) .
(4) الكليات للكفوي (2/ 303) .
(5) بصائر ذوي التمييز (2/ 441) .
(6) المعنى يختلف الحذر بحسب ما يحذّر أو يحذر منه.(4/1554)
الآيات الواردة في «الحذر»
الحذر بمعنى الخوف والخشية مما يخاف منه:
1- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «1»
2-* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) «2»
3- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ
سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ
(30) «3»
4- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «4»
5- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «5»
6-* وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «6»
7- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56)
__________
(1) البقرة: 235 مدنية.
(2) البقرة: 243 مدنية.
(3) آل عمران: 28- 30 مدنية.
(4) المائدة: 49- 50 مدنية.
(5) المائدة: 92 مدنية.
(6) التوبة: 122 مدنية.(4/1555)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «1»
8- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «2»
9-* وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «3»
10- إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) * وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) «4»
11- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) «5»
الحذر بمعنى الاستعداد والتأهب:
12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72) «6»
13- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101)
__________
(1) الإسراء: 56- 75 مكية.
(2) النور: 63 مدنية.
(3) الزمر: 8- 9 مكية.
(4) المنافقون: 1- 4 مدنية.
(5) التغابن: 14- 15 مدنية.
(6) النساء: 71- 72 مدنية.(4/1556)
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1»
14-* وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) «2»
الحذر بمعنى الامتناع:
15-* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ
(41) «3»
الحذر بمعنى كتمان السر:
16- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (64) «4»
__________
(1) النساء: 101- 103 مدنية
(2) الشعراء: 52- 59 مكية.
(3) المائدة: 41 مدنية
(4) التوبة: 64 مدنية.(4/1557)
الأحاديث الواردة في (الحذر)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشّيطان حسّاس لحّاس «1» ، فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر «2» فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «3» .
2-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان أكثر خطبته حديثا حدّثناه عن الدّجّال. وحذّرناه. فكان من قوله أن قال: «إنّه لم تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله ذرّيّة آدم، أعظم من فتنة الدّجّال. وإنّ الله لم يبعث نبيّا إلّا حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم، لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم، فأنا حجيج لكلّ مسلم. وإن يخرج من بعدي، فكلّ امرئ حجيج نفسه. والله خليفتي على كلّ مسلم. وإنّه يخرج من خلّة بين الشّام والعراق فيعيث يمينا ويعيث شمالا. يا عباد الله فاثبتوا. فإنّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إيّاه نبيّ قبلي. إنّه يبدأ فيقول: أنا نبيّ ولا نبيّ بعدي. ثمّ يثنّي فيقول: أنا ربّكم. ولا ترون ربّكم حتّى تموتوا. وإنّه أعور. وإنّ ربّكم ليس بأعور. وإنّه مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه كلّ مؤمن، كاتب أو غير كاتب. وإنّ من فتنته أنّ معه جنّة ونارا. فناره جنّة وجنّته نار. فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله وليقرأ فواتح «الكهف» . فتكون عليه بردا وسلاما. كما كانت النّار على إبراهيم. وإنّ من فتنته أن يقول لأعرابيّ: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمّك، أتشهد أنّي ربّك؟ فيقول: نعم. فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه وأمّه. فيقولان: يا بنيّ اتّبعه.
فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلّط على نفس واحدة، فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتّى يلقى شقّتين. ثمّ يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإنّي أبعثه الان ثمّ يزعم أنّ له ربّا غيري. فيبعثه الله. ويقول له الخبيث: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، وأنت عدوّ الله. أنت الدّجّال. والله ما كنت بعد، أشدّ بصيرة بك منّي اليوم» .
قال أبو الحسن الطّنافسيّ: فحدّثنا المحاربيّ.
حدّثنا عبيد الله بن الوليد الوصافيّ عن عطيّة، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك الرّجل أرفع أمّتي درجة في الجنّة» . قال: قال أبو سعيد: والله ما كنّا نرى ذلك الرّجل إلّا عمر بن الخطّاب. حتّى مضى لسبيله) * «4» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الاية هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ إلى أُولُوا الْأَلْبابِ
__________
(1) حساس لحاس: شديد الحس والإدراك وكثير اللمس لما يصل إليه.
(2) غمر: ريح اللحم وزهومته.
(3) الترمذي (1859) واللفظ له. وأبو داود (3852) وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 403) : حديث حسن بشواهده.
(4) أخرجه البخاري مقطعا رقم (7122/ 7123) ومن (7132/ 7134) . ومسلم (2942) . وابن ماجه (4077) وهذا لفظه.(4/1558)
(آل عمران/ 7) . قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيت الّذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم» ) * «1» .
4-* (عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة، مع غلامي نافع: أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال فكتب إليّ: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم جمعة، عشيّة رجم الأسلميّ، يقول: «لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة. أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة. كلّهم من قريش» وسمعته يقول: «عصيبة «2» من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض. بيت كسرى. أو آل كسرى» .
وسمعته يقول: «إنّ بين يدي السّاعة كذّابين فاحذروهم» . وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته» . وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض «3» » ) * «4» .
5-* (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- وكان من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين، حتّى يدع ما لا بأس به، حذرا لما به البأس» ) * «5» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّادم ينتظر من الله الرّحمة، والمعجب ينتظر المقت، واعلموا عباد الله أنّ كلّ عامل سيقدم على عمله، ولا يخرج من الدّنيا حتّى يرى حسن عمله، وسوء عمله، وإنّما الأعمال بخواتيمها، واللّيل والنّهار مطيّتان، فأحسنوا السّير عليهما إلى الاخرة، واحذروا التّسويف، فإنّ الموت يأتي بغتة، ولا يغتّرنّ أحدكم بحلم الله- عزّ وجلّ- فإنّ الجنّة والنّار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في (الحذر) معنى
7-* (عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم بعدي كلّ منافق عليم اللّسان «7» » ) * «8» .
8-* (عن عبد الرّحمن بن عمرو السّلميّ، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممّن نزّل فيه وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4547) واللفظ له. ومسلم (2665) .
(2) عصيبة: تصغير عصبة وهي الجماعة القليلة.
(3) أنا الفرط على الحوض: السابق المنتظر لسقيكم منه.
(4) مسلم (1822) .
(5) ابن ماجه (4215) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول (4/ 682) : حديث حسن.
(6) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 95، 96) وقال: رواه الأصبهاني من روآية ثابت بن محمد الكوفي العابد، وهو ثقة.
(7) عليم اللسان: كثير العلم الظاهر بعيد عن الإيمان.
(8) الهيثمي في المجمع (1/ 187) وقال: رواه البزار وأحمد وأبويعلى ورجاله موثقون. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 218) عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بنص: «إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللّسان» ...(4/1559)
لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (التوبة/ 92) فسلّمنا، وقلنا: أتيناك زائرين، وعائدين، ومقتبسين. فقال العرياض: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء المهديّين الرّاشدين تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» ) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قاتل أحدكم أخاه، فليتّق الوجه» ) * «2» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رآه قال: «بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة» . فلمّا جلس تطلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه. فلمّا انطلق الرّجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا، ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟
إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه النّاس اتّقاء شرّه» ) * «3» .
11-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا «4» فاذروه في اليمّ. ففعلوا.
فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك. فغفر الله له» . قال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذاك، وكان نبّاشا) * «5» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنّك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم.
فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم. واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينه وبين الله حجاب» ) * «6» .
13-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم إنّي رأيت الجيش
__________
(1) أبو داود (4607) وهذا لفظه. والترمذي (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألباني (3/ 871) : صحيح.
(2) البخاري- الفتح 5 (2559) . ومسلم (2612) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 10 (6032) واللفظ له. ومسلم (2591) .
(4) راحا: شديد هبوب الريح.
(5) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له. ومسلم (2756) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1496) واللفظ له. ومسلم (19) .(4/1560)
بعينيّ، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني فاتّبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحقّ» ) * «1» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم أن تتّخذوا ظهور دوابّكم منابر؛ فإنّ الله إنّما سخّرها لكم لتبلّغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس «2» ، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم» ) * «3» .
15-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات» . فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه» . قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول الله؟
قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» ) * «4» .
16-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والدّخول على النّساء» .
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟
قال: «الحمو الموت» ) * «5» .
17-* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين» .
فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة «6» الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «7» . فألّحت. فقالوا: خلأت «8» القصواء. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل» ...
الحديث، وفيه: فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل «9» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجئ لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7283) واللفظ له. ومسلم (2283) .
(2) بشق الأنفس: شق الأنفس جهدها وما تعانيه عند طلب الأمر الشاق، والحال الصعبة من الشدة.
(3) أبو داود (2567) واللفظ له، وقال الألباني (2/ 488) صحيح وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن.
(4) البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له. ومسلم (2121) .
(5) البخاري- الفتح 9 (5232) واللفظ له. ومسلم (2172) .
(6) قترة: غبار.
(7) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
(8) خلأت: أي حرنت.
(9) العوذ المطافيل: حديثات النّتاج، وقال في القاموس: العوذ جمع عائذ وهي حديثات النتاج من الظباء وكل أنثى، والمطافيل: جمع مطفل أي ذات طفل.(4/1561)
قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «1» .
وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي، ولينفذنّ الله أمره» . فقال بديل: سأبلّغهم ما تقول ... الحديث) * «2» .
18-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه.
فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فنزلنا منزلا، فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل «3» ، ومنّا من هو في جشره «4» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها.
وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «5» . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن:
هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه.
ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» . فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (4/ النساء/ 29) . قال: فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) * «6» .
19-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس. فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، ألا إنّ حمى الله في أرضه محارمه. ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا
__________
(1) جمّوا: أي استراحوا.
(2) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) وهذا لفظه. ومسلم (1783، 1784، 1785) مقطعا.
(3) ومنا من ينتضل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنشاب.
(4) في جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها.
(5) فيرقق بعضها بعضا: أي يصير بعضها رقيقا أي خفيفا لعظم ما بعده، وقيل معناه يشبه بعضه بعضا.
(6) مسلم (1844) .(4/1562)
وهي القلب» ) * «1» .
20-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ ذكر الدّجّال فقال: «إنّي لأنذركموه، وما من نبيّ إلّا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكنّي أقول لكم فيه قولا لم يقله نبيّ لقومه: تعلمون أنّه أعور، وأنّ الله ليس بأعور» ) * «2» .
21-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة «3» كهاتين» ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى. ويقول: «أمّا بعد. فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمّد. وشرّ الأمور محدثاتها.
وكلّ بدعة ضلالة» . ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك ما لا فلأهله. ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ» ) * «4» .
22-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: «كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه رجلان:
أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السّبيل.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا قطع السّبيل؛ فإنّه لا يأتي عليك إلّا قليل حتّى تخرج العير إلى مكّة بغير خفير.
وأمّا العيلة؛ فإنّ السّاعة لا تقوم حتّى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه. ثمّ ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثمّ ليقولنّ له: ألم أوتك مالا؟ فليقولنّ: بلى. ثمّ ليقولنّ: ألم أرسل إليك رسولا؟ فليقولنّ: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا النّار، ثمّ ينظر عن شماله فلا يرى إلّا النّار. فليتّقينّ أحدكم النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «5» .
23-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عديّ- لبطون قريش- حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» .
قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) * «6» .
24-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما بعث نبيّ إلّا أنذر أمّته الأعور الكذّاب، ألا إنّه أعور وإنّ ربّكم ليس بأعور، وإنّ بين عينيه مكتوب: كافر» . فيه أبو هريرة وابن عبّاس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (52) واللفظ له. ومسلم (1599) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3337) واللفظ له. ومسلم (169) .
(3) يروى بنصب الساعة ورفعها والنصب أشهر على أنها مفعول معه.
(4) مسلم (867) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1413) . ومسلم (1016) نحوه.
(6) البخاري- الفتح 8 (4770) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7131) واللفظ له. ومسلم (2933) .(4/1563)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحذر)
25-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: اشترى أبو بكر- رضي الله عنه- من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إليّ رحلي. فقال عازب: لا حتّى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرجتما من مكّة والمشركون يطلبونكم قال: ارتحلنا من مكّة فأحيينا- أو سرينا ليلتنا- ويومنا حتّى أظهرنا وقام قائم الظّهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظلّ فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقيّة ظلّ لها فسوّيته، ثمّ فرشت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه، ثمّ قلت له: اضطجع يا نبيّ الله، فاضطجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم انطلقت أنظر ما حولي، هل أرى من الطّلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصّخرة، يريد منها الّذي أردنا فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سمّاه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال:
نعم، قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثمّ أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثمّ أمرته أن ينفض كفّيه، فقال: هكذا- ضرب إحدى كفّيه بالأخرى- فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللّبن حتّى برد أسفله، فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قلت: قد آن الرّحيل يا رسول الله. فقال: «بلى» . فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت: هذا الطّلب قد لحقنا يا رسول الله. فقال: «لا تحزن إنّ الله معنا» ) * «1» .
26-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه-:
أنّهم ساروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين فأطنبوا السّير حتّى كانت عشيّة، فحضرت الصّلاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء فارس فقال: يا رسول الله إنّي انطلقت بين أيديكم حتّى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» ، ثمّ قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» . قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ: أنا يا رسول الله. قال: «فاركب» فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقبل هذا الشّعب حتّى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ من قبلك اللّيلة» . فلمّا أصبحنا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصلّاه فركع ركعتين، ثمّ قال: «هل أحسستم فارسكم؟» .
قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه فثوّب بالصّلاة، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي، وهو يلتفت إلى الشّعب، حتّى إذا قضى صلاته وسلّم قال: «أبشروا فقد جاءكم
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3652) واللفظ له. ومسلم (2019) .(4/1564)
فارسكم» . فجعلنا ننظر إلى خلال الشّجر في الشّعب، فإذا هو قد جاء حتّى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم فقال: إنّي انطلقت حتّى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أصبحت اطّلعت الشّعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نزلت اللّيلة؟» قال: لا إلّا مصلّيا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أوجبت «1» فلا عليك أن لا تعمل بعدها» ) * «2» .
27-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة «3» ، عينا «4» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «5» ، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدّثه الحديث ... ) * «6» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشرة رهط سريّة عينا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاريّ- جدّ عاصم بن عمر بن الخطّاب- فانطلقوا ... الحديث) * «7» .
29-* (عن أنس- رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلمّا رأى ما بهم من النّصب والجوع قال: «اللهمّ إنّ العيش عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره» فقالوا مجيبين له:
نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا) * «8» .
30-* (عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم- يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه.
قالا: وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمان الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتّى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعيّ، فقال: إنّي قد تركت كعب ابن لؤيّ وعامر بن لؤيّ قد جمعوا لك الأحابش وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ... الحديث) * «9» .
__________
(1) أوجبت: أي أتيت بفعل أوجب لك الجنة.
(2) رواه النسائي، وأبو داود واللفظ له (2501) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 475) : صحيح. والمنذري في الترغيب (2/ 251- 252) .
(3) بسيسة: قال القاضي: هكذا هو في جميع النسخ. قال: والمعروف في كتب السيرة: بسبس، وهو ابن عمرو، ويقال: ابن بشر من الأنصار، من الخزرج. ويقال حليف لهم. قلت (أي الإمام النوويّ) : يجوز أن يكون أحد اللفظين اسما له، والآخر لقبا.
(4) عينا: أي متجسسا ورقيبا.
(5) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره. قال في المشارق: العير هي الإبل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارات. قال: ولا تسمى عيرا إلا إذا كانت كذلك. وقال الجوهريّ في الصحاح: العير الإبل تحمل الميرة. جمعها عيرات.
(6) مسلم (1901) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3045) .
(8) البخاري- الفتح 7 (4099) .
(9) أحمد (4/ 328) وهذا لفظه. وهو عند البخاري ومسلم.(4/1565)
31-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الخوف، فصفّنا صفّين، صفّ خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعدوّ بيننا وبين القبلة، فكبّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكبّرنا جميعا ثمّ ركع وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، وقام الصّفّ المؤخّر في نحر العدوّ، فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود وقام الصّفّ الّذي يليه، انحدر الصّفّ المؤخّر بالسّجود وقاموا، ثمّ تقدّم الصّف المؤخّر وتأخّر الصّفّ المقدّم، ثمّ ركع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وركعنا جميعا، ثمّ رفع رأسه من الرّكوع ورفعنا جميعا، ثمّ انحدر بالسّجود والصّفّ الّذي يليه، الّذي كان مؤخّرا في الرّكعة الأولى، وقام الصّف المؤخّر في نحور العدوّ فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّجود والصّفّ الّذي يليه. انحدر الصّف المؤخّر بالسّجود فسجدوا، ثمّ سلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وسلّمنا جميعا) * «1» .
قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم.
32-* (عن أنس عن أبي بكر- رضي الله عنهما- قال: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» ) * «2» .
33-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه-:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلّما يريد غزوة يغزوها إلّا ورّى بغيرها، حتّى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدوّ كثير، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة عدوّهم، وأخبرهم بوجهه الّذي يريد) * «3» .
34-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جيشا من الرّماة، وأمّر عليهم عبد الله، وقال: «لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا» . فلمّا لقينا هربوا، حتّى رأيت النّساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهنّ قد بدت خلاخلهنّ، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا تبرحوا فأبوا، فلمّا أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال: «لا تجيبوه» ، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال: «لا تجيبوه» .
فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدوّ الله أبقى الله عليك ما يحزنك.
قال أبو سفيان: أعل هبل. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أجيبوه» .
قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل» . قال أبو سفيان: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني) * «4» .
35-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4125، 4126، 4127، 4136) مجزئا. وذكره مسلم بتمامه (840) واللفظ لمسلم.
(2) البخاري- الفتح 7 (3653) .
(3) البخاري- الفتح 6 (2948) واللفظ له. ومسلم (2769) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4043) .(4/1566)
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال في سفر له: «من يكلؤنا اللّيلة، لا نرقد، عن صلاة الصّبح؟» قال بلال: أنا، فاستقبل مطلع الشّمس، فضرب على آذانهم، حتّى أيقظهم حرّ الشّمس، فقاموا، فقال: «توضّئوا» ، ثمّ أذّن بلال، فصلّى ركعتين وصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ صلّوا الفجر) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحذر)
1-* (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنّ عائشة وعبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهم- قالا:
لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذّر ما صنعوا) * «2» .
2-* (قال معاذ- رضي الله عنه- عند موته يوصي الحارث بن عميرة: اسمع منّي فإنّي أوصيك بوصيّة، إنّ الّذي تبكي عليّ من غدوّك ورواحك فإنّ العلم المصحف «3» فإن أعيا عليك تفسيره فاطلبه بعدي عند ثلاثة: عويمر أبي الدّرداء، أو عند سلمان الفارسيّ، أو عند ابن أمّ عبد. واحذر زلّة العالم وجدال المنافق» ، ثمّ إنّ معاذا اشتدّ به نزع الموت فنزع نزعا لم ينزعه أحد، فكان كلّما أفاق من غمرة فتح طرفه (اختفني حقتك «4» ) فوعزّتك لتعلم أنّي أحبّك.
فلمّا قضى نحبه انطلق الحارث حتّى أتى أبا الدّرداء بحمص فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، ثمّ قال الحارث: أخي معاذ أوصاني بك وسلمان الفارسيّ وابن أمّ عبد، ولا أراني إلّا منطلقا إلى العراق، فقدم الكوفة فجعل يحضر مجلس ابن أمّ عبد بكرة وعشيّة، فبينا هو كذلك ذات يوم في المجلس قال ابن أمّ عبد: من أنت.
قال: امرؤ من الشّام. قال ابن أمّ عبد: نعم الحيّ أهل الشّام لولا واحدة. قال الحارث: وما تلك الواحدة.
قال: لولا أنّهم يشهدون على أنفسهم أنّهم من أهل الجنّة. قال: فاسترجع الحارث مرّتين أو ثلاثا. قال:
صدق معاذ فيما قال لي. فقال ابن أمّ عبد: ما قال لك يا ابن أخي؟ قال: حذّرني زلّة العالم والله ما أنت يا ابن مسعود إلّا أحد رجلين: إمّا رجل أصبح على يقين يشهد أن لا إله إلّا الله، فأنت من أهل الجنّة، أو رجل مرتاب لا تدري أين منزلك. قال ابن مسعود: صدق أخي، إنّها زلّة فلا تؤاخذني بها. فأخذ ابن مسعود بيد الحارث فانطلق به إلى رحله فمكث عنده ما شاء الله، ثمّ قال الحارث: لا بدّ لي أن أطالع أبا عبد الله سلمان الفارسيّ بالمدائن، فانطلق الحارث حتّى قدم على
__________
(1) أخرجه النسائي (1/ 298) وهذا لفظه وقال محقق جامع الأصول (5/ 197) : إسناده صحيح. ونحوه عند أبي داود (447) من حديث عبد الله وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 195) : صحيح.
(2) البخاري- الفتح 1 (35، 436) واللفظ له، ومسلم (531) .
(3) هكذا في الأصل بياض.
(4) هكذا وردت في الأصل- ولعل كلاما ساقطا هنا.(4/1567)
سلمان الفارسيّ بالمدائن فلمّا سلّم عليه قال: مكانك حتّى أخرج إليك. قال الحارث: والله ما أراك تعرفني يا أبا عبد الله. قال بلى، عرفت روحي روحك قبل أن أعرفك، إنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها في غير الله اختلف، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث ثمّ رجع إلى الشّام. فأولئك الّذين يتعارفون في الله ويتزاورون في الله» ) * «1» .
3-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران/ 30) : أي يخوّفكم عقابه) * «2» .
من فوائد (الحذر)
(1) الحذر يوصل إلى السّلامة وتحقيق المطلوب في الدّنيا والآخرة.
(2) الحذر صفة إيمانيّة تقي المؤمن شرّ المعاصي. ومن الشّرّ وأهله والشّيطان وشركه، ومن النّفس وهواها.
(3) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب المثل الأعلى في تحذير أمّته فما من شيء من الشّرّ إلّا وحذّرهم منه.
(4) على المؤمنين أن يحذروا وينصح بعضهم بعضا حتّى يكونوا مجتمعا سليما معافى.
(5) دليل اليقظة والإدراك عند المسلم.
(6) أخذ الأهبة والاستعداد لمواجهة الأعداء.
(7) الحذر من أهل النّفاق والّذين في قلوبهم زيغ واجب إيمانيّ.
(8) التسويف وتأخير الواجبات ممّا حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 313) وقال: رواه البزار وروى أحمد بعضه. وفي إسناد البزار شهر بن حوشب وفيه كلام. وقد وثقه غير واحد وروى الطبراني في الكبير طرفا منه. وورد طرف منه في الحلية (1/ 198) .
(2) تفسير ابن كثير (1/ 366) .(4/1568)
المجلد الخامس
موسوعة نظرة النعيم
في مكارم أخلاق الرّسول الكريم
صلّى الله عليه وسلّم
الإشراف العام
صالح بن عبد الله بن حميد ... عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح
إمام وخطيب الحرم المكي ... مؤسس ومدير دار الوسيلة للنشر والتوزيع
لجنة الإعداد:
بإشراف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد
أ. محمد أحمد سيد أحمد ... أ. محمد إسماعيل السيد أحمد
أ. صلاح محمد عرفات ... أ. ناصر مهلل محمد حامد
لجنة المراجعة والضبط:
بإشراف أ. د. على خليل مصطفى أبو العينين
أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة
أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي ... أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي
د. عزت عبد الحميد إبراهيم ... د. أحمد علي محمود ربيع
د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد ... د. يس إبراهيم عفيفي
لجنة اللغة والتدقيق والفهرسة:
بإشراف أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي
أستاذ أصول اللغة العربية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
أ. د. عبد الصبور السيد أحمد الغندور أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أ. د. محمد أحمد حسب الله أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أ. د. سيد أحمد طهطاوي أ. د. سعيد محمد صوابي أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن د. أحمد كامل صالح د. فراج جودة فراج د. عاصم بدري حسين أ. سبيع حمزة حاكمي أ. أحمد شعبان الباسل أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي أ. فؤاد محمد نور أبو الخير
إعداد السيرة النبوية:
أ. د. حسام الدين قوام الدين حسن السامرائي
إعداد المقدمة التربوية:
أ. د. علي خليل أبو العينين أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا أستاذ ورئيس أصول التربية الإسلامية
الإدارة والمتابعة:
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح فؤاد محمد نور أبو الخير
برامج الحاسب الآلي:
م. ناظم يحيى عبد الرازق م. نبيل أكرم نوح الجمع والتنضيد بإشراف: توني نجيب زيدان أحمد
طارق علي بيومي هاني محمد أحمد فرج كمال حمزة أحمد يوسف عبد الباقي محمود مصطفى سعيد محمد محمد رضا محمد محمود كمال مصطفي أبو زيد عبد الإله محمود عساف(5/)
بعون الله تعالى وتوفيقه شارك في إعداد هذه الموسوعة
1- الشيخ أ. د. صالح بن عبد الله بن حميد خطيب وإمام الحرم المكي، وعضو مجلس الشورى، وعميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقا.
2- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام مؤسسة بن ملّوح التجارية وفروعها دار الوسيلة للنشر والتوزيع ومؤسسة الصيانة الوقائية الشاملة- جدة.
3- أ. فؤاد محمد نور أبو الخير نائب مدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ونائب مدير عام مدارس الثغر النموذجية سابقا، ومدير القسم المتوسط والثانوي بمدارس دار الفكر سابقا.
4- أ. د. علي خليل مصطفى أبو العينين أستاذ ورئيس قسم أصول التربية الإسلامية بجامعة الزقازيق فرع بنها، وفرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة سابقا.
5- أ. د. عبد الفتاح عبد العليم البركاوي أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
6- أ. د. حسام الدين قوام الدين السامرائي أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى سابقا.
7- أ. د. محمد أحمد حسب الله أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
8- أ. د. محمد كاظم حسن الظواهري أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمات بالطائف.
9- أ. د. عبد الموجود متولي بهنسي أستاذ البلاغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية.
10- أ. د. عبد الصبور السيد الغندور أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.
11- أ. د. عبد الفتاح عيسى البربري أستاذ مشارك بكلية التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.
12- أ. د. زكريا عبد المجيد النوتي أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وكلية التربية بالطائف.
13- أ. د. سعيد محمد صوابي أستاذ علوم الحديث المشارك بجامعة الأزهر بالقاهرة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة- فرع الطائف.
14- أ. د. محمد إبراهيم عبد الرحمن أستاذ التربية الإسلامية المشارك بكلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة، وكلية المعلمين بالطائف.
15- أ. د. السيد أحمد طهطاوي أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة أسيوط، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
16- د. إبراهيم صلاح السيد الهدهد أستاذ البلاغة والنقد المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة.
17- د. أحمد علي محمود ربيع أستاذ أصول اللغة المساعد بجامعة الأزهر، وجامعة كوالالامبور بماليزيا.
18- د. أحمد كامل محمد صالح أستاذ التاريخ المساعد بكلية دار العلوم بالقاهرة، وكلية التربية بجامعة أم القرى- فرع الطائف.
19- د. عزت عبد الحميد إبراهيم أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بالمنوفية، وكلية المعلمين بعرعر بالملكة العربية السعودية.
20- د. عاصم بدري حسين أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية المعلمات بالطائف.
21- د. فراج جودة فراج أستاذ الأدب المساعد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية التربية بالطائف.
22- د. يس إبراهيم عفيفي دكتوراة في اللغويات من جامعة الأزهر.
23- أ. سمير محمد عبد التواب وكيل وزارة الإعلام بالقاهرة سابقا.
24- أ. صلاح محمد عرفات المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
25- أ. محمد أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
26- أ. محمد إسماعيل السيد أحمد المحاضر بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
27- أ. ناصر مهلل محمد حامد خريج معهد الدعاة برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
28- أ. محمود عبد القادر الأرناؤوط محقق تراث، الجمهورية العربية السورية.
29- أ. سبيع حمزة حاكمي محقق تراث، الجمهورية العربية السورية.
30- أ. أحمد شعبان الباسل المحاضر بكلية التربية- فرع جامعة أم القرى- الطائف.
31- أ. عبد الحميد عبد العليم البركاوي تخصص القراءات (دبلوم في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق بالقاهرة) .(5/)
محتويات المجلد الخامس
م اسم الصفة رقم الصفحة
82/ تابع حرف الحاء
82 حسن الخلق 1569
83 حسن السمت 1587
84 حسن الظن 1596
85 حسن العشرة 1609
86 حسن المعاملة 1623
87 حفظ الإيمان 1639
88 حفظ الفرج 1654
89 حق الجار 1665
90 الحكمة 1677
91 الحكم بما أنزل الله 1706
92 الحلم 1735
93 الحمد 1753
94 الحنان 1782
95 الحوقلة 1789
96 الحياء 1795
م اسم الصفة رقم الصفحة
97 الحيطة 1815
حرف الخاء
98 الخشوع 1824
99 الخشية 1838
100 خفض الصوت 1857
101 الخوف 1866
حرف الدال
102 الدعاء 1901
103 الدعوة إلى الله 1945
حرف الذال 104 الذكر 1961
حرف الراء
105 الرأفة 2014
106 الرجاء 2022
107 الرجولة 2041(5/)
[تابع حرف الحاء]
حسن الخلق
الحسن لغة:
الحاء والسّين والنّون أصل واحد، فالحسن ضدّ القبح، يقال: رجل حسن، وامرأة حسناء، وحسّانة، والحسن: الجمال.
وهو نعت لما حسن. يقال: حسن الشّيء وحسن يحسن حسنا فيهما فهو حاسن وحسن.
قال الجوهريّ: تقول قد حسن الشّيء وإن شئت خفّفت الضّمّة فقلت: حسن الشّيء، والحسّان بالضّمّ أحسن من الحسن، وأحاسن القوم حسانهم، وفي الحديث: «أحاسنكم أخلاقا
الموطّأون أكنافا» وهي الحسنى (مؤنّث الأحسن) .
وقوله تعالى: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (الليل/ 6) .
قيل أراد الجنّة، وكذلك قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ (يونس/ 26) . فالحسنى هي الجنّة، والزّيادة هي النّظر إلى وجه الله تعالى، وقوله تعالى:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة/ 83) . قال ابن جنّي:
هي مصدر بمنزلة الحسنى، ومعنى الآية: حسنا أي قولا ذا حسن. وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ (التوبة/ 100) . أي باستقامة وسلوك الآيات الأحاديث الآثار
8 56 20
الطّريق الّذي درج السّابقون عليه.
والحسنة ضدّ السّيّئة، والمحاسن في الأعمال ضدّ المساويء. وقوله تعالى: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف/ 78) . الّذين يحسنون التّأويل، وقوله تعالى:
وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ (الرعد/ 22) . أي يدفعون بالكلام الحسن ما ورد عليهم من سيّء غيرهم، وقوله تعالى: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (الأنعام/ 154) . قال أبو إسحاق: يكون تماما على المحسن، والمعنى: تماما من الله على المحسنين، ويكون تماما الّذي أحسن أي على الّذي أحسنه موسى من طاعة الله واتّباع أمره «1» ، وقوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الإسراء/ 34) . قيل: هو أن يأخذ من ماله ما ستر عورته وسدّ جوعته، وقوله عزّ وجلّ: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (السجدة/ 7) . أحسن يعني حسّن، يقول: حسّن خلق كلّ شيء، وقوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الأعراف/ 180) تأنيث الأحسن، يقال: الاسم الأحسن، والأسماء الحسنى، ولو قيل في غير القرآن الحسن. لجاز، والحسنة النّعمة «2» .
__________
(1) على الرأي الأول يكون الذي صفة لموسى عليه السلام، وعلى الثاني يكون صفة للعمل.
(2) مقاييس اللغة (2/ 57) ، والقاموس المحيط (4/ 215- 216) ، ولسان العرب (13/ 115- 117) .(5/1569)
الخلق لغة:
الخلق اسم لسجيّة الإنسان وطبيعته الّتي خلق عليها، وهو مأخوذ من مادّة (خ ل ق) الّتي تدلّ على تقدير الشّيء، قال ابن فارس ومن هذا المعنى «الخلق» وهي السّجيّة لأنّ صاحبه قد قدّر عليه، وفلان خليق بكذا.
وأخلق به، أي ما أخلقه، أي هو ممّن يقدّر فيه ذلك، والخلاق النّصيب لأنّه قد قدّر لكلّ أحد نصيبه «1» . وقال الرّاغب: الخلق والخلق (والخلق) في الأصل واحد لكن خصّ الخلق بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، وخصّ الخلق بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة، قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) . والخلاق أيضا ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال تعالى: وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ «2» ، والخليقة: الطّبيعة والجمع الخلائق. قال لبيد:
فاقنع بما قسم المليك فإنّما ... قسم الخلائق بيننا علّامها
والخلقة بالكسر: الفطرة، ويقال: خلق فلان لذلك بالضّمّ كأنّه ممّن يقدّر فيه ذلك وترى فيه مخائله، والخلق والخلق السّجيّة، يقال: خالص المؤمن وخالق الفاجر» ويقال: فلان يتخلّق بغير خلقه أي يتكلّفه، قال الشّاعر:
يا أيّها المتحلّي غير شيمته ... إنّ التّخلّق يأتي دونه الخلق «3»
الخلق اصطلاحا:
قال الماورديّ: الأخلاق: غرائز كامنة، تظهر بالاختيار، وتقهر بالاضطرار «4» .
وقال الجرجانيّ: الخلق عبارة عن هيئة للنّفس راسخة يصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإن كانت الهيئة بحيث يصدر عنها الأفعال الجميلة عقلا وشرعا بسهولة سمّيت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصّادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة الّتي هي مصدر ذلك خلقا سيّئا، وإنّما قلنا إنّه هيئة راسخة لأنّ من يصدر منه بذل المال على النّدور بحالة عارضة لا يقال خلقه السّخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه «5» .
حسن الخلق اصطلاحا:
قال القزوينيّ- رحمه الله-: ومعنى حسن الخلق: «سلامة النّفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى، وقد يكون فيما بين النّاس» .
أمّا ما يتعلّق بذات الله- عزّ وجلّ- فهو: «أن يكون العبد منشرح الصّدر بأوامر الله تعالى ونواهيه، يفعل ما فرض عليه، طيّب النّفس به، سلسا نحوه، وينتهي عمّا حرّم عليه، راضيا به، غير متضجّر منه،
__________
(1) مقاييس اللغة (2/ 214) .
(2) المفردات للراغب (158) .
(3) الصحاح (4/ 1471) .
(4) تسهيل النظر وتعجيل الظفر، للماوردي (5) .
(5) التعريفات للجرجاني (104) ، إحياء علوم الدين (3/ 58) .(5/1570)
ويرغب في نوافل الخير، ويترك كثيرا من المباح لوجهه تعالى وتقدّس، إذا رأى أنّ تركه أقرب إلى العبوديّة من فعله مستبشرا لذلك، غير ضجر منه، ولا متعسّر به» .
أمّا في المعاملات بين النّاس فهو «أن يكون سمحا لحقوقه، لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن مرض ولم يعد، أو قدم من سفر فلم يزر، أو سلّم فلم يردّ عليه، أو ضاف فلم يكرم، أو شفع فلم يجب، أو أحسن فلم يشكر، أو دخل على قوم فلم يمكّن، أو تكلّم فلم ينصت له، أو استأذن على صديق فلم يؤذن له، أو خطب فلم يزوّج، أو استمهل الدّين فلم يمهل، أو استنقص منه فلم ينقص، وما أشبه ذلك ولم يغضب، ولم يعاقب، ولم يتنكّر من حاله حال، ولم يستشعر في نفسه أنّه قد حفي وأوحش، وأنّه لا يقابل كلّ ذلك إذا وجد السّبيل إليه بمثله، بل يضمر أنّه لا يعتدّ بشيء من ذلك، ويقابل كلّا منه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منه إلى البرّ والتّقوى، وأشبه بما يحمد ويرضى، ثمّ يكون في إيفاء ما يكون عليه، كهو في حفظ ما يكون له، فإذا مرض أخوه المسلم عاده، وإن جاء في شفاعة شفّعه، وإن استمهله في قضاء دين أمهله، وإن احتاج منه إلى معونته أعانه، وإن استسمحه في بيع سمح له، ولا ينظر إلى أنّ الّذي يعامله كيف كانت معاملته إيّاه فيما خلا، وكيف يعامل النّاس، إنّما يتخّذ الأحسن إماما لنفسه، فينحو نحوه ولا يخالفه» «1» .
وقال الماورديّ- رحمه الله-: حسن الخلق، أن يكون سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النّفور، طيّب الكلمة «2» .
حقيقة حسن الخلق وأركانه:
وحقيقته أنّه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصّة بها بمنزلة الخلق لصورتها الظّاهرة وأوصافها ومعانيها، ولها أوصاف حسنة وقبيحة.
والثّواب والعقاب يتعلّقان بأوصاف الصّورة الباطنة أكثر ممّا يتعلّقان بأوصاف الصّورة الظّاهرة، ولذا تكرّرت الأحاديث في مدح حسن الخلق وذمّ سوءه «3» .
وقال أحدهم: حسن الخلق قسمان: أحدهما مع الله- عزّ وجلّ- وهو أن تعلم أنّ كلّ ما يكون منك يوجب عذرا، وأنّ كلّ ما يأتي من الله يوجب شكرا، فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه سائرا إليه بين مطالعة منّته وشهود عيب نفسك وأعمالك.
والثّاني: حسن الخلق مع النّاس: وجماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكفّ الأذى قولا وفعلا. وهذا إنّما يقوم على أركان خمسة: العلم والجود
__________
(1) مختصر شعب الايمان، للقزويني (116- 117) .
(2) أدب الدنيا والدين، للماوردي (237) .
(3) غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب، لمحمد السافريني الحنبلي (1/ 353- 354) .(5/1571)
والصّبر وطيب العود وصحّة الإسلام:
(1) أمّا العلم: فلأنّه يعرف معالي الأخلاق وسفاسفها فيمكنه أن يتّصف بهذا ويتحلّى به، ويترك هذا ويتخلّى عنه.
(2) وأمّا الجود: فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك، إذا أراده منها.
(3) وأمّا الصّبر: فلأنّه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيّأ له.
(4) وأمّا طيب العود: فأن يكون الله تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة الانقياد، وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات.
(5) وأمّا صحّة الإسلام: فهي جماع ذلك، والمصحّح لكلّ خلق حسن، فإنّه بحسب قوّة إيمانه وتصديقه بالجزاء، وحسن موعود الله وثوابه، يسهل عليه تحمّل ذلك ويلذّ له الاتّصاف به.
والله الموفّق والمعين «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الإحسان- الأدب- الألفة- البر- بر الوالدين- البشاشة- حسن السمت- حسن الظن- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحياء- الصبر والمصابرة- الجود- العلم- الكلم الطيب- التواضع- الرضا- غض البصر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- البذاءة- السفاهة- سوء الخلق- الفجور- سوء الظن- إطلاق البصر- الحقد- البخل- الحسد- البغض- النميمة- الاستهزاء- الاعوجاج- السخرية- سوء المعاملة- إطلاق البصر] .
__________
(1) تهذيب السنن لابن القيم، شرح سنن أبي داود: (13/ 130) .(5/1572)
الآيات الواردة في «حسن الخلق»
1- ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1)
ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) «1»
الآيات الواردة في «حسن الخلق» معنى
2- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «2»
3- ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) «3»
4- وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «4»
5-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «5»
6- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) «6»
7- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)
__________
(1) القلم: 1- 4 مكية
(2) البقرة: 83 مدنية
(3) الإسراء: 53 مكية
(4) المؤمنون: 96 مكية
(5) العنكبوت: 46 مكية
(6) فصلت: 33- 35 مكية(5/1573)
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68)
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69)
إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71)
وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72) «1»
8- يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «2»
__________
(1) الفرقان: 62- 72 مكية
(2) لقمان: 17- 19 مكية(5/1574)
الأحاديث الواردة في (حسن الخلق)
1-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت، وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «1» .
2-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟
قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا» ) * «3» .
4-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا زعيم «4» ببيت في ربض «5» الجنّة لمن ترك المراء «6» وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه» ) * «7» .
5-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ سعد بن هشام سألها فقال: يا أمّ المؤمنين:
أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: أليس تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: «فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن» ) * «8» .
6-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ الله عزّ وجلّ- يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدّين إلّا لمن أحبّ، فمن أعطاه الله الدّين فقد أحبّه، والّذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه» ، قالوا: وما بوائقه يا نبيّ الله! قال: «غشمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا
__________
(1) الترمذي (1987) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) البخاري- الفتح 6 (3480) من حديث أبي هريرة نحوه. ومسلم 3 (1560) واللفظ له.
(3) الترمذي (1162) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح (2615) . وأحمد (2/ 250، 472) وصححه ابن حبان (1311) والحاكم (1/ 3) . وقال محقق رياض الصالحين: سنده حسن (232) . وأخرجه الحاكم (1/ 53) بلفظ: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله» . وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ.
(4) الزعيم: الضامن.
(5) ربض الجنة: ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدينة وتحت القلاع.
(6) المراء: الجدل.
(7) أبو داود (4800) واللفظ له. قال النووي (233) : حديث صحيح بإسناد صحيح. وقال محقق رياض الصالحين (233) : سنده قوي وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عند الطبراني في الصغير (166) .
(8) مسلم (746) مطولا.(5/1575)
يتصدّق به فيقبل منه، ولا يترك خلف ظهره إلّا كان
زاده إلى النّار. إنّ الله- عزّ وجلّ- لا يمحو السّيّء بالسّيّء ولكن يمحو السّيّء بالحسن، إنّ الخبيث لا يمحو الخبيث» ) * «1» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصّائم القائم» ) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما بعثت لأتمّم صالح الأخلاق» ) * «3» .
9-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ، وأبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة، الثّرثارون «4» والمتشدّقون «5» والمتفيهقون «6» » . قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثّرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبّرون» ) * «7» .
10-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس» ) * «8» .
11-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنهما-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (الأعراف/ 199) قال: ما أنزل الله يعني هذه الآية، إلّا في أخلاق النّاس.
وعنه أيضا قال: أمر الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس، أو كما قال) * «9» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل النّاس النّار؟ فقال: «الفم والفرج» ) * «10» .
13-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه-
__________
(1) أحمد (1/ 387) واللفظ له، والحاكم (1/ 33، 34 و (4/ 165) إلى قوله: «فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه» . وصححه ووافقه الذهبي.
(2) أبو داود (4798) واللفظ له. وقال مراجع رياض الصالحين (2323) : وله شاهد صحيح عن أبي هريرة عند الحاكم (1/ 60) ، وصححه ابن حبان (1927) .
(3) أحمد (2/ 381) واللفظ له. والحاكم (2/ 613) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (4/ 4) : قال الزرقاني: رواه أحمد وقاسم بن أصبغ والحاكم والخرائطي برجال الصحيح عن محمد بن عجلان ... عن أبي هريرة، وقال ابن عبد البر: هو حديث مدني متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة.
(4) الثرثار: هو كثير الكلام تكلفا.
(5) المتشدق: المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه.
(6) المتفيهق: أصله من الفهق، وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه، ويعرب به تكبرا وارتفاعا، وإظهارا للفضيلة على غيره.
(7) رواه الترمذي (2018) ، وقال: حديث حسن، وصححه ابن حبان (1917) .
(8) مسلم (2553) وجاءت عنده الروايتان (في صدرك) ، (وفي نفسك) .
(9) البخاري- الفتح 8 (4643، 4644) .
(10) الترمذي 4 (2004) وقال: هذا حديث صحيح غريب، وقال محقق جامع الأصول (11/ 694) : حديث صحيح بشواهده، ورواه ابن حبان في صحيحه.(5/1576)
قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين وضعت رجلي في الغرز «1» أن قال: «أحسن خلقك للنّاس يا معاذ بن جبل» ) * «2» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ يأتيه الخبر من السّماء، واسمع من قوله ثمّ ائتني، فانطلق الأخ حتّى قدمه وسمع من قوله ثمّ رجع إلى أبي ذرّ فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشّعر.... الحديث» ) * «3» .
15-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء» ) * «4» .
16-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإنّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصّوم والصّلاة) * «5» .
17-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب- وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: فخرجت حتّى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السّوق فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه- وهو يضحك- فقال: «يا أنيس، اذهب حيث أمرتك» قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين، ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا، ولا لشىء تركت: هلّا فعلت كذا وكذا) * «6» .
__________
(1) الغرز: ركاب كور الجمل اذا كان من الجلد.
(2) الموطأ (2/ 902) واللفظ له في حسن الخلق وهو من غير إسناد. قال ابن عبد البر كما في (جامع الأصول 4/ 4) : لكن ورد معناه، وذكر الزرقاني أحاديث من شواهده، وقال محقق جامع الأصول (4/ 4) : الحديث حسن بطرقه وشواهده التي تشهد له بالمعنى.
(3) البخاري- الفتح 7 (3861) واللفظ له، ومسلم (2474) .
(4) الترمذي 4/ 2002) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، والبذيء: هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام، وأبو داود (4799) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 6) : إسناده حسن، وقال مراجع رياض الصالحين (232) : الحديث صحيح.
(5) الترمذي 4 (2003) وأبو داود رقم 4799 وقال محقق جامع الأصول (4/ 6) : إسناده حسن.
(6) أبو داود (4773) ، وقال الألباني (3/ 907) : حسن.(5/1577)
الأحاديث الواردة في (حسن الخلق) معنى
18-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتّى تختلطوا بالنّاس، من أجل أن يحزنه» ) * «1» .
19-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة» . قالوا: بلى، قال: «صلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة» ) * «2» .
20-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل» ) * «3» .
21-* (عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزنيّ وهو من أهل بيعة الرّضوان- رضي الله عنه- أنّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا:
والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدوّ الله مأخذها، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟ فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره فقال: «يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك» . فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه آغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخيّ) * «4»
22-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك خصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» ) * «5» .
23-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» ) * «6» .
24-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السّوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يحذيك «7» ، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة. ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد منه ريحا خبيثة» ) * «8» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6288) ، ومسلم 4 (2184) واللفظ له.
(2) الترمذي 4 (2509) وقال: هذا حديث صحيح.
ويروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» .
(3) الترمذي 4 (2488) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (11/ 698) : وهو كما قال الترمذي.
(4) مسلم (2504) .
(5) مسلم (17) .
(6) مسلم (2865) .
(7) يحذيك: أي يعطيك.
(8) البخاري- الفتح 4 (2101) . ومسلم (2628) واللفظ له.(5/1578)
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان تاجر يداين النّاس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوز الله عنه» ) * «1» .
26-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال ... وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصطبرون على الأذى.
قال الله تعالى: (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... ) الآية. وقال الله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ... ) الآية، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل العفو ما أمره الله به حتّى أذن الله فيهم ... الحديث) * «2» .
27-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «3» » ) * «4» .
28-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام» ) * «5» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «6» مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر» ) * «7» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحّينّ هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنّة» ) * «8» .
31-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق فقد حرم حظّه من الخير» ) * «9» .
32-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول لله صلّى الله عليه وسلّم: « ... ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «10» .
33-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2078) واللفظ له، ومسلم (1562) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4566) .
(3) بوجه طلق: أي وجه منبسط متهلل.
(4) مسلم (2626) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6077) ، ومسلم (2560) .
(6) لا يفرك: أي لا يبغضها بغضا يؤدي إلى تركها.
(7) مسلم (1469) .
(8) مسلم (1914) .
(9) الترمذي 4 (2013) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومسلم (2592) بلفظ: «من يحرم الرفق يحرم الخير» . وزاده أبو داود لفظ «كله» (4809) .
(10) أبو داود (1672) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (11/ 692) : إسناده صحيح. النسائي (5/ 82) الزكاة.
(11) البخاري- الفتح 10 (6125) واللفظ له. ومسلم (1734) .(5/1579)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن الخلق)
. 34-* (عن أمّ خالد بنت خالد بن سعيد رضي الله عنهما- قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي وعليّ قميص أصفر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «سنه سنه» .
قال عبد الله وهي بالحبشيّة: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النّبوّة فزبرني «1» أبي. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعه. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبلي وأخلقي «2» ، ثمّ أبلي وأخلقي، ثمّ أبلي وأخلقي» . قال عبد الله: فبقيت حتّى ذكر ... يعني من بقائها) * «3» .
35-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
استأذنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في العمرة، فأذن لي، وقال:
«لا تنسنا يا أخيّ من دعائك «فقال كلمة ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا، قال شعبة: ثمّ لقيت عاصما بعد بالمدينة.
فحدّثنيه وقال: «أشركنا يا أخي في دعائك» ) * «4» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أعرابيّا بال في المسجد، فثار إليه النّاس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء «5» أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «6» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا يا رسول الله إنّك تداعبنا، قال: «إنّي لا أقول إلّا حقّا» ) * «7» .
38-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام «8» عليكم. فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم.
قال: «مهلا يا عائشة عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش» . قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في» ) * «9» .
39-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت) * «10» .
40-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ
__________
(1) فزبرني أبي: تعني نهرني من الزبر وهو الزجر والمنع وزنا ومعنى.
(2) أبلي وأخلقي: دعاء بمعنى طول العمر والتمتع فيه.
(3) البخاري- الفتح 10 (5993) .
(4) أبو داود (1498) واللفظ له وقال صاحب عون المعبود: قال المنذري: أخرجه الترمذي وابن ماجة. ونقل تصحيح الترمذي له (4/ 366) رقم الحديث (1484) . والترمذي (3562) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (2894) .
(5) الذّنوب: الدّلو العظيمة المملوءة بالماء وكذلك السّجل.
(6) البخاري- الفتح 10 (6128) واللفظ له. ولمسلم (284) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(7) الترمذي (1990) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(8) السّام: الموت.
(9) البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له. ومسلم (2165) .
(10) البخاري- الفتح 10 (6072) .(5/1580)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وضع صبيّا في حجره يحنّكه «1» فبال عليه فدعا بماء فأتبعه) * «2» .
41-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل نجد، فلمّا قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه «3» ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفرّق النّاس يستظلّون بالشّجر. فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة وعلّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعونا، وإذا عنده أعرابيّ فقال: «إنّ هذا اخترط عليّ سيفي «4» وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا «5» » . فقال: من يمنعك منّي؟ فقلت: «الله» (ثلاثا) » ، ولم يعاقبه وجلس) * «6» .
42-* (عن الصّعب بن جثّامة- رضي الله عنه- قال: أهديت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمارا وحشيا بالأبواء أو بودّان «7» ، فردّه عليّ، فلمّا رأى ما في وجهي قال: «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حرم «8» » ) * «9» .
43-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت:
يا رسول الله، أكسوك هذه فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فأكسنيها. فقال: «نعم» .
فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها ثمّ سألته إيّاها، وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه. فقال:
رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها» ) * «10» .
44-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
خدمت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين فما قال لي أفّ قطّ وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، ولا مسست خزّا «11» قطّ ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكا قطّ ولا عطرا كان أطيب من عرق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «12» .
45-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الأولى ثمّ خرج
__________
(1) حنّكته: أي مضغت تمرا ونحوه ودلّكت به حنكه.
(2) البخاري- الفتح 10 (6002) واللفظ له، ومسلم (286) .
(3) العضاه: شجر كثير الشّوك.
(4) اخترط عليّ سيفي: أي سلّه من غمده.
(5) الصّلت: المنجرد الماضي في الضّريبة.
(6) البخاري- الفتح 6 (2910) واللفظ له. ومسلم (843) .
(7) الأبواء وودان: اسمان لمكانين.
(8) ومعنى حرم: بضمتين: أي محرمون.
(9) البخاري- الفتح 4 (1825) و5 (2573) ، ومسلم (1193) .
(10) البخاري- الفتح 10 (6036) .
(11) الخزّ: اسم دابّة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها.
(12) البخاري- الفتح 6 (3561) بعض هذا الحديث، ومسلم (2330) بعضه أيضا، والترمذي 4 (2015) واللفظ له وقال: حسن صحيح، وأصله في الصحيحين.(5/1581)
إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدّي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأمّا أنا فمسح خدّي، فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنّما أخرجها من جؤنة عطّار «1» » ) * «2» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «من لا يرحم لا يرحم» ) * «3» .
47-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير- قال أحسبه فطيما- وكان إذا جاء قال:
«يا أبا عمير ما فعل النّغير «4» ؟» نغر كان يلعب به، فربّما حضر الصّلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الّذي تحته فيكنس وينضح، ثمّ يقوم ونقوم خلفه فيصلّي بنا» ) * «5» .
48-* (عن ابن أبي موسى عن أبيه- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءه السّائل أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما شاء» ) * «6» .
49-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء «7» ، ضربه قومه، فأدموه فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون) * «8» .
50-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه» ) * «9»
51-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه رداء نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ، فجبذ بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّرت فيها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه، فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) * «10» .
52-* (عن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة: ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصنع في أهله؟ قالت:
كان في مهنة «11» أهله، فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة) * «12» .
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) جؤنة العطار: هي التي يعد فيها الطيب ويدخره.
(2) مسلم (2329) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5997) واللفظ له. ومسلم (2318) .
(4) النغير: طائر صغير يشبه العصفور.
(5) البخاري- الفتح 10 (6203) واللفظ له. ومسلم (2150) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1432) واللفظ له. ومسلم (2627) .
(7) أي يعني نفسه.
(8) البخاري- الفتح 12 (6929) واللفظ له. ومسلم (1792) .
(9) البخاري- الفتح 10 (6102) واللفظ له. ومسلم (2320) .
(10) البخاري- الفتح 10 (6088) ، ومسلم (1057) واللفظ له.
(11) المهنة: الصنعة والمراد شغل أهله وحوائجهم.
(12) البخاري- الفتح 10 (6039) .(5/1582)
قال: ما عاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإلّا تركه» ) * «1» .
54-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عزّ وجلّ) * «2» .
55-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه في شيء قطّ، إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله) * «3» .
56-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينحّي رأسه حتّى يكون الرّجل هو الّذي ينحّي رأسه، وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده، حتّى يكون الرّجل هو الّذي يدع يده.
وفي رواية التّرمذيّ: قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا استقبله الرّجل فصافحه لا ينزع يده من يده، حتّى يكون الرّجل الّذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتّى يكون الرّجل هو الّذي يصرفه، ولم ير مقدّما ركبتيه بين يدي جليس له) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حسن الخلق)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحرّ ابن قيس، وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر، وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبّانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عبّاس: فاستأذن الحرّ لعيينة فأذن له عمر، فلمّا دخل عليه قال: هي يا بن الخطّاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) وإنّ هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافا عند كتاب الله» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3563) واللفظ له، 9 (5409) بلفظ «وإن كرهه» بدل «والا» . ومسلم (2064) .
(2) مسلم (2328) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6126) واللفظ له، ومسلم (2327)
(4) أبو داود (4794) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 250) : وهو حديث حسن، وقال رواه الترمذي (2490) ، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 910) حسن وهو في الصحيحة رقم (2845) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4642) .(5/1583)
2-* (قال عليّ- رضي الله عنه-: «حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتّوسعة على العيال» ) * «1» .
3-* (عن الحسن- رضي الله تعالى عنه- قال: «حسن الخلق: الكرم والبذلة والاحتمال» ) * «2» .
4-* (وعنه- رضي الله عنه-: «حسن الخلق بسط الوجه وبذل النّدى وكفّ الأذى» ) * «3» .
5-* (عن عبد الله بن المبارك- رحمه الله تعالى- في تفسير حسن الخلق، قال: «هو طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى» ) * «4» .
6-* (وعنه أنّه قال: «حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من النّاس» ) * «5» .
7-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله-:
«حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد» ) * «6» .
8-* (قال محمّد بن نصر: وقال بعض أهل العلم: «حسن الخلق كظم الغيظ لله، وإظهار الطّلاقة والبشر إلّا للمبتدع والفاجر، والعفو عن الزّالّين إلّا تأديبا أو إقامة لحدّ، وكفّ الأذى عن كلّ مسلم ومعاهد إلّا تغييرا لمنكر أو أخذا بمظلمة لمظلوم من غير تعدّ» ) * «7» .
9-* (قال الشيخ تقيّ الدّين أبو العبّاس ابن تيميّة، في كتاب الإيمان: «ما همّ العبد به من القول الحسن والعمل الحسن، فإنّما يكتب له به حسنة واحدة، وإذا صار قولا وعملا كتب له عشر حسنات إلى سبعمائة، وذلك للحديث المشهور في الهمّ» ) * «8» .
10-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «جمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين تقوى الله وحسن الخلق، لأنّ تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربّه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى الله توجب له محبّة الله وحسن الخلق يدعو النّاس إلى محبّته» ) * «9» .
11-* (قال ابن رجب- رحمه الله-:
«إنّ حسن الخلق قد يراد به التّخلّق بأخلاق الشّريعة والتّأدّب بآداب الله الّتي أدّب بها عباده في كتابه كما قال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) » ) * «10» .
12-* (قال الأحنف بن قيس: «ألا أخبركم بأدوأ الدّاء؟ قالوا: بلى. قال: الخلق الدّنيّ، واللّسان البذيّ) * «11» .
13-* (قال الماورديّ- رحمه الله-: «إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقلّ معادوه، فتسهّلت عليه الأمور الصّعاب، ولانت له القلوب الغضاب) * «12» .
14-* (قال الماورديّ- رحمه الله-: «اذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقلّ معادوه، فتسهلّت عليه الامور الصّعاب، ولانت له القلوب الغضاب) * «12» .
14-* (قال القاضي عياض- رحمه الله-:
وأمّا الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 57) .
(2) جامع العلوم الحكم (160) ، والبذلة: العطاء عن طيب نفس.
(3) إحياء علوم الدين (3/ 75) .
(4) جامع العلوم والحكم (160) .
(5) المرجع السابق (160) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) الآداب الشرعية (1/ 104) .
(9) الفوائد (75) .
(10) جامع العلوم والحكم (221) .
(11) أدب الدنيا والدين، للماوردي (236) .
(12) المرجع السابق (237) .(5/1584)
الشّريفة الّتي اتّفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتّصف بالخلق الواحد منها فضلا عمّا فوقه، وأثنى الشّرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السّعادة الدّائمة للمتخلّق بها، ووصف بعضها بأنّه من أجزاء النّبوّة، وهي المسمّاة بحسن الخلق، وهو الاعتدال في قوى النّفس وأوصافها، والتّوسّط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها، فجميعها قد كانت خلق نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم على الانتهاء في كمالها، والاعتدال إلى غايتها) * «1» .
15-* (قال بعض البلغاء: «الحسن الخلق من نفسه في راحة، والنّاس منه في سلامة، والسّيّء الخلق النّاس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء) » * «2» .
16-* (جمع بعضهم علامات حسن الخلق؛ فقال: «هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى. كثير الصّلاح، صدوق اللّسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزّلل، قليل الفضول، برّا وصولا وقورا صبورا شكورا، رضيّا حليما، رفيقا، شفيقا، لا لعّانا ولا سبّابا، ولا نمّاما، ولا مغتابا، ولا عجولا، ولا حقودا ولا بخيلا، ولا حسودا، بشّاشا هشّاشا، يحبّ في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق» ) * «3» .
17-* (وقال الشّاعر:
وما النّفس إلّا حيث يجعلها الفتى ... فإن أعطيت تاقت وإلّا تسلّت «4»
18-* (وقال الشّاعر:
يا أيّها المتحلّى غير شيمته ... ومن سجيّته الإكثار والملق
عليك بالقصد فيما أنت فاعله ... إنّ التّخلّق يأتي دونه الخلق «5»
19-* (وقال ابن الرّوميّ:
كن مثل نفسك في السّموّ إلى العلى ... لا مثل طينة جسمك الغدّار
فالنّفس تسمو نحو علو مليكها ... والجسم نحو السّفل هاو هار
فأعن أحقّهما بعونك واقتسر ... طبع السّفال بطبعك السّوار
والنّفس خيرك إنّها علويّة ... والجسم شرّك ليس فيه تمار
فانفذ لخيرك لا لشرّك واتّبع ... أولاهما بالقادر الغفّار
فالأرض في أفعالها مضطرّة ... والحىّ فيه فضيلة المختار
فإذا جريت على طباعك مثلها ... فكأنّ طبعك بعد من فخّار) *
. «6»
20-* (وقال الشّاعر:
والنّفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع) * «7» .
__________
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، (1/ 126) .
(2) أدب الدنيا والدين (236، 237) .
(3) إحياء علوم الدين (3/ 75) .
(4) تسهيل النظر وتعجيل الظفر، للماوردي (37) ، وأدب الدنيا والدين (10) .
(5) المرجع السابق (8، 9) .
(6) تسهيل النظر وتعجيل الظفر (42، 43)
(7) الاستيعاب على هامش الإصابة (4/ 65، 66) .(5/1585)
من فوائد (حسن الخلق)
(1) حسن الخلق من أفضل ما يقرّب العبد إلى الله تعالى.
(2) إذا أحسن العبد خلقه مع النّاس أحبّه الله والنّاس.
(3) حسن الخلق يألف النّاس ويألفه النّاس.
(4) لا يكرّم العبد نفسه بمثل حسن الخلق ولا يهينها بمثل سوئه.
(5) حسن الخلق سبب في رفع الدّرجات وعلوّ الهمم.
(6) حسن الخلق سبب في حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقرب منه يوم القيامة.
(7) حسن الخلق يدلّ على سماحة النّفس وكرم الطّبع.
(8) حسن الخلق يحوّل العدوّ إلى الصّديق (الآية 6) .
(9) حسن الخلق سبب لعفو الله وجالب لغفرانه (حديث 2) .
(10) يمحو الله بحسن الخلق السّيئات (حديث 6) .
(11) يدرك المرء بحسن خلقه درجة الصّائم القائم (حديث 7) .
(12) حسن الخلق من أكثر ما يدخل النّاس الجنّة (حديث 12، 13) .
(13) حسن الخلق يجعل صاحبه ممّن ثقلت موازينه يوم القيامة (حديث 16) .
(14) حسن الخلق يحرّم جسد صاحبه على النّار (حديث 20) .
(15) حسن الخلق يصلح ما بين الإنسان وبين النّاس (أثر 10) .
(16) وبالخلق الحسن يكثر المصافون ويقلّ المعادون (أثر 13) .(5/1586)
حسن السّمت
السمت لغة:
مصدر سمت يسمت أي قصد وهو مأخوذ من مادّة (س م ت) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على نهج وقصد وطريقة، يقال: سمت إذا أخذ النّهج، وكان بعضهم يقول: السّمت: السّير بالظّنّ والحدس، وهو قول القائل:
ليس بها ربع لسمت السّامت
ويقال: إنّ فلانا لحسن السّمت إذا كان مستقيم الطّريقة متحرّيا لفعل الخير، ومن ذلك التّسميت في الدّعاء كقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الأكل «سمّوا ودنّوا وسمّتوا» أي إذا فرغتم فادعوا بالبركة لمن طعمتم عنده، وتسميت العاطس (عند من رواه بالسّين) قيل إنّه مشتقّ من السّمت وهو الهيئة الحسنة، أي جعلك الله على سمت حسن؛ لأنّ هيئته تنزعج للعطاس، وقال في الصّحاح: التّسميت: ذكر اسم الله تعالى على الشّيء، وتسميت العاطس أن تقول له:
يرحمك الله بالسّين والشّين جميعا، قال ثعلب:
والاختيار بالسّين لأنّه مأخوذ من السّمت وهو القصد والمحجّة، والسّمت (أيضا) هيئة أهل الخير يقال: ما الآيات الأحاديث الآثار
14 35
أحسن سمته أي هديه، والسّمت: الطّريق، والسّمت: حسن النّحو في مذهب الدّين، يقول ابن منظور: والفعل منه سمت يسمت (بضمّ الميم وكسرها) ، يقال إنّه لحسن السّمت. أي حسن القصد والمذهب في دينه ودنياه، قال الفرّاء: يقال: سمت لهم يسمت سمتا، إذا هيّأ لهم وجه العمل ووجه الكلام والرّأى، يقال: وهو يسمت سمته أي يقصد قصده، وفي حديث حذيفة: ما أعلم أحدا أشبه سمتا وهديا ودلّا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ابن أمّ عبد، يعني ابن مسعود، قال خالد بن جنبة: السّمت اتّباع الحقّ والهدى، وحسن الجوار، وقلّة الأذيّة، والتّسمّت مصدر قولهم تسمّته تسمّتا إذا قصد نحوه «1» .
أمّا الحسن في اللّغة فهو مصدر حسن الشّيء إذا كان مبهجا مرغوبا فيه، والحسن على ثلاثة أضرب:
مستحسن من جهة العقل أو البصيرة ومستحسن من جهة الهوى، ومستحسن من جهة الحسّ، وأكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة، وقال في الصّحاح: الحسن نقيض القبح وجمعه محاسن على غير قياس «2» .
__________
(1) انظر مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 99) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 397) ، والصحاح (1/ 254) ، ولسان العرب مادة: سمت (ص 2087) ط. دار المعارف) .
(2) مفردات الراغب (ص 118) ، والصحاح (5/ 2099) .(5/1587)
واصطلاحا:
السّمت: حسن النّحو في مذهب الدّين، وإنّه لحسن السّمت، أي حسن القصد والمذهب في دينه ودنياه. وقال أبو عبيد: السّمت يكون في حسن الهيئة والمنظر من جهة الخير والدّين. لا من جهة الجمال والزّينة.
والسّمت أيضا: هيئة أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته أي هديه «1» .
حسن السمت اصطلاحا:
وعلى ضوء ما سبق يكون حسن السّمت اصطلاحا هو: حسن المظهر الخارجيّ للإنسان من طريقة الحديث والصّمت، والحركة والسّكون والدّخول والخروج والسّيرة العمليّة في النّاس بحيث يستطيع من يراه أو يسمعه أن ينسبه لأهل الخير والصّلاح والدّيانة والفلاح «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأدب- حسن الخلق- الوقار- الحياء- الطهارة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء الخلق- الإهمال- البذاذة- الطيش- النجاسة] .
__________
(1) استعمل علماء الهيئة لفظ السمت مصطلحا فى معنى آخر هو كما يقول الجرجاني: بأنه خط مستقيم واحد يقع عليه الميزان مثل هذا. وقال التهانوي: السمت عند أهل الهيئة (الفلك) قوس من الأفق محصور بين الدائرة السمتية وبين دائرة السموت المسماة بدائرة المشرق والمغرب ... إلخ) . انظر كتاب التعريفات للجرجاني (ص 127) ، وكشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي (3/ 135) .
(2) قمنا باستنباط هذا التعريف من جملة ما ذكره العلماء عن كل من الحسن والسمت.(5/1588)
الأحاديث الواردة في (حسن السّمت)
1-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهدي الصّالح والسّمت الصّالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل ...
الحديث ... إلى أن قال: «فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللّحم، قال: فما شرابكم، قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ ولو كان لهم حبّ لدعا لهم فيه» . قال: «فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك، فاقرئي عليه السّلام ومريه يثبت «2» عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل. قال: هل أتاكم من أحد؟
قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟
قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ... الحديث» ) * «3» .
__________
(1) أبو داود (4776) واللفظ له. وأحمد (1/ 296) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (4/ 244) رقم (2698) . والبخاري في الأدب المفرد (267) رقم (791) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: إسناده حسن (10/ 509) .
(2) هكذا في فتح الباري، والقياس أن تكون مجزومة لوقوعها في جواب الأمر.
(3) البخاري- الفتح 6 (3364) . وضبطت «أول» في صدر الحديث في بعض نسخ البخاري بالفتح ولا وجه له.(5/1589)
الأحاديث الواردة في (حسن السّمت) معنى
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنّها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم....» ) * «1» .
4-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال لرجل سأله عن الإزار فقال: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إزرة «2» المسلم إلى نصف السّاق ولا حرج، أو لا جناح، فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النّار، من جرّ إزاره بطرا لم ينظر الله إليه» ) * «3» .
5-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ثوب دون «4» فقال: «ألك مال؟» ، قال: نعم، قال: «من أيّ المال؟» ، قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرّقيق، قال: «فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» ) * «5» .
6-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأى رجلا شعثا قد تفرّق شعره فقال: «أما كان يجد هذا ما يسكّن به شعره؟»
ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: «أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه» ) * «6» .
7-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلم، وأن يستنّ وأن يمسّ طيبا إن وجد» ) * «7» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّاس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنسان منهم وهو عندي- فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّكم تطهّرتم ليومكم هذا» ) * «8» .
9-* (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما على أحدكم إن وجد أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتّخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته» ) * «9» .
10-* (عن أمّ خالد بنت خالد قالت: أتي
__________
(1) أبو داود (4061) واللفظ له. والترمذي (994) وقال: حسن صحيح. والنسائي نحوه من حديث جابر بن سمرة (8/ 205) . والحاكم (4/ 185) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول: هو كما قالا (10/ 668) .
(2) إزرة المسلم: أي ثيابه.
(3) أبو داود (4093) واللفظ له، وابن ماجة (3573) . وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (10/ 635) .
(4) ثوب دون: أي قديم أو بال.
(5) أبو داود (4063) واللفظ له، النسائي (8/ 196) ، وأحمد (3/ 473) وقال محقق جامع الأصول (1/ 658) : إسناده صحيح.
(6) أبو داود (4062) واللفظ له، وقال الألباني (2/ 766) : صحيح صحيح النسائي للألباني برقم (4832) . وصحح إسناده أيضا محقق «جامع الأصول» (4/ 751) .
(7) البخاري- الفتح 2 (880) واللفظ له. ومسلم (846) .
(8) البخاري- الفتح 2 (902) واللفظ له. ومسلم (847) .
(9) أبو داود (1078) واللفظ له. وابن ماجة (1095) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 659) إسناده صحيح.(5/1590)
للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بثياب فيها خميصة «1» سوداء صغيرة فقال:
«من ترون أن نكسو هذه؟» ، فسكت القوم، فقال:
«ائتوني بأمّ خالد» ، فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: «أبلي وأخلقي» ، وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال: «يا أمّ خالد هذا سناه؛ وسناه بالحبشيّة «2» » ) * «3» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان له شعر فليكرمه» ) * «4» .
12-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- أنّه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ليلة أضحيان «5» ، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإلى القمر، وعليه حلّة حمراء، فإذا هو عندي أحسن من القمر) * «6» .
13-* عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه. حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى ويقول: أمّا بعد: فإنّ خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي «7» محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» ، ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا «8» فإليّ وعليّ» ) * «9» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن السّمت)
14-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مربوعا، وقد رأيته في حلّة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه) * «10» .
__________
(1) الخميصة: كساء أسود مربّع له علمان.
(2) سناه: بالحبشية أي: إنه لفظ حبشي معناه: حسن.
(3) البخاري الفتح 10 (5823) .
(4) أبو داود (4163) واللفظ له. وقال الحافظ في الفتح (10/ 368) : إسناده حسن. وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 819) رقم (500) وقال: إسناده حسن.
(5) ليلة أضحيان: أي مضيئة.
(6) جامع الأصول (10/ 669) وقال محقق جامع الأصول رواه الترمذي (2812) في الأدب باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال، وقال هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال، ورواه الحاكم (1/ 187) وصححه ووافقه الذهبي.
(7) الهدى: هو بضم الهاء وفتح فيهما، وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضا.
(8) الضياع: العيال.
(9) مسلم (867) .
(10) البخاري- الفتح 10 (5848) واللفظ له. ومسلم (2337) .(5/1591)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (حسن السّمت)
1- (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«من سرّه أن ينظر إلى هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلينظر إلى عمرو بن الأسود» ) * «1» .
2-* (قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما:
«إنّ أشبه النّاس دلّا «2» وسمتا «3» وهديا «4» برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن أمّ عبد «5» ، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا» ) * «6» .
3-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يوصي الرّجال والنّساء: «من أدرك فيكنّ من امرأة أو رجل فالسّمت الأوّل، السّمت الأوّل، فإنّا على الفطرة» . قال عبد الله: السّمت: الطّريق) * «7» .
4-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه:
«إنّكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، قليل سؤّاله، كثير معطوه، العمل فيه قائد للهوى. وسيأتي من بعدكم زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤّاله، قليل عطاؤه، الهوى فيه قائد للعمل، اعلموا أنّ حسن الهدي في آخر الزّمان خير من بعض العمل» ) * «8» .
5-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-:
«ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا النّاس نائمون، وبنهاره إذا النّاس يفطرون، وبحزنه إذا النّاس يفرحون، وببكائه إذا النّاس يضحكون، وبصمته إذا النّاس يخلطون، وبخشوعه إذا النّاس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما عليما سكّيتا، وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون جافيا، ولا غافلا، ولا صخّابا، ولا صيّاحا، ولا حديدا «9» » ) * «10» .
6-* (قال عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما-: «القصد والتّؤدة وحسن السّمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «11» .
7-* (قالت عائشة- رضي الله عنها-: «ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا ودلّا وهديا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قيامها وقعودها من فاطمة- رضي الله عنها- «) * «12»
8-* (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى:
__________
(1) حلية الأولياء (5/ 156) وهو في الحلية بهذا اللفظ. وذكره الحافظ في الفتح (10/ 510) وعزاه لأحمد. وقال أيضا: «إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب» ) - جامع الأصول (10/ 669) .
(2) الدلّ: الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة.
(3) السمت: حسن المنظر في أمر الدين.
(4) الهدي: السيرة والطريقة.
(5) ابن أم عبد: هو عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
(6) البخاري- الفتح 10 (6097) .
(7) الدارمي (1/ 82) رقم (213) .
(8) الأدب المفرد للبخاري (275، 276) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: سنده صحيح (10/ 510) ولا يقال مثله من قبل الرأى.
(9) حديدا: يعني أن لا يكون جافيّا.
(10) حلية الأولياء (1/ 130) .
(11) الموطأ (954) . وقال عبد الباقي رواه الطبراني في الكبير مرفوعا ومثله لا يقال بالرأي.
(12) الترمذي (3872) واللفظ له بسياق طويل وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأبو داود (5217) . والنسائي في عشرة النساء (ص 301) رقم (354) . والحاكم (4/ 272، 273) . والبيهقي في السنن (7/ 101) .(5/1592)
«كانوا إذا أتوا الرّجل ليأخذوا عنه نظروا إلى صلاته وإلى سمته وإلى هيئته ثمّ يأخذون عنه» ) * «1» .
9-* (قال الأعمش- رحمه الله تعالى-:
«كانوا يتعلّمون من الفقيه كلّ شيء حتّى لباسه ونعليه» ) * «2» .
10-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«كنّا نمزح ونضحك فلمّا صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التّبسّم» ) * «3» .
11-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«كان الرّجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشّعه ولسانه وبصره ويده» ) * «4» .
12-* (قال أبو العالية- رحمه الله تعالى-:
«أرحل إلى الرّجل مسيرة أيّام فأوّل ما أتفقّد من أمره صلاته فإن وجدته يقيمها ويتمّها أقمت وسمعت منه، وإن وجدته يضيّعها رجعت ولم أسمع منه وقلت هو لغير الصّلاة أضيع» ) * «5» .
13-* (قال مالك- رحمه الله تعالى-: «إنّ حقّا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية وأن يكون متّبعا لأثر من مضى قبله» ) * «6» .
14-* (قال أيضا- رحمه الله تعالى-: «كان عمر أشبه النّاس بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشبه النّاس بعمر ابنه عبد الله، وبعبد الله ابنه سالم» ) * «7» .
15-* (قال أبو عبيد- رحمه الله تعالى-:
«كان أصحاب عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يرحلون إلى عمر- رضي الله عنه- فينظرون إلى سمته وهديه ودلّه فيتشبّهون به» ) * «8» .
16-* (قال ابن المبارك- رحمه الله تعالى- لرجل سأله أين تريد؟ قال: إلى البصرة، فقيل له: من بقي؟ قال: «ابن عون آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه» ) * «9» .
17-* (قال الوليد بن يزيد- رحمه الله تعالى-:
«ما رأيت الأوزاعيّ ضاحكا حتّى يقهقه قطّ، ولا ملتفتا إلى شيء، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد وما أشبهه أقول في نفسي لا يرى أحد في المجلس لم يبك قبله» ) * «10» .
18-* (قال ابن المبارك- رحمه الله تعالى-:
«لم يكن بالمدينة أحد أشبه بأهل العلم من ابن عجلان، كنت أشبّهه بالياقوتة بين العلماء» ) * «11» .
وقال- رحمه الله تعالى-:
من كان ملتمسا جليسا صالحا ... فليأت حلقة مسعر بن كدام
فيها السّكينة والوقار وأهلها ... أهل العفاف وعلية الأقوام) * «12» .
__________
(1) الآداب الشرعية (2/ 149) .
(2) المرجع السابق (2/ 149) .
(3) المرجع السابق (2/ 44) .
(4) شعب الإيمان (8/ 427) . والآداب الشرعية (2/ 45) .
(5) حلية الأولياء (2/ 220) .
(6) الآداب الشرعية (2/ 45) .
(7) الفتح (10/ 510) .
(8) الصحاح للجوهري (4/ 1699) . ولسان العرب (3/ 1423) .
(9) الآداب الشرعية (2/ 149) .
(10) الجرح والتعديل (1/ 217) .
(11) المرجع السابق (1/ 273) .
(12) سير أعلام النبلاء (7/ 170) .(5/1593)
19-* (كتب عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه الله تعالى- في وصيّته الّتي أوصى بها أهله وولده:
«أنظروا ما كان عليه أيّوب ويونس وابن عون واسألوا عن هدي ابن عون فإنّكم ستجدون من يحدّثكم عنه» ) * «1» .
20-* (قال عبد الرّحمن بن مهديّ- رحمه الله تعالى-: «كنّا نأتي الرّجل ما نريد علمه ليس إلّا أن نتعلّم من هديه وسمته ودلّه» ) * «2» .
21-* (وقال أيضا: «كان عليّ بن المدينيّ وغير واحد يحضرون عند يحيى بن سعيد القطّان ما يريدون أن يسمعوا شيئا إلّا أن ينظروا إلى هديه وسمته» ) * «3» .
22-* (قال أبو عاصم النّبيل- رحمه الله تعالى-: «مات حمّاد بن زيد يوم مات ولا أعلم له في الإسلام نظيرا في هيئته ودلّه وسمته» ) * «4» .
23-* (قال عبيدة بن عثمان- رحمه الله تعالى-: «من نظر إلى الأوزاعيّ اكتفى به ممّا يرى عليه من أثر العبادة، كنت إذا رأيته قائما يصلّي كأنّما تنظر إلى جسد ليس فيه روح» ) * «5» .
24-* (قال الحسن بن الرّبيع- رحمه الله تعالى-: «ما شبّهت أحمد بن حنبل إلّا بابن المبارك في سمته وهديه» ) * «6» .
25-* (قال ابن عليّ بن المدينيّ- رحمه الله تعالى-: «رأيت في كتب أبي ستّة أجزاء: مذهب أبي عبد الله وأخلاقه، ورأيت أحمد يفعل كذا ويفعل كذا، وبلغني عنه كذا وكذا» ) * «7» .
26-* (قال الميمونيّ- رحمه الله تعالى-: «ما رأيت أحدا أنظف ثوبا، ولا أشدّ تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى ثوبا وأشدّ بيانا من أحمد بن حنبل» ) * «8» .
27-* (قال محمّد بن مسلم: «كنّا نهاب أن نرادّ على أحمد بن حنبل في الشّيء أو نحاجّه في شيء من الأشياء، يعني لجلالته ولهيبة الإسلام الّذي رزقه» ) * «9» .
28-* (قال المروذيّ- رحمه الله تعالى-: «لم أر الفقير في مجلس أعزّ منه في مجلس أبي عبد الله «10» ، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدّنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التّواضع تعلوه السّكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلّم حتّى يسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدّر، يقعد حيث انتهى به المجلس» ) * «11» .
29-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
«لقيت عبد الوهّاب الأنماطيّ فكان على قانون السّلف لم يسمع في مجلسه عيبة، ولا كان يطلب أجرا على سماع
__________
(1) أصول الاعتقاد (1/ 62) .
(2) الآداب الشرعية (2/ 149) .
(3) الموضع السابق نفسه.
(4) سير أعلام النبلاء (7/ 459) . وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 10) .
(5) الجرح والتعديل (1/ 218) .
(6) مقدمة المسند للشيخ أحمد شاكر نقلا عن تاريخ الإسلام للذهبي (66) .
