لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) «1»
13- قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16)
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) «2»
14- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «3»
15- وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) «4»
16- وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38)
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) «5»
17- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) «6»
18- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67) «7»
__________
(1) البقرة: 270- 274 مدنية.
(2) آل عمران: 15- 17 مدنية.
(3) آل عمران: 92 مدنية.
(4) آل عمران: 133- 134 مدنية.
(5) النساء: 38- 39 مدنية.
(6) النحل: 75 مكية.
(7) الفرقان: 63- 67 مكية.(3/603)
19- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) «1»
20- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (16) «2»
21- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) «3»
22- آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «4»
23- هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) «5»
24- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «6»
25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) «7»
الإنفاق في الجهاد:
26- وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) «8»
27- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261)
__________
(1) القصص: 52- 54 مكية
(2) السجدة: 15- 16 مكية
(3) سبأ: 39 مكية
(4) الحديد: 7 مدنية
(5) المنافقون: 7 مدنية
(6) المنافقون: 10- 11 مدنية
(7) التغابن: 14- 16 مدنية
(8) البقرة: 195 مدنية(3/604)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) «1»
28- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) «2»
29- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (90)
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) «3»
30- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «4»
__________
(1) البقرة: 261- 265 مدنية
(2) الأنفال: 59- 60 مدنية
(3) التوبة: 90- 92 مدنية
(4) التوبة: 98- 99 مدنية(3/605)
31- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) «1»
32- وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) «2»
الإنفاق بمعنى دفع نفقة الأهل والعيال:
33- الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) «3»
34- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) «4»
35- وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4)
ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (6)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) «5»
__________
(1) محمد: 38 مدنية
(2) الحديد: 10 مدنية
(3) النساء: 34 مدنية
(4) الممتحنة: 10- 11 مدنية
(5) الطلاق: 4- 7 مدنية(3/606)
الإنفاق بمعنى إعطاء الرزق للعباد:
36- وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) «1»
الإنفاق بمعنى بذل العطاء مطلقا:
37- وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «2»
الآيات الواردة في «الإنفاق» لفظا ولها معنى آخر
الإنفاق بمعنى الإقتار:
38- قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100) «3»
__________
(1) المائدة: 64 مدنية
(2) الأنفال: 61- 63 مدنية
(3) الإسراء: 100 مكية(3/607)
الأحاديث الواردة في (الإنفاق)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت. ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا» ) * «1» .
2-* (عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل دينار ينفقه الرّجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرّجل على دابّته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله» ) * «2» .
3-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته:
«ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني يومي هذا؛ كلّ مال نحلته عبدا حلال «3» ، وإنّي خلقت عبادي حنفاء «4» كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «5» عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «6» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «7» ، وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «8» ، تقرؤه نائما ويقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا «9» رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك «10» ، وأنفق فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال:
وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق.
ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم.
وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة:
الضّعيف الّذي لا زبر له «11» ، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الّذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلّا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» . وذكر البخل أو الكذب، «والشّنظير «12» الفحّاش» ) * «13» .
4-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1425) . ومسلم (1024) .
(2) مسلم (994) .
(3) في الكلام حذف أي قال الله تعالى: كل مال ... إلخ، ومعنى نحلته: أعطيته.
(4) حنفاء: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي.
(5) اجتالتهم: أي استخفّوهم فذهبوا بهم عن الحق إلى الباطل.
(6) المقت: أشد البغض، والمراد بهذا ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(7) المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل
(8) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب.
(9) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.
(10) نغزك: أى نعينك.
(11) لا زبر له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي.
(12) الشنظير: وهو السيىء الخلق.
(13) مسلم (2865) .(3/608)
عنهما- قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو على المنبر، وهو يذكر الصّدقة والتّعفّف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السّفلى. واليد العليا المنفقة والسّفلى السّائلة» ) * «1» .
5-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة» ) * «2» .
6-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة؟، أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنّما هم بنيّ، فقال: «نعم لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم» ) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله قال لي: أنفق أنفق عليك» ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يمين الله ملأى، سحّاء، لا يغيضها شيء اللّيل والنّهار «4» ، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السّماء والأرض، فإنّه لم يغض ما في يمينه» ، قال: «وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض» ) * «5» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرا الّذي أنفقته على أهلك» ) * «6» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه. إمام عدل، وشابّ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة، فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «7» .
10-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: عادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع من وجع أشفيت «8» منه على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثنى إلّا ابنة لي واحدة أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . قال:
قلت: أفأتصدّق بشطره؟ قال: «لا، الثّلث، والثّلث كثير إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون النّاس، ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها، حتّى اللّقمة تجعلها في في «9» امرأتك» .
قال: قلت: يا رسول الله، أخلّف بعد أصحابي.
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1429) . ومسلم (1033) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 7 (4006) . ومسلم (1002) واللفظ له.
(3) مسلم (1001) .
(4) سحاء الليل والنهار: سحّاء دائمة العطاء.
(5) البخاري- الفتح 13 (7419) . ومسلم (993) واللفظ له.
(6) مسلم (995) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1423) واللفظ له. ومسلم (1031) .
(8) أشفيت على الموت: أى قاربته وأشرفت عليه.
(9) في في امرأتك: في الأولى حرف جر والثانية معناها الفم.(3/609)
قال: «إنّك لن تخلّف، فتعمل عملا تبتغي به وجه الله، إلّا ازددت به درجة ورفعة، ولعلكّ تخلّف حتّى ينفع بك أقوام، ويضرّ بك آخرون، اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة» ، قال: رثى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أن توفّي بمكّة) * «1» .
11-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الغزو غزوان: فأمّا من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشّريك، واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كلّه.
وأمّا من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لا يرجع بالكفاف» ) * «2» .
12-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنفقي (أو انضحي أو انفحي «3» ) ، ولا تحصي فيحصي الله عليك» ) * «4» .
13-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «5» .
14-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من عبد مسلم ينفق من كلّ مال له زوجين في سبيل الله إلّا استقبلته حجبة «6» الجنّة كلّهم يدعوه إلى ما عنده» قلت: وكيف ذلك؟
قال: «إن كانت إبلا فبعيرين، وإن كانت بقرا فبقرتين» ) * «7» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا» ) * «8» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1295) . ومسلم (1628) واللفظ له.
(2) النسائي (6/ 49) وقال الألباني (2/ 671) : حسن وهو في الصحيحة برقم (199) وصحيح أبي داود برقم (2271) .
(3) النضح والنفح: النضح هو الرش والنفح هو الضرب والرمي والمعني ضرب اليدين فيه بالعطاء.
(4) البخاري- الفتح 5 (2590، 2591) . ومسلم (1029) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له. ومسلم (998) .
(6) حجبة الجنة: جمع حاجب.
(7) النسائي (6/ 48) وقال الألباني (2/ 670) : صحيح وذكره في الصحيحة برقم (2260) .
(8) البخاري- الفتح 3 (1442) . ومسلم (1010) متفق عليه.(3/610)
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديّهما إلى تراقيهما. فأمّا المنفق فلا ينفق إلّا سبغت أو وفرت على جلده حتّى تخفي بنانه، وتعفو أثره. وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلّا لزقت كلّ حلقة مكانها، فهو يوسّعها ولا تتّسع» ) * «1» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب- يعني الجنّة- يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الصّيام وباب الرّيّان. فقال أبو بكر: ما على هذا الّذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ وقال: هل يدعى منها كلّها أحد يا رسول الله، قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر» ) * «2» .
18-* (عن خريم بن فاتك- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الإنفاق) معنى
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «4» .
20-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألك مال غيره؟» فقال: لا.
فقال: «من يشتريه منّي؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله العدويّ بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدفعها إليه، ثمّ قال: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك) * «5» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أمّي افتلتت «6» نفسها وأظّنّها
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1443) واللفظ له. ومسلم (1021) .
(2) البخاري- الفتح 7 (3666) واللفظ له. ومسلم (1027) .
(3) النسائي (6/ 49) وقال الألباني (2/ 671) : صحيح وذكره في صحيح الجامع برقم (6110) . والترمذي في صحيحه برقم (1691) . وصححه محقق «جامع الأصول» (9/ 494) .
(4) مسلم (1631) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7186) . ومسلم (997) واللفظ له وقوله (عن دبر) أي علّق عتقه بموته.
(6) افتلتت: أي ماتت فلتة أي فجأة.(3/611)
لو تكلّمت تصدّقت، فهل لها أجر إن تصدّقت عنها؟
قال: «نعم» ) * «1» .
22-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الخازن المسلم الأمين الّذي ينفذ (وربّما قال يعطي) ما أمر به فيعطيه كاملا موفّرا، طيّبة به نفسه، فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» ) * «2» .
23-* (عن سلمان بن عامر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الصّدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرّحم اثنتان: صدقة وصلة» ) * «3» .
24-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ بعض أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلن للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: «أطولكنّ يدا» فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهنّ يدا، فعلمنا بعد أنّما كانت طول يدها الصّدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحبّ الصّدقة) * «4» .
25-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا؛ فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا الله؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز «5» نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ:
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1388) واللفظ له. ومسلم (1004) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1438) . ومسلم (1023) واللفظ له.
(3) النسائي (5/ 92) وقال الألباني في صحيح النسائي: صحيح (2/ 546) حديث (2420) . وابن ماجة (1844) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1420) .
(5) أحرز نفسه منهم: يقال أحرزت الشيء إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ.(3/612)
السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة؛ فإنّه من جثى «1» جهنّم» فقال رجل: يا رسول الله وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «2» .
26-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
إنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
يا رسول الله ذهب أهل الدّثور «3» بالأجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم، قال: «أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» ، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» ) * «4» .
27-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال عمر- رضي الله عنه-: «أيّكم يحفظ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن الفتنة؟ قال: قلت: أنا أحفظه كما قال: قال: إنّك عليه لجريء، فكيف قال؟ قلت: فتنة الرّجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قال: ليس هذه أريد، ولكنّي أريد الّتي تموج كموج البحر. قال:
قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس، بينك وبينها باب مغلق. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال:
قلت: لا بل يكسر. قال: فإنّه إذا كسر لم يغلق أبدا.
قال: قلت: أجل. قال: فهبنا نسأله من الباب) * «5» .
28-* (عن حارثة بن وهب الخزاعيّ رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«تصدّقوا فيوشك الرّجل يمشي بصدقته فيقول الّذي أعطيها لو جئتنا بها بالأمس قبلتها. فأمّا الآن، فلا حاجة لي بها، فلا يجد من يقبلها» ) * «6» .
29-* (عن أبي ذرّ الغفاريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرّجل في أرض الضّلال لك صدقة، وبصرك للرّجل الرّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشّوكة والعظم عن الطّريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة» ) * «7» .
30-* (عن أبي كبشة- رضي الله عنه-
__________
(1) الجثى: جمع جثوة وهو الشيء المجموع.
(2) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح غريب. ابن خزيمة (3/ 195) . وابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) . وفيه (ربقة) بفتح الراء، وقد ورد فيها الكسر والفتح، والكسر أشهر وأوضح.
(3) الدثور: جمع دثر وهو المال الكثير.
(4) مسلم (1006) ، قوله (أجر) يجوز رفعه اسما لكان وخبره الجار والمجرور، ويجوز نصبه خبرا لكان والاسم ضمير مستتر أي كان وضعه أجرا له.
(5) البخاري- الفتح 3 (1435) واللفظ له. ومسلم (144) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1411) . ومسلم (1011) واللفظ له.
(7) الترمذي (1956) وقال: حسن غريب. والبخاري في الأدب المفرد (307) حديث (891) وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 122) حديث (572) ، وعزاه كذلك لابن حبان (864)(3/613)
قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله- عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتقّي فيه ربّه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل.
قال: وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا، فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال:
فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان. قال:
هي نيّته فوزرهما فيه سواء» ) * «1» .
31-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن الهجرة، فقال: «ويحك إنّ الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل؟» . قال: نعم، قال: «فتعطي صدقتها؟» قال: نعم. قال: «فهل تمنح منها شيئا؟» . قال: نعم.
قال: «فتحلبها «2» يوم وردها؟» قال: نعم. قال:
فاعمل من وراء البحار، فإنّ الله لن يترك «3» من عملك شيئا» ) «4» .
32-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ فقال: يا نبيّ الله علّمني عملا يدخلني الجنّة. قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «5» أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» .
قال: أو ليستا واحدا؟ قال: «لا، عتق النّسمة أن تعتق النّسمة، وفكّالرّقبة أن تعين على الرّقبة، (والمنيحة الرّغوب) ، والفيء على ذي الرّحم، فإن لم تطق ذلك فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «6» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أيّ الصّدقة أعظم أجرا؟ قال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل
__________
وقال بعد كلامه: والحديث حسن لغيره. والحديث في الشعب للبيهقي (6/ 503، 504) رقم (3056) وقال مخرجه: إسناده حسن.
(1) الترمذي (2325) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4/ 231) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيح الجامع (2/ 61) برقم (3021) وعزاه لأحمد.
(2) فى اللسان: حلبها يحلبها ويحلبها بضم اللام وكسرها حلبا وحلبا وحلابا.
(3) يترك: ينقصك.
(4) البخاري- الفتح 5 (2633) . ومسلم (1865) .
(5) لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: (لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير) .
(6) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) . وقال مخرجه العلامة محب الدين الخطيب: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات.(3/614)
حتّى إذا بلغت الحلقوم «1» قلت: لفلان كذا وفلان كذا وقد كان لفلان» ) * «2» .
34-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فحثّ عليه «3» . فقال رجل: عندي كذا وكذا. قال: فما بقي في المجلس رجل إلّا تصدّق عليه بما قلّ أو كثر. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من استنّ خيرا فاستنّ به كان له أجره كاملا، ومن أجور من استنّ به ولا ينقص من أجورهم شيئا. ومن استنّ سنّة سيّئة، فاستنّ به، فعليه وزره كاملا ومن أوزار الّذي استنّ به. ولا ينقص من أوزارهم شيئا» ) * «4» .
35-* (عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي الله عنه- قال: جاء رجل بناقة مخطومة «5» . فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلّها مخطومة» ) * «6» .
36-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أضحى أو فطر إلى المصلّى، ثمّ انصرف فوعظ النّاس وأمرهم بالصّدقة. فقال: «أيّها النّاس تصدّقوا، فمرّ على النّساء فقال: يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار» . فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال:
«تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير «7» ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» ، ثمّ انصرف فلمّا صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب. فقال: «أيّ الزّيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: «نعم. ائذنوا لها» فأذن لها. قالت: يا نبيّ الله إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق بها، فزعم ابن مسعود أنّه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم» ) * «8» .
37-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس فقام فأطال القيام، ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ قام فأطال القيام وهو دون القيام الأوّل، ثمّ ركع فأطال الرّكوع وهو دون الرّكوع الأوّل، ثمّ سجد فأطال السّجود، ثم فعل في الرّكعة الثّانية مثل ما فعل في الأولي، ثمّ انصرف وقد انجلت الشّمس، فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ
__________
(1) حتى إذا بلغت الحلقوم: أي بلغت الروح الحلقوم والمراد: قاربت بلوغ الحلقوم إذ لو بلغته حقيقة لم تصح صدقته ولا شيء من تصرفاته.
(2) البخاري- الفتح 3 (1419) واللفظ له. ومسلم (1032) .
(3) فحثّ عليه: أي حثّ على الإنفاق.
(4) ابن ماجة (204) واللفظ له، وفي الزوائد إسناده صحيح. وأحمد (5/ 387) . والحاكم (2/ 516- 517) . والبزار (1/ 89) من حديث حذيفة. والبيهقي في الشعب (6/ 497) وقال مخرجه: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(5) مخطومة: فيها خطام وهو قريب من الزمام.
(6) مسلم (1892) .
(7) تكفرن العشير: أي يجحدن إحسان أزواجهن.
(8) البخاري- الفتح 3 (1462) واللفظ له. ومسلم (1000) .(3/615)
قال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا» ثمّ قال: «يا أمّة محمّد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمّة محمّد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ) * «1» .
38-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئا غير تمرة فأعطيتها إيّاها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثمّ قامت فخرجت، فدخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علينا، فأخبرته، فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء كنّ له سترا من النّار» ) * «2» .
39-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» . قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: «يعتمل بيديه «3» فينفع نفسه ويتصدّق» ، قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع؟، قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» ، قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟، قال: «يأمر بالمعروف أو الخير» ، قال: أرأيت إن لم يفعل؟، قال: «يمسك عن الشّرّ فإنّها صدقة» ) * «4» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال رجل لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق اللّيلة على زانية. قال: اللهمّ لك الحمد على زانية، لأتصدّقنّ بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على غنيّ، قال اللهمّ لك الحمد على غنيّ، لأتصدّقنّ بصدقة، فخرج فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدّثون. تصدّق على سارق. فقال: اللهمّ لك الحمد على زانية وعلى غنيّ وعلى سارق. فأتي، فقيل له: أمّا صدقتك فقد قبلت. أمّا الزّانية فلعلّها تستعفّ بها عن زناها، ولعلّ الغنيّ يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله، ولعلّ السّارق يستعفّ بها عن سرقته» ) * «5» .
