من فوائد (تعظيم الحرمات)
(1) دليل قوّة الإيمان وتمام الإذعان وكمال العبوديّة.
(2) يتّسع مدلوله حتّى يشمل ما لله- عزّ وجلّ- وأنبيائه وسائر الخلق حتّى الكافر المعاهد.
(3) أسباب التّعظيم منها ما يرجع للإنسان أو الزّمان أو المكان.
(4) ما يجتمع فيه أكثر من سبب من أسباب التّعظيم حرمته أعظم ممّا يجتمع فيه أقلّ.
(5) سبب لنيل أعلى الدّرجات.
(6) يباعد بين الإنسان وبين ارتكاب المعاصي بدافع الحبّ.(3/1044)
التفاؤل
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/-/ 7/ 3/
الفأل لغة:
ضدّ الطّيرة «1» والجمع فئول، وتفاءلت به «2» والفأل: أن يكون الرّجل مريضا فيسمع آخر يقول يا سالم، أو يكون طالب ضالّة فيسمع آخر يقول يا واجد فيقول تفاءلت بكذا، ويتوّجه له في ظنّه كما سمع أنّه يبرأ من مرضه أو يجد ضالّته. والفأل يكون فيما يحسن وفيما يسوء. قال أبو منصور: من العرب من يجعل الفأل فيما يكره أيضا. وفي نوادر الأعراب يقال: لا فأل عليك بمعنى لا ضير عليك ولا طير عليك ولا شرّ عليك، وفي الحديث «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصّالح» ، والفأل الصّالح:
الكلمة الحسنة. وقال: وهذا يدلّ على أنّ من الفأل ما يكون صالحا ومنه ما يكون غير صالح، وإنّما أحبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الفأل؛ لأنّ النّاس إذا أمّلوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ فهم على خير، ولو غلطوا في وجهة الرّجاء فإنّ الرّجاء لهم خير، ألا ترى أنّهم إذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشّرّ؟ وإنّما أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الفطرة كيف هي وإلى أيّ شيء تنقلب «3» .
قال الماورديّ: فأمّا الفأل ففيه تقوية للعزم، وباعث على الجدّ، ومعونة على الظّفر؛ فقد تفاءل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزواته وحروبه. وروى أبو هريرة «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك» .
فينبغي لمن تفاءل أن يتأوّل بأحسن تأويلاته، ولا يجعل لسوء الظّنّ على نفسه سبيلا، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ البلاء موكّل بالمنطق» . وروي أنّ يوسف- عليه السّلام- شكا إلى الله تعالى طول الحبس، فأوحى الله تعالى إليه: يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت: «ربّ السّجن أحبّ إليّ» ولو قلت: العافية أحبّ إليّ لعوفيت. وحكي أنّ المؤمّل بن أميل الشّاعر لمّا قال يوم الحيرة:
__________
(1) الطيرة المشار إليها هنا من الصفات المذمومة وهي الاسم من قولهم تطيرت من كذا وبه أي تشاءمت به وهي من الفأل الرديء. انظر الصحاح (2/ 728) .
(2) والتفاؤل هو المصدر من هذا الفعل يقال تفاءلت تفاؤلا والصيغة هنا تدل على المطاوعة وهي قبول أثر الفعل أي أن المتفائل قد قبل وتأثر بما رأى من فأل حسن أو سمع من كلمة طيبة. انظر في معاني
صيغة تفاعل (شرح الشافية للرضي (1/ 99) .
(3) لسان العرب (11/ 513- 514) .(3/1045)
شفّ المؤمّل يوم الحيرة النّظر ... ليت المؤمّل لم يخلق له بصر
عمي، فأتاه آت في منامه، فقال له هذا ما طلبت «1» .
واصطلاحا:
الفأل هو الكلمة الصّالحة أو الكلمة الطّيّبة أو الكلمة الحسنة مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشّريف من أنّه صلّى الله عليه وسلّم سئل ما الفأل؟ فقال: «الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» وجاء في حديث أنس- رضي الله عنه-: «أنّ الفأل: الكلمة الحسنة والكلمة الطّيّبة» «2» .
ومن ثمّ يكون المراد بالتّفاؤل: انشراح قلب الإنسان وإحسانه الظّنّ، وتوقّع الخير بما يسمعه من الكلم الصّالح أو الحسن أو الطّيّب.
[للاستزادة: انظر صفات: البشارة- البشاشة الرضا- التوكل- حسن الظن.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التطير- العبوس- التنفير- القنوط- سوء الظن- الوسوسة] .
__________
(1) انظر أدب الدنيا والدين (20) .
(2) انظر الحديثين رقمي 3، 4.(3/1046)
الأحاديث الواردة في (التفاؤل)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمع كلمة فأعجبته فقال «أخذنا فألك من فيك» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطّيرة) * «2» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «لا طيرة وخيرها الفأل» .
قيل: يا رسول الله. وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصّالحة يسمعها أحدكم» ) * «3» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل:
الكلمة الحسنة، والكلمة الطّيّبة» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (التفاؤل) معنى
5-* (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان لا يتطيّر من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه: فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه، رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها، رؤي كراهة ذلك في وجهه) * «5» .
6-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع نقيضا من فوقه. فرفع رأسه فقال: هذا باب من السّماء فتح اليوم. لم يفتح قطّ إلّا اليوم. فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض. لم ينزل قطّ إلّا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة. لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته) * «6» .
7-* (عن ابن مالك- رضي الله عنه- قال:
ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد
__________
(1) أبو داود (3917) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3317) ، وهو في الصحيحة (726) .
(2) ابن ماجة (3536) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(3) البخاري- الفتح 10 (5755) . ومسلم (2223) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5756) . ومسلم (2224) .
(5) أبو داود (3920) . وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (3319) ، وهو في الصحيحة (762) .
(6) مسلم (806) .(3/1047)
الحرام فقال أوّلهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم هو خيرهم، فقال أحدهم خذوا خيرهم فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبريل فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتّى أنقى جوفه ثمّ أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوّا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده- يعني عروق حلقه- ثمّ أطبقه ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السّماء، من هذا؟ فقال جبريل، قالوا ومن معك؟ قال: معي محمّد، قالوا: وقد بعث؟ قال:
نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السّماء لا يعلم أهل السّماء بما يريد الله به في الأرض حتّى يعلمهم فوجد في السّماء الدّنيا آدم فقال له جبريل: هذا أبوك فسلّم عليه فسلّم عليه وردّ عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بنيّ نعم الابن أنت. فإذا هو في السّماء الدّنيا بنهرين يطّردان، فقال: ما هذان النّهران يا جبريل؟ قال: هذان النّيل والفرات عنصرهما ثمّ مضى به في السّماء فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده فإذا هو مسك أذفر قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك ثمّ عرج إلى السّماء الثّانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى، من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟
قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا. ثمّ عرج به إلى السّماء الثّالثة وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثّانية، ثمّ عرج به إلى الرّابعة فقالوا له مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّماء الخامسة فقالوا مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّادسة فقالوا له مثل ذلك، ثمّ عرج به إلى السّماء السّابعة فقالوا له مثل ذلك كلّ سماء فيها أنبياء قد سمّاهم فوعيت منهم إدريس في الثّانية وهارون في الرّابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم فى السّادسة وموسى في السّابعة بفضل كلامه لله، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا ثمّ علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلّا الله، حتّى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبّار ربّ العزّة فتدلىّ حتّى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمّتك كلّ يوم وليلة ثمّ هبط حتّى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال يا محمّد: ماذا عهد إليك ربّك قال عهد إليّ خمسين صلاة كلّ يوم وليلة، قال: إنّ أمّتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفّف عنك ربّك وعنهم فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى جبريل كأنّه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم، إن شئت فعلا به إلى الجبّار، فقال وهو مكانه يا ربّ خفّف عنّا فإنّ أمّتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات ثمّ رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردّده موسى إلى ربّه حتّى صارت إلى خمس صلوات ثمّ احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمّد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمّتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفّف عنك(3/1048)
ربّك، كلّ ذلك يلتفت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال:
يا ربّ إنّ أمّتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفّف عنّا، فقال الجبّار: يا محمّد، قال لبّيك وسعديك، قال: إنّه لا يبدّل القول لديّ كما فرضت عليك في أمّ الكتاب قال فكلّ حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أمّ الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفّف عنّا، أعطانا بكلّ حسنة عشر أمثالها. قال موسى: قد والله راودت بنى إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربّك فليخفّف عنك أيضا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا موسى، قد والله استحييت من ربّى ممّا اختلفت إليه، قال:
فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التفاؤل)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- الفرق بين الفأل والطّيرة أنّ الفأل من طريق حسن الظّنّ بالله، والطّيرة لا تكون إلّا في السّوء فلذلك كرهت) * «2» .
2-* (قال الحليميّ: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل؛ لأنّ التّشاؤم سوء ظنّ بالله تعالى بغير سبب محقّق. والتّفاؤل حسن ظنّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظّنّ بالله تعالى على كلّ حال) * «3» .
3-* (قال الطّيبيّ: معنى التّرخّص في الفأل والمنع من الطّيرة هو أنّ الشّخص لو رأى شيئا فظنّه حسنا محرّضا على طلب حاجته فليفعل ذلك. وإن رآه بضدّ ذلك فلا يقبله بل يمضي لسبيله. فلو قبل وانتهى عن المضيّ فهو الطّيرة الّتي اختصّت بأن تستعمل في الشّؤم) * «4» .
من فوائد (التفاؤل)
(1) حسن الظّنّ بالله تعالى.
(2) يجلب السّعادة إلى النّفس والقلب.
(3) ترويح للمؤمن وسرور له.
(4) في الفأل تقوية للعزائم ومعونة على الظّفر وباعث على الجدّ.
(5) في التّفاؤل اقتداء بالسّنّة المطهّرة وأخذ بالأسوة الحسنة حيث كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم يتفاءل في حروبه وغزواته.
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7517) .
(2) المرجع السابق (10/ 225) .
(3) المرجع السابق (10/ 226) .
(4) المرجع السابق- الصفحة نفسها.(3/1049)
المجلد الرابع
محتويات المجلد الرابع
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة تابع حرف التاء 58 تفريج الكربات 1050
59 التفكر 1065
60 التقوى 1079
61 التكبير 1121
62 تكريم الإنسان 1135
63 تلاوة القرآن 1176
64 التناصر 1230
65 التهليل 1245
66 التواضع 1255
67 التوبة 1269
68 التوحيد 1296
69 التودد 1343
70 التوسط 1352
م/ اسم الصفة/ رقم الصفحة 71 التوسل 1367
72 التوكل 1377
73 التيسير 1399
74 التيمن 1420
حرف الثاء 75 الثبات 1437
76 الثناء 1450
حرف الجيم 77 جهاد الأعداء 1481
78 الجود 1506
حرف الحاء 79 الحجاب 1514
80 الحج والعمرة 1529
81 الحذر 1553(4/)
[تابع حرف التاء]
تفريج الكربات
الآيات الأحاديث الآثار 15 26 6
أ- التفريج لغة:
مصدر فرّج وهو مأخوذ من مادّة (ف ر ج) قال ابن منظور: الفرج: الخلل بين الشّيئين والجمع فروج لا يكسّر على غير ذلك. قال ابن الأعرابيّ:
فتحات الأصابع يقال لها التّفاريج واحدها تفراج.
والفرجة: الرّاحة من حزن أو مرض، وقيل: التّفصّي من الهمّ. وقد فرج له يفرج فرجا وفرجة. ويقال: ما لهذا الغمّ من فرجة، ولا فرجة ولا فرجة. يقال: فرّج الله غمّك تفريجا، وكذلك فرج الله عنك غمّك يفرج بالكسر فرجا: كشفه وأذهبه. وهو لغة في فرّج.
وتفرّج الغمّ تكشّف «1» .
واصطلاحا:
كشف الهمّ وإذهاب الغمّ ورفع الضّرر.
ب- الكربات لغة:
الكربات جمع كربة، والكرب مصدر كرب وهو مأخوذ من مادّة (ك ر ب) الّتي تدلّ على الشّدّة والقوّة يقال مفاصل مكرّبة أي شديدة قويّة وأصله الكرب وهو عقد غليظ في رشاء الدّلو، ومن الباب الكرب وهو الغمّ الشّديد «2» . قال ابن منظور:
الكرب، على وزن الضّرب مجزوم الرّاء: الحزن والغمّ الّذي يأخذ بالنّفس. وجمعه كروب. وكربه الأمر والغمّ يكربه كربا اشتدّ عليه، فهو مكروب وكريب، والاسم الكربة. وفي الحديث: كان إذا أتاه الوحي كرب له. أي أصابه الكرب «3» .
واصطلاحا:
قال ابن حجر- رحمه الله-: الكرب (بفتح الكاف وسكون الرّاء بعدها موحّدة) هو ما يدهم المرء ممّا يأخذ بنفسه فيغمّه ويحزنه «4» .
تفريج الكربات اصطلاحا:
يمكن- في ضوء ما سبق- أن نعرّف تفريج الكربات بأنّه: رفع الضّرّ وإذهاب ما يدهم الإنسان ويأخذ بنفسه فيغمّه ويحزنه.
[للاستزادة: انظر صفات: الإغاثة- السرور التناصر- الاجتماع- الإخاء- الألفة- البر- التعاون على البر والتقوى- المواساة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل- التخاذل- الشح] .
__________
(1) لسان العرب (2/ 342- 342) . انظر: محيط المحيط: (681) .
(2) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (5/ 174) .
(3) لسان العرب (1/ 711- 712) . وانظر: محيط المحيط: (744- 775) .
(4) فتح الباري (11/ 150) .(4/1050)
الآيات الواردة في «تفريج الكربات»
1- قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) «1»
2- وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77) «2»
3- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) «3»
4- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121)
إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «4»
الآيات الواردة في «تفريج الكربات» معنى
* 5- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)
__________
(1) الأنعام: 63- 64 مكية
(2) الأنبياء: 76- 77 مكية
(3) الصافات: 75- 82 مكية
(4) الصافات: 114- 122 مكية(4/1051)
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «1»
6- فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (64) «2»
7- فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (72) «3»
8- فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (83) «4»
9- فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) «5»
10- فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98) »
11- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40) «7»
12- فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84) «8»
13- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «9»
14- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «10»
15- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) «11»
__________
(1) آل عمران: 153- 154 مدنية.
(2) الأعراف: 64 مكية.
(3) الأعراف: 72 مكية.
(4) الأعراف: 83 مكية.
(5) الأعراف: 135 مكية.
(6) يونس: 98 مكية.
(7) طه: 40 مكية.
(8) الأنبياء: 84 مكية.
(9) الأنبياء: 88 مكية.
(10) النمل: 62 مكية.
(11) العنكبوت: 24 مكية.(4/1052)
الأحاديث الواردة في (تفريج الكربات)
1-* (عن أسماء بنت عميس- رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أعلّمك كلمات تقولينهنّ عند الكرب، أو في الكرب: الله ربّي لا أشرك به شيئا» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن أبي قتادة؛ أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه. ثمّ وجده. فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله «2» . قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب «3» يوم القيامة فلينفّس «4» عن معسر، أو يضع عنه» ) * «5» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم» ) * «6» .
4-* (عن طلحة بن عبيد الله؛ أنّ عمر رآه كئيبا فقال: مالك يا أبا محمّد كئيبا؟ لعلّه ساءتك إمرة ابن عمّك؟ يعني أبا بكر، قال: لا، وأثنى على أبي بكر، ولكنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلمة لا يقولها عبد عند موته إلّا فرّج الله عنه كربته وأشرق لونه، فما منعني أن أسأله عنها إلّا القدرة عليها حتّى مات، فقال له عمر: إنّي لأعلمها، فقال له طلحة: وما هي؟ فقال له عمر: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمّه: لا إله إلّا الله؟ فقال طلحة: هي والله هي» ) * «7» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرقي يقول: «امسح البأس ربّ النّاس بيدك الشّفاء لا يكشف الكرب إلّا أنت» ) * «8» .
6-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ
__________
(1) أبو داود (1525) وقال الألباني (1/ 284) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (4/ 297) : وللحديث شاهد عند ابن حيان في صحيحه من حديث عائشة- رضي الله عنها- رقم (2369) موارد، فالحديث به حسن.
(2) فقال: آلله. قال آلله: الأول قسم سؤال. أي أبالله؟ وباء القسم تضمر كثيرا مع الله. قال الرضى: وإذا حذف القسم الأصلي، أعني الباء، فالمختار النصب بفعل القسم. ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار، بلا عوض. وقد يعوض من الجار فيها همزة الاستفهام، أو قطع همزة الله في الدرج.
(3) كرب: جمع كربة، وهي الغم الّذي يأخذ بالنفس.
(4) فلينفس: أي يمد ويؤخر المطالبة، وفي ذلك تنفيس وتفريج الكربة؛ لأن التنفيس يعني تفريج الكرب قال الجوهري: «ونفست عنه تنفيسا أي رفّهت يقال: نفّس الله عنه كربته أي فرّجها. (الصحاح 3/ 984) . ومعنى يضع عنه «أي يتنازل عن دينه» .
(5) مسلم (1563) .
(6) البخاري- الفتح (11/ 123) الدعوات باب الدعاء عند الكرب، ومسلم (2730) .
(7) أحمد (1386) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(8) أحمد (6/ 50) واللفظ له. وعند البخاري: لا كاشف له إلا أنت (5744) . وكذا عند مسلم (2191) .(4/1053)
أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ «1» ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له:
اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة «2» .
فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع «3» ، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر.
فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «4» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس وراءه. فاقترأ «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة طويلة. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. ثمّ رفع رأسه فقال:
«سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة. هي أدنى من القراءة الأولى. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. هو أدنى من الرّكوع الأوّل. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الرّكعة الأخرى مثل ذلك. حتّى استكمل أربع ركعات. وأربع سجدات وانجلت الشّمس قبل أن ينصرف. ثمّ قام فخطب النّاس. فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموها
__________
(1) الفرق: إناء يأخذ ستة عشر مدّا وذلك ثلاثة آصع وبعضهم يرويه بفتح الراء. ومنه الحديث الشريف: «ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام» .
(2) انساخ هنا بمعنى اتسع، يقال انساخ باله أى اتّسع.
(3) يتضاغون: يتضورون جوعا، ولعل الصواب بالعين أي يتضاعون يقول ابن منظور: وضاع يضوع وتضوع: تضور في البكاء في شدة، وقد غلب على بكاء الصبي.
(4) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) .
(5) اقترأ: يعني قرأ في صلاته.(4/1054)
فافزعوا للصّلاة» وقال أيضا: «فصلّوا حتّى يفرّج الله عنكم» وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت في مقامي هذا كلّ شيء وعدتم. حتّى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنّة حين رأيتموني جعلت أقدّم «1» . (وقال المراديّ: أتقدّم) ولقد رأيت جهنّم يحطم «2» بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخّرت. ورأيت فيها ابن لحيّ.
وهو الّذي سيّب السّوائب «3» » . وانتهى حديث أبي الطّاهر عند قوله: «فافزعوا للصّلاة» ولم يذكر ما بعده) * «4» .
8-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوات المكروب: اللهمّ رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه لا إله إلّا أنت» ) * «5» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البرّ وجانب منها في البحر؟» قالوا: نعم. يا رسول الله قال: «لا تقوم السّاعة حتّى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق. فإذا جاءوها نزلوا. فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلّا الله والله أكبر.
فيسقط أحد جانبيها» قال ثور: لا أعلمه إلّا قال:
«الّذي في البحر. ثمّ يقولوا الثّانية: لا إله إلّا الله والله أكبر. فيسقط جانبها الآخر. ثمّ يقولوا الثّالثة: لا إله إلّا الله والله أكبر فيفرّج لهم. فيدخلوها فيغنموا. فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصّريخ «6» فقال:
إنّ الدّجّال قد خرج. فيتركون كلّ شيء، ويرجعون» ) * «7» .
10-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: علّمني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل بي كرب أن أقول: «لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين» ) * «8» .
11-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (55/ سورة الرحمن/ الآية 29) قال: «من شأنه أن
__________
(1) أقدم: ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة. ومعناه أقدم نفسي أو رجلي. وكذا صرح القاضي عياض بضبطه.
(2) يحطم: أي يكسر.
(3) وهو الذي سيب السوائب: تسييب الدواب إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت والسوائب جمع سائبة وهي التي نهى الله سبحانه عنها في قوله: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ. فالبحيرة هي الناقة التي يمنح درها للطواغيت. فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم. فلا يحمل عليها شيء.
(4) البخاري- الفتح 2 (1046) . ومسلم (901) واللفظ له.
(5) أبو داود (5090) وقال الألباني: حسن. الكلم الطيب (121) صحيح الكلم الطيب (ص 49) .
(6) الصريخ: قال في الصحاح: الصريخ صوت المستصرخ، والصريخ أيضا الصارخ وهو المراد هنا. انظر الصحاح مادة (ص ر خ) 1/ 426.
(7) مسلم (2920) .
(8) أحمد (1/ 91) وقال الشيخ أحمد شاكر (2/ 87) : إسناده صحيح، وجاء في رقمين (701) و (1363) إسنادهما صحيحان. وقال ابن حجر في الفتح (13/ 396) : في حديث علي عند النسائي وصححه الحاكم.(4/1055)
يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويخفض آخرين» ) * «1» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كربه أمر، يقول: يا حيّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث) * «2» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كنت رديف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا غلام، أو يا غليّم، ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟» فقلت:
بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. قد جفّ القلم بما هو كائن. فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» ) * «3» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي. فسألتني عن أشياء من بيت المقدّس لم أثبتها «4» . فكربت كربة ما كربت مثله قطّ «5» .
قال فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيء إلّا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء. فإذا موسى قائم يصلّي، فإذا رجل ضرب»
جعد كأنّه من رجال شنوءة. وإذا عيسى ابن مريم عليه السّلام قائم يصلّي.
أقرب النّاس به شبها عروة بن مسعود الثّقفيّ. وإذا إبراهيم عليه السّلام قائم يصلّي. أشبه النّاس به صاحبكم (يعني نفسه) فحانت الصّلاة فأممتهم. فلمّا فرغت من الصّلاة قال قائل: يا محمّد هذا مالك صاحب النّار فسلّم عليه. فالتفتّ إليه فبدأني
__________
(1) ابن ماجة (202) واللفظ له، وقال الزوائد: إسناده حسن. وقال الحافظ ابن حجر (8/ 490) : وأصله البخاري في التاريخ وابن حبان في الصحيح وابن ماجة وابن أبي عاصم والطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا وغير هؤلاء موقوف عند البخاري تعليقا- انظر الفتح (8/ 487) تفسير سورة الرحمن.
(2) أخرجه الترمذي (3524) واللفظ له قال محقق جامع الأصول (4/ 296) بعد تخريجه: قال الحافظ في تخريج الأذكار بعد ذكر حديث الترمذي هذا: وقد وقع لنا حديث أنس من وجه آخر أقوى من هذا لكنه مختصر، ثم أخرجه من طريقين، وقال بعد ذلك: حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة، وله شاهد من حديث علي- رضي الله عنه-.
(3) الترمذي (2518) مختصرا. وقال محقق جامع الأصول (11/ 686) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال. ورواه أحمد في المسند وصححه الشيخ أحمد شاكر رقم (2669) و (2763) و (2804) وهذا لفظه.
(4) لم أثبتها: أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها.
(5) فكربت كربة ما كربت مثله قط: الضمير في مثله يعود على معنى الكربة، وهو الكرب أو الغم أو الهم أو الشيء. قال الجوهري: الكربة الغم الذي يأخذ بالنفس. وكذلك الكرب. وكربه الغم اذا اشتد عليه.
(6) الرّجل الضّرب: أي الرجل الماضي النافذ، قال طرفة:
أنا الرجل الضّرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحيّة المتوقّد
(الصحاح 1/ 168) .(4/1056)
بالسّلام» ) * «1» .
15-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لهذا العبد الصّالح الّذي تحرّك له العرش وفتحت له أبواب السّماء شدّد عليه ففرّج الله عنه» . وقال مرّة: «فتحت» . وقال مرّة: «ثمّ فرّج الله عنه» . وقال مرّة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعد «2» يوم مات وهو يدفن) * «3» .
16-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «4» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرّج عن معسر» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (تفريج الكربات) معنى
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: «مالك؟» قال:
وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا.
قال: «فهل تجد إطعام ستّين مسكينا؟» قال: لا.
قال: فمكث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبينا نحن على ذلك أتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق فيها تمر والعرق: المكتل قال: أين السّائل؟ فقال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدّق به» .
فقال الرّجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها (يريد الحرّتين) أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه ثمّ قال: «أطعمه أهلك» ) * «6» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حزبه «7» أمر يدعو: يتعوّذ من
__________
(1) مسلم (172) .
(2) أي سعد بن معاذ رضي الله عنه.
(3) أحمد (3/ 327) . وهو عند الترمذي (3848) وقال: حديث حسن صحيح. وأصله عند البخاري 7 (4: 38) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له. ومسلم (2580) .
(5) أحمد (2/ 23) . وذكره الهيثمي (4/ 133) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات.
(6) البخاري- الفتح 4 (1936) واللفظ له. ومسلم (1111) .
(7) في القاموس المحيط. وحزبه الأمر: نابه واشتد عليه أو ضغطه.(4/1057)
جهد البلاء، ودرك الشّقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء» ) * «1» .
20-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين. إنّه لم يدع بها مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له بها» ) * «2» .
21-* (عن سليمان التّيميّ، عن أبيه، قال:
كنّا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاتلت معه وأبليت «3» . فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقرّ «4» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا، فلم يجبه منّا أحد. ثمّ قال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا، فلم يجبه منّا أحد. فقال: «قم. يا حذيفة فأتنا بخبر القوم» فلم أجد بدّا، إذ دعاني باسمي أن أقوم.
قال: «اذهب. فأتني بخبر القوم. ولا تذعرهم عليّ «5» » فلمّا ولّيت من عنده جعلت كأنّما أمشي في حمّام «6» .
حتّى أتيتهم. فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره «7» بالنّار.
فوضعت سهما في كبد القوس «8» . فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تذعرهم عليّ» ولو رميته لأصبته. فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمّام. فلمّا أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت «9» . فألبسني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فضل عباءة «10» كانت عليه يصلّي فيها. فلم أزل نائما حتّى أصبحت «11» . فلمّا أصبحت
__________
(1) أخرجه رزين، قاله محقق الجامع (4/ 295) وهذا لفظ جامع الأصول وأصله عند البخاري 11 (6347) . ومسلم (2707) . دون قوله: «كان إذا حذبه أمر يدعو» .
(2) ذكره الحاكم في المستدرك (1/ 505) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(3) وأبليت: أي بالغت في نصرته. كأنه أراد الزيادة على نصرة الصحابة.
(4) وقر: القر هو البرد.
(5) ولا تذعرهم علي: أي لا تفزعهم علي ولا تحركهم علي. وقيل: معناه لا تنفرهم وهو قريب من المعنى الأول. والمراد لا تحركهم عليك. فإنهم، إن أخذوك، كان ذلك ضررا علي؛ لأنك رسولي وصاحبي.
(6) كأنما أمشي في حمام: يعني أنه لم يجد البرد الذي يجده الناس، ولا من تلك الريح الشديدة، شيئا بل عافاه الله منه ببركة إجابته النبي صلّى الله عليه وسلّم وذهابه فيما وجهه له، ودعائه صلّى الله عليه وسلّم له. واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما عاد ووصل عاد إليه البرد الذي يجده الناس. ولفظ الحمام عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم، وهو الماء الحار.
(7) يصلي ظهره: أي يدفئه ويدنيه منها. وهو الصلا، بفتح الصاد والقصر. والصلاء، بكسرها والمد.
(8) كبد القوس: هو مقبضها. وكبد كل شيء وسطه.
(9) قررت أي بردت. وهو جواب فلما أتيته.
(10) عباءة: العباءة والعباية، بزيادة ياء، لغتان مشهورتان معروفتان. قال في المنجد: العباءة كساء مفتوح من قدام يلبس فوق الثياب.
(11) أصبحت: أي طلع علي الفجر.(4/1058)
قال: «قم. يا نومان «1» » ) * «2» .
22-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن فقال: اللهمّ، إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلّا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا» قال:
فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟ فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها» ) * «3» .
23-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: يا آدم، فيقول: لبّيك وسعديك، والخير في يديك. قال يقول:
أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى ولكنّ عذاب الله شديد.
فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أيّنا ذلك الرّجل؟ قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل» . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» . قال فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة. إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود- أو كالرّقمة في ذراع الحمار» ) * «4» .
__________
(1) يا نومان: هو كثير النوم. وأكثر ما يستعمل في النداء. كما استعمله هنا.
(2) مسلم (1788) . وعند البخاري مختصرا (4113) من حديث جابر وأن الذي استعد لذلك الزبير.
(3) أحمد (3712) وهذا لفظه وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 266) إسناده صحيح. والحاكم في المستدرك (1/ 501) . والألباني في الصحيحة (1/ 336) رقم (199) وعزاه لابن حبان والطبراني.
(4) البخاري- الفتح 11 (6530) واللفظ له. ومسلم (222) . والرقمة- بفتح القاف وسكونها-: الخط. والرقمتان في الحمار هما الأثران اللذان في باطن عضديه، وقيل: الدائرة في ذراعه.(4/1059)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تفريج الكربات)
24-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: توفّي أبي وعليه دين، فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التّمر بما عليه فأبوا، ولم يروا أنّ فيه وفاء، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له فقال: «إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» «1» .
فجاء ومعه أبو بكر وعمر، فجلس عليه ودعا بالبركة ثمّ قال: «ادع غرماءك فأوفهم» . فما تركت أحدا له على أبي دين إلّا قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقا «2» سبعة عجوة وستّة لون، أو ستّة عجوة وسبعة لون «3» .
فوافيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المغرب فذكرت ذلك له، فضحك فقال: «ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما» ، فقالا:
لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما صنع أن سيكون ذلك.
وقال هشام عن وهب عن جابر: «صلاة العصر» . ولم يذكر «أبا بكر» ولا «ضحك» .
وقال «وترك أبي عليه ثلاثين وسقا دينا» .
وقال ابن إسحاق عن وهب عن جابر «صلاة الظّهر» ) * «4» .
25-* (عن عبد الله الهوزنيّ؛ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا أن رآني قال: يا حبشيّ، قلت: يالبّاه، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال
__________
(1) الجداد: صرام النخل أي قطع ثمرتها، النهاية (1/ 244) والمربد: الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف كالبيدر للحنطة. النهاية (2/ 182) .
(2) الوسق: ستون صاعا، وهو ثلاث مئة وعشرون رطلا عند أهل الحجاز وأربع مئة وثمانون رطلا عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمد. النهاية (5/ 185) .
(3) العجوة واللون: العجوة نوع من تمر المدينة يضرب إلى السواد. النهاية (3/ 183) واللون نوع من النخل، وقيل: هو الدقل وقيل: النخل كله لون ما عدا البرني والعجوة ويسميه أهل المدينة الألوان واحدته لينة. النهاية (5/ 278) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2709) .(4/1060)
لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فائذن لي أن آبق «1» إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي «2» عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ؛ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك «3» ، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت فذكر الحديث ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك «4» ؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة- يعني من الغد- دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه» ) * «5» .
26- (جاء في وصف السيّدة خديجة- رضي الله عنها- للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحقّ ... ) *»
وهذا يدلّ على أنّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كان يفرّج كرب المعدوم ومن أصابته النّوائب.
__________
(1) أبق: يقال أبق العبد يأبق بكسر الباء وفتحها أي هرب. مختار الصحاح (85) .
(2) المجنّ: التّرس، وسمي بذلك لأنه يواري حامله أي يستره. اللسان (702) . (مأخوذ من جن بمعنى ستر) .
(3) فدك: محركة: بلدة بخيبر. القاموس (1266) .
(4) القبل يكون لما ولي الشيء، تقول ذهب قبل السوق وقالوا: لي قبلك مال- ثم اتسع فيه فأجري مجرى على إذا قلت لي عليك مال، ولي قبل فلان حق أي عنده. اللسان (3502) .
(5) أبو داود (3055) وهذا لفظه وقال الألباني (2/ 592) : صحيح الإسناد. وقال محقق «جامع الأصول» (5/ 7) : رجاله ثقات.
(6) البخاري- الفتح 1 (3) .(4/1061)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (تفريج الكربات)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش في المسجد، قالت فكانت تأتينا فتحدّث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر نجّاني
فلمّا أكثرت قالت لها عائشة وما يوم الوشاح؟
قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم «1» ، فسقط منها، فانحطّت عليه الحديّا وهي تحسبه لحما، فأخذته. فاتّهموني به، فعذّبوني، حتّى بلغ من أمري أنّهم طلبوا في قبلي، فبيناهم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديّا حتّى وازت برءوسنا، ثمّ ألقته فأخذوه، فقلت لهم: هذا الّذي اتّهمتموني به وأنا منه بريئة) * «2» .
2-* (قال الحسن: «أرسل إليّ الحجّاج فقلت: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله ربّ العرش العظيم والحمد لله ربّ العالمين فقال الحجّاج: والله لقد أرسلت إليك وأنا أريد قتلك فلأنت اليوم أحبّ إليّ من كذا وكذا. وفي لفظ سل حاجتك» ) * «3» .
3-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟
قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال:
وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال
__________
(1) الأدم: جمع ومعناه الجلد أو الجلد الأحمر أو المدبوغ. القاموس (1388) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3835) .
(3) فضل الله الصمد (2/ 158) .(4/1062)
عبد الله بن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزّبير. فقال: يابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي.
قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف.
فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف ثمّ قام فقال:
من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا.
قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم.
فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة- فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف، قال: كم بقي؟
قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال:
وباع عبد الله ابن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم.
قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف» ) * «1» .
4-* (قال الشّاعر:
يا فارج الكرب مسدولا عساكره ... كما يفرّج غمّ الظّلمة الفلق)
* «2» .
5-* (وقال أبو ذؤيب الهذليّ:
فإنّي صبرت النّفس بعد ابن عنبس ... وقد لجّ من ماء الشّئون لجوج
ليحسب جلدا أو ليخبر شامت ... وللشّرّ بعد القارعات فروج) * «3» .
6-* (وقال الرّاجز:
يا فارج الهمّ وكشّاف الكرب) * 4
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(2) محيط المحيط (681) .
3، 4 لسان العرب (فرج) (ص 3370) .(4/1063)
من فوائد (تفريج الكربات)
(1) الفرج الأعظم يأتي من الله- عزّ وجلّ- فهو ينجّي كلّ مكروب يستغيثه في الدّنيا والآخرة.
(2) النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علّم أصحابه أدعية يقولها ذو الكرب فيفرّج عنه.
(3) سبب لتفريج كربات القيامة وأهوالها.
(4) الإيمان والطّاعة وبرّ الوالدين والإحسان والابتعاد عمّا حرّم الله من أعظم أسباب تفريج الكربات واستجابة الدّعوات.
(5) من أعظم أسبابه التزام آدابه من الأذكار والأدعية الثّابتة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
(6) سبب لنيل القرب من الله والمحبّة من النّاس.
(7) دليل حبّ الخير للآخرين.(4/1064)
التفكر
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
17/ 10/ 27
التفكر لغة:
التفكّر مأخوذ من مادّة (ف ك ر) الّتي تدلّ- كما يقول ابن فارس- على تردّد القلب في الشّيء، يقال تفكّر إذا ردّد قلبه معتبرا «1» . ولفظ التّفكّر مصدر لتفكّر أو أنّها اسم (اسم مصدر) من فكّر التي مصدرها التّفكير، ومن المادّة أيضا أخذ الفكر والفكر، يقول صاحب اللّسان: والفكر التأمّل وإعمال الخاطر في الشّيء قال سيبويه: ولا يجمع الفكر، وحكى ابن دريد في جمعه أفكارا. والفكرة: كالفكر، وقد فكر في الشّيء وأفكر فيه وتفكّر بمعنى، ورجل فكّير: كثير الفكر.
والتّفكّر اسم التّفكير، وقال الجوهريّ: التّفكّر:
التأمّل والاسم: الفكر، والمصدر: الفكر بالفتح «2» .
واصطلاحا:
تصرّف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب «3» .
حقيقة التفكر:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: أصل الخير والشّرّ من قبل التّفكّر؛ فإنّ الفكر مبدأ الإرادة والطّلب في الزّهد والتّرك والحبّ والبغض. وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجلّ الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدّنيا وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدّنيا وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثّمانية دارت أفكار العقلاء. ورأس القسم الأوّل الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنّة نبيّه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبّة والمعرفة، فإذا فكّر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدّنيا وخسّتها وفنائها أثمر له ذلك الرّغبة في الآخرة والزّهد في الدّنيا، وكلّما فكّر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجدّ والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت. وهذه الأفكار تعلي همّته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والنّاس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرّديئة الّتي تجول في قلوب أكثر الخلق. كالفكر فيما لم يكلّف الفكر فيه ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الّذي لا ينفع، كالفكر في كيفيّة ذات الرّبّ ممّا لا سبيل للعقول إلى إدراكه «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة (4/ 446) .
(2) لسان العرب (5/ 65) .
(3) التعريفات للجرجاني (66) .
(4) الفوائد (255) .(4/1065)
الحثّ على التّفكّر والتّدبّر:
قال الغزاليّ- رحمه الله-: كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التأمل- التأني- التبين (التثبت) - التدبر- تذكر الموت- التذكير- الذكر- النظر والتبصر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- الأمن من المكر- لبلادة والغباء- العجلة- الغفلة- اللهو واللعب- الإعراض] .
__________
(1) الإحياء (4/ 423) .(4/1066)
الآيات الواردة في «التفكر»
1-* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) «1»
2- أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) «2»
3- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) «3»
4- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) «4»
5- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) «5»
6- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) «6»
__________
(1) البقرة: 219 مدنية
(2) البقرة: 266 مدنية
(3) آل عمران: 190- 192 مدنية
(4) الأنعام: 50 مكية
(5) الأعراف: 175- 176 مكية
(6) الأعراف: 184- 185 مكية(4/1067)
7- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) «1»
8- اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) «2»
9- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) «3»
10- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «4»
11- وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) «5»
12- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8)
__________
(1) يونس: 24 مكية
(2) الرعد: 2- 3 مدنية
(3) النحل: 10- 14 مكية
(4) النحل: 43- 44 مكية
(5) النحل: 68- 69 مكية(4/1068)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «1»
13- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (22) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ
الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «2»
14-* قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «3»
15- اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) «4»
16-* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) «5»
17- لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) «6»
__________
(1) الروم: 8- 9 مكية
(2) الروم: 20- 24 مكية
(3) سبأ: 46 مكية
(4) الزمر: 42 مكية
(5) الجاثية: 12- 13 مكية
(6) الحشر: 20- 21 مدنية(4/1069)
الأحاديث الواردة في (التفكر)
1-* (عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمّه كما قال الأوّل: زر غبّا تزدد حبّا. قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فسكتت ثمّ قالت: لمّا كانت ليلة من اللّيالي قال: «يا عائشة، ذريني أتعبّد اللّيلة لربّي» قلت والله إنّي لأحبّ قربك وأحبّ ما سرّك. قالت:
فقام فتطهّر ثمّ قام يصلّي. قالت: فلم يزل يبكي حتّى بلّ حجره، قالت: ثمّ بكى فلم يزل يبكي حتّى بلّ لحيته، قالت: ثمّ بكى فلم يزل يبكي حتّى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصّلاة، فلمّا رآه يبكي. قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت عليّ اللّيلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية (آل عمران/ 190)) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال:
«هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟ قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال:
«فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل «2» ألم أكرمك، وأسوّدك «3» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس»
وتربع «5» ؟ فيقول:
بلى. قال فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا.
فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل: ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟
فيقول: بلى. أي ربّ! فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟
فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت.
__________
(1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (2/ 620) ص 387، وقال محققه: إسناده قوي على شرط مسلم. وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 437) . وهو عند البخاري- الفتح (8/ 4837) بلفظ مختصر.
(2) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي.
(3) أسوّدك: أي أجعلك سيدا على غيرك.
(4) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم.
(5) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي، بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: أربع على نفسك، أي ارفق بها.(4/1070)
ويثني بخير ما استطاع. فيقول ههنا إذا «1» . قال ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه:
من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر «2» من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (التفكر) معنى
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل. وشابّ نشأ بعبادة الله. ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إنّي أخاف الله. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليّا، ففاضت عيناه» ) * «4» .
4-* (عن عمرو بن عبسة السّلميّ قال:
كنت وأنا في الجاهلية أظنّ أنّ النّاس على ضلالة وأنّهم ليسوا على شيء. وهم يعبدون الأوثان. فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا. فقعدت على راحلتي.
فقدمت عليه. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستخفيا جراء «5» عليه قومه. فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة. فقلت له: ما أنت؟ «6» قال: «أنا نبيّ» فقلت: وما نبيّ؟
قال: «أرسلني الله» فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال:
«أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» قلت له: فمن معك على هذا؟
قال: «حرّ وعبد» (قال ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به) فقلت: إنّي متّبعك. قال: «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال فذهبت إلى أهلي. وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة. حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟
فقالوا: النّاس إليه سراع. وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة. فدخلت عليه.
__________
(1) هاهنا إذا: معناه هاهنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا.
(2) ليعذر: من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.
(3) مسلم (2968) وبعضه عند البخاري (13/ 7437) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1423) . مسلم (1031) واللفظ له.
(5) جرآء- بالجيم المضمومة- جمع جريء من الجراءة، وهى الإقدام والتسلط.
(6) قال: ما أنت؟ ولم يقل: من أنت؟ لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته، والصفات مما لا يعقل.(4/1071)
فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة؟» قال فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة قال: «صلّ صلاة الصّبح. ثمّ أقصر «1» عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع. فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. «2» حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح «3» . ثمّ أقصر عن الصّلاة فإنّ حينئذ، تسجر «4» جهنّم. فإذا أقبل الفيء فصلّ. فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة. حتّى تصلّي العصر. ثمّ أقصر عن الصّلاة. حتّى تغرب الشّمس. فإنّها تغرب بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال: فقلت: يا نبيّ الله فالوضوء؟ حدّثني عنه. قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه. ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء. ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء. ثمّ يمسح رأسه إلا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء. ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء.
فإن هو قام فصلّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجّده بالّذي هو له أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه» فحدّث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرّجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة لقد كبرت سنّي، ورقّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله. لو لم أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا مرّة أو مرّتين أو ثلاثا (حتّى عدّ سبع مرّات) ما حدّثت به أبدا. ولكنّي سمعته أكثر من ذلك) * «5» .
__________
(1) أقصر عن الصلاة: بمعنى امتنع عنها، يقال: قصر عن الأمر قصورّا وأقصر وقصّر وتقاصر: انتهى. القاموس (595) .
(2) مشهودة: يشهدها الملائكة محضورة، يحضرها أهل الطاعات.
(3) حتى يستقل الظل بالرمح: أي يقوم مقابله في جهة الشمال وهذه حالة الاستواء.
(4) تسجر جهنم: أي توقد كأنه أراد الإبراد بالظهر لقوله: «أبردوا بالظهر؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم» . النهاية (2/ 343) .
(5) مسلم (832) .(4/1072)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التفكر)
5-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) «1» اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك.
ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال:
«ما أنا بقارئ» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد «2» . ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» .
قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف «3» فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني.
فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم «4» ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرءا تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «5» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «6» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «7» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فقال: «لا والله ما أخشى عليكم، أيّها النّاس إلّا ما يخرج الله
__________
(1) قوله «وهو التعبد» تفسير من الراوي؛ لأن المعنى ترك الحنث أي المعصية ومن ترك المعصية دخل في الطاعة.
(2) الجهد: بالفتح يعني المشقة وبالضم يعني الوسع والطاقة.
(3) يرجف: أي يضطرب من شدة الخوف.
(4) تكسب المعدوم، قيل تكسب المال الذي لا يستطيع أحد كسبه وكانت العرب تمتدح بذلك، وقيل تكسب بالبناء للمجهول أي تجعل الشخص الضعيف يكسب المال.
(5) يا ليتني فيها جذعا: أي أكون في سن الشباب وجذعا خبر أكون المحذوفة مع اسمها. وقيل: النصب على الحال والجذع- بفتحتين- هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الإسلام شابّا قويّا ليكون أمكن لنصره.
(6) لم ينشب: أي لم يلبث.
(7) البخاري- الفتح 1 (3) ، ومسلم (160) واللفظ له.(4/1073)
لكم من زهرة الدّنيا» فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشّرّ؟ فصمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساعة. ثمّ قال:
«كيف قلت؟» قال: قلت يا رسول الله، أيأتي الخير بالشّرّ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخير لا يأتي إلّا بخير أو خير هو. إنّ كلّ ما ينبت الرّبيع يقتل حبطا «1» أو يلمّ. إلّا آكلة الخضر أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها «2» استقبلت الشّمس. ثلطت «3» أو بالت.
ثمّ اجترّت «4» ، فعادت فأكلت. فمن يأخذ مالا بحقّه يبارك له فيه. ومن يأخذ مالا بغير حقّه فمثله كمثل الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «5» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الآخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) ثمّ قام فتوضّأ واستنّ «6» فصلّى إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «7» .
8-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. فافتتح البقرة.
فقلت «8» يركع عند المائة. ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها فى ركعة. فمضى. فقلت: يركع بها. ثمّ افتتح النّساء فقرأها. ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا. إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح. وإذا مرّ بسؤال سأل. وإذا مرّ بتعوذّ تعوّذ. ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» فكان ركوعه نحوا من قيامه ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ثمّ قام طويلا قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال: «سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه» .
(قال) وفي حديث جرير من الزّيادة: فقال «سمع الله لمن حمده. ربّنا لك الحمد» ) * «9» .
9-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ القرآن» قال فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟
قال: «إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري» . فقرأت النّساء حتّى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل) * «10» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج
__________
(1) يقال حبطت الدابة حبطا بالتحريك إذا أصابت مرعى طيّبا فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت. النهاية (1/ 331) .
(2) امتلأت خاصرتاها: أي امتلأت شبعا وعظم جنباها.
(3) ثلطت من الثلط وهو الرجيع الرقيق وأكثر ما يقال للإبل والبقر والفيلة. النهاية (1/ 220) .
(4) اجترّت: أي أخرجت الجرة وهي ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم تبلعه.
(5) البخاري- الفتح 6 (2842) . ومسلم (1052) واللفظ له.
(6) استنّ: أي استعمل السواك.
(7) البخاري- الفتح 8 (4569) . ومسلم (763) .
(8) فقلت: أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مئة آية.
(9) مسلم (772) .
(10) البخاري- الفتح 8 (4582) . مسلم (800) واللفظ له.(4/1074)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبدياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب «1» فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «2» فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» ) *» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التفكر)
1-* (كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمرّ به مولاه فيقول: «يا لقمان، إنّك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع النّاس كان آنس لك فيقول لقمان: «إنّ طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنّة» ) * «4» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة بلا قلب» ) * «5» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للنّاظرين. وأتوا النّصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟
قالوا: كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ادع لنا ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا. فدعا ربّه فنزلت: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) فليتفكّروا فيها» ) *. «6»
4-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «تفكّروا في كلّ شيء ولا تفكّروا في ذات الله» ) * «7» .
5-* (قال عمر بن عبد العزيز: «الفكرة في نعم الله- عزّ وجلّ- من أفضل العبادة» ) * «8» .
__________
(1) قرن الثعالب: مكان قريب من مكة.
(2) الأخشبين: جبلان بمكة. قال ابن الأثير: الأخشبان الجبلان المطيفان بمكة، وهما أبو قبيس والأحمر وهو جبل مشرف وجهه على قعيقعان (موضع بمكة أيضا) والأخشب كل جبل خشن غليظ الحجارة. النهاية (2/ 32) .
(3) البخاري- الفتح 6 (3231) واللفظ له. ومسلم (1795) .
(4) الإحياء (4/ 424- 425) .
(5) المصدر نفسه (4/ 425) .
(6) الدر المنثور (2/ 407) .
(7) المصدر نفسه (2/ 409) .
(8) الإحياء (4/ 425) .(4/1075)
6-* (وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال:
«فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر» ) * «1» .
7-* (عن عبد الله بن عتبة قال: سألت أمّ الدّرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدّرداء؟ قالت:
«التفكّر والاعتبار» ) * «2» .
8-* (عن عامر بن عبد قيس قال: «سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقولون: «إنّ ضياء الإيمان أو نور الإيمان التّفكّر» ) * «3» .
9-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: «إنّ من أفضل العمل الورع والتّفكّر» ) * «4» .
10-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: «تفكّر ساعة خير من قيام ليلة» ) * «5» .
11-* (كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز:
«اعلم أنّ التّفكّر يدعو إلى الخير والعمل به، والنّدم على الشّرّ يدعو إلى تركه، وليس ما فني وإن كان كثيرا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المئونة المنقطعة الّتي تعقب الرّاحة الطّويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية» ) * «6» .
12-* (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال:
«لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة لا أزيد عليهما وأتردّد فيهما وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ «7» القرآن ليلتي هذّا أو قال أنثره نثرا» ) * «8» .
13-* (عن طاوس قال: «قال الحواريّون لعيسى ابن مريم، يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: «نعم، من كان منطقه ذكرا وصمته فكرا ونظره عبرة فإنّه مثلي» ) * «9» .
14-* (قال وهب بن منبّه: «ما طالت فكرة امرئ قطّ إلّا علم، وما علم امرؤ قطّ إلّا عمل» ) * «10» .
15-* (قال عبد الله بن المبارك: «مرّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر. كنز الرّجال، وكنز الأموال» ) * «11» .
16-* (قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: «إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة» ) * «12» .
17-* (قال بشر بن الحارث الحافي: «لو تفكّر النّاس في عظمة الله ما عصوا الله- عزّ
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 438) .
(2) انظر الزهد لوكيع بن الجراح (ص 474) .
(3) الدر المنثور (2/ 409) .
(4) كتاب الزهد لابن المبارك (ص 96) .
(5) الإحياء (4/ 424) .
(6) المصدر نفسه (4/ 424) .
(7) أهذ: أي أن أقرأه بسرعة.
(8) كتاب الزهد لابن المبارك (ص 97) .
(9) الإحياء (4/ 424) .
(10) المصدر نفسه (4/ 424) .
(11) المصدر نفسه (4/ 425) .
(12) تفسير ابن كثير (1/ 438) .(4/1076)
وجلّ» ) * «1» .
18-* (قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم. وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار
ومقامعها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» ) * «2» .
19-* (قيل لإبراهيم بن أدهم: «إنّك تطيل الفكرة» فقال: «الفكرة مخّ العقل» ) * «3» .
20-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «استعينوا على الكلام بالصّمت وعلى الاستنباط بالفكر» .
وقال أيضا: «صحّة النّظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرّأي سلامة من التّفريط والنّدم، والرّؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النّفس، وقوّة في البصيرة، ففكّر قبل أن تعزم، وتدبّر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم» ) * «4» .
21-* (عن الفضيل بن عياض قال: «الفكر مرآة تريك حسناتك وسيّئاتك» ) * «5» .
22-* (قال أبو سليمان: «عوّدوا أعينكم البكاء وقلوبكم التّفكّر» ) * «6» .
وقال: «الفكر في الدّنيا حجاب عن الآخرة والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب» ) * «7» .
23-* (عن امرأة كانت تسكن البادية قريبا من مكّة أنّها قالت: «لو تطالعت قلوب المتّقين بفكرها إلى ما قد ادّخر لها في حجب الغيب من خير الآخرة لم يصف لهم في الدّنيا عيش ولم تقرّ لهم في الدّنيا عين» ) * «8» .
24-* (قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله-:
«أنفع الدّواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كلّ شرّ، ومن فكّر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه، فالفكر والخواطر والإرادة والهمّة أحقّ شيء بإصلاحه من نفسك؛ فإنّ هذه خاصّتك وحقيقتك الّتي لا تبتعد أو تقترب من إلهك ومعبودك الّذي لا سعادة لك إلّا في قربه ورضاه عنك إلّا بها، وكلّ الشّقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلّا كذلك» ) * «9» .
__________
(1) الإحياء (4/ 424) .
(2) المصدر نفسه (4/ 425) .
(3) المصدر نفسه (4/ 424) .
(4) المصدر نفسه (4/ 425) .
(5) المصدر نفسه (4/ 424) .
(6) المصدر نفسه (4/ 425) .
(7) الإحياء (4/ 424) .
(8) المصدر نفسه (4/ 424) .
(9) الجواب الكافي، لابن القيم (ص 86) .(4/1077)
ومن أقوال الشعراء:
25-* (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-:
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كلّ شيء له عبرة) * «1»
26-* (أنشد بعض الأدباء:
إنّي رأيت عواقب الدّنيا ... فتركت ما أهوى لما أخشى
فكّرت في الدّنيا وعالمها ... فإذا جميع أمورها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا ... كلّ امرئ في شأنه يسعى
أسنى منازلها وأرفعها ... في العزّ أقربها من المهوى
تعفو مساويها محاسنها ... لا فرق بين النّعي والبشرى
وقد مررت على القبور فما ... ميّزت بين العبد والمولى
أتراك تدري كم رأيت من ... الأحياء ثمّ رأيتهم موتى) * «2»
27-* (قال الشّاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النّعم
وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم
وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم) * «3»
من فوائد (التفكر)
(1) طريق موصّل إلى رضوان الله ومحبّته.
(2) انشراح للصّدر وسكينة للقلب.
(3) التّفكّر يورث الخوف والخشية من الله- عزّ وجلّ-.
(4) التّفكّر يورث الحكمة ويحيي القلوب.
(5) كثرة الاعتبار والاتّعاظ من سير السّابقين.
(6) التّفكّر قيمة عقليّة كبرى تؤدّي إلى يقظة الأفراد ونهضة الأمم.
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 438) .
(2) الفوائد لابن القيم (227) .
(3) أدب الدنيا والدين للماوردي (285) .(4/1078)
التقوى
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
158/ 47/ 8
التقوى لغة:
هي الاسم من قولهم اتّقى والمصدر الاتّقاء وكلاهما مأخوذ من مادّة (وق ى) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره، والثّلاثيّ من هذه المادّة «وقى» يقال: وقيت الشّيء أقيه وقيا، والوقاية ما يقي الشّيء، والاتّقاء اتّخاذ الوقاية وهو بمعنى التّوقّي، يقال:
توقّيت الشّيء واتّقيته بمعنى، ومعنى قولهم: اتّق الله:
توقّه أي اجعل بينك وبينه كالوقاية، وقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» كأنّه أراد اجعلوها (أي شقّ التّمرة) وقاية بينكم وبينها (النّار) .
وقال الرّاغب ما خلاصته: الوقاية: حفظ الشّيء ممّا يؤذيه ويضرّه وهي بهذا المعنى مصدر مثل الوقاء، يقال: وقيت الشّيء أقيه وقاية ووقاء، وعلى ذلك قوله- عزّ وجلّ-:- ووقاهم عذاب السّعير والتّقوى جعل النّفس في وقاية ممّا يخاف، هذا تحقيقه، ثمّ يسمّى الخوف تارة تقوى، والتّقوى خوفا، حسب تسمية مقتضى الشّيء بمقتضيه، والمقتضي للشّيء بمقتضاه، ويقال: اتّقى فلان بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، وعلى ذلك قوله سبحانه: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (الزمر/ 24) وفيه تنبيه على شدّة ما ينالهم، وأنّ أجدر شيء يتّقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم «1» .
قال الجوهريّ:
التّقوى والتّقى واحد والتّقيّ: المتّقي. وقد قالوا: ما أتّقاه لله. وقال الشاعر:
ومن يتّق فإنّ الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغادي «2»
قال ابن منظور: وفي التّنزيل العزيز:- وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (محمد/ 17) أي جزاء تقواهم. وقيل معناه:
ألهمهم تقواهم. وقوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (المدثر/ 56) ، أي هو أهل أن يتّقى عقابه، وأهل أن يعمل بما يؤدّي إلى مغفرته. قال أبو بكر:
رجل تقيّ ويجمع أتقياء، معناه أنّه موقّ نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصّالح، وأصله من وقيت نفسي أقيها» .
__________
(1) بتصرف عن: المقاييس (6/ 13) ، ومفردات الراغب (ص 530) .
(2) البيت في الصاحبي (28) وشرح الشافية (2/ 299) وسكنت القاف في يتق لضرورة الوزن وكان القياس كسرها، وكذا سكنت عين «مع» لضرورة الوزن. راجع شرح شواهد الشافية (4/ 225) .
(3) المقاييس لابن فارس (6/ 131) ، والمفردات للراغب (ص 530) ، والصحاح للجوهري (6/ 2527) ولسان العرب لابن منظور (15/ 402) .(4/1079)
التقوى اصطلاحا:
قال الرّاغب: التّقوى في تعارف الشّرع: حفظ النّفس عمّا يؤثم وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات، لما روي: الحلال بيّن والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه، وقال الجرجانيّ: التّقوى في الطّاعة يراد بها الإخلاص وفي المعصية يراد بها التّرك والحذر، وقيل هي: «الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته وصيانة النّفس عمّا تستحقّ به العقوبة من فعل أو ترك» ، وقيل: هي المحافظة على آداب الشّريعة ومجانبة كلّ ما يبعد المرء عن الله تعالى، وقيل: هي ترك حظوظ النّفس ومباينة الهوى.
وقال الفيروز آباديّ: التّقوى البالغة الجامعة:
اجتناب كلّ ما فيه ضرر وهو المعصية، والفضول، فعلى ذلك تنقسم إلى فرض ونفل.
وقيل: هي التّجنّب عن كلّ ما يؤثّم من فعل أو ترك. وقيل: هي امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه، بفعل كلّ مأمور به وترك كلّ منهيّ عنه حسب الطّاقة. قال الحليميّ: حقيقة التّقوى فعل المأمور به والمندوب إليه واجتناب المنهيّ عنه والمكروه المنزّه عنه لأنّ المراد من التّقوى وقاية العبد نفسه من النّار وهو إنّما يقي نفسه من النّار بما ذكرت «1» .
من معاني كلمة التقوى في القرآن:
ورد لفظ التّقوى في القرآن الكريم على خمسة أوجه:
1- الخوف والخشية كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج/ 1) .
2- العبادة كما في قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (النحل/ 2) .
3- ترك المعصية كما في قوله تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (البقرة/ 189) أي لا تعصوه.
4- التّوحيد كما في قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (الحجرات/ 3) أي للتّوحيد.
5- الإخلاص كما في قوله سبحانه: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج/ 32) «2» .
بين التقوى والورع:
التّقوى تقارب الورع إلّا أنّ بينهما فروقا منها:
1- التّقوى أخذ عدّة، والورع دفع شبهة.
__________
(1) التعريفات للجرجاني (65) ، وانظر شعب الإيمان للبيهقي (7/ 157) ، ودليل الفالحين (1/ 642) ، والمفردات للأصفهاني (ص 530) ، وبصائر ذوي التمييز (2/ 300) .
(2) كشف الأسرار لابن العماد (ص 222 وما بعدها) ، وقارن ببصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (2/ 300) ، ونزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (219) وما بعدها.(4/1080)
2- التّقوى متحقّق السّبب، والورع مظنون السّبب.
3- التّقوى احتراز عما يتّقيه الإنسان ويحصل به الحيلولة بينه وبين ما يكره، والورع تجاف بالنّفس عن الانبساط فيما لا يؤمن عاقبته «1» .
بشارات القرآن للمتقين:
بشّر القرآن الكريم المتّقين ببشارات عديدة منها:
العون والنّصرة، والتّكريم، والعلم والحكمة، وتكفير الذّنوب وتعظيم الأجر، والمغفرة، واليسر والسّهولة في الأمر، والخروج من الغمّ والمحنة، ومنها الرّزق الواسع في الدّنيا، والنّجاة من العقوبة في الآخرة، ومنها التّوفيق والعصمة والفوز بالمراد، وشهادة الله لهم بالصّدق، ومحبّة الله وإكرامه ونيل الوصال وقبول الصّدقة والصّفاء وكمال العبوديّة، ومنها المقام الأمين والجنّات والعيون والأمن من البليّة وعزّ الفوقيّة وزوال الحزن والخوف من العقوبة والزّوجات الحسان (الكواعب الأتراب) في الجنّة، وأعظم من هذا كلّه القرب من الحضرة الإلهيّة عند الفوز بمقعد صدق عند مليك مقتدر «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستقامة- الإيمان- الخشية- الخوف- الطاعة- تعظيم الحرمات- الخشوع- السكينة- الورع- الإخلاص.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الضلال- العصيان- الفجور- النفاق- الرياء- الغفلة- انتهاك الحرمات] .
__________
(1) بتصرف يسير من: نزهة الأعين النواظر (219) .
(2) انظر الآيات الدالة على هذه البشارات في بصائر ذوي التمييز (5/ 300- 303) ، وقارن بفوائد الصفة.(4/1081)
الآيات الواردة في «التقوى»
من هم المتقون (صفات المتقين) :
1- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «1»
2-* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «2»
3-* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «3»
__________
(1) البقرة: 1- 5 مدنية
(2) البقرة 177 مدنية
(3) آل عمران: 133- 138 مدنية(4/1082)
التقوى بمعنى تنزيه القلب عن المعاصي وترك الذنوب:
4- وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) «1»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) «2»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «3»
7- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) .
__________
(1) البقرة: 101- 103 مدنية
(2) البقرة: 178- 179 مدنية
(3) البقرة: 183- 184 مدنية(4/1083)
* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «1»
8- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (197) «2»
9- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «3»
10- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4»
11- وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) «5»
12-* لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ
__________
(1) البقرة: 187- 189 مدنية
(2) البقرة: 196- 197 مدنية
(3) البقرة: 223- 224 مدنية
(4) البقرة: 236- 237 مدنية
(5) البقرة: 241- 242 مدنية(4/1084)
فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) «1»
13- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) «2»
14- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «3»
15- الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «4»
16- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178) ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «5»
17-* لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) «6»
18- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ
__________
(1) آل عمران: 113- 115 مدنية
(2) آل عمران: 120 مدنية
(3) آل عمران: 123- 126 مدنية
(4) آل عمران: 172- 174 مدنية
(5) آل عمران: 178- 179 مدنية
(6) آل عمران: 186 مدنية(4/1085)
اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) «1»
19- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) «2»
20- وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «3»
21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «4» 22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) «5»
23- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «6»
24- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) «7»
__________
(1) النساء: 77- 80 مدنية
(2) النساء: 128- 130 مدنية
(3) المائدة: 7- 8 مدنية
(4) المائدة: 11 مدنية
(5) المائدة: 87- 88 مدنية
(6) المائدة: 93 مدنية
(7) المائدة: 96 مدنية(4/1086)
25- قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) «1»
26- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) «2»
27- قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) «3»
28- وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) »
29- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(153) «5»
30- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) «6»
__________
(1) المائدة: 100 مدنية
(2) المائدة: 111- 115 مدنية
(3) الأنعام: 50- 51 مكية
(4) الأنعام: 68- 70 مكية
(5) الأنعام: 152- 153 مكية
(6) الأعراف: 26 مكية(4/1087)
31-* وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) «1»
32- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «2»
33- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) «3»
34- إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) «4»
35- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «5»
36- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) «6»
37- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) «7»
38- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
__________
(1) الأعراف: 171 مكية
(2) الأعراف: 200- 201 مكية
(3) الأنفال: 67- 69 مدنية
(4) التوبة: 4 مدنية
(5) التوبة: 36 مدنية
(6) يونس: 62- 64 مكية
(7) هود: 77- 78 مكية(4/1088)
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) «1»
39- فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) «2»
40- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) «3»
41- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «4»
42- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «5»
43- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)
__________
(1) يوسف: 87- 90 مكية
(2) الحجر: 61- 69 مكية
(3) النور: 51- 52 مدنية
(4) النمل: 51- 53 مكية
(5) الأحزاب: 1- 3 مدنية(4/1089)
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) «1»
44- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «2»
45- وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) «3»
46- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) «4»
47- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) «5»
48- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
__________
(1) الأحزاب: 53- 55 مدنية
(2) الزمر: 10 مكية
(3) الزمر: 55- 61 مكية
(4) محمد: 36 مدنية
(5) الحجرات: 1- 3 مدنية(4/1090)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «1»
49- ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7) «2» 50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) «3» 51- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «4»
52- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19)
__________
(1) الحجرات: 9- 13 مدنية
(2) الحشر: 7 مدنية
(3) الممتحنة: 10- 11 مدنية
(4) الطلاق: 8- 11 مدنية(4/1091)
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «1»
53- أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) «2»
التقوى بمعنى الخوف والخشية:
54- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) «3»
55- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) «4»
56- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) «5»
57-* وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) «6»
__________
(1) الليل: 5- 21 مكية
(2) العلق: 9- 14 مكية
(3) البقرة: 47- 48 مدنية
(4) البقرة: 62- 66 مدنية
(5) البقرة: 122- 123 مدنية
(6) البقرة: 203- 206 مدنية(4/1092)
58- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) «1»
59-* وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) «2»
60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) »
61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «4»
62- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)
__________
(1) البقرة: 231 مدنية
(2) البقرة: 233 مدنية
(3) البقرة: 278- 279 مدنية
(4) البقرة: 282 مدنية(4/1093)
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) «1»
63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) «2»
64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «3» 65- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) «4»
66- وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (9) «5»
67-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) «6»
68- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «7»
69- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «8»
__________
(1) آل عمران: 45- 50 مدنية
(2) آل عمران: 130- 132 مدنية
(3) آل عمران: 200 مدنية
(4) النساء: 1 مدنية
(5) النساء: 9 مدنية
(6) المائدة: 27 مدنية
(7) المائدة: 35 مدنية
(8) المائدة: 57- 58 مدنية(4/1094)
70- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) «1»
71- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108) «2»
72- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «3»
73- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99) «4»
74- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) * وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) «5»
__________
(1) المائدة: 65 مدنية
(2) المائدة: 106- 108 مدنية
(3) النمل: 51- 53 مكية
(4) الأعراف: 96- 99 مكية
(5) الأعراف: 155- 156 مكية(4/1095)
75- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) «1»
76- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «2»
77- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) «3»
78- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) «4»
79- لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) «5»
__________
(1) الأعراف: 165- 169 مكية
(2) الأنفال: 1- 4 مدنية
(3) الأنفال: 24- 25 مدنية
(4) التوبة: 3- 4 مدنية
(5) التوبة: 44- 45 مدنية(4/1096)
80-* وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) «1»
81- وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) «2»
82- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) «3»
83- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) «4»
84- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «5» 85- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) «6»
86- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) «7»
__________
(1) النحل: 30- 32 مكية
(2) النحل: 126- 128 مكية
(3) مريم: 12- 19 مكية
(4) مريم: 96- 98 مكية
(5) طه: 113- 114 مكية
(6) الأنبياء: 48- 49 مكية
(7) الحج: 1- 2 مدنية(4/1097)
87- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «1»
88- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) «2»
89- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) «3»
90- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) «4»
91- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «5»
92- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) »
93- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) «7»
94- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) «8»
95- وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (42)
__________
(1) الحج: 36- 37 مدنية
(2) المؤمنون: 23 مكية
(3) المؤمنون: 31- 32 مكية
(4) العنكبوت: 16- 17 مكية
(5) الروم: 30- 32 مكية
(6) لقمان: 33 مكية
(7) الأحزاب: 37 مدنية
(8) الأحزاب: 70- 71 مدنية(4/1098)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (44) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) «1»
96- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «2»
97- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) «3»
98- وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (18) «4»
99- وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) «5»
100- وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا
__________
(1) يس: 41- 46 مكية
(2) ص: 27- 28 مكية
(3) الزمر: 27- 33 مكية
(4) فصلت: 17- 18 مكية
(5) الزخرف: 63- 67 مكية(4/1099)
بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «1»
101- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «2»
102- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (19) «3»
103- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) «4»
104- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) «5»
105- كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) «6»
التقوى بمعنى الطاعة:
106- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) «7»
__________
(1) الحجرات: 9- 13 مدنية
(2) الحديد: 28 مدنية
(3) الحشر: 18- 19 مدنية
(4) الحاقة: 38- 48 مكية
(5) نوح: 1- 4 مكية
(6) المدثر: 54- 56 مكية
(7) البقرة: 183- 184 مدنية(4/1100)
107-* وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) «1»
108- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) «2»
109- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «3»
110- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) «4»
111- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)
__________
(1) آل عمران: 75- 76 مدنية
(2) آل عمران: 102- 105 مدنية
(3) المائدة: 2 مدنية
(4) طه: 130- 132 مكية(4/1101)
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «1»
112- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «2»
113- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «3»
114- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) «4»
115- وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4) وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «5»
التقوى بمعنى العبادة:
116- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) «6»
117- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) «7»
118- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) «8»
__________
(1) الأحزاب: 32- 34 مدنية
(2) المجادلة: 9 مدنية
(3) التغابن: 14- 16 مدنية
(4) الطلاق: 1 مدنية
(5) الشمس: 1- 10 مكية
(6) البقرة: 40- 41 مدنية
(7) الأعراف: 128 مكية
(8) النحل: 1- 2 مكية(4/1102)
119-* وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) «1»
120- قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20) «2»
التقوى بمعنى التوحيد والإيمان:
121- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212) «3»
122- قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) «4»
123- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) «5»
124- وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) »
125- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) «7»
126- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
__________
(1) النحل: 51- 52 مكية
(2) الزمر: 14- 20 مكية
(3) البقرة: 212 مدنية
(4) آل عمران: 137- 138 مدنية
(5) النساء: 131 مدنية
(6) الأنعام: 30- 32 مكية
(7) الأعراف: 35 مكية(4/1103)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) «1»
127- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «2»
128- أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72) «3»
129- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) «4»
130- كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «5»
131- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132)
__________
(1) الأعراف: 59- 63 مكية
(2) يوسف: 108- 109 مكية
(3) مريم: 67- 72 مكية
(4) المؤمنون: 86- 89 مكية
(5) الشعراء: 105- 110 مكية(4/1104)
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) «1»
132- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152) «2»
133- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (166) «3»
134- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) «4»
135- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) «5»
التقوى بمعنى الإخلاص:
136- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
__________
(1) الشعراء: 123- 135 مكية
(2) الشعراء: 141- 152 مكية
(3) الشعراء: 160- 166 مكية
(4) الشعراء: 176- 184 مكية
(5) الصافات: 123- 126(4/1105)
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) «1»
137-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) «2»
جزاء المتقين:
138- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) «3»
139- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «4»
__________
(1) التوبة: 107- 109 مدنية
(2) الفتح: 18- 26 مدنية
(3) آل عمران: 196- 198 مدنية
(4) الأنفال: 29 مدنية(4/1106)
140- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) «1»
141-* مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35) «2»
142- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) «3» 143- جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (63) وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) «4»
144- بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا (16) «5»
__________
(1) التوبة: 5- 7 مدنية
(2) الرعد: 35 مدنية
(3) الحجر: 45- 48 مكية
(4) مريم: 61- 64 مكية
(5) الفرقان: 11- 16 مكية(4/1107)
145- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (91) «1»
146- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84) «2»
147- وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51) * وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) «3»
148- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) «4»
149- وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) «5»
150- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16)
__________
(1) الشعراء: 90- 91 مكية
(2) القصص: 83- 84 مكية
(3) ص: 45- 52 مكية
(4) الدخان: 51- 57 مكية
(5) الجاثية: 16- 19 مكية(4/1108)
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) «1»
151- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ
(35) «2»
152- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) «3»
153- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) «4»
154- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) «5»
155- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) «6»
156- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) »
157- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) «8»
158- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) «9»
__________
(1) محمد: 15- 17 مدنية
(2) ق: 31- 35 مكية
(3) الذاريات: 15- 18 مكية
(4) الطور: 17- 19 مكية
(5) القمر: 54- 55 مكية
(6) الطلاق: 2- 5 مدنية
(7) القلم: 34- 36 مكية
(8) المرسلات: 41- 44 مكية
(9) النبأ: 31- 36 مكية.(4/1109)
الأحاديث الواردة في (التقوى)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اتّقوا الظّلم؛ فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتّقوا الشّحّ «1» ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» ) * «2» .
2-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب في حجّة الوداع فقال:
«اتّقوا الله ربّكم، وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم» ) * «3» .
3-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: أردفني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ذات يوم فأسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من النّاس، وكان أحبّ ما استتر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحاجته هدفا «5» أو حائش نخل «6» ، قال: فدخل حائطا «7» لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه «8» ، فقال: «من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» . فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي، يا رسول الله. فقال: «أفلا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي ملّكك الله إيّاها فإنّه شكا إليّ أنّك تجيعه وتدئبه «9» » ) * «10» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاءه فقال: أوصني فقال: سألت عمّا سألت عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبلك فقال: «أوصيك بتقوى الله؛ فإنّه رأس كلّ شيء، وعليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنّه روحك في السّماء، وذكرك في الأرض» ) * «11» .
6-* (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيقبّل الصّائم؟. فقال له
__________
(1) الشح: أشد البخل.
(2) مسلم (2578) .
(3) الترمذي (616) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحاكم (1/ 9، 389) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأقرّه محقق «جامع الأصول» (9/ 545) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1417) واللفظ له. ومسلم (1016) .
(5) هدفا: الهدف ما ارتفع من بناء ونحوه.
(6) حائش نخل: هو النخل الملتف المجتمع لا واحد له من لفظه. راجع اللسان مادة «حوش» .
(7) الحائط: ههنا: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وجمعه حوائط. اللسان «حوط» .
(8) ذفراه: ذفرى البعير- بكسر الذال الموضع الذي يعرق من قفاه أو العظم الشاخص خلف الأذن. «القاموس: ذفر» .
(9) تدئبه: تتعبه وتشقيه.
(10) أبو داود (2549) قال محقق جامع الأصول (4/ 527) : إسناده صحيح. وهو عند مسلم بدون قصة الجمل.
(11) أحمد في المسند (3/ 82) . والهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد ثقات والحديث في الصحيحة للألباني (555) .(4/1110)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سل هذه» (لأمّ سلمة) فأخبرته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنع ذلك. فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما والله إنّي لأتقاكم لله، وأخشاكم له» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّي أريد أن أسافر فأوصني.
قال: «عليك بتقوى الله، والتّكبير على كلّ شرف «2» ، فلمّا أن ولّى الرّجل، قال: «اللهمّ اطو له البعد وهوّن عليه السّفر» ) * «3» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا، ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده، اللهم أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكابة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» ) * «4» .
9-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- أنّ سائلا جاءه فسأله نفقة في ثمن خادم، أو في بعض ثمن خادم، فقال: «ليس عندي ما أعطيك، إلّا درعي ومغفري «5» فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها، فلم يرض، فغضب عديّ فقال، أما والله لا أعطيك شيئا، ثمّ إنّ الرّجل رضي، فقال: أما والله لولا أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف على يمين ثمّ رأى أتّقى لله منها فليأت التّقوى» ما حنثت يميني «6» ) * «7» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: بلغ صفيّة أنّ حفصة قالت: بنت يهوديّ فبكت فدخل عليها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال: «ما يبكيك؟» فقالت: قالت لي حفصة: إنّي بنت يهوديّ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك لابنة نبيّ، وإنّك لتحت نبيّ. ففيم تفخر عليك؟، ثمّ قال: اتّقي الله يا حفصة» ) * «8» .
11-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: تصدّق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلق أبي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفعلت هذا بولدك كلّهم؟» قال: لا. قال: «اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم» ، فرجع أبي
__________
(1) مسلم (1108) .
(2) الشرف: المكان المرتفع.
(3) الترمذي (3445) وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2740) . وصححه الحاكم في المستدرك (3/ 98) ووافقه الذهبي. وحسّنه أيضا محقق «جامع الأصول» (4/ 290) .
(4) مسلم (1342) .
(5) المغفر- بكسر- أوله حلق يجعلها الرجل أسفل البيضة تسبغ على العنق فتقيه.
(6) ما حنثت يميني: أي ما جعلتها ذات حنث؛ بل جئت بارّا بها وفيّا بموجبها.
(7) مسلم (1651) .
(8) إسناده صحيح، أخرجه أحمد (3/ 135- 136) ، والترمذي (3894) ، والطبراني (24/ 186) ، وابن حبان (7212) . وصححه محقق «جامع الأصول» (9/ 144) .(4/1111)
فردّ تلك الصّدقة) * «1» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها «2» ، فقالوا وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا.
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟، أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّى أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «3» .
13-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّق الله وأمسك عليك زوجك» ) * «4» .
14-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زودّك الله التّقوى» قال: زدني.
قال: «وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال:
«ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «5» .
15-* (عن سمرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحسب: المال، والكرم:
التّقوى» ) * «6» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة قال: «تقوى الله وحسن الخلق» ) * «7» .
17-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- في حديثه الطّويل في حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث وفيه: «فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله وأنتم تسألون عنّي. فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللهمّ اشهد.
اللهم اشهد» (ثلاث مرّات) الحديث ... » ) * «8» .
18-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السّيّئة
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2587) . ومسلم (1623) واللفظ له.
(2) تقالوها: تقللوها. أي عدوها قليلة وعبارة ابن حجر في الفتح (9/ 7) أي استقلوها.
(3) البخاري- الفتح 9 (5063) واللفظ له. ومسلم (1108) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7420) .
(5) الترمذي (3444) وقال: حديث حسن غريب، وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2739) . وقال محقق جامع الأصول (4/ 290) : إسناده حسن.
(6) الترمذي (3271) ، والحاكم (2/ 163) و (4/ 325) ، وأحمد (5/ 10) ، وصححه الألباني في الإرواء (1870) .
(7) الترمذي (616) وقال: حديث حسن غريب.
(8) مسلم (1218) .(4/1112)
الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «1» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قد أذهب الله عنكم عبّيّة الجاهليّة «2» وفخرها بالآباء، مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، والنّاس بنو آدم، وآدم من تراب» ) *» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أكرم النّاس؟ قال: «أكرمهم أتّقاهم» ، قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك.
قال: «وأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك.
قال: «أفعن معادن العرب تسألونني؟» . قالوا: نعم.
قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» ) * «4» .
21-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله، أيّ النّاس أفضل؟.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» . قالوا: ثمّ من؟. قال: «مؤمن في شعب «5» من الشّعاب يتّقي الله ويدع النّاس من شرّه» ) * «6» .
22-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: كان آخر كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة الصّلاة، اتّقوا الله فيما ملكت أيمانكم» ) * «7» .
23-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثمّ قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا «8» ولا تغدروا ولا تمثلوا «9» ولا تقتلوا وليدا «10» . وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) ، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام «11» ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحوّلوا منها فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون
__________
(1) الترمذي (2053) وقال: حديث حسن صحيح. وحسّنه محقق و «جامع الأصول» (11/ 694) .
(2) عبية الجاهلية: المراد به الكبر. وقال ابن الأثير هي فعّولة أو فعّيلة، فإن كانت فعّولة فهي من التّعبية؛ لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية، خلاف من يسترسل على سجيته، وإن كانت فعّلية فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه، وقيل: إن اللام قلبت ياء. النهاية 3/ 169.
(3) أبو داود (5116) . والترمذي (3965) وحسنه الألباني (صحيح الترمذي: 3101) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3374) .
(5) الشعب: بكسر أوله- ما انفرج بين جبلين.
(6) البخاري- الفتح 6 (2786) واللفظ له. ومسلم (1888) .
(7) أبو داود (5156) وقال محقق جامع الأصول (11/ 804) : حديث صحيح.
(8) ولا تغلوا: من الغلول. ومعناه الخيانة في المغنم. أي لا تخونوا في الغنيمة.
(9) ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأطراف والآذان.
(10) وليدا: أي صبيّا؛ لأنّه لا يقاتل.
(11) ثم ادعهم إلى الإسلام: قال القاضي عياض- رضي الله تعالى عنه-: صواب الرواية: ادعهم، بإسقاط ثم، وقد جاء بإسقاطها على الصواب في كتاب أبي عبيد وفي سنن أبي داود وغيرهما؛ لأنه تفسير للخصال الثلاث، وليست غيرها. وقال المازري: ليست ثم، هنا، زائدة، بل دخلت لاستفتاح الكلام والأخذ.(4/1113)
لهم في الغنيمة والفيء شيء إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله «1» وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة الله ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك؛ فإنّكم إن تخفروا «2» ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمّة الله وذمّة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» ) * «3» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التّقوى ههنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرّات) بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» ) * «4» .
25-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لا تصاحب إلّا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ» ) * «5» .
26-* (عن عطيّة السّعديّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتّقين حتّى يدع ما لا بأس به حذرا ممّا به البأس» ) * «6» .
27-* (عن سهل بن الحنظليّة- رضي الله عنه- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: «اتّقوا الله في هذه البهائم المعجمة «7» ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة» ) * «8» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:» من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنّما الإمام جنّة يقاتل من ورائه ويتّقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل فإنّ له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإنّ عليه منه» ) * «9» .
__________
(1) ذمة الله: الذمة، هنا، العهد.
(2) أن تخفروا: يقال: أخفرت الرجل إذا نقضت عهده، وخفرته أمنته وحميته.
(3) مسلم (1731) .
(4) مسلم (2564) .
(5) أبو داود (4832) . والترمذي (2395) وقال: حديث حسن، والحاكم في المستدرك (4/ 128) وصححه ووافقه الذهبي. وحسّنه أيضا محقق «جامع الأصول» (6/ 666) .
(6) الترمذي (2451) وقال: حديث حسن غريب. وسنن ابن ماجة (4215) ، وفي سنده عبد الله بن يزيد، وثقه ابن حبان، التهذيب (6/ 83) . وصححه السيوطي أيضا برقم 9942، وأخرجه الحاكم بلفظ «إن الرجل لا يكون من المتقين ... » وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي (4/ 320) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 612) حديث حسن.
(7) المعجمة: التي لا تنطق.
(8) أبو داود (2548) وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) : إسناده حسن.
(9) البخاري- الفتح 6 (2957) واللفظ له. ومسلم (1841) .(4/1114)
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ- أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك؛ فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «1» .
30-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: «وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال: «أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم يرى «2» اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين عضّوا عليها بالنّواجذ» ) * «3» .
31-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل.
فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل. فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها لعلّ الله يفرجها عنكم. فقال أحدهم: اللهم إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «4» ، حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «5» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «6» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم «7» حتّى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الآخر: اللهّمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين
__________
(1) أحمد في المسند (2/ 310) . والترمذي (2305) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1876) . وابن ماجة (4217) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 687) : حديث حسن.
(2) هكذا النص في الترمذي، وقد رويت في سنن أبي داود [فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى ... ] ورواية ابن ماجة: [من يعش منكم فسيرى ... ] .
(3) أبو داود (4607) والترمذي (2676) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة في المقدمة (42) . وقال محقق «جامع الأصول» 1/ 279) : إسناده صحيح.
(4) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. يقال: أرحت الماشية وروحتها، بمعنى.
(5) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد. والنأي البعد.
(6) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع.
(7) فلم يزل ذلك دأبي: أي حالي اللازمة.(4/1115)
رجليها، قالت: يا عبد الله اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم.
وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «1» ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها.
فقال: اتّق الله ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزأ بك خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «2» .
32-* (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرأى النّاس يتبايعون، فقال: «يا معشر التّجّار» فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: «إنّ التّجار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «3» .
33-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان يقول: «اللهمّ إنّي أسألك الهدى والتّقى والعفاف والغنى» ) * «4» .
34-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: أهللنا أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالحجّ خالصا وحده، فقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صبح رابعة مضت من ذي الحجّة، فأمرنا أن نحلّ، قال عطاء: قال: «حلّوا وأصيبوا النّساء «5» » . قال عطاء: ولم يعزم عليهم «6» ، ولكن أحلّهنّ لهم، فقلنا: لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس: أمرنا أن نفضي إلى نسائنا «7» فنأتي عرفة»
تقطر مذاكيرنا المنيّ، قال: يقول جابر بيده (كأنّي أنظر إلى قوله بيده يحرّكها) قال: فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فينا، فقال:
«قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم ولولا هديي لحللت كما تحلّون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فقدم عليّ من سعايته «9» فقال: «بم أهللت؟» . قال: بما أهلّ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فأهد وامكث حراما» قال: وأهدى له عليّ هديا فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد «10» ؟ فقال: «لأبد» ) * «11» .
__________
(1) بفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان، الفتح أجود وأشهر. وهو إناء يسع ثلاثة آصع.
(2) البخاري- الفتح 6 (3465) . ومسلم (2743) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 5 (2448) واللفظ له. ومسلم (19) .
(4) مسلم (2721) .
(5) حلوا وأصيبوا النساء: أي اخرجوا من إحرامكم، وباشروا حلائلكم.
(6) ولم يعزم عليهم: أي لم يأمرهم أمرا جازما في وطء النساء، بل أباحه لهم. وأما الإحلال فعزم فيه على من لم يكن معه هدي.
(7) نفضي إلى نسائنا: أي نصل إليهن بالجماع.
(8) فنأتي عرفة: أراد بها عرفات.
(9) من سعايته: أي من عمله في السعي في الصدقات.
(10) لأبد: اختلف العلماء في معناه، وأصحها وبه قال الجمهور: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، وفيه بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني معناه: جواز القران. وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة.
(11) البخاري- الفتح 13 (7367) . ومسلم (1216) واللفظ له.(4/1116)
35-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إذا أدّب الرّجل أمته فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثمّ أعتقها فتزوّجها كان له أجران، وإذا آمن بعيسى ثمّ آمن بي فله أجران، والعبد إذا اتّقى ربّه وأطاع مواليه فله أجران» ) * «1» .
36-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- رفعه، قال: «إذا أصبح ابن آدم فإنّ الأعضاء كلّها تكفّر اللّسان، فتقول: اتّق الله فينا فإنّما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» ) * «2» .
37-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يحبّ العبد التّقيّ الغنيّ الخفيّ» ) * «3» .
38-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: أهدي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرّوج «4» حرير، فلبسه فصلّى فيه ثمّ انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال: «لا ينبغي هذا للمتّقين» ) * «5» .
39-* (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: بعث علىّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة «6» في أديم مقروظ «7» لم تحصّل من ترابها «8» قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع: إمّا علقمة وإمّا عامر بن الطّفيل «9» فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» . قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة «10» كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله اتّق الله.
قال: «ويلك أو لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد:
يا رسول الله ألا أضرب عنقه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إنّي لم أومر أن أنقّب عن قلوب النّاس «11» . ولا أشّق بطونهم» . قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «12» . فقال:
«إنّه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» قال: أظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «13» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3446) ، ومسلم (2249) .
(2) الترمذي (2407) وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (1962) .
(3) مسلم (2965) .
(4) الفروج: قباء شق من خلفه.
(5) البخاري- الفتح 1 (375) واللفظ له. ومسلم (2075) .
(6) بذهيبة: تصغير ذهبة.
(7) في أديم مقروظ: أي في جلد مدبوغ بالقرظ. والقرظ: حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه.
(8) لم تحصل من ترابها: أي لم تميز ولم تصفّ من تراب معدنها.
(9) وإما عامر بن الطفيل: قال العلماء: ذكر عامر، هنا غلط ظاهر. لأنه توفي قبل هذا بسنين. والصواب الجزم بأنه: علقمة بن علاثة، كما هو مجزوم به في باقي الروايات.
(10) ناشز الجبهة: أي مرتفعها.
(11) لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس: أي أفتش وأكشف. ومعناه: إني أمرت بأن أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر..
(12) وهو مقفّ: أي مولّ، قد أعطانا قفاه.
(13) البخاري- الفتح 7 (4351) واللفظ له. ومسلم (1064) .(4/1117)
الأحاديث الواردة في (التقوى) معنى
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ) * «1» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «2» .
42-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستّين دينارا على أن يطأها، فلمّا قعد منها مقعد الرّجل من امرأته، أرعدت فبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهتك؟ قالت: لا، ولكنّه عمل ما عملته قطّ، وما حملني عليه إلّا الحاجة.
فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته؟ اذهبي فهي لك.
وقال: لا والله لا أعصي الله بعدها أبدا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوبا على بابه: إنّ الله قد غفر للكفل» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التقوى)
43-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخا لكم لا يقول الرّفث» يعني بذلك ابن رواحة قال:
فينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشقّ معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أنّ ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع)
* «4» .
44-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم، أو ليصلّي حتّى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له، فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» .
وفي رواية عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ
__________
(1) مسلم (2564) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1423) . ومسلم (1031) واللفظ له.
(3) الترمذي (2496) وقال: هذا حديث حسن، وأحمد- المسند (ت: شاكر) رقم 4747. وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح، ورواه الحاكم (4/ 254- 255) ، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(4) البخاري- الفتح 10 (6151) .(4/1118)
الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا» ) * «1» .
45-* (عن عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبّي وفي صدره أزيز كأزيز الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
46-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: ما هممت؟ قال:
هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
47-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» قلت: اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» ، فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) قال: «أمسك» ، فإذا عيناه تذرفان) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التقوى)
1-* (سأل رجل أبا هريرة- رضي الله عنه-:
ما التّقوى؟ قال: «هل أخذت طريقا ذا شوك؟» قال:
نعم، قال: «فكيف صنعت؟» . قال: إذا رأيت الشّوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: «ذاك التّقوى» ) * «5» .
2-* (عن مالك بن أنس- رضي الله عنه- قال: «بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير- رضي الله عنهما- يقول: ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق في اللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم» ) * «6» .