(7) الآداب الشرعية (2/ 149) .
(8) المرجع السابق (2/ 12) .
(9) الآداب الشرعية (2/ 12) .
(10) يعني: أحمد بن حنبل.
(11) سير أعلام النبلاء (11/ 218) .(5/1594)
الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرّقائق بكى واتّصل بكاؤه فكان وأنا صغير السّنّ حينئذ يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد الأدب في نفسي، وكان على سمت المشايخ الّذين سمعنا أوصافهم في النّقل» ) * «1» .
30-* (وقال: قد كان جماعة من السّلف يقصدون العبد الصّالح للنّظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه، وذلك أنّ ثمرة علمه هديه وسمته» ) * «2» .
31-* (وقال- رحمه الله-: «الكمال عزيز، والكامل قليل الوجود. فأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن، وحسن صورة الباطن، وصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا. ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق. فالطّبائع:
العفّة والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّرة.
والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل» ) * «3» .
32-* (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-:
«كان يحضر مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، أقلّ من خمسمائة يكتبون، والباقي يتعلّمون منه حسن الأدب وحسن السّمت» ) * «4» .
33-* (قال الحافظ في الفتح: «خرّج أبو عبيد في غريب الحديث: أنّ أصحاب ابن مسعود كانوا ينظرون إلى سمته وهديه ودلّه فيتشبهّون به» ) * «5» .
34-* (قال البدر العينيّ صاحب عمدة القاري على صحيح البخاريّ- رحمه الله تعالى-:
«ينبغي للنّاس الاقتداء بأهل الفضل والصّلاح في جميع أحوالهم في هيئتهم وتواضعهم للخلق ورحمتهم وإنصافهم من أنفسهم وفي مأكلهم ومشربهم واقتصادهم في أمورهم تبرّكا بذلك» ) * «6» .
35-* (قال الشّاعر:
انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب
وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي عنه لم تسأل فلا تجب) * «7» .
من فوائد (حسن السّمت)
(1) من أخلاق الأنبياء والصّالحين.
(2) دليل كمال الإيمان ورجاحة العقل.
(3) يكسب المرء احترام الآخرين وحبّهم.
(4) يكسب المرء الهيبة والوقار.
(5) يقصد بالتّعلّم والطّلب أكثر من النّقل من الكتب.
(6) يدلّ في كثير من الأحيان على صفاء القلب ونقاء السّريرة.
__________
(1) صيد الخاطر (143) .
(2) المرجع السابق (216) .
(3) المرجع السابق (289) .
(4) الآداب الشرعية (2/ 12) .
(5) الفتح (10/ 510) .
(6) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 154) .
(7) حسن السمت في الصمت للسيوطي (47) .(5/1595)
حسن الظّن
حسن الظن لغة:
الحسن لغة: انظر صفة (حسن الخلق) .
أمّا الظّنّ في اللّغة فإنّه مصدر قولهم ظنّ يظنّ ظنّا وهو مأخوذ من مادّة (ظ ن ن) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما اليقين والآخر الشّكّ.
فأمّا اليقين فقول القائل: ظننت ظنّا أي أيقنت قال تعالى: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ) (البقرة/ 249) أراد- والله أعلم-: يوقنون. والعرب تقول ذلك وتعرفه، قال شاعرهم وهو دريد بن الصّمّة:
فقلت لهم: ظنّوا بألفي مدجّج ... سراتهم في الفارسيّ المسرّد
أراد: أيقنوا، ومن هذا الباب مظنّة الشّيء:
وهو معلمه ومكانه، والأصل الآخر: الشّكّ: يقال:
ظننت الشّيء، إذا لم تتيقّنه، والّذين الظّنون: الّذي لا يدرى أيقضى أم لا «1» .
الآيات الأحاديث الآثار
7 35 9
وقال الرّاغب: الظّنّ: اسم لما يحصل عن أمارة ومتى قويت أدّت إلى العلم ومتى ضعفت جدّا لم تتجاوز حدّ التّوهّم «2» .
وقال ابن منظور: الظنّ شكّ ويقين. إلّا أنّه ليس بيقين عيان إنّما هو يقين تدبّر، فأمّا يقين العيان فلا يقال فيه إلّا علم. وفي التّنزيل العزيز: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة/ 20) أي علمت.
وقال الجوهريّ: الظّنّ معروف. وقد يوضع موضع العلم.
والظّنين: الرّجل المتّهم. والظّنّة: التّهمة، والجمع الظّنن، ومظنّة الشّيء موضعه ومألفه الّذي يظنّ كونه فيه. والجمع المظانّ.
قال النّابغة:
فإن يك عامر قد قال جهلا ... فإنّ مظنّة الجهل الشّباب
والظّنون: الرّجل السّيّء الظّنّ «3» .
__________
(1) شاعر جاهلي، أدرك الإسلام ولم يسلّم، وكان من ألد أعداء النبي صلّى الله عليه وسلّم قتل سنة 8 هـ. يوم حنين وهو في صفوف المشركين. والبيت من قصيدة له يرثي فيها أخاه عبد الله وروايته في الأغاني (10/ 30) هكذا:
وقلت لعراض وأصحاب عارض ... ورهط بني السوداء والقوم شهدى
علانية ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد.
(2) مقاييس اللغة (3/ 461) .
(3) انظر: الصحاح للجوهري (6/ 2260) . والتعريفات للجرجاني (144) . لسان العرب لابن منظور (13/ 272) .(5/1596)
الظن اصطلاحا:
قال الكفويّ: الظّنّ: أخذ طرفي الشّكّ بصفة الرّجحان وقال أيضا: والرّاجح إن قاربه إمكان المرجوح يسمّى ظنّا، أو هو التّردّد الرّاجح بين طرفى الاعتقاد غير الجازم «1» .
وقال التّهانويّ: الظّنّ: عند الفقهاء: التّردّد بين أمرين استويا أو ترجّح أحدهما على الآخر، وعند المتكلّمين: الظّنّ تجويز أمرين أحدهما أرجح من الآخر والمرجوح يسمّى بالوهم «2» .
وقال ابن العربيّ: الظّنّ تجويز أمرين في النّفس لأحدهما ترجيح على الآخر «3» .
وعلى هذا فحسن الظّنّ ترجيح جانب الخير على جانب الشّرّ.
من معاني كلمة «الظّنّ» في القرآن الكريم:
ورد الظّنّ في القرآن مجملا على أوجه:
بمعنى اليقين، وبمعنى الشّكّ، وبمعنى التّهمة، وبمعنى الحسبان.
فالّذي بمعنى اليقين قوله تعالى:
1- يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ (البقرة/ 46) .
2- وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (القيامة/ 28) .
3- إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة/ 20) .
4- وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ) (الجن/ 12) .
5- أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) (المطففين/ 4) .
6- وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (فصلت/ 48) .
7- وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) (يونس/ 22) .
8- وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ (التوبة/ 118) . يعني المتخلّفين عن غزوة تبوك.
وأمّا الّذي بمعنى الشّكّ والتّهمة فمنه قوله تعالى:
1- مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ (الحج/ 15) .
2- وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (الأحزاب/ 10) .
3- وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) (الفتح/ 12) .
4- يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) (آل عمران/ 154) .
5- وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ (الحشر/ 2) يعني بني قريظة وحصونهم.
6- إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس/ 36) .
وأمّا الّذي بمعنى الحسبان فمنه قوله تعالى:
1- إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ* بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (الانشقاق/ 14، 15) .
2- وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ... الآية (فصلت/ 22) .
والظّنّ في كثير من الأمور مذموم. ولهذا قال تعالى: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (يونس/ 36) .
__________
(1) كليات أبي البقاء الكفوي (1/ 89، 90، 3/ 62، 174) .
(2) كشفا اصطلاحات الفنون (3/ 1547) .
(3) أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1712) .(5/1597)
وقال: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12) «1» .
ضابط معنى الظّنّ في القرآن الكريم:
قال الكفويّ: عن مجاهد قال: كلّ ظنّ في القرآن فهو يقين وهذا يشكل في كثير من الآيات، وقال الزّركشيّ: للفرق بينهما (أي الظّنّ بمعنى اليقين والظّنّ بمعنى الشّكّ) ضابطان في القرآن:
أحدهما: أنّه حيث وجد الظّنّ محمودا مثابا عليه فهو اليقين، وحيث وجد مذموما متوعّدا عليه بالعذاب فهو الشّكّ.
والثّاني: أنّ كلّ ظنّ يتّصل به أن المخفّفة فهو شكّ نحو قوله تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ (الفتح/ 12) ، وكلّ ظنّ يتّصل به أنّ المشدّدة فهو يقين كقوله تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الحاقة 20) والمعنى في ذلك أنّ: «أنّ» المشدّدة للتّأكيد فدخلت في اليقين والمخفّفة بخلافها فدخلت في الشّكّ «2» .
أقسام الظّنّ وأحكامه
: وصفوة القول أنّ الظّنّ لا يخرج عن أمور خمسة:
الأوّل: الظّنّ المحرّم، وهو سوء الظّنّ بالله.
ويقابله وجوب حسن الظّنّ بالله.
الثّاني: حرمة سوء الظّنّ بالمسلمين الّذين ظاهرهم العدالة، والمطلوب حسن الظّنّ بهم.
الثّالث: الظّنّ المباح، وهو الّذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الرّيبة، وهذا الظّنّ لا يحقّق.
الرّابع: الظّنّ المندوب إليه، وهو حسن الظّنّ بالأخ المسلم وعليه الثّواب.
الخامس: الظّنّ المأمور به، وهو الظّنّ فيما لم ينصّ عليه دليل يوصلنا إلى العلم، وقد تعبّدنا الله بالاقتصار على الغالب الظّنّيّ فيه، كقبول شهادة العدول وتحرّي القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات الّتي لم يرد نصّ في تقديرها «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأدب- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإساءة- سوء الخلق- سوء الظّنّ- الطيش] .
__________
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز (3/ 545- 547) .
(2) كليات الكفوي (3/ 165) .
(3) انظر منهج الدعوة الاسلامية في البناء الاجتماعي (412) .(5/1598)
الآيات الواردة في «حسن الظّن»
1- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «1» .
2- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) «2» .
3- فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
«3» .
4- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) .
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «4» .
5- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) «5» .
6- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) «6» .
7- وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) «7» .
__________
(1) البقرة: 45- 46 مدنية.
(2) البقرة: 230 مدنية.
(3) البقرة: 249 مدنية.
(4) التوبة: 117- 118 مدنية.
(5) النور: 11- 12 مدنية.
(6) الحاقة: 19- 23 مكية.
(7) الجن: 12 مكية.(5/1599)
الأحاديث الواردة في (حسن الظّن)
-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي «1» ، وأنا معه إذا ذكرني «2» ، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم. وإن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا «3» ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ) * «4» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ حسن الظّنّ بالله تعالى من حسن العبادة» ) * «5» .
3-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل موته بثلاثة أيّام يقول: ( «لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو يحسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ» ) * «6» .
4-* (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال:
قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» ) * «7» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّ الله- عزّ وجلّ- قال: أنا عند ظنّ عبدي بي، إنّ ظنّ بي خيرا فله، وإن ظنّ شرّا فله) * «8» .
6-* (عن حيّان أبي النّضر، قال: دخلت مع واثلة بن الأسقع على أبي الأسود الجرشيّ في مرضه الّذي مات فيه، فسلّم عليه وجلس. قال: فأخذ أبو الأسود يمين واثلة، فمسح بها على عينيه ووجهه لبيعته بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له واثلة: واحدة أسألك عنها، قال: وما هي؟ قال: كيف ظنّك بربّك؟ قال: فقال أبو الأسود، وأشار برأسه، أي حسن، قال واثلة: أبشر إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله- عزّ وجلّ-: أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء» ) * «9» .
__________
(1) معنى قوله: أنا عند ظن عبدي بي: المراد بالظن هنا: العلم. قاله ابن أبي جمرة، وقال القرطبي معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار.
(2) وقوله: وأنا معه إذا ذكرني: قال الحافظ ابن حجر: بعلمي.
(3) والباع: قدر مد اليدين وما بينهما من البدن.
(4) البخاري- الفتح 13 (7405) واللفظ له. ومسلم (2675) .
(5) أبو داود (4993) ، والترمذي (3679) (تحفة الأحوذي) ، وقد سقط الحديث من النسخة المطبوعة في الترمذي ضمن عشرة أحاديث أيبتها المحقق في آخر النسخة) ، والمسند (10369) ، وقال محققه: حسن، وجامع الأصول (11/ 693) وقال محققه: حسن.
(6) مسلم (2877) .
(7) البخاري- الفتح 7 (3653) واللفظ له. ومسلم (2381) .
(8) أحمد (2/ 391) وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (4315) . وأصل الحديث في «الصحيحين» انظر «جامع الأصول» (4/ 476) و (9/ 555) .
(9) أحمد (3/ 491) ، والدارمي (2731) ، والحاكم (4/ 240) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح (4316) .(5/1600)
الأحاديث الواردة في (حسن الظّنّ) معنى
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ. قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال- تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال- تبارك وتعالى-: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال- تبارك وتعالى-:
عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» ) * «1» .
8-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى رهطا وسعد جالس فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا هو أعجبهم إليّ، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا، فقال: أو مسلما، فسكتّ قليلا ثمّ غلبني ما أعلم فعدت لمقالتي، فقلت: ما لك عن فلان فو الله إنّي لأراه مؤمنا؟ فقال: أو مسلما، فسكتّ قليلا ثمّ غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «يا سعد إنّي لأعطي الرّجل، وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّه الله في النّار» ) * «2» .
9-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه «3» ويستره، فيقول أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي ربّ حتى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه هلك، قال: سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد «4» : هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «5» .
10-* عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنّة» . قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قلنا:
واثنان؟ قال: «واثنان» ، ثمّ لم نسأله عن الواحد) * «6» .
11-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب، قال:
باسم الله، فلمّا استوى عليها، قال: الحمد لله، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، ثمّ حمد الله (ثلاثا) ، وكبّر (ثلاثا) ، ثمّ قال:
سبحانك لا إله إلّا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي، ثمّ ضحك، فقلت له: ممّ ضحكت يا أمير المؤمنين؟.
قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل مثل ما فعلت. ثمّ ضحك، فقلت: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال:
«يعجب الرّبّ من عبده إذا قال ربّ اغفر لي، ويقول:
علم عبدي أنّه لا يغفر الذّنوب غيري» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7507) . مسلم (2758) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 1 (27) واللفظ له. ومسلم (150) .
(3) كنفه: حفظه وستره.
(4) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن.
(5) البخاري- الفتح 5 (2441) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2643) .
(7) المسند (1/ 109) حديث (753) واللفظ له، وأبو داود (2602) .(5/1601)
12-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ والإنس والبهائم والهوامّ فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها. وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم الله بها عباده يوم القيامة» ) * «2» .
14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: يا ابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة» ) * «3» .
15-* (عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي، فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي. إذا وجدت صبيّا في السّبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «4» .
16-* (عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع. فقالوا: هذا رجل من أهل الجنّة. فصلّى ركعتين، تجوّز فيهما، ثمّ خرج وتبعته، فقلت: إنّك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنّة.
قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم.
وسأحدّثك لم ذاك؟ رأيت رؤيا على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه. ورأيت كأنّي في روضة (ذكر من سعتها وخضرتها) وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض وأعلاه في السّماء. في أعلاه عروة، فقيل له:
ارقه. قلت: لا أستطيع. فأتاني منصف «5» فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت. حتّى كنت في أعلاها. فأخذت في العروة. فقيل له: استمسك. فاستيقظت، وإنّها لفي يدي. فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تلك الرّوضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى. فأنت على الإسلام حتّى تموت» .
وذلك الرّجل عبد الله بن سلام) * «6» .
17-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) مسلم (2759) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6000) . ومسلم (2752) واللفظ له.
(3) الترمذي (3540) وقال: حديث حسن. وقال محقق رياض الصالحين (178) : للحديث شاهد من حديث أبي ذر عند أحمد وآخر من حديث ابن عباس عند الطبراني، فالحديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 10 (5999) واللفظ له. ومسلم (2754) .
(5) منصف: أي خادم من خدام الجنة.
(6) البخاري- الفتح 7 (3813) واللفظ له. ومسلم (2484) .(5/1602)
قال: كنت خلف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوما، فقال: «يا غلام إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» ) * «1» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقولنّ أحدكم اللهمّ اغفر لي إن شئت، اللهمّ ارحمني إن شئت، ليعزم «2» في الدّعاء، فإنّ الله صانع ما شاء لا مكره له.
وفي لفظ «ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرّغبة فإنّ الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» ) * «3» .
19-* (عن الحسين بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للسّائل حقّ، وإن جاء على فرس» ) * «4» .
20-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوّيّة «5» مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتّى أدركه العطش، ثمّ قال أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه فأنام حتّى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشدّ فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده» ) * «6» .
21-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ ... الحديث وفيه: «ما فعل كعب بن مالك؟ قال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنّظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا» ) * «7»
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا قضى الله الخلق كتب في كتابه: فهو عنده فوق العرش، إنّ رحمتي غلبت غضبي» ) * «8» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) الترمذي (2516) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (2804) وقال شاكر: إسناده صحيح.
(2) ليعزم: قال العلماء: عزم المسألة الشدة في طلبها والجزم من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة.
(3) البخاري- الفتح 10 (6339) . ومسلم (2679) واللفظ له.
(4) أبو داود (1665) واللفظ له. وأحمد في المسند (1730) ، وقال محققه: إسناده صحيح كما جود إسناده العراقي والبخاري. وقد صححه السيوطي، فيض القدير (5/ 290) ويقوي هذا الحديث ما رواه الطبراني عن الهرماس بن زياد. انظر مجمع الزوائد (3/ 101) ، والحديث بهذا حسن لغيره. قال الخطابي: معناه الأمر بحسن الظّنّ بالسائل إذا تعّرض لك وأن لا تجبه بالتكذيب والرد مع إمكان الصدق- جامع الأصول (6/ 455) .
(5) الأرض الدوية- بفتح الدال وتشديد الواو والياء-: الأرض القفر والفلاة الخالية.
(6) البخاري- الفتح 7 (4418) . مسلم (274) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 11 (6309) . ومسلم (2769) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 6 (3194) .(5/1603)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنّته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من جنّته أحد» ) * «1» .
24-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» . فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: «الله أكثر» ) * «2» .
25-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزّ وجلّ-: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسّيّئة فجزاؤه سيّئة مثلها أو أغفر، ومن تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، ومن تقرّب منّي ذراعا تقرّبت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض «3» خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» ) * «4» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن غرّ «5» كريم، والفاجر خبّ «6» لئيم» ) * «7» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» ) * «8» .
28-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنّصارى» ) * «9» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا، حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول:
من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» ) * «10» .
30-* (عن جابر بن سمرة؛ أنّ أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر بن الخطّاب، فذكروا من صلاته، فأرسل إليه عمر فقدم عليه. فذكر ما عابوه به من أمر الصّلاة، فقال: إنّي لأصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أخرم عنها. إنّي لأركد بهم في الأوليين، وأحذف في الأخريين. فقال: «ذاك الظّنّ بك يا أبا إسحاق» ) * «11» .
__________
(1) مسلم (2755) .
(2) الترمذي (3573) وقال: حديث حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 512) : وهو حديث صحيح.
(3) قراب الأرض: أي ما يقارب ملأها.
(4) مسلم (2687) .
(5) الغر: الذي لم يجرب الأمور، وإنما جعل المؤمن غرّا نسبة له إلى سلامة الصدر وحسن الباطن والظن في الناس فكأنه لم يجرب بواطن الأمور. ولم يطلع على دخائل الصدور، فترى الناس منه في راحة لا يتعدى إليهم منه شر، بل لا يكون فيه شر فيتعدى.
(6) الخب: الخداع المكار الخبيث.
(7) أبو داود (4790) وهذا لفظه، وحسنه الألباني (1599) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 701) : حديث حسن.
(8) مسلم (2749) .
(9) مسلم (2767) .
(10) مسلم (758) .
(11) مسلم (453) . وقوله: ما أخرم عنها: أي ما أنقص عنها و «لأركد بهم في الأوليين» يعني أطولهما و «أحذف في الأخريين» أي أقصرهما عن الأوليين.(5/1604)
31-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: وضع عمر على سريره فتكنّفه النّاس «1» يدعون ويصلّون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني «2» إلّا رجل آخذ منكبي فإذا عليّ بن أبي طالب فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحدا أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أنّي كنت كثيرا أسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن الظّنّ)
32-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل نجد، فلمّا قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القائلة «4» ، في واد كثير العضاه «5» فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتفرّق النّاس يستظلّون بالشّجر، فنزل تحت شجرة وعلّق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعونا، وإذا عنده أعرابيّ فقال: «إنّ هذا اخترط عليّ سيفي «6» وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا «7» ، فقال: من يمنعك منّي؟ فقلت: «الله» (ثلاثا) ، ولم يعاقبه وجلس) * «8» .
33-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أبو بكر- رضي الله عنه- إلى أبي في منزله فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي، قال فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر حدّثني كيف صنعتما حين سريت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد حتّى قام قائم الظّهيرة، وخلا الطّريق لا يمرّ فيه أحد، فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظلّ لم تأت عليه الشّمس فنزلنا عنده، وسوّيت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكانا بيدي ينام عليه، وبسطت عليه فروة وقلت له: نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك. فنام وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصّخرة يريد منها مثل الّذي أردنا. فقلت: لمن أنت يا غلام؟
فقال: لرجل من أهل المدينة- أو مكّة- قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟ قال: نعم.
فأخذ شاة، فقلت: انفض الضّرع من التّراب والشّعر والقذى. قال: فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض. فحلب في قعب كثبة «9» من لبن، ومعي إداوة حملتها للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرتوي منها يشرب
__________
(1) فتكنفه الناس: أي أحاطوا به.
(2) فلم يرعني: معناه لم يفجأني إلا ذلك.
(3) البخاري- الفتح 7 (3685) واللفظ له. ومسلم (2389) .
(4) القائلة: شدة الحر.
(5) العضاه: شجر عظيم له شوك.
(6) اخترط علي سيفي: أي سله.
(7) صلتا: أي مجردا من غمده.
(8) البخاري- الفتح 6 (2910) واللفظ له. ومسلم (843)
(9) الكثبة من اللبن: القليل منه.(5/1605)
ويتوضّأ. فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببت من الماء على اللّبن حتّى برد أسفله. فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قال: «ألم يأن «1» للرّحيل» قلت: بلى. قال فارتحلنا بعد ما مالت الشّمس، واتّبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله، فقال: «لا تحزن إنّ الله معنا» . فدعا عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فارتطمت به فرسه إلى بطنها- أرى- في جلد من الأرض «2» ، شكّ زهير فقال: إنّي أراكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أردّ عنكما الطّلب. فدعا له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنجا.
فجعل لا يلقى أحدا إلّا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلّا ردّه، قال: ووفّى لنا) * «3» .
34-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ... الحديث وفيه: «فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا ... » الحديث) * «4» .
35-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي ببني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه، فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتدّ النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك» .
فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فكبّر» وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم، فحبسته على خزير «5» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي فثاب رجال منهم «6» حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟» . فقال: الله ورسوله أعلم ... الحديث) * «7» .
__________
(1) هكذا في الفتح، والمراد: ألم يحن وقت الرّحيل؟
(2) جلد الأرض: أي أرض صلبة.
(3) البخاري- الفتح 6 (3615) واللفظ له. ومسلم (2009) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4143) . ومسلم (2770) واللفظ له.
(5) الخزير: لحم يقطّع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فاذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة. وهو في الفتح: خريز وهو تصحيف. انظر النهاية (2/ 28) .
(6) فثاب رجال منهم: أي اجتمعوا.
(7) البخاري- الفتح 3 (1186) .(5/1606)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حسن الظّنّ)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «والّذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ. والّذي لا إله غيره، لا يحسن عبد بالله عزّ وجلّ الظّنّ إلّا أعطاه الله عزّ وجلّ ظنّه، ذلك بأنّ الخير في يده» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه» . فقال: «يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله:
«فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي» . قال: «فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟» . قال:
«الله» . قال: «فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه فيقضيه ... »
الحديث) * «2» .
3-* (عن سهل القطعيّ، قال: «رأيت مالك ابن دينار- رحمه الله- في منامي فقلت: يا أبا يحيى ليت شعري، ماذا قدمت به على الله عزّ وجلّ؟ قال:
قدمت بذنوب كثيرة فمحاها عنّي حسن الظّنّ بالله» ) * «3» .
4-* (عن خلف بن تميم، قال: قلت لعليّ بن بكّار ما حسن الظّنّ بالله؟ قال: «ألّا يجمعك والفجّار في دار واحدة» ) * «4» .
5-* (عن سفيان الثّوريّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) قال: «أحسنوا الظّنّ بالله» ) * «5» .
6-* (قال أحمد بن العبّاس النّمريّ:
وإنّي لأرجو الله حتّى كأنّني ... أرى بجميل الظّنّ ما الله صانع) * «6» .
7-* (أنشد أبو عمران السّلميّ:
وإنّي لاتي الذّنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو ويغفر
لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها ... وإن عظمت في رحمة الله تصغر) * «7» .
__________
(1) انظر: حسن الظن، لابن أبي الدنيا (96) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(3) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (96) .
(4) المرجع السابق (23) .
(5) المرجع السابق (25) . وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 318) .
(6) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (100) .
(7) حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا (106) .(5/1607)
8-* (أنشد محمود الورّاق:
حسن ظنّي بحسن عفوك يا ... ربّ جميل وأنت مالك أمري
صنت سرّي عن القرابة والأه ... ل جميعا وكنت موضع سرّي
ثقة بالّذي لديك من السّت ... ر فلا تخزني يوم نشري
يوم هتك السّتور عن حجب الغي ... ب فلا تهتكنّ للنّاس ستري
لقّنّي حجّتي وإن لم تكن يا ... ربّ لي حجّة ولا وجه عذر) * «1» .
9-* (وأنشد أيضا:
ما زلت أغرق في الإساءة دائبا ... وتنالني بالعفو والغفران
لم تنتقصني إذ أسأت وزدتني ... حتّى كأنّ إساءتي إحسان
تولي الجميل على القبيح كأنّما ... يرضيك منّي الزّور والبهتان) * «2» .
من فوائد (حسن الظّنّ) .
(1) طريق موصل إلى الجنّة.
(2) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(3) يولّد الألفة والمحبّة بين المسلمين.
(4) يهيّء المجتمع الصّالح المتماسك ويحقّق التّعاون بين أفراده.
(5) برهان على سلامة القلب وطهارة النّفس.
(6) علامة على حسن الخاتمة.
(7) لا يأتي إلّا عن معرفة قدر الله ومدى مغفرته ورحمته.
(8) يحافظ على أعراض المسلمين.
__________
(1) حسن الظّنّ بالله لابن أبي الدنيا (116) .
(2) المرجع السابق، الصفحة نفسها.(5/1608)
حسن العشرة
العشرة لغة:
اسم من المعاشرة، والمعاشرة مصدر قولهم عاشرت فلانا إذا خالطته، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ع ش ر) الّتي تدلّ على المخالطة والمداخلة، قال ابن فارس: وإنّما سمّيت عشيرة الرّجل بذلك لمعاشرة بعضهم بعضا، وأرجع الرّاغب اشتقاق العشيرة إلى العدد (عشرة) ، فقال: والعشيرة أهل الرّجل الّذين يتكثّر بهم، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وذلك أنّ العشرة هي العدد الكامل، قال تعالى:
وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ (التوبة/ 24) فصارت العشيرة اسما لكلّ جماعة من أقارب الرّجل الّذين يتكثّر بهم، ويقال عاشرته: صرت له كعشرة في المصاهرة.
وقال ابن منظور: عشيرة الرّجل: بنو أبيه الأذنون، وقيل: هم القبيلة، والجمع عشائر. قال أبو عليّ: قال أبو الحسن: ولم يجمع جمع السّلامة. قال ابن شميل: العشيرة العامّة مثل بني تميم وبني عمرو ابن تميم، والعشير القبيلة، والعشير: المعاشر، والعشير: القريب والصّديق، والجمع عشراء. وعشير المرأة: زوجها لأنّه يعاشرها وتعاشره، كالصّديق الآيات الأحاديث الآثار
3 35 12
والمصادق، قال ساعدة بن جؤيّة:
رأته على يأس، وقد شاب رأسها ... وحين تصدّى للهوان عشيرها
أراد لإهانتها وهي عشيرته. وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للنّساء: «إنّكنّ أكثر أهل النّار» ، فقيل: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنّكنّ تكثرن اللّعن وتكفرن العشير» .
العشير: الزّوج. وقوله تعالى: لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (الحج/ 13) أي لبئس المعاشر «1» .
وفي تعريف: حسن، انظر: حسن الخلق، وحسن السّمت.. وغيرهما.
العشرة اصطلاحا:
لا تختلف العشرة في الاصطلاح عن معناها في اللّغة الّذي هو المخالطة والمداخلة في أمور الحياة، فإذا تعلّقت العشرة بالنّساء كان المراد بها ما يتعلّق بأمور المبيت والنّفقة والتّحدّث مع الزّوج وغير ذلك من أمور الحياة. وتدخل العشرة الحسنة بذلك ضمن التّكاليف المتعلّقة بأحوال النّساء خاصّة، لأنّ القوم قبل الإسلام كانوا يسيئون معاشرة نسائهم «2» . يقول القرطبيّ في معنى قوله تعالى وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19) أي على ما أمر الله به من حسن
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 325) ، المفردات للراغب (347) ، ولسان العرب لابن منظور (4/ 475) .
(2) أخذنا هذا من كلام الفخر الرازي (10/ 12) .(5/1609)
المعاشرة، والخطاب للجميع، إذ لكلّ أحد عشرة، زوجا كان أو وليّا، ولكنّ المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج «1» .
حسن العشرة اصطلاحا:
إذا تعلّقت العشرة بالنّساء فالمراد بها (اصطلاحا) توفية حقّ المرأة من المهر والنّفقة، وألّا يعبس في وجهها بغير ذنب، وألّا يكون فظّا ولا غليظا، ولا مظهرا ميلا إلى غيرها وقيل: حسن العشرة (مع المرأة) أن يتصنّع لها كما تتصنّع له «2» .
وإذا تعلّقت العشرة بعامّة النّاس فقد قالوا: إذا أردت حسن المعاشرة فالق عدوّك وصديقك بالطّلاقة، ووجه الرّضا والبشاشة، ولا تنظر في عطفيك، ولا تكثر الالتفات ولا تقف على الجماعات. وإذا جلست فلا تتكبّر على أحد، تحفّظ من تشبيك أصابعك، ومن العبث بلحيتك، ومن اللّعب بخاتمك، وتخليل أسنانك، وإدخال إصبعك في أنفك، وكثرة بصاقك، وكثرة التّمطّي والتّثاؤب في وجوه النّاس وفي الصّلاة، وليكن مجلسك هادئا، وحديثك منظوما مرتّبا، واصغ إلى كلام مجالسك. واسكت عن المضاحك، ولا تتصنّع المرآة في التّزيّن، ولا تلحّ في الحاجات. ولا تشجّع أحدا على الظّلم، وإذا خاصمت فأنصف، وتحفّظ من جهلك، وتجنّب عجلتك، وتفكّر في حجّتك، ولا تكثر الإشارة بيدك، ولا الالتفات إلى من وراءك، واهدى غضبك وتكلّم، وإذا قرّبك سلطان فكن منه على حذر، واحذر انقلابه عليك، ولا يحملنّك لطفه بك على أن تدخل بينه وبين أهله وحشمه، وإن كنت لذلك مستحقّا عنده. وإيّاك وصديق العافية فإنّه أعدى الأعداء، ولا تجعل مالك أكرم من عرضك. ولا تجالس الملوك؛ فإن فعلت فالتزم ترك الغيبة، ومجانبة الكذب، وصيانة السّرّ، وقلّة الحوائج، وعليك بتهذيب الألفاظ، والمذاكرة بأخلاق الملوك والحذر منهم، وإن ظهرت المودّة.
ولا تتجشّأ بحضرتهم، ولا تخلّل أسنانك بعد الأكل عندهم، ولا تجالس العامّة، فإن فعلت فآداب ذلك ترك الخوض في حديثهم، وقلّة الإصغاء إلى أراجيفهم، والتّغافل عمّا يجري من سوء ألفاظهم، وإيّاك أن تمازح لبيبا أو سفيها؛ فإنّ اللّبيب يحقد عليك، والسّفيه يتجرّأ عليك، ولأنّ المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والودّ، ويشين فقه الفقيه، ويجرّأ السّفيه، ويميت القلب، ويباعد عن الرّبّ تعالى، ويكسب الغفلة والذّلّة. ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الأدب- حسن الخلق- حسن المعاملة- الحياء- الكلم الطيب البشاشة- طلاقة الوجه.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- سوء العشرة- الأذى- سوء الخلق- سوء الظن- العبوس- الجفاء- القسوة] .
__________
(1) القرطبي 5/ 97.
(2) السابق، الصفحة نفسها.
(3) المستطرف (1/ 186- 187) .(5/1610)
الآيات الواردة في «حسن العشرة»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) «1»
الآيات الواردة في «حسن العشرة» معنى
2- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2»
3- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (9) «3»
__________
(1) النساء: 19- 20 مدنية.
(2) الروم: 21 مكية.
(3) الطلاق: 2 مدنية.(5/1611)
الأحاديث الواردة في (حسن العشرة) معنى*
* 1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة «1» أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنّه ولي حرّة «2» وعلاجه» ) * «3» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء؛ فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء) * «4» .
3-* (عن أبي صالح قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشّعبيّ، فقال: يا أبا عمرو إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل، إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها، فهو كالرّاكب بدنته، فقال الشّعبيّ:
حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه، وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثمّ أدّبها فأحسن أدبها ثمّ أعتقها وتزوّجها فله أجران» ) * «5» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ اليهود كانوا، إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهنّ في البيوت «6» . فسأل أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأنزل الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ «7»
(البقرة/ 222) إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«اصنعوا كلّ شيء إلّا النّكاح» . فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئا إلّا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر فقالا:
يا رسول الله! إنّ اليهود تقول: كذا وكذا. فلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما «8» . فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فأرسل في آثارهما. فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما) * «9» .
__________
* لا يوجد أحاديث بلفظ حسن العشرة.
(1) أكلة: الأكلة بضم الهمزة: اللقمة وبفتحها: المرة الواحدة من الأكل.
(2) ولي حر الطعام: أي تولى حر النار في طبخه وعلاجه.
(3) البخاري- الفتح 9 (5460) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3331) واللفظ له، 9 (5186) . ومسلم (1468) .
(5) مسلم (154) .
(6) ولم يجامعوهن في البيوت: أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد.
(7) المحيض: المحيض الأول المراد به الدم. والثاني قد اختلف فيه: قيل: إنه الحيض ونفس الدم. وقال بعض العلماء: هو الفرج. وقال الآخرون: هو زمن الحيض.
(8) قد وجد عليهما: أي غضب عليهما. ولم يجد عليهما أي لم يغضب.
(9) مسلم (302) .(5/1612)
5-* (عن حصين بن محصن، قال حدّثتني عمّتي قالت: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض الحاجة، فقال: «أي هذه أذات بعل أنت؟» . قلت: نعم، قال:
«كيف أنت له؟» . قالت: ما آلوه إلّا ما عجزت عنه، قال: «أين أنت منه فإنّما هو جنّتك ونارك» ) * «1» .
6-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فقال: «كلّ يوم سبعين مرّة» .
وفي رواية أبي داود قال: كم نعفو عن الخادم؟
فصمت، ثمّ أعاد عليه الكلام، فصمت، فلمّا كان في الثّالثة قال: «اعفوا عنه في كلّ يوم سبعين مرّة) » * «2» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
خدمت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين فما قال لي أفّ قطّ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا، ولا مسست خزّا قطّ ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كفّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكا قطّ، ولا عطرا كان أطيب من عرق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
8-* (عن عبد الله الجدليّ يقول: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: لم يكن فاحشا، ولا متفحّشا ولا صخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسّيئة السّيئة ولكن يعفو ويصفح) * «4» .
9- عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة، وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك، فقال:
إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «5» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ النّساء خير؟ قال:
«الّتي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» ) * «6» .
11-* (عن خيثمة بن عبد الرّحمن بن أبي
__________
(1) أحمد في مسنده (4/ 341) . وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 300) . والطبراني في معجمه الأوسط. والحاكم في مستدركه (2/ 189) واللفظ له، وقال: صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والبيهقي في السنن (7/ 291) . وفي الآداب (ص 63) وفي شعب الإيمان (3/ 87/ أ) .
(2) الترمذي (1949) واللفظ له، وقال: حسن غريب، وأبو داود برقم (5164) في الأدب، باب حق المملوك، وإسناده حسن، ورواه وأبو يعلى بإسناد جيد، قال ملّا علي القاري: قال ميرك: وفي بعض النسخ، يعني نسخ الترمذي: حسن صحيح.
(3) البخاري- الفتح 12 (6038) . ومسلم (2330) . واللفظ للترمذي (2015) .
(4) الترمذي (2016) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه عبد بن عبد، ويقال عبد الرحمن ابن عبد. وقال الألباني في تعليقه علي «مشكاة المصابيح» (3/ 1619) : سنده صحيح.
(5) البخاري- الفتح 1 (30) .
(6) أحمد في مسنده (2/ 251، 438) واللفظ له، والحاكم في مستدركه (2/ 161) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والنسائي (6/ 68) وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 548) : إسناده حسن.(5/1613)
سبرة قال: كنّا جلوسا مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان «1» له، فدخل، فقال: أعطيت الرّقيق قوتهم؟
قال: لا، قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كفى بالمرء إثما أن يحبس عمّن يملك قوته) * «2» .
12-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا في مسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا على ناضح «3» إنّما هو في أخريات النّاس قال فضربه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو قال نخسه بشيء كان معه، قال:
فجعل بعد ذلك يتقدّم النّاس ينازعني حتّى إنّي لا أكفّه، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتبيعنيه بكذا وكذا؟ والله يغفر لك» . قال: قلت: هو لك يا نبيّ الله، قال: أتبيعنيه بكذا وكذا؟ والله يغفر لك» . قال: قلت:
هو لك يا نبيّ الله. قال: وقال لي: «أتزوّجت بعد أبيك؟» . قلت: نعم، قال: «ثيّبا أم بكرا؟» . قلت:
ثيّبا، قال: «فهلّا بكرا تضاحكك وتضاحكها، وتلاعبك وتلاعبها» ) * «4» .
13-* (عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تضربوا إماء الله» . فجاء عمر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
ذئرن «5» النّساء على أزواجهنّ. فرخّص في ضربهنّ.
فأطاف بآل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساء كثير يشكون أزواجهنّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد طاف بآل محمّد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم» ) * «6» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربّك، وضّئ ربّك، وليقل: سيّدي، مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي» ) * «7» .
15-* (عن سويد بن مقرّن- رضي الله عنه- قال معاوية ابنه: لطمت مولى لنا، فهربت، ثمّ جئت قبيل الظّهر، فصلّيت خلف أبي، فدعاه ودعاني، ثمّ قال: امتثل «8» منه، فعفا، ثمّ قال: كنّا بني مقرّن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس لنا إلّا خادم واحدة «9» ، فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعتقوها» . قالوا: ليس لهم خادم غيرها.
قال: فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلّوا سبيلها) * «10» .
16-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: لمّا قدموا المدينة آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين عبد الرّحمن وسعد بن الرّبيع. قال لعبد الرّحمن إنّي أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي نصفين. ولي امرأتان،
__________
(1) القهرمان: هو الخازن والوكيل.
(2) مسلم (996) .
(3) ناضح: هو البعير الذي يستقى عليه.
(4) مسلم (1466) .
(5) ذئرن النساء على أزواجهن: أي تجرأن عليهم.
(6) أبو داود (2146) ، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 403) : صحيح.
(7) البخاري- الفتح 5 (2552) واللفظ له. ومسلم (2249) .
(8) امتثل منه: أي افعل به مثل ما فعل بك.
(9) إلا خادم واحدة: بلا هاء يطلق على الجارية كما يطلق على الرجل ولا يقال خادمة إلا في لغة شاذة قليلة.
(10) مسلم (1657) .(5/1614)
فانظر أعجبهما إليك فسمّها لي أطلّقها، فإذا انقضت عدّتها فتزوّجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني فينقاع، فما انقلب إلّا ومعه فضل من أقط وسمن. ثمّ تابع الغدوّ. ثمّ جاء يوما وبه أثر صفرة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: مهيم «1» ؟
قال: تزوّجت. قال: كم سقت إليها؟. قال: نواة من ذهب- أو وزن نواة من ذهب- شكّ إبراهيم) * «2» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده» . يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قطّ) * «3» .
18-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
«نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يطرق الرّجل أهله ليلا، يتخوّنهم، أو يلتمس عثراتهم) » * «4» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله إنّك تداعبنا، قال: «إنّي لا أقول إلّا حقّا» ) * «5» .
20-* (عن معاوية القشيريّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح «6» ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «7» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟
قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟
قال: «أبوك» ) * «8» .
22-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «خرجت مع جرير بن عبد الله البجليّ في سفر.
فكان يخدمني فقلت له: لا تفعل. فقال: إنّي قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلّا خدمته» ) * «9» .
23-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «للعبد المملوك الصّالح أجران» . فو الّذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله، والحجّ، وبرّ أمّي: لأحببت أن أموت وأنا مملوك، ولم يكن يحجّ أبو هريرة حتّى ماتت أمّه، لصحبتها) * «10» .
__________
(1) مهيم: كلمة يمانية معناها: ما أمرك أو ما الذي أرى بك؟
(2) البخاري- الفتح 7 (3780) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3434) واللفظ له. ومسلم (2527) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1801) و9 (2543) . ومسلم (1928) واللفظ له.
(5) الترمذي (1990) وقال: إسناده حسن. وكذا محقق جامع الأصول (11/ 54) .
(6) ولا تقبح: أي تقول: قبحك الله. قاله أبو داود.
(7) أبو داود (2142) واللفظ له وقال الألباني (3/ 402) : حسن صحيح. وقال المنذري (3/ 51) : رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 505) : إسناده حسن.
(8) البخاري- الفتح 10 (5971) واللفظ له. ومسلم (2548) .
(9) مسلم (2513) .
(10) البخاري- الفتح 5 (2548) . ومسلم (1665) واللفظ له.(5/1615)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن العشرة)
24-* (عن أُسَيْد بن حضير- رضي الله عنه- رجل من الأنصار قال: بينما هو يحدّث القوم وكان فيه مزاح، بينا يضحكهم، فطعنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خاصرته بعود كان في
يده، فقال: أصبرني «1» ، فقال:
«اصطبر» ، قال: إنّ عليك قميصا، وليس عليّ قميص، فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قميصه، فاحتضنه، وجعل يقبّل كشحه «2» ، قال: إنّما أردت هذا يا رسول الله) * «3» .
25-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ امرأة أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله احملنا على بعير، فقال: «أحملكم على ولد النّاقة» ، قالت: وما نصنع بولد النّاقة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هل تلد الإبل إلّا النّوق؟» .
زاد رزين قال: وكان يقول لي: «يا ذا الأذنين» يمازحني) * «4» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغ صفيّة أنّ حفصة قالت: بنت يهوديّ، فبكت، فدخل عليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة: إنّي بنت يهوديّ.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّك لابنة نبيّ وإنّ عمّك لنبيّ، وإنّك لتحت نبيّ، ففيم تفخر عليك؟» . ثمّ قال:
«اتّقي الله يا حفصة) » * «5» .
27-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة. فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا.. وجاء في وصف بعضهنّ:.. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «6» وإن خرج أسد. ولا يسأل عمّا عهد.
قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب والرّيح ريح زرنب «7» .
قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «8» طويل
__________
(1) أصبرني- من نفسك: أي أقدرني، ومكني من نفسك أقتص منك، يقال: أصبره فاصطبر، أي: أقصه فاقتص.
(2) كشحه: الكشح: ما فوق مشد الإزار من جانب البطن.
(3) أبو داود (5224) وقال الألباني (3/ 981) : صحيح الإسناد.
(4) الترمذي (1991، 1992) وقال: حسن صحيح غريب. وأبو داود (4998) وفيهما «رجلا» بدل «امرأة» وقال محقق جامع الأصول (11/ 54، 55) : صحيح. واللفظ فيه.
(5) الترمذي (3894) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان (16/ 194) ، رقم (7211) .
(6) زوجي إن دخل فهد: هذا مدح. فقولها فهد، تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي. وشبهته بالفهد لكثرة نومه. يقال أنوم من فهد. وهو معنى قولها ولا يسأل عما عهد. أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه. وإذا خرج أسد وهو وصف له بالشجاعة. ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد. يقال: أسد واستأسد.
(7) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثيابه في الناس.
(8) زوجي رفيع العماد: قيل إن بيته الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدوه. وهكذا بيوت الأجواد.(5/1616)
النّجاد «1» عظيم الرّماد «2» . قريب البيت من النّاد «3» .
قالت العاشرة: زوجي مالك. وما مالك «4» ؟
مالك خير من ذلك. له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر «5» أيقنّ أنّهنّ هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع. فما أبو زرع؟ أناس من حليّ أذنيّ «6» ، وملأ من شحم عضديّ «7» . وبجّحني فبجحت إليّ نفسي «8» وجدني في أهل غنيمة بشقّ «9» . فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «10» . فعنده أقول فلا أقبّح «11» . وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «12» . أمّ أبي زرع. فما أمّ أبي
__________
(1) طويل النجاد: تصفه بطول القامة. والنجاد حمائل السيف. فالطويل يحتاج إلى طول حمائل سيفه. والعرب تمدح بذلك.
(2) عظيم الرماد: تصفه بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز، فيكثر وقوده فيكثر رماده. وقيل لأن ناره لا تطفأ بالليل لتهتدي بها الضّيفان. والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التّلال ومشارف الأرض، ويرفعون الأقباس على الأيدي لتهتدي بها الضيفان.
(3) قريب البيت من الناد: قال أهل اللغة: النادي والناد والنديّ والمنتدى مجلس القوم. وصفته بالكرم والسؤدد. لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب للنادي. واللئام يتباعدون من النادي.
(4) زوجي مالك وما مالك: معناه أن له إبلا كثيرا. فهي باركة بفنائه. لا يوجهها تسرح إلا قليلا. فإذا نزل به الضيفان كانت الإبل حاضرة فيقريهم من ألبانها ولحومها.
(5) المزهر: هو العود الذي يضرب. أرادت أن زوجها عود إبله، إذا نزل به الضيفان، نحر لهم منها وأتاهم بالعيدان والمعازف والشراب. فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمن أنه قد جاءه الضيفان، وأنهن منحورات هوالك.
(6) أناس من حلي أذنيّ: الحلي بضم الحاء وكسرها، لغتان مشهورتان. والنوس الحركة من كل شيء متدل. فهي تنوس أي تتحرك من كثرتها.
(7) وملأ من شحم عضديّ: قال العلماء: معناه أسمنني وملأ بدني شحما. ولم ترد اختصاص العضدين. ولكن إذا سمنتا سمن غيرهما.
(8) ويجحني فبجحت إلي نفسي: بجحت بكسر الجيم وفتحها لغتان مشهورتان أفصحهما الكسر. قال الجوهري: الفتح ضعيفة. ومعناه فرحني ففرحت. وقال ابن الأنباري: وعظمني فعظمت عند نفسي. يقال فلان يتبجح بكذا أي يتعظم ويفتخر.
(9) وجدني في أهل غنيمة بشق: غنيمة تصغير غنم. أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم، لا أصحاب خيل وإبل. لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها. والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل. بشق بكسر الشين وفتحها. والمشهور لأهل الحديث كسرها. والمعروف عند أهل اللغة فتحها. قال أبو عبيد: هو بالفتح. قال: والمحدثون يكسرونه. قال وهو موضع. وقال الهرويّ: الصواب الفتح. وقال ابن الأنباريّ هو بالكسر والفتح. وهو موضع. وقال ابن أبي أويس وابن حبيب: يعني بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم. وشق الجبل ناحيته. وقال القتبيّ: ويعطونه بشق، بالكسر، أي بشظف من العيش وجهد. قال القاضي عياض: هذا عندي أرجح. واختاره أيضا غيره. فحصل فيه ثلاثة أقوال.
(10) ودائس ومنق: الدائس هو الذي يدوس الزرع في بيدره. قال الهرويّ وغيره: يقال داس الطعام درسه. ومنق من نقّى الطعام ينقيه أي يخرجه من تبنه وقشوره. والمقصود أنه صاحب زرع يدوسه
وينقيه.
(11) فعنده أقول فلا أقبح: معناه لا يقبح قولي فيردّ، بل يقبل قولي. ومعنى أتصبح أنام الصّبحة وهي بعد الصباح. أي أنها مكفية بمن يخدمها فتنام.
(12) فأتقنح: قال القاضي: هكذا هو في جميع النسخ: فأتقنح. قال ولم نروه في صحيح البخاريّ ومسلم إلا بالنون. قال البخاريّ: قال بعضهم: فأتقمح بالميم. قال وهو أصح. قال أبو عبيد هو بالميم. قال: وبعض الناس يرويه بالنون ولا أدري ما هذا؟. وقال آخرون: الميم والنون صحيحتان. فالميم معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الريّ. ومنه قمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الريّ. قال أبو عبيد: ولا أراها قالت هذا إلا لعزة الماء عندهم. ومن قاله بالنون فمعناه أقطع الشرب وأتمهل فيه. وقيل هو الشرب بعد الريّ. قال أهل اللغة: قنحت الإبل إذا تكارهت. وتقنحته أيضا.(5/1617)
زرع؟ عكومها رداح «1» وبيتها فساح «2» . ابن أبي زرع. فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة «3» .
ويشبعه ذراع الجفرة «4» . بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمّها. وملء كسائها «5» وغيظ جارتها «6» . جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟
لا تبثّ حديثنا تبثيثا «7» . ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «8» .
ولا تملأ بيتنا تعشيشا «9» . قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «10» . فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين. يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «11» .
فطلّقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سريّا ركب شريّا «12» . وأخذ خطّيّا «13» . وأراح عليّ نعما ثريّا «14» .
وأعطاني من كلّ رائحة زوجا «15» . وقال: كلي أمّ زرع
__________
(1) عكومها رداح: قال أبو عبيد وغيره: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة. واحدها عكم. ورداح أي عظام كبيرة. ومنه قيل للمرأة رداح إذا كانت عظيمة الأكفال. فإن قيل: رداح مفردة فكيف وصف بها العكوم، والجمع لا يجوز وصفه بالمفرد؟ قال القاضي: جوابه أنه أراد كل عكم منها رداح. أو يكون رداح هنا مصدرا كالذهاب. أو يكون على طريق النسبة، كقوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ، أي ذات انفطار.
(2) وبيتها فساح: أي واسع. والفسيح مثله. هكذا فسره الجمهور. قال القاضي: ويحتمل أنها أرادت كثرة الخيل والنعمة.
(3) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل. والشطبة ما شطب من جريد النخل، أي شق. وهي السعفة.
(4) ويشبعه ذراع الجفرة: الذراع مؤنثة وقد تذكر. والجفرة الأنثى من أولاد المعز. وقيل من الضأن. وهي ما بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها. والذكر جفر. لأنه جفر جنباه، أي عظما. والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به.
(5) وملء كسائها: أي ممتلئة الجسم سمينته.
(6) وغيظ جارتها: قالوا: المراد بجارتها ضرتها. يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وصفتها وأدبها.
(7) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(8) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(9) أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرّقة كعش الطائر. بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه.
(10) والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب وهو جمع قليل النظير. وهي أسقية اللبن التي يمخض فيها. قال أبو عبيد: هو جمع وطبة. ومخضت اللبن مخضا إذا استخرجت زبده بوضع الماء فيه وتحريكه. أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع. قال الحافظ في الفتح: قلت وكأن سبب ذكر ذلك توطئة للباعث على رؤية أبي زرع للمرأة على الحالة التي رآها عليها. أي إنها من مخض اللبن تعبت فاستلقت تستريح فرآها أبو زرع على ذلك. ا. هـ-.
(11) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: قال أبو عبيد: معناه إنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان.
(12) رجلا سريّا ركب شريّا: سريا معناه سيدا شريفا وقيل سخيا. وشريا هو الفرس الذي يستشري في سيره، أي يلحّ ويمضي بلا فتور ولا انكسار.
(13) وأخذ خطيا: بفتح الخاء وكسرها. والفتح أشهر ولم يذكر الأكثرون غيره. والخطيّ الرمح. منسوب إلي الخط. قرية من سيف البحر، أي ساحله، عند عمان والبحرين. قال أبو الفتح: قيل لها الخط لأنها على ساحل البحر. والساحل يقال له الخط لأنه فاصل بين الماء والتراب. وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقف فيه. قال القاضي: ولا يصح قول من قال: إن الخط منبت الرماح.
(14) وأراح عليّ نعما ثريّا: أي أتى بها إلى مراحها، وهو موضع مبيتها. والنعم الإبل والبقر والغنم. ويحتمل أن المراد هاهنا بعضها وهي الإبل. والثريّ الكثير المال وغيره. ومنه الثروة في المال وهي كثرته.
(15) وأعطاني من كل رائحة زوجا: قولها من كل رائحة أي مما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد، زوجا أي اثنين. ويحتمل أنها أرادت صنفا. والزوج يقع على الصنف. ومنه قوله تعالى: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً.(5/1618)
وميري أهلك «1» . قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع «2» » ) * «3» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: يا حميراء، أتحبّين أن تنظري إليهم؟» فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خدّه، قالت، ومن قولهم يومئذ:
أبا القاسم طيّبا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسبك.
فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمّ قال:
حسبك. فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: ومالي حبّ النّظر إليهم، ولكنّي أحببت أن يبلغ النّساء مقامه لي، ومكاني منه) * «4» .
29-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلمّا حملت اللّحم سابقته فسبقني، فقال «هذه بتلك السّبقة» ) * «5» .
30-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أشرب وأنا حائض. ثمّ أناوله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيضع فاه على موضع فيّ، فيشرب، وأتعرّق العرق «6» وأنا حائض. ثمّ أناوله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيضع فاه على موضع فيّ) * «7» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت ألعب بالبنات عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل يتقمّعن «8» منه، فيسرّبهنّ «9» إليّ فيلعبن معي» ) * «10» .
32-* (عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: لمّا وضعت زينب، جاءني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخطبني، فقلت: ما مثلي تنكح أمّا أنا فلا ولد فيّ، وأنا غيور ذات عيال! قال: أنا أكبر منك، وأمّا الغيرة فيذهبها الله، وأمّا العيال فإلى الله ورسوله. فتزوّجها، فجعل يأتيها ويقول: أين زناب؟. حتّى جاء عمّار يوما، فاختلجها «11» ، فقال: هذه تمنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت ترضعها، فجاء إليّ فقال: أين زناب؟. قالت:
__________
(1) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم.
(2) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطيب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها. ومعناه أنا لك كأبي زرع. وكان زائدة. أو للدوام. كقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (النساء/ 96) . أي كان فيما مضى وهو باق كذلك.
(3) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448) .
(4) البخاري- الفتح 2 (950) . وهذا لفظ النسائي في كتاب عشرة النساء (ص 99) وقال ابن حجر في الفتح (2/ 515) : إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا. ويقصد بالحميراء الشديدة البياض.
(5) أبو داود (2578) وهذا لفظه. وابن ماجة (1979) .
(6) أتعرق العرق: وهو العظم الذي عليه بقية من لحم. هذا هو الأشهر في معناه. وقال أبو عبيد: هو القدر من اللحم. قال الخليل: هو العظم بلا لحم وجمعه عراق، بضم العين: ويقال: عرقت العظم وتعرقته واعترقته، إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.
(7) مسلم (300) .
(8) يتقمعن أو ينقمعن: أي يدخلن وراء الستار.
(9) يسرّبهنّ: أي يرسلهن.
(10) البخاري- الفتح 10 (6130) .
(11) قال ابن الأثير في النهاية (2/ 59) : الخلج: الجذب، والنزع.(5/1619)
قريبة «1» : ووافقها عند ما أخذها عمّار فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
أنا آجيكم اللّيلة فبات النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ أصبح، فقال حين أصبح: إن بك على أهلك كرامة، فإن شئت سبّعت لك، وإن أسبّع، أسبّع لنسائي) * «2» .
33-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلّا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: وكانت إذا دخلت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسها، فلمّا مرض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلت فاطمة فأكبّت عليه فقبّلته، ثمّ رفعت رأسها فبكت، ثمّ أكبّت عليه، ثمّ رفعت رأسها فضحكت فقلت: إن كنت لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النّساء، فلمّا توفّي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرفعت رأسك فبكيت، ثمّ أكببت عليه، فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: إنّي لبذرة «3» أخبرني أنّه ميّت من وجعه هذا فبكيت ثمّ أخبرني أنّي أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت) * «4» .
34-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما غرت على أحد من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها وما ذاك إلّا لكثرة ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها، وإن كان ليذبح الشّاة فيتتبّع بها صدائق خديجة فيهديها لهنّ) * «5» .
35-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه منه شيء قطّ، فينتقم من صاحبه إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (حسن العشرة)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«لجليسي عليّ ثلاث: أن أرمقه بطرفي إذا أقبل، وأوسّع له إذا جلس، وأصغي له إذا حدّث» ) * «7» .
2-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما-:
«إذا أقسم أحدكم على أخيه فليبّره، فإن لم يفعل فليكفّر الّذي أقسم عن يمينه» ) * «8» .
3-* (قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-:
«إنّ المسلمين إذا التقيا فضحك كلّ واحد منهما في
__________
(1) قريبة: بضم القاف، وفتح الراء، وسكون الياء تحتها نقطتان والباء الموحدة. وفي نسخة: بفتح القاف، وكسر الراء، بنت أبي أمية أخت أم سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنهما.
(2) مسلم (1460) والنسائي في كتاب عشرة النساء (40) وهذا لفظه.
(3) إني لبذرة: البذرة مؤنث بذر ككتف، وهو الذي يفضي بالسر وينشر ما يسمعه ولا يستطيع كتمه.
(4) البخاري- الفتح (3715) و (3716) ومسلم (2450) ، والترمذي (3872) واللفظ له، وأبو داود (5217) . والحاكم في المستدرك (4/ 272- 273) وصححه ووافقه الذهبي. وانظر «جامع الأصول» (9/ 129- 132) .
(5) الترمذي (2017) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(6) مسلم (2328) .
(7) المستطرف (1/ 185) .
(8) المنتقى من مكارم الأخلاق (106) .(5/1620)
وجه صاحبه ثمّ أخذ بيده تحاتّت ذنوبهما كتحاتّ ورق الشّجر» ) * «1» .
4-* (دخل القعقاع بن شور يوما على معاوية فأمر له بألف دينار وكان هناك رجل قد فسّح له في المجلس فدفعها للّذي فسّح له فأنشد الرّجل:
«وكنت جليس قعقاع بن شور ... وما يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السّنّ إن نطقوا بخير ... وعند الشّر مطراق عبوس» ) * «2» .
5-* (عن قتادة، قال: «سألت أبا الطّفيل عن شيء فقال: إنّ لكلّ مقام مقالا» ) * «3» .
6-* (وصف المأمون ثمامة بحسن المعاشرة فقال: «إنّه يتصرّف مع القلوب تصرّف السّحاب مع الجنوب» ) * «4» .
7-* (وقال أبو تمّام:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم ردّ جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من ... أخلاقه وسكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه ... وبقلبه ولعلّه أدرى به) * «5» .
8-* (قال بعضهم: يتعيّن على الجليس الإنصاف في المجالسة بأن يلحظ بعين الأدب مكانه من مكان جليسه، فيكون كلّ منهما في محلّه) * «6» .
9-* (قال الحريريّ- رحمه الله تعالى-:
سامح أخاك إذا خلط ... منه الإصابة بالغلط
وتجاف عن تعنيفه ... إن زاغ يوما أو قسط
واحفظ صنيعك عنده ... شكر الصّنيعة أو غمط
وأطعه إن عاصى وهن ... إن عزّ وادن إذا شمط
واقض الوفاء ولو أخ ... لّ بما اشترطت وما اشترط
واعلم بأنّك إن طلب ... ت مهذّبا رمت الشّطط
من ذا الّذي ما ساء قطّ ... ومن له الحسنى فقط) * «7» .
10-* (وقال بشّار بن برد:
إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الّذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟) * «8» .
11-* (وقال بعضهم:
وما بقيت من اللّذّات إلّا ... معاشرة الرّجال ذوي العقول
وقد كنّا نعدّهم قليلا ... فقد صاروا أقلّ من القليل) * «9» .
__________
(1) المستطرف (1/ 186) .
(2) المرجع السابق (1/ 185) .
(3) المنتقى من مكارم الأخلاق (106- 107) .
(4) المستطرف (1/ 185) .
(5) المرجع السابق (1/ 183) .
(6) المرجع السابق (1/ 185) .
(7) جواهر الأدب لأحمد الهاشمي (698) .
(8) المستطرف (1/ 184) .
(9) المرجع السابق (1/ 183) .(5/1621)
12-* (قيل: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلّا أنفسهم: الجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه، والدّاخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه فيه، والمعرض لما لا يعنيه، والمتأمّر على ربّ البيت في بيته، والآتي إلى مائدة بلا دعوة، وطالب الخير من أعدائه، والمستخفّ بقدر السّلطان) * «1» .
من فوائد (حسن العشرة)
(1) عمل يرضي الله- عزّ وجلّ- ويبارك فيه.
(2) يشيع الألفة والمحبّة بين أفراد الأسرة.
(3) يقوّي روابط المجتمع وينمّي الصّلات الاجتماعيّة الحميدة.
(4) يخلص المستخدمون والعمّال وأرباب الحرف لرؤسائهم وأولياء أمورهم إن أحسنوا عشرتهم.
(5) يحرص هؤلاء على مصلحة من هم لهم تابعون.
(6) يعطي القدوة والمثل لمن هم دونه في حسن العشرة.
(7) يزيل الأحقاد والعداوة والحسد من القلوب.
__________
(1) المستطرف (1/ 186) .(5/1622)
حسن المعاملة
حسن المعاملة لغة:
الحسن لغة: (انظر صفة حسن الخلق) ، أمّا المعاملة فهي: مصدر عامل، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ع م ل) الّتي تدلّ على كلّ فعل يفعل، قال الخليل: عمل يعمل عملا فهو عامل، ويقال: اعتمل الرّجل إذا عمل بنفسه، قال في الصّحاح: والتّعميل تولية العمل يقال: عمّلت فلانا على البصرة: ولّيته إيّاها.
وقال ابن منظور: عاملت الرّجل أعامله معاملة، والمعاملة في كلام أهل العراق: هي المساقاة في كلام الحجازيّين «1» .
وقال الفيّوميّ: وعاملته في كلام أهل الأمصار يراد به التّصرّف من البيع ونحوه.
قال النّوويّ- رحمه الله-: والمساقاة على إطلاقها أن يدفع الرّجل إلى آخر شجره ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره.
وقيّده الشّافعيّ- رحمه الله- بقوله: «على ما يكفل الآيات الأحاديث الآثار
11 58 7
الرّفق بالعامل وصاحب العمل» «2» .
المعاملة اصطلاحا:
قال التّهانويّ: المعاملة عند الفقهاء عبارة عن العقد على العمل ببعض الخرج (النّتاج) وتطلق المعاملات أيضا على الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بأمر الدّنيا باعتبار بقاء الشّخص كالبيع والشّراء والإجارة ونحوها. وجعلها أصحاب الشّافعيّ ركنا من أركان الفقه؛ فقالوا: الأحكام الشّرعيّة إمّا أن تتعلّق بأمر الآخرة وهي العبادات أو بأمر الدّنيا وهي إمّا أن تتعلّق ببقاء الشّخص وهي العبادات أو بأمر الدّنيا وهي إمّا أن تتعلّق ببقاء الشّخص وهي المعاملات أو ببقاء النّوع باعتبار المنزل وهي المناكحات أو باعتبار المدنيّة وهي العقوبات «3» .
وممّا تقدّم يمكن القول بأنّ حسن المعاملة:
هو الموقف الحسن الثّابت الصّادق الّذي يتّخذه المؤمن أثناء تعامله مع الآخرين في سائر المعاملات على ما يكفل الرّفق بالمتعاملين.
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 144) ، ولسان العرب: (11/ 476) ، والصحاح (5/ 1775) ، والمصباح المنير للفيومي (430) .
(2) المجموع شرح المهذب: (14/ 400) .
(3) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (3/ 1036) ، وراجع المقدمة (1/ 32) .(5/1623)
أقسام المعاملة:
ويمكن تقسيم المعاملة إلى:
دنيويّة: وهي ما كان في موقع العقود أو نيّتها من بيع وشراء وسلم «1» ومساقاة ومزارعة وقروض ورهن وغير ذلك.
وأخرويّة: وهي ما يبذله المسلم من جهد أو مال أو زمن من غير عوض دنيويّ ابتغاء الأجر والثّواب من الله. وهو مفتقر إلى النّيّة.
وقد ينطبق هذا على المعاملات الدّنيويّة إذا قصد بها منفعة المسلمين بما يرضي الله عزّ وجلّ وتيسير مصالحهم.
حسن المعاملة اصطلاحا:
أن يفي الإنسان بما أبرمه من عقود مع الآخرين مع الرّفق بهم والإحسان إليهم هذا في النّاحية الدّنيويّة، أمّا فيما يتعلّق بأمور الآخرة فتعني أن يصدق الإنسان في تعامله مع خالقه وأن يخلص نيّته في عبادته مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» «2» .
شمول حسن المعاملة:
إنّ الأمر بحسن المعاملة يتضمّن أمورا عديدة منها: الوفاء بالعهود والعقود مع الله عزّ وجلّ ومع النّاس، وفيما يتعلّق بأمور النّاس؛ فإنّ حسن المعاملة يقتضي البعد عن الغشّ والتّدليس وعدم إخسار الكيل والميزان، كما يشمل الرّفق بمن يتعامل معهم من المسلمين، ولا شكّ أنّ امتزاج أحكام الشّريعة بالأخلاق الحسنة الفاضلة يؤدّي إلى تنفيذ القوانين والأحكام؛ لأنّ الوازع الدّينيّ يساعد على التّحلّي بمكارم الأخلاق، فإذا اجتمع الوازع الدّينيّ مع الوازع الأخلاقيّ بما فيهما معا من خشية الله ويقظة الضّمير، أدّى ذلك إلى احترام القوانين، ومن ثمّ تأمين ما ترمي إليه من عدل وإحسان، وهكذا فإنّ إضافة الوازعين الدّينيّ والأخلاقيّ إلي الوازع القانونيّ في مجال تنفيذ القوانين المتّفقة مع الشّرع يؤدّي بالضّرورة إلى تدعيم سلطة الدّولة الإسلاميّة في مجال تطبيق القانون على الكافّة؛ لأنّ سلطة الدّولة وحدها قاصرة عن تأمين هذا التّنفيذ المثاليّ إن لم يشدّ أزرها في ذلك مؤيّدات الدّين والأخلاق وزواجرهما الّتي تنبع من الشّرع ومن ضمير الإنسان وهذا وحده هو الضّمان الحقيقيّ للحياة الاجتماعيّة الفاضلة «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: البشاشة- حسن الخلق- حسن العشرة- الشفقة- الشهامة- طلاقة الوجه.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: سوء المعاملة- الإساءة- الأذى- الاستهزاء- التحقير- السخرية العبوس- الكبر والعجب] .
__________
(1) السّلم: في الشرع: عقد يوجب الملك في الثمن عاجلا وفي المثمن آجلا.
(2) استخلصنا هذا التعريف من جملة أقوال المفسرين والفقهاء.
(3) بإيجاز وتصرف يسير عن الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية (325) .(5/1624)
الآيات الواردة في «حسن المعاملة» معنى
1- وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) «2»
3- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
«3»
4- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «4»
5- وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) «5»
6- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) «6»
7- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «7»
8-* أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) «8»
9- وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
__________
(1) البقرة: 280 مدنية.
(2) المائدة: 1 مدنية.
(3) الأنعام: 152 مكية.
(4) التوبة: 7 مدنية.
(5) هود: 85 مكية.
(6) يوسف: 88 مكية.
(7) الإسراء: 34- 35 مكية.
(8) الشعراء: 181- 183 مكية.(5/1625)
فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
* فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) «1»
10- وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9) «2»
11- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) «3» .
__________
(1) القصص: 22- 29 مكية.
(2) الرحمن: 9 مكية.
(3) المطففين: 1- 3 مكية.(5/1626)
الأحاديث الواردة في (حسن المعاملة) معنى
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتّقوا الظّلم فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم «1» واستحلّوا محارمهم «2» » ) * «3» .
2-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟ قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) قال: يا ربّ آتيتني مالك، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلقي الجواز «4» فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر. فقال تعالى: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» . فقال عقبة بن عامر وأبو مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنهما-: هكذا سمعناه من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنّه ولي حرّة وعلاجه «6» » ) * «7» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج ما في الضّلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنّساء» ) * «8» .
5-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ أباه أتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي نحلت «9» ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟» ، فقال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأرجعه» وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أفعلت هذا بولدك كلّهم؟» ، قال: لا. قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» . فرجع أبي فردّ تلك الصّدقة) * «10» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد «11» أو شابّا، ففقدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات.
قال: «أفلا كنتم آذنتموني؟ «12» » . فكأنّهم صغّروا أمرها، أو أمره، فقال: «دلّوني على قبره» ، فدلّوه
__________
(1) سفكوا دماءهم: أي قتل بعضهم بعضا.
(2) استحلوا محارمهم: أي اتخذوا من نسائهم حلالا ففعلوا بهن الفاحشة.
(3) مسلم (2578) .
(4) الجواز: المجاوزة.
(5) مسلم (1560) .
(6) ولي علاجه: أي عمله.
(7) البخاري- الفتح 9 (5460) . ومسلم (1663) .
(8) البخاري- الفتح 6 (3331) . ومسلم (1468) .
(9) نحلت: أي أعطيت.
(10) البخاري- الفتح 5 (2586) و (2587) . ومسلم (1623) .
(11) تقمّ المسجد: أي تكنسه.
(12) آذنتموني: أي أعلمتموني.(5/1627)
فصلّى عليه، ثمّ قال: «إنّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنّ الله تعالى ينوّرها لهم بصلاتي عليهم» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ «2» ولا يزال معك من الله تعالى ظهير «3» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «4» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد إذا نصح لسيّده وأحسن عبادة الله، فله أجره مرّتين» ) * «5» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» ) * «6» .
10-* (عن أبي يعلى شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» ) * «7» .
11-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إل؟ هـ إلّا الله، وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب» ) * «8» .
12-* (عن عمرو بن الأحوص الجشميّ رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى، وأثنى عليه وذكّر ووعظ، ثمّ قال: «ألا واستوصوا بالنّساء خيرا فإنّما هنّ عوان «9» عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح «10» ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا، ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1337) دون قوله: «إن هذه القبور» . ومسلم (956) .
(2) تسفهم المل: المل: الرماد الحار. قال النووي: كأنما تطعمهم الرماد الحار. وهو تشبيه ما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار.
(3) الظهير: المعين.
(4) مسلم (2558) .
(5) البخاري- الفتح 5 (2546) . ومسلم (1664) واللفظ له.
(6) مسلم (2593) .
(7) مسلم (1955) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1496) وعنده من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- ومسلم (19) واللفظ له.
(9) عوان: أي أسيرات جمع عانية.
(10) الضرب المبرح: الشاق الشديد.(5/1628)
تكرهون، ألا وحقّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ» ) * «1» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا «2» ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله «3» ولا يحقره. التّقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرّات) بحسب امرىء من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه، إنّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «4» .
14-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه كان عليه حلّة وعلى غلامه مثلها، فسأله المعرور بن سويد عن ذلك، فذكر أنّه سابّ رجلا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعيّره بأمّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة «5» ، إخوانكم خولكم «6» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم عليه» ) * «7» .
15-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- أو قال: حتّى يتفرّقا- فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» ) * «8» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة، أو أعتقها بها من النّار» ) * «9» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله من أحقّ النّاس بحسن صحابتي «10» ؟. قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟ قال: «أمّك» ، قال: ثمّ من؟ قال:
«أمّك» ، قال: ثمّ من؟، قال: «ثمّ أبوك» ) * «11» .
18-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حوسب رجل ممّن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلّا أنّه كان
__________
(1) الترمذي (1163) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له. وابن ماجة (1851) . وصححه لشواهده محقق «جامع الأصول» (6/ 504) .
(2) لا تجسسوا: لا تتبعوا عيوب الناس.
(3) يخذله: يترك نصرته.
(4) البخاري- الفتح 10 (6064) إلى قوله: «وكونوا عباد الله إخوانا» . ومسلم (2563) و (2564) بروايات متعددة واللفظ له.
(5) فيك جاهلية: أي خلق من أخلاق الجاهلية.
(6) والخول: الخدم والحشم.
(7) البخاري- الفتح 1 (30) . ومسلم (1661) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 4 (2079) واللفظ له. ومسلم (1532) .
(9) مسلم (2630) .
(10) صحابتي: يعني صحبتي.
(11) البخاري- الفتح 10 (5971) واللفظ له. ومسلم (2548) .(5/1629)
يخالط النّاس «1» ، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال الله عزّ وجلّ: نحن أحقّ بذلك منه، تجاوزوا عنه» ) * «2» .
19-* (عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّه قال: «إنّ الخازن المسلم الأمين الّذي ينفذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به، فيعطيه كاملا موفّرا، طيّبة به نفسه، فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» ) * «3» .
20-* (عن أبي صالح؛ قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشّعبيّ فقال: يا أبا عمرو إنّ من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرّجل، إذا أعتق أمته ثمّ تزوّجها: فهو كالرّاكب بدنته. فقال الشّعبيّ: حدّثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وأدرك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فآمن به واتّبعه وصدّقه، فله أجران. وعبد مملوك أدّى حقّ الله تعالى وحقّ سيّده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثمّ أدّبها فأحسن أدبها. ثمّ أعتقها وتزوّجها، فله أجران» . ثمّ قال الشّعبيّ للخراسانيّ: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرّجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة) * «4» .
21-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «رحم الله رجلا سمحا «5» إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى «6» » ) * «7» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم، وإذا أحدهما يستوضع «8» الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أين المتألّي على الله «9» لا يفعل المعروف؟» . فقال: أنا يا رسول الله، فله أيّ ذلك أحبّ) * «10» .
23-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عائد المريض في مخرفة الجنّة حتّى يرجع» ) * «11» .
24-* (عن حكيم بن معاوية القشيريّ عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت- أو اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا
__________
(1) يخالط الناس: يعاملهم بالبيوع والمداينة.
(2) مسلم (1561) .
(3) البخاري- الفتح 4 (2260) . ومسلم (1023) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 1 (97) و6 (3011) . ومسلم (154) وهذا لفظه.
(5) سمحا: سهلا.
(6) اقتضى: أي طلب قضاء حقه.
(7) البخاري- الفتح 4 (2076) .
(8) يستوضع الآخر: أي يسأله أن يضع عنه بعض دينه.
(9) المتألي على الله: أي الحالف المبالغ في اليمين.
(10) البخاري- الفتح 5 (2705) واللفظ له. ومسلم (1557) .
(11) مسلم (2568) . وعند الترمذي (968) وزاد فيه: قيل ما مخرفة الجنة؟ قال: جناها. وقيل: المخرقة الطريق.(5/1630)
تقبّح «1» ، ولا تهجر إلّا في البيت» ) * «2» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل يداين النّاس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعلّ الله يتجاوز عنّا، فلقي الله فتجاوز عنه» ) * «3» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة، كلّ يوم تطلع فيه الشّمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذى «4» عن الطّريق صدقة» ) * «5» .
27-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي بالسّوط، فسمعت صوتا من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصّوت من الغضب، فلمّا دنا منّي، إذا هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيت السّوط من يدي. فقال: «اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام» .
فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا.
وفي رواية: فسقط السّوط من يدي من هيبته.
وفي رواية: قلت: يا رسول الله هو حرّ لوجه الله تعالى، فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النّار «6» ، أو لمسّتك النّار» ) * «7» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لأن يلجّ «8» أحدكم بيمينه في أهله آثم «9» له عند الله تعالى من أن يعطي كفّارته الّتي افترض الله عليه» ) * «10» .
29-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «11» » ) * «12» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «13» مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر. أو قال: غيره» ) * «14» .
__________
(1) لا تقبّح: لا تقل قبّحك الله.
(2) أبو داود (2142) واللفظ له، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 402) : حسن صحيح. وأخرجه أحمد (4/ 446، 447) . وابن ماجة (1850) وقال محققو رياض الصالحين: إسناده صحيح. وقال النووي في رياض الصالحين (125) : حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 4 (2078) . ومسلم (1562) واللفظ له.
(4) تميط الأذى: تزيله عن الطريق، كالحجر والشوك.
(5) البخاري- الفتح 6 (2989) . ومسلم (1009) واللفظ له.
(6) لفحتك النار: أحرقتك.
(7) مسلم (1659) .
(8) قوله يلج: بكسر اللام، ويجوز فتحها بعدها جيم مشددة من اللجاج، وهو أن يتمادى في الأمر ولو تبين له خطؤه، وأصل اللجاج في اللغة هو: الإصرار على الشيء مطلقا.
(9) وقوله آثم: أي أكثر إثما.
(10) البخاري- الفتح 11 (6625) واللفظ له. ومسلم (1655) . قال النووي: معنى الحديث أن من حلف يمينا تتعلق بأهله بحيث يتضررون بعدم حنثه فيه فينبغي أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه.
(11) بوجه طلق: أي متهلل بالبشر والابتسام.
(12) مسلم (2626) .
(13) وقوله يفرك: معناه يبغض.
(14) مسلم (1469) .(5/1631)
31-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «1»
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتؤدّينّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء «2» من الشّاة القرناء» ) * «3» .
33-* (عن أبي عليّ، سويد بن مقرّن- رضي الله عنه- قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرّن مالنا خادم إلّا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نعتقها) * «4» .
34-* (عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي «5» خيرا، أو يقول خيرا» .
وعند مسلم: زيادة، قالت: ولم أسمع يرخّص في شيء ممّا يقول النّاس إلّا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرّجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) * «6» .
35-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا» ) * «7» .
36-* (عن ابن عمر وعائشة- رضي الله عنهم- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «8» .
37-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ) * «9» .
38-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «10» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مطل الغنيّ ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليّ «11» فليتبع» ) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (13) واللفظ له. ومسلم (45) .
(2) الشاة الجلحاء: التي لا قرن لها.
(3) مسلم (2582) .
(4) مسلم (1658) .
(5) ومعنى ينمي خيرا: أي يبلّغ خيرا.
(6) البخاري- الفتح 5 (2692) . ومسلم (2605) .
(7) أبو داود (4943) وعنده بدل «شرف» : «حق» . والترمذي (1920) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. وقال محققو رياض الصالحين (148) : وسنده حسن. وعند أحمد (5/ 323) وزاد فيه: «ويعرف لعالمنا» . وقال النووي: حديث صحيح.
(8) البخاري- الفتح 10 (6014، 6015) . ومسلم (2624، 2625) .
(9) البخاري- الفتح 10 (6011) . ومسلم (2586) واللفظ له.
(10) البخاري- الفتح 5 (2442) . ومسلم (2580) واللفظ له.
(11) أتبع على مليّ: أحيل على غنيّ.
(12) البخاري- الفتح 4 (2287) . ومسلم (1564) واللفظ له.(5/1632)
40-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتّى تروا أنّكم قد كافأتموه» ) * «1» .
41-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» ) * «2» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنظر معسرا أو وضع له، أظلّه الله يوم القيامة تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» ) * «3» .
43-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من عال جاريتين حتّى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو» وضمّ أصابعه ... ) * «4» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عرض عليه ريحان فلا يردّه، فإنّه خفيف المحمل، طيّب الرّيح» ) * «5» .
45-* (عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعيّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» . قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال:
«يومه وليلته، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه» ) * «6» .
46-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» .
وفي رواية لمسلم عن أبي ذرّ قال: إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) * «7» .