41-* (عن حكيم بن حزام- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنّث «6» بها في الجاهليّة من صلة وعتاقة وصدقة لى فيها أجر؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أسلمت على ما سلف لك من خير» ) * «7» .
42-* (عن سعد بن عبادة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله إنّ أمّي ماتت أفأتصدّق عنها؟
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (1044) واللفظ له. ومسلم (901) .
(2) البخاري- الفتح 3 (1418) واللفظ له. ومسلم (2629) . وأثبتنا لفظه من الفتح. ط. الشيخ ابن باز 4 (1418) ومن صحيح البخارى. ط. البغا ج 2 (1352)
(3) يعتمل بيديه: الاعتمال افتعال من العمل، أي يقوم بما يحتاج إليه من عمارة وزراعة ونحوها.
(4) البخاري- الفتح 10 (6022) . ومسلم (1008) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 3 (1421) . ومسلم (1022) واللفظ له.
(6) التحنث: هو التّعبّد وصيغة تفعّل هنا تدل على الترك والمعنى ترك الحنث وهو الشرك والمعصية ومن ترك المعاصي دخل في الطاعات.
(7) البخاري- الفتح 4 (2220) واللفظ له. وأحمد (402) .(3/616)
قال: «نعم» ، قال: فأيّ الصّدقة أفضل؟، قال:
«سقي الماء فتلك سقاية سعد بالمدينة» ) * «1» .
43-* (عن عمير مولى أبي اللّحم، قال:
كنت مملوكا، فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أأتصدّق من مال مواليّ بشيء؟ قال: «نعم، والأجر بينكما نصفان» ) * «2» .
44-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ سلامى «3» من النّاس عليه صدقة، كلّ يوم تطلع فيه الشّمس» . قال: تعدل بين الاثنين «4» صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: «والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطّريق صدقة» ) * «5» .
45-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «6» أو العباء متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر بل كلّهم من مضر، فتمعّر «7» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلّى ثمّ خطب، فقال «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى آخر الآية. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء/ 1) . والآية الّتي في الحشر: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الآية/ 18) . تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره ... (حتّى قال) : ولو بشقّ تمرة» . قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال:
ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعام وثياب، حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة «8» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ) * «9» .
46-* (عن عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- قال: لمّا ورد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، المدينة انجفل النّاس إليه «10» . وقيل قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فجئت في النّاس لأنظر، فلمّا تبيّنت وجهه، عرفت أنّ وجهه
__________
(1) النسائي (6/ 254، 255) وقال الألباني في صحيحه: حسن (2/ 778) حديث (3427) . وأبو داود (1681) . وابن ماجة (3684) ، ومعناه في الصحيحين.
(2) مسلم (1025) .
(3) سلامى من الناس: والمعنى السلامى كل عظم مجوف من عظام الجسم الصغيرة، والمعنى إن على كل عظمة من عظام الإنسان صدقة. ويجمع على سلاميات وهي كل التي بين كل مفصلين.
(4) تعدل بين الاثنين أو تصلح بينهما.
(5) البخاري- الفتح 6 (2989) . ومسلم (1009) واللفظ له.
(6) مجتابي النمار: أى لابسيها خارقين أوساطها، والنمار جمع نمرة وهي ثياب صوف فيها تنمير.
(7) تمعر: تغير
(8) مذهبة: فضة مذهبة، أو قربة من جلد فيها خطوط مذهبة بعضها على أثر بعض.
(9) مسلم (1017) .
(10) انجفل الناس إليه: أي ذهبوا مسرعين نحوه.(3/617)
ليس بوجه كذّاب. وكان أوّل شيء سمعته يتكلّم به، أن قال: «يا أيّها النّاس أفشوا السّلام وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام» ) * «1» .
47-* (عن أبي مسعود البدريّ- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت آية الصّدقة كنّا نحامل «2» فجاء رجل فتصدّق بشيء كثير، فقالوا: مراء. وجاء رجل فتصدّق بصاع، فقالوا: إنّ الله لغنيّ عن صاع هذا.
فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ 79) » ) * «3» .
48-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على النّاس زمان يطوف الرّجل فيه بالصّدقة من الذّهب، ثمّ لا يجد أحدا يأخذها منه. ويرى الرّجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به «4» من قلّة الرّجال وكثرة النّساء» ) * «5» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقوم السّاعة حتّى يكثر فيكم المال فيفيض حتّى يهمّ ربّ المال من يقبله منه صدقة. ويدعى إليه الرّجل فيقول: لا أرب لي فيه» ) * «6» .
50-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب- ولا يقبل الله إلّا الطّيّب- إلّا أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرة. فتربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل. كما يربّي أحدكم فلوّه «7» أو فصيله» ) * «8» .
51-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استطاع منكم أن يستتر من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل» ) * «9» .
وعند البخاري: قال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السّبيل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا قطع السّبيل؛ فإنّه لا يأتي عليك إلّا قليل حتّى تخرج العير إلى مكّة بغير خفير. وأمّا العيلة؛ فإنّ السّاعة لا تقوم حتّى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه. ثمّ ليقفنّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان «10» يترجم له ثمّ ليقولنّ له: ألم أوتك مالا؟ فليقولنّ: بلى، ثمّ ليقولنّ: ألم أرسل إليك
__________
(1) أحمد (5/ 451) والحاكم (3/ 13) واللفظ له.
(2) نحامل أى نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة، أو نتصدق بها كلها.
(3) البخاري- الفتح 3 (1415) واللفظ له. ومسلم (1018) .
(4) يلذن به: أي ينتمين إليه ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن.
(5) البخاري- الفتح 3 (1414) . ومسلم (1012) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1424) . ومسلم (157) كتاب الزكاة (2/ 701) واللفظ له ويهمّ ضبطوه بوجهين أجودهما يهمّ وربّ المال مفعول به والفاعل «من» والمعنى يحزن ربّ المال آخذه، والثاني يهمّ ربّ المال من يقبل صدقته أي يقصده.
(7) الفلو: المهر ولد الفرس، الفصيل: ولد الناقة.
(8) البخاري- الفتح 3 (1410) . ومسلم (1014) واللفظ له
(9) مسلم (1016) .
(10) ترجمان: بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان.(3/618)
رسولا؟ فليقولنّ: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا النّار، ثمّ ينظر عن شماله فلا يرى إلّا النّار، فليتّقينّ أحدكم النّار ولو بشقّ تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيّبة» ) * «1» .
52-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال (في حديثه) : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، قال في آخر حديثه: وإنّ من توبتي أن أنخلع من مالي «2» صدقة إلى الله ورسوله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك بعض مالك فهو خير لك» ) * «3» .
53-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يدخل عليها، وجاء عليّ فذكرت له ذلك، فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّي رأيت على بابها سترا موشيّا، فقال: مالي وللدّنيا؟» فأتاها عليّ فذكر ذلك لها، فقالت: ليأمرني فيه بما شاء، قال: «ترسلي به إلى فلان، أهل بيت فيهم حاجة» ) * «4» .
54-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أربعون خصلة أعلاهنّ منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» قال حسّان بن عطيّة (راوي الحديث) : فعددنا ما دون منيحة العنز «5» ، من ردّ السّلام وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطّريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة) * «6» .
55-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّه كان جالسا مع أصحابه إذ جاءه قهرمان «7» له، فدخل، فقال: أعطيت الرّقيق قوتهم؟
قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمّن يملك قوته» ) * «8» .
56-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على المنبر فقال:
«إنّما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض» ثمّ ذكر زهرة الدّنيا، فبدأ بإحداهما وثنّى بالأخرى، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قلنا يوحى إليه، وسكت النّاس كأنّ على رءوسهم الطّير. ثمّ إنّه مسح عن وجهه الرّحضاء «9» فقال: «أين السّائل آنفا؟ أو خير هو- ثلاثا- إنّ الخير لا يأتي إلّا بالخير.
وإنّه كلّ ما ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ «10» ، أكلت حتّى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشّمس
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1413) .
(2) أنخلع من مالي: أي أتصدق به كله حتى لا يبقى شيء.
(3) البخاري- الفتح 8 (4676) مختصر جدّا، ومسلم (2769) بطوله وفيه هذا اللفظ.
(4) البخاري- الفتح 5 (2613) .
(5) منيحة العنز: منيحة بمعنى منحة.
(6) البخاري- الفتح 5 (2631) .
(7) قهرمان: الخازن القائم بحوائج الإنسان، وهو بمعنى الوكيل.
(8) مسلم (996) .
(9) الرحضاء: أي العرق، وأكثر ما يسميه عرق الحمى.
(10) يلم أي يقارب الإهلاك وقع في السياق حذف تقديره «إلا آكلة الخضرة» وقد أثبتت هذه العبارة في كل روايات مسلم وأثبتها الأصيلي وحده في عبارة البخاري. انظر فتح الباري (6/ 58) .(3/619)
فثلطت «1» ، وبالت ثمّ رتعت. وإنّ هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم «2» لمن أخذه بحقّه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين، ومن لم يأخذها بحقّه «3» فهو كالآكل الّذي لا يشبع، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة» ) * «4» .
57-* (عن معن بن يزيد- رضي الله عنه- أنّه قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنا وأبي وجدّي، وخطب عليّ فأنكحني، وخاصمت إليه، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها، فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إيّاك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن» ) * «5» .
58-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى أرض تهتزّ زرعا، فقال:
«لمن هذه؟» فقالوا: اكتراها فلان. فقال: «أما إنّه لو منحها إيّاه كان خيرا له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما» ) * «6» .
59-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» . قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «7» .
60-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كانت لرجال منّا فضول أرضين، فقالوا: نؤاجرها بالثّلث والرّبع والنّصف، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه» ) * «8» .
61-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر- رضي الله عنه- أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟» قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما اجتمعن في امرىء إلّا دخل الجنّة» ) * «9» .
62-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا حسد إلّا في اثنتين:
رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ «10» ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها» ) * «11» .
__________
(1) ثلطت: ثلط البعير إذا ألقى رجيعا سهلا رقيقا.
(2) أي نعم المال صاحبا للمسلم.
(3) وقع في رواية مسلم «وإنه من يأخذه بغير حقه» والضمير عائد على المال، أما هنا، فإن ضمير المؤنث يرجع إلى الخضرة الحلوة (أي الدنيا) .
(4) البخاري- الفتح 6 (2842) واللفظ له. ومسلم (1052) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1422) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2634) واللفظ له. ومسلم (1550) .
(7) مسلم (1728)
(8) البخاري- الفتح 5 (2632) واللفظ له. ومسلم (1536) .
(9) مسلم (1028) .
(10) أي أنفقه في أوجه الخير المتعددة.
(11) البخاري- الفتح 3 (1409) ومسلم (816) متفق عليه.(3/620)
63-* (عن بريدة- رضي الله عنه- أنّه قال:
بينا أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ أتته امرأة فقالت: إنّي تصدّقت على أمّي بجارية. وإنّها ماتت.
فقال: «وجب أجرك، وردّها عليك الميراث» . قالت:
يا رسول الله، إنّه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها» . قالت: إنّها لم تحجّ قطّ؟
أفأحجّ عنها؟، قال: «حجّي عنها» ) * «1» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا نساء المسلمات لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن «2» شاة» ) * «3» .
65-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال الله يا ابن آدم إنّك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شرّ لك، ولا تلام على كفاف «4» ، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «5» .
66-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول العبد مالي مالي. إنّما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى «6» ، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للنّاس» ) * «7» .
67-* (قال عثمان- رضي الله عنه- لمّا حوصر بعد أن أشرف عليهم: أنشدكم الله، ولا أنشد إلّا أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألستم تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من حفر رومة «8» فله الجنّة فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنّه قال: من جهّز العسرة فله الجنّة، فجهّزته «9» ؟ فصدّقوه بما قال) * «10» .
وفي هذا الموضع ذكر ابن حجر في الفتح: أنّ عثمان- رضي الله عنه- قال: هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنّة؟» فاشتريتها من صلب مالي. وذكر أنّ في رواية النّسائيّ أنّه اشتراها بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا، وذكر من مرسل قتادة: أنّ عثمان حمل على ألف بعير وسبعين فرسا في العسرة) * «11» .
__________
(1) مسلم (1149) .
(2) فرسن شاة: هو بكسر الفاء والسين وهو الظلف، قال أهل اللغة: وأصله فى الإبل وهو فيها مثل القدم في الإنسان ويطلق على الغنم استعارة.
(3) البخاري- الفتح 5 (2566) . ومسلم (1030) متفق عليه.
(4) ولا تلام على كفاف أي لا لوم على صاحبه إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي، والكفاف: قدر الحاجة.
(5) مسلم (1036) .
(6) أو أعطى فاقتنى: يعني ادخر ثوابه لآخرته، وفي بعض النسخ فأقنى أي أرضى.
(7) مسلم (2959) .
(8) رومة: بئر حفرها عثمان بناحية المدينة وقيل: اشتراها.
(9) فجهزته: أي جيش العسرة.
(10) البخاري- الفتح 5 (2778) .
(11) الفتح- الموضع السابق.(3/621)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإنفاق)
68-* (عن عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث- رضي الله عنه- قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي وللفضل بن عبّاس) إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلّماه، فأمّرهما على هذه الصّدقات، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، وأصابا ممّا يصيب النّاس قال:
فبينما هما في ذلك جاء عليّ بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك. فقال علىّ بن أبي طالب: لا تفعلا.
فو الله ما هو بفاعل. فانتحاه «1» ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلّا نفاسة «2» منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما نفسناه عليك.
قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع عليّ. قال:
فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتّى جاء فأخذ بآذاننا، ثمّ قال: «أخرجا ما تصرّران «3» » ثمّ دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال فتواكلنا الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبرّ النّاس وأوصل النّاس، وقد بلغنا النّكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصّدقات فنؤدّي إليك كما يؤدّي النّاس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال وجعلت زينب تلمع «4» علينا من وراء الحجاب أن لا تكلّماه. قال: ثمّ قال: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطلّب» . قال فجاءاه. فقال لمحمية «5» : «أنكح هذا الغلام ابنتك» (للفضل بن عبّاس) فأنكحه.
وقال لنوفل بن الحارث: «أنكح هذا الغلام ابنتك» (لي) فأنكحني، وقال لمحمية: «أصدق عنهما «6» من الخمس كذا وكذا» ) * «7» .
69-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش العسرة (وهي غزوة تبوك) فقلت: يا نبيّ الله إنّ أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم. فقال: «والله لا أحملكم على شيء» ووافقته وهو غضبان ولا أشعر. فرجعت حزينا من منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن مخافة أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وجد في نفسه عليّ. فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الّذي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم ألبث إلّا سويعة «8» . إذ سمعت بلالا ينادي: أي عبد الله بن قيس! فأجبته. فقال: أجب، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك.
__________
(1) فانتحاه: عرض له وقصده.
(2) نفاسة: حسدا.
(3) ما تصرران: ما تسرران من السر.
(4) تلمع أي تشير.
(5) محمية: اسم رجل كان على الخمس.
(6) أصدق عنهما: أدّ عنهما المهر من حقي.
(7) مسلم (1072) .
(8) سويعة: تصغير ساعة، المراد وقتا قصيرا.(3/622)
فلمّا أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «خذ هذين القرينين «1» وهذين القرينين، وهذين القرينين (لستّة أبعرة ابتاعهنّ حينئذ من سعد) فانطلق بهنّ إلى أصحابك، فقل: إنّ الله- أو قال إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يحملكم على هؤلاء فاركبوهنّ» . قال أبو موسى:
فانطلقت إلى أصحابي بهنّ، فقلت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملكم على هؤلاء، ولكن والله لا أدعكم حتّى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حين سألته لكم، ومنعه في أوّل مرّة ثمّ إعطاءه إيّاي بعد ذلك، لا تظنّوا أنّي حدّثتكم شيئا لم يقله.
فقالوا لي: والله إنّك عندنا لمصدّق. ولنفعلنّ ما أحببت. فانطلق أبو موسى بنفر منهم، حتّى أتوا الّذين سمعوا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنعه إيّاهم ثمّ إعطاءهم بعد. فحدّثوهم بما حدّثهم به أبو موسى سواء» ) * «2» .
70-* (عن رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أميّة، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كلّ إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عبّاس بن مرداس دون ذلك، فقال عبّاس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع؟
فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع «3»
وما كنت دون امرىء منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع
قال: فأتمّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مائة) * «4» .
71-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارىء» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد «5» . ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثّالثة. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ 1- 3) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوه حتّى ذهب عنه
__________
(1) القرينين: البعيرين المقرون أحدهما بصاحبه.
(2) البخاري- الفتح 7 (4415) . ومسلم (1649) واللفظ له.
(3) العبيد: فرس عباس بن مرداس، وقد ورد في رواية مسلم «بدر» بدلا من «حصن» و «المجمع» بدلا من «مجمع» . انظر صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 154) .
(4) مسلم (1060) .