3-* (قال أبو الدّرداء- رضي الله عنه. «تمام التّقوى أن يتّقي الله العبد حتّى يتّقيه من مثقال ذرّة وحتّى يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام» ) * «7» .
4-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1130) ، 8 (4837) .
(2) أبو داود (904) . والنسائي (3/ 13) . وقال محقق جامع الأصول (5/ 135) : حديث صحيح.
(3) البخاري- الفتح 3 (1135) . ومسلم (772) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له. ومسلم (800) .
(5) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) .
(6) جامع الأصول (11/ 703، 704) .
(7) الدر المنثور للسيوطي (1/ 61) .(4/1119)
قال: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها» ) * «1» .
5-* (قال لبيد بن ربيعة- رضي الله عنه-:
إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي «2» والعجل
أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل)
* «3» 6-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «التّقيّ ملجم لا يفعل كلّ ما يريد» ) * «4» .
7-* (قال طلق بن حبيب- رحمه الله-:
«التّقوى العمل بطاعة الله على نور من الله، رجاء رحمة الله، والتّقوى ترك معاصي الله على نور من الله، مخافة عذاب الله» ) *» .
8-* (قال الشّاعر:
ابل الرّجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ أمورهم وتفقّد
فإذا وجدت أخا الأمانة والتّقى ... فبه اليدين- قرير عين- فاشدد
ودع التّذلّل والتخشّع تبتغي ... قرب امرئ إن تدن منه تبعّد)
* «6» .
من فوائد (التقوى)
(1) معيّة الله تعالى للمتّقين.
(2) البشرى بالتّكريم للمتّقين.
(3) تكفير الذّنوب وتعظيم الأجر.
(4) الوعد بالمغفرة وزوال الخوف من النّفوس.
(5) اليسر والسّهولة في الأمر.
(6) في التّقوى تكفير للذّنوب وتعظيم للأجر من الله- سبحانه وتعالى-.
(7) العون والنّصرة من الله للمتّقين.
(8) الأمن من البليّة ونيل الوصال والقربة.
(9) عزّ الفوقيّة على سائر الخلق.
(10) الخروج من الهمّ والمحنة والوعد بالرّزق الواسع.
(11) النّجاة من العذاب والعقوبة.
(12) الفوز بالجنّة.
(13) التّوفيق والشّهادة لهم بالصّدق.
(14) محبّة الله للمتّقين.
__________
(1) الإخوان لابن أبي الدنيا (126) .
(2) الريث: الإبطاء.
(3) تاريخ الأدب العربي للزيات (119) .
(4) شرح السنة للبغوي (14/ 341) .
(5) المصنف لابن أبي شيبة (11/ 23) . والدر المنثور للسيوطي (1/ 61)
(6) كتاب الإخوان، لابن أبي الدنيا (115) .(4/1120)
التكبير
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 31/ 13
التكبير لغة:
مصدر «كبّر» وهو مأخوذ من مادّة (ك ب ر) الّتي تدلّ على خلاف الصّغر «1» ، وإذا كان الصّغر يدلّ على القلّة والحقارة؛ فإنّ الكبر يدلّ على الكثرة والعظمة، والوصف منهما صغير وكبير وهما كما يقول الرّاغب: من الأسماء المتضايفة الّتي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشّيء قد يكون صغيرا في جنب شيء، وكبيرا في جنب غيره «2» ، ويستعملان في الكمّيّة المتّصلة (غير القابلة للتّجزيء) وذلك كالكثير والقليل في الكمّيّة المنفصلة كالعدد، وربّما يتعاقب الكثير والكبير في شيء واحد بنظرين مختلفين نحو قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ (البقرة/ 219) وكثير، قرئ بهما، وأصل ذلك في الأعيان ثمّ استعير للمعاني نحو قوله عزّ وجلّ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها (الكهف/ 49) والكبير من صفات المولى- عزّ وجلّ- وكذلك المتكبّر، قال ابن الأثير: «في أسماء الله تعالى المتكبّر والكبير» أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعالي عن صفات الخلق، وقيل المتكبّر على عتاة خلقه، والتّاء فيه
للتّفرّد والتّخصّص لا تاء التّعاطي والتّكلّف «3» ، والكبرياء هي العظمة والملك، وقيل هي عبارة عن كمال الذّات وكمال الوجود ولا يوصف بهما سوى الله تعالى، وهذان الوصفان (المتكبّر- ذو الكبرياء) مأخوذان من الكبر بالكسر وهو العظمة، يقال كبر يكبر أي عظم فهو كبير، أمّا وصفه عزّ وجلّ بأنّه: «أكبر» كما في حديث الأذان «الله أكبر» فاختلف في معناه على وجهين:
الأوّل: أنّ معناه «الله الكبير» فوضع أفعل موضع فعيل (أي أنّ التّفضيل على غير بابه) وذلك كما في قول الفرزدق:
إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول
أي عزيزة طويلة.
الآخر: أنّ المعنى «الله أكبر من كلّ شيء» أي أعظم فحذفت «من» من أسلوب التّفضيل
__________
(1) كذا قال ابن فارس في المقاييس (5/ 153) ، وقد ذكر معنى الصغر في مادة (ص غ ر) في (3/ 290) ، واستنتجنا معنى الكبر من جملة ما قاله في الموضعين.
(2) مثال ذلك أن يقال: الفيل الصغير حيوان كبير فهو صغير إذا أضيف إلى سائر الفيلة وكبير إذا أضيف إلى القط أو الفأر أو غير ذلك من الحيوانات الصغار. انظر مفردات الراغب (421) .
(3) يشير ابن الأثير هنا إلى أن صيغة تفعّل في تكبّر التي اشتق منها الوصف متكبر تفيد معنى التفرد وليست على معناها الشائع وهو التكلف في مثل تشجّع وتحلّم أي تكلف الحلم والشجاعة، وقد يفيد تكبر هذا المعنى أيضا إذا أضيف إلى الإنسان.(4/1121)
لوضوح معناها و «أكبر» خبر والأخبار يجوز حذفها وحذف ما تعلّق بها، وقيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته، وإنّما قدّر له ذلك؛ لأنّ أفعل التّفضيل (الّذي مؤنّثه فعلى) يلزمه الألف واللّام أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم، وراء أكبر في الآذان والصّلاة ساكنة للوقف، فإذا وصل بكلام ضمّ «1» .
وقال الإمام الغزاليّ: المتكبّر هو الّذي يرى الكّلّ حقيرا بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلّا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فإن كانت هذه الرّؤية صادقة كان التّكبّر حقّا وكان صاحبها متكبّرا حقّا، ولا يتصوّر ذلك على الإطلاق إلّا لله- عزّ وجلّ- وإن كان ذلك التّكبّر والاستعظام باطلا، ولم يكن ما يراه من التّفرّد بالعظمة كما يراه، كان التّكبّر باطلا ومذموما، وكلّ من رأى العظمة والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته كاذبة ونظره باطلا، إلّا الله سبحانه وتعالى «2» .
وقال الجوهري: الكبر في السّنّ يقال فيه:
كبر الرّجل يكبر كبرا أي أسنّ، وكبر بالضّمّ يكبر أي عظم فهو كبير وكبار فإذا أفرط قيل كبّار بالتّشديد، والكبر بالكسر العظمة وكذلك الكبرياء، والتّكبير التّعظيم والتّكبّر والاستكبار التّعظّم، وذكر ابن منظور أنّ كبّر الأمر تكون بمعنى جعله كبيرا وتكون بمعنى: قال: الله أكبر، أمّا أكبر في قوله سبحانه: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (يوسف/ 31) فأكثر المفسّرين يقولون أعظمنه «3» .
وروي عن مجاهد أنّه قال: أكبرنه «حضن» وليس ذلك بالمعروف في اللّغة، وروى الأزهريّ عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه: أنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي قال: فكبّر وقال: الله أكبر كبيرا، ثلاث مرّات ... قال أبو منصور: نصب كبيرا؛ لأنّه أقامه مقام المصدر لأنّ معنى قوله: الله أكبر: أكبّر الله كبيرا بمعنى تكبيرا، يدلّ على ذلك ما روي عن الحسن: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام إلى صلاته من اللّيل قال: لا إله إلّا الله، الله أكبر كبيرا، ثلاث مرّات، فقوله كبيرا بمعنى تكبيرا فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقيّ، وقوله: الحمد لله كثيرا، أي أحمد الله حمدا كثيرا «4» والتّكبير في قوله تعالى: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (الحج/ 37) معناه تعظيم الله بالذّكر له وهو التّكبير يوم الفطر «5» .
وقوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (البقرة/ 185) ، جاء في تفسيرها أنّ المعنى: لتعظّموه
__________
(1) النهاية (4/ 140) .
(2) المقصد الأسنى ص 75.
(3) لسان العرب (3808) ، ومعنى أعظمنه أي وجدنه عظيما ومن ثم يكون «أفعل» هنا لمصادفة الشيء على صفة كما قولهم: قاتلناكم فما أجبنّاكم أي ما وجدناكم جبناء.
(4) المرجع السابق (3910) .
(5) انظر تفسير الطبري (2/ 92) .(4/1122)
على ما أرشدكم إليه من الشّرائع «1» ، وقوله سبحانه:
وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (الإسراء/ 111) ، قال القرطبيّ:
المعنى: عظّمه عظمة تامّة، يقال: أبلغ لفظ للعرب في معنى التّعظيم والإجلال: الله أكبر «2» أي وصفه بأنّه أكبر من كلّ شيء.
التكبير اصطلاحا:
قال المناويّ: يقال: التّكبير لتعظيم الله بقولك:
الله أكبر ولعبادته ولاستشعار تعظيمه «3» .
أنواع التكبير:
قال الإمام النّيسابوريّ: التّكبير أنواع منها:
1- تكبيره في صفاته بأن يعتقدها كلّها من صفات الجلال والإكرام وفي غاية العظمة ونهاية الكمال، وأنّها منزّهة عن سمات التّغيّر والزّوال والحدوث والانتقال.
2- تكبير الله في أحكامه، وهو أن يعتقد أنّ أحكامه كلّها جارية على سنن الصّواب، وقانون العدالة «4» .
التكبير في العيدين:
قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى-: يستحبّ للنّاسي إظهار التّكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين. ومعنى إظهار التّكبير رفع الصّوت به، واستحبّ ذلك لما فيه من إظهار شعائر الإسلام، وتذكير الغير ... ثمّ قال:
قال القاضي (يعني أبا يعلى) : التّكبير في الأضحى مطلق ومقيّد؛ فالمقيّد عقيب الصّلوات، والمطلق في كلّ حال في الأسواق، وفي كلّ زمان. وأمّا الفطر فمسنونه مطلق غير مقيّد «5» .
والتّكبير أن يقول: «الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد» وهذا مرويّ عن عمر وعليّ، وابن عبّاس- رضي الله عنهم-. وروي عن عليّ- رضي الله عنه- أيضا، وعن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما-: «أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد» «6» .
مواطن التكبير:
التّكبير بمعنى تعظيم المولى عزّ وجلّ مطلوب من المسلم في كلّ وقت أو- بعبارة أخرى- لا يتحرّى له وقت بعينه، أمّا التّكبير بمعنى قول «الله أكبر» فإن اقترن بالتّسبيح والتّحميد والتّهليل فإنّه نوع من الذّكر. أمّا إذا انفرد فإنّ له مواطن معيّنة وأوقاتا معلومة ومناسبات يطلب فيها، ويمكننا في ضوء ما جاءت به السّنّة المطهّرة أن نذكر أهمّ هذه المواطن فيما يلي:
1- التّكبير في الأذان والإقامة ممّن يقوم بذلك (انظر الحديث 16) .
2- التّكبير ممّن يسمع الأذان أو الإقامة (الحديث 7، 17) .
__________
(1) تفسير القرطبي 2/ 308.
(2) السابق 10/ 345.
(3) التوقيف على مهمات التعارف ص 107، وانظر أيضا المفردات للراغب.
(4) غرائب القرآن للنيسابوري (8/ 104) بهامش الطبري.
(5) المغنى (3/ 255- 256) بتصرف.
(6) المرجع السابق (289- 290) ، وينظر زاد المعاد (1/ 449) .(4/1123)
3- التّكبير عند الدّخول في الصّلاة (تكبيرة الإحرام) .
4- التّكبير عند الرّكوع والسّجود، وعند رفع الرّأس من السّجود (الحديث 18) .
5- التّكبير خلف الصّلوات (الحديث 6، 28) .
6- التّكبير في خطبة صلاة الاستسقاء، وفي صلاة الاستسقاء ذاتها (الحديث 13) .
7- التّكبير في صلاة الجنازة (أربع تكبيرات) (الحديث 21) .
8- التّكبير في صلاة العيدين، في الأولى سبعا وفي الثّانيّة خمسا (الحديث 29) .
9- التّكبير في خطبتي العيدين، في الأولى تسعا وفي الثّانية سبعا «1» .
10- التّكبير في ليلة عيد الفطر من أوّل ليلة العيد إلى دخول الإمام للصّلاة، ويرفع المسلم صوته بالتّكبير في الطّرق والأسواق ونحوها (الأثر 2، 4) .
11- التّكبير لرؤية هلال شوّال (الأثر 3) .
12- التّكبير عقب الصّلوات من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيّام التّشريق «2» .
13- التّكبير عند الخروج للحجّ قبل الإهلال (الحديث 27) ، وعند الرّجوع منه أو من العمرة (الحديث 10) .
14- التّكبير عند رمي الجمرات مع إلقاء الحصيات (الحديث 1) .
15- التّكبير عند الصّعود من منى إلى عرفات (الحديث 22) .
16- التّكبير عند الطّواف خاصّة عند إتيان الرّكن (الحديث 26) .
17- التّكبير عند الجهاد (الحديث 30) ، وعند القفول منه خاصّة على الشّرف (الحديث 10) ، وعند اعتلاء الثّنايا (المرتفعات) (الحديث 24) .
18- التّكبير للمسافر عموما عند الشّرف «3» من الأرض (الحديث 25) ، وعند الخروج للسّفر (الحديث 11) .
19- التّكبير عند الذّبح (الحديث 23) ، قال ابن حجر: وفي هذا الحديث ما يدلّ على استحباب التّكبير مع التّسمية في الذّبح «4» (عموما) ، أي في الأضحية وغيرها.
20- التّكبير عند سماع خبر مفرح (الحديث 9) .
21- التّكبير عند ختم القرآن، عند آخر كلّ سورة من الضّحى إلى آخر القرآن «5» .
22- التّكبير (ضمن الأذان) في أذن المولود
__________
(1) المغني لابن قدامة (2/ 242) ، وانظر الترغيب والترهيب (2/ 156) هامش (1) .
(2) الترغيب والترهيب (2/ 156) ، هامش 1 (فضلا عن كتب الفقه) .
(3) الشّرف من الأرض: الأماكن المرتفعة، ويمكن أن يقاس على ذلك صعود الطائرات، ولما كان الوارد أن السّنّة عند النزول هي التسبيح فإن ذلك يجيز لنا أن نفعل ذلك عند هبوط الطائرات.
(4) فتح الباري (9/ 20) .
(5) المغني لابن قدامة (1/ 595) .(4/1124)
اقتداء بما فعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم مع الحسن بن عليّ (الحديث 23) .
23- التّكبير عند قيام اللّيل (الحديث 4) .
حكم التكبير:
تناول الفقهاء بالتّفصيل أحكام التّكبير في كتب الفقه ونوجز ذلك فيما يلي:
أوّلا: الوجوب، وذلك في تكبيرة الإحرام، إذ لا تنعقد الصّلاة بدونها لأنّها ركن منها «1» ، أمّا تكبير الخفض للرّكوع والسّجود والرّفع من السّجود فالمشهور من مذهب أحمد أنّه واجب، وعنه أيضا أنّه غير واجب وهو مذهب أكثر الفقهاء «2» .
ثانيا: التّكبير في الأذان والإقامة سنّة مؤكّدة، لأنّ الأذان والإقامة كذلك، وقال قوم هو فرض كفاية «3» .
ثالثا: التّكبير في أيّام التّشريق مستحبّ، والظّاهر أنّه لا يختصّ بوقت دون وقت، ولقد قصره بعضهم على أعقاب الصّلوات، ومنهم من خصّ ذلك بالمكتوبات دون النّوافل، ومنهم من خصّه بالرّجال دون النّساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤدّاة دون المقضيّة، وبالمقيم دون المسافر «4» .
رابعا: التّكبير في صلاة العيدين يأخذ حكم الصّلاة ذاتها وهي فرض كفاية، أمّا إظهار التّكبير في ليلتي العيد فهو مستحبّ، وفي عيد الفطر أكثر، لقوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (البقرة/ 185) ، وقيل: والتّكبيرات في العيدين سنّة وليس بواجب «5» (على الكفاية) .
خامسا: التّكبير في الجنازة ركن من أركانها (وهي لا تنعقد بدونه) .
سادسا: التّكبير في الطّواف، وعند رمي الجمار من السّنن، ومن لم يكبّر فلا شيء عليه «6» .
سابعا: التّكبير في المواطن الأخرى الّتي ذكرناها قبلا من قبيل السّنن الّتي يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها إلّا إذا صحب ذلك رفض للسّنّة ورغبة عنها.
[للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التهليل الحمد- الحوقلة- الذكر- الكلم الطيب- الشكر الدعاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب- اللغو- الكبر والعجب- الشرك] .
__________
(1) المغني لابن قدامة (1/ 505- 506) ، وفقه السّنّة للشيخ سيد سابق (1/ 133) .
(2) المغني (1/ 534) .
(3) قال بذلك أكثر الحنابلة وأصحاب مالك، انظر التفاصيل والأدلة في المغني (1/ 227) .
(4) انظر تفصيل هذه الأحكام وأدلتها في فقه السّنّة للشيخ سيد سابق (1/ 326) وما بعدها.
(5) المغني لابن قدامة (2/ 224) ، و (2/ 242) ؛ وفقه السّنّة (1/ 320) .
(6) حكى بعضهم الإجماع على أن من لم يكبّر لا شيء عليه، انظر فقه السّنّة (1/ 734) .(4/1125)
الآيات الواردة في «التكبير»
1- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «1»
2- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) «2»
3- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «3»
4- يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) «4»
__________
(1) البقرة: 185 مدنية.
(2) الإسراء: 111 مكية.
(3) الحج: 36- 37 مدنية.
(4) المدثر: 1- 5 مكية.(4/1126)
الأحاديث الواردة في (التكبير)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبّر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «1» ، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الوسطى، ثمّ يأخذ ذات الشّمال»
، فيستهلّ ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف فيقول: «هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» ) * «3» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل فمن كبّر الله وحمد الله وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى؛ فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» ) * «4» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال:
فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟
قال تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون:
لا والله ما رأوك. قال فيقول: كيف لو رأوني؟ قال:
يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال يقول: فما يسألوني؟
قال: يسألونك الجنّة. قال يقول: وهل رأوها؟ قال:
يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال:
فممّ يتعوّذون؟ قال: يقولون: من النّار. قال: يقول:
وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها.
قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال:
فيقول: فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة.
قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم) * «5» .
4-* (عن عاصم بن حميد قال: سألت
__________
(1) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع فيه.
(2) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله.
(3) البخاري- الفتح 3 (1751) .
(4) مسلم (1007) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له، مسلم (2689) .(4/1127)
عائشة- رضي الله عنها-: بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قيام اللّيل. فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبّر عشرا، وحمد الله عشرا، وسبّح عشرا، وهلّل عشرا، واستغفر عشرا، وقال: «اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني» ويتعوّذ من ضيق المقام يوم القيامة) * «1» .
5-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» . قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «2» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء الفقراء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور من الأموال بالدّرجات العلى والنّعيم المقيم، يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموالهم يحجّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدّقون.
قال: «ألا أحدّثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلّا من عمل مثله: تسبّحون الله وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين» ، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبّح ثلاثا وثلاثين، ونحمد ثلاثا وثلاثين، ونكبّر أربعا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: «تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتّى يكون منهنّ كلّهنّ ثلاث وثلاثون» ) * «3» .
7-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي ببني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري، وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه، فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» ، فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتدّ النّهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأذنت له، فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك» ؟، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم. فحبسته على خريز «4» يصنع له، فسمع أهل الدّار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال رجل منهم:
ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذلك؛؛ ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» فقال: الله ورسوله أعلم، أمّا نحن
__________
(1) أبو داود (766) والنسائي (3/ 209) ، وابن ماجة (1356) ، وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (1115) .
(2) مسلم (2696) .
(3) البخاري- الفتح 2 (843) واللفظ له، مسلم (595) .
(4) الخريز: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.(4/1128)
فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال:
لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «1» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «2» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله: يا آدم، فيقول:
لبّيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟، قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى، ولكنّ عذاب الله شديد» .
فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أيّنا ذلك الرّجل؟ قال: «أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل» . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» ، قال: فحمدنا الله وكبّرنا، ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار» ) * «3» .
10-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا قفل من غزو أو حجّ أو عمرة يكبّر على كلّ شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ) * «4» .
11-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا، ثم قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين «5»
، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده، اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء «6» السّفر وكآبة «7» المنظر وسوء المنقلب «8» في المال والأهل» ، وإذا رجع قالهنّ: وزاد فيهنّ: «آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ) * «9» .
12-* (عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنّه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي صلاة، فقال: «الله أكبر
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1186) ، واللفظ له ومسلم (33) .
(2) مسلم (2695) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6530) ، واللفظ له ومسلم (222) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6385) ، واللفظ له. ومسلم (1344) .
(5) وما كنا له مقرنين: معنى مقرنين مطيقين، أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
(6) وعثاء: المشقة والشدة.
(7) كآبة: هي تغير النفس من حزن ونحوه.
(8) المنقلب: المرجع.
(9) مسلم (1342) .(4/1129)
كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا» ثلاثا «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم من نفخه ونفثه وهمزه» قال: نفثه الشّعر، ونفخه الكبر، وهمزه الموتة) * «1» .
13-* (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد) * «2» .
14-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «3» .
15-* (عن أبي محذورة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه هذا الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألّا إله إلّا الله، أشهد ألّا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، أشهد أنّ محمّدا رسول الله، حيّ على الصّلاة (مرّتين) ، حيّ على الفلاح (مرّتين) . زاد إسحاق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله) * «4» .
16-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إذا قال المؤذّن: الله أكبر، الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر. ثمّ قال: أشهد ألّا إله إلّا الله. قال (أحدكم) : أشهد ألّا إله إلّا الله. ثمّ قال (المؤذّن) أشهد أنّ محمّدا رسول الله. قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال (المؤذّن) : حيّ على الصّلاة.
قال (أحدكم) : لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال:
الله أكبر، الله أكبر. قال (أحدكم) : الله أكبر، الله أكبر.
ثمّ قال: لا إله إلّا الله. قال (أحدكم) : لا إله إلّا الله، من قلبه دخل الجنّة) * «5» .
17-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام للصّلاة، رفع يديه حتّى تكون حذو منكبيه، ثمّ كبّر فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع من الرّكوع فعل مثل ذلك «6» ، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السّجود) * «7» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام إلى الصّلاة يكبّر حين يقوم، ثمّ يكبّر حين يركع ثمّ يقول: «سمع الله لمن حمده» حين
__________
(1) أبو داود (764) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 186) : للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن، وكذا الحاكم في المستدرك (1/ 235) ، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2) الترمذي (555) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني.
(3) الترمذي (3462) وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (4/ 379) : حديث حسن.
(4) مسلم 1 (379) .
(5) مسلم 1 (385) .
(6) أي رفع يديه حتى تكون حذو منكبيه.
(7) مسلم 1/ (390) .(4/1130)
يرفع صلبه من الرّكوع، ثمّ يقول وهو قائم: «ربّنا ولك الحمد» ، ثمّ يكبّر حين يهوي ساجدا، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يفعل مثل ذلك في الصّلاة كلّها حتّى يقضيها، ويكبّر حين يقوم من المثنى «1» بعد الجلوس) * «2» .
19-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت:
خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس «3» وراءه، فاقترأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة طويلة، ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا، ثمّ رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا! ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من الرّكوع الأوّل، ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا! ولك الحمد» ، ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الرّكعة الأخرى مثل ذلك. حتّى استكمل أربع
ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشّمس، قبل أن ينصرف، ثمّ قام فخطب النّاس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال!: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصّلاة» ... الحديث) * «4» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعى للنّاس النّجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه، فخرج بهم إلى المصلّى، وكبّر أربع تكبيرات) * «5» .
21-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: غدونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من منّى إلى عرفات، منّا الملبّي ومنّا المكبّر) * «6» .
22-* (عن أبي رافع- رضي الله عنه- قال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أذّن في أذن الحسن بن عليّ حين ولدته فاطمة بالصّلاة) * «7» .
23-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
ضحّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين، قال: ورأيته يذبحهما بيده ورأيته واضعا يديه على صفاحهما، قال: ثمّ سمّى وكبّر «8» .
وفي رواية، ويقول: «بسم الله، الله أكبر» .
24-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجيوشه إذا علوا الثّنايا كبّروا وإذا هبطوا سبّحوا) *» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ
__________
(1) من المثنى: أي حين يقوم للركعة الثانية.
(2) مسلم 1 (392) واللفظ له؛ وأبو داود 1 (836) .
(3) وصفّ الناس: بالبناء للمجهول ورفع الناس أي صاروا صفّا ويجوز فيها البناء للمعلوم، والناس بالنصب مفعول به والفاعل محذوف والمراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله ابن حجر في الفتح.
(4) البخاري- الفتح 2 (1046) ، مسلم (901) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح (1333) ، ومسلم 2 (951) .
(6) البخاري- الفتح (1659) ؛ ومسلم 2 (128) واللفظ له.
(7) الترمذي 4 (1514) ؛ وأبو داود 4 (5105) ؛ قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(8) البخاري- الفتح 9 (5558) . ومسلم (1966) واللفظ له.
(9) أبو داود (2793) .(4/1131)
رجلا قال: يا رسول الله، إنّي أريد أن أسافر فأوصني.
قال: «عليك بتقوى الله، والتّكبير على كلّ شرف «1» » ) * «2» .
26-* (عن عكرمة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهم- قال: طاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبيت على بعير، كلّما أتى الرّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبّر) * «3» .
27-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ونحن معه بالمدينة- الظّهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى (إذا) استوت به على البيداء حمد الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهلّ بحجّ أو عمرة، وأهلّ النّاس بهما، فلمّا قدمنا أمر النّاس فحلّوا، حتّى كان يوم التّروية أهلّوا بالحجّ، قال: ونحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين أملحين) * «4» .
28-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتّكبير) * «5» .
29-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يكبّر في الفطر والأضحى، في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثّانية خمسا) * «6» .
30-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
صبّح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خيبر وقد خرجوا بالمساحي «7» على أعناقهم، فلمّا رأوه قالوا: محمّد والخميس «8» ، محمّد والخميس، فلجأوا إلى الحصن، فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يديه وقال: «الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، وأصبنا حمرا فطبخناها، فنادى منادي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فأكفئت القدور بما فيها) * «9» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التكبير)
31-* (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ ... الحديث.
وفيه: «فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة- يعني من الغد- دعاني فقال: ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ... الحديث) * «10» .
__________
(1) الشرف: المكان العالي المرتفع.
(2) الترمذي (3441) ؛ وأبو داود 2 (2771) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 290) : وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو كما قال: وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3) البخاري- الفتح 3 (1613) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1551) .
(5) أبو داود 1 (1002) وسنده صحيح.
(6) أبو داود 1 (1149 وسنده صحيح.
(7) المساحي: جمع مسحاة، وهي آلة كالفأس تستخدم للزراعة.
(8) الخميس: الجيش.
(9) البخاري- الفتح 6 (2991) .
(10) أبو داود (3055) ، قال الألباني: صحيح الإسناد، صحيح سنن أبي داود (2628) .(4/1132)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التكبير)
1-* (عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعلّم أهله هذه الآية وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (الإسراء/ 111) الصّغير من أهله والكبير) * «1» .
2-* (عن داود بن قيس قال: سمعت زيد ابن أسلم يقول: قوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (البقرة/ 185) قال: إذا رؤي الهلال فالتّكبير من حين يرى الهلال حتّى ينصرف الإمام في الطّريق وفي المسجد، إلّا أنّه إذا حضر الإمام فلا يكبّر إلّا بتكبيره) * «2» .
3-* (أخبر ابن المبارك قال: سمعت سفيان (الثّوريّ) يقول: قوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ قال: «بلغنا أنّه التّكبير يوم الفطر) * 3.
4-* (كان ابن عبّاس يقول: حقّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوّال أن يكبّروا الله حتّى يفرغوا من عيدهم؛ لأنّ الله تعالى ذكره يقول:
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ) * 4.
5-* (قال ابن زيد: «ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلّى كبّروا فإذا جلسوا كبّروا فإذا جاء الإمام صمتوا فإذا كبّر الإمام كبّروا ولا يكبّرون إذا جاء الإمام إلّا بتكبيره حتّى إذا فرغ وانقضت الصّلاة فقد انقضى العيد) * 5.
6-* (قال عبد الرّحمن بن زيد: والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتّكبير إلى المصلّى) * 6.
7-* (قال الإمام الطّبريّ: قوله تعالى ذكره:
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ معناه ولتعظّموا الله بالذّكر له بما أنعم عليكم به من الهداية. والذّكر الّذي حضّهم الله على تعظيمه به هو التّكبير يوم الفطر) * 7.
8-* (وقال الإمام النّيسابوريّ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي ولتعظّموه على ما هداكم إلى عالم الوصال بتجلّي صفات الجمال ولعلّكم تشكرون نعمة الوصال بتنزيه ذي الجلال عن إدراك عقول أهل الكمال وإحاطة الوهم والخيال) * «8» .
9-* (كان القرظيّ يقول في هذه الآية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ... قال: إنّ اليهود والنّصارى قالوا اتّخذ الله ولدا، وقالت العرب لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك، وقال الصّابئون والمجوس لولا أولياء الله لذلّ الله فأنزل الله وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً أي كبّره أنت يا محمّد على ما يقولون تكبيرا) * «9» .
10-* (عن أبي قلابة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) تفسير الطبري (8/ 126) .
2- 7 انظر هذه الآثار في تفسير الطبري (2/ 92) .
(8) غرائب القرآن (2/ 219) بهامش الطبري.
(9) تفسير الطبري (8/ 126) .(4/1133)
رأى مالك بن الحويرث، إذا صلّى كبّر، ثمّ رفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الرّكوع رفع يديه وحدّث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك) * «1» .
11-* (عن عبد الرّحمن بن يزيد- رضي الله عنه- قال: رمى عبد الله بن مسعود جمرة العقبة، من بطن الوادي، بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة) * «2» .
12-* (عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن- رضي الله عنه- أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- كان يصلّي لهم فيكبّر كلّما خفض أو رفع، فلمّا انصرف قال: والله إنّي لأشبهكم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «3» .
13-* (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى- في باب ما يقرأ في صلاة الجنازة: يكبّر أربع تكبيرات، يتعوّذ «4» بعد الأولى، ثمّ يقرأ بالفاتحة أمّ الكتاب، ثمّ يكبّر الثّانية، ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يكبّر الثّالثة ويدعو للميّت، ثمّ يكبّر الرّابعة، ويدعو ... ) * «5» .
من فوائد (التكبير)
إنّ للتّكبير بمعنييه أي- قول «الله أكبر» أو تعظيم المولى سبحانه بما يليق بجلاله وكماله- كلّ فوائد الذّكر (انظر فوائد صفة الذكر) ولا يمنع هذا أن يكون للتّكبير- بوصفه نوعا خاصّا من الذّكر- فوائد خاصّة به يمكن استنباطها من جملة الأحاديث الواردة فيه. فمن ذلك:
(1) أنّ التّكبير في العيدين وعند القفول من الغزو أو الحجّ أو العمرة يظهر فرح المسلمين وفيه شكر للخالق- عزّ وجلّ-.
(2) أنّ التّكبير من دواعي إجابة الدّعاء وخاصّة في الاستسقاء.
(3) «الله أكبر» من غراس الجنّة فمن سرّه أن يرى ذلك في الآخرة فعليه بذلك في الدّنيا.
(4) التّكبير (مع التّسبيح والتّحميد والتّمجيد) مدعاة لأن تحفّ الملائكة بصاحبه ويباهي الله به هؤلاء الملائكة.
(5) التّكبير يزحزح صاحبه عن النّار.
(6) في التّكبير عند رمي الجمار اتّباع لسنّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
(7) التّكبير عقب الصّلاة ثلاثا وثلاثين يجعل صاحبه ممّن يدرك من سبقه ولا يلحق به من بعده في الأجر إلّا من فعل مثله.
(8) التّكبير من أساليب التّعجّب، والإعجاب عند المسلمين.
__________
(1) مسلم 1 (391) .
(2) مسلم 2 (1296) .
(3) مسلم 1 (392) .
(4) يتعوّذ المصلّي صلاة الجنازة.
(5) رياض الصالحين (309) .(4/1134)
تكريم الإنسان
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
96/ 24/ 23
التكريم لغة:
مصدر قولهم: كرّمته أكرّمه، وهو مأخوذ من مادّة (ك ر م) الّتي تدلّ على معنيين:
أحدهما: شرف الشّيء في نفسه، أو شرف في خلق من الأخلاق، يقال: رجل كريم، ونبات كريم، وأكرم الرّجل: إذا أتى بأولاد كرام، واستكرم: اتّخذ عرقا كريما. والكرم في الخلق: يقال: هو الصّفح عن ذنب المذنب.
والآخر: الكرم، وهو القلادة، وسمّي العنب كرما لأنّه مجتمع الشّعب، منظوم الحبّ «1» . ومن المعنى الأوّل أخذ تكريم الإنسان في معنى تشريفه وتعظيم شأنه.
وذكر الرّاغب الفضل والفضيلة من معاني الكرم، وأنّ من ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء:
... أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وفيها أيضا:
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... «2» .
وقال الجوهريّ: التّكريم والإكرام بمعنى (واحد) ، والاسم منه الكرامة «3» . وجاء في القاموس:
يقال أكرمه وكرّمه: عظّمه ونزّهه. والكريم: الصّفوح، ورجل مكرام: مكرم للنّاس، وله عليّ كرامة أي عزازة.
واستكرم الشّيء: طلبه كريما، أو وجده كريما، وتكرّم عنه وتكارم: تنزّه. والمكروم، والمكرمة، والأكرومة: فعل الكرم، وكرّم السّحاب تكريما كثر ماؤه، والكريمان:
الحجّ والجهاد، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم «خير النّاس مؤمن بين كريمين» قيل معناه: بين فرسين يغزو عليهما، أو بعيرين يستقى عليهما «4» ، وقال ابن الأثير معنى الحديث: بين أبوين مؤمنين، وقيل بين أب مؤمن هو أصله، وابن مؤمن هو فرعه، والكريم: هو الّذي كرّم نفسه عن التدنّس بشيء من مخالفة ربّه، والتّكرمة:
الموضع الخاصّ لجلوس الرّجل من فراش أو سرير ممّا يعدّ لإكرامه، وهي (على وزن) تفعلة من الكرامة «5» .
والمكارمة: أن تهدي لإنسان شيئا ليكافئك عليه، وهي مفاعلة من الكرم «6» .
أمّا الكريم فهو الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل، ويقال: تكرّم فلان عمّا يشينه: إذا تنزّه وأكرم نفسه عن الشّائنات، والمكرّم المتكرّم على كلّ أحد، والتّكرّم (أيضا) تكلّف الكرم، قال: المتلمّس:
تكرّم لتعتاد الجميل، ولن ترى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما
وكريمة القوم، كريمهم وشريفهم، الهاء «7» فيه للمبالغة، وفي الحديث: إذا أتاكم كريمة قوم فأكرموه» «8» .
__________
(1) مقاييس اللغة (5/ 171- 172) .
(2) المفردات في غريب القرآن 2 (46) .
(3) الصحاح (5/ 2021) .
(4) القاموس المحيط (1489) ط. بيروت.
(5) النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 168) ، وانظر الحديث في المسند 5/ 430.
(6) المرجع السابق (167) .
(7) كثيرا ما يعبرون عن تاء التأنيث بالهاء لأنه يوقف عليها بالهاء، ويزعم الكوفيون أن الهاء هي الأصل والتاء بدل منها.
(8) لسان العرب (12/ 512) ط. بيروت، وانظر أيضا:(4/1135)
الكريم من أسماء المولى عزّ وجلّ وصفاته:
قال الغزاليّ: الكريم: هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفّى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى، ولا من أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذبه والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلّف فهو الكريم المطلق وذلك هو الله تعالى، فقط «1» .
تكريم الإنسان اصطلاحا:
قال القرطبيّ ما خلاصته: تكريم الإنسان هو ما جعله الله له من الشّرف والفضل وهذا هو كرم نفي النقصان لا كرم المال «2» .
وقال الطّبريّ: تكريم الإنسان (بني آدم) هو تسليط الله عزّ وجلّ إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيره سائر الخلق لهم «3» .
وقال ابن كثير: تكريم الله للإنسان يتجلّى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها وفي أن جعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به ويفرّق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة «4» .
وقال أبو حيّان: تكريم بني آدم: جعلهم ذوي كرم بمعنى الشّرف والمحاسن الجمّة، كما تقول: ثوب كريم وفرس كريم أي جامع للمحاسن وليس من كرم المال (في شيء) .
وقال- رحمه الله- وما جاء عن أهل التّفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكروها هو على سبيل التّمثيل لا الحصر في ذلك «5» .
أنواع التكريم:
للتّكريم أنواع عديدة يمكن تلخيصها في أمور ثلاثة هي: تكريم الله للإنسان، وتكريم الإنسان لنفسه، وتكريم الإنسان لأخيه الإنسان.
أولا: تكريم الله للإنسان:
لتكريم الله للإنسان صور عديدة لا يمكن إحصاؤها نذكر منها مايلي:- 1- اختصّ الله الإنسان بأن خلقه بيديه إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (ص/ 71- 74) . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (السجدة/ 9) . وهذا يدلّ على علوّ مكانة الرّوح الّتي حلّت في الإنسان وأنّ لها منزلة سامية، وكرّمه بذلك الاستقبال الفخم الّذي استقبله به الوجود، وبذلك الموكب الّذي تسجد فيه الملائكة ويعلن فيه الخالق جلّ شأنه تكريم هذا الإنسان، بقوله عزّ من قائل: ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (الأعراف/ 11) .
2- الصّورة الحسنة، مصداق ذلك قوله تعالى وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ* (التغابن/ 3) . والقامة المعتدلة، كما قال عزّ وجلّ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي
__________
النهاية (4/ 167) ، وفي روآية ابن ماجه اذا أتاكم كريم كرم، سنن ابن ماجه (3712)
(1) المقصد الأسنى ص 117.
(2) تفسير القرطبي (10/ 293) .
(3) تفسير الطبري (15/ 85) .
(4) بتصرف عن تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 55) .
(5) البحر المحيط لأبي حيان (6/ 58) .(4/1136)
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (التين/ 4) «1» . والأكل باليدين والعمل بهما، وذلك لا يستطيعه غالب الحيوان.
وتكريم الله للإنسان بهدايته هداية عامّة بما جعل فيه بالفطرة، من المعرفة وأسباب العلم.. ففي كلّ أحد ما يقتضي معرفته بالحقّ ومحبّته له، وقد هداه ربّه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصّل بها إلى سعادة الدّنيا والآخرة، وجعل في فطرته محبّة لذلك مصداق ذلك قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ (الرحمن/ 3- 4) ، وقوله تعالى وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (البلد/ 10) (والنّجدان هما الخير والشّرّ) «2» .
4- ومنحه العقل والنّطق والتّمييز (لأنّ الإنسان يمكنه أن يعرّف غيره كلّ ما عرفه) بخلاف سائر الحيوان، كما قال عزّ وجلّ الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ (الرحمن/ 1- 4) . وبهذا تمكّن الإنسان من معرفة الخطّ (الكتابة) إذ به يقدر الإنسان على إيداع العلوم الّتي استنبطها هو أو غيره الدّفاتر فتبقى على وجه الأرض مصونة من الاندراس، محفوظة عن الانطماس، مصداق ذلك قوله سبحانه اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (العلق/ 3، 4) . وبذلك كرّم الله الإنسان بهذه الفطرة الّتي تجمع بين الطّين والنّفخة. وكرّمه بالاستعدادات الّتي أودعها فطرته فاستأهل بها الخلافة في الأرض.
تكريم الله للإنسان بتسخير ما في السماء والأرض:
5- بعد أن خلق الله الإنسان أكرمه بالنّعم العظيمة الّتي لا تعدّ ولا تحصى لقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها (إبراهيم/ 34) ، ومن هذه النّعم تسخير ما في السّماء الأرض ليرزقه بها، وهو القائل: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (الأنبياء/ 16) ، وقد سأل الله عزّ وجلّ الإنسان عن ذلك بقوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (فاطر/ 3) «3» ، وقوله: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (يونس/ 31) . ومن هذه النّعم إنزال الله الماء من السّماء وخلق منه كلّ شيء حيّ لقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (الأنبياء/ 30) ، وقوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ (الزمر/ 21) ، وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (البقرة/ 22) .
لقد سخّر الله عزّ وجلّ للإنسان- تكريما له- ملكوت السّموات بما تشتمل عليه من نجوم وشموس وأقمار وجعل في نظامها البديع ما ينفع الإنسان من تعاقب اللّيل والنّهار واختلاف في الفصول ودرجات الحرارة ونحو ذلك، قال تعالى:
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (النحل/ 12) ، وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الجاثية/ 13) . والمراد بهذا التّسخير هو تمكين الله- عزّ وجلّ- الإنسان من أن يستخدم
__________
(1) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بتصرف واختصار) ، مجلد (15/ 62- 64) .
(2) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 14/ 295، وفي تفسير النجدين، تفسير ابن كثير 4/ 547.
(3) السؤال هنا سؤال إنكاري بمعنى النفي. والمعنى: لا خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض.(4/1137)
ما خلقه الله في تطبيقات عمليّة نافعة له في مجالات حياته المختلفة دون ثمن يدفعه مقابل ذلك، مثل استخدامه لضياء الشّمس ودفئها، ومعرفته السّنين والحساب بدوران هذه الأفلاك حول نفسها من ناحية وحول بعضها من ناحية أخري، قال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس/ 40) ، وقال تعالى:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ (يونس/ 5) ، وبمنازل القمر قدّر سبحانه وتعالى الأيّام والشّهور الّتي يحسب بها عمر
الإنسان على الأرض، فقال عزّ وجلّ:
وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (غافر/ 67) ، وقدّر بها فصول السّنة الّتي تحكم محاصيله الزّراعّية وأمورا عديدة أخرى تعينه على حياته فقال عزّ من قائل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (الإسراء/ 12) ، وخلق الله عزّ وجلّ النّجوم والكواكب وأشار إلى عظمتها بقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة/ 75- 76) ، فكانت مواقع النّجوم هي وسيلة الإنسان الّتي يهتدي بها إلى الاتّجاهات المختلفة لقوله تعالى: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (النحل/ 16) . وبها نحدّد جهة القبلة، وهذه كلّها نعم في السّماء خلقها الله وسخّرها للإنسان تكريما له.
6- وكرّم الله الإنسان بتفضيله على كثير من خلقه فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (الإسراء/ 70) وكرّم الله بني الإنسان بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم بقوله عزّ وجلّ: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (الرحمن/ 10) . وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (البقرة/ 22) .
وحملهم في البرّ والبحر ورزقهم من كلّ غذاء نباتيّ أو حيوانيّ ألطفه وألذّه، لقوله تعالى لهم: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (البقرة/ 29) .
7- ومن التّكريم تحميل الإنسان الأمانة ونفي الجبر عنه وإعطاؤه الحرّيّة كاملة، قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (الأحزاب/ 72) ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (النجم/ 39) ، كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (الطور/ 21) . وبهذا تحمّل الإنسان مسئوليّته عن نفسه كأمانة وهو مسئول عنها، ويكمن فيها عنصر التّكليف بحمايتها وصيانتها وتكريمها كفرد وأسرة ومجتمع. وبهذا التكريم يكون الإنسان قيّما على نفسه، محتملا تبعة اتّجاهه وعمله، وهذه هي الصّفة الأولى الّتي كان بها الإنسان إنسانا: حرّيّة الاتّجاه، وفرديّة التّبعة، وبهذه الحرّيّة استخلف في دار العمل، ومن العدل أن يلقى جزاء اتّجاهه وثمرة عمله في دار الحساب.
تكريم الله للإنسان بمحبته له وهدايته إياه بإرسال الرسل- عليهم الصلاة والسلام-:
8- من أجلّ مظاهر التّكريم من المولى للإنسان(4/1138)
أن أرسل الرّسل لهداية الخلق ودعاهم لما يحييهم وضمن لهم الفوز في الدّنيا والآخرة، وجعل خاتمهم محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (الأنفال/ 24) ، فكان من أعظم النّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان تكريما له نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة الإحسان، وأن هدانا الله إليها، فقال عزّ من قائل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (طه/ 123) ، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ (الأعراف/ 43) . وأرسل لنا خاتم الأنبياء والمرسلين محمّدا صلّى الله عليه وسلّم برسالته العالميّة لتكريم البشر جميعا، فقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (الأعراف/ 158) ، وقال عزّ من قائل: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً (سبأ/ 28) . وقال عزّ وجلّ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة/ 15- 16) ، ومن مظاهر هذا التّكريم حصر مظاهر شرف الإنسان في العبوديّة لله وحده، وتحريره من عبادة الأصنام والأوثان والبشر، وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ 36) . ومن ذلك جعل التّقوى هي المعيار الأساسي الّذي يتفاضل به بنو البشر وليس الجنس أو اللّون أو المال ونحو ذلك، يقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ 13) .
حب الله للإنسان وذكره في الملأ الأعلى:
9- ومن أروع مظاهر تكريم المولى سبحانه للإنسان، أن جعله أهلا لحبّه ورضاه، وأرشده في القرآن الكريم إلى ما يجعله خليقا بهذا الحبّ، وأوّل ذلك اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما دعا النّاس إليه كي يحيوا حياة طيّبة في الدّنيا ويظفروا بالنّعيم المقيم في الآخرة، فقال عزّ من قائل قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وقد أشار المولى إلى ثمرة هذا الاتّباع وما أحلاها من ثمرة، ألا وهي التّمتّع بخيري الدّنيا والآخرة، مصداق ذلك قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (النحل/ 97) ومن تلك المظاهر الّتي يحيا بها البشر، وينعم بها المجتمع الإنسانيّ، وتجلب رضا الله وحبّه ما نصّت عليه الآيات الكريمة الّتي أعلنت هذا الحبّ الإلهيّ بكلّ وضوح:
(1) للمحسنين، وذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ 195) . وقد ورد إعلان هذا الحبّ في أربعة مواضع أخرى من الذّكر الحكيم «1» .
(2) للمتّقين، وذلك قوله عزّ وجلّ: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (آل عمران/ 76) ، وجاء مثل ذلك في موضعين آخرين من القرآن الكريم «2» .
(3) للمقسطين، وذلك في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة/ 42) ، وجاء إعلان هذا الحبّ لأهل العدل والإنصاف في موضعين آخرين «3» .
(4) للمتطهّرين وذلك كما في قوله سبحانه وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة/ 222) ، وقوله عزّ من
__________
(1) انظر الآيات الواردة في: آل عمران/ 134، 148، المائدة/ 13، 93.
(2) انظر الآيات الواردة في: التوبة/ 4، 7.
(3) انظر الآيات الواردة في: الحجرات/ 9، الممتحنة/ 8.(4/1139)
قائل وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة/ 108) .
(5) للصّابرين، وذلك قوله سبحانه وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) .
(6) للمتوكّلين، وقد جاء ذلك في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران/ 159) .
(7) للتّوابين، وقد جاء ذلك في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ (البقرة/ 222) .
(8) للمجاهدين المتوحّدي الصّفوف، وذلك كما في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف/ 4) «1» .
أمّا ذكره سبحانه للإنسان في الملأ الأعلى فقد جاء في القرآن الكريم في قوله عزّ من قائل فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (البقرة/ 152) ، كما جاء ذلك في الحديث القدسيّ الّذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزّ وجلّ: أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأهم خير منهم، وإن تقرّب منّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا، وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة «2» » «3» .
معية الله للإنسان:
10- ومن أجل مظاهر تكريمه عزّ وجلّ للإنسان تقريبه منه ومعيّته له ويتجلّى هذا القرب في قوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ 186) ، أمّا معّيته سبحانه فإنّها تتحقّق في مظاهر عديدة منها:
أ- معيّة المراقبة، وذلك كما في قوله تعالى:
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (الحديد/ 4) ، وقوله سبحانه (لبني إسرائيل) وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (المائدة/ 12) .
ب- معيّة النّصرة والتّأييد والهداية وذلك كما جاء على لسان سيّدنا إبراهيم عليه السّلام كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (الشعراء/ 62) ، وكقوله سبحانه لموسى وهارون إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (طه/ 46) ، وكما جاء على لسان الرّسول الخاتم محمّد صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر، في قوله تعالى لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا (التوبة/ 40) .
وهذه المعيّة ليست قاصرة على الأنبياء وحدهم وإنّما تشمل المؤمنين الطّائعين أيضا، مصداق ذلك قوله تعالى للمؤمنين وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد/ 35) .
ج- معيّة التّوفيق والمحبّة، وقد جعلها الله تعالى للمتّقين والصّابرين وأهل الإحسان فقال عزّ وجلّ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ* (البقرة/ 194) (ومثلها في التوبة/ 36، 123) ، وقال عزّ من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ 153) (ومثل ذلك في البقرة/ 249، والأنفال/ 36) ، أمّا معّية الله للمحسنين فقد أثبتها الذّكر الحكيم في موضعين: قوله
__________
(1) وانظر في معية الله للإنسان وما يقتضيه ذلك من حياد منه سبحانه في صفة الحياء.
(2) البخاري- الفتح (7536) ، ومسلم (2675) واللفظ له.
(3) انظر «صفة الذكر» .(4/1140)
عزّ وجلّ (في النحل/ 128) : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت/ 69) .
حفظ الإنسان ورعايته:
11- ومن مظاهر تكريم الإنسان أن يحظى برعاية الله عزّ وجلّ وحفظه من السّوء، قال تعالى:
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (الانفطار/ 1) ، وسخّر له الملائكة لحفظه، قال تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (الطارق/ 4) ، وحفظه من وساوس وإغواء الشّيطان بتمكينه من الاستعاذة بربّ العالمين ليحميه من كيد هذا الشّيطان الرّجيم، يقول الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت/ 36) ، وعلّمنا ربّنا كيف نستعيذ به من الشّيطان ومن كلّ شرّ في المعوّذتين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «1» . ومن تكريم الله عزّ وجلّ للإنسان المسلم أن جعل في القرآن شفاء لعلل النّفس والجسد وجعله بصائر للنّاس، فقال تعالى:
هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ «2» ، وتتضمّن هذه البصائر القرآنية حقوق الإنسان الشّرعيّة العامّة والخاصّة وتجعلهم يقفون على ما لهم ويعرفون ما عليهم، فيؤدّون الواجبات المتعلّقة بالنّفس وبالغير، وقبل ذلك وبعده ما يجب عليهم من عبادة الواحد القهّار فيحفظون بذلك دينهم وأنفسهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم، كما أرشد القرآن إلى مكارم الأخلاق وحثّ عليها، يقول الله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ (الإسراء/ 9) .
12- تحريم دم الإنسان وماله وعرضه وتشديد النّكير وتغليظ العقوبة على من يفعل ذلك يقول الله عزّ وجلّ: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة/ 32) . وسنّ الله عزّ وجلّ الشّرائع السّماويّة العادلة الرّادعة لحماية هذه النّفس الإنسانيّة لقوله عزّ وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 179) .
13- ومن تكريم الإنسان في الإسلام إعطاء حقّ المساواة لكلّ فرد مع الاخرين، فلا يتفاضل أحد على أحد إلّا بالتّقوى والعمل الصّالح إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ 13) ، وبهذا الحقّ يتساوى النّاس جميعا في تطبيق أحكام الشّرع الحنيف، ويحصلون جميعا على فرص متكافئة في العمل والتّعليم والعلاج ونحو ذلك، لا فرق بين غنيّ وفقير وشريف ووضيع، وقويّ وضعيف، وعربيّ وعجميّ، وفي ظلّ مجتمع المساواة يسود الإنصاف وتعمّ العدالة وتنتشر الألفة، ويتلاشى الكبر، ولا أدلّ على ذلك من هذا التّطبيق العمليّ المتمثّل في فرائض الصّلاة والصّيام والحجّ حيث يقف المصلّون والصّائمون والحجّاج جميعا أمام الله سواء.
14- وأخيرا يأتي التّكريم الأعظم في الاخرة بما أعدّه الله للطّائعين من الكرامة في دار المقام حيث يدخلهم الجنّة يتمتّعون فيها بنضرة النّعيم ويحظون بالرّضوان والفضل العظيم، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ
__________
(1) انظر: صفة الاستعاذة.
(2) انظر: صفة النظر والتبصر.(4/1141)
مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة/ 72) .
ثانيا: تكريم الإنسان لنفسه:
أ- بالعلم والمعرفة:
1- إنّ الإنسان إذا علم أنّه مكرّم من الله عزّ وجلّ، وأنّ من تكريم الله له قربه منه ومعيّته له فإنّ أبسط مظاهر تكريمه لنفسه أن يعمل عقله وقلبه وجوارحه بأن يتفكّر ويتأمّل ويتدبّر في ملكوت الله عزّ وجلّ ونعمه الّتي لا تعدّ ولا تحصى، فمتى ما تعلّم المرء كيف يقرأ باسم ربّه الكريم كرّم فكره وقلبه بمعرفة الله عزّ وجلّ- في كلّ شيء يراه، قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر/ 9) .
ومتى ما أقبل الإنسان بفكره وقلبه على الله بإخلاص ونيّة حسنة أقبل الله عليه وزاده نورا على نور وهداه إلى سبل الخير والتّقوى وفقّهه في الدّين، مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» «1» . فالإنسان يكرّم نفسه بالعلم والمعرفة حتّى يكون أهلا لتكريم الله له، ومن يفعل ذلك وهو مؤمن بالله فيقدّم عملا فكريّا أو ثقافيّا، أو اكتشافا علميّا يثري به الحياة، يلق من النّاس التّكريم والثّناء العطر ومن الله عزّ وجلّ عظيم الجزاء في الدّنيا والآخرة.
ب- تكريم الإنسان نفسه بالعبادة والطاعة:
من تكريم الإنسان نفسه أن يزكّيها بالعبادة ويطهّرها بالطّاعة، وذلك دون تطرّف أو غلوّ، ذلك أنّ التّيسير والرّفق بالنّفس من الأمور الّتي دعانا إليها القرآن وحثّنا على اتّباعها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم فقال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ...
(النساء/ 171) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق» «2» ، وإذا فعلنا ذلك كنّا أهلا لمعيّة الله عزّ وجلّ، ويكون ذلك بالتّقوى والإحسان والصّبر وغيرها من مظاهر الطّاعة، وهذه المعيّة تجعل الإنسان موقنا بأنّ الله عزّ وجلّ رقيب عليه مطّلع على سرّه وعلانيته ومن ثمّ فعليه العمل بموجب ذلك أي بغاية الإخلاص والحياء والخوف والخشية وأن يعبد الله بأقواله وأفعاله كأنّه يراه، وإذا علم أنّ معيّة النّصر والتّأييد لا تكون إلّا للرّسل وأهل الإيمان، فلا شكّ أنّ من تكريمه لنفسه أن يجعلها من أهل هذا الإيمان، ولمّا كانت هذه المعيّة الإيمانيّة تتأكدّ من خلال التّوفيق والمحبّة وأنّ لها شروطها الّتي اقترنت بها، فإنّ الإنسان (المسلم) لابدّ أن يكرّم نفسه بأن يجعلها ممّن تنطبق عليه شروط هذه المعيّة من التّقوى والصّبر والإحسان.
أمّا التّقوى وهي الصّفة الأولى الّتي اقترنت بها المعّيّة فالمراد بها العبادة مطلقا، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: «واسم التّقوى» إذا أفرد دخل فيه فعل كلّ مأمور به وترك كلّ محظور، ونقل عن ابن حبيب قوله: «التّقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عذاب الله» «3» .
فالتّقوى الّتي تقتضي المعيّة هنا تشمل الطّاعات بأسرها وأنواع العبادة بكاملها من صلاة وصوم وحجّ وغيرها، وقوله على نور من الله تقتضي التّبصّر والتّفكّر والتّدبّر، وهذا يؤدّي إلى العلم والحكمة والمعرفة، أمّا
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (71) ، وانظر صفة الفقه.
(2) انظر هذا الحديث وغيره في صفة «الغلو» ، وقارن أيضا بصفة «الرفق» .
(3) مجموع الفتاوى (7/ 163) .(4/1142)
رجاء رحمة الله فإنّه يشمل الرّجاء والرّغبة فيما عند الله عزّ وجلّ.
وإذا انتقلنا إلى الصّفة الثّانية الّتي اقترنت بالمعيّة فهي الصّبر والصّبر يشمل: صبر على الطّاعة وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله «1» .
وأمّا الصّفة الثّالثة الّتي نصّ القرآن على اقترانها بالمعيّة فهي الإحسان، وركنه هو أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك والإحسان بمعناه الشّامل الّذي يتضمّن إحسان العمل مثل الفضل، وكظم الغيظ والإنفاق في سبيل الله، والتّصدّق والزّكاة ونحوها، والإخلاص التّامّ في كلّ ذلك «2» . من أعمال البرّ والتّقوى، فكلّها أعمال يقوم بها الإنسان ابتغاء الحسنات من الله- عزّ وجلّ- ومرضاته تعالى.
أمّا أجلّ مظاهر تكريم الإنسان لنفسه فهو جعلها أهلا لحبّ الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ويكون ذلك بالإيمان بالله أوّلا، ثمّ باتّباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم ثانيا، ثمّ بالاستمرار في هذه الأمور الثّلاثة: التّقوى والإحسان والصّبر من ناحية، والعدل والقسط والتّطهّر والتّوكّل والتّوبة والجهاد «3» من ناحية ثانية، أمّا الأمر الثّالث الّذي يكرّم الإنسان به نفسه ويجعلها أهلا للمعيّة والقرب من الله عزّ وجلّ فهو الذّكر والدّعاء ونحوهما من الاستغفار والاستعانة والحمد والشّكر والثّناء، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد/ 28) ، ولا يوجد أعظم من هذه الطّمأنينة، وتلك السّكينة اللّتين تمثّلان غاية السّعادة الإنسانيّة، وقد كان المصطفى صلّى الله عليه وسلّم خير من يقتدى به في هذا المجال حيث كان يصبح ذاكرا ويظلّ ذاكرا حتّى يمسي، وكان بذلك الذّكر في معيّة مولاه.
ج- تكريم الإنسان نفسه بالحفظ والصيانة والتزكية:
على الإنسان الّذي يكرّم نفسه أن يحفظ هذه النّفس الّتي حرّمها الله تعالى بالعفّة والتّطهّر، وأن يصونها عن كلّ ما يدنّسها أو يشينها من الموبقات المهلكة مثل الزّنا واللّواط والخمر والميسر، ونحو ذلك ممّا يذلّ النّفس وينتقص من كرامتها وعزّتها، ناهيك عمّا يؤذي الجسد والعقل من المخدّرات وما في حكمها، إنّ الإنسان بذلك يجعل نفسه في فريق السّعداء في الدّنيا والآخرة. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ «4» مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) ، المعنى كما يقول ابن تيميّة- رحمه الله-: «قد أفلح من كبّرها وأعلاها بالطّاعة، وخسر من أخفاها وحقّرها وصغّرها بمعصية الله- عزّ وجلّ-، فالطّاعة والبرّ تكبر النّفس وتعزّها وتعليها حتّى تصير أشرف شيء وأكبره، وأزكاه وأعلاه، ويكون ذلك بالإيمان بآيات الله وسننه الكونيّة وآياته العلميّة، فبالتّفكّر والتّدبّر لهذه الآيات، وبالفهم والتّعقّل لآيات القرآن تزكو النّفس وتسمو وتعلو على مدارج هذه الكمالات حتّى تكون مع الأبرار «5» ، وقد صدق الله العظيم إذ قال: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي
__________
(1) انظر صفة الصبر في هذه الموسوعة.
(2) انظر صفة الإحسان في هذه الموسوعة، وقارن بما ذكره الشيخ الغزالي في كتابه «المحاور الخامسة» حيث ذكر معاني الإحسان في القرآن الكريم ص 192 وما بعدها.
(3) انظر الفقرة الخاصة بمعية الله للإنسان واقتران ذلك بكل هذه الصفات.
(4) أقسم الله- عز وجل- على ذلك بسبعة أشياء هي: 1- الشمس، 2- القمر، 3- النهار، 4- الليل، 5- السماء، 6- الأرض، 7- النفس.
(5) التفسير القيم (511- 512) . وانظر هامش (511) بتصرف يسير.(4/1143)
وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (المطففين/ 22- 24) .
د- الأخذ بالأسباب:
على المرء إذا أراد أن يكرّم نفسه أن يصونها عن ذلّ سؤال الخلق، ولا يتأتّى له ذلك إلّا إذا سعى في طلب الرّزق موقنا أنّ الله عزّ وجلّ هو الرّزّاق ذو القوّة المتين وأنّه المتكفّل بذلك مصداقا لقوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ* فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (الذاريات/ 22- 23) ، وإذا فعل ذلك فإنّ عليه أن يرضى بما قسم الله له من الرّزق الحلال، فإذا سعى وكدح ورزق ما قدّر الله له أن يرزقه ورضي بذلك انكسرت حواجز الشّك والقلق، وتخلّص من وساوس الشّيطان وحبّ التّكاثر من أجل استهلاك زائف في دنيا فانية، وأنّه لابدّ ملاق ربّه يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (الانشقاق/ 6) ، بذلك فقط تصبح نفسه عزيزة بإيمانها، قويّة بعزّتها، لا تغرّها الدّنيا ولا يعميها الطّمع حيث آمنت بقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ (الحديد/ 20) «1» ، واعتقدت بأنّ النّجاح والرّزق بيد الله عزّ وجلّ، يقول سبحانه:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ إلى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (الطلاق/ 2- 3) ، وقال عزّ وجلّ:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً* ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (الطلاق/ 4- 5) .
إنّ الارتباط بين التّقوى والتّوكّل وقضاء الله وقدره من ناحية وبين الرّزق من ناحية أخرى كفيل أن يحرّر الإنسان من الخوف من فقدان الرّزق، ذلك أنّ الرّزق قد تكفّل به المولى عزّ وجلّ في قوله تعالى:
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها (هود/ 6) ، وليس على الإنسان إلّا أن يأخذ بالأسباب الّتي أجملتها الاية الكريمة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ويعتقد جازما أنّ الله وحده صاحب الفضل في توفير هذا الرّزق له وتأمينه من الخوف أيّا كان نوعه من مرض أو جوع أو عدوّ أو نحو ذلك، ولا مهرب من ذلك كلّه إلّا بالفرار إلى الله عزّ وجلّ، قال تعالى:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (الذاريات/ 50) .
إنّ الإنسان الّذي يكرّم نفسه حقّا هو الّذي لا ينسى نصيبه من الدّنيا ولكنّه في الوقت نفسه لا ينسى نصيبه من الاخرة، فالاخرة كما قال تعالى: خَيْرٌ وَأَبْقى (الأعلى/ 16) ، وتحصيل نصيب الاخرة يكون بالإنفاق وإخراج الزّكاة والمواساة وإغاثة الملهوف ونحو ذلك، يقول الله تبارك وتعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا (القصص/ 77) .
والخلاصة أنّ الإنسان الّذي يكرّم نفسه هو الّذي يستحقّ التّكريم من الله عزّ وجلّ ومن النّاس، وتكريم النّفس يكون بإعمال قواها العقليّة بالتّفكّر والتّدبّر والتأمّل، وقواها القلبيّة بالحبّ والتّذكّر والإيمان، وقواها البدنيّة بالسّعي للرّزق وبالعبادة والعمل الصّالح، إذ هما وسيلة العبد إلى التّقرّب منه سبحانه، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
__________
(1) انظر صفة «التكاثر» .(4/1144)
وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (المائدة/ 35) ، كلّ ذلك تزكية للنّفس وسموّ بها وقد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ 9- 10) .
ثالثا: تكريم الإنسان لأخيه الإنسان:
نصّ القرآن الكريم في مواضع عديدة على تكريم الإنسان للإنسان بوجه عامّ، وجاءت السّنّة المطّهرة مؤيّدة ومبيّنة هذا التّكريم الّذي يشمل الأناسيّ جميعا، والله عزّ وجلّ القائل: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب/ 21) واصفا إيّاه عليه الصّلاة والسّلام وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم/ 4) . فشمل ذلك التّكريم الرّجل والمرأة، الصّغير والكبير، الغنيّ والفقير، المريض والسّليم، المسافر والمقيم، القريب والبعيد، الحيّ والميّت، وغير ذلك ممّا يشمله لفظ «إنسان» أو آدميّ، إلّا أنّ القرآن والسّنّة قد أكّدا في غير موضع على أنواع خاصّة من التكريم لأنواع خاصّة من النّاس، اهتماما بها وتذكيرا بما لها من حقوق على المجتمع الإنسانيّ.
وعلى رأس قائمة الّذين ينبغي تكريمهم ورعايتهم الوالدين الّذين جعل الله الإحسان إليهما تاليا لعبادته عزّ وجلّ ممّا يدلّ على عظيم شأن البرّ بهما وتكريمهما يقول الله تبارك: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ 23) .
ويتسّع نطاق هذا التّكريم ليشمل ذوي الأرحام الّذين قال الله فيهم: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ (الأحزاب/ 6) ، وقال عزّ وجلّ:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (النساء/ 36) .
ومن هذا المنطلق الرّحيم ينطلق الإنسان في تكريم أخيه الإنسان بالإحسان إليه، وحسن الظّنّ به، وحسن معاملته، والتّعامل معه بالرّقّة والشّفقة والتّسامح، والتّواصي بالحقّ وبالمرحمة مصداقا لقوله تعالى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (البلد/ 17) ، وفي دائرة التّواصي بالحقّ تدخل النّصيحة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وفي دائرة المرحمة يدخل الفضل والتّناصر والتّعاون على البرّ والتّقوى، وبهذه الأمور يتحقّق تكريم الإنسان لأخيه الإنسان في أروع صوره وأبهى حلله وما ذلك إلّا لأنّ مبنى حقوق الإنسان الّتي أمرنا أن نتواصى بها قائمة على أنّ الإنسان مكرّم لتكريم الله تعالى له، ومنحه إيّاه ذلك، وذلك التّكريم يرتبط بعبوديّة الإنسان لربّه وإيمانه به «1» .
وبهذا الرّباط الإيمانيّ يعدّ المسلمون جميعا إخوة في الدّين، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات/ 10) ، وهذه الرّابطة الإيمانيّة تفرض على كلّ منهم الالتزام بعدل الإسلام وسماحته، والبرّ بالنّاس جميعا حتّى ولو خالفونا في الرّأي أو العقيدة ويقول الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (المائدة/ 8) .
إنّ حقوق الإنسان مرتبطة بأداء ما عليه من واجب، وبقدر ما يلتزم من مسئوليّة إزاء حقوق الاخرين، وقد جعل الإسلام للحرّيّة الشّخصيّة
__________
(1) الإنسان المعاصر، الإسلام وحقوق الإنسان للدكتور عبد الرحيم سعيد التلب ص 44.(4/1145)
حدودا لا ينبغي تجاوزها تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها (البقرة/ 229) ، وقال عزّ وجلّ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (الشورى/ 42) ، وبهذا فإنّ الحرّيّة الإسلاميّة ليست اتّباعا للهوى أو جريا وراء الشّهوات وتحقيق المكاسب المادّيّة بالحقّ أو بالباطل، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ (القصص/ 50) ، وقال عزّ وجلّ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (الكهف/ 28) ، بل على العكس من ذلك على الإنسان أن يتّبع شريعة الله الحاكمة، قال تعالى: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (الأعراف/ 3) ، وكما نهى الإسلام الإنسان عن أن يتّبع هواه في الحكم على حقوق الاخرين فإنّه نهي أيضا عن اتّباع هوى الغير من الضّالّين المضلّين، قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة/ 49- 50) .
تكريم المرأة:
لقد اتّخذ تكريم المرأة في الإسلام صورا عديدة ومظاهر متنوّعة منها على سبيل المثال:
1- ضرورة المحافظة على حياتها، وقد جاء ذلك عندما نعى القرآن الكريم على عرب الجاهليّة ما كانوا يقدمون عليه من وأدهنّ «1» . يقول تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير/ 8- 9) ، وقد وسم القرآن الكريم هؤلاء الجاهلين بسوء حكمهم وخطأ تقديرهم عند ما كانوا يشعرون بالهوان ويتوارون من الخجل عندما يرزق أحدهم بالبنت فقال عزّ من قائل: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (النحل/ 58- 59) ، ويستنكر إليه مثل هذا التصرّف بقوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ (الأنعام/ 140) .
2- إعطاؤها الحقّ كاملا في ممارسة العبادة والحصول على الأجر العظيم والمغفرة من الله عزّ وجلّ إن هي فعلت ما أمر الله تبارك وتعالى به، مصداق ذلك قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 35) .
3- يسّر الإسلام السّبيل أمام المرأة لتتفرّغ لأجلّ مهمّة في الحياة وهي حفظ النّسل والقيام عليه بالرّعاية والتّعليم والتّربية والتّهذيب وهي كما قال الشّاعر:
هي الأخلاق تنبت كالنّبات ... إذا سقيت بماء المكرمات
__________
(1) الوأد: يعني إهالة التراب على الفتاة وهي حيّة حتى تموت.(4/1146)
تقوم إذا تعهّدها المربّي ... على ساق الفضيلة مثمرات
ولم أر للخلائق من محلّ ... يهذّبها كحضن الأمّهات «1»
وحتّى تستطيع الأمّ القيام بهذه المهمّة فلا بدّ من أن يتهيّأ لها من يكفل أمر القيام بمعاشها والسّعي على رزقها ورعاية مصالحها، ولذلك فقد ارتبطت قوامة الرّجال على أمور الأسرة بدرجة الرّجولة وبالإنفاق، قال تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (النساء/ 34) .
4- حقّ المعاشرة بالمعروف أو المفارقة بالمعروف، يقول الله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19) ، وقال عزّ وجلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (الطلاق/ 2) .
5- جعل الإسلام للمرأة نصيبا مفروضا في تركة الرّجل سواء أكانت هذه المرأة أمّا أو ابنة أو زوجا أو أختا، وضمن لها بذلك الحقّ في الحياة الحرّة الكريمة في حياة أهلها أو بعد رحيلهم.
تكريم الأقليات في المجتمع الإسلامي:
لقد قضى الإسلام قضاء مبرما على كافّة أنواع التّمييز العنصريّ القائم على اختلاف اللّون أو الجنس، فالأبيض كالأسود والعربيّ كالعجميّ لا يتفاضلون ولا يتمايزون إلّا بالتّقوى والعمل الصّالح، فأكرم النّاس أتقاهم كما جاء في الآية الكريمة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات/ 13) . أمّا غير المسلم فإنّه يعيش مكرّما لا يجوز لأحد أن ينتقصه أو ينتهك عرضه أو ماله أو دمه، أو يجبره على ما يكره، قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة/ 256) ، وقال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم حاثّا على استقرار وتلاحم المجتمع بكافّة عناصره:
«من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما» «2» ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقص منه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» «3» .
ومن مظاهر التّكريم نهي الإسلام عن التّعذيب سواء كان المعذّب مسلما أو ذمّيّا، روى عروة ابن الزّبير أنّ هشام بن حكيم وجد رجلا وهو (وال) على حمص يشمّس ناسا من القبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا» «4» . ولو لم يعرف هشام أنّ هذا الوعيد يشمل المعذّبين من أهل الذمّة كما يشمل المسلمين لمّا ذكّر به الوالي الّذي كان يقوم- عن جهل بقواعد الإسلام السّمحة- بتعذيب بعض القبط.
[للاستزادة: انظر صفات: الإنصاف- الألفة- بر الوالدين- حسن العشرة- حسن الخلق- حسن المعاملة- صلة الرحم- عيادة المريض- كفالة اليتيم التعاون على البر والتقوى- المواساة- المروءة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الاستهزاء- السخرية- العدوان- عقوق الوالدين- قطيعة الرحم- نكران الجميل- القسوة- الجحود- سوء المعاملة] .
__________
(1) هذه أبيات شعر لكبير شعراء العراق معروف عبد الغني الوصافي.
(2) البخاري- الفتح 6 (3166) .
(3) أبو داود 3 (3052) .
(4) المرجع السابق 3 (3045) .(4/1147)
الآيات الواردة في «تكريم الإنسان»
تكريم الإنسان على كثير مما خلق الله تعالى:
1-* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) «1»
2- فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (20) «2»
تكريم الإنسان في الآخرة:
3- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31) «3»
4- إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «4»
تكريم الإنسان على إبليس:
5- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) «5»
الآيات الواردة في «تكريم الإنسان» معنى
أولا: تسخير ما في الكون له:
6- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) «6» 7- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) «7»
8-* إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
__________
(1) الإسراء: 70 مكية
(2) الفجر: 15- 20 مكية
(3) النساء: 31 مدنية
(4) يس: 25- 27 مكية.
(5) الإسراء: 61- 62 مكية
(6) البقرة: 21- 22 مدنية
(7) البقرة: 29 مدنية.(4/1148)
فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) «1»
9-* وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) «2»
10- اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) «3»
11- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) «4»
12- خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8)
__________
(1) الأنعام: 95- 97 مكية
(2) الأنعام: 141- 142 مكية
(3) الرعد: 2- 4 مدنية
(4) ابراهيم: 32- 34 مكية(4/1149)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) «1»
13- وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) «2»
14- وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ
__________
(1) النحل: 4- 18 مكية
(2) النحل: 65- 72 مكية(4/1150)
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) «1»
15- رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) «2»
16- وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «3»
17- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) «4»
18- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) «5»
19- أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «6»
20- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)
__________
(1) النحل: 81 مكية
(2) الإسراء: 66 مكية
(3) الحج: 36- 37 مكية
(4) الحج: 65 مكية
(5) المؤمنون: 18- 22 مكية.
(6) النمل: 60- 64 مكية(4/1151)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (63) «1»
21- وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) «2»
22- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) «3»
23- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «4»
24- وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) «5»
25- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (71) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) «6»
26- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) «7»
27- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (79)
__________
(1) العنكبوت: 61- 63 مكية
(2) الروم: 24 مكية
(3) لقمان: 20 مكية
(4) لقمان: 29- 31 مكية
(5) فاطر: 12- 13 مكية
(6) يس: 71- 73 مكية
(7) الزمر: 5- 6 مكية(4/1152)
وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) «1»
28- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) «2» 29-* اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) «3»
30- أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16) «4»
31- أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (31) وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33) «5»
32- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (29) وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32) «6»
__________
(1) غافر: 79- 81 مكية
(2) الزخرف: 9- 14 مكية
(3) الجاثية: 12- 13 مكية
(4) النبأ: 6- 16 مكية
(5) النازعات: 27- 33 مكية
(6) عبس: 24- 32 مكية(4/1153)
ثانيا: خلق الإنسان في أحسن تقويم:
33- الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) «1»
34- ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ
(9) «2»
35- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) «3»
36- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) «4»
37- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «5»
38- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8) «6»
39- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) «7»
40- أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) «8»
41- وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) «9»
42- وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) «10»
__________
(1) المؤمنون: 11- 14 مكية
(2) السجدة: 6- 9 مكية
(3) الصافات: 123- 126 مكية
(4) غافر: 64 مكية
(5) التغابن: 2- 3 مدنية
(6) الانفطار: 6- 8 مكية
(7) الأعلى: 1- 3 مكية
(8) البلد: 7- 10 مكية
(9) الشمس: 7- 10 مكية
(10) التين: 1- 4 مكية(4/1154)
ثالثا: استخلافه في الأرض وإسجاد الملائكة له:
43- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) «1»
44- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) «2»
45- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) «3»
46- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) «4»
47- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) «5»
48- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) «6»
49- هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (39) «7»
__________
(1) البقرة: 30- 34 مدنية
(2) الأنعام: 165 مكية
(3) الأعراف: 11- 12 مكية
(4) الحجر: 28- 31 مدنية
(5) الكهف: 50 مكية
(6) طه: 116- 119 مكية
(7) فاطر: 39 مكية(4/1155)
50- فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (74) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) «1»
رابعا: إرسال الرسل لإسعاده في الدنيا والاخرة:
51- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) «2»
52- يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) «3»
53- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «4»
54- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) «5»
55- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «6»
56- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «7»
57- وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) «8»
58- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «9»
59- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) «10»
__________
(1) ص: 73- 75 مكية
(2) البقرة: 151 مدنية
(3) التوبة: 32- 33 مدنية
(4) يوسف: 109 مكية
(5) الرعد: 38 مدنية
(6) ابراهيم: 4 مكية
(7) النحل: 43- 44 مكية
(8) الأنبياء: 7- 9 مكية
(9) الأنبياء: 25 مكية
(10) الأنبياء: 107 مكية(4/1156)
60- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) «1»
61- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(47) «2»
62- وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) «3»
63- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) «4»
64- وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) «5»
65- لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) «6»
خامسا: صيانة الإنسان في دمه وعرضه وماله:
66- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) «7»
67- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) «8»
__________
(1) المؤمنون: 42- 46 مكية
(2) الروم: 47 مكية
(3) الصافات: 71- 74 مكية
(4) غافر: 78 مكية
(5) الزخرف: 6- 8 مكية
(6) الحديد: 25 مدنية
(7) البقرة: 188 مدنية
(8) المائدة: 32- 33 مدنية.(4/1157)
68-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «1»
69- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) «2»
سادسا: تعليمه القراءة والكتابة والبيان وغير ذلك مما لم يكن يعلمه:
70- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3»
71- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(113) «4»
72- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) «5»
73- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) «6»
74- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) «7»
__________
(1) الأنعام: 151 مكية
(2) الإسراء: 31- 35 مكية
(3) البقرة: 238- 239 مدنية
(4) النساء: 113 مدنية
(5) الأنعام: 91 مكية
(6) يونس: 5 مكية
(7) الإسراء: 12 مكية(4/1158)
75- الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) «1»
76- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «2»
سابعا: أنواع خاصة من التكريم:
أ- تكريم المرأة:
77- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) «3»
78- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) «4»
79- وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) «5»
__________
(1) الرحمن: 1- 4 مدنية
(2) العلق: 1- 5 مكية
(3) البقرة: 229- 232 مدنية
(4) البقرة: 236- 237 مدنية
(5) النساء: 4 مدنية(4/1159)
80- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) «1»
81- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21) «2»
82- وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (32) «3»
83- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) «4»
84- وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «5»
85- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) «6»
86- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) «7»
87- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «8»
88- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
__________
(1) النساء: 7 مدنية
(2) النساء: 19- 21 مدنية
(3) النساء: 32 مدنية
(4) النساء: 128- 129 مدنية
(5) النحل: 58- 59 مكية.
(6) النور: 4 مدنية
(7) النور: 23 مدنية
(8) الروم: 21 مكية(4/1160)
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «1»
89- أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (6) «2»
ب- تكريم أهل الذمة والأقليات العرقية:
90- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «3»
91- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «4»
92- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «5»
93- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) «6»
94-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «7»
95- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) «8»
96- قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «9»
__________
(1) الطلاق: 1- 2 مدنية
(2) الطلاق: 6 مدنية
(3) البقرة: 256 مدنية
(4) آل عمران: 20 مدنية
(5) آل عمران: 64 مدنية
(6) يونس: 99 مكية
(7) العنكبوت: 46 مكية
(8) الممتحنة: 8 مدنية
(9) الكافرون: 1- 6 مكية(4/1161)
الأحاديث الواردة في (تكريم الإنسان)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قالوا يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال:
«هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» قالوا: لا. قال:
«فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال: «فيلقى العبد فيقول:
أي فل «1» ألم أكرمك، وأسوّدك «2» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «3» وتربع «4» ؟
فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟
فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني «5» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟
فيقول: بلى أي ربّ. قال: فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا ربّ! آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت، ويثني بخير ما استطاع. فيقول ههنا إذا «6» قال: ثمّ يقال له: الان نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه:
من ذا الّذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر من نفسه. وذلك المنافق. وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «7» .
2-* (عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى- في الدّنيا أهانة الله يوم القيامة» ) * «8» .
3-* (عن خارجة بن زيد بن ثابت «أنّ أمّ العلاء- امرأة من نسائهم- بايعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنّ عثمان بن مظعون طار لهم في السّكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين. قالت أمّ العلاء:
فاشتكى عثمان عندنا، فمرّضته حتّى توفّي، وجعلناه في أثوابه، فدخل علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما يدريك أنّ الله قد أكرمه؟ قالت قلت:
لا أدري، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، فمن؟ قال: «أمّا
__________
(1) أي فل: معناه يا فلان: وهو ترخيم على خلاف القياس وقيل: هي لغة بمعنى فلان.
(2) أسوّدك: أي أجعلك سيدا على غيرك.
(3) ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم.
(4) تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. ومعناه: ألم أجعلك رئيسا مطاعا.
(5) فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي.
(6) ههنا إذا: معناه قف ههنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا.
(7) البخاري- الفتح 11 (6573) ، ومسلم (2981) واللفظ له.
(8) أحمد في مسنده (5/ 42، 49) . والترمذي (2224) وقال حديث حسن غريب وابن حبّان في الثقات (4/ 259) وابن أبي عاصم في السنة 2/ 478) وحسنه الألباني.(4/1162)
هو فقد جاءه- والله- اليقين. والله إنّي لأرجو له الخير، وما أدري والله- وأنا رسول الله- ما يفعل بي.
قالت: فو الله لا أزكّي أحدا بعده قالت: فأحزنني ذلك، فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبرته، فقال: ذلك عمله) * «1» .
4-* (عن عمرو بن يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدّي «أنّ أبان بن سعيد أقبل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم عليه، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل. وقال أبان لأبي هريرة: واعجبا لك وبر تدأدأ «2» من قدوم ضأن، ينعى «3» عليّ امرأ أكرمه الله بيدي «4» ، ومنعه أن يهينني بيده) * «5» .
5-* (عن شهاب بن عبّاد أنّه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاشتدّ فرحهم بنا، فلمّا انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا، فقعدنا، فرحّب بنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعا لنا، ثمّ نظر إلينا فقال: «من سيّدكم وزعيمكم؟» . فأشرنا بأجمعنا إلى المنذر بن عائذ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أهذا الأشجّ؟» وكان أوّل يوم وضع عليه هذا الاسم بضربة لوجهه بحافر حمار- قلنا: نعم يا رسول الله. فتخلّف بعد القوم فعقل رواحلهم، وضمّ متاعهم، ثمّ أخرج عيبته فألقى عنه ثياب السّفر، ولبس من صالح ثيابه، ثمّ أقبل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد بسط النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجله واتّكأ، فلمّا دنا منه الأشجّ أوسع القوم له، وقالوا:
ههنا يا أشجّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- واستوى قاعدا وقبض رجله-: «ههنا يا أشجّ» . فقعد عن يمين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرحّب به، وألطفه، وسأله عن بلاده، وسمّى له قرية، الصّفا والمشقر وغير ذلك من قرى هجر، فقال: بأبي وأمّي يا رسول الله، لأنت أعلم بأسماء قرانا منّا. فقال: «إنّي قد وطئت بلادكم وفسح لي فيها» ، قال: ثمّ أقبل على الأنصار فقال: «يا معشر الأنصار: أكرموا إخوانكم، فإنّهم أشباهكم في الإسلام، أشبه شيئا بكم أشعارا وأبشارا، أسلموا طائعين غير مكرهين، ولا موتورين إذ أبى قوم أن يسلموا حتّى قتلوا» ، قال: فلمّا أن أصبحوا قال:
«كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إيّاكم؟
قالوا: خير إخوان، ألانوا فراشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلّمونا كتاب ربّنا- تبارك وتعالى- وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فأعجبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفرح بها ... »
الحديث) * «6» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أكرم النّاس؟ قال: «أكرمهم أتقاهم» . قالوا: يا نبيّ الله، ليس عن هذا نسألك. قال:
«فأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» . قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3929) .
(2) الدّأدأة: صوت الحجارة في المسيل.
(3) ينعى علي: يعيبني ويوبخني.
(4) أكرمه الله بيدي: أي نال الشهادة حين قتلته.
(5) البخاري- الفتح 7 (4239) . والفتح 6 (2827) .
(6) أحمد 3/ 432. وقصة وفد عبد القيس في الصحيحين وهي مشهورة، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس- رضي الله عنهما ان امرأة أتته تسأله عن نبيذ الجر فقال: إن وفد عبد القيس ... الحديث.(4/1163)
«أفعن معادن العرب «1» تسألونني؟ قالوا: نعم. قال:
«فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» ) * «2» .
7-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة. قال:
فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا. فيقول: لا. إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمّة» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (تكريم الإنسان) معنى
أولا: تسخير ما في الكون للإنسان:
8-* (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع فكنت تظنّ أنّك ملاقي يومك هذا؟
قال: فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني» ) * «4» .
ثانيا: صيانة الإنسان في دمه وماله وعرضه:
9-* (عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال:
دخلنا على جابر بن عبد الله، فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال بيده، فعقد تسعا، فقال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويعمل مثل عمله ... إلى أن يقول: فأجاز «5» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت «6» له، فأتى بطن الوادي «7» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة
__________
(1) معادن العرب: أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها، وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعداد المتفاوت، أو شبههم بالمعادن لكونهم أوعية الشرف كما أن المعادن أوعية للجواهر.
(2) البخاري- الفتح 6 (3374) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7311) ومسلم (156) ، وأحمد في مسنده (3/ 34) ونصه: « ... ليكرم الله هذه الأمة» .
(4) الترمذي- (2428) وقال: في الصحيح وهذا حديث صحيح غريب، ومعناه عند مسلم.
(5) أجاز: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، بل توجه إلى عرفات.
(6) رحلت: وضع عليها الرحل.
(7) هو وادي عرنة: وعرنة ليست من أرض عرفات، وقال مالك: هي من عرفات.(4/1164)
يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه ... الحديث» ) * «1» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذو المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» ) * «2» .
ثالثا: تكريم المرأة:
11-* (عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال:
دخلنا على جابر بن عبد الله، فقلت أخبرني عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: الحديث: وفيه: اتّقوا الله في النّساء فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله «3» ، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «4» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله «5» . وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة، يرفعها إلى السّماء وينكتها «6» إلى النّاس: «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد» .
ثلاث مرّات ... الحديث» ) * «7» .
12-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إيّاها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثمّ قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثته حديثها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من ابتلي «8» من البنات
__________
(1) مسلم (1218) .
(2) الترمذي- كتاب البر والصلة برقم (2032) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث الحسين بن واقد. البغوي في شرح السنة (13/ 104) وقال محققه اسناده حسن وله شاهد عند أبي داود (4880) وسنده حسن، وكذا ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 240) ، وقال رواه أبويعلي بإسناد حسن.
(3) كلمة الله: قيل: معناه قوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. وقيل: المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: قوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وهذا الثالث هو الصحيح.
(4) قال النووي: معناه أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم. والنهي يتناول الأجنبي ومحارم الزوجة.
(5) كتاب الله: بالنصب على أنها بدل عما قبلها، وبالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف.
(6) وروي: ينكبها. أييميلها إليهم. انظر «النهاية» (5/ 112) .
(7) مسلم (1218) .
(8) ابتلي: إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة، قال تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ.(4/1165)
بشيء فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» «1» ) * «2» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلّم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنّساء، فإنّ المرأة خلقت من ضلع، وإنّ أعوج شيء في الضّلع أعلاه «3» ، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنّساء خيرا» ) * «4» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «5» مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر- أو قال- (غيره) » ) * «6» .
رابعا: تكريم المعاهد (الذّمي) :
15-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قتل معاهدا لم يرح «7» رائحة الجنّة، وإنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» ) * «8» .
16-* (عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل معاهدا في غير كنهه حرّم الله عليه الجنّة» ) * «9» .
17-* (عن عروة بن الزّبير أنّ هشام بن حكيم وجد رجلا وهو على حمص «10» يشمّس ناسا من القبط فى أداء الجزية فقال: ما هذا؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعذّب الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا» ) * «11» .
خامسا: تكريم المحاربين:
18-* (عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمّر رجلا على سريّة أوصاه في خاصّة نفسه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، فقال: «اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا «12» ولا تقتلوا وليدا. وإذا أنت لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، أو خصال، فأيّتهنّ أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم، ادعهم إلى
__________
(1) كن له سترا من النار: أي يكون جزاؤه على ذلك وقاية بينه وبين نار جهنم، حائلا بينه وبينها.
(2) البخاري (الفتح 10/ 5995) ومسلم (2629) .
(3) يعني: أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع، فلا يتهيأ الانتفاع بها إلّا بالصبر على عوجها.
(4) رواه البخاري (الفتح 9/ 5185، 5186) ومسلم (1468) واللفظ له.
(5) لا يفرك مؤمن مؤمنة: قال أهل اللغة: فركه يفركه: إذا أبغضه، والفرك: البغض.
(6) مسلم (1469) .
(7) لم يرح: قال ابن حجر: قوله (لم يرح) بفتح الياء والراء، وأصله: يراح، أي وجد الريح. وحكى ابن التين ضم أوله وكسر الراء (يرح) ، وحكى ابن الجوزي ثالثة وهي: فتح أوله وكسر ثانيه (يرح) من راح يريح. والأول أجود. والله أعلم.