47-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله إنّ فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنّها تصدّق بالأثوار «8» من الأقط، ولا تؤذي جيرانها
__________
(1) أبو داود (1672) واللفظ له. والنسائي (5/ 82) . وقال النووي في الرياض (505) : حديث صحيح بأسانيد الصحيحين. وقال محققوه: إسناده صحيح. والمستدرك (1/ 412) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(2) البخاري- الفتح 10 (5986) . ومسلم (2557) .
(3) الترمذي (1306) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال محققو رياض الصالحين (407) : وهو صحيح.
(4) مسلم (2631) . ومعناه: جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين.
(5) مسلم (2253) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6135) . ومسلم (48) ص (1352) باب الضيافة ونحوها، واللفظ لمسلم.
(7) مسلم (2625) .
(8) الأثوار: جمع ثور وهي القطعة العظيمة من الأقط. وهو لبن جامد مستحجر.(5/1633)
بلسانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «1» .
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضا، ولفظه وهو لفظ بعضهم: قالوا: يا رسول الله فلانة تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، وتؤذي جيرانها.
قال: «هي في النّار» . وقالوا: يا رسول الله فلانة تصلّي المكتوبات، وتصدّق بالأثوار من الأقط «2» ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» .
48-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يسّروا ولا تعسّروا، وسكّنوا ولا تنفّروا» ) * «3» .
49-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّ الوحي قد انقطع، وإنّما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا، أمنّاه وقرّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسب في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا، لم نأمنه، ولم نصدّقه وإن قال: إنّ سريرته حسنة» ) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حسن المعاملة)
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه «5» فأغلظ، فهمّ به أصحابه «6» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» . ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» . قالوا: يا رسول الله إلّا أمثل «7» من سنّه. قال:
«أعطوه فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» * «8» .
51-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة دعا بميزان فوزن لي وزادني) * «9» .
52-* (عن أبي صفوان سويد بن قيس- رضي الله عنه- قال: جلبت أنا ومخرمة العبديّ بزّا «10» من هجر، فجاءنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فساومنا بسراويل وعندي وزّان يزن بالأجر، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للوزّان: «زن وأرجح» ) * «11» .
__________
(1) أحمد (2/ 440) . والبزار وابن حبان في صحيحه رقم (5764) ، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 169) وقال: رجاله ثقات.
(2) والأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي.
(3) البخاري- الفتح 10 (6125) واللفظ له. ومسلم (1734) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2641) .
(5) يتقاضاه: أي يطلب منه قضاء ماله عنده من حق.
(6) فهم به أصحابه: أي أن يفعلوا به جزاء إغلاظه.
(7) الأمثل: الأعلى والأحسن.
(8) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له. ومسلم (1601) .
(9) النسائي (7/ 283) .
(10) البرّ: ضرب من الثّياب.
(11) أبو داود (3336) . والترمذي (1305) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 384) وقال مراجع رياض الصالحين (408) : سنده حسن.(5/1634)
53-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثّالثة: زوجي العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق. قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة:
زوجي إذا دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قالت السّابعة: زوجي غياياء- أو عياياء- طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد «1» .
قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟، أناس من حلّي أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح. أمّ أبي زرع فما أمّ أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟، مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟، لا تبثّ حديثنا تبثيثا، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا؛ قالت خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا، وأخذ خطّيّا، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، وقال: كلي أمّ زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كلّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» * «2» .
54-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- رضي الله عنها- قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا حميراء، أتحبّين أن تنظري إليهم؟» فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خدّه، قالت:
ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيّبا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حسبك» . فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمّ قال: «حسبك» . فقلت: لا تعجل يا
__________
(1) هذه اللفظة أثبتت على ما جاء في «صحيح مسلم» وقد جاء في حاشيته ما نصه: قال أهل اللغة: النادي والناد والندى والمنتدى: مجلس القوم.
(2) البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448) .(5/1635)
رسول الله، قالت: ومالي حبّ النّظر إليهم، ولكنّي أحببت أن يبلغ النّساء مقامه لي، ومكاني منه» ) * «1» .
55-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سابقني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسبقته، حتّى إذا رهقنا اللّحم، سابقني فسبقن، فقال: «هذه بتلك» ) * «2» .
56-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت ألعب بالبنات «3» عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان لي صواحب، يلعبن معي: فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل يتقمّعن «4» منه فيسرّبهنّ إليّ فيلعبن معي) * «5» .
57-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه جبذة شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جبذته ثمّ قال: مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «6» .
58-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادما، إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه، إلّا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله- عزّ وجلّ-» ) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (حسن المعاملة)
1-* (قيل لعبد الرّحمن بن عوف: ما سبب يسارك؟ قال: «ثلاث: ما رددت ربحا قطّ، ولا طلب منّي حيوان فأخّرت بيعه، ولا بعت نسيئة. ويقال: إنّه باع ألف ناقة فما ربح إلّا عقلها، باع كلّ عقال بدرهم فربح فيها ألفا وربح من نفقته عليها ليومه ألفا» ) * «8» .
2-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير،
__________
(1) النسائي في عشرة النساء (98) رقم (95) وقال ابن حجر في الفتح (2/ 515) : إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا. وأصله عند البخاري 2 (950) بلفظ آخر ليس فيه: يا حميراء.
(2) النسائي: عشرة النساء (5765- 5958) بألفاظ متقاربة. وابن ماجة (1/ 636) رقم (1979) مختصرا، وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط البخاري.
(3) البنات: الألعاب المصنوعة من الخرق للعب بها.
(4) يتقمعن: يتغيّبن ويدخلن وراء الستار.
(5) البخاري- الفتح 10 (6130) واللفظ له. ومسلم (2440) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3149) . ومسلم (1057) .
(7) مسلم (2328) . وقال صاحب جامع الأصول (11/ 249) : هذا حديث أخرجه الحميدي في أفراد مسلم.
(8) إحياء علوم الدين (2/ 80) .(5/1636)
يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة.
وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. قال عبد الله ابن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير.
فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله ابن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا.
قال: قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: لك هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة- فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف. قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم. فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3129) .(5/1637)
3-* (قال رجل لعمر بن عبد العزيز: «اجعل كبير المسلمين عندك أبا وصغيرهم ابنا وأوسطهم أخا، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه» ) * «1» .
4-* (عن زياد بن الرّبيع اليحمديّ عن أبيه قال: «رأيت محمّد بن واسع يبيع حمارا بسوق (بلخ) فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه» ) * «2» .
5-* (روي أنّ الحسن البصريّ باع بغلة له بأربعمائة درهم، فلمّا استوجب المال قال له المشتري:
اسمح يا أبا سعيد، قال: «قد أسقطت عنك مائة» .
قال له: «فأحسن يا أبا سعيد» ، فقال: «قد وهبت لك مائة أخرى» ، فقبض من حقّه مائتي درهم، فقيل له: «يا أبا سعيد، هذا نصف الثّمن» ، فقال: «هكذا يكون الإحسان وإلّا فلا» ) * «3» .
6-* (قال بعضهم:
لا يغرّنك من المر ... ء قميص رقعه
أو جبين لاح في ... هـ أثر قد قلعه
أو إزار فوق كعب السّ ... اق منه رفعه
ولدى الدّرهم فان ... ظر غيّه أو ورعه) * «4» .
7-* (يروى عن أحدهم أنّه بعث بطعام إلى البصرة مع رجل، وأمره أن يبيعه يوم يدخل بسعر يومه، فأتاه كتابه: إنّي قدمت البصرة فوجدت الطّعام متّضعا فحبسته، فزاد الطّعام فأردت فيه كذا وكذا، فكتب إليه صاحبه: إنّك قد خنتنا وعملت خلاف ما أمرناك به، فإذا أتاك كتابي فتصدّق بجميع ثمن ذلك الطّعام على فقراء البصرة، فليتني أسلم إذا فعلت ذلك» ) * «5» .
من فوائد (حسن المعاملة)
(1) حسن المعاملة مع الله يورث التّقوى والورع، ومع النّاس يكسب ثقة الآخرين فيه وثقته مع نفسه.
(2) تقوم على اليسر، والصّفح، والتّجاوز، والسّماحة وطلاقة الوجه، والأمانة، والصّدق، وسائر الأخلاق الحميدة.
(3) الشّفقة والرّحمة بالعمّال والمستخدمين تدفعهم إلى الإخلاص والمحافظة على الأموال وسلامتها.
(4) المرأة رقيقة العاطفة متحفّزة المشاعر فبقدر ما تلقى من حسن معاملة زوجها تخلص وتعتني بمصالحه.
(5) زيادة الألفة والمحبّة بين المسلمين.
(6) تجلب البركة والخير للمتعاملين.
(7) دليل حبّ الخير للآخرين.
(8) ترغّب غير المسلم في الدّخول في الإسلام.
__________
(1) جامع العلوم والحكم (294) .
(2) الورع لابن أبي الدنيا (106) .
(3) إحياء علوم الدين (2/ 81) .
(4) المرجع السابق (2/ 82) .
(5) كتاب الورع لابن أبي الدنيا (104- 105) .(5/1638)
حفظ الأيمان
الحفظ لغة:
مصدر قولهم حفظ يحفظ وهو مأخوذ من مادّة (ح ف ظ) الّتي تدلّ على مراعاة الشّيء، يقال حفظت الشّيء حفظا، والغضب الحفيظة، وذلك أنّ تلك الحال تدعو إلى مراعاة الشّيء، والتّحفّظ: قلّة الغفلة، والحفاظ: المحافظة على الأمور «1» .
قال الرّاغب ما خلاصته: الحفظ يقال تارة لهيئة النّفس الّتي بها يثبت ما يؤدّي إليه الفهم ويضادّه النّسيان كما في حفظ القرآن الكريم مثلا، ثمّ استعمل في كلّ تفقّد وتعهّد ورعاية وقوله سبحانه:
وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ (الأحزاب/ 35) كناية عن العفّة. أمّا قوله سبحانه: حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ (النساء/ 34) ، أي يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهم بسبب أنّ الله تعالى يحفظهنّ أن يطّلع عليهنّ، وقرأ بِما حَفِظَ اللَّهُ بالنّصب أي بسبب رعايتهنّ حقّ الله تعالى لا لرياء وتصنّع منهنّ.
وقال الجوهريّ: حفظت الشّيء حفظا أي حرسته، وحفظته أيضا بمعنى استظهرته. والحفظة:
الآيات الأحاديث الآثار
6 29 9
الملائكة الّذين يكتبون أعمال بني آدم، والمحافظة:
المراقبة، والحفيظ: المحافظ ومنه قوله تعالى: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (الأنعام/ 104) ، والتّحفّظ: التّيقّظ وقلّة الغفلة. وقال في اللّسان: والحفيظ من صفات الله عزّ وجلّ- لا يعزب عن حفظه مثقال ذرّة في السّماوات والأرض «2» .
الحفظ اصطلاحا:
لا يختلف معنى الحفظ في اللّغة عن معناه في الاصطلاح، بيد أنّ المراد به هنا هو معنى المراعاة والتّعهّد وليس الاستظهار.
الأيمان لغة:
الأيمان جمع يمين، واليمين: القسم؛ لأنّهم كانوا يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون. وفي الحديث: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفّر عن يمينه ثمّ ليفعل الّذي هو خير» ، والجمع: أيمن وأيمان، قال الله تعالى: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ (القلم/ 39) وهي مؤنّثة. وأيمن الله (بضمّ الميم وفتحها، والهمزة تفتح وتكسر) اسم وضع للقسم، وأيم الله وإيم الله بفتح الهمزة وكسرها. وإذا كسرت فالألف ألف
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 87) .
(2) مفردات الراغب (124) بتصرف، وبصائر ذوي التمييز (2/ 480) ، ولسان العرب (7/ 441- 442) .(5/1639)
قطع. كلّ ذلك بمعنى اسم وضع للقسم. والتّقدير أيمن الله قسمي.
وهمزة أيمن همزة وصل عند سيبويه. وقال الفرّاء: جمع يمين وهمزته همزة قطع، ويحذفون النّون لكثرة الاستعمال «1» .
قال ابن حجر- رحمه الله-: وأصل اليمين في اللّغة اليد وأطلقت على الحلف لأنّهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلّ بيمين صاحبه، وقيل لأنّ اليد اليمنى من شأنها حفظ الشّيء فسمّي الحلف
بذلك لحفظ المحلوف عليه، وسمّي المحلوف عليه يمينا لتلبّسه بها.
ويجمع اليمين أيضا على أيمن كرغيف وأرغف.
اليمين اصطلاحا:
هي توكيد الشّيء بذكر اسم أو صفة لله «2» .
قال الجرجانيّ: اليمين في الشّرع تقوية أحد طرفي الخبر بذكر الله تعالى، أو التّعليق؛ فإنّ اليمين بغير الله ذكر للشّرط والجزاء حتّى لو حلف أن لا يحلف. وقال: إن دخلت الدّار فعبدي حرّ يحنث، فتحريم الحلال يمين كقوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إلى قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ (التحريم/ 1- 2) «3» .
حفظ الأيمان اصطلاحا:
وعلى هذا يكون معنى حفظ الأيمان ضبط المحلوف عليه في النّفس فلا يحنث وإذا حنث كفّر.
أنواع اليمين:
اليمين الغموس: هو الحلف على فعل أو ترك ماض كاذبا.
اليمين اللّغو: ما يحلف ظانّا أنّه كذا، وهو خلافه، وقال الشّافعيّ- رحمه الله-: ما لا يعقد الرّجل قلبه عليه، كقوله: لا والله وبلى والله.
اليمين المنعقدة: الحلف على فعل أو ترك آت.
يمين الصّبر: هي الّتي يكون الرّجل فيها متعمّدا الكذب قاصدا لإذهاب مال مسلم، سمّيت به لصبر صاحبه على الإقدام عليها مع وجود الزّواجر من قلبه.
وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (المائدة/ 89) : قال ابن جرير: لا تتركوها بغير تكفير «4» .
صيغة اليمين:
قال ابن حجر- رحمه الله-: وجملة ما ذكر في «كيف كانت يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» : أربع ألفاظ:
أحدها: والّذي نفسي بيده، وكذا: نفس محمّد بيده فبعضها مصدّر بلفظ لا «5» وبعضها بلفظ أيم «6» .
__________
(1) لسان العرب (13/ 462- 463) . وانظر بصائر ذوي التمييز (5/ 407- 408) . ونزهة الأعين النواظر (641) . ومختار الصحاح (745) . ومقاييس اللغة (6/ 158) .
(2) فتح الباري (11/ 525) .
(3) كتاب التعريفات (259- 260) .
(4) تفسير القرآن العظيم (2/ 94) .
(5) يشير بذلك إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي نفيل « ... لا والذي نفس محمد بيده ... » انظر الفتح (11/ 532) .
(6) يشير بذلك إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة «وأيم الذي نفس محمد بيده» انظر الفتح (11/ 533) .(5/1640)
ثانيها: لا ومقلّب القلوب «1» .
ثالثها: والله.
رابعها: وربّ الكعبة.
وأمّا قوله: «لا ها الله إذا» فيؤخذ منه مشروعيّته من تقريره لا من لفظه إذ هو من كلام أبي بكر- رضي الله عنه- في حديث أبي قتادة رقم (4321) في غزوة حنين فلينظر هناك «2» .
انعقاد اليمين:
قال ابن حجر- رحمه الله-: بم تنعقد اليمين؟
قد جزم ابن حزم وهو ظاهر كلام المالكيّة والحنفيّة بأنّ جميع الأسماء، أي (أسماء الله الحسنى) الواردة في القرآن والسّنّة الصّحيحية وكذا الصّفات صريح في اليمين تنعقد به وتجب لمخالفته الكفّارة. والمشهور عند الشّافعيّة والحنابلة أنّها ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يختّصّ به كالرّحمن وربّ العالمين وخالق الخلق فهو صريح تنعقد به اليمين سواء قصد الله أو أطلق.
ثانيها: ما يطلق عليه وقد يقال لغيره لكن بقيد كالرّبّ والحقّ فتنعقد به اليمين إلّا إن قصد به غير الله.
ثالثها: ما يطلق على السّواء كالحيّ والموجود والمؤمن، فإن نوى غير الله أو أطلق فليس بيمين وإن نوى به الله انعقد على الصّحيح «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: التقوى- الطاعة مجاهدة النفس- كظم الغيظ- الحلم- إقامة الشهادة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اللغو- اللهو واللعب- شهادة الزور- التهاون- الحمق- الغضب] .
__________
(1) يشير بذلك إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث ابن عمر كانت يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم «لا ومقلب القلوب» الفتح (11/ 531) .
(2) فتح الباري (11/ 534) ... وسيأتي فيما بعد.
(3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1641)
الآيات الواردة في «حفظ الأيمان»
1- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) «1»
2- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «3»
4- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94) «4»
5- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) «5»
الآيات الواردة في «حفظ الأيمان» لفظا ولها معنى آخر
6- وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) «6»
__________
(1) البقرة: 224- 227 مدنية.
(2) المائدة: 89 مدنية.
(3) المائدة: 106- 108 مدنية.
(4) النحل: 94 مكية.
(5) التحريم: 1- 2 مدنية.
(6) النساء: 33 مدنية.(5/1642)
الأحاديث الواردة في (حفظ الأيمان) معنى
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أعتم «1» رجل عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ رجع إلى أهله فوجد الصّبية قد ناموا. فأتاه أهله بطعامه. فحلف لا يأكل، من أجل صبيته. ثمّ بدا له فأكل فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليأتها، وليكفّر عن يمينه» ) * «2» .
2-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإبرار المقسم) * «3» .
3-* (عن أبي علقمة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال الحضرميّ: يا رسول الله إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحضرميّ: «ألك بيّنة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» قال: يا رسول الله، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه. وليس يتورّع من شيء. فقال: «ليس لك منه إلّا ذلك» . فانطلق ليحلف. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ الله وهو عنه معرض» ) * «4» .
4-* (عن تميم بن طرفة، قال: جاء سائل إلى عديّ بن حاتم، فسأله نفقة في ثمن خادم أو في بعض ثمن خادم، فقال: ليس عندي ما أعطيك إلّا درعي ومغفري «5» . فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها. قال: فلم يرض. فغضب عديّ. فقال: أما والله لا أعطيك شيئا ثمّ إنّ الرّجل رضي. فقال: أما والله لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف على يمين ثمّ رأى أتقى لله منها، فليأت التّقوى» ما حنّثت يميني «6» * «7» .
5-* (عن حارثة بن وهب- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟» قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف «8» لو
__________
(1) أعتم: أي دخل في العتمة وهي شدة ظلمة الليل.
(2) مسلم (1650) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6654) مسلم (2066) .
(4) مسلم (139) .
(5) درعي ومغفري: الدرع قميص من زرد الحديد يلبس وقاية من سلاح العدو. مؤنث وقد يذكر. والجمع: دروع وأدرع ودراع. والمغفر: زرد يلبسه المحارب تحت القلنسوة. ويجمع: مغافر.
(6) ما حنثت يميني: أي ما جعلتها ذات حنث. بل جئت بارّا بها وافيّا بموجبها.
(7) مسلم (1651) .
(8) كل ضعيف متضعف: ضبطوا قوله متضعف، بفتح العين وكسرها، المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره. ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا. يقال: تضعفه واستضعفه. وأما رواية الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه. قال القاضي: وقد يكون الضعف، هنا، رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان. والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء. كما أن معظم أهل النار القسم الآخر. وليس المراد الاستيعاب في الطرفين.(5/1643)
أقسم على الله لأبّره «1» » . ثمّ قال: «ألا أخبركم بأهل النّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ جوّاظ مستكبر «2» » ) * «3» .
6-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلف أحد عند منبري هذا، على يمين آثمة، ولو على سواك أخضر، إلّا تبوّأ مقعده من النّار» أو «وجبت له النّار» ) * «4» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسّه النّار إلّا تحلّة القسم «5» » ) * «6» .
8-* (عن أبي قلابة أنّ عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للنّاس ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال: «ما تقولون في القسامة؟ قالوا نقول: القود بها حقّ ...
وقال لي: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلت «7» : وقد كان في هذا سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دخل عليه نفر من الأنصار فتحدّثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فقتل، فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحّط في الدّم «8» ، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا كان تحدّث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحّط في الدّم، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «بمن تظنّون أو ترون قتله؟» . قالوا: نرى أنّ اليهود قتلته. فأرسل إلى اليهود فدعاهم فقال: «آنتم قتلتم هذا؟» قالوا: لا. قال: «أترضون نفل «9» خمسين من اليهود ما قتلوه؟» فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثمّ ينتفلون. قال: «أفتستحقّون الدّية بأيمان خمسين منكم؟» قالوا: ما كنّا لنحلف. فوداه من عنده. قلت: وقد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهليّة «10» ، فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم، فحذفه بالسّيف فقتله، فجاءت هذيل فأخذوا اليمانيّ فرفعوه إلى عمر بالموسم وقالوا:
قتل صاحبنا. فقال: إنّهم قد خلعوه. فقال: يقسم خمسون من هذيل: ما خلعوه. قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا، وقدم رجل من الشّام فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا مكانه رجلا آخر فدفعه إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده،
__________
(1) لو أقسم على الله لأبره: معناه لو حلف يمينا، طمعا في كرم الله تعالى بإبراره، لأبره. وقيل: لو دعاه لأجابه. يقال أبررت قسمه وبررته. والأول هو المشهور.
(2) كل عتل جواظ مستكبر: العتل الجافي الشديد الخصومة بالباطل. وقيل: الجافي الفظ. الغليظ. وأما الجواظ فهو الجموع المنوع. وقيل: الكثير اللحم المختال في مشيته. وقيل: القصير البطين. وقيل: الفاخر. وأما المستكبر فهو صاحب الكبر، وهو بطر الحق وغمط الناس.
(3) البخاري- الفتح 8 (4918) . مسلم (2853) . واللفظ له.
(4) الموطأ (2/ 31) . وأبو داود (4623) . وقال الألباني (2/ 626) : صحيح. وابن ماجة (2325) وقال محقق جامع الأصول (11/ 663) : إسناده صحيح.
(5) تحلة القسم: أي قسم المولى عز وجل في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.
(6) البخاري- الفتح 11 (6656) .
(7) ما ذكر هنا هو موضع الشاهد، وينظر الحديث بطوله في موضعه من الفتح.
(8) يتشحط في الدم: أي يتمرغ ويضطرب فيه.
(9) نفل: أي قسم.
(10) خلعوا خليعا: أي تبرأوا من نصرته.(5/1644)
قالوا: فانطلقنا والخمسون الّذين أقسموا، حتّى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السّماء، فدخلوا في غار في الجبل فانهجم الغار على الخمسين الّذين أقسموا، فماتوا جميعا وأفلت القرينان واتّبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول، فعاش حولا ثمّ مات) * «1» .
9-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان» قال: فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرّحمن؟ قالوا: كذا وكذا. قال: صدق أبو عبد الرّحمن. فيّ نزلت. كان بيني وبين رجل أرض باليمن. فخاصمته إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «هل لك بيّنة؟» . فقلت: لا. قال: «فيمينه» قلت: إذن يحلف فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «من حلف على يمين صبر «2» ، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان» فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا (3/ آل عمران/ الآية 77) إلى آخر الآية) * «3» .
10-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف فقال: إنّي بريء من الإسلام فإن كان كاذبا، فهو كما قال، وإن كان صادقا، فلن يرجع إلى الإسلام سالما» ) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «والله لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله «5» ، آثم له عند الله من أن يعطي كفّارته الّتي فرض الله» ) * «6» .
12-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها.
وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك وائت الّذي هو خير» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6899) واللفظ له. مسلم (1671) .
(2) من حلف على يمين صبر: هو بإضافة يمين إلى صبر. ويمين الصبر هي التي يحبس الحالف نفسه عليها. وتسمى هذه: اليمين الغموس.
(3) البخاري- الفتح 11 (6676- 6677) . ومسلم (138) واللفظ له.
(4) أبو داود (3258) وقال الألباني (2/ 629) : صحيح. وابن ماجة (2100) . والنسائي (7/ 6) في الأيمان باب الحلف بالبراءة في الإسلام. وقال محقق جامع الأصول (11/ 657) : إسناده حسن.
(5) لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله: لجّ يلجّ لجاجا ولجاجة، إذا لازم الشيء وواظبه، كما في القاموس والمصباح. أي لأن يصرّ أحدكم على المحلوف عليه بسبب يمينه في أهله، أي في قطيعتهم، كالحلف على أن لا يكلمهم ولا يصل إليهم، ثم لا ينقضها على أن يكفر بعده «آثم» أي أكثر إثما. وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: معنى الحديث أنه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله، ويتضررون بعدم حنثه، ويكون الحنث ليس بمعصية، فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه. قال: واللجاج، في اللغة هو الإصرار على الشيء. قال: وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «آثم» فخرج على لفظ المفاعلة المقتضية للاشتراك في الإثم. لأنه قصد مقابلة اللفظ على زعم الحالف وتوهمه، فإنه يتوهم أن عليه إثما في الحنث، مع أنه لا إثم عليه.
(6) البخاري- الفتح 11 (6626) . ومسلم (1655) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 11 (6622) . ومسلم (1652) واللفظ له.(5/1645)
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يمينك على ما يصدّقك عليه صاحبك «1» » ) * «2» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على نيّة المستحلف» ) * «3» .
15-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما- أنّ أصحاب الصّفّة كانوا أناسا فقراء، وأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال مرّة: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس» . أو كما قال: «وأنّ أبا بكر جاء بثلاثة» ، وانطلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعشرة، وأبو بكر ثلاثة «4» ، قال: «فهو أنا وأبي وأمّي، ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، وأنّ أبا بكر تعشّى عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ لبث حتّى صلّى العشاء، ثمّ رجع فلبث حتّى تعشّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء بعد ما مضى من اللّيل ما شاء الله. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك؟ قال: أو عشّيتهم؟» قالت: «أبوا حتّى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم» .
قال «5» : «فذهبت فاختبأت» . فقال «6» : «يا غنثر فجدّع وسبّ» . وقال: «كلوا» . وقال: «لا أطعمه أبدا» . قال:
«وأيم الله ما كنّا نأخذ من اللّقمة إلّا ربا من أسفلها أكثر منها، حتّى شبعوا وصارت أكثر ممّا كانت قبل.
فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر. فقال لامرأته: يا أخت بني فراس. قالت: لا وقرّة عيني، لهي الآن أكثر ممّا قبل بثلاث مرار. فأكل منها أبو بكر وقال: إنّما كان الشّيطان- يعني يمينه «7» - ثمّ أكل منها لقمة، ثمّ حملها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد. فمضى الأجل ففرّقنا اثنا عشر رجلا «8» مع كلّ رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كلّ رجل، غير أنّه بعث معهم، قال: «أكلوا منها أجمعون، أو كما قال» ) * «9» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لمّا ذكر من شأني الّذي ذكر وما علمت به ...
فقلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام فدخلت الدّار فوجدت أمّ رومان في
__________
(1) (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك. وفي الرواية الأخرى: اليمين على نية المستحلف) قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي. فإذا ادعى رجل على رجل حقّا، فحلفه القاضي، فحلف وورّى فنوى غير ما نوى القاضي انعقدت يمينه على ما نواه القاضي. ولا تنفعه التورية. وهذا مجمع عليه.
(2) مسلم (1653) . كتاب الإيمان، برقم (20) .
(3) مسلم (1653) . كتاب الإيمان، برقم (21) .
(4) بالنصب: أي أخذ ثلاثة.
(5) القائل هو: عبد الرحمن بن أبي بكر، وإنما اختبا خوفا من خصام أبيه.
(6) أي أبو بكر، والنداء لعبد الرحمن، والغنثر: ذباب أزرق شبهه به لتصغيره وتحقيره. وقوله «فجدّع» أي: دعا عليه بالجدع، وهو: قطع الأذن أو الأنف أو الشفة.
(7) يعني يمينه: المراد إنما كان الشيطان الحامل على يمينه التي حلفها في قوله «والله لا أطعمه» وعند مسلم «وإنما كان ذلك من الشيطان» يعني يمينه وهو أوجه.
(8) على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة، ومنه قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتشديد «إنّ» وهي قراءة جارية على لغة بلحارث بن كعب وخثعم وزبيد وكنانة وآخرين. كما في «شذور الذهب» (46- 47) ، ويحتمل أن يكون (ففرقنا) بالبناء للمجهول، وعند مسلم اثنى عشر بالنصب- انظر الفتح (6/ 694) .
(9) البخاري- الفتح 6 (3581) . مسلم (2057) .(5/1646)
السّفل وأبا بكر فوق البيت يقرأ. فقالت أمّي: ما جاء بك يا بنيّة؟ فأخبرتها وذكرت لها الحديث وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ منّي. فقالت: يا بنيّة، خفّضي عليك الشّأن، فإنّه والله لقلّما كانت امرأة قطّ حسناء عند رجل يحبّها لها ضرائر إلّا حسدنها وقيل فيها. وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ منّي. قلت: وقد علم به أبي؟
قالت: نعم. قلت: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: نعم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم. واستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمّي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الّذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه. قال: «أقسمت عليك أي بنيّة إلّا رجعت إلى بيتك فرجعت» ) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حفظ الأيمان)
17-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده.
والّذي نفسي بيده، لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله» ) * «2» .
18-* (عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: آلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من نسائه شهرا، وكانت انفكّت قدمه، فجلس في علّيّة له فجاء عمر فقال: أطلّقت نساءك؟ قال: «لا، ولكنّي آليت منهنّ شهرا» . فمكث تسعا وعشرين، ثمّ نزل فدخل على نسائه) * «3» .
19-* (عن أبي هريرة وزيد بن خالد- رضي الله عنهما- أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر- وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلّم. قال: «تكلّم» ، قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا- قال مالك «4» : والعسيف: الأجير- زنى بامرأته، فأخبروني أنّ علي ابني الرّجم، فافتديت منه بمائتي شاة وجارية لي. ثمّ إنّي سألت أهل العلم فأخبروني أنّ ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنّما الرّجم على امرأته. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله. أمّا غنمك وجاريتك فردّ عليك، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلميّ أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها» ) * «5» .
20-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في ظلّ الكعبة. فلمّا رآني قال: «هم الأخسرون. وربّ الكعبة» . قال: فجئت حتّى جلست. فلم أتقارّ «6» أن قمت، فقلت: يا رسول
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4757) واللفظ له. مسلم (2770) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6629، 6630) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2469) .
(4) هو مالك بن أنس، وهو راوي الحديث.
(5) البخاري- الفتح 11 (6633، 6634) واللفظ له. مسلم (1697) ، (1698) .
(6) فلم أتقار: أي لم يمكنني القرار والثبات.(5/1647)
الله فداك أبي وأمّي «1» من هم؟ قال: «هم الأكثرون أموالا. إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا «2» من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم. ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه. تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها. كلّما نفدت «3» أخراها عادت عليه أولاها. حتّى يقضى بين النّاس» ) * «4» .
21-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض النّاس في إمرته، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إن كنتم تطعنون في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ، وإنّ هذا لمن أحبّ النّاس إليّ بعده» ) * «5» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال سليمان: لأطوفنّ اللّيلة على تسعين امرأة كلّهنّ تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل:
إن شاء الله. فطاف عليهنّ جميعا، فلم تحمل منهنّ إلّا امرأة واحدة جاءت بشقّ رجل. وأيم الّذي نفس محمّد بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» ) * «6» .
23-* (عن عبد الله بن بريدة قال شكّ عبيد الله بن زياد في الحوض فقال له أبو سبرة- رجل من صحابة عبيد الله بن زياد- فإنّ أباك حين انطلق وافدا إلى معاوية- انطلقت معه فلقيت عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- فحدّثني من فيه إلي فيّ حديثا سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأملاه عليّ وكتبته قال:
فإنّي أقسمت عليك لما أعرقت هذا البرذون «7» حتّى تأتيني بالكتاب. قال: فركبت البرذون فركضته «8» حتّى عرق فأتيته بالكتاب فإذا فيه: حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يبغض الفحش والتّفحّش والّذي نفس محمّد بيده لا تقوم السّاعة حتّى يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن، حتّى يظهر الفحش والتّفحّش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل القطعة من الذّهب نفخ عليها صاحبها فلم تغيّر ولم تنقص، والّذي نفس محمّد بيده إنّ مثل المؤمن لكمثل النّحلة أكلت طيّبا ووضعت طيّبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد» . قال: «وقال: ألا إنّ لي حوضا ما بين
__________
(1) فداك أبي وأمي: بفتح الفاء في جميع النسخ. لأنه ماضي خبر بمعنى الدعاء. ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال. أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي.
(2) إلّا من قال هكذا وهكذا وهكذا: أي إلا من أشار بيده إلى الجوانب في صرف ماله إلى وجوه الخير. فالقول مجاز عن الفعل.
(3) كلما نفدت: نفدت بالدال المهملة. ونفذت بالذال المعجمة وفتح الفاء. وكلاهما صحيح.
(4) البخاري- الفتح 11 (6638) . مسلم (990) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 11 (6627) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6639) واللفظ له. مسلم (1654) .
(7) البرذون: الدابّة.
(8) فركضته: أجريته.(5/1648)
ناحيتيه كما بين أيلة إلى مكّة» أو قال: «صنعاء إلى المدينة وإنّ فيه من الأباريق مثل الكواكب هو أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا» . قال أبو سبرة: فأخذ عبيد الله بن زياد الكتاب فجزعت عليه فلقيني يحيى بن يعمر فشكوت ذلك إليه فقال: والله لأنا أحفظ له منّي لسورة من القرآن فحدّثني به كما كان في الكتاب سواء) * «1» .
24-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اجتهد في اليمين قال: «والّذي نفس أبي القاسم بيده» ) * «2» .
25-* (عن عبد الله بن هشام- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلّا من نفسي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا والّذي نفسي بيده، حتّى أكون أحبّ إليك من نفسك» . فقال له عمر: فإنّه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الآن يا عمر» ) * «3» .
26-* (عن زهدم الجرميّ- رحمه الله- قال: كنّا عند أبي موسى. فدعا بمائدته وعليها لحم دجاج. فدخل رجل من بني تيم الله، أحمر، شبيه بالموالي. فقال له: هلمّ، فتلكّأ، فقال: هلمّ فإنّي قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل منه. فقال الرّجل: إنّي رأيته يأكل شيئا فقذرته. فحلفت أن لا أطعمه. فقال: هلّمّ أحدّثك عن ذلك. إنّي أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رهط من الأشعريّين نستحمله «4» . فقال: «والله لا أحملكم.
وما عندي ما أحملكم عليه» . فلبثنا ما شاء الله. فأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنهب إبل «5» . فدعا بنا. فأمر لنا بخمس ذود غرّ الذّرى «6» . قال: فلمّا انطلقنا، قال بعضنا لبعض: أغفلنا «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمينه. لا يبارك لنا. فرجعنا إليه. فقلنا: يا رسول الله إنّا أتيناك نستحملك. وإنّك حلفت أن لا تحملنا. ثمّ حملتنا.
أفنسيت يا رسول الله؟ قال: «إنّي، والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها. إلّا أتيت الّذي هو خير. وتحلّلتها «8» فانطلقوا. فإنّما حملكم الله- عزّ وجلّ-» ) * «9» .
27-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله
__________
(1) أحمد (2/ 199) . وفى شرحه للشيخ أحمد شاكر (12/ 90) حديث رقم (6872) قال مخرجه: إسناده صحيح. وفي (10/ 20) مختصرا.
(2) أخرجه أبو داود (3264) . وابن ماجة، من حديث رفاعة الجهني برقم (2090) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 650) : حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 11 (6632) .
(4) نستحمله: أن نطلب منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا.
(5) بنهب إبل: قال أهل اللغة: النهب الغنيمة، وهو بفتح النون. وجمعها نهاب ونهوب، وهو مصدر بمعنى المنهوب كالخلف بمعنى المخلوف.
(6) بخمس ذود غر الذرى: الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر والمراد خمس إبل من الذود، والغر جمع أغر وهو الأبيض، والذرى جمع ذروة، وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا السنام.
(7) أغفلنا: أي جعلناه غافلا، ومعناه: كنا سبب غفلته عن يمينه ونسيانه إياها، وما ذكرناه إياها. أي أخذنا منه ما أخذناه وهو ذاهل عن يمينه.
(8) وتحللتها: أي جعلتها حلالا بكفارة.
(9) البخاري- الفتح 7 (4385) . ومسلم (1649) واللفظ له.(5/1649)
عنهما- قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر- رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما، فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز، ثمّ جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضّأ. فقلت:
يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال: وا عجبا لك يا ابن عبّاس.
عائشة وحفصة. ثمّ استقبل عمر الحديث يسوقه فقال: إنّي كنت وجار لي من الأنصار في بني أميّة بن زيد- وهي من عوالي المدينة- وكنّا نتناوب النّزول على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله. وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على الأنصار إذ هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني «1» ، فأنكرت أن تراجعني. فقالت:
ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وإنّ إحداهنّ لتهجره اليوم حتّى اللّيل.
فأفزعتني. فقلت: خابت من فعلت منهنّ بعظيم.
ثمّ جمعت عليّ ثيابي فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليوم حتّى اللّيل؟ فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت.
أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك. ولا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) . وكنّا تحدّثنا أنّ غسّان تنعل النّعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته، فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال: أثمّ هو؟ ففزعت فخرجت إليه، وقال: حدث أمر عظيم، قلت: ما هو، أجاءت غسّان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه: قال قد خابت حفصة وخسرت.
كنت أظنّ أنّ هذا يوشك أن يكون فجمعت عليّ ثيابي، فصلّيت صلاة الفجر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له «2» فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟
أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم. فجلست معهم قليلا. ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة الّتي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله. فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) راجعتني: ردت عليّ القول.
(2) المشربة: الغرفة.(5/1650)
فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكئ على وسادة من أدم «1» حشوها ليف. فسلّمت عليه، ثمّ قلت وأنا قائم: طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: «لا» ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأمنك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى.
فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «2» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: «أو في شكّ أنت يابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا» . فقلت:
يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله. فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين. قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك» ، قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثمّ قال: «إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى قوله عَظِيماً» .
قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة) * «3» .
28-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
كان يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ومقلّب القلوب» ) * «4» .
29-* (عن عائشة- رضي الله عنها- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون، ما أعلم، لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» ) * «5» .
__________
(1) من أدم: أي من جلد.
(2) الأهبة: الجلود.
(3) البخاري- الفتح (2468) ، (5191) . ومسلم (1083) طرفا منه من حديث عائشة.
(4) البخاري- الفتح 11 (6628) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6631) .(5/1651)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حفظ الأيمان)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ أبا بكر- رضي الله عنه- لم يكن يحنث في يمين قطّ حتّى أنزل الله كفّارة اليمين وقال: «لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها إلّا أتيت الّذي هو خير وكفّرت عن يميني» ) * «1» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرّأها الله ممّا قالوا. كلّ حدّثني طائفة من الحديث فأنزل الله إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ العشر الآيات كلّها في براءتي، فقال أبو بكر الصّدّيق وكان ينفق على مسطح لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى
الآية. قال أبو بكر: «بلى والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي» ، فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه وقال: «والله لا أنزعها عنه أبدا» ) * «2» .
3-* (عن أبي غطفان بن طريف المرّيّ، يقول: اختصم زيد بن ثابت الأنصاريّ وابن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر. فقال زيد بن ثابت: «أحلف له مكاني» . قال:
فقال مروان: «ولا والله إلّا عند مقاطع الحقوق» . قال:
فجعل زيد بن ثابت يحلف أنّ حقّه لحقّ ويأبى أن يحلف على المنبر. قال: فجعل مروان بن الحكم يعجب من ذلك. قال: ما لك؟ لا أرى أن يحلف أحد على المنبر على أقلّ من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم) * «3» .
4-* (عن عبد الرّحمن أنّه أخبر مروان، أنّ عائشة وأمّ سلمة أخبرتاه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثمّ يغتسل ويصوم وقال مروان لعبد الرّحمن بن الحارث: «أقسم بالله لتقرعنّ «4» بها أبا هريرة» - ومروان يومئذ على المدينة- فقال أبو بكر «5» : فكره ذلكم عبد الرّحمن. ثمّ قدّر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرّحمن لأبي هريرة: «إنّي ذاكر لك أمرا، ولولا مروان أقسم عليّ فيه لم أذكره لك. فذكر قول عائشة وأمّ سلمة. فقال: كذلك حدّثني الفضل بن عبّاس وهنّ أعلم» ) * «6» .
5-* (قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-:
«وأكره الأيمان على كلّ حال، إلّا فيما كان لله- عزّ
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6621) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6679) .
(3) الموطأ (2/ 204) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 662) : إسناده صحيح. وأخرجه البخاري تعليقا في الشهادات (الفتح 5/ 336) .
(4) لتقرعنّ: أي تقرع بهذه القصة سمعه.
(5) هو أبو بكر بن عبد الرحمن راوي الحديث.
(6) البخاري- الفتح 4 (1925، 1926) .(5/1652)
وجلّ- طاعة، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فالاختيار أن يأتي الّذي هو خير ويكفّر لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك» ) * «1» .
6-* (وقال الإمام الطّبريّ عند تفسير قوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ احفظوا أيّها المؤمنون أيمانكم أن تحنثوا فيها ثمّ تصنعوا الكفّارة» ومن ثمّ يكون حفظ الأيمان بعدم الحنث فيها» «2» .
7-* (قال الماورديّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ، فيه ثلاثة تأويلات:
«أحدها: احفظوها أن تحلفوا. والثّاني: احفظوها أن تحنثوا. والثّالث: احفظوها لتكفّروا» ) * «3» .
8-* (عن أبي مالك، قال: «الأيمان ثلاثة يمين تكفّر، ويمين لا تكفّر، ويمين لا يؤاخذ بها، فأمّا الّتي تكفّر، فالرّجل يحلف على قطيعة رحم أو معصية الله فيكفّر يمينه، والّتي لا تكفّر، فالرّجل يحلف على الكذب متعمّدا ولا يكفّر، والّتي لا يؤاخذ بها فالرّجل يحلف على الشّيء يرى أنّه صادق فهو اللّغو لا يؤاخذ به» ) * «4» .
9-* (وقال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ: «أي بالبدار إلى ما لزمكم من الكفّارة إذا حنثتم، وقيل بترك الحلف، فإنّكم إذا لم تحلفوا لم تتوجّه عليكم هذه التّكليفات» ) * «5» .
من فوائد (حفظ الأيمان)
(1) من تمام الإيمان وحفظ الإسلام.
(2) تعظيم المولى- عزّ وجلّ-.
(3) تبعث على الصّدق والثّبات.
(4) تخفيف الله- عزّ وجلّ- عن الحانث بالكفّارة رحمة به.
(5) يحمي الإنسان من جريان اللّسان باليمين وتعوّده عليه وقد يجرّه ذلك إلى اليمين الكاذبة فيقع في سخط الله.
(6) المؤمن يتورّع أن يلوذ بيمينه أو يورّي.
__________
(1) الحاوي الكبير، للماوردي (19/ 311) .
(2) تفسير ابن كثير (2/ 92) .
(3) الحاوي الكبير، للماوردي (19/ 298) .
(4) الدر المنثور (3/ 150) .
(5) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 184) .(5/1653)
حفظ الفرج
حفظ الفرج لغة:
انظر في الحفظ لغة: حفظ الأيمان.
أمّا الفرج فهو في اللّغة مأخوذ من مادّة (ف ر ج) الّتي تدلّ على تفتّح في الشّيء، من ذلك الفرجة في الحائط وغيره ومعناها الشّقّ، والفرج ما بين رجلي الفرس، قال امرؤ القيس:
لها ذنب مثل ذيل العرو ... س تسدّ به فرجها من دبر
والفروج الثّغور الّتي بين مواضع المخافة، والفرج ما بين الرّجلين، وكنّي به عن السّوأة وكثر حتّى صار كالصّريح فيه، قال تعالى: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها (التحريم/ 12) وحفظ الفرج عفّه عن الزّنا.
وفي الكلّيّات للكفويّ: كلّ آية ذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزّنا إلّا قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (النور/ 30) فإنّ المراد بها الاستتار. والمحافظة والحفاظ الذّبّ عن المحارم والمنع لها عند الحروب وصونها من العدوّ «1» .
واصطلاحا:
قال البغويّ- رحمه الله- في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المؤمنون/ 5) :
الفرج اسم يجمع سوأة الرّجل والمرأة، وحفظ الفرج التّعفّف عن الحرام «2» .
الآيات الأحاديث الآثار
11 20 5
أهمية حفظ الفرج للفرد والمجتمع:
لقد امتدح المولى- عزّ وجلّ- الحافظين فروجهم والحافظات، وجعل ذلك من سمات الفلاح وعلامات الفوز في الدّار الآخرة، فقال تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المؤمنون/ 1- 5) ، وقد وعد الله هؤلاء المفلحين بقوله أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (المؤمنون/ 10- 11) ، وإذا كان ذلك هو الجزاء في الآخرة، فما أثر ذلك في الحياة الدّنيا؟
إنّ حفظ الفروج وما يستلزمه من غضّ البصر والعفّة عن المحارم يؤدّي إلى تماسك بنيان المجتمع وسلامته من الأمراض الاجتماعيّة الفتّاكة كاختلاط الأنساب، والأمراض الصّحّيّة المهلكة كمرض الإيدز الّذي انتشر في المجتمعات الفاجرة الماجنة بصورة تؤدّي إلى الخراب والدّمار، أمّا على المستوى الفرديّ فإنّ حفظ الفرج يجنّب صاحبه ويلات الزّنا- وما أكثرها- وقد أشار إلى بعض ذلك الإمام ابن القيّم عند ما قال: الزّنا يجمع خلال الشّرّ كلّها من قلّة الدّين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلّة الغيرة «3» ،
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 498) ، والمفردات (375) ، ولسان العرب: (2/ 342، 7/ 442) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (2/ 480- 482) .
(2) معالم التنزيل (18/ 303) .
(3) انظر مضار الزنا وآثاره المدمرة في صفة «الزنا» في هذه الموسوعة.(5/1654)
فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، إذ الغدر والكذب والخيانة وقلّة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من شعبه وموجباته «1» ومفهوم ذلك أنّ الّذي يحافظ على فرجه يقي نفسه هذه الخلال السّيّئة ويتّصف بأضدادها من كمال الدّين والمروءة والغيرة والوفاء والمراقبة ونحوها ممّا يسعد المرء في الدّنيا والآخرة.
بم تحفظ الفروج؟
إذا كان الإسلام قد أمر بحفظ الفروج من الزّنا وما يشبهه ويلحق به من سفاح «2» وبغاء «3» ولواط «4» ومساحقة «5» واستمناء «6» وعهارة «7» ، فإنّه قد أوضح بجلاء لا ريب فيه الطرق الكفيلة بحماية الفرد والمجتمع من هذه الآفات المهلكة، فحثّ على العفّة والطّهارة، وأمر بغضّ البصر ونهى عن التّبرّج وغلّظ عقوبة الزّنا «8» ، ليس ذلك فحسب، ولكنّه حثّ على الزّواج لمن يقدر عليه تحصينا لفرجه، وبالصّوم لمن لا يقدر على الزّواج، وما ذلك إلّا ليقي المسلم من ثوران الشّهوة وسطوة الغريزة من ناحية، والمحافظة على النّسل وتقوية المجتمع الإسلاميّ بما ينجم عن الزّواج من تكثير عدد المسلمين واستمراريّة وجودهم من ناحية أخرى.
حث الإسلام على الزواج:
حثّ القرآن الكريم في مواطن عديدة على الزّواج تحصينا للفرج وحفاظا على المجتمع، ووقاية من الانحراف أو الانجراف نحو مقتضيات رغبة طائشة، فقال عزّ من قائل: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (النور/ 32) . وجعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من سنّته، وذلك كما جاء في حكاية الرّهط الّذين تقالّوا عبادته صلّى الله عليه وسلّم، وقال أحدهم: أمّا أنا فأعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا ... الحديث «9» ، وهنا ردّ عليه الرّسول الكريم بأنّه: «يتزوّج النّساء» ، وقال تعقيبا على ذلك: فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. قال ابن حجر: والمراد من ذلك أنّ من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس منّي يلمّح بذلك إلى طريق الرّهبانيّة الّتي ابتدعوها تشدّدّا وما وفّوا بما التزموه، أمّا طريقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحنيفيّة السّمحة فإنّ منها التّزوّج لكسر الشّهوة وإعفاف النّفس وتكثير النّسل «10» .
حفظ الفرج من مقاصد الزّواج:
ذكر الإمام الغزاليّ تكثير النّسل وإبقاءه على أنّه المقصد الأوّل للزّواج وجعل حفظ الفرج وكسر الشّهوة المقصد الثّاني فقال: فيه (أي النّكاح) فوائد خمسة:
__________
(1) غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي 2/ 345 (نقلا عن روضة المحبين لابن القيم) .
(2) السفاح: يراد به الزنا يعقبه الزواج ممن زنى بها قبله.
(3) البغاء: هو الفجور والزنا (خاصة إذا كان ذلك بأجر) .
(4) اللواط: أن يأتي الرجل الرجل في دبره.
(5) المساحقة: أن تفعل المرأة بالمرأة مثلما يفعله بها الرجل.
(6) الاستمناء: استخراج المني على غير وجه شرعي.
(7) العهارة: أن يأتي المرأة للفجور بها ليلا، ثم غلبت على الزنا مطلقا.
(8) عقدنا لهذه الأمور الخمسة (العفة والطهارة وغض البصر والتبرج والزنا) صفات خاصة، يرجع إليها في مواضعها من الموسوعة.
(9) انظر الحديث بتمامه في قسم الأحاديث برقم (16) .
(10) فتح الباري (9/ 8) .(5/1655)
1- الولد، وهو الأصل وله وضع النّكاح والمقصود به إبقاء النّسل «1» .
2- كسر الشّهوة، والمراد التّحصّن من الشّيطان، وكسر التّوقان ودفع غوائل الشّهوة، وغضّ البصر وحفظ الفرج.
3- ترويح النّفس وإيناسها بالمجالسة والنّظر ونحوهما إراحة وتقوية لها على العبادة، ذلك أنّ النّفس ملول، وهي عن الحقّ نفور، لأنّه على خلاف طبعها، فلو كلّفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت، وإذا روّحت في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنّساء من الاستراحة ما يزيل الكره ويروّح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتّقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال تعالى: لِيَسْكُنَ إِلَيْها (الأعراف/ 189) . وقال عليّ- رضي الله عنه-:
روّحوا القلوب ساعة فإنّها إذا أكرهت عميت.
4- في الزّواج تفريغ القلب عن تدبير المنزل وتهيئة أسباب المعيشة ولو تكفّل المرء بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرّغ للعلم والعمل، والمرأة الصّالحة عون على الدّين بهذه الطّريق.
5- مجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والصّبر على أخلاقهنّ والسّعي في إصلاحهنّ وإرشادهنّ إلى طريق الدّين، ورعايتهنّ، وهذه كلّها أعمال عظيمة الفضل لما فيها من الرّعاية والولاية، والأهل والولد رعيّة، وفضل الرّعاية عظيم، ولا يحترز منها إلّا من خاف القصور عن القيام بحقّها «2» .
وقال السّفارينيّ: النّكاح مأمور به شرعا، وهو مستحسن وضعا وطبعا؛ لأنّ به بقاء النّسل وعمار الدّنيا، وعبادة الله، والقيام بالأحكام، وهو سنّة لذي شهوة ولا يخاف الزّنا ولو كان فقيرا، والاشتغال به أفضل من التّخلّي لنوافل العبادة، ويباح لمن لا شهوة له، ويجب على من يخاف الزّنا رجلا كان أو امرأة، علما كان الخوف أو ظنّا، وهو مقدّم على الحجّ الواجب كما نصّ عليه الإمام أحمد بن حنبل، وتعرض الكراهية للنّكاح إذا كان النّاكح غير ذي شهوة لأنّه يمنع من تزوّجها من الإحصان (العفّة) بغيره، ويضرّها بحبسها على نفسه «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان- الحياء- الشرف- العفة- الحجاب- النزاهة- الغيرة- غض البصر- الوقاية- المراقبة- الخوف- تعظيم الحرمات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الزنا- الدياثة- اتباع الهوى- الأذى- التبرج- إطلاق البصر- التفريط والإفراط- الغي والإغواء- الفحش- الفجور] .
__________
(1) ذكر الغزالي (إحياء علوم الدين 2/ 24) للولد من أنواع القربة ما يلي: 1- موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان. 2- طلب محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في التكثير من مباهاته الأمم. 3- طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده. 4- طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبل أبيه ... وقد أفاض- رحمه الله- في شرح ذلك، واستقصاء ما قال يخرج عن أغراض هذه الموسوعة.
(2) إحياء علوم الدين (بتصرف واختصار) ص 24- 31.
(3) انظر هذه الأحكام تفصيلا في غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي (2/ 432- 434) .(5/1656)
الآيات الواردة في «حفظ الفرج»
1 قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) «1»
2- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2»
3- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «3»
4- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) «4» .
__________
(1) المؤمنون: 1- 7 مكية.
(2) النور: 30- 31 مدنية.
(3) الأحزاب: 35 مدنية.
(4) المعارج: 19- 31 مكية.(5/1657)
الآيات الواردة في «حفظ الفرج» معنى
5- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «1»
6- وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «2»
7- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
«3» .
8- الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «4»
9- وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «5»
10- وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) «6»
11- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) «7»
__________
(1) البقرة: 232 مدنية.
(2) النساء: 3 مدنية.
(3) النساء: 25 مدنية.
(4) المائدة: 5 مدنية.
(5) النور: 33 مدنية.
(6) النور: 60 مدنية.
(7) القصص: 27 مكية(5/1658)
الأحاديث الواردة في (حفظ الفرج)
1-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنّة من أيّ أبواب الجنّة شئت» ) * «1» .
2-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذّا حدّثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدّوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضّوا أبصاركم وكفّوا أيديكم» ) * «2» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا شباب قريش لا تزنوا.
ألا من حفظ فرجه فله الجنّة» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (حفظ الفرج) معنى
4-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّ فتى من قريش أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزّنى. فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه.
فقال: «ادنه» . فدنا منه قريبا فقال: «أتحبّه لأمّك؟» قال: لا والله! جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لأمّهاتهم» . قال: «أفتحبّه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لبناتهم» قال: «أفتحبّه لأختك؟» قال:
لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لأخواتهم» قال: «أفتحبّه لعمّتك؟» قال:
لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: «ولا النّاس يحبّونه لعمّاتهم» . قال: «أفتحبّه لخالتك؟»
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 191) وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/ 240) رقم (673) : صحيح من حديث أبي هريرة وهو في مجمع الزوائد (4/ 301) وقال: فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2) أحمد في المسند (5/ 323) ، وابن حبان رقم (271) ، والحاكم في المستدرك (4/ 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: فيه إرسال ولكن له شاهد من حديث أنس بعده: (عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «تقلبوا لي بست أتقبل لكم الجنة» قالوا: وما هي؟ قال: «إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا أؤتمن فلا يخن وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم» .
(3) الحاكم في المستدرك (4/ 358) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والمنذري في الترغيب (3/ 282) وقال: رواه الحاكم والبيهقي.(5/1659)
قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال:
«ولا النّاس يحبّونه لخالاتهم» . قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهمّ اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه» .
فلم يكن- بعد ذلك الفتى- يلتفت إلى شيء) * «1» .
5-* (عن أبي برزة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم ومضلّات الهوى» ) * «2» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما رأيت شيئا أشبه باللّمم «3» ممّا قال أبو هريرة إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنى «4» . أدرك ذلك لا محالة. فزنى العينين النّظر. وزنى اللّسان النّطق، والنّفس تتمنّى وتشتهي والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه» ) * «5» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق» ، وسئل عن أكثر ما يدخل النّاس النّار. فقال: «الفم والفرج» ) * «6» .
8-* (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا: ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلّا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك» . قلت: يا رسول الله، فالرّجل يكون مع الرّجل؟ قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل» ، قلت: فالرّجل يكون خاليا؟ قال: «الله أحقّ أن يستحيي منه النّاس» . وفي رواية: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن
__________
(1) أحمد في المسند (5/ 257) والهيثمي في المجمع (1/ 129) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
(2) رواه أحمد (4/ 420، 423. والهيثمي في المجمع (1/ 188) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح لأن أبا الحكم البناني الراوي عن أبي برزة بيّنه الطبراني فقال عن أبي الحكم هو الحرث بن الحكم وقد روى له البخاري وأصحاب السنن.
(3) ما رأيت شيئا أشبه باللمم: معناه تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ. ومعنى الآية- والله أعلم- الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم، يغفر لهم اللمم. كما في قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ. فمعنى الآيتين أن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر، وهي اللمم.. وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس ونحوها. وهو كما قال. هذا هو الصحيح في تفسير اللمم.
(4) (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى) : معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنى. فمنهم من يكون زناه حقيقيّا بإدخال الفرج في الفرج الحرام. ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنى وما يتعلق بتحصيله. أو باللمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها. وبالمشي بالرجل إلى الزنى أو النظر أو اللمس أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك أو بالفكر بالقلب. فكل هذه أنواع من الزنى المجازيّ. والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه. معناه أنه قد يحقق الزنى بالفرج وقد لا يحققه. بأن لا يولج الفرج في الفرج وإن قارب ذلك.
(5) البخاري- الفتح 11 (6243) ، مسلم (2657) .
(6) أحمد (2/ 472، 2/ 291) قال محقق جامع الأصول (11/ 694) : رواه ابن حبان في صحيحه، وهو حديث صحيح بشواهده. وابن ماجة (4246) .(5/1660)
استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينّها» . قلت: فإذا كان أحدنا خاليّا؟ قال: «الله أحقّ أن يستحيي منه النّاس» ) * «1» .
9-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
كان عبد الله بن أبيّ ابن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا. فأنزل الله- عزّ وجلّ: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور/ 33) » ) * «2» .
10-* (عن علقمة- رضي الله عنه- قال:
كنت أمشي مع عبد الله بمنى. فلقيه عثمان. فقام معه يحدّثه. فقال له عثمان: يا أبا عبد الرّحمن! ألا نزوّجك جارية شابّة. لعلّها تذكّرك بعض ما مضى من زمانك.
قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا معشر الشّباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوّج. فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصّوم. فإنّه له وجاء» ) * «3» .
11-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من توكّل لي ما بين رجليه وما بين لحييه «4» توكّلت له بالجنّة» ) * «5» .
12-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يأكل الرّجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة. وأن يشتمل الصّمّاء «6» ، وأن يحتبي «7» في ثوب واحد، كاشفا عن فرجه» ) * «8» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الملامسة والمنابذة، وعن صلاتين:
بعد الفجر حتّى ترتفع الشّمس، وبعد العصر حتّى تغيب الشّمس، وأن يحتبي بالثّوب الواحد ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السّماء وأن يشتمل الصّمّاء) » * «9» .
14-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن لبستين وعن بيعتين، نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع. والملامسة لمس الرّجل ثوب الآخر بيده باللّيل أو بالنّهار، ولا يقلّبه إلّا بذاك، والمنابذة أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل بثوبه، وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، واللّبستان: اشتمال الصّمّاء- والصّمّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه ليس عليه ثوب، واللّبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء» ) * «10» .
__________
(1) أبو داود (4017) . والترمذي (2794) . وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 447) : إسناده حسن.
(2) مسلم (3029) .
(3) البخاري- الفتح 4 (1905) ، مسلم (1400) . واللفظ له. والباءة: عقد النكاح، وقيل: مؤن النكاح، ووجاء: أي يذهب شهوة الجماع.
(4) ما بين لحييه: لسانه.
(5) البخاري- الفتح 12 (6807) وفي لفظ: من يضمن ... أضمن ... رقم (6474) .
(6) اشتمال الصماء: هو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا كالصخرة الصماء.
(7) يحتبي بثوبه: أي يشتمله.
(8) مسلم (2099) .
(9) البخاري- الفتح 10 (5819) .
(10) البخاري- الفتح 10 (5820) .(5/1661)
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هاجر إبراهيم عليه السّلام بسارة، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك- أو جبّار من الجبابرة- فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النّساء. فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه الّتي معك؟ قال: أختي. ثمّ رجع إليها فقال: لا تكذّبي حديثي، فإنّي أخبرتهم أنّك أختي، والله إن على الأرض من مؤمن غيري وغيرك. فأرسل بها إليه فقام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي فقالت: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ الكافر. فغطّ حتّى ركض برجله.
قال الأعرج: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن:
إنّ أبا هريرة قال: قالت: اللهمّ إن يمت يقال هي قتلته. فأرسل ثمّ قام إليها فقامت توضّأ وتصلّي وتقول: اللهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلّا على زوجي فلا تسلّط عليّ هذا الكافر، فغطّ حتّى ركض برجله. قال عبد الرّحمن: قال أبو سلمة: قال أبو هريرة: فقالت: اللهمّ إن يمت فيقال هي قتلته. فأرسل في الثّانية أو في الثّالثة فقال: والله ما أرسلتم إليّ إلّا شيطانا، أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها آجر، فرجعت إلى إبراهيم عليه السّلام، فقالت: أشعرت أنّ الله كبت الكافر وأخدم وليدة» ) * «1» .
16-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خطب عمر- رضي الله عنه- النّاس، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ رخّص لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم ما شاء وإنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد مضى لسبيله فأتمّوا الحجّ والعمرة كما أمركم الله عزّ وجلّ وحصّنوا فروج هذه النّساء» ) * «2» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط «3» إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها «4» ، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي «5» فليس منّي» ) * «6» .
18-* (عن علقمة- رحمه الله- قال: كنت مع عبد الله (بن مسعود) - رضي الله عنه- فلقيه عثمان (بن عفّان) - رضي الله عنه- فقال: يا أبا عبد الرّحمن، إنّ لي إليك حاجة فخليا «7» ، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرّحمن في أن نزوّجك بكرا تذكّرك ما كنت تعهد؟
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2217) واللفظ له، مسلم (2371) نحوه.
(2) أحمد (1/ 17) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 200) : إسناده صحيح.
(3) الرهط: هو العدد من ثلاثة إلى عشرة.
(4) تقالّوها: أي رأى كل منهم أنها قليلة.
(5) الرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره.
(6) البخاري- الفتح (5063) ، ومسلم (1401) .
(7) فخليا: أي فاختلى به، ويروى فخلوا وهو من الخلوة أي الانفراد.(5/1662)
فلمّا رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا، أشار إليّ فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك، لقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة «1» فليتزوّج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء «2» » ) * «3» .
19-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإنّ ذلك يردّ ما في نفسه» ) * «4» .
20-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: ردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عثمان بن مظعون التّبتّل، ولو أذن له، لا ختصينا «5» » ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حفظ الفرج)
1-* (قال أبو إدريس الخولانيّ: «أوّل ما وصّى الله به آدم عند إهباطه إلى الأرض حفظ فرجه وقال: لا تضعه إلّا في حلال» ) * «7» .
2- قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المعارج/ 29) : والّذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط. لا يقربون سوى أزواجهم الّتي أحلّها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السّراري. ومن تعاطى ما أحلّه الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (المعارج/ 30)) * «8» .
3-* (وقال في قوله تعالى: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ (الأحزاب/ 35) : أي عن المحارم والمآثم إلّا عن المباح» ) * «9» .
4-* (وقال في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (المعارج/ 29) : «أي يكفّونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه» ) * «10» .
5-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- أمر الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يأمر المؤمنين بغضّ أبصارهم وحفظ فروجهم، ولمّا كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضّه مقدّما على حفظ الفرج، فإنّ الحوادث مبدؤها من النّظر، فتكون نظرة ثمّ خطرة ثمّ خطوة ثمّ خطيئة. ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه:
اللّحظات والخطرات واللّفظات والخطوات) * «11» .
__________
(1) الباءة: هي القدرة علي مؤن النكاح.
(2) الوجاء أن ترضّ أنثيا الفحل رضّا شديدا يذهب شهوة الجماع والمراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوجاء.
(3) البخاري- الفتح (5065) ، واللفظ له، ومسلم (1400) .
(4) مسلم (1403) .
(5) التّبتّل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا لعبادة الله تعالى.
(6) البخاري- النكاح- باب الترغيب في النكاح رقم 5073، مسلم رقم 1402. والمعنى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لو أذن في ذلك الانقطاع عن النساء لا ختصينا لدفع الشهوة (وحفظ الفرج) .
(7) جامع العلوم والحكم (162) .
(8) تفسير ابن كثير (18/ 249) .
(9) المصدر السابق (22/ 497) .
(10) المصدر السابق (29/ 450) .
(11) الداء والدواء ص 232.(5/1663)
من فوائد (حفظ الفرج) .
(1) الفلاح والفوز برضوان الله- عزّ وجلّ- في الدّنيا والآخرة.
(2) من حفظ الفرج يكون قد حفظ النّسل وطهارة الإنجاب.
(3) وبه ينشأ المجتمع النّظيف النّقيّ من الدّنس وأدران الزّنى.
(4) يحفظ القلوب من التّعلّق بالمحرّمات.
(5) يحفظ المسلمين من أن يسري فيهم داء الزّنى وما يتبعه من الأوبئة.
(6) يحفظ الصّحّة العامّة من عاديات الأمراض الفتّاكة الّتي تنتج عن انتشار الزّنى كالزّهري والإيدز كما هو الآن في المجتمعات الغربيّة.
(7) يمنع المفاسد ويطهّر الذّمم ويؤلّف القلوب.
(8) ينشر الأمن ويحفظ الأعراض بين أفراد المجتمع.
(9) هو عفاف يمتاز به أصحاب الشّرائع السّماويّة عن غيرهم من عبّاد الصّنم والدّهريّين والكفرة وغيرهم.
(10) في حفظ الفرج بالزّواج فوائد عديدة ذكرها الإمام الغزاليّ منها التّفرّغ للعلم والعمل، وترويح النّفس وإيناسها، ومجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية للأهل والولاية عليهم «1» .
(11) يزيد في الحسنات ويرفع الدّرجات.
(12) النّيّة الصّالحة فيه تحوّله من عادة إلى عبادة.
__________
(1) انظر الفقرة الخاصة ب «حفظ الفرج» من مقاصد الزواج.(5/1664)
حق الجار
الحق لغة:
مصدر قولهم حقّ الشّيء: وجب وهو مأخوذ من مادّة (ح ق ق) الّتي تدلّ على إحكام شيء وصحّته، فالحقّ نقيض الباطل، ويقال: حاقّ فلان فلانا: إذا ادّعى كلّ واحد منهما، فإذا غلبه على الحقّ قيل حقّه وأحقّه، واحتقّ النّاس في الدّين: إذا ادّعى كلّ واحد الحقّ. وقال بعض أهل العلم في قوله تعالى حَقِيقٌ عَلى «1» قال واجب عليّ، ومن قرأها حقيق على فمعناها: حريص على، ويقال استحقّ لقحها: إذا وجب، وقال الجوهريّ: الحقّ خلاف الباطل والحقّ:
واحد الحقوق، وقولهم: لحقّ لا آتيك، هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللّام، وإذا أزالوا عنها اللّام قالوا: حقّا لا آتيك، والحاقّة:
القيامة، سمّيت بذلك لأنّ فيها حواقّ الأمور، وقولهم: أحققت الشّيء: أي أو جبته، واستحققته: أي استوجبته. وتحقّق عندي الخبر: صحّ. وحقّقت قوله وظنّه تحقيقا: أي صدّقت. وكلام محقّق أي رصين، وثوب محقّق إذا كان محكم النّسج «2» .
الجار لغة:
قال الرّاغب: الجار من يقرب مسكنه منك، الآيات الأحاديث الآثار
1 26 19
وهو من الأسماء المتضايفة؛ فإنّ الجار لا يكون جارا لغيره إلّا وذلك الغير جار له كالأخ والصّديق، ولمّا استعظم حقّ الجار عقلا وشرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار، قال تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى (النساء/ 36) وقد تصوّر من الجار معنى القرب فقيل لمن يقرب من غيره جاره وجاوره، وتجاور (معه) قال تعالى: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا (الأحزاب/ 60) وباعتبار القرب قيل: جار عن الطّريق (أي لم يلتزمه وإنّما انحرف قريبا منه) ثمّ جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حقّ فبني منه الجور، قال تعالى: وَمِنْها جائِرٌ (النحل/ 9) أي عادل عن المحجّة. وجمع الجار (جيران) ، و (جاوره مجاورة، وجوارا) من باب قاتل: والاسم (الجوار) بالضّمّ: إذا لاصقه في السّكن، وحكى ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الجار الّذي يجاورك بيت بيت، و (الجار) :
الشّريك في العقار: مقاسما كان، أو غير مقاسم، و (الجار) : الخفير، و (الجار) : الّذي يجير غيره، أي يؤمّنه ممّا يخاف، و (الجار) : المستجير أيضا، وهو الّذي يطلب الأمان، و (الجار) : الحليف، و (الجار) :
النّاصر، و (الجار) : الزّوج، و (الجار) أيضا: الزّوجة،
__________
(1) حَقِيقٌ عَلى بتشديد الياء قراءة الحسن ونافع وقراءة الجمهور على (الأعراف/ 105) .
(2) مقاييس اللغة، (2/ 17) ، والصحاح (4/ 1461) .(5/1665)
ويقال فيها أيضا (جارة) ، و (الجارة) : الضّرّة، قيل لها جارة: استكراها للفظ الضّرّة، و (كان ابن عبّاس ينام بين جارتيه) ، أي زوجتيه «1» .
حق الجار اصطلاحا:
امتثال الوصيّة بالجار بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطّاقة. كالهديّة، والسّلام وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقّد حاله، ومعاونته فيما احتاج إليه، إلى غير ذلك. وكفّ أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسّيّة كانت أو معنويّة «2» .
قال ابن حجر- رحمه الله-: واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصّديق والعدوّ، والغريب والبلديّ، والنّافع والضّارّ، والقريب والأجنبيّ والأقرب دارا والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصّفات الأول كلّها ثمّ أكثرها وهلمّ جرّا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصّفات الأخرى كذلك، فيعطى كلّ حقّه بحسب حاله «3» .
أمّا حقّ الجار تفصيلا فقد أشار إليه الحديث الثّالث عشر والأثران الحادي عشر والثّاني عشر، فلتنظر هناك.
حدّ الجوار:
وقال: واختلف في حدّ الجوار: فجاء عن عليّ رضي الله عنه- «من سمع النّداء فهو جار» ، وقيل «من صلّى معك صلاة الصّبح في المسجد فهو جار» ، وعن عائشة- رضي الله عنها- «حدّ الجوار أربعون دارا من كلّ جانب» ، وعن الأوزاعيّ مثله، وأخرج البخاريّ في (الأدب المفرد) مثله عن الحسن «4» .
وقال القرطبيّ: الجار يطلق ويراد به الدّاخل في الجوار، ويطلق ويراد به المجاور في الدّار وهو الأغلب «5» .
وقال ابن حجر أيضا: والجار القريب: من بينهما قرابة والجار الجنب بخلافه وهذا قول الأكثر، وأخرجه الطّبريّ بسند حسن عن ابن عبّاس، وقيل الجار القريب: المسلم والجار الجنب غيره وأخرجه أيضا الطّبري عن نوف البكاليّ أحد التّابعين «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأدب- تكريم الإنسان- حسن الخلق- إفشاء السلام- التودد- حسن المعاملة- حسن العشرة- طلاقة الوجه- الشهامة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- سوء المعاملة- اتباع الهوى- الإعراض- سوء الخلق- السفاهة] .
__________
(1) المصباح المنير (1/ 24) . ولسان العرب (4/ 153- 155) . ومختار الصحاح (116) ، ومفردات الراغب، (ص 103) .
(2) فتح الباري (10/ 456) .
(3) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1666)
الآيات الواردة في «حق الجار»
1-* وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «1»
__________
(1) النساء: 36 مدنية.(5/1667)
الأحاديث الواردة في (حق الجار)
1-* (عن عمرو بن الحمق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله «1» » . قيل: وما عسله؟ قال: «يحبّبه إلى جيرانه» ) * «2» .
2-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
إنّ خليلي صلّى الله عليه وسلّم أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه.
ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف» ) * «3» .
3-* (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشكو جاره قال:
اطرح متاعك على طريق فطرحه، فجعل النّاس يمرّون عليه ويلعنونه، فجاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، لقيت من النّاس. قال: «وما لقيت؟» قال: يلعنونني. قال: «قد لعنك الله قبل النّاس» ، فقال: إنّي لا أعود، فجاء الّذي شكاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ارفع متاعك، فقد كفيت» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يشكو جاره، فقال: «اذهب فاصبر» ، فأتاه مرّتين أو ثلاثا فقال: «اذهب فاطرح متاعك في الطّريق» ، فطرح متاعه في الطّريق، فجعل النّاس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل النّاس يلعنونه:
فعل الله به، وفعل، وفعل، فجاء إليه جاره فقال له:
ارجع لا ترى منّي شيئا تكره) * «5» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير الأصحاب عند الله: خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله: خيرهم لجاره» ) * «6» .
6-* (عن مطرّف يعني ابن عبد الله، قال:
كان يبلغني عن أبي ذرّ حديث «7» وكنت أشتهي لقاءه، فلقيته فقلت: يا أبا ذرّ كان يبلغني عنك حديثك وكنت أشتهي لقاءك. قال: لله تبارك وتعالى أبوك قد لقيتني فهات. قلت: حديثا بلغني أنّ رسول الله
__________
(1) عسله: أي طيب ثناه فيهم: وروي أنه قيل لرسول الله: ما عسله؟. فقال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله: أي جعل له من العمل الصالح ثناء طيبا. (اللسان «عسل» ) .
(2) أحمد (4/ 200) . من حديث أبي عنبة الخولاني، وذكره الغزالي في الإحياء (2/ 215) وقال العراقي: رواه أحمد، ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي في الزهد من حديث عمرو بن الحمق. ثم قال: إسناده جيد.
(3) مسلم (2625) .
(4) المنذري في الترغيب (3/ 355) وقال: رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن بنحوه إلا أنه قال: ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق فوضعه، فكان كل من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو. عليه، فجاء جاره، فقال: رد متاعك، فإني لا أوذيك أبدا.
(5) أبو داود (5153) . والحاكم (4/ 165) وذكر له شاهدا من حديث أبي جحيفة وصححه وأقره الذهبي.
(6) الترمذي (1944) وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (6/ 640) : إسناده صحيح.
(7) في المجمع: حديثا بالنصب، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.(5/1668)
صلّى الله عليه وسلّم حدّثك قال: إنّ الله- عزّ وجلّ- يحبّ ثلاثة.
ويبغض ثلاثة. قال: فما إخالني أكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: فمن هؤلاء الثّلاثة الّذين يحبّهم الله عزّ وجلّ-؟ قال: رجل غزا في سبيل الله صابرا محتسبا فقاتل حتّى قتل وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله- عزّ وجلّ- ثمّ تلا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف/ 4) قلت: ومن؟ قال: رجل كان له جار سوء يؤذيه فصبر على أذاه حتّى يكفيه الله إيّاه بحياة أو موت. قلت:
فذكر الحديث، وقد رواه النّسائيّ وغيره غير ذكر الجار) * «1» .
7-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «ما تقولون في الزّنا؟» . قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن يزني الرّجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال: ما تقولون في السّرقة؟ قالوا: حرّمها الله ورسوله فهي حرام. قال: «لأن يسرق الرّجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» ) * «2» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره» . ثمّ يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها «3» معرضين؟ والله لأرمينّ «4» بها بين أكنافكم «5» ) * «6» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من جار السّوء في دار المقامة؛ فإنّ جار البادية يتحوّل» ) * «7» .
10-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال وهو ينحل ابن الزّبير «8» قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن الّذي يشبع وجاره جائع» ) * «9» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» ) * «10» .
12-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-
__________
(1) الهيثمي في المجمع (8/ 171) وقال: رواه أحمد والطبراني واللفظ له وإسناد الطبراني وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 89) وصححه ووافقه الذهبي.
(2) المنذري في الترغيب (3/ 352) وقال: رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات، والطبراني في الكبير والأوسط.
(3) قوله (عنها) : أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة.
(4) قوله (لأرمينّ بها) في رواية أبي داود (لألقينها) أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنّكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته.
(5) قوله (بين أكنافكم) قال ابن عبد البر: رويناه في الموطأ بالمثناة وبالنون. والأكناف بالنون جميع كنف بفتحها وهو الجانب، قال الخطابي: معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين، قال وأراد بذلك المبالغة، وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال: إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة.
(6) البخاري- الفتح 5 (2463) . مسلم (1609) .
(7) المنذري في الترغيب (3/ 355) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه. والحاكم (1/ 532) وصححه ووافقه الذهبي.
(8) ينحل ابن الزبير: أي يعطيه عطية بلا عوض.
(9) الهيثمي في المجمع (8/ 167) وقال: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات. مسند أبي يعلى (5/ 92) برقم (2699) ، وصححه الحاكم 4/ 167) ووافقه الذهبي.
(10) الهيثمي في المجمع (8/ 167) وقال: رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن.(5/1669)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «1» .
13-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله، فليس ذلك بمؤمن، وليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه. أتدري ما حقّ الجار؟: إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنّأته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، وإذا مات اتّبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الرّيح إلّا بإذنه، ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلّا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهد له، فإن لم تفعل فأدخلها سرّا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده» ) * «2» .
14-* (عن نافع بن عبد الحارث- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سعادة المرء الجار الصّالح والمركب الهنيّ والمسكن الواسع» ) * «3» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «4» .
16-* (عن أبي شريح الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت» ) * «5» .
17-* (عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» . قيل وما جائزته يا رسول الله؟
قال: «يوم وليلة، والضّيافة ثلاثة أيّام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ) * «6» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ، أو يعلّم من يعمل
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6014) . ومسلم (2625) . ولهما اللفظ نفسه عن عائشة- رضي الله عنها-.
(2) المنذري في الترغيب (3/ 357) وقال: رواه الخرائطي من مكارم الأخلاق. قال الحافظ: ولعل قوله: أتدري ما حق الجار إلى آخره في كلام الراوي غير مرفوع، لكن قد روى الطبراني عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله ما حق الجار عليّ؟ قال: إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أعوز سترته. فذكر الحديث بنحوه. وانظره عند الهيثمي (8/ 165) . وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ عن معاذ بن جبل نحوه أيضا. ونحوه عند البخاري- الأدب 29، ومسلم- إيمان 730 إلا أوله.
(3) الهيثمي في المجمع (8/ 163) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (4/ 166) وصححه ووافقه الذهبي.
(4) البخاري- الفتح 10 (6018) . ومسلم (48) .
(5) مسلم (48) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6019) . ومسلم (47) .(5/1670)
بهنّ؟» . قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، فقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك، فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» .
19-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن من أمنه النّاس، والمسلم من سلّم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السّوء، والّذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة عبد لا يأمن جاره بوائقه» ) * «2» .
20-* (عن عمرو بن الشّريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقّاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبيّ، إذ جاء أبو رافع مولى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا سعد ابتع منّي بيتيّ في دارك. فقال سعد: والله ما أبتاعهما. فقال المسور: والله لتبتا عنّهما.
فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجّمة أو مقطّعة «3» . قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الجار أحقّ بسقبه «4» » ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إيّاه) * «5»
21-* (عن أبي شريح- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» . قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الّذي لا يأمن جاره بوائقه» ) * «6» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إنّ فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: «هي في النّار» . قال: يا رسول الله، فإنّ فلانة يذكر من قلّة صيامها وصلاتها، وأنّها تتصدّق بالأثوار «7» من الأقط «8» ، ولا تؤذي جيرانها. قال:
«هي في الجنّة» ) * «9» .
__________
(1) أخرجه الترمذي (2305) واللفظ له. وفي مسند أحمد (2/ 310) . وابن ماجة (4217) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن.
(2) المنذري في الترغيب (2/ 354) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وإسناد أحمد جيد، تابع عليّ بن زيد: حميد، ويونس بن عبيد. والحاكم في المستدرك (1/ 11) وصححه على شرط مسلم.
(3) قوله (منجمة أو مقطعة) : شك من الراوي والمراد مؤجلة على أقساط معلومة.