(5) بلغ مني الجهد: يروى بنصب الجهد ورفعه ومعنى رواية النصب أن الغطّ بلغ منه المشقة والتعب، وعلى رواية الرفع بلغ منه الجهد مبلغا عظيما.(3/623)
الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟
فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا النّاموس «1» الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا «2» ، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال نعم. لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب «3» ورقة أن توفّي، وفتر الوحي» ) * «4» .
72-* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه- قال: بينما هو يسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه النّاس مقفله «5» من حنين فعلقت النّاس «6» يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة «7» فخطفت رداءه، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا» ) * «8» .
73-* (عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة الفتح، فتح مكّة، ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ صفوان بن أميّة مائة من النّعم ثمّ مائة ثمّ مائة. قال ابن شهاب: حدّثنى سعيد بن المسيّب أنّ صفوان قال:
والله لقد أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطاني، وإنّه لأبغض النّاس إليّ، فما برح يعطيني حتّى إنّه لأحبّ النّاس إليّ» ) * «9» .
74-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبية «10» ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت معه، قال ادخل فادعه لي، قال:
فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها. فقال:
«خبأت هذا لك» قال: فنظر إليه، فقال: «رضي مخرمة» ) * «11» .
75-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسما. فقلت: والله
__________
(1) الناموس: هو جبريل، وقال أهل اللغة: الناموس صاحب سر الخير.
(2) جذعا: أى شابا قويا.
(3) لم ينشب: أى لم يلبث.
(4) البخاري- الفتح 1 (3) واللفظ له. ومسلم (160) .
(5) مقفله- بفتح الميم والفاء واللام وسكون القاف- أي زمان رجوعه.
(6) علقت الناس: طفقوا.
(7) السمرة: شجرة من شجر البادية ذات شوك.
(8) البخاري- الفتح 6 (2821) .
(9) مسلم (2313) .
(10) أقبية: جمع قباء وهو ثوب يلبس فوق الثياب.
(11) مسلم (1058) .(3/624)
يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحقّ به منهم.
قال: «إنّهم خيّروني «1» أن يسألوني بالفحش أو يبخّلوني، فلست بباخل» ) * «2» .
76-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النّضير ممّا أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب «3» ، فكانت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّة، ينفق على أهله منها نفقة سنته، ثمّ يجعل ما بقي في السّلاح والكراع «4» عدّة في سبيل الله» ) * «5» .
77-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة» ) * «6» .
78-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وكان أجود النّاس، وكان أشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصّوت فتلقّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راجعا، وقد سبقهم إلى الصّوت وهو على فرس لأبي طلحة عري «7» ، في عنقه السّيف، وهو يقول: «لم تراعوا. لم تراعوا» ، قال: وجدناه بحرا، أو إنّه لبحر قال: وكان فرسا يبطّأ) * «8» .
79-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
كنت أمشي مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حرّة «9» المدينة عشاء، استقبلنا أحد فقال: «يا أبا ذرّ ما أحبّ أنّ أحدا ذهبا، تأتي عليّ ليلة أو ثلاث، عندي منه دينار إلّا أرصده لدين، إلّا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» - وأرانا بيده «10» - ثمّ قال: «يا أبا ذرّ» قلت:
لبّيك وسعديك يا رسول الله، قال: «الأكثرون هم الأقلّون إلّا من قال هكذا وهكذا» ثمّ قال لي:
«مكانك لا تبرح يا أبا ذرّ حتّى أرجع» . فانطلق حتّى غاب عنّي فسمعت صوتا «11» فخشيت أن يكون عرض «12» لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأردت أن أذهب، ثمّ ذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تبرح» فمكثت، قلت: يا رسول الله سمعت صوتا خشيت أن يكون عرض لك، ثمّ ذكرت قولك فقمت، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك جبريل، أتاني فأخبرني أنّه من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» قلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق» ) * «13» .
80-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه رداء
__________
(1) خيرونى: معنى العبارة: أنّهم دفعوني إمّا إلى أن يسألوني مفحشين في سؤالهم أو أن يتهموني بالبخل..
(2) مسلم (1056) .
(3) الإيجاف: سرعة السير، والركاب: الإبل.
(4) الكراع: الدواب التي تصلح للحرب.
(5) البخاري- الفتح 8 (4885) واللفظ له. ومسلم (1757) .
(6) البخاري- الفتح 6 (3220) واللفظ له. ومسلم (2308) .
(7) فرس عري: ليس عليه سرج.
(8) البخاري- الفتح 6 (2820) . ومسلم (2307) واللفظ له.
(9) الحرة: أرض ذات حجارة سوداء خارج المدينة.
(10) وأرانا بيده: أي حثا بيده ورمى.
(11) صوتا: أي صوتا غير مفهوم.
(12) عرض له: عرض له الجن.
(13) البخاري. الفتح 11 (6268) واللفظ له. ومسلم (94) .(3/625)
نجرانيّ «1» غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه «2» بردائه جبذة شديدة نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد أثّرت بها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال:
يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك ثمّ أمر له بعطاء) * «3» .
81-* (عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» وقال بيديه جميعا. فقبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يجيء مال البحرين. فقدم على أبي بكر بعده، فأمر مناديا فنادى من كانت له على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عدة أو دين فليأت. فقمت، فقلت: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا» فحثى أبو بكر مرّة، ثمّ قال لي: عدّها فعددتها فإذا هي خمسمائة، فقال: خذ مثليها) * «4» .
82-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام شيئا إلّا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين «5» فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا فإنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم يعطي عطاء لا يخشى الفاقة) * «6» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإنفاق)
1-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرّة، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ثمّ تلهّ «7» ساعة في البيت حتّى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين:
اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها، فرجع الغلام وأخبره، فوجده قد أعدّ مثلها إلى معاذ بن جبل، فقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل ثمّ تلهّ في البيت حتّى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية: اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا. فاطّلعت امرأة معاذ، فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران، فنحا بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره. وسرّ بذلك، وقال: إنّهم إخوة بعضهم من بعض» ) * «8» .
2-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- «لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحبّ إليّ من أن
__________
(1) نجراني: منسوب إلى نجران موضع بين الحجاز واليمن.
(2) جبذه وجذبه: لغتان مشهورتان.
(3) البخاري- الفتح 6 (3149) . ومسلم (1057) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 6 (3137) . ومسلم (2314) واللفظ له.
(5) بين جبلين: أي كثيرة كأنها تملأ ما بين جبلين.
(6) مسلم (2312) .
(7) تلهّ:- تلبّث.
(8) رواه الطبراني في الكبير (2/ 33، 34) وقال مخرجه: رواه ابن المبارك في الزهد (511) وأبو نعيم في الحلية (1/ 27) .(3/626)
أتصدّق بعشرين درهما، ولأن أصله بعشرين درهما أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة» ) * «1» .
3-* (عن الحسن بن علىّ- رضي الله عنهما- قال: يا هذا، لرجل سأله، حقّ سؤالك إيّاي يعظم لديّ ومعرفتي بما يجب لك تكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور ورفعت عنّي مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلّفه من واجب حقّك فعلت، فقال: يا ابن بنت رسول الله أقبل وأشكر العطيّة وأعذر على المنع، فدعا الحسن بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها.
فقال: هات الفضل من الثّلاثمائة ألف درهم، فأحضر خمسين ألفا، قال: فما فعلت بالخمسمائة دينار؟.
قال: هي عندي. قال: أحضرها، فأحضرها فدفع الدّنانير والدّراهم إلى الرّجل. قال: هات من يحملها لك، فأتاه بحمّالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمّالين، فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم فقال:
أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم) * «2» .
4-* (قال شبيب بن شيبة- رحمه الله تعالى-:
كنّا بطريق مكّة وبين أيدينا سفرة لنا ببغداد في يوم قايظ فوقف علينا أعرابيّ ومعه جارية له زنجيّة، فقال: يا قوم: أفيكم أحد يقرأ كلام الله حتّى يكتب لي كتابا؟ قال: قلنا أصب من غدائنا حتّى نكتب لك ما تريد، قال: إنّي صائم فعجبنا من صومه في تلك البرّيّة، فلمّا فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا: ما تريد؟
فقال: أيّها الرّجل إنّ الدّنيا قد كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، فإنّي أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله، وليوم العقبة، أتدري ما يوم العقبة؟.
قوله- عزّ وجلّ-: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ (البلد/ 11- 13) . فاكتب ما أقول لك ولا تزيدنّ عليّ حرفا، هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله وليوم العقبة. قال شبيب:
فقدمت البصرة فأتيت بغداد فحدّثت بهذا الحديث المهديّ، قال: مائة نسمة تعتق على عهدة الأعرابيّ) * «3» .
5-* (قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى-:
النّفقة تعمّ الواجبات والمندوبات، لكنّ الممسك عن المندوبات لا يستحقّ دعاء الملك (اللهم أعط منفقا خلفا) إلّا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحقّ الّذي عليه لو أخرجه) * «4» .
6-* (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-:
الإنفاق الممدوح ما كان في الطّاعات على العيال، والضّيفان، والتّطوّعات) * «5» .
__________
(1) إحياء علوم الدين (1/ 220) .
(2) إحياء علوم الدين (1/ 220) .
(3) شعب الإيمان، للبيهقي (8/ 284) وقال مخرجه: إسناده صحيح.
(4) دليل الفالحين (2/ 121) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/627)
من فوائد (الإنفاق)
(1) الإنفاق من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) دليل حسن الظّنّ بالله والثّقة به.
(3) أداء شكر نعمة الله- عزّ وجلّ- بالمال إذ إنّ المالك على الحقيقة هو الله- عزّ وجلّ-.
(4) سبب نيل حبّ الله- عزّ وجلّ- وحبّ الخلق.
(5) تقوية العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأمّة.
(6) مواساة الفقراء والمحتاجين وسدّ حاجة المعوزين.
(7) الإسهام في حلّ مشكلة الفقر الّتي أعجزت العالم المعاصر.
(8) إشاعة التّراحم والتّوادّ في المجتمع بدلا من الشّحناء والبغضاء.
(9) تزكية النّفس وتطهيرها بإخراج الشّحّ منها.
(10) الإنفاق سبب بركة المال ونمائه ووقاية للإنسان من المصائب والبلايا.
(11) الإنفاق طريق موصّل إلى الجنّة.
(12) الإنفاق يجعل لصاحبه مكانة اجتماعيّة مرموقة.
(13) الإنفاق يدعم الرّوابط الأسريّة ويقوّي الصّلات بين أفراد المجتمع.
(14) الإنفاق يكفّر فتنة الرّجل في أهله وجاره.
(15) المنفق يستظلّ بظلّ الله- عزّ وجلّ-.
(16) الإنفاق دليل الطّبع السّليم والأريحيّة الكريمة ومدعاة لنصرة الله- عزّ وجلّ-.(3/628)
الإيثار
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 5/ 14/ 10/
الإيثار لغة:
الإيثار مصدر قولهم آثره عليه يؤثره إيثارا بمعنى فضّله وقدّمه وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء «1» ومن ذلك قولهم: الأثير وهو الكريم عليك الّذي تؤثره بفضلك وصلتك، وجمع الأثير أثراء، والمآثر ما يروى من مكارم الإنسان، ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتّفضّل، وفي التّنزيل:
لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (يوسف/ 91) . وآثر أن يفعل كذا: فضّل وقدّم، قال الأصمعيّ: آثرتك إيثارا أي فضّلتك وضدّه الأثرة من قولهم استأثر بالشّيء انفرد به أو اختصّ به نفسه، وفي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم للأنصار:
«إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا» . والاستئثار:
الانفراد بالشّيء. والمأثرة بفتح الثّاء وضمّها: المكرمة وآثرت فلانا على نفسي من الإيثار وهو الاختيار والتّفضّل «2» .
واصطلاحا:
قال القرطبيّ: الإيثار هو تقديم الغير على النّفس في حظوظها الدّنيويّة رغبة في الحظوظ الدّينيّة، وذلك ينشأ عن قوّة اليقين وتوكيد المحبّة، والصّبر على المشقّة «3» .
درجات الإيثار:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإيثار على درجات:
الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا. يعني أن تقدّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدّي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدّين. وكلّ سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدا، فإن آثرت به فإنّما تؤثر الشّيطان على الله وأنت لا تعلم.
الثّانية: إيثار رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطّول والبدن وإيثار رضا الله- عزّ وجلّ- على غيره: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء. وأعلاها للرّسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم وأعلاها لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وعليهم؛ فإنّه قاوم العالم كلّه، وتجرّد
__________
(1) لهذه المادة معنيان آخران هما: رسم الشي ءالباقي، وذكر الشيء انظر هذين المعنيين وأمثلتهما في مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) .
(2) النهاية لابن الأثير (221) ، والصحاح للجوهري (5752) ولسان العرب (1/ 26) .
(3) تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (18/ 18) .(3/629)
للدّعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كلّ وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم بل كان همّه وعزمه وسعيه كلّه مقصورا على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتّى ظهر دين الله على كلّ دين وقامت حجّته على العالمين وتمّت نعمته على المؤمنين، فبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده وعبد الله حتّى أتاه اليقين من ربّه فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال- صلوات الله وسلامه عليه.
هذا وقد جرت سنّة الله- الّتي لا تبديل لها- أنّ من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يسخط عليه من آثر رضاه، ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامده ذامّا، ومن آثر مرضاته ساخطا «1» ، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربّه وصل. وهذا أعجز الخلق وأحمقهم.
قال الشّافعيّ- رحمه الله-: رضا النّاس غاية لا تدرك فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه.
ومعلوم أن لا صلاح للنّفس إلّا بإيثار رضا ربّها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الّذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب
إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن ... وكلّ الّذي فوق التّراب تراب
الثّالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنّه هو الّذي تفرّد بالإيثار لا أنت، فكأنّك سلّمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإنّ الّذي آثره هو الحقّ لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المعطي حقيقة «2» .
الأسباب التي تعين على الإيثار:
(1) تعظيم الحقوق: فإن عظمت الحقوق عنده، قام بواجبها ورعاها حقّ رعايتها واستعظم إضاعتها، وعلم أنّه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدّها كما ينبغي فيجعل إيثاره احتياطا لأدائها.
(2) مقت الشّحّ: فإنّه إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار؛ فإنّه يرى أنّه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلّا بالإيثار.
(3) الرّغبة في مكارم الأخلاق: وبحسب رغبته فيها يكون إيثاره؛ لأنّ الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق «3» .
الفرق بين الإيثار والسخاء والجود:
السّخاء أعلى مراتب العطاء والبذل، وهذه المراتب هي:
__________
(1) ومن آثر: معطوف على «حامده» والمعنى يعود الذي آثره من الخلق ساخطا عليه.
(2) أي الحقوق.
(3) مدارج السالكين لابن القيم (3/ 303) - 304) بتصرف.(3/630)
الأولى: ألّا ينقصه «1» البذل ولا يصعب عليه العطاء وهذه مرتبة السّخاء.
الثّانية: أن يعطي الأكثر- ويبقي له شيئا أو يبقي- مثل ما أعطى، وهذا هو الجود.
الثّالثة: أن يؤثر غيره بالشّيء مع حاجته إليه وهذه مرتبة الإيثار «2» .
الإيثار والأثرة:
الأثرة عكس الإيثار؛ لأنّ الأثرة تعني استئثار المرء عن أخيه بما هو محتاج إليه، قال ابن القيّم: وهي المرتبة الّتي قال فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض «3» .
[للاستزادة: انظر: صفات: السخاء- البر- الجود- الشهامة- الكرم- الصدقة- الزكاة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأثرة- البخل- الشح] .
__________
(1) كما في الأصل، ولعل الصواب «يقضه» من قولهم (أقض مضجعه) أي آلمه وآذاه.
(2) مدارج السالكين (2/ 304) .
(3) المرجع السابق (2/ 309) بتصرف.(3/631)
الآيات الواردة في «الإيثار»
1- فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (89)
قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (91)
قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) «1»
2- وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) «2»
الآيات الواردة في «الإيثار» ولها معنى آخر
3- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) «3»
4- فَأَمَّا مَنْ طَغى (37)
وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) «4»
5- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (16)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (17) «5»
__________
(1) يوسف: 88- 92 مكية
(2) الحشر: 9 مدنية
(3) طه: 71- 72 مكية
(4) النازعات: 37- 39 مكية
(5) الأعلى: 14- 17 مكية(3/632)
الأحاديث الواردة في (الإيثار)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أنا أولى النّاس بالمؤمنين في كتاب الله- عزّ وجلّ-، فأيّكم ما ترك دينا أو ضيعة فادعوني فأنا وليّه.
وأيّكم ما ترك مالا فليؤثر بماله عصبته من كان» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يضمّ- أو يضيف- هذا؟ «2» » فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك «3» ونوّمي صبيانك «4» إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ضحك الله اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل الله وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ «5» وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ) * «6» .
3-* (عن ابن أسيد الأنصاريّ- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير دور الأنصار دار بني النّجّار، ودار بني عبد الأشهل، ودار بني الحارث بن الخزرج، ودار بني ساعدة، والله لو كنت مؤثرا بها أحدا لآثرت بها عشيرتي» ) * «7» .
الأحاديث الواردة في (الإيثار) معنى
4-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «8» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال:
فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي.
فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم.
ما به حاجة إلى هذه الجرعة «9» فأتيتها فشربتها. فلمّا
__________
(1) مسلم (1619) .
(2) من يضم- أو يضيف هذا- أي من يؤوي هذا فيضيفه و «أو» للشك من الراوي.
(3) أصبحي سراجك: أوقديه.
(4) نومي صبيانك: علليهم بشيء.
(5) الخصاصة: الفاقة.
(6) البخاري- الفتح 7 (3798) واللفظ له، ومسلم (2054) .
(7) مسلم (2511) .
(8) الجهد: الجوع والمشقة.
(9) الجرعة: يجوز فتح الجيم وضمها.(3/633)
أن وغلت «1» في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل قال- ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟
أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك. فقال:
«اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» قال فعمدت: إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة «2» ، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «3» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟» قال: قلت يا رسول الله: اشرب. فشرب ثمّ ناولني.
فقلت يا رسول الله: اشرب. فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«إحدى سوآتك يا مقداد» فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» . قال: فقلت والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من النّاس) * «4» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«إنّ الله قد أوجب لها بها الجنّة أو أعتقها بها من النّار» ) * «5» .
6-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «6» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» ) * «7» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله قال: «من عادى لي وليّا فقد آذنته «8» بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله
__________
(1) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.
(2) الشفرة: هي السكين العريضة.
(3) حافلة: كثيرة اللبن.
(4) مسلم (2055) .
(5) مسلم (2630) .
(6) أرملوا: أي فني طعامهم.
(7) البخاري- الفتح 5 (2486) ، ومسلم (2500) متفق عليه.
(8) آذنته بالحرب: أي أعلمته بها.(3/634)
الّتي يمشي بها «1» . وإن سألني لأعطينّه، وإن استعاذ بي لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته» ) * «2» .
8-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية «3» شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: «أنا نازل» ثمّ قام وبطنه معصوب «4» بحجر ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا «5» أهيل «6» أو أهيم فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق «7» وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة «8» . ثمّ جئت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ «9» قد كادت أن تنضج. فقلت:
طعيّم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان.
قال: «كم هو؟» فذكرت له فقال: «كثير طيّب» قال:
«قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي، فقال: «قوموا» . فقام المهاجرون والأنصار فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت:
نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» . فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» ) * «10» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربعة» . وفي لفظ لمسلم: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثّمانية» ) * «11» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-
__________
(1) معنى قوله: «كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» : قال الحافظ في الفتح: وقد استشكل كيف يكون البارئ جل وعلا سمع العبد، وبصره ... إلخ. والجواب من أوجه: أحدها: أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى: كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح وقال الخطابي: هذه أمثال، والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها، بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله، وإلى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي. انظر الفتح (11/ 352) وما بعدها بتصرف يسير.
(2) البخاري- الفتح 11 (6502) .
(3) الكدية: القطعة الشديدة الصلبة من الأرض.
(4) معصوب: مربوط.
(5) كثيبا: رملا.
(6) أهيل: غير متماسك. وأهيم بمعنى أهيل.
(7) العناق: أنثى المعز.
(8) البرمة: القدر.
(9) الأثافي: الحجارة التي توضع عليها القدور.
(10) البخاري 7 (4101) .
(11) البخاري- الفتح 9 (5392) ، مسلم (2058، 2059) .(3/635)
قال: قال أبو طلحة لأمّ سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير ثمّ أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت يدي ولا ثتني «1» ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ومعه النّاس فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم. قال:
«بطعام؟» قلت: نعم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن معه:
«قوموا» فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس وليس عندنا ما نطعمهم.
فقالت: الله ورسوله أعلم. فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هلمّي يا أمّ سليم ما عندك «2» ، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففتّ، وعصرت أمّ سليم عكّة فأدمته «3» ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال:
«ائذن لعشرة» فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأكل القوم كلّهم حتّى شبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا) * «4» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قدم عبد الرّحمن بن عوف فآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ وعند الأنصاريّ امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال:
بارك الله لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق، فأتى السّوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن فرآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد أيّام وعليه وضر من صفرة «5» ، فقال:
مهيم يا عبد الرّحمن «6» ؟ فقال: تزوّجت أنصاريّة. قال:
«فما سقت؟» . قال: وزن نواة من ذهب قال: «أو لم ولو بشاة» ) * «7» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل- وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92)
__________
(1) ولا ثتني ببعضه: أي لفتني به. يقال لاث العمامة على رأسه أي عصبها، والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه ... إلخ.
(2) هلمي ... إلخ: أحضري الطعام الذي عندك.
(3) وعصرت أم سليم عكة فأدمته: أي صيرت ما خرج من العكة له إداما، والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل.
(4) البخاري- الفتح 6 (3578) ، ومسلم (2040) متفق عليه.
(5) وضر من صفرة: أي أثر من زعفران.
(6) مهيم: كلمة يستفهم بها، معناه ما حالك وما شأنك وهي كلمة معربة.
(7) البخاري- الفتح 9 (5072) واللفظ له، ومسلم (1427) .(3/636)
قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ ذلك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «1» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإيثار)
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله الّذي لا إله إلّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت «2» لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله قال: «الحق» ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: «من أين هذا اللّبن؟» قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة- قال:
«أبا هرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي» . قال- وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون «3» على أهل ولا مال ولا على أحد.
إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها- فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال:
يا أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «خذ فأعطهم» . فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت:
لبّيك يا رسول الله. قال: «بقيت أنا وأنت» ، قلت:
صدقت يا رسول الله. قال: «اقعد فاشرب» ، فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» ، فشربت فما زال يقول:
«اشرب» . حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكا. قال: «فأرني» فأعطيته القدح فحمد الله
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له، ومسلم (998) .
(2) إن في الموضعين مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف والتقدير: إنه كنت، وفي هذه الصياغة توكيد فوق التوكيد بالقسم قبلها ليتلقى الخبر بالثقة فيه لأول وهلة.
(3) لا يأوون: قال ابن حجر: «والأكثر إلى بدل على» والمعنى ليس لهم أهل ولا مال يأوون إليه.(3/637)
وسمّى وشرب الفضلة) * «1» .
14-* (عن سهل بن سعد، قال: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببردة فقال سهل للقوم، أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟ فأخذها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم محتاجا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصّحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها؟ فقال: «نعم» فلمّا قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذها محتاجا إليها ثمّ سألته إيّاها وقد عرفت أنّه لا يسأل شيئا فيمنعه فقال: رجوت بركتها حين لبسها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلّي أكفّن فيها) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإيثار)
1-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال:
ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا ثمّ قل: يستأذن عمر ابن الخطّاب فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إنّي لا أعلم أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الّذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا. فسمّى عثمان وعليّا وطلحة والزّبير وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص. وولج «3» عليه شابّ من الأنصار فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله: كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثمّ استخلفت فعدلت، ثمّ الشّهادة بعد هذا كلّه. فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي، أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين خيرا:
أن يعرف لهم حقّهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا- الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان- أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم. وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وأن لا يكلّفوا فوق طاقتهم» ) * «4» .
2-* (عن قيس بن سعد بن عبادة- رضي الله عنهما- وكان من الأجواد المعروفين- حتّى إنّه مرض مرّة فاستبطأ إخوانه في العيادة «5» ، فسأل عنهم، فقالوا: إنّهم كانوا يستحيون ممّا لك عليهم من الدّين؛
__________
(1) البخاري- الفتح 11 (6452) .
(2) البخاري- الفتح 10 (6036) .
(3) ولج عليه شاب من الأنصار: دخل عليه.
(4) البخاري- الفتح 3 (1392) .
(5) العيادة: زيارة المريض.(3/638)
فقال: أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزّيارة. ثمّ أمر مناديا ينادي من كان لقيس عليه مال فهو في حلّ. فما أمسى حتّى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده» ) * «1» .
3-* (عن حذيفة العدويّ، قال: «انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين» ) * «2» .
4-* (قال الغزاليّ: «والإيثار أعلى درجات السّخاء» ) * «3» .
5-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلّا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إيّاه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إيّاه. قالت: ففعلت. قالت: فلمّا أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها.
فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك) * «4» .
6-* (روى النّسائيّ عن نافع أنّ ابن عمر اشتكى واشتهى عنبا، فأشري له عنقود بدرهم، فجاء مسكين فسأل، فقال: أعطوه إيّاه، فخالف إنسان فاشتراه بدرهم، ثمّ جاء به إلى ابن عمر، فجاء المسكين فسأل، فقال: أعطوه إيّاه، ثمّ خالف إنسان فاشتراه بدرهم، ثمّ جاء به إليه، فأراد السّائل أن يرجع فمنع.
ولو علم ابن عمر أنّه ذلك العنقود ماذاقه. لأنّ ما خرج لله لا يعود فيه) * «5» .
7-* (عن مالك الدّار: أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرّة، ثمّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، ثمّ تلكّأساعة في البيت حتّى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل.
وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكّأ في البيت ساعة حتّى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه فقال:
يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك،
__________
(1) مدارج السالكين (3/ 304) .
(2) إحياء علوم الدين، للغزالي 3 (258) ، وتفسير ابن كثير (4/ 338) .
(3) إحياء علوم الدين للعزالي (3/ 258) .
(4) القرطبي (18/ 19) . وكفن الشّاة: عجين برّ تغطّى به ثم تعلّق في التّنّور فلا يخرج من الودك شيء. والودك: الدّسم.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/639)
فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران فنحا «1» بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسرّ بذلك عمر وقال: إنّهم إخوة! بعضهم من بعض) * «2» .
8-* (سئل ذو النّون المصريّ: ما حدّ الزّاهد المنشرح صدره؟ قال ثلاث: تفريق المجموع، وترك طلب المفقود، والإيثار عند القوت) * «3» .
9-* (وحكي عن أبي الحسن الأنطاكيّ: أنّه اجتمع عنده نيّف وثلاثون رجلا بقرية من قرى الرّيّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرّغفان، وأطفئوا السّراج، وجلسوا للطّعام، فلمّا رفع فإذا الطّعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئا، إيثارا لصاحبه على نفسه» ) * «4» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأس شاة، فقال: إنّ أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منّا.
فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتّى تداولها أهل سبعة أبيات حتّى رجعت إلى الأوّل فنزلت وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر/ 9)) * «5» .
من فوائد (الإيثار)
(1) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضوانه.
(3) حصول الألفة والمحبّة بين النّاس.
(4) دليل سخاء النّفس وارتقائها.
(5) مظهر من مظاهر حسن الظّنّ بالله.
(6) علامة على حسن الخاتمة.
(7) الإيثار دليل علوّ الهمّة والبعد عن صفة الأثرة الذّميمة.
(8) الإيثار يجلب البركة وينمّي الخير.
(9) الإيثار من علامات الرّحمة الّتي توجب لصاحبها الجنّة ويعتق بها من النّار.
(10) الإيثار طريق موصّل إلى الفلاح لأنّه يقي الإنسان من داء الشّحّ.
__________
(1) كذا في رواية الطبراني في الكبير (2/ 33، 34) ، وقد سبق في (ص 626) .
(2) القرطبي (18/ 19) .
(3) المرجع السابق (18/ 20) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) الدر المثنور (8/ 107) .(3/640)
الإيمان
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 437/ 98/ 19/
الإيمان لغة:
مصدر آمن وهو مأخوذ من مادّة (أم ن) الّتي تدلّ على معنيين هما: الأمانة الّتي هي ضدّ الخيانة ومعناها سكون القلب، والتّصديق الّذي هو ضدّ التّكذيب، ومن المادّة أيضا الأمان وضدّه الخوف. أمّا الإيمان فضدّه الكفر، وقد أخذ هذا المعنى الأخير (من التّصديق) بإجماع أهل العلم كما يقول ابن منظور، وهو راجع إلى معنى الأمان؛ لأنّ العبد إذا آمن بالله أمّنه الله وصار في أمانه، قال- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام/ 82) ، وإنّما قيل للمصدّق بالله مؤمن لأنّه لمّا صدّقه: استسلم له وأمن كلّ من كان على مثل تصديقه فلم يستحلّ ماله ودمه وعرضه فأمنه من كان مثله، فيكون المؤمنون بعضهم في أمان بعض.
من ذلك قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حين سئل من المؤمن؟ قال:
«من أمن جاره بوائقه» وإذا كان الإيمان صفة للعبد عدّي بالباء واللّام فقيل: آمن بالله ولله؛ لأنّه يرجع إلى معنى التّصديق وإذا تكلّم به في صفة الله لم تدخل عليه اللّام أو الباء. لأنّه يراد به الأمان. «1»
المؤمن في أسماء الله تعالى:
قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى «المؤمن» وهو الّذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان (بمعنى) التّصديق، أو يؤمّنهم في القيامة من عذابه، فهو من الأمان والأمن الّذي هو ضدّ الخوف «2» .
وقال القرطبيّ: المؤمن هو المصدّق لرسله بإظهار معجزاته عليهم، ومصدّق المؤمنين ما وعدهم به من الثّواب، ومصدّق الكافرين ما أوعدهم من العقاب، وقيل المؤمن الّذي يؤمّن أولياءه من عذابه، ويؤمّن عباده من ظلمه؛ يقال: آمنه من الأمان كما قال تعالى وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش/ 4) ، فهو مؤمن، وقال النّابغة:
المؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكّة بين الغيل والسّند «3» .
واصطلاحا:
تحدّثت عن الإيمان اصطلاحا طوائف عديدة من أهل العلم من الفقهاء وأهل الحديث والمتكلّمين والمفسّرين وغيرهم، وقد تناول ذلك كلّ من التّهانويّ والعينيّ فقالا ما خلاصته:
__________
(1) انظر في ذلك مقاييس اللغة (1/ 133) ، اللسان (140، 141) ، والصحاح (5/ 2071) .
(2) النهاية في غريب الحديث 1/ 69.
(3) تفسير القرطبي 18/ 31.(3/641)
معنى الإيمان باعتبار عرف الشّرع اختلف فيه أهل القبلة على أربع فرق:
الأولى: الإيمان فعل القلب فقط أي تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في كلّ ما علم مجيئه به بالضّرورة تصديقا جازما مطلقا.
الثّانية: الإيمان عمل (إقرار) باللّسان فقط بشرط حصول المعرفة بالقلب، فإن لم تحصل كان صاحب ذلك مؤمن الظّاهر كافر السّريرة.
الثّالثة: الإيمان عمل القلب واللّسان أي الاعتقاد الجازم والإقرار بالشّهادتين، وقد نسب هذا إلى أبي حنيفة وعامّة الفقهاء وبعض المتكلّمين.
الرّابعة: الإيمان فعل القلب واللّسان وسائر الجوارح، وقد نسب القول بذلك إلى أصحاب الحديث ومالك والشّافعيّ والأوزاعيّ، ولأصحاب الحديث بعد ذلك أقوال ثلاثة:
الأوّل: المعرفة إيمان كامل وهي الأصل ثمّ بعد ذلك كلّ طاعة إيمان على حدة، وكذلك الجحود وإنكار القلب كفر، ثمّ بعد ذلك كلّ معصية كفر على حدة.
الثّاني: الإيمان اسم للطّاعات كلّها، فرائضها ونوافلها وهي بجملتها إيمان واحد، وترك الفرائض وحده هو الّذي ينقص الإيمان بخلاف النّوافل.
الثّالث: الإيمان اسم للفرائض دون النّوافل «1» .
وقد اقتصر الجرجانيّ على رأي الطّائفة الثّالثة عند ما عرّف الإيمان بأنّه: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللّسان. قيل فيمن شهد (أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله) وعمل ولم يعتقد فهو منافق ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخلّ بالشّهادة فهو كافر «2» . وذكر بعضهم رأي الطّائفة الرّابعة مقتصرا عليه فقال: وقيل في معناه: تصديق بالجنان وإقرار باللّسان وعمل بالأركان «3» ، أمّا ابن حجر فقد اقتصر على الطّائفة الأولى عند ما قرّر: أنّ الإيمان هو تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به عن ربّه «4» .
وقال الكفويّ: الإيمان عرفا: هو الاعتقاد الزّائد على العلم، وشرعا: هو إمّا فعل القلب فقط أو اللّسان فقط أو فعلهما جميعا، أو هما مع سائر الجوارح «5» .
بماذا نؤمن؟
جاء في حديث جبريل المشهور بيان لأصل الإيمان الّذي هو التّصديق الباطن وفيه تفصيل لما يجب أن نؤمن به، وذلك جوابا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأخبرني ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه، قال صلّى الله عليه وسلّم صدقت» «6» . فقسّم الإيمان بحسب ما يؤمن به إلى
__________
(1) بتلخيص عن الإمامين العيني والتهانوي في المرجعين السابقين، عمدة القاريء (1/ 111) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 137) .
(2) التعريفات للجرجاني (41) .
(3) شرح العقيدة الطحاوية (373) .
(4) فتح الباري (1/ 46) .