(8) البخاري- الفتح 6 (3166) .
(9) أبو داود (2760) . وصححه الألباني في سنن أبي داود (2398) .
(10) حمص: بلد من بلاد الشام وهي الآن في سورية.
(11) رواه مسلم (2613) .
(12) تمثلوا: بضم الثاء، وضبط من باب التفعيل أيضا، لكن التفعيل للمبالغة، ولا يناسب النهي، يقال: مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به. ومثلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه. والاسم المثلة.(4/1166)
الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم إن فعلوا ذلك أنّ لهم ما للمهاجرين، وأنّ عليهم ما على المهاجرين، وإن أبوا فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الّذي يجري على المؤمنين ... الحديث» ) * «1» .
19-* (عن ابن عمر قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل النّساء والصّبيان» ) * «2» .
20-* (عن سمرة بن جندب قال: كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يحثّنا على الصّدقة، وينهانا عن المثلة» ) * «3» .
سادسا: تكريم الخادم والأجير ومن على شاكلتهما:
21-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، أخذ أبو طلحة بيدي، فانطلق بي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ أنسا غلام كيّس فليخدمك. قال: فخدمته في السّفر والحضر. والله، ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا» ) * «4» .
22-* (وعن أنس- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أحسن النّاس خلقا. فأرسلني يوما لحاجة. فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فخرجت حتّى أمرّ «5» على صبيان وهم يلعبون في السّوق. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي. قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟» قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله» ) * «6» .
23-* (عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال:
إنّي ساببت رجلا «7» فعيّرته بأمّه «8» فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة «9» .
إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «10» .
__________
(1) رواه مسلم (1731) .
(2) البخاري- الفتح 6 (301) واللفظ له. ومسلم (1744) .
(3) أبو داود (2667) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود (2322) .
(4) مسلم (2309) .
(5) حتى أمر: المراد حتى مررت. وقد عبّر بالمضارع عن الماضي استحضارا للصورة.
(6) مسلم (2310) .
(7) قيل: هذا الرجل هو بلال مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
(8) عيرته بأمه: نسبته إلى العار.
(9) فيك جاهلية: أي خصلة من خصال الجاهلية.
(10) البخاري- الفتح 1 (30) واللفظ له، ومسلم (40) ، والترمذي (1945) .(4/1167)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تكريم الإنسان)
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا. قالت الأولى:
زوجي لحم جمل غثّ «1» على رأس جبل وعر «2» ، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل. قالت الثّانية:
زوجي لا أبثّ خبره «3» ، إنّي أخاف أن لا أذره «4» ، إن أذكره أذكر عجره وبجره «5» . قالت الثّالثة: زوجي العشنّق «6» ، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق، قالت الرّابعة: زوجي كليل تهامة «7» ، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سامة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد «8» ، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد. قالت السّادسة: زوجي إن أكل لفّ «9» وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.
قالت السّابعة: زوجي غياياء أو عياياء «10» طباقاء، كلّ داء له داء «11» ، شجّك أو فلّك «12» أو جمع كلّا لك. قالت الثّامنة: زوجي الرّيح ريح زرنب «13» ، والمسّ مسّ أرنب. قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد «14» ، طويل النّجاد «15» ، عظيم الرّماد «16»
__________
(1) غث: مهزول، وهو هنا صفة اللحم ويجوز فيه الجر صفة للجمل.
(2) على رأس جبل وعر: المعنى أنه قليل الخير من أوجه منها: كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومنها أنه غث مهزول رديء، ومنها أنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة، وقولها لاسمين فينتقل: أي تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يتركوه رغبة عنه لرداءته.
(3) لا أبث خبره: أي لا أنشره وأشيعه.
(4) إنى أخاف أن لا أذره: إني أخاف أن لا أترك من خبره شيئا.
(5) عجره وبجره: المراد بهما عيوبه وقال ابن الأعرابي: العجرة: نفخة في الظهر، فإن كانت في السرة فهي بجرة.
(6) زوجي العشنق: العشنق: أي الطويل أو المذموم الطول أو طويل العنق، وكل ذلك بغير نفع.
(7) زوجي كليل تهامة: ليس في أذى بل هو راحة ولذاذة عيش كليل تهامة: معتدل لا حر ولا برد مفرط.
(8) زوجي إن دخل فهد: تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وتصفه إذا صار بين النّاس أو مارس الحرب بالأسد.
(9) زوجي إن أكل لفّ: قال ابن الأعرابي: هذا ذم له أرادت وإن اضطجع ورقد التف في ثيابه في ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته.
(10) زوجي غياياء أو عياياء: بالعين المهملة العنين الذي تعييه مباضعة النساء ويعجز عنها. وبالغين المعجمة مأخوذ من الغياية. وهي الظلمة ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأما طباقاء فمعناه المطبقة عليه أموره قمعا أو العاجز عن الكلام.
(11) كل داء له داء: أي جميع أدواء الناس مجتمعة فيه.
(12) شجك أو فلك: أي أنها معه بين شج رأس وضرب وكسر عضو أو جمع بينهما.
(13) زوجي الريح ريح زرنب: الزرنب نوع من الطيب معروف. قيل أرادت طيب ريح جسده. وقيل طيب ثنائه في الناس.
(14) زوجي رفيع العماد موصوف بالشرف وسناء الذكر.
(15) طويل النجاد: كناية عن طول القامة.
(16) عظيم الرماد: كناية عن الجود وكثرة الأضياف.(4/1168)
قريب البيت من النّادي «1» . قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك «2» ، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر «3» ، أيقنّ أنهنّ هوالك. قالت الحادية عشرة:
زوجي أبو زرع فما أبو زرع، أناس من حليّ أذنيّ «4» ، وملأ من شحم عضديّ «5» ، وبجّحني «6» فبجحت إليّ نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشقّ «7» ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقّ «8» فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح «9» . أمّ أبي زرع فما أمّ أبي زرع، عكومها رداح «10» ، وبيتها فساح «11» . ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسلّ شطبة «12» ، ويشبعه ذراع الجفرة «13» . بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها «14» ، وغيظ جارتها «15» . جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبثّ حديثنا تبثيثا «16» ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا «17» ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا «18» ؛ قالت خرج أبو زرع والأوطاب تمخض «19» ، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين «20» ، فطلّقني
__________
(1) قريب البيت من النادي: الضيفان يقصدون النادي وأصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب للنادي واللئام يتباعدون من النادي.
(2) زوجي مالك وما مالك الأولى وما عطف عليها اسم زوجها كررته تفخيما لشأنه؛ وقولها مالك خير من ذلك أي خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر.
(3) المزهر: هو العود الذي يضرب به.
(4) أناس من حلي أذني حلاني قرطة وشنوفا فهي تنوس أي تتحرك لكثرتها.
(5) وملأ من شحم عضدي: معناه أسمنني وملأ بدني شحما.
(6) وبجّحني فبجحت: عظّمني فعظمت عليّ نفسي أو فرّحني ففرحت.
(7) وجدني في أهل غنيمة بشق: أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل وحنينها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم وإنما يعتدون بأصحاب الخيل.
(8) ودائس ومنق: المقصود أنه صاحب زرع يدرسه وينقيه.
(9) فأتقنّح: بعض الناس يرويه بالميم وبعضهم يرويه بالنون فالميم معناه أروى حتى أدع الشراب من شدة الري، وبالنون معناه أقطع الشراب وأتمهل فيه.
(10) عكومها رداح: العكوم الأعدال والأوعية التي فيها الطعام والأمتعة، ورداح: أي عظام كبيرة.
(11) وبيتها فساح: واسع.
(12) مضجعه كمسل شطبة: مرادها أنه مهفهف خفيف اللحم كالشطبة وهو مما يمدح به الرجل.
(13) وتشبعه ذراع الجفرة والمراد أنه قليل الأكل. والعرب تمدح به.
(14) وملء كسائها: أي سمينة الجسم.
(15) وغيظ جارتها: يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وعفتها وأدبها.
(16) لا تبث حديثنا تبثيثا: أي لا تشيعه وتظهره، بل تكتم سرنا وحديثنا كله.
(17) ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: الميرة الطعام المجلوب. ومعناه لا تفسده ولا تفرقه ولا تذهب به. ومعناه وصفها بالأمانة.
(18) ولا تملأ بيتنا تعشيشا: أي لا تترك الكناسة والقمامة فيه مفرقة كعش الطائر.
(19) والأوطاب تمخض: أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع، والأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن.
(20) يلعبان من تحت خصرها برمانتين: معناه أنها ذات كفل عظيم فإذا استلقت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان.(4/1169)
ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا «1» وأخذ خطّيّا «2» ، وأراح عليّ نعما ثريّا «3» ، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، قال كلي أمّ زرع، وميري أهلك «4» ، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع «5» » ) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تكريم الإنسان)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
«المؤمن أكرم على الله من ملائكته» ) * «7» .
2-* (نظر ابن عمر- رضي الله عنهما- يوما إلى البيت- أو إلى الكعبة- فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك» ) * «8» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية (الإسراء/ 70) أنّ التّفضيل بالعقل) * «9» .
4-* (وعنه أيضا أنّ التّفضيل بأكله بيده، وغيره يأكل بفمه) * «10» .
5-* (وعن الضّحّاك- رضي الله عنه- في الآية الكريمة نفسها: أنّ التّفضيل بالنّطق) * «11» .
6-* (وعن عطاء- رضي الله عنه- في الآية نفسها: أنّ التّكريم بتعديل القامة وامتدادها) * «12» .
7-* (وعن زيد بن أسلم- رضي الله عنه- أنّ التّكريم بالمطاعم واللّذّات) * «13» .
8-* (عن ابن جريج قال في قوله تعالى:
__________
(1) رجلا سريّا ركب شريّا: سريّا معناه سيدا شريفا وشريا هو الفرس الذي يستشري في سيره.
(2) وأخذ خطيا: الخطي الرمح.
(3) وأراح عليّ نعما ثريا: أي أتى بها إلى مراحها وهو موضع مبيت الماشية.
(4) وميري أهلك: أي أعطيهم وأفضلي عليهم وصليهم بالميرة وهي الطعام.
(5) كنت لك كأبي زرع لأم زرع: قال العلماء: هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها.
(6) البخاري- الفتح 9 (5189) . ومسلم (2448) واللفظ له.
(7) الدر المنثور (5/ 315) .
(8) الترمذي (2032) .
(9) البحر المحيط (6/ 58) .
(10) المرجع السابق والصفحة نفسها، والدر المنثور (5/ 317) وعبارته عن ابن عباس- رضي الله عنه-: الكرامة الأكل بالأصابع.
(11) البحر المحيط (6/ 58) .
(12) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(13) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(4/1170)
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال: فضّلناهم في اليدين يأكلون بهما ويعملون بهما، وما سوى الإنس يأكل بغير ذلك) * «1» .
9-* (وعن يمان- رضي الله عنه- أنّ التّفضيل بحسن الصّورة) * «2» .
10-* (وعن محمّد بن كعب القرظيّ: أنّ التّفضيل بجعل محمّد صلّى الله عليه وسلّم منهم) * «3» .
11-* (وقال ابن عطيّة: إنّما التّكريم والتّفضيل بالعقل الّذي يملك به (الإنسان) الحيوان كلّه، وبه يعرف الله ويفهم كلامه) * «4» .
12-* (وقال أبو حيّان:- رحمه الله- قيل عن بعضهم: إنّ التّفضيل بالخطّ. وقيل: باللّحية للرّجل والذّؤابة للمرأة. وقيل بتدبير المعاش والمعاد. وقيل:
بخلق الله آدم بيده) * «5» .
13-* (قال الطّبريّ في تفسير قوله تعالى:
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الآية: يقول- تعالى ذكره- ولقد كرّمنا بني آدم بتسليطنا إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيرنا سائر الخلق لهم، وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على ظهور الدّوابّ والمراكب، وفي البحر في الفلك الّتي سخّرناها لهم، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي طيّبات المطاعم والمشارب، وهي حلالها ولذيذاتها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا وذلك تمكّنهم من العمل بأيديهم، وأخذ الأطعمة والأشربة بها، ورفعها بها إلى أفواههم، وذلك غير متيسّر لغيرهم من الخلق» ) * «6» .
14-* (ذكر النّيسابوريّ في تفسيره أنّه يحكى عن الرّشيد أنّه حضر لديه طعام فأحضرت الملاعق وعنده أبو يوسف (من أصحاب أبي حنيفة) فقال له:
جاء في تفسير جدّك ابن عبّاس أنّ هذا التّكريم (لبني آدم) هو أنّه جعل لهم أصابع يأكلون بها فردّ الملاعق وأكل بيده) * «7» .
15-* (وقال النّيسابوريّ: من وجوه تكريم بني آدم تسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم فالأرض لهم كالأمّ الحاضنة، منها خلقهم وفيها يعيدهم، وهي لهم فراش ومهاد ينتفعون به في الشّرب والعمارة والزّراعة، وماء البحر ينتفع به (الإنسان) في التّجارة واستخراج الحليّ منه، والهواء مادّة الحياة، ولولا هبوب الرّياح لاستولى النّتن على المعمورة، والنّار ينتفع بها في الطّبخ والإنضاج ودفع البرد وغير ذلك، وانتفاع (الآدميّين) بالمركّبات المعدنيّة والنّباتيّة
__________
(1) تفسير الطبري (15/) 85.
(2) البحر المحيط (6/ 58) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(4) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها. قال أبو حيان- رحمه الله: «ما جاء عن أهل التفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكروها هو على سبيل التمثيل لا الحصر» .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) تفسير الطبري (51/ 85) .
(7) تفسير النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان (منشور بهامش الطبري) (15/ 63) .(4/1171)
والحيوانيّة ظاهر، وبالجملة فهذا العالم بأسره كقرية معمورة أو خوان معدّ والإنسان فيه كالرّئيس المخدوم والملك المطاع فأيّ تكريم يكون أزيد من هذا؟ ولا شكّ أنّ الإنسان لكونه مستجمعا للقوّة العقليّة القدسيّة، وللقوّتين الشّهويّة البهيميّة، الغضبيّة السّبعيّة «1» ، ولقوّتي الحسّ والحركة الإراديّة، وللقوى النباتيّة وهي الاغتذاء والنّموّ والتوليد يكون أشرف ممّا لم يستجمع الجميع (أي كلّ هذه القوى) * «2» .
16-* (يروى عن زيد بن أسلم أنّ الملائكة قالت: ربّنا إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون منها ويتمتّعون ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة، فقال:
«وعزّتي وجلالي، لا أجعل ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان» ) * «3» .
17-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ الآية (الإسراء/ 70) أي: جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضلا. وهذا هو كرم نفي النّقصان، لا كرم المال. وهذه الكرامة يدخل فيها خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصّورة، وحملهم في البرّ والبحر ممّا لا يصحّ لحيوان سوى بني آدم أن يكونه، يتحمّل ذلك بإرادته وقصده وتدبيره، وتخصيصهم بما خصّهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لا يتّسع فيه حيوان اتّساع بني آدم، لأنّهم يكسبون المال خاصّة دون الحيوان، ويلبسون الثّياب ويأكلون المركّبات من الأطعمة. وغاية كلّ حيوان يأكل لحما نيّئا أو طعاما غير مركّب) * «4» .
18-* (وقال في قوله تعالى: ... وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أي على البهائم والدّوابّ والوحش والطّير بالغلبة والاستيلاء، والثّواب والجزاء والحفظ والتّمييز وإصابة الفراسة) * «5» .
19-* (وقال- رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أقوال العلماء فيما فضّل به الإنسان: «والصّحيح الّذي يعوّل عليه أنّ التّفضيل إنّما كان بالعقل الّذي هو عمدة التّكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلّا أنّه لمّا لم ينهض بكلّ المراد بعثت الرّسل وأنزلت الكتب ... » ) * «6» .
20-* (قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... الآية: يخبر الله تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إيّاهم وخلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا
__________
(1) السبعية نسبة إلى السّبع، وهي تلك القوة التي يحدث بها الغضب والجرأة والحمية وغير ذلك. انظر في عمل هذه القوى الثلاث، ابن مسكوية تهذيب الأخلاق ص 39 وما بعدها، وقارن بالجاحظ: تهذيب الأخلاق ص 15 وقد أطلق على هذه القوة مصطلح النفس الغضبية.
(2) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) (5/ 64) .
(3) غرائب القرآن للنيسابوري (15/ 64) ، وتفسير الطبري، (15/ 85) ، والدر المنثور (5/ 315) ، وقال السيوطي: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرسلا.
(4) تفسير القرطبي (10/ 293، 294) .
(5) المرجع السابق (10/ 295) .
(6) تفسير القرطبي (10/ 294) .(4/1172)
الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ بأن يمشي قائما منتصبا على رجليه، ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع، ويأكل بفمه، وجعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به، ويفرّق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة) * «1» .
21-* (وقال- رحمه الله-: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات. وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة على أفضليّة جنس البشر على جنس الملائكة) * «2» .
22-* (قال النّيسابوري في قوله تعالى: ...
ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (الانفطار/ 6- 8) .
«.. الكرم بالخلق والتّسوية وهي انتصاب القامة، أو سلامة الأعضاء، وبالتّعديل وهو: تناسبها ... » ) * «3» .
23-* (عن أبيّ بن كعب في قول الله- عزّ وجلّ- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ... الآية
(الأعراف/ 172) . قال: «جمعهم فجعلهم أرواحا، ثمّ صوّرهم فاستنطقهم فتكلّموا، ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم؟ قال: فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السّلام- أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري، فلا تشركوا بي شيئا، إنّي سأرسل إليكم رسلي يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا: شهدنا بأنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك. فأقرّوا بذلك، ورفع عليهم آدم ينظر إليهم، فرأى الغنيّ والفقير، وحسن الصّورة ودون ذلك، فقال: ربّ، لولا سوّيت بين عبادك، قال إنّي أحببت أن أشكر) * «4» .
__________
(1) تفسير ابن كثير (3/ 55) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) غرائب القرآن ورغائب الفرقان من تفسير الطبري، (30/ 41) .
(4) مسند الإمام أحمد (5/ 135) ، وتفسير الطبري (9/ 79) .(4/1173)
من فوائد (تكريم الإنسان)
(1) لتكريم الإنسان في الإسلام قيمة عظمى تدفع المسلم للاعتزاز بكرامته وعدم التّفريط فيها ممّا يجعله يرفض الظّلم ويأبى الضّيم فيعيش مرفوع الهامة قويّ العزيمة رابط الجأش لا يخشى في الحقّ لومة لائم.
(2) إنّ قناعة المسلم بتكريم الله له ولغيره من البشر تجعله يحافظ على أرواح النّاس ويبتعد عن إيذائهم أو إرهابهم لأنّه مطالب بأن يكرّم من كرّمه الله ورسوله، ومن يكرّمه ربّه ينبغي ألّا يهينه أحد وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ (الحج/ 18) .
(3) إنّ تكريم الإنسان يدفع المؤمن الحقّ إلى شكر المولى عزّ وجلّ على تلك النّعم العظيمة الّتي حباه بها وفضّله على كثير ممّن خلق.
(4) إنّ من عرف إكرام الله له، لابدّ وأنّ يبتعد عن معاصيه، وإذا غلبه الشّيطان فعصى، فعليه المبادرة بالتّوبة.
(5) إنّ تكريم الخادم كما أمر الإسلام- كفيل بأن يقضي على الحقد والحسد من هؤلاء الخدم الّذين قد تدفعهم الإهانات المنافية لروح الإسلام إلى ارتكاب حماقات تصل إلى حدّ القتل.
(6) إنّ تكريم الإسلام للمرأة (أمّا وبنتا وزوجا) يجعلها تشعر بقيمتها في المجتمع، وتعتزّ بدورها في بناء الأسرة، ولا شكّ أنّ المرأة إذا كانت راضية النّفس، موفورة الكرامة ستحوّل بيتها إلى جنّة وارفة الظّلال، وصدق شاعر النّيل إذ قال:
الأمّ مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبا طيّب الأعراق
(7) تكريم الإسلام- ومن ثمّ المسلمين لأهل الذّمة من المعاهدين والكتابيّين وغيرهم يجعل هؤلاء يستشعرون عظمة الإسلام، ويوحّد كلمة المجتمع فيصبح آمنا من الدّسائس والمكائد الّتي يلجأ إليها من هضمت حقوقهم أو انتهكت حرماتهم، ويجعل من هؤلاء الذّميّين عناصر صالحة تعمل وتعطي دون خوف أو وجل.
(8) إنّ تكريم المحارب- حتّى وإن كان كافرا- يحمي البشريّة من تلك المجازر الجماعيّة الّتي تقشعرّ لها الأبدان ويروح فيها الضّحايا من النّساء والولدان، وما ضحايا لبنان والبوسنة وغيرهما على أيدي سفّاحي العصر الحديث عنّا ببعيد، ولو كان هؤلاء يعرفون كرامة الإنسان كما أقرّها الإسلام ما سمعنا عن هذه الأهوال الّتي يشيب لها الوليد.
(9) إنّ كرامة الإنسان تحتّم على من يقوم باحتلال أرض الغير ألّا يطرد أهلها من ديارهم وألّا يروّعهم وألّا يأكل من ثمار أرضهم إلّا بإذنهم،(4/1174)
وألّا تنتهك حرمات بيوتهم وألّا تضرب نساؤهم أو يعذّب ذووهم.
(10) إنّ تكريم سلطان الله في الأرض كفيل بأن يقضي على الفوضى ويقطع دابر الشّقاق، ويجعل له من الهيبة ما يخيف المجرمين.
(11) إكرام الإنسان إذا كان غريبا أو لاجئا يشعره بعظمة الإسلام، ويفرّج كربته.
(12) إكرام الإنسان إذا كان شيخا فيه بشارة للمكرم بأنّه سيعيش طويلا وأنّه سيرزق بمن يكرمه حينذاك (انظر الحديث رقم 7) .
(13) إنّ من يعرف إكرام الله له بخلقه من طين، وتسويته، ونفخه فيه من روحه، لا يتكبّر ولا يتجبّر ولا يمنع خيرا رزقه إيّاه (انظر الحديث رقم (9) .
(14) إنّ من يعرف أنّ الله أكرمه فسخّر له ما في الكون ورزقه السّمع والبصر والفؤاد، لابدّ أن يدفعه ذلك إلى ذكر الله، وإن نسي نسيه الله يوم القيامة (انظر الحديث رقم 10) .
(15) إنّ من يعذّب النّاس وينتهك بذلك آدميّتهم ولا يعبأ بكرامتهم عليه أن ينتظر عذاب الله يوم القيامة، فإذا منعه تكريم الإنسان من ذلك فقد أمن العذاب- من هذه الجهة- يوم القيامة (انظر الحديث رقم 19) .(4/1175)
تلاوة القرآن
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
67/ 101/ 38
التلاوة لغة:
مصدر تلا الشّيء يتلوه، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ت ل و) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنى واحد هو الاتّباع يقال: تلوته إذا تبعته، ومنه تلاوة القرآن؛ لأنّ القارأ يتبع آية بعد آية، ويختلف مصدر الفعل «تلا» باختلاف الشّيء المتلوّ، يقول الرّاغب: تلا الشّيء أي تبعه متابعة ليس بينها ما ليس منها، وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم، والمصدر حينئذ هو التّلوّ والتّلو، وتارة بالقراءة وتدبّر المعنى، والمصدر في هذه الحالة هو «التّلاوة» .
وقال ابن منظور: تلوته أتلوه وتلوت عنه تلوّا، كلاهما: خذلته وتركته، وتلوته تلوا: تبعته. يقال: ما زلت أتلوه حتّى أتليته أي تقدّمته وصار خلفي.
وأتليته: أي سبقته وتلوت القرآن: تلاوة: قرأته، وعمّ به بعضهم كلّ كلام.
وقوله عزّ وجلّ: فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (الصافات/ 3) قيل: هم الملائكة، وجائز أن يكون الملائكة وغيرهم ممّن يتلون ذكر الله تعالى.
وقوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ (البقرة/ 121) معناه يتّبعونه حقّ اتّباعه ويعملون به حقّ عمله.
وقوله عزّ وجلّ: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ (البقرة/ 102) قال عطاء: على ما تحدّث وتقصّ، وقيل: ما تتكلّم به كقولك فلان يتلو كتاب الله أي يقرؤه ويتكلّم به «1» .
التلاوة اصطلاحا:
ويراد بترتيل القرآن: تلاوته تلاوة تبيّن حروفها ويتأنّى في أدائها ليكون أدنى إلى فهم المعاني.
والتّلاوة عند القرّاء: قراءة القرآن الكريم متتابعا كالأوراد والأسباع «2» .
الفرق بين القراءة والتلاوة:
القراءة أعمّ من التّلاوة فكلّ تلاوة قراءة وليس كلّ قراءة تلاوة، لا يقال تلوت رقعتك وإنّما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتّباعه، كذا قال الرّاغب، ويفهم منه أنّ التّلاوة خاصّة بالقرآن الكريم مع الاتّباع وليست القراءة كذلك، وفرّق التّهانويّ بين القراءة والتّلاوة والأداء فقال: والفرق بينها وبين الأداء والقراءة: أنّ الأداء الأخذ عن المشايخ،
__________
(1) لسان العرب (14/ 102- 104) ، ومقاييس اللغة (1/ 351) ، والمفردات للراغب ص 75.
(2) فتح الباري (8/ 707) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 224) .(4/1176)
والقراءة تطلق عليهما معا أي الأداء والتّلاوة إذ هي أعمّ منهما «1» .
من معاني التلاوة في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ التّلاوة في القرآن على أوجه:
أحدها: القراءة، ومنه قوله تعالى في آل عمران/ 93: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
والثّاني: الاتّباع، ومنه قوله تعالى في الشّمس/ 2: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها.
والثّالث: العمل، ومنه قوله تعالى في البقرة/ 121: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أي يعملون به حقّ عمله، قاله مجاهد في تفسيره (1/ 87) .
والرّابع: الرّواية كما في قوله تعالى في البقرة/ 102: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ.
الخامس: الإنزال كما في قوله تعالى في (القصص/ 3) : نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ «2» .
حسن التلاوة:
قال ابن بطّال: المراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» المدّ والتّرتيل، والمهارة في القرآن جودة التّلاوة بجودة الحفظ فلا يتلعثم ولا يتشكّك وتكون قراءته سهلة بتيسير الله تعالى كما يسّره على الكرام البررة «3» .
حسن الصوت مطلوب:
وقال ابن حجر- رحمه الله-: والّذي يتحصّل من الأدلّة أنّ حسن الصّوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسّنه ما استطاع. ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النّغم؛ فإنّ الحسن الصّوت يزداد حسنا بذلك، وإن خرج عنها أثّر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربّما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الأداء، فإن وجد من يراعيهما معا فلا شكّ في أنّه أرجح من غيره لأنّه يأتي بالمطلوب من تحسين الصّوت ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم «4» .
مراتب التلاوة:
اتّفق الباحثون في علم التّجويد على أنّ للقراءة ثلاث مراتب: هي التّرتيل والحدر والتّدوير، وأضاف بعضهم مرتبة رابعة هي التّحقيق، وزاد آخرون مرتبة خامسة أطلقوا عليها «الزّمزمة» وقد جاء في القرآن
__________
(1) المفردات للراغب (75) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 244) .
(2) نزهة الأعين النواظر (221، 222) ، وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 470) ، والمجمل لابن فارس: (105) ، والمفردات للراغب (ص 75) .
(3) فتح الباري (13/ 528) .
(4) فتح الباري (8/ 690) .(4/1177)
الكريم الحثّ على التّرتيل خاصّة «1» . ويكاد يجمع العلماء على أنّه أفضل الأنواع يليه التّدوير ثمّ الحدر، وسنعرض بإيجاز لهذه الأنواع لغة واصطلاحا حتّى يتبيّن المراد:
قال صاحب نهاية القول المفيد:
1- التّرتيل في اللغة:
مصدر مأخوذ من قولهم رتّل فلان كلامه إذا أتّبع بعضه بعضا على مكث وتفهّم من غير عجلة وهو الّذي نزل به القرآن، قال تعالى: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (الفرقان/ 32) وروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إنّ الله يحبّ أن يقرأ القرآن كما أنزل» ، وقد أمر الله تعالى به نبيّه فقال: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (المزمل/ 4) قال ابن عبّاس: (معناه) بيّنه، وقال مجاهد تأنّ فيه، وقال الضّحّاك انبذه حرفا حرفا، كأنّ الله تعالى قال: تثبّت في قراءتك وتمهّل فيها وافصل الحرف من الحرف الّذي بعده «2» .
وفي الاصطلاح:
قال ابن حجر: يراد بترتيل القرآن تلاوته تلاوة تبيّن حروفها ويتأنّى في أدائها ليكون (ذلك) أدنى إلى فهم المعاني «3» .
وهو: القراءة بتؤدة واطمئنان وإخراج كلّ حرف من مخرجه، وإعطاؤه حقّه ومستحقّه مع تدبّر المعاني «4» .
2- الحدر في اللغة:
مصدر حدر يحدر إذا أسرع وهو من الحدور الّذي هو الهبوط؛ لأنّ الإسراع من لازمه.
الحدر في الاصطلاح:
إدراج القراءة وسرعتها مع مراعاة أحكام التّجويد من إظهار وإدغام وقصر ومدّ ووقف إلى آخره، سئل الأهوازيّ عن الحدر فقال: الحدر هو القراءة السّمحة العذبة الألفاظ الّتي لا تخرج القارأ عن طباع العرب العرباء وعمّا تكلّمت به الفصحاء بعد أن يأتي بالرّواية عن إمام من أئمة القراءة «5» .
3- التّدوير في اللغة
: مصدر دوّر الشّيء جعله مدوّرا.
التّدوير في الاصطلاح:
هو عبارة عن التّوسّط بين الحدر والتّرتيل، قال صاحب نهاية القول المفيد وهو الّذي ورد عن أكثر الأئمّة ممّن روى مدّ المنفصل «6» ولم يصل فيه حدّ الإشباع كابن عامر والكسائيّ «7» .
التحقيق:
ذهب كثير من علماء الأداء إلى أنّ التّحقيق
__________
(1) انظر الآيات الواردة في الترتيل. فيما بعد.
(2) نهاية القول المفيد (16) .
(3) فتح الباري (8/ 707) .
(4) البرهان في تجويد القرآن (6) ، والمراد ب «مستحق الحرف» ما يعرض له في التركيب مثل الإخفاء والإدغام وغير ذلك.
(5) نهاية القول المفيد (15) ، وانظر هداية القاري (43) ، والبرهان في تجويد القرآن (6) .
(6) المراد بمد المنفصل: أي إطالة الصوت بحرف الد من ثلاث إلى ست حركات. إذا جاء بعده الهمزة بحيث تكون الهمزة في كلمة مستقلة مثل قوله تعالى بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ*.
(7) نهاية القول المفيد 15) ، والبرهان في تجويد القرآن (6) .(4/1178)
مرتبة مستقلّة من مراتب التّلاوة. وذهب آخرون إلى أنّه نوع من التّرتيل. وهو في اللّغة: مصدر حقّقت الشّيء إذا بلغت يقينه، ومعناه المبالغة في الشّيء بالإتيان على حقيقته من غير زيادة فيه ولا نقص عنه. وهو عند علماء التّجويد إعطاء الحروف حقّها من إشباع المدّ وتحقيق الهمز وإتمام الحركات وتوفية الغنّات وتفكيك الحروف (وهو بيانها) وإخراج بعضها من بعض بالسّكت والتّرسّل والتّؤدة والوقف على الوقوف الجائزة والإتيان بالظهار والإدغام على وجهه وهو الّذي يستحسن ويستحبّ الأخذ به للمتعلّمين، من غير أن يتجاوز به حدّ الإفراط.
يقول الشّيخ مكّيّ نصر: ذكر بعض شرّاح الجزريّة أنّ التّرتيل نوع من التّحقيق عند الأكثرين فكلّ تحقيق ترتيل ولا عكس، وفرّق بعضهم بينهما بأنّ التّحقيق يكون للرّياضة والتّعليم، وبأنّ التّرتيل يكون للتّدبّر والتّفكّر والاستنباط.
الزّمزمة:
هي القراءة في النّفس خاصّة «1» .
أيّ هذه الأنواع أفضل؟:
اختلف العلماء- رحمهم الله- في الأفضل. هل هو التّرتيل مع قلّة القراءة أو السّرعة مع كثرة القراءة؟ قال ابن الجزريّ والصّواب ما عليه معظم السّلف والخلف وهو أنّ التّرتيل والتّدوير مع قلّة القراءة أفضل من السّرعة مع كثرتها؛ لأنّ المقصود من القرآن فهمه والتّدبّر فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى فهم معانيه «2» .
من آداب التلاوة:
لتلاوة القرآن الكريم آداب عديدة أفردها بعض العلماء بالتّصنيف ولخّصها السّيوطيّ وزاد عليها في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) أمورا عديدة، فمن ذلك:
استحباب الوضوء؛ لأنّ القرآن الكريم أفضل الأذكار، وكان صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يذكر الله إلّا على طهر، قال إمام الحرمين: ولا تكره القراءة للمحدث؛ لأنّه صحّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ مع الحدث (الأصغر) وإذا كان يقرأ تعرّضت له ريح أمسك عن القراءة حتّى يستتمّ خروجها وأمّا الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة وإن كان يجوز لهما النّظر في المصحف وإمراره على القلب أي التّلاوة بغير صوت.
من السّنّة القراءة في مكان نظيف وأفضل ذلك المسجد.
يسنّ أن يستاك تعظيما وتطهيرا.
__________
(1) نهاية القول المفيد (16) .
(2) نهاية القول المفيد (17) ، وقد نقل عن بعض أئمة القراءة أن ثواب الترتيل أرفع قدرا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة والثاني كمن تصدق بعدد من الدنانير.(4/1179)
- أن يجلس القارئ مستقبلا القبلة متخشّعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه.
من السّنّة التّعوّذ قبل القراءة.
تسنّ التّلاوة بالتّدبّر والتّفهّم إذ هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهمّ وبه تنشرح الصّدور (انظر صفة التدبر) .
يستحبّ البكاء عند قراءة القرآن. والتّباكي لمن لا يقدر على ذلك. كما يسنّ التحزّن والخشوع «1» .
القرآن الكريم لغة:
القرآن في اللّغة مصدر قرأ بالهمزة، وتدلّ المادّة الّتي اشتقّ منها (ق ر أ) على جمع واجتماع وهذا المعنى يشاركها فيه مادّة (ق ر ى) ، فمن الأصل المهموز يقال: ما قرأت هذه النّاقة سلى قطّ كأنّه يراد أنّها ما حملت قطّ قال عمرو بن كلثوم:
ذراعي عيطل أدماء بكر ... هجان اللّون لم تقرأ جنينا
ومن الثّاني: القرية لاجتماع النّاس فيها. ومن المادّة الأولى أخذ لفظ القرآن كأنّه سميّ بذلك لجمعه ما فيه من الأحكام والقصص وغير ذلك «2» ، قال الجوهريّ: يقال قرأت الشّيء قرآنا جمعته وضممت بعضه إلى بعض، ومنه قولهم ما قرأت هذه النّاقة سلى قطّ، وما قرأت جنينا أي لم تضمّ رحمها على ولد.
(ويقال) قرأت الكتاب قراءة وقرآنا ومنه سمّي القرآن قال أبو عبيدة: سمّي القرآن لأنّه يجمع السّور فيضمّها، وقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
أي جمعه وقراءته، وقوله عزّ من قائل فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
أي قراءته قال ابن عبّاس: (معناه) فإذا بيّنّاه لك بالقراءة فاعمل بما بيّنّاه لك «3» .
القرآن اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: القرآن هو الكتاب المنزّل على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة لها.
وقال الرّاغب: القرآن في الأصل مصدر مثل رجحان. قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
(القيامة/ 17- 18) . وقد خصّ بالكتاب المنزّل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم فصار له كالعلم كما أنّ التّوراة (علم) لما أنزل على موسى، والإنجيل علم لما أنزل على عيسى، ونقل الرّاغب عن بعض العلماء قوله: وتسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه؛ بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار إليه سبحانه وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ (يوسف/ 111) وقوله تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل/ 89) «4» ، وقد لخصّ بعض الباحثين المحدثين آراء القدامى في التّعريف الاصطلاحيّ للقرآن فقال:
__________
(1) انظر هذه الآداب وغيرها في الإتقان في علوم القرآن للسيوطى (1/ 18) .
(2) المقاييس (5/ 78) ، والصحاح (1/ 65) .
(3) كتاب التعريفات (ص 181) ، والمفردات للراغب (402) .
(4) دراسات في علوم القرآن ومناهج المفسرين (13) .(4/1180)
القرآن: الكلام المنزّل من عند الله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المتعبّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتّواتر، المعجز بسورة من جنسه، المجمع عليه «1» .
فضل تلاوة القرآن وحفظه:
إنّ لتلاوة القرآن الكريم وحفظه وتعهّده بالقراءة من الفضل ما لا يخفى، ويكفي لإثبات ذلك ما جاءت به الآيات الكريمة والأحاديث الشّريفة وآثار الصّحابة- رضوان الله عليهم- فمن الآيات قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (فاطر/ 29- 30) ، وقد كان قتادة رضي الله عنه- إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القرّاء «2» ، وذلك لما أثبتته لهم من الأجر العظيم والثّواب المضاعف، فهم لا ينعمون بالأجر
وافيا وإنّما يزيدهم الله إكراما وفضلا، قال القرطبيّ: هذه الزّيادة هي الشّفاعة في الآخرة «3» ، وقد ربط المولى عزّ وجلّ بين تلاوة القرآن والإيمان به، فقال: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (البقرة/ 121) . وقد جاء عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية أنّ من حقّ التّلاوة أن يقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله «4» ، وهنا ربط واضح بين التّلاوة الحقّة والإيمان بكتاب الله، أمّا الّذين أوتوا الكتاب فقيل: هم أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والكتاب على هذا هو القرآن، وقيل هم من أسلم من بني إسرائيل، والصّواب- كما قال القرطبيّ أنّ الآية تعمّ «5» ، وحقّ التّلاوة يجوز أن يكون بمعنى الاتّباع أو العمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه، ويجوز أن تكون بمعنى: يقرءونه- كما ذكرنا عن ابن مسعود آنفا- ولا تعارض بين الرّأيين «لأنّ بترتيل ألفاظه وفهم معانيه يكون الاتّباع لمن وفّق» «6» .
لقد شبّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الّذي يقرأ القرآن بالأترجّة «7» . ريحها طيّب وطعمها طيّب «8» ، كما أخبرنا صلّى الله عليه وسلّم أنّ الماهر مع السّفرة الكرام البررة، وأنّ الّذي يقرأ القرآن ويتتعتع «9» فيه وهو عليه شاقّ له أجران «10» . وأيّ فضل وأيّ شرف يرنو إليه مسلم يعلو ما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم من أنّ القرآن يأتي يوم القيامة يلبسه تاج الكرامة، ويجعله ممّن رضي الله عنهم، وعندما يتمّ الرّضوان يقال له: اقرأ وارق، ورتّل كما
__________
(1) هداية القاري إلى تجويد كلام الباري، للمرصفي (43) .
(2) تفسير ابن كثير (3/ 562) .
(3) تفسير القرطبي (14/ 345) .
(4) انظر الأثر رقم (16) وقارن بالمصادر التي ذكرت هناك.
(5) انظر تفسير القرطبي (2/ 95) ، وقد نسب الرأي الأول لقتادة والآخر لابن زيد.
(6) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(7) الأترجة ثمرة جامعة لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون.
(8) انظر الحديث رقم (29) .
(9) التّتعتع، هو التردد في القراءة لضعف الحفظ، والأجران أحدهما بالقراءة والآخر لمحاولة الحفظ.
(10) انظر الحديث رقم (84) .(4/1181)
كنت ترتّل في الدّنيا فإنّ منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها «1» ، وأخبر الصّادق المصدوق أيضا: «أنّ القرآن يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة «2» ، وقال أبو موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- من يتّبع القرآن يهبط به على رياض الجنّة «3» .
لقد عقد القرطبيّ في مقدّمة تفسيره بابا أسماه «باب ذكر جمل من فضائل القرآن، والتّرغيب فيه، وفضل طالبه وقارئه ومستمعه والعامل به» ، وقال- رحمه الله-: اعلم أنّ هذا الباب واسع كبير نذكر منه نكتا تدلّ على فضله، وما أعدّ الله لأهله، إذا أخلصوا الطّلب لوجهه، وعملوا به، فأوّل ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنّه كلام ربّ العالمين، غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شيء، وصفة من ليس له شبيه ولا ندّ، فهو من نور ذاته جلّ وعزّ، وأنّ القراءة أصوات القرّاء ونغماتهم، وهي أكسابهم الّتي يؤمرون بها إيجابا في بعض العبادات وندبا في بعضها الآخر، ويثابون عليها ويعاقبون على تركها، هذا ممّا أجمع عليه المسلمون، ونطقت به الآثار، ودلّ عليه المستفيض من الأخبار، ولولا أنّه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوّة ما جعله، ليتدبّروه وليعتبروا به وليتذكّروا ما فيه من طاعته وعبادته، لضعفت واندكّت بثقله، أو لتضعضعت له، وأنّى تطيقه؟ وهو القائل: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ... (الحشر/ 21) ، فأين قوّة القلوب من قوّة الجبال؟ ولكنّ الله رزق عباده من القوّة على حمله ما شاء أن يرزقهم فضلا منه ورحمة، (ثمّ ذكر الأحاديث والآثار الواردة في فضل القرآن وتلاوته) «4» .
ثمرات قراءة القرآن:
لقراءة القرآن من الثّمرات ما لا يحصى، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصّحيحة، والآثار الواردة عن الصّحابة والتّابعين وقد لخّصها الشّيخ مصطفى عمارة فيما يأتي:
1- إنّ قارئ القرآن في مصافّ العظماء ومن أفضل النّاس، وأعلاهم درجة.
2- يكتسب القارئ عن كلّ حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها.
3- تشمل القارئ ظلّة الرّحمة ويحاط بالملائكة وتتنزّل عليه السّكينة.
4- يضيء الله قلب القارئ، ويقيه ظلمات يوم القيامة ويبعد عنه الشّدائد.
5- القارئ رائحته زكيّة ومذاقه حلو كالأترجّة، ومن هنا فهو جليس صالح يقترب إليه الصّالحون العاملون ليشمّوا منه عطره، وينفحوا من شذاه.
__________
(1) انظر الحديثين رقمي (36، 37) .
(2) انظر الحديث رقم (6) .
(3) تفسير القرطبي (2/ 95) .
(4) مقدمة تفسير القرطبي (1/ 4- 9) ، وقد أوردنا ما صحّ من ذلك في قسمي الأحاديث والآثار، ولم نذكرها هنا تجنبّا للتكرار.(4/1182)
6- قارئ القرآن لا يحزنه الفزع الأكبر لأنّه في حماية الله ولأنّ القرآن يشفع له.
7- قارئ القرآن سبب في رحمة والديه، وإغداقهما بالنّعيم ويمدّهما الله بالأنوار المتلألئة جزاء قراءة ابنهما.
8- قارئ القرآن يرقى إلى قمّة المعالي في الجنّة ويصعد إلى ذروة النّعيم.
9- يغبط الصّالحون قارئ القرآن ويتمنّون أن يكونوا في درجته السّامية عند الله تعالى، ويودّون أن يعملوا مثله.
10- قارئ القرآن تدعو له الملائكة الكرام بالرّحمة والمغفرة.
11- قارئ القرآن مستمسك بالعروة الوثقى، ويتمتّع بالشّفاء النّاجع ويعصم من الزّيغ، وينجو من الشّدائد.
12- قارئ القرآن من أهل الله وخاصّته المتقرّبين إليه، ومن العاملين الشّغوفين بطاعة الله والقانتين له «1» .
ويمكن أن نضيف إلى هذه الثّمار ثمرات أخرى يانعة منها:
13- قارئ القرآن يرتفع به درجات في الدّنيا أيضا إذ يرفع الله به أقواما ويخفض آخرين (ممّن أعرضوا عنه أو هجروه) .
14- قارئ القرآن يكتب عند الله من الذّاكرين والقانتين.
15- قارئ القرآن ممّن يشهد لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة.
16- الماهر بالقرآن يبعث يوم القيامة مع السّفرة الكرام البررة.
17- قارئ القرآن تبتعد عنه الشّياطين وتخرج من بيته.
18- قارئ القرآن يستنير عقله ويمتلئ قلبه بالحكمة وتتفجّر منه ينابيع العلم.
19- قارئ القرآن فيه قبس من النبوّة (غير أنّه لا يوحى إليه) .
20- حامل القرآن لا يجهل مع من يجهل لأنّ القرآن في جوفه يحميه من الحدّة والغضب.
21- بالقرآن الكريم تعمر القلوب والبيوت، ويعمّها الخير والبركة.
22- قراءة القرآن تورث القلب خشوعا والنّفس صفاء.
23- قارئ القرآن يسأل الله به فيجيبه فضلا منه وكرما.
24- أهل القرآن يذكرهم الله فيمن عنده وكفى بذلك فضلا وشرفا.
25- في القرآن غنى لأهله تسعد به قلوبهم كما يسعد صاحب الأموال بما له، وهو غنى لا دخل فيه.
__________
(1) الترغيب والترهيب (2/ 385) (بحاشية الصفحة) . وقد تصرفنا في بعض العبارات ولخصنا بعضها.(4/1183)
فضل تلاوة بعض سور وآيات القرآن:
القرآن الكريم كلّه كلام الله الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن أنعم الله عليه بقراءته كلّه أو حفظه كلّه، فتلك هي الغاية العليا، والمنزلة السّامية الّتي تشرئبّ إليها الأعناق، أمّا إذا لم يتيسّر ذلك، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يحرم غير القادر أو غير المستطيع، وجعل لقراءة بعض السّور أو الآيات من الثّواب الجزيل والأجر العظيم ما يطيب به خاطر القارئ ويجعله مطمئنّا إلى سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله. فمن ذلك:
1- قراءة الفاتحة وهي أمّ الكتاب (الحديث 2، 41، 81) .
2- قراءة آية الكرسيّ (الحديث 34، 43) .
3- قراءة خواتيم سورة البقرة (الحديث 12، 32، 41) .
4- قراءة البقرة وآل عمران (الحديث 6، 40) .
5- قراءة البقرة أو عشر آيات منها (الأثر 11، 12) .
6- قراءة خواتيم آل عمران (الحديث 49) .
7- قراءة سورة الكهف (الحديث 58) .
8- قراءة عشر آيات من سورة الكهف (الحديث 42) .
9- قراءة سورة السّجدة (الحديث 68) .
10- قراءة سورة يس (الحديث 60) .
11- قراءة سورة ص (الحديث 63) .
12- قراءة سورة الدّخان (الحديث 62) .
13- قراءة سورة الفتح (الحديث 27، 47) .
14- قراءة سورة الملك تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ (الحديث 61) .
15- قراءة سورة البيّنة لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (الحديث 9) .
16- قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الحديث 1، 44، 59) .
17- قراءة المعوّذتين قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (الحديث 45، 48، 89) .
حكم القراءة ومقدار ما يقرأ:
قراءة القرآن سنّة من سنن الإسلام، والإكثار منها مستحبّ حتّى يكون المسلم مستنير الفؤاد بما يقرأ من كتاب الله، والتّلاوة مع إخلاص النّيّة وحسن القصد عبادة يؤجر عليها المسلم بدليل ما ورد عن ابن مسعود من قوله صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ... الحديث» «1» ، وما جاء في حديث أبي أمامة «اقرءوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ... » «2» ، وكان السّلف رضوان الله عليهم يحافظون على قراءة القرآن «3» .
أمّا القدر الّذي تنبغي قراءته فإنّه يختلف باختلاف النّاس يقول النّوويّ: وقد كانت للسّلف رضي الله عنهم- عادات مختلفة في القدر الّذي
__________
(1) انظر الحديث (39) .
(2) انظر الحديث (6) .
(3) مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان (190) .(4/1184)
يختمون فيه، فكان جماعة منهم يختمون في كلّ شهرين ختمة وآخرون في كلّ شهر ختمة. وآخرون في كلّ عشر ليال ختمة، وآخرون في كلّ سبع ليال ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السّلف، ... ووصل الأمر ببعضهم إلى أن ختم أربعا في اللّيل وأربعا في النّهار، قال النّوويّ والمختار أنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فيه فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمّات الدّين والمصالح العامّة للمسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد (مكلّف) به، ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل، أو الهذرمة في القراءة «1» . وقد كره جماعة من المتقدّمين الختم في يوم وليلة مستدلّين بالحديث الشّريف «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» «2» . قلت: الختم في أقلّ من ذلك أدخل في الكراهة «3» .
الأوقات التي تستحب فيها القراءة:
قال النّوويّ: أفضل القراءة ما كان في الصّلاة، وأمّا في غير الصّلاة فأفضلها قراءة اللّيل، والنّصف الأخير منه أفضل من الأوّل، والقراءة بين المغرب والعشاء مستحبّة. وأمّا قراءة النّهار، فأفضلها ما بعد صلاة الصّبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النّهي عن الصّلاة (النّافلة) «4» .
ومن السّنّة كثرة الاعتناء بالقراءة في شهر رمضان، وفي العشر الأخير منه أفضل وليالي الوتر آكد ومن ذلك العشر الأول من ذي الحجّة ويوم عرفة «5» .
سور مخصوصة في صلوات مخصوصة:
قال النّوويّ: السّنّة أن يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الرّكعة الأولى سورة السّجدة بكمالها، وفي الثّانيّة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ بتمامها، ولا يفعل ما يفعله كثير من الأئمّة من الاقتصار على آيات من كلّ واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل، والسّنّة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الرّكعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وفي الثّانية هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ وكلاهما صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسّنّة في صلاة العيد في الرّكعة الأولى سورة (ق) ، وفي الثّانية سورة (القمر) ، وإن شاء «سبّح» «وهل أتاك» ، وكلاهما صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقرأ في ركعتي سنّة الصّبح بعد الفاتحة في الأولى ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وإن شاء قرأ في الأولى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (البقرة/ 126) ، وفي الثّانية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ 64)
__________
(1) الهذرمة: هي الإسراع الزائد.
(2) قال النووي في الأذكار: رويناه بأسانيد صحيحة؛ وجاء في سنن أبي داود 2/ 56 حديث رقم 1394.
(3) الأذكار النووية (144) .
(4) الأذكار النووية (146) .
(5) التبيان في آداب حملة القرآن ص 14.(4/1185)
وكلاهما صحيح من فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقرأ في سنّة المغرب في الأولى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ويقرأ بهما أيضا في ركعتي الطّواف، وركعتي الاستخارة ويقرأ من أوتر بثلاث ركعات في الرّكعة الأولى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثّانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوّذتين قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «1» .
سور مخصوصة في أوقات ومواضع مخصوصة:
أمّا في غير الصّلاة فمن المستحبّ أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، كما يستحبّ أيضا أن يقرأها ليلة الجمعة لما جاء في حديث الدّارميّ: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النّور فيما بينه وبين البيت العتيق «2» ، ويستحبّ الإكثار من تلاوة آية الكرسيّ في جميع المواطن، وأن يقرأها كلّ ليلة إذا أوى إلى فراشه، وأن يقرأ المعوذّتين، وقل هو الله أحد، وخواتيم البقرة، ومن السّنّة أيضا أن يقرأ المعوّذتين، عقب كلّ صلاة. وأن يقرأ إذا استيقظ من نومه آخر آل عمران من قوله تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... (الآية 190- إلى آخر السّورة) لما ثبت في الصّحيحين أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ خواتيم آل عمران إذا استيقظ «3» ، ويستحبّ أن يقرأ عند المريض بالفاتحة، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوّذتين وعند الميّت سورة يس) «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير الحمد- الذكر- الكلم الطيب- التهليل- الحوقلة الدعاء- الشكر- الخشوع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: هجر القرآن- الغفلة- اللغو- اللهو واللعب- الإعراض] .
__________
(1) التبيان في آداب حملة القرآن للنووي (140- 142) (بتصرف يسير) .
(2) رواه الدّارمي في فضائل القرآن، في فضل سورة الكهف، قال محقق التبيان، وهو حديث صحيح. انظر التبيان (141) .
(3) في البخاري- الفتح 8 (4572) «استيقظ رسول الله، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران» ، وانظر الحديث بتمامه في قسم الأحاديث رقم (49) .
(4) التبيان في آداب حملة القرآن (140- 146) .(4/1186)
الآيات الواردة في «تلاوة القرآن»
التلاوة بمعنى القراءة:
1- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) «1»
2- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «2»
3- كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) «3»
4- تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) «4»
5- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) «5»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) «6»
__________
(1) البقرة: 121 مدنية
(2) البقرة: 127- 129 مدنية
(3) البقرة: 151- 152 مدنية
(4) البقرة: 252 مدنية
(5) آل عمران: 55- 58 مدنية
(6) آل عمران: 100- 102 مدنية(4/1187)
7- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) «1»
8-* لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «2»
9- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «3»
10-* قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) «4»
11- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)
__________
(1) آل عمران: 105- 108 مدنية
(2) آل عمران: 113- 114 مدنية
(3) آل عمران: 164 مدنية
(4) الأنعام: 151- 153 مدنية(4/1188)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «1»
12- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «2»
13- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) «3»
14- وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) «4»
15- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) «5»
16- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) «6»
17- وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) «7»
__________
(1) الأعراف: 201- 206 مكية
(2) الأنفال: 1- 4 مدنية
(3) يونس: 15- 16 مكية
(4) يونس: 61 مكية
(5) الرعد: 30- 31 مدنية
(6) النحل: 98- 99 مكية
(7) الإسراء: 45- 47 مكية(4/1189)
18- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) «1»
19- وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «2»
20- وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «3»
21- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «4»
22- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (74) «5»
23- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا
__________
(1) الإسراء: 78- 79 مدنية
(2) الإسراء: 105- 109 مكية
(3) الكهف: 27- 28 مكية
(4) مريم: 58- 60 (58 مكية، 59- 60 مدنية) .
(5) مريم: 73- 74 مكية(4/1190)
ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) «1»
24- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) «2»
25- وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (63) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً
تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
(73) «3»
26- فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
__________
(1) الحج: 27- 31 مدنية
(2) الحج: 71- 72 مدنية
(3) المؤمنون: 62- 73 مكية(4/1191)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «1»
27- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) «2»
28- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) «3»
29- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «4»
30-* وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «5»
31- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) «6»
__________
(1) المؤمنون: 101- 111 مكية
(2) الفرقان: 32 مكية
(3) النمل: 91- 93 مكية
(4) القصص: 43- 46 مكية
(5) القصص: 51- 55 (51 مكية، 52- 55 مدنية) .
(6) سبأ: 40- 43 مكية(4/1192)
32- اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45) * وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «1»
33- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «2»
34- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) «3»
35- إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) «4»
__________
(1) العنكبوت: 45- 51 مكية
(2) لقمان: 6- 7 مكية
(3) الأحزاب: 32- 34 مكية
(4) فاطر: 29- 30 مكية(4/1193)
36- وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2)
فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3)
إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5) «1»
37- وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (71)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) «2»
38- تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) «3»
39- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «4»
40- وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) «5»
41- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5)
__________
(1) الصافات: 1- 5 مكية
(2) الزمر: 71- 72 مكية
(3) الجاثية: 6- 9 مكية
(4) الجاثية: 25- 26 مكية
(5) الجاثية: 28- 31 مكية(4/1194)
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «1»
42- وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «2»
43- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* (17) «3»
44- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) «4»
45- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «5»
46- وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) «6»
__________
(1) الأحقاق: 1- 8 مكية
(2) الأحقاف: 29- 32 مكية
(3) القمر: الايات 17، 22، 32، 40 مكية
(4) الجمعة: 1- 2 مدنية
(5) الطلاق: 8- 11 مدنية
(6) القلم: 10- 16 مكية(4/1195)
47- يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) «1»
48-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «2»
49- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
(19) «3»
50- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) «4»
51- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) «5»
52- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «6»
53- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) «7»
__________
(1) المزمل: 1- 4 مكية
(2) المزمل: 20 مكية
(3) القيامة: 16- 19 مكية
(4) المطففين: 7- 14 مكية
(5) الأعلى: 1- 7 مكية
(6) العلق: 1- 5 مكية
(7) البينة: 1- 3 مكية(4/1196)
التلاوة بمعنى الذكر:
54-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) «1»
55- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177) «2»
56-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) «3»
57- وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) «4»
58- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (70)
__________
(1) المائدة: 27- 30 مدنية
(2) الأعراف: 172- 177
(3) يونس: 71- 72 مكية
(4) الكهف: 83- 85 مكية(4/1197)
قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (71) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) «1»
التلاوة بمعنى الإنزال:
59- طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) «2»
التلاوة بمعنى العمل:
60- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) «3»
التلاوة بمعنى الاتباع:
61- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) «4»
62- وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (3) «5»
الايات الواردة في «التلاوة» معنى
63- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (94)
__________
(1) الشعراء: 69- 77 مكية
(2) القصص: 1- 4 مكية
(3) البقرة: 121 مدنية
(4) هود: 17 مكية
(5) الشمس: 1- 3 مكية(4/1198)
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (95) «1»
64- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «2»
65- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «3»
66- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «4»
67- فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) «5»
__________
(1) يونس: 93- 95 مكية
(2) طه: 113- 114 مكية
(3) ق: 41- 45 مكية
(4) الجن: 1- 2 مكية
(5) الإنشقاق: 20- 24 مكية(4/1199)
الأحاديث الواردة في (التلاوة والقراءة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «احشدوا «1» . فإنّي سأقرأ عليكم ثلث القرآن» فحشد من حشد. ثمّ خرج نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. ثمّ دخل. فقال بعضنا لبعض: إنّي أرى هذا خبرا جاءه من السّماء. فذاك الّذي أدخله. ثمّ خرج نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن. ألا إنّها تعدل ثلث القرآن» ) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قال القارئ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. فقال من خلفه:
آمين. فوافق قوله قول أهل السّماء. غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «3» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السّتر، وقال:
«ألا إنّ كلّكم مناج ربّه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في الصّلاة» ) * «4» .
4-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» ، قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «نعم» فقرأت سورة النّساء حتّى أتيت على هذه الاية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) . قال: «حسبك الان، فالتفتّ إليه فإذا عيناه تذرفان» ) * «5» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف» ) * «6» .
6-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اقرءوا القرآن.
فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. اقرءوا الزّهراوين «7» : البقرة وسورة آل عمران. فإنّهما تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان. أو كأنّهما غيايتان «8» . أو كأنّهما فرقان من طير صوافّ «9» . تحاجّان عن
__________
(1) احشدوا: أي اجتمعوا واستحضروا الناس.
(2) البخاري- الفتح 8 (5013) . ومسلم (812) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 8 (4475) . ومسلم (410) واللفظ له.
(4) أخرجه أبو داود (1332) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (2/ 460) : إسناده صحيح. وقال الألباني (1/ 247) : صحيح.
(5) البخاري- الفتح 8 (5050) . ومسلم (800) .
(6) البخاري- الفتح 8 (4991) . ومسلم (819) .
(7) الزهراوين: سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما.
(8) كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان: قال أهل اللغة: الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه: سحابة وغبرة وغيرهما. قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين.
(9) إنهما فرقان من طير صواف: وفي الرواية الأخرى: كأنهما(4/1200)
أصحابهما «1» . اقرءوا سورة البقرة؛ فإنّ أخذها بركة.
وتركها حسرة. ولا تستطيعها «2» البطلة» ) * «3» .
7-* (عن جندب- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه» ) * «4» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده «5» ، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثمّ جالت أخرى، فقرأ، ثمّ جالت أيضا، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى «6» ، فقمت إليها، فإذا مثل الظّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، قال: فغدوت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، بينما أنا البارحة من جوف اللّيل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال:
فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثمّ جالت أيضا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت، وكان يحيى قريبا منها، فخشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظّلّة، فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها النّاس ما تستتر منهم» ) * «7» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبيّ: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. قال أبيّ: الله سمّاني لك؟ قال:
الله سمّاك لي، فجعل أبيّ يبكي. قال قتادة:
فأنبئت أنّه قرأ عليه لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (البينة/ 1)) * «8» .
10-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصعّد النّظر إليها وصوّبه، ثمّ طأطأ رأسه. فلمّا رأت المرأة أنّه لم يقض فيها شيئا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها. فقال له هل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله. قال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ما وجدت شيئا. قال انظر ولو خاتما من حديد. فذهب ثمّ رجع فقال: لا والله يا رسول الله
__________
حزقان من طير صواف. الفرقان والحزقان معناهما واحد. وهما قطيعان وجماعتان. يقال في الواحد: فرق وحزق وحزيقة. وقوله: من طير صواف جمع صافة، وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء.
(1) تحاجان عن أصحابهما: أي تدافعان الجحيم والزبانية. وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة.
(2) ولا يستطيعها: أي لا يقدر على تحصيلها.
(3) مسلم (804) .
(4) البخاري- الفتح 8 (5060) . ومسلم (2667) .
(5) المربد: موقف الإبل، والمراد: موضعه الذي كان فيه.
(6) يحيى: هو ابنه.
(7) أخرجه مسلم (796) وهذا لفظه. والبخاري- الفتح 8 (5018) نحوه.
(8) البخاري- الفتح 8 (4960) . وسلم (799) .(4/1201)
ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل ماله رداء فلها نصفه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصنع بإزارك؟
إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك شيء» ، فجلس الرّجل حتّى طال مجلسه، ثمّ قام، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مولّيا، فأمر به فدعي. فلمّا جاء قال: «ماذا معك من القرآن؟» قال: معي سورة كذا وسورة كذا عدّها. قال: «أتقرؤهنّ عن ظهر قلبك؟» قال: نعم.
قال: «اذهب، فقد ملّكتكها بما معك من القرآن» ) * «1» .
11-* (عن يحيى؛ قال: انطلقت أنا وعبد الله ابن يزيد حتّى نأتي أبا سلمة. فأرسلنا إليه رسولا. فخرج علينا. وإذا عند باب داره مسجد.
قال: فكنّا في المسجد حتّى خرج إلينا. فقال: إن تشاءوا أن تدخلوا، وإن تشاءوا أن تقعدوا ههنا. قال فقلنا: لا. بل نقعد ههنا. فحدّثنا. قال: حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: كنت أصوم الدّهر وأقرأ القرآن كلّ ليلة. قال: فإمّا ذكرت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا أرسل إليّ فأتيته. فقال لي: «ألم أخبر أنّك تصوم الدّهر وتقرأ القرآن كلّ ليلة؟» فقلت:
بلى. يا نبيّ الله ولم أرد بذلك إلّا الخير. قال: «فإنّ بحسبك أن تصوم «2» من كلّ شهر ثلاثة أيّام» قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال:
«فإنّ لزوجك عليك حقّا. ولزورك «3» عليك حقّا.
ولجسدك عليك حقّا» قال: «فصم صوم داود نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّه كان أعبد النّاس» . قال قلت: يا نبيّ الله وما صوم داود؟ قال: «كان يصوم يوما ويفطر يوما» قال: «واقرإ القرآن في كلّ شهر «4» » قال قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فاقرأه في كلّ عشرين» قال: قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فاقرأه في كلّ عشر» : قال: قلت: يا نبيّ الله إنّي أطيق أفضل من ذلك. قال: «فاقرأه في كلّ سبع، ولا تزد على ذلك. فإنّ لزوجك عليك حقّا ولزورك عليك حقّا ولجسدك عليك حقّا» قال:
فشدّدت. فشدّد عليّ. قال: وقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّك لا تدري لعلّك يطول بك عمر» . قال: فصرت إلى الّذي قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا كبرت وددت أنّي كنت قبلت رخصة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» .
12-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله كتب كتابا قبل أن يخلق السّماوات والأرض بألفي عام، وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها الشّيطان» ) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (5030) . ومسلم (1425) .
(2) فإن بحسبك أن تصوم: الباء فيه زائدة. ومعناه أن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك.
(3) ولزورك: قال في النهاية: هو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم. كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم. وقد يكون الزور جمعا لزائر، كركب في جمع راكب. أي لضيفك ولأصحابك الزائرين حق عليك. وأنت تعجز، بسبب توالي الصيام والقيام، عن القيام بحسن معاشرتهم.
(4) واقرأ القرآن في كل شهر: أي اختمه.
(5) البخاري- الفتح 4 (1978) . ومسلم (1159) واللفظ له.
(6) الترمذي (2882) واللفظ له وقال: حسن غريب. والدارمي (3390) . والحاكم في المستدرك (2/ 260)(4/1202)
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل قبرا ليلا. فأسرج له سراج.
فأخذه من قبل القبلة وقال: «رحمك الله إن كنت لأوّاها تلّاء للقرآن» وكبّر عليه أربعا) * «1» .
14-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده. ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران.
ثمّ قام إلى شنّ «2» معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوءه، ثمّ قام يصلّي. قال ابن عبّاس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها. فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ أوتر. ثمّ اضطجع حتّى أتاه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين. ثمّ خرج فصلّى الصّبح» ) * «3» .
15-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعرف أصوات رفقة الأشعريّين بالقرآن، حين يدخلون باللّيل، وأعرف منازلهم من أصواتهم، بالقرآن باللّيل. وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنّهار. ومنهم حكيم «4» إذا لقي الخيل أو قال العدوّ قال لهم: إنّ أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم «5» » ) * «6» .
16-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء.
فكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء. فجاءه الملك فقال: اقرأ.
قال: «ما أنا بقارئ» قال، فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ فقلت: «ما أنا بقارئ» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: «زمّلوني زمّلوني» .
__________
وصححه ووافقه الذهبي.
(1) الترمذي (1057) واللفظ له وقال: حديث ابن عباس حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (11/ 143) : وهو حديث حسن.
(2) الشن: القربة.
(3) البخاري- الفتح (183) و (4572) . ومسلم (763) .
(4) حكيم: قيل هو صفة لرجل منهم وقيل: هو علم على رجل من الأشعريين. انظر الفتح (7/ 557) ..
(5) تنظرونهم: تنتظرونهم.
(6) البخاري- الفتح 7 (4232) . ومسلم (2499) .(4/1203)
فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسي» . فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّي- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة:
يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى.
فقال هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا، ثمّ لم ينشب «2» ورقة أن توفّي وفتر الوحي» ) * «3» .
17-* (عن زيد بن وهب الجهنيّ؛ أنّه كان في الجيش الّذين كانوا مع عليّ- رضي الله عنه- الّذين ساروا إلى الخوارج. فقال عليّ- رضي الله عنه-: أيّها النّاس إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يخرج قوم من أمّتي يقرءون القرآن. ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء. ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء. ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء. يقرءون القرآن. يحسبون أنّه لهم وهو عليهم. لا تجاوز صلاتهم تراقيهم «4» يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة» لو يعلم الجيش الّذين يصيبونهم، ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم، لاتّكلوا عن العمل. وآية ذلك أنّ فيهم رجلا له عضد. وليس له ذراع. على رأس عضده مثل حلمة الثّدي. عليه شعرات بيض. فتذهبون إلى معاوية وأهل الشّام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم والله إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم. فإنّهم قد سفكوا الدّم الحرام. وأغاروا في سرح النّاس «5» . فسيروا على اسم الله. حتّى قال: سلمة بن كهيل:
فنزّلني زيد بن وهب منزلا «6» . حتّى قال: مررنا على قنطرة. فلمّا التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الرّاسبيّ. فقال لهم: ألقوا الرّماح وسلّوا سيوفكم من جفونها «7» . فإنّي أخاف أن يناشدوكم «8» كما
__________
(1) الجذع: الصغير من البهائم، يريد: يا ليتني أكون شابّا.
(2) لم ينشب: لم يلبث.
(3) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) .
(4) لا تجاوز صلاتهم تراقيهم: المراد بالصلاة، هنا، القراءة، لأنها جزؤها.
(5) وأغاروا في سرح الناس: السرح والسارح والسارحة الماشية. أي أغاروا على مواشيهم السائمة.
(6) فنزلني زيد بن وهب منزلا: هكذا هو في معظم النسخ: منزلا، مرة واحدة. وفي نادر منها. منزلا منزلا، مرتين. وهو وجه الكلام أي ذكر لي مراحلهم بالجيش منزلا منزلا حتى بلغ القنطرة التي كان القتال عندها.
(7) وسلوا سيوفكم من جفونها: أي أخرجوها من أغمادها. جمع جفن، وهو الغمد.
(8) فإني أخاف أن يناشدوكم يقال: نشدتك الله وناشدتك الله أي سألتك بالله وأقسمت عليك.(4/1204)
ناشدوكم يوم حروراء. فرجعوا فوحّشوا برماحهم «1» .
وسلّوا السّيوف. وشجرهم النّاس برماحهم «2» . قال:
وقتل بعضهم على بعض. وما أصيب من النّاس يومئذ إلّا رجلان. فقال عليّ- رضي الله عنه-:
التمسوا فيهم المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه. فقام عليّ- رضي الله عنه- بنفسه حتّى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض. قال: أخّروهم. فوجدوه ممّا يلي الأرض. فكبّر. ثمّ قال: صدق الله. وبلّغ رسوله.
قال: فقام إليه عبيدة السّلمانيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، الله الّذي لا إله إلّا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: إي. والله الّذي لا إله إلّا هو حتّى استحلفه ثلاثا «3» . وهو يحلف له) * «4» .
18-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها، قال فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة، وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» قال فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار فقال: يا رسول الله: اتّق الله. قال: «ويلك: أو لست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: لا لعلّه أن يكون يصلّي، فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس ولا أشقّ بطونهم» . قال ثمّ نظر إليه وهو مقفّ فقال: «إنّه يخرج من ضئضئ «5» هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» . وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «6» .
19-* (عن سليمان بن يسار؛ قال: تفرّق النّاس عن أبي هريرة. فقال له ناتل أهل الشّام «7» : أيّها الشّيخ حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال:
نعم. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل النّاس
__________
(1) فوحشوا برماحهم: أي رموا بها عن بعد منهم، ودخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا فرصة.
(2) وشجرهم الناس برماحهم: أي مدوها إليهم وطاعنوهم بها. ومنه التشاجر، في الخصومة. وسمي الشجر شجرا لتداخل أغصانه، والمراد بالناس أصحاب علي.
(3) حتى استحلفه ثلاثا: قال الإمام النووي: وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم، ويظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويظهر لهم أنّ عليّا وأصحابه أولى الطائفين بالحق، وأنهم محقون في قتالهم.
(4) مسلم (1066) . وقد أورده البخاري مختصرا (7/ 5058) من رواية أبي سعيد.
(5) ضئضئ: أي نسل.
(6) البخاري- الفتح 7 (4351) وهذا لفظ البخاري. ومسلم (1064) .
(7) ناتل أهل الشام: هو ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فلسطين وهو تابعي وكان أبوه صحابيا، وكان ناتل كبير قومه.(4/1205)
يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد. فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتّى استشهدت. قال كذبت. ولكنّك قاتلت لأن يقال جريء. فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن. فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن.
قال: كذبت ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم. وقرأت القرآن ليقال هو قارئ. فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتّى ألقي في النّار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه. فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلّا أنفقت فيها لك. قال:
كذبت ولكنّك فعلت ليقال هو جواد. فقد قيل. ثمّ أمر به فسحب على وجهه ثمّ ألقي في النّار» ) * «1» .
20-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نقترئ، فقال:
«الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقام السّهم، يتعجّل أجره ولا يتأجّله» ) * «2» .
21-* (عن مسروق قال: ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاك رجل لا أزال أحبّه بعد ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل» . قال: لا أدري، بدأ بأبيّ أو بمعاذ) * «3» .
22-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- سألها يعلى بن مملك عن قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلاته؟ فقالت: ما لكم وصلاته؟ ثمّ نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا. هذه رواية النّسائي. وفي رواية التّرمذيّ؛ قالت: ما لكم وصلاته؟ كان يصلّي ثمّ ينام قدر ما صلّى، ثمّ يصلّي قدر ما نام، ثمّ ينام قدر ما صلّى، حتّى يصبح، ثمّ نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا.
وللتّرمذيّ من رواية ابن أبي مليكة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقطّع قراءته؛ ولأحمد من رواية ابن أبي مليكة قال: قالت: كان يقطّع قراءته آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) * «4» .
23-* (عن المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن ابن عبد القاريّ حدّثاه أنّهما سمعا عمر بن الخطّاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في
__________
(1) مسلم (1905) .
(2) أبو داود (831) واللفظ له وقال الألباني (1/ 157) : حسن صحيح، نحوه عند الترمذي (2918) وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات.
(3) البخاري- الفتح 7 (3758) واللفظ له. ومسلم (2464) .
(4) الترمذي رقم (2923) . وأبو داود رقم (1466) . وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد في المسند (6/ 302) . واللفظ بعضه للترمذي وبعضه لأبي داود وبعضه لأحمد. وأخرجه الطحاوي (1/ 117) ، والحاكم (1/ 132) من طرق أخرى.(4/1206)
حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكدت أساوره في الصّلاة، فتصبّرت حتّى سلّم، فلبّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السّورة الّتي سمعتك تقرأ؟
قال: أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: كذبت «1» ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت.
فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّي سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرسله، اقرأ يا هشام» . فقرأ عليه القراءة الّتي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذلك أنزلت» . ثمّ قال: «اقرأ يا عمر» ، فقرأت للقراءة الّتي أقرأني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسّر منه» ) * «2» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في سورة باللّيل فقال: «يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا» ) * «3» .
25-* (عن أبي وائل؛ قال: كنّا بصفّين، فقام سهل بن حنيف «4» قال: أيّها النّاس اتّهموا أنفسكم، فإنّا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا؛ فجاء عمر بن الخطّاب فقال: «يا رسول الله ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ فقال: «بلى» .
قال: أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النّار؟ قال:
«بلى» . قال: فعلام نعطي الدّنيّة «5» في ديننا؟ أنرجع ولا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: «يا ابن الخطّاب إنّي رسول الله، ولن يضيّعني الله أبدا» . فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّه رسول الله، ولن يضيّعه الله أبدا. فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: «نعم» ) * «6» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء اللّيل وآناء النّهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» ) * «7» .
27-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- يبلغ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة لمن لم يقرأ
__________
(1) معنى قوله: كذبت: أي أخطأت.
(2) البخاري- الفتح 8 (4992) . واللفظ له ومسلم (818) .
(3) البخاري- الفتح 8 (5038) واللفظ له. ومسلم (788) .
(4) قام سهل بن حنيف يوم صفين ... إلخ: أراد بهذا تصبير الناس على الصلح وإعلامهم بما يرجى بعده من الخير، وإن كان ظاهره في الابتداء مما تكرهه النفوس، كما كان شأن صلح الحديبية.
(5) الدنية: أي النقيصة والحالة الناقصة.
(6) البخاري- الفتح 6 (3182) وهذا لفظ البخاري. ومسلم (1785) .
(7) البخاري- الفتح 8 (5026) . وعند مسلم (815) مختصرا من حديث ابن عمر.(4/1207)
بفاتحة الكتاب» * «1» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة/ آية 284) قال فاشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ بركوا على الرّكب. فقالوا: أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق. الصّلاة والصّيام والجهاد والصّدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» قالوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» . فلمّا اقترأها القوم ذلّت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (البقرة/ آية 285) فلمّا فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. فأنزل الله- عزّ وجلّ- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: نعم) رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ (قال: نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ قال:
نعم» ) * «2» .
29-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة «3» ، ريحها طيّب، وطعمها طيّب، ومثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن مثل التّمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة، ريحها طيّب، وطعمها مرّ، ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مرّ» ) * «4» .
وفي رواية: «ومثل الفاجر» في الموضعين.
أخرجه الجماعة إلّا الموطّأ، إلّا أنّ التّرمذيّ قال في الحنظلة: وريحها مرّ.
30-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الجنّ وما رآهم. انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ «5» ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء
__________
(1) البخاري الفتح 2 (756) . واللفظ له ومسلم (394) .
(2) عند البخاري- الفتح (4545) مختصرا. ومسلم (125) واللفظ له.
(3) الأترجة: ثمر جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون يشبه البطيخ.
(4) البخاري- الفتح 8 (5020) . ومسلم (797) واللفظ له.
(5) سوق عكاظ: هو موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق يقيمون فيه أياما، قال النووي: تصرف ولا تصرف، والسوق تؤنث وتذكر، وفي القاموس: وعكاظ كغراب، سوق بصحراء بين نخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيتعاكظون، أي يتفاخرون ويتناشدون، قال النووي: قيل سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم.(4/1208)
وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب، قالوا: ما ذاك إلّا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها «1» ، فانظروا ما هذا الّذي حال بيننا وبين خبر السّماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمرّ النّفر الّذين أخذوا نحو تهامة (وهو بنخل) «2» ، عامدين إلى سوق عكاظ، (وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر) فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا: هذا حال بيننا وبين خبر السّماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا:
يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. فأنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (الجن/ 1) * «3» .
31-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- أنّه مرّ على قارئ يقرأ القرآن ثمّ يسأل النّاس به، فاسترجع عمران، وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قرأ القرآن، فليسأل الله به، فإنّه سيجيء أقوام يقرءون القرآن ويسألون به النّاس» ) * «4» .
32-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» ) * «5» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدّنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» ) * «6» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: وكّلني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثو من الطّعام، فأخذته، وقلت:
لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إنّي محتاج، وعليّ عيال، وبي حاجة شديدة، قال: فخلّيت عنه، فأصبحت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة ما فعل
__________
(1) فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها: الضرب في الأرض الذهاب فيها، وهو ضربها بالأرجل.
(2) وهو بنخل: هكذا وقع في صحيح مسلم: بنخل، وصوابه بنخلة، بالهاء، وهو موضع معروف هناك، كذا جاء صوابه في صحيح البخاري.
(3) البخاري- الفتح 8 (4921) . ومسلم (449) واللفظ له.
(4) الترمذي (2917) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (8/ 510) : حديث حسن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. واللفظ في جامع الأصول.
(5) البخاري- الفتح 8 (5009) . ومسلم (808) .
(6) مسلم (2699) .(4/1209)
أسيرك البارحة» ؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجة وعيالا، فرحمته فخلّيت سبيله، قال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود» ، فعرفت أنّه سيعود، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرصدته فجاء يحثو من الطّعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: دعني، فإنّي محتاج، وعليّ عيال، لا أعود، فرحمته فخلّيت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟» قلت: يا رسول الله، شكا حاجة (شديدة) وعيالا فرحمته، فخلّيت سبيله، فقال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود» ، فرصدته (الثّالثة) ، فجاء يحثو من الطّعام، فأخذته، فقلت:
لأرفعنّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا آخر ثلاث مرّات، إنّك تزعم لا تعود، ثمّ تعود، فقال: دعني، فإنّي أعلّمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هنّ؟ قال:
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ حتّى تختم الآية، فإنّه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنّك شيطان حتّى تصبح، فخلّيت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما فعل أسيرك البارحة؟» قلت: يا رسول الله، زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني الله بها، فخلّيت سبيله، قال: «ما هي؟» قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ من أوّلها، حتّى تختم الآية اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتّى تصبح وكانوا أحرص شيء على الخير فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟» قال: قلت: لا، قال: «ذاك شيطان» ) * «1» .
35-* (عن أبي العلاء- رضي الله عنه- أنّ عثمان بن أبي العاص أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ الشّيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي.
يلبسها «2» عليّ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك شيطان يقال له خنزب. فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه. واتفل على يسارك ثلاثا» قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عنّي) * «3» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة ثمّ يقول: يا ربّ زده، فيلبس حلّة الكرامة، ثمّ يقول: يا ربّ ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، وتزاد بكلّ آية حسنة» ) * «4» .
37-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق، ورتّل كما كنت ترتّل في الدّنيا؛
__________
(1) أخرجه البخاري تعليقا في الوكالة برقم 4 (2311) ومختصرا برقم 8 (5010) . وانظر تعليق الحافظ ابن حجر عليه (4/ 571) .
(2) معنى يلبسها: أي يخلطها ويشككني فيها.
(3) مسلم (2203) .
(4) أخرجه الترمذي (2915) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(4/1210)
فإنّ منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها» ) * «1» .
38-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القراءة سواء.
فأعلمهم بالسّنّة. فإن كانوا في السّنّة سواء. فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما. ولا يؤمّنّ الرّجل الرّجل في سلطانه. ولا يقعد في بيته على تكرمته إلّا بإذنه» ) * «2» .
39-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ) * «3» .
40-* (عن النّوّاس بن سمعان الكلابيّ قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الّذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال ما نسيتهنّ بعد، قال: كأنّهما غمامتان أو ظلّتان سوداوان بينهما شرق «4» ، أو كأنّهما حزقان من طير صوافّ، تحاجّان عن صاحبهما» ) * «5» .
41-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع نقيضا «6» من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السّماء فتح اليوم، لم يفتح قطّ إلّا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قطّ إلّا اليوم فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته» ) * «7» .
42-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف، عصم من الدّجّال» ) * «8» .
43-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية من كتاب الله معك؛ أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: قلت: الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم.
قال: فضرب في صدري وقال: «والله، ليهنك العلم «9» أبا المنذر» ) * «10» .
44-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث رجلا على سريّة، وكان يقرأ
__________
(1) أحمد (2/ 192) . والترمذي (2914) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (1464) وقال الألباني في تخريجه (1/ 275) : صحيح. والحاكم (1/ 552) واللفظ عند الجميع وسكت عنه وصححه الذهبي. وابن حبان في الموارد (1790) .
(2) مسلم (673) .
(3) سنن الترمذي 5 (2910) ، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه عنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 342) . وقال محقق «جامع الأصول» (8/ 498) : وهو حديث حسن.
(4) الشّرق أو الشّرق هو الضياء والنور.
(5) مسلم (805) .
(6) النقيض: صوت كصوت الباب إذا فتح.
(7) مسلم (806) .
(8) مسلم (809) .
(9) ليهنك العلم: أي ليكن العلم هنيئا لك.
(10) مسلم 1 (810) .(4/1211)
لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «1» فلمّا رجعوا ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «سلوه، لأيّ شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنّها صفة الرّحمن، فأنا أحبّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أخبروه أنّ الله يحبّه» ) * «2» .
45-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تر آيات أنزلت اللّيلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ قل أعوذ بربّ الفلق، قل أعوذ بربّ النّاس» ) * «3» .
46-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين «4» ، فتغشّته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلمّا أصبح أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: تلك السّكينة تنزّلت بالقرآن» ) * «5» .
47-* (عن زيد بن أسلم عن أبيه- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطّاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ سأله فلم يجبه، ثمّ سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمّك، نزرت «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات كلّ ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحرّكت بعيري حتّى كنت أمام النّاس، وخشيت أن ينزل فيّ قرآن، فما نشبت «7» أن سمعت صارخا يصرخ، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، قال: فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه فقال: «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة لهي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس، ثمّ قرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» ) * «8» .
48-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث، فلمّا اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح بيده رجاء بركتها) * «9» .
49-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه بات عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يمسح النّوم عن عينه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوء، ثمّ قام يصلّي ... الحديث) * «10» .
50-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله
__________
(1) المراد بالختم هنا ختم القراءة في الركعات وهو قراءة السورة بعد الفاتحة.
(2) مسلم (813) .
(3) مسلم (814) .
(4) الشطن: الحبل.
(5) البخاري- الفتح 8 (1511) .
(6) نزرت رسول الله: أي ألححت عليه إلحاحا أدّبك بسكوته عن جوابك (النهاية 5/ 40) .
(7) نشب بالشيء: تعلق به، والمعنى أنه لم يمض عليه وقت طويل.
(8) البخاري- الفتح 8 (5012) .
(9) البخاري- الفتح 8 (5017) .
(10) البخاري- الفتح 8 (4572) .(4/1212)
عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النّبوّة بين جنبيه غير أنّه لا يوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله» ) * «1» .
51-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إنّ هذا القرآن حبل الله، والنّور المبين، والشّفاء النّافع عصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتّبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوجّ فيقوّم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرّدّ، اتلوه فإنّ الله يأجركم على تلاوته كلّ حرف عشر حسنات، أما إنّي لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ) * «2» .
52-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصّيام: أي ربّ منعته الطّعام والشّهوات بالنّهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: ربّ منعته النّوم باللّيل فشفّعني فيه فيشفّعان» ) * «3» .
53-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله أهلين من النّاس» . قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته» ) * «4» .
54-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن في الصّفّة فقال:
«أيّكم يحبّ أن يغدو كلّ يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟» فقلنا: يا رسول الله، كلّنا يحبّ ذلك.
قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلّم، أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عزّ وجلّ خير له من أربع، ومن أعدادهنّ من الإبل» ) * «5» .
وفي رواية أبي داود: « ... كوماوين زهراوين بغير إثم لله- عزّ وجلّ- ولا قطيعة رحم. قالوا: كلّنا يا رسول الله. قال: «فلأن يغدو أحدكم كلّ يوم إلى المسجد فيعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهنّ» .
__________
(1) الترغيب والترهيب (2/ 352) . قال المنذري: رواه الحاكم. وقال: صحيح الإسناد.
(2) الترغيب والترهيب (2/ 354) ، قال المنذري: رواه الحاكم من رواية صالح بن عمر عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح. راجع الصحيحة للألباني (660) .
(3) أحمد 2 (174) واللفظ له؛ وقال الشيخ شاكر (10/ 118) (6626) : إسناده صحيح، والترغيب والترهيب 2/ 353. قال المنذري: رواه أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، والطبراني في الكبير والحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم.
(4) ابن ماجة المقدمة (215) ، أحمد (3/ 127) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (2/ 354) . قال: وقال الحاكم: يروى من ثلاثة أوجه عن أنس هذا أجودها، وقال الحافظ عبد العظيم: وهو إسناد صحيح.
(5) مسلم (803) ، وأبو داود (1456) والترغيب والترهيب (2/ 345) .(4/1213)
55-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ القرآن وتعلّمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجا من نور، ضوءه مثل ضوء الشّمس، ويكسى والداه حلّتين، لا يقوم بهما الدّنيا، فيقولان بم كسينا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن» ) * «1» .
56-* (عن البراء قال: بينما رجل يقرأ سورة الكهف إذ رأى دابّته تركض، فنظر فإذا مثل الغمامة أو السّحابة. فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تلك السّكينة نزلت مع القرآن، أو نزلت على القرآن» . وفي الباب عن أسيد بن حضير» ) * «2» .
57-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا سمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يردّدها، فلمّا أصبح جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له- وكأنّ الرّجل يتقالّها-، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إنّها لتعدل ثلث القرآن» ) * «3» .
58-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتّى غفر له، وهي سورة تبارك الّذي بيده الملك» ) * «4» .
59-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه رأى رؤيا: أنّه يكتب ص فلمّا بلغ إلى سجدتها قال: رأى الدّواة والقلم وكلّ شيء بحضرته انقلب ساجدا. قال: فقصصتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل يسجد بها بعد) * «5» .
60-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب، هم على كثيب من مسك حتّى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله. وأمّ به قوما وهم راضون به، وداع يدعو إلى الصّلوات ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربّه، وفيما بينه وبين مواليه» ) * «6» .
61-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أوصني. قال: «عليك بتقوى الله فإنّه رأس الأمر كلّه» . قلت: يا رسول الله، زدني.
قال: «عليك بتلاوة القرآن، فإنّه نور لك في الأرض وذخر لك في السّماء» ) * «7» .
__________
(1) الحاكم (1/ 568) ، وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وله شاهد من حديث معاذ بن أنس الجهني عند أبي داود (1453) ، وأحمد في المسند (3/ 440) .
(2) الترمذي (2885) . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(3) البخاري- الفتح 9 (5013) .
(4) الترمذي (2891) وقال: هذا حديث حسن. وقال الألباني في «صحيح الجامع الصغير» : صحيح.
(5) أحمد (3/ 78) ، والترغيب والترهيب (2/ 356) . قال المنذري: ورواته رواة الصحيح.
(6) قال الهيثمي: رواه الترمذي باختصار (انظر سنن الترمذي 1986، 2566) والطبراني في الأوسط والصغير، وفيه عبد الصمد بن عبد العزيز المقري، ذكره ابن حبان في الثقات، مجمع الزوائد (1/ 328) ، وقال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد لا بإس به (الترغيب والترهيب (2/ 351) ، وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (ح 3499) .
(7) المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 349) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل.(4/1214)
62-* (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي رأيت فيما يرى النّائم كأنّي أصلّي خلف شجرة، فرأيت كأنّي قرأت سجدة فرأيت الشّجرة كأنّها تسجد بسجودي فسمعتها وهي ساجدة تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عنّي بها وزرا، واقبلها منّي كما تقبّلت من عبدك داود.
قال ابن عبّاس: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ السّجدة. فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرّجل عن كلام الشّجرة) * «1» .
63-* (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «القرآن شافع مشفّع، وما حل «2» مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار» ) * «3» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتبت عنده سورة النّجم، فلمّا بلغ السّجدة سجد وسجدنا معه، وسجدت الدّواة والقلم) * «4» .
65-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (التلاوة والقراءة) معنى
66-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:؟ «إذا قام أحدكم من اللّيل فاستعجم «6» القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول، فليضطجع» ) * «7» .
67-* (عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته فقال: كنّا بما «8» ممرّ النّاس، وكان يمرّ بنا الرّكبان فنسألهم: ما للنّاس، ما للنّاس؟ ما هذا الرّجل؟ فيقولون: يزعم أنّ الله أرسله، أوحي إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك فكأنّما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوّم بإسلامهم الفتح فيقولون اتركوه وقومه، فإنّه إن ظهر عليهم فهو نبيّ صادق. فلمّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كلّ قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلمّا قدم قال:
__________
(1) الترمذي (3424) . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. والترغيب والترهيب (2/ 357) . قال المنذري: ورواه ابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وانظر موارد الظمآن (691) .