(4) قوله (الجار أحق بسقبه) : بفتح المهملة والقاف بعدها موحدة، والسقب بالسين المهملة وبالصاد أيضا، ويجوز فتح القاف وإسكانها: القرب والملاصقة. قال ابن بطال: استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار، وأوله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ولذلك دعاه إلى الشراء منه، قال: وأما قولهم إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا فمردود، فإن كل شيء قارب شيئا قيل له جار، وقد قالوا لا مرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة، انتهى.
(5) البخاري- الفتح 4 (2258) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6016) .
(7) الأثوار: بالمثلثة جمع ثور: وهي قطعة من الأقط.
(8) الأقط: بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضا وبكسر الهمزة والقاف معا وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي.
(9) المنذري في الترغيب (2/ 356) وقال: رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة. وقال بإسناد صحيح أيضا.(5/1671)
وهذا لفظ بعضهم: قالوا: يا رسول الله فلانة تصوم النّهار، وتقوم اللّيل، وتؤذي جيرانها. قال:
«هي في النّار» قالوا: يا رسول الله، فلانة تصلّي المكتوبات، وتصدّق «1» بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها. قال: «هي في الجنّة» ) * «2» .
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا» ) * «3» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة «4» » ) * «5» .
25-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهوديّ فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (حق الجار) *
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي.
ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله، قال:
«الحق» ، ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن له، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللّبن؟» قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة قال: «أبا هرّ» قلت:
لبّيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصّفّة «7» فادعهم لي» . قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها،
__________
(1) تصدق: أي تتصدق وتحسن.
(2) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 169) وقال: رجاله ثقات.
(3) البخاري- الفتح 4 (2259) .
(4) الفرسن: عظم قليل اللحم.
(5) البخاري- الفتح 10 (6017) . ومسلم (1030) .
(6) أبو داود (5152) وقال الألباني (3/ 968) : صحيح. والترمذي (1944) . قال محقق جامع الأصول (6/ 637) : إسناده صحيح، والمرفوع عنه في الصحيحين وقد مر.* وحياة النبي صلّى الله عليه وسلّم كلها مثل يحتذى، وقد طبق صلّى الله عليه وسلّم ما أمره به ربه وقام به خير قيام.
(7) وهم جيران رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ كانت صفتهم بالقرب من حجر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.(5/1672)
فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: «يا أبا هرّ» ، قلت لبّيك يا رسول الله، قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال:
«بقيت أنا وأنت» . قلت: صدقت يا رسول الله، قال:
«اقعد فاشرب» . فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» .
فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا، قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حق الجار)
1-* (رأى أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- ولده عبد الرّحمن وهو يناصي جارا له، فقال: «لا تناص جارك فإنّ هذا يبقى والنّاس يذهبون» ) * «2» .
2-* (عن يحيى المازنيّ أنّ الضّحّاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض «3» ، فأراد أن يمرّ به في أرض محمّد بن مسلمة، فمنعه، فقال له: لم تمنعني، ولك فيه منفعة، تشرب فيه أوّلا وآخرا، ولا يضرّك؟
فأبى (محمّد) فكلّم الضّحّاك فيه عمر بن الخطّاب.
فدعا عمر بن الخطّاب محمّد بن مسلمة، فأمره أن يخلّي سبيله، فقال محمّد: لا والله، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرّك؟ فقال: لا والله، فقال له عمر:
والله ليمرّنّ به ولو على بطنك، ففعل الضّحّاك) * «4» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«خلال المكارم عشر تكون في الرّجل ولا تكون في أبيه وتكون في العبد ولا تكون في سيّده، يقسّمها الله تعالى لمن أحبّ: صدق الحديث، وصدق النّاس، وإعطاء السّائل، والمكافأة بالصّنائع، وصلة الرّحم، وحفظ الأمانة، والتّذمّم للجار، والتّذمّم للصاحب، وقرى الضّيف، ورأسهنّ الحياء» ) * «5» .
4-* (يروى أنّ رجلا جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه- فقال له: إنّ لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيّق عليّ، فقال: اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6452) .
(2) إحياء علوم الدين (2/ 214) . وناصى جاره أي أخذ بناصيته.
(3) خليجا له من العريض: الخليج: النهر يؤخذ من النهر الكبير، و «العريض» بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون الياء موضع معروف من نواحي المدينة.
(4) أخرجه الموطأ (2/ 746) في الأقضية. وقال محقق «جامع الأصول» (6/ 644) : رجال إسناده ثقات.
(5) إحياء علوم الدين (2/ 314) .
(6) المصدر السابق (2/ 212) .(5/1673)
5-* (عن ابن أخي عبد الله بن سلام لمّا أريد عثمان جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: «ما جاء بك؟» . قال: «جئت في نصرك» ، قال: «اخرج إلى النّاس فاطردهم عنّي فإنّك خارجا خير لي منك داخلا» ، فخرج عبد الله إلى النّاس فقال: «أيّها النّاس، إنّه كان اسمي في الجاهليّة فلان فسمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله ونزل فيّ آيات من كتاب الله نزلت فيّ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إنّ لله سيفا مغمودا عنكم، وإنّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الّذي نزل فيه نبيّكم، فالله الله في هذا الرّجل أن تقتلوه، فو الله إن قتلتموه، لتطردنّ جيرانكم الملائكة ولتسلّنّ سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة» ، قال:
«فقالوا: اقتلوا اليهوديّ واقتلوا عثمان» ) * «1» .
6-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- أنّه «كان لا يرى بأسا أن تطعم جارك اليهوديّ والنّصرانيّ من أضحيتك» ) * «2» .
7-* (قال الحسن بن عيسى النّيسابوريّ:
«سألت عبد الله بن المبارك فقلت: الرّجل المجاور يأتيني فيشكو غلامي أنّه أتى إليه أمرا والغلام ينكره فأكره أن أضربه ولعلّه بريء، وأكره أن أدعه فيجد «3» عليّ جاري فكيف أصنع؟ قال: إنّ غلامك لعلّه أن يحدث حدثا يستوجب فيه الأدب فاحفظه عليه، فإذا شكاه جارك فأدّبه على ذلك الحدث فتكون قد أرضيت جارك وأدّبّته على ذلك الحدث، وهذا تلطّف في الجمع بين الحقّين» ) * «4» .
8-* (قال الشّيخ أبو محمّد بن أبي جمرة:
«حفظ الجار من كمال الإيمان» ) * «5» .
9-* (وقال: إذا أكّد حقّ الجار مع الحائل بين الشّخص وبينه، وأمر بحفظه، وإيصال الخير إليه وكفّ أسباب الضّرر عنه، فينبغي له أن يراعي حقّ الحافظين اللّذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل، فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور السّاعات، فقد جاء أنّهما يسرّان بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السّيّئات، فينبغي مراعاة جنبهما وحفظ خواطرهما بالتّكثير من عمل الطّاعات والمواظبة على اجتناب المعصية، فهما أولى برعاية الحقّ من كثير من الجيران) *. انتهى. ملخّصا «6» .
10-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «يمن المسكن سعته وحسن جوار أهله، وشؤمه ضيقه وسوء جوار أهله» ) * «7» .
11-* (وقال- رحمه الله-: «وجملة حقّ الجار: أن يبدأه بالسّلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السّؤال، ويعوده في المرض ويعزّيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنّئه في الفرح، ويظهر الشّركة في السّرور معه، ويصفح عن زلّاته،
__________
(1) الترمذي (3256) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(2) المنتقى من مكارم الأخلاق (56) .
(3) يجد: أي يغضب.
(4) إحياء علوم الدين (2/ 214) .
(5) فتح الباري (10/ 456) .
(6) البخاري- الفتح 10 (459) .
(7) إحياء علوم الدين (2/ 213) .(5/1674)
ولا يتطلّع من السّطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا في مصبّ الماء في ميزابه، ولا في مطرح التّراب في فنائه، ولا يضيّق طرقه إلى الدّار، ولا يتبعه النّظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاما، ويغضّ بصره عن حرمته، ولا يديم النّظر إلى خادمته، ويتلطّف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه» ) * «1» .
12-* (وقال: «اعلم أنّه ليس حقّ الجوار كفّ الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولا يكفي احتمال الأذى بل لا بدّ من الرّفق وإسداء الخير والمعروف، إذ يقال: إنّ الجار الفقير يتعلّق بجاره الغنيّ يوم القيامة فيقول: يا ربّ سل هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني؟» ) * «2» .
13-* (قال القرطبيّ: «فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها (أي مرغّب فيها) مسلما كان أو كافرا وهو الصّحيح» ) * «3» .
14-* (قال ابن حجر: «ويفترق الحال في ذلك بالنّسبة للجار الصّالح وغير الصّالح: والّذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدّعاء له بالهداية، وترك الإضرار «4» له إلّا في الموضع الّذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والّذي يخصّ الصّالح هو جميع ما تقدّم، وغير الصّالح كفّه عن الّذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبيّن محاسنه، والتّرغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرّفق أيضا ويستر عليه زلله عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلّا فيهجره قاصدا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسّبب ليكفّ» ) * «5» .
15-* (أنشد أبو جعفر العدويّ:
شرا «6» جارتي سترا فضول لأنّني ... جعلت جفوني ما حييت لها سترا
وما جارتي إلّا كأمّي وإنّني ... لأحفظها سرّا وأحفظها جهرا
بعثت إليها: انعمي وتنعّمي ... فلست محلّا منك وجها ولا شعرا) * «7» .
16-* (وقال حاتم الطّائيّ:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضرّ جارا لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتّى يواري جارتي الخدر) * «8» .
17-* (أنشد أحمد بن عليّ الحرّانيّ:
__________
(1) إحياء علوم الدين (2/ 213) .
(2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) تفسير القرطبي (5/ 184) .
(4) الإضرار: الإغلاظ.
(5) فتح الباري (10/ 456) .
(6) شرا: مقصور شراء.
(7) المنتقى من مكارم الأخلاق (60) .
(8) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1675)
والجار لا تذكر كريمة بيته ... واغضب لابن الجار إن هو أغضبا
احفظ أمانته وكن عزّا له ... أبدا وعمّا ساءه متجنّبا
كن ليّنا للجار واحفظ حقّه ... كرما ولا تك للمجاور عقربا) * «1» .
18-* (يروى أنّ جارا لابن المقفّع أراد بيع داره في دين ركبه وكان يجلس في ظلّ داره، فقال: «ما قمت إذا بحرمة ظلّ داره إن باعها معدما» . فدفع إليه ثمن الدّار وقال: «لا تبعها» ) * «2» .
19-* (قال العلماء: «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقّان، وجار له ثلاثة حقوق.
فالجار الّذي له ثلاثة حقوق هو الجار المسلم ذو الرّحم، فله حقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وحقّ الرّحم، وأمّا الّذي له حقّان فالجار المسلم. له حقّ الجوار وحقّ الإسلام. وأمّا الّذي له حقّ واحد فالجار المشرك، وجاء بذلك حديث لكنّه ضعيف، وهذا التّقسيم موافق لما جاءت به الآيات والأحاديث بالنّسبة لحقّ المسلم وحقّ القريب وحقّ الجار، كما أنّه موافق للتّقسيم العقلي الاستقرائيّ وعلى هذا فللجار الكافر مهما كان كفره حقّ الجوار في الإحسان إليه وترك إيذائه» ) * «3» .
من فوائد (حق الجار)
(1) حفظ حقّ الجّار من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) تعظيم حقّ الجار.
(3) حسن العلاقة بين الجيران ترضي الله- عزّ وجلّ وتسخط الشّيطان وسوءها يسخط الله- عزّ وجلّ- ويرضي الشّيطان.
(4) اسم الجار يشمل عموم أنواع المجتمع فإذا حسنت العلاقة بين الجيران وسادهم الحبّ والوئام سعد المجتمع كلّه.
(5) إنّ جار الخير يعود خيره عليه وعلى جيرانه وجار السّوء يعود سوءه عليه وحده.
(6) المكافأة على الإحسان بأحسن منه.
(7) حسن الجوار ليس بكفّ أذاك عن جيرانك بل بتحمّل أذاهم وقضاء حوائجهم وكشف كربهم.
(8) الملكان المجاوران لك أشدّ الجيران قربا فاحفظ حقّهما فلا يريا منك إلّا خيرا.
(9) حسن الجوار باب من أبواب الجنّة وسوءه باب من أبواب النّار.
__________
(1) المنتقى من مكارم الأخلاق (58) .
(2) إحياء علوم الدين (2/ 213) .
(3) السلوك الاجتماعي في الاسلام لحسن أيوب (282- 283) .(5/1676)
الحكمة
الحكمة لغة:
مصدر قولهم حكم أي صار حكيما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ك م) الّتي تدلّ على المنع أو المنع للإصلاح «1» ، ومن هذا الأصل أخذ أيضا الحكم في معنى المنع من الظّلم، وحكمة اللّجام «2» لأنّها تمنع الدّابّة عمّا لا يريده صاحبها، والحكمة لأنّها تمنع من الجهل.
يقول الجوهريّ: الحكم مصدر قولك: حكم بينهم يحكم أي قضى، ويقال حكم له أو عليه، والحكم أيضا: الحكمة (المانعة من الجهالة) «3» ، والحكيم العالم، والحكيم: صاحب الحكمة، والحكيم:
المتقن للأمور، وقد حكم أي صار حكيما.
قال النّمر بن تولب:
وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما
الآيات الأحاديث الآثار
110 18 22
أي إذا حاولت أن تكون حكيما. ويقال أحكمت الشّيء فاستحكم أى صار محكما. ويقال (أيضا) حكمت السّفيه وأحكمته: إذا أخذت على يده، قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إنّي أخاف عليكم أن أغضبا
ويقال حكّمت الرّجل تحكيما: إذا منعته ممّا أراد، ويقال حكّمته في مالي: إذا جعلت إليه الحكم فيه، واحتكموا إلى فلان وتحاكموا بمعنى أى تخاصموا إلى الحاكم، والمحكّم هو الشّيخ المجرّب المنسوب إلى الحكمة، وأمّا الّذي في الحديث «إنّ الجنّة للمحكّمين» فهم قوم من أصحاب الأخدود حكّموا وخيّروا فاختاروا الثّبات على الإسلام مع القتل «4» .
واستحكم الرّجل إذا تناهى عمّا يضرّه في دينه
__________
(1) ذهب إلى الرأي الأول ابن فارس في مقاييسه 2/ 91، وإلى الآخر الراغب في مفرداته (ص 126) .
(2) الحكمة ما أحاط بحنكي الدابّة سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد (لسان العرب (954) ط دار المعارف، وقال الجوهري: حكمة اللجام ما أحاط بالحنك (الصحاح 5/ 1902) .
(3) في الأصل: والحكم: الحكمة من العلم ولعل في هذا إشارة إلى معنى الحكم في قوله تعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا فالحكم بمعنى الحكمة التي هي علم مانع من الجهالة.
(4) ما ذكرناه هو رأي الجوهري، وقد ورد في تفسيره قولان آخران: الأول: المحكمون هم الذين يقعون في يد العدو فيخيرون بين الشرك والقتل فيختارون القتل، وهذا يشمل أصحاب الأخدود وغيرهم، انظر اللسان (ص 952) . الآخر: المحكمون: هم المخصصون بالحكمة، (انظر مفردات الراغب (128) . وقد وردت رواية أخرى بالكسر ويكون المراد بالمحكم هو المنصف من نفسه وقد رجح في اللسان (تبعا لابن الأثير) رواية الفتح للحديث الآخر الذى رواه كعب: «إن في الجنة دارا لا يدخلها إلا نبى أو صديق أو شهيد أو محكم فى نفسه» . (اللسان الموضع السابق) .(5/1677)
ودنياه، وقول الله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود/ 1) فمعناه كما قال أهل التّفسير: أحكمت آياته بالأمر والنّهي والحلال والحرام، ثمّ فصّلت بالوعد والوعيد.
وقال الرّاغب في مفرداته: الحكم بالشّيء أن تقضي بأنّه كذا أو كذا ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، والحكمة: إصابة الحقّ بالعلم والعقل، ويختلف معنى الحكمة باختلاف من يتّصف بها، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا وصف به لقمان في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ونبّه على جملتها (أي الحكمة) بما وصفه به، فإذا قيل في الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، ومن هذا الوجه قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ وإذا وصف به القرآن فلتضمّنه الحكمة، وعلى ذلك قوله تعالى تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* وقيل معنى الحكيم المحكم كما في قوله- عزّ وجلّ-: أُحْكِمَتْ آياتُهُ وكلاهما صحيح فإنّه محكم ومفيد للحكم (أي الحكمة) ففيه المعنيان جميعا «1» .
الحكيم من أسماء الله- عزّ وجلّ-:
قال ابن منظور: الله- سبحانه وتعالى- أحكم الحاكمين، وهو الحكيم، له الحكم سبحانه وتعالى، قال اللّيث: الحكم الله تعالى، وقال الأزهريّ من صفات الله: الحكم والحكيم والحاكم ومعاني هذه الأسماء متقاربة، وعلينا الإيمان بأنّها من أسمائه، وقال ابن الأثير في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم وهما بمعنى الحاكم، وهو القاضي فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل الحكيم: ذو الحكمة وهي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم «2» .
وقال الغزاليّ: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، والله عزّ وجلّ هو الحكيم الحقّ، لأنّه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم، إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزليّ الدّائم الّذي لا يتصوّر زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليه خفاء ولا شبهة ولا يتّصف بذلك إلّا علم الله سبحانه وتعالى «3» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:- اسم الحكيم له سبحانه- من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعه الأشياء في مواضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه «4» .
الحكمة اصطلاحا:
قال الكفويّ: الحكمة عند العلماء هي استعمال النّفس الإنسانيّة باقتباس العلوم النّظريّة
__________
(1) بتصرف يسير عن المراجع الآتية: مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 91) ، والصحاح للجوهري (5/ 1902) ، ولسان العرب لابن منظور (951- 954) (ط. دار المعارف) ، والمفردات للراغب (ص 126، 127) .
(2) لسان العرب: السابق (951) (ط. دار المعارف) .
(3) المقصد الأسنى ص 120.
(4) التفسير القيم ص 31.(5/1678)
واكتساب الملكة التّامّة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها، وقال بعضهم هي: العلم النّافع المعبّر عنه بمعرفة ما لها وما عليها المشار إليها بقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (البقرة/ 269) «1» .
وقد ذكر الجرجانيّ والتّهانويّ وابن حجر للحكمة تعريفات عديدة تختلف باختلاف نوع الحكمة من ناحية واختلاف من يتناولها من العلماء من ناحية أخرى وأهمّ هذه التّعريفات:
1- عند المفسرين:
الحكمة: معرفة الحقّ لذاته والخير لأجل العمل به وهو التّكاليف الشّرعيّة «2» .
(انظر تعريفات أخرى للحكمة ضمن الآثار الواردة عن السّلف في كتب التّفسير) .
2- عند المحدّثين:
قال ابن حجر: واختلف في المراد بالحكمة فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن الله، وقيل ما يشهد العقل بصحّته، وقيل نور يفرّق به بين الإلهام والوسواس. وقيل: سرعة الجواب بالصّواب. وقيل:
غير ذلك «3» ، ثمّ نقل عن الإمام النّوويّ قوله: في الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها: أنّ الحكمة هي العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل به والكفّ عن ضدّه، والحكيم من حاز ذلك «4» .
3- عند أهل السّلوك:
نقل التّهانويّ تعريفين للحكمة هما:
أ- الحكمة معرفة آفات النّفس والشّيطان والرّياضات.
ب- الحكمة هيئة للقوّة العقليّة العمليّة المتوسّطة بين الجربزة (وهي هيئة تصدر بها الأفعال بالمكر والحيلة) وبين البلاهة وهي الحمق، والحكمة بهذا المعنى أحد أجزاء العدالة المقابلة للجور «5» .
من معاني كلمة الحكمة في القرآن الكريم:
وذكر أهل التّفسير أنّ الحكمة في القرآن على ستّة أوجه:
أحدها: الموعظة: ومنه قوله تعالى في (القمر/ 5) : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ.
الثّاني: السّنّة: ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 151) : وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ.
الثّالث: الفهم: ومنه قوله تعالى في (لقمان/ 12) : وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ.
الرّابع: النّبوّة: ومنه قوله تعالى في (ص/ 20) : وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ.
الخامس: القرآن: أمره ونهيه: ومنه قوله تعالى
__________
(1) الكليات للكفوي (2/ 222) .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 370) .
(3) فتح الباري (7/ 126) .
(4) المرجع السابق (1/ 549) .
(5) كذا قال التهانوي والكشاف (1/ 372) . وذكر الجرجاني أن الجربزة في إفراط هذه القوة وذكر البلادة بدلا من البلاهة، وقال إن المراد بالبلادة هو التفريط. انظر كتاب التعريفات (ص 97) .(5/1679)
في (النّحل/ 125) : ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
السّادس: علوم القرآن: ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 269) : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً «1» . وقد أورد ابن الجوزيّ للمفسّرين في هذه الآية سبعة أقوال:
1- أنّ المراد بالحكمة القرآن، قاله ابن مسعود رضي الله عنه-.
2- علوم القرآن: ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ونحو ذلك، قاله ابن عبّاس- رضي الله عنهما-.
3- النّبوّة: روي عن ابن عبّاس أيضا، وأسباط والسّدّيّ.
4- الفقه والعلم: رواه ليث عن مجاهد.
5- الإصابة: رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
6- الخشية لله، قاله الرّبيع عن أنس- رضي الله عنه- «2» .
7- العقل في الدّين: قاله ابن زيد «3» .
وأمّا الحكيم فقد ورد في القرآن على خمسة أوجه:
1- بمعنى الأمور المقضيّة على وجه الحكمة: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (الدخان/ 4) .
2- بمعنى اللّوح المحفوظ: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف/ 4) .
3- بمعنى الكتاب المشتمل على قبول المصالح: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (يونس/ 1) .
4- بمعنى القرآن العظيم المبيّن لأحكام الشّريعة:
يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (يس/ 1- 2) .
5- المخصوص بصفة الله- عزّ وجلّ- تارة مقرونا بالعلوّ والعظمة: إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وتارة مقرونا بالعلم والدّراية: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ*، وتارة مقرونا بكمال الخبرة: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، وتارة مقرونا بكمال العزّة:
وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً* «4» .
[للاستزادة انظر صفات: الإيمان- الفطنة- الفقه- العلم- السكينة- الورع- النظر والتبصر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: السفاهة- الطيش- العجلة- اتباع الهوى- الغفلة- الجهل- البلادة والغباء] .
__________
(1) هناك معان أخر أوردتها كتب التفسير تضمنها تصنيفنا للآيات الكريمة في الصفحات التالية.
(2) وقع تصحيف في نسخة نزهة الأعين النواظر فذكر «الخيبة» بدلا من الخشية، وصوبنا كلامه من تفسير القرطبي (3/ 330) وقد ذكر أربعة أوجه أخرى فانظرها هناك.
(3) وقد وردت هذه الأقوال في حاشية النسخة المحققة، وقال المحقق إن هذا من عمل الناسخ ولم يقدم دليلا على أن ذلك ليس من كلام ابن الجوزي سوى الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.
(4) بصائر ذوي التمييز (2/ 492) .(5/1680)
الآيات الواردة في «الحكمة»
أولا: الحكمة من صفة المولى- عزّ وجلّ- (مرادا بها إيجاد الأشياء على غاية الإحكام والدقة) :
أ- مقترنة بالعلم:
1- وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) «1»
2- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) «2»
3- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) «3»
4-* وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24) «4»
5- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «5»
6- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
(92) «6» .
__________
(1) البقرة: 31- 32 مدنية
(2) النساء: 11 مدنية
(3) النساء: 17 مدنية
(4) النساء: 24 مدنية
(5) النساء: 26 مدنية
(6) النساء: 92 مدنية(5/1681)
7- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «1»
8- وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) «2»
9- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) «3»
10- وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) «4»
11- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) «5»
12- أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) «6»
13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «7»
14-* إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) «8»
__________
(1) النساء: 170 مدنية
(2) الأنعام: 83 مكية
(3) الأنعام: 128 مكية
(4) الأنعام: 139 مكية
(5) الأنفال: 70- 71 مدنية
(6) التوبة: 13- 15 مدنية
(7) التوبة: 28 مدنية
(8) التوبة: 60 مدنية(5/1682)
15- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) «1»
16- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) «2»
17- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) «3»
18- وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) «4»
19- ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) «5»
20- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) «6»
21- وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) «7»
22- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) «8»
23- يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) «9»
__________
(1) التوبة: 97 مدنية
(2) التوبة: 105- 106 مدنية
(3) التوبة: 109- 110 مدنية
(4) يوسف: 6 مكية
(5) يوسف: 81- 83 مكية
(6) يوسف: 99- 100 مكية
(7) الحجر: 24- 25 مكية
(8) الحج: 52 مدنية
(9) النور: 17- 18 مدنية(5/1683)
24- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) «1»
25- وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) «2»
26- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) «3»
27- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) «4»
28- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) «5»
29- وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) «6»
30- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) «7»
31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ
__________
(1) النور: 58- 59 مدنية
(2) النمل: 6- 8 مكية
(3) الأحزاب: 1 مدنية
(4) الزخرف: 84- 85 مكية
(5) الفتح: 4 مدنية
(6) الحجرات: 7- 8 مدنية
(7) الذاريات: 24- 30 مكية(5/1684)
وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «1»
32- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) «2»
33- إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (31) «3»
ب- مقترنة بالعزة:
34- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «4»
35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) «5»
36-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) «6»
37- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «7»
38- وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ
__________
(1) الممتحنة: 10 مدنية
(2) التحريم: 1- 2 مدنية
(3) الإنسان: 29- 31 مدنية
(4) البقرة: 127- 129 مدنية
(5) البقرة: 208- 209 مدنية
(6) البقرة: 219- 220 مدنية
(7) البقرة: 228 مدنية(5/1685)
فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) «1»
39- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) «2»
40- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) «3»
41- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «4»
42- إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) «5»
43- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «6»
44- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) «7»
45- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) «8»
46-* إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ
__________
(1) البقرة: 240 مدنية
(2) البقرة: 260 مدنية
(3) آل عمران: 5- 6 مدنية
(4) آل عمران: 18 مدنية
(5) آل عمران: 62 مدنية
(6) آل عمران 124- 126 مدنية
(7) النساء: 56 مدنية
(8) النساء: 155- 158 مدنية(5/1686)
وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «1»
47- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) «2»
48- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) «3»
49- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) «4»
50- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «5»
51-* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «6»
52- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) «7»
__________
(1) النساء: 163- 165 مدنية
(2) المائدة: 38 مدنية
(3) المائدة: 116- 119 مدنية
(4) الأنفال: 9- 10 مدنية
(5) الأنفال: 49 مدنية
(6) الأنفال: 61- 63 مدنية
(7) الأنفال: 67 مدنية(5/1687)
53- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «1»
54- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) «2»
55- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «3»
56- لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) «4»
57- يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) «5»
58- وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25) * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) «6»
59- مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ (43) «7»
60- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «8»
61- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «9»
62- وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) «10»
__________
(1) التوبة: 40 مدنية
(2) التوبة: 71 مدنية
(3) إبراهيم: 4 مكية
(4) النحل: 60 مكية
(5) النمل: 9- 10 مكية
(6) العنكبوت: 25- 26 مكية
(7) العنكبوت: 41- 43 مكية
(8) الروم: 27 مكية
(9) لقمان: 8- 9 مكية
(10) لقمان: 27 مكية(5/1688)
63- قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) «1»
64- الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) «2»
65- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «3»
66- (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) .
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) «4»
67- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) «5»
68- فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (26) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «6»
69- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) «7»
70- وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) «8»
71-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)
__________
(1) سبأ: 27 مكية
(2) فاطر: 1- 2 مكية
(3) غافر: 7- 9 مكية
(4) الشورى: 1- 4 مكية
(5) الجاثية: 1- 4 مكية
(6) الجاثية: 36- 37 مكية
(7) الأحقاف: 1- 3 مكية
(8) الفتح: 7 مدنية(5/1689)
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) «1»
72- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) «2»
73- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «3»
74- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «4»
75- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «5»
76- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) «6»
77- إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «7»
ج- مقترنة بالخبرة:
78- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) «8»
__________
(1) الفتح: 18- 19 مدنية
(2) الحشر: 1- 2 مدنية
(3) الحشر: 23- 24 مدنية
(4) الممتحنة: 4- 5 مدنية
(5) الصف: 1 مدنية
(6) الجمعة: 1- 4 مدنية
(7) التغابن: 17- 18 مدنية
(8) الأنعام: 17- 18 مكية(5/1690)
79- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) «1»
80- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) «2»
81- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) «3»
د- مقترنة بالعلو:
82-* وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «4»
هـ- مقترنة بالتوبة:
83 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «5»
ومقترنة بالحمد:
84 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) .
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) «6»
ز- مقترنة بالسعة:
85- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «7»
ثانيا: الحكمة من صفة القرآن الكريم:
86- وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «8»
__________
(1) الأنعام: 73 مكية
(2) هود: 1- 2 مكية
(3) سبأ: 1 مكية
(4) الشورى: 51 مدنية
(5) النور: 10 مدنية
(6) فصلت: 41- 42 مكية
(7) النساء: 128- 130 مدنية
(8) آل عمران: 57- 58 مدنية(5/1691)
87- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «1»
88- الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «2»
89- يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) «3»
90- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) «4»
ثالثا: الحكمة من صفة أمر الله، قيل هو القرآن، وقيل غير ذلك:
91- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) «5»
رابعا: الحكمة بمعنى السنة وبيان الشرائع:
92- رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «6»
93- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) «7»
94- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «8»
__________
(1) يونس: 1- 2 مكية
(2) لقمان: 1- 5 مكية
(3) يس: 1- 5 مكية
(4) الزخرف: 1- 4 مكية
(5) الدخان: 1- 5 مكية
(6) البقرة: 129 مدنية
(7) البقرة: 151 مدنية
(8) البقرة: 231 مدنية(5/1692)
95- وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) «1»
96- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «2»
97- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «3»
98- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(113) «4»
99- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) «5»
100- وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «6»
101- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «7»
خامسا: الحكمة بمعنى النبوة:
102- فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «8»
103- وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) «9»
__________
(1) آل عمران: 48 مدنية
(2) آل عمران: 81 مدنية
(3) آل عمران: 164 مدنية
(4) النساء: 113 مدنية
(5) المائدة: 110 مدنية
(6) الأحزاب: 34 مدنية
(7) الجمعة: 2 مدنية
(8) البقرة: 251 مدنية
(9) ص: 20 مكية(5/1693)
104- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) «1»
سادسا: الحكمة بمعنى الفقه في القرآن الإصابة في القول والعمل:
105 يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (269) «2»
سابعا: الحكمة بمعنى المواعظ الحسنة:
106- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) «3»
ثامنا: الحكمة بمعنى القرآن أو آياته الكريمة، وقيل التلطف واللين دون مخاشنة وتعنيف:
107- ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) «4»
تاسعا: الحكمة بمعنى الأفعال المحكمة والأخلاق الفاضلة:
108- لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (22)
وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)
... إلى قوله تعالى:
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) «5»
عاشرا: الحكمة بمعنى الفهم وحجة العقل وفقا للشريعة:
109- وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) «6»
الحادي عشر: الحكمة بمعنى العظة (وقيل القرآن) :
110- حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «7»
__________
(1) الزخرف: 63 مكية
(2) البقرة: 269 مدنية
(3) النساء: 54 مدنية
(4) النحل: 125 مكية
(5) الإسراء: 22- 39 مكية
(6) لقمان: 12 مكية
(7) القمر: 5 مكية(5/1694)
الأحاديث الواردة في (الحكمة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنّة، هو الله الّذي لا إله إلّا هو:
الرّحمن، الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصّور، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدأ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظّاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ الرّءوف، مالك الملك ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور» ) * «1» .
2-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ من الشّعر حكمة» ) * «2» .
3-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف أصوات رفقة الأشعريّين بالقرآن حين يدخلون باللّيل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن باللّيل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنّهار، ومنهم حكيم «3» إذا لقي الخيل- أو قال العدوّ- قال لهم: إنّ أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم «4» » ) * «5» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) هذه رواية الترمذي بتفصيل الأسماء، ولم يفصلها غيره، وقال: حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. قال: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لا نعلم في شيء كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث رواه الترمذي رقم (3507) من حديث صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال: حديث غريب، ورواه ابن حبان في صحيحه رقم (2382) موارد الظمآن من طريق صفوان به، وأخرجه ابن ماجة رقم (3861) في الدعاء، باب أسماء الله عزّ وجلّ، من طريق أخرى عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بنحو مما تقدم بزيادة ونقصان. وقال النووي- رحمه الله- في الأذكار (128) هذا حديث البخاري ومسلم إلى قوله يحب الوتر وما بعده حديث حسن رواه الترمذي وغيره. وقال محقق جامع الأصول (4/ 175) أقول: ومع ذلك كله فقد ذكر الحديث ابن حبان في صحيحه وحسنه النووي في أذكاره. واللفظ للترمذي. وقال ابن كثير: الذي عوّل عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، انظر تفسير ابن كثير (1/ 514) (ط. الشعب) تفسير الآية (180) من سورة الأعراف.
(2) البخاري- الفتح 10 (6145) .
(3) حكيم: صفة رجل منهم، قاله عياض عن أبي علي الصّدفي. فتح الباري (7/ 557) .
(4) تنظروهم: أي تنتظرونهم.
(5) البخاري- الفتح 7 (4232) .(5/1695)
قال: ضمّني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «اللهمّ علّمه الحكمة» ) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول: «الفخر والخيلاء في الفدّادين «2» أهل الوبر، والسّكينة في أهل الغنم، والإيمان يمان، والحكمة يمانية» . قال أبو عبد الله:
سمّيت اليمن لأنّها عن يمين الكعبة، والشّام عن يسار الكعبة، والمشأمة: الميسرة، واليد اليسرى:
الشّؤمى، والجانب الأيسر: الأشأم) * «3» .
6-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو ذرّ يحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكّة. فنزل جبريل. ففرج صدري. ثمّ غسله من ماء زمزم. ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا. فأفرغه في صدري. ثمّ أطبقه. ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء. فلمّا جئت إلى السّماء الدّنيا قال جبريل لخازن السّماء الدّنيا:
افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم. معي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم. فلمّا فتح علونا السّماء الدّنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة. قال إذا نظر قبل يمينه ضحك. وإذا نظر قبل يساره بكى.
فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت:
لجبريل من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه. فأهل اليمين منهم أهل الجنّة. والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار. فإذا نظر عن يمينه ضحك. وإذا نظر قبل شماله بكى. حتّى عرج بي إلى السّماء الثّانية. فقال لخازنها: افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأوّل. ففتح» . قال أنس: فذكر أنّه وجد في السّماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين. ولم يثبت كيف منازلهم. غير أنّه ذكر أنّه وجد آدم في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السّادسة. قال أنس: فلمّا مرّ جبريل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإدريس قال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: «من هذا؟» فقال: هذا إدريس. ثمّ مررت بموسى فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: «من هذا؟» . قال: هذا موسى. ثمّ مررت بعيسى. فقال: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. قلت: «من هذا؟» . قال:
هذا عيسى. ثمّ مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قلت: «من هذا؟» . قال:
هذا إبراهيم. قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم أنّ ابن عبّاس وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» . قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7270) . وفيه (الكتاب) بدل (الحكمة) ، وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح (3824 واللفظ له، وعند أحمد (1/ 214، 264، 314، 328) وفيه: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، وأصله في الصحيحين، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(2) الفدادين: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم.
(3) البخاري- الفتح 6 (3499) واللفظ له. ومسلم (52) .(5/1696)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة.
فرجعت بذلك حتّى مررت على موسى فقال: ما فرض الله لك على أمّتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة.
قال: فارجع إلى ربّك. فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فراجعت ربّي فوضع شطرها. فرجعت إلى موسى.
قلت: وضع شطرها. فقال: راجع ربّك. فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. فراجعت فوضع شطرها. فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون. لا يبدّل القول لديّ. فرجعت إلى موسى. فقال: فقلت:
استحييت من ربّي. ثمّ انطلق بي جبريل حتّى انتهى إلى سدرة المنتهى. وغشيها ألوان لا أدري ما هي. ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها جنابذ «1» اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «2» .
7-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا حسد إلّا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الحكمة) معنى
8-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت، وأتّبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «4» . وعن معاذ نحوه.
9-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّ رجلين تيمّما وصلّيا ثمّ وجدا ماء في الوقت فتوضّأ أحدهما وعاد لصلاته ما كان في الوقت، ولم يعد الآخر. فسألا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال للّذي لم يعد: «أصبت السّنّة وأجزأتك صلاتك» . وقال للآخر: «أمّا أنت فلك مثل سهم جمع «5» » ) * «6» .
10-* (عن المغيرة بن شعبة أخبر، أنّه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبوك. قال المغيرة: فتبرّز «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل الغائط. فحملت معه إداوة «8» قبل صلاة الفجر. فلمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليّ أخذت أهريق «9»
__________
(1) الجنابذ: جمع جنبذة: وهي القبّة، وقيل: كل شيء مرتفع.
(2) البخاري- الفتح 1 (349) واللفظ له. ومسلم (164) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7141) . ومسلم (816) .
(4) الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول برقم (9333) ج 11 ص 694، وقال محققه: حديث حسن.
(5) سهم جمع: أي له سهم من الخير جمع فيه أجر الصلاتين.
(6) أبو داود (338، 339) ، والنسائي بشرح السيوطي (1/ 213) واللفظ له. قال محقق جامع الأصول (7/ 266) : حديث حسن ورواه ابن السكن بإسناد صحيح موصول كما ذكره الحافظ في التلخيص.
(7) يقال تبرز فلان: كناية عن التغوّط.
(8) الإداوة: المطهرة.
(9) أهريق: أي أريق وأصبّ.(5/1697)
على يديه من الإداوة. وغسل يديه ثلاث مرّات. ثمّ غسل وجهه. ثمّ ذهب يخرج جبّته عن ذراعيه فضاق كمّا جبّته. فأدخل يديه في الجبّة. حتّى أخرج ذراعيه من أسفل الجبّة. وغسل ذراعيه إلى المرفقين. ثمّ توضّأ على خفّيه. ثمّ أقبل. قال المغيرة: فأقبلت معه حتّى نجد النّاس قد قدّموا عبد الرّحمن بن عوف فصلّى لهم.
فأدرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحدى الرّكعتين. فصلّى مع النّاس الرّكعة الآخرة. فلمّا سلّم عبد الرّحمن بن عوف قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتمّ صلاته. فأفزع ذلك المسلمين.
فأكثروا التّسبيح. فلمّا قضى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاته. أقبل عليهم ثمّ قال: «أحسنتم» ، أو قال «قد أصبتم» .
يغبطهم أن صلّوا الصّلاة لوقتها) * «1» .
11-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: مرّ فتى على عمر فقال عمر: نعم الفتى. قال: فتبعه أبوذرّ فقال: يا فتى استغفر لي. فقال: يا أبا ذرّ أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: استغفر لي. قال:
لا أو تخبرني. فقال: إنّك مررت على عمر رضي الله عنه. فقال: نعم الفتى، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إنّ الله جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه) * «2» .
12-* (عن سعد- رضي الله عنه- قال:
سمعت أبا أمامة قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد فأتى على حمار، فلمّا دنا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيّدكم أو خيركم، فقال: «هؤلاء نزلوا على حكمك» .
فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريّهم. قال: «قضيت بحكم الله» ، وربّما قال: بحكم الملك) * «3»
13-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث- أو وافقني ربّي في ثلاث- قلت: يا رسول الله لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ الله رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل الله عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ. الآية) * «4» .
__________
(1) مسلم (274) فى كتاب الصلاة، باب (22) ص (317) .
(2) أبو داود (1962) وقال محقق جامع الأصول (8/ 609) حديث حسن. والحاكم في المستدرك (3/ 87) ووافقه الذهبي. واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 7 (4121) واللفظ له. ومسلم (1768) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4483) واللفظ له. ومسلم (2399) .(5/1698)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحكمة)
14-* (عن عديّ بن ثابت قال: حدّثنا سليمان بن صرد (رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) ، قال: استبّ رجلان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتّى انتفخ وجهه وتغيّر. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الّذي يجد» ، فانطلق إليه الرّجل فأخبره بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تعوّذ بالله من الشّيطان» .
فقال: أترى بي بأس، أمجنون أنا؟، اذهب) * «1» .
15-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف «2» على قطيفة فدكيّة «3» ، وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتّى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلمّا غشيت المجلس عجاجة «4» الدّابّة خمّر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه قال: لا تغبّروا علينا. فسلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ووقف ونزل فدعاهم إلى الله، فقرأ عليهم القرآن. فقال له عبد الله بن أبيّ: يا أيّها المرء، إنّه لا أحسن ممّا تقول إن كان حقّا فلا تؤذنا به في مجالسنا، وارجع إلى رحلك فمن جاءك منّا فاقصص عليه. قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنّا نحبّ ذلك. فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى كادوا يتثاورون، فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا، فركب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة فقال له: «أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب» يريد عبد الله بن أبيّ، قال سعد: يا رسول الله اعف عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة على أن يتوّجوه فيعصّبوه، فلمّا ردّ ذلك بالحقّ الّذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك الّذي فعل به ما رأيت) * «5» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به: «لقيت موسى» قال: فنعته، فإذا رجل حسبته قال: «مضطرب رجل الرّأس «6» كأنّه من رجال شنوءة» . قال: «ولقيت عيسى» ، فنعته النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ربعة «7» أحمر، كأنّما خرج من ديماس- يعني الحمّام- ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به» . قال: «وأتيت بإناءين أحدهما فيه لبن والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيّهما شئت، فأخذت اللّبن فشربته، فقيل لي: هديت إلى الفطرة أو أصبت
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6048) واللفظ له. ومسلم (2610) .
(2) الإكاف: شيء يشدّ على الحمار فيركب عليه الراكب.
(3) فدكيّة أي تنسب إلى فدك وهي بلدة بينها وبين المدينة يومان.
(4) عجاجة الدابة: أي أثر غبار رجلها.
(5) البخاري- الفتح 10 (5663) واللفظ له. ومسلم (1798) .
(6) رجل الشعر والرأس: أي ليس شديد الجعودة وليس شديد السبوطة.
(7) رجل ربعة: أي مربوع الخلق لا هو طويل ولا قصير.(5/1699)
الفطرة. أمّا إنّك لو أخذت الخمر غوت أمّتك» ) * «1» .
17-* ( ... وجاء في حديث الإفك، أنّ عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة- رضي الله عنها-: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب.. الحديث.
وفيه: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث «2» الوحي. يستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأمّا أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالّذي يعلم من براءة أهله، وبالّذي يعلم في نفسه لهم من الودّ. فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال: لم يضيّق الله عليك والنّساء سواها كثير. وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» . قالت له بريرة: والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا قطّ أغمصه عليها «3» ، أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «4» فتأكله.
قالت: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فاستعذر «5» من عبد الله بن أبيّ بن سلول. قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي» . فقام سعد ابن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج، وكان رجلا صالحا. ولكن اجتهلته الحميّة «6» . فقال لسعد بن معاذ: كذبت.
لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله لنقتلنّه. فإنّك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج «7» حتّى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت ...
الحديث) * «8» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي كمثل
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3437) . ومسلم (168) .
(2) استلبث الوحي: أي أبطا ولبث ولم ينزل.
(3) أغمصه عليها: أي أعيبها به.
(4) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(5) استعذر: معناه: من يعذرني فيمن آذاني في أهلي، وقيل معناه من ينصرني. والعذير الناصر.
(6) اجتهلته الحمية: أي أخفته وأغضبته وحملته على الجهل.
(7) فثار الحيان الأوس والخزرج: أي تناهضوا للنزاع والعصبية.
(8) البخاري- الفتح 7 (4141) . ومسلم (2770) واللفظ له.(5/1700)
رجل استوقد نارا. فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش «1» وهذه الدّوابّ الّتي في النّار يقعن فيها.
وجعل يحجزهنّ ويغلبنه فيتقحّمن فيها» . قال:
«فذالكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ «2» بحجزكم «3» عن النّار. هلمّ عن النّار. هلمّ عن النّار. فتغلبوني تقحّمون «4» فيها» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحكمة)
1- قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«كونوا ربّانيّين حكماء فقهاء» ) * «6» .
2-* (من حكم ابن مسعود- رضي الله عنه:
«ينبغي لحامل القرآن، أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا) * «7» .
3-* (قال معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-: «لا حليم إلّا ذو عثرة ولا حكيم إلّا ذو تجربة» ) * «8» .
4-* (عن عون بن عبد الله؛ قال: قال عبد الله: «نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة، وترجى فيه الرّحمة» ) * «9» .
5-* (عن شرحبيل بن شريك أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ يقول: «ليس هديّة أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك» ) * «10» .
6-* (عن كعب، قال: «عليكم بالقرآن، فإنّه فهم العقل، ونور الحكمة، وينابيع العلم، وأحدث كتب الرّحمن عهدا، وقال في التّوراة: يا محمّد، إنّي منزّل عليك توراة حديثة، تفتح بها أعينا عميّا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «11» .
7-* (عن وهب بن منبّه قال: «أجمعت الأطبّاء (على) أنّ رأس الطّبّ الحمية، وأجمعت (الحكماء) أنّ رأس الحكمة الصّمت» ) * «12» .
8-* (عن الضّحّاك بن موسى قال: مرّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة وهو يريد مكّة، فأقام بها أيّاما، فقال: «هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟» . فقالوا له: أبو حازم، فأرسل إليه، فلمّا
__________
(1) الفراش: قال الخليل: هو الذي يطير كالبعوض.
(2) آخذ: روي بوجهين: أحدهما اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الذال والثاني فعل مضارع بضم الخاء والذال بلا تنوين والأول أشهر. وهما صحيحان.
(3) بحجزكم: الحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل.
(4) تقحمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت.
(5) البخاري- الفتح 11 (6483) ، ومسلم (2284) واللفظ له.
(6) فتح الباري (1/ 192) .
(7) الفوائد (201) .
(8) فتح الباري (10/ 546) .
(9) الدارمي (1/ 75) رقم (293) .
(10) المرجع السابق (1/ 84) رقم (357) .
(11) المرجع السابق (2/ 312) رقم (3327) .
(12) حسن السمت في الصمت للسيوطي (24) .(5/1701)
دخل عليه قال له: «يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟» . قال أبو حازم: «يا أمير المؤمنين وأيّ جفاء رأيت منّي؟» .
قال: «أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني» ، قال: «يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أنا رأيتك» ، قال: فالتفت سليمان إلى محمّد بن شهاب الزّهريّ، فقال: «أصاب الشّيخ وأخطأت» ، قال سليمان: «يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟» . قال: «لأنّكم أخربتم الآخرة وعمّرتم الدّنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب» ، قال:
«أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غدا على الله؟» .
قال: «أمّا المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأمّا المسيء فكالآبق يقدم على مولاه» ، فبكى سليمان، وقال:
«ليت شعري ما لنا عند الله؟» . قال: «اعرض عملك على كتاب الله» ، قال: «وأيّ مكان أجده» . قال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار/ 13، 14) ، قال سليمان: «فأين رحمة الله يا أبا حازم؟» . قال أبو حازم: رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قال له سليمان: «يا أبا حازم فأيّ عباد الله أكرم؟» . قال: «أولو المروءة والنّهى» ، قال له سليمان:
«فأيّ الدّعاء أسمع؟» . قال أبو حازم: «دعاء المحسن إليه للمحسن» . قال: «فأيّ الصّدقة أفضل؟» . قال:
«للسّائل البائس، وجهد المقلّ، ليس فيها منّ ولا أذى» ، قال: «فأيّ القول أعدل؟» . قال: «قول الحقّ عند من تخافه أو ترجوه» ، قال: «فأيّ المؤمنين أكيس؟» . قال:
«رجل عمل بطاعة الله ودلّ النّاس عليها» . قال: «فأيّ المؤمنين أحمق؟» قال: «رجل انحطّ في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره» ، قال له سليمان: «أصبت، فما تقول فيما نحن فيه؟» . قال: «يا أمير المؤمنين إنّ آباءك قهروا النّاس بالسّيف، وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين ولا رضا لهم، حتّى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، فقد ارتحلوا عنها، فلو شعرت ما قالوا وما قيل لهم» ، فقال له رجل من جلسائه: بئس ما قلت يا أبا حازم، قال أبو حازم: «كذبت إنّ الله أخذ ميثاق العلماء ليبيّننّه للنّاس ولا يكتمونه» . قال له سليمان: «فكيف لنا أن نصلح؟» قال: «تدعون الصّلف وتمسكون بالمروءة، وتقسمون بالسّويّة» . قال له سليمان: «كيف لنا بالمأخذ به؟» . قال أبو حازم:
«تأخذه من حلّه وتضعه في أهله» ، قال له سليمان: «هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منّا ونصيب منك؟» . قال: «أعوذ بالله» . قال له سليمان: «ولم ذاك؟» . قال: «أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات» ، قال له سليمان:
«ارفع إلينا حوائجك» . قال: «تنجّيني من النّار وتدخلني الجنّة؟» . قال سليمان: «ليس ذاك إليّ» . قال أبو حازم: «فمالي إليك حاجة غيرها» ، قال: «فادع لي» ، قال أبو حازم: «اللهمّ إن كان سليمان وليّك فيسّره لخير الدّنيا والآخرة، وإن كان عدوّك فخذ بناصيته إلى ما تحبّ وترضى» ، قال له سليمان: «قطّ» . قال أبو حازم:
«قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فما ينفعني أن أرمي عن قوس ليس لها وتر» . قال له(5/1702)
سليمان: «أوصني» . قال: «سأوصيك وأوجز: عظّم ربّك، ونزّهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك، فلمّا خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب إليه» «أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير» ، قال: فردّها عليه، وكتب إليه: «يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إيّاي هزلا أو ردّي عليك بذلا، وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي» ، وكتب إليه: «أنّ موسى بن عمران لمّا ورد ماء مدين وجد عليها رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان، فسألهما فقالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظّلّ، فقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، وذلك أنّه كان جائعا خائفا لا يأمن، فسأل ربّه ولم يسأل النّاس. فلم يفطن الرّعاء وفطنت الجاريتان، فلمّا رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصّة وبقوله، فقال أبوهما وهو شعيب: هذا رجل جائع، فقال لأحداهما: إذهبي فادعيه، فلمّا أتته عظّمته وغطّت وجهها وقالت: إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، فشقّ على موسى حين ذكرت أجر ما سقيت لنا، ولم يجد بدّا من أن يتبعها، إنّه كان بين الجبال جائعا مستوحشا، فلمّا تبعها هبّت الرّيح فجعلت تصفق ثيابها على ظهرها فتصف له عجيزتها، وكانت ذات عجز، وجعل موسى يعرض مرّة، ويغضّ أخرى، فلمّا عيل صبره ناداها يا أمة الله كوني خلفي، وأريني السّمت بقولك ذا، فلمّا دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيّأ، فقال له شعيب: اجلس يا شابّ فتعشّ، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب لم أما أنت جائع؟ قال: بلى، ولكنّي أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا، فقال له شعيب: يا شابّ، ولكنّها عادتي وعادة آبائي، نقري الضّيف، ونطعم الطّعام، فجلس موسى فأكل. فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدّثت، فالميتة والدّم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحلّ من هذه، وإن كانت لحقّ في بيت المال فلي فيها نظراء؛ فإن ساويت بيننا، وإلّا فليس لي فيها حاجة» ) * «1»
9-* (عن السّكن بن عمير؛ قال: سمعت وهب بن منبّه يقول: «يا بنيّ عليك بالحكمة، فإنّ الخير في الحكمة كلّها، وتشرّف الصّغير على الكبير، والعبد على الحرّ، وتزيد السّيّد سؤددا، وتجلس الفقير مجالس الملوك» ) * «2» .
10-* (عن كثير بن مرّة، قال: «لا تحدّث الباطل للحكماء فيمقتوك، ولا تحدّث الحكمة للسّفهاء فيكذّبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل، إنّ عليك في علمك حقّا، كما أنّ عليك في مالك حقّا» ) * «3» .
11-* (عن ثابت بن عجلان الأنصاريّ؛ قال: «كان يقال: إنّ الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا سمع تعليم الصّبيان
__________
(1) أخرجه الدارمي (1/ 125- 126) رقم (653) .
(2) المرجع السابق (1/ 90) رقم (395) .
(3) المرجع السابق (1/ 88) رقم (384) .(5/1703)
الحكمة صرف ذلك عنهم، قال مروان: يعني بالحكمة القرآن» ) * «1» .
12-* (أخرج ابن باكويه، عن أحمد بن خالد عن أبيه؛ قال: «أدنى نفع الصّمت السّلامة، وأدنى ضرر (المنطق) النّدامة. والصّمت عمّا لا يعني من أبلغ الحكم» ) * «2» .
13-* (عن ابن شهاب؛ أنّ أبا إدريس الخولانيّ عائذ الله أخبره، أنّ يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل أخبره- قال: «كان لا يجلس مجلسا للذّكر حين يجلس إلّا قال: الله حكم قسط هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوما: إنّ من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتّى يأخذه المؤمن والمنافق والرّجل والمرأة والصّغير والكبير والعبد والحرّ، فيوشك قائل أن يقول: ما للنّاس لا يتّبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعيّ حتّى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع؛ فإنّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشّيطان قد يقول كلمة الضّلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحقّ، قال: قلت لمعاذ: ما يدريني (رحمك الله) أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضّلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحقّ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات الّتي يقال (لها) ما هذه؟، ولا يثنينّك ذلك عنه؛ فإنّه لعلّه أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته فإنّ على الحقّ نورا، وقال ابن إسحاق عن الزّهريّ قال:
بلى، ما تشابه عليك من قول الحكيم حتّى تقول ما أراد بهذه الحكمة» ) * «3» .
14-* (عن عمر بن عبد العزيز؛ قال: «إذا رأيتم الرّجل يطيل الصّمت ويهرب من النّاس، فاقتربوا منه فإنّه يلقي الحكمة» ) * «4» .
15-* (عن عبد الله بن محمّد بن شيبة حدّثنا مروان بن معاوية، عن عون، عن ابن عبّاس العمّيّ؛ قال: «بلغني أنّ داود النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يقول في دعائه: سبحانك اللهمّ أنت ربّي تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السّماوات والأرض، فأقرب خلقك منك منزلة أشدّهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك» ) * «5» .
16-* (عن الإمام مالك؛ أنّه بلغه أنّ لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: «يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنّ الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السّماء» ) * «6» .
17-* (ورد في الأثر أنّ لقمان دخل على داود عليه السّلام وهو يصنع الدّرع، فأراد أن يسأله عنها فأدركته الحكمة فسكت، فلمّا فرغ داود من صنعها
__________
(1) الدارمي (2/ 315) رقم (3348) .
(2) حسن السمت في الصمت للسيوطي (32) .
(3) أبو داود (4611) وقال الألباني (3/ 872) : صحيح الإسناد موقوف.
(4) حسن السمت في الصمت للسيوطي (25) .
(5) الدارمي (1/ 82) رقم (343) .
(6) تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك (3/ 161) .(5/1704)
لبسها، فقال: «نعم لبوس الحرب أنت» ، فقال لقمان:
«الصّمت حكمة وقليل فاعله» ، فقال داود: «بذا سمّيت حكيما» ) * «1» .
18-* (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية (يؤت الحكمة) قال: الخشية، لأنّ خشية الله رأس كلّ حكمة» ) * «2» .
19-* (وعن مطر الورّاق قال: بلغنا أنّ الحكمة خشية الله والعلم بالله» ) * 3.
20-* (وعن عروة بن الزّبير قال: كان يقال:
الرّفق رأس الحكمة» ) * 4.
21-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: «إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستّة مشاهد:
أحدها: مشهد التّوحيد، وأنّ الله هو الّذي قدّره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الثّاني:
مشهد العدل، وأنّه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه.
الثّالث: مشهد الرّحمة، وأنّ رحمته في هذا المقدّر غالبة لغضبه وانتقامه، ورحمته حشوه. الرّابع: مشهد الحكمة، وأنّ حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدّره سدى ولا قضاه عبثا. الخامس: مشهد الحمد، وأنّ له سبحانه الحمد التّامّ على ذلك من جميع وجوهه.
السّادس: مشهد العبوديّة، وأنّه عبد محض من كلّ وجه تجري عليه أحكام سيّده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده، فيصرّفه تحت أحكامه القدريّة كما يصرّفه تحت أحكامه الدّينيّة، فهو محلّ لجريان هذه الأحكام عليه» ) * «5» .
22-* (وأخرج ابن أبي الدّنيا عن موسى بن عليّ، قال: «قال ربيط بني إسرائيل: «زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصّمت» ) * «6» .
من فوائد (الحكمة)
(1) الإصابة في القول والسّداد في الفعل.
(2) الحكيم يعمل على وفق الشّرع، ويصيب في القول والفعل والتّفكّر ويسير على هدي من الله ونور.
(3) وأجمل فوائد الحكمة أنّها تدلّ على المعرفة بالله- عزّ وجلّ- مع نفاذ البصيرة وتهذيب النّفس وتحقيق الحقّ للعمل بمقتضاه والبعد عمّا سواه.
(4) الحكمة دليل كمال العقل.
(5) يلبس صاحبها تاج الكرامة في الدّنيا والآخرة.
(6) ينفع الله بصاحبها طلّاب العلم ومريدي الخير.
(7) يدرأ الله بصاحبها أبوابا كثيرة من الشّرّ.
(8) أنّها سمة من سمات الأنبياء والصّالحين والعلماء العالمين.
__________
(1) حسن السمت في الصمت للسيوطي (16) .
(2) ، (3) ، (4) الدر المنثور (2/ 69) .
(5) الفوائد (48) .
(6) حسن السمت في الصمت للسيوطي (26) .(5/1705)
الحكم بما أنزل الله
الحكم لغة:
الحكم مصدر قولهم: حكم يحكم حكما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ك م) الّتي تدلّ على المنع من الظّلم، وسمّيت حكمة الدّابّة بذلك لأنّها تمنعها عن فعل ما لا يريد صاحبها، يقال: حكمت الدّابّة وأحكمتها إذا منعتها، ويقال أيضا حكمت السّفيه، وأحكمته: إذا أخذت على يديه، قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إنّي أخاف عليكم أن أغضبا
ويقال: حكّم فلان في كذا، إذا جعل أمره إليه، والمحكّم المجرّب المنسوب إلى الحكمة، قال طرفة:
ليت المحكّم والموعوظ صوتكما «1» ... أراد بالمحكّم الشّيخ المنسوب إلى الحكمة «2» .
تحت التّراب إذا ما الباطل انكشفا ... أراد بالمحكّم الشّيخ المنسوب إلى الحكمة «2» .
وقال الرّاغب: حكم أصله منع منعا لإصلاح، والحكم بالشّيء أن تقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، قال تعالى:
وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء/ 58) ويقال: حاكم وحكّام لمن يحكم بين الآيات الأحاديث الآثار
69 22 26
النّاس «3» .
وقيل: الحكم: العلم والفقه والقضاء بالعدل، ويروى: «إنّ من الشّعر لحكمة» وهو بمعنى الحكم، ومنه الحديث: الخلافة في قريش والحكم في الأنصار، خصّهم بالحكم لأنّ أكثر فقهاء الصّحابة فيهم، ومن هذا قيل للحاكم بين النّاس حاكم، لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم.
وقيل: الحكم: الحكمة من العلم، وفي الحديث في صفة القرآن: وهو الذّكر الحكيم، أي الحاكم لكم وعليكم، أو هو المحكّم الّذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب.
وحاكمه إلى الحكم: دعاه، وحكّموه بينهم:
أمروه أن يحكم، ويقال: حكّمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا «4» .
الحكم والحكيم من أسماء الله الحسنى:
والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وهو الحكيم له الحكم، قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم، هما بمعنى الحاكم، وهو القاضي، فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء
__________
(1) صوتكما: بالنصب لأن المراد عاذليّ كبّ صوتكما والخبر متعلق الظرف (تحت التراب) . وانظر ديوان طرفة (ص 215) . قال محققه: المحكّم: الشيخ المجرب المنسوب إلى الحكمة، أي الذي أحكمته التجارب. ولعل الشاعر يقصد بهذا البيت أن يدعو لصاحبيه ألا يكونا على قيد الحياة حينما ينكشف الباطل وتتضح الحقيقة، لكيلا يزداد حزنهما على ما ناله من ظلم بسبب جور الأمير وطغيانه.
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 91) .
(3) المفردات في غريب القرآن (ص 126- 127) .
(4) لسان العرب لابن منظور (12/ 140- 141) .(5/1706)
ويتقنها، فهو فعيل بمعني مفعل، وقيل: الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصّناعات ويتقنها: حكيم، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر، وعليم بمعنى عالم «1» .
وقال الزّجّاج: فالله تعالى، هو الحاكم، وهو الحكم بين الخلق؛ لأنّه الحكم في الآخرة ولا حكم غيره. والحكّام في الدّنيا إنّما يستفيدون الحكم من قبله تعالى علوّا كبيرا «2» .
الحكم بما أنزل الله اصطلاحا:
الحكم: هو سياسة النّاس والقضاء بينهم وتدبير أمورهم طبقا للأحكام الشّرعيّة.
والحكم بما أنزل الله هو العمل بالحكم الشّرعيّ، الّذي عرّفه الجرجانيّ بقوله: هو عبارة عن حكم الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين.
وقال المناويّ: الحكم عند الأصوليّين خطاب الله تعالى المتعلّق بفعل المكلّف من حيث كونه كذلك.
وقال الكفويّ: الحكم (في الشّرع) هو خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير، وهو مدلول الأمر والنّهي والإيجاب والتّحريم ويسمّى هذا بالاختصاصات الشّرعيّة، وأثر الخطاب المترتّب على الأفعال الشّرعيّة يسمّى بالتّصرّفات المشروعة، وهو نوعان:
الأوّل: دنيويّ كالصّحّة في الصّلاة، والملك في البيع.
والآخر: أخرويّ كالثّواب والعقاب، وجميع المسبّبات الشّرعيّة عن الأسباب الشّرعيّة، كلّ ذلك محكوم لله تعالى ثبت بحكمه وإيجاده وتكوينه.
والحكم الشّرعيّ ما لا يدرك لولا خطاب الشّارع، سواء ورد الخطاب في عين هذا الحكم، أو في صورة يحتاج إليها هذا الحكم كالمسائل القياسيّة، إذ لولا خطاب الشّارع في المقيس عليه لا يدرك الحكم في المقيس «3» .
شمولية الحكم بما أنزل الله:
إنّ الحكم بما أنزل الله يتضمّن إعمال شريعة الإسلام في كلّ ما يتعلّق بأمور العباد والبلاد في المعاملات، والجنايات والعلاقات الدّوليّة والتّجاريّة، وما أشبه ذلك ممّا يعرف بالقوانين الحاكمة، كلّ ذلك ينبغي أن يكون بما أنزله الله في كتابه، أو جاءت به السّنّة الّتي تبيّن للنّاس ما نزّل إليهم مصداقا لقوله تعالى وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل/ 44) ، وقوله عزّ من قائل: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل/ 89) .
ويقتضي ذلك أن تكون الأحكام الّتي وردت بها السّنّة الشّريفة ممّا أنزل الله؛ لأنّها بيان لما أنزله- عزّ
__________
(1) لسان العرب (12/ 140- 141) .
(2) تفسير أسماء الله الحسنى لأبى إسحق الزجاج، (44) . ومعنى من قبله تعالى: أي من قبل اتباع أحكامه وشرعه الذي أنزله على الرسل في الكتب السماوية الصحيحة.
(3) باختصار وتصرف يسير عن المراجع الآتية: التعريفات للجرجاني (97) ، والتوقيف على مهمات التعريف للمناوي (145) ، والكليات للكفوي (381) .(5/1707)
وجلّ- يقول الإمام الشّافعيّ: ومن البيان (المشار إليه في الآية الكريمة) ما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس فيه نصّ حكم إذ قد فرض الله في كتابه طاعة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبفرض الله قبل «1» .
ويتضمّن الحكم بما أنزل الله أيضا الحكم بما أجمعت عليه الأمّة أو قيس على حكم جاء به الكتاب أو أوردته السّنّة. يقول صاحب المقاصد العامّة للشّريعة الإسلاميّة: عرّف الأصوليّون الحكم الشّرعيّ بأنّه خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير أو الوضع «2» .
أمّا الاقتضاء؛ فإنّه يتناول اقتضاء الوجود واقتضاء العدم، إمّا مع الجزم، أو مع جواز التّرك، فيتناول الواجب والمحظور، والمندوب، والمكروه.
وأمّا التّخيير فهو الإباحة «3» .
وأمّا الوضع فهو جعل اللّفظ دليلا على المعنى، والمراد به هنا: جعل الله الشّيء سببا أو شرطا أو مانعا صحيحا أو فاسدا.
والحكم الشّرعيّ نوعان: تكليفيّ ووضعيّ، ولكلّ منهما أقسام، أمّا أقسام التّكليفيّ فخمسة:
الإيجاب والنّدب، والتّحريم والكراهة والإباحة، وأقسام الحكم الشّرعيّ الوضعيّ المتعلّق بأفعال المكلّفين قد يكون طلبا أو تخييرا، وقد يكون جعلا للشّيء سببا أو شرطا أو مانعا وهو خطاب الوضع وقد اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) : هل هي في المسلمين أو في الكفّار؟ فروي عن الشّعبيّ أنّها في المسلمين، وروي عنه أنّها في اليهود، وروي عن طاوس أيضا أنّها في المسلمين، وأنّ المراد بالكفر فيها كفر دون كفر، وأنّه ليس الكفر المخرج من الملّة، وروي عن ابن عبّاس في هذه الآية أنّه قال: ليس الكفر الّذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشّيخين ولم يخرجاه، قاله ابن كثير.
قال بعض العلماء: والقرآن العظيم يدلّ على أنّها في اليهود؛ لأنّه تعالى ذكر فيما قبلها أنّهم يحرّفون الكلم من بعد مواضعه، وأنّهم يقولون (إن أوتيتم هذا) يعني الحكم المحرّف الّذي هو غير حكم الله فخذوه، وإن لم تؤتوه: أي المحرّف؛ بل أوتيتم حكم الله الحقّ «فاحذروا» ، فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الّذي يعلمون أنّه حقّ.
وقد قال الله تعالى بعدها: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (المائدة/ 45) الآية، فدلّ على أنّ الكلام فيهم، وممّن قال بأنّ الآية في أهل الكتاب ما ذكره البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عبّاس وأبو مجلز وأبو رجاء العطارديّ وعكرمة، وعبيد الله بن
__________
(1) الرسالة (22) .
(2) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم (24) .
(3) المحصول في علم أصول الفقه للرازي (1/ 107)(5/1708)
عبد الله، والحسن البصريّ وغيرهم، وزاد الحسن: وهي علينا واجبة، نقله عنهم ابن كثير.
وقال القرطبيّ في تفسيره: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، والظَّالِمُونَ، والْفاسِقُونَ. نزلت كلّها في الكفّار ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء، وعلى هذا المعظم «1» ، فأمّا المسلم فلا يكفّر وإن ارتكب كبيرة.
وقيل: فيه إضمار، أي وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ردّا للقرآن وجحدا لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر، قاله ابن عبّاس، ومجاهد، فالاية عامّة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامّة في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفّار، أيّ معتقدا ذلك ومستحلّا له، فأمّا من فعل ذلك وهو معتقد أنّه مرتكب محرّم فهو من فسّاق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له «2» .
الحكم بغير ما أنزل الله:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: نزلت هذه الآيات بسبب الحكم في الحدود والقصاص والدّيات، أخبر أنّ التّوراة يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ (المائدة/ 44) وهذا عامّ في النّبيّين جميعهم، ثمّ لمّا ذكر الإنجيل قال:
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ (المائدة/ 47) لأنّ الإنجيل بعض ما في التّوراة، والحكم بما أنزل الله فيه حكم بما في التّوراة أيضا، ثمّ قال (للرّسول صلّى الله عليه وسلّم) : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ.. (المائدة/ 49) ، أمره أن يحكم بما أنزل الله إليه على من قبله «3» ونقل- رحمه الله- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قوله الآية الكريمة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) .. عند ما قيل له: ما هذا الكفر؟ قال:
كفر لا ينقل عن الملّة، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر «4» .
من العبادة الحكم بما أنزل الله:
قال الشّيخ عبد العزيز بن باز: وفسّر العلماء رحمهم الله- العبادة بمعان متقاربة من أجمعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميّة إذ يقول: العبادة اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذا يدلّ على أنّ العبادة تقتضي الانقياد التّامّ لله تعالى أمرا ونهيا واعتقادا وقولا وعملا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله يحلّ ما أحلّ الله ويحرّم ما حرّم، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرّفاته كلّها لشرع الله متجرّدا من حظوظ نفسه، ونوازع هواه، ليستوي في هذا الفرد والجماعة، والرّجل والمرأة فلا يكون عابدا لله من خضع لربّه في بعض جوانب حياته وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكّده قول الله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
__________
(1) المعظم: أي معظم التابعين والمفسرين. وسنذكر هذه الآراء بشيء من التفصيل في «الآثار» الواردة في هذه الصفة.
(2) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطى (ج 2 90- 91) .
(3) الفتاوى 19/ 113 (بتصرف يسير) .
(4) الفتاوى 7/ 254.(5/1709)
يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وقال سبحانه وتعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وما روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به» . فلا يتمّ إيمان العبد إلّا إذا آمن بالله ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كلّ شأن من شئونه في الأنفس والأموال والأعراض، وإلّا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فمن خضع لله سبحانه وتعالى، وأطاعه وتحاكم إلى وحيه فهو العابد له ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطّاغوت، وانقاد له كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً والعبوديّة لله وحده والبراءة من عبادة الطّاغوت والتّحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو ربّ النّاس وإلههم، وهو الّذي خلقهم، وهو الّذي يأمرهم وينهاهم ويحييهم ويميتهم ويحاسبهم، ويجازيهم وهو المستحقّ للعبادة دون كلّ ما سواه، قال تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فكما أنّه الخالق وحده فهو الأمر سبحانه والواجب طاعة أمره، وقد حكى الله عن اليهود أنّهم اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، لمّا أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال الله تعالى اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة/ 31) ، وقد روي عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّه ظنّ أنّ عبادة الأحبار والرّهبان إنّما تكون في الذّبح لهم، والنّذر لهم والسّجود والرّكوع لهم فقط وذلك عند ما قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسلما وسمعه يقرأ هذه الآية فقال: يا رسول الله إنّا لسنا نعبدهم يريد بذلك النّصارى، حيث كان نصرانيّا قبل إسلامه قال صلّى الله عليه وسلّم: «أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلّون ما حرّم فتحلّونه» . قال: بلى قال:
«فتلك عبادتهم» .
قال ابن كثير في تفسيره: ولهذا قال تعالى:
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أي الّذي إذا حرّم الشّيء فهو الحرام، وما حلّله فهو الحلال، وما شرعه اتّبع وما حكم به نفّذ لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون أي تعالى، وتقدّس، وتنزّه عن الشّركاء والنّظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلّا هو ولا ربّ سواه.
إذا علم أنّ التّحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فإنّ التّحاكم إلى الطّواغيت والرّؤساء والعرّافين ينافي الإيمان بالله- عزّ وجلّ- وهو كفر وظلم وفسق يقول الله تعالى:
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ(5/1710)
ويقول: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ويقول وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وبيّن تعالى أنّ الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين، وأنّ الإعراض عن حكم الله تعالى سبب في حلول عقابه وبأسه الّذي لا يردّ عن القوم الظّالمين، يقول سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
وإنّ القارى لهذه الآية والمتدبّر لها، يتبيّن له أنّ الأمر بالتّحاكم إلى ما أنزل الله أكّد بمؤكّدات ثمانية؛ الأوّل: الأمر به في قوله تعالى وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ الثّاني: أن لا تكون أهواء النّاس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأيّ حال من الأحوال، وذلك في قوله وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ. الثّالث: التّحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير والصّغير والكبير، يقول سبحانه وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ. الرّابع: أنّ التّولّي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم، قال تعالى فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ. الخامس: التّحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله؛ فإنّ الشّكور من عباد الله قليل، يقول تعالى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ.
السّادس: وصف حكم بغير ما أنزل الله بأنّه حكم الجاهليّة يقول سبحانه أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ.
السّابع: تقرير المعنى العظيم بأنّ حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول عزّ وجلّ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً. الثّامن: إنّ مقتضى اليقين هو العلم بأنّ حكم الله هو خير الأحكام وأكملها وأتمّها وأعدلها وأنّ الواجب الانقياد له مع الرّضا والتّسليم، يقول سبحانه وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
وهذه المعاني الموجودة في آيات كثيرة من القرآن تدلّ عليها أقوال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأفعاله فمن ذلك قول الله سبحانه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ
وقوله فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية، وقوله: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، وقوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وروي عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعا لما جئت به» «1» .
وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعديّ بن حاتم: «أليس يحلّون ما حرّم الله فتحلّونه ويحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم» وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لبعض من جادله في بعض المسائل:
«يوشك أن تنزّل عليكم حجارة من السّماء أقول قال
__________
(1) قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.(5/1711)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر» ، ومعنى هذا أنّ العبد يجب عليه الانقياد التّامّ لقوله تعالى، وقول رسوله وتقديمهما على قول كلّ واحد، وهذا أمر معلوم من الدّين بالضّرورة.
وإذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التّحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ لأنّه المنزّه عمّا يصيب البشر من الضّعف والهوى والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم اللّطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولّى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة، ليتحقّق لهم العدل والخير والسّعادة بل والرّضا والاطمئنان النّفسيّ، والرّاحة القلبيّة، ذلك أنّ العبد إذا علم أنّ الحكم الصّادر في القضيّة الّتي يخاصم فيها، هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قبل ورضي وسلّم حتّى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أنّ الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنّه لا يرضى ويستمرّ في المطالبة والمخاصمة ولذلك لا ينقطع النّزاع ويدوم الخلاف، وأنّ الله سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التّحاكم إلى وحيه رحمة بهم وإحسانا إليهم، فإنّه سبحانه بيّن الطّريق العامّ لذلك أتمّ بيان وأوضحه بقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء/ 58، 59) .
والآية وإن كان فيها التّوجيه العام للحاكم والمحكوم والرّاعي والرّعيّة؛ فإنّ فيها مع ذلك توجيه القضاة والحكّام إلى الحكم بالعدل، فقد أمرهم بأن يحكموا بالعدل، وأمر المؤمنون أن يقبلوا ذلك الحكم الّذي هو مقتضى- ما شرعه الله سبحانه وأنزله على رسوله، وأن يردّوا الأمر إلى الله ورسوله في حال التّنازع والاختلاف. وممّا تقدّم يتبيّن لك أيّها المسلم أنّ تحكيم شرع الله، والتّحاكم إليه ممّا أوجبه الله ورسوله، وأنّه مقتضى العبوديّة لله والشّهادة بالرّسالة لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأنّ الإعراض عن ذلك أو شيء منه، موجب لعذاب الله وعقابه وهذا الأمر سواء بالنّسبة لما تعامل به الدّولة رعيّتها أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كلّ مكان وزمان وفي حال الاختلاف والتّنازع الخاصّ والعامّ سواء كان بين دولة وأخرى أو بين جماعة وجماعة، أو بين مسلم وآخر الحكم في ذلك كلّه سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر وهو أحكم الحاكمين، ولا إيمان لمن اعتقد أنّ أحكام النّاس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله أو تماثلها وتشابهها، أو تركها وأحلّ محلّها الأحكام الوضعيّة والأنظمة البشريّة، وإن كان معتقدا أنّ أحكام الله خير وأكمل وأعدل فالواجب على عامّة المسلمين وأمرائهم(5/1712)
وحكّامهم، وأهل الحلّ والعقد فيهم، أن يتّقوا الله- عزّ وجلّ- ويحكّموا شريعته في بلدانهم ويقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدّنيا والآخرة، وأن يعتبروا بما حلّ في البلدان الّتي أعرضت عن حكم الله وسارت في ركاب من قلّد الغربيّين وأتّبع طريقتهم، من الإختلاف والتّفرّق وضروب الفتن وقلّة الخيرات وكون بعضهم يقتل بعضا، ولا يزال الأمر عندهم في شدّة، ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلّط الأعداء عليهم سياسيّا وفكريّا إلّا إذا عادوا إلى الله سبحانه، وسلكوا سبيله المستقيم الّذي رضيه لعباده وأمرهم به ووعدهم به جنّات النّعيم وصدق سبحانه إذ يقول مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى
(طه/ 124- 126) ، ولا أعظم من الضّنك الّذي عاقب الله به من عصاه ولم يستجب لأوامره فاستبدل أحكام المخلوق الضّعيف بأحكام الله ربّ العالمين، وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى لينطق بالحقّ ويفصل في الأمور ويبيّن الطّريق ويهدي الضّالّ ثمّ ينبذه ليأخذ بدلا منه أقوال رجل من النّاس أو نظام دولة من الدّول، ألم يعلم هؤلاء أنّهم خسروا الدّنيا والآخرة فلم يحصّلوا الفلاح والسّعادة في الدّنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة.
وقال الشّيخ عبد العزيز بن باز: أسأل الله أن يجعل كلمتي هذه مذكّرة للقوم ومنبّهة لهم للتّفكّر في أحوالهم والنّظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم فيعودوا إلى رشدهم، ويلزموا كتاب الله وسنّة رسوله ليكونوا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّا وليرفع ذكرهم بين شعوب الأرض كما ارتفع به السّلف الصّالح والقرون المفضّلة من هذه الأمّة حتّى ملكوا الأرض وسادوا الدّنيا. ودانت لهم العباد، كلّ ذلك بنصر الله الّذي ينصر المؤمنين الّذين استجابوا له ولرسوله، ألا ليتهم يعلمون أيّ كنز أضاعوا، وأيّ جرم ارتكبوا، وما جرّوه على أممهم من البلاء والمصائب قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (الزخرف/ 44) ، وجاء في الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم ما معناه «أنّ القرآن يرفع من الصّدور والمصاحف في آخر الزّمان حين يزهد فيه أهله ويعرضون عنه تلاوة وتحكيما» فالحذر الحذر أن يصاب المسلمون بهذه المصيبة، أو تصاب بها أجيالهم المقبلة بسبب صنيعهم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وأوجّه نصيحتي أيضا إلى أقوام من المسلمين يعيشون بينهم وقد علموا الدّين، وشرع ربّ العالمين، ومع ذلك لا زالوا يتحاكمون عند النّزاع إلى رجال يحكمون بينهم بعادات وأعراف ويفصلون بينهم بعبارات ومسجّعات مشابهين في ذلك صنيع أهل الجاهليّة الأولى وأرجو ممّن بلغته موعظتي هذه منهم أن يتوب إلى الله وأن يكفّ عن تلك الأفعال المحرّمة ويستغفر الله ويندم على مافات، وأن يتواصى مع(5/1713)
إخوانه من حوله على إبطال كلّ عادة جاهليّة أو عرف مخالف لشرع الله؛ فإنّ التّوبة تجبّ ما قبلها والتّائب من الذّنب كمن لا ذنب له، وعلى ولاة أمور أولئك النّاس وأمثالهم أن يحرصوا على تذكيرهم وموعظتهم بالحقّ وبيانه لهم وإيجاد الحكّام الصّالحين بينهم ليحصل الخير بإذن الله ويكفّ عباد الله عن محارمه وارتكاب معاصيه وما أحوج المسلمين اليوم إلى رحمة ربّهم الّتي يغيّر الله بها حالهم ويرفعهم من حياة الذّلّ والهوان إلى حياة العزّ والشّرف، وأسأل الله بأسمائه الحسني، وصفاته العلى، أن يفتح قلوب المسلمين لتفهم كلامه وتقبل عليه سبحانه، وتعمل بوحيه، وتعرض عمّا يخالف شرعه، وتجعل الحكم والأمر له وحده، لا شريك له كما قال تعالى:
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف/ 40) .
وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدّين «1» .
الحكم في القرآن الكريم:
وردت «الحكم» في القرآن على نيّف وعشرين وجها نذكر منها:
حكم الله تعالى أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (التين/ 8) .
حكم نوح في شفاعة ابنه وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (هود/ 45) «2» وحكم يوسف الصّدّيق بتعبير الرّؤيا لأهل الأسجان إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ (يوسف/ 67) .