(5) انظر الكليات للكفوي (213) وقد أفاض في شرح هذا التعريف في الصفحات (213- 217) ونقل كلامه بحذافيره يخرج عن أغراض هذه الموسوعة فليرجع إلى هناك من شاء.
(6) انظر الحديث بتمامه في صحيح مسلم بشرح النووي ج 1 ص 157.(3/642)
ستّة أقسام هي:
1- الإيمان بالله تعالى.
2- الإيمان بالملائكة.
3- الإيمان بكتب الله.
4- الإيمان بالرّسل.
5- الإيمان باليوم الآخر.
6- الإيمان بالقدر.
يقول الشّيخ أبو بكر الجزائريّ فيما يتعلّق بالأصناف الأربعة الأولى: المسلم يؤمن بالله تعالى بمعنى أنّه يصدّق بوجود الرّبّ تبارك وتعالى، وأنّه عزّ وجلّ- فاطر السّموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة ربّ كلّ شيء ومليكه، لا إله إلّا هو، ولا ربّ غيره، وأنّه جلّ وعلا موصوف بكلّ كمال، منزّه عن كلّ نقص، ويؤمن كذلك بربوبيّته لجميع العالمين، كما أنّه يؤمن بألوهيّة الله تعالى لجميع الأوّلين والآخرين، وأنّه لا إله غيره، ولا معبود بحقّ سواه، والمسلم يؤمن أيضا بما لله تعالى من أسماء حسنى، وصفات عليا، ولا يشرك غيره فيها ولا يتأوّلها فيعطّلها، ولا يشبّهها بصفات المحدثين فيكيّفها أو يمثّلها؛ فهو يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصّفات، وينفي عنه تعالى ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلّى الله عليه وسلّم من كلّ عيب ونقص إجمالا وتفصيلا.
ويؤمن المسلم بملائكة الله تعالى، وأنّهم خلق من أشرف خلقه وعباد مكرّمون من عباده، خلقهم من نور، كما خلق الإنسان من صلصال كالفخّار، وخلق الجانّ من مارج من نار. وأنه تعالى وكّلهم بوظائف، فمنهم الحفظة على العباد، والكاتبون لأعمالهم، ومنهم الموكّلون بالجنّة ونعيمها، ومنهم الموكّلون بالنّار وعذابها، ومنهم المسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وأنّه تعالى فاضل بينهم، فمنهم الملائكة المقرّبون؛ كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومنهم دون ذلك.
ويؤمن المسلم بجميع ما أنزل الله تعالى من كتاب، وما آتى بعض رسله من صحف، وأنّها كلام الله أوحاه الله إلى رسله ليبلّغوا عنه شرعه ودينه وأنّ أعظم هذه الكتب الأربعة «القرآن الكريم» المنزّل على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، و «التّوراة» المنزّلة على نبيّ الله موسى عليه السّلام-، و «الزّبور» المنزّل على نبيّ الله داود- عليه السّلام-، و «الإنجيل» المنزّل على عبد الله ورسوله عيسى عليه السّلام، وأنّ «القرآن الكريم» هو أعظم هذه الكتب، والمهيمن عليها، والنّاسخ لجميع شرائعها وأحكامها، ويؤمن المسلم بأنّ «القرآن الكريم» هو الكتاب الشّامل لأعظم تشريع ربّانيّ، تكفّل منزّله لمن أخذ به أن يسعد في الدّارين، وتّوعّد من أعرض عنه فلم يأخذ به بالشّقاوة في الدّارين، وأنّه الكتاب الوحيد الّذي ضمن الله سلامته من النّقص والزّيادة، ومن التّبديل والتّغيير، وبقاءه حتّى يرفعه إليه عند آخر أجل هذه الحياة.
ويؤمن المسلم بأنّ الله تعالى قد اصطفى من النّاس رسلا وأوحى إليهم بشرعه، وعهد إليهم بإبلاغه لقطع حجّة النّاس عليه- سبحانه- يوم القيامة، وأرسلهم بالبيّنات والهدى، وايّدهم بالمعجزات، ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النّور.(3/643)
وأنّهم وإن كانوا بشرا يجري عليهم الكثير من الأعراض البشريّة فيأكلون ويشربون، ويمرضون ويصحّون، وينسون ويذكرون، ويموتون ويحيون، فهم أكمل خلق الله تعالى على الإطلاق وأفضلهم بلا استثناء، وأنّه لا يتمّ إيمان عبد إلّا بالإيمان بهم جميعا جملة وتفصيلا. ويؤمن المسلم بأنّ النّبيّ محمّدا بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشميّ القرشيّ العربيّ المنحدر من صلب إسماعيل بن إبراهيم الخليل- عليه السّلام-، هو عبد الله ورسوله أرسله إلى كافّة النّاس أحمرهم وأبيضهم، وختم بنبوّته النّبوّات وبرسالته الرّسالات، فلا نبيّ بعده، ولا رسول، أيّده بالمعجزات، وفضّله على سائر الأنبياء، كما فضّل أمّته على سائر الأمم. فرض محبّته، وأوجب طاعته، وألزم متابعته، وخصّه بخصائص لم تكن لأحد سواه منها: الوسيلة، والكوثر، والحوض، والمقام المحمود.
ويؤمن المسلم بأنّ لهذه الحياة الدّنيا ساعة أخيرة تنتهي فيها، ويوما آخر ليس بعده من يوم، ثمّ تأتي الحياة الثّانية في الدّار الآخرة فيبعث الله سبحانه الخلائق بعثا ويحشرهم إليه جميعا ليحاسبهم فيجزي الأبرار بالنّعيم المقيم في الجنّة، ويجزي الفجّار بالعذاب المهين في النّار. وأنّه يسبق هذا أشراط السّاعة وأماراتها، كخروج المسيح الدّجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى- عليه السّلام-، وخروج الدّابّة، وطلوع الشّمس من مغربها، وغير ذلك من الآيات، ثمّ ينفخ في الصّور نفخة الفناء والصّعق، ثمّ نفخة البعث والنّشور، والقيام لربّ العالمين، ثم تعطى الكتب، فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله، ويوضع الميزان، ويجري الحساب، وتنصب الصّراط، وينتهي الموقف الأعظم باستقرار أهل الجنّة في الّجنّة، وأهل النّار في النّار.
ويؤمن المسلم بأنّ نعيم القبر وعذابه، وسؤال الملكين فيه حقّ وصدق، ويؤمن كذلك بقضاء الله وقدره وحكمته ومشيئته، وأنّه لا يقع شيء في الوجود حتّى أفعال العباد الاختياريّة إلّا بعد علم الله بها وتقديره، وأنّه تعالى عدل في قضائه وقدره حكيم في تصرّفه وتدبيره، وأن حكمته تابعة لمشيئته. ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا به تعالى.
أ. هـ «1» .
معنى الإيمان باليوم الآخر:
يقول بعض الباحيثين: معنى ذلك بصورة إجماليّة:
الإيمان بكلّ ما أخبر به الله- عزّ وجلّ- في كتابه، وأخبر به رسوله صلّى الله عليه وسلّم ممّا يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، والبعث والحشر والصّحف والحساب والميزان والحوض والصّراط والشّفاعة والجنّة والنّار، وما أعدّ الله تعالى لأهلهما جميعا «2» .
وقد اهتمّ القرآن الكريم اهتماما عظيما باليوم الآخر، فقرّره في كلّ موقع، ونبّه إليه في كلّ مناسبة، وأكّد وقوعه بشتّى الأساليب. ومن مظاهر هذا الاهتمام:
__________
(1) بتصرف واختصار شديد من كتاب منهاج المسلم (10- 48) .
(2) الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه. د/ محمد نعيم ياسين ص 64.(3/644)
- ربط الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر في آيات كثيرة «1» .
تفصيل القرآن للأحداث الّتي تحدث في ذلك اليوم.
كثرة الأسماء الّتي سمّي بها «2» .
الإيمان بالقدر:
قال الإمام النّوويّ: اعلم أنّ مذهب أهل الحقّ إثبات القدر ومعناه: أنّ الله تبارك وتعالى قدّر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنّها ستقع في أوقات معلومة وعلى صفات مخصوصة على حسب ما قدّرها سبحانه، وقال الخطّابيّ: قد يحسب كثير من النّاس أنّ معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدّره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهّمونه، وإنّما معناه الإخبار عن تقدّم علم الله بما يكون من اكتساب العبد وصدور ذلك عن تقدير منه وخلق لأعماله خيرها وشرّها، والقدر- على ذلك- اسم لما صدر مقدّرا عن فعل القادر، والقضاء في هذا (السّياق) معناه الخلق كما في قوله تعالى فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ أي خلقهنّ «3» .
الفرق بين الإيمان والإسلام:
(انظر صفة الإسلام) .
استعمالات اسم الإيمان في لسان الشّرع:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
اسم الإيمان تارة يذكر مفردا غير مقرون باسم الإسلام ولا باسم العمل الصّالح ولا غيرهما، وتارة يذكر مقرونا، إمّا بالإسلام كما في حديث جبريل المشهور، وكقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ... (الأحزاب/ 35) وغيرها. وإمّا مقرونا مع العمل الصّالح وذلك في مواضع من القرآن كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... (البروج/ 11) . وإمّا مقرونا بالّذين أوتوا العلم، كقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ (الروم/ 56) .
ويذكر أيضا لفظ المؤمنين مقرونا بالّذين هادوا والنّصارى والصّابئين ثمّ يقول: ... مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة/ 62) .
فالمؤمنون في ابتداء الخطاب غير الثّلاثة، والإيمان الآخر عمّهم كما عمّهم في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ «4» .
ورود اسم «الإيمان» في القرآن:
وقد ورد اسم الإيمان في التّنزيل العزيز على أوجه منها:
الأوّل: بمعنى إقرار اللّسان كما في قوله تعالى:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ... (المنافقون/ 3) . أي آمنوا باللّسان وكفروا بالجنان.
الثّاني: بمعنى التّصديق، كما في قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ
__________
(1) راجع الآيات الواردة في ذلك مع الهوامش.
(2) راجع أسماء القيامة والآيات الواردة فيها.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي (154/ 155) باختصار وتصرف.
(4) مجموعة الفتاوى (17/ 13، 14) والآية 7 من سورة البينة.(3/645)
الْبَرِيَّةِ (البينة/ 7 مدنية) .
الثّالث: بمعنى التّوحيد وكلمة الإيمان كما في قوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (المائدة/ 5 مدنية) . أي يكفر بكلمة التّوحيد.
الرّابع: إيمان يخالطه شرك ويلابسه. كما في قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (يوسف/ 106 مكية) . فهم مؤمنون موحّدون توحيد الرّبوبيّة مشركون في توحيد الألوهيّة والأسماء والصّفات.
الخامس: بمعنى الصّلاة كما في قوله تعالى:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (البقرة/ 143 مدنية) .
أي صلاتكم «1» .
وقال أبو القاسم (الرّاغب) : الإيمان يستعمل تارة (في القرآن) اسما للشّريعة الّتي جاء بها محمّد صلّى الله عليه وسلّم ويوصف به كلّ من دخل في شريعته، مقرّا باللهو بنبوّته، وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النّفس للحقّ على سبيل التّصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق (تصديق) بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح، ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد، والقول الصّادق والعمل الصّالح:
إيمان، إلّا أنّ الإيمان هو التّصديق الّذي يحصل معه الأمن «2» .
وقد جعل ابن الجوزيّ الإذعان للحقّ على سبيل التّصديق وجها مستقلّا أطلق عليه «الإيمان الشّرعيّ» ، وهو ما جمع الأركان الثّلاثة المذكورة؛ وهي الإقرار والاعتقاد والعمل بمقتضى ذلك، ومثّل لذلك بقوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (البقرة/ 25) ، ثمّ ذكر وجها سابعا عن بعض المفسّرين هو الدّعاء ومثّل له بقوله تعالى ... إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا (يونس/ 98) أي دعوا «3» .
ونخلص من ذلك إلى أنّ لفظ «الإيمان» وما اشتقّ منه قد ورد في القرآن الكريم على أوجه هي:
1- الإقرار.
2- التّصديق.
3- التّوحيد.
4- إيمان يخالطه شرك.
5- الصّلاة.
6- الإيمان الشّرعيّ وهو ما جمع بين الإقرار والتّصديق والعمل بمقتضاهما.
7- الدّعاء.
وفيما يتعلّق بالسّياق اللّغويّ «4» الّذي ورد فيه اللّفظ وجدناه، إمّا أن يرد مفردا، وإمّا أن يقترن بالإسلام أو العمل الصّالح أو العلم أو بأصحاب الدّيانات الأخرى «5» أو بما ينبغي الإيمان به، وسنحاول تصنيف الآيات الّتي ورد فيها لفظ الإيمان بمراعاة الأمرين جميعا قدر الإمكان. (انظر ص 652) .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 150) .
(2) المرجع السابق (3/ 151) نقلا عن الراغب الأصفهاني في المفردات.
(3) نزهة الأعين النواظر (146) .
(4) المراد بالسياق اللغوي جملة الألفاظ التي أحاطت باللفظ عند استخدامه في الجملة.
(5) انظر ما نقلناه آنفا عن شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/ 13) .(3/646)
الإيمان المطلق مستلزم للأعمال:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: الإيمان المطلق مستلزم للأعمال بدليل قوله تعالى: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (السجدة/ 15) ، فنفى الإيمان عن غير هؤلاء، فمن كان إذا ذكّر بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله عليه من السّجود لم يكن من المؤمنين، ومثل هذه الآية قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (الأنفال/ 2) ، وقوله عزّ من قائل:
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (المجادلة/ 22) ، وقوله سبحانه وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ (المائدة/ 81) ، وقد بيّن سبحانه في هذه الآيات أنّ الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة، ومن أضداده موادّة من حادّ الله ورسوله، ومن هذا الباب قوله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن» «1» ، وقوله عليه الصّلاة والسّلام «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» «2» وأشباه هذا كثير «3» .
الإيمان المقترن بالإسلام أو العمل الصالح يحتمل وجوها عديدة:
إذا قرن الإيمان بالإسلام أو بالعمل الصّالح فإنّه قد يراد به ما في القلب من الإيمان (أي التّصديق الجازم) ، ولكن هل يراد به أيضا المعطوف «4» ، ويكون من باب عطف الخاصّ على العامّ؟ أو لا يكون داخلا فيه وإنّما لازم له؟ أو لا يكون هذا ولا ذاك؟ للنّاس في ذلك ثلاثة أقوال «5» ، ثمّ خلص إلى القول بأنّ لأئمّة السّنّة في تفسير الإيمان أقوالا كلّها صحيح، فمنهم من يقول: هو قول وعمل. ومنهم من يقول: هو قول وعمل ونيّة. ومنهم من يقول: هو قول وعمل ونيّة واتّباع للسّنّة، ومنهم من يقول هو قول باللّسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، فالّذين يقولون هو قول وعمل، فإنّه يدخل في القول «6» قول القلب واللّسان جميعا، وفي العمل عمل القلب والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أنّ لفظ القول لا يفهم منه إلّا القول الظّاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونيّة قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللّسان، وأمّا العمل فقد لا يفهم منه النّيّة فزاد ذلك، ومن زاد اتّباع السّنّة فلأنّ ذلك كلّه لا يكون محبوبا لله إلّا باتّباع السّنّة، وأولئك لم يريدوا كلّ قول وكلّ عمل، وإنّما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ومقصودهم الرّدّ على المرجئة الّذين جعلوه قولا فقط، وأمّا الّذين جعلوه أربعة أقسام (قول، وعمل، ونيّة، واتّباع للسّنّة) ففسّروا مرادهم بما قاله سهل بن عبد الله التّستريّ عند ما سئل: ما الإيمان؟
__________
(1) انظر الحديث رقم (78) .
(2) انظر الحديث رقم (84) وفيه «لا يدخل الجنة» بدلا من «لا يؤمن» . ولعلها رواية أخرى وقف عليها شيخ الإسلام.
(3) باختصار وتصرف يسير عن الفتاوى 7/ 160- 161.
(4) الفتاوى 7/ 162، وقد وقع فيه- خطأ- المعطوف عليه بدلا من المعطوف.
(5) أي ذهب بعضهم إلى أن المعطوف جزء من الإيمان، وبعضهم إلى أنه لازم له، وبعضهم إلى أنه مغاير له.
(6) انظر في مسمى القول والكلام: صفة الكلم الطيب.(3/647)
فقال: قول وعمل ونيّة، وسنّة، لأنّ الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نيّة فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونيّة بلا سنّة فهو بدعة «1» .
والخلاصة أنّ لفظ الإيمان إذا أطلق في القرآن والسّنّة يراد به ما يراد بلفظ البرّ، وبلفظ التّقوى، وبلفظ الدّين، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيّن أنّ الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، وكذلك لفظ البرّ يدخل فيه جميع ذلك إذا أطلق، وكذلك لفظ التّقوى، وكذلك لفظ الدّين أو دين الإسلام «2» .