(2) ما حل: ساع، وقيل: خصم مجادل.
(3) الترغيب والتّرهيب (2/ 3493) . قال المنذري: رواه ابن حبان في صحيحه.
(4) الترغيب والترهيب (2/ 3584) . قال المنذري: رواه البزار بإسناد جيّد.
(5) الترغيب والترهيب (2/ 356) . قال المنذري: رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم.
(6) فاستعجم: استعجم القرآن على القارئ: إذا أرتج عليه، فلم يقدر أن يقرأه.
(7) مسلم (787) .
(8) الميم في (بما) زائدة، والمعنى: كنا في الطريق الذي يمر به الناس.(4/1215)
جئتكم والله من عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقّا، فقال: «صلّوا صلاة كذا في حين كذا، وصلّوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن أحدكم، وليؤمّكم أكثركم قرآنا» فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا منّي، لما كنت أتلقّى من الرّكبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ستّ أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلّصت «1» عنّي، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تغطّون عنّا است «2» قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص) * «3» .
68-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يجمع بين الرّجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثمّ يقول: «أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء» . وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسّلهم» ) * «4» .
69-* (عن عبد الله بن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة «5» إن عاهد «6» عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت» .
وزاد مسلم في رواية أخرى: و «إذا قام صاحب القرآن فقرأه باللّيل والنّهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه» ) * «7» .
70-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل نسّي، واستذكروا القرآن؛ فإنّه أشدّ تفصّيا «8» من صدور الرّجال من النّعم بعقلها» ) * «9» .
71-* (عن خبّاب في قول الله- عزّ وجلّ:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إلى قوله: فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ.
قال: جاء الأقرع بن حابس التّميميّ وعيينة بن حصن الفزاريّ فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع صهيب وبلال وعمّار وخبّاب. قاعدا في ناس من الضّعفاء من المؤمنين فلمّا رأوهم حول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حقروهم فأتوه فخلوا به، وقالوا: إنّا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإنّ وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنّا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت فقال: نعم. فقالوا: فاكتب لنا عليك كتابا، قال:
فدعا بصحيفة ودعا عليّا ليكتب ونحن قعود في ناحية. فنزل جبرائيل- عليه السّلام- فقال: وَلا
__________
(1) تقلصت: أي انجمعت وارتفعت.
(2) است: الاست العجز وتجمع على أستاه.
(3) البخاري- الفتح 7 (4302) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1347) .
(5) المعقلة: هي الإبل التي شدت بالعقال لئلا تهرب، والعقال حبيل صغير يشد به ساعد البعير إلى فخذه ملويا.
(6) عاهد: التعاهد والتعهد: المراجعة والمعاودة، قاله الهروي.
(7) البخاري- الفتح 8 (5031) . ومسلم (789) .
(8) معنى تفصيا: أي تفلتا.
(9) البخاري- الفتح 8 (5032) . ومسلم (790) .(4/1216)
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ثمّ ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن. فقال- عزّ وجلّ-: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ثمّ قال عزّ وجلّ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قال:
فدنونا منه حتّى وضعنا ركبنا على ركبته وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عزّ وجلّ-: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ (ولا تجالس الأشراف) تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (يعني عيينة والأقرع) وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (يعني هلاكا) ثمّ ضرب لهم مثل الرّجلين ومثل الحياة الدّنيا. قال خبّاب: فكنّا نقعد مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإذا بلغنا السّاعة الّتي يقوم فيها قمنا وتركناه حتّى يقوم) * «1» .
72-* (عن عثمان- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» . قال وأقرأ أبو عبد الرّحمن في إمرة عثمان حتّى كان الحجّاج، قال: وذاك أقعدني مقعدي هذا) * «2» .
73-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «زيّنوا القرآن بأصواتكم «3» » ) * «4» .
74-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كنّا في مسير لنا، فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إنّ سيّد الحيّ سليم «5» ، وإنّ نفرنا غيّب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنّا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر لنا بثلاثين شاة وسقانا لبنا. فلمّا رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلّا بأمّ الكتاب. قلنا: لا تحدثوا شيئا حتّى نأتي أو نسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قدمنا المدينة ذكرناه للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «وما كان يدريه أنّها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم» ) * «6» .
75-* (عن أبي سعيد بن المعلّى- رضي الله عنه- قال: كنت أصلّي في المسجد فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه، قلت: يا رسول الله إنّي كنت أصلّي، فقال:
__________
(1) ابن ماجة (2/ 1382) حديث رقم (4127) وقال: قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقد روى مسلم والنسائي والمصنف بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص.
(2) البخاري- الفتح 8 (5027) .
(3) ويكون ذلك بتحسين الصوت عند القراءة؛ فإن الكلام الحسن يزيد حسنا وزينة بالصوت الحسن، وفي أدائه بحسن الصوت وجودة الأداء بعث للقلوب على الاستماع والإصغاء إليه، قال التوربشتي: هذا إذا لم يخرجه التغني عن التجويد، ولم يصرفه عن مراعاة النظم في الكلمات والحروف، فإن انتهى إلى ذلك، عاد الاستحباب كراهة، وأماما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقا فيأخذون في كلام الله مأخذهم في التشبب والغزل؛ فإنه من أسوأ البدع فيجب النكير. (جامع الأصول 2/ 454) .
(4) أبو داود (1468) واللفظ له وقال الألباني (1/ 275) : صحيح. والنسائي (2/ 179) وقال محقق جامع الأصول (2/ 455) : إسناده صحيح وصححه ابن حبان والحاكم.
(5) سليم: أي لدغته حية.
(6) البخاري- الفتح 8 (5007) . ومسلم (2201) .(4/1217)
ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ (الأنفال/ 24) ؟ ثمّ قال لي: «ألا أعلّمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» فأخذ بيدي، فلمّا أراد أن يخرج قلت: يا رسول الله إنّك قلت: لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أوتيته» ) * «1» .
76-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» ) * «2» .
77-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيّ أن يتغنّى «3» بالقرآن» ) * «4» .
قال سفيان: تفسيره يستغني به.
78-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن مع السّفرة «5» الكرام البررة «6» ، والّذي يقرأ القرآن ويتتعتع «7» فيه وهو عليه شاقّ له أجران» ) * «8» .
79-* (عن عامر بن واثلة؛ أنّ نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان. وكان عمر يستعمله على مكّة. فقال: من استعملت على أهل الوادي؟
فقال: ابن أبزى قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنّه قارئ لكتاب الله- عزّ وجلّ- وإنّه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إنّ نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين» ) * «9» .
80-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كثر همّه فليقل:
اللهمّ إنّي عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت «10» به في مكنون الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4474) ، 8 (5006) .
(2) أخرجه أبو داود (1469 و1470 و1471) واللفظ له وقال محقق جامع الأصول (2/ 458) : إسناده صحيح. وقال الألباني (1/ 276) : صحيح.
(3) ابن الجوزي: اختلفوا في معنى قوله «يتغنى» على أربعة أقوال: أحدها: تحسين الصوت. والثاني: الاستغناء. والثالث: التحزن. قاله الشافعي. والرابع: التشاغل به. تقول العرب: غني بالمكان: أقام به. قال ابن الأعرابي: كانت العرب إذا ركبت الإبل تتغنى، وإذا جلست في أفنيتها وفي أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكون هجّيراهم القرآن مكان التغني. وفيه قول آخر حكاه ابن الأنباري في «الزاهر» قال: المراد به: التلذذ والاستحلاء له، كما يستلذ أهل الطرب بالغناء، وأطلق عليه «تغنيا» من حيث إنه يفعل عنده ما يفعل الغناء، وهو كقول النابغة:
بكاء حمامة تدعو هديلا ... مفجعة على فنن تغني
أطلق على صوتها غناء لأنه يطرب، كما يطرب الغناء، وإن لم يكن غناء حقيقة. وانظر فتح الباري 8 (687) ففيه شرح.
(4) البخاري- الفتح 8 (5024) .
(5) السفرة: جمع سافر، وهو الكاتب، والمراد بهم: الملائكة الحفظة.
(6) البررة: جمع بار، وهو الصادق، والمراد بهم أيضا الملائكة.
(7) يتتعتع: التتعتع في القول: التردد فيه.
(8) البخاري- الفتح 8 (4937) . ومسلم (798) .
(9) مسلم (817) .
(10) استأثرت: الاستئثار بالشيء: التخصص به والانفراد.(4/1218)
قلبي «1» ، وجلاء همّي وغمّي، ما قالها عبد قطّ إلّا أذهب الله غمّه، وأبدله به فرحا» ) * «2» .
81-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «يا أبا موسى لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» ) * «3» .
82-* (عن بريدة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجيء القرآن يوم القيامة كالرّجل الشّاحب فيقول: أنا الّذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك» ) * «4» .
83-* (عن أبي بردة- رضي الله عنه- قال:
«بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كلّ واحد منهما على مخلاف، قال: واليمن مخلافان ثمّ قال: «يسّرا ولا تعسّرا. وبشّرا ولا تنفّرا» فانطلق كلّ واحد منهما إلى عمله، وكان كلّ واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلّم عليه. فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتّى انتهى إليه، وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه النّاس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتّى يقتل. قال: إنّما جيء به لذلك، فأنزل. قال: ما أنزل حتّى يقتل. فأمر به فقتل، ثمّ نزل فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوّقه تفوّقا. قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: أنام أوّل اللّيل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النّوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي، كما أحتسب قومتي» ) * «5» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التلاوة والقراءة)
84-* (عن عائشة- رضي الله عنها-:
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفّيه ثمّ نفث فيهما فقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثمّ يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرّات» ) * «6» .
__________
(1) ربيع قلبي: جعل القرآن ربيع قلبه؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان ويميل إليه.
(2) أخرجه رزين. قال محقق جامع الأصول (4/ 298) : حديث صحيح واللفظ له. ورواه أحمد (3712 و4318) . وصححه ابن حبان في الموارد رقم (2372) . والحاكم (1/ 509) . والهيثمي في المجمع (1/ 136) وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار.
(3) البخاري- الفتح 8 (5048) . ومسلم (793) واللفظ له.
(4) ابن ماجة (3781) واللفظ له. وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات، ورواه أحمد مطولا (5/ 348) . والحاكم مختصرا (1/ 556) وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي (7/ 159) : قلت: وفيه بشير بن مهاجر الغنوي، وقد وثقه ابن معين، وقال عنه النسائي: لا بأسس به.
(5) البخاري- الفتح 7 (4341، 4342) واللفظ له. ومسلم (1733) مختصرا.
(6) البخاري- الفتح 8 (5017) .(4/1219)
85-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: «سبحان ربّي الأعلى» ) * «1» .
86-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه سئل عن قراءة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كيف كانت؟ فقال: كانت مدّا.
ثمّ قرأ «بسم الله الرّحمن الرّحيم يمدّ ببسم الله، ويمدّ بالرّحمن، ويمدّ بالرّحيم» ) * «2» .
87-* (عن سراقة بن مالك بن جعشم؛ قال: جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر دية كلّ واحد منهما لمن قتله أو أسره.
فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتّى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة، إنّي قد رأيت آنفا أسودة بالسّاحل أراها محمّدا وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنّهم هم، فقلت له: إنّهم ليسوا بهم ولكنّك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا. ثمّ لبثت في المجلس ساعة، ثمّ قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجّه «3» الأرض، وخفضت عاليه، حتّى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرّب بي، حتّى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرّهم أم لا؟ فخرج الّذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرّب بي، حتّى إذا سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت «4» يدا فرسي في الأرض حتّى بلغتا الرّكبتين، فخررت عنها، ثمّ زجرتها، فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلمّا استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان «5» ساطع في السّماء مثل الدّخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الّذي أكره فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتّى جئتهم.
ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدّية. وأخبرتهم أخبار ما يريد النّاس بهم، وعرضت عليهم الزّاد والمتاع، فلم يرزآني «6» ، ولم يسألاني إلّا أن قال: «أخف عنّا» . فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «7» .
88-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: خسفت الشّمس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المسجد. فقام وكبّر وصفّ النّاس وراءه. فاقترأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قراءة
__________
(1) أخرجه أبو داود (883) واللفظ له وقال: وروي موقوفا على ابن عباس- رضي الله عنهما- وأحمد (2066) وقال أحمد شاكر (2067) : إسناده حسن. وقال محقق جامع الأصول (2/ 468) : هذا سند حسن.
(2) البخاري- الفتح 8 (5046) .
(3) الزّجّ: الحديدة التي في أسفل الرمح.
(4) ساخت: أي غاصت.
(5) والعثان: هو الدخان.
(6) يرزآني: أي ينقصاني مما معي شيئا.
(7) البخاري- الفتح 7 (3906) .(4/1220)
طويلة. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. ثمّ رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ قام فاقترأ قراءة طويلة. هي أدنى من القراءة الأولى. ثمّ كبّر فركع ركوعا طويلا. هو أدنى من الرّكوع الأوّل.
ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده. ربّنا ولك الحمد» ثمّ سجد (ولم يذكر أبو الطّاهر: ثمّ سجد) ثمّ فعل في الرّكعة الأخرى مثل ذلك حتّى استكمل أربع ركعات.
وأربع سجدات. وانجلت الشّمس قبل أن ينصرف.
ثمّ قام فخطب النّاس. فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله. لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموها «1» فافزعوا للصّلاة» . وقال أيضا: «فصلّوا حتّى يفرّج الله عنكم» . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت في مقامي هذا كلّ شيء وعدتم. حتّى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنّة حين رأيتموني جعلت أقدّم «2» . (وقال المراديّ: أتقدّم) ولقد رأيت جهنّم يحطم «3» بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخّرت. ورأيت فيها ابن لحيّ وهو الّذي سيّب السّوائب «4» » وانتهى حديث أبي الطّاهر عند
قوله: «فافزعوا للصّلاة» . ولم يذكر ما بعده) * «5» .
89-* (عن عبد الله بن سلمة يقول: دخلت على عليّ بن أبي طالب فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا) يحجبه أو قال (لا) يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلّا الجنابة) * «6» .
90-* (عن سعيد بن جبير؛ قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب. أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول: فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة. فقلت للغلام استأذن لي. قال: إنّه قائل «7» .
فسمع صوتي. قال: ابن جبير؟ قلت: نعم. قال:
ادخل. فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة.
فدخلت. فإذا هو مفترش برذعة، متوسّد وسادة حشوها ليف. قلت: أبا عبد الرّحمن! المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم. إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك؟ قال: فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه.
فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات في سورة النّور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/
__________
(1) رأيتموها: أي رأيتم الشمس كسفت.
(2) أقدم: ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة. ومعناه أقدم نفسي أو رجلي. وكذا صرح القاضي عياض بضبطه.
(3) يحطم: أي يكسر.
(4) وهو الذي سيب السوائب: تسييب الدواب إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت. والسوائب جمع سائبة. وهي التي نهى الله سبحانه عنها في قوله: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ. فالبحيرة هي الناقة التي يمنع درها للطواغيت. فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم. فلا يحمل عليها شيء.
(5) البخاري- الفتح 2 (1046) . ومسلم (901) واللفظ له.
(6) الحاكم (4/ 107) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7) قائل: من القيلولة.(4/1221)
6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها. ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة. قالت: لا، والّذي بعثك بالحقّ إنّه لكاذب.
فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين. والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين. والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين. ثمّ فرّق بينهما) * «1» .
91-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها (الإسراء/ 110) قال: نزلت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم متوار بمكّة. فكان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن. فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به. فقال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون قراءتك.
ولا تخافت بها عن أصحابك أسمعهم القرآن. ولا تجهر ذلك الجهر. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. يقول بين الجهر والمخافتة) * «2» .
92-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، وكان ممّا يحرّك به لسانه وشفتيه، فيشتدّ عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية الّتي في: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
فإنّ علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
فإذا أنزلناه فاستمع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ قال: إنّ علينا أن نبيّنه بلسانك. قال: وكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله) * «3» .
93-* (عن عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه- قال: قرأ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة سورة الفتح فرجّع فيها، قال معاوية لو شئت أن أحكي لكم قراءة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لفعلت) * «4» .
94-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بارزا يوما للنّاس فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه وبرسله وتؤمن بالبعث» قال: ما الإسلام؟ قال:
«الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصّلاة وتؤدّي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، قال: متى السّاعة؟ قال «ما المسئول عنها بأعلم من السّائل وسأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة ربّها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهنّ إلّا الله» ثمّ تلا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية (لقمان/ 43)
__________
(1) مسلم (1493) ، والبخاري- الفتح 9 (5308) نحوه من حديث سهل بن سعد الساعدي.
(2) البخاري- الفتح 8 (4722) ، ومسلم (446) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 8 (5044) واللفظ له، ومسلم (448) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4835) وهذا لفظه. ومسلم (794) .(4/1222)
ثمّ أدبر فقال: «ردّوه» فلم يروا شيئا. فقال: «هذا جبريل جاء يعلّم النّاس دينهم» ) * «1» .
95-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ علينا السّورة فيها السّجدة فيسجد ونسجد حتّى ما يجد أحدنا موضع جبهته) * «2» .
96-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «لمّا أنزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلاهنّ في المسجد، فحرّم التّجارة في الخمر» ) * «3» .
97-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض» ) * «4» .
98-* (عن حفصة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: «ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبحته قاعدا حتّى كان قبل وفاته بعام فكان يصلّي في سبحته قاعدا وكان يقرأ بالسّورة فيرتّلها حتّى تكون أطول من أطول منها» ) * «5» .
99-* (عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ؟
قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ؟ قال:
لا. ولكنّا كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة. ففقدناه.
فالتمسناه في الأودية والشّعاب. فقلنا: استطير أو اغتيل. قال فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فلمّا أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فقال: «أتاني داعي الجنّ. فذهبت معه. فقرأت عليهم القرآن» قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزّاد. فقال: «لكم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحما. وكلّ بعرة علف لدوابّكم» فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلا تستنجوا بهما فإنّهما طعام إخوانكم» ) * «6» .
100-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ في العشاء، وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة) * «7» .
101-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في شيء من صلاة اللّيل جالسا. حتّى إذا كبر «8» قرأ جالسا. حتّى إذا بقي عليه من السّورة ثلاثون أو أربعون آية، قام فقرأهنّ ثمّ ركع) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (50) واللفظ له. ومسلم (9) .
(2) البخاري- الفتح 2 (1075) .
(3) البخاري- الفتح 8 (4541) . ومسلم (1580) .
(4) البخاري- الفتح 13 (7549) واللفظ له. ومسلم (301) .
(5) مسلم (733) .
(6) مسلم (450) .
(7) البخاري- الفتح 2 (769) واللفظ له. ومسلم (464) .
(8) في رواية البخاري: أسنّ.
(9) البخاري- الفتح 2 (1118) . ومسلم (731) .(4/1223)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تلاوة وقراءة القرآن)
1-* (عن إياس بن عامر يقول: أخذ عليّ ابن أبي طالب بيدي ثمّ قال: إنّك إن بقيت سيقرأ القرآن ثلاثة أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال وصنف للدّنيا، ومن طلب به أدرك) * «1» .
2-* (عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّ عليّا كان يحثّ عليه ويأمر به (يعني السّواك) وقال: إنّ العبد إذا قام يصلّي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن فلا يزال يستمع ويدنو حتّى يضع فاه على فيه فلا يقرأ آية إلّا كانت في جوف الملك» ) * «2» .
3-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: من النّاس من يؤتى الإيمان ولا يؤتى القرآن، ومنهم من يؤتى القرآن ولا يؤتى الإيمان، ومنهم من يؤتى القرآن والإيمان، ومنهم من لا يؤتى القرآن ولا الإيمان، ثمّ ضرب لهم مثلا قال: فأمّا من أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن، فمثله مثل التّمرة حلوة الطّعم لا ريح لها، وأمّا مثل الّذي أوتي القرآن ولم يؤت الإيمان، فمثل الآسة طيّبة الرّيح مرّة الطّعم، وأمّا الّذي أوتي القرآن والإيمان فمثل الأترجّة طيّبة الرّيح حلوة الطّعم، وأمّا الّذي لم يؤت القرآن ولا الإيمان، فمثل الحنظلة مرّة الطّعم لا ريح لها» ) * «3» .
4-* (عن أيّوب عن أبي جمرة الصّنيعيّ قال:
قلت لابن عبّاس: إنّي سريع القراءة إنّي أقرأ القرآن في ثلاث قال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبّرها وأرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ كما تقول) * «4» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ما يمنع أحدكم إذا رجع من سوقه، أو من حاجته، فاتّكأ على فراشه، أن يقرأ ثلاث آيات من القرآن» ) * «5» .
6-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: «سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثّوب فيتهافت يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذّة، يلبسون جلود الضّأن على قلوب الذّئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف إن قصّروا قالوا سنبلغ وإن أساءوا قالوا:
سيغفر لنا إنّا لا نشرك بالله شيئا» ) * «6» .
7-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
«غدونا على عبد الله فقال رجل: قرأت المفصّل البارحة، فقال: هذا كهذّ الشّعر إنّا قد سمعنا القراءة وإنّي لأحفظ القرناء الّتي كان يقرأ بهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
ثماني عشرة سورة من المفصّل وسورتين من آل حم» ) * «7» .
__________
(1) الدارمي (3329) .
(2) البيهقي في السنن الكبري (1/ 38) . والضياء في المختارة (1/ 201) . وهو موقوف وله حكم الرفع. وانظر تخريجه عند محقق الآجري أخلاق أهل القرآن (147) .
(3) الدارمي (3362) .
(4) قال محقق أخلاق أهل القرآن (170) : إسناده صحيح ورجال ثقات.
(5) الدارمي (3336) .
(6) الدارمي (3346) .
(7) البخاري- الفتح 8 (5043) . واللفظ له ومسلم (722) من حديث طويل. والقرناء: السور التي كان يقرنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعضها في قراءته.(4/1224)
8-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن لكم ذكرا، وكائن بكم نورا، وكائن عليكم وزرا، اتّبعوا هذا القرآن، ولا يتبعنّكم القرآن، فإنّه من يتبع القرآن يهبط به في رياض الجنّة، ومن أتّبعه القرآن يزخّ في قفاه فيقذفه في جهنّم، قال أبو محمّد: يزخّ يدفع» ) * «1» .
9-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: «من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذّاكرين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف، أصبح وله قنطار من الأجر. قيل: وما القنطار؟ قال: ملء مسك «2» الثّور ذهبا» ) * «3» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما من بيت يقرأ فيه سورة البقرة، إلّا خرج منه الشّيطان وله ضراط» ) * «4» .
11-* (عن الشّعبيّ قال: قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك اللّيلة حتّى يصبح: أربع من أوّلها، وآية الكرسيّ، وآيتان بعدها، وثلاث خواتيمها أوّلها: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ» ) * «5» .
12-* (عن مسروق؛ قال: قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «والله الّذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلّا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلّا أنا أعلم فيمن أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم منّي بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه» ) * «6» .
13-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «أكثروا من تلاوة القرآن قبل أن يرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الرّجال؟ قال: يسرى عليه ليلا فيصبحون منه فقراء، وينسون قول لا إله إلّا الله، ويقعون في قول الجاهليّة وأشعارهم، وذلك حين يقع عليهم القول» ) * «7» .
14-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «تعلّموا القرآن واتلوه فإنّكم تؤجرون به، إنّ بكلّ اسم منه عشرا أما إنّي لا أقول ب (الم) عشر ولكن بالألف عشر وباللّام عشر وبالميم عشر» ) * «8» .
15-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «لا تنثروه نثر الدّقل «9» ولا تهذّوه هذّ الشّعر «10» قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا
__________
(1) الدارمي (3328) .
(2) مسك: أي جلد.
(3) الدارمي (3458) .
(4) المرجع السابق (3375) .
(5) الدارمي (3382) .
(6) البخاري الفتح 8 (5002) .
(7) الدارمي (3341) .
(8) رواه الدارمي (2/ 429) وسنده صحيح. وابن المبارك في الزهد (279) . والحاكم (1/ 566) بسندين قال في الثاني: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: رفعه وصححه الترمذي مرفوعا من وجه آخر (4/ 248) .
(9) الدقل: التمر اليابس.
(10) هذا الشعر: الهذ سرعة القطع والمراد عدم الإسراع أثناء التلاوة.(4/1225)
يكن همّ أحدكم آخر السّورة» ) * «1» .
16-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «والّذي نفسي بيده إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه ولا يتأوّل منه شيئا على غير تأويله» ) * «2» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان أبو بكر إذا قرأ القرآن كثير البكاء» . زاد بعضهم: «في صلاة وغيرها» ) * «3» .
18-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«القرآن أكرم من أن يزيل عقول الرّجال» ) * «4» .
19-* (قال الآجريّ: وروى عن أمّ الدّرداء أنّها قالت: سألت عائشة عمّن دخل الجنّة ممّن قرأ القرآن ما فضله على من لم يقرأه؟ فقالت عائشة: «إنّ عدد درج الجنّة بعدد آي القرآن فمن دخل الجنّة ممّن قرأ القرآن فليس فوقه أحد» ) * «5» .
20-* (عن عروة بن الزّبير؛ أنّ عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قالت: «لم أعقل أبويّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين» ) * «6» .
21-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: «ما كان أحد من السّلف يغشى عليه ولا يصعق عند قراءة القرآن، وإنّما يبكون ويقشعرّون، ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله» ) * «7» .
22-* (عن كعب- رضي الله عنه- قال:
«عليكم بالقرآن، فإنّه فهم العقل، ونور الحكمة وينابيع العلم، وأحدث الكتب بالرّحمن عهدا، وقال: في التّوراة: «يا محمّد، إنّي منزّل عليك توراة حديثة، تفتح فيها «8» أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا» ) * «9» .
__________
(1) البيهقي في السنن (3/ 13) وأصله في الصحيحين.
(2) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (1/ 411) . ولابن عباس نحو هذا الكلام أيضا.
(3) أخرجه ابن الأثير في جامع الأصول (2/ 466) .
(4) أخرجه ابن الأثير في جامع الأصول (2/ 466) .
(5) أخلاق أهل القرآن (50) وقال محققه: لم أقف عليه موصولا موقوفا. وقال الخطابي: «قلت: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارى*: «ارق في الدرج ... فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ... » مختصر سنن أبي داود (2/ 136) وكذلك الترغيب (2/ 586) .
(6) البخاري- الفتح 1 (476) .
(7) أخرجه البغوي (7/ 238) في تفسير الآية عن هشام بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عزّ وجلّ: تدمع عيونهم، وتقشعر جلودهم، قال: فقلت لها: إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه؟ فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» . وروي عن ابن عمر أنه مر برجل من أهل العراق ساقط، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: اذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله سقط. قال ابن عمر: «إنا لنخشى الله، وما نسقط» وقال ابن عمر: «إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم» .
(8) قوله (فيها) : لو قال (بها) لكان أصح والله أعلم.
(9) الدارمي (3330) .(4/1226)
23-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ قال: «من جمع القرآن فقد حمل أمرا عظيما، لقد أدرجت النّبوّة بين كتفيه غير أنّه لا يوحى إليه فلا ينبغي لحامل القرآن أن يحدّ مع من يحدّ «1» ولا يجهل مع من يجهل؛ لأنّ القرآن في جوفه» ) * «2» .
24-* (عن ثابت- رضي الله عنه- قال:
كان عبد الرّحمن بن أبي ليلى إذا صلّى الصّبح قرأ المصحف حتّى تطلع الشّمس، قال: وكان ثابت يفعله) * «3» .
25-* (عن مجاهد في قول الله- عزّ وجلّ-:
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ قال: على تؤدة.
قال محمّد بن الحسين: «والقليل من الدّرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبّره أحبّ إليّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبّر ولا تفكّر فيه وظاهر القرآن يدلّ على ذلك والسّنّة وقول أئمّة المسلمين» ) * «4» .
26-* (وقال محمّد بن الحسين- أيضا-:
«أحقّ النّاس باستعمال هذا التّعظيم بعد رسول صلّى الله عليه وسلّم أهل القرآن إذا جلسوا لتعليم القرآن يريدون به الله- عزّ وجلّ-» ) * «5» .
27-* (عن مجاهد؛ قال: «إذا تثاء بت وأنت تقرأ فأمسك حتّى يذهب عنك» ) * «6» .
28-* (عن قتادة- رضي الله عنه- قال:
«اعمروا به قلوبكم، واعمروا به بيوتكم، قال: أراه يعني القرآن» ) * «7» .
29-* (عن قتادة- رضي الله عنه- قال:
«ما جالس القرآن أحد فقام عنه إلّا بزيادة أو نقصان ثمّ قرأ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) * «8» .
30-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في قول الله- عزّ وجلّ-: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ قال: البلد الطّيّب: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه فأخذ به فانتفع به كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً عسرا مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله ولم يأخذ به ولم ينتفع به كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولا تمرع شيئا» ) * «9» .
31-* (عن سفيان- رضي الله عنه- قال لي ابن شبرمة: «نظرت كم يكفي الرّجل من القرآن، فلم
__________
(1) يحد: يعني يغضب.
(2) رواه الحاكم (1/ 552) ليس هذا لفظ الحاكم مرفوعا وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. والآجري (56) موقوفا وهو أصح وليس فيه مطعن.
(3) الدارمي (3353) .
(4) قال محقق أخلاق أهل القرآن (169) : إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات.
(5) الآجري في أخلاق أهل القرآن (115) .
(6) قال محقق أخلاق حملة القرآن للآجري (149) : إسناده صحيح ورجاله كلهم ثقات.
(7) الدارمي (3345) .
(8) الدارمي (3347) .
(9) قال محقق أخلاق أهل القرآن للآجري (157) : رجاله كلهم ثقات.(4/1227)
أجد سورة أقلّ من ثلاث آيات، فقلت لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقلّ من ثلاث آيات. قال عليّ حدّثنا سفيان أخبرنا منصور عن إبراهيم عن عبد الرّحمن بن يزيد أخبره علقمة عن ابن مسعود ولقيته وهو يطوف بالبيت، فذكر قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» ) * «1» .
32-* (عن زاذان قال: «من قرأ القرآن يتأكّل به النّاس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم» ) * «2» .
33-* (عن أبي المليح؛ قال: «كان ميمون ابن مهران يقول: «لو صلح أهل القرآن صلح النّاس» ) * «3» .
34-* (عن الحسن بن محمّد الصّباح الزّعفرانيّ (من أصحاب الشّافعيّ) قال: «الزموا كتاب الله وتتبّعوا ما فيه من الأمثال وكونوا فيه من أهل البصر» . ثمّ قال: «رحم الله عبدا عرض نفسه وعمله على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله حمد الله وسأله الزّيادة، وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب» ) * «4» .
35-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر، وذلك قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا قال: الّذين قرءوا القرآن) * «5» .
36-* (عن أبي سعيد الخدريّ- قال: عليك بتقوى الله فإنّه رأس كلّ شيء وعليك بالجهاد فإنّه رهبانيّة الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنّه روحك في أهل السّماء، وذكرك فى أهل الأرض، وعليك بالصّمت إلّا في حقّ، فإنّك تغلب الشّيطان) * «6» .
37-* (عن جندب «7» قال: أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن فإنّه نور باللّيل المظلم، وهدى بالنّهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، فإن عرض بلاء فقدّم مالك دون دينك، فإن تجاوز البلاء، فقدّم مالك ونفسك دون دينك فإنّ المخروب من خرب دينه، والمسلوب من سلب دينه، واعلم أنّه لا فاقة بعد الجنّة، ولا غنى بعد النّار) * «8» .
38-* (وعنه- رضي الله عنه- أيضا: كنّا غلمانا حزاورة «9» مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن، ثمّ تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانا) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح (5051) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» .
(2) رواه أبو نعيم (4/ 199) وقال: سنده حسن ورجاله كلهم ثقات، وورد مرفوعا لكنه ضعيف. وانظر تخريجه عند الآجري (130) .
(3) أبو نعيم (4/ 83) وقال محقق أخلاق حملة القرآن (105) : سنده صحيح.
(4) الآجري، أخلاق أهل القرآن (39) .
(5) الترغيب والترهيب (2/ 355) . قال المنذري: رواه الحاكم. وقال: صحيح على الإسناد.
(6) نزهة الفضلاء (1/ 248) .
(7) جندب: هو أبو عبد الله البجلي صاحب النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(8) نزهة الفضلاء (1/ 258) .
(9) الحزاورة: جمع حزور، وهو الغلام إذا قارب البلوغ.
(10) نزهة الفضلاء (1/ 383) .(4/1228)
من فوائد (تلاوة وقراءة القرآن)
(1) القرآن عصمة لمن اعتصم به وحرز من النّار لمن عمل بما جاء به.
(2) من تلا القرآن وأراد به رضا مولاه كان من المفلحين.
(3) تلاوة القرآن تهدي المؤمن إلى صراط مستقيم وتشفي صدور قوم مؤمنين.
(4) القرآن هو حبل الله المتين فمن تمسّك به وتلاه حقّ تلاوته فاز بنعيم الدّنيا والآخرة.
(5) الّذين يستمعون القرآن من عباده المؤمنين فيتّبعون أحسنه أولئك على هدى من ربّهم وكلّ كلام ربّنا حسن لمن تلاه.
(6) والاستماع إلى القرآن والإصغاء إليه بأدب وتعظيم فيه مهابط الرّحمة وعميمها.
(7) سبب من أسباب انشراح الصّدر.
(8) فيه الشّفاء من أدواء الجسم والنّفس.
(9) فوائد القرآن كثيرة لا تحصى.
(10) وانظر ثمرات القرآن (ص 1182) .(4/1229)
التناصر
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
14/ 21/ 5
التناصر لغة:
التّناصر مصدر قولهم: تناصر القوم إذا نصر بعضهم بعضا وهو مأخوذ من مادّة (ن ص ر) الّتي تدلّ على إتيان خير أو إيتائه فمن المعنى الأوّل قولهم:
نصرت بلد كذا إذا أتيته، قال الرّاعي:
إذا دخل الشّهر الحرام فودّعي ... بلاد تميم وانصري أرض عامر
ولذلك يسمّى المطر نصرا، يقال نصرت الأرض فهي منصورة (أي مطرت) .
والنّصر بمعنى العطاء من هذا، ومثاله قول رؤبة:
إنّي وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصرا نصرا
ومن المعنى الثّاني قولهم: نصر الله المسلمين أي آتاهم الظّفر على عدوّهم. والنّصير: النّاصر وجمعه أنصار مثل شريف وأشراف وجمع النّاصر نصر مثل صاحب وصحب، قال الشّاعر:
والله سمّى نصرك الأنصارا
ويقال: استنصره على عدوّه، سأله أن ينصره عليه، وتناصروا نصر بعضهم بعضا، وانتصر منه واستنصر بمعنى، وقيل: انتصر منه انتقم، وقال الرّاغب: النّصر والنّصرة العون، كما في قوله تعالى:
نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (الصف/ 13) وقوله عزّ وجلّ: وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ (الأنبياء/ 68) ، ونصرة الله للعبد ظاهرة (أي إعانته له) أمّا نصرة العبد لله فهي نصرته لعباده، والقيام بحفظ حدوده، ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه، واجتناب نهيه، وذلك كما في قوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (الحديد/ 25) وقوله عزّ وجلّ: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ (محمد/ 7) والانتصار والاستنصار: طلب النّصرة كما في قوله عزّ من قائل: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى/ 39) وقوله سبحانه: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ (الأنفال/ 72) .
يقول ابن منظور: النّصر إعانة المظلوم، يقال:
نصره على عدوّه ينصره نصرا، وفي الحديث «انصر أخاك ظالما، أو مظلوما» ، وتفسيره أن يمنعه من الظّلم إن وجده ظالما، وإن كان مظلوما أعانه على ظالمه، والاسم النّصرة (وهي ما يقدّم للعون) .
والأنصار: أنصار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلبت عليهم الصّفة، فجرى مجرى الأسماء وصار كأنّه اسم الحيّ ولذلك أضيف إليه بلفظ الجمع فقيل: أنصاريّ،(4/1230)
وقالوا: رجل نصر، وقوم نصر، فوصفوا بالمصدر كرجل عدل وقوم عدل، وقوله عزّ وجلّ مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ... (الحج/ 15) .
معناه: من ظنّ من الكفّار أنّ الله لا يظهر محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على من خالفه فليختنق غيظا حتّى يموت كمدا، فإنّ الله عزّ وجلّ يظهره ولا ينفعه غيظه وموته خنقا، فالهاء في قوله أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ للنّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
ويقال: انتصر الرّجل إذا امتنع من ظالمه، قال الأزهريّ: يكون الانتصار من الظّالم الانتصاف والانتقام، وانتصر منه: انتقم، قال تعالى مخبرا عن نوح فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (القمر/ 10- 11) كأنّه قال لربّه انتقم منهم، كما قال: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ 26) وقال الرّاغب: وإنّما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها على أنّ ما يلحقني يلحقك من حيث إنّي جئتهم بأمرك فإن نصرتني فقد انتصرت لنفسك.
والتّناصر: التّعاون على النّصر، وتناصروا نصر بعضهم بعضا. وفي الحديث «كلّ المسلم على المسلم محرّم، أخوان نصيران» أي هما أخوان يتناصران ويتعاضدان، والنّصير فعيل بمعنى فاعل أو مفعول» ، لأنّ كلّ واحد من المتناصرين ناصر ومنصور، وقد نصره ينصره نصرا إذا أعانه على عدوّه وشدّ منه، ومنه حديث الضّيف المحروم «فإنّ نصره حقّ على كلّ مسلم ومسلمة حتّى يأخذ بقرى ليلته» . وقيل: يشبه هذا أن يكون في المضطّر الّذي لا يجد ما يأكل ويخاف على نفسه التّلف، فله أن يأكل من مال أخيه بقدر حاجته الضّروريّة وعليه الضّمان «1» .
التناصر اصطلاحا:
يذكر التّناصر ويراد به اصطلاحا أحد أمرين:
الأوّل: تناصر المسلمين ويراد به: أن يقدّم كلّ منهم العون لأخيه ليدفع عنه الظّلم إن كان مظلوما ويردّه عن ظلمه إن كان ظالما.
الثّاني: التّناصر بين العبد وربّه ويراد به: أن يلتزم المسلم بتقديم النّصرة لعباد الله وأن يلتزم بحدوده عزّ وجلّ بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وإذا فعل ذلك أعانه الله وأعطاه ما يظفر به تنفيذا لوعده عزّ وجلّ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ؟ (الحج/ 40) «2» .
ضرورة التناصر وأهميته:
للتّناصر أهمّية عظمى في حياة الأمّة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلاميّ مكشوفا أمام أعدائه معرّضا للهزيمة في كلّ وقت وعلى العكس من ذلك؛ فإنّ
__________
(1) باختصار وتصرف يسير عن: مقاييس اللغة (5/ 435) ، وبصائر ذوي التمييز (5/ 69) ، والصحاح (2/ 828) ومفردات الراغب (495) ، ولسان العرب ط. دار المعارف ص (444) .
(2) لم نجد في كتب المصطلحات تعريفا للتناصر فيما عدا ما ذكره الكفوي في كلياته (2/ 103) ، من أن التناصر: هو التعاون،، وهذا أقرب إلى أن يكون تفسيرا لغويا، وقمنا باستنباط ما ذكرناه من كتب التفسير وكتب شرح الأحاديث.(4/1231)
التزام المجتمع بنصر الله من ناحية ونصرة بعضهم البعض من ناحية أخرى يؤدّي حتما إلى ظفر المسلمين وظهورهم على عدوّهم تحقيقا لوعده عزّ وجلّ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ونصر المسلم لربّه يكون بتقديم العون لأخيه المسلم، وقيامه بحفظ حدود الله واجتنابه لمعاصيه، وفي هذه الحالة فقط؛ فإنّ عليه أن يتيقّن من نصر الله له لأنّ التّناصر تفاعل من الجانبين، فإذا حدث أحدهما حدث الآخر لا محالة، وممّا لا يشكّ فيه كذلك أنّ نصر المسلم لأخيه بتقديم العون له إن كان مظلوما، وردعه عن ظلمه إن كان ظالما، يثبّت دعائم المجتمع الإسلاميّ. فتسود فيه روح التّعاون والألفة، واحترام الحقوق، والتزام الواجبات، وتكون محصّلة ذلك مجتمعا قويّا متآلفا لا شحناء فيه ولا بغضاء ممّا يجعل نسيج الأمّة كالبنيان يشدّ بعضه بعضا.
إنّ الأخذ بيد المظلوم، والضّرب على يد الظّالم يؤدّي إلى نجاة المجتمع بأسره ووصوله إلى برّ الأمان.
إنّ ما ينطبق على الأفراد فيما يتعلّق بالتّناصر ينطبق أيضا على الدّول الّتي تدين بالإسلام، فإذا ظلمت دولة وجدت من الدّول كافّة ما يقدّم لها العون والمساعدة حتّى يتحقّق لها النّصر على البغاة والظّالمين، وإذا كان الباغي مسلما فعليه أن يتيقّن أنّ ردعه عن ظلمه ما هو إلّا نصرة له وقيام بتنفيذ أمر الله حتّى يفيء إلى الحقّ والعدل. إنّ التّناصر هو صفة المسلمين أفرادا وجماعات ودولا، أمّا أن ينكفأ كلّ فرد أو كلّ دولة على شأنه الخاصّ؛ فإنّ ذلك كفيل بتعرّض الجميع للضّياع ولن يفيد في هذه الحالة أن يتّصف هذا أو ذاك بالإسلام، لأنّ الإسلام الحقيقيّ يقتضي تنفيذ ما أمر الله به، ومن ذلك تحقيق التّناصر فيما بين المسلمين بعضهم وبعض من ناحية وفيما بينهم وبين ربّهم من ناحية أخرى.
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الإغاثة- التعاون على البر والتقوى- تفريج الكربات- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- المواساة- الاجتماع- الألفة- المحبة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التخاذل- الأثرة- التهاون- التفرق- التنازع- الفتنة- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- البغض] .(4/1232)
الآيات الواردة في «التناصر»
1- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «1»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «2»
3- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) «4»
5- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «5»
6- أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) «6»
7-* ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) «7»
8- وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ
__________
(1) آل عمران: 81 مدنية
(2) آل عمران: 149- 150 مدنية
(3) الأنفال: 26 مدنية
(4) الأنفال: 72 مدنية
(5) التوبة: 40 مدنية
(6) الحج: 39- 40 مدنية
(7) الحج: 60 مدنية(4/1233)
وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «1»
9- وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) «2»
10- لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(47) «3» 11-* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) «4»
12- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) «5»
13- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) «6»
14-* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) «7»
__________
(1) الحج: 78 مدنية
(2) القصص: 15- 19 مكية
(3) الروم: 47 مكية.
(4) الصافات: 22- 26 مكية
(5) غافر: 51 مكية
(6) محمد: 7 مدنية
(7) القمر: 9- 15 مكية(4/1234)
الأحاديث الواردة في (التناصر)
1-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه من الظّلم، فإنّ ذلك نصره» ) * «1» .
2-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبث عشر سنين يتبع النّاس في منازلهم في الموسم ومجنّة وعكاظ، ومنازلهم من منى «من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتّى أبلّغ رسالات ربّي فله الجنّة» ، فلا يجد أحدا ينصره ولا يؤويه حتّى إنّ الرّجل ليرحل من مصر أو من اليمن إلى ذي رحمه فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتننّك، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ يشيرون إليه بالأصابع، حتّى بعثنا الله من يثرب فيأتيه الرّجل منّا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتّى لم يبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. وبعثنا الله إليه فائتمرنا واجتمعنا، وقلنا:
حتّى متى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطرد في جبال مكّة ويخاف؟ فرحلنا حتّى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا بيعة العقبة، فقال له عمّه العبّاس: يابن أخي لا أدري ما هؤلاء القوم الّذين جاؤوك، إنّي ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلمّا نظر العبّاس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟، قال: «تبايعوني على السّمع والطّاعة في النّشاط والكسل، وعلى النّفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» فقمنا نبايعه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السّبعين إلّا أنّه قال:
رويدا يا أهل يثرب، إنّا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلّا ونحن نعلم أنّه رسول الله، وإنّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة، وقتل خياركم، وأن يعضكم السّيف، فإمّا أنتم قوم تصبرون عليها إذا مسّتكم وعلى قتل خياركم ومفارقة العرب كافّة، فخذوه وأجركم على الله، وإمّا أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو عذر عند الله عزّ وجلّ. فقالوا: يا أسعد، أمط عنّا يدك، فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. قال:
فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا ليعطينا بذلك الجنّة) * «2» .
3-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6952) .
(2) أحمد (3/ 322) . وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 624) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد جامع لبيعة العقبة ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.(4/1235)
الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قلت: «ما أنا بقارئ» .
فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة، حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني، زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: لا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «1» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» ، قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك، أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «2» .
4-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: جاء رجل مستصرخ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: جارية له يا رسول الله!، فقال: «ويحك مالك؟» قال: شرّا، أبصر لسيّده جارية له فغار فجبّ مذاكيره، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليّ بالرّجل» فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب فأنت حرّ» فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال:
«على كلّ مؤمن» أو قال: «كلّ مسلم» ) * «3» .
5-* (عن معاوية بن سويد بن مقرّن، قال:
__________
(1) الجذع: الصغير من البهائم يريد ليتني أكون شبابّا.
(2) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. مسلم (160) .
(3) أبو داود (4519) ، وقال الألباني (3/ 586) : حسن، وابن ماجه (2680) . قال أبو داود: الذي عتق كان اسمه روح بن دينار، قال أبو داود: الذي جبّه زنباع، قال أبو داود: هذا زنباع أبو روح كان مولى العبد.(4/1236)
دخلت على البراء بن عازب فسمعته يقول: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع، ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس «1» ، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي «2» ، وإفشاء السّلام «3» . ونهانا عن خواتيم، أو عن تختّم بالذّهب، وعن شرب بالفضّة، وعن المياثر «4» ، وعن القسّيّ «5» ، وعن لبس الحرير والإستبرق «6» والدّيباج «7» ) * «8» .
6-* (عن شرحبيل بن السّمط أنّه قال لعمرو ابن عبسة: هل أنت محدّثي حديثا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس فيه نسيان ولا كذب. قال: نعم.
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله عزّ وجلّ: قد حقّت محبّتي للّذين يتحابّون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتزاورون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتباذلون من أجلي، وقد حقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقدّم الله له ثلاثة أولاد من صلبه لم يبلغوا الحنث إلّا أدخله الله الجنّة بفضل رحمته إيّاهام» وفي رواية: «وحقّت محبّتي للّذين يتناصرون من أجلي، وحقّت محبّتي للّذين يتصادقون من أجلي» ) * «9» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أبو القاسم: «لو أنّ الأنصار سلكوا واديا أو شعبا وسلك النّاس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من
__________
(1) وتشميت العاطس: هو أن يقال له: يرحمك الله، ويقال بالسين المهملة والمعجمة، لغتان مشهورتان. قال الأزهري: قال الليث: التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء، ومنه قوله للعاطس: يرحمك الله، وقال ثعلب: يقال شمّتّ العاطس وسمّتّه إذا دعوت له بالهدى وقصد السّمت المستقيم، قال: والأصل فيه السين المهملة، فقلبت شينا معجمة.
(2) وإجابة الداعي: المراد به الداعي إلى وليمة ونحوها من الطعام.
(3) وإفشاء السلام: إشاعته وإكثاره، وأن يبذله لكل مسلم.
(4) وعن المياثر: قال العلماء: هو جمع ميثرة، بكسر الميم، وهو وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج، كان من مراكب العجم، ويكون من الحرير ويكون من الصوف وغيره. وقيل: أغشية للسروج تتخذ من الحرير، وقيل: هي سروج من الديباج، وقيل: هي كالفراش الصغير تتخذ من حرير تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته فوق الرحل، والمئثرة مهموزة، وهي مفعلة بكسر الميم، من الوثارة، يقال: وثر وثارة فهو وثير، أي وطئ لين، وأصلها موثرة، فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها. كما في ميزان وميقات وميعاد من الوزن والوقت والوعد، وأصله موزان وموقات وموعاد.
(5) وعن القسي: بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة، وهذا الذي ذكرناه من فتح القاف وهو الصحيح المشهور، وبعض أهل الحديث يكسرها، قال أبو عبيدة: أهل الحديث يكسرونها وأهل مصر
يفتحونها. قال أهل اللغة وغريب الحديث: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس، بفتح القاف، وهو موضع من بلاد مصر، وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس.
(6) والإستبرق: هو غليظ الديباج.
(7) الديباج: بفتح الدال وكسرها جمعه ديابيج، وهو عجمي معرب، وهي الثياب المتخذة من الإبريسم.
(8) البخاري. الفتح 5 (2445) ، مسلم (2066) .
(9) أحمد (4/ 386) وقال الهيثمي (10/ 279) : رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات واللفظ للهيثمي.(4/1237)
الأنصار» قال: فكان أبو هريرة يقول: ما ظلم بأبي وأمّي، لقد آووه ونصروه وكلمة أخرى) * «1» .
8-* (عن جابر وأبي أيّوب الأنصاري- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته» ) * «2» .
9-* (عن سهل بن حنيف؛ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من أذلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله- عزّ وجلّ- على رءوس الخلائق يوم القيامة» ) * «3» .
10-* (عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيع قالا: نشد عليّ النّاس في الرّحبة: من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خمّ إلّا قام؟ قال: فقام من قبل سعيد ستّة، ومن قبل زيد ستّة، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ يوم غدير خمّ:
«أليس الله أولى بالمؤمنين؟» قالوا: بلى. قال «اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه» .
حدّثنا عليّ بن حكيم أنبأنا شريك عن أبي إسحق عن عمرو ذي مرّ بمثل حديث أبي إسحق، يعني عن سعيد وزيد، وزاد فيه: «وانصر من نصره، واخذل من خذله» ) * «4» .
11-* (عن حنظلة بن نعيم أنّ عمر بن عصام جاءه فقال: يا أبا رباح ما الّذي ذكر لك أمير المؤمنين عمر حين قدمت عليه في قومك. قال:
مررت عليه فقال لي: من أنت؟ وممّن أنت؟. فقلت:
يا أمير المؤمنين أنا حنظلة بن نعيم العنزيّ، فقال:
عنزة. قلت: نعم، فقال: أما إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر قومك ذات يوم فقال أصحابه: يا رسول الله وما عنزة؟ فأشار بيده نحو المشرق. فقال «حيّ من ههنا مبغيّ عليهم منصورون» ) * «5» .
12-* (عن معاوية بن حيدة العسيريّ، قال: قلت: يا نبيّ الله ما أتيتك حتّى حلفت أكثر من عددهنّ لأصابع يديه، ألّا آتيك ولا آتي دينك وإنّي كنت امرأ لا أعقل شيئا إلّا ما علّمني الله ورسوله وإنّي
__________
(1) أحمد (2/ 410- 411) ، وقال الشيخ أحمد شاكر: (18/ 63) : إسناده صحيح، وأصله في الصحيحين.
(2) الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267) ، وقال: رواه أبو داود (4884) ، ورواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن واللفظ في مجمع الزوائد.
(3) أحمد (3/ 487) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 267) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف، وقد صرح بالحديث هنا، وبقية رجاله ثقات.
(4) أحمد (1/ 118) وقال الشيخ أحمد شاكر (ح 950- 951) : إسناده صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1750) ، وقد أورد الهيثمي الزيادة المروية عن علي بن حكيم، وقال: رواه البزار ورجاه رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة روى عنه البخاري، مجمع الزوائد 9/ 104.
(5) الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 51) ، وقال: رواه أبو يعلى في الكبير، والبزار بنحوه باختصار عنه والطبراني في الأوسط وأحمد إلا أنه قال عن العصان بن حنظلة أن أباه وفد على عمر ولم يذكر حنظلة، وأحد إسنادي أبي يعلى رجاله ثقات كلهم.(4/1238)
أسألك بوجه الله- عزّ وجلّ- بم بعثك ربّك إلينا؟
قال: «بالإسلام» ، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟.
قال: «أن تقول أسلمت وجهي إلى الله- عزّ وجلّ- وتخلّيت «1» ، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة. كلّ مسلم على مسلم محرّم «2» ، أخوان نصيران «3» ، لا يقبل الله عزّ وجلّ- من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (التناصر) معنى
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّين النّصيحة» ثلاث مرار، قالوا: يا رسول الله لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كلّ المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التّقوى ههنا بحسب امرئ من الشّرّ أن يحتقر أخاه المسلم، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا، إنّ أحدكم مرآة أخيه: فإن رأى به أذى فليمطه عنه) * «5» .
14-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذبّ عن عرض أخيه ردّ الله النّار عن وجهه يوم القيامة» ) * «6» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة «7» ، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم «8» الملائكة،
__________
(1) تخليت: تبرأت من الشرك، وانقطعت عنه.
(2) كل مسلم على مسلم محرم: يقال: أحرم الرجل: إذا اعتصم بحرمة تمنع عنه، ويقال: إنه لمحرم عنك: أي يحرم أذاك عليه، يقال: مسلم محرّم، وهو الذي لم يحلّ من نفسه شيئا يوقع به، يريد: أن
المسلم معتصم بالإسلام، ممتنع بحرمته ممن أراده، أو أراد ماله.
(3) أخوان نصيران: أي هما أخوان نصيران أي: يتناصران ويتعاضدان، والنصير: فعيل بمعنى فاعل، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول.
(4) النسائي (5/ 83) واللفظ له. وروى ابن ماجه؟ بعضه (2536) ، وابن حبان في صحيحه (28) ، وقال محقق جامع الأصول (1/ 234) : حديث حسن.
(5) الترمذي (1926) ، (1927) ، (1928) ، (1929) . ومحقق «جامع الأصول» (6/ 563) : وهو حديث حسن، وانظر «جامع الأصول» (11/ 557- 559) .
(6) أخرجه الترمذي (1931) وقال: حسن صحيح، وقال محقق جامع الأصول (6/ 570) : هو كما قال الترمذي، أحمد (6/ 449) واللفظ في جامع الأصول.
(7) السكينة: فعيلة من السكون والطمأنينة.
(8) حفتهم الملائكة: أي أحاطت بهم.(4/1239)
وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «1» .
16-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه) * «2» .
17-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلمّا رأى ما بهم من النّصب والتّعب والجوع، قال:
«اللهمّ إنّ العيش عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره» .
فقالوا مجيبين له:
نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا)
* «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التناصر)
18-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «شهدت حلف المطيّبين «4» مع عمومتي وأنا غلام، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه» . قال الزّهريّ: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام» ، وقد ألّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار) * «5» .
__________
(1) مسلم (2699) .
(2) البخاري- الفتح 5 (2446) واللفظ له، مسلم (2585) .
(3) البخاري- الفتح 7 (4099) واللفظ له، مسلم (1805) .
(4) قال ابن حجر: حلف المطيبين كان قبل المبعث بمدة، ذكره ابن إسحاق وغيره، وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس، ونحو ذلك من خلال الخير، واستمر ذلك بعد المبعث، ويستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام، وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم. وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث لأن فيه الحلف وفيما قاله هو إثباته، ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما، ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك. والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد، وقد تقدم حديث ابن عباس في نسخ التوارث بين المتعاقدين، وذكر الداودي أنهم كانوا يورثون الحليف السدس دائما فنسخ ذلك. وقال ابن عيينة: حمل العلماء قول أنس «حالف» على المؤاخاة. قلت: لكن سياق حديث عاصم عنه يقتضي أنه أراد المحالفة حقيقة، وإلا لما كان الجواب مطابقا، وترجمة البخاري ظاهرة في المغايرة بينهما وتقدم في الهجرة إلى المدينة «باب كيف آخى النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه» وذكر الحديثين المذكورين هنا أولا، ولم يذكر حديث الحلف، وتقدم ما يتعلق بالمؤاخاة المذكورة هناك. قال النووي: المنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغوب فيه. فتح الباري (10/ 518) .
(5) أحمد (1/ 190) وقال الشيخ أحمد شاكر (3/ 122) إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (8/ 172) وقال: رجاله رجال الصحيح.(4/1240)
19-* (عن عاصم الأحول قال: قيل لأنس ابن مالك: بلغك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا حلف في الإسلام؟» فقال أنس: قد حالف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين قريش والأنصار في داره) * «1» .
20-* (عن عروة عن المسور بن مخرمة أنّه كان في الشّرط: من أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهده فليدخل، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل، فدخلت بنو بكر- أي ابن عبد مناة بن كنانة- في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن إسحاق: وكان بين بني بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهليّة، فتشاغلوا عن ذلك لمّا ظهر الإسلام، فلمّا كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية الدّيليّ من بني بكر في بني الدّيل حتّى بيّت «2» خزاعة على ماء لهم يقال له الوتير، فأصاب منهم رجلا يقال له منبّه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال، وأمدّت قريش بني بكر بالسّلاح، وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية، فلمّا انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعيّ، حتّى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد فقال:
يا ربّ إنّي ناشد محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا أيّدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
إنّ قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتّلونا ركّعا وسجّدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذّلّ وأقلّ عددا
قال ابن إسحق: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«نصرت يا عمرو بن سالم» فكان ذلك ما هاج فتح مكّة) * «3» .
21-* (عن أبي إسحاق قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله ما ولّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه خرج شبّان أصحابه «4» وخفافهم «5» حسّرا «6» ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم «7» جمع هوازن وبني نضر، فرشقوهم رشقا «8» ما
__________
(1) مسلم (2529) .
(2) بيّت: أي أتاهم بياتا أي ليلا.
(3) فتح الباري (7/ ص 593) ، وقال ابن حجر في الفتح: وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة، وهو إسناد حسن موصول.
(4) شبان أصحابه: جمع شاب كواحد ووحدان.
(5) خفافهم: جمع خفيف، كطبيب وأطباء، وهم المسارعون المستعجلون.. في فتح الباري (6/ 2930) : وأخفافهم.
(6) حسّرا: جمع حاسر، كساجد وسجّد، أي بغير دروع، وقد فسره بقوله: ليس عليهم سلاح، والحاسر من لا درع له ولا مغفر.
(7) لا يكاد يسقط لهم سهم: يعني أنهم رماة مهرة، تصل سهامهم إلى أغراضهم، كما قال: ما يكادون يخطئون.
(8) فرشقوهم رشقا: هو بفتح الراء. وهو مصدر. وأما الرّشق بالكسر فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة. وضبط القاضي الرواية هنا بالكسر. وضبط غيره بالفتح، وهو الأجود،(4/1241)
يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يقود به، فنزل فاستنصر «1» ، وقال:
«أنا النّبيّ لا كذب «2» ... أنا ابن عبد المطّلب»
ثمّ صفّهم) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التناصر)
1-* (عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعريّ قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء:
أبو عبيدة بن الجرّاح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض- وليس عياض هذا بالّذي حدّث سماكا- قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة، قال: فكتبنا إليه: إنّه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنّه قد جاءني كتابكم تستمدّوني، وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرا وأحضر جندا، الله- عزّ وجلّ- فاستنصروه، فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد نصر يوم بدر في أقلّ من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني، قال:
فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، قال:
وأصبنا أموالا، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كلّ رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنّي؟ فقال شابّ: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان «4» وهو خلفه على فرس عري) * «5» .
2-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: عن عمر- رضي الله عنه- قال:
«بينما هو في الدّار خائفا إذ جاءه العاص بن وائل السّهميّ أبو عمرو، عليه حلّة حبر وقميص مكفوف بحرير- وهو من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهليّة- فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنّهم سيقتلونني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك. بعد أن قالها أمنت، فخرج العاص فلقي النّاس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطّاب الّذي صبأ، قال: لا سبيل إليه. فكرّ النّاس) * «6» .
3-* (عن ابن أخي عبد الله بن سلام: لمّا أريد عثمان جاء عبد الله بن سلام، فقال له عثمان: ما
__________
وإن كانا جيدين، وأما قوله في الرواية التي بعد هذه: فرموه برشق من نبل، فهو بالكسر لا غير. قال أهل اللغة: رشقه يرشقه وأرشقه، ثلاثي ورباعي والثلاثي أشهر وأفصح.
(1) فاستنصر: أي طلب من الله تعالى النصرة، ودعا بقوله: اللهم أنزل نصرك.
(2) أنا النبي لا كذب: أي أنا النبي حقّا، فلا أفر ولا أزول.
(3) البخاري- الفتح 6 (2930) ، مسلم (1776) .
(4) العقيصتان: خصلتا الشعر. وتنقزان: أي ترتفعان.
(5) أحمد (1/ 49) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 304) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 409) : هذا إسناد صحيح.
(6) البخاري- الفتح 7 (3864) .(4/1242)
جاء بك؟ قال: جئت في نصرك، قال: اخرج إلى النّاس فاطردهم عنّي فإنّك خارجا خير لي منك داخلا، فخرج عبد الله إلى النّاس فقال: أيّها النّاس، إنّه كان اسمي في الجاهليّة فلان فسمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله، ونزل فيّ آيات من كتاب الله. نزلت فيّ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الأحقاف/ 10) ، ونزلت فيّ قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (الرعد/ 43) إنّ لله سيفا مغمودا عنكم، وإنّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الّذي نزل فيه نبيّكم، فالله الله في هذا الرّجل أن تقتلوه، فو الله إن قتلتموه، لتطردنّ جيرانكم الملائكة ولتسلّنّ سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة، قال: فقالوا: اقتلوا اليهوديّ واقتلوا عثمان) * «1» .
4-* (لمّا ضرب ابن ملجم- لعنه الله- عليّا- رضي الله عنه- دخل منزله فاعترته غشية، ثمّ أفاق فدعا الحسن والحسين- رضي الله تعالى عنهما- وقال: أوصيكما بتقوى الله تعالى والرّغبة في الآخرة والزّهد في الدّنيا ولا تأسفا على شيء فاتكما منها، فإنّكما عنها راحلان، افعلا الخير وكونا للظّالم خصما، وللمظلوم عونا، ثمّ دعا محمّدا ولده وقال له: أما سمعت ما أوصيت به أخويك، قال: بلى. قال: فإنّي أوصيك به) * «2» .
5-* (قال الشّيخ أبو بكر الطّرطوشيّ «3» رحمة الله تعالى عليه- دخلت على الأفضل بن أمير الجيوش، وهو أمير على مصر فقلت: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردّ السّلام على نحو ما سلّمت ردّا جميلا، وأكرمني إكراما جزيلا، أمرني بدخول مجلسه وأمرني بالجلوس فيه، فقلت: أيّها الملك إنّ الله تعالى قد أحلّك محلّا عليّا شامخا، وأنزلك منزلا شريفا باذخا، وملّكك طائفة من ملكه، وأشركك في حكمه، ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك، فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشّكر منك، وليس الشّكر باللّسان، وإنّما هو بالفعال والإحسان، قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً (سبأ/ 13) واعلم أنّ هذا الّذي أصبحت فيه من الملك إنّما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك، فاتّق الله فيما خوّلك من هذه الأمّة فإنّ الله تعالى سائلك عن الفتيل والنّقير والقطمير «4» ، قال الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ 92- 93) وقال تعالى: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ
__________
(1) الترمذي (3256 و3803)) ، وقال: هذا حديث حسن غريب.
(2) المستطرف (1/ 123) .
(3) هو محمد بن الوليد بن محمد بن خلف الرشي الفهري الأندلسي- أبو بكر- الطرطوشي، ويقال له ابن أبي رندقة، أديب من فقهاء المالكية، الحفاظ، من أهل طرطوشة بشرقي الأندلس، رحل إلى المشرق سنة (476 هـ) من كتبه: سراج الملوك، والفتن، والحوادث والبدع، وغيرها، توفي سنة (520 هـ/ 1126 م) .
(4) القطمير: القطمير بكسر القاف هو شق النواة، أو القشرة التي فيها، أو القشرة الرقيقة بين النواة والتمرة أو النكتة البيضاء في ظهرها. والنقير: النكتة في ظهر النواة.(4/1243)
خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (الأنبياء/ 47) واعلم أيّها الملك أنّ الله تعالى قد آتى ملك الدّنيا بحذافيرها سليمان بن داود عليهما السّلام، فسخّر له الإنس والجنّ والشّياطين والطّير والوحش والبهائم وسخّر الرّيح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ثمّ رفع عنه حساب ذلك أجمع، فقال له: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (ص/ 39) فو الله ما عدّها نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن تكون استدراجا من الله تعالى ومكرا به فقال: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (النمل/ 40) . فافتح الباب وسهّل الحجاب، وانصر المظلوم، وأغث الملهوف أعانك الله على نصر المظلوم، وجعلك كهفا للملهوف، وأمانا للخائف، ثمّ أتممت المجلس بأن قلت: قد جبت البلاد شرقا وغربا فما اخترت مملكة وارتحت إليها، ولذّت لي الإقامة فيها غير هذه المملكة، ثمّ أنشدته:
والنّاس أكيس من أن يحمدوا رجلا ... حتّى يروا عنده آثار إحسان)
* «1» .
من فوائد (التناصر)
(1) يرضي الرّبّ- عزّ وجلّ- ويسخط الشّيطان.
(2) يكون في إحقاق الحقّ ورفع الظّلم عن المظلوم.
(3) يعلو به جانب المؤمن ويقوى إيمانه.
(4) تقوى شوكة المؤمنين ويمتنعون من أعدائهم.
(5) سبب في تكوين المجتمع المسلم القويّ المتعاون.
(6) يفشي المحبّة بين المؤمنين.
(7) التّناصر يساعد على انتشار الحقّ وهزيمة الباطل.
(8) في نصر المسلم نجاة من الذّلّة يوم العرض على الله.
(9) في التّناصر نجاة من النّار.
(10) في التّناصر عز للمسلمين وذل لأعدائهم.
__________
(1) المستطرف (1/ 125) .(4/1244)
التهليل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 38/ 2
التهليل لغة:
مصدر هلّل وهو مأخوذ من مادّة (هـ ل ل) الّتي تدلّ على رفع الصّوت ثمّ يتوسّع فيه. فيسمّى الشّيء الّذي يصوّت عنده ببعض ألفاظ الهاء واللّام (المضعّفة) ثمّ يشبّه بهذا المسمّى غيره فيسمّى به والأصل قولهم: أهلّ بالحجّ رفع صوته بالتّلبية، واستهلّ الصّبيّ صارخا صوّت عند ولادته، قال ابن أحمر في الإهلال:
يهلّ بالفرقد ركبانها ... كما يهلّ الرّاكب المعتمر
ويقال: انهلّ المطر في شدّة صوبه وصوته انهلالا.
وقال الرّاغب: والإهلال رفع الصّوت عند رؤية الهلال، ثمّ استعمل لكلّ صوت وبه شبّه إهلال الصّبيّ، وقوله عزّ وجلّ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ (البقرة/ 173) أي ما ذكر عليه غير اسم الله وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام، وقيل الإهلال والتهلّل أن يقول: لا إله إلّا الله، ومن هذه الجملة ركّبت هذه اللّفظة كقولهم التّبسمل والبسملة، والتّحوقل والحوقلة إذا قال: بسم الله الرّحمن الرّحيم، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، ومنه الإهلال بالحجّ، وتهلّل السّحاب ببرقه تلألأ ويشبّه في ذلك بالهلال، وثوب مهلّل خفيف النّسج، ومنه شعر مهلهل أي رقيق، والخلاصة أنّ اشتقاق التّهليل فيه لعلماء العربيّة رأيان: الأوّل: أنّه مصدر ل «هلّل» الّتي تدلّ على الصّوت. الآخر: أنّه مصدر لفعل منحوت من قوله «لا إله إلّا الله» «1» .
هلّل الرّجل، أي قال: لا إله إلّا الله. ويقال: قد أكثرت من الهيللة أي من قول: لا إله إلّا الله، وكذا قولهم: قد أخذنا في الهيللة، إذا أخذوا في التّهليل، وهو مثل قولهم: حوقل الرّجل وحولق إذا قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، وكذا حيعل الرّجل إذا قال حيّ على الصّلاة. قال الخليل: العرب تفعل هذا إذا كثر استعمالهم للكلمتين ضمّوا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى. قال أبو العبّاس: أربع كلمات هي الحوقلة، والبسملة، والسّبحلة، والهيللة، أحرفها جاءت هكذا، قيل له: فالحمدلة؟ قال: لا وأنكره، يقال أيضا: أهلّ الرّجل أي رفع صوته بذكر الله تعالى عن نعمة أو رؤية شيء يعجبه «2» .
التهليل اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات هذا اللّفظ: بيد أنّه من الممكن أن نستخلص ذلك من جملة أقوال اللّغويّين فنقول: التّهليل: أن يرفع المسلم صوته بقول لا إله إلّا الله.
انظر تفاصيل تعريف ذلك في صفة «التّوحيد» .
[للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير- التوحيد- الحمد- الحوقلة- الذكر- الكلم الطيب- تعظيم الحرمات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشرك- الإعراض- الغفلة- الكفر- اللغو- اللهو واللعب] .
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 11) ، مفردات الراغب (ص 544) .
(2) لسان العرب (8/ 4688- 4692) . والصحاح (6/ 1851- 1853) . والمصباح المنير (2/ 639) .(4/1245)
الآيات الواردة في «التهليل»
1- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «1»
2- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «2»
3- إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) «3»
4- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «4»
__________
(1) الرعد: 30 مدنية
(2) الأنبياء: 87 مكية
(3) الصافات: 35 مكية
(4) محمد: 19 مدنية(4/1246)
الأحاديث الواردة في (التهليل)
1-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثمّ شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فذلك قوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (إبراهيم/ 27) » ) *» .
2-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قال المؤذّن:
الله أكبر الله أكبر. فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. قال: أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ قال: أشهد أنّ محمّدا رسول الله. قال:
أشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة.
قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: الله أكبر الله أكبر. قال: الله أكبر الله أكبر. ثمّ قال: لا إله إلّا الله. قال: لا إله إلّا الله من قلبه دخل الجنّة» ) * «2» .
3-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ ممّا تذكرون من جلال الله، التّسبيح والتّهليل والتّحميد ينعطفن حول العرش لهنّ دويّ كدويّ النّحل. تذكّر بصاحبها، أما يحبّ أحدكم أن يكون له (أو لا يزال له) من يذكّر به؟» ) * «3» .
4-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يا رسول الله ذهب أهل الدّثور بالأجور. يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم.
قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» . قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «4» .
5-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) قال في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا للأمّيّين «5» ، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1369) .
(2) مسلم (385) .
(3) ابن ماجة (3809) في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
(4) مسلم (1006) .
(5) الأميين: العرب.(4/1247)
يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا وقلوبا غلفا) * «1» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستّين وثلاثمائة مفصل فمن كبّر الله وحمد الله وهلّل الله، وسبّح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عن طريق النّاس أو شوكة أو عظما عن طريق النّاس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك السّتّين والثّلاثمائة السّلامى «2» فإنّه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النّار» ) * «3» .
7-* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر. لا يضرّك بأيّهنّ بدأت ولا تسمّينّ غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجيحا، ولا أفلح. فإنّك تقول: أثمّ هو؟ فلا يكون. فيقول: لا إنّما هنّ أربع فلا تزيدنّ عليّ» ) * «4» .
8-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبّح به فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السّماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلّا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله مثل ذلك» ) * «5» .
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الدّعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنّبيّون من قبلي لا إله إلّا الله وحده لا شريك له» ) * «6» .
10-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الذّكر لا إله إلّا الله، وأفضل الدّعاء الحمد لله» ) * «7» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص-
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4838) .
(2) السلامى: كالحبارى، عظام صغار طول الإصبع في اليد والرجل وجمعه سلاميات.
(3) مسلم (1007) .
(4) مسلم (2137) . والبخاري تعليقا: الفتح (11/ 566) .
(5) أبو داود (1500) وهذا لفظه. والترمذي (3568) وقال: حسن غريب. وذكره النووي في الأذكار (62) . وعزاه للترمذي ونقل تحسينه، وقال مخرجه: قال الحافظ: حديث صحيح.
(6) الموطأ مرسلا (ص 188) وهذا لفظه، وقال ابن عبد البر: روي موصولا من طرق. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 6) : الحديث ثابت بمجموع الشواهد (وقد ذكر له عدة شواهد، فانظرها هناك) . وكذلك في المشكاة (2598) وقال: رواه الترمذي وحسنه في بعض الروايات. وقال: هو كما قال باعتبار شاهده. وهو حديث مالك المذكور.
(7) الترمذي (2333) ، وابن ماجة (3800) وهذا لفظه، وذكره في المشكاة (2306) ، وقال الألباني (2/ 714) : حسنه الترمذي وهو كما قال. وكذلك في صحيح الجامع (1/ 362) رقم (1115) وعزاه للترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان والمستدرك وهو في الصحيحة (3/ 484) رقم (1497) .(4/1248)
رضي الله عنهما- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء رجل من أهل البادية عليه جبّة سيجان «1» مزرورة بالدّيباج فقال: «ألا إنّ صاحبكم هذا قد وضع كلّ فارس ابن فارس» أو قال: «يريد أن يضع كلّ فارس ابن فارس، ويرفع كلّ راع ابن راع. قال:
فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمجامع جبّته، وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!» ثمّ قال: «إنّ نبيّ الله نوحا صلّى الله عليه وسلّم لمّا حضرته الوفاة قال لابنه: إنّي قاصّ عليك الوصيّة: آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلّا الله فإنّ السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، لو وضعت في كفّة ووضعت لا إله إلّا الله في كفّة، رجحت بهنّ لا إله إلّا الله ولو أنّ السّماوات السّبع والأرضين السّبع، كنّ حلقة مبهمة قصمتهنّ لا إله إلّا الله وسبحان الله، وبحمده، فإنّها صلاة كلّ شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشّرك والكبر» ، قال: قلت أو قيل: يا رسول الله هذا الشّرك قد عرفناه، فما الكبر؟ قال: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: «لا» ، قال: هو أن يكون لأحدنا حلّة يلبسها؟، قال: «لا» ، قال: الكبر هو أن يكون لأحدنا دابّة يركبها؟ قال: «لا» ، قال:، فهو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟. قال: «لا» ، قيل يا رسول الله، فما الكبر؟ قال: «سفه الحقّ وغمص «2» النّاس» ) * «3» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا يعني ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا فقال في دعائه:
اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بم دعا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» .
13-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول:
«اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، اغفرلي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. من قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «5» .
__________
(1) السيجان: جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان المقوّر، ينسج كذلك.
(2) غمص الناس: احتقارهم والتهاون بحقهم- القاموس «غمص» .
(3) أحمد (2/ 170) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (8/ 87) حديث (6583) . والبخاري في الأدب المفرد (80، 81) . وغمص الناس: (احتقارهم والتهاون بحقهم) .
(4) النسائي (3/ 25) وذكره الألباني في الصحيح منه (1/ 279) حديث (1233) وهذا لفظه وقال: صحيح. وابن ماجة (3858) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6306) .(4/1249)
14-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، فإنّه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطّ إلّا استجاب الله له» ) * «1» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت؟ قال: «قل اللهمّ عالم الغيب والشّهادة فاطر السّماوات والأرض ربّ كلّ شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أعوذ بك من شرّ نفسي ومن شرّ الشّيطان وشركه» قال: «قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك» ) *
«2» .
16-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
علّمني كلاما أقوله. قال: «قل لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. الله أكبر كبيرا. والحمد لله كثيرا. سبحان الله ربّ العالمين. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» .
قال: فهؤلاء لربّي فما لي؟ قال: قل: «اللهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «3» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «4» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قيل يا رسول الله، من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه أو نفسه» ) * «5» .
19-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمّد أقرأ أمّتك منّي السّلام، وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ) * «6» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب إليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» ) * «7» .
__________
(1) الترمذي (3505) وهذا لفظه. والحاكم (1/ 105) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والطبراني في الدعاء (2/ 838) وقال مخرجه: إسناده حسن. وقال الحافظ في الفتح: رواه النسائي والحاكم (11/ 225) .
(2) أبي داود (5067) . والترمذي (3392) واللفظ له وقال: حسن صحيح.
(3) مسلم (2696) .
(4) مسلم (2695) .
(5) البخاري- الفتح 1 (99) .
(6) الترمذي (3462) وقال: حسن غريب. وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: حسن لشواهده وهو في المسند وصحيح ابن حبان والطبراني (64) .
(7) الترمذي (3433) وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. وعزاه شاكر إلى النسائي في عمل اليوم والليلة (ص/ 134) .(4/1250)
21-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تعارّ «1» من اللّيل فقال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير. الحمد الله وسبحان الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، ثمّ قال: اللهمّ اغفرلي أو. دعا. استجيب.
فإن توضّأ قبلت صلاته» ) * «2» .
22-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين. فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها شاء» ) * «3» .
23-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال أستغفر الله العظيم الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه (ثلاثا) غفرت له ذنوبه وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «4» .
24-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع المؤذّن: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. وأنّ محمّدا عبده ورسوله. رضيت بالله ربّا وبمحمّد رسولا وبالإسلام دينا. غفر له ذنبه» ) * «5» .
25-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: اللهمّ أصبحنا نشهدك، ونشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك بأنّك لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّدا عبدك ورسولك، إلّا غفر له ما أصاب في يومه ذلك، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك اللّيلة من ذنب» ) * «6» .
26-* (عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير عشر مرار. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» ) * «7» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من قال لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كلّ شيء
__________
(1) تعارّ: أي استيقظ مع صوت، وقيل: هو التمطي والتقلب في الفراش ليلا، وقيل: انتبه.
(2) البخاري- الفتح 3 (1154) .
(3) الترمذي (55) وهذا لفظه وصححه الشيخ أحمد شاكر كما في (1/ 79) . ومسلم (234) بسياق مختلف وليس فيه (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) .
(4) الترمذي (3397) وفيه زيادة. وأبو داود (1517) من حديث بلال بن يسار بن زيد مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والحاكم (1/ 511) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وهذا لفظه.
(5) مسلم (386) .
(6) الترمذي (3501) ، وله طريق أخرى بمعناه عند أبي داود (5069) ، وينظر أيضا: النسائي في عمل اليوم والليلة ص 21.
(7) البخاري- الفتح 11 (6404) وفيه (كمن أعتق رقبه) . ومسلم (2693) واللفظ له.(4/1251)
قدير. في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيّئة وكانت له حرزا من الشّيطان يومه ذلك حتّى يمسي، ولم يأت أحد أفضل ممّا جاء به إلّا أحد عمل أكثر من ذلك.
ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر» ) * «1» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ .. الحديث وفيه: «حتّى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النّار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النّار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممّن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممّن يقول: لا إله إلّا الله. فيعرفونهم في النّار يعرفونهم بأثر السّجود. تأكل النّار من ابن آدم إلّا أثر السّجود. حرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار وقد امتحشوا»
فيصبّ عليهم ماء الحياة فينبتون منه «3» كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «4» ... الحديث) * «5» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ به وهو يغرس غرسا فقال يا أبا هريرة: «ما الّذي تغرس؟» قلت: غراسا لي. قال:
«ألا أدلّك على غراس خير لك من هذا؟» قال: بلى يا رسول الله! قال: «قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر. يغرس لك بكلّ واحدة شجرة في الجنّة» ) * «6» .
30-* (عن أمّ رافع- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله! دلّني على عمل يأجرني الله عزّ وجلّ عليه؟ قال: يا أمّ رافع إذا قمت إلى الصّلاة فسبّحي الله تعالى عشرا وهلّليه عشرا واحمديه عشرا وكبّريه عشرا واستغفريه عشرا. فإنّك إذا سبّحت قال:
هذا لي، وإذا هلّلت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال:
هذا لي، وإذا كبّرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال:
قد فعلت) * «7» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6403) . ومسلم (2691) واللفظ له.
(2) قد امتحشوا: معناه: احترقوا.
(3) فينبتون منه: معناه ينبتون بسببه.
(4) كما تنبت الحبة في حميل السيل: الحبة هي بذر البقول والعشب، تنبت في البراري وجوانب السيول. وجمعها حبب. وحميل السيل ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل. والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
(5) مسلم (182) .
(6) ابن ماجة (3807) وقال في الزوائد: إسناده حسن.
(7) ابن السني في اليوم والليلة (105) . وذكره النووي في الأذكار وقال مخرجه: قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن ورجاله موثقون (97) .(4/1252)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التهليل)
31-* (عن زينب بنت جحش- رضي الله عنها- أنّها قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من النّوم محمرّا وجهه، وهو يقول: «لا إله إلّا الله، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وعقد سفيان تسعين أو مائة- قيل: أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» ) * «1» .
32-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت. اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت أن تضلّني. أنت الحيّ الّذي لا يموت. والجنّ والإنس يموتون» ) * «2» .
33-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان إذا استيقظ من اللّيل قال: «لا إله إلّا أنت سبحانك اللهمّ أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب» ) * «3» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أمسى قال:
«أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ أسألك خير هذه اللّيلة، وأعوذ بك من شرّ هذه اللّيلة وشرّ ما بعدها، اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب في النّار وعذاب في القبر) * «4» .
35-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهنّ ويقولهنّ عند الكرب، يعني «لا إله إلّا الله العظيم الحليم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم «5» ، لا إله إلّا الله ربّ السّماوات الأرض وربّ العرش الكريم» ) * «6» .
36-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا قفل من غزو أو حجّ أو عمرة يكبّر على كلّ شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثمّ يقول: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده؛ وهزم الأحزاب وحده» ) * «7» .
37-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دبر كلّ صلاة إذا
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7059) واللفظ له. ومسلم (2280) .
(2) البخاري- الفتح 13 (7383) . ومسلم (2717) واللفظ له.
(3) أبو داود (5061) والحاكم (1/ 540) وصححه وأقره الذهبي. وذكره النووي في الأذكار وعزاه مخرجه (67) إلى ابن حبان رقم (5531) .
(4) مسلم (2723) . والكبر بسكون الباء وفتحها.
(5) يروى بضم العظيم على أنه صفة لله- عزّ وجل- ويروى بالجر صفة للعرش وكذلك الكريم.
(6) البخاري- الفتح 13 (7426) . ومسلم (2730) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 11 (6385) واللفظ له. ومسلم (1342) .(4/1253)
سلّم: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» ) * «1» .
38-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت لعاصم بن حميد، لمّا سألها بم كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستفتح قيام اللّيل: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكبّر عشرا ويحمد عشرا ويسبّح عشرا ويهلّل عشرا ويستغفر عشرا ويقول: «اللهمّ اغفرلي واهدني وارزقني وعافني. أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة» ) * «2» .
من الآثار الواردة في (التهليل)
1-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّه كان لا يؤتى أبدا بطعام ولا شراب، حتّى الدّواء فيطعمه أو يشربه، إلّا قال: الحمد لله الّذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعّمنا. الله أكبر. اللهمّ ألفتنا نعمتك بكلّ شرّ، فأصبحنا منها وأمسينا بكلّ خير. نسألك تمامها وشكرها. لا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، إله الصّالحين، ربّ العالمين، الحمد لله ولا إله إلّا الله ما شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار) * «3» .
2-* (قال ميمون بن مهران- رحمه الله تعالى- الذّكر ذكران: ذكر الله باللّسان حسن، وأفضل من ذلك أن يذكر الله العبد عند المعصية فيمسك عنها) » * «4» .
من فوائد (التهليل)
(1) فيه مغضبة للشّيطان ومرضاة للرّحمن.
(2) فيه تحصيل للثّواب وأمن من العذاب.
(3) التّهليل من العبد يقرّبه من الله ويكون كدويّ النّحل حول العرش.
(4) التّهليل يفتح الأعين العمي والآذان الصّمّ والقلوب الغلف.
(5) فيه تأسّ بأخلاق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
(6) فيه تكفير للسّيّئات.
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6330) . ومسلم (593) .
(2) النسائي (3/ 209) وهذا لفظه وقال الألباني: حسن صحيح (1/ 356) رقم (1525) . وأبو داود (5085) . وابن ماجة (1356) . وذكره النووي في أذكاره وقال مخرجه: إسناده حسن (67) .
(3) الموطأ (934- 935) .
(4) الورع لابن أبي الدنيا (58) .(4/1254)
التواضع
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
8/ 43/ 15
التواضع لغة:
مصدر تواضع أي أظهر الضّعة، وهو مأخوذ من مادّة (وض ع) الّتي تدلّ على الخفض للشّيء وحطّه، يقال: وضعته بالأرض وضعا، ووضعت المرأة ولدها.
والوضائع قوم ينقلون من أرض إلى أرض يسكنون بها، والوضيع الرّجل الدّنيّ، والدّابة تضع في سيرها وضعا وهو سير سهل يخالف المرفوع قال الشّاعر: «1»
مرفوعها زول وموضوعها ... كمرّ صوب لجب وسط ريح
وقال الرّاغب في مفرداته: الوضع أعمّ من الحطّ ومنه الموضع قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ* (النساء/ 46) و (المائدة/ 13) وقد يستعمل هذا في الإيجاد والخلق كما في قوله سبحانه وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (الرحمن/ 10) . ويقال رجل وضيع بيّن الضّعة في مقابل: رفيع بيّن الرّفعة، وقال في الصّحاح «ووضع الرّجل (بالضم) يوضع ضعة وضعة أي صار وضيعا، ووضع منه فلان أي حطّ من درجته والتّواضع التّذلّل، والاتّضاع أن تخفض رأس البعير لتضع قدمك على عنقه فتركب قال الكميت:
إذا اتّضعونا كارهين لبيعة ... أنا خوا لأخرى والأزمّة تجذب
ورجل موضّع أي مطّرح ليس بمستحكم الخلق «2» .
قلت: وصيغة تفاعل من هذا الأصل تدلّ على الإظهار كما في تغافل بمعنى أظهر الغفلة وإن لم يكن غافلا على الحقيقة وكما في تعامى أي أظهر العمى، وتباكى أظهر البكاء، ومن هنا تكون صفة التّواضع سمة لمن أظهر الضّعة والذّلّ لله ورسوله والمؤمنين وإن كان المرء عزيزا في نفسه كما قال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (المائدة/ 54) .
واصطلاحا:
إظهار التّنزّل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله، وفي الرّسالة القشيريّة: التّواضع هو الاستسلام للحقّ وترك الاعتراض في الحكم «3» .
درجات التواضع
: للتّواضع ثلاث درجات:
الأولى: التّواضع للدّين، وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا. ولا يتّهم للدّين دليلا، ولا يرى إلى الخلاف سبيلا. والتّواضع للدّين: هو الانقياد لما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والاستسلام له والإذعان وذلك بثلاثة أشياء:
الأوّل: أن لا يعارض شيئا ممّا جاء به بشيء من المعارضات الأربعة السّارية في العالم، المسمّاة بالمعقول، والقياس، والذّوق، والسّياسة.
الثّاني: أن لا يتّهم دليلا من أدلّة الدّين، بحيث يظنّه فاسد الدّلالة، أو ناقص الدّلالة أو قاصرها، أو أنّ غيره كان أولى منه. ومتى عرض له شيء من ذلك فليتّهم فهمه، وليعلم أنّ الآفة منه، والبليّة فيه، كما قيل:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السّقيم
ولكن تأخذ الأذهان منه ... على قدر القرائح والفهوم
__________
(1) البيت ينسب إلى طرفة بن العبد (ديوانه ص 171) تحقيق د. الجندي.
(2) المقاييس لابن فارس (6/ 118) ، والمفردات (525 وما بعدها) ، والصحاح (3/ 1300) .
(3) مدارج السالكين (6/ 134) . وفتح الباري (11/ 341) ، دليل الفالحين لابن علان (3/ 50) .(4/1255)
وهكذا في الواقع حقيقة: أنّه ما اتّهم أحد دليلا للدّين إلّا وكان المتّهم هو الفاسد الذّهن، المأفون في عقله وذهنه. فالآفة من الذّهن العليل لا في نفس الدّليل. وإذا رأيت من أدلّة الدّين ما يشكل عليك، وينبو فهمك عنه فاعلم أنّه لعظمته وشرفه استعصى عليك، وأنّ تحته كنزا من كنوز العلم، فلم تؤت مفتاحه بعد، هذا في حقّ نفسك. وأمّا بالنّسبة إلى غيرك، فاتّهم آراء الرّجال على نصوص الوحي وليكن ردّها أيسر شيء عليك للنّصوص، فما لم تفعل ذلك فلست على شيء.
قال الشّافعيّ: أجمع المسلمون على أنّ من استبانت له سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد «1» .
الثّالث: أن لا يجد إلى خلاف النّصّ سبيلا ألبتّة، لا بباطنه، ولا بلسانه، ولا بفعله، ولا بحاله؛ بل إذا أحسّ بشيء من الخلاف فهو كخلاف المقدم على الزّنا، وشرب الخمر، وقتل النّفس. بل هذا الخلاف أعظم عند الله من ذلك، وهو داع إلى النّفاق وهو الّذي خافه الكبار والأئمّة على نفوسهم.
الدّرجة الثّانية: أن ترضى بما رضي الحقّ به لنفسه عبدا من المسلمين أخا، وأن لا تردّ على عدوّك حقّا، وأن تقبل من المعتذر معاذيره.
ومعنى: أن لا تردّ على عدوّك حقّا: أي لا تصحّ لك درجة التّواضع حتّى تقبل الحقّ ممّن تحبّ وممّن تبغض، فتقبله من عدوّك، كما تقبله من وليّك.
الدّرجة الثّالثة: أن تتّضع للحقّ، فتنزل عن رأيك وعوائدك في الخدمة، ورؤية حقّك في الصّحبة، وعن رسمك في المشاهدة.