وحكم إخوة يوسف عند توقّف بعضهم عن الرّواح إلى كنعان حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي (يوسف/ 80) .
وحكم سيّد الأنبياء بما تضمّنه القرآن وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (المائدة/ 49) .
وحكم من الله بالحقّ إذا اختلف المختلفان وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (الشورى/ 10) .
وحكم بتقديم الأرواح وتأخيرها من الرّحمن وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (الرعد/ 41) .
وحكم بتخليد الكفّار في النّيران إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (غافر/ 48) .
الحكم الجاهليّ الّذي طلبه الجهّال من أهل الكفر والطّغيان أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (المائدة/ 50) .
الحكم في القيامة بين جميع الإنس والجانّ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (النحل/ 124) .
حكم الكفّار في دعوى مساواتهم مع أهل الإيمان ساءَ ما يَحْكُمُونَ (الأنعام/ 136) ، وقوله سبحانه ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (الصافات/ 154) .
وعدّد الإمام الفيروز آباديّ مواضع أخرى للحكم يرجع إليها كاملة في بصائر ذوي التّمييز «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإيمان- الحكمة- الولاء والبراء- الإسلام- التقوى- تعظيم الحرمات- العدل والمساواة- الأمانة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الابتداع- الحكم بغير ما أنزل الله- انتهاك الحرمات- موالاة الكفار- العصيان الشرك- الخيانة- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- الإعراض- التفريط والإفراط] .
__________
(1) انظر رسالة الحكم بما أنزل الله لسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز.
(2) والمراد حكم الله في ردّ شفاعته لابنه لأنه عمل غير صالح.
(3) انظر بصائر ذوي التمييز (2/ 488- 490) .(5/1714)
الآيات الواردة في «الحكم بما أنزل الله»
الأمر بالحكم بما أنزل الله:
1- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) «1»
الأمر بالحكم بالعدل وما في معناه من القسط والحق:
2- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «2»
3-* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «3»
4- إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) «4»
5- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ
__________
(1) المائدة: 48- 49 مدنية
(2) البقرة: 213 مدنية
(3) النساء: 58- 59 مدنية
(4) النساء: 105- 106 مدنية(5/1715)
فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) «1»
الحكم بما أنزل الله يشمل الشرائع:
6- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
(24) «2»
7- وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) «3»
8- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «4»
الحكم لله وحده في الدنيا والآخرة:
9- وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) «5»
10- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) «6»
11- الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) «7»
12- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) «8»
13- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61)
__________
(1) المائدة: 41- 42 المائدة
(2) آل عمران: 23- 24 مدنية
(3) المائدة: 43 مدنية
(4) ص: 26 مكية
(5) البقرة: 113 مدنية
(6) آل عمران: 55 مدنية
(7) النساء: 141 مدنية
(8) الأنعام: 57 مكية(5/1716)
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) «1»
14- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) «2»
15- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) «3»
16- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «4»
17- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) «5»
18- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) «6»
19- وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) «7»
20- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) «8»
21- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) «9»
__________
(1) الأنعام: 61- 62 مكية
(2) الأنعام: 114 مكية
(3) الأعراف: 87 مكية
(4) يونس: 108- 109 مكية
(5) هود: 45 مكية
(6) يوسف: 39- 40 مكية
(7) يوسف: 67 مكية
(8) يوسف: 78- 80 مكية
(9) الرعد: 41 مدنية(5/1717)
22- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) «1»
23- وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) «2»
24- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «3»
25- اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) «4»
26- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) «5»
27- وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) «6»
28- وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) «7»
29- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «8»
30- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) «9»
31- قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «10»
32- وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47)
__________
(1) النحل: 124 مكية
(2) الكهف: 25- 26 مكية
(3) الحج: 56- 57 مدنية
(4) الحج: 69 مدنية
(5) النمل: 76- 78 مكية
(6) القصص: 70 مكية
(7) القصص: 88 مكية
(8) الزمر: 3 مكية
(9) الزمر: 46 مكية
(10) غافر: 11- 12 مكية(5/1718)
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) «1»
33- وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «2»
34- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «3»
حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم والرضا به من الإيمان:
35- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) «4»
36- وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) «5»
حكم الأنبياء بين السابقين من أقوامهم:
37- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) «6»
38-* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) «7»
حكم ذوي العدل من المسلمين:
39- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ
__________
(1) غافر: 47- 48 مكية
(2) الشورى: 10 مكية
(3) التين: 4- 8 مكية
(4) النساء: 65 مدنية
(5) النور: 48- 51 مدنية
(6) الأنبياء: 78 مكية
(7) ص: 21- 22 مكية(5/1719)
ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) «1»
حكم الجاهلية أو الطاغوت بما يطلبه الجهال:
40- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60) «2»
41- أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «3»
حكم الكفار في معتقدهم الباطل:
42- وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) «4»
43- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)
43- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) «5»
44- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «6»
45- وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (4) «7»
46- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) «8»
__________
(1) المائدة: 95 مدنية
(2) النساء: 60 مدنية
(3) المائدة: 50 مدنية
(4) الأنعام: 136 مكية
(5) يونس: 34- 35 مكية
(6) النحل: 57- 59 مكية
(7) العنكبوت: 3- 4 مكية
(8) الصافات: 151- 154 مكية(5/1720)
47- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21) «1»
48- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) «2»
49- أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) «3»
الحكم بغير ما أنزل الله كفر أو ظلم أو فسق:
50- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) «4»
51- وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) «5»
الحكم بمعنى (الفهم) أو النبوة:
52- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) «6»
53- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (90) «7»
__________
(1) الجاثية: 21 مكية
(2) القلم: 34- 36 مكية
(3) القلم: 39- 41 مكية
(4) المائدة: 44- 45 مدنية
(5) المائدة: 47 مكية
(6) آل عمران: 79- 80 مدنية
(7) الأنعام: 89- 90 مكية(5/1721)
54- وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) «1»
55- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «2»
56- وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) «3»
57- وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78)
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) «4»
58- رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) «5»
59- وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) «6»
60- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) «7»
__________
(1) يوسف: 21- 22 مكية
(2) مريم: 12- 15 مكية
(3) الأنبياء: 74- 75 مكية
(4) الأنبياء: 78- 79 مكية
(5) الشعراء: 84- 85 مكية
(6) القصص: 12- 14 مكية
(7) الجاثية: 16- 17 مكية(5/1722)
القرآن حكم لتضمنه للأحكام:
61- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (37) «1»
62- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «2»
الأمر بالصبر على حكم الله:
63- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) «3»
64- فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) «4»
65- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) .
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «5»
الله- عز وجل- حاكم بين الأنبياء وأقوامهم:
66- قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112) «6»
ومما ورد في الحكم (معنى) بين الأنبياء وأقوامهم:
67-* قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «7»
68- قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) «8»
69- قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) «9»
__________
(1) الرعد: 37 مدنية
(2) الممتحنة: 10 مدنية
(3) الطور: 48 مدنية
(4) القلم: 48- 50 مكية
(5) الإنسان: 23- 26 مدنية
(6) الأنبياء: 112 مدنية
(7) الأعراف: 88- 89 مكية
(8) الشعراء: 116- 118 مكية
(9) سبأ: 26 مكية(5/1723)
الأحاديث الواردة في (الحكم بما أنزل الله)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل «اللهمّ لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّوم السّماوات والأرض ولك الحمد، أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ، اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت) * «1»
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سعد فأتاه على حمار، فلمّا دنا قريبا من المسجد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للأنصار «قوموا إلى سيّدكم» (أو خيركم) ، ثمّ قال «إنّ هؤلاء نزلوا على حكمك» قال: تقتل مقاتلتهم وتسبي ذرّيّتهم. قال فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قضيت بحكم الله» ) * «2»
3-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر» ) * «3»
4-* (عن سليمان بن بريدة عن أبيه. قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّرا أميرا على جيش أو سريّة، أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «4» ولا تغدروا «5» ولا تمثلوا «6» ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين.
وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء. إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين.
فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم؛ فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة نبيّه «7» فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه،
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1120) ، ومسلم (769) واللفظ له.
(2) البخارى- الفتح 6 (3043) ، 7 (4121) ، ومسلم (1768) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 13 (7352) واللفظ له، ومسلم (1716)
(4) تغلوا: من الغلول وهو الخيانة في المغنم أي لا تخونوا فى الغنيمة
(5) لا تغدروا: أي ولا تنقضوا العهد.
(6) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.
(7) الذمة هنا العهد.(5/1724)
ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك، فإنّكم أن تخفروا «1» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «2»
5-* (عن شريح بن هانئ قال: حدّثني هانئ ابن يزيد أنّه لمّا وفد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع قومه فسمعهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنّيت بأبي الحكم؟ قال: لا، ولكنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين قال: ما أحسن هذا، ثمّ قال: مالك من الولد؟ قلت لا لي شريح وعبد الله ومسلم بنو هانيء قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح قال: فأنت أبو شريح ودعا له ولولده) * «3»
6-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ سليمان بن داود صلّى الله عليه وسلّم لمّا بنى بيت المقدس سأل الله- عزّ وجلّ- خلالا ثلاثة: سأل الله- عزّ وجلّ- حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله- عزّ وجلّ- ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله- عزّ وجلّ- حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه «4» إلّا الصّلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمّه» ) * «5»
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك.
فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصّغرى» . قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسّكّين إلّا يومئذ وما كنّا نقول إلّا المدية) «6» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصّليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد» ) * «7»
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من صاحب كنز لا يؤدّي
__________
(1) تخفروا: أي تنقضوا العهد.
(2) مسلم (1731) واللفظ له، والترمذي (1617) ، وأبو داود (2612، 2613) .
(3) الأدب المفرد (811) واللفظ له، النسائي (8/ 226) أبو داود (4955) . وقال البغوي في شرح السنة: إسناده صحيح (12/ 344) ، والبيهقي فى السنة (243/ 244) ، الحاكم (4/ 279) وصححه الألباني في صحيح الجامع (الحديث 1845) .
(4) لا ينهزه: أي لا يدفعه.
(5) النسائي (2/ 34) واللفظ له، وأحمد (2/ 176) وابن ماجه (1408) ، والحاكم (2/ 434) وجامع الأصول (8/ 520) وقال محققه: حديث صحيح.
(6) البخاري- الفتح 6 (3427) واللفظ له، ومسلم (1720) والنسائي 8 (235) .
(7) البخاري- الفتح 4 (2222) واللفظ له، 6 (3448) ومسلم (155) كتاب الإيمان(5/1725)
زكاته إلّا أحمي عليه في نار جهنّم. فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه. حتّى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار. وما من صاحب إبل لا يؤدّي زكاتها إلّا بطح لها بقاع قرقر «1» ، كأوفر ما كانت تستنّ عليه، كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها، حتّى يحكم الله بين عباده. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار. وما من صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها إلّا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت، فتطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها.
ليس فيها عقصاء «2» ولا جلحاء «3» ، كلّما مضى عليه أخراها ردّت عليه أولاها. حتّى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون. ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» ... الحديث) * «4»
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا عشيّة الجمعة في المسجد، قال: فقال رجل من الأنصار: أحدنا «5» رأى مع امرأته رجلا فقتله، قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ؟. والله لئن أصبحت صالحا لأسألنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فسأله، فقال: يا رسول الله إن أحدنا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ، اللهمّ احكم؟
قال: فأنزلت آية اللّعان قال: فكان ذاك الرّجل أوّل من ابتلي به) * «6»
الأحاديث الواردة في (الحكم بما أنزل الله) معنى
11-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل ما يقضى بين النّاس، يوم القيامة، في الدّماء» ) * «7»
12-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئا بقوله فإنّما أقطع له قطعة من النّار، فلا يأخذها) * «8»
13-* (عن أبي هريرة وزيد بن خالد- رضي الله عنهما- أنّ رجلين اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر- وهو أفقههما- أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب
__________
(1) بقاع قرقر: هو المكان المستوي.
(2) العقصاء: الملتوية القرنين.
(3) الجلحاء: هي التي لا قرن لها.
(4) مسلم (987) واللفظ له، والبخاري- الفتح 3 (1402) ، وأبو داود (1958) ، والنسائي (5/ 12- 14) وأحمد (2/ 383) .
(5) بحذف أداة الشرط وتقديرها: إن أحدنا رأى ... ويؤيده قوله بعد ذلك: إن أحدنا رأى.
(6) مسلم (1495) ، مسند أحمد (1/ 421، 422) واللفظ له وأبو داود (2253) ، وابن ماجه (2068)
(7) متفق عليه، البخاري- الفتح 12 (6864) ، ومسلم (1678) ، والترمذي (1396) ، والنسائي (7/ 83)
(8) البخاري- الفتح 5 (2680) ، ومسلم (1713) متفق عليه، وأحمد (6/ 307) .(5/1726)
الله، وأذن لي أن أتكلّم. قال: «تكلّم، قال: إنّ ابني كان عسيفا على هذا- قال مالك: والعسيف الأجير- زنى بامرأته، فأخبروني أنّ على ابني الرّجم، فافتديت منه بمائتي شاة وجارية لي، ثمّ إنّي سألت أهل العلم فأخبروني أنّ ما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنّما الرّجم على امرأته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّا والّذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله: أمّا غنمك وجاريتك فردّ عليك، وجلد ابنه مائة وغرّبه عاما، وأمر أنيسا الأسلميّ أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها» ) * «1» .
14-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: لمّا رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا تحدّثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: يا رسول الله بينا نحن جلوس مرّت علينا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلّة من ماء، فمرّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمّ دفعها على ركبتيها، فانكسرت قلّتها، فلمّا ارتفعت التفتت إليه، ثمّ قالت: ستعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسيّ وجمع الأوّلين والآخرين وتكلّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدقت ثمّ صدقت، كيف يقدّس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» ) * «2» .
15-* (عن أبي بريدة عن أبيه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة، واثنان في النّار، فأمّا الّذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار، ورجل قضى للنّاس على جهل فهو في النّار» ) * «3» .
16-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة قال:
كتب أبو بكرة إلى أبيه، وكان بسجستان، بأن لا تقض بين اثنين وأنت غضبان، فإنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ) * «4» .
17-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قضى بين رجلين، فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
(ردّوا عليّ الرّجل) فقال: «ما قلت؟» قال: قلت حسبي الله ونعم الوكيل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6633، 6634) واللفظ له، مسلم (1697، 1698) .
(2) ابن ماجه (4010) أبو يعلى (2003) الحاكم (3/ 256) . قال الإمام الذهبي في العلو للعلى الغفار (ص 68) بعد أن ساق الإسناد: إسناده صالح، وقال محقق الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: حديث قوي بشواهده (11/ 444) برقم (5058) .
(3) أبو داود (3573) واللفظ له، والترمذي (1322) ، وابن ماجه (2315) ، وصححه الحاكم (4/ 90) ووافقه الذهبى، وجامع الأصول (10/ 166) وقال محققه: هو حديث صحيح.
(4) البخاري- الفتح 13 (7158) واللفظ له، مسلم (1717) والترمذي (1334) وأبو داود (3589) والنسائي (8/ 237، 238) .
(5) أحمد (6/ 24- 25) واللفظ له، أبو داود (3627) ، النسائي عمل اليوم والليلة (626) ، ابن السنى في عمل اليوم والليلة (351) ، وفي سنده: سيف. قال النسائي: سيف لا أعرفه انتهى. وقال مخرج عمل اليوم والليلة للنسائي (403) سيف هو الشامي، وقد وثقه العجلي، وباقي رواة الحديث من رجال مسلم، ثمّ قال: فالحديث حسن.(5/1727)
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أمير عشرة إلّا يؤتى به يوم القيامة مغلولا حتّى يفكّ عنه العدل أو يوبقه الجور) * «1» .
19-* (عن زهير- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّ المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرّحمن عزّ وجلّ. وكلتا يديه يمين؛ الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) * «2» .
20-* (عن مجاهد عن مولاه أنّه حدّثه أنّه كان فيمن يبني الكعبة في الجاهليّة قال: ولي حجر أنا نحتّه بيديّ أعبده من دون الله تبارك وتعالى فأجيء باللّبن الخاثر الّذي أنفسه على نفسي فأصبّه عليه، فيجيء الكلب فيلحسه ثمّ يشعر فيبول، فبنينا حتّى بلغنا موضع الحجر وما يرى الحجر أحد فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرّجل يكاد يتراءى منه وجه الرّجل: فقال بطن من قريش: نحن نضعه، وقال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكما، قالوا: أوّل رجل يطلع من الفجّ فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا:
أتاكم الأمين فقالوا له، فوضعه في ثوب ثمّ دعا بطونهم فأخذوا بنواصيه معه فوضعه هو صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحكم بما أنزل الله)
21-* (عن سلمة بن صخر البياضيّ. قال:
كنت امرأ أصيب من النّساء ما لا يصيب غيري، فلمّا دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا تتايع «4» بي حتّى أصبح، فظاهرت منها حتّى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشّف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت «5» عليها، فلمّا أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت:
امشوا معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال «أنت بذاك يا سلمة» ؟ قلت: أنا بذاك يا رسول الله مرّتين، وأنا صابر لأمر الله فاحكم فيّ ما أراك الله قال: «حرّر رقبة» قلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي، قال «فصم شهرين متتابعين» قال: وهل أصبت الّذي أصبت إلّا من الصّيام؟ قال:
__________
(1) أحمد (2/ 431) ، وقال محقق شرح السنة للبغوي: إسناده حسن (10/ 59) واللفظ له، والترغيب والترهيب (3/ 139) وجود إسناده.
(2) مسلم (1827) واللفظ له.
(3) أحمد (3/ 420) ، وأشار إليه ابن حجر في الفتح 4/ 185 و8/ 146 وكذلك في جمع الفوائد 1/ 522/ 3712، وقال فيه هلال بن حبان وهو ثقة وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4) التتايع: التهافت في الشر واللجاج فيه.
(5) نزوت عليها: وثبت عليها، أراد: الجماع.(5/1728)
«فأطعم وسقا «1» من تمر بين ستّين مسكينا» قلت:
والّذي بعثك بالحقّ لقد بتنا وحشين «2» ما لنا طعام قال: «فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستّين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيّتها» فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضّيق وسوء الرّأي، ووجدت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم السّعة وحسن الرّأي، وقد أمرني- أو أمر لي- بصدقتكم) * «3» .
22-* (عن عروة بن الزّبير أنّ الزّبير كان يحدّث «أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شراج «4» من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمّتك «5» ، فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: «اسق ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر» ، فاستوعى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة قال الزّبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65)) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحكم بما أنزل الله)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) قال: «من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم فهو ظالم فاسق» ) * «7» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان أبو برزة الأسلميّ كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ إلى قوله إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (النساء/ 60- 62) » ) * «8» .
__________
(1) الوسق: ستون صاعا، والصاع: أربعة أمداد، والمد، رطل وثلث بالعراقي أو رطلان.
(2) وحشين: جائعين.
(3) أبو داود (2213) واللفظ له، وابن ماجه (2062) ، والترمذي (1200) ، وابن خزيمة (2378) والدارمي (2273) ، وجامع الأصول (7/ 647) وقال محققه: حديث حسن.
(4) الشراج: سيل الماء.
(5) أي فعلت هذا لكونه ابن عمتك.
(6) البخاري- الفتح 5 (2708) واللفظ له، ومسلم (2357) .
(7) تفسير الطبري (6/ 166) .
(8) المرجع السابق (6/ 166) .(5/1729)
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ قال: الطّاغوت «رجل من اليهود كان يقال له: كعب ابن الأشرف وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرّسول ليحكم بينهم قالوا: بل يحاكمهم إلى كعب، فذلك قوله (يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت) * «1» .
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان قريظة والنّضير، وكان النّضير أشرف من قريظة. فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النّضير قتل به، وإذا قتل رجل من النّضير رجلا من قريظة فودي بمائة وسق من تمر، فلمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قتل رجل من النّضير رجلا من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا بيننا وبينكم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتوه فنزلت وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ (المائدة: 42) والقسط النّفس بالنّفس ثمّ نزلت: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ (المائدة/ 50) * «2» .
5-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: ما ظهر الغلول «3» في قوم قطّ إلّا ألقي في قلوبهم الرّعب، ولا فشا الزّنى في قوم قطّ إلا كثر فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلّا قطع عنهم الرّزق، ولا حكم قوم بغير الحقّ إلا فشا فيهم الدّم، ولا ختر «4» قوم بالعهد إلّا سلّط الله عليهم العدوّ) * «5» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ (النساء/ 19) ، وذلك أنّ الرّجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتّى تموت أو تردّ إليه صداقها، فنهى الله عن ذلك) * «6» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: نسخت من هذه السّورة فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال: فكان مخيّرا حتّى أنزل الله وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحكم بينهم بما في كتاب الله) * «7» .
8-* (قال رجل لابن عبّاس- رضي الله عنهما- في هذه الآيات: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، فمن فعل هذا فقد كفر، قال ابن عبّاس إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وبكذا ... » ) * «8» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
اشتكى سلمان. فعاده سعد فرآه يبكي. فقال له سعد:
ما يبكيك؟ يا أخي؛ أليس قد صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أليس؟ أليس؟ قال: سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي ضنّا «9» للدّنيا ولا كراهية للآخرة ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ عهدا. قال: وما عهد
__________
(1) الدر المنثور (2/ 582) .
(2) أبو داود (4494) واللفظ له، والنسائي (8/ 18- 19) .
(3) الغلول: الخيانة في الغنيمة.
(4) ختر: غدر وقيل هو أقبح الغدر.
(5) الموطأ، كتاب الجهاد حديث (26) ص (267) .
(6) أبو داود (2090) ، كتاب النكاح، باب إذا أنكح الوليان.
(7) الدر المنثور (3/ 97) .
(8) تفسير الطبري (6/ 166) .
(9) ضنّا: أي بخلا بذهابها.(5/1730)
إليك؟ قال: عهد إليّ أنّه يكفي أحدكم مثل زاد الرّاكب. ولا أراني إلّا قد تعدّيت. وأمّا أنت يا سعد، فاتّق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همّك إذا هممت) * «1» .
10-* (عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ الحروريّة لمّا خرجت، وهو مع عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قالوا: لا حكم إلّا لله.
قال عليّ: كلمة حقّ أريد بها باطل، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصف ناسا إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحقّ بألسنتهم لا يجوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه) من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة «2» أو حلمة ثدي» . فلمّا قتلهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه- قال: انظروا. فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال: ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت مرّتين أو ثلاثا. ثمّ وجدوه في خربة فأتوا به حتّى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله. وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول عليّ فيهم) * «3» .
11-* (عن سعيد بن المسيّب- رحمه الله- «أنّ مسلما ويهوديّا اختصما إلى عمر، فرأى الحقّ لليهوديّ فقضى له عمر به، فقال له اليهوديّ: لقد قضيت بالحقّ، فضربه عمر بالدّرّة، فقال: وما يدريك؟ فقال اليهوديّ: والله إنّا نجد في التّوراة أنّه ليس من قاض يقضي بالحقّ إلّا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسدّدانه، ويوفّقانه للحقّ، مادام مع الحقّ، فإذا ترك الحقّ عرجا وتركاه» ) * «4» .
12-* (عن يحيى بن سعيد أنّ أبا الدّرداء كتب إلى سلمان الفارسيّ- رضي الله عنهما-: أن هلمّ إلى الأرض المقدّسة، فكتب إليه سلمان: إنّ الأرض لا تقدّس أحدا. وإنّما يقدّس الإنسان عمله، وقد بلغني أنّك جعلت طبيبا تداوي. فإن كنت تبرأ فنعمّا لك، وإن كنت متطبّبا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النّار.
فكان أبو الدّرداء إذا قضى بين اثنين ثمّ أدبرا عنه نظر إليهما، فقال: متطبّب «5» والله، ارجعا إليّ، أعيدا عليّ قصّتكما) * «6» .
13-* (أخرج عبد بن حميد عمّ سعيد بن جبير في أهل الذّمّة يرتفعون إلى حكّام المسلمين قال: يحكم بينهم بما أنزل الله) * «7» .
14-* (سئل سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ* ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* ... فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. فقلت:
زعم قوم أنّها نزلت في بني إسرائيل ولم تنزل علينا،
__________
(1) ابن ماجه (4104) كتاب الزهد.
(2) طبي شاة: ضرع الشاة، وهو فيها مجاز وأصله للكلبة والسباع.
(3) مسلم (157) كتاب الزكاة، باب (48) .
(4) الموطأ (2/ 553) .
(5) المتطبب: كناية عن القضاء والحكم بين الخصوم لأن القاضي بمنزلة الطبيب لإصلاح البدن.
(6) الموطأ (2/ 769) . قال الزرقاني في «شرح الموطأ» : لكن أخرجه الدينوري في «المجالسة» من وجه آخر عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن هبيرة.
(7) الدر المنثور، للسيوطي (3/ 48) .(5/1731)
قال: اقرأ ما قبلها واقرأ ما بعدها، فقرأت عليه فقال:
لا، بل نزلت علينا، ثمّ لقيت مقسما مولى ابن عبّاس فسألته عن هذه الآيات الّتي في المائدة، قلت: زعم قوم أنّها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا قال: إنّه نزل على بني إسرائيل ونزل علينا وما نزل علينا وعليهم فهو لهم ولنا، ثمّ دخلت على عليّ بن الحسين فسألته عن هذه الآيات الّتي في المائدة، وحدّثته أنّي سألت عنها سعيد بن جبير ومقسما قال: فما قال مقسم؟
فأخبرته بما قال. قال: صدق، ولكنّه كفر ليس ككفر الشّرك، وفسق ليس كفسق الشّرك، وظلم ليس كظلم الشّرك فلقيت سعيد بن جبير فأخبرته بما قال، فقال سعيد بن جبير لابنه: كيف رأيته؟ لقد وجدت له فضلا عليك وعلى مقسم) * «1» .
15-* (أخرج حميد عن قتادة في قوله تعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ قال: «هذا في قتيل اليهود، (وأصله) أنّ أهل الجاهليّة كان يأكل شديدهم ضعيفهم وعزيزهم ذليلهم» ) * «2» .
16-* (أخرج عبد الرّزاق وغيره عن النّخعيّ في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ... الآيات.
قال: «نزلت الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمّة بها» ) * «3» .
17-* (أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم قال: «ذكرت هذه الآيات عند حذيفة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ والظَّالِمُونَ، والْفاسِقُونَ فقال رجل: إنّ هذا في بني إسرائيل، قال: حذيفة: نعم الأخوّة لكم بنو إسرائيل أن كان لكم كلّ حلوة ولهم كلّ مرّة، كلّا، والله لتسلكنّ طريقهم قدر الشّراك» ) * «4» .
18-* (روي عن الحسن في قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ قال: «نزلت في اليهود وهي علينا واجبة» ) * «5» .
19-* (عن أبي مجلز في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) قال: نعم. قالوا فهؤلاء يحكمون بما أنزل الله، قال: نعم. هو دينهم الّذي به يحكمون بما أنزل الله، قال: نعم، هو دينهم الّذي به يحكمون، والّذي به يتكلّمون، وإليه يدعون، فإذا تركوا فيه شيئا علموا أنّه جور منهم إنّما هذه اليهود والنّصارى والمشركون الّذين لا يحكمون بما أنزل الله» ) * «6» .
20-* (عن الشّعبيّ قال: «آية فينا وآيتان في أهل الكتاب، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ فينا وفيهم» ) * «7» .
21-* (عن الشّعبيّ قال: «كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فجعل اليهوديّ يدعوه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأنّه قد علم أنّه لا يأخذ
__________
(1) الدر المنثور (3/ 88- 89) .
(2) المرجع السابق (6/ 97) .
(3) الدر المنثور للسيوطي (6/ 87) .
(4) تفسير الطبري (6/ 164) .
(5) الدر المنثور (6/ 88) .
(6) المرجع السابق (6/ 88) .
(7) تفسير الطبري (6/ 165) .(5/1732)
الرّشوة في الحكم، ثمّ اتّفقا على أن يتحاكما إلى كاهن في جهينة فنزلت الآية الكريمة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ إلى قوله تعالى وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (النساء/ 60- 65) * «1» .
22-* (عن طاوس في قوله تعالى:
فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. قال: «كفر لا ينقل عن الملّة» ) * «2» .
23-* (أخبر الثّوريّ عن منصور عن إبراهيم (النّخعيّ) قال: «نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي لهذه الأمّة بها» ) * «3» .
24-* (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (المائدة/ 48) : أي فاحكم يا محمّد بين النّاس عربهم وعجمهم أمّيّهم وكتابيّهم بما أنزل الله إليك من هذا الكتاب العظيم وبما قرّره لك من حكم من قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك) * «4» .
25-* (قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء/ 65) . يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة أنّه لا يؤمن أحد حتّى يحكّم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا ممّا حكمت به وينقادون له في الظّاهر والباطن فيسلّمون لذلك تسليما كلّيّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة) * «5» .
26-* (قال الشّوكانيّ- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ: إنّ الله سبحانه ضمّ إلى التّحكيم أمرا آخر، وهو عدم وجود حرج، أي حرج في صدورهم، فلا يكون مجرّد التّحكيم والإذعان كافيا حتّى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس، ثمّ لم يكتف بهذا كلّه بل ضمّ إليه قوله وَيُسَلِّمُوا: أي يذعنوا وينقادوا ظاهرا وباطنا، ثمّ لم يكتف بذلك، بل ضمّ إليه المصدر المؤكّد فقال تَسْلِيماً فلا يثبت الإيمان لعبد حتّى يقع منه هذا التّحكيم، ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه، ويسلّم لحكم الله وشرعه، تسليما لا يخالطه ردّ ولا تشوبه مخالفة) * «6» .
__________
(1) الدر المنثور (2/ 580) .
(2) تفسير الطبري (6/ 166) .
(3) المرجع السابق (6/ 166) .
(4) تفسير ابن كثير (2/ 66) .
(5) المرجع السابق (1/ 520) .
(6) فتح القدير، للشوكاني (1/ 574) .(5/1733)
من فوائد (الحكم بما أنزل الله)
(1) يكسب رضا الله والسّعادة في الدّارين.
(2) من علامات اليقين بتشريع ربّ العالمين.
(3) الحاكم بما أنزل الله لا يعدم أجرا أصاب أم أخطأ.
(4) يحفظ لأهل الذّمّة حقوقهم.
(5) الحكم بما أنزل الله من صفة النّبيّين والصّدّيقين
(6) فيه منجاة من الفتن وخلاص من كلّ المحن.
(7) فيه الرّدع للمجرمين والرّضا للمستضعفين.
(8) فيه عصمة من أكل الحقوق وظلم النّاس.
(9) هو أعلى أنواع التّعبّد وأسماها.
(10) فيه أمان من الهوى والعجز.(5/1734)
الحلم
الحلم لغة:
مصدر حلم فلان أي صار حليما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ل م) الّتي تدلّ على ترك العجلة «1» ، يقال:
حلمت عنه أحلم فأنا حليم، قال ابن فارس: الحلم خلاف الطّيش، وقال الجوهريّ الحلم (بالكسر) الأناة، وقيل هو: الأناة والعقل وهو نقيض السّفه وجمعه أحلام وحلوم، وفي التّنزيل العزيز أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا. وقولك: حلم (بالضّمّ) يحلم حلما:
أي صار حليما. وتقول: تحلّم (مشدّدا) أي تكلّف الحلم قال المتلمّس:
تحلّم عن الأذنين واستبق ودّهم ... ولن تستطيع الحلم حتّى تحلّما
كما تقول: حلّمه تحليما: أي جعله حليما.
وأحلمت المرأة: إذا ولدت الحلماء، والرّجل المحلّم: الّذي يعلّم الحلم. ويقال: حلم الرّجل في منامه يحلم حلما، إذا رأى رؤيا، وحلم يحلم حلما تأنّى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوّة «2» .
لآيات الأحاديث الآثار
19 13 38
من أسماء الله الحسنى «الحليم»
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الحليم: هو الّذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثمّ لا يستفزّه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال تعالى وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ «3» .
وقال ابن منظور في معناه: والحليم في صفة الله عزّ وجلّ- معناه: الصّبور: وقيل: هو الّذي لا يستخفّه عصيان العصاة ولا يستفزّه الغضب عليهم، ولكنّه جعل لكلّ شيء مقدارا فهو منته إليه «4» .
وقيل حلم الله: هو تأخيره العقوبة عن المستحقّ لها، فيؤخّر العقوبة عن بعض المستحقّين. ثمّ قد يعذّبهم، وقد يتجاوز عنهم، وقد يعجّل العقوبة لبعضهم «5» .
وقال الزّجّاجيّ: يقال: حلم فلان عن فلان إذا لم يقابله على إساءته ولم يجازه عليها، فالله- عزّ
__________
(1) لهذه المادة في اللغة معنيان آخران هما: تثقّب الشّيء والرؤية المنامية. انظر في هذين المعنيين وأمثلتهما: مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 93) .
(2) لسان العرب (2/ 979- 981) ، والصحاح للجوهري (5/ 1903- 1904) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 93) .
(3) المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (103) ، والآية 61 من سورة النحل.
(4) لسان العرب (980) (ط. دار المعارف) .
(5) موسوعة له الأسماء الحسنى (1/ 182) .(5/1735)
وجلّ- حليم عن عباده؛ لأنّه يعفو عن كثير من سيّئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام ويقبل توبتهم بعد ذلك «1» .
الحلم اصطلاحا:
اختلف في الحلم اصطلاحا على أقوال أهمّها:
الأوّل: قال الرّاغب: الحلم ضبط النّفس والطّبع عند هيجان الغضب «2» .
الثّاني: قال الجاحظ: الحلم ترك الانتقام عند شدّة الغضب مع القدرة على ذلك «3» .
الثّالث: قال الجرجانيّ: الحلم هو الطّمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظّالم (أي مجازاته بظلمه) «4» .
الرّابع: قال ابن المناويّ: الحلم هو احتمال الأعلى الأذى من الأدنى أو رفع المؤاخذة عن مستحقّها بالجناية في حقّ مستعظم. أو هو رزانة في البدن يقتضيها وفور العقل «5» .
الحلم بالتحلم:
قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: الحلم منه ما يكون سجيّة وطبعا ومنه ما يكون تجربة وتكلّفا، ومنه ما يكون مركّبا منهما معا، وأوّل الحلم: المعرفة ثمّ التّثبّت، ثمّ العزم، ثمّ التّصبّر، ثمّ الصّبر، ثمّ الرّضا، ثمّ الصّمت، والإغضاء، وما الفضل إلّا للمحسن لمن أساء، فأمّا من أحسن إلى المحسن، وحلم عمّن لم يؤذه، فليس ذلك بحلم ولا إحسان، والنّاس بالنّسبة للمرء ضروب ثلاثة: رجل أعزّ منك ورجل أنت أعزّ منه، ورجل ساواك في العزّ، فالتّجاهل على من أنت أعزّ منه لؤم، وعلى من هو أعزّ منك جنف وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين، ونقار كنقار الدّيكين، ولا يفترقان إلّا عن الخدش والعقر والهجر ولا يكاد يوجد التّجاهل وترك التّجالم إلّا من سفيهين، وقد قيل:
ما تمّ حلم ولا علم بلا أدب ... ولا تجاهل في قوم حليمان
وما التّجاهل إلّا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان
فالواجب على العاقل إذا غضب واحتدّ أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعدّيه حرماته ثمّ يحلم ولا يخرجه غيظه إلى الدّخول في أسباب المعاصي.
ولذلك قال محمّد بن السّعديّ لابنه عروة لمّا وليّ اليمن: إذا غضبت فانظر إلى السّماء فوقك وإلى الأرض تحتك، ثمّ عظّم خالقهما.
والحلم على ضربين:
أحدهما: ما يرد على النّفس من قضاء الله من المصائب الّتي امتحن الله بها عباده فيصبر العاقل تحت ورودها ويحلم عن الخروج إلى ما لا يليق بأهل العقل.
__________
(1) اشتقاق أسماء الله للزجاجي (96) .
(2) مفردات الراغب (129) ، وقد عرفه الماوردي (أدب الدنيا والدين (261) بالتعريف نفسه ولكنه لم يذكر الطبع.
(3) تهذيب الأخلاق (23) .
(4) التعريفات (92) .
(5) التوقيف على مهمات التعريف (146) .(5/1736)
والآخر: ما يرد على النّفس بضدّ ما تشتهيه من المخلوقين فمن تعوّد الحلم فليس بمحتاج إلى التّصبّر لاستواء العدم والوجود عنده «1» .
بيان الأسباب الدافعة للحلم:
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد.
وأسباب الحلم الباعثة عليه عشرة وهي:
(1) الرّحمة للجهّال، وذلك من خير يوافق رقّة، وقد قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهّال.
(2) القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة.
(3) التّرفّع عن السّباب، وذلك من شرف النّفس وعلوّ الهمّة. وقد قيل: إنّ الله تعالى سمّى نبيّه يحيى عليه السّلام سَيِّداً وذلك لحلمه ولذلك قال الشّاعر:
لا يبلغ المجد أقوام وإن كرموا ... حتّى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة ... لا صفح ذلّ ولكن صفح أحلام
(4) الاستهانة بالمسيء، وذلك عن ضرب من الكبر ومن مستحسنه ما روي أنّ مصعب بن الزّبير لمّا وليّ العراق جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى: أين عمرو بن جرموز؟ وهو الّذي قتل أباه الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- فقيل له: إنّه قد تباعد في الأرض. فقال: أو يظنّ الجاهل أنّي أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفّرا.
(5) الاستحياء من جزاء الجواب، والباعث عليه صيانة النّفس وكمال المروءة، ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم.
(6) التّفضّل على السّابّ، ويبعث عليه الكرم وحبّ التّألّف، وقد حكي عن الأحنف بن قيس أنّه قال: ما عاداني أحد قطّ إلّا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى منّي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه.
(7) استنكاف السّبابّ وقطع سببه، والباعث عليه الحزم، وقد قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: ما أدركت أمّي فأبرّها، ولكن لا أسبّ أحدا فيسبّها ولذلك قيل: في إعراضك صون أعراضك. وقد قال الشّاعر:
وفي الحلم ردع للسّفيه عن الأذى ... وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
وقال آخر:
قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء
__________
(1) من روضة العقلاء (208- 214) بتصرف.(5/1737)
(8) الخوف من العقوبة على الجواب، ويبعث عليه ضعف النّفس وربّما أوجبه الرّأي واقتضاه الحزم وقد قيل: الحلم حجاب الآفات. وقال الشّاعر في هذا:
ارفق إذا خفت من ذي هفوة خرقا ... ليس الحليم كمن في أمره خرق
(9) الرّعاية ليد سالفة وحرمة لازمة: والباعث عليه الوفاء وحسن العهد.
(10) المكر وتوقّع الفرص الخفيّة: ويبعث عليه الدّهاء، وقد قال بعض الأدباء:
غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله. قال إياس بن قتادة:
تعاقب أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم
فهذه عشرة أسباب تدعو إلى الحلم، وبعض الأسباب أفضل من بعض، وإذا كان بعض أسبابه مفضولا؛ فإنّ ذلك لا يقتضي أنّ نتيجته من الحلم مذمومة، وإنّما الأولى بالإنسان أن يدعوه للحلم أفضل أسبابه، وإن كان الحلم كلّه فضلا، وإن عري الحلم عن أحد هذه الأسباب كان ذلّا ولم يكن حلما، ولذلك قال الشّاعر:
من يدّعي الحلم أغضبه لتعرفه ... لا يعرف الحلم إلّا ساعة الغضب
ومن أحكم أبيات في تدبير الحلم والغضب ما قال أبو حاتم:
إذا أمن الجهّال جهلك مرّة ... فعرضك للجهّال غنم من الغنم
فعمّ عليه الحلم والجهل والقه ... بمنزلة بين العداوة والسّلم
إذا أنت جاريت السّفيه كما جرى ... فأنت سفيه مثله غير ذي حلم
ولا تعضبن عرض السّفيه وداره ... بحلم فإن أعيا عليك فبالصّرم
فيرجوك تارات ويخشاك تارة ... ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم
فإن لم تجد بدّا من الجهل فاستعن ... عليه بجهّال فذاك من العزم
وقال الماورديّ: وهذه من أحكم أبيات وجدتها في تدبير الحلم والغضب، وهذا التّدبير إنّما يستعمل فيما لا يجد الإنسان بدّا من مقارفته ولا سبيل إلى اطّراحه ومتاركته، إمّا لخوف شرّه، أو للزوم أمره.
وأمّا من أمكن اطّراحه، ولم يضرّ إبعاده فالهوان به أولى، والإعراض عنه أصوب، وهو في هذه الحال استفاد بتحريك الغضب فضائله وأمن بكفّ نفسه عن الانقياد له، وصار الحلم مدبّرا للأمور المغضبة، بقدر لا يعتريه نقص بعدم الغضب، ولا يلحقه زيادة بفقد الحلم ولو عزب عنه الحلم حتّى انقاد لغضبه ضلّ عنه وجه الصّواب فيه، وضعف رأيه عن خبرة أسبابه ودواعيه حتّى يصير بليد الرّأي مغمور الرّويّة مقطوع الحجّة مسلوب العزاء، قليل الحيلة مع ما يناله من أثر ذلك في نفسه وجسده حتّى يصير أضرّ عليه ممّا غضب له، فينبغي لذي اللّبّ السّويّ والحزم القويّ أن يتلقّى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل دواعي(5/1738)
شرّته بحزمه فيردّها ليسعد بحميد العاقبة «1» .
بين الحلم وكظم الغيظ:
قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: الحلم أفضل من كظم الغيظ؛ لأنّ كظم الغيظ عبارة عن التّحلّم أي تكلّف الحلم، ولا يحتاج إلى كظم الغيظ إلّا من هاج غيظه ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوّد ذلك صار ذلك اعتيادا فلا يهيجه الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعب وهذا هو الحلم الطّبيعيّ، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه وانكسار قوّة الغضب وخضوعها للعقل، ويكون ابتداؤه التّحلّم وكظم الغيظ تكلّفا ويعتاد ذلك حتّى يصير خلقا مكتسبا «2» .
وقال الجاحظ: وهذه الحال (أي حال الحلم) محمودة ما لم تؤدّ إلى ثلم جاه أو فساد سياسة وهي بالرّؤساء والملوك أحسن؛ لأنّهم أقدر على الانتقام من مغضبهم، ولا يعدّ فضيلة حلم الصّغير عن الكبير وإن كان قادرا على مقابلته في الحال؛ فإنّه وإن أمسك فإنّما يعدّ ذلك خوفا لا حلما «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرفق- الشفقة- الصبر والمصابرة- كظم الغيظ- اللين- التأني- حسن الخلق- حسن العشرة- حسن المعاملة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجهل- السفاهة- الطيش- العنف- الغضب- الفحش القسوة- الفضح- سوء المعاملة- سوء الخلق- العجلة] .
__________
(1) أدب الدنيا والدين (303- 310) بتصرف.
(2) إحياء علوم الدين (3/ 176) بتصرف.
(3) تهذيب الأخلاق (23) .(5/1739)
الآيات الواردة في «الحلم»
أولا: الحلم صفة لله تعالى:
1- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) «1»
2- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) «2»
3-* قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) «4»
5- وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)
__________
(1) البقرة: 224- 225 مدنية
(2) البقرة: 235 مدنية
(3) البقرة: 263- 264 مدنية
(4) آل عمران: 155- 158 مدنية(5/1740)
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «1»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102) «2»
7- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «3»
8- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «4»
9- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
(50)
__________
(1) النساء: 12- 14 مدنية
(2) المائدة: 101- 102 مدنية
(3) الإسراء: 41- 44 مكية
(4) الحج: 56- 60 مدنية(5/1741)
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) «1»
10- إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) «2»
11- إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «3»
ثانيا: الحلم من صفة الأنبياء عليهم السلام:
12- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) «4»
13- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (19) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «5»
__________
(1) الأحزاب: 50- 52 مدنية
(2) فاطر: 41- 42 مكية
(3) التغابن: 15- 18 مكية
(4) التوبة: 113- 114 مدنية
(5) هود: 69- 75 مكية(5/1742)
14- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «1»
15- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
__________
(1) هود: 84- 88 مكية(5/1743)
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) «1»
الآيات الواردة في «الحلم معنى»
16-* وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) «2»
17- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) «3»
18- وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) «4»
19- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (45) «5»
__________
(1) الصافات: 75- 109 مكية
(2) يونس: 11 مكية
(3) النحل: 61 مكية
(4) الكهف: 58 مكية
(5) فاطر: 45 مكية(5/1744)
الأحاديث الواردة في (الحلم)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنّما تسفّهم الملّ «1» ولا يزال معك من الله ظهير «2» عليهم ما دمت على ذلك» ) * «3»
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ ناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا نبيّ الله إنّا حيّ من ربيعة وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلّا في أشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم. وأنهاكم عن أربع. عن الدّبّاء «4» ، والحنتم «5» ، والمزفّت «6» ، والنّقير» . قالوا: يا نبيّ الله ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى جذع تنقرونه، فتقذفون فيه من القطيعاء «7» ثمّ تصبّون فيه من الماء، حتّى إذا سكن غليانه شربتموه حتّى إنّ أحدكم (أو إنّ أحدهم) ليضرب ابن عمّه بالسّيف- وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك. قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟
قال: «في أسقية الأدم الّتي يلاث على أفواهها «8» » .
قالوا: يا رسول الله إنّ أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم «9» ، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان» .
وقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة» ) * «10» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو عند الكرب يقول: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات والأرض وربّ العرش العظيم» ) * «11»
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحلم» ) * «12»
__________
(1) الملّ: الرماد الحار.
(2) الظهير: المعين والدافع.
(3) مسلم (2558) .
(4) الدّبّاء: القرع وهو وعاء ينتبذ فيه.
(5) الحنتم: الجرّة كانوا يشربون فيها الخمر.
(6) المزفّت: الإناء الذي طلي بالزّفت.
(7) القطيعاء: نوع من التمر صغير.
(8) يلاث على أفواهها: يلف الخيط على أفواهها ويربط به
(9) الأدم: بفتح الهمزة والدال: الجلد الذي تم دبغه.
(10) مسلم (18) ، والبخاري- الفتح 1 (87) ، وسنن الترمذي (2011) وقال: حسن صحيح غريب، واللفظ له.
(11) البخاري- الفتح 11 (6345) واللفظ له. ومسلم (2730) . وتمامه عنده: «لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم» .
(12) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 118) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 19) وقال: رواه أبو يلعى ورجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند الترمذي رقم (2012) .(5/1745)
الأحاديث الواردة في (الحلم) معنى
5-* (عن عبد الله بن سرجس- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّمت الحسن والتّؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «1» .
6-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته» ) * «2» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب» ) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوصني، قال: «لا تغضب» . فردّد مرارا قال: «لا تغضب» ) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحلم)
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا» . ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه» ، قالوا: يا رسول الله، إلّا أمثل من سنّه، فقال: «أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء» ) * «5» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي: «نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «6» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته ثمّ قال:
يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء» ) * «7» .
__________
(1) الترمذي (2010) وقال: حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن (11/ 690) .
(2) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 232- 233) . وقال: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده. في نسخ «الترغيب والترهيب» المطبوعة: «لمن ملك نفسه» والتصحيح من «المعجم الصغير» للطبراني (1/ 78) و «مجمع البحرين في زوائد المعجمين» (8/ 275) و «مجمع الزائد» (10/ 299) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6114) واللفظ له. ومسلم (2069) .
(4) البخاري- الفتح 10 (6116) .
(5) البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له. ومسلم (1601) .
(6) البخاري- الفتح 12 (6929) واللفظ له. ومسلم (1792) .
(7) البخاري- الفتح 10 (5809) واللفظ له. ومسلم (1057) .(5/1746)
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ) * «1» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: استأذن رهط من اليهود على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا:
السّام عليك. فقلت: بل عليكم السّام واللّعنة، فقال: يا عائشة: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» . قلت:
أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «قلت: وعليكم» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحلم)
1-* (قال لقمان الحكيم: «ثلاثة لا يعرفون إلّا عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلّا عند الغضب، ولا الشّجاع إلّا عند الحرب، ولا الأخ إلّا عند الحاجة إليه» ) * «3» .
2-* (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله؛ فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
«أيّها النّاس، أيّتها الرّعيّة، إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه» ) * «4» .
3-* (وقال- رضي الله عنه-: «تعلّموا العلم وتعلّموا للعلم السّكينة والحلم» ) * «5» .
4-* (وقال- رضي الله عنه- أيضا: «كان أبو بكر- رضي الله عنه- يوم السّقيفة أحلم منّي وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري «6» إلّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتّى سكت» ) * «7» .
5-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) .
(2) البخاري- الفتح 12 (6927) واللفظ له. ومسلم (2165) .
(3) الإحياء (3/ 179) .
(4) المرجع السابق (3/ 186) .
(5) المرجع السابق (3/ 178) .
(6) التزوير: إصلاح الكلام وتهيئته.
(7) البخاري- الفتح 12 (6830) وهو حديث طويل اقتصرت منه على ما يخص الصفة.(5/1747)
عنه- ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي النّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى» * «1» .
6-* (وقال- رضي الله عنه- أيضا: «إنّ أوّل ما عوّض الحليم من حلمه أنّ النّاس كلّهم أعوانه على الجاهل» ) * «2» .
7-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
«ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخّابا ولا صيّاحا ولا حديدا «3» » ) * «4» .
8-* (قال معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-: «لا يبلغ العبد مبلغ الرّأي حتّى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلّا بقوّة العلم» ) * «5» .
9-* (وسأل أيضا عمرو بن الأهتم: أيّ الرّجال أشجع؟ قال من ردّ جهله بحلمه، قال فأيّ الرّجال أسخى؟ قال من بذل دنياه لصالح دينه) * «6» .
10-* (وقال مرّة لعرابة بن أوس: بم سدت قومك يا عرابة؟ قال: «كنت أحلم عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن جاوزني فهو أفضل، ومن قصّر عنّي فأنا خير منه» ) * «7» .
11-* (وقال أيضا: «عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال» ) * «8» .
وأسمعه رجل كلاما شديدا، فقيل له: لو عاقبته، فقال: «إنّي أستحيي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيّتي» ) * «9» .
12-* (وقسم مرّة نطعا «10» فبعث منها إلى شيخ من أهل دمشق فلم يعجبه فجعل عليه يمينا، يضرب رأس معاوية، فأتى معاوية فأخبره فقال له معاوية:
«أوف بنذرك وارفق بالشّيخ» ) * «11» .
13-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «نحن معشر قريش نعدّ الحلم والجود السّؤدد، ونعدّ العفاف وإصلاح المال المروءة» ) * «12» .
14-* (قال عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- لرجل سبّه: «يا عكرمة هل للرّجل حاجة فنقضيها؟ فنكّس الرّجل رأسه واستحى ممّا رأى من حلمه عليه» ) * «13» .
__________
(1) الإحياء (3/ 178) .
(2) الإحياء (3/ 278) .
(3) الحديد: يعني الشديد الغليظ.
(4) الفوائد (144) .
(5) الإحياء (3/ 178) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق (184) .
(9) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (183) .
(10) النّطع: بساط من الجلد.
(11) مختصر منهاج القاصدين للمقدسي (183) .
(12) الآداب الشرعية (2/ 15) .
(13) الإحياء (3/ 178) .(5/1748)
15-* (قال النّابغة الجعديّ:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا) * «1» .
16-* (قال الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى-: «لست بحليم ولكنّني أتحلّم» ) * «2» .
17-* (قال طاووس- رحمه الله تعالى-:
«ما حمل العلم في مثل جراب حلم» ) * «3» .
18-* (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى:
«الرّفق ثنيّ الحلم» ) * «4» .
19-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (الفرقان/ 63) : «حلمآء إن جهل عليهم لم يجهلوا» ) * «5» .
20- وقال أيضا: «اطلبوا العلم وزيّنوه بالوقار والحلم» ) * «6» .
21-* (عن عليّ بن الحسين- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سبّه فرمى إليه بخميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم، فقال بعضهم: جمع له خمس خصال محمودة: الحلم وإسقاط الأذى وتخليص الرّجل ممّا يبعده عن الله عزّ وجلّ وحمله على النّدم والتّوبة، ورجوعه إلى مدح بعد الذّمّ، اشترى جميع ذلك بشيء من الدّنيا يسير» ) * «7» .
22-* (قال عليّ بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما-:
ليس الغريب غريب الشّام واليمن ... إنّ الغريب غريب اللّحد والكفن
إنّ الغريب له حقّ لغربته ... على المقيمين في الأوطان والسّكن
لا تنهرنّ غريبا حال غربته ... الدّهر ينهره بالذّلّ والمحن
سفري بعيد وزادي لن يبلّغني ... وقوّتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها ... الله يعلمها في السّرّ والعلن
ما أحلم الله عنّي حيث أمهلني ... وقد تماديت في ذنبي ويسترني) * «8» .
23-* (قال أكثم بن صيفيّ- رحمه الله تعالى:
«دعامة العقل الحلم، وجماع الأمر الصّبر» ) * «9» .
24-* (قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: «ما أوى شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم» ) * «10» .
25-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله
__________
(1) أدب الدنيا والدين (308) .
(2) الإحياء (3/ 179) .
(3) الدارمي (1/ 152) رقم (578) .
(4) الإحياء (3/ 186) .
(5) المرجع السابق (3/ 177) .
(6) المرجع السابق (3/ 178) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) الدارمي (1/ 152) رقم (576) .(5/1749)
تعالى: «خمس إذا أخطأ القاضي منهنّ خطّة «1» كانت فيه وصمة «2» : أن يكون فهما «3» ، حليما، عفيفا «4» ، صليبا «5» ، عالما سئولا عن العلم» ) * «6» .
26-* (قال عامر الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-:
«زين العلم حلم أهله» ) * «7» .
27-* (قال المأمون- رحمه الله تعالى-:
«يحسن بالملوك الحلم عن كل أحد إلّا عن ثلاثة: قادح في ملك، أو مذيع لسرّ، أو متعرّض لحرمة» ) * «8» .
28-* (أنشد محمّد بن عبد الله بن زنجيّ البغداديّ:
ألم تر أنّ الحلم زين مسوّد ... لصاحبه والجهل للمرء شائن
فكن دافنا للشّر بالخير تسترح ... من الهمّ إنّ الخير للشّر دافن) * «9» .
29-* (قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى:
سألزم نفسي الصّفح عن كلّ مذنب ... وإن كثرت منه عليّ الجرائم
وما النّاس إلّا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثلي مقاوم
فأمّا الّذي فوقي فأعرف قدره ... وأتبع فيه الحقّ والحقّ لازم
وأمّا الّذي دوني فإن قال صنت عن ... إجابته عرضي وإن لام لائم
وأمّا الّذي مثلي فإن زلّ أو هفا ... تفضّلت إنّ الفضل بالحلم حاكم) * «10» .
30-* (قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-:
«الحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام، وهو يشتمل على المعرفة والصّبر والأناة والتّثبّت، ومن يتّصف به يكون عظيم الشّأن، رفيع المكان، محمود الأجر، مرضيّ الفعل، ومن أجل نفاسته تسمّى الله به فسمّي حليما» ) * «11» .
31-* (قال أبو عمرو بن العلاء- رحمه الله تعالى-: «كان أهل الجاهليّة لا يسوّدون إلّا من كانت فيه ستّ خصال وتمامها في الإسلام سابعة: السّخاء، والنّجدة، والصّبر، والحلم، والبيان، والحسب، وفي الإسلام زيادة العفاف» ) * «12» .
32-* (قال هشام بن محمّد يصف النّعمان بن المنذر لمّا عفا عن رجل قد أذنب ذنبا عظيما:
«تعفو الملوك عن العظي ... م من الذّنوب بفضلها
ولقد تعاقب في اليسير ... وليس ذاك لجهلها
__________
(1) خطّة: بضم الخاء أى خصلة.
(2) الوصمة: العيب.
(3) فهما: صيغة مبالغة عن الفهم.
(4) عفيفا: أي يعف عن الحرام.
(5) صليبا: من الصلابة أي قويّا شديدا يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى.
(6) البخاري الفتح (13/ 156) .
(7) الدارمي (1/ 152) رقم (577) .
(8) روضة العقلاء (214) .
(9) روضة العقلاء (209) .
(10) الإحياء (3/ 179) .
(11) روضة العقلاء (308) .
(12) الآداب الشرعية (2/ 215) .(5/1750)
إلّا ليعرف حلمها ... ويخاف شدّة دخلها» ) * «1» .
33-* (قال ابن الجوزيّ- رحمه الله تعالى-:
«الكمال عزيز والكامل قليل الوجود، وأوّل أسباب الكمال تناسب أعضاء البدن وحسن صورة الباطن، فصورة البدن تسمّى خلقا، وصورة الباطن تسمّى خلقا، ودليل كمال صورة البدن حسن السّمت واستعمال الأدب، ودليل كمال صورة الباطن حسن الطّبائع والأخلاق، فالطّبائع: العفّة، والنّزاهة والأنفة من الجهل، ومباعدة الشّره، والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب وابتداء المعروف والحلم عن الجاهل. فمن رزق هذه الأشياء رقّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخلال، وإن نقصت خلّة أوجبت النّقص» ) * «2» .
34-* (قال بعض الشّعراء:
أحبّ مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب النّاس حلما ... وشرّ النّاس من يهوى السّبابا
ومن هاب الرّجال تهيّبوه ... ومن حقر الرّجال فلن يهابا) * «3» .
35-* (قال بعض العلماء: «ليس الحليم من ظلم فحلم، حتّى إذا قدر انتقم، ولكنّ الحليم من ظلم فحلم حتّى إذا قدر عفا» ) * «4» .
36-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-:
يخاطبني السّفيه بكلّ قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا) * «5» .
37-* (وقال:
إذا نطق السّفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السّكوت
فإن كلّمته فرّجت عنه ... وإن خلّيته كمدا يموت) * «6» .
38-* (وقال:
إذا سبّني نذل تزايدت رفعة ... وما العيب إلّا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكّنتها من كلّ نذل تحاربه
ولو أنّني أسعى لنفعي وجدتني ... كثير التّواني للّذي أنت طالبه
ولكنّني أسعى لأنفع صاحبي ... وعار على الشّبعان إن جاع صاحبه) * «7» .
__________
(1) الإحياء (3/ 183) .
(2) صيد الخاطر (289) .
(3) أدب الدنيا والدين (303) .
(4) الإحياء (3/ 184) .
(5) ديوان الشافعي (52) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1751)
من فوائد (الحلم)
(1) صفة تكسب المرء محبّة الله ورضوانه.
(2) دليل كمال العقل وسعة الصّدر، وامتلاك النّفس.
(3) معاونة الملائكة له.
(4) إعانة النّاس له ووقوفهم في صفّه.
(5) يحتاج المرء أحيانا إلى الخروج عنه لردع السّفيه.
(6) لا يكون إلّا مع القدرة على إنزال العقوبة وإلّا فهو ضعف وذلّ.
(7) قليل من الخلق من يتّصف به.
(8) قد يكتسبه الإنسان بالتّعوّد وبالرّغبة فيما عند الله من الثّواب الجزيل.
(9) صفة من صفات الله سبحانه، وهي من صفات أوليائه أيضا.
(10) تعمل على تآلف القلوب ونشر المحبّة بين النّاس.
(11) تزيل البغض وتمنع الحسد وتميل القلوب.
(12) يستحقّ صاحبها الدّرجات العلى والجزاء الأوفى.(5/1752)
الحمد
الحمد لغة:
مصدر قولهم: حمد يحمد، وهو مأخوذ من مادّة (ح م د) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس «1» على خلاف الذّمّ، يقال: حمدت فلانا أحمده (مدحته) ، ورجل محمود ومحمّد، إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة.
قال الأعشى يمدح النّعمان:
إليك أبيت اللّعن كان كلالها ... إلى الماجد الفرع الجواد المحمّد
وتقول العرب: حماداك أن تفعل كذا أي غايتك وفعلك المحمود منك غير المذموم. وذكر الرّاغب: أنّ الحمد أخصّ من المدح؛ لأنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره أو من غير اختياره، والحمد لا يكون إلّا لما فيه اختيار كبذل المال ونحوه «2» .
قال الجوهريّ: والتّحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشّكر، والمحمّد الّذي كثرت خصاله المحمودة، والمحمدة خلاف المذمّة، وأحمد فلان صار أمره إلى الحمد، وأحمدته أي وجدته محمودا، وقولهم في المثل: العود أحمد أي أكثر حمدا.
الآيات الأحاديث الآثار
56 57 19
قال الشّاعر:
فلم تجر إلّا جئت في الخير سابقا ... ولا عدت إلّا أنت في العود أحمد
ويقال رجل حمدة أي يكثر حمد الأشياء، ويقول فيها أكثر ممّا فيها. ونقل صاحب اللّسان أنّ الحمد: الشّكر: قاله اللّحيانيّ والأخفش.
الحمد: الثّناء. قاله الأزهريّ وهو نقيض الذّمّ.
والحمد: الجزاء قاله سيبويه. ويقال: رجل حمدة كثير الحمد، ومثله حمّاد. ويقال: فلان يتحمّد النّاس بجوده أي يريهم أنّه محمود.
ومن أمثالهم: من أنفق ماله على نفسه فلا يتحمّد به إلى النّاس، إنّما يحمد على إحسانه إلى النّاس، وحمده وحمّده، وأحمده وجده محمودا، ويقال:
أتيت موضع كذا فأحمدته أي صادفته محمودا موافقا، وذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه.
وقال بعضهم: أحمد الرّجل إذا رضي فعله ومذهبه ولم ينشره.
وقال اللّحيانيّ: أحمد الرّجل (بالضّمّ) فعل ما يحمد عليه وصار أمره إلى الحمد، والمحمّد: الّذي
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 100) .
(2) الصحاح (2/ 466) .(5/1753)
كثرت خصاله المحمودة وقد سمّي به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم.
والتّحميد: حمدك الله- عزّ وجلّ- مرّة بعد مرّة، وأحمد إليك الله: أشكره إليك، أو معناه: أحمد معك الله أو أشكر إليك نعمه وأحدّثك بها.
والمقام المحمود: المقام الّذي يحمد فيه جميع الخلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتعجيل الحساب والإراحة من طول الوقوف «1» .
الحمد اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الحمد: هو الثّناء على الجميل من جهة التّعظيم من نعمة وغيرها
وقال ابن القيّم: الحمد: إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه.
وقال الرّاغب: الحمد لله تعالى: هو الثّناء عليه بالفضيلة «2» .
الفرق بين الحمد والمدح والشكر والثناء:
الحمد: أخصّ من المدح وأعمّ من الشّكر؛ فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره وممّا يكون منه وفيه بالتّسخير. فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه: كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه، والمدح يكون في الثّاني دون الأوّل، والشّكر لا يقال إلّا في مقابلة نعمة: فكلّ شكر حمد وليس كلّ حمد شكرا، وكلّ حمد مدح وليس كلّ مدح حمدا «3» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إنّ كلّ واحد من المدح والحمد يتضمّن العلم بما يحمد به غيره ويمدحه فلا يكون مادحا ولا حامدا من لم يعرف صفات المحمود والممدوح فإن تجرّد عن العلم كان كلاما بغير علم، فإن طابق فصدق وإلّا فكذب. وقد جاء في السّنّة ما هو أخصّ من الحمد وهو الثّناء الّذي هو تكرار المحامد كما في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأهل قباء:
«ما هذا الطّهور الّذي أثنى الله عليكم به» فإذا كان قد أثنى عليهم والثّناء حمد متكرّر فما يمنع حمده لمن شاء من عباده؟ ثمّ الصّحيح في تسمية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محمّدا أنّه الّذي يحمده الله وملائكته وعباده المؤمنون وأمّا من قال الّذي يحمده أهل السّماوات وأهل الأرض فلا ينافي حمد الله تعالى بل حمد أهل السّماوات والأرض له بعد حمد الله له فلمّا حمده الله حمده أهل السّماوات والأرض، وبالجملة، فإذا كان الحمد ثناء خاصّا على المحمود لم يمتنع أن يحمد الله من يشاء من خلقه كما يثني عليه فالصّواب في الفرق بين الحمد والمدح أن يقال: الإخبار عن محاسن الغير إمّا أن يكون إخبارا مجرّدا من حبّ وإرادة أو مقرونا بحبّه وإرادته: فإن كان الأوّل فهو المدح، وإن كان الثّاني فهو الحمد، فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه، ولهذا كان خبرا يتضمّن الإنشاء بخلاف المدح؛ فإنّه خبر مجرّد، فالقائل إذا قال: الحمد لله أو قال ربّنا لك الحمد؛ تضمّن كلامه الخبر عن كلّ ما يحمد عليه تعالى باسم جامع محيط متضمّن لكلّ فرد من أفراد الحمد المحقّقة والمقدّرة. وذلك يستلزم إثبات كلّ كمال
__________
(1) لسان العرب (3/ 155- 158) ط. بيروت.
(2) كتاب التعريفات (93) ، وبدائع الفوائد (2/ 93) ، والمفردات (131) .
(3) المفردات للراغب (131) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 499) .(5/1754)
يحمد عليه الرّبّ تعالى ولهذا لا تصلح هذه اللّفظة على هذا الوجه ولا تنبغي إلّا لمن هذا شأنه وهو الحميد المجيد «1» .
معنى اسم الله «الحميد» :
قال الغزاليّ: الحميد هو المحمود المثنى عليه، والله عزّ وجلّ هو الحميد بحمده لنفسه أزلا وبحمد عباده له أبدا، ويرجع هذا إلى صفات الجلال والعلوّ والكمال «2» .
وقال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى الحميد، أي المحمود على كلّ حال فعيل بمعنى مفعول «3» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: في ذكر أسماء الألوهيّة والرّبوبيّة والرّحمة والملك بعد الحمد «4» (ما يدلّ) على إيقاعه على مضمونها ومقتضاها أي أنّه محمود في إلاهيّته، محمود في ربوبيّته، محمود في رحمانيّته، محمود في ملكه، وأنّه إله محمود، وربّ محمود ورحمن محمود، وملك محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال والجلال «5» .
أقسام الحمد:
قسّم بعضهم الحمد كما يلي:
1- الحمد القوليّ هو حمد اللّسان وثناؤه على الحقّ بما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه
2- الحمد الفعليّ: هو الإتيان بالأعمال البدنيّة ابتغاء لوجه الله تعالى
3- الحمد الحاليّ: هو الّذي يكون بحسب الرّوح والقلب كالاتّصاف بالكمالات العلميّة والعمليّة والتّخلّق بالأخلاق الإلهيّة.
4- الحمد اللّغويّ: هو الوصف بالجميل على جهة التّعظيم والتّبجيل باللّسان وحده.
5- الحمد العرفيّ: فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما وهو أعمّ من أن يكون فعل اللّسان أو الأركان «6» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التسبيح- التكبير- التهليل- الثناء- الشكر- الحوقلة- الشكر- الاعتراف بالفضل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغفلة- نكران الجميل- الجحود] .
__________
(1) بدائع الفوائد لابن القيم (2/ 93) .
(2) المقصد الأسنى 130.
(3) النهاية لابن الأثير 1/ 436.
(4) أي في سورة الفاتحة
(5) التفسير القيم ص 35.
(6) انظر كتاب التعريفات للجرجاني ص 93 وما بعدها.(5/1755)
الآيات الواردة في «الحمد»
الحمد منسوبا للمولى- عز وجل-:
1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) «1»
2- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) «2»
3- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (3) «3»
4- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (43)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (45) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
__________
(1) الفاتحة: 1- 7 مكية
(2) البقرة: 30 مدنية
(3) الأنعام: 1- 3 مكية
(4) الأنعام: 42- 45 مكية(5/1756)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (42) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) «1»
6- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «2»
7- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «3»
8- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35)
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «4»
9- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «5»
__________
(1) الأعراف: 40- 43 مكية
(2) يونس: 9- 10 مكية
(3) الرعد: 12- 13 مدنية
(4) إبراهيم: 35- 41 مكية
(5) النحل: 75- 76 مكية(5/1757)
10- أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «1»
11- يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) «2»
12- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «3»
13- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) «4»
14- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «5»
15- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «6»
16- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
__________
(1) الإسراء: 40- 44 مكية
(2) الإسراء: 52- 53 مكية
(3) الإسراء: 110- 111 مكية
(4) الكهف: 1- 6 مكية
(5) طه: 130 مكية
(6) الحج: 23- 24 مدنية(5/1758)
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) «1»
17- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) «2»
18- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56)
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) «3»
19- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) «4»
20- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (959) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)
__________
(1) الحج: 63- 64 مدنية
(2) المؤمنون: 23- 30 مكية
(3) الفرقان: 56- 59 مكية
(4) النمل: 15- 16 مكية(5/1759)
ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «1»
21- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
22- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) «2»
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) «3»
23- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) «4»
24- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) «5»
__________
(1) النمل: 59- 64 مكية
(2) النمل: 89- 93 مكية
(3) القصص: 65- 70 مكية
(4) العنكبوت: 63 مكية
(5) الروم: 14- 18 مكية(5/1760)
25- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) «1»
26- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما «2»
27- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «3»
28- الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) «4»
29- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (33) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «5»
30- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «6»
31- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ
__________
(1) لقمان: 25 مكية
(2) السجدة: 15- 17 مكية
(3) سبأ: 1- 3 مكية
(4) فاطر: 1 مكية
(5) فاطر: 29- 35 مكية
(6) الصافات: 180- 182 مكية(5/1761)
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) «1»
32- وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «2»
33- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «3»
34- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) «4»
35- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) «5»
36- حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
__________
(1) الزمر: 29- 31 مكية
(2) الزمر: 73- 75 مكية
(3) غافر: 7- 9 مكية
(4) غافر: 53- 56 مكية
(5) غافر: 64- 65 مكية(5/1762)
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «1»
37- فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) «2»
38- وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) «3»
39- وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) «4»
40- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «5»
ورد لفظ الحمد صفة للمولى- عز وجل- في الآيات:
41- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «6»
42- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (133) «7»
__________
(1) الشورى: 1- 5 مكية
(2) الجاثية: 36- 37 مكية
(3) ق: 38- 40 مدنية
(4) الطور: 47- 49 مكية
(5) النصر: 1- 3 مدنية
(6) البقرة: 267 مدنية
(7) النساء: 131- 133 مدنية(5/1763)
43- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «1»
44- الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (2)
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) «2»
45- وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) «3»
46- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) «4»
47- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) «5»
48- يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) «6»
49- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
__________
(1) هود: 69- 75 مكية
(2) إبراهيم: 1- 3 مكية
(3) إبراهيم: 8 مكية
(4) لقمان: 26 مكية
(5) سبأ: 4- 6 مكية
(6) فاطر: 15- 17 مكية(5/1764)
ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43) «1»
50-* وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) «2»
51- الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) «3»
52- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «4»
53- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (5)
ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) «5»
54- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) «6»
لفظ «الحمد» صفة للمؤمن:
55-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
__________
(1) فصلت: 41- 43 مكية
(2) الشورى: 27- 28 مكية
(3) الحديد: 24 مدنية
(4) الممتحنة: 4- 6 مدنية
(5) التغابن: 5- 6 مدنية
(6) البروج: 1- 9 مكية(5/1765)
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «1»
لفظ «المحمود» صفة للمقام:
56- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (80)
وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «2»
__________
(1) التوبة: 111- 112 مدنية
(2) الإسراء: 78- 82 مكية(5/1766)
الأحاديث الواردة في (الحمد)
1-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر. لا يضرّك بأيّهنّ بدأت، ولا تسمّينّ غلامك يسارا ولا رباحا، ولا نجيحا ولا أفلح. فإنّك تقول: أثمّ هو؟
فلا يكون. فيقول: لا» ) * «1» .
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبّها فإنّما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدّث بها، وإذا رأى غير ذلك ممّا يكره فإنّما هي من الشّيطان فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد؛ فإنّها لا تضرّه» ) * «2» .
3-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي. فيقولون: نعم.
فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم. فيقول:
ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» ) * «3» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة يوم القيامة ولا فخر.
وإنّي آتي باب الجنّة فآخذ بحلقتها. فيقولون من هذا؟
فأقول: أنا محمّد. فيفتحون لي. فأدخل فإذا الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وتكلّم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ فيقول:
اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة من شعير من الإيمان فأدخله الجنّة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك أدخله الجنّة فإذا الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك، وقل يقبل منك، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه نصف حبّة من شعير من الإيمان فأدخلهم الجنّة، فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلهم الجنّة. فإذا الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك وقل يقبل منك، واشفع تشفّع،
__________
(1) مسلم (2137) . والبخاري تعليقا (11/ 566) .
(2) البخاري- الفتح 12 (6985) واللفظ له. وحديث مسلم (2261) من حديث أبي سلمة رضي الله عنه.
(3) الترمذي (1021) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأحمد (4/ 415) ، وذكره النووي في الأذكار وقال محققه: ورواه ابن حبان في صحيحه ونقل عن الحافظ ابن حجر قوله: الحديث حسن (203) . وابن حبان (726) موارد الظمآن، وحسنه السيوطي في الجامع رقم (854) ، وأقره المناوي، وزاد أئمة آخرين أخرجوا الحديث، انظر فيض القدير (1/ 440) ، وذكره ابن كثير في تفسير الآية (157) من سورة البقرة، ونقل عن الترمذي تحسينه.(5/1767)
فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة من خردل من الإيمان فأدخله الجنّة فأذهب فمن وجدت في قلبه ذلك أدخلتهم الجنّة، وفرغ الله من حساب النّاس.
وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع أهل النّار. فيقول أهل النّار: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون الله- عزّ وجلّ- لا تشركون به شيئا. فيقول الجبّار: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون قد امتحشوا «1» فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّة في غثاء السّيل. ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله- عزّ وجلّ- فيذهب بهم فيدخلون الجنّة فيقول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميّون. فيقول الجبّار بل هؤلاء عتقاء الجبّار- عزّ وجلّ-» ) * «2» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم-: ما يقول عبادي؟. قال تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون:
لا والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟. قال:
لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال يقول: فما يسألوني؟ قال:
يسألونك الجنّة. قال يقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال:
فممّ يتعوّذون؟ قال يقولون: من النّار. قال يقول:
وهل رأوها؟ قال فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها.
قال يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال فيقول:
فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال:
هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «3» .
6-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخطون. قالوا فما بال الطّعام؟ قال: جشاء «4» ورشح كرشح المسك. يلهمون التّسبيح والتّحميد، كما يلهمون النّفس» ) * «5» .
7-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه-
__________
(1) امتحشوا: احترقوا أي احترقت جلودهم.
(2) أحمد (3/ 144) واللفظ له، وابن منده في الإيمان (2/ 847) حديث (878) وقال: هذا حديث صحيح مشهور. وهو مخرج في الصحيحين. وانظر «الأحاديث الصحيحة» للألباني (571) و «إتحاف السادة المتقين» (10/ 491) و «كنز العمال» رقم (39089) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. ومسلم (2689) .
(4) الجشاء: تنفس المعدة عند الامتلاء.
(5) مسلم (2835) .(5/1768)
قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصّلاة فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال: أتصلّي بالنّاس فأقيم؟ قال: نعم. فصلّى أبو بكر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة، فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس- وكان أبو بكر لا يلتفت في الصّلاة- فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر- رضي الله عنه- يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، فلمّا انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مالي رأيتكم أكثرتم التّصفيق؟ من رابه شيء في صلاته فليسبّح فإنّه إذا سبّح التفت إليه، وإنّما التّصفيق للنّساء» ) * «1» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ ضمادا (يعني ابن ثعلبة) قدم مكّة. وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الرّيح «2» . فسمع سفهاء من أهل مكّة يقولون: إنّ محمّدا مجنون. فقال:
لو أنّي رأيت هذا الرّجل لعلّ الله يشفيه على يديّ.
قال: فلقيه. فقال: يا محمّد إنّي أرقي من هذه الرّيح.
وإنّ الله يشفي على يديّ من شاء. فهل لك؟ «3» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له. ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأنّ محمّدا عبده ورسوله. أمّا بعد» : قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السّحرة وقول الشّعراء. فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء. ولقد بلغن ناعوس البحر «4» ، قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وعلى قومك» . قال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريّة فمرّوا بقومه. فقال صاحب السّريّة للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة. فقال: ردّوها فإنّ هؤلاء قوم ضماد) * «5» .
9-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: إنّ فاطمة اشتكت ما تلقى من الرّحى في يدها. وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي. فانطلقت فلم تجده. ولقيت عائشة.
فأخبرتها. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على مكانكما فقعد بيننا حتّى وجدت برد قدمه على صدري، ثمّ قال: «ألا أعلّمكما خيرا ممّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبّرا الله أربعا وثلاثين وتسبّحاه ثلاثا
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (684) واللفظ له، ومسلم (421) .
(2) يرقي من هذه الريح: يرقي من الرقية التي يرقى بها والمراد بالريح هنا: الجنون ومس الجن.
(3) فهل لك: أي فهل لك رغبة في رقيتي وهل تميل لها؟
(4) ناعوس البحر: قال ابن الأثير: قال أبو موسى: كذا وقع في صحيح مسلم، وفي سائر الروايات «قاموس البحر» وهو وسطه ولجته، ولعلّه لم يجوّد كتبته فصحّفه بعضهم.
(5) مسلم (868) .(5/1769)
وثلاثين، وتحمداه ثلاثا وثلاثين. فهو خير لكما من خادم» ) * «1» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشّربة فيحمده عليها» ) * «2» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ العطاس ويكره التّثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحقّ على كلّ مسلم سمعه أن يشمّته. وأمّا التّثاؤب فإنّما هو من الشّيطان، فليردّه ما استطاع، فإذا قال: هاء ضحك منه الشّيطان» ) * «3» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا. وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهمّ ربّنا لك الحمد. وإذا صلّى قائما فصلّوا قياما وإذا صلّى قاعدا فصلّوا قعودا أجمعون» ) * «4» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان في سفر وأسحر «5» يقول:
«سمّع سامع «6» بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربّنا صاحبنا «7» وأفضل علينا. عائذا بالله «8» من النّار» ) * «9» .
14-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبرك بأحبّ الكلام إلى الله؟» . قلت: يا رسول الله أخبرني بأحبّ الكلام إلى الله. فقال: «إنّ أحبّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده» ) * «10» .
15-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّي لأعلم كيف كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يلبّي: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك» ) * «11» .
16-* (عن عليّ بن ربيعة قال: شهدت عليّا أتي بدابّة ليركبها، فلمّا وضع رجله في الرّكاب قال:
بسم الله ثلاثا، فلمّا استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ، ثمّ قال: الحمد لله ثلاثا، والله أكبر ثلاثا، سبحانك إنّي قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت ثمّ ضحك.
قلت: من أيّ شيء ضحكت يا أمير المؤمنين؟. قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5361) ، ومسلم (2727) وهذا لفظه.
(2) مسلم (2734) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6223) وهذا لفظه، ومسلم (2994) .
(4) البخاري- الفتح 2 (734) ، ومسلم (417) واللفظ له.
(5) أسحر: بلغ وقت السحر وهو آخر الليل.
(6) سمّع سامع (بالتشديد) : بلّغ سامع قولي هذا لغيره.
(7) ربنا صاحبنا: احفظنا وحطنا بعنايتك.
(8) عائذا بالله: أي أقول هذا في حال استعاذتي بالله من النار.
(9) مسلم (2718) .
(10) مسلم (2731) .
(11) البخاري- الفتح 3 (1550) واللفظ له. ومسلم (1184) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-. وفيه زيادة «والملك لا شريك لك» .(5/1770)
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صنع كما صنعت ثمّ ضحك، فقلت: من أيّ شيء ضحكت يا رسول الله؟ قال: «إنّ ربّك ليعجب من عبده إذا قال ربّ اغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذّنوب غيرك» ) * «1» .
17-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا. والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال: قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «2» .
18-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله: علّمني كلمات أدعو بهنّ في صلاتي. قال:
«سبّحي الله عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، ثمّ سليه حاجتك يقل: نعم. نعم» ) * «3» .
19-* (عن أمّ رافع- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله: دلّني على عمل يأجرني الله عزّ وجلّ- عليه. قال: «يا أمّ رافع إذا قمت إلى الصّلاة فسبّحي الله تعالى عشرا، وهلّليه عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، واستغفريه عشرا، فإنّك إذا سبّحت قال: هذا لي، وإذا هلّلت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبّرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد فعلت» ) * «4» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم.
يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون.
قال: «ألا أحدّثكم بما إن أخذتم أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين. فاختلفنا بيننا. فقال بعضنا نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال:
تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «5» .
21-* (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال
__________
(1) أبو داود (2602) ، والترمذي (3446) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، وقال في الفتوحات الربانية: حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان، والحاكم (5/ 125) .
(2) مسلم (2696) .
(3) النسائي (3/ 51) واللفظ له وقال الألباني: حسن الإسناد (1/ 279) حديث (1232) ، والترمذي (481) وقال: حسن غريب، والحاكم (1/ 317، 318) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وذكر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 348) : أن المنذري في الترغيب والترهيب نسبه كذلك لأحمد وابن خزيمة وابن حبان.
(4) ابن السني في اليوم والليلة (105) ، وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن ورجال موثقون (97) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 3 (843)(5/1771)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» ، ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «1» .
22-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السّماوات والأرض والصّلاة نور، والصّدقة برهان، والصّبر ضياء، والقرآن حجّة لك أو عليك. كلّ النّاس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها «2» » ) * «3» .
23-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من قضاء الله- عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر. المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى في اللّقمة يرفعها إلى في امرأته» ) * «4» .
24-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: عطس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلان فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر. فقال الّذي لم يشمّته: عطس فلان فشمّتّه، وعطست أنا فلم تشمّتني. قال: «إنّ هذا حمد الله، وإنّك لم تحمد الله» ) * «5» .
25-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير، ويحمده النّاس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» ) * «6» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن:
سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده» ) * «7» .
27-* (عن رفاعة بن رافع- رضي الله عنه- قال: كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال: «سمع الله لمن حمده» . قال رجل: ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه. فلمّا انصرف قال: «من المتكلّم؟» . قال: أنا. قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل» ) * «8» .
28-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا، يعني، ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا فقال في دعائه:
اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت
__________
(1) النسائي (3/ 44) واللفظ له، وذكره الألباني في الصحيح (1/ 275) حديث (1217) ، والترمذي (3476) ، وقال: حديث حسن.
(2) موبقها: مهلكها.
(3) مسلم (223) .
(4) أحمد (1/ 173) وقال شاكر: إسناده صحيح (3/ 49) رقم (1487) ، والحديث في مسلم ولم يذكر فيه الحمد (2999) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6225) ومسلم (2991) واللفظ له.
(6) مسلم (2642) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6406) واللفظ له، ومسلم (2694)
(8) البخاري- الفتح 2 (799) .(5/1772)
المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم. إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بما دعا «1» » . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «2» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «3» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان «4» ، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «5» .
31-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال:
الحمد لله، إلّا كان الّذي أعطاه أفضل ممّا أخذ» ) * «6» .
32-* (عن معاذ بن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكل طعاما فقال:
الحمد لله الّذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منّي ولا قوّة غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «7» .
33-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
ثمّ قال: اللهمّ اغفر لي، أو دعا. استجيب. فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «8» .
34-* (عن عمر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من رأى صاحب بلاء فقال:
الحمد لله الّذي عافاني ممّا ابتلاك به وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلا. إلّا عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش» ) * «9» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال: قبل أن يقوم من مجلسه ذلك:
سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه
__________
(1) كذا في الأصل، والقاعدة في الإملاء حذف الألف: بم دعا؟.
(2) النسائي (3/ 52) واللفظ له، وذكره الألباني في الصحيح منه (1/ 279) حديث (1233) ، وقال: صحيح، وابن ماجة (3858) .
(3) مسلم (2695) .
(4) القيعان: الأرض السهلة المطمئنة المستوية.
(5) الترمذي (3462) واللفظ له وقال: حسن غريب، وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: حسن لشواهده وهو في المسند. وصحيح ابن حبان والطبراني (64) .
(6) ابن ماجة (3805) ، وقال في الزوائد: إسناده حسن.
(7) أبو داود (4023) ، والترمذي (3458) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (3285) ، وقال مخرج الأذكار النووية (محيي الدين مستو) حديث حسن (380) ، وكذلك قال مخرج الوابل الصيب (170) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1154) .
(9) الترمذي (3431) واللفظ له، وقال: حديث غريب، وذكره النووي في الأذكار وعزاه للترمذي ونقل قوله فيه إنه حسن(5/1773)
ذلك» ) * «1» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «2» (ثلاثا) غير تمام» . فقيل لأبي هريرة. إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى حمدني عبدي. وإذا قال: الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة:
فوّض إليّ عبدي) . فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «3» .
37-* (عن عبد الله بن غنّام البياضيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: اللهمّ ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك. فلك الحمد ولك الشّكر، فقد أدّى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته» ) * «4» .
38-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنّة» ) * «5» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة، حطّت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ) * «6» .
40-* (عن عمرو بن ميمون- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، عشر مرار. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» ) * «7» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير. في يوم مائة مرّة. كانت له عدل عشر
__________
- (474) ، وابن ماجة من حديث ابن عمر (3892) ، وذكره الألباني في الصحيحة، وعزاه كذلك لأبي نعيم في الحلية (6/ 265) ، والخرائطي في فضيلة الشكر، وتمامّ في فوائده وغيرهم (2/ 153- 156) رقم (602) .
(1) الترمذي (3433) وقال: حسن غريب صحيح.
(2) والخداج: النقصان.
(3) مسلم (395) .
(4) أبو داود (5073) واللفظ له. والنسائي في اليوم والليلة (7) . وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: إسناده حسن (152) ، وذكره ابن القيم في الوابل الصيب وقال مخرجه: رواه ابن حبان (2361) ، ونقل تحسين الحافظ له في شرح الأذكار (124) .
(5) الترمذي (3464) واللفظ له وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم (1/ 501- 502) وصححه ووافقه الذهبي.
(6) البخاري- الفتح 11 (6405) واللفظ له، ومسلم (2691) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6405) ، وفيه كان كمن أعتق رقبة، ومسلم (2693) واللفظ له.(5/1774)
رقاب. وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيّئة، وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي.
ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به إلّا رجل عمل أكثر منه» ) * «1»
42-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك الحمد، ملء السّماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد. اللهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد.
اللهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ» ) * «2» .
43-* (عن أبي شريح أنّه قال لعمرو بن سعيد- وهو يبعث البعوث إلى مكّة-: ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قال به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغد من يوم الفتح. سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلّم به: حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة. فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيها فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي فيها ساعة من نهار، ثمّ عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشّاهد الغائب» . فقيل لأبي شريح ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم منك يا أبا شريح إنّ مكّة لا تعيذ عاصيا ولا فارّا بدم، ولا فارّا بخربة «3» ) * «4» .
44-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال:
«الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا، وكفانا، وآوانا. فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي» ) * «5» .
45-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: «اللهمّ لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض. ولك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ. ووعدك الحقّ وقولك الحقّ.
ولقاؤك حقّ. والجنّة حقّ. والنّار حقّ. والسّاعة حقّ.
اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت. وعليك توكّلت وإليك لك أسلمت وبك آمنت. وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت. وإليك حاكمت.
فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت. وأسررت وأعلنت. أنت إلهي لا إله إلّا أنت» ) * «6» .
46-* (عن جويرية- رضي الله عنها- قالت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» . قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ. سبحان الله وبحمده عدد
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6403) واللفظ له. ومسلم (2691) .
(2) مسلم (476) .
(3) الخربة: السّرقة.
(4) البخاري- الفتح 1 (104) واللفظ له. ومسلم (1354) .
(5) مسلم (2715) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7499) . ومسلم (769) وهذا لفظه.(5/1775)
خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» ) * «1» .
47-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ نفرا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوا أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن عمله في السّرّ فقال بعضهم: لا أتزوّج النّساء. وقال بعضهم: لا آكل اللّحم. وقال بعضهم:
لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟. ولكنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر. وأتزوّج النّساء. فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «2» .
48-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا. ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى. اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده.
اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل.
اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر «3» وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل. وإذا رجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ) * «4» .
49-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا أمسى قال:
«أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. اللهمّ أسألك خير ما في هذه اللّيلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شرّ ما في هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها. ربّ أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. ربّ أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر. وإذا أصبح قال ذلك أيضا: أصبحنا وأصبح الملك لله» ) * «5» .
50-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أكل أو شرب قال:
«الحمد لله الّذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجا» ) * «6» .
51-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يكثر أن يقول قبل أن يموت: «سبحانك اللهمّ وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك» . قالت: قلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات الّتي أراك أحدثتها تقولها؟. قال: «جعلت لي علامة في أمّتي إذا رأيتها قلتها. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر/ 1) إلى آخر السّورة» ) * «7» .
52-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-
__________
(1) مسلم (2726) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5063) . ومسلم (1401) وهذا لفظه.
(3) وعثاء السفر: مشقته وشدته.
(4) مسلم (1342) .
(5) مسلم (2723) .
(6) أبو داود (3851) واللفظ له، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (285) ، وقال الحافظ في تخريج الأذكار: الحديث صحيح، وأخرجه أبو يعلى وابن حبان ربم (5220) ، والطبراني (380)
(7) البخاري- الفتح 8 (4968) ، ومسلم (484) واللفظ له.(5/1776)
قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» ) * «1» .
53-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه قال:
«باسمك أموت وأحيا. وإذا قام قال: الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» ) * «2» .
54-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يحبّ قال:
«الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات» . وإذا رأى ما يكره. قال: «الحمد لله على كلّ حال» ) * «3» .
55-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيرا طيّبا مباركا فيه غير مكفيّ «4» ولا مودّع «5» ، ولا مستغنى عنه ربّنا» ) * «6» .
56-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دبر كلّ صلاة إذا سلّم: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «7» .
57-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
واصرف عنّي سيّئها. لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت.
لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت.
وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» . وإذا رفع قال:
«اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض
__________
(1) أبو داود (3850) ، والترمذي (3457) واللفظ له، وابن ماجة (3283) ، وأحمد (3/ 32) ، وقال الحافظ في تخريج الأذكار: هذا حديث حسن وعزاه كذلك للطبراني والنسائي في اليوم والليلة (تخريج الأذكار 380) ، وكذلك قال مخرج الوابل الصيب: حديث حسن وله شواهد كثيرة (170) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6312) واللفظ له، وأخرج مسلم مثله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه (2711) .
(3) ابن ماجة (3803) واللفظ له، وقال في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات، والحاكم (1/ 499) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره النووي في أذكاره وعزاه للحاكم ونقل كلامه عليه، وعزاه مخرجه كذلك لابن السني (499) .
(4) غير مكفي: أي غير مكتف بنفسي عن كفايته، أو غير مكافأة نعمة ربي، وقيل: المعنى غير مردود عليه إنعامه.
(5) غير مودع: أي غير متروك.
(6) البخاري- الفتح 9 (5458) . وربنا بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني.
(7) البخاري- الفتح 11 (6330) واللفظ له، ومسلم (593) .(5/1777)
وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «1» .
الأحاديث الواردة في (الحمد) معنى
انظر صفات: الشكر- والذكر- والدّعاء
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحمد)
1-* (قال عيسى ابن مريم عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم. فإنّ القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون. ولا تنظروا في ذنوب النّاس كأنّكم أرباب.
وانظروا في ذنوبكم كأنّكم عبيد فإنّما النّاس مبتلى ومعافى.
فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية» ) * «2» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- بعد أن لبس ثوبا جديدا، فلمّا بلغ ترقوته قال: «الحمد لله الّذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمّل به في حياتي» ) * «3» .
3-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لرجل سلّم عليه: «كيف أصبحت؟ «قال الرّجل:
أحمد الله. قال عمر: ذاك الّذي أردت» ) * «4» .
4-* (قال سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه-:
«إنّ رجلا بسط له من الدّنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله ويثني عليه حتّى لم يكن إلّا فراش، فجعل يحمد الله ويثني عليه، وبسط لآخر من الدّنيا فقال:
لصاحب الفراش: أرأيتك أنت علام تحمد الله؟ قال:
أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم إيّاه. قال: وما ذلك؟ قال: أرأيتك بصرك، أرأيتك لسانك، أرأيتك يديك، أرأيتك رجليك» ) * «5» .
5-* (قال حسّان بن ثابت- رضي الله عنه-:
أغرّ عليه من النّبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
__________
(1) مسلم 1 (771) .
(2) الموطأ (986) .
(3) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (125) .
(4) مختصر منهاج القاصدين (277) .
(5) عدة الصابرين (132) .(5/1778)
وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه ... إذ قال في الخمس المؤذّن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمّد) * «1» .
6-* (مرّ وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى- بمبتلى أعمى مجذوم مقعد عريان به وضح «2» وهو يقول: الحمد لله على نعمه، فقال رجل كان مع وهب:
أيّ شيء بقي عليك من النّعمة تحمد الله عليها؟ فقال له المبتلى: ارم ببصرك إلى أهل المدينة فانظر إلى كثرة أهلها أفلا أحمد الله أنّه ليس فيها أحد يعرفه غيري «3» » ) * «4» .
7-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«إذا كان يوم القيامة نادى مناد: سيعلم الجمع من أولى بالكرم أين الّذين كانت تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (السجدة/ 16) قال: فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس. قال: ثمّ ينادي مناد: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الّذين كانت لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ 37) . قال: فيقومون فيتخطّون رقاب النّاس، قال: ثمّ ينادي مناد سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمّادون لله على كلّ حال؟ قال: فيقومون وهم كثير ثمّ يكون النّعيم والحساب فيمن بقي» ) * «5» .
8-* (وكان رحمه الله، إذا ابتدأ كلامه يقول:
«الحمد لله اللهمّ ربّنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلّمتنا وأنقذتنا وفرّجت عنّا، لك الحمد بالإسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبتّ عدوّنا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا، وعن كلّ ما سألناك ربّنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا، ولك الحمد بكلّ نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سرّ أو علانية أو خاصّة أو عامّة أو حيّ أو ميّت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت» ) * «6» .
9-* (رأى بكر بن عبد الله المزنيّ- رحمه الله تعالى- حمّالا عليه حمله وهو يقول: «الحمد لله أستغفر الله» ، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: «أما تحسن غير هذا؟» قال: «بلى أحسن خيرا كثيرا، أقرأ كتاب الله غير أنّ العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمه السّابغة وأستغفره لذنوبي» ، فقال: «الحمّال أفقه من بكر» ) * «7» .
10-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «ما قال عبد قطّ الحمد لله إلّا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله فجزاء تلك النّعمة أن يقول: الحمد لله،
__________
(1) ديوان حسان (54) .
(2) الوضح: بياض في الجلد (البرص) .
(3) المراد بقوله: ليس فيها أحد يعرفه غيري: أي يعرفه بنعمه العديدة
(4) عدة الصابرين (143) .
(5) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم (89) .
(6) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (128- 129) .
(7) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (124) .(5/1779)
فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد نعم الله» ) * «1» .
11-* (قال أبو العالية الرّياحيّ- رحمه الله تعالى-: «إنّي لأرجو أن لا يهلك عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه» ) * «2» .
12-* (قال أبو عبد الرّحمن الحبليّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ الرّجل إذا سلّم على الرّجل وسأله كيف أصبحت؟ فقال له الآخر: أحمد الله إليك، قال: يقول الملك الّذي عن يساره للّذي عن يمينه:
كيف تكتبها؟ قال: أكتبه من الحامدين فكان أبو عبد الرّحمن إذا سئل: كيف أصبحت؟ يقول: أحمد الله إليك وإلى جميع خلقه» ) * «3» .
13-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما-: أنّه كان لا يؤتى أبدا بطعام ولا شراب، حتّى الدّواء فيطعمه أو يشربه، إلّا قال: الحمد لله الّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا. الله أكبر، اللهمّ ألفتنا نعمتك بكلّ شرّ، فأصبحنا منها وأمسينا بكلّ خير.
نسألك تمامها وشكرها. لا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصّالحين، وربّ العالمين، الحمد لله ولا إله إلّا الله ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار» ) * «4» .
14-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «من عرف نعمة الله بقلبه، وحمده بلسانه لم يستتمّ ذلك حتّى يرى الزّيادة. لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم/ 7) » ) * «5» .
15-* (كان محارب بن دثار- رحمه الله تعالى- يقوم اللّيل ويرفع صوته أحيانا وهو يقول: «أنا الصّغير الّذي ربّيته فلك الحمد، وأنا الضّعيف الّذي قوّيته فلك الحمد، وأنا الفقير الّذي أغنيته فلك الحمد، وأنا الصّعلوك الّذي موّلته فلك الحمد، وأنا العزب الّذي زوّجته فلك الحمد، وأنا السّاغب الّذي أشبعته فلك الحمد، وأنا العاري الّذي كسوته فلك الحمد، وأنا المسافر الّذي صحبته فلك الحمد، وأنا الغائب الّذي رددته فلك الحمد، وأنا الرّاجل الّذي حملته فلك الحمد، وأنا المريض الّذي شفيته فلك الحمد، وأنا السّائل الّذي أعطيته فلك الحمد، وأنا الدّاعي الّذي أجبته فلك الحمد، ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا» ) * «6» .
16-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله تعالى-:
«أحبّ أن يقدّم المرء بين يدي خطبته وكلّ أمر طلبه حمد الله تعالى والثّناء عليه سبحانه وتعالى والصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «7» .
17-* (قال ابن العطّار- رحمه الله تعالى-:
«لو حلف إنسان ليثنينّ على الله تعالى أحسن الثّناء فطريق البرّ أن يقول: لا أحصي ثناء عليك أنت كما
__________
(1) المصدر السابق (128) .
(2) المصدر السابق (130) .
(3) مختصر منهاج القاصدين (278) .
(4) الموطأ (934- 935) .
(5) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم (123- 124) .
(6) عدة الصابرين (146) .
(7) مقدمة فتاوى النووي المسماة بالمسائل المنثورة (8) .(5/1780)
أثنيت على نفسك. وزاد بعضهم فلك الحمد حتّى ترضى» ) * «1» .
18-* (قال ابن زيد- رحمه الله تعالى-:
«إنّه ليكون في المجلس الرّجل الواحد يحمد الله- عزّ وجلّ- فيقضي لذلك المجلس حوائجهم كلّهم» ) * «2» .
19-* (وقال أيضا: في بعض الكتب التّي أنزلها الله تعالى أنّه قال: «سرّوا عبدي المؤمن، فكان لا يأتيه شيء إلّا قال الحمد لله ما شاء الله. قال: روّعوا عبدي المؤمن، فكان لا يطلع عليه طليعة من طلائع المكروه إلّا قال: الحمد لله، الحمد لله. فقال الله تبارك وتعالى: إنّ عبدي يحمدني حين روّعته كما يحمدني حين سررته «3» أدخلوا عبدي دار عزّي كما يحمدني على كلّ حالاته» ) * «4» .
من فوائد (الحمد)
(1) إنّه من أعلى مقامات الإيمان.
(2) محبّة الله- عزّ وجلّ- ونصرته.
(3) جلب النّعم المفقودة والمحافظة على الموجودة.
(4) مجاورة العبد ربّه- عزّ وجلّ- في أعلى مقامات الجنّة.
(5) غفران الذّنوب وستر العيوب.
(6) مجاورة الحمّادين سعادة لمن جاورهم وجالسهم.
(7) انشغال الإنسان بذكر ربّه عن الغيبة والنّميمة، وعن كلّ ما يسخط الله- عزّ وجلّ-.
(8) قوّة البدن وعافيته.
(9) أفضل من عتق الرّقاب، والصّدقة بحرّ المال.
(10) يجعل العبد دائما مطمئنّا لقضاء الله ويوصّله لمقام الرّضا.
(11) ينفي عن العبد صفة المعترض على قضائه المهمل لشكر نعمائه.
(12) الحمد من أجمل الصّفات الّتي تحلّى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأوصى بها أمّته.
__________
(1) المصدر السابق (9) .
(2) عدة الصابرين (139) .
(3) سررته: أدخلت عليه السرور.
(4) عدة الصابرين (139) .(5/1781)
الحنان
الحنان لغة:
مصدر حنّ يحنّ حنانا وهو مأخوذ من مادّة (ح ن ن) الّتي تدلّ على الإشفاق والرّقّة وقد يكون ذلك مع صوت بتوجّع، وأصل الحنين ترجيع النّاقة صوتها إثر ولدها، ويقال منه حنّت المرأة على ولدها، قال الرّاغب: والحنين: النّزاع المتضمّن للإشفاق، يقال حنّت المرأة والنّاقة لولدها اشتاقت إليه وقد يكون مع ذلك صوت ولذلك يعبّر بالحنين عن الصّوت الدّالّ على النّزاع والشّفقة، أو متصوّر بصورته؛ وعلى ذلك حنين الجذع ولمّا كان الحنين متضمّنا للإشفاق، والإشفاق لا ينفكّ من الرّحمة عبّر عن الرّحمة به في نحو قوله سبحانه: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا (مريم/ 13) ، ومنه قيل: الحنّان المنّان، وحنانيك: إشفاقا لك بعد إشفاق وتثنيته كتثنية لبّيك وسعديك.
وقال الجوهريّ: الحنين الشّوق وتوقان النّفس. تقول منه: حنّ إليه يحنّ حنينا فهو حانّ، والحنان: الرّحمة، يقال منه: حنّ عليه يحنّ حنانا، والحنّان بالتّشديد: ذو الرّحمة، وتحنّن عليه:
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
1/ 14/ 12
ترحّم، والعرب تقول: حنانك، وحنانيك يا ربّ بمعنى أي رحمتك، والحنّة رقّة القلب؛ عن كراع، وذكر ابن منظور: أنّ الحنان يكون بمعنى الرّحمة وبمعنى الرّزق، وبمعنى البركة، وبمعنى الهيبة، وبمعنى الوقار، ويكون أيضا بمعنى شدّة البكاء والطّرب، واستحنّ: استطرب وتحنّن عليه أي تعطّف «1» .
الحنّان من أسماء الله- عز وجل-:
قال ابن الأعرابيّ: الحنّان بتشديد النّون بمعنى الرّحيم، وقال ابن الأثير: الحنّان الرّحيم بعباده، وهو فعّال من حنّ؛ للمبالغة، وقال أبو إسحاق: الحنّان في صفة الله تعالى ذو الرّحمة والتّعطّف، وقال الرّازيّ:
ومن صفاته تعالى: الحنّان وهو المتعطّف عليهم بالرّحمة، قال عكرمة في قوله تعالى وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: رحمة، وقال مجاهد: تعطّف من الله، قال: وكان ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يقول، والله ما أدري ما الحنان؟ وروي عنه من طريق آخر أنّه قال: الحنان الرّحمة، وقد جاء الوصف على فعّال الدّالّة على المبالغة؛ لأنّ من شأنه التّعطّف بالرّحمة والتّحنّن «2» .
__________
(1) انظر مفردات الراغب (133) ، ومقاييس اللغة (2/ 24) ، والنهاية لابن الأثير (1/ 542) ، والصحاح (5/ 2104) ، واللسان مادة «حنّ» (1029) ط. دار المعارف.
(2) انظر المراجع السابقة، وكتاب الزينة للرازي (2/ 221) .(5/1782)
وقال الشيخ الشّرباصيّ: والحنّان اسم الله تبارك وتعالى، وهو على وزن فعّال من الحنّة وهي الرّحمة ومعناه: الرّحيم بعباده المتعطّف عليهم المقبل على من أعرض عنه «1» .
واصطلاحا:
قال القرطبيّ: قال جمهور المفسّرين: الحنان هو الشّفقة والرّحمة والمحبّة وهو فعل من أفعال النّفس.
وقال ابن الأعرابيّ: الحنّان مشدّدا من صفة الله تعالى:
الرّحيم، والحنان مخفّفا: هو العطف والرّحمة «2» ، وقال ابن كثير: الحنان هو المحبّة في شفقة وميل «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرحمة- الرفق- الشفقة- العطف- اللين- الرأفة- بر الوالدين- حسن المعاملة- حسن العشرة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجفاء- القسوة- العنف- عقوق الوالدين- سوء المعاملة] .
الآيات الواردة في «الحنان»
1- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13)
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «4»
__________
(1) انظر المراجع السابقة، وموسوعة «له الأسماء الحسنى» للشرباصي.
(2) تفسير القرطبي (11/ 87، 88)
(3) تفسير ابن كثير (3/ 113) .
(4) مريم: 12- 15 مكية(5/1783)
الأحاديث الواردة في (الحنان)
1-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلفه ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه فسكت، فقال: «من ربّ هذا الجمل؟، لمن هذا الجمل؟» . فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها،
فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «1» » ) * «2» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب إلى جذع، فلمّا اتّخذ المنبر تحوّل إليه، فحنّ الجذع، فأتاه فمسح يده عليه) * «3» .
3-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
كنت مع رسول الله، جالسا في الحلقة ورجل قائم يصلّي، فلمّا ركع وسجد جلس وتشهّد، ثمّ دعا فقال:
اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت، الحنّان، بديع السّماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيّوم، إنّي أسألك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أتدرون بما دعا» ، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
«والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نساء قريش، خير نساء ركبن الإبل؛ أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يده» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (الحنان) معنى
5-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
... الحديث وفيه «وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم. وضعيف متعفّف ذو عيال. قال:
وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر له «6» ، الّذين هم فيكم تبع لا يتبعون أهلا ولا مالا، والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح
__________
(1) تذئبه: تتعبه.
(2) أبو داود (2549) ، أحمد (1/ 205) ، وقال شاكر (3/ 195) : صحيح.
(3) البخاري- الفتح 6 (3583) .
(4) أحمد (3/ 158) واللفظ له، والنسائي (3/ 52) ، ابن ماجة (3858) ، وقال الألباني (2/ 329) : حسن صحيح.
(5) البخاري- الفتح 6 (3434) واللفظ له، مسلم (2527) .
(6) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده.(5/1784)
ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، والشّنظير الفحّاش «1» ) * «2» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات. فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها. فاستطعمتها ابنتاها. فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما. فأعجبني شأنها. فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة أو أعتقها بها من النّار» ) * «3» .
7-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيّا في السّبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها» ) * «4» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذّئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما. فقالت: الصّغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصّغرى» ) * «5» .
9-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله علّمني عملا يدخلني الجنّة. قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «6» . أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» .
قال: أوليستا واحدا؟. قال: «لا. عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب، والفيء على ذي الرّحم. فإن لم تطق ذلك فأمر بالمعروف وانه عن المنكر. فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «7» .
__________
(1) الشنظير الفحاش: هو السيء الخلق.
(2) مسلم (2865) .
(3) مسلم (2630) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5999) ، مسلم (2754) .
(5) البخاري- الفتح 6 (3427) واللفظ له، مسلم (1720) .
(6) لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير.
(7) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) ، وقال مخرجه العلامة محب الدين الخطيب: رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات.(5/1785)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحنان)
10-* (عن مالك بن الحويرث- رضي الله عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن شببة «1» متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: «ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم ومروهم وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم» ) * «2» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنّما مثلي ومثل أمّتي، كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدّوابّ والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم «3» ، وأنتم تقحّمون «4» فيه» ) * «5» .
12-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
خرج علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلّى، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها) * «6» .
13-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: كانت ثقيف خلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل، وأصابوا معه العضباء «7» ، فأتى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في الوثاق. قال: يا محمّد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقة الحاجّ «8» . فقال: «إعظاما لذلك، أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» ثمّ انصرف عنه فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد! وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحيما رقيقا، فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» قال: إنّي مسلم. قال:
«لو قلتها وأنت تملك أمرك «9» ، أفلحت كلّ الفلاح» ثمّ انصرف، فناداه. فقال: يا محمّد! يا محمّد!. فأتاه، فقال: «ما شأنك؟» قال: إنّي جائع فأطعمني وظمآن فاسقني. قال: «هذه حاجتك» ففدي بالرّجلين ... الحديث) * «10» .
14-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا فانطلق إنسان، إلى غيضة «11» فأخرج منها بيض حمّرة، فجاءت الحمّرة ترفّ على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورؤوس أصحابه.
فقال: «وأيّكم فجع هذه؟» فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اردده» ) * «12» .
__________
(1) شببة: جمع شاب مثل بررة جمع بار.
(2) البخاري- الفتح 10 (6008) واللفظ له، ومسلم (674) .
(3) بحجزكم: جمع حجزة وهي معقد الإزار والسراويل.
(4) تقحمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت.
(5) مسلم (2284) .
(6) البخاري- الفتح 10 (5996) واللفظ له، مسلم (543) .
(7) العضباء: ناقة نجيبة كانت لرجل من بني عقيل ثم انتقلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(8) سابقة الحاج: أراد بها العضباء؛ فإنها كانت لا تسبق أو لا تكاد تسبق.
(9) وأنت تملك أمرك: أي لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر.
(10) مسلم (1641) .
(11) الغيضة: الشجر الملتف.
(12) أحمد (1/ 404) وهذا لفظه، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 320) رقم (3835) ، وعزاه لأبي داود وهو فيه برقم (5268) .(5/1786)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحنان)
1-* (كان الحسن البصريّ- رحمه الله- إذا حدّث بحديث الجذع يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شوقا إلى لقائه، فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إليه) * «1» .
2-* (قال ابن جرير الطّبريّ- رحمه الله تعالى-: «صلة الرّحم هو أداء الواجب لها من حقوق الله الّتي أوجب لها والتّعطّف بما يحقّ التّعطّف به عليها» ) * «2» .
3-* (قال أبو سليمان الدّارانيّ: جلساء الرّحمن يوم القيامة، من جعل في قلبه خصالا: الكرم والسّخاء والحلم والرّأفة والشّكر والبرّ والصّبر) * «3» .
4-* (عن عون بن عبد الله؛ قال: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير مكتئبا معه شيء ينكت به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له صاحب مسحاة فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه. فقال: لا شيء. قال صاحب المسحاة:
أللدّنيا؟ فإنّ الدّنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه قال فقال: لما فيه المسلمون. قال: فإنّ الله سينجّيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه، وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟
قال: فعلقت لدعاء: اللهمّ سلّمني وسلّم منّي فتمحّلت «4» ولم تصب منه أحدا) * «5» .
5-* (عن سعيد بن جبير قال: «سألت ابن عبّاس عن قوله: وَحَناناً فلم يحر «6» فيها شيئا» ) * «7» .
6-* (عن ابن عبّاس في قوله: «وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: «رحمة من عندنا» ) * «8» .
7-* (عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال: «رحمة من عندنا» . قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: «نعم.
أما سمعت طرفة بن العبد البكريّ وهو يقول:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض) * «9» .
8-* (عن مجاهد: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا قال:
«تعطّفا من ربّه عليه» ) * «10» .
__________
(1) فتح الباري (6/ 697) .
(2) جامع البيان في تفسير القرآن (1/ 144) .
(3) عدة الصابرين (144) .
(4) المحل في الأصل: انقطاع المطر طويلا، وفتن متماحلة ومتمحّل لله: أي طويلة يعظم خطرها.
(5) التوكل على الله لابن أبي الدنيا (52) ، وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(6) ولم يحر: أي لم ينطق فيها بشيء.
(7) الدر المنثور للسيوطي (5/ 485) .
(8) الدر المنثور للسيوطي (5/ 485) .
(9) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1787)
9-* (عن الحسن: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا.
قال: «الرّحمة» ) * «1» .
10-* (عن الرّبيع: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا.
قال: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا* لا يملك عطاءها أحد غيرنا» ) * «2» .
11-* (عن سعيد الجهنيّ في قوله: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا. قال: «الحنان المحبّب» ) * «3» .
12-* (عن قتادة وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا. قال:
رحمة من عندنا وَزَكاةً. قال: «صدقة» ) * «4» .
من فوائد (الحنان)
(1) إنّه من ثمرة الرّحمة التّي يرزقها الله- عزّ وجلّ- من يشاء من عباده.
(2) طريق موصّل إلى محبّة الله سبحانه ورضاه وجنّته.
(3) يؤلّف بين القلوب ويجمع بين الأحبّة وينتج المجتمع المسلم.
(4) إنّه صفة من صفات الأنبياء والصّحابة والتّابعين وهم خير من يتأسّى بهم.
(5) يعطي القدوة والمثل فيصبح العدوّ حبيبا والكافر مسلما.
(6) يرقّق القلب فيجعله يرحم من هو دونه من البهائم والطّيور وغيرها.
__________
(1) الدر المنثور للسيوطي (5/ 486) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1788)
الحوقلة
الحوقلة لغة:
تقال على وجهين:
الأوّل: مصدر حوقل الرّجل إذا قال لا حول ولا قوّة إلّا بالله، وهي كلمة منحوتة من هذه العبارة ونظيرها هلّل الرّجل إذا قال: لا إله إلّا الله.
قال ابن منظور: هلّل الرّجل إذا قال: لا إله إلّا الله، وقد هيلل الرّجل إذا قال ذلك.. وهو مثل قولهم حولق الرّجل وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله وأنشد:
فداك من الأقوام كلّ مبخّل ... يحولق إمّا ساله العرف سائل
وقال الخليل: يقال حيعل الرّجل: إذا قال حيّ على الصّلاة قال: والعرب تفعل هذا، إذا كثر استعمالهم للكلمتين ضمّوا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى.
وقال أبو العبّاس: وهذا في أربع كلمات هي:
الحوقلة، والبسملة، والسّبحلة، والهيللة، أحرفها جاءت هكذا. قيل له: والحمدلة، قال: لا أنكره.
أمّا المعنى الآخر للحوقلة فإنّها تكون مصدرا لقولهم:
حوقل الرّجل حوقلة وحيقالا، إذا كبر وفتر عن الجماع، الآيات الأحاديث الآثار
1 6 12
قال الرّاجز:
يا قوم قد حوقلت أو دانيت ... وبعد حيقال الرّجال الموت
قال الجوهريّ: وقلت لأبي الغوث: ما الحوقلة؟
قال: هن الشّيخ المحوقل «1» .
أمّا الحول في اللّغة فأصله تغيّر الشّيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التّغيّر قيل: حال الشّيء يحول حؤولا، واستحال تهيّأ لأن يحول، وباعتبار الانفصال قيل حال بيني وبينك كذا وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (الأنفال/ 24) ، فإشارة إلى ما قيل في وصفه «يقلّب القلوب» وهو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك ... يقال: الحال لما يختصّ به الإنسان وغيره من الأمور المتغيّرة في نفسه وجسمه وقنيته، والحول ماله من القوّة في أحد هذه الأمور الثّلاثة، ومنه قيل لا حول ولا قوّة إلّا بالله «2» . وقال الجوهريّ: الحول يكون بمعنى الحيلة والقوّة وبمعنى السّنة، وقال ابن سيده: الحول والحيل والحيلة: الحذق وجودة النّظر، والقدرة على دقّة التّصرّف «3» .
__________
(1) لسان العرب (8/ 4688- 4692) ، الصحاح. (4/ 1672) ، والمصباح المنير (2/ 639) .
(2) مفردات الراغب (137) .
(3) الصحاح (4/ 1679) ، اللسان (1055) ط. دار المعارف.(5/1789)
الحوقلة اصطلاحا:
الحوقلة في الاصطلاح لا تختلف عن الحوقلة في معناها الأوّل وهو قول المسلم: لا حول ولا قوّة إلّا بالله مع اعتقاد لذلك وتصديق به.
قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى-: الحولقة لفظة مبنيّة من قول: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» بتقديم اللّام على القاف ويكون تركيبها من «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، وأمّا الحوقلة بتقديم القاف على اللّام فيكون تركيبها من «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» والمعنيّ بهذا اللّفظ: إظهار الفقر إلى الله تعالى بطلب المعونة على ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبوديّة. وقيل المعنى:
لا حول عن معصية الله إلّا بعصمة الله، ولا قوّة على طاعة الله إلّا بمعونة الله «1» .
قاعدة لا حول ولا قوة إلا بالله:
ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقلّ بالتّأثير، بل لا يؤثّر سبب ألبتّة إلّا بانضمام سبب آخر إليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره. هذا في الأسباب المشهودة بالعيان، وفي الأسباب الغائبة والأسباب المعنويّة كتأثير الشّمس في الحيوان والنّبات، فإنّه موقوف على أسباب أخر، من وجود محلّ قابل، وأسباب أخر تنضمّ إلى ذلك السّبب. وكذلك حصول الولد موقوف على عدّة أسباب غير وطء الفحل، وكذلك جميع الأسباب مع مسبّباتها، فكلّ ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلى غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقلّ بالتّأثير، فإنّه لو فرض أنّ ذلك سبب مستقلّ وحده بالتّأثير لكانت سببيّته من غيره لا منه، فليس له من نفسه قوّة يفعل بها؛ فإنّه لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فهو الّذي بيده الحول كلّه والقوّة كلّها، فالحول والقوّة الّتي يرجى لأجلهما المخلوق ويخاف إنّما هما لله وبيده في الحقيقة. فكيف يخاف ويرجى من لا حول له ولا قوّة، بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه؛ فإنّه على قدر خوفك من غير الله يسلّط عليك، وعلى قدر رجائك لغيره يكون الحرمان. وهذا حال الخلق أجمعه وإن ذهب عن أكثرهم علما وحالا، فما شاء الله كان ولا بدّ، وما لم يشأ لم يكن، ولو اتّفقت عليه الخليقة «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإنابة- التسبيح- التكبير- التهليل- الذكر- الاستغفار.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغرور- الغفلة- الإصرار على الذنب] .
__________
(1) جامع الأصول (4/ 398) بتصرف يسير.
(2) الفوائد (71- 72) .(5/1790)
الآيات الواردة في «الحوقلة» معنى
1- وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39)
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40)
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43)
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) «1»
__________
(1) الكهف: 39- 44 مكية(5/1791)
الأحاديث الواردة في (الحوقلة)
1-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: «اربعوا «1» على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا، ثمّ أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فقال: «يا عبد الله بن قيس، قل: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فإنّها كنز من كنوز الجنّة» أو قال: «ألا أدلّك به» ) * «2» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا خرج الرّجل من بيته، فقال:
بسم الله، توكّلت على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله.
قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت فتتنحّى «3» له الشّياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» ) * «4» .
3-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قال المؤذّن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله، قال:
أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله، قال: لا إله إلّا الله من قلبه، دخل الجنّة» ) * «5» .
4-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبّح به، فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السّماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلّا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله مثل ذلك» ) * «6» .
5-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
علّمني كلاما أقوله. قال: «قل، لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» ، قال هؤلاء لربّي. فما لي؟ قال: «قل
__________
(1) اربعوا: ارفقوا.
(2) البخاري- الفتح 13 (7386) ، ومسلم (2704) .
(3) يتنحى: يتأخر.
(4) أبو داود (5095) واللفظ له، الترمذي (3426) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 276) : وهو حديث صحيح.
(5) مسلم (385) .
(6) أبو داود (1500) ، الترمذي (3568) ، وقال: حسن غريب. وذكره النووي في الأذكار، وعزاه للترمذي، ونقل تحسينه، وقال مخرجه (62) ، قال الحافظ: حديث صحيح.(5/1792)
اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «1» .
6-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: اللهمّ اغفر لي- أو دعا- استجيب، فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (الحوقلة) معنى
انظر: صفتي «التكبير والذكر»
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (الحوقلة)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . قال: «لا حول بنا على العمل بالطّاعة إلّا بالله، ولا قوّة لنا على ترك المعصية إلّا بالله» ) * «3» .
2-* (وعن زهير بن محمّد أنّه سئل، عن تفسير «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» . قال: «لا تأخذ ما تحبّ إلّا بالله، ولا تمتنع ممّا تكره إلّا بعون الله» ) * «4» .
3-* (قال ابن العربيّ- رحمه الله- عند تفسير آية وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ أي منزلك، قلت «ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله» قال أشهب: قال مالك:
«ينبغي لكلّ من دخل منزله أن يقول هذا» ) * «5» .
4-* (وقال البغويّ- رحمه الله-: «قيل:
الحول: الحيلة، وقيل: الحول: الحركة، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلّا بمشيئة الله تعالى، وقيل: الدّفع والمنع» ) * «6» .
5-* (قال الزّجّاج: «لا يقوى أحد على ما في يده من ملك ونعمة إلّا بالله، ولا يكون إلّا ما شاء الله» ) * «7» .
6-* (وقال الزّمخشريّ: «لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلّا بالله تعالى، وعن عروة بن الزّبير أنّه كان يثلم حائطه أيّام الرّطب، فيدخل من شاء، وكان إذا دخله يردّد ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله حتّى يخرج» ) * «8» .
7-* (عن الحسن قال: «إذا سمعت المؤذّن
__________
(1) مسلم (2696) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1154) .
(3) الدر المنثور (15/ 393) .
(4) المرجع السابق (15/ 394) .
(5) أحكام القرآن (3/ 233) .
(6) شرح السنة، للبغوي (5/ 68) .
(7) فتح القدير، للشوكاني (3/ 287) .
(8) الكشاف (2/ 391) .(5/1793)
فقل كما يقول، فإذا قال: حيّ على الصّلاة فقل: لا حول ولا قوّة إلّا بالله ... » ) * «1» .
8-* (عن مجاهد أنّه كان إذا قال المؤذّن حيّ على الصّلاة قال: «المستعان الله. فإذا قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله) * «2» .
9-* (عن هشام قال: «كان أبي لا يؤتى بطعام ولا شراب حتّى الشّربة من الدّواء فيشربه أو يطعمه حتّى يقول: الحمد لله الّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا، والله أكبر، اللهمّ ألفتنا نعمتك بكلّ شرّ، فأصبحنا وأمسينا منها بكلّ خير، نسألك تمامها وشكرها، لا خير إلّا خيرك ولا إله غيرك، إله الصّالحين وربّ العالمين، الحمد لله ربّ العالمين، لا إله إلّا الله ما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار» ) * «3» .
10-* (عن يحيى بن راشد قال: حججنا فلمّا قضينا نسكنا قلنا: لو أتينا ابن عمر فحدّثناه، فأتينا فخرج إلينا، فجلس بيننا، فصمت لنسكه، وصمتنا ليحدّثنا، فلمّا أطال الصّمت قال: «ما لكم لا تحدّثون، ألا تقولون سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فإن زدتم خيرا زادكم الله» ) * «4» .
11-* (عن قتادة: «أنّ عثمان كان إذا سمع المؤذّن يقول كما يقول في التّشهّد والتّكبير كلّه، فإذا قال: حيّ على الصّلاة، قال: ما شاء الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ... » ) * «5» .
12-* (عن مكحول قال: «من قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله رفع الله عنه سبعين بابا من الضّرّاء أدناه الفقر» ) * «6» .
من فوائد (الحوقلة)
(1) باب من أبواب الجنّة إذا داوم عليها العبد.
(2) العمل بها يؤدّي إلى معرفة الإنسان لحقيقة نفسه، وكذلك معرفته بقدر ربّه.
(3) تحقيقها يباعد بين الإنسان وبين العجب والكبر
(4) صفة من صفات الأنبياء والصّحابة والتّابعين والتّخلّق بصفاتهم أمر محمود في الدّنيا والآخرة.
(5) المداومة عليها تجلو القلب وتطمئن النّفس وتهذّبها.
(6) تفتح الباب لتكفير السّيّئات وعلوّ الدّرجات.
(7) الحوقلة من الأسباب الّتي تؤدّي إلى إجابة الدّعاء.
(8) الحوقلة تردّ كيد الشّيطان وتدمّره.
__________
(1) الكتاب المصنف لابن أبي شيبة (1/ 206) .
(2) المرجع السابق (1/ 206) .
(3) المرجع السابق (6/ 73) .
(4) المرجع السابق (6/ 69) .
(5) المرجع السابق (1/ 206) .
(6) المرجع السابق (6/ 104) .(5/1794)
الحياء
الحياء لغة:
مصدر قولهم حيي وهو مأخوذ من مادّة (ح ي ي) الّتي تدلّ على الاستحياء الّذي هو ضدّ الوقاحة، قال أبو زيد يقال حييت منه أحيا إذا استحييت.
وقال الجوهريّ: واستحياه واستحيا منه بمعنى (واحد) من الحياء، ويقال: استحيت (بياء واحدة) وأصله استحييت فأعلّوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء، وقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما أي لا يستبقي، والحيا مقصور: المطر والخصب، والحياء ممدود: الاستحياء، والحياء أيضا رحم النّاقة والجمع أحيية عن الأصمعيّ «1» .
وقال ابن منظور: الحياء: التّوبة والحشمة، يقال: حيي منه حياء، واستحيا، واستحى حذفوا الياء الأخيرة كراهية التقاء الياءين، و (الصّيغتان) الأخيرتان تتعدّيان بحرف وبغير حرف، يقولون: استحيا منك واستحياك واستحى منك واستحاك، والحياء يكون بمعنى الاستحياء بدليل قول جرير:
الآيات الأحاديث الآثار
2 29 40
لولا الحياء لها جني استعبار ... ولزرت قبرك، والحبيب يزار
وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الحياء شعبة من الإيمان» ، قال بعضهم: كيف جعل الحياء وهو غريزة شعبة من الإيمان وهو اكتساب؟ والجواب في ذلك: أنّ المستحيي ينقطع بالحياء عن المعاصي، فصار كالإيمان الّذي يقطع عنها، ويحول بين المؤمن وبينها «2» ، وقال ابن الأثير في هذا الحديث: وإنّما جعله بعض الإيمان لأنّ الإيمان ينقسم إلى: ائتمار بما أمر الله به، وانتهاء عمّا نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان «3» .
أمّا الحديث الآخر وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» فله تأويلان:
أحدهما ظاهر وهو المشهور: أي إذا لم تستح من العيب ولم تخش العار ممّا تفعله فافعل ما تحدّثك به نفسك من أغراضها حسنا كان أو قبيحا، ولفظه أمر، ومعناه توبيخ وتهديد، وفيه إشعار بأنّ الذّي يردع الإنسان عن مواقعة السّوء هو الحياء، فإذا انخلع منه كان كالمأمور بارتكاب كلّ ضلالة، وتعاطي كلّ سيّئة.
__________
(1) مفردات الراغب (140) ، مقاييس اللغة (2/ 122) والصحاح (6/ 2324) .
(2) لسان العرب (14/ 217) .
(3) النهاية (1/ 470) .(5/1795)
والثّاني أن يحمل الأمر على بابه، ويكون المعنى: إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحيي منه لجريك فيه على سنن الصّواب، وليس من الأفعال الّتي يستحيا منها، فاصنع منها ما شئت «1» ، قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: فالمعنى على الأوّل يكون تهديدا كما في قوله تعالى: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ (فصلت/ 40) ، وعلى الثّاني إذنا وإباحة، ولا يمكن حمل الحديث على المعنيين جميعا لما بين الإباحة والتهديد من المنافاة، واعتبار أحد المعنيين يوجب عدم اعتبار الآخر «2» .
وأضاف الإمام العينيّ إلى هذين معنيين آخرين هما:
1- معنى الوعيد، أي افعل ما شئت تجاز به.
2- أنّه على طريق المبالغة في الذّمّ، أي تركك الحياء أعظم ممّا تفعله، قال- رحمه الله تعالى- والحديث للتّنويه بشأن الحياء والحثّ عليه «3» ، وقال ابن سيده: معنى الحديث: أنّ من لم يستح صنع ما شاء على جهة الذّمّ لترك الحياء، وليس يأمره بذلك وإنّما هو أمر بمعنى الخبر «4» .
ويقال رجل حييّ أي ذو حياء، ووزنه فعيل، والأنثى بالهاء، يقال: امرأة حييّة، قال الأزهريّ:
للعرب في هذا الحرف لغتان: استحى الرّجل يستحي، بياء واحدة، واستحيا يستحيي، بياءين، والقرآن نزل بهذه اللّغة الثّانية في قوله عزّ وجلّ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما (البقرة/ 26) .
والثّلاثيّ منه قولهم: حييت منه أحيا، وتقول في الجمع حيوا، كما تقول خشوا ورضوا، ذهبت الياء لالتقاء السّاكنين، وفي حديث البراق (ودنوت منه لأركبه فتحيّا منّي) أي انقبض وانزوى ولا يخلو أن يكون مأخوذا من الحياء على سبيل التّمثيل، لأنّ من شأن الحييّ أن ينقبض، أو يكون أصله: تحوّى أي تجمّع فقلبت واوه ياء، وأمّا قوله عزّ وجلّ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ (القصص/ 4) فمعناه: يستفعل من الحياة أي يتركهنّ أحياء، وليس فيه إلّا لغة واحدة (وهي إثبات الياءين) وحيا النّاقة يقصر ويمدّ لغتان عن اللّيث، وقال الأزهريّ حياء النّاقة والشّاة وغيرهما ممدود، إلّا أن يقصره شاعر ضرورة، وإنّما سمّي حياء من الاستحياء لأنّه يستر من الآدميّ ويكنّى عنه من الحيوان، ويستفحش التّصريح باسمه «5» .
وقال ابن القيّم: الحياء (الّذي هو الاستحياء) مشتق من الحياة، ومن ذلك أيضا: الحيا للمطر، لكنّه مقصور، وعلى حسب حياة القلب، يكون فيه قوّة خلق الحياء، وقلّة الحياء من موت القلب والرّوح فكلّما كان القلب أحيا كان الحياء أتمّ «6» .
الحياء اصطلاحا:
تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به «7» .
__________
(1) النهاية (5/ 471) .
(2) الدّاء والدّواء (132) .
(3) نقلا عن فضل الله الصمد للجيلاني (2/ 54) .
(4) نقلا عن لسان العرب (14/ 218) .
(5) لسان العرب (14/ 217- 219) ط. بيروت بتصرف واختصار.
(6) مدارج السالكين (2/ 270) .
(7) الفتح (1/ 52) .(5/1796)
وقال الجرجانيّ: هو انقباض النّفس من شيء وتركه حذرا عن اللّوم فيه «1» .
ويقال: خلق يبعث على ترك القبح ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحقّ «2» .
وقال الرّاغب: الحياء انقباض النّفس عن القبائح وتركها «3» .
وقال المناويّ: الحياء انقباض النّفس عن عادة انبساطها في ظاهر البدن لمواجهة ما تراه نقصا، حيث يتعذّر عليها الفرار بالبدن.
وقيل: هو التّرقيّ عن المساوىء خوف الذّمّ.
وقيل: هو انقباض النّفس من شيء حذرا من الملام «4» .
وقال الجاحظ: الحياء من قبيل الوقار وهو غضّ الطّرف والانقباض عن الكلام حشمة للمستحيا منه، وهو عادة محمودة ما لم تكن عن عيّ، ولا عجز «5» .
وذكر ابن مسكويه: أنّ الحياء من الفضائل الّتي تدخل تحت العفّة، بل هو أوّلها ثمّ عرّفه بقوله:
الحياء: هو انحصار النّفس خوف إتيان القبائح والحذر من الذّمّ والسّبّ «6» .
وقال ابن علّان: خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق يمتنع صاحبه من التّقصير في حقّ ذي الحقّ.
وقيل: هو ملكة راسخة للنّفس توزعها (تدفعها) على إيفاء الحقوق وترك القطيعة والعقوق «7» .
وقال ابن مفلح الحنبليّ: وحقيقة الحياء خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح «8» .
وقال النّوويّ: روينا عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله تعالى- قوله: الحياء رؤية الآلاء (النّعم) ورؤية التّقصير، فيتولّد بينهما حالة تسمّى حياء «9» ، ومعنى هذه العبارة أنّ الحياء: حالة للنّفس تتولّد من رؤية أمرين هما: رؤية النّعم من ناحية ورؤية التّقصير من ناحية أخرى وهذا التّصوّر خاصّ بالحياء من المولى عزّ وجلّ.
وقال فضل الله الجيلانيّ: الحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يلام به ممّا كان قبيحا حقيقة «10» .
الحييّ من صفات الله- عزّ وجلّ-:
ومن صفات المولى- عزّ وجلّ- (الحييّ) كما في الحديث: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده ... » ومعناه على هذا: المبالغ في الحياء.
__________
(1) التعريفات (94) .
(2) رياض الصالحين (272) ، (الفتح (1/ 52) .
(3) مفردات الراغب (140) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (150) .
(5) تهذيب الأخلاق للجاحظ (23) .
(6) تهذيب الأخلاق في التربية لابن مسكويه (17) باختصار يسير.
(7) دليل الفالحين (3/ 158) .
(8) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 227) .
(9) رياض الصالحين (246) .
(10) فضل الله الصمد (2/ 54) .(5/1797)
والغرض والغاية من وصف الله تعالى به فعل ما يسرّ وترك ما يضرّ والعطاء من غير سؤال «1» .
وقال الفيروز آباديّ: وأمّا حياء الرّبّ تبارك وتعالى من عبده، فنوع آخر لا تدركه ولا تكيّفه العقول فإنّه حياء كرم وبرّ وجود، فإنّه كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا، ويستحي أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام «2» .
أنواع الحياء:
الحياء قسمان: غريزيّ، ومكتسب. والحياء المكتسب: هو الّذي جعله الشّارع من الإيمان، وهو المكلّف به دون الغريزيّ، وقد ينطبع الشّخص بالمكتسب حتّى يصير كالغريزيّ.
وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جمع له النّوعان، فكان صلّى الله عليه وسلّم في الغريزيّ أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان في المكتسب في الذّروة العليا «3» .
وقال المناويّ: الحياء نوعان: نفسانيّ وهو المخلوق في النّفوس كلّها كالحياء من كشف العورة والجماع بين النّاس، وإيمانيّ وهو أن يمتنع المسلم من فعل المحرّم خوفا من الله «4» .
ونقل صاحب الآداب الشّرعيّة عن غير واحد قولهم: قد يكون الحياء تخلّقا واكتسابا كسائر أعمال البرّ، وقد يكون غريزة واستعماله على مقتضى الشّرع يحتاج إلى كسب ونيّة وعلم «5» .
المعاصي تذهب الحياء:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب، وهو أصل كلّ خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصّحيح «الحياء خير كلّه «6» » .
والمقصود أنّ الذّنوب تضعف الحياء من العبد، حتّى ربّما انسلخ منه بالكلّيّة حتّى إنّه ربّما لا يتأثّر بعلم النّاس بسوء حاله، ولا باطّلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع.
وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيّا وقال: فديت من لا يفلح، ومن لا حياء فيه ميّت في الدّنيا شقيّ في الآخرة، وبين الذّنوب وقلّة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطّرفين، وكلّ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا، ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته «7» .
مظاهر الحياء وأقسامه:
قال ابن القيّم: قسّم الحياء إلى عشرة أوجه:
حياء جناية، وحياء تقصير، وحياء إجلال، وحياء
__________
(1) بذل المجهود (8/ 328) بتصرف.
(2) بصائر ذوي التمييز (2/ 517) .
(3) فتح الباري (10/ 522- 523) .
(4) التوقيف على مهمات التعاريف (150) .
(5) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 227) .
(6) انظر الحديث رقم (16) .
(7) الداء والدواء (131- 133) .(5/1798)
كرم، وحياء حشمة، وحياء استحقار النّفس (استصغارها) ، وحياء محبّة، وحياء عبوديّة، وحياء شرف وعزّة، وحياء المستحيي من نفسه.
1- فأمّا حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السّلام لمّا فرّ هاربا في الجنّة. قال الله تعالى: «أفرارا منّي يا آدم؟» قال: لا يا ربّ. بل حياء منك.
2- وحياء التّقصير: كحياء الملائكة الّذين يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك.
3- وحياء الإجلال: وهو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة العبد بربّه يكون حياؤه منه.
4- وحياء الكرم: كحياء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من القوم الّذين دعاهم إلى وليمة زينب، وطوّلوا الجلوس عنده، فقام واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا.
5- وحياء الحشمة: كحياء عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المذي لمكان ابنته منه.
6- وحياء الاستحقار، واستصغار النّفس:
كحياء العبد من ربّه عزّ وجلّ حين يسأله حوائجه، احتقارا لشأن نفسه، واستصغارا لها. وقد يكون لهذا النّوع سببان:
أحدهما: استحقار السّائل نفسه. واستعظام ذنوبه وخطاياه.
الثّاني: استعظام مسئوله (وهو المولى عزّ وجلّ) .
7- وأمّا حياء المحبّة: فهو حياء المحبّ من محبوبه، حتّى إنّه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه، وأحسّ به في وجهه ولا يدري ما سببه.
وكذلك يعرض للمحبّ عند ملاقاته محبوبه ومفاجأته له روعة شديدة. ومنه قولهم «جمال رائع» وسبب هذا الحياء والرّوعة ممّا لا يعرفه أكثر النّاس.
فإذا فاجأ المحبوب محبّه، ورآه بغتة، أحسّ القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعة وخوف.
8- وأمّا حياء العبوديّة: فهو حياء ممتزج من محبّة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديّته لمعبوده، وأنّ قدره أعلى وأجلّ منها. فعبوديّته له توجب استحياءه منه لا محالة.
9- وأمّا حياء الشّرف والعزّة: فحياء النّفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان. فإنّه يستحيي مع بذله حياء شرف نفس وعزّة.
10- وأمّا حياء المرء من نفسه: فهو حياء النّفوس الشّريفة العزيزة الرّفيعة من رضاها لنفسها بالنّقص، وقناعتها بالدّون. فيجد نفسه مستحييا من نفسه، حتّى كأنّ له نفسين، يستحيي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء. فإنّ العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر «1» .
الحياء والأمر بالمعروف:
الحياء الحقيقيّ لا يمنع من الأمر بالمعروف أو النّهي عن المنكر:
قال صاحب «فضل الله الصّمد» : فإن قيل إنّ
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 272) باختصار وتصرف يسير.(5/1799)
صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحقّ، فيترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك ممّا هو معروف في العادة، فأقول إنّ ذلك ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة وإنّما أطلقوا عليه حياء تشبيها ومجازا «1» ، وإنّما يكون الحياء حقيقيّا حيث يكون قبح المستحيا منه حقيقيّا، فلا يدخل فيه الانقباض عمّا يستقبحه النّاس وهو في الحقيقة حسن، ولا الانقباض عمّا هو في الأصل قبيح ولكنّ الانقباض عنه يؤدّي إلى ما هو أقبح منه، مثال ذلك ما يقع من بعض خرعات النّساء، يعرض لها فاجر في خلوة يحاول استكراهها، فتنقبض نفسها عن أن تستغيث وتصرخ، لأنّها تستقبح أن يشيع عنها أنّ فاجرا تعرّض لها، ولو عقلت لعلمت أنّ شيوع ذلك ليس بقبيح إذا اقترن بإبائها عن الفاحشة، والنّاس يثنون عليها بالعفّة والحزم والثّبات إذا سمعوا أنّها انتهرته وصرخت بأهلها فجاءوا ودفعوه، وعلى ذلك فالحياء في قوله صلّى الله عليه وسلّم «الحياء لا يأتي إلّا بخير» هو الحياء الحقيقيّ.
وقد ثبت أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها وهو لنا في ذلك قدوة- لا يقوم دون غضبه شيء إذا انتهكت حرمات الله «2» .
ممّ يتولّد الحياء؟
قال الجنيد- رحمه الله تعالى- الحياء رؤية الآلاء (أي النّعم) ، ورؤية التّقصير، ويتولّد بينهما الحياء «3» .
وقال أبو الفدا (إسماعيل الهرويّ) : يتولّد الحياء من التّعظيم المنوط بالحبّ «4» .
قال ابن القيّم: يعني أنّ الحياء حالة حاصلة من امتزاج التّعظيم بالمودّة، فإذا اقترنا تولّد بينهما الحياء «5» .
وقال غيرهما: تولّده من شعور القلب بما يستحيى منه (ونفرته عنه) ، فيتولّد من هذا الشّعور والنّفرة حالة هي الحياء «6» .
قال ابن القيّم: ولا تنافي بين هذه الأقوال، لأنّ للحياء عدّة أسباب، وكلّ أشار إلى بعضها «7» .
وقد يتولّد الحياء من علم العبد بنظر الحقّ إليه، فيجذبه ذلك إلى تحمّل المجاهدة ويحمله على استقباح الجناية، ويسكته عن الشّكوى «8» .
وقد أشار ابن القيّم إلى هذه الدّرجة في مطلع حديثه عن الحياء عند ما ذكر الآيات الكريمة الّتي تدلّ على رؤية المولى عزّ وجلّ لعباده ظواهرهم وبواطنهم وعلى كونه رقيبا عليهم، وذلك قوله سبحانه: أَلَمْ
__________
(1) فضل الله الصمد (2/ 54) .
(2) فضل الله الصمد (2/ 691، 692) .
(3) رياض الصالحين (246) .
(4) مدارج السالكين (2/ 274) نقلا عن منازل السالكين لأبي الفداء.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) المرجع السابق (2/ 275) .
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) نقلا عن مدارج السالكين (2/ 275) .(5/1800)
يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (العلق/ 14) ، وقوله عزّ من قائل: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر/ 19) ، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) «1» .
وجاء في حديث جبريل المشهور: ما الإحسان؟: قال: الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك «2» .
وقال ابن القيّم في شرح العبارة السّابقة: يعني أنّ العبد متى علم أنّ الرّبّ تعالى ناظر إليه أورثه هذا العلم حياء منه سبحانه، فيجذبه إلى احتمال أعباء الطّاعة، وذلك كمثل العبد إذا عمل الشّغل بين يدي سيّده، فإنّه يكون نشيطا فيه، محتملا لأعبائه، ولا سيّما مع الإحسان من سيّده، والله عزّ وجلّ لا يغيب نظره عن عبده، فإذا ما غاب نظر العبد عن كون المولى ناظرا إليه تولّد من ذلك قلّة الحياء والقحة، هذا ولاستقباح الجناية النّاشيء عن الحياء درجتان أخريان، دنيا وهي الاستقباح الحاصل عن ملاحظة الوعيد، وعليا: وهي الاستقباح الحاصل عن المحبّة.
ومن الحياء ما يتولّد من تحقّق القلب بالمعيّة الخاصّة مع الله عزّ وجلّ، قال ابن القيّم: والمعيّة مع الله نوعان:
عامّة: وهي معيّة العلم والإحاطة المستفادة من قوله عزّ وجلّ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (الحديد/ 4) .. وقوله سبحانه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ.. (ق 16) .
وقوله سبحانه: فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ... (الشورى/ 11) .
وقوله سبحانه: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ... (المجادلة/ 7) وقوله سبحانه: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الأنعام/ 103) ، وقوله سبحانه: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (الجن/ 28) .
خاصّة: وهي الّتي أشار إليها سبحانه في قوله:
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (النحل/ 128) وقوله- عزّ من قائل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) وقوله- سبحانه: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ 69) .
وهذه المعيّة معيّة قرب تتضمّن الموالاة والنّصر والحفظ وكلا المعيّتين مصاحبة منه للعبد، لكن الأولى مصاحبة اطّلاع وإحاطة، والثّانية مصاحبة موالاة ونصر وإعانة.
وقرب الله- عزّ وجلّ- من العبد فهو- أيضا نوعان:
الأوّل: قربه من داعيه بالإجابة، وذلك كما قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 267) ، وانظر آيات أخرى عديدة في هذا المعنى في صفات العلم والمراقبة.
(2) انظر صفة الإحسان.(5/1801)
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) .
ولهذا نزلت هذه الآية جوابا للصّحابة- رضي الله عنهم- عند ما سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ربّنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟» «1» .
والثّاني: قربه من عابده بالإثابة، وشاهده قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد، وأقرب ما يكون الرّبّ من عبده وهو في جوف اللّيل» .
وهذا القرب لا ينافي كمال مباينة الرّبّ لخلقه، واستواءه على عرشه إذ هو ليس كقرب الأجسام بعضها من بعض، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
ومن ذلك على سبيل المثال أنّ أهل السّنّة وهم أولياء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحبّاؤه، الّذين هو عندهم أولى بهم من أنفسهم وأحبّ إليهم منها، يجدون نفوسهم أقرب إليه، وهم في الأقطار النّائية عنه من بعض جيران حجرته في المدينة (المنوّرة) «2» .
الحياء أصل لكل خير:
قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصّة الإنسانيّة، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانيّة إلّا اللّحم والدّم وصورتهما الظّاهرة، كما أنّه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضّيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤدّ أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرّى الرّجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة. وكثير من النّاس لولا الحياء الّذي فيه لم يؤدّ شيئا من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقّا، ولم يصل له رحما، ولا برّ له والدا؛ فإنّ الباعث على هذه الأفعال إمّا دينيّ، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإمّا دنيويّ علويّ، وهو حياء فاعلها من الخلق. فقد تبيّن أنّه لولا الحياء إمّا من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها. ثمّ قال- رحمه الله-: إنّ للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كلّ ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطّبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره، أطاع آمر الهوى والشّهوة ولا بدّ «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان العفة- غض البصر- المراقبة- حفظ الفرج- حسن الخلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الكبر والعجب- الغرور- اتباع الهوى- المجاهرة بالمعصية- إطلاق البصر- سوء الخلق- التفريط والإفراط] .
__________
(1) هذا أحد الأقوال في سبب نزول الآية وهناك أقوال أخرى عديدة انظرها في تفسير القرطبي (2/ 308) ، والقرب بالإجابة أيضا أحد ثلاثة أقوال أوردها القرطبي أمّا الثّاني فهو القرب بالعلم، والثالث قربه سبحانه من أوليائه بالإفضال والإنعام.
(2) باختصار وتصرف عن مدارج السالكين (2/ 275- 279) .
(3) مختصر من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم (277) .(5/1802)
الآيات الواردة في «الحياء»
1- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22)
وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «2»
__________
(1) القصص: 20- 25 مكية
(2) الأحزاب: 53 مدنية(5/1803)
الأحاديث الواردة في (الحياء)
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استحيوا من الله حقّ الحياء» . قال: قلنا: يا رسول الله إنّا نستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك، ولكنّ الاستحياء من الله حقّ الحياء: أن تحفظ الرّأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدّنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء» ) * «1» .
2-* (عن سعيد بن زيد الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا قال يا رسول الله: أوصني.
قال: «أوصيك أن تستحيي من الله عزّ وجلّ- كما تستحيي رجلا من صالحي قومك» ) * «2» .
3-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتّعطّر، والسّواك، والنّكاح» ) * «3» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قلت يا رسول الله: إنّ البكر تستحيي. قال: «رضاها صمتها» ) * «4» .
5-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردّهما صفرا، ليس فيهما شيء» ) * «5» .
6-* (عن أشجّ عبد القيس أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ فيك خلّتين يحبّهما الله- عزّ وجلّ-» . قلت: ما هما؟ قال: «الحلم والحياء» . قلت أقديما كان فيّ أم حديثا؟ قال: «بل قديما» . قلت:
الحمد لله الّذي جبلني على خلّتين يحبّهما) * «6» .
7-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ دين خلقا وخلق الإسلام
__________
(1) الترمذي (2458) وقال: غريب، وقال المباركفوري في التحفة (7/ 155) : أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي. وقال المناوي: قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي. وهو عند الحاكم (4/ 323) ، وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وقال محقق جامع الأصول بعد كلام الحاكم: وهو كما قالا، فإن له شواهد يتقوى بها (3/ 616) .
(2) الزهد لأحمد (ص 46) ، والشعب للبيهقي (2/ 462) . وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 376) حديث (741) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق (50) ومجمع الزوائد (10/ 284) وقال إنه عن سعيد بن يزيد، وقال: رواه الطبرانى ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم.
(3) الترمذي (1080) وفي سنده أبو الشمال بن ضباب، قال فيه أبو زرعة: لا أعرف اسمه، ولا أعرفه إلا في هذا الحديث (التهذيب 12/ 128) ، وله طريق أخرى في المسند (5/ 425) ، كما أن له شواهد كثيرة أشار إليها الترمذي بقوله: وفي الباب عن عثمان، وثوبان وابن مسعود، وعائشة، وعبد الله بن عمر، وأبي نجيح، وجابر، وعكاف، قال: وحديث أبي أيوب حسن غريب، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (919) .
(4) البخاري- الفتح 9 (5137) واللفظ له ومسلم (1420)
(5) الترمذي (3556) ، وأبو داود (1488) وقال الألباني (1/ 279) : صحيح، وابن ماجه (3865) ، والبيهقي في الدعوات، وجوّد إسناده الحافظ في الفتح (11/ 147) ، والحاكم (1/ 497) وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
(6) أحمد (4/ 206) واللفظ له، وابن ماحه (4188) ، وأصل حديث أشج عبد القيس، أخرجه البخاري- الفتح 10 (6176) ، ومسلم (23) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما(5/1804)
(الحياء» ) * «1» .
8-* (عن أبي مسعود (وهو البدريّ) - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ) * «2» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ موسى كان حييّا ستّيرا، لا يرى من جلده شيء استحياء من الله فآذاه من آذاه من بني إسرائيل. فقالوا: ما يستتر إلّا من عيب بجلده إمّا برص وإمّا أدرة «3» » .. الحديث) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع «5» وستّون شعبة «6» ، والحياء شعبة من الإيمان» ) * «7» .
11-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: تزوّجني الزّبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه «8» وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنّ نسوة صدق، وكنت أنقل النّوى من أرض الزّبير الّتي أقطعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رأسي وهي منّي على ثلثي فرسخ. فجئت يوما والنّوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثمّ قال:
«إخ إخ» «9» ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرّجال، وذكرت الزّبير وغيرته، وكان أغير النّاس، فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي قد استحييت فمضى، فجئت الزّبير، فقلت: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى رأسي النّوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه) * «10» .
12-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله إنّ الله لا يستحيي من الحقّ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأت الماء» .
فغطّت أمّ سلمة- تعني وجهها- وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: «نعم، تربت يمينك فبم يشبهها ولدها؟» ) * «11» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في
__________
(1) ابن ماجه (4181) . ومن طريق ابن عباس- رضي الله عنهما- (4182) ، ورواه مالك في الموطأ مرسلا، وقال محقق جامع الأصول: والحديث بطرقه يرتقي إلى الحسن (3/ 622) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6120) .
(3) أدرة: انتفاخ في الخصية.
(4) البخاري- الفتح 6 (3404) واللفظ له، ومسلم (339) .
(5) البضع: العدد من ثلاثة إلى تسعة.
(6) الشعبة: الخصلة.
(7) البخاري- الفتح 1 (9) واللفظ له، ومسلم (35) ، ورواه أيضا بلفظ الإيمان بضع وسبعون شعبة.
(8) غربه: دلوه.
(9) إخ إخ: كلمة تقال للبعير لينيخه.
(10) البخاري- الفتح 9 (5224) .
(11) البخاري- الفتح 1 (130) ، ومسلم (313) ، رواه أيضا من حديث أم سليم (311) وحديث عائشة (314) .(5/1805)
الجنّة، والبذاء «1» من الجفاء، والجفاء في النّار» ) * «2» .
14-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» ) * «3» .
15-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء والعيّ شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النّفاق» ) * «4» .
16-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء لا يأتي إلّا بخير» .
فقال بشير بن كعب: مكتوب في الحكمة: إنّ من الحياء وقارا وإنّ من الحياء سكينة. فقال له عمران: أحدّثك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتحدّثني عن صحيفتك» ) * «5» .
17-* (عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «إحفظ عورتك إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» . فقال: الرّجل يكون مع الرّجل؟ قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل» قلت. والرّجل يكون خاليا. قال: «فالله أحقّ أن يستحيا منه» ) * «6» .
18-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها «7» » ) * «8» .
19-* (عن هشام عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللّاتي وهبن أنفسهنّ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت عائشة: أما تستحيي المرأة أن تهب نفسها للرّجل. فلمّا نزلت تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قلت: يا رسول الله ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك) * «9» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المسكين الّذي تردّه الأكلة والأكلتان، ولكنّ المسكين الّذي ليس له غنى
__________
(1) البذاء: الفحش في الكلام، قاله الترمذي.
(2) الترمذي (2009) ، وقال: حسن صحيح ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 52) وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان، وقال محققه: حسن، وصححه الترمذي (14) ، وذكره في جامع الأصول (3/ 617) وقال محققه: إسناده حسن.
(3) الحاكم (1/ 22) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي، والإيمان لابن أبي شيبة (7) ، وقال الألباني: موقوف على ابن عمر وسنده صحيح. وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (555) وعزاه للحاكم.
(4) الترمذي (2027) ، وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (3/ 618) . والعيّ: قلة الكلام، والبيان: كثرة الكلام.
(5) البخاري- الفتح 10 (6117) واللفظ له، ومسلم (37) .
(6) الترمذي (2769) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن، وأبو داود (4017) ، وابن ماحه (1920) ، والحاكم (4/ 179 180) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره البخاري تعليقا مجزوما به الفتح (1/ 459) وحسنه الألباني في الإرواء (1810) .
(7) خدرها: سترها الذي تستتر به.
(8) البخاري- الفتح 10 (6119) واللفظ له. ومسلم (2320) .
(9) البخاري- الفتح 9 (5113) واللفظ له، ومسلم (1425) خرج أصله.(5/1806)
ويستحيي أن يسأل النّاس إلحافا» ) * «1» .
21-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه» ) * «2» .
22-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعه فإنّ الحياء من الإيمان» ) * «3» .
23-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون:
لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم- ويذكر ذنبه فيستحيي- ائتوا نوحا فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم- ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحيي- فيقول ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم ائتوا موسى عبدا كلّمة الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول:
لست هناكم- ويذكر قتل النّفس بغير نفس فيستحيي من ربّه- فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع. فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله ثمّ أشفع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة.
ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» ) * «4» .
24-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: «لمّا فرغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصّمّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه. فقال أبو موسى:
وبعثني مع أبي عامر، قال: فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه، فقلت: يا عمّ: من رماك؟، فأشار أبو عامر إلى أبي موسى، فقال: إنّ ذاك قاتلي تراه ذلك الّذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته فلمّا رآني ولّى عنّي ذاهبا فاتّبعته وجعلت أقول له ألا تستحيي؟، ألست عربيّا؟، ألا تثبت؟ فكفّ، فالتقيت أنا وهو فاختلفنا أنا وهو ضربتين فضربته بالسّيف فقتلته ... الحديث» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1476) واللفظ له ومسلم (1039) .
(2) الترمذي (1974) وقال: حديث حسن. وابن ماجه (4185) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول: حديث حسن وعزاه لأحمد والبخاري في الأدب المفرد (3/ 623) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6118) ، ومسلم (59) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له ومسلم (193) .
(5) البخاري- الفتح 8 (4323) ، مسلم (2498) واللفظ له.(5/1807)
الأحاديث الواردة في (الحياء) معنى
25-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بلغه عن الرّجل شيء لم يقل لم قلت كذا وكذا؟ ولكنّه يعمّ فيقول: ما بال أقوام..» ) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحياء)
26-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدّث، ثمّ استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدّث، ثمّ استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسوّى ثيابه، فلمّا خرج قالت عائشة:
دخل أبو بكر فلم تهتشّ «2» له، ثمّ دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله «3» ، ثمّ دخل عثمان فجلست وسوّيت ثيابك. فقال: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة» ) * «4» .
27-* (عن صخر بن العيلة بن عبد الله الأحمسيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزا ثقيفا، فلمّا أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد نبيّ الله قد انصرف ولم يفتح، فجعل صخر يومها عهد الله وذمّته أن لا يفارق هذا القصر حتّى ينزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يفارقهم حتّى نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكتب إليه صخر: أمّا بعد، فإنّ ثقيفا قد نزلت على حكمك يا رسول الله، وأنا مقبل إليهم وهم في خيل، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالصّلاة جامعة، فدعا لأحمس عشر دعوات: «اللهمّ بارك لأحمس في خيلها ورجالها» .
وأتاه القوم فتكلّم المغيرة ابن شعبة، فقال: يا نبيّ الله، إنّ صخرا أخذ عمّتي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون. فدعاهم، فقال: «يا صخر إنّ القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمّته» ، فدفعها إليه وسأل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لبني سليم قد هربوا عن الإسلام، وتركوا ذلك الماء؟» فقال: يا نبيّ الله أنزلنيه أنا وقومي، قال: «نعم» فأنزله وأسلم- يعني السّلمييّن- فأتوا صخرا فسألوه أن يدفع إليهم الماء. فأبى، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا نبيّ الله أسلمنا وأتينا صخرا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا.
فأتاه، فقال: «يا صخر إنّ القوم إذا أسلموا أحرزوا
__________
(1) أورده ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (70) ، وكل رواته ثقات وقد خرج هناك فارجع إليه.
(2) تهتش له: تقابله بطلاقة وجه.
(3) لم تباله: لم تكترث به ولم تحتفل لدخوله.
(4) مسلم (2401) ورواه (2402) بلفظ «إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلى حاجته» .(5/1808)
أموالهم ودماءهم، فادفع إلى القوم ماءهم» ، قال: نعم، يا نبيّ الله، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغيّر عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء) * «1» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ امرأة من الأنصار قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف أغتسل من المحيض؟ قال: «خذي فرصة «2» ممسّكة فتوضّئي ثلاثا» . ثمّ إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استحيا فأعرض بوجهه، أو قال: «توضّئي بها» ، فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
29-* (عن أنس رضي الله عنه قال: بني على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطّعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثمّ يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتّى ما أجد أحدا أدعو، فقلت: يا نبيّ الله ما أجد أحدا أدعوه، فقال: «فارفعوا طعامكم» . وبقي ثلاثة رهط يتحدّثون في البيت، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: «السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله» ، فقالت:
وعليك السّلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك، بارك الله لك. فتقرّى «4» حجر نسائه كلّهنّ، يقول لهنّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثمّ رجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدّثون وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري آخبرته أو أخبر أنّ القوم خرجوا، فرجع حتّى إذا وضع رجله في أسكفّة «5» الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى السّتر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحياء)
1-* (قال أبو بكر- رضي الله عنه- وهو يخطب النّاس: «يا معشر المسلمين: استحيوا من الله فو الّذي نفسي بيده إنّي لأظلّ حين أذهب الغائط في الفضاء متقنّعا بثوبي استحياء من ربّي عزّ وجلّ» ) * «7» .
2-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «من قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه» ) «8» .
3-* (قال ابن جريج: أخبرني محمّد بن عبّاد ابن جعفر أنّه سمع ابن عبّاس- رضي الله عنهما- يقرأ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ (هود/ 5) قال سألته
__________
(1) أبو داود (3067) ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 351) من طريق أبي داود، وقال: في إسناده اختلاف وأشار إليه الحافظ في التهذيب (4/ 362) وقال الحافظ في الإصابة (2/ 180) : أخرجه أبو داود والفريابي في مسنده، والبغوي من طريق أبي نعيم وأحمد طرفا منه.
(2) فرصة ممسكة: قطعة من قطن أو صوف بها طيب.
(3) البخاري- الفتح 1 (315) واللفظ له، ومسلم (332) .
(4) تقرى: تتبع الحجرات واحدة واحدة.
(5) أسكفة الباب: عتبته.
(6) البخاري- الفتح 8 (4793) واللفظ له. ومسلم (1428)
(7) مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا (20) .
(8) المرجع السابق نفسه (20) .(5/1809)
عنها فقال: «أناس كانوا يستحيون أن يتخلّوا «1» فيفضوا إلى السّماء أو يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء. فنزل ذلك فيهم» ) * «2» .
4-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
«من لا يستحيي من النّاس لا يستحيي من الله» ) * «3» .
5-* (قال عليّ: كنت رجلا مذّاء «4» فاستحييت أن أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال «فيه الوضوء «5» » ) * «6» .
6-* (عن الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم أحد، أقبلت امرأة تسعى، حتّى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تراهم، فقال: «المرأة، المرأة» . قال الزّبير فتوسّمت أنّها أمّي صفيّة، قال فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمتني «7» في صدري وكانت امرأة جلدة «8» ، قالت: إليك، لا أرض لك «9» ، قال: فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزم عليك، قال:
فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله، فكفّنوه فيهما، قال: فجئنا بالثّوبين لنكفّن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار، قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين والأنصاريّ لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب، وللأنصاريّ ثوب. فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفّنّا كلّ واحد منهما في الثّوب الّذي صار له) * «10» .
7-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال:
اختلف في الغسل، إذا قعد بين شعبها ولم ينزل، رهط من المهاجرين والأنصار. فقال الأنصاريّون: لا يجب الغسل إلّا من الدّفق أو من الماء. وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل. قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك. فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها: يا أمّاه (أو يا أمّ المؤمنين) إنّي أريد أن أسألك عن شيء، وإنّي أستحييك. فقالت: لا تستحي أن تسألني عمّا كنت سائلا عنه أمّك الّتي ولدتك. فإنّما أنا أمّك. قلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسّ الختان الختان فقد وجب الغسل» ) * «11» .
__________
(1) يتخلوا: يقضوا حاجتهم في الخلاء وهم عراة.