وحاصل ذلك: أن تعبد الحقّ سبحانه بما أمرك به على مقتضى أمره لا على ما تراه من رأيك ولا يكون الباعث لك داعي العادة، وأن لا يكون باعثك على العبوديّة مجرّد رأي وموافقة هوى ومحبّة وعادة؛ بل الباعث مجرّد الأمر. والرّأي والمحبّة والهوى والعوائد منفّذة تابعة لا أنّها مطاعة باعثة. وأمّا نزوله عن رؤية حقّة في الصّحبة فمعناه: أن لا يرى لنفسه حقّا على الله لأجل عمله فمتى رأى لنفسه عليه حقّا فسدت الصّحبة «2» .
الفرق بين التواضع والذل والمهانة:
والفرق بين التّواضع والمهانة (أو الذّلّ) أنّ التّواضع يتولّد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبّته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولّد من ذلك كلّه خلق هو التّواضع وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذّلّ والرّحمة لعباده فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقّا بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنّما يعطيه الله عزّ وجلّ من يحبّه ويكرّمه ويقرّبه «3» .
وأمّا المهانة (الذّلّ) فهي الدّناءة والخسّة وبذل النّفس أو ابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها كتواضع السّفل في نيل شهواتهم وتواضع طالب كلّ حظّ لمن يرجو نيل حظّه منه فهذا كلّه ضعة لا تواضع والله سبحانه يحبّ التّواضع ويبغض الضّعة والمهانة «4» .
والتّواضع المحمود على نوعين:- النّوع الأوّل:
تواضع العبد عند أمر الله امتثالا وعند نهيه اجتنابا فإنّ النّفس لطلب الرّاحة تتلكأ في أمره فيبدو منها نوع إباء وشرود هربا من العبوديّة وتثبت عند نهيه طلبا للظّفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله
__________
(1) انظر صفات: الاتباع والابتداع والعبادة والمحبة.
(2) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 348- 351) .
(3) انظر صفات: معرفة الله والإخبات والخوف والخشية والخشوع.
(4) انظر صفات الذل والمعصية.(4/1256)
ونهيه فقد تواضع للعبوديّة.
والنّوع الثّاني: تواضع لعظمة الرّبّ وجلاله وخضوعه لعزّته وكبريائه فكلّما شمخت نفسه ذكر عظمة الرّبّ تعالى وتفرّده بذلك وغضبه الشّديد على من نازعه ذلك فتواضعت إليه نفسه وانكسر لعظمة الله قلبه واطمأنّ لهيبته، وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التّواضع، وهو يستلزم الأوّل من غير عكس، والمتواضع حقيقة من رزق الأمرين معا «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- الإخبات- الأدب- إفشاء السلام- الإنابة- البشاشة- الحياء- الخشوع- الرضا- الزهد- السماحة- طلاقة الوجه- الطمأنينة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الابتداع- التكلف- الجفاء- الذل- الكبر والعجب- الغرور- الطغيان- العتو] .
الآيات الواردة في «التواضع» معنى
1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «2»
2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «3»
3- لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) «4»
4-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «5»
5- وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) «6»
6- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) «7»
7- وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) «8»
8- وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) »
__________
(1) الروح لابن القيم، ص 210- 211.
(2) آل عمران: 159 مدنية
(3) المائدة: 54 مدنية
(4) الحجر: 88 مكية
(5) الإسراء: 23- 24 مكية
(6) الإسراء: 37 مكية
(7) الفرقان: 63 مكية
(8) الشعراء: 215 مكية
(9) لقمان: 18 مكية(4/1257)
الأحاديث الواردة في (التواضع)
1-* (عن ركب المصريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن تواضع في غير منقصة «1» ، وذلّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جمعه في غير معصية، ورحم أهل الذّلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن النّاس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله» ) * «2» .
2-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته: «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا» ... الحديث، وفيه: «وإنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» ) * «3» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من امرئ إلّا وفي رأسه حكمة «4» والحكمة بيد ملك إن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة، وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته» ) * «5» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله» ) * «6» .
5-* (عن معاذ بن أنس الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ترك اللّباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ حلل الإيمان شاء يلبسها» ) * «7» .
6-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذّهب، جاءني ملك إنّ حجزته «8» لتساوي الكعبة، فقال: إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام ويقول: إن شئت نبيّا عبدا. وإن شئت نبيّا ملكا. فنظرت إلى جبريل عليه السّلام. فأشار إليّ أن ضع نفسك،
__________
(1) منقصة: أي معصية وارتكاب دنيئة.
(2) الترغيب والترهيب (3/ 558) وقال: رواه الطبراني ورواته إلى نصيح ثقات. وقد حسّن الحديث أبو عمر النمري في الاستيعاب (1/ 534) ، وعنه نقل ابن حجر في الإصابة (1/ 521) ، وركب مختلف في صحبته. قال المنذري: ولا أعرف له غير هذا الحديث.
(3) مسلم (2865) .
(4) الحكمة- بفتحات: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه.
(5) الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 83) وقال: رواه البزار وإسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه الطبراني والبزار وإسنادهما حسن، وحسنه الألباني، الصحيحة (538) .
(6) مسلم (2588) .
(7) أحمد في المسند (3/ 439) . والترمذي (2481) واللفظ له وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني. والحاكم في المستدرك (1/ 61) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(8) الحجزة في الأصل موضع شدّ الإزار ثمّ قيل للإزار حجزة للمجاورة، يقال: احتجز الرجل بالإزار إذا شده على وسطه. انظر «النهاية» لابن الأثير (1/ 344) .(4/1258)
فقلت: نبيّا عبدا» .. الحديث) * «1» .
7-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لا أعلمه إلّا رفعه قال: يقول الله تبارك وتعالى: «من تواضع لي هكذا، (وجعل يزيد باطن كفّه إلى الأرض وأدناها) رفعته هكذا» ، (وجعل باطن كفّيه إلى السّماء ورفعهما نحو السّماء)) * «2» .
الأحاديث الواردة في (التواضع) معنى
8-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ابغوني في ضعفائكم فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» ) * «3»
9-* (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟» قالوا: بلى. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ضعيف متضعّف لو أقسم على الله لأبرّه» . ثمّ قال: «ألا أخبركم بأهل النّار؟» قالوا: بلى. قال: «كلّ عتلّ «4» جوّاظ «5» مستكبر» ) * «6» .
10-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الشّيطان يحضر أحدكم عند كلّ شيء من شأنه حتّى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللّقمة فليمط «7» ما كان بها من أذى «8» ثمّ ليأكلها، ولا يدعها للشّيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنّه لا يدري في أيّ طعامه تكون البركة» ) * «9» .
11-* (عن أبي أمامة الحارثيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «البذاذة «10» من الإيمان» قال البذاذة: القضافة يعني التّقشّف.
وفي لفظ لأبي داود: ذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما عنده الدّنيا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تسمعون، ألا تسمعون، إنّ البذاذة من الإيمان. إنّ
البذاذة من الإيمان، يعني التّقحّل» ) * «11» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن
__________
(1) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 348) وقال محققه: حديث صحيح. ذكره الهيثمي في المجمع (9/ 19) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. والمنذري في الترغيب والترهيب (4/ 196) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن.
(2) الهيثمي في المجمع (8/ 82) وقال: رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 560) وقال: رواه أحمد والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح.
(3) الترمذي (1702) وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 106) وأقره الذهبي.
(4) العتل: الجافي الشديد الخصومة. وقيل: الفظ الغليظ.
(5) الجواظ: الضخم المختال في مشيته.
(6) البخاري- الفتح 01 (6071) . مسلم (2853) واللفظ له.
(7) فليمط: فليزل.
(8) الأذى: المستقذر من غبار وتراب ونحوه.
(9) مسلم (2033) .
(10) البذاذة: رثاثة الهيئة وترك الزينة والمراد التواضع في اللباس وترك التبجح به.
(11) أبو داود (4161) . وابن ماجة (4118) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2/ 3324) ، وقال محقق جامع الأصول (4/ 680) : وهو حديث حسن. والتقحل: سوء الحال.(4/1259)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعس «1» عبد الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس «2» وإذا شيك فلا انتقش «3» ، طوبى «4» لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرّة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفّع» ) * «5» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ربّ أشعث «6» مدفوع بالأبواب «7» لو أقسم على الله لأبرّه «8» » ) * «9» .
14-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
كانت ناقة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسمّى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابيّ على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين، وقالوا: سبقت العضباء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ حقّا على الله أن لا يرفع شيئا من الدّنيا إلّا وضعه» ) * «10» .
15-* (عن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنّة وأهل النّار» ؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: «أمّا أهل النّار فكلّ جعظريّ «11» جوّاظ «12» مستكبر، وأمّا أهل الجنّة فالضّعفاء المغلوبون» ) *1» .
__________
(1) تعس: أي انكب وعثر ومعناه الدعاء عليه.
(2) انتكس: انقلب على رأسه.
(3) اذا شيك فلا انتقش: أي إذا أصابته شوكة لا يستطيع إخراجها.
(4) طوبى: شجرة في الجنّة.
(5) البخاري- الفتح 6 (2887) .
(6) أشعث: الأشعث الملبد الشعر المغبر.
(7) مدفوع بالأبواب: لا قدر له عند الناس.
(8) لو أقسم على الله لأبره: أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراما له بإجابة سؤاله. وهذا لعظم منزلته عند الله.
(9) مسلم (2622) .
(10) البخاري- الفتح 11 (6501) . قال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث: فيه إشارة إلى الحثّ على عدم التّرفّع، والحثّ على التّواضع والإعلام بأنّ أمور الدّنيا ناقصة غير كاملة. قال ابن بطّال: فيه هوان الدّنيا على الله، والتّنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة، وأنّ كلّ شيء هان على الله فهو في محلّ الضّعة، فحقّ على كلّ ذي عقل أن يزهد فيه، ويقلّل منافسته في طلبه. وقال ابن حجر: فيه أيضا حسن خلق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتواضعه لكونه رضي أنّ أعرابيّا يسابقه. وانظر في هذه التعليقات فتح الباري (11/ 349) .
(11) الجعظري: الفظ الغليظ المتكبر.
(12) الجواظ: المختال في مشيته.
(13) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 563- 564) . وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن والحاكم في المستدرك (4/ 619) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي.(4/1260)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التواضع)
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» ) * «1» .
17-* (قال ابن الزّبير لابن جعفر- رضي الله عنهم-: «أتذكر إذ تلقّينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا وأنت وابن عبّاس؟ قال: نعم فحملنا وتركك» ) * «2» .
18-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: أحبّوا المساكين فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في دعائه: «اللهمّ أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة» ) * «3» .
19-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ أباه توفّي وعليه دين فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء فمشى حول بيدر من بيادر التّمر «4» فدعا، ثمّ آخر، ثمّ جلس عليه فقال: «انزعوه» فأوفاهم الّذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم) «5» .
20-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ جدّته مليكة دعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعته فأكل منه ثمّ قال: «قوموا فأصلّي لكم» ، قال أنس:
فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس «6» فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلّى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ثمّ انصرف) * «7» .
21-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- حدّث: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر له صومي، فدخل عليّ، فألقيت له وسادة من أدم، حشوها ليف، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال: «أما يكفيك من كلّ شهر ثلاثة أيّام؟» قال:
قلت: يا رسول الله ... قال: «خمسا» . قلت: يا رسول الله ... قال: «سبعا» . قلت: يا رسول الله ... قال:
«تسعا» . قلت: يا رسول الله ... قال: «إحدى عشرة» .
ثمّ قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صوم فوق صوم داود عليه السّلام: شطر الدّهر، صم يوما وأفطر يوما» ) * «8» .
__________
(1) شرح السنة للبغوي (13/ 248) وقال محققه: للحديث شاهد يتقوى به. والهيثمي في المجمع (9/ 19) وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن،. وهو في الصحيحة للألباني (544) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3082) . ومسلم (2427) .
(3) الترمذي (2471) وحسنه الألباني: صحيح الترمذي (1917) . وابن ماجة (4126) وهو في الصحيحة (308) ، وإرواء الغليل (861) .
(4) البيدر: الموضع الذي تداس فيه الحبوب.
(5) البخاري- الفتح 6 (3580) .
(6) من طول مالبس: لبس كل شيء بحسبه واللبس هنا معناه الافتراش.
(7) البخاري- الفتح 3 (727) . ومسلم (658) واللفظ له.
(8) البخاري الفتح 4 (1980) . ومسلم (1159) .(4/1261)
22-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف عليه قطيفة فدكيّة وأردف أسامة وراءه) * «1» .
23-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقي الزّبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا «2» قافلين من الشّام، فكسا الزّبير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكّة، فكانوا يغدون كلّ غداة إلى الحرّة فينتظرونه، حتّى يردّهم حرّ الظّهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلمّا أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مبيّضين يزول بهم السّراب، فلم يملك اليهوديّ أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدّكم الّذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السّلاح، فتلقّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتّى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل، فقام أبو بكر للنّاس، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممّن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحيّي أبا بكر، حتّى أصابت الشّمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأقبل أبو بكر حتّى ظلّل عليه بردائه، فعرف النّاس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الّذي أسّس على التّقوى، وصلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ركب راحلته، فسار يمشي معه النّاس، حتّى بركت عند مسجد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتّمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بركت به راحلته «: هذا إن شاء الله المنزل» . ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغلامين فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقبله منهما هبة حتّى ابتاعه منهما، ثمّ بناه مسجدا، وطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينقل معهم اللّبن في بنيانه ويقول- وهو ينقل اللّبن:
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر
ويقول:
اللهمّ إنّ الأجر أجر الآخره ... فارحم الأنصار والمهاجره
فتمثّل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لي) * «3» .
24-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه مرّ على صبيان فسلّم عليهم وقال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله» ) * «4» .
25-* (عن أبي بردة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5964) .
(2) رجل تاجر والجمع تجار- بالكسر والتخفيف- وتجّار- بالضم والتشديد، وتجر- بالفتح والسكون-.
(3) البخاري- الفتح 7 (3906) .
(4) البخاري- الفتح 11 (6247) واللفظ له. ومسلم (2168) .(4/1262)
أخرجت لنا عائشة- رضي الله عنها- كساء وإزارا غليظا، فقالت: قبض روح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذين) * «1» .
26-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «2» شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: «أنا نازل» ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر- ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا- فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل «3» أو أهيم.
فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر.
فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق. فذبحت العناق «4» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «5» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي «6» فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال:
«كم هو؟» فذكرت له. فقال: كثير طيّب. قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي» .
فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار، فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟
قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» «7» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال:
«كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «8» .
27-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له؛ إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير) * «9» .
28-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليخالطنا حتّى يقول لأخ لي صغير «يا أبا عمير ما فعل النّغير؟ «10» » ) * «11» .
29-* (عن عروة بن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: سأل رجل عائشة- رضي الله عنها- هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت: نعم. كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخصف نعله «12» ، ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته) * «13» .
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5818) واللفظ له. ومسلم (2080) .
(2) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض.
(3) معصوب: مربوط وكثيبا: رملا، وأهيل: غير متماسك.
(4) العناق بفتح العين وهي: أنثى المعز.
(5) البرمة: القدر.
(6) طعيم لي: بتشديد الياء على طريق المبالغة في تحقيره، وقالوا من تمام المعروف تعجيله وتحقيره.
(7) ولا تضاغطوا: أي لا تزدحموا.
(8) البخاري- الفتح 7 (4101) . ومسلم (2039) .
(9) أحمد في المسند رقم (504) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(10) النغير: طائر معروف يشبه العصفور والراجح أنه طائر أحمر المنقار.
(11) البخاري- الفتح 01 (6129) . ومسلم (0215) .
(12) يخصف نعله: يطبق طاقة على طاقة ويخرزها. وأصل الخصف الجمع والضم.
(13) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 242) وقال محققه: إسناده صحيح.(4/1263)
30-* (عن عائشة- رضي الله عنها- وقد سئلت عمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصنع في أهله قالت: كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة) * «1» .
31-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر الذّكر ويقلّ اللّغو ويطيل الصّلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة) * «2» .
32-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل التّراب يوم الخندق حتّى اغبرّ بطنه يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته: أبينا، أبينا) * «3» .
33-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نجني الكباث «4» وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «عليكم بالأسود منه فإنّه أطيبه» . قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: «وهل من نبيّ إلّا وقد رعاها» ) * «5» .
34-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا، فأتى عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «جابر؟» . فقلت:
نعم. قال: «ما شأنك؟» قلت: أبطأ عليّ جملي وأعيا فتخلّفت، فنزل يحجنه بمحجنه «6» . ثمّ قال:
«اركب» . فركبت. فلقد رأيته أكفّه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث» ) » .
35-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سمع عمر- رضي الله عنه- يقول على المنبر:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تطروني «8» كما أطرت النّصارى ابن مريم، فإنّما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» ) * «9» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» فقال أصحابه: وأنت فقال: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» ) * «10» .
37-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ينبغي لعبد أن يقول إنّي خير من يونس بن متّى» ) * «11» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله «12» الّذي لا إله إلّا هو، إن كنت
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6039) .
(2) سنن النسائي (3/ 109) وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (1341) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 251) : إسناده حسن.
(3) البخاري- الفتح 7 (4104) . ومسلم (1803) .
(4) الكباث: النضيج من ثمر الأراك.
(5) البخاري- الفتح 6 (3406) . ومسلم (2050) .
(6) يحجنه بمحجنه: أي يجذبه بالمحجن وهو عصا معوجة.
(7) البخاري- الفتح 4 (2097) . ومسلم (1089) .
(8) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه، وأطرى فلان فلانا إذا مدحه بما ليس فيه.
(9) البخاري- الفتح 6 (3445) .
(10) البخاري- الفتح 4 (2262) .
(11) البخاري- الفتح 6 (3413) واللفظ له ومسلم (2377) .
(12) ألله: كذا بحذف حرف الجر من القسم، قال ابن حجر: هو في روايتنا بالخفض.(4/1264)
لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ بي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله، قال: الحق «1» ، ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللّبن؟ قالوا: أهداه لك- فلان- أو فلانة- قال: أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي. قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال:
«يا أبا هرّ» ، قلت: لبّيك يا رسول الله قال: «خذ فأعطهم» ، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اشرب فشربت فما زال يقول: «اشرب» ، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» ، فأعطيته القدح، فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة) * «2» .
39-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خير البريّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك إبراهيم عليه السّلام» ) * «3» .
40-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله إنّ لي إليك حاجة. فقال: «يا أمّ فلان انظري أيّ السّكك شئت حتّى أقضي لك حاجتك» ، فخلا معها في بعض الطّرق «4» حتّى فرغت من حاجتها) * «5» .
41-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت) * «6» .
42-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-
__________
(1) الحق- بهمزة وصل وفتح الحاء- أي: اتبع.
(2) البخاري- الفتح 11 (6452) واللفظ له ومسلم (2369) .
(3) مسلم (2369) .
(4) ومعنى خلا معها في بعض الطرق: أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة. ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية؛ فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها لكن لا يسمعون كلامها لأن مسألتها مما لا يظهره.
(5) مسلم (2326) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6072) .(4/1265)
قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم» .
وفي رواية: «كان عمر بن الخطّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن؟ قال: نعم. قال:
فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟
قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» ، فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟
قال: أكون في غبراء النّاس أحبّ إليّ، قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت، قليل المتاع.
قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فأتى أويسا فقال: استغفر لي.
قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له النّاس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة، فكان كلّما رآه إنسان قال:
من أين لأويس هذه البردة) * «1» .
43- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية «2» ... الحديث وفيه: «وإنّه- أي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ... فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: يا رسول الله، إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: «أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة» ) * «3» .
__________
(1) مسلم (2542) .
(2) وهي قوله تعالى إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (التحريم/ 4) وقد سأله ابن عباس عن هاتين المرأتين من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم اللتين تظاهرتا عليه فأجابه عمر بأنهما حفصة وعائشة.
(3) البخاري- الفتح 8 (4913) .(4/1266)
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التواضع) معنى
1-* (قال المسيح- عليه السّلام-: طوبى للمتواضعين في الدّنيا، هم أصحاب المنابر يوم القيامة، طوبي للمصلحين بين النّاس في الدّنيا، هم الّذين يرثون الفردوس يوم القيامة) * «1» .
2-* (قال أبو بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- وجدنا الكرم في التّقوى، والغنى في اليقين، والشّرف في التّواضع» ) * «2» .
3-* (خرج عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إلى الشّام ومعه أبو عبيدة بن الجرّاح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا؟ تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟. ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: أوّه «3» ، لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنّا كنّا أذّل قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله) * «4» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«تغفلون أفضل العبادة: التّواضع» ) * «5» .
5-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه أنّه قال له سلمان- رضي الله عنه-: «يا جرير تواضع لله. فإنّ من تواضع لله في الدّنيا رفعه الله يوم القيامة» ) * «6» .
6-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «من تواضع لله تخشّعا رفعه الله يوم القيامة.، ومن تطاول تعظّما وضعه الله يوم القيامة» ) * «7» .
7-* (سئل الحسن البصريّ عن التّواضع.
فقال: «التّواضع أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلما إلّا رأيت له عليك فضلا» ) * «8» .
8-* (قيل لعبد الملك بن مروان: «أيّ الرّجال أفضل؟ قال: من تواضع من قدرة، وزهد عن رغبة» ) * «9» .
9-* (قال عبد الله بن المبارك- رحمه الله-:
«رأس التّواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدّنيا حتّى تعلمه أنّه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمّن هو فوقك في الدّنيا حتّى
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 341) .
(2) إحياء علوم الدين (3/ 343) .
(3) أوه: كلمة توجع وتضجر.
(4) الحاكم في المستدرك (1/ 62) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) وكيع في الزهد (2/ 463) . ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
(6) وكيع في الزهد (2/ 466) . ورجاله ثقات.
(7) أخرجه وكيع في الزهد (2/ 467) .
(8) إحياء علوم الدين (342) .
(9) إحياء علوم الدين (3/ 342) .(4/1267)
تعلمه أنّه ليس له بدنياه عليك فضل» ) * «1» .
10-* (سئل الفضيل بن عياض- رحمه الله عن التّواضع؟ فقال: «يخضع للحقّ، وينقاد له ويقبله ممّن قاله، ولو سمعه من صبيّ قبله، ولو سمعه من أجهل النّاس قبله» ) * «2» .
11-* (قال كعب: «ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلّا أعطاه الله نفعها في الدّنيا، ورفع بها درجة في الآخرة» ) * «3» .
12-* (قال الجنيد بن محمّد: «التّواضع هو خفض الجناح ولين الجانب» ) * «4» .
13-* (قال عروة بن الورد: «التّواضع أحد مصايد الشّرف، وكلّ نعمة محسود عليها صاحبها إلّا التّواضع» ) * «5» .
14-* (عن عمرو بن شيبة؛ قال: «كنت بمكّة بين الصّفا والمروة فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان يعنّفون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر فإذا أنا برجل جاف حاسر طويل الشّعر. قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله، فقال لي: مالك تنظر إليّ؟. فقلت له: شبّهتك برجل رأيته بمكّة ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال: إنّي ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس فوضعني الله حيث يترفّع النّاس» ) * «6» .
15-* (قال إبراهيم بن شيبان: «الشّرف في التّواضع، والعزّ في التّقوى، والحرّيّة في القناعة» ) * «7» .
من فوائد (التواضع)
(1) التّواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبّة ربّ العالمين.
(2) وهو طريق موصل إلى مرضاة الله وإلى جنّته.
(3) وهو السّبيل إلى القرب من الله ومن ثمّ القرب من النّاس.
(4) التّواضع عنوان سعادة العبد في الدّارين.
(5) يحبّ الله المتواضعين ويكلؤهم برعايته ويحيطهم بعنايته.
(6) المتواضعون آمنون من عذاب الله يوم الفزع الأكبر.
(7) وهو دليل على حسن الخاتمة وعلى حسن الخلق.
(8) التّواضع يؤدّي إلى حصول النّصر والبركة في المال والعمر.
__________
(1) إحياء علوم الدين (3/ 343) .
(2) مدارج السالكين (2/ 342) .
(3) إحياء علوم الدين (3/ 343) .
(4) مدارج السالكين (2/ 342) .
(5) إحياء علوم الدين (3/ 343) .
(6) المرجع السابق (3/ 343) .
(7) مدارج السالكين (2/ 342) .(4/1268)
التوبة
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
47/ 43/ 20
التوبة لغة:
التّوبة مصدر قولك: تاب يتوب وهو مأخوذ من مادّة (ت وب) الّتي تدلّ على الرّجوع، يقال:
تاب من ذنبه، أي رجع عنه توبة ومتابا، والوصف منه تائب، والتّوب: ترك الذّنب على أجمل الوجوه وهو أبلغ وجوه الاعتذار؛ فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه:
إمّا أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول فعلت لأجل كذا، أو يقول: فعلت وأسأت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التّوبة، يقال: تاب إلى الله أي تذكّر ما يقتضي الإنابة، نحو قوله سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً (النور/ 31) أي عودوا إلى طاعته وأنيبوا إليه.. ويقال: تاب الله عليه أي قبل منه التّوبة، والتّائب يقال لباذل التّوبة ولقابل التّوبة فالعبد تائب إلى الله. والله تائب على عبده، والتّوّاب العبد الكثير التّوبة، وذلك بتركه كلّ وقت بعض الذّنوب على التّرتيب حتّى يصير تاركا لجميعه، وقد يقال لله عزّ وجلّ ذلك (أي توّاب) وذلك لكثرة قبوله توبة العباد حالا بعد حال، والمتاب في قوله تعالى وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (الفرقان/ 71) يقصد به التّوبة التّامّة وهي الجمع بين ترك القبيح وتحرّي الجميل.
وجاء في الصّحاح: التّوبة الرّجوع من الذّنب، وفي الحديث: «النّدم توبة» وكذلك التّوب مثله، خلافا للأخفش الّذي ذهب إلى أنّ التّوب جمع توبة مثل عوم وعومة، ويقال تاب إلى الله توبة ومتابا، وقد تاب الله عليه، وفّقه للتّوبة وعاد عليه بالمغفرة. واستتبت فلانا عرضت عليه التّوبة أو سألته أن يتوب، والتّابة في قول الشّاعر:
تبت إليك فتقبّل تابتي.
يراد بها التّوبة، أبدلت الواو ألفا لضرب من الخفّة «1» .
التوبة في الاصطلاح:
قال الرّاغب: التّوبة في الشّرع: ترك الذّنب لقبحه والنّدم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة.
وقال الجرجانيّ: التّوبة هي الرّجوع إلى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب، ثمّ القيام بكلّ حقوق
__________
(1) انظر مقاييس اللغة (1/ 357) ، ومفردات الراغب (75) والصحاح (1/ 92) ، ولسان العرب (1/ 454) .(4/1269)
الرّبّ، وقيل: التوبة الاعتراف والنّدم والإقلاع.
وقيل: التوبة في الشّرع: النّدم على معصيته من حيث هي معصية، مع عزم ألّا يعود إليها إذا قدر عليها.
فقولهم على معصية: لأنّ النّدم على المباح أو الطّاعة لا يسمّى توبة، وقولهم من حيث هي معصية: لأنّ من ندم على شرب الخمر لما فيه من الصّداع أو خفّة العقل أو الإخلال بالمال والعرض لم يكن تائبا شرعا، وقولهم: مع عزم ألّا يعود، زيادة تقرير؛ لأنّ النّدم على الشّيء لا يكون إلّا كذلك، ولذلك ورد في الحديث «النّدم توبة» . وقولهم: إذا قدر عليها، إشارة إلى أنّ من سلب القدرة على معصية مثل الزّنا وانقطع طمعه عن عود القدرة إليه لم يكن ذلك توبة منه» .
التوبة النصوح:
قال الجرجانيّ: التّوبة النّصوح هي توثيق العزم على ألّا يعود بمثله. وقيل هي ألّا يبقي (التّائب) على عمله أثرا من المعصية سرّا وجهرا، وهذه التّوبة هي الّتي تورث صاحبها الفلاح عاجلا وآجلا.
وقال التّهانويّ: التّوبة النّصوح وهي من أعمال القلب تعني تنزيه القلب عن الذّنوب، وعلامتها أن يكره العبد المعصية ويستقبحها فلا تخطر له على بال ولا ترد في خاطره أصلا.
معاني التوبة وأنواعها:
قال صاحب التّعريفات: التّوبة على ثلاثة معان:
أوّلها: النّدم. وثانيها: العزم على ترك العود إلى ما نهى الله عنه. وثالثها: السّعي في أداء المظالم.
أمّا أنواعها:
فقيل هي نوعان: توبة الإنابة وتوبة الاستجابة، فتوبة الإنابة أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك، وتوبة الاستجابة أن تستحي من الله لقربه منك، قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق/ 16) وقيل: بل ثلاثة:
التّوبة الصّحيحة: وهي أنّه إذا اقترف العبد ذنبا تاب عنه بصدق في الحال.
والتّوبة الأصحّ: وهي التّوبة النّصوح (وقد سبق تعريفها) .
والتّوبة الفاسدة: هي التّوبة باللّسان مع بقاء لذّة المعصية في الخاطر «3» .
التوبة والإنابة والأوبة:
يقال لمن خاف العقاب هو صاحب توبة، ولمن يتوب بطمع الثّواب هو صاحب إنابة، ولمن يتوب لمحض مراعاة أمر الله فهو صاحب أوبة. وقيل:
التّوبة صفة عامّة المؤمنين. قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (النور/ 31) . والإنابة صفة الأولياء والمقرّبين. قال تعالى: وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (ق/ 33) والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين. قال تعالى:
__________
1، 2 مفردات الراغب (76) والتعريفات للجرجاني (74) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 231) .
(3) التعريفات (74) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 233) .(4/1270)
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص/ 30) «1» .
إطلاقات الكلمة في القرآن الكريم:
وردت كلمة التّوبة في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:
1- بمعنى التّجاوز والعفو. وهذا مقيّد بعلى، كقوله تعالى فَتابَ عَلَيْكُمْ (البقرة/ 54) .
2- بمعنى الرّجوع والإنابة. وهذا مقيّد بإلى، كقوله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (النور/ 31) .
3- بمعنى النّدامة. وهذا غير مقيّد لا ب (إلى) ولا ب (على) : كقوله تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (التوبة/ 3) .
شروط التوبة:
قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: التّوبة واجبة من كلّ ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلّق بحقّ آدميّ فلها شروط ثلاثة وهي:
1- أن يقلع عن المعصية.
2- أن يندم على فعلها.
3- أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثّلاثة لم تصحّ توبته «2» .
ويزاد شرط رابع إذا كان الذّنب يتعلّق بحقّ آدميّ: أن يبرأ من حقّ صاحبه؛ فإن كان مالا أو نحوه ردّه إليه، وإن كان حدّ قذف مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كان غيبة استحلّه منها، هذا إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة أعظم. ويجب أن يتوب من جميع الذّنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته من ذلك الذّنب «3» .
التوبة من ترك المأمور أولى من التوبة من فعل المحظور:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: من تاب توبة عامّة كانت هذه التّوبة مقتضية لغفران الذّنوب، وإن لم يستحضر أعيان الذّنوب إلّا أن يعارض هذا العامّ معارض يوجب التّخصيص مثل أن يكون بعض الذّنوب لو استحضره لم يتب منه، لقوّة حبّه إيّاه، أو لاعتقاده أنّه حسن ليس بقبيح، فما كان من ذنب لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التّوبة، وأمّا ما كان لو استحضره بعينه لكان ممّا يتوب منه؛ فإنّ التّوبة العامّة شاملة له. وأمّا التّوبة المطلقة:
وهي أن يتوب توبة مجملة، فإنّها لا تستلزم التّوبة من كلّ ذنب. فهذه لا توجب دخول كلّ فرد من أفراد الذّنوب فيها ولا تمنع دخوله كاللّفظ المطلق، لكن هذه تصلح أن تكون سببا لغفران المعيّن، كما تصلح سببا لغفران الجميع، بخلاف التّوبة العامّة فإنّها مقتضية للغفران العامّ.
__________
(1) راجع: لسان العرب، مادة: أوب، وتوب.
(2) يتفق ما ذكره الإمام النووي مع قول أهل السنة الذي لخصه التهانوي فقال: قال أهل السنة شروط التوبة ثلاثة: ترك المعصية في الحال، وقصد تركها في الاستقبال، والندم على فعلها في الماضى انظر كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 233) .
(3) رياض الصالحين (11، 12) بتصرف، وانظر مدارج السالكين (1/ 305) .(4/1271)
وكثير من النّاس لا يستحضر عند التّوبة إلّا بعض المعاصي المتّصفات بالفاحشة أو مقدّماتها أو بعض الظّلم باللّسان أو اليد، وقد يكون ما تركه من المأمور الّذي يجب عليه في باطنه وظاهره من شعب الإيمان وحقائقه أعظم ضررا عليه ممّا فعله من بعض الفواحش؛ فإنّ ما أمر الله به من حقائق الإيمان الّتي بها يصير العبد من المؤمنين حقّا أعظم نفعا من نفع ترك بعض الذّنوب الظّاهرة، كحبّ الله ورسوله، فإنّ هذا أعظم الحسنات الفعليّة. والنّاس في غالب أحوالهم لا يتوبون توبة عامّة مع حاجتهم إلى ذلك؛ فإنّ التّوبة واجبة على كلّ عبد في كلّ حال، لأنّه دائما يظهر له ما فرّط فيه من ترك مأمور أو ما اعتدى فيه من فعل محظور، فعليه أن يتوب دائما «1» .
شمول التوبة لكل مراتب الدين (الإسلام، الإيمان، الإحسان) :
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: التّوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدّين كلّه داخل في مسمّى التّوبة وبهذا استحقّ التائب أن يكون حبيب الله. فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين. وإنّما يحبّ الله من فعل ما أمر به. وترك ما نهي عنه. فإذا التّوبة هي الرّجوع عمّا يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبّه ظاهرا وباطنا. ويدخل في مسمّاها الإسلام، والإيمان، والإحسان. وتتناول جميع المقامات. ولهذا كانت غاية كلّ مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته وهي الغاية الّتي وجد لأجلها الخلق. والأمر والتّوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الّذي عليه بناؤها.
وأكثر النّاس لا يعرفون قدر التّوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا. ولم يجعل الله تعالى محبّته للتّوّابين إلّا وهم خواصّ الخلق لديه، ولولا أنّ التّوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرّبّ تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم، فجميع ما يتكلّم فيه النّاس من المقامات والأحوال هو تفاصيلها وآثارها «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- الإنابة الدعاء- الرجاء- الضراعة والتضرع- الخوف- الخشية- تذكر الموت- الإخبات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإصرار على الذنب- طول الأمل- اتباع الهوى- الإعراض- الغفلة- القنوط- التفريط والإفراط- اللهو واللعب] .
__________
(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 328- 330) بتصرف.
(2) مدارج السالكين (1/ 306، 307) .(4/1272)
الآيات الواردة في «التوبة» *
قبول التوبة من صفات الرحمن:
1- وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) «1»
2- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «2»
3- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «3»
4- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) «4»
5- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) «5»
6- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) «6»
__________
* قد تتضمن الاية الكريمة أكثر من وجه في تصنيفها وسوف نقتصر على الوجه الذي هو أبرز هذه الوجوه حتى لا تتكرر المواضع.
(1) البقرة: 54 مدنية.
(2) البقرة: 159- 160 مدنية.
(3) البقرة: 187 مدنية.
(4) النساء: 64 مدنية.
(5) التوبة: 14- 15 مدنية.
(6) التوبة: 25- 27 مدنية.(4/1273)
7- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) «1»
8- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) «2»
9- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (120) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (121) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (122) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (123) «3»
10- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
__________
(1) التوبة: 101- 106 مدنية
(2) التوبة: 117- 118 مدنية
(3) طه: 116- 123 مكية(4/1274)
وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) «1» .
11- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «2»
12- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «3»
13- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) «4»
14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) «5»
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) «6»
16- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «7»
التوبة من صفة الأنبياء وصالحي المؤمنين:
17- وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)
__________
(1) النور: 6- 10 مدنية
(2) الأحزاب: 23- 24 مكية
(3) غافر: 1- 3 مكية
(4) الشورى: 25 مدنية
(5) الحجرات: 12 مدنية
(6) المجادلة: 12- 13 مدنية
(7) النصر: 1- 3 مدنية(4/1275)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) «1»
18- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) «2»
19- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) «3»
20-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «4»
21- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) «5»
22- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) «6»
23- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «7»
__________
(1) البقرة: 35- 37 مدنية
(2) البقرة 127- 128 مدنية
(3) الأعراف: 143- 144 مكية
(4) التوبة: 111- 112 مدنية
(5) هود: 1- 4 مكية
(6) هود: 112- 113 مكية
(7) الرعد: 30 مدنية(4/1276)
24- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «1»
25- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) »
26- وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) «3»
التوبة من الكفر أو النفاق لا تكون إلا بالإيمان الصادق:
27- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) «4»
28- وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
__________
(1) مريم: 58- 60 مكية
(2) الأحقاف: 15- 16 مكية
(3) التحريم: 3- 5 مدنية
(4) آل عمران: 86- 89 مدنية(4/1277)
بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) «1»
29- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «2»
30- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) «3» .
31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ
__________
(1) آل عمران: 123- 129 مدنية
(2) النساء: 15- 18 مدنية
(3) النساء: 92 مدنية(4/1278)
يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) «1» 32- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) «2»
33- وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) «3»
34- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) «4»
35- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) «5» 36- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «6»
جزاء التوبة حب الله تعالى ومغفرته والفلاح والفوز بالجنة:
37- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) «7»
38- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81)
__________
(1) النساء: 144- 146 مدنية
(2) المائدة: 33- 34 مدنية
(3) المائدة: 38- 39 مدنية
(4) المائدة: 72 مدنية
(5) الأنعام: 54- 55 مكية
(6) النور: 4- 5 مدنية
(7) البقرة: 222 مدنية(4/1279)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «1»
39- وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) «2»
40- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) «3»
41- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «4»
42- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «5»
التوبة من مظاهر رحمته تعالى لعبادة:
43- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28) «6»
__________
(1) طه: 80- 82 مكية
(2) النور: 31 مدنية
(3) الفرقان: 68- 71 (68- 70 مدنية و71 مكية)
(4) القصص: 65- 67 مكية
(5) التحريم: 8 مدنية.
(6) النساء: 26- 28 مدنية(4/1280)
44- إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «1»
دعوة الأنبياء السابقين للتوبة:
45- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) «2» 46-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «3»
47- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) «4»
__________
(1) الأحزاب: 72- 73 مدنية
(2) هود: 50- 52 مكية
(3) هود: 61 مكية
(4) هود: 87- 90 مكية(4/1281)
الأحاديث الواردة في (التوبة)
1-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب. قال: «يكتب عليه» . قال: ثمّ يستغفر منه ويتوب. قال: «يغفر له ويتاب عليه» . قال: فيعود فيذنب. قال: «فيكتب عليه» . قال: ثمّ يستغفر منه ويتوب. قال: «يغفر له ويتاب عليه، ولا يملّ الله حتّى تملّوا» ) * «1» .
2-* (عن مروان والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قالا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم.
فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطّائفتين، إمّا السّبي وإمّا المال، وقد كنت استأنيت «2» بكم- وكان أنظرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضع عشرة ليلة حين قفل «3» من الطّائف- فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين. قالوا: فإنّا نختار سبينا. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين: فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّ إخوانكم قد جاءوا تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل، ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل» . فقال النّاس: قد طيّبنا ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم «4» أمركم» . فرجع النّاس فكلّمهم عرفاؤهم، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه أنّهم قد طيّبوا وأذنوا) * «5» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيه حتّى تعلو قلبه وهو الرّان «6» الّذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) » ) * «7» .
4-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «8» .
__________
(1) قال الهيثمي في المجمع (10/ 200) : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن.
(2) استأنيت: تأخرت.
(3) قفل: رجع.
(4) العرفاء: جمع عريف والعريف هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتعرف أحوالهم.
(5) البخاري- الفتح 7 (4318- 4319) .
(6) الران: الطبع والختم.
(7) الترمذي (3334) وقال: حديث حسن صحيح واللفظ له. وابن ماجة (4244) . والحاكم (2/ 517) من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي.
(8) مسلم (2759) .(4/1282)
5-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ) * «1» .
6-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: إنّها اشترت نمرقة»
فيها تصاوير، فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما بال هذه النّمرقة؟» . قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسّدها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أصحاب هذه الصّور يوم القيامة يعذّبون فيقال لهم أحيوا ما خلقتم. وقال إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة» ) * «3» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» ) * «4» .
8-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ هلال بن أميّة قذف امرأته فجاء فشهد والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟، ثمّ قامت فشهدت» ) * «5» .
9-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل
لك من خالة؟» قال: نعم.
قال: «فبرّها» ) * «6» .
10-* (عن أبي مالك الأشعريّ- رضي الله عنه- حدّث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أربع في أمّتي من أمر الجاهليّة، لا يتركونهنّ: الفخر في الأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة» . وقال:
«النّائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» ) * «7» .
وعند ابن ماجة بلفظ: «النّياحة من أمر الجاهليّة وإنّ النّائحة إذا ماتت ولم تتب قطّع الله لها ثيابا من قطران. ودرعا من لهب النّار» ) * «8» .
11-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: جاء ماعز بن مالك إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله طهّرني. فقال: «ويحك «9» ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد ثمّ جاء فقال: يا رسول الله
__________
(1) الترمذي (3537) وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجة (4253) وأحمد برقم (6160، 6400) . والحاكم (4/ 257) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند: إسناده صحيح (9/ 17) حديث (6160) .
(2) النمرقة: الوسادة.
(3) البخاري- الفتح 4 (2105) واللفظ له. ومسلم (2107) .
(4) النسائي (2/ 957) وقال الشيخ ناصر (1/ 209) : صحيح، حديث (917) واللفظ في هذا الرقم. وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 34) : تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات.
(5) البخاري- الفتح 9 (5307) واللفظ له. ومسلم (1493) .
(6) الترمذي (1985) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ذكره الألباني في صحيح الترمذي (1554) واللفظ فى هذا الرقم.
(7) مسلم (934) .
(8) ابن ماجة (1581) وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(9) ويحك: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها.(4/1283)
طهّرني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» قال: فرجع غير بعيد. ثمّ جاء فقال:
يا رسول الله طهّرني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك. حتّى إذا كانت الرّابعة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فيم أطهّرك؟» فقال: من الزّنى. فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبه جنون؟» فأخبر أنّه ليس بمجنون. فقال: «أشرب خمرا؟» فقام رجل فاستنكهه «1» فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أزنيت؟» فقال: نعم. فأمر به فرجم.
فكان النّاس فيه فرقتين. قائل يقول: لقد هلك. لقد أحاطت به خطيئته. وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز. أنّه جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضع يده في يده.
ثمّ قال اقتلني بالحجارة. قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة. ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم جلوس فسلّم ثمّ جلس. فقال: «استغفروا لما عز ابن مالك» . قال:
فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لقد تاب توبة لو قسمت بين أمّة لوسعتهم» . قال ثمّ جاءته امرأة من غامد «2» من الأزد. فقالت: يا رسول الله طهّرني. فقال: «ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه» فقالت: أراك تريد أن تردّدني كما ردّدت ما عز بن مالك. قال: «وما ذاك؟» قالت: إنّها حبلى من الزّنى، فقال: «أنت؟» قالت: نعم. فقال لها: «حتّى تضعي ما في بطنك» قال: فكفلها رجل من الأنصار حتّى وضعت. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: قد وضعت الغامديّة. فقال: «إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه» فقام رجل من الأنصار فقال:
إليّ رضاعه يا نبيّ الله، قال: فرجمها) * «3» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة. وذلك أنّ أحدهم إذا توّضأ فأحسن الوضوء، ثمّ أتى المسجد. لا ينهزه إلّا الصّلاة «4» . لا يريد إلّا الصّلاة. فلم يخط خطوة إلّا رفع له بها درجة. وحطّ عنه بها خطيئة. حتّى يدخل المسجد. فإذا دخل المسجد كان في الصّلاة ما كانت الصّلاة هي تحبسه.
والملائكة يصلّون على أحدكم ما دام في مجلسه الّذي صلّى فيه. يقولون: «اللهمّ ارحمه. اللهمّ اغفر له.
اللهمّ تب عليه. ما لم يؤذ فيه. مالم يحدث فيه» ) * «5»
13-* (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على المنبر صلّى الله عليه وسلّم فلمّا بلغ السّجدة نزل فسجد وسجد النّاس معه، فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ السّجدة تشزّن «6» النّاس للسّجود فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما هي توبة نبيّ، ولكنّي رأيتكم تشزّنتم للسّجود فنزل فسجد
__________
(1) فاستنكهه: شم رائحته.
(2) غامد: بطن من قبيلة جهينة.
(3) مسلم 3 (1695) . بعضه عند البخاري.
(4) لا ينهزه إلا الصلاة: لا تنهضه ولا تقيمه إلا الصلاة.
(5) البخاري- الفتح 1 (445) . ومسلم (649) باب (49) ص (459) واللفظ له.
(6) تشزن الناس: استعدوا للسجود.(4/1284)
وسجدوا» ) * «1» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ 86- 89) فأرسل إليه فأسلم) * «2» .
15-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبّر ثلاثا ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* «3» وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (الزخرف/ 13/ 14) ، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده، اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر «4» وكآبة المنظر «5» وسوء المنقلب «6» في المال والأهل» (وإذا رجع) «7» قالهنّ وزاد فيهنّ: «آيبون تائبون عابدون لربّنا حامدون» ) * «8» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب.. الحديث، وفيه: وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبّرئك الله، وإن كنت الممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي حتّى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به.
__________
(1) أبو داود (1410) وهذا لفظه وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 35) : تفرد بإسناده أبو داود على شرط الصحيح. وقال الألباني: في صحيح سنن أبي داود (1/ 655) : صحيح.
(2) صحيح النسائي (3792) وهذا لفظه وقال مخرجه: صحيح الإسناد وهو في السنن (7/ 107) . والحاكم في مستدركه (4/ 316) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 379) وقال: رواه ابن جرير ومثله النسائي. والحاكم وابن حبان، وقال شاكر في المسند: إسناده صحيح (4/ 37) حديث رقم (2218) .
(3) مقرنين: مطيقين.
(4) وعثاء السفر: مشقته وتعبه.
(5) كآبة المنظر: قبحه بحزن أو غيره.
(6) المنقلب: المرجع.
(7) وإذا رجع: أي من السفر.
(8) مسلم (1342) .(4/1285)
فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (يوسف/ 18) . قالت ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى.
ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى، ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت:
فو الله ما رام «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «2» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «3» من العرق، في اليوم الشّاتي، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت:
فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّاك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت:
والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله، هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (24/ النور/ 11) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (24/ النور/ 22) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه.
وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري: «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت:
يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «4» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «5» فهلكت فيمن هلك) * «6» .
17-* (عن أبي طويل شطب الممدود «7» رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
__________
(1) ما رام: أي ما فارق.
(2) البرحاء: هي الشدة.
(3) الجمان: الدّرّ. شبهت قطرات عرقه بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(4) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(5) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(6) البخاري- الفتح 7 (4141) . ومسلم (2770) واللفظ له.
(7) ذكر المنذري أن «شطب» ذكره غير واحد في الصحابة إلا أن البغوي ذكر في معجمه أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلا: أن رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم طويل شطب والشطب في اللغة: الممدود فصحفه بعض الرواة وظنه اسم رجل. راجع الترغيب والترهيب (4/ 133- 116) .(4/1286)
أرأيت من عمل الذّنوب كلّها ولم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة «1» إلّا أتاها، فهل لذلك من توبة؟ قال: «فهل أسلمت» . قال: أمّا أنا فأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، قال: «تفعل الخيرات وتترك السّيّئات فيجعلهنّ الله لك خيرات كلّهنّ» قال: وغدراتي وفجراتي. قال: «نعم» قال: الله أكبر فما زال يكبّر حتّى توارى) * «2» .
18-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء، فقال: «أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي «3» ، والحاشر، ونبيّ التّوبة»
، ونبيّ الرّحمة» ) * «5» .
19-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على راهب فأتاه، فقال: إنّه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال: لا.
فقتله فكمّل به مائة، ثمّ سأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل عالم، فقال: إنّه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التّوبة.
انطلق إلى أرض كذا وكذا فإنّ بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنّها أرض سوء، فانطلق حتّى إذا نصف «6» الطّريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب.
فقالت ملائكة الرّحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنّه لم يعمل خيرا قطّ.
فأتاهم ملك في صورة آدميّ فجعلوه بينهم فقال:
قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيّتهما كان أدنى فهو له.
فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض الّتي أراد. فقبضته ملائكة الرّحمة» ) * «7» .
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التّوابون» ) * «8» .
21-* (عن صفوان بن عسّال المراديّ رضي الله عنه- أنّه جاءه زرّ بن حبيش فقال:
ما جاء بك؟ قلت: ابتغاء العلم. قال: بلغني أنّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يفعل، قال: قلت: إنّه حاك- أو قال: حكّ- في نفسي شيء من المسح على الخفّين. فهل حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئا؟ قال: نعم، كنّا إذا كنّا في سفر أو مسافرين أمرنا أن لا نخلع خفافنا ثلاثا إلّا من جنابة،
__________
(1) الداجة: الحاجة الكبيرة.
(2) ذكره في الترغيب والترهيب وقال: رواه البزار والطبراني واللفظ له وهذا إسناد جيد قوي (4/ 112- 113) . وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد (1/ 32) : ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيط وهو ثقة.
(3) المقفي: الآخر والمتبع للأنبياء.
(4) نبي التوبة: جاء بالتوبة.
(5) مسلم (2355) .
(6) نصف الطريق: في منتصف الطريق.
(7) البخاري- الفتح 6 (3470) . ومسلم برقم (2766) واللفظ له.
(8) الترمذي (2499) وهذا لفظه وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة. ابن ماجة (4251) وقال الحافظ: سنده قوي (4/ 346) والدارمي (2/ 393) وأحمد (3/ 198) والحاكم (4/ 244) . وقال محقق جامع الأصول (2/ 515) : حسن.(4/1287)
ولكن من غائط وبول ونوم، قال: فقلت: فهل حفظت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الهوى شيئا؟ قال: نعم، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره، فناداه رجل كان في آخر القوم بصوت جهوريّ أعرابيّ جلف جاف، فقال: يا محمّد، يا محمّد، فقال له القوم: مه إنّك قد نهيت عن هذا، فأجابه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نحوا من صوته هاؤم، فقال: الرّجل يحبّ القوم ولمّا يلحق بهم، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء مع من أحبّ» ، قال: زرّ: فما برح حتّى حدّثني أنّ الله جعل بالمغرب بابا عرضه مسيرة سبعين عاما للتّوبة لا يغلق ما لم تطلع الشّمس من قبله، وذلك قول الله عزّ وجلّ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها (الأنعام/ 158) الآية) * «1» .
22-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتّى اشتدّ عليه الحرّ والعطش، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثمّ رفع رأسه فإذا راحلته عنده» ) * «2» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أخطأتم حتّى تبلغ خطايكم السّماء، ثمّ تبتم لتاب عليكم» ) * «3» .
24-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كان لابن آدم واد من ذهب أحبّ أنّ له واديا آخر، ولن يملأ فاه إلّا التّراب، والله يتوب على من تاب» ) * «4» .
25-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «للجنّة ثمانية أبواب، سبعة مغلقة وباب مفتوح للتّوبة حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «5» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تاب قبل أن تطلع الشّمس من مغربها تاب الله عليه» ) * «6» .
27-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء، ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المتطهّرين.
فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يدخل من أيّها
__________
(1) الترمذي (3536) وقال: حسن صحيح واللفظ له. وأحمد (4/ 240) . وقال مخرج رياض الصالحين: إسناده حسن وعزاه لابن حبان رقم (186) «موارد» ...
(2) البخاري- الفتح 11 (6308) واللفظ له ومسلم (3744) .
(3) ابن ماجة (4248) وفي الزوائد: هذا إسناد حسن، وشيخ ابن ماجة مختلف فيه وباقي رجاله ثقات. وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/ 13) : إسناده حسن. وذكره في الترغيب والترهيب (4/ 90) وقال: رواه ابن ماجة بإسناد جيد.
(4) البخاري- الفتح 11 (6439) ، مسلم (1048) .
(5) ذكره في الترغيب والترهيب (4/ 89) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد.
(6) مسلم (2703) .(4/1288)
شاء» ) * «1» .
28-* (عن أبيّ هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك:
سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب اليك. إلّا غفر له ما كان في مجلسه ذلك» ) * «2» .
29-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرب الخمر في الدّنيا ثمّ لم يتب منها حرمها في الآخرة» ) * «3» .
30-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرّابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال» ، قيل يا أبا عبد الرّحمن: وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النّار) * «4» .
31-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: أستغفر الله العظيم الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه (ثلاثا) غفر له وإن كان فرّ من الزّحف» ) * «5» .
32-* (عن عبد الله بن مسعود الهذليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «النّدم توبة» ) * «6» .
33-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما
__________
(1) الترمذي (55) وهذا لفظه، وصححه الشيخ أحمد شاكر كما في (1/ 79) . ومسلم (234) بسياق مختلف وليس فيه: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. وقال محقق جامع الأصول: رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي (9/ 374) .
(2) أبو داود (4858) . والترمذي (3433) وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. وعزاه شاكر إلى النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 134) وهذا لفظه، وقال مخرج جامع الأصول: إسناده حسن وعزاه لابن حبان (4/ 277) .
(3) البخاري- الفتح 10 (5575) واللفظ له. ومسلم (2003) .
(4) الترمذي (1862) وقال: حديث حسن. وقال محقق جامع الأصول (5/ 101) : إسناده حسن. وخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 146) من حديث الله بن عمرو، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وقال الألباني في صحيح الجامع (3/ 306) : صحيح عن ابن عمرو.
(5) أبو داود (1517) وهذا لفظه من حديث بلال بن يسار بن زيد مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والترمذي (3397) وفيه زيادة. وقال محقق جامع الأصول: حسن (4/ 389) رواه الحاكم (1/ 511) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وهذا لفظه.
(6) ابن ماجة (4252) وأحمد (1/ 376) وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 164) : إسناده صحيح، حديث (3568) . والحاكم (4/ 243) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 98) وعزاه للحاكم.(4/1289)
أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها، وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك ... الحديث، وفيه: فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال فخررت ساجدا.
وعرفت أن قد جاء فرج، قال: فأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا. وسعى ساع من أسلم قبلي. وأوفى الجبل. فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ.
واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس. فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب:
فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر.
قال وكنّا نعرف ذلك. قال فلمّا جلست بين يديه قلت:
يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك. فهو خير لك» قال فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال وقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق. وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا، أحسن ممّا أبلاني الله به. والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. قال: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (9/ التوبة/ 117، 118) حتّى بلغ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (9/ التوبة/ 119) .
قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ، بعد إذ هداني الله للإسلام، أعظم في نفسي، من صدقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا، حين أنزل الوحي، شرّ ما قال لأحد. وقال الله:
__________
(1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف.(4/1290)
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (9/ التوبة/ 95- 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا، أيّها الثّلاثة، عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم.
وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه.
فبذلك قال الله- عزّ وجلّ- وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا. وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا، تخلّفنا عن الغزو. وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر. كلاهما يدخل الجنّة» فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «يقاتل هذا في سبيل الله- عزّ وجلّ- فيستشهد ثمّ يتوب الله على القاتل فيسلم. فيقاتل في سبيل الله- عزّ وجلّ- فيستشهد» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (التوبة) معنى
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما يحكيه عن ربّه- عزّ وجلّ- قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى:
أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب، فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» ) * «3» .
36-* (عن عروة- رضي الله عنه- قال: إنّ امرأة سرقت في غزوة الفتح فأتي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أمر بها فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها وتزوّجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
37-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيّد الاستغفار أن يقول:
اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، قال: ومن قالها من النّهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من اللّيل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة» ) * «5» .
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم 4 (2769) واللفظ له.
(2) مسلم (1890) .
(3) البخاري- الفتح 13 (7507) . مسلم (2758) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 5 (2648) واللفظ له. ومسلم (1688) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6306) .(4/1291)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوبة)
38-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قالت قريش للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ادع ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا، فإن أصبح ذهبا اتّبعناك، فدعا ربّه فأتاه جبريل عليه السّلام، فقال: إنّ ربّك يقرئك السّلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصّفا ذهبا فمن كفر منهم عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التّوبة والرّحمة. قال: بل باب التّوبة والرّحمة» ) * «1» .
39-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبّت حجّتي، واهد قلبي وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي» ) * «2» .
40-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» . قالت: فقلت:
يا رسول الله: أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. فقال: «خبّرني ربّي أنّي سأرى علامة في أمّتي فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. فقد رأيتها إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «3» * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» ) * «4» .
41-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إن كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرّة من قبل أن يقوم: «ربّ اغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «5» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة» ) * «6» .
ومسلم: من حديث الأغرّ بن يسار المزنيّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه
__________
(1) أحمد (1/ 345) . والحاكم (4/ 240) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. ومجمع الزوائد (10/ 196) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح واللفظ في مجمع الزوائد.
(2) أبو داود (1510) واللفظ له. والترمذي (3552) وقال: هذا حديث صحيح. وابن ماجة (3830) .
(3) الفتح: فتح مكة.
(4) البخاري- الفتح 8 (4968) . ومسلم (484) واللفظ له.
(5) أبو داود (1516) وهذا لفظه والترمذي (3434) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجة (3814) ، وعزاه شاكر للنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 148) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6307) .(4/1292)
ليغان «1» على قلبي وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة» ) * «2» .
43-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلاة بعد أن نزلت عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلّا يقول فيها: «سبحانك ربّنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوبة)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
«اجلسوا إلى التّوّابين فإنّهم أرقّ أفئدة» ) *» .
2-* (وقال أيضا- رضي الله عنه- في معنى قوله تعالى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم/ 8) . يذنب العبد ثمّ يتوب فلا يعود فيه» ) * «5» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال الله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (النجم/ 32) قال: هو الرّجل يصيب الفاحشة يلمّ بها ثمّ يتوب منها. قال يقول:
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألّما» )
* «6» .
4-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله-:
«يابن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التّوبة» ) * «7» .
5-* (وقال أيضا- رحمه الله- في معنى التّوبة النّصوح: «أن يكون العبد نادما على ما مضى، مجمعا على أن لا يعود فيه» ) * «8» .
وقال فيها أيضا: «ندم بالقلب، واستغفار باللّسان وترك بالجوارح، وإضمار ألّا يعود» ) * 9.
6-* (وقال الكلبيّ: «أن يستغفر باللّسان، ويندم بالقلب، ويمسك بالبدن» ) * 10.
7-* (وقال سعيد بن المسيّب: «التّوبة النّصوح ما تنصحون بها أنفسكم» ) * 11.
8-* (وقال محمّد بن كعب القرظيّ: «التّوبة يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللّسان، الإقلاع بالأبدان،
__________
(1) الغين والغيم: بمعنى الغفلة عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه.
(2) مسلم (2702) .
(3) البخاري- الفتح 8 (4967) .
(4) إحياء علوم الدين (4/ 15) .
(5) مدارج السالكين (1/ 309- 310) . والمستدرك (2/ 495) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي. وفي الآداب الشرعية زيادة: ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع. (1/ 86) .
(6) الترمذي (3284) مرفوعا، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلّا من حديث زكريا بن إسحاق وقال ابن كثير: وفي صحة رفعه نظر (4/ 274) . والحاكم (4/ 245) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7) الزهد للإمام أحمد (340) .
8- 11 كلها من مدارج السالكين (1/ 309- 310) . والآداب الشرعية (1/ 86) .(4/1293)
إضمار ترك العود بالجنان، مهاجرة سيّئ الإخوان» ) * «1» .
9-* (قال أبو حازم- رحمه الله-: «عند تصحيح الضّمائر تغفر الكبائر، إذا عزم العبد على ترك الآثام أمّه الفتوح «2» » ) * «3» .
10-* (قال يحيى بن معاذ- رحمه الله تعالى: «الّذي حجب النّاس عن التّوبة طول الأمل، وعلامة التّائب إسبال الدّمعة وحبّ الخلوة والمحاسبة للنّفس عند كلّ همّة» ) * «4» .
11-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«التّوبة من أفضل مقامات السّالكين لأنّها أوّل المنازل، وأوسطها، وآخرها. فلا يفارقها العبد أبدا ولا يزال فيها إلى الممات. وإن ارتحل السّالك منها إلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به. فهي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النّهاية ضروريّة، كما حاجته إليها في البداية كذلك» ) * «5» .
12-* (قال محمود الورّاق- رحمه الله-:
«قدّم لنفسك توبة مرجوّة ... قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النّفوس فإنّها ... ذخر وغنم للمنيب المحسن» )
* «6» .
13-* (قال بعض أهل العلم: «من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر، لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة، لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب» ) * «7» .
14-* (عن النّعمان بن بشير قال: سئل عمر ابن الخطّاب عن التّوبة النّصوح قال: «التّوبة النّصوح أن يتوب الرّجل من العمل السّيّئ ثمّ لا يعود إليه أبدا» ) * «8» .
15-* (عن سماك بن حرب قال: سمعت النّعمان بن بشير يخطب قال: سمعت عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم/ 8) قال:
يذنب الذّنب ثمّ لا يرجع فيه» ) * 9.
16-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ألّا يعود صاحبها لذلك الذّنب الّذي يتوب منه» ) * 10.
__________
(1) الآداب الشرعية (1/ 86) .
(2) أمه الفتوح: أتاه وقصده.
(3) حلية الأولياء، للأصبهاني (2/ 230) .
(4) ذم الهوى، لابن الجوزي (174) بواسطة قطار المستغفرين لجاسم المطوع.
(5) مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 198) .
(6) تفسير القرطبي (5/ 92) .
(7) إحياء علوم الدين (1/ 206) .
8- 10 وردت هذه الآثار في تفسير الطبري (28/ 107، 108) .(4/1294)
17-* (عن أبي الأحوص عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال: «التّوبة النّصوح الرّجل يذنب الذّنب ثمّ لا يعود فيه» ) * «1» .
18-* (روي عن مجاهد قوله: تَوْبَةً نَصُوحاً قال: «يستغفرون ثمّ لا يعودون» ) * 2.
19-* (روي عن الضّحّاك في قوله: تَوْبَةً نَصُوحاً قال: «النّصوح أن تتحوّل عن الذّنب ثمّ لا تعود له أبدا» ) * 3.
20-* (عن قتادة قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال: «هي الصّادقة النّاصحة» ) * 4.
من فوائد (التوبة)
(1) التّوبة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) سبب حبّ الله تعالى ورضاه؛ لأنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين.
(3) سعة رحمة الله تعالى للتّائب.
(4) ضعف الإنسان لكون الخطيئة جزءا منه.
(5) عموم وشمول مغفرة الله ورحمته لكلّ ذنب تاب العبد منه وإن كان شركا.
(6) حرمة المسلم (عرضه وماله) فلا تقبل التّوبة من حقوق العباد إلّا بأن يأخذ حقّه أو يعفو.
(7) يتجلّى الله على التّائب برضوانه وإحسانه.
(8) يقبل الله على التّائب أضعاف إقبال عبده عليه بطاعته.
(9) تسبّب التّوبة ذهاب الضّيق وإزالة الهمّ.
(10) الرّجاء في العفو والتّوبة ما دامت الرّوح في الجسد إلى طلوع الشّمس من مغربها، وقبل الغرغرة.
(11) وجوب التّوبة على العموم وعلى الخصوص والمبادرة بها.
(12) المعاصي سواد والتّوبة جلاؤها.
__________
1- 4 وردت هذه الآثار في تفسير الطبري (28/ 107- 108) .(4/1295)
التوحيد
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
91/ 37/ 20
التوحيد لغة:
مصدر قولهم: «وحّد يوحّد» وهو مأخوذ من مادّة (وح د) الّتي تدلّ على الانفراد، يقول ابن فارس:
ومن ذلك الوحدة، (ومنه) هو واحد قبيلته إذا لم يكن فيهم مثله، قال الشّاعر:
يا واحد العرب الّذي ... ما في الأنام له نظير
والواحد أيضا: المنفرد، وقول عبيد (بن الأبرص) :
والله لو متّ ما ضرّني ... وما أنا إن عشت في واحده
يريد: ما أنا (على ما يرام) إن عشت في خلّة واحدة تدوم، لأنّه لابدّ لكلّ شيء من انقضاء «1» . وقال الرّاغب: الواحد في الحقيقة هو الشّيء الّذي لا جزء له البتّة، ثمّ يطلق على كلّ موجود
حتّى إنّه ما من عدد إلّا ويصحّ أن يوصف به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد، وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الّذي لا يصحّ عليه التّجزّؤ ولا التكثّر، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (الزمر/ 45) «2» . قال القرطبيّ: كان المشركون إذا قيل لهم: «لا إله إلّا الله» نفروا وكفروا، (وإذا ذكر الّذين من دونه) - أي:
الأوثان- يظهر في وجوههم البشر والسّرور، ومعنى «اشمأزّت» قيل: «انقبضت، وقيل: نفرت واستكبرت وكفرت وتعصّت، وقيل: أنكرت «3» .
والوحد: المفرد، ويوصف به غير الله تعالى، كقول الشّاعر:
على مستأنس وحد
وأحد مطلقا لا يوصف به غير الله تعالى «4» .
ويقال: رجل وحد، ووحد، ووحيد أي:
منفرد. وفلان واحد دهره، وفلان لا واحد له، وفلان واحد أهل زمانه، أي: لا نظير له. والجمع: وحدان مثل شابّ وشبّان، وراع ورعيان، وأحدان وأصله:
وحدان (أبدلت الواو همزة) ، ويقال: لست في هذا الأمر بأوحد، ولا يقال للأنثى وحداء. وقولهم: أعط كلّ واحد منهم على حدة أي: على حياله «5» .
وقال ابن منظور: يقال: وحد فلان يوحد أي
__________
(1) مقاييس اللغة (6، 90، 91) .
(2) المفردات (514، 515) .
(3) تفسير القرطبي (15/ 172) .
(4) المفردات (515) .
(5) الصحاح للجوهري (2/ 548) ، وقارن أيضا بالمفردات (516) .(4/1296)
بقي وحده، ويقال أيضا وحد ووحد وفرد وفرد ...
ونقل عن ابن سيده أنّه يقال في (مصدر) وحد ووحد وحادة وحدة ووحدا، وقولهم توحّد: بقي وحده، وفي حديث ابن الحنظليّة وكان رجلا متوحّدا أي منفردا لا يخالط النّاس ولا يجالسهم، وأوحد الله جانبه أي بقيّ وحده وأوحده للأعداء، وتوحّد برأيه تفرّد به «1» ، وتوحّده الله بعصمته أي عصمه ولم يكله إلى غيره وأوحدت الشّاة فهي موحد أي وضعت واحدا «2» ، وقولهم: مررت به وحده مصدر لا يثنّى ولا يجمع ولا يغيّر عن المصدر، وهو بمنزلة إفرادا وإن لم يتكلّم به، وأصله أوحدته بمروري إيحادا ثمّ حذفت زياداته فجاء على الفعل ومثله قولهم: عمرك الله، والعرب تنصب «وحده» في الكلام كلّه لا ترفعه ولا تخفضه إلّا في ثلاثة أحرف: نسيج وحده، وعيير وحده، وجحيش وحده «3» ، ووجه النّصب أنّه مصدر أي توحّد وحده، وقال (الكوفيّون) «4» إنّه نصب على أنّه صفة، وقال أبو عبيد: وقد يدخل الأمران فيه جميعا، أمّا قولهم نسيج وحده فمدح، وأمّا جحيش وحده وعيير وحده فموضوعان موضع الذّمّ، وهما اللّذان لا يشاوران أحدا ولا يخالطان (غيرهما) ، وفيهما مع ذلك مهانة وضعف، وقيل معنى قولهم: نسيج وحده أنّه لا ثاني له «5» ، وفي حديث عمر- رضي الله عنه- من يدلّني على نسيج وحده ومنه أيضا حديث عائشة- رضي الله عنها- تصف عمر- رضي الله عنه- «كان نسيج وحده» «6» . والوحد: حدة كلّ شيء، يقال وحد الشّيء يحد حدة، وكلّ شيء على حدة فهو ثاني آخر، يقال: ذلك على حدته، وهما على حدتهما، وهم على حدتهم وفي حديث جابر ودفن أبيه: فجعله في قبر على حدة أي منفردا وحده وهي مثل عدة وزنة من الوعد والوزن، قال ابن سيدة: وحدة الشّيء توحّده، يقال: هذا الأمر على حدته وعلى وحده، وقولهم:
أوحده النّاس أي تركوه وحده، وأمّا قوله عزّ وجلّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإنّ أكثر القرّاء على تنوين أحد وقد قرأه بعضهم بترك التّنوين وقرئ أيضا بإسكان الدّال، وأجودها الرّفع في المرور (أي في الوصل) ، وإنّما كسر التّنوين لسكونه وسكون اللّام من لفظ الجلالة، ومن حذف التّنوين فلالتقاء السّاكنين أيضا. وروي في التّفسير أنّ المشركين قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: انسب لنا ربّك فأنزل الله- عزّ وجلّ-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ (الإخلاص/ 1، 2) . ومعنى ذلك نفي
__________
(1) لسان العرب «وحد» (4780) .
(2) الصحاح (2/ 548) .
(3) هكذا نقل ابن منظور عن أبي عبيد، وقد أضاف الراغب إلى هذه الثلاثة قولهم رجيل وحده. انظر المفردات (515) .
(4) في الأصل وقال أصحابنا أي أصحاب أبي عبيد والمراد بهم الكوفيون، وقال ابن الأثير: هو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر وعند أهل الكوفة على الظرف. النهاية (5/ 160) .
(5) لسان العرب «وحد» (4780) وما بعدها (ط. دار المعارف) .
(6) النهاية (5/ 160) وفي اللسان «كان- رحمه الله- أحوذيّا نسيج وحده» المعنى أنّه ليس له شبيه في رأيه وجميع أموره (اللسان 4781) .(4/1297)
النّسب عن الله الواحد- تعالى عمّا يقول المشركون علوّا كبيرا- لأنّ الأنساب إنّما تكون للمخلوقين، والله تعالى صفته أنّه لم يلد ولدا ينسب إليه، ولم يولد فينتسب إلى والده، ولم يكن له مثل- ولا يكون- فيشبّه به «1» ، وقال القرطبيّ: معنى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: أي الواحد الوتر الّذي لا شبيه له ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك «2» ، وذكر الطّبريّ في سبب نزولها أنّ المشركين سألوا النّبيّ عن نسب ربّ العزّة، وقيل إنّ اليهود سألوه فقالوا: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله، فأنزلت جوابا لهم «3» .
وجوه استعمال لفظ الواحد:
قال الرّاغب: الواحد لفظ مشترك يستعمل على ستّة أوجه:
الأوّل: ما كان واحدا في الجنس أو في النّوع كقولنا الإنسان والفرس واحد، في الجنس وزيد وعمرو واحد في النّوع.
الثّاني: ما كان واحدا بالاتصال إمّا من حيث الخلقة كقولك شخص واحد وإمّا من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة.
الثّالث: ما كان واحدا لعدم نظيره إمّا في الخلقة كقولك الشّمس واحدة وإمّا في دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره وكقولك نسيج وحده.
الرّابع: ما كان واحدا لامتناع التّجزّي فيه إمّا لصغره كالهباء وإمّا لصلابته كالألماس.
الخامس: لمبدإ العدد كقولك واحد اثنان.
السّادس: لمبدإ الخطّ كقولك النّقطة الواحدة.
والوحدة كلّها عارضة وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الّذي لا يصحّ عليه التّجزّي ولا التّكثّر ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ والوحد المفرد ويوصف به غير الله تعالى «4» .
وجوه استعمال «أحد» في القرآن الكريم:
قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ الأحد في القرآن على أربعة أوجه:
أحدها: الله عزّ وجلّ، ومنه قوله تعالى في البلد أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ* يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً* أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (البلد/ 5- 7) .
والثّاني: محمّد عليه السّلام ومنه قوله تعالى في سورة آل عمران إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ (آل عمران/ 153) .
وقوله: وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً (الحشر/ 11) .
والثّالث: بلال بن حمامة ومنه قوله تعالى في «الليل» وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى
__________
(1) لسان العرب «وحد» (4782) ط. دار المعارف.
(2) تفسير القرطبي (20/ 167) .
(3) تفسير القرطبي (12/ 221) .
(4) المفردات (514، 515) وقد أدمج- رحمه الله- الوجهين الخامس والسادس فجعلهما وجها واحدا وقد فصلناهما ليكتمل العدد الذي ذكره في صدر كلامه وهو ستة وقد تبعه في ذلك الفيروزابادي في البصائر (5/ 171) فذكر أن الوجوه ستة ولم يذكر عند التفصيل سوى خمسة أوجه.(4/1298)
(الليل/ 19) أي في بلال عند أبي بكر حين اشتراه وأعتقه من نعمة تجزى.
والرّابع: بمعنى الواحد ومنه قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الإخلاص/ 1) «1» .
الواحد والأحد من أسماء الله تعالى وصفاته:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى «الواحد» وهو الفرد الّذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، وقيل الواحد هو الّذي لا يتجزّأ ولا يثنّى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل «2» ، وقال الأزهريّ: الواحد من صفات الله تعالى معناه أنّه لا ثاني له، ويجوز أن ينعت الشّيء بأنّه واحد، فأمّا أحد فلا ينعت به غير الله تعالى لخلوص هذا الاسم الشّريف له جلّ ثناؤه تقول:
وحّدت الله وأحّدته، وهو الواحد الأحد، وروي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رجلا ذكر الله وأومأ بإصبعيه، فقال له أحّد أحّد أي أشر بإصبع واحدة، وأمّا قول النّاس:
توحّد الله بالأمر وتفرّد فإنّه وإن كان صحيحا فإنّي لا أحبّ أن ألفظ به في صفة الله تعالى إذ لا يوصف عزّ وجلّ إلّا بما وصف به نفسه في التّنزيل أو في السّنّة، ولم أجد المتوحّد في صفاته ولا المتفرّد، وإنّما ننتهي في صفاته إلى ما وصف به نفسه ولا نجاوزه إلى غيره لمجازه في العربيّة «3» .
وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: ليس في الموجودات ما يسمّى أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف إلّا الله تعالى، بخلاف النّفي وما في معناه:
كالشّرط والاستفهام، فإنّه يقال: هل عندك أحد، وإن جاءني أحد من جهتك أكرمته»
. وذلك أنّه سبحانه هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله «5» .
الفرق بين الواحد والأحد:
قال أبو منصور الأزهريّ وغيره: الفرق بينهما أنّ الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول ما جاءني أحد، والواحد اسم بني لمفتتح العدد تقول:
جاءنى واحد من النّاس، ولا تقول جاءني أحد، فالواحد منفرد بالذّات في عدم المثل والنّظير، والأحد منفرد بالمعنى؛ وقيل: الواحد هو الّذي لا يتجزّأ ولا يثنّى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل ولا يجمع هذين الوصفين إلّا الله عزّ وجلّ «6» ، وأمّا اسم الله عزّ وجلّ «أحد» فإنّه لا يوصف شيء بالأحديّة غيره لا يقال رجل أحد، ولا درهم أحد كما يقال رجل وحد أي فرد، لأنّ أحدا صفة من صفات الرّبّ عزّ وجلّ الّتي استخلصها لنفسه ولا يشركه فيها شيء، وليس ذلك كقولك: الله واحد، وهذا شيء واحد» «7» .
وقال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين واحد
__________
(1) نزهة الأعين النواظر (115- 116) .
(2) النهاية (5/ 159) .
(3) لسان العرب «وحد» (4781- 4782) ط. دار المعارف، والنهاية لابن الأثير 5/ 195.
(4) الفتاوى 17/ 235.
(5) تفسير ابن كثير 4/ 609.
(6) لسان العرب «وحد» (4782) ط. دار المعارف.
(7) لسان العرب «وحد» (4781) ط. دار المعارف.(4/1299)
وأحد أنّ معنى الواحد أنّه لا ثاني له فلذلك لا يقال في التّثنية واحدان، كما يقال رجل ورجلان ولكن قالوا:
اثنان حين أرادوا أنّ كلّ واحد منهما ثان للآخر «1» .
وقال النّيسابوريّ: الفرق بين الواحد والأحد من ثلاثة أوجه:
الأوّل: أنّ الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه.
الثّاني: أنّك إذا قلت فلان لا يقاومه واحد جاز أن يقال: لكنّه يقاومه اثنان، وليس كذلك الأحد.
والثّالث: أنّ الواحد يستعمل في الإثبات والأحد يستعمل في النّفي فيفيد العموم «2» . ولعلّ وجه تخصيص الله بالأحد هو هذا المعنى «3» .
التوحيد اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: التّوحيد ثلاثة أشياء معرفة الله بالرّبوبيّة، والإقرار بالوحدانيّة، ونفي الأنداد عنه جملة «4» .
وقال ابن منظور: التّوحيد: الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد: ذو الوحدانيّة والتّوحّد «5» .
وقال صاحب البصائر: التّوحيد الحقيقيّ الّذي هو سبب النّجاة ومادّة السّعادة في الدّار الآخرة هو ما بيّنه الله تعالى وهدانا إليه في كتابه العزيز: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران/ 18) .
وقال الإمام محمّد بن عبد الوهّاب: التّوحيد:
هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرّسل الّذين أرسلهم الله به إلى عباده «6» .
وقال الدّكتور ناصر العمر: التّوحيد شرعا:
إفراد الله بحقوقه، وهو لله ثلاثة حقوق: حقوق ملك، وحقوق عبادة، وحقوق أسماء وصفات «7» .
أنواع التوحيد:
قال الفيروز اباديّ: التّوحيد توحيدان:
الأوّل: توحيد الرّبوبيّة، وصاحب هذا التوحيد يشهد قيّوميّة الرّبّ فوق عرشه يدبّر أمر عباده وحده فلا خالق ولا رازق ولا معطي ولا مانع ولا مميت ولا محيي ولا مدبّر لأمر المملكة (والملكوت) ظاهرا وباطنا غيره، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرّك ذرّة إلّا بإذنه، ولا يجري حادث إلّا بمشيئته، ولا تسقط ورقة إلّا بعلمه، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّموت ولا في الأرض.. إلّا وقد أحصاها علمه وأحاطت بها قدرته، ونفذت فيها مشيئته واقتضتها حكمته. والآخر: توحيد الألوهيّة ويعني أن يجمع
__________
(1) الفروق لأبي هلال (134) .
(2) وقد يستعمل الأحد في الإثبات أيضا كما في قوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ ... (التوبة/ 6) .
(3) غرائب القرآن ورغائب الفرقان (بهامش الطبري) مجلد (12 جزء 3 ص 204) .
(4) التعريفات (73) .
(5) لسان العرب «وحد» .
(6) مجموعة التوحيد، الرسالة الثالثة، (70) .
(7) التوحيد أولا (15) .(4/1300)
الموحّد همّه وقلبه وعزمه وإرادته وحركاته على أداء حقّه والقيام بعبوديّته «1» .
وقال شارح كتاب التّوحيد: التّوحيد نوعان:
توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الرّبوبيّة والأسماء والصّفات، وتوحيد في الطّلب والقصد وهو توحيد الألوهيّة والعبادة «2» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: التّوحيد ثلاثة أنواع:
1- أمّا توحيد الرّبوبيّة: فهو الّذي أقرّ به الكفّار على زمن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ولم يدخلهم في الإسلام، وقاتلهم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم واستحلّ دماءهم وأموالهم، وهو توحيد بفعله تعالى، والدّليل قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (يونس/ 31) وقوله تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (المؤمنون/ 84- 89) .
2- توحيد الألوهيّة: وهو الّذي وقع فيه النّزاع في قديم الدّهر وحديثه، وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدّعاء، والنّذر، والنّحر، والرّجاء، والخوف، والتوكّل، والرّغبة، والرّهبة، والإنابة.
3- توحيد الذّات والأسماء والصّفات: قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (سورة الإخلاص) وقال عزّ من قائل: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (الأعراف/ 180) «3» .
وقد ذكر الشّيخ ابن عثيمين أنّ التّوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثّلاثة، ثمّ عرّفها قائلا:
توحيد الرّبوبيّة: وهو إفراد الله- عزّ وجلّ- بالخلق والملك والتّدبير، فلا خالق إلّا الله، ولا مالك إلّا الله، ولا مدبّر إلّا الله. إذ هو سبحانه المتفرّد بالخلق، والمتفرّد بالملك، والمتفرّد بالتّدبير ...
وما يوجد من المخلوق من صنع الأشياء أو الملك أو التّدبير فكلّه ناقص، وهم غير مستقلّين به، بل ذلك من خلق الله- عزّ وجلّ- (أجراه على أيديهم) أمّا المنفرد بذلك على وجه الاستقلال فهو الله سبحانه وتعالى.
أمّا توحيد الألوهيّة فهو مستمدّ من قوله تعالى:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء/ 25) أي (إفراد المولى
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (5/ 172) .
(2) فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ (15) .
(3) مجموعة التوحيد لابن تيمية (7، 8) .(4/1301)
- عزّ وجلّ- بالعبادة) . والعبادة مبنيّة على شيئين:
المحبّة، والتّعظيم. ففي المحبّة يكون الرّجاء، وفعل الأوامر طلبا للوصول إلى محبّة الله- عزّ وجلّ- وثوابه. والتّعظيم: به يترك الإنسان المناهي الّتي نهى الله عنها ويخاف من عقابه، وللعبادة- أيضا- شرطان، أوّلهما: الإخلاص لله. وثانيهما: المتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأمّا توحيد الأسماء والصّفات فيعني إفراد المولى- عزّ وجلّ- بأسمائه وصفاته وذلك بإثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، والسّكوت عمّا سكت عنه الله ورسوله، أو أثبتاه إثباتا بلا تمثيل، ونفيا بلا تعطيل «1» .
أسس توحيد الأسماء والصفات:
يقوم توحيد الأسماء والصّفات على ثلاثة أسس، من حاد عنها لم يكن موحّدا لربّه في الأسماء والصّفات:
الأساس الأوّل: تنزيه الله عن مشابهته الخلق، وعن أيّ نقص.
الأساس الثّاني: الإيمان بالأسماء والصّفات الثّابتة في الكتاب والسّنة، دون تجاوزها بالنّقص منها أو الزّيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها.
الأساس الثّالث: قطع الطّمع عن إدراك كيفيّة هذه الصّفات «2» .
أدلة هذا التوحيد:
أمّا الأسماء فقد دلّ عليها قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ... (الأعراف/ 180) ، وقوله: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (الحشر/ 24) .
وأمّا الصّفات فقد دلّ عليها إقراره صلّى الله عليه وسلّم لقول الصّحابيّ في الحديث الّذي أخرجه البخاريّ: «إنّها صفة الرّحمن» .
وهذا التّوحيد لا يكفي في حصول الإسلام، بل لابدّ مع ذلك من الإتيان بلازمه من توحيد الرّبوبيّة والألوهيّة، ولم يكن الكفّار ينكرون هذا النّوع، إلّا أنّ بعضهم قد ينكر بعضه، إمّا جهلا، وإمّا عنادا «3» .
اشتمال الفاتحة على التوحيد بأنواعه المختلفة:
قال ابن قيّم الجوزيّة: اشتملت سورة الفاتحة على أنواع التّوحيد الثّلاثة الّتي اتّفقت عليها الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهو نوعان (إجمالا) هما التّوحيد العلمي المتعلّق بالأخبار والمعرفة.
والثّاني: التّوحيد القصديّ الإراديّ أي المتعلّق بالقصد والإرادة، وهذا الثّاني نوعان: توحيد في الرّبوبيّة وتوحيد في الألوهيّة. (فتصبح الأنواع ثلاثة تفصيلا) .
__________
(1) الجواب المفيد في بيان أقسام التوحيد (8- 17) بتصرف وإيجاز، وانظر أيضا فتاوي الشيخ العثيمين (2/ 112) وما بعدها.
(2) التوحيد أولا (321) نقلا عن منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات/ للشنقيطي (3، 5) .
(3) التوحيد أولا (22) .(4/1302)
فأمّا توحيد العلم: فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التّشبيه والمثال، والتّنزيه عن العيوب والنّقائص، وقد دلّ على هذا شيئان: مجمل ومفصّل.
أمّا المجمل فإثبات الحمد له سبحانه، وأمّا المفصّل: فذكر صفة الإلهيّة والرّبوبيّة والرّحمة «1» والملك، وعلى هذه الأربع مدار الأسماء والصّفات، فأمّا تضمّن الحمد لذلك فإنّ الحمد يتضمّن مدح المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله، مع محبّته والرّضا عنه والخضوع له فلا يكون حامدا من جحد صفات المحمود ولا من أعرض عن محبّته والخضوع له ... ومن المعلوم بالفطر والعقول السّليمة والكتب السّماويّة أنّ فاقد صفات الكمال لا يكون إلها ولا مدبّرا، ولا ربّا بل هو مذموم معيب ناقص ليس له حمد في الأولى ولا في الآخرة، وإنّما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال، ونعوت الجلال الّتي لأجلها استحقّ الحمد. أمّا دلالة الأسماء الخمسة وهي: الله، الرّبّ، الرّحمن، الرّحيم، الملك فمبنيّة على أصلين:
الأصل الأوّل: أنّ أسماء الرّبّ تبارك وتعالى دالّة على صفات كماله. فهي مشتقّة من الصّفات فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظا لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالّة على مدح ولا كمال، ولشاع وقوع أسماء الانتقام والغضب في مقام الرّحمة والإحسان ... وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها، فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد، ذلك أنّ ثبوت أحكام الصّفات فرع ثبوتها لأنّه إذا انتفى أصل الصّفة استحال ثبوت حكمها، ونفي معاني أسمائه عزّ وجلّ من أعظم الإلحاد فيها «2» .
أمّا الأصل الثّاني: فهو أنّ الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدلّ على الذّات والصّفة الّتي اشتقّ منها بالمطابقة فإنّه يدلّ على دلالتين أخريين بالتّضمّن واللّزوم، فيدلّ على الصّفة نفسها بالتّضمنّ، وكذلك على الذّات المجرّدة عن الصّفة، فاسم السّميع (مثلا) يدلّ على ذات الرّبّ وسمعه بالمطابقة وعلى الذّات وحدها وعلى السّمع وحده بالتّضمّن، ويتفاوت النّاس في معرفة اللّزوم وعدمه، ومن هنا يقع اختلافهم في كثير من الأسماء والصّفات والأحكام، فإنّ من علم أنّ الفعل الاختياريّ لازم للحياة، وأنّ السّمع والبصر لازم للحياة الكاملة، وأنّ سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من صفات الرّبّ وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك، ولا
__________
(1) ذكر ابن القيم في الصفحة التالية أن الأسماء الدالّة على ذلك خمسة هي: الله، الرب، الرحمن، الرحيم، الملك. ومن ثمّ تكون الصفات أربعا والأسماء خمسا فليتأمّل.
(2) ذكر الشيخ للإلحاد صورا أخرى عديدة، انظر (38، 39) من المدارج، وقارن بصفة الإلحاد.(4/1303)
عرف حقيقة الحياة ولوازمها وكذلك سائر صفاته كذلك «1» .
قال ابن القيّم: إذا تقرّر هذان الأصلان فاسم الله دالّ على جميع الأسماء الحسنى والصّفات العليا بالدّلالات كلّها، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهيّة الّتي اشتقّ منها اسم «الله» وهو دالّ على كونه مألوها معبودا تألّهه الخلائق محبّة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنّوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيّته ورحمته المتضمّنين لكمال الملك والحمد، وإلهيّته وربوبيّته ورحمته وملكه مستلزمة لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحيّ، ولا سميع ولا بصير، ولا قادر ولا متكلّم ولا فعّال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله وعلى ذلك:
فصفات الجلال والكمال أخصّ باسم «الله» وصفات الفعل والقدرة والتّفرّد بالضرّ والنّفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوّة، وتدبير أمر الخليقة أخصّ باسم «الرّبّ» .
وصفات الإحسان والجود والبرّ والحنان والمنّة، والرّأفة واللّطف أخصّ باسم «الرّحمن» الّذي الرّحمة وصفه، والرّحيم الّذي هو راحم لعباده.
وصفات العدل والقبض والبسط، والخفض والرّفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم ونحوها أخصّ باسم «الملك» «2» .
التوحيد أصل الدين:
قال ابن تيميّة: «والتّوحيد هو أصل الدّين الّذي لا يقبل الله من الأوّلين والآخرين دينا غيره، وبه أرسل الله الرّسل، وأنزل الكتب، كما قال الله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (الزخرف/ 45) . وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء/ 25) ... وقد ذكر الله- عزّ وجلّ- عن كلّ من الرّسل أنّه افتتح دعوته بأن قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* (هود/ 50، 61) .
والمشركون- من قريش وغيرهم- الّذين أخبر القرآن بشركهم واستحلّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دماءهم وأموالهم، وسبي حريمهم وأوجب لهم النّار- كانوا مقرّين بأنّ الله وحده خلق السّماوات والأرض كما قال تعالى:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (لقمان/ 25) .
وكان المشركون الّذين جعلوا مع الله آلهة أخرى مقرّين بأنّ آلهتهم مخلوقة، ولكنّهم كانوا يتّخذونهم
__________
(1) ضرب ابن القيم لذلك أسئلة عديدة، من ذلك على سبيل المثال اسم العليّ فإنّ من لوازم هذا الاسم العلو المطلق، بكل اعتبار، فله العلو المطلق من جميع الوجوه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذّات، ومن جحد علوّ الذّات فقد جحد لوازم اسمه «العلي» مدارج السالكين (1/ 40) .
(2) مدارج السالكين (1/ 33- 43) باختصار وتصرف. وانظر أيضا شرح العقيدة الطحاوية (89) حيث ذكر تحت عنوان أنواع التوحيد التي دعت إليها الرّسل نوعين: هما توحيد في الإثبات والمعرفة، والآخر توحيد في الطلب والقصد (ص 89 وما بعدها) وقد لخّص كلام ابن القيم هنا.(4/1304)
شفعاء ويتقرّبون بعبادتهم إليه كما قال تعالى:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ 18) «1» .
وقال أيضا: الدّاخلون في الإسلام إذا لم يحقّقوا التّوحيد واتّباع الرّسول، بل دعوا الشّيوخ الغائبين واستغاثوا بهم، فلهم من الأحوال الشّيطانيّة نصيب بحسب ما فيهم ممّا يرضي الشّيطان. ومن هؤلاء قوم فيهم عبادة ودين مع نوع جهل.
ودين الإسلام مبنيّ على أصلين: على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يعبد الله بما شرعه على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. وهذان هما حقيقة قولنا:
(أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله) . فالإله هو الّذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبّة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما. والله- عزّ وجلّ- له حقّ لا يشركه فيه غيره، فلا يعبد إلّا الله، ولا يدعى إلّا الله، ولا يخاف إلّا الله، ولا يطاع إلّا الله» «2» .
وقال عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ: وقوله أي محمّد بن عبد الوهّاب- «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» أي: يوحّدوه بالعبادة، فلابدّ من التّجرّد من الشّرك في العبادة، ومن لم يتجرّد من الشّرك في هذه العبادة لم يكن آتيا بعبادة الله وحده، بل هو مشرك قد جعل لله ندّا.. وفيه أيضا: أنّ العبادة هي التّوحيد؛ لأنّ الخصومة فيه. وفي بعض الآثار الإلهيّة: (إنّي والجنّ والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري إلى عبادي نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتحبّب إليهم بالنّعم، ويتبغّضون إليّ بالمعاصي ... ) «3» .
معنى كلمة التوحيد (لا إله إلّا الله) :
قال شارح العقيدة الطّحاويّة: «هذه كلمة التّوحيد الّتي دعت إليها الرّسل كلّهم، وإثبات التّوحيد بهذه الكلمة باعتبار النّفي والإثبات المقتضي للحصر، فإنّ الإثبات المجرّد قد يتطرّق إليه الاحتمال.
ولهذا- والله أعلم- لمّا قال تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (البقرة/ 163) ، قال بعده: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (البقرة/ 163) . فإنّه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطانيّ: هب أنّ إلهنا واحد، فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ.
وقد اعترض صاحب «المنتخب» على النّحويّين في تقدير الخبر في «لا إله إلّا هو» فقالوا: تقديره: لا إله في الوجود إلّا الله، فقال: يكون ذلك نفيا لوجود الإله. ومعلوم أنّ نفي الماهيّة أقوى في التّوحيد
__________
(1) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ابن تيمية (16، 17) باختصار.
(2) المرجع السابق (179، 180) بإيجاز.
(3) فتح المجيد- شرح كتاب التوحيد (28) .(4/1305)
الصّرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره والإعراض عن هذا الإضمار أولى. وقد أجاب أبو عبد الله المرسيّ في «ريّ الظّمان» فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب، فإنّ (إله) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم (لا) ، وعلى التّقديرين فلابدّ من خبر المبتدأ، وإلّا فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد» «1» .
وقد علّق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز على ذلك فقال: ما قاله صاحب المنتخب ليس بجيّد، وهكذا ما قاله النّحاة وأيّده الشّيخ أبو عبد الله المرسيّ من تقدير الخبر بكلمة (في الوجود) ليس بصحيح؛ لأنّ الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة، وتقدير الخبر بلفظ «في الوجود لا يحصل به المقصود من بيان أحقّيّة الوهيّة الله سبحانه، وبطلان ما سواها» ؛ لأنّ لقائل أن يقول: كيف تقولون: «لا إله في الوجود إلّا الله» ؟ وقد أخبر الله سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين، كما في قوله سبحانه: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وقوله سبحانه فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً الآية.
فلا سبيل إلى التّخلّص من هذا الاعتراض وبيان عظمة هذه الكلمة وأنّها كلمة التّوحيد المبطلة لآلهة المشركين وعبادتهم من دون الله، إلّا بتقدير الخبر بغير ما ذكره النّحاة، وهو كلمة «حقّ» ؛ لأنّها هي الّتي توضّح بطلان جميع الآلهة وتبيّن أنّ الإله الحقّ والمعبود بالحقّ هو الله وحده، كما نبّه على ذلك جمع من أهل العلم منهم أبو العبّاس ابن تيميّة وتلميذه العلّامة ابن القيّم وآخرون- رحمهم الله-.
ومن أدلّة ذلك قوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ فأوضح سبحانه في هذه الآية أنّه هو الحقّ، وأنّ ما دعاه النّاس من دونه هو الباطل، فشمل ذلك جميع الآلهة المعبودة من دون الله من البشر والملائكة والجنّ وسائر المخلوقات، واتّضح بذلك أنّه المعبود بالحقّ وحده، ولهذا أنكر المشركون هذه الكلمة وامتنعوا من الإقرار بها لعلمهم بأنّها تبطل آلهتهم؛ لأنّهم فهموا أنّ المراد بها نفي الألوهيّة بحقّ عن غير الله- سبحانه-، ولهذا قالوا جوابا لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لمّا قال لهم: «قولوا لا إله إلّا الله» أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ، وقالوا أيضا:
أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ وما في معنى ذلك من الآيات. وبهذا التّقدير يزول جميع الإشكال ويتّضح الحقّ المطلوب» «2» .
وقال الشّيخ عبد الله بن جبرين: معنى لا إله إلّا الله، هو عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهو الكفر
__________
(1) شرح العقيدة الطحاوية (109- 111) .
(2) تعليق الشيخ عبدة العزيز بن باز في هامش (ص 109- 110) شرح العقيدة الطحاوية.(4/1306)
بالطّاغوت والإيمان بالله، فتضمّنت هذه الكلمة العظيمة أنّ ما سوى الله ليس بإله، وأنّ إلهيّة ما سواه من أبطل الباطل، وإثباتها أظلم الظّلم، فلا يستحقّ العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهيّة لغيره، فتضمّنت نفي الإلهيّة عمّا سواه، وإثباتها له وحده لا شريك له، وذلك يستلزم الأمر باتّخاذه إلها وحده، والنّهي عن اتّخاذ غيره معه إلها، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النّفي والإثبات ... وقد دخل في الإلهيّة جميع أنواع العبادة الصّادرة عن تألّه القلب لله بالحبّ والخضوع، والانقياد له وحده لا شريك له، فيجب إفراد الله تعالى بها كالدّعاء والخوف والمحبّة، والتّوكّل والإنابة والتّوبة والذّبح والنّذر والسّجود، وجميع أنواع العبادة، فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له، فمن صرف شيئا ممّا لا يصلح إلّا من العبادات لغير الله فهو مشرك ولو نطق ب «لا إله إلّا الله، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التّوحيد والإخلاص» «1» .
شروط كلمة التوحيد:
لشهادة أن لا إله إلّا الله شروط يجب على كلّ مسلم أن يحقّقها وهي:
1- العلم: ودليله قول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (محمد/ 19) . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة» والمراد:
العلم الحقيقيّ بمدلول الشّهادتين، وما تستلزمه كلّ منهما من العمل.
2- اليقين: وضدّه الشّكّ والتّوقّف، أو مجرّد الظّنّ والرّيب، والمعنى: أنّ من أتى بالشّهادتين فلابدّ أن يوقن بقلبه ويعتقد صحّة ما يقوله من أحقّيّة إلهيّة الله تعالى وصحّة نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وبطلان ما عدا ذلك.
3- القبول المنافي للرّدّ: ذلك أنّ هناك من يعلم معنى الشّهادتين ويوقن بمدلولهما، ولكنّه يردّهما كبرا وحسدا، وهذه حالة علماء اليهود والنّصارى، فقد شهدوا بإلهيّة الله وحده، وعرفوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك لم يقبلوه، قال تعالى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ...
(البقرة/ 109) . وهكذا كان المشركون يعرفون معنى «لا إله إلّا الله» ولكنّهم يستكبرون عن قبوله، ومصداق ذلك قوله سبحانه: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ.
4- الانقياد: والفرق بينه وبين القبول: أنّ الانقياد هو الاتّباع بالأفعال، والقبول: إظهار صحّة معنى ذلك بالقول. والانقياد: هو الاستسلام والإذعان، وعدم التّعقّب بشيء من أحكام الله تعالى، قال سبحانه: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ (الزمر/ 54) .
5- الصّدق: ودليله قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله صادقا من قلبه دخل الجنّة» «2» . فأمّا من قالها بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإنّها لا تنجيه،
__________
(1) الشهادتان.. معناها وما تستلزمه كل منهما (22، 23) .
(2) انظر الحديث رقم (13) ولفظه «مخلصا) .(4/1307)
وذلك حال المنافقين.
6- الإخلاص: ودليله قوله سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (الزمر/ 2) . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أسعد النّاس بشفاعتي من قال لا إله إلّا الله خالصا من قلبه» «1» .
7- المحبّة لله ورسوله: وكلّ ما يحبّه الله ورسوله من الأعمال والأقوال وكذلك محبّة أوليائه وأهل طاعته. سئل ذو النّون المصريّ- رحمه الله-: متى أحبّ ربّي؟ فقال: إذا كان ما يبغضه أمرّ عندك من الصّبر.
8- الكفر بما يعبد من دون الله: وأخذ هذا الشّرط من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال لا إله إلّا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه «2» ... الحديث» «3» .
منزلة التوحيد ومكانته:
قال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ: «اعلم أنّ التّوحيد أوّل دعوة الرّسل، وأوّل منازل الطّريق، وأوّل مقام يقوم فيه السّالك إلى الله عزّ وجلّ. قال تعالى:
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (الأعراف/ 59) . وقال هود عليه السّلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (الأعراف/ 65) . وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ 36) . ولهذا كان أوّل واجب يجب على المكلّف شهادة أن لا إله إلّا الله، لا النّظر، ولا القصد إلى النّظر، ولا الشّكّ، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم. بل أئمّة السّلف كلّهم متّفقون على أنّ أوّل ما يؤمر به العبد الشّهادتان، ومتّفقون على أنّ من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه، بل يؤمر بالطّهارة والصّلاة إذا بلغ أو ميّز عند من يرى ذلك. ولم يوجب أحد منهم على وليّه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشّهادتين وإن كان الإقرار بالشّهادتين واجبا باتّفاق المسلمين، ووجوبه يسبق وجوب الصّلاة، لكن هو أدّى هذا الواجب قبل ذلك ... فالتّوحيد أوّل ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدّنيا، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» وهو أوّل واجب، وآخر واجب. فالتّوحيد أوّل الأمر وآخره، أعني توحيد الألوهيّة ... » «4» .
شفاعة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم خاصة بالموحدين:
قال الإمام ابن تيميّة: لا ينتفع بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أهل التّوحيد المؤمنون دون أهل الشّرك، ولو كان المشرك محبّا له ومعظّما إيّاه لم تنقذه شفاعته من النّار، وإنّما ينجّيه من النّار التّوحيد والإيمان به صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا فإنّ أبا طالب وغيره ممّن يحبّونه ولم يقرّوا بالتّوحيد الّذي جاء به لم يكن ليخرج من النّار بشفاعته ولا
__________
(1) ذكره أبو نعيم في الحلية (9/ 363) .
(2) انظر الحديث رقم (15) .
(3) انظر في الشروط السبعة الأولى كتاب: الشهادتان (106- 113) ، وكتاب مختصر شرح أركان الإسلام (21- 126) . وقد انفرد الأخير بالشرط الثامن.
(4) شرح العقيدة الطحاوية (77، 78) .(4/1308)
بغيرها. ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم جوابا عمّن سأله: أيّ النّاس أسعد بشفاعتك يوم القيامة، قال عليه الصّلاة والسّلام: أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال:
لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، وقد اختار المصطفى عليه الصّلاة والسّلام الشّفاعة وجعلها خاصّة بمن مات لا يشرك بالله شيئا» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- الإحسان الإسلام- التهليل- العبادة- الكلم الطيب- التكبير- العلم- الحكم بما أنزل الله- الطاعة- معرفة الله عز وجل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الشرك- الإلحاد- الكفر- النفاق- الزندقة- الحكم بغير ما أنزل الله- الضلال-] .
__________
(1) باختصار وتصرف عن مجموع الفتاوي (153، 154) .(4/1309)
الآيات الواردة في «التوحيد»
1- وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) «1»
2- وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) «2»
3- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «3»
4- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «4»
5- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) «5»
6- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) «6»
7- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) «7»
__________
(1) البقرة: 132- 133 مدنية
(2) البقرة: 163 مدنية
(3) النساء: 171 مدنية
(4) المائدة: 73 مدنية
(5) الأنعام: 19 مكية
(6) الأعراف: 69- 70 مكية
(7) التوبة: 31 مدنية(4/1310)
8- يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) «1»
9- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) «2»
10- يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) «3»
11- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «4»
12- إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) «5»
13-* وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) «6»
14- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «7»
15- قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) «8»
16- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) «9»
17-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «10»
18- وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4) «11»
19- وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) «12»
__________
(1) يوسف: 39 مكية
(2) الرعد: 16 مدنية
(3) إبراهيم: 48 مكية
(4) إبراهيم: 52 مكية
(5) النحل: 22 مكية
(6) النحل: 51 مكية
(7) الكهف: 110 مكية
(8) الأنبياء: 108 مكية
(9) الحج: 34 مدنية
(10) العنكبوت: 46 مكية
(11) الصافات: 1- 4 مكية
(12) ص: 4- 5 مكية(4/1311)
20- قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (65) «1»
21- لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) «2»
22- وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) «3»
23- ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «4»
24- يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) «5»
25- فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) «6»
26- قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) «7»
27- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) «8»
28- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «9»
29- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) «10»
30- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) «11»
__________
(1) ص: 65 مكية
(2) الزمر: 4 مكية
(3) الزمر: 45 مكية
(4) غافر: 12 مكية
(5) غافر: 16 مكية
(6) غافر: 84 مكية
(7) فصلت: 6 مكية
(8) الممتحنة: 4 مدنية
(9) الجن: 1- 2 مكية
(10) الجن: 18- 20 مكية
(11) الإخلاص: 1- 4 مكية(4/1312)
الآيات الدالة على «الوحدانية» معنى
31- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) «1»
32- الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(6) »
33- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) «3»
34- إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) «4»
35- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «5»
36- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) * وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)
__________
(1) البقرة: 255 مدنية
(2) آل عمران: 1- 6 مدنية
(3) آل عمران: 18 مدنية
(4) آل عمران: 59- 63 مدنية
(5) النساء: 86- 87 مدنية(4/1313)
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) «1»
37- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (41) «2»
38- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) «3»
39- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) «4» 40- أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) «5» 41- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
__________
(1) الأنعام: 12- 14 مكية
(2) الأنعام: 39- 41 مكية
(3) الأنعام: 46- 47 مكية
(4) الأنعام: 100- 106 مكية
(5) الأنعام: 114 مكية(4/1314)
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) «1»
42- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) «2»
43-* وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) «3»
44- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) «4»
45- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) «5»
46- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) «6»
47- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «7»
48- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128)
__________
(1) الأنعام: 161- 164 مكية
(2) الأعراف: 59 مكية
(3) الأعراف: 65 مكية
(4) الأعراف: 73 مكية
(5) الأعراف: 85 مكية
(6) الأعراف: 138- 141 مكية
(7) الأعراف: 158 مكية(4/1315)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «1»
49-* وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92) «2»
50- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) «3»
51- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) «4»
52-* وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) «5»
53-* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) «6»
54- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «7»
55- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) «8»
__________
(1) التوبة: 128- 129 مدنية
(2) يونس: 90- 92 مكية
(3) هود: 13- 14 مكية
(4) هود: 50 مكية
(5) هود: 61 مكية
(6) هود: 84 مكية
(7) الرعد: 30 مدنية
(8) النحل: 1- 4 مكية(4/1316)
56- لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (22) «1»
57- ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43) «2»
58- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) «3»
59- طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8) «4»
60- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) «5»
61- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) «6»
62- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) «7»
63- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20)
__________
(1) الإسراء: 22 مكية
(2) الإسراء: 39- 43 مكية
(3) الكهف: 13- 15 مكية
(4) طه: 1- 8 مكية
(5) طه: 11- 14 مكية
(6) طه: 98 مكية
(7) الأنبياء: 22 مكية(4/1317)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) «1»
64- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) »
65- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) «3»
66- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) «4» 67- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) «5»
68- أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (117) «6»
69- وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «7»
70- فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) «8»
__________
(1) الأنبياء: 19- 25 مكية
(2) الأنبياء: 87- 88 مكية
(3) المؤمنون: 23 مكية.
(4) المؤمنون: 31- 32 مكية
(5) المؤمنون: 91- 92 مكية
(6) المؤمنون: 115- 117 مكية
(7) الفرقان: 68- 70 مكية
(8) الشعراء: 213 مكية(4/1318)
71- وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) «1»
72- قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) «2»
73- وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) «3»
74- إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) «4»
__________
(1) النمل: 24- 26 مكية
(2) النمل: 59- 64 مكية
(3) القصص: 70- 72 مكية
(4) القصص: 85- 88 مكية(4/1319)
75- يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) «1»
76- إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) «2»
77- خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7) «3»
78- وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64) «4»
79- حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) «5»
80- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) «6»
81- اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) «7»
__________
(1) فاطر: 3 مكية
(2) الصافات: 35- 37 مكية
(3) الزمر: 6- 7 مكية
(4) الزمر: 61- 64 مكية
(5) غافر: 1- 3 مكية
(6) غافر: 61- 62 مكية
(7) غافر: 64- 65 مكية(4/1320)
82- أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) «1»
83- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) «2»
84- حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) «3»
85- وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19) «4»
86- فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) «5»
87-مْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
(43) «6»
88- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ
__________
(1) الزخرف: 42- 45 مكية
(2) الزخرف: 84- 85 مكية
(3) الدخان: 1- 8 مكية
(4) محمد: 17- 19 مدنية
(5) الذاريات: 50- 51 مكية
(6) الطور: 39- 43 مكية(4/1321)
الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «1»
89- وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) «2»
90- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) «3»
91- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) «4»
__________
(1) الحشر: 22- 24 مدنية
(2) التغابن: 10- 13 مدنية
(3) المزمل: 8- 10 مكية
(4) الناس: 1- 6 مكية(4/1322)
الأحاديث الواردة في «التوحيد»
1-* (عن عمرو بن عبسة السّلميّ قال: كنت وأنا في الجاهليّة، أظنّ أنّ النّاس على ضلالة، وأنّهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكّة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله مستخفيا، جرآء عليه قومه «1» ؛ فتلطّفت حتّى دخلت عليه بمكّة، فقلت له: ما أنت؟ قال:
«أنا نبيّ» ، فقلت: وما نبيّ؟ قال: «أرسلني الله» ، فقلت: وبأيّ شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء» ، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: «حرّ وعبد» (قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممّن آمن به) ، فقلت: إنّي متّبعك. قال: «إنّك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال النّاس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني» قال:
فذهبت إلى أهلى وقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبّر الأخبار وأسأل النّاس حين قدم المدينة، حتّى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة. فقلت: ما فعل هذا الرّجل الّذي قدم المدينة؟
فقالوا: النّاس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه.
فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أتعرفني؟ قال: «نعم. أنت الّذي لقيتني بمكّة؟» . قال: فقلت: بلى. فقلت: يا نبيّ الله، أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله. أخبرني عن الصّلاة. قال: «صلّ صلاة الصّبح، ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع، فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار. ثمّ صلّ، فإنّ الصّلاة مشهودة «2» محضورة «3» حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح، ثمّ أقصر عن الصّلاة فإنّ حينئذ تسجر جهنّم «4» ، فإذا أقبل الفيء فصلّ، فإنّ الصّلاة مشهودة محضورة حتّى تصلّي العصر، ثمّ أقصر عن الصّلاة حتّى تغرب الشّمس فإنّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفّار» قال فقلت: يا نبيّ الله، فالوضوء؟ حدّثني عنه.
قال: «ما منكم رجل يقرّب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلّا خرّت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثمّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلّا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثمّ يغسل يديه إلى المرفقين إلّا خرّت خطايا يديه مع أنامله مع الماء، ثمّ يمسح رأسه إلّا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثمّ يغسل قدميه إلى الكعبين إلّا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلّى، فحمد الله وأثنى عليه، ومجّده بالّذي هو له
__________
(1) جرآء جمع جرئ مثل برآء، والمراد أنّهم يتجرّأون على إيذائه.
(2) مشهودة: يشهدها الملائكة.
(3) محضورة: يحضرها أهل الطاعات.
(4) اسم إن محذوف وهو ضمير الشأن. ومعنى تسجر جهنم: يوقد عليهم إيقادا.(4/1323)
أهل، وفرّغ قلبه لله، إلّا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمّه» ) *» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاذا إلى نحو أهل اليمن، قال له: إنّك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إلى أن يوحّدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلّوا فأخبرهم أنّ الله افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من غنيّهم فتردّ على فقيرهم، فإذا أقرّوا بذلك فخذ منهم وتوقّ كرائم أموال النّاس» ) * «2» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«بني الإسلام على خمسة: على أن يوحّد الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصيام رمضان، والحجّ، فقال رجل: الحجّ وصيام رمضان؟ قال: لا: صيام رمضان، والحجّ، هكذا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «3» .
4-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: لمّا نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، النّجاشيّ، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله لا نؤذى، ولا نسمع شيئا نكرهه، فلمّا بلغ قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين «4» ، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة ... ثمّ إنّهما قرّبا هداياهم إلى النّجاشيّ، فقبلها منهما ثمّ كلّماه فقالا له:
أيّها الملك إنّه قد صبا إلى بلدك منّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع
النّجاشيّ كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيّها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما فليردّاهم إلى بلادهم وقومهم، قال: فغضب النّجاشيّ ثمّ قال: لاها الله، أيم الله، إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد، قوما جاوروني نزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتّى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم؟ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني، قالت: ثمّ أرسل إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا، ثمّ قال بعضهم لبعض، ما تقولون للرّجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، كائن في ذلك ما هو كائن، فلمّا جاءوه، وقد دعا النّجاشيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدّين الّذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيّها الملك، كنّا قوما أهل جاهليّة، نعبد
__________
(1) مسلم (832) واللفظ له، وأحمد (4/ 112) .
(2) البخاري- الفتح (7372) ، ومسلم (19) .
(3) البخاري- الفتح 1 (8) ، وسلم (16) .
(4) جلدين مثنى جلد وهو الرّجل القوي في نفسه وجسده.(4/1324)
الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف.
فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك، قالت: فقال له النّجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال جعفر: نعم: فقال النّجاشيّ: فاقرأه عليّ، فقرأ صدرا من (كهيعص) ، قالت: فبكى والله النّجاشيّ حتّى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتّى أخضلو، امصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثمّ قال النّجاشيّ: إنّ هذا والله والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد ... ) * «1» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين «2» ، فذبح أحدهما عن أمّته لمن شهد لله بالتّوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمّد وعن آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم، زاد في رواية أحمد عن أبي رافع قال: فكأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كفانا) * «3» .
6-* (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه:
أنّ العاص بن وائل نذر في الجاهليّة أن ينحر مائة بدنة، وأنّ هشام بن العاص نحر حصّته، خمسين بدنة، وأنّ عمرا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «أمّا أبوك فلو كان أقرّ بالتّوحيد فصمت وتصدّقت عنه نفعه ذلك» ) * «4» .
7-* (عن ما عز التّميميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّه سئل أيّ الأعمال أفضل؟. قال:
«إيمان بالله وحده، ثمّ حجّة برّة تفضل سائر
__________
(1) أحمد (1/ 202- 203) برقم (1740) ، قال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، وهو بطوله في مجمع الزوائد (1/ 24- 27) .
(2) الأملح: ما كان فيه بيان وسواد، وبياضه أكثر، والأقرن: ما كان له قرنان معتدلان، والموجوء: هو الخصيّ أي نزع منه عرق الأنثيين، وذلك أسمن له.
(3) ابن ماجة (2/ 3122) واللفظ له. وفي الزوائد في إسناده عبد الله بن محمد مختلف فيه، وله شاهد من حديث أنس- رضي الله عنه- في السنن الكبرى (3/ 66) ، وأحمد (من رواية أبي رافع) (6/ 8) .
(4) أحمد (2/ 182) حديث رقم (6704) ، قال الشيخ شاكر إسناده صحيح، وهو في مجمع الزوائد (4/ 192) .(4/1325)
الأعمال، كما بين مطلع الشّمس إلى مغربها» ) * «1» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان رجل ممّن كان قبلكم لم يعمل خيرا قطّ إلّا التّوحيد فلمّا احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا متّ أن يحرقوه حتّى يدعوه حمما، ثمّ اطحنوه، ثمّ أذروه في يوم ريح، فلمّا مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله- عزّ وجلّ- يا ابن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربّ، من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قطّ إلّا التّوحيد» ) * «2» .
9-* (عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من وحّد الله تعالى وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله عزّ وجلّ» ) * «3» .
10-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يعذّب ناس من أهل التّوحيد في النّار حتّى يكونوا فيها حمما «4» . ثمّ تدركهم الرّحمة، فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنّة، قال: فترشّ عليهم أهل الجنّة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السّيل «5» .
ثمّ يدخلون الجنّة» ) * «6» .
الأحاديث الواردة في (التوحيد) معنى
11-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو النّاس. خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، فاشفع لنا عند ربّك حتّى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم ويذكر ذنبه، فيستحي- ائتوا نوحا، فإنّه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربّه ما ليس له به علم، فيستحي فيقول: ائتوا خليل الرّحمن. فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ائتوا موسى عبدا كلّمه الله وأعطاه التّوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النّفس بغير نفس، فيستحي من ربّه فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم عبدا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
فيأتوني، فأنطلق حتّى أستأذن على ربّي فيؤذن، فإذا
__________
(1) أحمد (4/ 342) وقال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 218) : إسناده جيد.
(2) أحمد (2/ 304) واللفظ له، وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-.
(3) مسلم (23) وأحمد (3/ 472) واللفظ له، وانظر أيضا (6/ 394، 395) .
(4) الحمم: جمع حممة وهي الفحمة.
(5) ينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل. المراد أنهم سرعان ما تعود إليهم أبدانهم وأجسامهم بعد إحراق النار لها، وذلك مثل ما يجىء به السيل من غثاء ونحوه فيستقر على الشاطئ فينبت في يوم وليلة.
(6) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (4/ 713) رقم (2597) واللفظ له، ورواه أحمد (3/ 391) .(4/1326)
رأيت ربّي وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء، ثمّ يقال:
ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفّع.
فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثمّ أشفّع، فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة. ثمّ أعود إليه. فإذا رأيت ربّي مثله- ثمّ أشفّع فيحدّ لي حدّا، فأدخلهم الجنّة، ثمّ أعود الثّالثة. ثمّ أعود الرّابعة فأقول: ما بقي في النّار إلّا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود. فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثمّ يخرج من النّار من قال: لا إله إلّا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برّة، ثمّ يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرّة» ) * «1» .
12-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له من النّاس، قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «2» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قيل يا رسول الله: من أسعد النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد النّاس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلّا الله خالصا من قلبه، أو نفسه» ) * «3» .
14-* (عن عوف بن مالك الأشجعيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني آت من عند ربّي فخيّرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة وبين الشّفاعة، فاخترت الشّفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا» ) * «4» .
15-* (عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال: لا إله إلّا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله» ) * «5» .
16-* (عن جابر- رضي الله عنه- أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول الله: ما الموجبتان؟ قال:
«من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة، ومن مات يشرك بالله دخل النّار» «6» .
17-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: أتاني جبريل فبشّرني أنّه من مات لا
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4476) واللفظ له. ومسلم (193) .
(2) مسلم (948) .
(3) البخاري- الفتح 1 (99) .
(4) الترمذي (2441) ، والحاكم في المستدرك (1/ 67) وأقره الذهبي.
(5) مسلم (23) .
(6) مسلم (93) .(4/1327)
يشرك بالله شيئا دخل الجنّة، قلت وإن سرق وإن زنى؟
قال: وإن سرق وإن زنى» ) * «1» .
18-* (عن عبادة بن الصّامت، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنّ الجنّة حقّ، وأنّ النّار حقّ أدخله الله من أيّ أبواب الجنّة الثّمانية شاء» ) * «2» .
19-* (عن عثمان، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا الله دخل الجنّة» ) * «3» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، معنا أبو بكر وعمر، في نفر، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أوّل من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجّار، فدرت به هل أجد له بابا؟، فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع: الجدول) فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب «4» ، فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أبو هريرة؟» ، فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك» ؟ قلت: كنت بين أظهرنا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أوّل من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب، وهؤلاء النّاس ورائي، فقال: «يا أبا هريرة (وأعطاني نعليه) قال: اذهب بنعليّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة» فكان أوّل من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النّعلان يا أبا هريرة؟
فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّرته بالجنّة.
فضرب عمر بيده بين ثدييّ فخررت لاستي فقال: ارجع يا أبا هريرة. فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجهشت بكاء وركبني عمر فإذا هو على أثري، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ما لك يا أبا هريرة؟» قلت: لقيت عمر فأخبرته بالّذي بعثتني به، فضربني بين ثدييّ ضربة خررت لاستي، قال: ارجع. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمر، ما حملك على ما فعلت» ؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي «5» يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنّة؟ قال: «نعم» قال: فلا تفعل، فإنّي أخشى أن يتّكل النّاس عليها، فخلّهم يعملون. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فخلّهم» ) * «6» .
21-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ. فقدم المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله. فخرجنا معه،
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7487) ، ومسلم (94) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3435) ، ومسلم (28) .
(3) مسلم (26) .
(4) احتفزت كما يحتفز الثعلب: معناه: تضاممت ليسعني المدخل.
(5) أي من لقيه أبو هريرة وهو يشهد أن لا إله إلّا الله.
(6) مسلم (31) .(4/1328)
حتّى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد ابن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري «1» بثوب وأحرمي» .
فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، ثمّ ركب القصواء «2» ، حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتّوحيد «3» : لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك.
وأهلّ النّاس بهذا الّذي يهلّون به، فلم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم شيئا منه، ولزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلبيته، قال جابر- رضي الله عنه-: لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثا «4» ومشى أربعا، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السّلام فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (2/ البقرة/ الآية 125) ، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول (ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) : كان يقرأ في الرّكعتين قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب «5» إلى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ (البقرة/ 158) ، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصّفا، فرقي عليه، حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثمّ دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرّات، ثمّ نزل إلى المروة، حتّى إذا انصبّت قدماه «6» في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا»
مشى، حتّى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ، وليجعلها عمرة» . فقام سراقة بن مالك ابن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟، فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحجّ (مرّتين) لا بل لأبد أبد» ، وقدم عليّ من اليمن ببدن «8» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجد فاطمة- رضي الله عنها-
__________
(1) واستثفري: الاستثفار: هو أن تشد في وسطها شيئا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها، من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها.
(2) القصواء: هي ناقته صلّى الله عليه وسلّم، قال أبو عبيد: القصواء: المقطوعة الأذن عرضا.
(3) فأهل بالتوحيد: يعني قوله: لبيك لا شريك لك.
(4) رمل ثلاثا: الرّمل هو إسراع المشي مع تقارب الخطا.
(5) ثم خرج من الباب: أي من باب بني مخزوم، وهو الذي يسمى باب الصفا؛ لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا.
(6) حتى إذا انصبت قدماه: أي انحدرت، فهو مجاز من انصباب الماء.
(7) حتى إذا صعدتا: أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.
(8) ببدن: هو جمع بدنة، وأصله الضم، كخشب في جمع خشبة.(4/1329)
ممّن حلّ، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله محرّشا «1» على فاطمة للّذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما ذكرت عنه فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها. فقال:
«صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحجّ؟» .
قال: قلت: اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال:
«فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال: فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مائة. قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا، إلّا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن كان معه هدي. فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصلّى بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلا حتّى طلعت الشّمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة «2» فسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا تشكّ قريش إلّا أنّه واقف عند المشعر الحرام «3» كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى عرفة، فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي «4» فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس بن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه «5» ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده، إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون
__________
(1) محرشا: التحريش الإغراء، والمراد هنا: أن يذكر له ما يقتضي عتابها.
(2) بنمرة: بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها. وهي موضع بجنب عرفات، وليست من عرفات.
(3) ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام: معنى هذا أن قريشا كانت في الجاهلية، تقف بالمشعر الحرام، وهو جبل في المزدلفة يقال له (قزح) . وقيل: إنّ المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه. فتجاوزه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عرفات؛ لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، أي سائر العرب غير قريش، وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه. (أ. هـ. نووي) .
(4) بطن الوادي: هو وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات إلا عند مالك فقال: إنها من عرفات. (نووي) .
(5) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه: قال الإمام النووي: المختار أن معناه: أن لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيّا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة.(4/1330)
عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد.
ثلاث مرّات» . ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات «1» وجعل حبل المشاة بين يديه «2» ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد شنق «3» للقصواء الزّمام حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: «أيّها النّاس السّكينة السّكينة» كلّما أتى حبلا من الحبال «4» أرخى لها قليلا، حتّى تصعد. حتّى أتى المزدلفة «5» فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبّح بينهما شيئا. ثمّ اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حيّن تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة، ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفا حتّى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشّمس، وأردف الفضل بن عبّاس وكان رجلا حسن الشّعر أبيض وسيما، فلمّا دفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّت به ظعن يجرين «6» فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على وجه الفضل. فحوّل الفضل وجهه إلى الشّقّ الآخر ينظر. فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده من الشّقّ الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّقّ الآخر ينظر. حتّى أتى بطن محسّر «7» فحرّك قليلا ثمّ سلك الطّريق الوسطى الّتي تخرج على الجمرة الكبرى، حتّى أتى الجمرة الّتي عند الشّجرة، فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة منها حصى الخذف «8» ، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستّين بيده، ثمّ أعطى عليّا فنحر ما غبر «9» . وأشركه في هديه. ثمّ أمر من كلّ بدنة ببضعة
__________
(1) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، فهذا هو الموقف المستحب.
(2) وجعل حبل المشاة بين يديه: روي حبل وروي جبل، قال القاضي عياض- رحمه الله-: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة أي مجتمعهم، وأما بالجيم فمعناه طريقهم.
(3) شنق: ضمّ، وضيّق.
(4) كلما أتى حبلا من الحبال: الحبال جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل الضخم.
(5) المزدلفة: معروفة، سميت بذلك من التزلف والازدلاف، وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها أي مضوا إليها وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات.
(6) مرت به ظعن يجرين: الظعن: بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين: جمع ظعينة، كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ثم تسمى به المرأة مجازا لملابستها البعير.
(7) حتى أتى بطن محسّر: سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيا وكلّ، ومنه قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ.
(8) حصى الخذف: أي حصى صغار بحيث يمكن أن يرمي بأصبعين، والخذف: في الأصل مصدر سمي به، يقال: خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب، أي رميتها بطرفي الإبهام والسبابة.
(9) ما غبر: أي ما بقي.(4/1331)
فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأفاض إلى البيت «1» ، فصلّى بمكّة الظّهر فأتى بني عبد المطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انزعوا «2» بني عبد المطّلب فلولا أن يغلبكم النّاس «3» على سقايتكم لنزعت معكم» ، فناولوه دلوا فشرب منه) * «4» .
22-* (عن جعفر قال: حدّثني أبي قال: أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة فسألناه عن حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحدّثنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحجّ. ثمّ أذّن في النّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ هذا العام، قال: فنزل المدينة بشر كثير، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يفعل مثل ما يفعل.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعشر بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه، حتّى أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، ثمّ استثفري بثوب، ثمّ أهلّي» . فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء أهلّ بالتّوحيد، لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك. ولبّى النّاس، والنّاس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسمع فلم يقل لهم شيئا، فنظرت مدّ بصري وبين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من راكب وماش، ومن خلفه مثل ذلك، وعن يمينه مثل ذلك، وعن شماله مثل ذلك، قال جابر: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فخرجنا لا ننوي إلّا الحجّ حتّى أتينا الكعبة، فاستلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم الحجر الأسود،
ثمّ رمل ثلاثا، ومشى أربعة، حتّى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلّى خلفه ركعتين، ثمّ قرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى قال أبو عبد الله- يعني جعفرا- فقرأ فيهما بالتّوحيد، وقل يأيّها الكافرون، ثمّ استلم الحجر، وخرج إلى الصّفا، ثمّ قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، ثمّ قال: «نبدأ بما بدأ الله به» ، فرقي على الصّفا حتّى إذا نظر إلى البيت كبّر قال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلّا الله، أنجز وعده، وصدق عبده، وغلب الأحزاب وحده. ثمّ دعا، ثمّ رجع إلى هذا الكلام، ثمّ نزل حتّى إذا انصبّت قدماه في الوادي رمل، حتّى إذا صعد مشى، حتّى أتى المروة فرقي عليها حتّى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصّفا، فلمّا كان السّابع عند المروة قال: يأيّها النّاس، إنّي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة، فمن لم يكن معه هدي
__________
(1) فأفاض إلى البيت: فيه محذوف تقديره (فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلّى الظهر) فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه.
(2) انزعوا: معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء.
(3) لولا أن يغلبكم الناس، أي لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه، بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء.
(4) مسلم (1218) .(4/1332)
فليحلل وليجعلها عمرة» فحلّ النّاس كلّهم، فقال سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل المروة: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟، فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه فقال: «للأبد» ثلاث مرّات ...
الحديث» ) * «1» .
23-* (عن جابر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى الصّفا فرقي عليها حتّى بدا له البيت ثمّ وحّد الله عزّ وجلّ- وكبّره وقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير، ثمّ مشى حتّى إذا انصبّت قدماه سعى، حتّى إذا صعدت قدماه مشى، حتّى أتى المروة ففعل عليها كما فعل على الصّفا حتّى قضى طوافه» ) * «2» .
24-* (عن يعقوب بن إبراهيم قال حدّثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدّثني عن افتراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخذه اليسرى في وسط الصّلاة وفي آخرها، وقعوده على وركه اليسرى، ووضعه يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصبه قدمه اليمنى، ووضعه يده اليمنى على فخذه اليمنى، ونصبه إصبعه السّبّابة يوحّد بها ربّه- عزّ وجلّ-» ) * «3» .
25-* (عن أنس بن مالك قال: حدّثني محمود بن الرّبيع عن عتبان بن مالك، قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان، فقلت: حديث بلغني عنك.
قال: أصابني في بصري بعض الشّيء، فبعثت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي أحبّ أن تأتيني فتصلّي فى منزلى، فأتّخذه مصلّى. قال: فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومن شاء الله من أصحابه، فدخل وهو يصلّي في منزلي، وأصحابه يتحدّثون بينهم، ثمّ أسندوا عظم ذلك وكبره «4» إلى مالك بن دخشم. قالوا: ودّوا أنّه دعا عليه فهلك، وودّوا أنّه أصابه شرّ، فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة، وقال: «أليس يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله؟» قالوا: إنّه يقول ذلك، وما هو في قلبه. قال: «لا يشهد أحد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله فيدخل النّار، أو تطعمه» . قال أنس: فأعجبني هذا الحديث، فقلت لابني: أكتبه. فكتبه» ) * «5» .
26-* (عن الصّنابحيّ عن عبادة بن الصّامت، أنّه قال: دخلت عليه وهو في الموت، فبكيت، فقال: مهلا «6» لم تبكي؟ فو الله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك. ثمّ قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكم فيه خير إلّا حدّثتكموه إلّا حديثا واحدا، وسوف أحدّثكموه
__________
(1) أحمد (3/ 320) واللفظ له، وأبو داود في كتاب المناسك حديث رقم (1905) (باب صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم) ، (2/ 182- 186) ، وأصله عند مسلم (1218) .
(2) النسائي برقم 2985 (5/ 244) واللفظ له، وأبو داود (1905) (باب صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم) ، وأصله عند مسلم.
(3) أحمد (4/ 57) .
(4) عظم: أي معظم ومعناه: أنهم تحدثوا وذكروا شأن المنافقين وأفعالهم القبيحة وما يلقون منهم، ونسبوا معظم ذلك إلى مالك.
(5) مسلم (54) .
(6) مهلا: أي أنظرني.(4/1333)
اليوم، وقد أحيط بنفسي «1» . سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله حرّم الله عليه النّار» ) * «2» .
27-* (عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد قال:
لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة، قالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا «3» ، فأكلنا وادّهنّا «4» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «افعلوا» ، قال: فجاء عمر، فقال: يا رسول الله، إن فعلت قلّ الظّهر «5» ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ، قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم. قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة. قال:
ويجيء الآخر بكفّ تمر. قال: ويجيء الآخر بكسرة حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير، قال:
فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليه بالبركة، ثمّ قال: «خذوا في أوعيتكم» ، قال: فأخذوا في أوعيتهم، حتّى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد، غير شاك، فيحجب عن الجنّة» ) *» .
28-* (بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنّهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله. وإنّ رجلا من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنّا نحدّث أنّه أسامة بن زيد، فلمّا رفع عليه السّيف قال: لا إله إلّا الله، فقتله. فجاء البشير إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأله فأخبره، حتّى أخبره خبر الرّجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: «لم قتلته؟» قال: يا رسول الله، أوجع «8» في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمّى له نفرا، وإنّي حملت عليه، فلمّا رأى السّيف قال: لا إله إلّا الله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقتلته؟» قال: نعم. قال:
«فكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» . قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلّا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» ) * «9» .
29-* (عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة فصبّحنا الحرقات «10» من جهينة، فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلّا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقال: لا إله إلّا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنّما قالها خوفا من السّلاح، قال: «أفلا
__________
(1) أحيط بنفسي: أي قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة.
(2) مسلم (47) .
(3) النواضح من الإبل: التي يستقي عليها.
(4) ادّهنا: أي اتخذنا من شحومها دهنا.
(5) الظهر: الدواب، سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها، أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر.
(6) فيه محذوف تقديره: يجعل في ذلك بركة أو خيرا، فحذف المفعول.
(7) مسلم (45) .
(8) أوجع في المسلمين: أي أوقع بهم وآلمهم.
(9) مسلم (160) .
(10) فصبحنا الحرقات: أي أتيناهم صباحا. والحرقات: موضع ببلاد جهينة.(4/1334)
شققت عن قلبه «1» حتّى تعلم أقالها أم لا» ، فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي أسلمت يومئذ. قال:
فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتّى يقتله ذو البطين- يعني أسامة- قال: قال رجل: ألم يقل الله:
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ؟. فقال سعد: قد قاتلنا حتّى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة» ) * «2» .
30-* (عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يصاح برجل من أمّتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلّا كلّ سجلّ منها مدّ البصر ثمّ يقال: أتنكر من هذا شيئا؟
فيقول: لا يا ربّ، فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرّجل فيقول: لا، فيقال: بلى، إنّ لك عندنا حسنة وإنّه لا ظلم عليك، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله. فيقول: يا ربّ ما هذه البطاقة مع هذه السّجلّات؟ فيقال: إنّك لا تظلم، فتوضع السّجلّات في كفّة والبطاقة في كفّة، فطاشت السّجلّات وثقلت البطاقة» ) * «3» .
31-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال موسى: يا ربّ، علّمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلّا الله. قال: يا ربّ، كلّ عبادك يقولون هذا، قال:
يا موسى، لو أنّ السّموات السّبع وعامرهنّ غيري، والأرضين السّبع في كفّة، ولا إله إلّا الله في كفّة مالت بهنّ لا إله إلّا الله» ) * «4» .
32-* (عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول إذا تبوّأ مضجعه قال: «الحمد لله الّذي كفاني، وآواني، وأطعمني، وسقاني، والّذي منّ عليّ وأفضل، والّذي أعطاني فأجزل، الحمد لله على كلّ حال، اللهمّ ربّ كلّ شيء، وملك كلّ شيء، وإله كلّ شيء، ولك كلّ شيء، أعوذ بك من النّار) * «5» .
33-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أوحى إلى يحيى ابن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بهنّ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ فكأنّه أبطأ بهنّ، فأتاه عيسى فقال: إنّ الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهنّ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فإمّا أن تخبرهم، وإمّا أن أخبرهم، فقال: يا أخي! لا تفعل فإنّي أخاف
__________
(1) أفلا شققت عن قلبه: معناه: إنما كلفت بالعمل الظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان.
(2) مسلم (158) .
(3) الترمذي- باب الإيمان (2641) ، أحمد في مسنده (2/ 213) ، ابن ماجة في الزهد برقم (4300) . وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» رقم (1994) : إسناده صحيح.
(4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (834) ، وابن حبان في صحيحه (2324) موارد، والحاكم في المستدرك (1/ 528) ، وصححه ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في الفتح (11/ 175) : أخرجه النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه-.
(5) أحمد (2/ 117) حديث رقم (5983) . قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وأبو داود (4/ 473) ، وفي مجمع الزوائد (10/ 123) حديث مختصر نحو هذا من حديث بريدة مرفوعا.(4/1335)
إن تسبقني بهنّ أن يخسف بي، أو أعذّب. قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدس حتّى امتلأ المسجد وقعدوا على الشّرفات، ثمّ خطبهم فقال: إنّ الله أوحى إليّ بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، أوّلهنّ: أن لا تشركوا بالله شيئا، فإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق، ثمّ أسكنه دارا. فقال: اعمل وارفع إليّ فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك، فإنّ الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا، وإذا قمتم إلى الصّلاة فلا تلتفتوا، فإنّ الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت وآمركم بالصّيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة مسك، كلّهم يحبّ أن يجد ريحها، وإنّ الصّيام أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصّدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ فأوثقوا يده إلى عنقه، وقرّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير حتّى فدى نفسه، وآمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدوّ سراعا في أثره حتّى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشّيطان إلّا بذكر الله ... الحديث» ) * «1» .
34-* (روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تفسير هذه الآية رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قالوا: إذا أخرج أهل التّوحيد من النّار وأدخلوا الجنّة ودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين) * «2» .
35-* (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل عليه السّلام فقال: يا محمّد! أقرأ أمّتك منّي السّلام وأخبرهم أنّ الجنّة طيّبة التّربة، عذبة الماء، وأنّها قيعان، وأنّ غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر) * «3» .
36-* (عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال:
لمّا حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أي عمّ، قل: لا إله إلّا الله، أحاجّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» ، فنزلت (الآية الكريمة) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة/ 113) * «4» .
__________
(1) سنن الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب (2863) وزاد فيه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: وأنا آمركم بخمس والمنذري في الترغيب (2/ 397) وقال: رواه الترمذي والنسائي ببعضه وابن خزيمة في صحيحه (3/ 195، 196) برقم (1895) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم (1/ 421) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي.
(2) الترمذي (5/ 24) كتاب الإيمان/ باب (17) .
(3) صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب، سليم بن عيد الهلالي (87) ، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود.
(4) البخاري- الفتح 8 (4675) .(4/1336)
37-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد نجران فقالوا (للرّسول صلّى الله عليه وسلّم) : صف لنا ربّك. أزبرجد؟ أم ياقوت؟ أم ذهب؟ أم فضّة؟.
فقال: «إنّ ربي ليس من شيء، وأنّه خلق الأشياء، فنزلت «قل هو الله أحد» فقالوا: هو واحد وأنت واحد، فقال «ليس كمثله شيء» ، قالوا: زدنا من الصّفة. قال: «الله الصّمد» . فقالوا: وما الصّمد؟ قال:
«الّذي يصمد الخلق إليه في الحوائج» . فقالوا: زدنا.
فقال: «لم يلد كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيسى، ولم يكن له كفوا أحد» يريد: نظيرا من خلقه» . ولشرف هذه السّورة سمّيت بأسماء كثيرة أشهرها الإخلاص. وقد يقال لها سورة التّفريد، أو التّوحيد، أو النّجاة، أو الولاية، لأنّ من قرأها صار من أولياء الله «1» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوحيد)
1-* (قال ابن جريح في تفسير قوله تعالى:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ... الآية (آل عمران/ 64) . يعني: يطيع بعضنا بعضا في معصية الله) * «3» .
2-* (وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى ... أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ... لا وثنا ولا صليبا ولا صنما ولا طاغوتا ولا نارا، بل نفرد العبادة لله وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرّسل، قال تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ «4» .
3-* (قال أبو العالية: في تفسير «السّواء» في قوله عزّ من قائل: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ.. كلمة السّواء «لا إله إلّا الله» ) * «5» .
4-* (قال مجاهد: كلمة التّقوى: لا إله إلّا الله) * «6» .
5-* (سئل الزّهريّ عن قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من قال لا إله إلّا الله دخل الجنّة» فقال: «إنّما كان هذا في أوّل الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنّهي» قال التّرمذيّ: ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم:
أنّ أهل التّوحيد سيدخلون الجنّة، وإن عذّبوا بالنّار بذنوبهم فإنّهم لا يخلّدون في النّار) * «7» .
6-* (قال الإمام البخاريّ: قال: عدّة من
__________
(1) وذلك مصروف إلى من قالها خالصا من قلبه، عاملا بمقتضى ما تضمنته من توحيد.
(2) رواه أحمد في المسند والترمذي (3364) ، والحاكم (2/ 540) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وابن جرير في تفسيره وهو حديث صحيح.
(3) تفسير ابن كثير (1/ 379) .
(4) المرجع نفسه.
(5) تفسير الطبري (3/ 215) .
(6) فتح الباري (8/ 575) .
(7) الترمذي (5/ 24) . ورد هذا الأثر شرحا لحديث «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» .(4/1337)
أهل العلم في قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ عن قول لا إله إلّا الله «1» . قال ابن حجر: من هؤلاء أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر ومجاهد) * «2» .
7-* (قال النّيسابوريّ في تفسير سورة الإخلاص: وردت الأخبار الكثيرة بفضل سورة الإخلاص وأنّها تعدل ثلث القرآن، فاستنبط العلماء لذلك وجها مناسبا: وهو أنّ القرآن مع غزارة فوائده اشتمل على ثلاثة معان فقط هي: معرفة ذات الله تعالى، ومعرفة أفعاله وسننه مع عباده.
ولمّا تضمّنت سورة الإخلاص أحد هذه الأقسام الثّلاثة وهو التّقديس (أي التّوحيد) وازنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلث القرآن) * «3» .
8-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ هذه الآية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً قال: في التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ونذيرا وحرزا للأمّيّين أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكّل، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا «4» ، قال ابن حجر: فيفتح بها أي بكلمة التّوحيد) * «5» .
9-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف/ 108) يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم (قل) يا محمّد (هذه) الدّعوة الّتي أدعو إليها والطّريقة الّتي أنا عليها من الدّعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته (سبيلي) وطريقتي ودعوتي (أدعو إلى الله) وحده لا شريك له) * «6» .
10-* (قال القرطبيّ في تفسير قوله تعالى:
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (آل عمران/ 64) أي لا نتّبعه في تحليل شيء أو تحريمه إلّا فيما حلّله الله تعالى، وهو نظير قوله عزّ وجلّ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة/ 31) معناه أنّهم أنزلوهم منزلة ربّهم في قبول تحليلهم وتحريمهم لما لم يحلّله الله تعالى ولم يحرّمه) * «7» .
11- وقال- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة/ 31) ، قال أهل المعاني: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم في كلّ شيء) * «8» .
__________
(1) فتح الباري (1/ 97) .
(2) المرجع السابق (1/ 98) .
(3) رغائب الفرقان للنيسابوري (30/ 201) على هامش الطبري.
(4) البخاري- الفتح (4838) .
(5) فتح الباري ج (8/ 451) .
(6) الطبري (13/ 52) .
(7) تفسير القرطبي (4/ 106) .
(8) المرجع السابق (8/ 120) .(4/1338)
12-* (سئل حذيفة عن قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ هل عبدوهم؟
فقال: لا، ولكن أحلّوا لهم الحرام فاستحلّوه، وحرّموا عليهم الحلال فحرّموه) * «1» .
13-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله-: «إنّ التّوحيد الّذي بعث الله به رسوله قوليّ وعمليّ، فالتّوحيد القوليّ مثل سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والتّوحيد العمليّ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ولذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بهاتين السّورتين في ركعتي الفجر وركعتي الطّواف قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (البقرة/ 136) ، وفي الرّكعة الثّانية بقوله تعالى:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) فإنّ هاتين الآيتين فيهما دين الإسلام، وفيهما الإيمان القوليّ والعمليّ، فقوله تعالى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ إلى آخرها (البقرة/ 136) يتضمّن الإيمان القوليّ والإسلام. وقوله قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا ... الآية إلى آخرها (آل عمران/ 64) يتضمّن الإسلام والإيمان العمليّ، فأعظم نعمة أنعمها الله على عباده الإسلام والإيمان وهما في هاتين الآيتين) * «2» .
14-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- «لا ريب أنّ أهل التّوحيد يتفاوتون في توحيدهم علما ومعرفة وحالا- تفاوتا لا يحصيه إلّا الله. فأكمل النّاس توحيدا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، والمرسلون منهم أكمل في ذلك. وأولو العزم من الرّسل أكمل توحيدا ... وأكمل أولي العزم الخليلان: محمّد وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليهما، إذ قاما من التّوحيد بما لم يقم به غيرهما علما ومعرفة وحالا، ودعوة للخلق وجهادا. ولمّا كان أكمل التّوحيد توحيد الأنبياء أمر الله نبيّه أن يقتدي بهم فيه كما قال سبحانه- بعد ذكر إبراهيم ومناظرته أباه وقومه في بطلان الشّرك وصحّة التّوحيد وذكر الأنبياء من ذريّته- أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (الأنعام/ 89- 90) .
فلا أكمل من توحيد من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقتدي بهم) * «3» .
15-* (وقال ابن القيّم أيضا في قوله تعالى:
إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي: لا ينال عهدي بالإمامة مشرك، ولهذا أوصى نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وسلّم أن يتّبع ملّة
__________
(1) تفسير القرطبي (8/ 120) .
(2) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (182، 183) .
(3) مدارج السالكين (3/ 501، 502) بإيجاز.(4/1339)
إبراهيم، وكان يعلّم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا:
«أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وملّة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين، فملّة إبراهيم التّوحيد، ودين محمّد: ما جاء به من عند الله قولا وعملا واعتقادا.
وكلمة الإخلاص: هي شهادة أن لا إله إلّا الله، وفطرة الإسلام: هي ما فطر الله عليه عباده من محبّته وعبادته وحده لا شريك له والاستسلام له عبوديّة وذلّا، وانقيادا وإنابة) * «1» .
16-* (قال عبد الرّحمن بن حسن بن محمّد بن عبد الوهّاب: إنّ حقيقة معنى كلمة «لا إله إلّا الله» الإخلاص ونفي الشّرك. وكلاهما متلازمان، لا يوجد أحدهما بدون الآخر، فإنّ من لم يكن مخلصا فهو مشرك، ومن لم يكن صادقا فهو منافق، والمخلص أن يقولها مخلصا الإلهيّة لله عزّ وجلّ، وهذا التّوحيد هو أساس الإسلام الّذي قال الخليل عليه السّلام: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ..
ولذا قيّدت في الحديث بقوله صلّى الله عليه وسلّم «غير شاكّ» فلا تنفع إلّا من قالها بعلم ويقين لقوله صدقا من قلبه خالصا من قلبه..) *» .
17-* (وقال أيضا في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ.
«ترك الشّرك يتضمّن كمال التّوحيد ومعرفته على الحقيقة ومحبّته وقبوله والدّعوة إليه كما قال تعالى:
قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ، وتضمّنت هذه الآية كمال التّوحيد وتحقيقه) * «3» .
18-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى:
حقّ الإله عبادة بالأمر لا ... بهوى النّفوس فذاك للشّيطان
من غير إشراك به شيئا هما ... سبب النّجاة فحبّذا السّببان
لم ينج من غضب الإله وناره ... إلّا الّذي قامت به الأصلان
«4» .
والنّاس بعد فمشرك بإلهه ... أو ذو ابتداع أو له الوصفان
«5» .
19-* (وقال بعض الشّعراء:
فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد
؟!
وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه الواحد
) * «6» .
20-* (قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى قُلْ
__________
(1) مدارج السالكين (3/ 502) .
(2) قرة عيون الموحدين الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب (108) .
(3) المرجع السابق (2) .
(4) الأصلان هما توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية.
(5) كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين- للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (9) .
(6) الإملا في إشكالات الإحياء (20) ملحق إحياء علوم الدين.(4/1340)
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يعني: هو الواحد، الأحد، الّذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد، ولا شبيه، ولا عديل. ولا يطلق هذا اللّفظ على أحد في الإثبات «1» . إلّا على الله عزّ وجلّ، لأنّه الكامل في جميع صفاته وأفعاله) * «2» .
من فوائد (التوحيد)
(1) التّوحيد أعظم أسباب انشراح الصّدر لأنّه أعظم درجات التّأدّب مع الله عزّ وجلّ.
(2) من حقّق التّوحيد دخل الجنّة بغير حساب ولا عذاب.
(3) يمنع الخلود في النّار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبّة من خردل، وأنّه إذا كمل في القلب يمنع دخول النّار بالكليّة.
(4) به تغفر الذّنوب وتكفّر السّيّئات.
(5) هو السّبب الأعظم لتفريج كربات الدّنيا والآخرة.
(6) يحترز به من الشّيطان.
(7) يدفع شرّ الحاسد.
(8) الموحّدون يشفع لهم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
(9) الموحّدون يشفعون بإذن الله لذويهم يوم القيامة ممّا يدلّ على عظيم مكانتهم عند الله.
(10) يحصل لصاحبه الهدى والكمال والأمن التّامّ في الدّنيا والآخرة.
(11) السّبب الأساسيّ لنيل رضا الله وثوابه.
(12) أنّ جميع الأعمال والأقوال الظّاهرة والباطنة متوقّفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثّواب عليها على التّوحيد.
(13) أنّه يسهّل على العبد فعل الخير وترك المنكرات، ويسلّيه عن المصيبات.
(14) بالتّوحيد يحرم مال الموحّد ودمه.
(15) إذا كمل في القلب حبّب الله لصاحبه الإيمان وزيّنه في قلبه وكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان.
(16) أنّه يخفّف عن العبد المكاره، ويهوّن عليه الالام.
(17) يحرّر العبد من رقّ المخلوقين والتّعلّق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، وهذا هو العزّ الحقيقيّ والشّرف العالي.
(18) إذا تحقّق تحقّقا كاملا تضاعف به الأعمال.
__________
(1) لعل مراده أن هذا اللفظ لا يطلق مقصودا بها معينا، وإلّا فقد ورد مقصودا به العموم في قوله تعالى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (التوبة/ 6) .
(2) تفسير ابن كثير (4/ 609) .(4/1341)
(19) تكفّل الله لأهله بالفتح والنّصر في الدّنيا والعزّ والشّرف وحصول الهداية والتّيسير لليسر وإصلاح الأحوال.
(20) يدفع الله تعالى عن الموحّدين شرور الدّنيا والآخرة، ويمنّ عليهم بالحياة الطّيّبة والطّمأنينة بذكره.
(21) التّوحيد الخالص يدفع الرّياء والغلّ وغيرهما من كبائر الباطن.
(22) الصّلاة والصّدقة من الأبناء لا تنفع سوى الموحّدين «1» .
__________
(1) اقتبسنا بعض هذه الفوائد عن ابن القيم في بدائع الفوائد (2/ 245) ، وزاد المعاد (2/ 23- 28) وانظر أيضا ناصر العمر في «التوحيد أولا» (80- 82) .(4/1342)
التودد
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
9/ 10/ 23
التودد لغة:
مصدر تودّد إلى فلان، وهو مأخوذ من مادّة (ودد) الّتي تدلّ على المحبّة يقال وددته أحببته ووددت أنّ ذاك كان: إذا تمنّيته، والمصدر في باب المحبّة الودّ وفي باب التّمنّي الودادة، وقال الرّاغب:
الودّ محبّة الشّيء وتمنّي كونه، ويستعمل في كلّ واحد من المعنيين أي المحبّة والتّمنّي، على أنّ التّمنّي يتضمّن معنى الودّ، لأنّ التّمنّي هو تشهّي حصول ما نودّه، وقوله- عزّ وجلّ- وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (الروم/ 21) وقوله- عزّ من قائل- سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (مريم/ 96) فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ (الأنفال/ 63) ، وفي المودّة الّتي تقتضي المحبّة المجرّدة جاء قوله تعالى:
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشورى/ 23) .
وقال ابن منظور: الودّ الحبّ يكون في جميع مداخل الخير. ودّ الشّيء ودّا وودّا وودّا وودادة وودادا وودادا وودّة وموددة: أحبّه. ووددت الشّيء أودّه، وهو من الأمنيّة قال الفرّاء: هذا أفضل الكلام، يقال: ودّك ووديدك. كما تقول حبّك وحبيبك، والودّ الوديد، والجمع أودّ مثل قدح وأقدح وذئب وأذؤب، وهما يتوادّان وهم أودّاء. ووددت الرّجل أودّه ودّا إذا أحببته، وتودّد إليه: تحبّب، وتودّده: اجتلب ودّه، عن ابن الأعرابيّ، أنشد:
أقول: تودّدني إذا ما لقيتني ... برفق، ومعروف من القول ناصع «1»
وقال ابن الأثير: الودود في أسماء الله تعالى، فعول بمعى مفعول، من الودّ والمحبّة. يقال: وددت الرّجل إذا أحببته، فالله تعالى ودود أي محبوب في قلوب أوليائه، قال: أو هو فعول بمعنى فاعل أي يحبّ عباده الصّالحين بمعنى يرضى عنهم «2» .
واصطلاحا:
هو التّواصل الجالب للمحبّة، أو هو التّواصل على المحبّة «3» ، وقال الجرجانيّ: التّودّد هو طلب مودّة الأكفاء بما يوجب ذلك.
__________
(1) لسان العرب (3/ 453- 455) . ومقاييس اللغة (6/ 75) .
(2) النهاية (5/ 165) .
(3) فتح الباري- ابن حجر (10/ 454) . ومفردات الراغب (ص 516) . وكتاب التعريفات للجرجاني (ص 75) .(4/1343)
الوداد مرتبة من مراتب المحبة:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الخامسة- من مراتب المحبّة- الوداد: وهو صفو المحبّة وخالصها ولبّها «1» .
الودود من أسماء الله تعالى:
وفيه قولان:
أحدهما: أنّه المودود. قال البخاريّ- رحمه الله- في صحيحه: الودود الحبيب.
والثّاني: أنّه الوادّ لعباده، أي المحبّ لهم.
وقرنه باسمه (الغفور) : إعلاما بأنّه يغفر الذّنب ويحبّ التّائب منه، فحظّ التّائب نيل المغفرة منه.
وعلى القول الأوّل (الودود) يكون في معنى سرّ الاقتران، أي اقتران (الودود بالغفور) ، استدعاء مودّة العباد له، ومحبّتهم إيّاه باسم الغفور «2» .
بين التواد والتعاطف والتراحم:
قال ابن أبي جمرة: الّذي يظهر أنّ التّراحم والتّوادد والتّعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأمّا التّراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوّة الإيمان لا بسبب شيء آخر، وأمّا التّوادد فالمراد به التّواصل الجالب للمحبّة كالتّزاور والتّهادي. وأمّا التّعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا كما يعطف الثّوب عليه ليقوّيه «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- حسن الخلق- حسن العشرة- حسن المعاملة- الحنان- الرفق- العطف- الرأفة- الرحمة- المحبة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأذى- الإساءة- الإعراض- التحقير- سوء المعاملة- العنف- القسوة- الجهل] .
__________
(1) تهذيب مدارج السالكين (520) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) فتح الباري- ابن حجر (10/ 453- 454) .(4/1344)
الآيات الواردة في «التودد»
1- وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) «1»
2-* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) «2»
3- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) «3»
4- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «4»
5- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) «5»
6- ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «6»
7- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «7»
8- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)
__________
(1) النساء: 73 مدنية
(2) المائدة: 82 مدنية
(3) هود: 90 مكية
(4) مريم: 96 مكية
(5) الروم: 21 مكية
(6) الشورى: 23 مدنية
(7) المجادلة: 22 مدنية(4/1345)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) «1»
9- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) «2»
__________
(1) الممتحنة: 1- 5 مدنية.
(2) البروج: 12- 14 مكية.(4/1346)
الأحاديث الواردة في (التودد)
1-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكّة، فسلّم عليه عبد الله. وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقيل له: أصلحك الله! إنّهم الأعراب وإنّهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إنّ أبا هذا كان ودّا لعمر بن الخطّاب، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أتى المقبرة فسلّم على المقبرة، فقال:
«السّلام عليكم، دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون. وددت أنّا قد رأينا إخواننا» . قالوا: يا رسول الله! أو لسنا إخوانك؟ قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الّذين لم يأتوا بعد» ) * «2» .
3-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا «4» في سبيلي، وإيمانا بي وتصديقا برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والّذي نفس محمّد بيده ما من كلم يكلم «5» في سبيل الله، إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده! لولا أن يشقّ على المسلمين، ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي، والّذي نفس محمّد بيده! لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل ثمّ أغزو فأقتل» ) * «6» .
5-* (عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنّها لا تلد، أفأتزوّجها؟
قال: «لا» ، ثمّ أتاه الثّانية فنهاه، ثمّ أتاه الثّالثة، فقال:
«تزوّجوا الودود الولود فإنّي مكاثر بكم الأمم) » * «7» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خطب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّ الله خيّر عبدا بين
__________
(1) مسلم (2552) .
(2) مسلم (249) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6011) . ومسلم (2586) واللفظ له.
(4) لا يخرجه إلا جهادا: هكذا هو في جميع النسخ: جهادا بالنصب، وكذا قال بعده «وإيمانا بي، وتصديقا» وهو منصوب على أنه مفعول له أي: لا يخرجه المخرج إلا للجهاد والإيمان والتصديق، ومعناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى.
(5) كلم يكلم: أي جرح يجرح.
(6) البخاري- الفتح 1 (36) . ومسلم 1876) واللفظ له.
(7) أبو داود (2050) . والنسائي (6/ 65) وقال محقق جامع الأصول (11/ 428) : إسناده حسن.(4/1347)
الدّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله» فبكى أبو بكر رضي الله عنه- فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشّيخ، إن يكن الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا. قال: «يا أبا بكر لا تبك، إنّ أمنّ النّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته، لا يبقينّ في المسجد باب إلّا سدّ، إلّا باب أبي بكر) * «1» .
7-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، فقيل له: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا» ...
الحديث وفيه: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما» ) * «2» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ... الحديث، وفيه: فأمّا أسامة فأشار عليه بالّذي يعلم في نفسه من الودّ لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلّا خيرا ...
الحديث) *» .
9-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّن شهد بدرا من الأنصار أنّه أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلّي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الّذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصليّ بهم، ووددت يا رسول الله أنّك تأتيني فتصلّي في بيتي فأتّخذه مصلّى. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأفعل إن شاء الله. قال عتبان: فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- حين ارتفع النّهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأذنت له فلم يجلس حتّى دخل البيت، ثمّ قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر فقمنا، فصلّى ركعتين ثمّ سلّم.
قال: وحبسناه على خزيرة «4» صنعناها له، قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدّار ذوو عدد فاجتمعوا، فقال قائل منهم: أين مالك بن الدّخيشن- أو ابن الدّخشن-؟ فقال بعضهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك ألا تراه قال لا إله إلّا الله يريد بذلك وجه الله» قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» ) * «5» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: «من أشدّ أمّتي لي حبّا، ناس يكونون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله) * «6» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (466) واللفظ له. ومسلم (2382) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4727) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2661) واللفظ. له ومسلم (2770) .
(4) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه دقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.
(5) البخاري- الفتح 1 (425) واللفظ له. ومسلم (33) .
(6) مسلم (2832) .(4/1348)
الأحاديث الواردة في (التودد) معنى
انظر: صفة (المحبة)
من الآثار الواردة في (التودد)
1-* (قال عمر- رضي الله عنه-: «ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته أوّلا، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه» ) * «1» .
2-* (قال الأحنف بن قيس: «خير الإخوان إن استغنيت عنه لم يزدك في المودّة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن كوثرت عضّدك، وإن استرفدت رفدك، وأنشد:
أخوك الّذي إن تدعه لملمّة ... يجبك وإن تغضب إلى السّيف يغضب) * «2» .
3-* (عن زهدم الجرميّ قال: «كان بين هذا الحيّ من جرم وبين الأشعريّين ودّ وإخاء فكنّا عند أبي موسى الأشعريّ. فقرّب إليه طعام فيه لحم دجاج.
فدخل رجل من بني تيم الله ... الحديث) * «3» .
4-* (قال التّابيّ: «الإخوان ثلاثة أصناف:
فرع بائن من أصله، وأصل متّصل بفرعه، وفرع ليس له أصل. فأمّا الفرع البائن من أصله فإخاء بني على مودّة، ثمّ انقطعت فحفظ على ذمام الصّحبة؛ وأمّا الأصل المتّصل بفرعه، فإخاء أصله الكرم وأغصانه التّقوى، وأمّا الفرع الّذي لا أصل له، فالمموّه الظّاهر الّذي ليس له باطن) * «4» .
5-* (قال شبيب بن شيبة: «إخوان الصّفاء خير مكاسب الدّنيا، هم زينة في الرّخاء، وعدّة في البلاء، ومعونة على الأعداء» ) * «5» .
6-* (قال الجاحظ: الودّ هو المحبّة المعتدلة من غير اتّباع الشّهوة، والودّ مستحسن من الإنسان إذا كان ودّه لأهل الفضل والنّبل، وذوي الوقار والأبّهة، والمتميّزين من النّاس، فأمّا التودّد إلى أراذل النّاس وأصاغرهم والأحداث والنّسوان وأهل الخلاعة فمكروه جدّا. وأحسن الودّ ما نسجته بين منوالين متناسبة الفضائل، وهو أوثق الودّ وأثبته، فأمّا ما كان ابتداؤه اجتماعا على هزل، أو لطلب لذّة فليس محمودا، وليس بباق ولا ثابت» ) * «6» .
7-* (كتب سعيد بن حميد إلى أحد أصحابه «إنّي أهديت مودّتي إليك رغبة، ورضيت بالقبول منك مثوبة، فصرت بقبولها قاضيا لحقّ ومالكا لرقّ
__________
(1) إحياء علوم الدين للغزالي (2/ 181) .
(2) انظر العقد الفريد (4/ 211) .
(3) مسلم (1649) .
(4) انظر العقد الفريد (4/ 211) .
(5) المصدر السابق (4/ 211) .
(6) انظر تهذيب الأخلاق (23) .(4/1349)
وصرت بالتّسرّع إلى الهديّة، والتنظّر للمثوبة، مرتهن اللّسان بالجزاء واليدين بالوفاء» ) * «1» .
8-* (قال الماوردي: «البرّ هو المعروف، ويتنوّع نوعين قولا وعملا، فأمّا القول فهو طيب الكلام وحسن البشر، والتّودّد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورقّة الطّبع، ويجب أن يكون محدودا كالسّخاء، فإنّه إن أسرف فيه كان ملقا مذموما، وإن توسّط واقتصد فيه كان معروفا وبرّا محمودا» ) * «2» .
9-* (كتب إبراهيم بن العبّاس إلى أحد إخوانه: المودّة يجمعنا حبلها، والصّناعة تؤلّفنا أسبابها، وما بين ذلك من تراخ في لقاء، أو تخلّف في مكاتبة، موضوع بيننا يجب العذر فيه) * «3» .
10-* (عن الحسين بن عبد الرّحمن، قال:
كان يقال: «إنّ المودّة قرابة مستفادة» ) * «4» .
11-* (وقالوا: «الصّديق من صدقك ودّه وبذل لك رفده» ) * «5» .
12-* (قيل: «القرابة تحتاج إلى مودّة والمودّة لا تحتاج إلى قرابة» ) * «6» .
13-* (قال جعفر الصّادق- رحمه الله-:
«مودّة يوم صلة، ومودّة شهر قرابة، ومودّة سنة رحم مائية من قطعها قطعه الله) * «7» .
من أقوال الشعراء:
14-* (كتب رجل إلى أبي العتاهية:
يا أبا إسحاق إنّي ... واثق منك بودّك
فأعنّي بأبي أن ... ت على عيبي برشدك
فأجابه بقوله:
أطع الله بجهدك ... راغبا أو دون جهدك
أعط مولاك الّذي تط ... لب من طاعة عبدك) *
«8» 15-* (وقال آخر:
إن كنت متّخذا خليلا ... فتنقّ وانتقد الخليلا
من لم يكن لك منصفا ... في الودّ فابغ به بديلا
ولقلّما تلقى اللّئيم عليك إلّا مستطيلا) * «9» .
16-* (للعطويّ:
صن الودّ إلّا عن الأكرمين ... ومن بمؤاخاته تشرف
ولا تغترر من ذوي خلّة ... بما موّهوا لك أو زخرفوا) * «10» .
17-* (وقال شاعر:
إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب) * «11» .
18-* (وقال آخر:
__________
(1) العقد الفريد، لابن عبد ربه (4/ 212) .
(2) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص 200) .
(3) العقد الفريد، لابن عبد ربه (4/ 211) .
(4) كتاب الإخوان، لابن أبي الدنيا (ص 143) .
(5) العقد الفريد، لابن عبد ربه (2/ 292) .
(6) إحياء علوم الدين، للغزالي (2/ 185) .
(7) المرجع السابق نفسه.
(8) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 131) .
(9) العقد الفريد (2/ 292- 297) .
(10) المرجع السابق (2/ 292- 297) .
(11) العقد الفريد (2/ 292- 297) .(4/1350)
تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني ... صديقك إنّ الرّأي عنك لعازب
وليس أخي من ودّني رأي عينه ... ولكن أخي من ودّني وهو غائب) * «1» .
19-* (وللمبرّد:
ما القرب إلّا لمن صحّت مودّته ... ولم يخنك وليس القرب للنّسب) *
2.
كم من قريب زويّ الصّدر مضطغن ... ومن بعيد سليم غير مقترب) * 3.
20-* (وأنشد ابن الأعرابيّ:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ... ولكنّ إخوان الصّفا لذخائر) * 4.
21-* (قال الشّاعر:
يا صديقي الّذي بذلت له الو ... دّ وأنزلته على أحشائي
إنّ عينا أقذيتها لتراعي ... ك على ما بها من الأقذاء
ما بها حاجة إليك ولكن ... هي معقودة بحبل الوفاء) * 5.
22-* (وقال آخر:
ارض من المرء في مودّته ... بما يؤدّي إليك ظاهره
من يكشف النّاس لا يرى أحدا ... تصحّ منه له سرائره) *
6.
23-* (قال الشّاعر:
لعمري لئن قرّت بقربك أعين ... لقد سخنت بالبين منك عيون
فسر أو أقم، وقف عليك مودّتي ... مكانك من قلبي عليك مصون)
* 7.
من فوائد (التودد)
(1) يزيد الألفة ويقوّي التّضافر والتّناصر.
(2) يقرّب بين النّاس وينشر الرأفة والرّحمة بينهم.
(3) يترجم عن قوّة النّفس المسلمة بتمسّكها بحبل الله المتين.
(4) ما تواصلت حبال المودّة بين النّاس إلّا بسط الله عليهم رداء الرّحمة والغفران.
(5) يزيل ما بين النّفوس من الإحن والأحقاد.
(6) إنّه مدعاة إلى حسن الثّناء على الإنسان من الله والنّاس.
(7) يسدّ الخلل في المجتمع الإسلاميّ ويقوّي العلاقات الاجتماعيّة فيه.
__________
1- 7 انظر العقد الفريد لابن عبد ربه (2/ 296) .(4/1351)
التوسط
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 29/ 19
التوسط لغة:
مصدر توسّط الشّيء وهو مأخوذ من مادّة (وس ط) الّتي تدلّ على العدل والنّصف، وأعدل الشّيء أوسطه ووسطه، ويقال هو أوسطهم حسبا إذا كان في واسطة قومه وأرفعهم محلّا، ووسط الشّيء: ما بين طرفيه.
ويكون ساكنا، فتقول: وسط القوم، وحينئذ فهو ظرف.
ويكون متحرّكا فتقول: جلست في وسط الدّار، وذلك لأنّه اسم.
والضّابط في ذلك أنّ كلّ موضع يصلح أن يكون فيه كلمة (بين) فهو ساكن، وإلّا فهو متحرّك.
وقال ثعلب: إنّ كلّ ما كان مصمتا يكون متحرّكا بالفتح، وما كان أجزاء مخلخلة يكون ساكنا (وسط) . وقد يكون كلّ واحد مكان الآخر. وأوسط الشيء أفضله وخياره كوسط المرعى خير من طرفيه وكوسط الدّابّة للرّكوب خير من طرفيها لتمكّن الرّاكب، وفي التّنزيل: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (البقرة/ 143) أي: عدلا أو خيارا.
وتقول: توسّط وسط الشّيء: أي صار بأوسطه، ويقال: وسطت القوم أوسطهم وسطا وسطة أي توسّطتهم.
وأمّا قولهم: فلان من أوسط قومه: أي من أشرفهم وأحسبهم.
وكذلك الوسيط: الحسيب والحسن، ومنه سمّيت الصلاة الوسطى، لأنّها أفضل الصّلوات وأعظمها أجرا، ولذلك خصّت بالمحافظة عليها، وقيل لأنّها وسط بين صلاتي اللّيل وصلاتي النّهار.
وقال الرّاغب: وسط الشّيء ماله طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمّيّة المتّصلة كالجسم الواحد إذا قلت وسطه صلب وضربت وسط رأسه بفتح السّين، ويقال بسكون السّين في الكمّيّة المنفصلة، كشيء يفصل بين جسمين نحو وسط القوم، والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان، يقال هذا أوسطهم حسبا إذا كان في واسطة قومه وأرفعهم محلّا. وكالجود الّذي هو بين البخل والسّرف ... وتارة يقال فيما له طرف محمود وآخر مذموم كالخير والشّرّ أو الجودة والرّداءة، تقول من هذا المعنى: شيء وسط: أي بين الجيّد والرّديء، ويقال:
فلان وسط في قومه، إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم مجدا. وفي صفة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان من أوسط قومه:(4/1352)
أي خيارهم. فوسط الوادي: خير مكان فيه، وكذلك كان نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من خير مكان في نسب العرب، وأمّته أيضا كذلك جعلت وسطا أي خيارا «1» .
والتوسط اصطلاحا:
أن يتحرّى المسلم الاعتدال ويبتعد عن التطرّف قولا وفعلا بحيث لا يقصّر ولا يغالي، وقال الرّاغب:
التّوسّط: القصد المصون عن الإفراط والتّفريط «2» .
خير الأمور الوسط:
قال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- في بيان أفضليّة التّوسّط: كلّ خصلة محمودة لها طرفان مذمومان:
فالسّخاء وسط بين البخل والتّبذير، والشّجاعة وسط بين الجبن والتّهوّر، والإنسان مأمور أن يتجنّب كلّ وصف مذموم، وتجنّبه يكون بالتّعرّي منه، والبعد عنه، فكلّما ازداد منه بعدا ازداد إلى الوسط تقرّبا؛ ولذلك فإنّ أبعد الجهات والمقادير والمعاني من كلّ طرفين وسطها، فإذا كان في الوسط، فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان «3» .
التوسط خصيصة لأهل الملة ولأهل السنة:
قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: أهل السنّة والجماعة: «الفرقة الناجية» وسط في النّحل كما أنّ ملّة الإسلام وسط في الملل، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصّالحين، لم يغلوا فيهم كما غلت النّصارى، ولم يجفوا عنهم كما جفت اليهود. وهم وسط في شرائع دين الله، فلم يحرّموا على الله أن ينسخ ما شاء ويمحو ما شاء ويثبت ما شاء، كما قالته اليهود. ولا جوّزوا لأكابر علمائهم وعبّادهم أن يغيّروا دين الله فيأمروا بما شاءوا وينهوا عمّا شاءوا كما يفعله النّصارى. وهم كذلك وسط في باب صفات الله تعالى: فإنّ اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق النّاقصة، والنّصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصّة به، هذا في باب يطول حصره. وأمّا أهل السّنّة والجماعة في الفرق فهم وسط كذلك، فهم في باب أسماء الله وصفاته وسط بين أهل التّعطيل الّذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويعطّلون حقائق ما نعت الله به نفسه، حتّى يشبّهوه بالعدم والموات، وبين أهل (التمثيل والتّشبيه) الّذين يضربون له الأمثال ويشبّهونه بالمخلوقات. وأمّا هم: فيؤمنون بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وأمّا في باب الخلق والأمر، فهم وسط بين المكذّبين بقدرة الله الّذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشّاملة وخلقه لكلّ شيء، وبين المفسدين لدين الله الّذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل فيعطّلون الأمر والنّهي والثّواب والعقاب،
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (8/ 4831- 4834) بتصرف، والصحاح للجوهري (3/ 1167- 1168) ، ومقاييس اللغة- لابن فارس (6/ 108) ، ومفردات الراغب (522) .
(2) استنبطنا التعريف الأول من كتب التفسير والثاني من مفردات الراغب (ص 533) .
(3) النهاية (5/ 184) . ولسان العرب (8/ 4833) .(4/1353)
فيصيرون بمنزلة المشركين الّذين قالوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ (الأنعام/ 148) .
وأمّا أهل السّنّة والجماعة فوسطيّتهم في إيمانهم بأنّ الله على كلّ شيء قدير، فيقدر أن يهدي العباد، ويقلّب قلوبهم، وأنّه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنفاذ أمره وأنّه خالق كلّ شيء من الأعيان والصّفات والحركات، كما يؤمنون في الوقت نفسه أنّ العبد له قدرة ومشيئة وعمل وأنّه مختار، ولا يسمّونه مجبورا (أي فيما كلّف به) إذ إنّ المجبور من أكره على خلاف اختياره، والله سبحانه وتعالى جعل العبد مختارا لما يفعله فهو مختار مريد، والله خالقه وخالق اختياره.
وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد وسط بين الوعيديّة الّذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلّدين في النّار ويخرجونهم من الإيمان بالكلّيّة، ويكذّبون بشفاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبين المرجئة الّذين يقولون: إيمان الفسّاق مثل إيمان الأنبياء، والأعمال الصّالحة ليست من الدّين والإيمان، ويكذّبون بالوعيد والعقاب بالكلّيّة، فيؤمن أهل السّنّة والجماعة بأنّ فسّاق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان الواجب الّذي يستوجبون به الجنّة وأنّهم لا يخلّدون في النّار، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبّة من إيمان أو مثقال خردلة من إيمان. وهم في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسط بين الغالية الّذين يغالون في عليّ- رضي الله عنه- وأهل البيت، فيفضّلون عليّا على أبي بكر وعمر، ويعتقدون أنّه الإمام المعصوم دونهما، وأنّ الصّحابة ظلموا وفسقوا، وكفّروا الأمّة بعدهم كذلك، وربّما جعلوه نبيّا وإلها، وبين الجافية الّذين يعتقدون كفره وكفر عثمان، ويستحلّون دماءهما ودماء من تولّاهما، ويستحبّون سبّ عليّ وعثمان ونحوهما، ويقدحون في خلافة عليّ رضي الله عنه- وإمامته. ووسطيّتهم في سائر أبواب السّنّة راجع لتمسّكهم بكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اتّفق عليه السّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان «1» .
أمّا ابن القيّم- رحمه الله تعالى- فإنّه يحضّ على الأخذ بالوسط؛ لأنّ فيه النّجاة من الظّلم، فقال: الوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتّفريط هو العدل وهو الّذي عليه بناء مصالح الدّنيا والآخرة، بل حتّى مصلحة البدن لا تقوم إلّا به؛ لأنّه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحّته وقوّته بحسب ذلك، ومثل ذلك الأفعال الطّبيعيّة كالنّوم والسّهر والأكل والشّرب والحركة والرّياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك، إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا «2» .
__________
(1) انتهى بتصرف من مجموع الفتاوى (3/ 370- 375) .
(2) الفوائد (139) .(4/1354)
وسطية الشريعة:
قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: الشّريعة جارية في التّكليف بمقتضاها على الطّريق الوسط الأعدل الأخذ من الطّرفين بقسط لا ميل فيه، الدّاخل تحت كسب العبد من غير مشقّة عليه ولا انحلال؛ بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلّفين غاية الاعتدال ... ، فإن كان التّشريع لأجل انحراف المكلّف، أو وجود مظنّة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطّرفين، كان التّشريع رادّا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعتدال فيه، وفعل الطّبيب الرّفيق يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته، وقوّة مرضه وضعفه، حتّى إذا استقلّت صحّته هيّأ له طريقا في التّدبير وسطا لائقا به في جميع أحواله، فهكذا تجد الشّريعة أبدا في مواردها ومصادرها جارية على هذا التّرتيب الوسط المعتدل، فإذا نظرت إلى كلّيّة من كلّيّات الشّريعة فتأمّلتها وجدتها حاملة على التّوسّط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف فذلك لعلاج انحراف واقع أو متوقّع في أحد الجانبين، فطرف التّشديد- وعامّة ما يكون في التّخويف والتّرهيب والزّجر- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدّين، وطرف التّخفيف- وعامّة ما يكون في التّرجية والتّرغيب والتّرخيص- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التّشديد، فإذا لم يكن انحراف إلى هذا أو ذاك رأيت التّوسّط لائحا، ومسلك الاعتدال واضحا، وهو الأصل الّذي يرجع إليه والمعقل الّذي يلجأ إليه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الجود- الشجاعة- العدل والمساواة- القسط- الإنصاف.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغلو- الإسراف- التفريط والإفراط- العدوان] .
__________
(1) الموافقات (2/ 163- 168) بتصرف.(4/1355)
الآيات الواردة في «التوسط»
1-* سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «1»
2- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «2»
3- لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) «3»
4- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32) «4»
الآيات الواردة في «التوسط» معنى
5- وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) »
6- وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «6»
__________
(1) البقرة: 142- 143 مدنية
(2) البقرة: 238- 239 مدنية
(3) المائدة: 89 مدنية
(4) القلم: 17- 32 مكية
(5) الإسراء: 29 مكية
(6) الفرقان: 67 مكية(4/1356)
الأحاديث الواردة في (التوسط)
1-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا أتاه، فقال: إنّ لي امرأة وإنّ أمّي تأمرني بطلاقها، قال: أبو الدّرداء: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتي بجفنة أو قال قصعة من ثريد فقال: «كلوا من حافّاتها،- أو قال جوانبها- ولا تأكلوا من وسطها، فإنّ البركة تنزل في وسطها» ) * «2» .
3-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنّا جلوسا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيّ عرى الإسلام أوسط؟» قالوا: الصّلاة، قال: «حسنة وما هي بها» . قالوا: الزّكاة، قال: «حسنة وما هي بها» .
قالوا: صيام رمضان. قال: «حسن وما هو به» . قالوا:
الحجّ. قال: «حسن وما هو به» . قالوا: الجهاد. قال:
«حسن وما هو به» قال: «إنّ أوسط عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله» ) * «3» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصّلاة وصام رمضان كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها» . فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشّر النّاس؟ قال:
«إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «4» .
5-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء نوح وأمّته فيقول الله تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، أي ربّ، فيقول لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا. ما جاءنا من نبيّ.
فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأمّته فنشهد أنّه قد بلّغ، وهو قوله جلّ ذكره: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً «5» لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ (البقرة/ 143)) * «6» .
6-* (عن أبي جحيفة- رضي الله عنه- قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء، فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة فقال لها:
__________
(1) الترمذي (1900) وقال: صحيح. وابن ماجة (3663) .
(2) أبو داود (3772) . والترمذي (1805) وقال: حسن صحيح. والدارمي (2/ 137) رقم (2046) وهذا لفظه. وقال ابن حجر في بلوغ المرام: رواه الأربعة وسنده صحيح (سبل السلام: 3/ 335) .
(3) أحمد (4/ 286) رقم (18551) . وذكره في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد وفيه ليث بن أبي سليم وضعفه الأكثر وذكر له شواهد عدة (1/ 98، 90) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2790) .
(5) الوسط: العدل.
(6) البخاري- الفتح 6 (3339) .(4/1357)
ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء فصنع له طعاما فقال له:
كل. قال: فإنّي صائم. قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل.
قال: فأكل. فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم.
قال: نم. فنام. ثمّ ذهب يقوم. فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قام أحدكم من اللّيل فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فليضطجع» ) * «2» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نعس أحدكم في الصّلاة فليرقد حتّى يذهب عنه النّوم، فإنّ أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لعلّه يذهب يستغفر فيسبّ نفسه» ) * «3» .
9-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- حرّم عليكم عقوق الأمّهات ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السّؤال وإضاعة المال» ) * «5» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها امرأة.
قال: «من هذه؟» . قالت: فلانة تذكر من صلاتها.
قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه» ) * «6» .
12-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهدي الصّالح والسّمت الصّالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «7» .
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1968) .
(2) مسلم (787) .