(2) البخاري- الفتح 8 (4681) .
(3) أحمد رواية البغوي (76) .
(4) مذّاء: أي كثير المذي وهو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء ولا يجب فيه الغسل وهو نجس يجب غسله وينقض الوضوء. قاله ابن الأثير في النهاية «مذي» .
(5) فيه الوضوء: أي المذي يوجب الوضوء.
(6) البخاري- الفتح 1 (178) واللفظ له، ومسلم (303) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «فيه الوضوء» .
(7) فلدمتني في صدري: ضربتني ودفعتني.
(8) جلدة: قوية صبورة.
(9) لا أرض لك: مثل قولهم لا أم لك.
(10) أحمد (1/ 165) وقال أحمد شاكر في الحديث (1418) : إسناده صحيح، وقال في مجمع الزوائد (6/ 118) : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار.
(11) البخاري- الفتح 1 (291) ، ومسلم (349) واللفظ له.(5/1810)
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«مرن أزواجكنّ أن يستطيبوا بالماء فإنّي أستحييهم منه، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعله» ) * «1» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ضافت ضيفا، فأمرت بملحفة صفراء فنام فيها، فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام فغمسها في الماء، ثمّ أرسل بها، فقالت عائشة: «لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنّما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربّما فركته من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأصابعي» ) * «2» .
10-* (قال إياس بن قرّة: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر عنده الحياء، فقالوا: الحياء من الدّين.
فقال عمر: «بل هو الدّين كلّه» ) * «3» .
11-* (قال وهب بن منبّه: «الإيمان عريان، ولباسه التّقوى، وزينته الحياء، وماله العفّة» ) * «4» .
12-* (قال مجاهد: «لا يتعلّم العلم مستحي ولا مستكبر» ) * «5» .
13-* (وقال أيضا: «لو أنّ المسلم لم يصب من أخيه، إلّا أنّ حياءه منه يمنعه من المعاصي» ) * «6» .
14-* (قال الحسن البصريّ: «الحياء والتّكرّم خصلتان من خصال الخير، لم يكونا في عبد إلّا رفعه الله بهما» ) * «7» .
15-* (عن شقيق بن سلمة (أبي وائل) - رحمه الله تعالى- قال: «خرجنا في ليلة مخوفة، فمررنا بأجمة فيها رجل نائم، وقيّد فرسه فهي ترعى عند رأسه فأيقظناه، فقلنا له: تنام في مثل هذا المكان؟ قال: فرفع رأسه، فقال إنّي أستحيي من ذي العرش أن يعلم أنّي أخاف شيئا دونه، ثمّ وضع رأسه فنام» ) * «8» .
16-* (قال الفضيل بن عياض: «خمس من علامات الشّقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلّة الحياء، والرّغبة في الدّنيا، وطول الأمل» ) * «9» .
17-* (قال أبو الفدا (إسماعيل الهرويّ) في منازل السّائرين: «الحياء من أوّل مدارج أهل الخصوص يتولّد من تعظيم منوط بودّ» ) * «10» .
18-* (قال الشّاعر:
إذا لم تخش عاقبة اللّيالي ... ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللّحاء «11» ) * «12» .
__________
(1) الترمذي (19) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (46) ، وذكره الألباني في صحيح النسائي (45) .
(2) الترمذي (116) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (6/ 42) ، روى مسلم (105) بعضه.
(3) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (19) .
(4) المرجع السابق (21) .
(5) البخاري- الفتح (1/ 276)
(6) مكارم الأخلاق (84) والمعنى: أن المسلم حين يستحيي من أخيه يمتنع عن ارتكاب المعاصي.
(7) المرجع السابق (24) .
(8) الزهد، لهناد بن السري (1/ 633) وقال محققه (محمد أبو الليث) : إسناده صحيح.
(9) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 271) .
(10) المرجع السابق (2/ 274) .
(11) اللّحاء: قشر الشجر.
(12) الفيروز آبادي، وبصائر ذوي التمييز (155) ، وفضل الله الصمد 2 (/ 57) ، ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (84) .(5/1811)
19-* (من كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيى منه، وعمارة القلب بالهيبة والحياء، فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير) * «1» .
20-* (وقال ذو النّون المصريّ: الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربّك، والحبّ ينطق، والحياء يسكت، والخوف يقلق) * «2» .
21-* (قال السّريّ (الرّفّاء) : إنّ الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزّهد والورع (حلّا فيه) وإلّا رحلا) * «3» .
22-* (نقل ابن القيّم (ربّما عن كتب السابقين) الآثار الآتية في الحياء: أوحى الله عزّ وجلّ إلى عيسى عليه السّلام: «عظ نفسك، فإن اتّعظت، وإلّا فاستحي منّي أن تعظ النّاس» ) * «4» .
23-* (وفي أثر آخر: يقول الله تعالى: يابن آدم، إنّك ما استحييت منّي أنسيت النّاس عيوبك، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من أمّ الكتاب زلّاتك، وإلّا ناقشتك الحساب يوم القيامة) * 5.
24-* (وفي أثر آخر يقول الرّبّ عزّ وجلّ:
«ما أنصفني عبدي، يدعوني عبدي فأستحيي أن أردّه، ويعصيني ولا يستحيي منّي» ) * 6.
25-* (قال يحيى بن معاذ: «من استحيا من الله مطيعا، استحيا الله منه وهو مذنب» ) * «7» .
26-* (قال ابن القيّم في شرح قول يحيى بن معاذ في الأثر السّابق: «من غلب عليه خلق الحياء من الله حتّى في حال طاعته فقلبه مطرق بين يدي ربّه إطراق مستحي خجل، فإذا واقع ذنبا استحيا الله عزّ وجلّ من أن ينظر إليه في تلك الحالة لكرامته عليه..
وفي واقع الحياة ما يشهد لذلك، فإنّ الرّجل إذا اطّلع على أخصّ النّاس به، وأحبّهم إليه وأقربهم منه، من ولد أو صاحب، أو ممّن يحبّ من غيرهم وهو يخونه- فإنّه يلحقه من ذلك الاطّلاع حياء عجيب، حتّى كأنّه هو الجاني، وذلك غاية الكرم. وقد قيل إنّ سبب هذا الحياء أنّه يمثّل نفسه «8» ، في حال طاعته كأنّه يعصي الله عزّ وجلّ فيستحيي منه في تلك الحال ولهذا شرع الاستغفار عقب الأعمال الصّالحة، والقرب الّتي يتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ» . وقيل: إنّما يمثّل نفسه خائنا، فيلحقه الحياء كما إذا شاهد رجلا مضروبا وهو صديق له أو من قد أحصر على المنبر عن الكلام، فإنّه يخجل أيضا تمثيلا لنفسه بتلك الحال، وهذا قد يقع، ولكنّ حياء من اطّلع على محبوبه وهو يخونه ليس من هذا، فإنّه لو اطّلع على غير من يحبّ، لم يلحقه هذا الحياء ولا قريب منه، وإنّما يلحقه مقته وسقوطه من عينه، وإنّما سبب الحياء- والله أعلم- شدّة تعلّق قلبه ونفسه به فينزّل الوهم فعل حبيبه بمنزلة فعله هو، ولا سيّما إن قدّر حصول المكاشفة بينهما، هذا في حقّ الشّاهد «9» .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 270) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
4- 5- 6 مدارج السالكين (2/ 270- 271) بتصرف يسير.
(7) المرجع السابق (2/ 271) .
(8) يمثل نفسه أي يتخيّلها في تلك الحالة.
(9) المراد بالشاهد أي واقع الحياة المشهود لنا.(5/1812)
وأمّا حياء الرّبّ تعالى من عبده، فذلك نوع آخر، لا تدركه الأفهام، ولا تكيّفه العقول فإنّه حياء كرم وبرّ وجود وجلال فإنّه تبارك وتعالى حييّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا، ويستحيي أن يعذّب ذا شيبة شابت في الإسلام) * «1» .
27-* (ذكر ابن عبد البرّ عن سليمان- عليه السّلام- «الحياء نظام الإيمان فإذا انحلّ النّظام ذهب ما فيه» ) * «2» .
28-* (عن معبد الجهنيّ قال: في قوله تعالى وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (الأعراف/ 26) ، قال:
«لباس التّقوى الحياء» ) * «3» .
29-* (وقال الحسن: «أربع من كنّ فيه كان كاملا، ومن تعلّق بواحدة منهنّ كان من صالحي قومه: دين يرشده، وعقل يسدّده، وحسب يصونه وحياء يقوده» ) * «4» .
30-* (قال الأصمعيّ: «سمعت أعرابيّا يقول: من كساه الحياء ثوبه لم ير النّاس عيبه» ) * «5» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «إنّ مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث، وصدق التّأسّي في طاعة الله، وإعطاء السّائل، ومكافأة الصّنيع، وصلة الرّحم، وأداء الأمانة، والتّذمّم للجار، والتّذمّم للصّاحب، وقرى الضّيف ورأسهنّ الحياء» ) * «6» .
32-* (قال أبو بكر بن أبي الدّنيا (مؤلّف مكارم الأخلاق) : بدأنا الحياء لقول أمّ المؤمنين رضي الله عنها-: «رأس مكارم الأخلاق الحياء» ) * «7» .
33-* (عن الشّعبيّ قال: مرّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في بعض طرق المدينة فسمع امرأة تقول:
دعتني النّفس بعد خروج عمرو ... إلى اللّذّات فاطّلع التّلاعا «8» .
فقلت لها: عجلت فلن تطاعي ... ولو طالت إقامته رباعا
أحاذر إن أطعتك سبّ نفسي ... ومخزاة تجلّلني قناعا
فقال عمر- وأتي بالمرأة-: أيّ شيء منعك؟
قالت الحياء وإكرام عرضي.
فقال- رضي الله عنه- إنّ الحياء ليدلّ على هنات ذات ألوان، من استحيا استخفى، ومن استخفى اتّقى، ومن اتّقى وقّي، وكتب إلى صاحب زوجها فأقفله إليها) * «9» .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 272) .
(2) الآداب الشرعية (2/ 227) .
(3) تفسير القرطبي (8/ 185) .
(4) الآداب الشرعية (2/ 227) .
(5) المرجع السابق (2/ 228) .
(6) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (40- 41) .
(7) المرجع السابق (61- 62) .
(8) التلاع (من الأضداد) جمع تلعة وهي ما سفل من الوادي أو ما علا منه.
(9) أقفله إليها أي أرجعه. وهو أميره المسئول عنه.(5/1813)
34-* (قال عبد الله (بن مسعود) : الإيمان عريان، وزينته التّقوى ولباسه الحياء) * «1» .
35-* (عن كعب الأحبار قال: لم يكن الحياء في رجل قطّ فتطعمه النّار أبدا) * «2» .
36-* (عن سليمان (لعلّه ابن عبد الملك) قال: إذا أراد الله بعبد هلاكا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلّا مقيتا ممقّتا) * «3» .
37-* (وقال صالح بن جناح:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... ولا خير في وجه إذا قلّ ماؤه) * «4» .
38-* (وقال آخر كأنّه الفرزدق:
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلّم إلّا حين يبتسم) * «5» .
39-* (وقال ابن جرير الطّبريّ:
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مكالمتي رفيقي
ولو أنّي سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطّريق) * «6» .
40-* (عن ابن الأعرابيّ: قال بعض العرب:
إنّي كأنّي أرى من لا حياء له ... ولا أمانة وسط القوم عريانا) *.
من فوائد (الحياء)
(1) من خصال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) هجر المعصية خجلا من الله سبحانه وتعالى.
(3) الإقبال على الطّاعة بوازع الحبّ لله عزّ وجلّ.
(4) يبعد عن فضائح الدّنيا والآخرة.
(5) أصل كلّ شعب الإيمان.
(6) يكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخلّ بالمروءة والتّوقير ولا يؤذي من يستحقّ الإكرام.
(7) لا يمنع من مواجهة أهل الباطل ومرتكبي الجرائم.
(8) هو دليل على كرم السّجيّة وطيب المنبت.
(9) صفة من صفات الأنبياء والصّحابة والتّابعين.
(10) يعدّ صاحبها من المحبوبين من الله ومن النّاس.
__________
(1) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (83) .
(2) مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (92) .
(3) المرجع السابق (89) .
(4) الآداب الشرعية (2/ 227) .
(5) المرجع السابق (2/ 228) ، وفي مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (90) أن القائل هو الحزين الكناني، قاله في عبد العزيز بن مروان.
(6) سير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 276) وفيه: «إلى العلى» مكان «إلى الغنى» ، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 125) . ومعجم الأدباء (6/ 2443) بتحقيق إحسان عباس.(5/1814)
الحيطة
الحيطة لغة:
يقال: حاط يحوط حوطا وحيطة وحيطة وحياطة ومعناه: حفظه وتعهّده. وأمّا قول الهذليّ:
وأحفظ منزلي وأحوط عرضي ... وبعض القوم ليس بذي حياط
فحياط هنا بمعنى: حياطة.
وتقول احتاط الرّجل: أي إنّه أخذ أموره بالأحزم، وأيضا قولك: احتاط الرّجل لنفسه: أي أخذ بالأوثق. والحيطة أيضا: الصّيانة والكلاءة والرّعاية والحوطة والحيطة: الاحتياط، وحاطه الله حوطا وحياطة: صانه وكلأه ورعاه. وفي حديث العبّاس: «قلت: يا رسول الله، ما أغنيت عن عمّك- يعني أبا طالب- فإنّه كان يحوطك» . يقال حاطه الآيات الأحاديث الآثار
1 13 6
يحوطه حوطا، إذا حفظه وصانه وذبّ عنه وتوفّر على مصالحه، ويقال حوّط كرمه تحويطا: بنى حوله حائطا فهو كرم محوط «1» .
الحيطة اصطلاحا:
إذا كانت الحيطة في اللّغة بمعنى الاحتياط؛ فإنّه يمكن تعريفها اصطلاحا بما يعرّف به الاحتياط ومن ثمّ تكون الحيطة:
استعمال ما فيه الحياطة أي الحفظ وذلك بأخذ الامور بالأحزم والثّقة.
[للاستزادة: انظر صفات: الحذر- الوقاية- اليقظة- الخوف- الخشية.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحمق- الطيش العجلة- اتباع الهوى- الأمن من المكر- الغرور] .
__________
(1) لسان العرب (2/ 1052) ، والصحاح (3/ 1120) ، والمصباح المنير (1/ 156) ، ومقاييس اللغة (2/ 120) .(5/1815)
الآيات الواردة في «الحيطة» معنى
1- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ
وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102) فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103) «1»
__________
(1) النساء: 101- 103 مدنية(5/1816)
الأحاديث الواردة في (الحيطة) معنى
1-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استجنح اللّيل- أو كان جنح اللّيل- فكفّوا صبيانكم فإنّ الشّياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلّوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفىء مصباحك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك «1» واذكر اسم الله، وخمّر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا» ) * «2» .
2-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها بكفّه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء» ) * «3» .
3-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-: أنّ رجلا مرّ بأسهم في المسجد قد أبدى نصولها، فأمر أن يأخذ بنصولها كي لا يخدش مسلما) * «4» .
4-* (عن سالم عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تتركوا النّار في بيوتكم حين تنامون» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يشير «6» أحدكم إلى أخيه بالسّلاح، فإنّه لا يدري أحدكم لعلّ الشّيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النّار» ) * «7» .
6-* (عن المسور بن مخرمة ومروان قالا:
خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين» ، فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرا لقريش ... إلى آخر الحديث) * «8» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين «9» » ) * «10» .
__________
(1) أوك سقاءك: أي اجعل له وكاء، ومعنى ولو تعرض عليه شيئا: أي تجعل عليه عرضا من خرقة ونحوها فوقه.
(2) البخاري- الفتح 6 (3280) واللفظ له، ومسلم (2012) .
(3) البخاري- الفتح 1 (452) ، 13 (7075) ، ومسلم (2615) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 1 (451) ، 13 (7074) ، ومسلم (2614) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 11 (6293) ، ومسلم (2015) .
(6) هكذا هو في جميع النسخ بالياء بعد الشين، وهو صحيح، وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها في قراءة من قرأ بالرفع، وهذا أبلغ من لفظ النهي.
(7) البخاري- الفتح 13 (7072) . ومسلم (2617) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) .
(9) ومعنى الحديث: أن المؤمن يستفيد من خطأ وقع فيه هو أو غيره فلا يكرره مرة ثانية.
(10) البخاري- الفتح 10 (6133) ، ومسلم (2998) .(5/1817)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحيطة)
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سهر فلمّا قدم المدينة قال: «ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني اللّيلة» . إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: «من هذا؟» فقال: أنا سعد بن أبي وقّاص جئت لأحرسك. فنام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة، ... الحديث وفيه: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين: «إنّي أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان» فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامّة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر ... قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظّهيرة. قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقنّعا- في ساعة لم يكن يأتينا فيها- فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمّي، والله ما جاء به في هذه السّاعة إلّا أمر. قالت: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «أخرج من عندك» ، فقال أبو بكر:
إنّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، فقال أبو بكر: الصّحبة «2» بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نعم» . قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بالثّمن» قالت عائشة:
فجهّزناهما أحثّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سمّيت ذات النّطاق.
قالت: ثمّ لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شابّ ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلّا وعاه حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل- وهو لبن منحتهما ورضيفهما- حتّى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر رجلا من بني الدّيل، وهو من بني عبد بن عديّ- هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2885) واللفظ له، ومسلم (2410) .
(2) صحبه. صحابة وصحبة: رافقه. المعجم الوسيط (535) .(5/1818)
السّهميّ، وهو على دين كفّار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدّليل، فأخذ بهم طريق السّواحل) * «1» .
10-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الرّجّالة يوم أحد- وكانوا خمسين رجلا- عبد الله بن جبير فقال: «إن رأيتمونا تخطّفنا الطّير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّى أرسل إليكم» . فهزموهم، قال: فأنا والله رأيت النّساء يشددن، قد بدت خلاخلهنّ وأسوقهنّ، رافعات ثيابهنّ. فقال أصحاب ابن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة «2» ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قالوا: والله لنأتينّ النّاس فلنصيبنّ من الغنيمة فلمّا أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرّسول في أخراهم، فلم يبق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منّا سبعين، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، فقال أبو سفيان:
أفي القوم محمّد؟ ثلاث مرّات. فنهاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يجيبوه. ثمّ قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرّات. ثمّ قال أفي القوم ابن الخطّاب؟ ثلاث مرّات.
ثمّ رجع إلى أصحابه فقال: أمّا هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدوّ الله. إنّ الّذين عددت لأحياء كلّهم، وقد بقي لك ما يسوؤك. قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. إنّكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني. ثمّ أخذ يرتجز: اعل هبل، أعل هبل. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجيبونه؟» . قالوا: يا رسول الله ما نقول؟. قال:
«قولوا: الله أعلى وأجلّ» . قال: إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجيبونه» قال: قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» ) * «3» .
11-* (عن عمرو بن ميمونة قال: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس: إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا أبا عبّاس «4» ، إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن تخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عبّاس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدأوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول:
أف وتف «5» وقعوا في رجل له عشر، وقعوا في رجل قال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لأبعثنّ رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحبّ الله ورسوله» ، قال: فاستشرف لها من استشرف.
قال: أين عليّ؟ قالوا: هو في الرّحل يطحن، قال: وما
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3905) .
(2) الغنيمة: منصوب على الإغراء.
(3) البخاري- الفتح 6 (3039) .
(4) لعله كان لابن عباس ولد يدعى عباسا ومن هنا كني به في الرواية فقيل: يا أبا عباس. أو لأن أباه عباسا وقد عرف قديما وحديثا التكنية بالابن أو بالأب، أو بغيرهما كما كنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة بابن أختها.
(5) أف وتف: كلمة ذم.(5/1819)
كان أحدكم ليطحن! قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه ثمّ هزّ الرّاية ثلاثا فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حييّ، قال: ثمّ بعث فلانا بسورة التّوبة، فبعث عليّا خلفه فأخذها منه، قال: «لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه» ، قال: وقال لبني عمّه: «أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟» . قال: وعليّ معه جالس، فأبوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة، قال: «أنت ولييّ في الدّنيا والآخرة» ، قال:
فتركه، ثمّ أقبل على رجل منهم فقال: «أيّكم يواليني في الدّنيا والآخرة؟» . فأبوا، قال: فقال عليّ: أنا أواليك في الدّنيا والآخرة. فقال: «أنت وليّي في الدّنيا والآخرة» ، قال: وكان أوّل من أسلم من النّاس بعد خديجة، قال: وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين فقال: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب/ 33) قال: وشرى عليّ نفسه، لبس ثوب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء أبو بكر وعليّ نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبيّ الله، قال: فقال: يا نبيّ الله، قال:
فقال له عليّ: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل عليّ يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله وهو يتضوّر «1» ، قد لفّ رأسه في الثّوب لا يخرجه، حتّى أصبح، ثمّ كشف عن رأسه، فقالوا: إنّك للئيم! كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر، وقد استنكرنا ذلك! قال: وخرج بالنّاس في غزوة تبوك، قال: فقال له عليّ: أخرج معك؟ قال: فقال له نبيّ الله: «لا» .
فبكى عليّ، فقال له: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنّك لست بنبيّ، إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي» ، قال: وقال له رسول الله: «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي» ، وقال: «سدّوا أبواب المسجد غير باب عليّ» . فقال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه، ليس له طريق غيره، قال: وقال:
«من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ» ، قال: «وأخبرنا الله عزّ وجلّ- في القرآن أنّه قد رضي عنهم، عن أصحاب الشّجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حدّثنا أنّه سخط عليه بعد؟» . قال: وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: «أو كنت فاعلا؟» وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع إلى أهل بدر فقال:
اعملوا ما شئتم» ) * «2» .
12-* (عن أبي الزّبير عن جابر قال: «مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عشر سنين يتبع النّاس في منازلهم بعكاظ ومجنّة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني؟ من ينصرني حتّى أبلّغ رسالة ربّي وله الجنّة؟ حتّى إنّ الرّجل ليخرج من اليمن أو من مضر- كذا قال- فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك.
ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتّى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدّقناه فيخرج الرّجل منّا فيؤمن به، ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتّى لم يبق دار من دور الأنصار
__________
(1) يتضور: يتألم.
(2) أحمد (1/ 331) ، وقال شاكر (5/ 25- 27) : إسناده صحيح.(5/1820)
إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثمّ ائتمروا جميعا، فقلنا: حتّى متى نترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطرد في جبال مكّة ويخاف، فرحل إليه منّا سبعون رجلا حتّى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتّى توافينا فقلنا: يا رسول الله نبايعك. قال: «تبايعوني على السّمع والطّاعة في النّشاط والكسل، والنّفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» ، قال:
فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم، فقال: رويدا يا أهل يثرب فإنّا لم نضرب أكباد الإبل إلّا ونحن نعلم أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضّكم السّيوف فإمّا أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإمّا أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينه فبيّنوا ذلك فهو عذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنّا «1» يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا. قال: فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط يعطينا على ذلك الجنّة» ) * «2» .
13-* (إنّ من أوضح أدلّة وجوب أخذ الحذر والحيطة ما عمله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين أراد الهجرة فقد ذكر ابن هشام في السّيرة فقال: «أتى جبريل عليه السّلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: لا تبت هذه اللّيلة على فراشك الّذي كنت تبيت عليه قال: فلمّا كانت عتمة من اللّيل «3» اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكانهم، قال لعليّ بن أبي طالب: «نم على فراشي وتسجّ ببردي «4» هذا الحضرميّ الأخضر، فنم فيه فإنّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينام في برده ذلك إذا نام» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحيطة)
1-* (قال أبو بكر- رضي الله عنه- في خطبته: «أوصيكم بتقوى الله والاعتصام بأمر الله الّذي شرع لكم وهداكم به» ... إلى أن قال: «وإيّاكم واتّباع الهوى فقد أفلح من حفظ من الهوى والطّمع والغضب، وإيّاكم والفخر وما فخر من خلق من تراب وإلى التّراب يعود ثمّ يأكله الدّود، ثمّ هو اليوم حيّ وغدا ميّت، فاعملوا يوما بيوم وساعة بساعة، وتوقّوا دعاء المظلوم، وعدّوا أنفسكم في الموتى،
__________
(1) امط عنا: أي ابتعد عنا.
(2) أحمد (3/ 322- 323) واللفظ له، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 157) : هذا إسناد جيد على شرط مسلم.
(3) عتمة الليل: شدة ظلامه.
(4) تسجى ببردي: التف به.
(5) سيرة ابن هشام (2/ 124) ، تفسير ابن كثير (2/ 315) .(5/1821)
واصبروا فإنّ العمل كلّه بالصّبر، واحذروا فإنّ الحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذّركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا وتفهّموا، واتّقوا وتوقّوا، فإنّ الله قد بيّن لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجّى به من نجّى قبلكم، قد بيّن لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحبّ من الأعمال وما يكره، فإنّي لا آلوكم ونفسي والله المستعان ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. واعلموا أنّكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربّكم أطعتم وحظّكم حفظتم لله من أعمالكم فربّكم أطعتم وحظّكم حفظتم واغتبطتم وما تطوّعتم به لدينكم فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا سلفكم وتعطوا جرايتكم حيث فقركم وحاجتكم إليها ثمّ تفكّروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الّذين مضوا قد وردوا على ما قدموا، فأقاموا عليه وحلّوا في الشّقاء والسّعادة فيما بعد الموت، إنّ الله ليس له شريك وليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه سوءا إلّا بطاعته واتّباع أمره فإنّه لا خير في خير بعده النّار ولا شرّ في شرّ بعده الجنّة) » * «1» .
2-* (قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-:
كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّوا ذهبوا في الشّعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقّاص في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شعب من شعاب مكّة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين، وهم يصلّون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتّى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقّاص يومئذ رجل من المشركين بلحي «2» بعير فشجّه فكان أوّل دم هريق في الإسلام) * «3» .
3-* (قال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «احذروا واستعدّوا بأنواع الاستعداد من أخذ السّلاح وغيره» ) * «4» .
4-* (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... :
«أمر الله أهل الطّاعة ... أن لا يقتحموا على عدّوهم على جهالة حتّى يتحسّسوا ما عندهم ويعلموا كيف يردون فذلك أثبت لهم» ) * «5» .
5-* (وقال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... : «هذه وصيّة بالحذر وأخذ السّلاح، لئلّا ينال العدوّ أمله ويدرك فرصته، إنّهم يودّون ويحبّون غفلتكم عن أخذ السّلاح ليصلوا إلى مقصودهم، فبيّن الله تعالى بهذا وجه الحكمة في الأمر بأخذ السّلاح» .
ثمّ قال: «في هذه الآية دليل على تعاطي الأسباب واتّخاذ كلّ ما ينجّي ذوي الألباب ويوصّل إلى السّلامة
__________
(1) جواهر الأدب (374/ 375) .
(2) اللحي: العظم الذي عليه الأسنان السفلى، قال ابن منظور: اللحيان: حائطا الفم وهما: العظمان اللذان فيهما الأسنان من كل ذي لحي، ويكون للإنسان والدابة.
(3) سيرة ابن هشام (1/ 296) .
(4) المحرر الوجيز (4/ 172) .
(5) تفسير القرطبي (5/ 273) .(5/1822)
ويبلّغ دار الكرامة» . ثمّ قال الله تعالى: وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «أي كونوا متيقّظين وضعتم السّلاح أو لم تضعوه، وهذا يدلّ على تأكيد التّأهّب والحذر من العدوّ في كلّ الأحوال وترك الاستسلام. فإنّ الجيش ما جاءه مصاب قطّ إلّا من تفريط في حذر» ) * «1» .
6-* (قال ابن كثير في معنى قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... : «يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم وهذا يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنّفير في سبيل الله» ) * «2» .
من فوائد (الحيطة)
(1) البعد عن مواطن الزّلل وعثرات الطّرق.
(2) الوصول إلى برّ الأمان والسّلامة من الأخطار.
(3) دليل على نباهة العقل وثقابة الفكر.
(4) يجنّب الإنسان أخطارا كثيرة.
(5) لا ينافي التّوكّل على الله- عزّ وجلّ- إذ هو من الأسباب العاديّة الّتي في قدرة الإنسان.
(6) صفة تحلّى بها الأنبياء وتابعوهم ومن سار على دربهم.
(7) من الصّفات المحمودة الّتي أوصى الله بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين معه.
__________
(1) تفسير القرطبي (5/ 371- 372) .
(2) تفسير ابن كثير (1/ 537) .(5/1823)
[حرف الخاء]
الخشوع
الخشوع لغة:
مصدر خشع يخشع وهو مأخوذ من مادّة (خ ش ع) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنى واحد هو التّطامن، يقال خشع فلان إذا تطامن وطأطأ رأسه وهو قريب المعنى من الخضوع، إلّا أنّ الخضوع في البدن وهو الإقرار بالاستخذاء، والخشوع في البدن والصّوت والبصر، قال تعالى: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ (القلم/ 43) ، قال ابن دريد: الخاشع: المستكين والرّاكع، وقال الرّاغب: الخشوع الضّراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روي: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.
وذكرت كتب اللّغة أنّ الخشوع هو الخضوع، يقال خشع يخشع خشوعا، واختشع وتخشّع: رمى ببصره نحو الأرض، وغضّه وخفض صوته، وقوم خشّع: متخشّعون، وخشع بصره: انكسر، ولا يقال اختشع بصره، قال ذو الرّمّة:
الآيات الأحاديث الآثار
16 12 23
تجلّى السّرى عن كلّ خرق «1» كأنّه ... صفيحة سيف، طرفه غير خاشع
واختشع إذا طأطأ صدره وتواضع، وقوله تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ (طه/ 108) :
أي سكنت، وكلّ ساكن خاضع خاشع. والخاشع:
الرّاكع، في بعض اللّغات، والتّخشّع: تكلّف الخشوع، والتّخشّع لله: الإخبات والتّذلّل. وقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (فصلت/ 39) . قال الزّجّاج: الخاشعة المتغيّرة المتهشّمة، وأراد المتهشّمة النبات، وبلدة خاشعة: أي مغبرّة لا منزل بها، وإذا يبست الأرض ولم تمطر قيل: قد خشعت. قال تعالى:
وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (فصلت/ 39) والعرب تقول:
رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء «2» .
واصطلاحا:
قيام القلب بين يدي الرّبّ بالخضوع والذّلّ وقيل: هو الانقياد للحقّ.
__________
(1) الخرق من الأرض بفتح الخاء: البعيدة مستوية كانت أو غير مستوية. والخرق: بكسر الخاء من الفتيان الظريف في سماحة ونجدة. لسان العرب (2/ 1142) .
(2) مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 182) ، والمفردات، للراغب (148) ، والصحاح للجوهري (3/ 1204) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 34) ، ولسان العرب لابن منظور (8/ 71) .(5/1824)
وقال الجنيد: الخشوع تذلّل القلوب لعلّام الغيوب.
قال ابن القيّم- رحمه الله-: والحقّ أنّ الخشوع معنى يلتئم من التّعظيم والمحبّة والذّلّ والانكسار «1» .
وحكى ابن حجر عن الفخر الرّازيّ في تفسيره أنّ الخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية، وتارة من فعل البدن كالسّكون، وقيل: لا بدّ من اعتبارهما، وقال غيره: هو معنى يقوم بالنّفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة.
درجات الخشوع:
قال ابن القيّم: قال صاحب المنازل: وهو أي الخشوع على ثلاث درجات:
الأولى: التّذلّل للأمر، والاستسلام للحكم، والاتّضاع لنظر الحقّ. أمّا التّذلّل للأمر فهو تلقّيه بذلّة القبول والانقياد والامتثال مع مواطأة الظّاهر الباطن، وإظهار الضّعف، والافتقار للهداية. وأمّا الاستسلام للحكم فيشمل الحكم الشّرعيّ بعدم معارضته برأي أو شهوة، كما يشمل الحكم القدريّ بعدم تلقّيه بالتّسخّط والكراهة والاعتراض، وأمّا الاتّضاع لنظر الحقّ فهو اتّضاع القلب والجوارح، وانكسارها لنظر الرّبّ إليها واطّلاعه على تفاصيل ما فيها.
الثّانية: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل، ويتحقّق ذلك بانتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك، وذلك يجعل القلب خاشعا لا محالة لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما من الكبر والعجب، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة، أمّا رؤية فضل كلّ ذي فضل فيتحقّق بمراعاة حقوق النّاس وأدائها، ولا ترى أنّ ما فعلوه من حقوقك عليهم؛ فلا تعاوضهم عليها، فإنّ هذا من رعونات النّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة يقول: العارف لا يرى له على أحد حقّا، ولا يشهد له على غيره فضلا، ولذلك لا يعاتب، ولا يطالب، ولا يضارب.
الثّالثة: حفظ الحرمة عند المكاشفة، وتصفية القلب من مراءاة الخلق، ويعني ذلك ضبط النّفس بالذّلّ والانكسار عن البسط والإذلال الّذي تقتضيه المكاشفة لأنّها توجب بسطا يخاف منه شطح إن لم يصحبه خشوع يحفظ الحرمة. مع إخفاء أحواله عن الخلق جهده «2» .
من معاني كلمة الخشوع في القرآن:
ذكر بعض المفسّرين أنّ الخشوع في القرآن على أربعة أوجه:
أحدها: الذّلّ. ومنه قوله تعالى في طه:
وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ (آية/ 108) .
__________
(1) مدارج السالكين لابن القيم (1/ 558- 559) بتصرف، وفتح الباري (2/ 264) .
(2) مدارج السالكين (1/ 559- 560) باختصار وتصرف يسير.(5/1825)
والثّاني: سكون الجوارح. ومنه قوله تعالى في المؤمنين: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) .
والثّالث: الخوف. ومنه قوله تعالى في الأنبياء:
وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ
(آية/ 90) .
والرّابع: التّواضع. ومنه قوله تعالى في البقرة:
وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (آية/ 45) «1» .
ويمكن أن يضاف إلى ذلك وجه خامس وهو:
اليبس والجمود، وذلك كما في قوله تعالى: وتَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (فصلت/ 39) .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخبات- التواضع الخوف- الخشية- السكينة- الورع- الرهبة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور- الكبر والعجب- الإصرار على الذنب- الغفلة- الأمن من المكر] .
__________
(1) انظر: نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (276)(5/1826)
الآيات الواردة في «الخشوع»
الخشوع بمعنى الذل:
1- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (106) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «1»
2- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2»
3- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى ناراً حامِيَةً (4) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) «3»
الخشوع بمعنى سكون الجوارح:
4- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) «4»
5- وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) «5»
6- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) «6»
7- فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «7»
__________
(1) طه: 105- 108 مكية
(2) الحشر: 21 مدنية
(3) الغاشية: 2- 7 مكية
(4) المؤمنون: 1- 2 مكية
(5) القمر: 4- 8 مكية
(6) القلم: 42- 43 مكية
(7) المعارج: 40- 44 مكية(5/1827)
8- وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (2)
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4)
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8)
أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) «1»
الخشوع بمعنى الخوف:
9- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً
وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ
(90) «2»
10- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45)
وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) «3»
11- أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «4»
الخشوع بمعنى التواضع:
12- وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) «5»
13- وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) «6»
__________
(1) النازعات: 1- 10 مكية
(2) الأنبياء: 89- 90 مكية
(3) الشورى: 42- 46 مكية
(4) الحديد: 16 مدنية
(5) البقرة: 45- 46 مدنية
(6) آل عمران: 199 مدنية(5/1828)
14- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107)
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «1»
15- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) «2»
الخشوع بمعنى اليبس والجمود:
16- وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) «3»
__________
(1) الإسراء: 107- 109 مكية
(2) الأحزاب: 35 مدنية
(3) فصلت: 39 مكية(5/1829)
الأحاديث الواردة في (الخشوع)
1-* (عن عثمان- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها. إلّا كانت كفّارة لما قبلها من الذّنوب. ما لم يؤت كبيرة. وذلك الدّهر كلّه» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم الخاشع الرّاكع السّاجد» ) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل ترون قبلتي هاهنا؟ والله ما يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم وإنّي لأراكم من وراء ظهري» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الخشوع) معنى
4-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أقرب ما يكون الرّبّ من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك السّاعة فكن» ) * «4» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «5» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء «6» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «7» لقوله كأنّه «8» سلسلة على صفوان «9» ، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا:
ماذا قال ربّكم؟ قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع- ومسترقوا السّمع هكذا بعضه فوق بعض «10» . فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم
__________
(1) مسلم (228) .
(2) النسائي (6/ 18) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (2930) ، وهو في صحيح الجامع (5850) . وهو بسياق مقارب في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة. انظر «جامع الأصول» (9/ 476 و481) .
(3) البخاري- الفتح 2 (741) واللفظ له. ومسلم (424) .
(4) الترمذي (3579) وقال: حديث حسن صحيح
(5) مسلم (2564) .
(6) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله.
(7) خضعانا: أي خاضعين.
(8) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله-.
(9) الصفوان: هو الحجر الأملس.
(10) ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه.(5/1830)
كذا وكذا كذا وكذا، فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمع من السّماء» ) * «1» .
7-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل. فجاءت نوبتي فروّحتها بعشيّ. فأدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائما يحدّث النّاس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضّأ فيحسن وضوءه. ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين. مقبل عليهما بقلبه ووجهه. إلّا وجبت له الجنّة» . قال فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يديّ يقول: الّتي قبلها أجود. فنظرت فإذا عمر. قال: إنّي قد رأيتك جئت آنفا «2» . قال: «ما منكم من أحد يتوضّأ فيبلغ «3» (أو فيسبغ) الوضوء ثمّ يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبد الله ورسوله، إلّا فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية، يدخل من أيّها شاء» ) * «4» .
8-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال قال عمرو بن عبسة السّلميّ- رضي الله عنه-:
كنت وأنا في الجاهليّة، أظنّ أنّ النّاس على ضلالة.
وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان.
فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي. فقدمت عليه فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا، جرآء «5» عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟. قال: «أنا نبيّ» .
فقلت: وما نبيّ؟. قال: «أرسلني الله» . فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» . قلت له:
فمن معك على هذا؟. قال: «حرّ وعبد» . (قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به) . فقلت: إنّي متّبعك.
قال: «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» . قال: فذهبت إلى أهلي.
وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة. وكنت في أهلي.
فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة.
حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة.
فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟. فقالوا:
النّاس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة. فدخلت عليه. فقلت:
يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة» . قال فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة؟. قال:
«صلّ صلاة الصّبح. ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع. فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة «6» محضورة «7» . حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح «8» . ثمّ أقصر عن الصّلاة. فإنّ حينئذ
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4800) .
(2) آنفا: أي قريبا.
(3) فيبلغ أو يسبغ: أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون.
(4) مسلم (234) .
(5) جرآء: جمع جريء من الجراءة وهي الإقدام والتسلط.
(6) مشهودة: يشهدها الملائكة.
(7) محضورة: يحضرها أهل الطاعات.
(8) حتى يستقل الظل بالرمح: أي يقوم مقابله في جهة الشمال ليس مائلا إلى المغرب ولا إلى المشرق وهذه حالة الاستواء.(5/1831)
تسجر جهنّم. فإذا أقبل الفيء فصلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى تصلّي العصر. ثمّ أقصر عن الصّلاة. حتّى تغرب الشّمس. فإنّها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار» . قال فقلت: يا نبيّ الله فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثمّ يمسح رأسه إلّا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء. فإن هو قام فصلّى فحمد الله وأثنى عليه ومجّده بالّذي هو له أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الخشوع)
9-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. اصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك وسعديك «2» والخير كلّه في يديك.
والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك «3» . تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال:
«اللهمّ لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت.
خشع لك سمعي وبصري ومخّي وعظمي وعصبي» وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ لك سجدت. وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» . ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منّي.
أنت المقدّم وأنت المؤخّر. لا إله إلّا أنت» ) * «4» .
10-* (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) مسلم (832) .
(2) سعديك: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة.
(3) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك.
(4) مسلم (771) .(5/1832)
خرج متبذّلا «1» متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد) * «2» .
11-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وفي صدره أزير كأزير الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» . قلت:
آقرأ عليك وعليك أنزل؟. قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» . فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: «أمسك» . فإذا عيناه تذرفان» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الخشوع)
1-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «من تواضع لله تخشّعا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظّما، وضعه الله يوم القيامة» ) * «5» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه رأى رجلا طأطأ رقبته في الصّلاة. فقال: «يا صاحب الرّقبة ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرّقاب إنّما الخشوع في القلوب» ) * «6» .
3-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
«الخشوع في القلب أن تلين كنفك للرّجل المسلم وأن (لا تلتفت) في الصّلاة» ) * «7» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) قال: «كانوا إذا قاموا في الصّلاة، أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. وعلموا أنّ الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينا ولا شمالا» ) * «8» .
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) . قال: «بلى يا ربّ، بلى يا ربّ» ) * «9» .
6-* (قرأ ابن عمر- رضي الله عنهما- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (المطففين/ 1- 6) ، فلمّا بلغ (يوم
__________
(1) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة وذلك على جهة التواضع.
(2) الترمذي (558) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني.
(3) أبو داود (904) واللفظ له، النسائي (3/ 13) ، وقال محقق جامع الأصول (5/ 435) : حديث صحيح.
(4) البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له، وفيه «بعض الحديث عن عمرو بن مرّة» ، ومسلم (800) .
(5) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 467) .
(6) مدارج السالكين (1/ 559) .
(7) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 599) .
(8) الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) .
(9) المرجع السابق (8/ 59) .(5/1833)
يقوم النّاس لربّ العالمين) بكى حتّى خرّ وامتنع عن قراءة ما بعده» ) * «1» .
7-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-:
«الخشوع هو الاستسلام للحكمين: الدّينيّ الشّرعيّ، بعدم معارضته برأي أو شهوة، والقدريّ بعدم تلقّيه بالتّسخّط والكراهية والاعتراض. والاتّضاع لنظر الحقّ، وهو اتّضاع القلب والجوارح وانكسارها لنظر الرّبّ إليها، واطّلاعه على تفاصيل ما في القلب والجوارح، وخوف العبد الحاصل من هذا يوجب له خشوع القلب لا محالة. وكلّما كان أشدّ استحضارا له كان أشدّ خشوعا، وإنّما يفارق الخشوع القلب إذا غفل عن اطّلاع الله عليه ونظره إليه.
وممّا يورث الخشوع: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل عليك وهذا المعنى أي انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك يجعل القلب خاشعا لا محالة، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما: من الكبر، والعجب، والرّياء، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة وعدم إيقاع العمل على وجه يرضاه الله تعالى وغير ذلك من عيوب النّفس.
وأمّا رؤية كلّ ذي فضل عليك: فهو أن تراعي حقوق النّاس فتؤدّيها، ولا ترى أنّ ما فعلوه فيك من حقوقك عليهم، فلا تعارضهم عليها؛ فإنّ هذا من رعونات النّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك. وتعترف بفضل ذي الفضل منهم وتنسى فضل نفسك.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-:
العارف لا يرى له على أحد حقّا ولا يشهد له على غيره فضلا؛ ولذلك لا يعاتب ولا يطالب، ولا يضارب» ) * «2» .
8-* (عن قرظة بن كعب قال: «بعثنا عمر ابن الخطّاب إلى الكوفة وشيّعنا. فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار. فقال: «أتدرون لم مشيت معكم؟» . قال: قلنا: لحقّ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولحقّ الأنصار. قال: «لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم.
إنّكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل. فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم وقالوا:
أصحاب محمّد. فأقلّوا الرّواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ أنا شريككم» ) * «3» .
9-* (كان عليّ بن الحسين- رضي الله عنهما-: «إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟
فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» ) * «4» .
10- (عن الحسن البصريّ في قوله تعالى وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (الأنبياء/ 90) . قال: «الخوف الدّائم في القلب» ) * «5» .
__________
(1) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 253) .
(2) مدارج السالكين (1/ 560- 561) بتصرف.
(3) ابن ماجة (28) .
(4) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (273) .
(5) الزهد لابن المبارك (55) .(5/1834)
11-* (عن الحسن البصريّ في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) .
قال: «كان خشوعهم في قلوبهم فغضّوا بذلك أبصارهم، وخفضوا لذلك الجناح» ) * «1» .
12-* (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله تعالى-:
إذا ما اللّيل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدّنيا هجوع
وقال أيضا:
وما فرشهم إلّا أيامن أزرهم ... وما وسدهم إلّا ملاء وأذرع
وما ليلهم فيهنّ إلّا تخوّف ... وما نومهم إلّا عشاش مروّع
وألوانهم صفر كأنّ وجوههم ... عليها كساء وهو بالورس مشبع) * «2» .
13-* (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح/ 29) . قال: هو الخشوع والتّواضع» ) * «3» .
14-* (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) . قال: «من القنوت: الرّكوع، والخشوع- وطول الرّكوع يعني طول القيام- وغضّ البصر، وخفض، الجناح والرّهبة لله» ) * «4» .
15-* (عن مجاهد في قوله تعالى الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (المؤمنون/ 2) . قال:
«السّكون» ) * «5» .
16-* (عن قتادة- رحمه الله- قال:
«الخشوع في القلب هو الخوف وغضّ البصر في الصّلاة» ) * «6» .
17-* (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: «كان عبد الله بن مسعود- إذا هدأت العيون- قام فسمعت له دويّا كدويّ النّحل» ) * «7» .
18-* (قال عبّاد بن زياد التّيميّ، يرثي إخوة له متعبّدين:
فتية يعرف التّخشّع فيهم ... كلّهم أحكم القران غلاما
قد برى جلده التّهجّد حتّى ... عاد جلدا مصفّرا وعظاما
تتجافى عن الفراش من الخو ... ف إذا الجاهلون باتوا نياما
بأنين وعبرة ونحيب ... ويظلّون بالنّهار صياما
__________
(1) الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) .
(2) التخويف من النار (38، 39) والورس: نبت أصفر يصبغ به.
(3) الدر المنثور (7/ 542) .
(4) المرجع السابق (1/ 731) .
(5) الزهد لابن المبارك (55) .
(6) الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) .
(7) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 391) .(5/1835)
يقرؤون القرآن لا ريب فيه ... ويبيتون سجّدا وقياما) * «1» .
19-* (قال الفضيل بن عياض: «كان يكره أن يري الرّجل من الخشوع أكثر ممّا في قلبه» ) * «2» .
20-* (قال أبو يزيد المدنيّ: «إنّ أوّل ما يرفع عن هذه الأمّة الخشوع» ) * «3» .
21-* (قال عبد الله بن المعمار:
رقّة في الجنان فيها حياء ... فيهما هيبة وذاك خشوع
ليس حال ولا مقام وإن فا ... ضت عليه من العيون دموع) * «4» .
22-* (قال سهل التّستريّ: «من خشع قلبه لم يقرب منه الشّيطان» ) * «5» .
23-* (قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-:
قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة، وكان مبدؤها هناك فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أن يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا والله ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال:
فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت قال: وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمّد، وكان أحبّهم إليه، فدخل دار الدّوابّ، فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزّوه فيه، فقال الحمد لله كانوا سبعة فأخذت منهم واحدا وأبقيت ستّة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة ... فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أويس:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
__________
(1) التخويف من النار لابن رجب (29، 30) .
(2) مدارج السالكين (1/ 559) .
(3) الزهد لابن المبارك (57) .
(4) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (2/ 542) .
(5) مدارج السالكين (1/ 559) .(5/1836)
ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي) * «1» .
من فوائد (الخشوع)
(1) يورث الخوف والرّهبة من الله- عزّ وجلّ-.
(2) مظهر من مظاهر الإيمان وحسن الإسلام.
(3) دليل على صلاح العبد واستقامته.
(4) إعلان العبوديّة لله ونبذ ما سواه.
(5) تكفير الذّنوب وتعظيم الأجر.
(6) النّجاة من العذاب والعقوبة.
(7) الفوز بالجنّة.
(8) الخشوع يرفع صاحبه يوم القيامة.
(9) الخشوع يؤدّي إلى غضّ البصر وخفض الجناح.
(10) الخشوع يبعد القسوة من القلب.
(11) الخشوع في الصّلاة يؤدّي إلى الفلاح.
(12) من خشع قلبه لا يقربه شيطان.
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 102، 103) .(5/1837)
الخشية
الخشية لغة:
الخشية مصدر خشي وهو مأخوذ من مادّة (خ ش ي) الّتي تدلّ على خوف وذعر، وقد تستعمل مجازا في معنى العلم، قال الشّاعر:
ولقد خشيت بأنّ من تبع الهدى ... سكن الجنان مع النّبيّ محمّد
وقال الرّاغب: الخشية هي خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) ، وقوله سبحانه:
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ (ق/ 33) ، أي لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه.
وقال ابن منظور: الخشية: الخوف. يقال خشي الرّجل يخشى خشية أي خاف. قال ابن برّيّ: ويقال في الخشية الخشاة، وقال الشّاعر:
كأغلب من أسود كراء ورد، ... يردّ خشاية الرّجل الظّلوم
ويقال: هذا المكان أخشى من ذلك أي أشدّ الآيات الأحاديث الآثار
37 32 20
خوفا، وخاشى: فاعل من الخشية. وخاشيت فلانا:
تاركته. وخشّاه بالأمر تخشية أي خوّفه. يقال: خشيه يخشاه خشيا وخشية وخشاة ومخشاة ومخشية وخشيانا وتخشّاه كلاهما خافه وهو خاش وخش وخشيان، والأنثى خشيا وجمعهما معا خشايا. وقوله عزّ وجلّ:
فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (الكهف: 80) قال الفرّاء: معنى (فخشينا) أي فعلمنا، وقال الزّجّاج:
فخشينا من كلام الخضر، ومعناه: كرهنا، ولا يجوز أن يكون فخشينا عن الله «1» .
واصطلاحا:
الخشية: خوف يشوبه تعظيم «2» ، وقيل هي الخوف المقرون بإجلال. وقيل: هي تألّم القلب بسبب توقّع مكروه في المستقبل يكون تارة بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته «3» .
الفرق بين الخشية والخوف:
قال الفيروز اباديّ: الخشية أخصّ من الخوف، فإنّ الخشية للعلماء بالله تعالى، فهي خوف مقرون بمعرفة، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أتقاكم الله وأشدّكم له
__________
(1) الصحاح للجوهري (6/ 2327) ، ولسان العرب لابن منظور (14/ 228، 229) ، ومقاييس اللغة لابن فارس (2/ 184) .
(2) المفردات للراغب (149) .
(3) التعريفات، للجرجاني (103) .(5/1838)
خشية» . فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون. فالخوف لعامّة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبّين، والوجل للمقرّبين، وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى» فصاحب الخوف يلتجأ إلى الهرب والإمساك، وصاحب الخشية يلتجأ إلى الاعتصام بالعلم، ومثلهما كمثل من لا علم له بالطّبّ ومثل الطّبيب الحاذق فالأوّل يلتجىء إلى الحمية والهرب، والطّبيب يلتجىء إلى معرفته بالأدوية والأدواء. وكلّ واحد إذا خفته هربت منه، إلّا الله، فإنّك إذا خفته هربت إليه فالخائف هارب من ربّه إلى ربّه «1» .
وقال الكفويّ: الخشية أشدّ من الخوف لأنّها مأخوذة من قولهم شجرة خاشية أي يابسة وهو موات بالكلّيّة، والخوف النّقص مطلقا من قولهم ناقة خوفاء أي بها داء وليس بفوات، ولذلك خصّت الخشية بالله في قوله: وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (الرعد/ 21) والخشية تكون من عظم المخشيّ وإن كان الخاشي قويّا، والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمرا يسيرا.
وأيضا فإنّ أصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خصّ بها العلماء في قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر: 28) على قراءة نصب لفظ الجلالة «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الرجاء- التقوى- الخشوع- الخوف- الرهبة- الورع- الإخبات- الإنابة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: العصيان- الغرور- الفجور- الكبر والعجب- القسوة- الغفلة- الأمن من المكر] .
__________
(1) انظر بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 544- 546) ، ودليل الفالحين لابن علان (2/ 367) .
(2) الكليات، للكفوي (2/ 302) .(5/1839)
الآيات الواردة في «الخشية»
الأمر بخشية الله:
1- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «1»
2- وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) «2»
3- طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) «3»
4- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «4»
5- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) «5»
6- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) «6»
7- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) «7»
8- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18)
وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20)
فَكَذَّبَ وَعَصى (21)
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22)
فَحَشَرَ فَنادى (23)
__________
(1) آل عمران: 172- 173 مدنية
(2) الرعد: 21 مدنية
(3) طه: 1- 3 مكية
(4) طه: 43- 44 مكية
(5) الأنبياء: 26- 28 مكية
(6) الأنبياء: 48- 49 مكية
(7) لقمان: 33 مكية(5/1840)
فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) «1»
الخشية من عذاب الله:
9- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43)
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) «2»
10- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) «3»
11- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «4»
النهي عن خشية غير الله:
12- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) «5»
13- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) «6»
14- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ
__________
(1) النازعات: 17- 26 مكية
(2) النازعات: 42- 45 مكية
(3) عبس: 1- 10 مكية
(4) الأعلى: 9- 10 مكية
(5) البقرة: 150 مدنية
(6) النساء: 77 مدنية(5/1841)
مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) «1»
15- إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) «2»
16- وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) «3»
17- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (77) «4»
18- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «5»
ثواب الذين يخشون ربهم:
19- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) «6»
20- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) «7»
__________
(1) المائدة: 3 نزلت بعرفات
(2) المائدة: 44 مدنية
(3) التوبة: 12- 13 مدنية
(4) طه: 77 مكية
(5) الأحزاب: 37- 39 مدنية
(6) التوبة: 18 مدنية
(7) المؤمنون: 57- 58 مكية(5/1842)
21- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) «1»
22- إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) «2»
23- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «3»
الخشية من الله أعلى صفات العلماء والمؤمنين:
24- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) «4»
25- اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) «5»
26- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «6»
المتعظ بالنذارة هو الذي يخشى الله:
27- وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) «7»
28- وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10)
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «8»
__________
(1) النور: 52 مدنية
(2) الملك: 12 مكية
(3) البينة: 7- 8 مكية
(4) فاطر: 27- 28 مكية
(5) الزمر: 23 مكية
(6) ق: 31- 35 مكية
(7) فاطر: 18 مكية
(8) يس: 10- 11 مكية(5/1843)
المتجرد من العقل يخشى الله:
29- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) «1»
30- لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) «2»
الخشية من عذاب الدنيا بالمتاعب
31- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) «3»
32- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «4»
33- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (24) «5»
34- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) «6»
35- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) «7»
36- وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (80) «8»
37-الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
(94) «9»
__________
(1) البقرة: 74 مدنية
(2) الحشر: 21 مدنية
(3) النساء: 9 مدنية
(4) النساء: 25 مدنية
(5) التوبة: 24 مدنية
(6) الإسراء: 31 مكية
(7) الإسراء: 100 مكية
(8) الكهف: 80 مكية
(9) طه: 94 مكية(5/1844)
الأحاديث الواردة في (الخشية)
1-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى رهطا «1» ، وسعد جالس فيهم. قال سعد: فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم من لم يعطه. وهو أعجبهم إليّ «2» فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلما» . قال: فسكتّ قليلا، ثمّ غلبني ما أعلم منه. فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلما» .
قال: فسكتّ قليلا. ثمّ غلبني ما علمت منه. فقلت:
يا رسول الله مالك عن فلان؟ فو الله إنّي لأراه مؤمنا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسلما. إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه. خشية أن يكبّ في النّار على وجهه «3» » ) * «4»
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب. فقال: يا رسول الله تدركني الصّلاة وأنا جنب. أفأصوم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا تدركني الصّلاة وأنا جنب، فأصوم» فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال: «والله إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي» ) * «5»
3-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس. ثمّ صلّى من القابلة فكثر النّاس، ثمّ اجتمعوا من اللّيلة الثّالثة أو الرّابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا أصبح، قال: «قد رأيت الّذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلّا أنّي خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان» ) * «6»
4-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت «7» فخذوها فاطحنوها، ثمّ انظروا يوما راحا «8» فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له» ) * «9»
__________
(1) رهطا: أي جماعة، وأصله الجماعة دون العشرة.
(2) وهو أعجبهم إليّ: أي أفضلهم عندي.
(3) معناه أني أعطي أناسا مؤلفة في إيمانهم، لو لم أعطهم كفروا فيكبهم الله في النار، وأترك أقواما هم أحب إلي من الذين أعطيتهم ولا أتركهم لنقص دينهم.
(4) مسلم (150) .
(5) مسلم (1110) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1129) واللفظ له، ومسلم (761)
(7) فامتحشت: أي احترقت.
(8) يوما راحا: أي شديد الريح.
(9) البخاري- الفتح 6 (3452) واللفظ له، ومسلم (2756) .(5/1845)
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوني» . فهابوه أن يسألوه.
فجاء رجل فجلس عند ركبتيه. فقال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: «لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان» . قال: صدقت. قال:
يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كلّه» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله ما الإحسان؟
قال: «أن تخشى الله كأنّك تراه. فإنّك إن لا تكن تراه فإنّه يراك» . قال: صدقت. قال: يا رسول الله: متى تقوم السّاعة؟ قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل، وسأحدّثك عن أشراطها. إذا رأيت المرأة تلد ربّها فذاك من أشراطها. وإذا رأيت الحفاة العراة الصّمّ البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها، وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها. في خمس من الغيب لا يعلمهنّ إلّا الله. ثمّ قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (سورة لقمان/ آية 34) . قال: ثمّ قام الرّجل. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ردّوه عليّ» . فالتمس فلم يجدوه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا جبريل أراد أن تعلّموا إذ لم تسألوا» ) * «1»
6-* (عن السّائب قال: صلّى بنا عمّار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة. فقال أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قام تبعه رجل من القوم هو أبيّ غير أنّه كنى عن نفسه فسأله عن الدّعاء ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغني، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «2»
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «عينان لا تمسّهما النّار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» ) * «3»
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قلّما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعو
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (50) . ومسلم (10) واللفظ له.
(2) النسائي (3/ 54، 55) وصححه الألباني- صحيح سنن النسائي (1237) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 211) : إسناده جيد.
(3) الترمذي (1639) وقال: هذا حديث حسن، وقال محقق جامع الأصول (9/ 487) : حديث صحيح بشواهده.(5/1846)
بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا» ) * «1» .
9-* (عن أمّ المؤمنين صفيّة بنت حييّ- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدّثته ثمّ قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني «2» - وكان سكنها في دار أسامة بن زيد- فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسرعا فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّها صفيّة بنت حييّ» . فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: «إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا» . أو قال: «شيئا» ) * «3» .
10-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحقر أحدكم نفسه» .
قالوا: يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟. قال:
«يرى أمرا لله عليه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه. فيقول الله- عزّ وجلّ- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟، فيقول: خشية النّاس، فيقول: فإيّاي كنت أحقّ أن تخشى» ) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله حتّى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم» ) * «5» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا خلق الله الجنّة والنّار أرسل جبريل إلى الجنّة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، قال فرجع إليه، قال فوعزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره، فقال ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال:
فرجع إليها فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد. قال اذهب إلى النّار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه، فقال:
وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفّت بالشّهوات، فقال: ارجع إليها فرجع إليها فقال: وعزّتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا
__________
(1) الترمذي (3502) وقال: هذا حديث حسن غريب والحاكم في المستدرك (1/ 528) ، وصححه ووافقه الذهبي. وحسّنه محقق «جامع الأصول» (4/ 280) .
(2) ليقلبني من الانقلاب وهو العود إلى الوطن أو الرجوع مطلقا.
(3) البخاري- الفتح 6 (3281) .
(4) ابن ماجة (4008) وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات.
(5) الترمذي (1633) واللفظ له، وقال هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 12) ، وابن ماجة (2774) .(5/1847)
دخلها» ) * «1» .
13-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس شيء أحبّ إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله. وأمّا الأثران: فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله» ) * «2» .
14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتّى يصيب الأرض من دموعه لم يعذّبه الله تعالى يوم القيامة» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الخشية) معنى
15-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى أوحى الله إليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ
قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أصحابه: يا رسول الله ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟ قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «4» .
16-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر.
كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فقال موسى: فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: «إذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «5» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: «عرضت عليّ الجنّة والنّار فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» . قال: فما أتى على أصحاب رسول
__________
(1) الترمذي (2560) ، وقال: حديث حسن صحيح، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 521) : وهو كما قال. وأبو داود (4744) .
(2) الترمذي (1669) ، وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (9/ 576) : إسناده حسن.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 260) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) . والترمذي (3115) واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح.
(5) البخاري- الفتح 8 (4846) واللفظ له، ومسلم (119) .(5/1848)
الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أشدّ منه. قال: غطّوا رؤوسهم ولهم خنين «1» .. الحديث) * «2» .
18-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر ... » الحديث وفيه: «وقال الآخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «3» قالت: يا عبد الله اتّق الله ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «4» ، فقمت عنها.
فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم ... » الحديث) * «5» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «6» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيّئة فلا تكتبوها عليه حتّى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» ) * «7» .
21-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: لقد سمعت من في رسول الله حديثا لو لم أسمعه إلّا مرّة أو مرّتين حتّى عدّ سبعا، ولكنّي سمعته أكثر من ذلك قال: كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع عن ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته، أرعدت فبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهت؟ قالت: لا.
ولكنّ هذا عمل لم أعمله قطّ، وإنّما حملني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قطّ؟ قال: ثمّ نزل: فقال اذهبي والدّنانير لك. قال: ثمّ قال: والله لا يعصي الكفل ربّه أبدا فمات من ليلته، وأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر للكفل» ) * «8» .
22-* (عن حنظلة الأسيّديّ- رضي الله عنه- قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله،
__________
(1) خنين: صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب.
(2) البخاري- الفتح 8 (4621) ، ومسلم (2359) واللفظ له.
(3) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع.
(4) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقولها بحقه: أي بنكاح لا بزنى.
(5) البخاري- الفتح 10 (5974) ، ومسلم (2743) واللفظ له
(6) البخاري- الفتح 3 (1423) ، ومسلم (1031) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 13 (7501) واللفظ له، ومسلم (129)
(8) الحاكم في المستدرك (4/ 254، 255) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(5/1849)
ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «1» الأزواج والأولاد والضّيعات «2» فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات. نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم.
ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرّات) * «3» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ آية 284) قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق. الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا:
سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. قالوا:
سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير. فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ آية 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى.
فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال:
نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (قال: نعم) البقرة/ آية 286) * «4» .
24-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب.
فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم يرى «5»
__________
(1) عافسنا: أي عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(2) الضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة.
(3) مسلم (2750) .
(4) مسلم (125) .
(5) يرى: هكذا هي موجودة في الترمذي بدون جزم مع وقوعه جواب الشرط.(5/1850)
اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الخشية)
25-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: انكسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّلاة وقام الّذين معه، فقام قياما فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ رفع رأسه وسجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وجلس فأطال الجلوس، ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وقام فصنع في الرّكعة الثّانية مثل ما صنع في الرّكعة الأولى من القيام والرّكوع والسّجود والجلوس، فجعل ينفخ في آخر سجوده من الرّكعة الثّانية ويبكي، ويقول: «لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك» . ثمّ رفع رأسه وانجلت الشّمس، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله- عزّ وجلّ- فإذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله- عزّ وجلّ- والّذي نفس محمّد بيده لقد أدنيت الجنّة منّي حتّى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها، ولقد أدنيت النّار منّي حتّى لقد جعلت أتّقيها خشية أن تغشاكم، حتّى رأيت فيها امرأة من حمير تعذّب في هرّة ربطتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتّى ماتت، فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت وإذا ولّت تنهش أليتها، وحتّى رأيت فيها صاحب السّبتيّتين «2» أخا بني الدّعداع يدفع بعصا ذات شعبتين في النّار، وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن «3» الّذي كان يسرق الحاجّ بمحجنه متّكئا على محجنه في النّار يقول أنا سارق المحجن» ) * «4» .
26-* (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا انصرف
__________
(1) الترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (4607) ، وابن ماجة (1/ (42) .
(2) السّبتيّتين مفردها سبتيّة وهي جلود البقر المدبوغة، وقيل: المدبوغة وغير المدبوغة تحذى منها النّعال وسمّيت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت ودفعه في النار لاختياله في مشيه بها.
(3) المحجن: عصا معقّفة الرّأس كالصّولجان.
(4) رواه مسلم مختصرا (910) وهو في الصحيحين من حديث عائشة وابن عباس وجابر- رضي الله عنهم-، وأبو داود (1194) ، والنسائي (3/ 137- 139) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1/ 320) حديث رقم (1401) .(5/1851)
تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال:
«أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» .
قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «1» .
27-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (إبراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه وقال: اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى. فقال الله- عزّ وجلّ-: يا جبريل اذهب إلى محمّد وربّك أعلم فسله ما يبكيك؟. فأتاه جبريل عليه الصّلاة والسّلام فسأله فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله:
يا جبريل اذهب إلى محمّد فقل إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوؤك» ) * «2» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التّمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها» ) * «3» .
29-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا.
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصليّ وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «4» .
30-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال:
«لا والله ما أخشى عليكم أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» . فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشّرّ «5» ؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة. ثمّ قال: «كيف قلت؟» . قال: قلت: يا رسول الله أيأتي الخير بالشّرّ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير «6» . أو خير هو «7» ؟ إنّ كلّ ما ينبت
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له، ومسلم (2961) .
(2) مسلم (202) .
(3) البخاري الفتح 5 (2432) واللفظ له، ومسلم (1070) .
(4) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له، ومسلم (1108) .
(5) أيأتي الخير بالشر: أي إن ما يحصل لنا في الدنيا من خير إذا كان من جهة مباحة فهل يترتب عليه شر؟.
(6) إن الخير لا يأتي الا بخير: أي إن الخير الحقيقي لا يأتي إلا بالخير.
(7) أو خير هو: أي إن هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو فتنة.(5/1852)
الرّبيع يقتل حبطا «1» أو يلمّ «2» . إلّا آكلة الخضر «3» .
أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس. ثلطت أو بالت. ثمّ اجترّت «4» . فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «5» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم الرّيح والغيم، عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر.
فإذا مطرت، سرّ به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة:
فسألته. فقال: «إنّي خشيت أن يكون عذابا سلّط على أمّتي» . ويقول: إذا رأى المطر: «رحمة» ، وفي لفظ: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا «6» ضاحكا حتّى أرى منه لهواته «7» . إنّما كان يتبسّم. قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه. فقالت: يا رسول الله أرى النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا. رجاء أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية؟. قالت فقال: «يا عائشة ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب. قد عذّب قوم بالرّيح. وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» ) * «8» .
32-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله تبارك وتعالى النّاس.
فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «9» لهم الجنّة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم؟، لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله.
قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك. إنّما كنت خليلا من وراء وراء. اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه.
فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة «10» والرّحم. فتقومان جنبتي «11» الصّراط يمينا وشمالا.
فيمرّ أوّلكم كالبرق» قال قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟ ثمّ كمرّ الرّيح. ثمّ كمرّ الطّير
__________
(1) حبطا: أي تخمة، والمعنى أن نبات الربيع وخضره يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل
(2) أويلمّ: أي قارب الاهلاك.
(3) إلا آكلة الخضر: أي إلا الماشية التي تأكل الخضر.
(4) ثلطت: ثلط البعير يثلط إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا. واجترّت: أي أخرجت الجرّة وهي ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم تبلعه.
(5) البخاري- الفتح 6 (2842) ، ومسلم (1052) واللفظ له.
(6) مستجمعا: المستجمع: المجد في الشيء، القاصد له.
(7) لهواته: اللهوات جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك.
(8) البخاري- الفتح 8 (4828، 4829) ، ومسلم (899) واللفظ له.
(9) تزلف: أي تقرب، كما قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (الشعراء/ 90) أي قربت.
(10) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكثير موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى.
(11) جنبتي الصراط: معناهما جانباه، ناحيتاه اليمنى واليسرى.(5/1853)
وشدّ الرّجال «1» تجري بهم أعمالهم «2» . ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد. حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا.
قال وفي حافّتي الصّراط «3» كلاليب معلّقة. مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس «4» في النّار» ) * «5» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الخشية)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«لا تصحب الفجّار، لتعلّم من فجورهم، واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله، وتخشّع عند القبور. وذلّ عند الطّاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الّذين يخشون الله» ) * «6» .
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها، ولا تغبط الأحياء إلّا بما تغبط الأموات، وشاور في أمرك الّذين يخشون الله عزّ وجلّ» ) * «7» .
3-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) * «8» .
4* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول في دعائه: «خائفا مستجيرا تائبا مستغفرا راغبا راهبا» ) * «9» .
5-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ليس العلم من كثرة الحديث، ولكنّ العلم من الخشية» ) * «10» .
6-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه-:
«تمام التّقوى أن يتّقي الله العبد حتّى يتّقيه من مثقال ذرّة وحتّى يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام» ) * «11» .
7-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: «إنّما أخاف أن يكون أوّل ما يسألني عنه ربّي أن
__________
(1) وشد الرجال: الشد هو العدو البالغ والجري.
(2) تجري بهم أعمالهم: هو تفسير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح» ... إلى آخره.
(3) حافتي الصراط: هما جنباه.
(4) ومكدوس: قال في النهاية: أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط.
(5) مسلم (195) .
(6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 22) .
(7) الإخوان لابن أبي الدنيا (ص 126) .
(8) البخاري- الفتح 11 (6308) واللفظ له، وشرح السنة للبغوي (14/ 374) .
(9) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 545) .
(10) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) .
(11) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) ، وأحمد في الزهد، والفتح (1/ 63) .(5/1854)
يقول: قد علمت فما عملت فيما علمت؟» ) * «1» .
8-* (قال أبو أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه-: «إنّ الرّجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتّى يأتي الله وقد حظر به «2» ، وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي الله آمنا» ) * «3» .
9-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) قال: العلماء بالله الّذين يخافونه» ) * «4» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال لابن أبي موسى الأشعريّ: «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟» ، قال: «قلت: لا» . قال: «فإنّ أبي قال لأبيك يا أبا موسى هل يسرّك إسلامنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كلّه معه برد لنا «5» وأنّ كلّ عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا «6» رأسا برأس» . فقال أبي: «لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا، وأسلم على أيدينا بشر كثير وإنّا لنرجو ذلك» ، فقال أبي: «لكنّي أنا والّذي نفس عمر بيده لوددت أنّ ذلك برد لنا وأنّ كلّ شيء عملناه بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس» . فقلت: «إنّ أباك والله خير من أبي» ) * «7» .
11-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: «لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم» ) * «8» .
12-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«عملوا لله بالطّاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا» ) * «9» .
13-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: «الإيمان من خشي الله بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما أسخط الله» ) * «10» .
14-* (عن مسروق- رحمه الله- قال:
«كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله» ) * «11» .
15-* (قال مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير:
«يا إخوتي اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنّة، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل، ربّنا
__________
(1) انظر: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص 41) .
(2) حظر به: أي منع وفي رواية أخرى أخطر به من الخطر وهو الإشراف على الهلاك، ولعلها الصواب لوجود القرينة الدالة على ذلك وهو قوله «آمنّا» .
(3) الزهد لابن المبارك (52، 53) .
(4) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) .
(5) برد لنا: أي ثبت لنا ودام.
(6) كفافا: أي سواء بسواء والمراد: لا موجبا ثوابا ولا عقابا.
(7) البخاري- الفتح 7 (3915) .
(8) الزهد لابن المبارك (ص 51) .
(9) بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 545) .
(10) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) .
(11) المرجع السابق (7/ 20) .(5/1855)
أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل، نقول، قد عملنا فلم ينفعنا» ) * «1» .
16-* (عن ابن أبي مليكة قال: «مرّ رجل على عبد الله بن عمرو. وهو ساجد في الحجر وهو يبكي، فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله، وهذا القمر يبكي من خشية الله؟ قال: ونظر إلى القمر حين شفّ أن يغيب» ) * «2» .
17-* (قال مالك بن أنس- رحمه الله-:
«حقّ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية. والعلم حسن لمن رزق خيره» ) * «3» .
18-* (قال سريّ السّقطيّ: «للخائف عشر مقامات منها الحزن الّلازم، والهمّ الغالب، والخشية المقلقة، وكثرة البكاء، والتّضرّع في اللّيل والنّهار، والهرب من مواطن الرّاحة، ووجل القلب» ) * «4» .
19-* (عن العبّاس العمّيّ- رحمه الله- قال: «بلغني أنّ داود عليه السّلام قال: سبحانك تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السّماوات والأرض، فأقرب خلقك إليك أشدّهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك؟» ) * «5» .
20-* (عن صالح أبي الخليل- رحمه الله- قال: «أعلم النّاس بالله أشدّهم له خشية» ) * «6» .
من فوائد (الخشية)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) الأمن من الفزع الأكبر.
(3) تثمر محبّة الله وطاعته.
(4) سبب سعادة العبد في الدّنيا والآخرة.
(5) دليل هداية القلب.
(6) البعد عن الوقوع في المعاصي والذّنوب.
__________
(1) انظر: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص 59)
(2) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 251) .
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم (6/ 320) .
(4) المرجع السابق (10/ 118) .
(5) الدر المنثور للسيوطي (7/ 21) ، والكتاب المصنف لابن أبي شيبة (7/ 67) .
(6) الدر المنثور للسيوطي (7/ 20) .(5/1856)
خفض الصوت
الخفض لغة:
يطلق الخفض على معان متعدّدة، معظمها متقارب، فالخفض ضدّ الرّفع، تقول: خفضه يخفضه خفضا، فانخفض واختفض، ومن ذلك قوله تعالى خافِضَةٌ رافِعَةٌ (الواقعة/ 3) أي ترفع قوما إلى الجنّة، وتخفض قوما إلى النّار، أو تخفض أهل المعاصي، وترفع أهل الطّاعة، أو تخفض قوما فتحطّهم عن مراتب آخرين ترفعهم إليها «1» .
والخفض الدّعة، يقال: عيش خافض، وهم في خفض من العيش «2» ، وعيش خفض، أي في دعة وخصب «3» ومن ذلك ما أنشده الصّاغانيّ:
لا يمنعنّك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكلّ بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران
والخفض: السّير اللّيّن، ضدّ الرّفع، يقال: بيني الآيات الأحاديث الآثار
5 10 15
وبينك ليلة خافضة أي هيّنة السّير «4» والخفض: غضّ الصّوت، يقال خفّض عليك القول «5» وقد جعل الزّبيديّ هذا المعنى من المجاز فقال: ومن المجاز، الخفض: غضّ الصّوت ولينه وسهولته، وصوت خفيض ضدّ رفيع «6» ويطلق الخفض أيضا على لين الجانب والتّواضع كقوله تعالى وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء/ 24) أي تواضع لهما، ولا تتعزّز عليهما، ومنه خفّض الأمر أي هوّنه وخفّض رأس البعير أي مدّه إلى الأرض لتركبه، وخفض العدل: ظهور الجور عليه إذا فسد النّاس «7» ، والخفض: العيش الطّيّب وعيش خفض وخافض ومخفوض وخفيض خصيب في دعة «8» .
الصوت لغة:
تدور هذه المادّة حول الشّيء المسموع، يقول ابن فارس: (الصّاد والواو والتّاء) أصل صحيح وهو الصّوت، وهو جنس لكلّ ما وقر في أذن السّامع،
__________
(1) ينظر اللسان (خفض) ، والتاج (10/ 48) وقارن بالمحيط في اللغة (4/ 237) ، والقاموس المحيط (2/ 341) ، والكليات للكفوي (2/ 311) .
(2) الصحاح (3/ 1074)
(3) المحيط في اللغة (4/ 237) .
(4) التاج (10/ 47) ، وقارن بالصحاح (3/ 1074) .
(5) الصحاح (3/ 1074) ، واللسان (خفض) .
(6) التاج (10/ 48- 71) .
(7) ينظر التاج السابق.
(8) اللسان (خفض) .(5/1857)
يقال: هذا صوت زيد، ورجل صيّت، إذا كان شديد الصّوت، وصائت إذا صاح «1» .
ويقول ابن منظور: الصّوت: الجرس، معروف مذكّر ... وقد صات يصوت ويصات صوتا وأصات، وصوّت به كلّه نادى. ويقال: صوّت يصوّت تصويتا، فهو مصوّت، وذلك إذا صوّت بإنسان فدعاه ... وفي الحديث: (كان العبّاس رجلا صيّتا) : أي شديد الصّوت عاليه، يقال: هو صيّت وصائت «2» .
خفض الصوت اصطلاحا:
ألّا يرفع الإنسان صوته عن القدر المعتاد خاصّة في حضور من هو أعلى منه مكانة «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأدب- حسن الخلق- حسن المعاملة- الضراعة والتضرع- الصمت وحفظ اللسان- حسن العشرة- الرفق- الشفقة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: البذاءة- الجفاء- سوء المعاملة- سوء الخلق- السفاهة] .
__________
(1) المقاييس (3/ 318، 319) .
(2) اللسان صوت، وانظر التاج (3/ 89) .
(3) لم تذكر كتب المصطلحات تعريفا محددا لهذه الصفة وقد استنبطنا ذلك مما ذكره المفسرون عند قول الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (16/ 303) وما بعدها.(5/1858)
الآيات الواردة في «خفض الصوت»
1- يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً (108) «1»
2- وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) «3»
الآيات الواردة في «خفض الصوت» معنى
4- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103) «4»
5- فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23)
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) «5»
__________
(1) طه: 108 مكية
(2) لقمان: 13- 19 مكية
(3) الحجرات: 1- 4 مدنية
(4) طه: 102- 103 مكية
(5) القلم: 21- 24 مكية(5/1859)
الأحاديث الواردة في (خفض الصوت)
1-* (عن زرّ بن حبيش قال: أتيت صفوان ابن عسّال المراديّ فقال: ما جاء بك؟ فقلت: ابتغاء العلم قال: فإنّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب. قلت: حكّ في نفسي مسح على الخفّين أو في صدري- بعد الغائط والبول، وكنت امراء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيتك أسألك هل سمعت منه في ذلك شيئا؟ قال: نعم كان يأمرنا إذا كنّا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيّام ولياليهنّ إلّا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم. قال: قلت له: هل سمعته يذكر الهوى؟ قال: نعم، بينما نحن معه في مسيره إذ ناداه أعرابيّ بصوت جهوريّ فقال: يا محمّد، فقلنا: ويحك اغضض من صوتك فإنّك قد نهيت عن ذلك. فقال: والله لا أغضض من صوتي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هاء» «1» ، وأجابه على نحو من مسألته- أو نحوا ممّا تكلّم به- فقال: أرأيت رجلا أحبّ قوما ولمّا يلحق بهم؟ قال: «هو مع من أحبّ» قال: ثمّ لم يزل يحدّثنا حتّى قال: «إنّ من قبل المغرب لبابا مسيرة عرضه سبعون أو أربعون عاما فتحه الله- عزّ وجلّ- للتّوبة يوم خلق السّماوات والأرض ولا يغلقه حتّى تطلع الشّمس منه» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (خفض الصوت) معنى
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) . قال في التّوراة: «يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا «3» للأمّيّين «4» ، أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل «5» ، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «6» بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «7» .
3-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟
فقال: شرّ، كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال: كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة
__________
(1) هكذا في أحمد، وفي روايات أخرى: «هاؤم» .
(2) أحمد (4/ 240) واللفظ له، والترمذي (3536) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/ 83، 93) .
(3) حرزا: عصمة.
(4) الأميين: العرب.
(5) المتوكل: من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم سمي به لقناعته باليسير والصبر على ما كان يكره، قاله ابن حجر في الفتح (8/ 450) .
(6) سخاب وصخاب: عالي الصوت.
(7) البخاري- الفتح 8 (4838) .(5/1860)
ببشارة عظيمة، فقال: «اذهب إليه فقل له إنّك لست من أهل النّار ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «1» .
4-* (قال ابن أبي مليكة- رحمه الله تعالى-:
كاد الخيّران أن يهلكا- أبو بكر وعمر- لمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التّميميّ الحنظليّ أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنّما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إلى قوله عَظِيمٌ (الحجرات: 2- 3) ، قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزّبير: فكان عمر بعد- ولم يذكر عن أبيه يعني أبا بكر- إذا حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحديث حدّثه كأخي السّرار لم يسمعه حتّى يستفهمه) * «2» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السّتر وقال: «ألا إنّ كلّكم مناج ربّه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في الصّلاة» ) * «3» .