(3) مسلم (786) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1477) . ومسلم (593) كتاب الأقضية باب (5) ، ص 1341 واللفظ له.
(5) مسلم (1715) .
(6) البخاري- الفتح 1 (43) . ومسلم (785) .
(7) أبو داود (4776) وقال الألباني حسن (3/ 907) وأحمد (1/ 296) وقال أحمد شاكر إسناده صحيح (4/ 244) رقم (1698) والبخاري في الأدب المفرد (267) رقم (791) وقال الحافظا بن حجر في الفتح: إسناده حسن (10/ 509) .(4/1358)
يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا.
فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا. أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «1» .
14-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: خرجت ذات يوم لحاجة فإذا أنا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يمشي بين يديّ فأخذ بيدي، فانطلقنا نمشي جميعا، فإذا نحن بين أيدينا برجل يصلّي، يكثر الرّكوع والسّجود فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أتراه يرائي، فقلت: الله ورسوله أعلم، فترك يده من يدي ثمّ جمع بين يديه، فجعل يصوّبهما ويرفعهما ويقول: «عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، فإنّ من يشادّ هذا الدّين يغلبه» ) * «2» .
15-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا حبل ممدود بين السّاريتين، فقال: «ما هذا الحبل؟» قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلّقت به. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«حلّوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد» ) * «3» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا. فقال «تلك ضراوة الإسلام وشرّته ولكلّ ضراوة شرّة، ولكلّ شرّة فترة. فمن كانت فترته إلى اقتصاد وسنّة فلا أمّ ما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فذلك الهالك» ) * «4» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟
قال: «أدومها وإن قلّ» . وقال: «اكلفوا من العمل ما تطيقون» ) * «5» .
18-* (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه قال: صلّيت صلاة فأوجزت فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة. فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5063) وهذا لفظه. ومسلم (1401) .
(2) أحمد (5/ 350) . والحاكم (1/ 312) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وسنن البيهقي (3/ 18) . والسنة لابن أبي عاصم (46) . وقال الألباني: إسناده صحيح وعزاه كذلك للطحاوي في مشكل الآثار والمروزي في زوائد الزهد والخطيب في التاريخ.
(3) البخاري- الفتح 3 (1150) ومسلم (784) .
(4) أحمد (2/ 165) رقم (6539) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (10/ 50) . وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه الطبراني في الكبير وأحمد بنحوه. ورجال أحمد ثقات (2/ 259، 260) . والسنة لابن أبي عاصم (28) رقم (51) وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين وعزاه لابن حبان والطحاوي.
(5) البخاري- الفتح 11 (6465) ومسلم (783) نحوه.(4/1359)
الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قام تبعه رجل من القوم هو أبيّ غير أنّه كنى عن نفسه، فسأله عن الدّعاء، ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهمّ وأسألك خشيتك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الرّضا والغضب (وأسألك القصد في الفقر والغنى) وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة. اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين» ) * «1» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» ) * «2» .
20-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (فاطر/ 32) . فأمّا الّذين سبقوا بالخيرات فأولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب. وأمّا الّذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا. وأمّا الّذين ظلموا أنفسهم فأولئك الّذين يحبسون في طول المحشر ثمّ هم الّذين تلافاهم الله برحمته فهم الّذين يقولون وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. إلى قوله: لُغُوبٌ (فاطر/ 34- 35)) * «3» .
21-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان لا يأكل حتّى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا. فقال (لمولاه نافع) : يا نافع لا تدخل هذا عليّ. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ) * «4» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لن ينجي أحدا منكم عمله» . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. سدّدوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدّلجة. والقصد القصد تبلغوا» ) * «5» .
23-* (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ملأ آدميّ وعاء شرّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن
__________
(1) النسائي (3/ 55) وقال الألباني: صحيح (1/ 281) رقم (1237) وعزاه في الكلم الطيب إلى الحاكم، وقال: صححه ووافقه الذهبي (66) . وأحمد (4/ 264) بعضه.
(2) البخاري- الفتح 9 (5392) . ومسلم (2058) .
(3) أحمد (5/ 198) رقم (1775) وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه كذلك للبغوي والطبري في التفسير من طرق أخرى (3/ 555) . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح وذكر طرقا أخرى (7/ 95) .
(4) البخارى- الفتح 9 (5393) ومسلم (2060) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6463) .(4/1360)
صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه» ) * «1» .
24-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات القط لي» . فلقطت له حصيات هي حصى الخذف فلمّا وضعتهنّ في يده، قال: «بأمثال هؤلاء، وإيّاكم والغلوّ في الدّين فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين» ) * «2» .
25-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلك المتنطّعون «3» (قالها ثلاثا) » ) * «4» .
26-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الله ألم أخبر أنّك تصوم النهار وتقوم اللّيل؟» فقلت:
بلى، يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّ لزورك عليك حقّا، وإنّ بحسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ لك بكلّ حسنة عشر أمثالها، فإذن ذلك صيام الدّهر كلّه» ، فشدّدت فشدّد عليّ. قلت: يا رسول الله إنّي أجد قوّة. قال: «فصم صيام نبيّ الله داود عليه السّلام، ولا تزد عليه» . قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السّلام؟ قال: «نصف الدّهر» ) * «5» .
فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوسط)
27-* (عن سعد بن هشام بن عامر؛ أنّه أراد أن يغزو في سبيل الله. فقدم المدينة. فأراد أن يبيع عقارا له بها. فيجعله في السّلاح والكراع «7» . ويجاهد الرّوم حتّى يموت. فلمّا قدم المدينة، لقي أناسا من أهل المدينة. فنهوه عن ذلك. وأخبروه؛ أنّ رهطا ستّة أرادوا ذلك في حياة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم. فنهاهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم.
وقال: «أليس لكم فيّ أسوة؟» فلمّا حدّثوه بذلك راجع امرأته. وقد كان طلّقها. وأشهد على رجعتها. فأتى
__________
(1) الترمذي (2380) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (3349) . والحاكم (4/ 121) وصححه ووافقه الذهبي. وعزاه كذلك مخرج جامع الأصول لابن حبان (7/ 410) وحسّنه.
(2) النسائي (5/ 268) وقال الألباني: صحيح (2/ 640) رقم (2863) . وابن ماجة (3029) . وأحمد (1/ 215) رقم (1851) . وقال فيه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 257) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 278) برقم (1283) وعزاه كذلك لابن خزيمة وابن حبان والمقدسي في المختارة.
(3) المتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
(4) مسلم (2670) .
(5) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له. ومسلم (1159) .
(6) البخاري- الفتح 4 (1975) واللفظ له. ومسلم (1159) .
(7) الكراع: نوع من أنواع الخيل. أو اسم لجميع الخيل (النهاية: 4/ 165) .(4/1361)
ابن عبّاس فسأله عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال ابن عبّاس: ألا أدلّك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: من؟ قال: عائشة. فأنها فاسألها. ثمّ ائتني فأخبرني بردّها عليك. فانطلقت إليها. فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها، قال: ما أنا بقاربها؛ لأنّي نهيتها أن تقول في هاتين الشّيعتين»
شيئا فأبت فيهما إلّا مضيّا «2» . قال فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنّا عليها. فأذنت لنا، فدخلنا عليها. فقالت: أحكيم؟ (فعرفته) فقال:
نعم. فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام.
قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر. فترحّمت عليه. وقالت خيرا. (قال قتادة وكان أصيب يوم أحد) فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان القرآن، قال فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحدا عن شيء حتّى أموت. ثمّ بدا لي فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت:
ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قلت: بلى. قالت: فإنّ الله- عزّ وجلّ- افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة. فقام نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه حولا. وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهرا في السّماء. حتّى أنزل الله، في آخر هذه السّورة، التّخفيف. فصار قيام اللّيل تطوّعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: كنّا نعدّ له سواكه وطهوره. فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من اللّيل، فيتسوّك ويتوضّأ ويصلّي تسع ركعات. لا يجلس فيها إلّا في الثّامنة. فيذكر الله، ويحمده ويدعوه. ثمّ ينهض ولا يسلّم. ثمّ يقوم فيصلّي التّاسعة. ثمّ يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه. ثمّ يسلّم تسليما يسمعنا. ثمّ يصلّي ركعتين بعد ما يسلّم وهو قاعد. فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بنيّ. فلمّا سنّ «3» نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخذه اللّحم، أوتر بسبع. وصنع في الرّكعتين مثل صنيعه الأوّل. فتلك تسع، يا بنيّ. وكان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة أحبّ أن يداوم عليها. وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام اللّيل صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة.
ولا أعلم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ القرآن كلّه في ليلة، ولا صلّى ليلة إلى الصّبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان.
قال: فانطلقت إلى ابن عبّاس فحدّثته بحديثها.
فقال: صدقت. لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتّى تشافهني به. قال قلت: لو علمت أنّك لا تدخل عليها ما حدّثتك حديثها» ) * «4» .
28-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفطر من الشّهر حتّى نظنّ أن لا يصوم منه، ويصوم حتّى نظنّ أن لا يفطر منه شيئا.
وكان لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلّا رأيته، ولا نائما إلّا رأيته» ) * «5» .
__________
(1) الشيعتين: الشيعتان الفرقتان. والمراد تلك الحروب التي جرت. يريد شيعة علي وأصحاب الجمل.
(2) فأبت فيهما إلا مضيّا: أي فامتنعت من غير المضي، وهو الذهاب، مصدر مضى يمضي: قال تعالى: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا (يس/ 67) .
(3) فلما سن: هكذا هو في معظم الأصول سن. وفي بعضها، أسنّ. وهذا هو المشهور في اللغة.
(4) مسلم (746) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1141) .(4/1362)
29-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- أنّه قال: «كنت أصلّي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوسط)
1-* (قال أبو بكر- رضي الله عنه- لمّا وقف خطيبا يوم السقيفة مخاطبا الأنصار: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر «2» إلّا لهذا الحيّ من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا.
وقد رضيت لكم أحد هذين الرّجلين فبايعوا أيّهما شئتم يعني عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة بن الجرّاح» ) * «3» .
2-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «خير النّاس هذا النمط الأوسط، يلحق بهم التّالي ويرجع إليهم الغالي» ) * «4»
3-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ: «يعني في غير إسراف ولا تقتير» ) * «5» .
4-* (وعنه أيضا- رضي الله عنهما-؛ أنّه قال: «ما عال «6» مقتصد قطّ» ) * «7» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال لأبي جعفر محمّد الباقر، لمّا دخل عليه وعنده قوم فسألوه عن الغسل فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخير منك، ثمّ أمّنا في ثوب» ) * «8» .
6-* (قال وهب بن منبّه- رحمه الله تعالى-:
«إنّ لكلّ شيء طرفين ووسطا، فإذا أمسك بأحد الطّرفين مال الآخر، فإذا أمسك بالوسط اعتدل الطّرفان فعليكم بالأوسط من الأشياء» ) * «9» .
7-* (قال محمّد بن الحنفيّة- رحمه الله تعالى:
«الكمال في ثلاثة: العفّة في الدّين، والصبر على النّوائب، والاقتصاد وحسن التّدبير في المعيشة» ) * «10» .
8-* (قال الحسن البصريّ رحمه الله تعالى:
«خير الأمور أوساطها» ) * «11» .
9-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-
__________
(1) مسلم (866) .
(2) والمراد بالأمر هنا: الخلافة.
(3) البخاري- الفتح 12 (6830) جزء من حديث طويل.
(4) لسان العرب (8/ 4833) .
(5) الأدب المفرد، للبخاري (158- 159) .
(6) عال: أي افتقر.
(7) ذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف (10/ 252) . وذكره ابن كثير في التفسير من حديث ابن مسعود وقال: لم يخرجوه (3/ 325) .
(8) البخاري- الفتح 1 (252) .
(9) المقاصد الحسنة (332) .
(10) أدب الدنيا والدين (393- 394) .
(11) لسان العرب (8/ 4833) .(4/1363)
لرجل قال له: «يا أمير المؤمنين، إنّ الله قد أعطاك فلو لبست- وذلك بعد أن رآه يلبس قميصا مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه- فقال: «أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة» ) * «1» .
10-* (عن أبي الصّلت قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: «أمّا بعد؛ أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنّته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنّة فإنّها لك بإذن الله عصمة، ثمّ اعلم أنّه لم يبتدع النّاس بدعة، إلّا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإنّ السّنّة إنّما سنّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ، والزّلل، والحمق، والتعمّق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنّهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه. ولئن قلتم: «إنّما حدث بعدهم» . ما أحدثه إلّا من اتّبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم؛ فإنّهم هم السّابقون، فقد تكلّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصّر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.
كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير- بإذن الله- وقعت، ما أعلم ما أحدث النّاس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرا، ولا أثبت أمرا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهليّة الجهلاء، يتكلّمون به في كلامهم، وفي شعرهم، يعزّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثمّ لم يزده الإسلام بعد إلّا شدّة، ولقد ذكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربّهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنّه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه. ولئن قلتم:
«لم أنزل الله آية كذا؟» ولم قال: كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك:
كلّه بكتاب وقدر، وكتبت الشّقاوة، وما يقدّر يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا، ثمّ رغبوا بعد ذلك ورهبوا» ) * «2» .
11-* (قال أبو جعفر الطّحاويّ- رحمه الله تعالى- في الطّحاويّة: «دين الله في الأرض والسّماء واحد، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلوّ والتّقصير، وبين التّشبيه والتّعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس» ) * «3» .
12-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله تعالى-:
«ما من أمر أمر الله به إلّا عارض الشّيطان فيه بخصلتين ولا يبالي أيّهما أصاب: الغلوّ أو التّقصير» ) * «4» .
13-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
__________
(1) سير أعلام النبلاء (5/ 134) .
(2) أبو داود (4612) . وقال الألباني (3/ 873) صحيح مقطوع.
(3) شرح الطحاوية، لابن أبي العز، نسخة الألباني (585) .
(4) المقاصد الحسنة للسخاوي (332) ط. دار الكتاب العربي.(4/1364)
«إنّ الصّراط المستقيم الّذي وصّانا الله به وباتّباعه هو الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه، وهو قصد السّبيل، وما خرج عنه فهو من السّبل الجائرة، والجائر عنه، إمّا مفرّط ظالم أو مجتهد متأوّل أو مقلّد جاهل، وكلّ ذلك قد نهى الله عنه، فلم يبق إلّا الاقتصاد والاعتصام بالسّنّة وعليهما مدار الدّين» ) * «1» .
14-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «من كيد الشّيطان العجيب: أنّه يشامّ النّفس، حتّى يعلم أيّ القوّتين تغلب عليها: أقوّة الإقدام والشّجاعة أم قوّة الانكفاف والإحجام والمهانة. وقد اقتطع أكثر النّاس إلّا أقلّ القليل في هذين الواديين: وادي التّقصير ووادي المجاوزة والتّعدّي. والقليل منهم جدّا الثّابت على الصّراط الّذي كان عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (وهو الوسط) » ) * «2» .
15-* (قال ابن مفلح: «إنّما يستعين الكريم على الإمساك بذكر الحاجة إلى الأنذال، وقيل لبعض الحكماء لم يحفظ العقلاء المال؟ قال: لئلّا يقفوا مواقف لا تليق بهم» ) * «3» .
16-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: «لمّا أمر الله بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه بل يكون وسطا» ) * «4» .
كما قال عند تفسير قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً: «يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ذامّا للبخل، ناهيا عن الإسراف، أي لا تكن بخيلا منوعا لا تعطي أحدا شيئا، ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوما محسورا» ) * «5» .
17-* (قال شاعر:
عليك بأوساط الأمور فإنّها ... نجاة ولا تركب ذلولا ولا صعبا
وقال آخر:
حبّ التّناهي غلط ... خير الأمور الوسط) * «6» .
18-* (وقال زهير بن أبي سلمى:
هم وسط ترضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى اللّيالي بمعظم) * «7» .
19-* (وقال آخر:
(لا تذهبنّ في الأمور فرطا ... لا تسألنّ إن سألت شططا
وكن من النّاس جميعا وسطا) * «8» .
__________
(1) اغاثة اللهفان (1/ 131) .
(2) المرجع السابق (1/ 115- 116) .
(3) الآداب الشرعية (1/ 221) .
(4) التفسير (3/ 36) .
(5) التفسير (3/ 37) .
(6) المقاصد الحسنة (332) .
(7) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (2/ 5) ، والقرطبي (2/ 153) .
(8) تفسير القرطبي (2/ 154) ...(4/1365)
من فوائد (التوسط)
(1) السّلامة من الزّيادة والنّقصان.
(2) الأمن من الفقر والحاجة.
(3) حصول البركة والنّماء.
(4) دليل كمال العقل وتمام الرّشد.
(5) ضمان النّجاة حتّى الممات.
(6) ضمان الاستمرار في الخير.
(7) هو صفة مميّزة للأمّة.
(8) فيه تأسّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم وبالأصحاب الكرام.
(9) فيه أمان من الملال.
(10) فيه مخالفة لطريق الشّيطان.
(11) التّوسّط هو الاعتدال والقصد وفي ذلك الخير كلّه.
(12) التّوسّط مدار الفضائل في كثير من الأمور، فالشّجاعة مثلا وسط بين الجبن والتّهوّر.(4/1366)
التوسل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
4/ 15/ 11
التوسل لغة:
قال ابن فارس: الواو والسّين واللّام أصل له معنيان متباينان جدّا:
الأوّل: الرّغبة والطّلب يقال: وسل إذا رغب، والواسل الرّاغب إلى الله- عزّ وجلّ- وهو في قول لبيد:
أرى النّاس لا يدرون ما قدر أمرهم ... بلى كلّ ذي دين إلى الله واسل
ومن ذلك القياس الوسيلة.
والآخر: السّرقة «1» .
والوسيلة: ما يتقرّب به إلى الغير والجمع الوسل والوسائل، والتّوسيل والتّوسّل واحد، يقال: وسّل فلان إلى ربّه وسيلة، وتوسّل إليه بوسيلة أي تقرّب إليه بعمل» «2» .
وتقول: توسّل إليه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل، كما تقول: توسّل إليه بكذا: أي تقرّب إليه بحرمة آصرة تعطفه عليه «3» .
واصطلاحا:
قال الرّاغب: الوسيلة التّوصّل إلى الشّيء برغبة، وهي أخصّ من الوصيلة لتضمّنها معنى الرّغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشّريعة «4» .
قال الجرجانيّ: الوسيلة ما يتقرّب به إلى الغير»
، أو هو: كلّ سبب مشروع يوصّل إلى المقصود «6» .
التوسل في الكتاب والسنة ولغة الصحابة والمحدثين:
قال ابن تيمية: «لفظ الوسيلة فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه، ويعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فيعرف ماورد به الكتاب والسّنّة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلّم به الصّحابة ويفعلونه ومعنى ذلك، ويعرف ما أحدثه المحدثون «7» في هذا اللّفظ ومعناه.
فالوسيلة الّتي أمر الله أن تبتغى إليه، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنّهم يبتغونها إليه: هي ما يتقرّب به إليه من الواجبات والمستحبّات.
والثّاني: لفظ الوسيلة في الأحاديث
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 110) .
(2) الصحاح (5/ 1841) .
(3) لسان العرب (8/ 4837- 4838) .
(4) مفردات الراغب (523، 524) .
(5) التعريفات (272) .
(6) التوسل أنواعه وأحكامه للألباني (ص 18 بتصرف) .
(7) أي المحدثين في عصر ابن تيمية.(4/1367)
الصّحيحة كقوله صلّى الله عليه وسلّم «سلوا الله لي الوسيلة» ... وهذه الوسيلة أمرنا الله أن نسألها للرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
وأمّا التّوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والتّوجّه به في كلام الصّحابة فيريدون به التوسّل بدعائه وشفاعته.
والتوسّل في عرف كثير من المتأخّرين يراد به الإقسام به، والسّؤال به كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصّالحين، ومن يعتقدون فيه الصّلاح» «1» .
أنواع التوسل وأحكامه:
قال ابن تيميّة: «لفظ التّوسّل يراد به ثلاثة معان. أحدها: التّوسّل بطاعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلّا به.
والثّاني: التّوسّل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسّلون بشفاعته.
والثّالث: التّوسّل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسّؤال بذاته، فهذا هو الّذي لم تكن الصّحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته، ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنّما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجّة. وهذا هو الّذي قاله أبو حنيفة وأصحابه إنّه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق.
قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلّا به، وأكره أن يقول: «بمعاقد العزّ من عرشك» .
وقال أبو يوسف: بمعقد العزّ من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحقّ فلان أو بحقّ أنبيائك ورسلك وبحقّ البيت الحرام والمشعر الحرام ...
قال القدوريّ: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنّه لا حقّ للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا» «2» .
التوسل بدعاء الصالح لا بذاته:
قال ابن تيميّة: «وأمّا التّوسّل بدعائه وشفاعته فهو جائز بإجماع المسلمين، ومنه قول عمر ابن الخطّاب- رضي الله عنه-: «اللهمّ إنّا كنّا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا» ، فإنّه توسّل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التّوسّل به إلى التّوسّل بعمّه العبّاس ولو كان التّوسّل هو بذاته لكان هذا أولى من التّوسّل بالعبّاس» «3» .
«فإنّ دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم وسؤالهم والاستغاثة بهم والاستشفاع بهم في هذه الحال، ونصب تماثيلهم بمعنى طلب الشّفاعة منهم هو من الدّين الّذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولا ولا أنزل به كتابا وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات فهذا كلّه من الشّيطان ... فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة المسلمين، ومن تعبّد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبّة، وهو يعتقدها واجبة
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/ 199- 202، 1/ 356) .
(2) المرجع السابق (1/ 202- 203) .
(3) المرجع السابق (1/ 201) .(4/1368)
أو مستحبّة فهو ضالّ مبتدع بدعة سيّئة لا بدعة حسنة باتّفاق أئمّة الدّين؛ فإنّ الله لا يعبد إلّا بما هو واجب أو مستحبّ ... وعلم أنّه لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للنّاس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصّالحين ولا يستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلوا الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا ... ولا يكتب أحد ورقة ويعلّقها عند القبور، ولا يكتب أحد محضرا أنّه استجار بفلان ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر» «1» .
حكم الإقسام على الله بمخلوقاته:
قال ابن تيميّة: «قد تبيّن أنّ قول القائل:
أسألك بكذا نوعان: فإنّ الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسّبب، فقد تكون قسما به على الله وقد تكون سؤالا بسببه.
فأمّا الأوّل: فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف على الخالق؟
وأمّا الثّاني: وهو السّؤال بالمعظّم كالسّؤال بحقّ الأنبياء، فهذا فيه نزاع وقد تقدّم ... ومن النّاس من يجوّز ذلك فنقول: قول السّائل الله تعالى أسألك بحقّ فلان، وفلان من الملائكة والأنبياء والصّالحين وغيرهم، أو بجاه فلان أو بحرمة فلان يقتضي أنّ هؤلاء لهم عند الله جاه وهذا صحيح ... ولكن ليس نفس مجرّد قدرهم وجاههم ممّا يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتّى يسأل الله بذلك، بل جاههم ينفعه أيضا إذا اتّبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله أو تأسّى بهم فيما سنّوه للمؤمنين، وينفعه أيضا إذا دعوا له وشفّعوا فيه، فأمّا إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة ولا منه سبب يقتضي الإجابة لم يكن متشفّعا بجاههم ولم يكن سؤاله بجاههم نافعا له عند الله» .
ويقول في موضع آخر: ومعلوم أنّ السّؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة في دين الإسلام، وممّا يظهر قبحه للخاصّ والعامّ «2» .
وذلك مبنيّ عنده على ما يلي:
«اتّفق العلماء على أنّه لا يجوز لأحد أن ينذر لغير الله لا لنبيّ ولا لغير نبيّ، وأنّ هذا النّذر شرك لا يوفّى به، وكذلك الحلف بالمخلوقات لا تنعقد به اليمين، ولا كفّارة فيه حتّى لو حلف بالنّبيّ صلى الله عليه وسلّم لم تنعقد يمينه ولم يجب عليه كفّارة عند جمهور العلماء، فإذا لم يجز أن يحلف بها الرّجل ولا يقسم بها على مخلوق، فكيف يقسم بها على الخالق جلّ جلاله؟» «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الضراعة والتضرع تلاوة القرآن- الشفاعة- الدعاء- الاستغاثة- الاستغفار- الابتهال.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- الغفلة- القنوط اليأس] .
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/ 159- 161) .
(2) المرجع السابق (1/ 213، 290) .
(3) المرجع السابق (1/ 286) .(4/1369)
الآيات الواردة في «التوسل»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) «1»
2- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) «2»
الآيات الواردة في «التوسل» معنى
3- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «3»
4- أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) «4»
__________
(1) المائدة: 35 مدنية
(2) الإسراء: 57 مكية
(3) يونس: 18 مكية
(4) الزمر: 3 مكية(4/1370)
الأحاديث الواردة في (التوسل)
1-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ. فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرا. ثمّ سلوا الله لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشّفاعة «1» » ) * «2» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صلّيتم عليّ فاسألوا الله لي الوسيلة» . قيل يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال:
«أعلى درجة في الجنّة لا ينالها إلّا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو» ) * «3» .
3- عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله لي الوسيلة، فإنّه لم يسألها لي عبد في الدّنيا إلّا كنت له شهيدا، أو شفيعا يوم القيامة» ) * «4» .
4-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يقول حين يسمع النّداء يكبّر ويكبّر ويشهد أن لا إله إلّا الله ويشهد أنّ محمّدا رسول الله، ثمّ يقول: اللهمّ أعط محمّدا الوسيلة والفضيلة واجعله في الأعلين درجته وفي المصطفين محبّته وفي المقرّبين ذكره إلّا وجبت له الشّفاعة يوم القيامة» ) * «5» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يسمع النداء اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الّذي وعدته. حلّت له شفاعتي يوم القيامة» ) * «6» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة والفضيلة» ) * «7» .
__________
(1) حلّت له الشفاعة: أي وجبت.
(2) مسلم (384) .
(3) أحمد (2/ 7588) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وفيه كعب المدنيّ، وثقه ابن حبان، وقد روى عنه أيضا أبو عوانه مع ليث بن سليم، ويشهد لهذا الحديث الحديث الذي قبله.
(4) ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 333) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات.
(5) ذكره الهيثمي في المجمع (1/ 333) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.
(6) البخاري- الفتح 2 (614) .
(7) أحمد (3/ 83) . وذكره ابن كثير في التفسير وعزاه أيضا لابن مردويه (2/ 53) . وذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة، وقال الطبراني فيه: فسلوا الله عز وجل أن يؤتيني الوسيلة على خلقه (1/ 332) وله شواهد قد مرت من قبل.(4/1371)
الأحاديث الواردة في (التوسل) معنى
7-* (عن عثمان بن حنيف- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
ادع الله أن يعافيني، قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك» . قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضّأ، فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدّعاء: «اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك «1» محمّد نبيّ الرّحمة، إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهمّ فشفّعه فيّ» ) * «2» .
8-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجّيكم إلّا الصّدق، فليدع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ، فذهب وتركه، وأنّي عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي:
إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر؛ فإنّها من ذلك الفرق. فساقها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودتها عن نفسها، فأبت إلّا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرت، فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها، فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدّينار، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا، ففرّج الله عنهم فخرجوا» ) * «3» .
9-* (عن محجن بن الأدرع الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دخل المسجد إذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهّد. فقال: اللهمّ
__________
(1) قوله (أتوجه إليك بنبيك) : أي بدعائه صلّى الله عليه وسلّم.
(2) الترمذي (3578) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ابن ماجة (1385) وقال عقبة قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح. النسائي في عمل اليوم والليلة (204) . المسند (4/ 138) . الحاكم (1/ 313) وقال: صحيح على شرطهما وأقره الذهبي. وعند ابن ماجة والحاكم «فيصلي ركعتين» بعد قوله «فيحسن وضوءه» .
(3) البخاري- الفتح 6 (3465) واللفظ له. ومسلم (2743) واستشهد به في صفات عديدة.(4/1372)
إنّي أسألك يا ألله بأنّك الواحد الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنّك أنت الغفور الرّحيم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد غفر له» (ثلاثا) » ) * «1» .
10-* (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: «سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله، ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» . ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «2» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: «كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسا ورجل قائم يصلّي، فلمّا ركع وسجد وتشهّد دعا، فقال في دعائه:
اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «تدرون بما دعا؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «3» .
12-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا قطّ همّ ولا حزن، فقال: اللهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب الله همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحا» . فقيل: يا رسول الله ألا نتعلّمها؟. فقال: «بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلّمها» ) * «4» .
__________
(1) النسائي (3/ 52) وصححه الألباني (1/ 280) رقم (1234) واللفظ له. أبو داود (1493) .
(2) الترمذي (3476) وقال: حديث حسن. أبو داود (1481) . النسائي (3/ 44) واللفظ له وذكره الألباني في الصحيح لسنن النسائي (1/ 275) حديث (1217) .
(3) النسائي (3/ 52) واللفظ له، أبو داود (1493) ، ابن ماجة (3858) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 279) رقم (1233) .
(4) أحمد (1/ 391) رقم (3712) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (5/ 267) : إسناده صحيح. وعزاه للحاكم (1/ 509) وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 336- 341) رقم (199) . وعزاه كذلك لابن حبان والطبراني وغيرهما.(4/1373)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوسل)
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة، فقام رجل فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا، فتغيّمت السّماء ومطرنا، حتّى ما كاد الرّجل يصل إلى منزله، فلم تزل تمطر إلى الجمعة المقبلة، فقام ذلك الرّجل أو غيره.
فقال: ادع الله أن يصرفه عنّا فقد غرقنا. فقال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» . فجعل السّحاب يتقطّع حول المدينة، ولا يمطر أهل المدينة» ) * «1» .
14-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: شكا النّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قحوط المطر فأمر بمنبر، فوضع له في المصلّى ووعد النّاس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين بدا حاجب الشّمس فقعد على المنبر، فكبّر صلّى الله عليه وسلّم وحمد الله- عزّ وجلّ- ثمّ قال: «إنّكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» ثمّ قال: «الحمد لله ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم ملك يوم الدّين، لا إله إلّا الله يفعل ما يريد. اللهمّ أنت الله لا إله إلّا أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوّة وبلاغا إلى حين» ، قالت: ثمّ رفع يديه فلم يزل في الرّفع حتّى بدا بياض إبطيه، ثمّ حوّل إلى النّاس ظهره وقلب أو حوّل رداءه وهو رافع يديه ثمّ أقبل على النّاس، ونزل فصلّى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثمّ أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتّى سالت السّيول، فلمّا رأى سرعتهم إلى الكنّ، ضحك صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه، فقال:
«أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير وأنّي عبد الله ورسوله» ) * «2» .
15-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا كربه «3» أمر، قال: «يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث» ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6342) واللفظ له. مسلم (897) .
(2) أبو داود (1173) وقال: وهذا حديث غريب وإسناده جيد، وذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود (1064) .
(3) كربه: أهمّه.
(4) الترمذي (3524) بلفظه، والحاكم في المستدرك (1/ 509) عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل به همّ أو غمّ قال: «يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث» .(4/1374)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوسل)
1-* (عن أنس أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال-: «اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا. قال:
فيسقون» ) * «1» .
2-* (قال العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- لمّا وقف يستسقي للمسلمين: «اللهمّ إنّه لم ينزل بلاء إلّا بذنب، ولم يكشف إلّا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيّك، وهذه أيدينا إليك بالذّنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث» ، قال الرّاوي: فأرخت السّماء مثل الجبال حتّى أخصبت الأرض، وعاش النّاس) *» .
3-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه تلا قول الله تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا* أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ «3» . فقال:
«كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجنّ، فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم» ) * «4» .
4-* ((قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما-: «لقد علم المحظوظون من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم أنّ ابن أمّ عبد «5» من أقربهم إلى الله وسيلة» ) * «6» .
5-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في تفسير الوسيلة في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «7» . قال: الوسيلة:
القربة، وهذا قول مجاهد وأبي وائل والحسن وعبد الله ابن كثير والسّدّيّ وابن زيد- رحمهم الله- جميعا، وقال قتادة- رحمه الله- في نفس الموضع: أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه» ) * «8» .
6-* (قال سليم بن عامر الخبائريّ- رحمه الله تعالى-: «إنّ السّماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل الشّام يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر، قال: أين يزيد بن الأسود الجرشيّ؟ فناداه النّاس، فأقبل يتخطّى النّاس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهمّ إنّا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهمّ إنّا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشيّ، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع النّاس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنّها ترس، وهبّت لها ريح فسقتنا، حتّى كاد النّاس أن لا يبلغوا منازلهم» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (1010) .
(2) الفتح (2/ 577) .
(3) الإسراء: 56- 57.
(4) البخاري- الفتح 8 (4714، 4715) .
(5) ابن أم عبد: هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(6) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 841) . وقال مخرجه (وحيد الله محمد عباس) : إسناده صحيح.
(7) المائدة: 35.
(8) تفسير ابن كثير (2/ 53) .
(9) وحدث مثل هذا في ولاية الضحاك بن قيس. هذا السياق من التوسل للألباني (45) وقال: سندها صحيح والقصة ذكرها ابن تيمية في الفتاوى المجلد الأول في عدة مواضع.(4/1375)
7-* (وقال الماورديّ- رحمه الله- في تفسير قوله- عزّ وجلّ-: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ (الإسراء/ 57) يحتمل وجهين: أحدهما: يدعون الله تعالى لأنفسهم. الثّاني: يدعون عباد الله إلى طاعته. يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ (الإسراء/ 57) وهي: القربة: وينبغي تأويلها على احتمال الوجهين في الدّعاء، فإن قيل: إنّه الدّعاء لأنفسهم كان معناه:
يتوسّلون إلى الله بالدّعاء إلى ما سألوا. وإن قيل: دعاء عباد الله إلى طاعته، كان معناه: أنّهم يتوسّلون لمن دعوه إلى مغفرته) * «1» .
8-* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «إنّ الله تعالى يحبّ أن نتوسّل إليه بالإيمان والعمل الصّالح والصّلاة والسّلام على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ومحبّته وطاعته وموالاته» ) * «2» .
9-* (وقال- رحمه الله تعالى-: «إنّ التّوسّل بالإيمان بنبيّه صلّى الله عليه وسلّم وطاعته فرض على كلّ أحد في كلّ حال، باطنا وظاهرا في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد موته في مشهده ومغيبه، لا يسقط التّوسّل بالإيمان به، وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجّة عليه، ولا بعذر من الأعذار، ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنّجاة من هوانه وعذابه إلّا التّوسّل بالإيمان به وبطاعته» ) * «3» .
10-* (قال ابن القيّم- رحمه الله- تعالى عند قوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ «4» ذكر الله- عزّ وجلّ- في هذه الآية المقامات الثّلاثة: الحبّ وهو ابتغاء القرب إليه، والتّوسّل إليه بالأعمال الصالحة، والرجاء والخوف» ) * «5» .
11-* (وقال الشّنقيطيّ- رحمه الله-:
«التّحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامّة العلماء من أنّها التّقرّب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة، على وفق ما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم» ) * «6» .
من فوائد (التوسل)
(1) دليل قوّة إيمان الإنسان وحسن ظنّه بربّه.
(2) من أعظم أسبابه العمل الصالح من الشخص المتوسّل نفسه.
(3) دليل خضوع الإنسان وتذلله لربّه الرّحمن.
(4) قرب استجابة الله- عزّ وجلّ- لعباده وتفريجه كرباتهم.
__________
(1) النكت والعيون (2/ 251) .
(2) الرد على البكري لابن تيمية (70) .
(3) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، لابن تيمية (5) .
(4) الإسراء: 57.
(5) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (99) .
(6) أضواء البيان (2/ 87) .(4/1376)
التوكل
الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
53/ 27/ 12
التوكل لغة:
التّوكّل مصدر توكّل يتوكّل وهو مأخوذ من مادّة (وك ل) الّتي تدلّ على اعتماد على الغير في أمر ما، ومن ذلك التّوكّل وهو إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك، وواكل فلان إذا ضيّع أمره متّكلا على غيره والوكال في الدّابة: أن يسير بسير الآخر. وقال الرّاغب: التّوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك، وتواكل القوم إذا اتّكل كلّ على الآخر، والاسم من التّوكيل الوكالة (بالفتح والكسر) . والاسم:
التّكلان، وتقول: اتّكلت على فلان في أمري إذا اعتمدته، ويقال: فلان وكلة أو تكلة، أي عاجز يكل أمره إلى غيره، كما يقال: فرس واكل يعني يتّكل على صاحبه في العدو، ويحتاج إلى الضّرب.
والمتوكّل على الله: الّذي علم أنّ الله كافل رزقه وأمره فيركن إليه وحده، ولا يتوكّل على غيره.
قال ابن سيده: يقال وكل بالله وتوكّل عليه واتّكل بمعنى استسلم إليه، ويقال توكّل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكل فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته، أو عجزا عن القيام بأمر نفسه، ووكل إليه الأمر سلّمه، ووكله إلى رأيه وكلا ووكولا: تركه «1» .
الوكيل من أسماء الله الحسنى:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى «الوكيل» وهو القيّم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنّه يستقلّ بأمر الموكول إليه «2» .
وقال الغزاليّ: الوكيل هو الموكول إليه الأمور ولكنّ الموكول إليه ينقسم إلى من يوكل إليه بعض الأمور، وذلك ناقص، وإلى من يوكل إليه الكلّ، وليس ذلك إلّا الله، سبحانه وتعالى. والموكول إليه ينقسم إلى من يستحقّ أن يكون موكولا إليه، لا بذاته ولكن بالتّفويض والتّوكيل، وهذا ناقص، لأنّه فقير إلى التّفويض والتّولية؛ وإلى من يستحقّ بذاته أن تكون الأمور موكولة إليه والقلوب متوكّلة عليه، لا بتولية وتفويض من جهة غيره، وذلك هو الوكيل المطلق، والوكيل أيضا ينقسم إلى من يفي بما وكلّ إليه وفاء تامّا من غير قصور، وإلى من لا يفي بالجميع. والوكيل المطلق هو الّذي الأمور موكولة إليه، وهو مليّ بالقيام بها، وفيّ بإتمامها، وذلك هو الله تعالى فقط «3» .
وقد ورد لفظ «الوكيل» في القرآن الكريم مرّات عديدة «4» وذكر فيه المفسّرون أقوالا منها: حفيظا
__________
(1) مقاييس اللغة (6/ 136) (مع تصرف يسير) والمفردات للراغب (ص 531) ، الصحاح (5/ 1845) ولسان العرب (8/ 4909) .
(2) النهاية (5/ 221) .
(3) المقصد الأسنى ص 129.
(4) انظر الشواهد القرآنية 10، 11، 14، 15، 16، 17، 19، 21، 24.(4/1377)
لكم «1» ، كفيلا بأموركم، شريكا (عن مجاهد) وقيل غير ذلك «2» .
قال الشّنقيطيّ في أضوائه: المعاني كلّها متقاربة، ومرجعها إلى شيء واحد هو أنّ الوكيل: من يتوكّل عليه، فتفوّض الأمور إليه، ليأتي بالخير ويدفع الشّرّ.
وهذا لا يصحّ إلّا لله وحده جلّ وعلا. ولهذا حذّر من اتّخاذ وكيل دونه لأنّه لا نافع ولا ضارّ ولا كافي إلّا هو وحده جلّ وعلا، عليه توكّلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل «3» .
من أسماء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: المتوكّل. كما في الحديث: « ... وسمّيتك المتوكّل» وإنّما قيل له ذلك صلّى الله عليه وسلّم لقناعته باليسير والصّبر على ما كان يكره «4» .
واصطلاحا:
صدق اعتماد القلب على الله- عزّ وجلّ- في استجلاب المصالح ودفع المضارّ من أمور الدّنيا والآخرة، وكلة الأمور كلّها إليه، وتحقيق الإيمان بأنّه لا يعطي ولا يمنع ولا يضرّ ولا ينفع سواه «5» .
وقال الجرجاني: التّوكّل هو الثّقة بما عند الله واليأس عمّا في أيدي النّاس «6» .
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل:
قال ابن قيّم الجوزيّة: التّوكّل من أعظم الأسباب الّتي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه. فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التّوكّل.
ولكن من تمام التّوكّل: عدم الرّكون إلى الأسباب.
وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها.
فالأسباب محلّ حكمة الله وأمره ونهيه.
والتّوكّل متعلّق بربوبيّته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبوديّة الأسباب إلّا على ساق التّوكّل ولا يقوم ساق التّوكّل إلّا على قدم العبوديّة «7» .
بين التوكل والاتّكال:
إنّ الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النّجاح لله تعالى والثّقة بأنّه عزّ وجلّ لا يضيع أجر من أحسن عملا، هو من التّوكّل المأمور به، أمّا القعود عن الأسباب وعدم السّعي فليس من التّوكّل في شيء وإنّما هو اتّكال أو تواكل حذّرنا منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونهى عن الأسباب المؤدّية إليه، مصداق ذلك ما جاء في حديث معاذ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معاذ، تدري ما حقّ الله على العباد وما حقّ العباد على الله؟» قال (معاذ) : قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحقّ العباد على الله عزّ وجلّ ألّا يعذّب من لا يشرك به شيئا» قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس؟ قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» «8» ، وهنا يضع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قاعدة جليلة، هي أنّ كلّ ما يؤدّي
__________
(1) انظر تفسير الطبري مجلد 8 جزء 15 ص 15.
(2) انظر تفسير القرطبي (10/ 213) .
(3) أضواء البيان (3/ 367) .
(4) فتح الباري (8/ 450) .
(5) جامع العلوم والحكم لابن رجب (409) .
(6) التعريفات (74) .
(7) مدارج السالكين (2/ 125) .
(8) مسلم (30) .(4/1378)
إلى ترك العمل أو ما يكون مظنّة للاتّكال أو التّواكل ليس من التّوكّل في شيء، وقد جاء في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- ما يؤكّد هذه الحقيقة، ففي الحوار الّذي رواه أبو هريرة عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- هذا الحوار- كما جاء في رواية مسلم: قال عمر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد ألّا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنّة؟ قال: «نعم» ، قال (عمر) : فلا تفعل، فإنّي أخشى أن يتّكل النّاس عليها، فخلّهم يعملون» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فخلّهم يعملون» «1» . ويفهم من الحديث والّذي قبله أنّ الاتّكال يعني ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب وأنّ ذلك ليس من التّوكّل في شيء.
بين التوكل والتفويض:
بين التّوكّل على الله وتفويض الأمر إليه علاقة العموم والخصوص إذ التّفويض أوسع من معنى التّوكّل، والتّوكّل أخصّ من التّفويض، قال صاحب المنازل: والتّفويض ألطف إشارة، وأوسع معنى من التّوكّل، والتّوكّل يكون بعد وقوع السّبب، أمّا التّفويض فإنّه يكون قبل وقوع السّبب وبعده، والتّفويض هو عين الاستسلام، أمّا التّوكّل فهو شعبة منه «2» .
وقال ابن القيّم: يعني بذلك من يفوّض أمره إلى الله يتبرّأ من الحول والقوّة، ويفوّض الأمر لصاحب الأمر من غير أن يقيم المفوّض إليه مقام نفسه في مصالحه، بخلاف التّوكّل، فإنّ الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكّل.
وقال- رحمه الله تعالى-: لو قال قائل: التّوكّل فوق التّفويض، وأجلّ منه وأرفع لكان مصيبا، ولهذا كان القرآن الكريم مملوءا به (أي بالتّوكّل) أمرا وإخبارا عن خاصّة الله وأوليائه، وصفوة المؤمنين، وأمر الله به رسوله في مواضع عديدة من كتابه «3» ، وسمّاه المتوكّل «4» .
أمّا التّفويض فلم يجىء في القرآن الكريم إلّا فيما حكاه المولى عزّ وجلّ عن مؤمن آل فرعون، وذلك قوله عزّ وجلّ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ (غافر/ 44) ، ثمّ خلص إلى القول: إنّ اتّخاذ المولى عزّ وجلّ وكيلا هو محض العبوديّة، وخالص التّوحيد، إذا قام به صاحبه حقيقة، وهو بذلك أوسع من التّفويض، وأعلى وأرفع «5» .
بين التوكل والثقة بالله- عزّ وجلّ-:
نقل ابن القيّم عن صاحب المنازل قوله: الثّقة:
سواد عين التّوكّل، ونقطة دائرة التّفويض. وذكر من
__________
(1) انظر الحديث بتمامه في صحيح مسلم ج 1 ص 60، 61 ولم نذكره ضمن أحاديث الصفة لأنه في الاتكال (التواكل) ، وشتان ما هما.
(2) مدارج السالكين 2/، 143.
(3) انظر الآيات الواردة في التوكل أرقام 1، 2، 4، 6، 7، 8، 9، 10، 14، وقد ذكر ابن القيم أن الأمر بالتوكل للرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جاء في أربعة مواضع، ولكنها في الحقيقة تسعة مواضع، وربما كانت هذه الأربعة هي التي حضرت الشيخ ولم يرد الاستقصاء.
(4) انظر الحديث رقم (3) .
(5) مدارج السالكين 2/ 145.(4/1379)
أمثلة ذلك ما جاء في القرآن الكريم عن أمّ موسى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي (القصص/ 7) قال: فإنّ فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربّها لما ألقت بولدها في تيّار الماء، قال ابن القيّم: والمراد أنّ الثّقة خلاصة التّوكّل ولبّه، كما أنّ سواد العين أشرف ما فيها، أمّا العلاقة بين الثّقة والتّفويض فتتلخّص في أنّ الثّقة هي الّتي يدور عليها التّفويض، قال: وكثير من النّاس يفسّر التّوكّل بالثّقة «1» . ومنهم من يفسّره بالتّفويض، ومنهم من يفسّره بالتّسليم ومقام التّوكّل يشمل ذلك كلّه» .
قلت: وممّا يدلّ على صحّة ما قال ابن القيّم من شمول معنى التّوكّل لكلّ من التّفويض والثّقة ما ذكره الإمام الغزاليّ في تعريف التّوكّل حيث قال: التّوكّل مشتقّ من الوكالة، يقال: وكل أمره إلى فلان: أي فوّضه إليه واعتمد عليه فيه، ويسمّى المفوّض إليه: متّكلا عليه ومتوكّلا عليه متى اطمأنّت إليه نفسه ووثق به، ولم يتّهمه فيه بتقصير، ولم يعتقد فيه عجزا أو قصورا، وهو (التّوكّل) عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده «3» .
مواطن التوكل:
إنّ التّوكّل على الله عزّ وجلّ مطلوب في كلّ شئون الحياة، بيد أنّ هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحضّ على التّوكّل والأمر به للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين، وقد ذكر الفيروز آباديّ من ذلك:
1- إن طلبتم النّصر والفرج فتوكّلوا عليه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (آل عمران/ 160) .
2- إذا أعرضت عن أعدائك فليكن رفيقك التّوكّل: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء/ 81) .
3- إذا أعرض عنك الخلق فاعتمد على التّوكّل:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ (التوبة/ 129) .
4- إذا تلي القرآن عليك أو تلوته فاستند على التّوكّل: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال/ 2 مدنية) .
5- إذا طلبت الصّلح والإصلاح بين قوم لا تتوسّل إلى ذلك إلّا بالتّوكّل: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال/ 61) .
6- إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتّوكّل:
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (التوبة/ 51) .
7- إذا نصبت الأعداء حبالات المكر فادخل أنت في أرض التّوكّل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي
__________
(1) انظر مثلا تعريف الجرجاني للتوكّل الذي ذكرناه آنفا.
(2) المرجع السابق، ص 149، 150.
(3) إحياء علوم الدين 2/ 259.(4/1380)
بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ (يونس/ 71) .
8- إذا عرفت أنّ مرجع الكلّ إلى الله وتقدير الكلّ فيها لله فوطّن نفسك على فرش التّوكّل: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (هود/ 123) .
9- إذا علمت أنّ الله هو الواحد على الحقيقة، فلا يكن اتّكالك إلّا عليه: قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (الرعد/ 30) .
10- إذا كانت الهداية من الله، فاستقبلها بالشّكر والتّوكّل: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (إبراهيم/ 12) .
11- إذا خشيت بأس أعداء الله والشّيطان والغدّار فلا تلتجئ إلّا إلى باب الله: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل/ 99) .
12- إذا أردت أن يكون الله وكيلك في كلّ حال، فتمسّك بالتّوكّل في كلّ حال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء/ 81) .
13- إذا أردت أن يكون الفردوس الأعلى منزلك فانزل في مقام التّوكّل: الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل/ 42) .
14- إن شئت أن تنال محبّة الله فانزل أوّلا في مقام التّوكّل: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران/ 159) .
15- إذا أردت أن يكون الله لك، وتكون لله خالصا فعليك بالتّوكّل: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق/ 3) . فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (النمل/ 79) «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستعانة- التقوى- الطاعة- القنوت- حسن الظن- الطمأنينة- الصبر والمصابرة- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغرور- الكبر والعجب- القلق- الشك- سوء الظن] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروز ابادي. (2/ 313- 315) .(4/1381)
الآيات الواردة في «التوكل»
أمر الله- عز وجل- بالتوكل عليه:
1- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) «1»
2- وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) «3» 4-* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) «4»
5- قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «5»
6- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) «6»
7- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) «7» .
8- وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)
__________
(1) آل عمران: 159 مدنية
(2) النساء: 81- 83 مدنية
(3) المائدة: 11 مدنية
(4) الأنفال: 61 مدنية
(5) التوبة: 51 مدنية
(6) هود: 123 مكية
(7) الفرقان: 56- 59 مكية(4/1382)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) «1»
9- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) «2»
10- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «3»
11- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) «4»
12- إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) «5»
13- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) «6»
14- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) «7»
نعم الوكيل (الله- عز وجل-) :
15-* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «8»
16- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) «9»
__________
(1) الشعراء: 214- 220 مكية
(2) النمل: 76- 79 مكية
(3) الأحزاب: 1- 3 مدنية
(4) الأحزاب: 45- 48 مدنية
(5) المجادلة: 10 مدنية
(6) التغابن: 12- 13 مدنية
(7) المزمل: 8- 9 مكية
(8) آل عمران: 171- 173 مدنية
(9) النساء: 132 مدنية(4/1383)
17- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «1»
18- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) «2»
19- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) «3»
20- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «4»
الله- عز وجل- وكيل على كل شيء:
21- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) «5»
22- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) «6»
23- قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (28) «7»
24- اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (63) «8»
__________
(1) النساء: 171 مدنية
(2) الأنفال: 49 مدنية
(3) الإسراء: 65 مكية
(4) الطلاق: 2- 3 مدنية
(5) الأنعام: 100- 103 مكية
(6) هود: 12 مكية
(7) القصص: 28 مكية
(8) الزمر: 62- 63 مكية(4/1384)
نفي الوكالة عما سوى الله- عز وجل-:
25- قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) «1»
26- اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) «2»
27- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى
يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ
(109) «3»
28- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) «4»
29- أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) «5»
30- إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) »
31- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) «7»
التوكل من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين:
32- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) «8»
33- إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) «9»
__________
(1) الأنعام: 65- 67 مكية
(2) الأنعام: 106- 107 مكية
(3) يونس: 108- 109 مكية
(4) الإسراء: 1- 3 مكية
(5) الإسراء: 68 مكية
(6) الزمر: 41 مكية
(7) الشورى: 6 مكية
(8) آل عمران: 121- 122 مدنية
(9) آل عمران: 160 مدنية(4/1385)
34- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) «1»
35- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «2»
36- كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «3»
37- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) «4»
38- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) «5»
39- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ «6»
40- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) «7»
41- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) «8»
42- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) «9»
43- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ
__________
(1) الأنفال: 2 مدنية
(2) التوبة: 128- 129 مدنية
(3) الرعد: 30 مدنية
(4) النحل: 41- 42 مكية
(5) النحل: 98- 100 مكية
(6) العنكبوت: 57- 59 مكية
(7) الزمر: 38 مكية
(8) الشورى: 9- 10 مكية
(9) الشورى: 36 مكية(4/1386)
لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) «1» .
44- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30) «2»
الأمر بالتوكل في كل الشرائع وهو من صفات الأنبياء جميعا- صلوات الله وسلامه عليهم-:
45- قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) «3»
46-* قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «4»
47-* وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) «5»
48- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) «6»
49- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) «7»
__________
(1) الممتحنة: 4- 6 مدنية
(2) الملك: 28- 30 مكية
(3) المائدة: 23 مدنية
(4) الأعراف: 88- 89 مكية
(5) يونس: 71 مكية
(6) يونس: 84- 86 مكية
(7) هود: 53- 56 مكية(4/1387)
50- قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) «1»
51- قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) «2»
52-* قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) «3»
من الآيات الواردة في «التوكل» معنى
53- فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) «4»
وانظر أيضا الآيات الكريمة الواردة في صفة الاستعانة
__________
(1) هود: 87- 88 مكية
(2) يوسف: 66- 67 مكية
(3) إبراهيم: 10- 12 مكية
(4) غافر: 44- 45 مكية(4/1388)
الأحاديث الواردة في (التوكل)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خرج الرّجل من بيته فقال:
بسم الله، توكّلت على الله، لا حول ولا قوّة إلّا بالله.
قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت فتتنحّى «1» له الشّياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟» ) * «2» .
2-* (عن هاشم بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ رأس الدّجّال من ورائه حبك حبك «3» فمن قال: أنت ربّي افتتن، ومن قال:
كذبت، ربّي الله عليه توكّلت فلا يضرّه، أو قال فلا فتنة عليه» ) * «4» .
3-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ هذه الآية الّتي في القرآن يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً «5» قال في التّوراة: «يأيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا وحرزا «6» للأمّيّين «7» أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب «8» بالأسواق، ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتّى يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلّا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» *» .
4-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه-: أنّه كان مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حائط بعيد وبيد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عود يضرب به بين الماء والطّين، فجاء رجل يستفتح، فقال: «افتح له وبشّره بالجنّة» ، فإذا هو أبو بكر- رضي الله عنه-. قال: ففتحت له وبشّرته بالجنّة، ثمّ جاء رجل يستفتح، فقال «افتح له وبشّره بالجنّة» فإذا هو عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- ففتحت له وبشّرته بالجنّة، ثمّ جاء رجل فاستفتح، فقال: «افتح له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه أو بلوى تكون» . قال: فإذا هو عثمان- رضي الله تعالى عنه- ففتحت له وبشّرته بالجنّة فأخبرته، فقال: الله المستعان اللهمّ صبرا وعليه التّكلان) * «10» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
__________
(1) تتنحى: تتأخر.
(2) أبو داود (5095) واللفظ له. الترمذي (2426) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 274) : وهو حديث صحيح.
(3) حبك: شعر رأسه متكسر من الجعودة.
(4) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 342، 343) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني وهو في المسند (4/ 20) .
(5) الأحزاب: 45 مدنية.
(6) حرزا: عصمة.
(7) الأميين: العرب.
(8) سخاب وصخاب: من الصخب وهو الصياح وشدة الصوت واختلاطه.
(9) البخاري- الفتح 8 (4838) .
(10) أحمد (4/ 407) ، وهو في البخاري- الفتح 7 (3674) وليس فيه قول عثمان- رضي الله عنه- وفي مسلم (2402) وفيه من قول عثمان- رضي الله عنه-: اللهم صبرا أو الله المستعان.(4/1389)
حسبنا الله ونعم الوكيل. قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «1» ) * «2» .
6-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّيرة «3» شرك، وما منّا إلّا ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل) » * «4» .
7-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو من اللّيل: «اللهمّ لك الحمد، أنت ربّ السّماوات والأرض، لك الحمد، أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، لك الحمد، أنت نور السّماوات والأرض، قولك الحقّ، ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله لي غيرك) * «5» .
8-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنعم وصاحب القرن «6» قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنّفخ فينفخ» . فكأنّ ذلك ثقل على أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكّلنا» ) * «7» .
9-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ قال: «اعقلها وتوكّل» ) * «8» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يتكلّم في المهد إلّا ثلاثة:
عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا. فاتّخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمّه وهو يصلّي فقالت: يا جريج! فقال: يا ربّ! أمّي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلمّا كان من الغد، أتته وهو يصلّي فقالت: يا جريج! فقال: يا ربّ! أميّ وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت،
__________
(1) آل عمران: 173 مدنية.
(2) البخاري- الفتح 8 (4563) .
(3) الطيرة: التشاؤم. (وما منا إلا) أي وما منا إلا ويعتريه شيء منه في أوّل الأمر قبل التأمّل.
(4) الترمذي (1614) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ابن ماجة (3538) واللفظ له، أحمد (1/ 389) وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح (5/ 253) حديث (2687) ، وقال جماعة من العلماء: ان كلمة (وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل) : من كلام ابن مسعود- رضي الله عنه-.
(5) البخاري- الفتح 13 (7385) واللفظ له، مسلم (769) .
(6) القرن: الصور.
(7) الترمذي (2431) ، قال الحافظ في الفتح 1 (376) : حسنه الترمذي. وقال: أخرجه الطبراني، من حديث زيد ابن أرقم وابن مردويه من حديث أبي هريرة وأحمد والبيهقي.
(8) الترمذي (2517) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث غريب من حديث أنس. الحاكم (3/ 623) وقال الذهبي في التلخيص: إسناده جيد، البيهقي في الشعب (3/ 1414) من حديث عمرو بن أمية الضمري، وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء بعد أن عزاه للترمذي: رواه ابن خزيمة في التوكل والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري، وقال: إسناده جيد. وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (4809) وقال: حسن.(4/1390)
فلمّا كان من الغد أتته وهو يصلّي، فقالت: يا جريج! فقال: أي ربّ! أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته، فقالت: اللهمّ لا تمته حتّى ينظر إلى وجوه المومسات «1» . فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثّل بحسنها «2» ، فقالت: إن شئتم لأفتننّه لكم. قال: فتعرّضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت فلمّا ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا:
زنيت بهذه البغيّ فولدت منك. فقال: أين الصّبيّ؟
فجاءوا به، فقال: دعوني حتّى أصلّي، فصلّى، فلمّا انصرف أتى الصّبيّ فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الرّاعي. قال: فأقبلوا على جريج يقبّلونه ويتمسّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبيّ يرضع من أمّه، فمرّ رجل راكب على دابّة فارهة «3» وشارة حسنة «4» ، فقالت أمّه: اللهمّ اجعل ابني مثل هذا، فترك الثّدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهمّ لا تجعلني مثله، ثمّ أقبل على ثديه فجعل يرتضع، قال: فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السّبّابة في فمه فجعل يمصّها. قال: ومرّوا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمّه: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فترك الرّضاع ونظر إليها، فقال: اللهمّ اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث «5» . فقالت: حلقى «6» مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهمّ اجعل ابني مثله، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، ومرّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت، سرقت، فقلت: اللهمّ لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها، قال إنّ ذاك الرّجل كان جبّارا، فقلت: اللهمّ لا تجعلني مثله، وإنّ هذه يقولون لها زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهمّ اجعلني مثلها» ) * «7» .
11-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّكم توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو «8» خماصا وتروح «9» بطانا» ) * «10» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عرضت عليّ الأمم،
__________
(1) المومسات: جمع مومسة، وهي الزانية المجاهرة بذلك.
(2) يتمثل بحسنها: يضرب بجمالها المثل.
(3) الفارهة: النشيطة القوية.
(4) شارة حسنة: هيئة حسنة.
(5) تراجعا الحديث: أقبلت على الرضيع تحدثه، وكانت أولا لا تراه أهلا للكلام.
(6) حلقى: أصابك الله بوجع في حلقك. وهي كلمة لا يقصد بها الدعاء.
(7) البخاري- الفتح 6 (3436) ، مسلم (2550) واللفظ له.
(8) تغدو: تذهب أول النهار.
(9) تروح: ترجع آخر النهار.
(10) الترمذي (2324) وقال: هذا حديث حسن صحيح، ابن ماجة (4164) وهذا لفظه، أحمد (1/ 30) وقال أحمد شاكر (1/ 343) : إسناده صحيح، البيهقي في شعب الإيمان (3/ 378) .(4/1391)
فرأيت النّبيّ ومعه الرّهيط «1» ، والنّبيّ ومعه الرّجل والرّجلان، والنّبيّ ليس معه أحد. إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنّهم أمّتي، فقيل لي: هذا موسى صلّى الله عليه وسلّم وقومه ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمّتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. ثمّ نهض فدخل منزله فخاض النّاس في أولئك الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب. فقال بعضهم: فلعلّهم الّذين صحبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال بعضهم فلعلّهم الّذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله، وذكر أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما الّذي تخوضون فيه؟» فأخبروه. فقال: «هم الّذين لا يرقون ولا يسترقون «2» ، ولا يتطيّرون «3» وعلى ربّهم يتوكّلون» . فقام عكّاشة بن محصن، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «أنت منهم» ، ثمّ قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «سبقك بها عكّاشة» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (التوكل) معنى
13-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن ثمّ قل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، اللهمّ آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، فإن متّ من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهنّ آخر ما تتكلّم به» . قال: فردّدتها على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا بلغت: اللهمّ آمنت بكتابك الّذي أنزلت. قلت:
ورسولك. قال: «لا وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «5» .
14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أخوان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكان أحدهما يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والآخر يحترف فشكا المحترف أخاه إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لعلّك ترزق به» ) * «6» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) الرهيط: مصغر رهط وهم الجماعة دون العشرة.
(2) لا يسترقون: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم.
(3) لا يتطيرون: لا يتشاءمون.
(4) البخاري- الفتح (6541، 5705) ، مسلم (220) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 1 (247) واللفظ له، مسلم (2710) .
(6) الترمذي (2345) وقال: حسن صحيح.(4/1392)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «1» (ثلاثا) غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصّلاة «2» بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال:
الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين، قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة:
فوّض إليّ عبدي) فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين.
قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:
اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «3» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نزلت به فاقة فأنزلها بالنّاس لم تسدّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» ) * «4» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. الكلمة الحسنة الكلمة الطّيّبة» ) * «5» .
18-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنت خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، فقال: «يا غلام إنّي أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلّا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» ) * «6» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل الجنّة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطّير» ) *» .
__________
(1) خداج: أي ناقصة. يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وأخدجته: إذا ولدته ناقصا.
(2) المراد بالصلاة هنا: الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها.
(3) مسلم (395) .
(4) الترمذي (2326) وهذا لفظه وقال: حسن صحيح غريب، أبو داود (1645) ، أحمد بتخريج أحمد شاكر (5/ 257) وقال: صحيح، حديث (3696) .
(5) البخاري- الفتح 10 (5756) ، مسلم (2224) واللفظ له.
(6) الترمذي (2516) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح، أحمد (1/ 293، 303) وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (4/ 293) برقم (2763) .
(7) مسلم (2840) . والمعنى: أن قلوبهم مثل قلوب الطير في التوكل.(4/1393)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التوكل)
20-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: اشترى أبو بكر- رضي الله عنه- من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إليّ رحلي. فقال عازب: لا، حتّى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرجتما من مكّة والمشركون يطلبونكم. قال:
ارتحلنا من مكّة فأحيينا- أو سرينا- ليلتنا ويومنا حتّى أظهرنا، وقام قائم الظّهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظلّ فآوي إليه، فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقيّة ظلّ لها فسوّيته، ثمّ فرشت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه، ثمّ قلت له: اضطجع يا نبيّ الله، فاضطجع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ انطلقت أنظر ما حولي، هل أرى من الطّلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصّخرة يريد منها الّذي أردنا فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سمّاه فعرفته، فقلت:
هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثمّ أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثمّ أمرته أن ينفض كفّيه، فقال: هكذا- ضرب إحدى كفّيه بالأخرى- فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللّبن حتّى برد أسفله فانطلقت به إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتّى رضيت، ثمّ قلت: قد آن الرّحيل يا رسول الله. وقال: بلى فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له. فقلت: هذا الطّلب قد لحقنا يا رسول الله.
فقال: لا تحزن إنّ الله معنا» ) * «1» .
21-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قال: «اللهمّ أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أجول، وبك أصول، وبك أقاتل» ) * «2» .
22-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهمّ إنّي أعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت أن تضلّني، أنت الحيّ الّذي لا يموت والجنّ والإنس يموتون» ) * «3» .
23-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان لا يتطيّر من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3652) واللفظ له، مسلم (2009) بعضه.
(2) الترمذي (3584) وقال: حسن غريب وقال: عضدي يعني عوني. أبو داود (2632) وهذا لفظه. وعزاه المزي في التحفة (1/ 342) إلى سنن النسائي الكبرى وعمل اليوم والليلة أيضا.
(3) مسلم (2717) .(4/1394)
كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه» ) * «1» .
24-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد رجل مجذوم «2» فأدخلها معه في القصعة ثمّ قال: «كلّ ثقة بالله وتوكّلا عليه» ) * «3» .
25-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في واد كثير العضاه «4» فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرّق النّاس في الوادي يستظلّون بالشّجر، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السّيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلّا والسّيف صلتا «5» في يده فقال لي: من يمنعك منّي؟» قال: قلت: «الله» . ثمّ قال في الثّانية:
من يمنعك منّي؟ قال: قلت: «الله» . قال: «فشام السّيف «6» ها هو ذا جالس» . ثمّ لم يعرض له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «7» .
26-* (عن أبي بكر- رضي الله عنه- قال:
قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا في الغار: «لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا» . فقال: «ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» ) * «8» .
27-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس.
ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصّوت، فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد استبرأ الخبر «9» ، وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السّيف وهو يقول:
«لم تراعوا «10» ، لم تراعوا» ثمّ قال: «وجدناه بحرا» «11» أو قال: «إنّه لبحر» ) * «12» .
__________
(1) أبو داود (3920) وهذا لفظه، وقال محقق جامع الأصول (7/ 628) : إسناده صحيح، والترمذي (1818) وقال: هذا حديث غريب وأوقفه شعبة على ابن عمر وهو أثبت عندي وأصح.
(2) مجذوم: أي مصاب بمرض الجذام.
(3) أبو داود (3925) ، ابن ماجة (3542) وهذا لفظه.
(4) العضاه: كل شجرة ذات شوك.
(5) صلتا: مسلولا.
(6) فشام السيف: أغمده.
(7) البخاري الفتح 6 (2910) ، مسلم (843) في كتاب الفضائل، واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 7 (3653) واللفظ له، مسلم (2381) .
(9) استبرأ الخبر: تبين حقيقته.
(10) لم تراعوا: أي روعا مستقرّا. أو روعا يروّعكم.
(11) وجدناه بحرا: أي واسع الجري.
(12) البخاري- الفتح 6 (2908) واللفظ له، مسلم (2307) .(4/1395)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التوكل)
1-* (كان موسى عليه السّلام يقول: «اللهمّ لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك» ) * «1» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون:
نحن المتوكّلون، فإذا قدموا مكّة سألوا النّاس، فأنزل الله تعالى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» ) * «2» .
3-* (قال الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه-:
«كان أوّل من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عبد الله بن مسعود. قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ فمن رجل يسمعهموه؟ قال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك. إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال:
دعوني فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضّحى، وقريش في أنديتها، حتّى قام عند المقام ثمّ قرأ: بسم الله الرّحمن الرّحيم رافعا بها صوته الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ «3» قال: ثمّ استقبلها يقرؤها. قال: فتأمّلوه فجعلوا يقولون ما يقول ابن أمّ عبد؟ قال: ثمّ قالوا: إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمّد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثمّ انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا في وجهه، فقالوا هذا الّذي خشينا عليك. قال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها، قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون» ) * «4» .
4-* (عن عون بن عبد الله قال: بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزّبير «5» مكتئبا معه شيء ينكت به في الأرض، إذ رفع رأسه فسنح له «6» صاحب مسحاة، فقال له: يا هذا مالي أراك مكتئبا حزينا؟ قال: فكأنّه ازدراه «7» . فقال: لا شيء. قال صاحب المسحاة «8» : أللدّنيا فإنّ الدّنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر، والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر، يفصل بين الحقّ والباطل. فلمّا سمع ذلك منه كأنّه أعجبه، قال: فقال: لما فيه المسلمون. قال: فإنّ الله سينجّيك بشفقتك على المسلمين، وسل، فمن ذا الّذي سأل الله- عزّ وجلّ- فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه وتوكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه؟ قال: فعلقت
__________
(1) مجموع الفتاوى (1/ 112) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1523) .
(3) أي قرأ سورة «الرحمن» .
(4) فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 837- 838) ، سيرة ابن هشام (1/ 314) وذكره ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 56) .
(5) فتنة ابن الزبير: قتاله مع الحجاج.
(6) فسنح له: عرض له.
(7) ازدراه: استصغر شأنه.
(8) مسحاة: مجراف من الحديد.(4/1396)
لدعاء «1» : اللهمّ سلّمني وسلّم منّي فتمحّلت «2» ولم تصب منهم أحدا» ) * «3» .
5-* (قال سعيد بن جبير- رحمه الله-:
«التّوكّل على الله عزّ وجلّ جماع الإيمان» ) * «4» .
6-* (قال عياض الأشعريّ- رحمه الله تعالى: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء:
أبو عبيدة بن الجرّاح ويزيد بن أبي سفيان وابن حسنة وخالد بن الوليد وعياض. وقال عمر- رضي الله عنه-: «إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال فكتبنا إليه: أنّه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه فكتب إلينا أنّه قد جاءني كتابكم تستمدّوني وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرا وأحضر جندا، الله- عزّ وجلّ- فاستنصروه فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم قد نصر يوم بدر في أقلّ من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، وأصبنا أموالا» ) * «5» .
7-* (قال شقيق بن سلمة أبو وائل؛ قال:
خرجنا في ليلة مخوفة، فمررنا بأجمة «6» فيها رجل نائم، وقيّد فرسه فهي ترعى عند رأسه فأيقظناه، فقلنا له:
تنام في مثل هذا المكان؟ قال: فرفع رأسه فقال: «إنّي أستحي من ذي العرش أن يعلم أنّي أخاف شيئا دونه» ثمّ وضع رأسه فنام) * «7» .
8-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
«ينبغي للنّاس كلّهم (يتوكّلون) على الله- عزّ وجلّ- ولكن يعوّدون أنفسهم بالكسب فمن قال بخلاف هذا القول فهذا قول إنسان أحمق» ) * «8» .
9-* (وقال أيضا: «الاستغناء عن النّاس بطلب العمل أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما في أيدي النّاس» ) *» .
10-* (وقال أيضا: «صدق المتوكّل على الله عزّ وجلّ- أن يتوكّل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميّين يطمع أن يجيئه بشيء، فإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكّلا» ) * «10» .
11-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى:
«التّوكّل من أقوى الأسباب الّتي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم» ) * «11» .
12-* (قال ابن القيّم والفيروز آباديّ- رحمهما الله تعالى-: «التّوكّل نصف الدّين، والنّصف الثّاني الإنابة، فإنّ الدّين استعانة وعبادة، فالتّوكّل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة» ) * «12» .
__________
(1) فعلقت لدعاء: فاغتنمته.
(2) فتمحلت: فانكشفت الفتنة.
(3) التوكل لابن أبي الدنيا (52) وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(4) الزهد لهناد بن السري (1/ 304) .
(5) أحمد (1/ 49) .
(6) الأجمة: الشّجر الكثير الملتفّ.
(7) الزهد لهناد بن السري (1/ 306) ، قال محققه: إسناده صحيح.
(8) الآداب الشرعية (3/ 270) .
(9) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.
(10) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.
(11) التفسير القيم لابن القيم (587) .
(12) مدارج السالكين (2/ 118) ، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2/ 315) .(4/1397)
من فوائد (التوكل)
(1) أنّه من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) يجلب محبّة الله تعالى ومعونته ونصره وتأييده.
(3) دوام طلب المعونة من الله الملك ليقين المتوكّل بالعجز التّامّ عن تحصيل ما يريده وتمام قدرة الله على إنجاز كلّ ما يريد وفوق ما يريد.
(4) الحفظ والمنعة من الشّيطان الرّجيم ومن البشر اللّئيم.
(5) الوقوف على الحدود الشّرعيّة وعدم الخوض في الحرام.
(6) ترك المزاحمة مع النّاس؛ لأنّ المتوكّل لا يخاف فوت شيء قدّر له.
(7) قطع الطمع فيما في أيدي النّاس توكّلا على ما عند الله.
(8) راحة البال واستقرار الحال.
(9) لا يمنع الأخذ بالأسباب المشروعة المباحة مع الخروج من أسرها.
(10) يحقّق طاعة الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
(11) يحقّق رضا الله، فيجعل للعبد مخرجا ويكفّر عنه سيّئاته.
(12) يهيّأ صاحبه للفوز بصحبة النّبيّين في جنّات النّعيم.
(13) من أسباب سعة الرّزق.
(14) به تمام المعونة من الله- عزّ وجلّ- ممّا يدفع عن المتوكّل شرّ الأشرار من الشّيطان ومن كلّ من يكيده.(4/1398)
التيسير
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
29/ 51/ 13
التيسير لغة:
مصدر يسّر وهو مأخوذ من مادّة (ى س ر) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنيين:
أحدهما يدلّ على انفتاح شيء وخفّته والآخر على عضو من الأعضاء «1» ، ويرجع التّيسير الّذي معنا إلى المعنى الأوّل، ومنه اليسر ضدّ العسر واليسرات القوائم الخفاف، ومن الباب يسّرت الغنم إذا كثر لبنها ونسلها، ويقال: رجل يسر ويسر أي حسن الانقياد، واليسار: الغنى ... ومن ذلك قول الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة/ 185) يقال: تيسّر كذا واستيسر أي تسهّل، ومن ذلك قوله تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (البقرة/ 196) أي تسهّل وتهيّأ ومنه أيسرت المرأة تيسّرت في كذا أي سهّلته وهيّأته، أمّا قوله تعالى:
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (الليل/ 7) ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (الليل/ 10) ، فهذا وإن كان قد أعاره لفظ التّيسير فهو على حسب ما قال الله- عزّ وجلّ- فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* (آل عمران/ 21، والتوبة/ 34) «2» ، واليسير والميسور: السّهل، واليسير يقال (أيضا) في الشّيء القليل، والميسرة واليسار عبارة عن الغنى، والمياسرة: الملاينة. وفي الحديث إنّ هذا الدّين يسر، اليسر هنا ضدّ العسر أراد أنّه سهل سمح قليل التّشديد، وفي الحديث (أيضا) «يسّروا ولا تعسّروا» وفي الحديث الآخر «من أطاع الإمام وياسر الشّريك» أي ساهله. أمّا ما جاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم «تياسروا في الصّداق» فمعناه: تساهلوا فيه ولا تغالوا.
واليسر واليسر يستعملان في معنى اللّين والانقياد، أمّا اليسر بضمّ الياء واليسر (بضمّتين) فهو نقيض العسر، والعسر واليسرى: الأمر السّهل.
قال الجوهري يقال يسّره الله لليسرى: أي وفّقه لها» «3» ، وقال بعض المفسّرين المراد بها الخلّة اليسرى
__________
(1) ومن هذا المعنى: اليسار لليد، يقال: تياسروا إذا أخذوا ذات اليسار، ويقال ياسروا وهو أجود (مقاييس اللغة 6/ 156) .
(2) يريد أن ذلك من باب المشاكلة قال في اللسان: البشارة في الأصل الفرح (ثم استعملت في الحزن) وكذلك التيسير يستعمل في اليسرى أي السهل، فإن جمعت في كلامين أحدهما خير والآخر شر جاز التيسير فيهما.
(3) انظر المقاييس (6/ 156) ومفردات الراغب (ص 551) والصحاح (2/ 856) واللسان (ص 4957) وما بعدها (ط. دار المعارف) .(4/1399)
وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدّنيا وهو من قولهم قد يسّرت غنم فلان إذا تهيّأت للولادة «1» .
واصطلاحا:
اليسر عمل فيه لين وسهولة وانقياد أو هو رفع المشقّة والحرج عن المكلّف بأمر من الأمور لا يجهد النّفس ولا يثقل الجسم «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: حسن العشرة- حسن المعاملة- الرفق- تفريج الكربات.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعسير- الجفاء سوء المعاملة- الغلو- التنفير- التفريط والإفراط] .
__________
(1) تفسير الطبري (30/ 143) .
(2) تفسير القاسمي (3/ 427) .(4/1400)
الآيات الواردة في «التيسير»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) «1»
2- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196) «2» 3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) «3»
4- وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)
__________
(1) البقرة: 183- 185 مدنية
(2) البقرة: 196 مدنية
(3) البقرة: 278- 280 مدنية(4/1401)
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (66) «1»
5- وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (90) «2»
6- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) «3»
7- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) «4»
8- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)
__________
(1) يوسف: 58- 66 مكية
(2) الكهف: 82- 90 مكية
(3) مريم: 96- 98 مكية
(4) طه: 24- 28 مكية(4/1402)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) «1»
9- وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) «2»
10- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) «3»
11- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) «4»
12-* إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا
__________
(1) الدخان: 51- 59 مكية
(2) القمر: 17- 40 مكية
(3) التغابن: 7- 8 مكية
(4) الطلاق: 4 مدنية(4/1403)
ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) «1»
13- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) «2»
14- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) «3»
15- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «4»
16- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) «5»
17- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «6»
الآيات الواردة في «التيسير» لفظا ولها معنى آخر
18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «7»
__________
(1) المزّمل: 20 مكية
(2) عبس: 17- 22 مكية
(3) الانشقاق: 6- 9 مكية
(4) الأعلى: 1- 10 مكية
(5) الليل: 5- 7 مكية
(6) الشرح: 1- 8 مكية
(7) النساء: 29- 30 مدنية(4/1404)
19- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169) «1»
20-* وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) «2»
21- لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) «3»
22- أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «4»
23- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «5»
24-* قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
__________
(1) النساء: 167- 169 مدنية
(2) الإسراء: 23- 28 مكية
(3) الحج: 67- 70 مدنية
(4) الفرقان: 45- 49 مكية
(5) العنكبوت: 19- 20 مكية(4/1405)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) »
25- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) «2»
26- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) «3»
27- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «4»
28- وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) «5»
29- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) «6»
__________
(1) الأحزاب: 18- 19 مدنية
(2) الأحزاب: 30- 31 مدنية
(3) فاطر: 10- 11 مكية
(4) ق: 43- 45 مكية
(5) الذاريات: 1- 14 مكية
(6) الحديد: 22- 23 مدنية(4/1406)
الأحاديث الواردة في (التيسير)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل» فأرسل إلى ابن رواحة، فقال:
«اهجهم» فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «1» . ثمّ أدلع لسانه «2» . فجعل يحرّكه.
فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «3» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين.
قالت عائشة: لحسّان «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله» وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» .
قال حسّان:
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمّدا برّا تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء
ثكلت بنيّتي إن لم تروها ... تثير النّقع من كنفي كداء «4»
يبارين الأعنّة مصعدات ... على أكتافها الأسل الظّماء
تظلّ جيادنا متمطّرات ... تلطّمهنّ بالخمر النّساء
فإن أعرضتمو عنّا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلّا فاصبروا لضراب يوم ... يعزّ الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدا ... يقول الحقّ ليس به خفاء
وقال الله: قد يسّرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللّقاء
لنا في كلّ يوم من معدّ ... سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء) *
«5»
2-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقرأنيها، وكدت أن
__________
(1) الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه هنا لسانه.
(2) أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين.
(3) لأفرينّهم فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
(4) كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداى ثنية على باب مكة (وفي البيت إقواى) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6150) . ومسلم (2490) واللفظ له.(4/1407)
أعجل عليه، ثمّ أمهلته حتّى انصرف، ثمّ لببته بردائه فجئت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّي سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها. فقال لي: «أرسله» . ثمّ قال له:
«اقرأ» فقرأ. قال: «هكذا أنزلت» . ثمّ قال لي: «اقرأ» .
فقرأت. فقال: «هكذا أنزلت. إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسّر» ) * «1» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ أعرابيّا بال في المسجد، فثار إليه النّاس ليقعوا به. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين» ) * «2» .
4-* (عن محجن بن الأدرع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي فانطلق يمشي حتّى صعد أحدا فأشرف على المدينة فقال: «ويل أمّها من قرية يتركها أهلها كأعمر ما تكون يأتيها الدّجّال فيجد على كلّ باب من أبوابها ملكا مصلتا فلا يدخلها» قال: ثمّ انحدر حتّى إذا كنّا بشدّة المسجد رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي في المسجد ويسجد ويركع ويسجد ويركع قال: فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من هذا؟» . قال: فأخذت أطريه له. قال: قلت يا رسول الله، هذا فلان وهذا وهذا. قال: «اسكت لا تسمعه فتهلكه» . قال: ثمّ انطلق يمشي حتّى إذا كنّا عند حجرة لكنّه رفض يدي، ثمّ قال: «إنّ خير دينكم أيسره إنّ خير دينكم أيسره، إنّ خير دينكم أيسره» وقال في لفظ آخر: «إنّكم أمّة أريد بكم اليسر» ) * «3» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» ) * «4» .
6-* (عن عثمان- رضي الله عنه- أنّه كان إذا وقف على قبر بكى حتّى يبلّ لحيته. فقيل له: تذكر الجنّة والنّار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» . قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «5» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها» ) * «6» .
8-* (عن أبي موسى قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2419) . ومسلم (818) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6128) . وأخرجه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه (284) .
(3) أحمد (5/ 32) ، وقال الحافظ: سنده صحيح، الفتح 1 (94) .
(4) البخاري- الفتح 1 (39) والسداد: هو التوسط فى العمل وقاربوا: أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه، والغدوة: السير أول النهار والروحة السير بعد الزوال، والدلجة: السير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله.
(5) الترمذي (2308) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (4267) وذكره الألباني في صحيح الجامع، وقال: حسن (1/ 85) رقم (1680) .
(6) أحمد (6/ 77، 91) . وقال الهيثمي: رواه أحمد وفيه أسامة ابن زيد بن أسلم وهو ضعيف. وقد وثق، وبقية رجاله ثقات (4/ 55) ، ورواه الحاكم من طريق أخرى (2/ 178) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ومن طريقه رواه البيهقي في الكبرى (7/ 235) وأخرجه أحمد (6/ 91) ، والبزار (2/ 158) .(4/1408)
«بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا» ) * «1» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زوّدك الله التّقوى» . قال: زدني. قال:
«وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال:
«ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «2» .
10-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خصلتان، أو خلّتان لا يحصيهما رجل مسلم إلّا دخل الجنّة: ألا وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبّح الله في دبر كلّ صلاة عشرا، ويحمده عشرا ويكبّره عشرا» قال: فأنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعقدها بيده، قال: «فتلك خمسون ومائة باللّسان وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبّحه وتكبّره وتحمده مائة فتلك مائة باللّسان وألف في الميزان، فأيّكم يعمل في اليوم واللّيلة ألفين وخمسمائة سيّئة؟» قالوا: وكيف لا يحصيهما، قال: «يأتي أحدكم الشّيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا اذكر كذا، حتّى ينتقل فلعلّه لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينوّمه حتّى ينام» ) * «3» .
11-* (عن جابر- رضي الله عنه- أنّه قال:
دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد النّاس جلوسا ببابه، لم يؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر فدخل، ثمّ أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه، واجما ساكتا. قال فقال: لأقولنّ شيئا أضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النّفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «هنّ حولي كما ترى. يسألنني النّفقة» . فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما ليس عنده.
فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا أبدا ليس عنده. ثمّ اعتزلهنّ شهرا أو تسعا وعشرين ثمّ نزلت عليه هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ حتّى بلغ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 28، 29) فبدأ بعائشة فقال: «يا عائشة إنّي أريد أن أعرض عليك أمرا أحبّ أن لا تعجلي فيه حتّى تستشيري أبويك؟» قالت: وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية. فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبويّ؟
بل اختار الله ورسوله والدّار الآخرة. وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك الّذي قلت. قال: «لا تسألني امرأة منهنّ إلّا أخبرتها. إنّ الله لم يبعثني معنّتا ولا متعنّتا، ولكن بعثني معلّما ميسّرا» ) * «4» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4341- 4342) . ومسلم (1733) واللفظ له.
(2) الترمذي (3444) وقال: حسن غريب. وقال مخرج الأذكار النووية: قال الحافظ (يعني في تخريج الأذكار) : حديث حسن. وأخرجه الطبراني والخرائطي والمحاملي (355) .
(3) الترمذي (3410) وقال: حسن صحيح. وأبو داود (5065) . والنسائي (3/ 74) وقال الألباني: صحيح (1/ 290) رقم (1277) . وابن ماجة (926) .
(4) مسلم (1478) واللفظ له. وأخرج البخاري مثله من حديث عائشة في عدة مواضع منها (5268) .(4/1409)
قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ.
اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «1» وأجب دعوتي وثبّت حجّتي، واهد قلبي وسدّد لساني واسلل سخيمة قلبي» ) * «2» .
13-* (قال جنادة بن أبي أميّة: دخلنا على عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- وهو مريض.
قلنا: أصلحك الله. حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: دعانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبايعناه. فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرهنا «3» وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر «4» أهله، إلّا أن تروا كفرا بواحا «5» عندكم من الله فيه برهان» ) * «6» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليك السّمع والطّاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك، ومكرهك، وأثرة عليك» ) * «7» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت. وإذا غضبت فاسكت» ) * «8» .
16-* (عن عويمر بن ساعدة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالأبكار فإنّهنّ أعذب أفواها، وأنتق أرحاما وأرضى باليسير» ) * «9» .
17-* (عن معاذ- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الغزو غزوان فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشّريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه. وأمّا من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «10» .
18-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كما يعلّمنا السّورة من القرآن يقول: «إذا همّ أحدكم
__________
(1) حوبتي: بفتح الحاء وسكون الواو يجوز أن تكون هنا توجّعي وأن تكون تخشعي وتمسكني لك.
(2) أبو داود (1510) واللفظ له. والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح. وابن ماجة (3830) . وأحمد (1/ 227) رقم (1997) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 309) وعزاه كذلك للنسائي وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة. والسخيمة: الحقد والضغينة والموجدة في النفس.
(3) منشطنا ومكرهنا: أي في حالة نشاطنا وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به.
(4) والمراد بالأمر: الإمارة.
(5) والكفر البواح: الكفر الظاهر الذي لا يخفى.
(6) البخاري الفتح 13 (7055- 7056) . ومسلم (1709) .
(7) مسلم (1836) . والأثرة- بفتح الهمزة والثاء- وهي الاستئثار والاختصاص.
(8) أحمد (1/ 239، 283) رقم (2136 و2556) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 12، 191) . والبخاري في الأدب المفرد (95) رقم (245، 1320) ص 447.
(9) ابن ماجة (1861) ، والبيهقي في الكبرى (7/ 81) ، والحديث في المشكاة (2/ 929) رقم (3092) . وذكره الألباني في الصحيحة وعزاه أيضا للمقابري، وتمام في فوائده، والطبراني في الأوسط، وابن أبي شيبة موقوفا ثم قال: والحديث حسن بمجموع طرقه (2/ 192- 196) رقم (623) .
(10) النسائي (6/ 49- 10) وقال الألباني: حسن (2/ 671) رقم (2987) . وأبو داود (2515) . وأحمد (5/ 234) الموطأ (2/ 467466) .(4/1410)
بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب، اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال:
عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ أرضني به. قال: ويسمّي حاجته» ) * «1» .
19-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: كنّا جلوسا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه عود ينكت»
به في الأرض فنكس «3» وقال: «ما منكم من أحد إلّا قد كتب مقعده من النّار أو من الجنّة» . فقال رجل من القوم: ألا نتّكل يا رسول الله؟ قال: «لا، اعملوا فكل ميسّر» ، ثمّ قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (الآية)) * «4» .
20-* (عن عروة الفقيميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: كنّا ننتظر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخرج رجلا يقطر رأسه من وضوء أو غسل فصلّى فلمّا قضى الصّلاة جعل النّاس يسألونه: يا رسول الله أعلينا حرج في كذا؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أيّها النّاس إنّ دين الله- عزّ وجلّ- في يسر (ثلاثا يقولها) » ) * «5» .
21-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال: «لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة وتؤتي الزّكاة وتصوم رمضان وتحجّ البيت» ثمّ قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصّوم جنّة والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل» . قال: ثمّ تلا- تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ يَعْمَلُونَ ثمّ قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟» . قلت:
بلى يا رسول الله. قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» . ثمّ قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟» قلت: بلى يا نبيّ الله، فأخذ بلسانه. قال: «كفّ عليك هذا» ، فقلت: يا نبيّ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ قال: «ثكلتك أمّك يا معاذ. وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» ) * «6» .
22-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1162) .
(2) ينكت: يضرب الأرض بعود أو بإصبع.
(3) نكس: أى أطرق.
(4) البخاري- الفتح 11 (6605) واللفظ له. ومسلم (2647) .
(5) أحمد (5/ 69) وذكره الهيثمي في المجمع (1/ 62) وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وأبو يعلى وفيه عاصم بن هلال وثقه أبو حاتم وأبو داود. والحديث ذكره ابن حجر في ترجمته في الإصابة، وقال: رواه أحمد والبغوي وأبو يعلى وغيرهم وفيه راو مختلف في الاحتجاج به (2/ 479) . وذكره كذلك ابن كثير في التفسير (1/ 217) وعزاه أيضا لابن مردويه في تفسيره.
(6) الترمذي (2616) وقال: حسن صحيح- واللفظ له. وابن ماجة (3973) . وأحمد (5/ 231، 237، 245) .(4/1411)
قالت؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس أحد يحاسب إلّا هلك» ، قالت: قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداءك، أليس يقول الله عزّ وجلّ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال: «ذاك العرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك» ) * «1» .
23-* (عن كعب بن عجرة- رضي الله عنه- أنّه قال: وقف عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية ورأسي يتهافت «2» قملا، فقال: «يؤذيك هوامّك؟» قلت:
نعم. قال: «فاحلق رأسك» . أو قال: «احلق» . قال: فيّ نزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صم ثلاثة أيّام أو تصدّق بفرق «3» بين ستّة أو انسك بما تيسّر» ) * «4» .
24-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول:
نعم. فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (التيسير) معنى
25-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رجل يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصّلاة ممّا يطوّل بنا فلان فما رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في موعظة أشدّ غضبا من يومئذ. فقال: «أيّها النّاس إنّكم منفّرون، فمن صلّى بالنّاس فليخفّف؛ فإنّ فيهم المريض والضّعيف وذا الحاجة» ) * «6» .
26-* (عن أسامة بن شريك- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عنده، كأنّما على رؤوسهم الطّير. قال: فسلّمت عليه وقعدت قال:
فجاءت الأعراب فسألوه فقالوا: يا رسول الله نتداوى.
قال: «نعم تداووا؛ فإنّ الله لم يضع داء إلّا وضع له دواء غير داء واحد الهرم» قال: وسألوه عن أشياء هل علينا حرج في كذا وكذا؟ قال: «يا عباد الله وضع الله الحرج إلّا امرأ اقتضى امرأ مسلما ظلما فذلك حرج وهلك» .
قالوا: ما خير ما أعطي النّاس يا رسول الله؟. قال:
«خلق حسن» ) * «7» .
27-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال: أقرأني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين عند الله الحنيفيّة السّمحة لا اليهوديّة ولا النّصرانيّة» ) * «8» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4939) . ومسلم (2876) .
(2) يتهافت: أي يتساقط شيئا فشيئا.
(3) الفرق: مكيال يزن ستة عشر رطلا أو ثلاثة آصع.
(4) البخاري- الفتح 4 (1815) . ومسلم (1201) وقوله: انسك بما تيسّر المراد به الذبح.
(5) البخاري- الفتح 11 (6557) . ومسلم (2805) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 1 (90) واللفظ له. ومسلم (466) .
(7) أبو داود (3855) وقال الألباني (2/ 731) : صحيح. وابن ماجة (3436) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. والبخاري في الأدب المفرد (109) حديث (291) وقال في شرح فضل الله الصمد: أخرجه الترمذي وصححه وابن خزيمة والحاكم وصححاه. وأحمد (4/ 278) واللفظ له.
(8) فوائد أبي عمر بن منده بواسطة رفع الحرج لصالح بن حميد (158) وقال: سنده صحيح.(4/1412)
قال: إنّ رجلا قال يا رسول الله إنّي أريد أن أسافر فأوصني. قال: «عليك بتقوى الله والتّكبير على كلّ شرف «1» » . فلمّا أن ولّى الرّجل. قال: «اللهمّ اطو له الأرض وهوّن عليه السّفر» ) * «2» .
29-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» ) * «3» .
30-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض. جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود وبين ذلك والسّهل والحزن والخبيث والطّيّب» ) * «4» .
31-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: إنّه اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه، فلقيه فقال له: ما منعك من قبض مالك؟ قال: إنّك غبنتني، فما ألقى من النّاس أحدا إلّا وهو يلومني، قال: أو ذلك يمنعك؟ قال: نعم، قال: فاختر بين أرضك ومالك، ثمّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أدخل الله- عزّ وجلّ- الجنّة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا» ) * «5» .
32-* (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بينا أنا عند البيت بين النّائم واليقظان- وذكر يعني رجلا بين الرّجلين- فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا، فشقّ من النّحر إلى مراقّ البطن، ثمّ غسل البطن بماء زمزم، ثمّ ملأ حكمة وإيمانا. وأتيت بدابّة أبيض دون البغل وفوق الحمار (البراق) ، فانطلقت مع جبريل، حتّى أتينا السّماء الدّنيا، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل:
من معك؟ قال: محمّد. قيل. وقد أرسل إليه؟ قال:
نعم. قيل: مرحبا به؛ ولنعم المجيء جاء. فأتيت على آدم فسلّمت عليه فقال: مرحبا بك من ابن ونبيّ.
فأتينا السّماء الثّانية. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل:
من معك؟. قال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قيل: أرسل إليه؟ قال:
نعم. قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على عيسى، ويحيى، فقالا: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا السّماء الثّالثة. قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل من معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم.
قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على يوسف فسلّمت، فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ.
فأتينا السّماء الرّابعة، قيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل من معك؟ قيل محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قيل: وقد أرسل إليه؟
قال: نعم. قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء. فأتيت
__________
(1) المراد بالشرف: المكان المرتفع.
(2) الترمذي (3445) وقال: حسن. وابن ماجة (2771) مختصر. والحاكم (2/ 98) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) أحمد (2/ 108) رقم (5866) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (8/ 135) . وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن (3/ 162) .
(4) أبو داود (4693) وقال الألباني (3/ 888) : صحيح. الترمذي (2955) وقال: حسن صحيح.
(5) النسائي (7/ 318- 319) . ابن ماجه (2202) . أحمد (1/ 58) رقم (410) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 335) واللفظ له. وخرج الترمذي مثله من حديث جابر (1320) وقال: حسن صحيح غريب وكذلك ابن ماجة (2203) .(4/1413)
على إدريس فسلّمت عليه فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا السّماء الخامسة، قيل: من هذا؟ قيل:
جبريل. قيل ومن معك؟ قيل: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتينا على هارون، فسلّمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فأتينا على السّماء السّادسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل.
قيل من معك؟ قيل: محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، نعم المجيء جاء.
فأتيت على موسى فسلّمت عليه. فقال: مرحبا بك من أخ ونبيّ. فلمّا جاوزت بكى، فقيل: ما أبكاك؟
قال: يا ربّ، هذا الغلام الّذي بعث بعدي يدخل الجنّة من أمّته أفضل ممّا يدخل من أمّتي. فأتينا السّماء السّابعة، قيل من هذا؟ قيل: جبريل. قيل:
من معك؟ قيل: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال:
نعم. قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إبرهيم فسلّمت عليه فقال: مرحبا بك من ابن ونبيّ. فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال:
هذا البيت المعمور، يصلّي فيه كلّ يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم.
ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنّه قلال هجر، وورقها كأنّه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فسألت جبريل فقال: أمّا الباطنان ففي الجنّة، وأمّا الظّاهران النّيل والفرات. ثمّ فرضت عليّ خمسون صلاة، فأقبلت حتّى جئت موسى، فقال: ما صنعت؟ قلت فرضت عليّ خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالنّاس منك، عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، وإنّ أمّتك لا تطيق، فارجع إلى ربّك فسله. فرجعت فسألته، فجعلها أربعين، ثمّ مثله ثمّ ثلاثين، ثمّ مثله فجعل عشرين، ثمّ مثله فجعل عشرا. فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا. فأتيت موسى، فقال: ما صنعت؟ قلت جعلها خمسا. فقال مثله. قلت فسلّمت. فنودي: إنّي قد أمضيت فريضتي.
وخفّفت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا» ) * «1» .
33-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: حجم أبو طيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخفّفوا من خراجه) * «2» .
34-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرّم على النّار كلّ هيّن ليّن سهل قريب من النّاس» ) * «3» .
35-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دخل رجل الجنّة بسماحته قاضيا ومتقاضيا» ) * «4» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3207) واللفظ له. ومسلم (162) .
(2) البخاري- الفتح 4 (2102) . ومسلم (1577) .
(3) الترمذي (2488) وقال: حسن غريب. وأحمد (1/ 415) رقم (3938) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (6/ 18- 19) واللفظ له.
(4) أحمد (2/ 210) رقم (6963) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (11/ 160) . والحديث ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات (4/ 74) . وكذلك المنذري في الترغيب، وقال: رواه أحمد ورواته ثقات مشهورون (3/ 19) .(4/1414)
36-* (عن عبد الله بن عمرو قال: دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ألم أخبر أنّك تقوم اللّيل وتصوم النّهار؟» قلت: بلى. قال: «فلا تفعل، قم ونم وصم وأفطر، فإنّ لجسدك عليك حقّا، وإنّ لعينك عليك حقّا، وإنّ لزورك «1» عليك حقّا، وإنّ لزوجك عليك حقّا، وإنّك عسى أن يطول بك عمر وإنّ من حسبك أن تصوم كلّ شهر ثلاثة أيّام، فإنّ بكلّ حسنة عشر أمثالها، فذلك الدّهر كلّه» ، قال: فشدّدت فشدّد عليّ قلت: فإنّي أطيق غير ذلك. قال: «فصم من كلّ جمعة ثلاثة أيّام» ، قال: فشدّدت فشدّد عليّ، قلت: إنّي أطيق غير ذلك، قال: «فصم صوم نبيّ الله داود» .
قلت: وما صوم نبيّ الله داود؟ قال: «نصف الدّهر» ) * «2» .
37-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني. وقال: مزمارة الشّيطان عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعهما» . فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السّودان بالدّرق والحراب. فإمّا سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا قال: تشتهين تنظرين؟.
فقلت: نعم. فأقامني وراءه خدّي على خدّه وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة» . حتّى إذا مللت قال:
«حسبك؟» قلت: نعم. قال: «فاذهبي» ) * «3» .
38-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» ) * «4» .
39-* (عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السّوائي- رضي الله عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما، فقال: كل فإنّي صائم. فقال: ما أنا بآكل حتّى تأكل، فأكل. فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، فقال: نم، فنام، ثمّ ذهب يقوم، فقال:
نم، فنام فلمّا كان آخر اللّيل، قال سلمان: قم الآن، قال: فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق سلمان» ) * «5» .
40-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى رجلا قد اجتمع النّاس عليه، وقد ظلّل عليه، فقال: ما له؟
قالوا: رجل صائم. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البرّ أن تصوموا في السّفر. عليكم برخصة الله الّذي رخّص لكم» ) * «6» .
__________
(1) الزور: بفتح الزاي وسكون الواو: الزائر.
(2) البخاري- الفتح 10 (6134) .
(3) البخاري- الفتح 2 (949- 950) واللفظ له. ومسلم (892) . الزيادة ذكرها الحافظ في الفتح وسكت عنها (2/ 442) . وقال ابن كثير: الزيادة لها شواهد من طرق عدة، التفسير 3 (139) .
(4) البخاري- الفتح 4 (2076) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6139) .
(6) البخاري الفتح 4 (1946) . ومسلم (1115) واللفظ له.(4/1415)
41-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ لا سهل إلّا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن «1» إذا شئت سهلا» ) * «2» .
42-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية؛ فإنّ الله لم يكن نسيّا ثمّ تلا هذه الآية وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» ) * «3» .
43-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال: لمّا نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً (المجادلة/ 12) قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى دينارا؟» قال: لا يطيقونه، قال: «فنصف دينار» . قلت: لا يطيقونه. قال: «فكم؟» قلت: شعيرة. قال: «إنّك لزهيد» . قال: فنزلت: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية. قال: «فبي خفّف الله عن هذه الأمّة» ) * «4» .
44-* (عن قيس بن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنهما- قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافريّ»
، وعلى غلامه بردة «6» ومعافريّ. فقال له أبي: يا عمّ إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «7» . قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال. فأتيت أهله فسلّمت. فقلت: ثمّ هو؟
قالوا: لا. فخرج عليّ ابن له جفر «8» . فقلت له:
أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي.
فقلت: اخرج إليّ. فقد علمت أين أنت، فخرج.
فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله أحدّثك. ثمّ لا أكذبك، خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكنت والله معسرا. قال قلت: آلله. قال: آلله. قلت: آلله. قال: آلله. قلت:
آلله. قال: الله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده.
فقال: إن وجدت قضاء فاقضني. وإلّا، أنت في حلّ.
فأشهد بصر عينيّ هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط
__________
(1) الحزن: بإسكان الزاي غليظ الأرض وخشنها والمراد هنا الأمر الصعب العسير.
(2) ابن السني في عمل اليوم والليلة (353) . وذكره النووي في أذكاره وعزاه إليه، وقال مخرجه: قال الحافظ: إسناده صحيح وعزاه أيضا لابن حبان (ص 221) .
(3) الحاكم (2/ 375) وقال: صحيح ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير وإسناده حسن ورجاله موثقون (1/ 171) .
(4) الترمذي (3300) وقال: حسن غريب. وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للترمذي ونقل كلامه عنه وسكت (4/ 327) . وقد كان سفيان (الذي روى عنه الترمذي الحديث) شيخا للترمذي وابن ماجه والطبري، قال عنه ابن حبان: كان شيخا فاضلا صدوقا يروى عنه ابن خريمة الحرف بعد الحرف وهو من الضرب الذين لأن يخروا من السماء أحبّ إليهم من أن يكذبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذا دليل على أن هؤلاء الأئمة كانوا ينتقون من حديثه، ومن ثمّ حسّن له الترمذي الحديث، أما الغرابة في في تفرّد علي بن علقمة الأنماري عنه، وقد وثقه ابن حبان، وقال عنه ابن عدي: ما أرى بحديثه بأسا، ينظر في ذلك: التهذيب 4/ 124، 7/ 366.
(5) معافري: نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر.
(6) بردة: البردة شملة مخططة. وقيل: كساء مربع فيه صغر، يلبسه الأعراب وجمعه برد.
(7) سفعة من غضب: أي علامة وتغير.
(8) جفر: الجفر هو الذي قارب البلوغ. وقيل: هو الذي قوي على الأكل. وقيل: ابن خمس سنين.(4/1416)
قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا- أو وضع عنه- أظلّه في ظلّه» ) * «1» .
45-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنظر معسرا كان له كلّ يوم صدقة، ومن أنظره بعد حلّه كان له مثله في كلّ يوم صدقة» ) * «2» .
46-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: كان له دين على رجل وكان يأتيه يتقاضاه فيختبأ منه فجاء ذات يوم فخرج صبيّ فسأله عنه؛ فقال: نعم، هو في البيت يأكل خريزة فناداه. فقال: يا فلان اخرج فقد أخبرت أنّك ههنا، فخرج إليه، فقال:
ما يغيّبك عنّي؟ فقال: إنّي معسر وليس عندي شيء، قال: آلله إنّك معسر؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظلّ العّرش يوم القيامة» .
ولفظ مسلم: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التيسير)
47-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ عائشة- رضي الله عنها- في حجّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أهلّت بعمرة (حديث الحجّ المشهور) ، وفيه: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا سهلا إذا هويت الشّيء تابعها عليه «4» فأرسلها مع عبد الرّحمن بن أبي بكر فأهلّت بعمرة من التّنعيم» ) * «5» .
48-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأدخل الصّلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصّبيّ فأخفّف من شدّة وجد أمّه به» ) * «6» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلّا جهادا «7» في سبيلي، وإيمانا بي وتصديقا برسلي. فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والّذي نفس محمّد بيده ما من كلم
__________
(1) مسلم (3006) .
(2) أحمد (5/ 351) وقال الهيثمي: روى ابن ماجة طرفا منه ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (4/ 135) . وذكره ابن كثير في التفسير بسياق آخر (1/ 331) .
(3) مسلم (1563) .
(4) قوله: إذا هويت الشيء تابعها عليه: أي من الأمور التي لا نقص فيها في الدين.
(5) مسلم (1213) .
(6) البخاري- 7 (708) . ومسلم (470) واللفظ له، والوجد يطلق على الحزن وعلى الحب وكلاهما سائغ، والحزن أظهر.
(7) إلا جهادا: هكذا بالنصب على أنه مفعول له، وتقديره: لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق ومعناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى.(4/1417)
يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم وريحه مسك، والّذي نفس محمّد بيده لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم. ولا يجدون سعة ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي. والّذي نفس محمّد بيده لوددت أنّي أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل، ثمّ أغزو فأقتل» ) * «1» .
50-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين قطّ إلّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه في شيء قطّ، إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله) * «2» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التيسير)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لمن سأله عن الصّوم في السّفر: «يسر وعسر. فخذ بيسر الله» ) * «4» .
2-* (قال إبراهيم النّخعيّ- رحمه الله تعالى:
«إذا تخالجك أمران فظنّ أنّ أحبّهما إلى الله أيسرهما» ) * «5» .
3-* (قال القاسم بن محمّد بن أبي بكر- رحمه الله تعالى-: «لقد نفع الله باختلاف أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أعمالهم لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلّا رأى أنّه في سعة ورأى أنّه خير منه قد عمله» ) * «6» .
4-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين» ) * «7» .
5-* (قال قتادة- رحمه الله تعالى-: «قال الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فأريدوا لأنفسكم الّذي أراد الله لكم» ) * «8» .
6-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله تعالى-: «ما أحبّ أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يختلفوا؛ لأنّه لو كانوا قولا واحدا كان النّاس في ضيق وإنّهم أئمّة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2972) . ومسلم (1876) واللفظ له.
(2) البخاري الفتح 10 (6126) واللفظ له. ومسلم (2327) .
(3) البخاري- الفتح 2 (887) . ومسلم (252) .
(4) تفسير ابن جرير نسخة أحمد شاكر (3/ 476) .
(5) الآثار لأبي يوسف (285) بواسطة رفع الحرج للشيخ صالح بن حميد.
(6) جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 80) .
(7) تفسير ابن كثير (4/ 525) .
(8) تفسير ابن جرير نسخة أحمد شاكر (3/ 76) .
(9) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 80) .(4/1418)
7-* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: «إذا اختلف عليك أمران فإنّ أيسرهما أقربهما إلى الحقّ لقوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» ) * «1» .
8-* (قال الخطّابيّ- رحمه الله تعالى- في معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم «اكلفوا من العمل ما تطيقون» : هذا أمر بالاقتصاد وترك الحمل على النّفس؛ لأنّ الله تعالى إنّما أوجب على العباد وظائف من الطّاعات في وقت دون وقت تيسيرا ورحمة» ) * «2» .
9-* (قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:
«جمع الله عزّ وجلّ في هذه الشّريعة بين كونها حنيفيّة وكونها سمحة. فهي حنيفيّة في التّوحيد. سمحة في العمل» ) * «3» .
10-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: «إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جاء بالتّيسير والسّماحة. وقد كانت الأمم الّتي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسّع الله على هذه الأمّة أمورها وسهّلها لهم) * «4» .
11-* (قال الزّمخشريّ- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الله عزّ وجلّ لا يكلّف النّفس إلّا ما يتّسع فيه طوقها ويتيسّر عليها دون مدى غاية الطّاقة والمجهود فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلّي أكثر من الخمس ويصوم أكثر من الشّهر ويحجّ أكثر من حجّة» ) * «5» .
12-* (قال الشّاعر:
ولربّ نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنّها لا تفرج) * «6»
13-* (قال الجشميّ- رحمه الله- تعالى في تفسير قوله تعالى في وصف نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ: «دلّت الآية على أن شريعته أسهل الشّرائع وأنّه وضع عن أمّته كلّ ثقل كان في الأمم السّابقة» ) * «7» .
من فوائد (التيسير)
(1) القيام بأوامر الله تعالى كاملة.
(2) سمة ظاهرة في الدّين تتجلّى في عقائده وعباداته ومعاملاته وأخلاقه.
(3) يجلب معونة الله للعبد.
(4) الرّجل السّهل يحبّه الخلق لما يبذله لهم.
(5) المداومة على الأمر والقدرة على الاستمرار وعدم الانقطاع.
(6) من يسّر أمور النّاس يسّر الله له أموره.
(7) من اختار الأيسر- ما لم يكن إثما- فهو متّبع لسنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) تفسير القاسمي (3/ 427) .
(2) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني رحمه الله تعالى (1/ 239) بتصرف يسير جدّا.
(3) إغاثة اللهفان (1/ 158)
(4) تفسير ابن كثير (2/ 254) .
(5) المرجع السابق (1/ 408) .
(6) المرجع السابق (4/ 526) .
(7) تفسير القاسمي (7/ 2882) .(4/1419)
التيمن
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
22/ 32/ 3
التيمن لغة:
مصدر تيمّن وهو مأخوذ من مادّة (ى م ن) الّتي تدور في استعمالاتها المختلفة حول قياس واحد هو الجارحة أي يمين اليد، يقول ابن فارس: الياء والميم والنّون، كلمات من قياس واحد.
فاليمين: يمين اليد ويقال: اليمين: القوّة يقول الأصمعيّ في قول الشّمّاخ:
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين
أراد اليد اليمنى، واليمن: البركة، وهو ميمون (أي مبارك) ، واليمين الحلف، وكلّ ذلك من اليد اليمنى، وكذلك اليمن، وهو بلد (لأنّه عن يمين الكعبة) ويقال (منه) رجل يمان وسيف يمان، وسمّي الحلف يمينا؛ لأنّ المتحالفين كأنّ أحدهما يصفّق بيمينه على يمين صاحبه «1» ، وقال الرّاغب:
اليمين أصله الجارحة ... وقوله تعالى لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (الحاقة/ 45) أي منعناه ودفعناه فعبّر عن ذلك الأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان عن تعاطي الهجاء، وقيل معناه بأشرف جوارحه وأشرف أحواله، وقوله سبحانه وَأَصْحابُ الْيَمِينِ (الواقعة/ 27) أي أصحاب السّعادات والميامن وذلك على حسب تعارف النّاس في العبارة عن الميامن باليمين، واستعير اليمين للتّيمّن والسّعادة ...
وقوله: «الحجر الأسود يمين الله» أي به يتوصّل إلى السّعادة المقرّبة إليه، ومن اليمين يتأوّل اليمن. يقال:
هو ميمون النّقيبة أي مبارك، والميمنة ناحية اليمين «2» وجاء في الصّحاح: ويقال: أيمن الرّجل، ويمّن، ويامن: إذا أتى اليمين وكذلك إذا أخذ في سيره يمينا، يقال: يامن يا فلان بأصحابك، أي خذ بهم يمنة ولا تقل تيامن، والعامّة تقوله «3» . واليمن: البركة، وقد يمن فلان على قومه فهو ميمون: إذا صار مباركا عليهم، والأيامن خلاف الأشائم ... واليمنة بالفتح:
خلاف اليسرة والأيمن والميمنة خلاف الأيسر والميسرة ... وقوله تعالى: تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (الصافات/ 28) . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
__________
(1) المقاييس لابن فارس (6/ 159) .
(2) باختصار وتصرف يسير عن المفردات للراغب (552) وقد تأول الراغب قول الشماخ «تلقاها عرابة باليمين» على أنه بمعنى تلقاها باليمن والسعادة.
(3) هكذا قال الجوهري، وقد أثبت ابن منظور صيغة تيامن في معنى ذهب به ذات اليمين انظر اللسان (4968) ط دار المعارف، ولكنه نقل عن ابن السكيت وابن الأنباري أن ذلك من كلام العامة.(4/1420)
أي من قبل الدّين فتزيّنون لنا ضلالتنا كأنّه أراد تأتوننا عن المأتى السّهل «1» ، وقيل من النّاحية الّتي كان فيها الحقّ فتصرفوننا عنها «2» ، وقال الزّجّاج: هذا قول الكفّار للّذين أضلّوهم أي كنتم تخدعوننا بأقوى الأسباب فكنتم تأتوننا من قبل الدّين فترونا أنّ الدّين والحقّ ما تضلّوننا به وتزيّنون لنا ضلالتنا: كأنّه أراد تأتوننا عن المأتى السّهل، وقيل معناه كنتم تأتوننا من قبل الشّهوة لأنّ اليمين موضع الكبد، والكبد مظنّه الشّهوة والإرادة»
، وقال أبو منصور (الأزهريّ) :
اليمن في كلام العرب على وجوه: يقال لليد اليمنى:
يمين، واليمين: القوّة والقدرة، واليمين: المنزلة.
يقول الأصمعيّ: هو عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة، وقوله في الحديث: إنّه كان يحبّ التّيمّن في جميع أموره ما استطاع، التّيمّن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرّجل اليمنى، والجانب الأيمن وفي الحديث فأمرهم أن يتيامنوا عن الغميم أي يأخذوا عنه يمينا وفي حديث غيره: فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدّم أي عن يمينه، قال ابن السّكيت: يقال: يامن بأصحابك وشائم بهم أي خذ بهم يمينا وشمالا، ولا يقال تيامن بهم ولا تياسر بهم ... قال ابن الأنباريّ العامّة تغلط في معنى تيامن فتظنّ أنّه أخذ عن يمينه. وليس كذلك معناه عند العرب، إنّما يقولون: تيامن إذا أخذ ناحية اليمن، وتشاءم إذا أخذ ناحية الشّام، (ويقولون) : يامن إذا أخذ عن يمينه «4» ، ويفهم من جملة ما ذكره الجوهريّ وابن منظور أنّه يقال تيمّن ويامن إذا أخذ جهة اليمين وهو المراد هنا ويقال تيامن إذا أخذ ناحية اليمن، ويستعمل في هذا المعنى الأخير أيضا الأفعال: أيمن ويمّن ويامن وتيمّن.
معنى كلمة اليمين في القرآن:
قال بعض المفسّرين: اليمين ورد في القرآن على أوجه منها:
الأوّل: بمعنى القوّة، قال تعالى: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (الصافات/ 93) .
أي بالقوّة، قيل: ومنه قوله تعالى: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (الحاقة/ 45) .
الثّاني: بمعنى القسم: قال الله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (البقرة/ 224) ، لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (البقرة/ 225) ، وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (المائدة/ 89) ، بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ (المائدة/ 89) .
الثّالث: بمعنى العهد: قال الله تعالى: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا (القلم/ 39) . أي عهود.
الرّابع: بمعنى الجارحة: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (طه/ 17) ، يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
__________
(1) الصحاح (6/ 2219، 2220) .
(2) المفردات للراغب (553) .
(3) لسان العرب (4969) ط. دار المعارف.
(4) انظر لسان العرب (4967، 4971) .(4/1421)
وَبِأَيْمانِهِمْ (الحديد/ 12) ، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* (الحاقة/ 19، الانشقاق/ 7) .
الخامس: بمعنى ناحية الشّيء قال تعالى:
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (المعارج/ 37) .
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ (مريم/ 52) «1» .
التيمن اصطلاحا:
قال ابن الأثير: التيمّن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرّجل اليمنى والجانب الأيمن «2» ، وقال ابن حجر: قال النّوويّ: قاعدة الشّرع المستمرّة استحباب البداءة باليمين في كلّ ما
كان من باب التّكريم والتّزيين وما كان بضدّهما استحبّ فيه التّياسر «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الأسوة الحسنة- الأدب- حسن الخلق.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التشامل- القدوة السيئة- سوء الخلق] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (5/ 406- 410) بتصرف. وانظر نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي (641- 643) .
(2) النهاية في غريب الحديث (5/ 302) .
(3) الفتح (1/ 325) .(4/1422)
الآيات الواردة في «التيمن»
1-* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) «1»
2- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53) «2»
3- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) «3»
4- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) «4»
__________
(1) الإسراء: 70- 72 مكية
(2) مريم: 51- 53 مكية
(3) طه: 9- 18 مكية
(4) طه: 65- 69 مكية.(4/1423)
5- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) «1»
6-* وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) «2»
7-* احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) «3»
8-* وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) «4»
9- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «5»
10- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3)
__________
(1) طه: 80- 81 مكية
(2) العنكبوت: 46- 49 مكية
(3) الصافات: 22- 30 مكية
(4) الصافات: 83- 93 مكية
(5) الزمر: 67 مكية(4/1424)
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ
الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (26) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عُرُباً أَتْراباً (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ
(40) «1»
11- فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) «2»
12- يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19)
__________
(1) الواقعة: 1- 40 مكية
(2) الواقعة: 83- 91 مكية(4/1425)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22) قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24) «1»
13- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) «2»
14- يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَيَصْلى سَعِيراً (12) «3»
15- لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «4»
__________
(1) الحاقة: 18- 24 مكية
(2) المدثر: 38- 48 مكية
(3) الانشقاق: 6- 12 مكية
(4) البلد: 1- 18 مكية(4/1426)
الآيات الواردة في «التيمن» لفظا ولها معنى آخر
16- أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) «1»
17-* وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) «2»
18-* فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30) «3»
19- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) «4»
20- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) «5»
21- إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) «6»
22- فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) «7»
__________
(1) النحل: 45- 50 مكية
(2) الكهف: 17- 18 مكية
(3) القصص: 29- 30 مكية
(4) سبأ: 15 مكية
(5) ق: 16- 18 مكية
(6) الحاقة: 40- 48 مكية
(7) المعارج: 36- 38 مكية(4/1427)
الأحاديث الواردة في (التيمن)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «1» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «2» .
فيسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر «3» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون. ومالا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض:
ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر.
خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته. نفسي.
نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي.
نفسي. نفسي. اذهبوا إلى إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبّيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم ابراهيم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله.
وذكر كذباته. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم، فيقولون: يا موسى أنت رسول الله. فضّلك الله برسالاته وبتكليمه على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلّى الله عليه وسلّم:
إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلّى الله عليه وسلّم، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا. نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيأتونّي فيقولون: يا محمّد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء. وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. اشفع لنا إلى ربّك ألا
__________
(1) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه.
(2) في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(3) وينفذهم البصر: أي ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم.(4/1428)
ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي. ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك، سل تعطه.
واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ أمّتي. أمّتي.
فيقال: يا محمّد أدخل الجنّة من أمّتك، من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر»
أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشّمال لتكن اليمنى أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع» ) * «6» .
3-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن، وقل اللهمّ أسلمت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك. آمنت بكتابك الّذي أنزلت، ونبيّك الّذي أرسلت فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول» فقلت أستذكرهنّ:
وبرسولك الّذي أرسلت. قال: «لا وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «7» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» .
وفي رواية: «لا يأكلنّ أحد منكم بشماله ولا يشربنّ بها ولا يأخذ بها ولا يعط بها؛ فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بها» ) * «8» .
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
للسّدّيّ لمّا سأله كيف أنصرف إذا صلّيت؟ عن يميني؟ أو عن يساري؟ قال: أمّا أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ينصرف عن يمينه» ) * «9» .
6-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رجلا أكل عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشماله. فقال:
«كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر. قال: فما رفعها إلى فيه) * «10» .
__________
(1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب.
(2) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة: المصراعان جانبا الباب.
(3) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين.
(4) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل.
(5) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 10 (5856) . ومسلم (2097) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6311) واللفظ له. ومسلم (2710) .
(8) مسلم (2020) .
(9) مسلم (708) .
(10) مسلم (2021) .(4/1429)
7-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ. فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء» فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. فتلّه «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يده) * «2» .
8-* (عن أبي ذرّ، وأبي الدّرداء- رضي الله عنهما- أنّهما قالا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّي لأعرف أمّتي يوم القيامة من بين الأمم» قالوا: يا رسول الله وكيف تعرف أمّتك؟. قال: «أعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السّجود وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم» ) * «3» .
9-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا قدم مكّة أتى الحجر فاستلمه ثمّ مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا) * «4» .
10-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله وملائكته يصلّون على ميامن الصّفوف» ) * «5» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند الله على منابر من نور. عن يمين الرّحمن- عزّ وجلّ- وكلتا يديه يمين، الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا» ) * «6» .
12-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أبصر نخامة في قبلة المسجد فحكّها بحصاة ثمّ نهى أن يبزق الرّجل بين يديه أو عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) * «7» .
13-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّه بات ليلة عند ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهي خالته. فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله في طولها فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا انتصف اللّيل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلس يمسح النّوم عن وجهه بيده، ثمّ قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثمّ قام إلى شنّ معلّقة فتوضّأ منها فأحسن وضوءه ثمّ قام يصلّي. فقمت فصنعت مثل ما صنع ثمّ ذهبت فقمت إلى جنبه. فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلّى ركعتين ثمّ
__________
(1) تله: ألقاه في يده.
(2) البخاري- الفتح 5 (2451) . ومسلم (2030) واللفظ له.
(3) أحمد (5/ 199) رقم (21789) . وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وفيه ضعف وقد وثق (10/ 344) . وذكره الحافظ ابن كثير في التفسير وعزاه لابن أبي حاتم وساق سنده وليس فيه ابن لهيعة (4/ 330) . وقال مقبل بن هادي: إسناده حسن لشواهده في كتاب الشفاعة.
(4) مسلم (1218) .
(5) أبو داود (676) وهذا لفظه. وابن ماجة (1005) . وقال الحافظ: إسناده حسن (الفتح 2/ 213) .
(6) مسلم (1827) .
(7) البخاري الفتح 1 (414) . ومسلم (548) .(4/1430)
ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ ركعتين ثمّ أوتر ثمّ اضطجع حتّى أتاه المؤذّن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «1» .
14-* (عن وائل بن حجر- رضي الله عنه- قال: إنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رفع يديه حين دخل في الصّلاة. كبّر وصف همّام (حيال أذنيه) ثمّ التحف بثوبه، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى. فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثّوب. ثمّ رفعهما. ثمّ كبّر فركع.
فلمّا قال: «سمع الله لمن حمده» ، رفع يديه، فلمّا سجد سجد بين كفّيه) * «2» .
15-* (عن سلمان الفارسيّ- رضي الله عنه- قال: قال لنا المشركون: إنّي أرى صاحبكم يعلّمكم.
حتّى الخراءة «3» . فقال: أجل. إنّه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة، ونهى عن الرّوث والعظام، وقال: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» ) * «4» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحّاء «5» اللّيل والنّهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السّموات والأرض؛ فإنّه لم ينقص ما في يمينه وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض أو القبض يرفع ويخفض) * «6» .
17-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفناء بيته بمكّة جالس إذ مرّ به عثمان بن مظعون فتكشّر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تجلس» قال: بلى فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستقبله فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببصره إلى السّماء فنظر ساعة إلى السّماء فأخذ يضع بصره حتّى وضعه على يمينه في الأرض فتحرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن جليسه عثمان حيث وضع بصره وأخذ ينفض رأسه كأنّه يستفقه ما يقال له وابن مظعون ينظر فلمّا قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السّماء كما شخص أوّل مرّة فأتبعه بصره حتّى توارى في السّماء فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال: يا محمّد فيم كنت أجالسك وآتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة قال: «وما رأيتني فعلت؟» قال: رأيتك تشخص ببصرك إلى السّماء ثمّ وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرّفت إليه وتركتني فأخذت تنفض رأسك كأنّك تستفقه شيئا يقال لك. قال: «وفطنت لذاك؟» . قال عثمان: نعم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آنفا وأنت جالس» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: «نعم» . قال: فما قال لك؟ قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (183) واللفظه له. ومسلم (763) .
(2) مسلم (401) .
(3) الخراءة: اسم لهيئة الحدث، وأما نفس الحدث نفسه فبحذف التاء بالمد مع فتح الخاء وكسرها.
(4) مسلم (262) .
(5) سحاء يعني تصب صبّا، وقوله لا يغيضها لا ينقصها.
(6) البخاري- الفتح 13 (7419) .(4/1431)
عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل/ 90) قال عثمان: فذلك حين استقرّ الإيمان في قلبي وأحببت محمّدا. وفي الحديث كشّر أي ضحك حتّى ظهرت أسنانه) * «1» .
18-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد إنّا نجد أنّ الله يجعل السّماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشّجر على إصبع والماء والثّرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (الزمر/ 67) * «2» .
19-* (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- أنّها قالت: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نغسل ابنته فقال: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها واجعلن في الآخرة كافورا. فإذا فرغتنّ فآذنّني. فلمّا فرغنا آذنّاه فألقى إلينا حقوه فقال: «أشعرنها إيّاه» [الحقو: الإزار، أشعرنها: اجعلنه ممّا يلي بدنها] ) * «3» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: إمام عادل وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «4» .
21-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكّة. فنزل جبريل صلّى الله عليه وسلّم. ففرج صدري. ثمّ غسله من ماء زمزم. ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري. ثمّ أطبقه. ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء. فلمّا جئنا السّماء الدّنيا قال جبريل عليه السّلام لخازن السّماء الدّنيا:
افتح. قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم. معي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. قال:
فأرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح. قال: فلمّا علونا السّماء الدّنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة «5» ، وعن يساره أسودة. قال: فإذا نظر قبل يمينه ضحك. واذا
__________
(1) أحمد (1/ 318) رقم (2922) واللفظ له، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح 4 (331) . وقال ابن كثير في التفسير: حديث حسن (2/ 583) . والحديث ذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه شهر به حوشب وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لا يضر وبقية رجاله ثقات وعن عمرو بن العاص نحوه وقال: إسناده حسن (7/ 48، 49) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4811) .
(3) البخاري- الفتح 3 (1254) واللفظ له. ومسلم (939) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) .
(5) أسودة: جمع سواد. كقذال وأقذلة، وسنام وأسنمة، وزمان وأزمنة. وتجمع الأسودة على أساود. وقال أهل اللغة: السواد الشخص. وقيل: السواد الجماعات.(4/1432)
نظر قبل شماله بكى. قال فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح. قال قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم صلّى الله عليه وسلّم. وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه «1» . فأهل اليمين أهل الجنّة.
والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار. فإذا نظر قبل يمينه ضحك. وإذا نظر قبل شماله بكى قال ثمّ عرج بي جبريل حتّى أتى السّماء الثّانية. فقال لخازنها: افتح. قال فقال له خازنها مثل ما قال خازن السّماء الدّنيا. ففتح.
فقال أنس بن مالك: فذكر أنّه وجد في السّماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين. ولم يثبت كيف منازلهم.
غير أنّه ذكر أنّه قد وجد آدم عليه السّلام في السّماء الدّنيا، وإبراهيم في السّماء السادسة. قال فلمّا مرّ جبريل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإدريس صلوات الله عليه قال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال ثمّ مرّ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس. قال ثمّ مررت بموسى عليه السّلام. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قال قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى. قال ثمّ مررت بعيسى. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم. قال: ثمّ مررت بإبراهيم عليه السّلام. فقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح.
قال قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم.
قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم أنّ ابن عبّاس وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» ) * «2» .
قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة. قال فرجعت بذلك حتّى أمرّ بموسى» فقال موسى عليه السّلام: ماذا فرض ربّك على أمّتك؟ قال قلت:
«فرض عليهم خمسين صلاة» . قال لي موسى عليه السّلام: فراجع ربّك. فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال:
«فراجعت ربّي فوضع شطرها» . قال: «فرجعت إلى موسى عليه السّلام فأخبرته» . قال: راجع ربّك؛ فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك. قال: «فراجعت ربّي» . فقال: هي خمس وهي خمسون. لا يبدّل القول لديّ. قال:
«فرجعت إلى موسى» . فقال: راجع ربّك. فقلت: «قد استحييت من ربّي» . قال: «ثمّ انطلق بي جبريل حتّى نأتي سدرة المنتهى. فغشيها ألوان لا أدري ما هي» .
قال: «ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها جنابذ «3» اللّؤلؤ، وإذا ترابها المسك» ) * «4» .
22-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: كنّا إذا صلّينا خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه فسمعته
__________
(1) نسم بنيه: الواحدة نسمة. قال الخطابي وغيره: هي نفس الإنسان. والمراد أرواح بني آدم.
(2) صريف الأقلام: تصويتها حال الكتابة. قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ.
(3) جنابذ: هي القباب. واحدتها جنبذة.
(4) البخاري- الفتح 1 (349) . ومسلم (163) واللفظ له.(4/1433)
يقول: «ربّ قني عذابك يوم تبعث (أو تجمع) عبادك» ) * «1» .
23-* (عن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنهما- قال: كنت في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت يدي تطيش في الصّحفة فقال لي: «يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكلّ ممّا يليك» ) * «2» .
24-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمسكنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسّح من الخلاء بيمينه. ولا يتنفّس في الإناء» ) *» .
25-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قول الله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ «4» قال: «يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعا. ويبيّض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ. فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهمّ ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا. حتّى يأتيهم فيقول: أبشروا لكلّ رجل منكم مثل هذا. قال: وأمّا الكافر فيسوّد وجهه ويمدّ له في جسمه ستّون ذراعا على صورة آدم فيلبس تاجا فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شرّ هذا، اللهمّ لاتأتنا بهذا قال: فيأتيهم فيقولون: اللهمّ أخّره فيقول: أبعدكم الله؛ فإنّ لكلّ رجل منكم مثل هذا» ) * «5» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السّماء بيمينه ثمّ يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض» ) * «6» .
__________
(1) مسلم (709) .
(2) مسلم (2022) .
(3) البخاري- الفتح 1 (153) . ومسلم (267) واللفظ له.
(4) سورة الإسراء- الآية: 71.
(5) الترمذي (3136) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث حسن غريب. والحاكم (2/ 243) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6) البخاري- الفتح 8 (4812) . ومسلم (2787) واللفظ له.(4/1434)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التيمن)
27-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة وأنا ابن عشر. ومات وأنا ابن عشرين وكنّ أمّهاتي يحثثنني على خدمته. فدخل علينا دارنا فحلبنا له من شاة داجن وشيب له من بئر في الدّار. فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له عمر وأبو بكر عن شماله: يا رسول الله أعط أبا بكر أعط أبا بكر فأعطاه أعرابيّا عن يمينه وقال رسول الله: «الأيمن فالأيمن» ) * «1» .
28-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اشتكى منّا إنسان مسحه بيمينه ثمّ قال: «أذهب البأس ربّ النّاس.
واشف أنت الشّافي لا شفاء إلّا شفاؤك. شفاء لا يغادر سقما» . فلمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع. فانتزع يده من يدي.
ثمّ قال: «اللهمّ اغفر لي واجعلني مع الرّفيق الأعلى» .
قالت: فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى) * «2» .
29-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصبّ عليها من الماء فغسلها. ثمّ صبّ الماء على الأذى الّذي به بيمينه وغسل عنه بشماله. حتّى إذا فرغ من ذلك صبّ على رأسه» ) * «3» .
30-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتختّم في يمينه) * «4» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: «إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليحبّ التّيمّن في طهوره إذا تطهّر وفي ترجّله «5» إذا ترجّل، وفي انتعاله إذا انتعل» ) * «6» .
وفي رواية البخاري: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعجبه التّيمّن في تنعّله وترّجله وطهوره في شأنه كلّه» «7» .
32-* (عن عائشة- رضي الله عنها- كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحبّ التّيمّن ما استطاع في شأنه كلّه في طهوره وترجلّه وتنعّله) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2571) . ومسلم (2029) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 10 (5743) . ومسلم (2191) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 1 (258) . ومسلم (321) .
(4) النسائي (8/ 175) وقال الألباني: صحيح (3/ 1059) رقم (4803) . وأبو داود (4226) وهذا لفظه، وقال المنذري: رواه النسائي والترمذي وخرجه ابن ماجة من حديث عبد الله بن جعفر (3647) . والترمذي (1744) وقال: قال محمد بن إسماعيل: هذا أصح شيء روي في هذا الباب.
(5) الترجل: المراد به تمشيط شعر الرأس.
(6) البخاري- الفتح 9 (5380) . ومسلم (268) واللفظ له.
(7) قال الحافظ بن حجر «في شأنه كله» كذا للأكثر من الرواة بغير واو وفى رواية أبي الوقت بإثبات الواو. انظر الفتح (1/ 324) .
(8) الفتح (1/ 426) .(4/1435)
من الآثار الواردة في (التيمن)
1-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«من السّنّة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» ) * «1» .
2-* (كان ابن عمر- رضي الله عنهما- يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى «2» (أي في دخول المسجد وغيره) *.
3-* (أخبر حمران مولى عثمان أنّ عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- دعا بوضوء فتوضّأ فغسل كفّيه ثلاث مرّات ثمّ مضمض واستنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرّات ثمّ غسل يده اليسرى مثل ذلك ثمّ مسح رأسه ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرّات، ثمّ غسل اليسرى مثل ذلك، ثمّ قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توضّأ نحو وضوئي هذا ... إلى آخر الحديث) * «3» .
من فوائد (التيمن)
(1) من أدلّة كمال الإيمان وحسن الإذعان.
(2) فيه القوّة والبركة.
(3) من حسن الاتّباع.
(4) التّيمّن في كلّ الأمور المعظّمة من شعائر الإسلام.
(5) مخالفة أهل الشّرك، إذ إنّ شعارهم استعمال الشّمال. وكذا مخالفة الشّيطان.
(6) فيه مرضاة الرّبّ ومحبّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
(7) من السّنّة عند دخول المسجد البدء بالرّجل اليمنى وعند الخروج أن يبدأ بالرّجل اليسرى.
(8) التّيمّن من لوازم كمال الوضوء سواء في غسل اليدين أو الرّجلين.
(9) يستحبّ البدء بالرّجل اليمنى في التّنعّل والبدء في الغسل بالشّقّ الأيمن.
(10) استحباب الصّلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد.
(11) في الأكل والشّرب ينبغي تناول الطّعام والشّراب باليد اليمنى.
(12) إذا وزّع طعام أو شراب فمن السّنّة أن يعطي الإنسان من يجلس عن يمينه حتّى ولو كان الجالس على يساره أعلى منزلة (انظر الحديث 27) .
__________
(1) فتح الباري (1/ 623) وعزاه للحاكم.
(2) فتح البارى (1/ 623) .
(3) مسلم بشرح النووي (3/ 105 وما بعدها) .(4/1436)
[حرف الثاء]
الثبات
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
13/ 25/ 4
الثبات لغة:
مصدر ثبت، وهو مأخوذ من مادّة (ث ب ت) الّتي تدلّ على دوام الشّيء يقال ثبت ثباتا وثبوتا (أي دام واستقرّ) فهو ثابت ويقال رجل ثبت وثبيت أي متثبّت في الأمور، وقال الرّاغب: الثّبات ضدّ الزّوال ومنه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (الأنفال/ 45) ويقال ذلك للموجود (الثّابت) بالبصر أو البصيرة فيقال: فلان ثابت عندي، ونبوّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ثابتة، والإثبات والتّثبيت يقالان تارة بالفعل لما يخرج من العدم إلى الوجود نحو أثبت الله كذا، وتارة لما يثبت بالحكم نحو أثبت الحاكم على فلان كذا. وثبّته وتارة لما يكون بالقول مثل أثبت التّوحيد وصدق النّبوّة، وقول الله تعالى لِيُثْبِتُوكَ أي ليثبّطوك ويحيّروك، وقال الجوهريّ معناه ليجرحوك جراحة لا تقوم معها، ويقال تثبّت الرّجل في الأمر، واستثبت بمعنى (واحد) هو التّأنّي وعدم العجلة.
ورجل ثبت أي ثابت القلب، قال الشّاعر:
ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر
ويقال أيضا فلان ثبت الغدر إذا كان لا يزلّ لسانه عند الخصومات، أمّا قولهم رجل ثبت فمعناه أنّه متثبّت في الأمور، ويقال رجل ثبت الجنان أي ثابت القلب، ورجل له ثبت عند الحملة أي ثبات، وتقول أيضا لا أحكم بكذا إلّا بثبت أي بحجّة، ويطلق الثّبت كذلك على الرّجل إذا كان عدلا ضابطا والجمع منه أثبات، والثّبت: الثّابت العقل، تقول منه: ثبت (بالضّمّ) أي صار ثبيتا «1» .
الثبات اصطلاحا:
الثّبات هو عدم احتمال الزّوال بتشكيك المشكّك، والثّابت هو الموجود الّذي لا يزول بتشكيك المشكّك، والإثبات عند القرّاء ضدّ الحذف «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: جهاد الأعداء- الرجولة- الصدق- العزم والعزيمة- علو الهمة- النظام- قوة الإرادة- القوة- اليقين- الصبر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التولي- التخلف عن الجهاد- الضعف- صغر الهمة- الوهن] .
__________
(1) انظر مقاييس اللغة (1/ 399) ، والمفردات للراغب (78) بإيجاز وتصرف يسير، والصحاح (1/ 245) ، ولسان العرب (467) وما بعدها.
(2) كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 264) .(4/1437)
الآيات الواردة في «الثبات»
1- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251) «1»
2- وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «2»
3- وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) «3»
4- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)
__________
(1) البقرة: 248- 251 مدنية
(2) البقرة: 265 مدنية
(3) آل عمران: 146- 148 مدنية(4/1438)
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) «1»
5- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (14) «2»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) «3»
7- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) «4»
8- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «5»
__________
(1) النساء: 65- 68 مدنية
(2) الأنفال: 9- 14 مدنية
(3) الأنفال: 45- 47 مدنية
(4) هود: 120 مكية
(5) إبراهيم: 24- 27 مكية(4/1439)
9- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) «1»
10- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) «2»
11- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) «3»
12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) «4»
الآيات الواردة في «الثبات» معنى
13- الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «5»
__________
(1) النحل: 101- 103 مكية
(2) الإسراء: 73- 75 مكية
(3) الفرقان: 32- 33 مكية
(4) محمد: 7 مدنية
(5) آل عمران: 173 مدنية(4/1440)
الأحاديث الواردة في (الثبات)
1-* (عن هاني مولى عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه فقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التّثبيت فإنّه الآن يسأل» ) * «1» .
2-* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في صلاته:
«اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم» ) * «2» .
3-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، إنّك تبعثني إلى قوم هم أسنّ منّي لأقضي بينهم. قال: «اذهب فإنّ الله تعالى سيثبّت لسانك ويهدي قلبك» ) *» .
4-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- أنّه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا تريحني من ذي الخلصة» - وكان بيتا في خثعم يسمّى كعبة اليمانية- قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل، قال: وكنت لا أثبت على الخيل فضرب في صدري وقال: «اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا» فانطلق إليها فكسّرها وحرّقها، ثمّ بعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبره، فقال رسول جرير: والّذي بعثك بالحقّ ما جئتك حتّى تركتها كأنّها جمل أجوف أو أجرب قال: «فبارك في أحمس ورجالها خمس مرّات» ) * «4» .
5-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكرلي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر هداي إليّ، وانصرني على من بغى عليّ، اللهمّ اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مطواعا، إليك مخبتا، أو منيبا، ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي. وأجب دعوتي، وثبّت حجّتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، واسلل سخيمة قلبي» ) * «5» .
6-* (عن النّوّاس بن سمعان الكلابيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما
__________
(1) أبو داود (3221) وهذا لفظه. وقال الألباني (2/ 620) : صحيح.
(2) النسائي (3/ 54) وهذا لفظه. والترمذي (3407) . وأحمد- المسند 4/ 125، وللحديث طريق أخرى رواها الطبراني (7135) رجالها ثقات سوى محمد بن يزيد الذي وثقه ابن حبان، وذكره الهيثمي عن البراء بن عازب، مجمع الزوائد 10/ 173، والحديث بذلك له طرق عديدة يتقوّى بها.
(3) أبو داود (3582) . أحمد (1/ 88) واللفظ له. وقال شاكر (2/ 73) : إسناده صحيح برقم (666) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3020) واللفظ له. ومسلم (2476) .
(5) أبو داود (1510) وهذا لفظه. والترمذي (3551) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3830) . وأحمد (1/ 227) ، وقال شاكر: إسناده صحيح، ونقل عن شارح الترمذي عزوه إلى النسائي وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة وعزاه إلى البخاري في الأدب المفرد كذلك. انظر نسخة شاكر (3/ 310) حديث (1997) .(4/1441)
من قلب إلّا بين إصبعين من أصابع الرّحمن. إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك» قال: «والميزان بيد الرّحمن يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة» ) * «1» .
7-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التّراب بياض بطنه وهو يقول:
«لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا. فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا. إنّ الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا» ) * «2» .
8-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعشر كلمات. قال: «لا تشرك بالله شيئا، وإن قتلت وحرّقت. ولا تعقّنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك. ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا فقد برئت منه ذمّة الله. ولا تشربنّ خمرا فإنّه رأس كلّ فاحشة. وإيّاك والمعصية؛ فإنّ بالمعصية حلّ سخط الله عزّ وجلّ- وإيّاك والفرار من الزّحف وإن هلك النّاس وإذا أصاب النّاس موتان «3» وأنت فيهم فاثبت. وأنفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله» ) * «4» .
9-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» قال:
«نزلت في عذاب القبر يقال له: من ربّك؟ فيقول:
ربّي الله وديني دين محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فذلك قوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ «5» » ) * «6» .
10-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ ينتظر حتّى إذا مالت الشّمس قام فيهم فقال: «يا أيّها النّاس لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف» . ثمّ قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» ) * «7» .
ولفظه عند الدّارميّ من حديث ابن عمرو: «لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله فإن اجلبوا وضجّوا فعليكم بالصّمت» ) * «8» .
__________
(1) ابن ماجه (199) وقال في الزوائد: إسناده صحيح.
(2) البخاري- الفتح 6 (2837) وهذا لفظه. ومسلم (1803) .
(3) الموت، والموتان- محركة- ضد الحياة.
(4) أحمد (5/ 238) وابن ماجه 4034، قال البوصيري: إسناده حسن، والبخاري في الأدب المفرد 18 عن أبي الدرداء، انظر: فضل الصمد 1/ 77، ومن ثمّ يكون الحديث حسنا بطرقه وشواهده.
(5) إبراهيم: 27.
(6) النسائي (3/ 101- 102) وقال الألباني: صحيح (2/ 442) . وابن ماجه (4269) وهذا لفظه.
(7) البخاري- الفتح 6 (2818) . ومسلم (1742) واللفظ له.
(8) الدارمي (2/ 285) . وأصل الحديث عند البخاري رقم (1369) ومسلم رقم (2871) . وانظر جامع الأصول (2/ 203- 204) .(4/1442)
الأحاديث الواردة في (الثبات) معنى
11-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّها ستكون بعدي أثرة «1» وأمور تنكرونها» . قالوا: يا رسول الله! كيف تأمر من أدرك منّا ذلك؟ قال: «تؤدّون الحقّ الّذي عليكم. وتسألون الله الّذي لكم) » * «2» .
12-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) * «3» .
13-* (عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة.
قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة. والنّاس مجتمعون عليه. فأتيتهم. فجلست إليه. فقال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فنزلنا منزلا. فمنّا من يصلح خباءه. ومنّا من ينتضل «4» ، ومنّا من هو في جشره «5» . إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة «6» . فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها. وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. وتجيء فتن فيرقّق بعضها بعضا. وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي. ثمّ تنكشف.
وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة، فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر. وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» . فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله! آنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه. وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي.
فقلت له: هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل. ونقتل أنفسنا. والله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء/ 29) . قال فسكت ساعة ثمّ قال: أطعه في طاعة الله. واعصه في معصية الله) * «7» .
__________
(1) المراد بالأثرة: استئثار الأمراء بأموال بيت المال.
(2) مسلم (1843) .
(3) الترمذي (2174) وهذا لفظه، وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (1344) . وذكره المنذري في المختصر وأشار إلى تحسين الترمذي (6/ 191) . وابن ماجه (4011) . وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 806) حديث (491) .
(4) ينتضل: يرامي بالنشاب.
(5) الجشر: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم (النهاية 1/ 273) .
(6) الصلاة جامعة: نصب الصلاة على الإغراء ونصب جامعة على الحال.
(7) مسلم (1844) .(4/1443)
14-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السّمع والطّاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكارهنا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالعدل أين كنّا لا نخاف في الله لومة لائم) * «1» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى الله عليه وسلّم حين قالوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران/ 173)) * «2» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يدعو على
المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه؛ يعني قوله) * «3» .
17-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل.
فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك:
فحدّث ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من قولهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبّة من أدم. فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «ما حديث بلغني عنكم» .
فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا، وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم. قالوا:
يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟
فو الله لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به» . فقالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة «4» ، فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله فإنّي على الحوض» قالوا: سنصبر) * «5» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمّ يطّلع عليهم ربّ العالمين، فيقول:
ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدونه، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره،
__________
(1) البخاري- الفتح (7199) و (7200) ومسلم (709) والنسائي (7/ 137 و138 و139) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 8 (4563) .
(3) البخاري- الفتح 7 (3952) .
(4) أثرة شديدة: فيها لغتان ضم الهمزة وإسكان الثاء وأصحهما وأشهرهما بفتحهما جميعا والأثرة الاستئثار بالمشترك، أي يستأثر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق.
(5) البخاري- الفتح 6 (3147) . ومسلم (1059) . واللفظ له.(4/1444)
ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطّلع عليهم ربّ العالمين، فيقول:
ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا. هذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا، وهو يأمرهم ويثبّتهم» ، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال:
«وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك السّاعة. ثمّ يتوارى ثمّ يطّلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول:
أنا ربّكم فاتّبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب، وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال هل امتلأت؟ فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حتّى إذا أوعبوا فيها «1» وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال: قط، قالت:
قط قط، فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار. قال: أتي بالموت ملبيا «2» ، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار، فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون (هؤلاء وهؤلاء) : قد عرفناه، هو الموت الّذي وكلّ بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «3» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا.
قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربّه
__________
(1) أوعبوا فيها: أي لم يدعوا منهم أحدا، وأوعب الشيء في الشيء: أدخله فيه. والمعنى: حتى إذا دخلوها ولم يتخلف منهم أحد.
(2) ملبيا: أي على هيئة حيوان أخذ بتلابيبه.
(3) البخاري- الفتح (3340) و (3361) و (4712) ومسلم (194) والترمذي (2557) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (3682- 369) .(4/1445)
في داره ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره.
ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن فيتقصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم، فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربّه في داره، وإنّه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصّلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته، فإن أحبّ أن يقتصر على أن يعبد ربّه في داره فعل، وإن أبى إلّا أن يعلن ذلك فسله أن يردّ إليك ذمّتك، فإنّا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرّين الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنة أبا بكر، فقال: قد علمت الّذي عقدت لك عليه، فإمّا تقتصر على ذلك، وإمّا أن تردّ إليّ ذمّتي، فإنّي لا أحبّ أن تسمع العرب أنّي أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإنّي أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله- ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يؤمئذ بمكّة- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة. وتجهّز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» . قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر أربعة أشهر) * «1» .
20-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ فاطمة- رضي الله عنها- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممّ أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم تطلب صدقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّتي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة.
إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال- يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل. وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّتي كانت عليها في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فتشهّد عليّ، ثمّ قال: «إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك» ، وذكر قرابتهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحقّهم فتكلّم أبو بكر فقال: «والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي» ) * «2» .
21-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه:
«عمّي الّذي سمّيت به لم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا. قال: فشقّ عليه. قال: أوّل مشهد شهده رسول الله غيّبت عنه. وإن أراني الله مشهدا، فيما بعد، مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد.
قال فاستقبله سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمرو! أين؟ فقال: واها «3» لريح الجنّة. أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتّى قتل. قال: فوجد في جسده
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (2297) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3711- 3712) .
(3) واها: كلمة تحنن وتلهف.(4/1446)
بضع وثمانون. من بين ضربة وطعنة ورمية. قال فقالت أخته، عمّتي الرّبيع بنت النّضر: فما عرفت أخي إلّا ببنانه. ونزلت هذه الآية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ 23) قال: فكانوا يرون أنّها نزلت فيه وفي أصحابه) * «1» .
22-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني ثمّ قال: «يا حكيم، إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع. اليد العليا خير من اليد السّفلى» . قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والّذي بعثك بالحقّ لا أرزا «2» أحدا بعدك شيئا حتّى أفارق الدّنيا. فكان أبو بكر- رضي الله عنه- يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه. ثمّ إنّ عمر- رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا. فقال عمر: إنّي أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من النّاس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى توفّي) * «3» .
23-* (عن جندب بن مكيث الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غالب بن عبد الله الكلبيّ (كلب ليث) ، إلى بني ملوّح بالكديد، وأمره أن يغير عليهم، فخرج فكنت في سريّته فمضينا حتّى إذا كنّا بقديد لقينا به الحارث بن مالك، وهو ابن البرصاء اللّيثيّ، فأخذناه فقال إنّما جئت لأسلم، فقال غالب ابن عبد الله: إن كنت إنّما جئت مسلما فلن يضرّك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك، قال: فأوثقه رباطا ثمّ خلّف عليه رجلا أسود كان معنا، فقال: امكث معه حتّى نمرّ عليك، فإن نازعك فاجتزّ رأسه، قال: ثمّ مضينا حتّى أتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية بعد العصر، فبعثني أصحابي في ربيئة، فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر، فانبطحت عليه وذلك المغرب فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحا على التّلّ، فقال لامرأته: والله إنّي لأرى على هذا التّلّ سوادا ما رأيته أوّل النّهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترّت بعض أوعيتك، قال: فنظرت، فقالت: لا والله ما أفقد شيئا قال: فناوليني قوسي وسهمين من كنانتي، قال: فناولته فرماني بسهم فوضعه في جنبي، قال: فنزعته فوضعته ولم أتحرّك، ثمّ رماني بآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرّك. فقال لامرأته: والله لقد خالطه سهماي، ولو كان دابّة لتحرّك، فإذا أصبحت فابتغي سهميّ فخذيهما لا تمضغهما علىّ الكلاب، قال: وأمهلناهم حتّى راحت رائحتهم، حتّى إذا احتلبوا وعطّنوا، أو سكنوا وذهبت عتمة من اللّيل، شننّا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2805) . ومسلم (1903) واللفظ له.
(2) لا أرزأ- بفتح الهمزة وفتح الزاي- أي لا أنقص ماله بالطلب منه.
(3) البخاري- الفتح 3 (1472) .(4/1447)
منهم واستقنا النّعم، فتوجّهنا قافلين وخرج صريخ القوم إلى قومهم مغوثا، وخرجنا سراعا حتّى نمرّ بالحارث بن البرصاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا وأتانا صريخ النّاس، فجاءنا ما لا قبل لنا به حتّى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلّا بطن الوادي، أقبل سيل حال بيننا وبينهم، بعثه الله تعالى من حيث شاء، ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا حالا، فجاء بما لا يقدر أحد أن يقوم عليه، فلقد رأيناهم وقوفا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يتقدّم، ونحن نحوزها سراعا، حتّى أسندناها في المشلّل ثمّ حدرناها عنّا، فأعجزنا القوم بما في أيدينا» ) *» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الثبات)
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عمل عملا أثبته «2» .
وكان إذا نام من اللّيل أو مرض صلّى من النّهار ثنتي عشرة ركعة. قالت: وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام ليلة حتّى الصّباح وما صام شهرا متتابعا إلّا رمضان) * «3» .
25-* (عن أبي إسحاق أنّه قال: قال رجل للبراء، يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكنّه خرج شبّان أصحابه وأخفّاؤهم حسّرا ليس عليهم سلاح، أو كبير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن وبني نصر، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يقود به فنزل فاستنصر وقال:
أنا النّبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب
ثمّ صفّهم) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الثبات)
1-* (عن خبّاب بن الأرتّ- رضي الله عنه- قال: كان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتّى تكفر بمحمّد قال: فقلت له: «إنّي لن أكفر بمحمّد حتّى تموت ثمّ تبعث» . قال: وإنّي لمبعوث من بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. فنزلت هذه الآية:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (مريم/ 77)) * «5» .
2-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه:
«لو أنّ رجلا أدرك السّلف الأوّل ثمّ بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا» ، قال: ووضع يده على خدّه ثمّ قال: «إلّا هذه الصّلاة» ثمّ قال: «أمّا والله على
__________
(1) أحمد (3/ 467- 468) وهو في الطبراني الكبير (2/ 178) / 1726، وطرفه عند أبي داود (3/ 56) / (2678) ، وقال في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات (6/ 22) .
(2) أثبته: أي جعله ثابتا غير متروك.
(3) مسلم (746) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4315) ، ومسلم (1776) واللفظ له.
(5) مسلم (2795) . وأحمد (5/ 111) ، الترمذي (3162) .(4/1448)
ذلك لمن عاش في النّكر ولم يدرك ذلك السّلف الصّالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه، فعصمه الله من ذلك، وجعل قلبه يحنّ إلى ذلك السّلف الصّالح، يسأل عن سبلهم، ويقتصّ آثارهم، ويتّبع سبيلهم، ليعوّض أجرا عظيما، وكذلك فكونوا إن شاء الله» ) * «1» .
3-* (قال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى:
السّنّة- والّذي لا إله إلّا هو- بين الغالي والجافي.
فاصبروا عليها رحمكم الله، فإنّ أهل السّنّة كانوا أقلّ النّاس فيما مضى، وهم أقلّ النّاس فيما بقي: الّذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنّتهم حتّى لقوا ربّهم فكذلك إن شاء الله فكونوا) * «2» .
4-* (قال القرطبيّ- رحمه الله- في تفسيره:
«وقيل معنى يُثَبِّتُ اللَّهُ يديمهم الله على القول الثّابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
يثبّت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالّذي نصرا
وقيل: يثبّتهم في الدّارين جزاء لهم على القول الثّابت» ) * «3» .
من فوائد (الثبات)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن التّوكّل على الله- عزّ وجلّ-.
(2) دليل قوّة النّفس ورباطة الجأش.
(3) لا ينتشر الحقّ إلّا به ولا يزهق الباطل إلّا بالثّبات على الحقّ.
(4) دليل على تمكّن حبّ العقيدة والصّبر عليها وعلى تكاليفها حتّى الممات.
(5) يكسب المسلم قوّة في الجهاد.
(6) الثّبات من السّبل الهادية إلى الجنّة.
(7) في الثّبات تأسّ بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) الاعتصام (1/ 26) من مقدمة الشيخ محمد رشيد رضا.
(2) إغاثة اللهفان (1/ 70) .
(3) تفسير القرطبي (9/ 238) .(4/1449)
الثناء
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
129/ 32/ 5
الثناء لغة:
هو الاسم من قولهم: أثنى على فلان، والمصدر إثناء، يقال أثنى على فلان خيرا، قال الرّاغب: والثّناء ما يذكر في محامد النّاس فيثنى حالا فحالا ذكره، وقال ابن منظور: الثّناء: تعمّدك لتثني على إنسان بحسن أو قبيح، وقد طار ثناء فلان أي ذهب في النّاس، والفعل أثنى، يقال: أثنى فلان على الله ثمّ على المخلوقين يثني إثناء أو ثناء، يستعمل في القبيح من الذّكر وضدّه (أي والحسن منه) ، قال ابن الأعرابيّ: يقال: أثنى إذا قال خيرا أو شرّا.
وسمّيت سور القرآن مثاني؛ لأنّها تثنى على مرور الأوقات وتكرّر فلا تدرس «1» ولا تنقطع دروس سائر الأشياء الّتي تضمحلّ وتبطل على مرور الأيّام. ويصحّ أن يكون ذلك من الثّناء تنبيها على أنّه أبدا يظهر منه ما يدعو إلى الثّناء على الله وعلى من يتلوه ويعلّمه ويعمل به، وقال ابن منظور في قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي (الحجر/ 87) : يجوز أن يكون- والله أعلم- من المثاني أي ممّا أثني به على الله تبارك وتقدّس؛ لأنّ فيها (أي في آي سورة الفاتحة) حمد الله وتوحيده، وذكر ملكه يوم الدّين، والمعنى ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات الّتي يثنى بها على الله، وآتيناك القرآن العظيم «2» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الثّناء للشّيء: فعل ما يشعر بتعظيمه «3» .
وقال الكفويّ: هو الكلام الجميل. وقيل: هو الذّكر بالخير، وقيل: هو الإتيان بما يشعر بالتّعظيم مطلقا، سواء كان باللّسان أو بالجنان أو بالأركان، وسواء كان في مقابلة شيء أو لا «4» .
الفرق بين الثناء والحمد والشكر:
الحمد هو الثّناء باللّسان على الجميل الاختياريّ، نعمة كان أو غيرها يقال: حمدت الرّجل على إنعامه وحمدته على شجاعته، وأمّا الشّكر، فعلى النّعمة خاصّة، ويكون بالقلب واللّسان والجوارح، قال الشّاعر:
أفادتكم النّعماء منّي ثلاثة ... يدي ولساني والضّمير المحجّبا
وعلى هذا فبين الحمد والشّكر عموم
__________
(1) تدرس: أي تبلى وتفنى.
(2) الصحاح (6/ 2296) . لسان العرب (1/ 517) . ومفردات الراغب (ص 82) . والمصباح المنير (85- 86) .
(3) التعريفات للجرجاني (72) .
(4) الكليات للكفوي (2/ 124) .(4/1450)
وخصوص من وجه، يجتمعان في الثّناء باللّسان على النّعمة، وينفرد الحمد في الثّناء باللّسان على النّعمة، وعلى ما ليس بنعمة من الجميل الإختياريّ، وينفرد الشّكر بالثّناء بالقلب والجوارح على خصوص النّعمة فالحمد أعمّ متعلّقا وأخصّ آلة، والشّكر بالعكس «1» .
الفرق بين الحمد والمدح:
قال ابن القيّم- رحمه الله- إنّ الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وتعظيمه، فلابدّ فيه من اقتران الإرادة بالخير، بخلاف المدح فإنّه إخبار مجرّد «2» .
بيد أنّ الثّناء لا يكون إلّا قوليّا بخلاف نظيريه فإنّهما يكونان بالقول والفعل، وقيل: الحمد لله ثناء على الله بأسمائه وصفاته الحسنى، والشّكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه «3» . وقيل: الحمد في كلام العرب هو الثّناء الكامل، وهو نقيض الذّمّ، وهو أعمّ من الشّكر «4» . قلت: والثّناء أعمّ منهما إذا كانا باللّسان، وكلّ حامد لربّه بلسانه أو شاكر له فهو مثن عليه بما هو أهله، وقد سوّى بعض العلماء بين الثّناء والحمد فيما يتعلّق بكونهما من فعل اللّسان، بخلاف الشّكر الّذي قد يكون باللّسان وبالجوارح وبالقلب «5» قال القرطبيّ: الصّحيح أنّ الحمد ثناء على الممدوح «6» بصفاته من غير سبق إحسان، والشّكر ثناء على المشكور بما أولاه من إحسان، وقد أثنى الله عزّ وجلّ بالحمد على نفسه، وافتتح به كتابه «7» .
الثّناء على الله- عزّ وجلّ- في القرآن الكريم:
لقد تضمّن القرآن الكريم آيات عديدة تتضمّن ثناء على المولى عزّ وجلّ، وإذا كان من الثّناء ما يشعر بتعظيم من يثنى عليه فإنّ حمد الله عزّ وجلّ وتسبيحه وتكبيره تدخل كلّها في باب الثّناء وسوف نكتفي هنا بما ورد فيه ثناء مباشر على المولى عزّ وجلّ أو ثناء منه سبحانه على من رضي من خلقه أمّا الآيات الخاصّة بالحمد والشّكر والتّسبيح والتّهليل ونحوها ممّا يتضمّن الثّناء عليه سبحانه فقد ذكرت في الصّفات المعقودة لها ممّا أغنى عن إعادتها هنا «8» .
[للاستزادة: انظر صفات: الحمد- الذكر- الشكر- الكلم الطيب- الاعتراف بالفضل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الهجاء- نكران الجميل- الإعراض- التفريط والإفراط- الكبر والعجب] .
__________
(1) مقدمة الواسطية للشيخ خليل هراس (50- 51) .
(2) بدائع الفوائد (2/ 93) .
(3) تفسير الطبري 1/ 46.
(4) تفسير القرطبي 1/ 132.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) بين المدح والحمد فرق يتمثل في أن المدح يكون قبل الإحسان وبعده، أما الحمد فلا يكون إلا بعد الإحسان، ومن ناحية أخرى فإن المدح قد ينهى عنه، قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ (النجم/ 32) ، أما الحمد فمأمور به، انظر ص 4 من «الحمد في القرآن الكريم» للشيخ محمد خليفة.
(7) مقصود القرطبي بذلك افتتاح سورة الفاتحة بالآية الكريمة «الحمد لله رب العالمين» .
(8) انظر الآيات الكريمة الواردة في صفات: الحمد، الشكر، التسبيح، التهليل.(4/1451)
الآيات الواردة في «الثناء» معنى*
أولا: الثناء على الله- عز وجل-:
1- صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) «1»
2- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «2»
3- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) «3»
4- وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «5»
6- وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) «6»
7- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) «7»
8- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) «8»
9- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ
__________
* لم نستقصي آيات الثناء وإنما أوردنا مختارات منها.
(1) البقرة: 138 مدنية
(2) البقرة: 165 مدنية
(3) آل عمران: 26- 27 مدنية
(4) آل عمران: 54 مدنية
(5) آل عمران: 149- 150 مدنية
(6) النساء: 6 مدنية
(7) النساء: 45 مدنية
(8) النساء: 69- 70 مدنية(4/1452)
قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (79) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) «1»
10- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «2»
11- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «3»
12- وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) »
13-* إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) «5»
14- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ
__________
(1) النساء: 78- 81 مدنية
(2) النساء: 86- 87 مدنية
(3) النساء: 122 مدنية
(4) النساء: 131- 132 مدنية
(5) النساء: 163- 166 مدنية(4/1453)
يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «1»
15- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) «2»
16- قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) * وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ
(65) «3»
17- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) «4»
18- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «5»
__________
(1) النساء: 171 مدنية
(2) المائدة: 49- 50 مدنية
(3) الأنعام: 57- 65 مكية
(4) الأعراف: 54 مكية
(5) الأنفال: 30 مدنية(4/1454)
19- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) «1»
20- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (21) «2»
21- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109) «3»
22- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (107) «4»
23- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43) «5»
24- وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) «6»
25- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) «7»
26- قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «8»
27- وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)
__________
(1) الأنفال: 39- 40 مدنية
(2) يونس: 21 مكية
(3) يونس: 107- 109 مكية
(4) هود: 106- 107 مكية
(5) الرعد: 41- 43 مدنية
(6) الإسراء: 17 مكية
(7) الإسراء: 65 مكية
(8) الإسراء: 96 مكية(4/1455)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) «1» .
28- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «2»
29- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) «3»
30- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «4»
31- وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) «5»
32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
(78) «6»
33- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) «7»
34- فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
__________
(1) الكهف: 23- 27 مكية
(2) مريم: 64- 65 مكية
(3) الأنبياء: 22- 23 مكية
(4) الأنبياء: 47 مكية
(5) الحج: 58- 59 مدنية
(6) الحج: 77- 78 مدنية
(7) المؤمنون: 12- 14 مكية(4/1456)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) «1»
35- أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) «2»
36- وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) «3»
37-* اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) «4»
38- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) «5»
39- تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) «6»
40- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «7»
41- قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «8»
42- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) «9»
43- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ
__________
(1) المؤمنون: 28- 29 مكية
(2) المؤمنون: 72 مكية
(3) المؤمنون: 118 مكية
(4) النور: 35 مدنية
(5) الفرقان: 1- 2 مكية
(6) الفرقان: 10 مكية
(7) الفرقان: 58- 62 مكية
(8) العنكبوت: 52 مكية
(9) سبأ: 39 مكية(4/1457)
وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) «1»
44- الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) »
45- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) «3»
46- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) «4»
47- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) «5»
48- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) «6»
49- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «7»
50- أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
__________
(1) الشورى: 9- 12 مكية
(2) يس: 80- 83 مكية
(3) الصافات: 75- 80 مكية
(4) الصافات: 158- 159 مكية
(5) غافر: 13- 16 مكية
(6) الأحزاب: 1- 3 مدنية
(7) الأحزاب: 38- 39 مدنية(4/1458)
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) «1»
51- وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) «2»
52- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) «3»
53- لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) «4»
54- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) «5»
55- كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) «6»
56- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) «7»
57- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) «8»
58- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «9»
__________
(1) الشورى: 9- 12 مكية
(2) الزخرف: 84- 86 مكية
(3) الأحقاف: 8 مكية
(4) الفتح: 27- 28 مدنية
(5) الذاريات: 47- 51 مكية
(6) القمر: 42 مكية
(7) الرحمن: 26- 27 مدنية
(8) الرحمن: 78 مدنية
(9) الحشر: 22- 24 مدنية(4/1459)
59- وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «1»
60- تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ
(3) «2»
61- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) «3»
62- أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (21) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (23) «4»
63- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (16) «5»
64- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) «6»
65- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8) «7»
66- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «8»
__________
(1) الجمعة: 11 مدنية
(2) الملك: 1- 3 مكية
(3) الجن: 20- 23 مكية
(4) المرسلات: 20- 23 مكية
(5) البروج: 12- 16 مكية
(6) الأعلى: 1- 5 مكية
(7) التين: 4- 8 مكية
(8) العلق: 1- 5 مكية(4/1460)
ثانيا: ثناء الملائكة على الله- عزّ وجل-:
67- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) «1»
68- وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «2»
69- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «3»
ثالثا: ثناء الأنبياء على الله- عز وجل-:
70- وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «4»
71- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115)
__________
(1) البقرة: 30- 33 مدنية
(2) الزمر: 75 مكية
(3) غافر: 7 مكية
(4) البقرة: 127- 129 مدنية(4/1461)
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) «1»
72- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (87) * قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (89) «2»
73- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ
مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
(143) «3»
74- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) «4»
75- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155) «5»
76- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (45) »
__________
(1) المائدة: 114- 118 مدنية
(2) الأعراف: 87- 89 مكية
(3) الأعراف: 143 مكية
(4) الأعراف: 150- 151 مكية
(5) الأعراف: 155 مكية
(6) هود: 45 مكية(4/1462)
77- فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) «1»
78- قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «2»
79- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) «3»
80- وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) «4»
81-* وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) «5»
82- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «6»
83- وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) «7»
__________
(1) يوسف: 63- 64 مكية
(2) يوسف: 90- 92 مكية
(3) يوسف: 99- 101 مكية
(4) إبراهيم: 35- 39 مكية
(5) الأنبياء: 83 مكية
(6) الأنبياء: 87 مكية
(7) الأنبياء: 89 مكية(4/1463)
84- وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) «1»
رابعا: ثناء المؤمنين على الله- عز وجل-:
85- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «2»
86- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
(174) «3»
87- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) «4»
__________
(1) الصافات: 123- 126 مكية
(2) آل عمران: 35- 37 مدنية
(3) آل عمران: 169- 174 مدنية
(4) آل عمران: 190- 194 مدنية(4/1464)
88- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «1»
89- فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) «2»
90- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «3»
91-* وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) «4»
خامسا: ثناء الله- عز وجل-:
1- على محمد صلّى الله عليه وسلّم
92- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) «5»
93-* وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «6»
__________
(1) يونس: 9- 10 مكية
(2) يوسف: 80 مكية
(3) المؤمنون: 109- 111 مكية
(4) غافر: 41- 44 مكية
(5) آل عمران: 164 مدنية
(6) الأعراف: 156- 157 مكية(4/1465)
94- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) «1»
95- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «2»
96- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40) «3»
97- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) «4»
98- وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) «5»
99- ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) «6»
100- أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) «7»
2- ثناء الله على سائر الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين:
101- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) «8»
__________
(1) التوبة: 128- 129 مدنية
(2) الأحزاب: 21 مدنية
(3) الأحزاب: 38- 40 مدنية
(4) الأحزاب: 45- 47 مدنية
(5) النجم: 1- 7 مكية
(6) القلم: 1- 4 مكية
(7) الشرح: 1- 4 مكية
(8) الأنبياء: 48- 50 مكية(4/1466)
102- قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ (72) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) «1»
103- وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91) «2»
104- الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «3»
105- وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) * وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
__________
(1) الأنبياء: 66- 74 مكية
(2) الأنبياء: 85- 91 مكية
(3) الأحزاب: 39 مدنية(4/1467)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) «1»
106- وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (47)
__________
(1) الصافات: 75- 131 مكية(4/1468)
وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (48) «1»
3- ثناء الله على الملائكة:
107- إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «2»
108- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) »
109- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «4»
110- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «5»
111- فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «6»
112- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «7»
113- كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «8»
114- كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) «9»
4- ثناء الله على المؤمنين:
115-* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)
__________
(1) ص: 44- 48 مكية
(2) الأعراف: 206 مكية
(3) الأنبياء: 19- 20 مكية
(4) الأنبياء: 26- 27 مكية
(5) غافر: 7 مكية
(6) فصلت: 38 مكية
(7) الشورى: 5 مكية
(8) عبس: 11- 16 مكية
(9) الانفطار: 9- 12 مكية(4/1469)
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1»
116- وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) «2»
117- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (96) «3»
118- لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «4»
119- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) «5»
120-* إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «6»
121- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «7»
122- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
__________
(1) آل عمران: 171- 174 مدنية
(2) النساء: 69 مدنية
(3) النساء: 95- 96 مدنية
(4) التوبة: 88- 89 مدنية
(5) التوبة: 100 مدنية
(6) التوبة: 111- 112 مدنية
(7) المؤمنون: 57- 61 مكية(4/1470)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) «1»
123- وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) «2»
124- أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «3»
125-* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18) «4»
126- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) «5»
127- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «6»
128- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10) «7»
129- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) «8»
__________
(1) الأحزاب: 23- 24 مدنية
(2) فصلت: 33 مكية
(3) الأحقاف: 16 مكية
(4) الفتح: 18 مدنية
(5) الفتح: 28- 29 مدنية
(6) الحديد: 18- 19 مدنية
(7) الحشر: 8- 10 مدنية
(8) البينة: 7 مدنية(4/1471)
الأحاديث الواردة في (الثناء)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق «1» من قبل أمّ إسماعيل ... الحديث. وفيه «فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة، فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟
قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال:
ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك.
فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟
وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت:
اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟
قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال:
ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ...
الحديث) * «2» .
2-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا قوما أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ «3» حتّى خفنا أن يذهبوا بالأجر كلّه، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم» ) * «4» .
3-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثّناء. قالت: فغرت يوما فقلت: ما أكثر ما تذكرها
__________
(1) المنطق: بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء ما يشد به الوسط.
(2) البخاري- الفتح 6 (3364) .
(3) المهنأ- بفتح الميم وسكون الهاء-: ما أتاك بلا مشقة.
(4) الترمذي (2487) واللفظ له. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 227) . وقال: رواه أحمد على شرط الشيخين. أحمد (3/ 200، 204) .(4/1472)
حمراء الشّدق قد أبدلك الله- عزّ وجلّ- بها خيرا منها.
قال: «ما أبدلني الله- عزّ وجلّ- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بمالها إذ حرمني النّاس، ورزقني الله- عزّ وجلّ- ولدها إذ حرمني أولاد النّساء» ) * «1» .
4-* (عن السّائب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جيء بي إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة، جاء بي عثمان ابن عفّان وزهير فجعلوا يثنون عليّ فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تعلموني به قد كان صاحبي في الجاهليّة» قال: قال: نعم، يا رسول الله، فنعم الصّاحب كنت. قال: فقال: «يا سائب انظر أخلاقك الّتي كنت تصنعها في الجاهليّة فاجعلها في الإسلام.
اقر الضّيف وأكرم اليتيم وأحسن إلى جارك» ) * «2» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج «3» (ثلاثا) غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنّا نكون وراء الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسك. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال الرّحمن الرّحيم. قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين. قال: مجّدني عبدي (وقال مرّة) : فوّض إليّ عبدي. فإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
فإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» ) * «4» .
الأحاديث الواردة في (الثناء) معنى
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول:
«اللهمّ ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم. ربّنا وربّ كلّ شيء. فالق الحبّ والنّوى، ومنزل التّوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته. اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك
__________
(1) أحمد (6/ 117- 118) واللفظ له. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 126) وقال: إسناده لا بأس به. وذكره الحافظ في الإصابة (4/ 286- 287) وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد وهو في الاستيعاب (4/ 286- 287) في حاشية الإصابة.
(2) أحمد (3/ 425) وذكره الحافظ في الإصابة (2/ 10) في ترجمته وقال لعله هو السائب بن أبي السائب وكان شريك النبي صلّى الله عليه وسلّم، روى هذا أبو داود والنسائي وابن أبي شيبة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه ابو داود باختصار، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8/ 190) واللفظ في مجمع الزوائد.
(3) الخداج: النقصان.
(4) مسلم (395) .(4/1473)
شيء. اقض عنّا الدّين وأغننا من الفقر» ) * «1» .
7-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصّلاة، ثمّ اضطجع على شقّك الأيمن وقل: اللهمّ أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيّك الّذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهنّ آخر ما تقول» . فقلت أستذكرهنّ: وبرسولك الّذي أرسلت. قال: «لا، وبنبيّك الّذي أرسلت» ) * «2» .
8-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقل: اللهمّ خلقت نفسي وأنت توفّاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمّتها فاغفر لها، اللهمّ إنّي أسألك العافية» ) *» .
9-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت جالسا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحلقة، ورجل قائم يصلّي فلمّا ركع وسجد جلس وتشهّد دعا فقال في دعائه: اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّماوت والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيّوم. إنّي أسألك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون بم دعا» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «والّذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الّذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله، تنادوا هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السّماء الدّنيا، قال: فيسألهم ربّهم- عزّ وجلّ- وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبّحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجّدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال فيقول:
كيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشدّ لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. قال:
يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنّة. قال: يقول:
وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال:
فيقول: فكيف لو أنّهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا، وأشدّ لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فممّ يتعوّذون؟ قال يقولون: من النّار.
قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا ربّ ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا وأشدّ لها مخافة، قال: فيقول:
فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنّما جاء لحاجة. قال:
هم الجلساء لا يشقى جليسهم» ) * «5» .
11-* (عن المغيرة- رضي الله عنه- قال: قال
__________
(1) مسلم (2713) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6311) .
(3) مسلم (2712) .
(4) النسائي (3/ 52) وقال الألباني: صحيح (1/ 279) رقم (1233) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6408) واللفظ له. ومسلم (2689) .(4/1474)
سعد بن عبادة، لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المبشّرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه المدحة «1» من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «2» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاءت أمّ سليم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالت يا رسول الله علّمني كلمات أدعو بهنّ في صلاتي، قال: «سبّحي الله عشرا، واحمديه عشرا، وكبّريه عشرا، ثمّ سليه حاجتك يقل: نعم نعم» ) * «3» .
13-* (عن رفاعة بن رافع- رضي الله عنه- قال: كنّا يوما نصلّي وراء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال: «سمع الله لمن حمده» . قال رجل وراءه: ربّنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه. فلمّا انصرف قال: «من المتكلّم؟» قال: أنا. قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل» ) * «4» .
14-* (عن عمرو بن مالك أنّه سمع فضالة ابن عبيد- رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله تعالى ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجّل هذا» ، ثمّ دعاه فقال له أو لغيره: «إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد ربّه- جلّ وعزّ- والثّناء عليه ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يدعو بعد بما شاء» ) * «5» .
15-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه دعاء وأمره أن يتعاهد به أهله كلّ يوم قال: «قل كلّ يوم حين تصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك، والخير في يديك ومنك وبك وإليك، اللهمّ ما قلت من قول، أو نذرت من نذر، أو حلفت من حلف، فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا بك، إنّك على كلّ شيء قدير، اللهمّ وما صلّيت من صلاة فعلى من صلّيت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، إنّك أنت وليّي في الدّنيا والآخرة توفّني مسلما وألحقني بالصّالحين، أسألك اللهمّ الرّضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الممات، ولذّة نظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، أعوذ بك اللهمّ أن أظلم أو أظلم، أو أعتدي أو يعتدي عليّ، أو اكتسب خطيئة محبطة أو ذنبا لا يغفر، اللهمّ فاطر
__________
(1) المدحة: المدح، وإذا ثبتت الهاء كسرت الميم، وإذا حذفت فتحت.
(2) البخاري- الفتح 13 (7416) واللفظ له. ومسلم (1499) .
(3) النسائي (3/ 51) واللفظ له، وقال الألباني: حسن الإسناد (1/ 279) حديث (1232) . والترمذي (481) وقال: حسن غريب. والحاكم (1/ 317، 318) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وأحمد (3/ 120) ، وابن خزيمة (850) .
(4) البخاري- الفتح 2 (799) .
(5) أبو داود (1481) ، والترمذي (3477) وقال: هذا حديث حسن صحيح.(4/1475)
السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة ذا الجلال والإكرام، فإنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدّنيا وأشهدك وكفى بك شهيدا أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد وأنت على كلّ شيء قدير، وأشهد أنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأشهد أنّ وعدك حقّ، ولقاءك حقّ، والجنّة حقّ، والسّاعة آتية لا ريب فيها، وأنت تبعث من في القبور، وأشهد أنّك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاغفر لي ذنبي كلّه إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم» ) * «1» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: كنّا إذا كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الصّلاة، قلنا:
السّلام على الله من عباده، السّلام على فلان وفلان.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقولوا السّلام على الله، فإنّ الله هو السّلام، ولكن قولوا: التّحيّات لله والصّلوات والطّيّبات، السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين. فإنّكم إذا قلتم ذلك أصاب كلّ عبد في السّماء أو بين السّماء والأرض، أشهد أنّ لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، ثمّ يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو» ) * «2» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الثناء)
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
فقدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ) * «3» .
18-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثا، وقال: «اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» ) * «4» .
19-* (عن عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما- أنّه صلّى صلاة فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خفّفت أو أوجزت الصّلاة، فقال: أمّا على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهنّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدّعاء، ثمّ جاء فأخبر به القوم: «اللهمّ بعلمك الغيب وقدرتك على
__________
(1) أحمد (5/ 191) ، والطبراني في الكبير (5/ 119) / 4803، وأعاده من طريق أخرى في (5/ 157) برقم (4932) ، وهو في مسند الشاميين للطبراني برقم (1481، 2013) . وذكره الهيثمي في المجمع وقال: رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا، وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف.
(2) البخاري- الفتح 2 (835) واللفظ له. ومسلم (402) .
(3) مسلم (486) .
(4) مسلم (591) .(4/1476)