6-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فكنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: «اربعوا «4» على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا» ، ثمّ أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، فقال لي: «يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوّة إلّا بالله فإنّها كنز من كنوز الجنّة» أو قال: «ألا أدلّك به» ) * «5» .
7-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
لمّا نزل قوله تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ تألّى أبو بكر أن لا يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا كأخي السّرار، فأنزل الله في أبي بكر إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ» ) * «6» .
8-* (عن ابن عسّال- أنّ رجلا من أهل البادية أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يناديه بصوت له جهوريّ: يا محمّد، يا محمّد، فقلنا: «ويحك اخفض من صوتك، فإنّك قد نهيت عن هذا، قال: لا والله حتّى أسمعه، فقال النّبيّ «هاؤم» ، قال: أرأيت رجلا يحبّ قوما ولمّا يلحق بهم، قال: «المرء مع من أحبّ» ) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4846) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7302) . وقوله «كأخي السرار» أي كالمناجي سرّا.
(3) أبو داود 1332) واللفظ له، والموطأ (81) ، وذكره جامع الأصول (5/ 356) ، وقال محققه: حديث صحيح.
(4) اربعوا: ارفقوا.
(5) البخاري- الفتح 13 (7386) واللفظ له، مسلم (2704) .
(6) ذكره في زاد المسير (7/ 457) ، وجاء في حاشية تحقيقه: ذكره الواحدي في أسباب النزول (288) واللفظ فيه، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: أخرجه البزار وابن مردويه عن أبي بكر وأخرجه الحاكم والبيهقي في المدخل من حديث أبي هريرة وقال: صحيح على شرط مسلم. انظر المستدرك (2/ 462) بلفظ قريب.
(7) الدر المنثور (7/ 551) ، وقال: أخرجه الترمذي وابن حبان وابن مردوية. ورواية الترمذي بدون القصة (2388) وقال: حديث صحيح. وقال محقق جامع الأصول (6/ 458) : إسناده صحيح.(5/1861)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (خفض الصوت)
9-* (عن المقداد- رضي الله عنه- أنّه قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «1» فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فليس أحد منهم يقبلنا «2» . فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه.
قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما.
ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقلت: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة «3» .
فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني «4» وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان. فقال:
ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم. وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم.
ثمّ أتى المسجد فصلّى. ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك.. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني. وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ.
وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هي حافلة «5» . وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب
ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك. من أصابها من النّاس) * «6» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
__________
(1) الجهد: بفتح الجيم، هو الجوع والمشقة.
(2) فليس أحد منهم يقبلنا: هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به.
(3) ما به حاجة إلى هذه الجرعة: هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره، والفعل منه جرعت.
(4) وغلت في بطني: أي دخلت وتمكنت منه.
(5) حافلة: من الحفل وهو الاجتماع أي كثيرة اللبن.
(6) مسلم (2055) .(5/1862)
ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلنا: بلى، قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلّا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج، ثمّ أجافه «1» رويدا فجعلت درعي في رأسي، واختمرت «2» وتقنّعت إزاري، ثمّ انطلقت على إثره، حتّى جاء البقيع، فقام، فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات، ثمّ انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت «3» ، فسبقته فدخلت، فليس إلّا أن اضطجعت فدخل، فقال: «مالك؟ يا عائش! حشيا رابية! «4» » قالت: قلت لا شيء. قال:
«لتخبربني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» ، قالت: قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، فأخبرته. قال: «فأنت السّواد الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم، فلهدني «5» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله. نعم، ثمّ قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت،
فناداني، فأخفاه منك فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم؟ يا رسول الله!.
قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (خفض الصوت)
1-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخّابا ولا صيّاحا ولا حديدا «7» ) * «8» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها (الإسراء/ 110) قالت: «أنزل ذلك في الدّعاء» ) * «9» .
__________
(1) أجافه: أغلقه.
(2) اختمرت: لبست خماري.
(3) فأحضر فأحضرت: الإحضار: العدو، أي فعدا فعدوت فهو فوق الهرولة.
(4) حشيا رابية: أي قد وقع عليها الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره.
(5) لهدني: ضربني.
(6) مسلم (974)
(7) الحديد يعني الشديد الغليظ.
(8) الفوائد (144) .
(9) البخاري- الفتح 8 (4723) .(5/1863)
3-* (عن السّائب بن يزيد- رضي الله عنه- قال: كنت قائما في المسجد فحصبني «1» رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطّاب فقال: «اذهب فأتني بهذين» ، فجئته بهما، قال: «من أنتما- أو من أين أنتما؟» . قالا: من أهل الطّائف. قال: «لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
4-* (قال بعض الصّحابة في معنى قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (الإسراء/ 110) : «أي لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتعيّر بها» ) * «3» .
5-* (قال ابن زيد- رحمه الله-: «لو كان رفع الصّوت خيرا ما جعله الله للحمير» ) * «4» .
6-* (قال ابن قتيبة- رحمه الله تعالى-:
«عرّف لقمان ابنه قبح رفع الصّوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير» ) * «5» .
7-* (قال المبرّد- رحمه الله تعالى-: «إنّ الجهر بالصّوت ليس بمحمود وإنّه داخل في باب الصّوت المنكر» ) * «6» .
8-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند تفسير قوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (لقمان/ 19) : «أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه» ، ولهذا قال: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، وقال مجاهد إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ: «أي غاية من رفع صوته أنّه يشبّه بالحمير في علوّه ورفعه، ومع هذا فهو بغيض إلى الله، والتّشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمّه غاية الذّمّ» ) * «7» .
9-* (عن مجاهد في قوله وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ (الحجرات/ 2) الآية، قال: «لا تنادوه نداء، ولكن قولوا قولا ليّنا يا رسول الله» ) * «8» .
10-* (قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (الإسراء/ 110) قال: «أهل الكتاب يخافتون، ثمّ يجهر أحدهم بالحرف، فيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يخافت كما يخافت القوم، ثمّ كان السّبيل الّذي بين ذلك الّذي سنّ له جبريل من الصّلاة» ) * «9» .
11-* (عن محمّد بن سيرين قال: «نبّئت أنّ أبا بكر كان إذا صلّى فقرأ خفض صوته، وأنّ عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربّي- عزّ وجلّ- وقد علم حاجتي، فقيل أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشّيطان وأوقظ الوسنان. قيل: أحسنت. فلمّا نزلت
__________
(1) حصبنى: أي رماني بالحصباء.
(2) البخاري- الفتح 1 (470) .
(3) فتح الباري (8/ 258) .
(4) زاد المسير (6/ 323) .
(5) المرجع السابق (6/ 323) .
(6) المرجع السابق (6/ 323) .
(7) التفسير (3/ 446) .
(8) الدر المنثور (7/ 548) .
(9) تفسير ابن كثير (3/ 69) .(5/1864)
وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ... قيل لأبي بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا) * «1» .
12-* (قال ابن جرير في قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأعراف/ 55) : تضرّعا تذلّلا واستكانة لطاعته. وخفية يقول: بخشوع قلوبكم، وصحّة اليقين بوحدانيّة وربوبيّته فيما بينكم وبينه لا جهارا مراءاة) * «2» .
13-* (عن الحسن قال: إن كان الرّجل لقد جمع القرآن وما يشعر به النّاس، وإن كان الرّجل لقد فقه الكثير وما يشعر به النّاس، وإن كان الرّجل ليصلّي الصّلاة الطّويلة في بيته وعنده الزّور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السّرّ فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدّعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلّا همسا بينهم وبين ربّهم وذلك أنّ الله تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وذلك أنّ الله ذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (مريم/ 3)) * «3» .
14-* (قال ابن جريج: «يكره رفع الصّوت والنّداء والصّياح في الدّعاء، ويؤمر بالتّضرّع والاستكانة» ) * «4» .
15-* (قال قتادة في قوله تعالى إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (مريم/ 3) : «إنّ الله يعلم القلب التّقيّ ويسمع الصّوت الخفيّ) * «5» .
من فوائد (خفض الصوت)
(1) دليل حسن الأدب واللّطف في الطّلب.
(2) التّشبّه بأشرف المرسلين وسيّد الخلق أجمعين.
(3) دليل توقير المسلم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
(4) باب من أبواب قبول الدّعاء.
(5) علامة إخلاص الدّين لله.
(6) فيه محافظة على شعور المسلمين بعدم إيذائهم برفع الصّوت لا سيّما إن كانوا من الضّيفان.
(7) خفض الصّوت في المسجد دليل السّكينة، وهو للمؤمن زينة، وفيه توقير للبيت وربّه.
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/ 69) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (2/ 221) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق (3/ 110) .(5/1865)
الخوف
الخوف لغة:
تدلّ مادّة (خ وف) على الذّعر والفزع، يقول ابن فارس: الخاء والواو والفاء أصل واحد يدلّ على الذّعر والفزع، يقال خفت الشّيء خوفا وخيفة «1» .
وخاف الرّجل يخاف خوفا وخيفة ومخافة فهو خائف ... والأمر منه خف بفتح الخاء ... وخاوفه فخافه يخوفه: غلبه في الخوف، أي كان أشدّ خوفا منه.
والإخافة التّخويف. يقال: وجع مخيف أي يخيف من رآه «2» .
والتّخويف والإخافة والتّخوّف: الفزع، وقوله:
أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت ... به الخوف والأعداء أم أنت زائره؟
إنّما أراد بالخوف المخافة فأنّث لذلك.
وتخوّفت عليه الشّيء أي خفت، وتخوّفه كخافه، وأخافه إيّاه إخافة وإخافا (عن اللّحيانيّ) وخوّفه «3» .
وخوّف الرّجل: جعل النّاس يخافونه، وفي الآيات الأحاديث الآثار 60 60 52
التّنزيل العزيز إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ «4» «أي يجعلكم تخافون أولياءه، وقال ثعلب: معناه:
يخوّفكم بأوليائه. والخيفة: المخافة، وفي التّنزيل:
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً «5» .
والخيفة: الخوف، والجمع خيف، وأصله الواو، قال صخر الغيّ الهذليّ:
فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجدا وخيفا
«6» .
والمخاف والمخيف: موضع الخوف ... وطريق مخوف ومخيف: تخافه النّاس ووجع مخوف ومخيف:
يخيف من رآه ... وحائط مخوف، إذا كان يخشى أن يقع هو ... وثغر متخوّف ومخيف: يخاف منه، وقيل إذا كان الخوف يجيء من قبله «7» ، وقد أطلق الخوف على عدّة معان منها: القتل، والقتال، والعلم، وأديم أحمر يعدّ منه أمثال السّيور ثمّ يجعل على تلك السّيور شذر تلبسه الجارية، ويطلق على الفزع كما سبق «8» .
ويقال: تخوّفناهم أي تنقّصناهم تنّقصا اقتضاه
__________
(1) المقاييس (2/ 230) .
(2) الصحاح (4/ 1358، 1359) .
(3) اللسان «خوف» (9/ 99) ط. بيروت.
(4) آل عمران/ 175 مدنية.
(5) اللسان «خوف» ، وانظر سورة الأعراف/ 205 مكية.
(6) الصحاح (4/ 1359) .
(7) اللسان «خوف» (9/ 100) ط. بيروت.
(8) اللسان «خوف» (9/ 100) ، وانظر القاموس (3/ 139) «خوف» .(5/1866)
الخوف منه ... والتّخوّف ظهور الخوف من الإنسان، قال أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ (النحل/ 47) . والخيفة الحالة الّتي عليها الإنسان من الخوف، قال تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (طه/ 6) ، والتّخويف من الله تعالى هو الحثّ على التّحرّز، وعلى ذلك قوله- تعالى-: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ (الزمر/ 16) والخوف من الله لا يراد به ما يخطر بالبال من الرّعب كاستشعار الخوف من الأسد؛ بل إنّما يراد به الكفّ عن المعاصي واختيار الطّاعات، ولذلك قيل: لا يعدّ خائفا من لم يكن للذّنوب تاركا «1» . ومن ذلك قول عمر- رضي الله عنه-: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» «2» .
واصطلاحا:
عرّفه العلماء عدّة تعريفات تبعا لاختلاف نظرة كلّ منهم، فيقول الرّاغب: الخوف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة. ويضادّه الأمن، ويستعمل ذلك في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة «3» .
ويقول الجرجانيّ: الخوف توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب «4» . وقيل: اضطراب القلب وحركته من تذكّر المخوف، وقيل: فزع القلب من مكروه يناله أو من محبوب يفوته «5» .
منزلة الخوف:
قال ابن رجب الحنبليّ- رحمه الله-: إنّ الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلّة الدّالّة على عظمته وكبريائه ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدّة عذابه ودار عقابه الّتي أعدّها لمن عصاه ليتّقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرّر سبحانه وتعالى- في كتابه ذكر النّار وما أعدّه فيها لأعدائه من العذاب والنّكال، وما احتوت عليه من الزّقّوم والضّريع والحميم والسّلاسل والأغلال، إلى غير ذلك ممّا فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبّه ويرضاه، واجتناب ما ينهى عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمّل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السّنّة الصّحيحة الّتي هي مفسّرة ومبيّنة لمعاني الكتاب، وكذلك سير السّلف الصّالح أهل العلم والإيمان من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، من تأمّلها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأنّ ذلك هو الّذي رقّاهم إلى تلك الأحوال الشّريفة والمقامات السّنيّات، من شدّة الاجتهاد في الطّاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات فضلا عن المحرّمات «6» .
وقال- رحمه الله-: القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك، بحيث صار باعثا للنّفوس على التّشمير في نوافل الطّاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتّبسّط في فضول المباحات، كان ذلك فضلا محمودا، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضا أو موتا، أو همّا لازما، بحيث يقطع عن السّعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله- عزّ وجلّ- لم يكن محمودا «7» .
__________
(1) المفردات للراغب (161، 162) ببعض تصرف.
(2) اللسان «خوف» (9/ 100) .
(3) المفردات (161) .
(4) التعريفات (101) .
(5) دليل الفالحين لابن علان (2/ 285) .
(6) التخويف من النار لابن رجب (6، 7) .
(7) التخويف من النار لابن رجب (21) .(5/1867)
وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: إنّ الخوف من المقامات العليّة، وهو من لوازم الإيمان.
قال تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 175) ، وقال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (المائدة/ 44) ، وقال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ 28) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلمكم بالله وأشدّكم له خشية» . وكلّما كان العبد أقرب إلى ربّه كان أشدّ له خشية ممّن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (النحل/ 50) ، والأنبياء بقوله: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ (الأحزاب/ 39) . وإنّما كان خوف المقرّبين أشدّ؛ لأنّهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، ولأنّ الواجب لله منه الشّكر على المنزلة فيضاعف بالنّسبة لعلوّ تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة لقوله- تعالى-: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (الأنفال/ 24) أو نقصان الدّرجة بالنّسبة، وإن كان مائلا فخوفه من سوء فعله. وينفعه ذلك مع النّدم والإقلاع؛ فإنّ الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتّصديق بالوعيد عليها، وأن يحرم التّوبة، أو لا يكون ممّن شاء الله أن يغفر له، فهو مشفق من ذنبه طالب من ربّه أن يدخله فيمن يغفر له «1» .
من معاني كلمة الخوف في القرآن الكريم:
قال الفيروزاباديّ: وقد ورد الخوف في القرآن الكريم على وجوه منها:
الأوّل: بمعنى القتل والهزيمة: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ (النساء/ 83) ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ (البقرة/ 155) ، أي القتل.
الثّاني: بمعنى الحرب والقتال: فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ (الأحزاب/ 19) ، أي إذا انجلى الحرب، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (الأحزاب/ 19) ، أي الحرب.
الثّالث: بمعنى العلم والدّراية: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً (البقرة/ 182) ، أي علم، إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ (البقرة/ 229) ، أي يعلما، وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء/ 3) ، أي علمتم.
الرّابع: بمعنى النّقص: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ (النحل/ 47) ، أي تنقّص.
الخامس: بمعنى الرّعب والخشية من العذاب والعقوبة: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة/ 16) «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإنابة- الخشوع- الخشية- الرجاء- الرهبة- الإخبات- القنوت- الورع- البكاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر الفجور- العصيان- الغفلة- الكبر والعجب- الإصرار على الذنب] .
__________
(1) البخاري- الفتح 11/ 313) .
(2) بصائر ذوي التمييز لليفروزابادي (2/ 578، 579) .(5/1868)
الآيات الواردة في «الخوف»
الخوف من الله تعالى:
1- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) «2»
3- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (48) «3»
4- وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) «4»
5- كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) «5»
الخوف من العذاب:
6- قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «6»
7- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) «7»
__________
(1) المائدة: 27- 28 مدنية
(2) المائدة: 94 مدنية
(3) الأنفال: 46- 48 مدنية
(4) النحل: 49- 51 مكية
(5) الحشر: 16 مدنية
(6) الأنعام: 14- 15 مكية
(7) الأعراف: 59 مكية(5/1869)
8- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) «1»
9- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) «2»
10- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) «3»
11- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) «4»
12- وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) «5»
13- أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) «6»
14- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) «7»
15- يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) «8»
16- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) «9»
__________
(1) يونس: 15 مكية
(2) هود: 1- 3 مكية
(3) هود: 25- 26 مكية
(4) هود: 84 مكية
(5) هود: 102- 103 مكية
(6) الرعد: 19- 21 مدنية
(7) الإسراء: 57- 58 مكية
(8) مريم: 44- 45 مكية
(9) الشعراء: 131- 135 مكية(5/1870)
17- قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) «1»
18- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) «2»
19- قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «3»
الخوف بوجه عام دون ذكر المخوف منه:
20- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) «4»
21- وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «5»
22- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «6»
23- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «7»
24- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «8»
__________
(1) الزمر: 13- 16 مكية
(2) الأحقاف: 21 مكية
(3) الذاريات: 31- 37 مكية
(4) المائدة: 22- 23 مدنية
(5) الأنعام: 51 مكية
(6) الأعراف: 55- 56 مكية
(7) الرعد: 12- 13 مدنية
(8) الروم: 24 مكية(5/1871)
25- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) «1»
الخوف من مقام الله ووعيده أو الخوف من يوم القيامة:
26- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) «2»
27- وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «3»
28- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) «4»
29- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30)
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) «5»
30- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «6»
31- وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47) «7»
32- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) «8»
33- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) «9»
34- وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «10»
__________
(1) السجدة: 15- 16 مكية
(2) إبراهيم: 13- 14 مكية
(3) الإسراء: 59 مكية
(4) النور: 36- 37 مدنية
(5) غافر: 30- 32 مكية
(6) ق: 43- 45 مكية
(7) الرحمن: 46- 47 مكية
(8) الإنسان: 5- 8 مدنية
(9) الإنسان: 9- 10 مدنية
(10) النازعات: 40- 41 مكية(5/1872)
الخوف من شيء في الحياة الدنيا:
35- وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) «1»
36- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) «2»
37- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) «3»
38- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «4»
39- وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «5»
40- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) «6»
41- وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101) «7»
42- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ
__________
(1) البقرة: 155 مدنية
(2) البقرة: 182 مدنية
(3) البقرة: 229 مدنية
(4) البقرة: 238- 239 مدنية
(5) النساء: 2- 3 مدنية
(6) النساء: 34- 35 مدنية
(7) النساء: 101 مدنية(5/1873)
خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) «1»
43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «2»
44- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «3»
45- وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) «4»
46- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) «5»
47- قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) «6»
48- وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) «7»
49- وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) «8»
__________
(1) النساء: 128 مدنية
(2) المائدة: 106- 108 مدنية
(3) الأنفال: 26 مدنية
(4) الأنفال: 58 مدنية
(5) هود: 69- 70 مكية
(6) يوسف: 13 مكية
(7) مريم: 5 مكية
(8) طه: 17- 21 مكية(5/1874)
50- قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) «1»
51- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) «2»
52- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) «3»
53- وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (17) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (19) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) «4»
54- وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) «5»
55- وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) «6»
56- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) «7»
__________
(1) طه: 45- 46 مكية
(2) طه: 65- 67 مكية
(3) النور: 55 مدنية
(4) الشعراء: 10- 21 مكية
(5) النمل: 10 مكية
(6) القصص: 7 مكية
(7) القصص: 17- 18 مكية(5/1875)
57- وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) «1»
58- اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) «2»
59- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «3»
60- لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1)
إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) «4»
__________
(1) القصص: 20- 21 مكية
(2) القصص: 32- 34 مكية
(3) الذاريات: 24- 28 مكية
(4) قريش: 1- 4 مكية(5/1876)
الأحاديث الواردة في (الخوف)
1-* (عن بشير بن الخصاصية- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبايعه، قال: فاشترط عليّ: «شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصّلاة، وأن أؤدّي الزّكاة، وأن أحجّ حجّة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله» . فقلت: يا رسول الله أمّا اثنتان فو الله ما أطيقهما: الجهاد والصّدقة، فإنّهم زعموا أنّه من ولّى الدّبر «1» فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي «2» ، وكرهت الموت، والصّدقة فو الله مالي إلّا غنيمة وعشر ذود «3» هنّ رسل أهلي وحمولتهم، قال: فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده ثمّ حرّك يده، ثمّ قال: «فلا جهاد ولا صدقة، فلم تدخل الجنّة إذا؟» قال: قلت: يا رسول الله، أنا أبايعك. قال:
فبايعت عليهنّ كلّهنّ) * «4» .
2-* (عن أبي محجن- رضي الله عنه- مرفوعا قال: «أخاف على أمّتي من بعدي ثلاثا: حيف الأئمّة، وإيمانا بالنّجوم، وتكذيبا بالقدر» ) «5»
3-* (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال: «أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» . قالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «6» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي عمل قوم لوط» ) * «7» .
5-* (عن محمود بن لبيد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر» ، قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟. قال: «الرّياء، يقول الله- عزّ وجلّ- إذا جزى النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا
__________
(1) ولى الدبر: أي فرّ هاربا من المعركة.
(2) جشعت نفسي: أي فزعت، وقيل: الجشع هو أسوأ الحرص.
(3) الذود:- بفتح الذال- القطيع من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: إلى عشرين.
(4) مسند أحمد (5/ 224) واللفظ له. والحاكم (2/ 79- 80) وصححه وأقره الذهبي.
(5) رواه ابن عساكر، وحسنه السيوطي، وقال المناوي في فيض القدير (1: 240) : حسن لغيره. وانظر: تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ص 450) ، والنهج السديد في تخريجه (ص 164) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، حديث رقم (214) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6425) واللفظ له، ومسلم (2961) .
(7) ابن ماجة (2563) ، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (2077) .(5/1877)
فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» ) * «1» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال:
فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟. قال: تقول: يسبّحونك، ويكبّرونك، ويحمدونك، ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟
قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟. قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال: يقول: فما يسألوني؟. قال: يقولون: يسألونك الجنّة. قال يقول:
وهل رأوها؟. قال يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها.
قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟. قال يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون:
من النّار. قال: يقول: وهل رأوها؟. قال: فيقولون:
لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟.
قال يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم.
قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم) » ) * «2» .
7-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله زوى لي الأرض» أو قال:
«إنّ ربّي زوى «3» لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض «4» ، وإنّي سألت ربّي لأمّتي أن لا يهلكها بسنة بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم «5» وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد، إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة «6» ، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين. لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله» ) * «7» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله
__________
(1) الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 68، 69) وقال: رواه أحمد بإسناد جيد. والبغوي في شرح السنة (14/ 324) وقال محققه: إسناده قوي.
(2) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. ومسلم (2689) .
(3) زوى: أي جمع.
(4) الكنزين الأحمر والأبيض: الذهب والفضة. والمراد كنز كسرى وقيصر.
(5) فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم.
(6) أن لا أهلكهم بسنة بعامة: أي لا أهلكهم بقحط يعمهم.
(7) مسلم (2889) . وأبو داود (4252) واللفظ له. والترمذي (2176) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(5/1878)
عنه- قال: جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر. وجلسنا حوله. فقال: «إنّ ممّا أخاف عليكم بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها» . فقال رجل: أو يأتي الخير بالشّرّ يا رسول الله؟. قال: فسكت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقيل له: ما شأنك تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يكلّمك؟. قال: ورأينا أنّه ينزل عليه. فأفاق يمسح عنه الرّحضاء «1» . وقال: «إنّ هذا السّائل «2» » (وكأنّه حمده) فقال: «إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ. وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلّا آكلة الخضر، فإنّها أكلت، حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت وبالت. ثمّ رتعت. وإن هذا المال خضر حلو. ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل (أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) وإنّه من يأخذه بغير حقّه كان كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة» ) * «3» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال. فقال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدّجّال؟» قال: قلنا: بلى.
فقال: «الشّرك الخفيّ: أن يقوم الرّجل يصلّي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل» ) * «4» .
10-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: خسفت الشّمس في زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقام فزعا يخشى أن تكون السّاعة حتّى أتى المسجد، فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود. ما رأيته يفعله في صلاة قطّ. ثمّ قال: «إنّ هذه الآيات الّتي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكنّ الله يرسلها يخوّف بها عباده. فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» ) * «5» .
11-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت، فقال: «كيف تجدك؟» . قال والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه ممّا يخاف» ) * «6» .
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه الله مالا وولدا، يعني أعطاه. قال فلمّا حضر قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب.
قال: فإنّه لم يبتئر عند الله خيرا (فسّرها قتادة: لم
__________
(1) الرحضاء: أي العرق، من الشدة.
(2) إن هذا السائل: أي أين هذا السائل؟ والمعنى إن هذا السائل الممدوح الفطن ولهذا قال: وكأنه حمده.
(3) البخاري- الفتح 11 (6427) ، ومسلم (1052) واللفظ له.
(4) ابن ماجة (4204) وفي الزوائد: إسناده حسن. وحسنه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (2/ 410) برقم (3389) .
(5) البخاري- الفتح 2 (1059) . ومسلم (912) واللفظ له.
(6) الترمذي (983) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة (4261) وقال النووي: إسناده حسن. وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) .(5/1879)
يدّخر) . وإن يقدم على الله يعذّبه. فانظروا فإذا متّ فأحرقوني حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني- أو قال فاسهكوني- ثمّ إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال الله:
كن. فإذا رجل قائم. ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك. فما تلافاه أن رحمه الله «1» » ) * «2» .
13-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ «3» . قالت عائشة: أهم الّذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال:
«لا يا بنت الصّدّيق. ولكنّهم الّذين يصومون، ويصلّون، ويتصدّقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم، أولئك الّذين يسارعون في الخيرات» ) * «4» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عدل. وشابّ نشأ في عبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال. فقال: إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه» ) * «5» .
15-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
سرنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة، فقال بعض القوم: لو عرّست «6» بنا يا رسول الله. قال: «أخاف أن تناموا عن الصّلاة» . قال بلال: أنا أوقظكم. فاضطجعوا.
وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام.
فاستيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد طلع حاجب الشّمس، فقال: «يا بلال، أين ما قلت؟» . قال: ما ألقيت عليّ نومة مثلها قطّ. قال: «إنّ الله قبض أرواحكم حين شاء، وردّها عليكم حين شاء. يا بلال قم فأذّن بالنّاس بالصّلاة» . فتوضّأ، فلمّا ارتفعت الشّمس وابياضّت قام فصلّى) * «7» .
16-* (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله حدّثني بأمر أعتصم به. قال: «قل ربّي الله، ثمّ استقم» . قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: «هذا» ) * «8» .
17-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أحصوا لي كم يلفظ الإسلام «9» » . قال، فقلنا: يا رسول الله، أتخاف علينا ونحن ما بين السّتّمائة إلى السّبعمائة؟. قال «إنّكم لا
__________
(1) فما تلافاه: أي تداركه، و «ما» موصولة أي الذي تلافاه هو الرحمة: أو نافية وصيغة الاستثناء محذوفة.
(2) البخاري- الفتح 11 (6481) واللفظ له. ومسلم (2757) .
(3) المؤمنون/ 60 مكية
(4) الترمذي (3175) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2537) . وابن ماجة (4198) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) .
(6) لو عرست بنا: التعريس: نزول المسافر لغير إقامة، وأصله نزول آخر الليل. وجواب «لو» محذوف أي لكان أسهل علينا.
(7) البخاري- الفتح 2 (595) واللفظ له. ومسلم (681) .
(8) الترمذي (2410) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (3972) وصححه الألباني، صحيح سنن ابن ماجة (3208) .
(9) يلفظ الإسلام: أي كم عدد من يتلفظ بكلمة الإسلام.(5/1880)
تدرون. لعلّكم أن تبتلوا» . قال: فابتلينا. حتّى جعل الرّجل منّا لا يصلّي إلّا سرّا) * «1» .
18-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة المدينة فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: ما يسرّني أنّ عندي مثل أحد هذا ذهبا، تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار «2» إلّا شيئا أرصده لدين «3» ، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه، ثمّ مشى، ثمّ قال:
«إنّ الأكثرين هم المقلّون يوم القيامة إلّا من قال:
هكذا وهكذا وهكذا- عن يمينه وعن شماله ومن خلفه- وقليل ما هم» . ثمّ قال لي: «مكانك لا تبرح حتّى آتيك» . ثمّ انطلق في سواد اللّيل حتّى توارى، فسمعت صوتا قد ارتفع، فتخوّفت أن يكون أحد عرض للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأردت أن آتيه، فتذكّرت قوله لي:
«لا تبرح حتّى آتيك» ، فلم أبرح حتّى أتاني، قلت: يا رسول الله، لقد سمعت صوتا تخوّفت، فذكرت له، فقال: «وهل سمعته؟» . قلت: نعم. قال: «ذاك جبريل أتاني فقال: من مات من أمّتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟. قال:
«وإن زنى وإن سرق» ) * «4» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لمّا خلق الله الجنّة والنّار أرسل جبريل إلى الجنّة، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: فو عزّتك لا يسمع بها أحد إلّا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره، فقال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد.
قال: اذهب إلى النّار فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه، فقال:
وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفّت بالشّهوات، فقال: ارجع إليها فرجع إليها، فقال:
وعزّتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلّا دخلها» ) * «5» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنّ سلعة الله الجنّة» ) * «6» .
__________
(1) مسلم (149) .
(2) ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي عليّ ثالثة وعندي منه دينار: أي ما أحب أنه يتحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاثة أيام. وذلك بإنفاقه في سبيل الله.
(3) إلا شيئا أرصده لدين: أي أعده وأحفظه.
(4) البخاري- الفتح 11 (6444) واللفظ له. ومسلم (94) .
(5) الترمذي (2560) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له. وأبو داود (4744) .
(6) الترمذي (2450) وقال: هذا حديث حسن غريب. وصححه الحاكم 4 (307، 308) ووافقه الذهبي.(5/1881)
الأحاديث الواردة في (الخوف) معنى
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشتكت النّار إلى ربّها.
فقالت: يا ربّ، أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين:
نفس في الشّتاء، ونفس في الصّيف. فهو أشدّ ما تجدون من الحرّ. وأشدّ ما تجدون من الزّمهرير «1» » ) * «2» .
22-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال:
أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه. فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر، فذكرت ذلك له، قال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا، فلم أصبر. فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له. فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار.
قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا حتّى أوحى الله إليه: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ «3» .
قال أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصّة أم للنّاس عامّة؟
قال: «بل للنّاس عامّة» ) * «4» .
23-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «5» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» . قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي، فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «6» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي ناما، ولم يصنعا ما صنعت.
قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء، فقلت: الآن يدعو عليّ
__________
(1) الزمهرير: شدة البرد.
(2) البخاري- الفتح 6 (3260) . ومسلم (617) واللفظ له.
(3) هود/ 114 مكية
(4) البخاري- الفتح 8 (4687) ، ومسلم (2763) ، والترمذي (3115) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح.
(5) الجهد: الجوع والمشقة.
(6) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.(5/1882)
فأهلك. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني» قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «1» ، وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» . قال: قلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» . فقلت: يا رسول الله، كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت:
والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس) * «2» .
24-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا» ، فاتّبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشدّ النّاس على المشركين حتّى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتّى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرّجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنّك رسول الله، فقال: «وما ذاك؟» . قال: قلت لفلان:
«من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إليه» ، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنّه لا يموت على ذلك فلمّا جرح استعجل الموت، فقتل نفسه. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «إنّ العبد ليعمل عمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل عمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ) * «3» .
25-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ «4» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ قطرة من الزّقّوم قطرت في دار الدّنيا لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه» ) * «5» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» . قالوا: لا، يا رسول الله. قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس
__________
(1) حافلة: كثيرة اللبن.
(2) مسلم (2055) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6607) واللفظ له. ومسلم (112) .
(4) آل عمران/ 102، ونصها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
(5) سنن الترمذي (2585) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4325) ، وأحمد (1/ 300) .(5/1883)
دونها سحاب؟» . قالوا: لا، يا رسول الله. قال:
«فإنّكم ترونه كذلك «1» . يجمع الله النّاس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه. فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتّبع من كان يعبد القمر القمر. ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت.
وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها. فيأتيهم الله- تبارك وتعالى- في صورة غير صورته الّتي يعرفون. فيقول:
أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا. فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون:
أنت ربّنا فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «2» . فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز «3» ، لا يتكلّم يومئذ إلّا الرّسل. ودعوى الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم، سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «4» هل رأيتم السّعدان؟» . قالوا: نعم. يا رسول الله. قال:
«فإنّها مثل شوك السّعدان. غير أنّه لا يعلم ما قدر عظمها إلّا الله. تخطف النّاس بأعمالهم. فمنهم المؤمن بقي بعمله. ومنهم المجازى حتّى ينجّى. حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممّن يقول: لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار.
يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود.
فيخرجون من النّار وقد امتحشوا «5» فيصبّ عليهم ماء الحياة. فينبتون منه كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «6» ثمّ يفرغ الله تعالى من القضاء بين العباد.
ويبقى رجل مقبل بوجهه على النّار. وهو آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. فيقول: أي ربّ اصرف وجهي عن النّار. فإنّه قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها «7» .
فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه. ثمّ يقول الله- تبارك وتعالى-: هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره. ويعطي ربّه من عهود ومواثيق ما شاء الله. فيصرف الله وجهه عن النّار. فإذا أقبل على الجنّة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت. ثمّ يقول: أي ربّ قدّمني إلى باب الجنّة. فيقول الله له:
أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الّذي أعطيتك. ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول:
أي ربّ ويدعو الله حتّى يقول له: فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره فيقول: لا، وعزّتك
__________
(1) فإنكم ترونه كذلك: معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة.
(2) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: أي يمد الصراط عليها.
(3) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناها يكون أول من يمضي عليه ويقطعه.
(4) وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان: الكلاليب جمع كلّوب وكلاب، وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور، وأما السعدان فهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب.
(5) امتحشوا: احترقوا.
(6) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بزر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء.
(7) قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها: قشبني معناه سمّني وآذاني وأهلكني. وأما ذكاؤها فمعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها.(5/1884)
فيعطي ربّه ما شاء الله من عهود ومواثيق. فيقدّمه إلى باب الجنّة. فإذا قام على باب الجنّة انفهقت «1» له الجنّة فرأى ما فيها من الخير والسّرور. فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمّ يقول: أي ربّ أدخلني الجنّة. فيقول الله- تبارك وتعالى- له: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت. ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي ربّ لا أكون أشقى خلقك.
فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله- تبارك وتعالى- منه. فإذا ضحك الله منه، قال: ادخل الجنّة. فإذا دخلها قال الله له: تمنّه. فيسأل ربّه ويتمنّى. حتّى إنّ الله ليذكره من كذا وكذا، حتّى إذا انقطعت به الأمانيّ.
قال الله- تعالى-: ذلك لك ومثله معه» .
قال أبو هريرة: وذلك الرّجل آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة) * «2» .
27-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟. فقال: شرّ.
كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: «اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «3» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها ذكرت النّار فبكت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟» . قالت: ذكرت النّار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال:
هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «4» حتّى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهري جهنّم) * «5» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «6» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «7» .
فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «8» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون.
وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض
__________
(1) انفهقت: معناه انفتحت واتسعت.
(2) البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (182) واللفظ له.
(3) البخاري: الفتح 8 (4846) واللفظ له. ومسلم (119) .
(4) الحاقة/ 19 مكية
(5) أبو داود (4755) . وقال محقق جامع الأصول (10/ 475) : حديث حسن، وأحمد (6/ 101) .
(6) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه.
(7) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(8) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم.(5/1885)
النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك.
ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟
فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري.
اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا.
اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي. نفسي. نفسي.
اذهبوا إلى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم. فيأتون إبراهيم فيقولون:
أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله.
وذكر كذباته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله. فضّلك الله برسالاته وبتكليمه، على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلّى الله عليه وسلّم.
فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا. نفسي. نفسي.
اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فيأتوني فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء.
وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي.
ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثمّ يقول: يا محمّد، ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ، أمّتي. أمّتي. فيقال: يا محمّد أدخل الجنّة من أمّتك، من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر «3» أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» .
__________
(1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب.
(2) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب.
(3) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين.
(4) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل.
(5) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له.(5/1886)
30-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أخذت مضجعك «1» فتوضّأ وضوءك للصّلاة. ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ إنّي أسلمت وجهي إليك «2» وفوّضت أمري إليك. وألجأت ظهري إليك «3» رغبة ورهبة إليك «4» . لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت. وبنبيّك الّذي أرسلت. واجعلهنّ من آخر كلامك. فإن متّ من ليلتك، متّ وأنت على الفطرة «5» » ) * «6» .
31-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهون أهل النّار عذابا من له نعلان وشراكان «7» من نار: يغلي منهما دماغه. كما يغلي المرجل «8» ما يرى أنّ أحدا أشدّ منه عذابا. وإنّه لأهونهم عذابا» ) * «9» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم» ) * «10» .
33-* (عن سمرة- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه. ومنهم من تأخذه إلى حجزته «11» . ومنهم من تأخذه إلى عنقه» ) * «12» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «13» . ثمّ يقال له: فيم كنت «14» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل؟. فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة.
فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك.
ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث
__________
(1) إذا أخذت مضجعك: أي إذا أردت النوم في مضجعك.
(2) أسلمت وجهي إليك: أي استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك طائعة لحكمك.
(3) ألجأت ظهري إليك: أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده.
(4) رغبة ورهبة إليك: أي طمعا في ثوابك وخوفا من عقابك.
(5) الفطرة: الإسلام.
(6) البخاري- الفتح 11 (6315) ، ومسلم (2710) واللفظ له، وأحمد (4/ 290) ، وأبو داود (5046) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (783) .
(7) شراكان: الشراك أحد سيور النعل، الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم.
(8) المرجل: قدر معروف سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف.
(9) البخاري- الفتح 11 (6561، 6562) . ومسلم (213) واللفظ له.
(10) البخاري- الفتح 11 (6478) ، وأحمد (4/ 334) .
(11) حجزته: هي معقد الإزار والسراويل.
(12) مسلم (2845) ، وأحمد (5/ 10) .
(13) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(14) فيم كنت: أي في أي دين.(5/1887)
إن شاء الله «1» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها.
فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له:
هذا مقعدك على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله- تعالى» ) * «2» .
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السّماء «3» ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا «4» لقوله، كأنّه «5» سلسلة على صفوان، فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربّكم؟. قالوا للّذي قال: الحقّ وهو العليّ الكبير، فيسمعها مسترق السّمع، ومسترقوا السّمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان (الرّاوي) بكفّه فحرّفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثمّ يلقيها الآخر إلى من تحته، حتّى يلقيها على لسان السّاحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشّهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة، فيقال:
أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدّق بتلك الكلمة الّتي سمع من السّماء» ) * «6» .
36-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز النّاس إلى مهاجر إبراهيم لا يبقى في الأرض إلّا شرار أهلها تلفظهم أرضوهم. تقذرهم نفس الله، تحشرهم النّار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل من تخلّف» ) * «7» .
37-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، إنّ السّماء أطّت «8» وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته ساجدا لله. والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذّذتم بالنّساء على الفرشات. ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله» ، قال أبوذرّ: والله لوددت أنّي كنت شجرة تعضد) * «9» .
__________
(1) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(2) ابن ماجة (4268) وصححه الألباني- صحيح ابن ماجة (3443) .
(3) إذا قضى الله الأمر في السماء: أي إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله.
(4) خضعانا: أي خاضعين.
(5) كأنه: أي القول المسموع- كلام الله-.
(6) البخاري- الفتح 8 (4800) .
(7) مسند أحمد (6871) وقال محققه: إسناده صحيح. وأبو داود رقم (3930) وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 349) : إسناده حسن.
(8) أطت: الأطيط صوت الأقتاب، وأطيط الإبل أصواتها وحنينها، أي إن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى.
(9) أحمد في المسند (5/ 173) ، الترمذي (2312) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (4190) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (4/ 13) : إسناده حسن.(5/1888)
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال فتنا «1» كقطع اللّيل المظلم. يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا. أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا. يبيع دينه بعرض من الدّنيا» ) * «2» .
39-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينما النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجار، على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به «3» فكادت تلقيه. وإذا أقبر ستّة أو خمسة أو أربعة، فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» . فقال رجل: أنا. قال: «فمتى مات هؤلاء؟» . قال: ماتوا في الإشراك. فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها. فلولا أن لا تدافنوا «4» لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه» . ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال:
«تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: «تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» . قالوا: نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» .
قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «5» .
40-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «تدنى الشّمس، يوم القيامة من الخلق حتّى تكون منهم كمقدار ميل» . قال: «فيكون النّاس على قدر أعمالهم في العرق. فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه. ومنهم من يكون إلى حقويه «6» .
ومنهم من يلجمه العرق إلجاما» . قال: وأشار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى فيه) * «7» .
41-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الجنّة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنّار مثل ذلك» ) * «8» .
42-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «9» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي، فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع. ثمّ رفع رأسه، فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع، فأطال الرّكوع جدّا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ قام، فأطال القيام.
وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع، فأطال الرّكوع، وهو
__________
(1) بادروا بالأعمال فتنا: أي بادروا بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة.
(2) مسلم (118) .
(3) حادت به: أي مالت عن الطريق ونفرت.
(4) فلولا أن لا تدافنوا: أصله تتدافنوا، والمعنى لولا مخافة أن لا تدافنوا.
(5) مسلم (2867) واللفظ له، وأحمد (5/ 190) .
(6) الحقو، والحقو- بفتح الحاء وكسرها- الكشح، وقيل معقد الإزار والجمع أحق وأحقاء.
(7) مسلم (2864) واللفظ له، وأحمد (6/ 3) ، والترمذي (2421) .
(8) البخاري- الفتح 11 (6488) .
(9) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه.(5/1889)
دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام، فأطال القيام، وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع، فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد، ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله. وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فكبّروا. وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد، إن من أحد أغير من الله «1» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم «2» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «3» .
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها «4» . قال: «أتدرون ما أخبارها؟» . قالوا:
الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها» ) * «5» .
44-* (عن هانئ مولى عثمان- رضي الله عنهما- قال: كان عثمان بن عفّان، إذا وقف على قبر، يبكي حتّى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنّار، ولا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إنّ القبر أوّل منازل الآخرة. فإن نجا منه فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه، فما بعده أشدّ منه» . قال:
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «6» .
45-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال:
فيقصّ عليه ما شاء الله أنّ يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «7» فيتدهده الحجر «8» هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى» ، قال: قلت لهما: «سبحان الله، ما هذان؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد. وإذا هو يأتي أحد شقّى وجهه فيشرشر
__________
(1) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أغير من الله تعالى.
(2) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه.
(3) البخاري- الفتح 2 (1044) ، ومسلم (901) واللفظ له.
(4) الزلزلة/ 4 مدنية.
(5) الترمذي (2429) وحسنه، و (3353) ، وصححه، والحديث في المسند (2/ 374) ، وقال محققه: إسناده حسن (حديث رقم 8854) ، وأخرجه الحاكم (2/ 522) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وذكره ابن كثير في تفسير سورة الزلزلة، ونقل عن الترمذي أنه حديث حسن صحيح غريب.
(6) سنن الترمذي (2308) وقال: حسن غريب، وسنن ابن ماجة (4267) واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (5/ 418) وقال محققه: سنده حسن.
(7) يثلغ رأسه: أي يشدخه.
(8) يتدهده الحجر: أي ينحط.(5/1890)
شدقه «1» إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه» ، قال: «ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل، فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى» . قال: قلت: «سبحان الله ما هذان؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التّنّور، قال: وأحسب أنّه كان يقول: «فإذا فيه لغط وأصوات. قال فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «2» » . قال «قلت لهما:
ما هؤلاء؟» . قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال «فانطلقنا فأتينا على نهر» حسبت أنّه كان يقول: «أحمر مثل الدّم، وإذا في النّهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه «3» فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه، كلّما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا. قال: «قلت لهما: ما هذان؟» . قال: قالا لي:
انطلق انطلق. قال: «فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها ويسعى حولها» . قال: قلت لهما: «ما هذا؟» .
قال: قالا لي: انطلق انطلق. «فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ.
قال قلت لهما: «ما هذا؟ ما هؤلاء؟» . قال: قالا لي:
انطلق انطلق. «فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن. قال: قالا لي:
ارق، فارتقيت فيها. قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنّة عدن وهذاك منزلك. قال فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء «4» . قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قال:
قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصّلاة المكتوبة. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم
__________
(1) يشرشر شدقه: أي يقطعه شقّا، والشدق جانب الفم.
(2) ضوضوا: أي رفعوا أصواتهم مختلطة.
(3) يغفر فاه: أي يفتحه.
(4) الربابة البيضاء: السحابة البيضاء.(5/1891)
الزّناة والزّواني. وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا. وأمّا الرّجل الكريه المرآة الّذي عند النّار يحشّها «1» ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة. قال فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا تجاوز الله عنهم» ) * «2» .
46-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ سمع وجبة «3» . قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تدرون ما هذا؟» . قال قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النّار منذ سبعين خريفا فهو يهوي في النّار الآن، حتّى انتهى إلى قعرها» ) * «4» .
47-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلّا سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلّا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلّا النّار تلقاء وجهه، فاتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» ) * «5» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ناركم هذه، الّتي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حرّ جهنّم» . قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال: «فإنّها فضّلت عليها بتسعة وستّين جزءا كلّها مثل حرّها» ) * «6» .
49-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «7» .
50-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى وَهُمْ فِيها كالِحُونَ «8» . قال: «تشويه النّار فتقلّص شفته العالية حتّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السّفلى حتّى تضرب سرّته» ) * «9» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق «10» راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم
__________
(1) يحشها: يوقدها.
(2) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، ومسلم (2275)
(3) وجبة: أي سقطة.
(4) مسلم (2844) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7512) واللفظ له. ومسلم (1016) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3265) ، مسلم (2843) واللفظ له.
(7) الترمذي (2676) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. أبو داود (4607) ، وابن ماجة في المقدمة (ص 42) .
(8) المؤمنون/ 104 مكية.
(9) الترمذي (3176) وقال: حديث حسن صحيح غريب.
(10) ثلاث طرائق: أي ثلاث فرق.(5/1892)
النّار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «1» .
52-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا «2» » . قلت: يا رسول الله النّساء والرّجال جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) * «3» .
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تخرج عنق من النّار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إنّي وكّلت بثلاثة: بكلّ جبّار عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» ) * «4» .
54-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله يا آدم، فيقول:
لبّيك وسعديك، والخير في يديك. قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد. فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرّجل؟ قال:
أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل.
ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة. قال فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال:
والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار» ) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الخوف)
55-* (عن خارجة بن زيد بن ثابت- رحمه الله- أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّهم اقتسموا المهاجرين قرعة، قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون وأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الّذي توفّي فيه، فلمّا توفّي غسّل وكفّن في أثوابه، دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله أكرمه؟» .
فقلت: بأبي أنت يا رسول الله فمتى يكرمه الله؟. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا هو فو الله لقد جاءه اليقين، والله
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6522) واللفظ له، ومسلم (2861) .
(2) غرلا: أي غير مختونين. جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي قلفته وهي الجلدة التي تقطع في الختان. والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا، ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم.
(3) مسلم (2859) .
(4) سنن الترمذي (2574) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
(5) البخاري- الفتح 11 (6530) واللفظ له، ومسلم (222) .(5/1893)
إنّي لأرجو له الخير، وو الله ما أدري- وأنا رسول الله- ماذا يفعل بي؟» . فقلت: والله لا أزكّي بعده أحدا أبدا» .
وفي رواية أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أدري ما يفعل به» . قالت: وأحزنني فنمت فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ذلك عمله» ) * «1» .
56-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تلا قول الله- عزّ وجلّ- في إبراهيم رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (ابراهيم/ 36) . وقال عيسى عليه السّلام:
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118) ، فرفع يديه: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى» فقال الله- عزّ وجلّ-: يا جبريل، اذهب إلى محمّد- وربّك أعلم- فسله ما يبكيك؟، فأتاه جبريل- عليه الصّلاة والسّلام- فسأله، فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال- وهو أعلم- فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمّد فقل: إنّا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك» ) * «2» .
57-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّها قالت: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستجمعا «3» ضاحكا حتّى أرى من لهواته «4» . إنّما كان يتبسّم. قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا، عرف ذلك في وجهه. فقالت: يا رسول الله، أرى النّاس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته، عرفت في وجهك الكراهية؟. قالت: فقال: «يا عائشة، ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب. قد عذّب قوم بالرّيح. وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا» ) * «5» .
58-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما مثلي ومثل أمّتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدّوابّ والفراش يقعن فيه. فأنا آخذ بحجزكم «6» . وأنتم تقحّمون «7» فيه) * «8» .
59-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش.
فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد «9» وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك «10» أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (7003، 7004) .
(2) مسلم (202) .
(3) مستجمعا: المستجمع المجد في الشيء، القاصد له.
(4) لهواته: اللهوات جمع لهاة. وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك.
(5) البخاري- الفتح 8 (4828- 4829) ، ومسلم (899) واللفظ له.
(6) بحجزكم: الحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل.
(7) تقحمون: التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت.
(8) البخاري- الفتح 11 (6483) . ومسلم (2284) واللفظ له.
(9) المسجد: أي في السجود- أو في الموضع الذي كان يصلي فيه، في حجرته.
(10) لا أحصي ثناء عليك: أي لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك.
(11) مسلم (486) .(5/1894)
60-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله تبارك وتعالى النّاس.
فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «1» لهم الجنّة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم؟! لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك. إنّما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك. فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة والرّحم «2» . فتقومان جنبتي الصّراط «3» يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق» . قال: قلت: بأبي أنت وأمّي أيّ شيء كمرّ البرق؟. قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟، ثمّ كمرّ الرّيح. ثمّ كمرّ الطّير وشدّ الرّجال «4» . تجري بهم أعمالهم. ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد. حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا قال: وفي حافّتي الصّراط كلاليب معلّقة. مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس «5» في النّار» ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الخوف)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- «لو نادى مناد من السّماء: أيّها النّاس إنّكم داخلون الجنّة كلّكم إلّا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو» ) * «7» .
2-* (خرج عمر- رضي الله عنه- يوما إلى السّوق ومعه الجارود، فإذا امرأة عجوز فسلّم عليها عمر، فردّت عليه، وقالت هيه يا عمير: عهدتك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ، تصارع الصّبيان فلم تذهب الأيّام حتّى سمعت عمر، ثمّ قليل سمعت أمير المؤمنين: فاتّق الله في الرّعيّة. واعلم أنّه من خاف الموت خشي الفوت. فبكى عمر. فقال الجارود: لقد اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته. فأشار إليه عمر: أن دعها.
فلمّا فرغ قال: أما تعرف هذه؟ قال: لا. قال: «هذه خولة ابنة حكيم الّتي سمع الله قولها، فعمر أحرى أن
__________
(1) تزلف: تقرب.
(2) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكثير موقعهما. فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى
(3) قوله جنبتي الصراط: معناه جانباه، ناحيتاه اليمنى واليسرى.
(4) وشد الرجال: الشدّ هو العدو البالغ والجري.
(5) ومكدوس: قال في النهاية: أي مدفوع. وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط.
(6) مسلم (195) .
(7) التخويف من النار لابن رجب (ص 17) .(5/1895)
يسمع كلامها. أشار إلى قوله تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «1» . وهي خولة هذه» ) * «2» .
3-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لمّا طعن: «لو أنّ لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه» ) * «3» .
4-* (عن كعب قال: قال لي عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يوما وأنا عنده: «يا كعب، خوّفنا» . قال فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليس فيكم كتاب الله وحكمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بلى. ولكن يا كعب، خوّفنا» . قال قلت: يا أمير المؤمنين، اعمل عمل رجل لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيّا لازدرأت عملك ممّا ترى) * «4» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «رأى عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- في يدي لحما معلّقا، قال: «ما هذا يا جابر؟» . قلت:
اشتهيت لحما، فاشتريته. فقال عمر: «كلّما اشتهيت اشتريت، أما تخاف هذه الآية أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا «5» » ) * «6» .
6-* (قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر بن الخطّاب أخذ تبنة من الأرض، فقال:
«يا ليتني هذه التّبنة، ليتني لم أكن شيئا ليت أمّي لم تلدني، ليتني كنت نسيا منسيّا» ) * «7» .
7-* (قال ابن عمر- رضي الله عنهما- كان رأس عمر على فخذي في مرضه الّذي مات فيه فقال لي: ضع رأسي. قال: فوضعته على الأرض. فقال:
«ويلي وويل أمّي إن لم يرحمني ربّي» ) * «8» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: وعد الله المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة» ) * «9» .
9-* (بكى أبو هريرة- رضي الله عنه- في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟. فقال: «أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى أيّتهما يؤخذ بي» ) * «10» .
10-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا» ) » * «11» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال. قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت، كيف تجدك؟، ويا بلال كيف تجدك؟. قالت: فكان أبو
__________
(1) المجادلة/ 1 مدنية.
(2) الشفاء لابن الجوزي (ص 87) .
(3) شرح السنة للبغوي (14/ 373) .
(4) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (ص 151) .
(5) الأحقاف/ 20 مكية.
(6) مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي (ص 178) .
(7) شرح السنة للبغوي (14/ 373) .
(8) المرجع السابق (14/ 373) .
(9) التخويف من النار لابن رجب (ص 7) .
(10) شرح السنة للبغوي (14/ 373) .
(11) المرجع السابق (14/ 374) .(5/1896)
بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله)
* «1» .
12-* (كان عليّ بن الحسين إذا توضّأ اصفرّ وتغيّر، فيقال: مالك؟ فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» ) * «2» .
13-* (قال ذو النّون: «النّاس على الطّريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلّوا عن الطّريق» ) * «3» .
14-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«إنّ المؤمنين قوم ذلّت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتّى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر/ 34) والله لقد كابدوا في الدّنيا حزنا شديدا وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم» ) * «4» .
15-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: «لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم» ) * «5» .
16-* (عن الحسن- رحمه الله- في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (الأنبياء/ 90) قال: الخوف الدّائم في القلب» ) * «6» .
17-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: أبصر أبو بكر طائرا على شجرة. فقال: طوبى لك يا طائر تأكل الثّمر، وتقع على الشّجر، لوددت أنّي ثمرة ينقرها الطّير» ) * «7» .
18-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«إنّ الرّجل يذنب الذّنب فما ينساه، وما يزال متخوّفا منه حتّى يدخل الجنّة» ) * «8» .
19-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلّا وهو يخاف النّفاق، وما أمنه إلّا منافق» ) * «9» .
20-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«الرّجاء والخوف مطيّتا المؤمن» ) * «10» .
21-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله- في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (المؤمنون/ 60) . قال: «كانوا يعملون ما عملوا من أعمال البرّ وهم يخافون أن لا ينجّيهم ذلك من عذاب الله» ) * «11» .
22-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-:
«من خاف الله أخاف الله منه كلّ شيء، ومن لم يخف الله خاف من كلّ شيء» ) * «12» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3926) .
(2) مختصر منهاج القاصدين لابن الجوزي (314) .
(3) بصائر ذوي التمييز (2/ 577) .
(4) التخويف من النار لابن رجب (23) .
(5) الزهد لابن المبارك (51) .
(6) المرجع السابق (55) .
(7) المرجع السابق (81) .
(8) الزهد للإمام أحمد بن حنبل (338) .
(9) البخاري- الفتح 1 (111) .
(10) الزهد، للإمام أحمد بن حنبل (324) .
(11) المرجع السابق (349) .
(12) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 206) .(5/1897)
23-* (قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر ابن عبد العزيز للمغيرة بن حكيم: «يا مغيرة، إنّه قد يكون في النّاس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، وما رأيت أحدا قطّ كان أشدّ فرقا «1» من ربّه من عمر. كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثمّ رفع يديه، فلم يزل يبكي حتّى تغلبه عيناه. ثمّ ينتبه فلا يزال يبكي حتّى تغلبه عيناه» ) * «2» .
24-* (قال مالك: دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج عليه، ثمّ ضرب على فخذها، فقال: «يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف فنحّتها عنها، وقالت:
لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ. فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة، إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم. فبكت فاطمة، وقالت: اللهمّ أعذه من النّار» ) * «3» .
25-* (قال ابن أبي مليكة- رحمه الله-:
«أدركت ثلاثين من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كلّهم يخاف النّفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول إنّه على إيمان جبريل وميكائيل» ) * «4» .
26-* (عن وهب بن منبّه قال: «ما عبد الله بمثل الخوف» ) * «5» .
27-* (قال إبراهيم التّيميّ: «ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النّار؛ لأنّ أهل الجنّة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة؛ لأنّهم قالوا: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ» ) * «6» .
28-* (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-:
«خلق الله النّار رحمة يخوّف بها عباده لينتهوا» ) * «7» .
29-* (عن حفص بن عمر قال: «بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: «أخاف أن يطرحني غدا في النّار ولا يبالي» ) * «8» .
30-* (سئل ابن المبارك عن رجلين أحدهما خائف والآخر قتيل في سبيل الله- عزّ وجلّ- قال:
«أحبّهما إليّ أخوفهما» ) * «9» .
31-* (قال الفضيل بن عياض: «الخوف أفضل من الرّجاء ما كان الرّجل صحيحا، فإذا نزل الموت فالرّجاء أفضل» ) * «10» .
32-* (وقال أيضا: «إن خفت الله لم يضرّك أحد، وإن خفت غير الله لم ينفعك أحد» ) * «11» .
33-* (قال الوليد بن أبي السّائب: «ما رأيت أحدا قطّ كان الخوف على وجهه أبين منه على
__________
(1) فرقا: خوفا.
(2) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 209) ورجاله ثقات.
(3) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (164) .
(4) البخاري- الفتح 1 (109) .
(5) التخويف من النار لابن رجب (7) .
(6) التخويف من النار لابن رجب (16) .
(7) المرجع السابق (21) .
(8) المرجع السابق (23) .
(9) المرجع السابق (8) .
(10) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(11) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 207) ورجاله ثقات.(5/1898)
عمر بن عبد العزيز» ) * «1» .
34-* (قال أرطأة بن المنذر: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال، وحرسا إذا صلّيت لا تغتال وتنحّ عن الطّاعون. قال:
«اللهمّ إن كنت تعلم أنّي أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمّن خوفي» ) * «2» .
35-* (قيل للحسن بن صالح: إنّ سفيان يقول: ليتني لم أسمع من هذا العلم بشيء. قال الحسن: ولم؟. قال أبو محمّد: «كانوا يتخوّفون من أفضل أعمالهم) » * «3» .
36-* (قال يزيد بن حوشب: «ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأنّ النّار لم تخلق إلّا لهما» ) * «4» .
37-* (قال يحيى بن معاذ الرّازيّ: «على قدر حبّك لله يحبّك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق» ) * «5» .
38-* (عن المعلّى بن زياد أنّه قال: «كان هرم ابن حيّان يخرج في بعض اللّيالي وينادي بأعلى صوته: «عجبت من الجنّة كيف نام طالبها، وعجبت من النّار كيف نام هاربها» . ثمّ يقول: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (الأعراف/ 97)) * «6» .
39-* (قال هرم بن حيّان: «وددت والله أنّي شجرة أكلتني ناقة، ثمّ قذفتني بعرا، ولم أكابد الحساب يوم القيامة. إنّي أخاف الدّاهية الكبرى» ) * «7» .
40-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله-: «الخوف يمنعني من أكل الطّعام والشّراب، فلا أشتهيه» ) * «8» .
41-* (قال أبو سليمان الدّارانيّ: «أصل كلّ خير في الدّنيا والآخرة الخوف من الله- عزّ وجلّ- وكلّ قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب» ) * «9» .
42-* (وعنه قال: «من حسن ظنّه بالله- عزّ وجلّ- ثمّ لا يخاف الله فهو مخدوع» ) * «10» .
43-* (قال وهيب بن الورد: «بلغنا أنّه ضرب لخوف الله كمثل الرّجل يكون في منزله فلا يزال عامرا ما دام فيه ربّه «11» ، فإذا فارق المنزل ربّه وسكنه غيره خرب المنزل، وكذلك خوف الله- تعالى- إذا كان في جسد لم يزل عامرا ما دام فيه خوف الله، فإذا فارق خوف الله الجسد خرب» ) * «12» .
44-* (قال أبو عمرو الدّمشقيّ: «حقيقة الخوف ألّا تخاف مع الله أحدا» ) * «13» .
45-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «إنّ الرّجاء والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كلّ
__________
(1) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (162) .
(2) المرجع السابق (163) .
(3) الجرح والتعديل للرازي (1/ 62) .
(4) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (163) .
(5) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 209) .
(6) التخويف من النار لابن رجب (14) .
(7) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (314) .
(8) التخويف من النار لابن رجب (122) .
(9) المرجع السابق (7) .
(10) الحلية لأبي نعيم (9/ 272) .
(11) ربه: أي صاحبه.
(12) التخويف من النار لابن رجب (7) .
(13) شعب الإيمان، للبيهقي (3/ 208) .(5/1899)
مقام محمود. ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود» ) * «1» .
46-* (قال أبو عليّ الرّوذباريّ: «الخوف والرّجاء كجناحي الطّائر إذا استويا استوى الطّير وتمّ طيرانه. وإذا نقص أحدهما وقع فيه النّقص. وإذا ذهبا صار الطّائر في حدّ الموت» ) * «2» .
47-* (قال بعض العلماء: «ذو الدّين يخاف العقاب، وذو الكرم يخاف العار، وذو العقل يخاف التّبعة» ) * «3» .
48-* (قال إبراهيم بن سفيان: «إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشّهوات منه وطرد الدّنيا عنه» ) * «4» .
49-* (قال أبو حفص: «الخوف سوط الله يقوّم به الشّاردين عن بابه) » «5» .
50-* (وقال: «الخوف سراج في القلب يبصر به ما فيه من الخير والشّرّ» ) * «6» .
51-* (قال الأنصاريّ: «الخوف هو الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر. يعني الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به من الوعد والوعيد» ) * «7» .
52-* (قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله-: «الخوف المحمود: ما حجزك عن محارم الله» ) * «8» .
من فوائد (الخوف)
(1) الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
(3) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(4) يثمر محبّة الله وطاعته.
(5) سبب لسعادة العبد في الدّارين.
(6) دليل على صفاء القلب وطهارة النّفس.
(7) سبب لهداية القلب.
(8) يبعد الإنسان عن الوقوع في المعاصي والسّيّئات.
(9) يجعل الإنسان يخلص عمله لله تعالى. وأن لا يضيّعه بالتّرك أو المعصية.
(10) يورث المسلم الشّفقة علي الخلق.
(11) يحمل الإنسان المسلم على التّخلّق بالأخلاق الحسنة وتجنّب الكبر والعجب.
__________
(1) إحياء علوم الدين، للغزالي (1/ 142) .
(2) مدارج السالكين (1/ 37) .
(3) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 216) .
(4) بصائر ذوي التمييز (2/ 577) .
(5) المرجع السابق (2/ 577) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) مدارج السالكين (1/ 551) .(5/1900)
[حرف الدال]
الدعاء
الدعاء لغة:
مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ في الأصل على إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، ومن هذا الأصل الدّعاء في معنى الرّغبة إلى الله عزّ وجلّ، وهو واحد الأدعية، والفعل من ذلك دعا يدعو، والمصدر الدّعاء والدّعوى، أمّا الدّعوة فهي المرّة الواحدة من الدّعاء، ومنه الحديث الشّريف «فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم أي تحوطهم وتكنفهم وتحفظهم، ويستعمل الدّعاء أيضا بمعنى النّداء، يقال من ذلك دعا الرّجل الرّجل دعوا ودعاء: ناداه، ودعوت فلانا أي صحت به واستدعيته كذلك، ويقال: دعاه الأمير أي ساقه، وداعيا في قول الله سبحانه: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (الأحزاب/ 46) معناه:
داعيا إلى توحيد الله وما يقرّب منه.
والدّعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الله تعالى وكذلك المؤذّن «1» .
وقال الرّاغب: وقد يستعمل الدّعاء في معنى التّسمية كقولك دعوت ابني زيدا أي سمّيته. ويقال:
الآيات الأحاديث الآثار 113 99 21
دعوت الله إذا سألته وإذا استغثته، ومنه قول الله عزّ وجلّ: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ (البقرة/ 68) أي سله، أمّا الدّعاء إلى الشّيء فهو الحثّ على قصده، ومنه قوله سبحانه: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ (يونس/ 25) وتأتي الدّعوى في معنى الدّعاء كما في قوله عزّ من قائل: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس/ 10) «2» ، أمّا الدّعوة فهي المسألة الواحدة وجمعها دعوات، وتطلق أيضا على نفاسة القدر كما في قوله تعالى: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ (غافر/ 43) «3» .
الدعاء اصطلاحا:
قال الطّيبيّ: هو إظهار غاية التّذلّل والافتقار إلى الله والاستكانة له «4» ، وقال المناويّ: هو لسان الافتقار بشرح الاضطرار، وقيل: هو شفيع الحاجة ونجحها باللّجاجة، وقيل: هو طلب كشف الغمّة بتطلّع موضع القسمة «5» .
الفرق بين الدعاء والنداء:
قال الرّاغب: الدّعاء مثل النّداء إلّا أنّ النّداء قد يقال ب «يا» أو أيا ونحو ذلك من أدوات النّداء من غير أن يضمّ إليه الاسم، أمّا الدّعاء فلا يكاد يقال إلّا
__________
(1) انظر مقاييس اللغة 2/ 280، ولسان العرب (دعا) ، والصحاح للجوهري 6/ 2337.
(2) المفردات للراغب ص 170.
(3) فتح الباري 11/ 94.
(4) فتح الباري 11/ 95 وهذا التعريف يتناول دعاء العبادة.
(5) التوقيف على مهمات التعريف 166، وهذا التعريف يتناول دعاء المسألة المتضمن لدعاء الثناء والعبادة.(5/1901)
إذا كان معه الاسم نحو: يا فلان، وقد يستعمل كلّ منهما في موضع الآخر «1» .
أقسام الدعاء:
لفظ الدّعاء والدّعوة في القرآن الكريم يتناول معنيين:
الأوّل: دعاء العبادة، والآخر دعاء المسألة.
ودعاء المسألة هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضرّه ودفعه، وكلّ من يملك الضّرّ والنّفع فإنّه هو المعبود (بحقّ) «2» .
أمّا دعاء العبادة فهو الّذي يتضمّن الثّناء على الله بما هو أهله ويكون مصحوبا بالخوف والرّجاء «3» .
والدّعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان، فالعبد يدعو للنّفع أو دفع الضّرّ دعاء المسألة ويدعو خوفا ورجاء دعاء العبادة فكلّ دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكلّ دعاء مسألة متضمّن لدعاء العبادة، وقد ورد المعنيان جميعا في قوله سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 55- 56) .
أمّا قوله سبحانه: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) فإنّه يتناول نوعي الدّعاء أيضا، وبكلّ منهما فسّرت الآية، قيل: المعنى: أعطيه إذا سألني، وقيل أثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.
ومن ذلك قوله سبحانه: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ 60) ولكنّه في دعاء العبادة أظهر، ولهذا أعقبه: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي وقد فسّر الدّعاء في الآية بهذا وبهذا، وأمّا قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ (الحج/ 73) فالمراد به دعاء العبادة المتضمّن دعاء المسألة، وأمّا قوله سبحانه:
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (غافر/ 14) ، فهذا هو دعاء العبادة والمعنى اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته «4» ، وذلك بخلاف قوله تعالى: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ (القصص/ 64) فهذا دعاء المسألة، يبكّتهم الله تعالى ويخزيهم يوم القيامة بأن يروا أنّ شركاءهم لا يستجيبون لدعوتهم، وليس المراد اعبدوهم «5» .
فوائد إخفاء الدعاء:
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بإخفاء الدّعاء في آية الأعراف: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأعراف/ 55) ، والدّعاء هنا وإن كان يشمل نوعي الدّعاء إلّا أنّه ظاهر في دعاء المسألة المتضمّن دعاء العبادة ولهذا أمر بإخفائه وإسراره وفي هذا الإخفاء فوائد عديدة منها:-
1- أنّه أعظم إيمانا لعلم صاحبه أنّ الله يسمع الدّعاء الخفيّ.
__________
(1) المفردات ص 170.
(2) الفتاوى 17/ 10، وانظر أيضا الفتاوى 10/ 237، وعن الموضع الأول أخذ ابن القيم في تفسيره، انظر التفسير القيم ص 240.
(3) هذا فحوى كلام الإمامين ابن تيمية وابن القيم في الموضعين السابقين لكنهما لم يصرحا بذلك.
(4) الفتاوى 17/ 13.
(5) التفسير القيم ص 243.(5/1902)
2- أنّه أعظم في الأدب والتّعظيم.
3- أنّه أبلغ في التّضرّع والخشوع.
4- أنّه أبلغ في الإخلاص.
5- أنّه أبلغ في جمعيّة القلب على الذّلّة في الدّعاء.
6- أنّه دليل علي قرب الدّاعي من مولاه القريب منه، وليس من مسألة البعيد للبعيد. وقد أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى هذا المعنى بعينه عندما قال (في الحديث الصّحيح) عندما رفع الصّحابة أصواتهم بالتّكبير وهم معه في السّفر: «اربعوا على أنفسكم فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنّكم تدعون سميعا قريبا، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» وكما قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) وهذا القرب من الدّاعي إنّما هو قرب خاصّ، وليس قربا عامّا من كلّ أحد، فهو سبحانه قريب من داعيه، وقريب من عابديه، وأقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد.
7- أنّه (أي إخفاء الدّعاء) أدعى إلى دوام الطّلب والسّؤال.
8- أنّه أبعد للدّاعي من القواطع والمشوّشات.
9- أنّ فيه إخفاء للنّعمة (أي نعمة الإقبال والتّعبّد) عن أعين الحاسدين.
10- أنّ الدّعاء نوع من الذّكر متضمّن للطّلب منه، والثّناء عليه بأسمائه الحسنى وأوصافه العلى فهو ذكر وزيادة، وقد قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ (الأعراف/ 205) فأمر الله نبيّه في هذه الآية أن يذكره في نفسه، قال مجاهد وابن جريج: أمر أن يذكر في الصّدر بالتّضرّع والاستكانة دون رفع الصّوت أو الصّياح «1» .
الاعتداء في الدعاء:
قال القرطبّي- رحمه الله تعالى-: الاعتداء في الدّعاء علي وجوه منها: الجهر الكثير والصّياح، ومنها أن يدعو الإنسان لنفسه (بما لا يستحقّ) بأن تكون له منزلة نبيّ، أو يدعو في محال، أو أن يدعو طالبا معصية، أو أن يدعو بما ليس في الكتاب والسّنّة «2» .
وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: الاعتداء في الدّعاء يكون تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرّمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله كأن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو بأن يرفع عنه منازل البشريّة من الحاجة إلى الطّعام والشّراب ونحو ذلك ممّا فيه اعتداء لا يحبّه الله، ولا يحبّ سائله، وأعظم المعتدين عدوانا هم الّذين يدعون معه غيره، إذ إنّ أعظم العدوان الشّرك، ومن العدوان أن يدعوه غير متضرّع، ومن لم يسأل مسألة مسكين متضرّع خائف فهو معتد.
ومن الاعتداء أيضا أن يعبده بما لم يشرع، أو يثني عليه بما لم يثن على نفسه، ولا أذن فيه، فإنّ هذا اعتداء في دعائه الّذي هو ثناء وعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطّلب «3» .
__________
(1) باختصار وتصرف عن الفتاوى 17/ 15- 20، والتفسير القيم 246- 250.
(2) تفسير القرطبي 7/ 144.
(3) الفتاوى 17/ 22- 23.(5/1903)
آداب الدعاء:
قال الإمام الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: من آداب الدّعاء:
1- أن يترصّد لدعائه الأوقات الشّريفة كيوم عرفة من السّنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السّحر من ساعات اللّيل.
2- أن يغتنم الأحوال الشّريفة كحال الزّحف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصّلاة، وعند إفطار الصّائم، وحالة السّجود، وفي حال السّفر.
3- أن يدعو مستقبل القبلة، مع خفض الصّوت بين المخافتة والجهر، وأن لا يتكلّف السّجع في الدّعاء فإنّ حال الدّاعي ينبغي أن يكون حال متضرّع والتّكلّف لا يناسبه.
4- الإخلاص في الدّعاء والتّضرّع والخشوع والرّغبة والرّهبة، وأن يجزم الدّعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه.
5- أن يلحّ في الدّعاء ويكون ثلاثا، كما ينبغي له أن لا يستبطأ الإجابة.
6- أن يفتتح الدّعاء ويختتمه بذكر الله تعالى والصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يبدأ بالسّؤال.
7- التّوبة وردّ المظالم والإقبال على الله- عزّ وجلّ- بكنه الهمّة، وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة، وتحرّي أكل الحلال «1» .
الدعاء في القرآن الكريم:
ولفظ الدّعاء ورد في القرآن على وجوه منها:
الأوّل: بمعنى القول: فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (الأنبياء/ 15) .
الثّاني: بمعنى العبادة: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا (الأنعام/ 71)
الثّالث: بمعنى النّداء: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ (النمل/ 80، الروم/ 52) .
الرّابع: بمعنى الاستعانة والاستغاثة: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ (البقرة/ 23) .
الخامس: بمعنى العذاب والعقوبة: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (المعارج/ 17) . أي تعذّب.
السّادس: بمعنى العرض: وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ (غافر/ 41) . أي أعرضها عليكم «1» ، والسّؤال نحو ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ 60) ، والتّسمية: نحو لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (النور/ 63) «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: العبادة- الاستخارة- الاستعانة- الاستغاثة- التوحيد- الذكر- الابتهال القنوت- الإنابة- الخوف- الرجاء- التوسل- الرغبة والترهيب- الاستغفار- الثناء- الحمد- الشكر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغرور القنوط- اليأس- اتباع الهوى- الكبر والعجب] .
__________
(1) مستفاد من إحياء علوم الدين (304- 307) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(5/1904)
الآيات الواردة في «الدعاء»
الدعاء بمعنى السؤال والطلب:
1- وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61) «1»
2- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) «2»
3- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «3»
4- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) «4»
5- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «5»
__________
(1) البقرة: 60- 61 مدنية
(2) البقرة: 67- 70 مدنية
(3) البقرة: 186 مدنية
(4) آل عمران: 35- 38 مدنية
(5) الأنعام: 63- 64 مكية(5/1905)
6- وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) «1»
7- وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (180) «2»
8- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (194)
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (195)
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) «3»
9- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) «4»
10- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) «5»
__________
(1) الأعراف: 134 مكية
(2) الأعراف: 180 مكية
(3) الأعراف: 189- 198 مكية
(4) يونس: 12 مكية
(5) يونس: 22 مكية(5/1906)
11- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (88) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89) «1»
12- وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11) «2»
13- وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «3»
14- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) «4»
15- قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77) «5»
16- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «6»
17- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) «7»
18- وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26) «8»
19- وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (50) «9»
__________
(1) يونس: 88- 89 مكية
(2) الإسراء: 11 مكية
(3) الإسراء: 55- 56 مكية، 57 مدنية
(4) مريم: 1- 4 مكية
(5) الفرقان: 77 مكية
(6) النمل: 62 مكية
(7) سبأ: 22- 23 مكية
(8) غافر: 26 مكية
(9) غافر: 49- 50 مكية(5/1907)
20- وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60) «1»
21- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) «2»
22- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46)
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) «3»
23- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) «4»
24- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (6)
__________
(1) غافر: 60 مكية
(2) فصلت: 47- 51 مكية
(3) الزخرف: 46- 50 مكية
(4) القمر: 1- 10 مكية(5/1908)
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «1»
الدعاء بمعنى العبادة:
25- قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) «2»
26- وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «3»
27- وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) «4»
28- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (37) «5»
29- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) «6»
30- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) «7»
__________
(1) الحديد: 6- 8 مدنية
(2) الأنعام: 40- 41 مكية
(3) الأنعام: 52 مكية
(4) الأعراف: 28- 30 مكية
(5) الأعراف: 37 مكية
(6) الأعراف: 54- 56 مكية
(7) يونس: 66 مكية(5/1909)
31- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ
(101) «1»
32- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) «2»
33- وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3»
34- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (41) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (43) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (44) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (45) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) «4»
35- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) «5»
36- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) «6»
37- وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) «7»
__________
(1) هود: 100- 101 مكية
(2) الرعد: 12- 14 مكية
(3) الكهف: 28 مكية
(4) مريم: 41- 48 مكية
(5) الأنبياء: 89- 90 مكية
(6) العنكبوت: 65 مكية
(7) الروم: 33 مكية(5/1910)
38- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) «1»
39- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) «2»
40- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) «3»
41-* وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) «4»
42- فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (50) «5»
43- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) «6»
__________
(1) لقمان: 29- 32 مكية
(2) السجدة: 15 مكية، 16، 17 مدنية
(3) الصافات: 123- 128 مكية
(4) الزمر: 8 مكية
(5) الزمر: 49- 50 مكية
(6) غافر: 10- 14 مكية(5/1911)
44- هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) «1»
45- الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) «2»
46- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) «3»
47- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «4»
48- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) «5»
الدعاء بمعنى القول:
49- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «6»
__________
(1) غافر: 65- 66 مكية
(2) غافر: 70- 74 مكية
(3) الأحقاف: 1- 5 مكية
(4) الطور: 21- 28 مكية
(5) الجن: 18- 20 مكية
(6) يونس: 9- 10 مكية(5/1912)
50- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15) «1»
الدعاء بمعنى النداء والترغيب:
51- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «2»
52- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) «3»
53- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «4»
54- وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) «5»
55- قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (33) «6»
56-* مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) «7»
57- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
__________
(1) الأنبياء: 11- 15 مكية
(2) البقرة: 221 مدنية
(3) آل عمران: 104 مدنية
(4) الأنفال: 24- 25 مدنية
(5) يونس: 25 مكية
(6) يوسف: 33 مكية
(7) الرعد: 35- 36 مكية(5/1913)
* قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «1»
58- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «2»
59- قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) «3»
60- قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) «4»
61- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) «5»
62- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) «6»
__________
(1) إبراهيم: 9- 11 مكية
(2) إبراهيم: 35- 41 مكية
(3) الإسراء: 50- 52 مكية
(4) الإسراء: 110 مكية
(5) النور: 63 مدنية
(6) الشعراء: 69- 73 مكية(5/1914)
63- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) «1»
64- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «2»
الدعاء بمعنى الاستعانة والاستغاثة:
65- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13)
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «3»
الدعاء بمعنى العذاب والعقوبة:
66- كَلَّا إِنَّها لَظى (15)
نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16)
تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) «4»
الدعاء بمعنى العرض:
67-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) «5»
__________
(1) فاطر: 13- 14 مكية
(2) فصلت: 30- 33 مكية
(3) هود: 13- 14 مكية
(4) المعارج: 15- 17 مكية. كذا قال صاحب البصائر، ويمكن أن يكون الدعاء هنا بمعنى النداء.
(5) غافر: 41- 43 مكية(5/1915)