أصل الإيمان:
وأصل الإيمان تصديق وإقرار ومعرفة وهو من باب قول القلب المتضمّن عمل القلب، والأصل في عمل القلب التّصديق والعمل تابع له، ولهذا فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإيمان بإيمان القلب وبخضوعه «3» ، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وفسّر الإسلام باستسلام مخصوص هو المباني (أي الأركان) الخمس، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: «الإسلام علانية والإيمان في القلب» ، إشارة إلى أنّ أعمال الإسلام يراها النّاس، وما في القلب من تصديق ومعرفة وحبّ وخشية ورجاء فهذا باطن، لكن له لوازم تدلّ عليه، مصداق ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة جميعا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم» ففسّر المسلم بأمر ظاهر وهو سلامة النّاس منه، وفسّر المؤمن بأمر باطن هو أن يأمنوه على دمائهم وأموالهم، وهذه الصّفة أعلى من تلك، فإنّ من كان مأمونا سلم النّاس منه، وليس كلّ من سلموا منه يكون مأمونا فقد يترك أذاهم، وهم لا يأمنون إليه، خوفا أن يكون ترك أذاهم لرغبة أو رهبة، لا لإيمان في قلبه «4» . يؤكّد هذا أيضا ما جاء في حديث عمرو بن عبسة أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما الإسلام؟ قال: «إطعام الطّعام ولين الكلام» قال: فما الإيمان؟ قال: السّماحة والصّبر» حيث إنّ إطعام الطّعام عمل ظاهر وكذلك لين الكلام، وأمّا السّماحة والصّبر فخلقان في النّفس «5» .
التصديق والإيمان ليسا مترادفين:
نفى ابن تيميّة التّرادف التّامّ بين الإيمان والتّصديق عند ما ذهب إلى أنّ الإيمان أخصّ منه «6» لأنّه تصديق يستعمل على نحو مخصوص، فآمن بمعنى صدّق لا تستعمل متعدّية بنفسها ولا بالباء، وإنّما متعدّية باللّام فقط، فهذا فرق في الاستعمال اللّغويّ، وأمّا من جهة الدّلالة أو المعنى فقال- رحمه الله تعالى-: إنّ الإيمان ليس مرادفا للفظ التّصديق في المعنى، لأنّ كلّ مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في
__________
(1) الفتاوى (7/ 170- 171) بتصرف واختصار.
(2) المرجع السابق (7/ 179) باختصار.
(3) يشير- رحمه الله- بذلك إلى ما جاء في حديث جبريل عند ما سأله: ما الإيمان؟.
(4) باختصار وتصرف يسير عن «الفتاوى» (7/ 263- 264) .
(5) المرجع السابق (264) .
(6) وهذا لا ينفي أن يكون هناك ترادف جزئي أي أنهما قد يستعملان أحيانا في نفس السياق كأن يقال: ما أنت بمصدّق لي، وما أنت بمؤمن لي.(3/648)
اللّغة صدقت، كما يقال: كذبت. وأمّا لفظ الإيمان فلا يستعمل إلّا في الخبر عن غائب، ولهذا يقال للشّهود صدّقناهم ولا يقال آمنّا لهم، ذلك أنّ الإيمان مشتقّ من الأمن (أو الأمانة) ولذلك فهو يستعمل في خبر يؤتمن عليه المخبر، ولم يستعمل لفظ آمن له في القرآن إلّا في هذا النّوع، والاثنان إذا اشتركا في معرفة الشّيء، يقال صدّق أحدهما صاحبه ولا يقال آمن له لأنّه لم يكن غائبا عنه، وعلى ذلك قوله سبحانه: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يصدّقهم فيما أخبروا به ممّا غاب عنه، وهم مأمونون «1» عنده على ذلك فاللّفظ متضمّن مع التّصديق معنى الائتمان والأمانة.
(ومن وجوه الفرق أيضا) أنّ لفظ الإيمان في اللّغة لم يقابل بالتّكذيب كما قوبل به لفظ التّصديق، وإنّما قوبل به لفظ الكفر. يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختصّ بالتّكذيب، لأنّ قائلا لو قال: أعلم أنّك صادق لكن لا أتّبعك، بل أعاديك وأبغضك ...
لكان كفره أعظم، فلمّا كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التّكذيب فقط، وإنّما يكون تكذيبا ومخالفة وامتناعا بلا تكذيب، ولمّا كان الأمر كذلك لزم أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة وموالاة وانقياد لا مجرّد التّصديق، وهنا يكون الإسلام جزء مسمّى الإيمان، كما كان الامتناع مع التّصديق جزء مسمّى الكفر، ومن ثمّ وجب أن يكون كلّ مؤمن مسلما منقادا للأمر وهذا هو العمل.
ومن وجوه الفرق أيضا ما قال به بعضهم (بعض اللّغويّين) من أنّ الإيمان أصله في اللّغة من الأمن الّذي هو ضدّ الخوف، وعلى ذلك يكون معنى آمن: صار داخلا في الأمن وأنشدوا على ذلك بيت النّابغة «2» :
المؤمن العائذات الطّير يمسحها ... ركبان مكّة بين الغيل والسّبد
وإذا سلّمنا بأنّ الإيمان أصله التّصديق، فهو تصديق مخصوص كما أنّ الصّلاة دعاء مخصوص، والحجّ قصد مخصوص، والصّيام إمساك مخصوص، وهذا التّصديق له لوازم تدخل في مسمّاه عند الإطلاق، لأنّ انتفاء اللّازم يقتضي انتفاء الملزوم «3» .
الإيمان ومكارم الأخلاق:
يقول ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: لفظ الإيمان إذا أطلق في القرآن والسّنّة يراد به ما يراد بلفظ البرّ، وبلفظ التّقوى، وبلفظ الدّين.
وقد بيّن صلّى الله عليه وسلّم أنّ الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، فكان كلّ ما يحبّه الله يدخل في اسم الإيمان «4» ، وإذا كان الإيمان أصله الإيمان الّذي في القلب، وأنّه لا بدّ فيه من شيئين: الأوّل تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التّوحيد، والآخر عمل القلب وهو
__________
(1) في الأصل (292) «وهو مأمون عنده على ذلك» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
(2) في الفتاوى «وأنشدوا.. ثم بياض» في الأصل لم يستطع المحقق إكماله، وقد أكملناه بفضل الله تعالى اعتمادا على ما ذكرته المصادر الأخرى.
(3) بتلخيص وتصرف من الفتاوى (7/ 286- 297) .
(4) المرجع السابق (7/ 179) .(3/649)
التّوكّل على الله وحده ونحوه مثل حبّ الله ورسوله، وحبّ ما يحبّه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده «1» كانت أعمال القلب من الحبّ والإخلاص والخشية والتّوكّل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى، وكانت هذه الأخلاق الفاضلة ونحوها داخلة في الإيمان، وأمّا البدن فلا يمكن أن يتخلّف عن مراد القلب، لأنّه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضّرورة، ولهذا قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب» ، وقال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده.
إنّه إذا كان عمل القلب من الأمور الباطنة، وعمل الجسد من الأمور الظّاهرة، فإنّ الظّاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظّاهر، وإذا فسد فسد، ولهذا قال من قال من الصّحابة عن المصلّي العابث: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه «2» ، وهكذا فإنّه لمّا كانت الطّاعات كلّها داخلة في الإيمان لم يفرّق الله عزّ وجلّ بينها وبينه في قوله سبحانه:
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ (الحجرات/ 7) ، فأدخل في الإيمان جميع الطّاعات لأنّه سبحانه حبّب إليهم ذلك حبّ تديّن، وكرّه إليهم الكفر والفسوق وسائر المعاصي كراهة تديّن، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن» لأنّ الله سبحانه حبّب إلى المؤمنين الحسنات وكرّه إليهم السّيّئات «3» .
إنّ الأخلاق الفاضلة من نحو صدق الحديث وأداء الأمانة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والجهاد للكفّار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السّبيل والمملوك من الآدميّين والبهائم، والدّعاء والذّكر وتلاوة القرآن، وكذلك حبّ الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدّين له، والصّبر لحكمه، والشّكر لنعمه، والرّضا بقضائه، والتّوكّل عليه والرّجاء لرحمته، والخوف من عذابه وأمثال ذلك، كلّها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أنّ العبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضيّة له «4» ، كما قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ 56) وبها أرسل الله جميع الرّسل، كما قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (المؤمنون/ 23) ، والدّين كلّه داخل في العبادة الّتي تتضمّن غاية الذّلّ لله بغاية المحبّة له «5» ، ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدّين وركنا أساسيّا من أركانه.
إنّ هذه الأخلاق الإيمانيّة- كما أطلق عليها
__________
(1) الفتاوى (7/ 186) بتصرف.
(2) المرجع السابق (7/ 187) .
(3) المرجع السابق (7/ 42- 43) بتصرف واختصار.
(4) المرجع السابق (10/ 149- 150) بتصرف يسير.
(5) المرجع السابق (10/ 152) . وانظر صفة «العبادة» .(3/650)
ابن تيميّة-: هي وجه من الوجوه الّتي يتفاضل فيها النّاس فيما يتعلّق بزيادة الإيمان ونقصه، يقول- رحمه الله تعالى-: من المعلوم بالذّوق الّذي يجده كلّ مؤمن أنّ النّاس يتفاضلون في حبّ الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتّوكّل عليه، والإخلاص له، وفي سلامة القلوب من الرّياء والكبر والعجب والرّحمة للخلق والنّصح لهم، ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانيّة «1» ، ومصداق هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «2» .
الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقي:
إنّه لمّا كانت الأخلاق من الإيمان بهذه المثابة، كان الإيمان هو مصدر الإلزام الخلقيّ «3» بمعنى أنّ الإيمان له قوّته الإيجابيّة الّتي تعمل على تنمية المشاعر وتنقيتها، وأنّ القوّة الإيمانيّة تترك بصماتها على اتّجاهات السّلوك الإنسانيّ، ولا سيّما في مجال العلاقات الإنسانيّة «4» ، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال/ 2- 4) . لقد نصّت هذه الآيات على خمس صفات للمؤمن الحقّ، وهذه الخمس- كما يقول ابن تيميّة تتضمّن ما عداها، فإنّه سبحانه ذكر وجل القلوب إذا ذكر الله، وزيادة الإيمان إذا تليت الآيات، مع التّوكّل على الله، وإقام الصّلاة، والإنفاق، فكان هذا مستلزما للباقي، لأنّ وجل القلب عند ذكر الله يقتضي خشيته والخوف منه «5» ، وإذا كان وجل القلب من ذكر الله يتضمّن خشيته ومخافته، فذلك يدعو صاحبه إلى فعل المأمور وترك المحظور «6» ، وقد استخلص من ذلك بعض الباحثين أنّ الالتزام الخلقيّ النّاتج عن الإيمان تكون له دوما مصادره أو روافده الّتي تذكيه وتزيد من عمقه وثباته سواء في مجال الإقدام على الخير، أو في مجال الابتعاد عن الشّرّ، وكلاهما لازم للآخر حسبما تقضي بذلك طبيعة الإيمان «7» .
(للاستزادة: انظر صفات: الإسلام- الاتباع الاستقامة- الإحسان- الإخلاص- الأمانة- بر الولدين- البر- التقوى- التوحيد- الدعوة إلى الله- الصدق- الصلاح- العبادة- الطاعة- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الكفر- الشرك- الإلحاد- الضلال- العصيان- الإعراض- الزندقة- النفاق- الفسوق- الرياء- الغي والإغواء- الردة- الفجور] .
__________
(1) انظر الأخلاق الإيمانية في مواطنها من هذه الموسوعة.
(2) بتصرف واختصار عن الفتاوى 7 (564) ، وانظر الحديث رقم 35 في هذه الصفة.
(3) ذهب بعضهم إلى أن الذوق أو الوجدان هو مصدر هذا الإلزام، وذهب فريق آخر إلى أنه العقل، وفريق ثالث إلى أنه الضمير، وفريق رابع إلى أنه العرف. انظر هذه الآراء تفصيلا في «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ص 111.
(4) النظرية الخلقية عند ابن تيمية ص 94.
(5) الفتاوى (7/ 19) .
(6) المرجع السابق (7/ 20) .
(7) النظرية الخلقية عند ابن تيمية ص 94.(3/651)
الآيات الواردة في «الإيمان»
أولا:
الإيمان (مفردا) مرادا به الإذعان للحق والتصديق به على سبيل المدح:
1- إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (26) «1»
2- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) «2»
3- وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104) «3»
4- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) «5»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) «6»
7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) «7»
8- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ
__________
(1) البقرة: 26 مدنية
(2) البقرة: 97 مدنية
(3) البقرة: 103- 104 مدنية
(4) البقرة: 165 مدنية
(5) البقرة: 172 مدنية
(6) البقرة: 183 مدنية
(7) البقرة: 208 مدنية(3/652)
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) «1»
9- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) «2»
10- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «3»
11- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «4»
12- وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) «5»
13- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «6»
14- اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257) «7»
__________
(1) البقرة: 213- 214 مدنية
(2) البقرة: 218 مدنية
(3) البقرة: 221 مدنية
(4) البقرة: 223 مدنية
(5) البقرة: 248- 249 مدنية
(6) البقرة: 253- 254 مدنية
(7) البقرة: 257 مدنية(3/653)
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) «1»
16- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) «2»
17- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) «3»
18- قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15)
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) «4»
19- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) «5»
20- وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) «6»
__________
(1) البقرة: 267 مدنية
(2) البقرة: 278 مدنية
(3) البقرة: 282 مدنية
(4) آل عمران: 15- 16 مدنية
(5) آل عمران: 28 مدنية
(6) آل عمران: 49 مدنية(3/654)
21- إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) «1»
22- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) «2»
23- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) «3»
24- ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) «4»
25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) «5»
26- وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141) «6»
27- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (149)
بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) «7»
28- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) «8»
29- فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) «9»
__________
(1) آل عمران: 68 مدنية
(2) آل عمران: 99- 100 مدنية
(3) آل عمران: 118 مدنية
(4) آل عمران: 119 مدنية
(5) آل عمران: 130 مدنية
(6) آل عمران: 139- 141 مدنية
(7) آل عمران: 149- 150 مدنية
(8) آل عمران: 156 مدنية
(9) آل عمران: 159- 160 مدنية(3/655)
30- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) «1»
31- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (178)
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «2»
32- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) «3»
33- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) «4»
__________
(1) آل عمران: 164- 173 مدنية
(2) آل عمران: 178- 179 مدنية
(3) آل عمران: 200 مدنية
(4) النساء: 19 مدنية(3/656)
34- وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) «1»
35- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) «2»
36- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43) «3»
37- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64)
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) «4»
38- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71) «5»
39- الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76) «6»
40- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) «7»
41- وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
__________
(1) النساء: 25 مدنية
(2) النساء: 29- 30 مدنية
(3) النساء: 43 مدنية
(4) النساء: 64- 65 مدنية
(5) النساء: 71 مدنية
(6) النساء: 76 مدنية
(7) النساء: 84 مدنية(3/657)
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) «1»
42- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) «2»
43- الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) «3»
44- الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) «4»
45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) «5»
46- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَ
__________
(1) النساء: 92- 95 مدنية
(2) النساء: 135 مدنية
(3) النساء: 139 مدنية
(4) النساء: 141 مدنية
(5) النساء: 144- 147 مدنية(3/658)
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (170) «1»
47- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2»
48- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8) «3»
49- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «4»
50- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي
__________
(1) النساء: 170 مدنية
(2) المائدة: 1- 2 مدنية
(3) المائدة: 6- 8 مدنية
(4) المائدة: 11- 12 مدنية(3/659)
سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) «1»
51- وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) «2»
52- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) «3»
53- لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «4»
54- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) «5»
55- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) «6»
56- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) «7»
57- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) «8»
58- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «9»
59- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) «10»
__________
(1) المائدة: 54 مدنية
(2) المائدة: 56- 58 مدنية
(3) المائدة: 65 مدنية
(4) المائدة: 82- 83 مدنية
(5) المائدة: 87- 88 مدنية
(6) المائدة: 90 مدنية
(7) المائدة: 101 مدنية
(8) المائدة: 105- 106 مدنية
(9) الأنعام: 82 مكية
(10) الأعراف: 32 مكية(3/660)
60- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) «1»
61- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) «2»
62- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15)
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18)
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) «3»
63- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) «4»
64- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) «5»
65- وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) «6»
__________
(1) الأعراف: 96 مكية
(2) الأنفال: 12 مدنية
(3) الأنفال: 15- 20 مدنية
(4) الأنفال: 27- 29 مدنية
(5) الأنفال: 45 مدنية
(6) الأنفال: 61- 65 مدنية(3/661)
66- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «1»
67- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) «2»
68- ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26)
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) «3»
69- قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) «4»
70- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) «5»
__________
(1) الانفال: 72- 75 مدنية
(2) التوبة: 23 مدنية
(3) التوبة: 26- 28 مدنية
(4) التوبة: 51 مدنية
(5) التوبة: 71- 72 مدنية(3/662)
71- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «1»
72- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) «2»
73- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) «3»
74- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1)
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «4»
75- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)
__________
(1) التوبة: 111- 113 مدنية
(2) التوبة: 119 مدنية
(3) التوبة: 122- 125 مدنية
(4) يونس: 1- 2 مكية(3/663)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (58) «1»
76- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) «2»
77- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) «3»
78- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) «4»
79- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27) «5»
80- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) «6»
81- وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) «7»
82- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) «8»
__________
(1) هود: 53- 58 مكية
(2) هود: 66 مكية
(3) هود: 84- 86 مكية
(4) هود: 94- 95 مكية
(5) ابراهيم: 27 مكية
(6) الحجر: 87- 89 مكية
(7) النحل: 64- 65 مكية
(8) النحل: 78- 79 مكية(3/664)
83- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107)
أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108)
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) «1»
84- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18)
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)
كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «2»
85- وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (82) «3»
86- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) «4»
87- إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) «5»
88- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «6»
89- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
__________
(1) النحل: 106- 109 مكية
(2) الاسراء: 18- 21 مكية
(3) الاسراء: 82 مكية
(4) الانبياء: 87- 88 مكية
(5) الحج: 38 مدنية
(6) الحج: 56- 57 مدنية(3/665)
وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) «1»
90- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5)
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (9)
أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (10)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (11) «2»
91- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «3»
92- إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111) «4»
93- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)
__________
(1) الحج: 77- 78 مدنية
(2) المؤمنون: 1- 11 مكية
(3) المؤمنون: 57- 61 مكية
(4) المؤمنون: 109- 111 مكية(3/666)
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) «1»
94- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) «2»
95- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(31) «3»
96- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) «4»
97- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) «5»
98- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) «6»
__________
(1) النور: 11- 24 مدنية
(2) النور: 27 مدنية
(3) النور: 30- 31 مدنية
(4) الشعراء: 8- 9 مكية
(5) الشعراء: 67- 68 مكية
(6) الشعراء: 103- 104 مكية(3/667)
99- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) «1»
100- فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) «2»
101- فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) «3»
102- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) «4»
103- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) «5»
104- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1)
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «6»
105- وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50)
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) «7»
106- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) «8»
107- أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) «9»
108- وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) «10»
109- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)
__________
(1) الشعراء: 121- 122 مكية
(2) الشعراء: 139- 140 مكية
(3) الشعراء: 158- 159 مكية
(4) الشعراء: 174- 175 مكية
(5) الشعراء: 190- 191 مكية
(6) النمل: 1- 3 مكية
(7) النمل: 50- 53 مكية
(8) النمل: 76- 77 مكية
(9) النمل: 86 مكية
(10) القصص: 10 مكية(3/668)
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) «1»
110- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (12) «2»
111- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) «3»
112- خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) «4»
113- وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) «5»
114- الم (1)
غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) «6»
115- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) «7»
116- النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (6) «8»
117- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)
__________
(1) القصص: 46- 48 مكية
(2) العنكبوت: 12 مكية
(3) العنكبوت: 24 مكية
(4) العنكبوت: 44 مكية
(5) العنكبوت: 50- 51 مكية
(6) الروم: 1- 6 مكية
(7) الروم: 36- 37 مكية
(8) الأحزاب: 6 مدنية(3/669)
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) «1»
118- وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) «2»
119- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) «3»
120- إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) «4»
121- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (69) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70)
__________
(1) الأحزاب: 9- 11 مدنية
(2) الأحزاب: 22- 27 مدنية
(3) الأحزاب: 41- 47 مدنية
(4) الأحزاب: 56- 59 مدنية(3/670)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) «1»
122- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) «2»
123- وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) «3»
124- سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) «4»
125- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «5»
126- سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121)
إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) «6»
127- سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) «7»
128- وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148) «8»
129- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10) «9»
130- أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) «10»
__________
(1) الأحزاب: 69- 73 مدنية
(2) سبأ: 20 مكية
(3) يس: 47 مكية
(4) الصافات: 79- 81 مكية
(5) الصافات: 109- 111 مكية
(6) الصافات: 120- 122 مكية
(7) الصافات: 130- 132 مكية
(8) الصافات: 139- 148 مكية
(9) الزمر: 10 مكية
(10) الزمر: 52 مكية(3/671)
131- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (23)
إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (25) «1»
132- وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (26)
وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «2»
133- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) «3»
134- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) «4»
135- وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (45) «5»
136- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10)
يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) «6»
137- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) «7»
138- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) «8»
139- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «9»
140- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) «10»
__________
(1) غافر: 23- 25 مكية
(2) غافر: 26- 27 مكية
(3) غافر: 51 مكية
(4) الشورى: 36 مكية
(5) الشورى: 45 مكية
(6) الدخان: 10- 12 مكية
(7) الجاثية: 3- 6 مكية
(8) الجاثية: 14 مكية
(9) الأحقاف: 10- 11 (10 مدنية، 11 مكية)
(10) محمد: 10- 11 مدنية(3/672)
141- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) «1»
142- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) «2»
143- لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20)
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) «3»
144- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) «4»
145- قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)
فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (37) «5»
146- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «6»
__________
(1) محمد: 19- 20 مدنية
(2) الفتح: 11- 12 مدنية
(3) الفتح: 18- 21 مدنية
(4) الفتح: 25 مدنية
(5) الذاريات: 31- 37 مكية
(6) الذاريات: 55 مكية(3/673)
147- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (21) «1»
148- أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) «2»
149- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «3»
150- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) «4»
151- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) «5»
152- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «6»
__________
(1) الطور: 21 مكية
(2) الحديد: 16 مدنية
(3) المجادلة: 9- 12 مدنية
(4) الحشر: 18 مدنية
(5) الممتحنة: 10 مدنية
(6) الممتحنة: 12- 13 مدنية(3/674)
153- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14) «1»
154- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) «2»
155- هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) «3»
156- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «4»
157- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً
(11) «5»
158- وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12) «6»
__________
(1) الصف: 14 مدنية
(2) الجمعة: 9- 11 مدنية
(3) المنافقون: 7- 9 مدنية
(4) التغابن: 13- 14 مدنية
(5) الطلاق: 8- 11 مدنية
(6) التحريم: 11- 12 مدنية(3/675)
159- وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً (28) «1»
160- وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «2»
161- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) «3»
162- قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «4»
الإيمان (مقترنا بما يؤمن به) مرادا به التصديق الجازم:
163- الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) «5»
164- يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
__________
(1) نوح: 26- 28 مكية
(2) المدثر: 31 مكية
(3) المطففين: 29- 35 مكية
(4) البروج: 4- 11 مكية
(5) البقرة: 1- 5 مدنية(3/676)
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) «1»
165- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121) «2»
166- قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) «3»
167- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «4»
168- وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) «5»
169- وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) «6»
170- وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
(232) «7»
171- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «8»
__________
(1) البقرة: 40- 41 مدنية
(2) البقرة: 121 مدنية
(3) البقرة: 136- 137 مدنية
(4) البقرة: 177 مدنية
(5) البقرة: 186 مدنية
(6) البقرة: 228 مدنية
(7) البقرة: 232 مدنية
(8) البقرة: 256 مدنية(3/677)
172- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) «1»
173- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) «2»
174- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «3»
175- فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (54) «4»
176- وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «5»
177- قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) «6»
178- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (110) «7»
179- لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)
__________
(1) البقرة: 264 مدنية
(2) البقرة: 285 مدنية
(3) ال عمران: 7 مدنية
(4) ال عمران: 52- 54 مدنية
(5) ال عمران: 81 مدنية
(6) ال عمران: 84 مدني
(7) ال عمران: 110 مدنية(3/678)
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) «1»
180- ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) «2»
181- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193)
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) «3»
182- وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) «4»
183- يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47) «5»
184- أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54)
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55) «6»
185- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «7»
186- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) «8»
187- وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160)
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161)
__________
(1) آل عمران: 113- 114 مدنية
(2) آل عمران: 119 مدنية
(3) آل عمران: 193- 194 مدنية
(4) آل عمران: 199 مدنية
(5) النساء: 47 مدنية
(6) النساء: 54- 55 مدنية
(7) النساء: 59 مدنية
(8) النساء: 152 مدنية(3/679)
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162) «1»
188- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (175) «2»
189- وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (12) «3»
190- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) «4»
191- لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78)
كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (80) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (81) «5»
192- وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) «6»
193- وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) «7»
194- وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) «8»
__________
(1) النساء: 159- 162 مدنية
(2) النساء: 175 مدنية
(3) المائدة: 12 مدنية
(4) المائدة: 59 مدنية
(5) المائدة: 78- 81 مدنية
(6) المائدة: 84- 85 مدنية
(7) المائدة: 111- 112 مدنية
(8) الأنعام: 54 مكية(3/680)
195- وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (92) «1»
196- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118)
فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119)
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120)
قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122)
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) «2»
197- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «3»
198- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) «4»
__________
(1) الأنعام: 92 مكية
(2) الاعراف: 117- 123 مكية
(3) الاعراف: 156- 158 مكية
(4) التوبة: 18- 20 مدنية(3/681)
199- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)
لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) «1»
200- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) «2»
201- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) «3»
202- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) «4»
203- إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (60) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (61) «5»
204- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
__________
(1) التوبة: 86- 89 مدنية
(2) التوبة: 99 مدنية
(3) الكهف: 13 مكية
(4) طه: 65- 73 مكية
(5) المؤمنون: 57- 61 مكية(3/682)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) «1»
205- لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) «2»
206- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) «3»
207- قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (44) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (46) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (48)
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) «4»
208- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (55) «5»
209- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (11) «6»
__________
(1) النور: 1- 2 مدنية
(2) النور: 46- 47 مدنية
(3) النور: 62 مدنية
(4) الشعراء: 43- 51 مكية
(5) القصص: 51- 55 مكية
(6) العنكبوت: 10- 11 مكية(3/683)
210- وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (47) «1»
211- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «2»
212- وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) «3»
213- إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) «4»
214- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «5»
215- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69) «6»
216- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) «7»
217- آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) «8»
218- وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19) «9»
__________
(1) العنكبوت: 46- 47 مدنية
(2) السجدة: 15 مكية
(3) سبأ: 21 مكية
(4) يس: 25- 27 مكية
(5) غافر: 7 مكية
(6) الزخرف: 66- 69 مكية
(7) الأحقاف: 31 مكية
(8) الحديد: 7- 8 مدنية
(9) الحديد: 19 مدنية(3/684)
219- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) «1»
220- ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (27)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) «2»
221- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) «3»
222- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (13) «4»
223- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «5»
224- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
__________
(1) الحديد: 21 مدنية
(2) الحديد: 27- 28 مدنية
(3) الممتحنة: 1 مدنية
(4) الممتحنة: 12- 13 مدنية
(5) الصف: 10- 13 مدنية(3/685)
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) «1»
225- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) «2»
226- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1)
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) «3»
227- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2) «4»
228- وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) «5»
229- وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (10) «6»
الإيمان بالقدر خيره وشره*:
230- وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) «7»
231- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ
__________
(1) التغابن: 8- 9 مكية
(2) التغابن: 11- 12 مكية
(3) الطلاق: 1- 2 مدنية
(4) الجن: 1- 2 مكية
(5) الجن: 13 مكية
(6) البروج: 8- 10 مكية
* لم ترد آيات يقترن فيها الإيمان بلفظ القدر، وإنما وردت آيات كريمة مثبتة قدر الله- عزّ وجلّ- ومن ثمّ يجب الإيمان بالقدر ركنا سادسا من أركان الإيمان.
(7) آل عمران: 145 مدنية(3/686)
لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «1»
232- وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (168) «2»
233- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) «3»
234- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) «4»
235- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) «5»
236- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (6) «6»
237- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (4)
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (5) «7»
238- وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) «8»
239- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42)
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) «9»
240- وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74)
وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75) «10»
241- وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) «11»
__________
(1) آل عمران: 154 مدنية
(2) آل عمران: 166- 168 مدنية
(3) الأنعام: 2 مكية
(4) الأعراف: 34 مكية
(5) يونس: 49 مكية
(6) هود: 6 مكية
(7) الحجر: 4- 5 مكية
(8) الإسراء: 58 مكية
(9) المؤمنون: 42- 43 مكية
(10) النمل: 74- 75 مكية
(11) السجدة: 13 مدنية(3/687)
242- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) «1»
243- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «2»
244- وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) «3»
245- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) «4»
246- وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (3) «5»
247- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
(11) «6»
248- فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) «7»
249- إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) «8»
__________
(1) الأحزاب: 38 مدنية
(2) سبأ: 1- 3 مكية
(3) فاطر: 11 مكية
(4) الحديد: 22 مدنية
(5) الحشر: 3 مدنية
(6) المنافقون: 10- 11 مدنية
(7) الطلاق: 2- 3 مدنية
(8) نوح: 1- 4 مكية(3/688)
250- قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) «1»
الإيمان (مقترنا بالعمل الصالح لفظا أو معنى) مرادا به الإذعان والتصديق:
251- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «2»
252- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) «3»
253- إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56)
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) «4»
254- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) «5»
255- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) «6»
256- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) «7»
__________
(1) الجن: 25- 28 مكية
(2) البقرة: 25 مدنية
(3) البقرة: 277 مدنية
(4) آل عمران: 55- 57 مدنية
(5) النساء: 57 مدنية
(6) النساء: 122 مدنية
(7) النساء: 124 مدنية(3/689)
257- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) «1»
258- وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) «2»
259- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) «3»
260- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) «4»
261- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «5»
__________
(1) النساء: 173 مدنية
(2) المائدة: 9 مدنية
(3) المائدة: 93 مدنية
(4) الأنفال: 72- 75 مدنية
(5) التوبة: 111- 113 مدنية(3/690)
262- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (4) «1»
263- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «2»
264- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63)
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) «3»
265- الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (30) «4»
266- وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (23) «5»
267- قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) «6»
268- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (97)
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
__________
(1) يونس: 4 مكية
(2) يونس: 9- 10 مكية
(3) يونس: 62- 64 مكية
(4) الرعد: 28- 30 مدنية
(5) إبراهيم: 23 مكية
(6) إبراهيم: 31 مكية(3/691)
وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «1»
269- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)
وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) «2»
270- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)
كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) «3»
271- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) «4»
272- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «5»
273- وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) «6»
__________
(1) النحل: 97- 102 مكية
(2) الإسراء: 9- 10 مكية
(3) الإسراء: 18- 21 مكية
(4) الكهف: 30- 31 مكية
(5) الكهف: 107- 110 مكية
(6) مريم: 56- 60 (56- 58 مدنية. 59- 60 مكية)(3/692)
274- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) «1»
275- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (82) «2»
276- وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) «3»
277- فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (94) «4»
278- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) «5»
279- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (24) «6»
280- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) «7»
281- الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (57) «8»
282- وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (63)
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (65) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (66) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (67)
__________
(1) مريم: 96 مكية
(2) طه: 80- 82 مكية
(3) طه: 111- 112 مكية
(4) الأنبياء: 94 مكية
(5) الحج: 14 مدنية
(6) الحج: 23- 24 مدنية
(7) الحج: 49- 50 مدنية
(8) الحج: 56- 57 مدنية(3/693)
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (68) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (69) إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) «1»
283- وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) «2»
284- وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) «3»
285- وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) «4»
286- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ
(58) «5»
287- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) «6»
288- مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) «7»
__________
(1) الفرقان: 63- 70 (63- 67 مكية، 68- 70 مدنية)
(2) الشعراء: 224- 227 مدنية
(3) القصص: 65- 67 مكية
(4) العنكبوت: 6- 9 مكية
(5) العنكبوت: 56- 58 مكية
(6) الروم: 14- 16 مكية
(7) الروم: 44- 45 مكية(3/694)
289- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) «1»
290- أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) «2»
291- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) «3»
292- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6)
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) «4»
293- وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) «5»
294- وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) «6»
295- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «7»
296- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) «8»
__________
(1) لقمان: 8- 9 مكية
(2) السجدة: 18- 19 مكية
(3) سبأ: 3- 4 مكية
(4) فاطر: 5- 7 مكية
(5) ص: 21- 24 مكية
(6) ص: 27- 28 مكية
(7) غافر: 58 مكية
(8) فصلت: 8 مكية(3/695)
297- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «1»
298- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (26) «2»
299- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21) «3»
300- وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) «4»
301- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3) «5»
302- إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) «6»
303- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ
__________
(1) الشورى: 22- 23 (22 مكية، 23 مدنية)
(2) الشورى: 25- 26 (25 مدنية، 26 مكية)
(3) الجاثية: 21 مكية
(4) الجاثية: 27- 30 مكية
(5) محمد: 2- 3 مدنية
(6) محمد: 12 مدنية(3/696)
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38) «1»
304- رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) «2»
305- بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) «3»
306- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) «4»
307- ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (18) «5»
308- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) «6»
309- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) «7»
310- وَالْعَصْرِ (1)
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3) «8»
__________
(1) محمد: 33- 38 مدنية
(2) الطلاق: 11 مدنية
(3) الانشقاق: 22- 25 مكية
(4) البروج: 11 مكية
(5) البلد: 17- 18 مكية
(6) التين: 4- 6 مكية
(7) البينة: 7- 8 مدنية
(8) العصر: 1- 3 مكية(3/697)
الإيمان (مقترنا بالإسلام) مرادا به الشريعة التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم:
311- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) «1»
312- إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) «2»
313- قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) «3»
الإيمان بمعنى التوحيد:
314- يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (4)
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (5) «4»
__________
(1) آل عمران: 102 مدنية
(2) الأحزاب: 35- 37 مدنية
(3) الحجرات: 14 مدنية
(4) المائدة: 4- 5 مدنية(3/698)
315- مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (107)
أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (108)
لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (109) «1»
316- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) «2»
317- وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29)
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) «3»
318- وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38)
يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) «4»
الإيمان بمعنى الإقرار باللسان:
319- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «5»
__________
(1) النحل: 106- 109 مكية
(2) غافر: 10 مكية
(3) غافر 28- 30 مكية
(4) غافر: 38- 40 مكية
(5) البقرة: 62 مدنية(3/699)
320- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) «1»
321- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) «2»
322- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) «3»
الإيمان قد يخالطه شرك أو ظلم:
323- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150)
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) «4»
324- الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) «5»
325- وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) «6»
الإيمان بمعنى الصلاة:
326- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) «7»
الإيمان بمعنى الدعاء:
327- فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98) «8»
__________
(1) النساء: 136- 137 مدنية
(2) المائدة: 69 مدنية
(3) الحج: 17 مدنية
(4) النساء: 150- 151 مدنية
(5) الأنعام: 82 مكية
(6) يوسف: 106 مكية
(7) البقرة: 143 مدنية
(8) يونس: 98 مكية(3/700)
الآيات الواردة في «القيامة وأسمائها»
1- القيامة:
1- إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77) «1»
2- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) «2»
3- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) «3»
4- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87) «4»
5- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36)
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37) «5»
6- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) «6»
7- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12)
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13)
اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) «7»
8- إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (93)
__________
(1) آل عمران: 77 مدنية
(2) آل عمران: 180 مدنية
(3) آل عمران: 185 مدنية
(4) النساء: 86- 87 مدنية
(5) المائدة: 36- 37 مدنية
(6) الأنعام: 12 مكية
(7) الإسراء: 12- 14 مكية(3/701)
لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (95) «1»
9- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «2»
10- وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) «3»
11- إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) «4»
2- يوم الدين:
12- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) «5»
3- الساعة:
13- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) «6»
14- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) «7»
15- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) «8»
16- يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) «9»
17- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) «10»
__________
(1) مريم: 93- 95 مكية
(2) الأنبياء: 47 مكية
(3) الزمر: 60 مكية
(4) فصلت: 40 مكية
(5) الفاتحة: 1- 4 مكية
(6) الأنعام: 31 مكية
(7) الأعراف: 187 مكية
(8) الحج: 1- 2 مدنية
(9) الأحزاب: 63 مكية
(10) سبأ: 3 مكية(3/702)
18- إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59) «1»
19- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46) «2»
4- اليوم الآخر:
20- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) «3»
21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) «4»
22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136) «5»
23- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (17) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) «6»
24- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) «7»
25- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) «8»
__________
(1) غافر: 59 مكية
(2) النازعات: 42- 46 مكية
(3) البقرة: 62 مدنية
(4) النساء: 59 مدنية
(5) النساء: 136 مدنية
(6) التوبة: 17- 19 مدنية
(7) الأحزاب: 21 مدنية
(8) المجادلة: 22 مدنية(3/703)
5- الحسرة:
26- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (40) «1»
6- البعث:
27- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) «2»
7- الفصل:
28- وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (22)
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24)
ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (25) «3»
29- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) «4»
30- فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) «5»
31- هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35)
وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)
هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)
فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) «6»
__________
(1) مريم: 37- 40 مكية
(2) الروم: 54- 57 مكية
(3) الصافات: 20- 26 مكية
(4) الدخان: 40- 42 مكية
(5) المرسلات: 8- 15 مكية
(6) المرسلات: 35- 40 مكية(3/704)
32- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18)
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19)
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) «1»
8- التلاقي:
33- فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14)
رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15)
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16)
الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) «2»
9- الجمع:
34- وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) «3»
35- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) «4»
10- الوعيد:
36- وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) «5»
11- الواقعة:
37- إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1)
لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2)
خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3)
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
__________
(1) النبأ: 17- 20 مكية
(2) غافر: 14- 17 مكية
(3) الشورى: 7 مكية
(4) التغابن: 7- 10 مدنية
(5) ق: 19- 22 مكية(3/705)
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5)
فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6)
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) «1»
12- التغابن:
38- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(9) «2»
13- الحاقة:
39- الْحَاقَّةُ (1)
مَا الْحَاقَّةُ (2)
وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) «3»
14- الحق:
40- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97) «4»
41- يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38)
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39)
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «5»
15- القارعة:
42- كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4) «6»
43- الْقارِعَةُ (1)
مَا الْقارِعَةُ (2)
وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7)
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8)
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10)
نارٌ حامِيَةٌ (11) «7»
16- الغاشية:
44- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2)
__________
(1) الواقعة: 1- 7 مكية
(2) التغابن: 9 مدنية
(3) الحاقة: 1- 3 مكية
(4) الأنبياء: 97 مكية
(5) النبأ: 38- 40 مكية
(6) الحاقة: 4 مكية
(7) القارعة: 1- 11 مكية(3/706)
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3)
تَصْلى ناراً حامِيَةً (4)
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8)
لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10)
لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11)
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12)
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) «1»
17- الصاخة:
45- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40)
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41)
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «2»
18- الطامة الكبرى:
46- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36)
فَأَمَّا مَنْ طَغى (37)
وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39)
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «3»
19- التنادي:
47- وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «4»
20- الراجفة:
48- يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8)
أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9) «5»
__________
(1) الغاشية: 1- 16 مكية
(2) عبس: 33- 42 مكية
(3) النازعات: 34- 41 مكية
(4) غافر: 32- 33 مكية
(5) النازعات: 6- 9 مكية(3/707)
21- الفتح:
49- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (28)
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) «1»
22- الوقت المعلوم:
50- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)
إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) «2»
51- قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)
إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) «3»
23- الحساب:
52- وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) «4»
53- يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) «5»
54- هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (50)
مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (51)
وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52)
هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (53) «6»
55- وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (27) «7»
24- الخروج:
56- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «8»
25- الخلود:
57- وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
__________
(1) السجدة: 28- 29 مكية
(2) الحجر: 36- 38 مكية
(3) ص: 79- 81 مكية
(4) ص: 16 مكية
(5) ص: 26 مكية
(6) ص: 49- 53 مكية
(7) غافر: 27 مكية
(8) ق: 41- 45 مكية(3/708)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) «1»
26- الموعود:
58- وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) «2»
27- الازفة:
59- وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) «3»
60- أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) «4»
__________
(1) ق: 31- 35 مكية
(2) البروج: 1- 3 مكية
(3) غافر: 18 مكية
(4) النجم: 57- 58 مكية(3/709)
الآيات الواردة في «وصف يوم القيامة»
61- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254) «1»
62- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) «2»
63- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) «3»
64- يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) «4»
65- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42)
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) «5»
66- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49)
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51)
هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «6»
67- وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
__________
(1) البقرة: 254 مدنية
(2) آل عمران: 30 مدنية
(3) آل عمران: 106 مدنية
(4) المائدة: 109 مدنية
(5) إبراهيم: 42- 44 مكية
(6) إبراهيم: 47- 52 مكية(3/710)
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (86)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (87)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (88)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «1»
68- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) «2»
69- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) «3»
70- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97)
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (98)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «4»
71- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47)
وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48)
__________
(1) النحل: 84- 89 مكية
(2) الإسراء: 12- 13 مكية
(3) الإسراء: 71- 72 مكية
(4) الإسراء: 97- 99 مكية(3/711)
وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (53) «1»
72- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100)
خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا (101)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102)
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (103)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً (104) «2»
73- وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) «3»
74- يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (104) «4»
75- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) «5»
76- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) «6»
__________
(1) الكهف: 47- 53 مكية
(2) طه: 99- 104 مكية
(3) الأنبياء: 47 مكية
(4) الأنبياء: 104 مكية
(5) الحج: 1- 2 مدنية
(6) الحج: 47 مدنية(3/712)
77- وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (21)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22)
وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23)
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (26)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «1»
78- وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) «2»
79- وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87) «3»
80- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) «4»
81- وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) «5»
__________
(1) الفرقان: 21- 29 مكية
(2) الشعراء: 87- 89 مكية
(3) النمل: 82- 87 مكية
(4) لقمان: 33 مكية
(5) الزمر: 60- 61 مكية(3/713)
82- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (70) «1»
83- رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) «2»
84- وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20)
وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) «3»
85- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) «4»
86- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10)
يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)
__________
(1) الزمر: 67- 70 مكية
(2) غافر: 15- 18 مكية
(3) فصلت: 19- 24 مكية
(4) الشورى: 47 مكية(3/714)
ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «1»
87- يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) «2»
88- وَالطُّورِ (1)
وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2)
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7)
ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (8)
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9)
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10)
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14)
أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15)
اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) «3»
89- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) «4»
90- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) «5»
91- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13)
يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) «6»
__________
(1) الدخان: 10- 16 مكية
(2) ق: 30 مكية
(3) الطور: 1- 16 مكية
(4) القمر: 6- 8 مكية
(5) القمر: 47- 48 مكية
(6) الحديد: 12- 15 مدنية(3/715)
92- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (5)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) «1»
93- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) «2»
94- وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11) «3»
95- يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) «4»
96- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6)
وَنَراهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16)
__________
(1) المجادلة: 5- 6 مدنية
(2) التحريم: 6- 8 مدنية
(3) الملك: 6- 11 مكية
(4) القلم: 42- 43 مكية(3/716)
تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعى (18) «1»
97- فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44) «2»
98- يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (14) «3»
99- فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17)
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) «4»
100- فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)
عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) «5»
101- فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) «6»
102- يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) «7»
103- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)
__________
(1) المعارج: 1- 18 مكية
(2) المعارج: 40- 44 مكية
(3) المزمل: 14 مكية
(4) المزمل: 17- 18 مكية
(5) المدثر: 8- 10 مكية
(6) القيامة: 7- 10 مكية
(7) الإنسان: 7 مدنية(3/717)
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (38) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «1»
104- يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8)
أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10)
أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11)
قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12)
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13)
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) «2»
105- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36)
فَأَمَّا مَنْ طَغى (37)
وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39)
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) «3»
106- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40)
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41)
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «4»
107- إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3)
وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4)
__________
(1) النبأ: 17- 40 مكية
(2) النازعات: 6- 14 مكية
(3) النازعات: 34- 41 مكية
(4) عبس: 33- 42 مكية(3/718)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8)
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11)
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14) «1»
108- وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3)
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8)
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10)
كِراماً كاتِبِينَ (11)
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12)
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15)
وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16)
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17)
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (18)
يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19) «2»
109- فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5)
خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6)
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (7)
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8)
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9)
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (10) «3»
110- الْقارِعَةُ (1)
مَا الْقارِعَةُ (2)
وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) «4»
__________
(1) التكوير: 1- 14 مكية
(2) الإنفطار: 3- 19 مكية
(3) الطارق: 5- 10 مكية
(4) القارعة: 1- 5 مكية(3/719)
الأحاديث الواردة في (الإيمان)
1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آية الإيمان حبّ الأنصار، وآية النّفاق بغض الأنصار» ) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انتدب «2» الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلّا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنّة. ولولا أن أشقّ على أمّتي ما قعدت خلف سريّة، ولوددت أنّي أقتل في سبيل الله ثمّ أحيا، ثمّ أقتل ثمّ أحيا، ثمّ أقتل» ) * «3» .
3-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما: «أتدرون أين تذهب هذه الشّمس؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «إنّ هذه تجري حتّى تنتهي إلى مستقرّها تحت العرش، فتخرّ ساجدة فلا تزال كذلك حتّى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثمّ تجري حتّى تنتهي إلى مستقرّها تحت العرش فتخرّ ساجدة. ولا تزال كذلك حتّى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثمّ تجري لا يستنكر النّاس منها شيئا حتّى تنتهي إلى مستقرّها ذاك تحت العرش. فيقال لها ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون متى ذاكم؟، ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» ) * «4» .
4-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟
قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا. حتّى تجلّاني الغشي «5» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبي.
فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء.
قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس.
فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا. حتّى الجنّة والنّار. وإنّه قد أوحي إلىّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا- أو مثل- فتنة المسيح الدّجّال. (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) . فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن. فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (17) . ومسلم (128) وأخرج مثله من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه (129) .
(2) انتدب الله: أى سارع بثوابه وحسن جزائه، وقيل أجابه إلى المراد أو تكفّل بمطلوبه.
(3) البخاري- الفتح 1 (36) واللفظ له. ومسلم (1876) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3199) . ومسلم (159) .
(5) الغشي: طرف من الإغماء، تجلاني الغشي أي أصابني طرف من الإغماء، وعلاني مرض قريب من الإغماء لطول الوقوف.(3/720)
بالبيّنات والهدى. فأجبنا وأطعنا. ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنّا نعلم، إنّك لتؤمن به. فنم صالحا.
وأمّا المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري. سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت» ) * «1» .
5-* (عن أبي مسعود- رضي الله عنه- قال:
أشار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيده نحو اليمن، فقال: «ألا إنّ الإيمان ههنا وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين «2» عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشّيطان في ربيعة ومضر» ) * «3» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم» ) * «4» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به.
فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» ) * «5» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس تنشقّ الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيّد النّاس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل من يدخل الجنّة ولا فخر. وأنا آتي باب الجنّة فاخذ بحلقتها. فيقولون من هذا؟ فأقول: أنا محمّد. فيفتحون لي. فأجد الجبّار. تبارك وتعالى.
مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد، وقل يسمع منك وقل يقبل منك واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي يا ربّ فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة من شعير من الإيمان فأدخله الجنّة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخله الجنّة فإذا الجبّار مستقبلي فأسجد له فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك واشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي أي ربّ.
فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه نصف حبّة من شعير من الإيمان فأدخلهم الجنّة، فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنّة.
فأجد الجبّار- عزّ وجلّ- مستقبلي. فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمّد وتكلّم يسمع منك وقل يقبل منك، واشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: أمّتي أمّتي، فيقول: اذهب إلى أمّتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبّة خردل من الإيمان فأدخله الجنّة فأذهب فمن وجدت في قلبه ذلك أدخلتهم الجنّة، وفرغ الله من حساب النّاس. وأدخل من بقي من أمّتي النّار مع
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (86) . ومسلم (905) .
(2) في الفدادين: هم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم.
(3) البخاري- الفتح 6 (3302) ، ومسلم (51) واللفظ له.
(4) الترمذي (1162) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (4682) . وأحمد (2/ 527) . والبيهقي في الشعب (1/ 26) وقال مخرجه: إسناده عنده حسن. والحاكم في مستدركه (1/ 3) وسكت عنه وقال الذهبي: صحيح. وذكره الألباني في الصحيحة (284) .
(5) مسلم (20) .(3/721)
أهل النّار. فيقول أهل النّار: ما أغنى عنكم أنّكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا. فيقول الجبّار: فبعزّتي لأعتقنّهم من النّار. فيرسل إليهم فيخرجون من النّار قد امتحشوا «1» فيدخلون الجنّة في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبّة في غثاء السّيل، ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله فيذهب بهم فيدخلون الجنّة فيقول لهم أهل الجنّة: هؤلاء الجهنّميّون. فيقول الجبّار بل هؤلاء عتقاء الجبّار عزّ وجلّ» ) * «2» .
9-* (عن عمرو بن الجموح- رضي الله عنه- أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحقّ العبد حقّ صريح الإيمان حتّي يحبّ لله ويبغض لله، فإذا أحبّ لله- تبارك وتعالى- وأبغض لله- تبارك وتعالى- فقد استحقّ الولاء من الله، وإنّ أوليائي من عبادي وأحبّائي من خلقي الّذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم) * «3» .
10-* (عن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: سأخبركم من المسلم. من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذّنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله» ) * «4» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّها النّاس، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا. وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (المؤمنون/ 51) . وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ (البقرة/ 172) . ثمّ ذكر: الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك» ) * «5» .
12-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثمّ شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، فذلك قوله* (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
» ) * «6» .
13-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدّرّيّ «7» الغابر
__________
(1) امتحشوا: أي احترقوا، من المحش بمعنى احتراق الجلد وظهور العظم كما في النهاية (4/ 302) .
(2) أحمد (3/ 144) . وله شاهد عند الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود وقال الهيثمي في المجمع (7/ 260) : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2536) .
(3) أحمد (3/ 430) واللفظ له، ولأحمد أيضا (4/ 286) عن البراء: «إنّ أوسط عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله» . وشرح السنة للبغوي (1/ 39، 40) .
(4) ابن منده (1/ 452) حديث (315) وقال مخرجه: حسن. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 368) واللفظ متفق عليه عندهما، وعزاه للبزار والطبراني في الكبير.
(5) مسلم (1015) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1369) . وهو جزء من حديث البراء الطويل في سؤال القبر. وجزء من الاية/ 27 من سورة إبراهيم.
(7) الكوكب الدري: الكوكب العظيم المضيء.(3/722)
من الأفق «1» من المشرق أو المغرب. لتفاضل ما بينهم.
قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم.
قال: «بلى، والّذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين» ) * «2» .
14-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّه قام فيهم فذكر لهم أنّ الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفّر عنّي خطاياي؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» . ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف قلت؟» . قال:
أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» . وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلّا الدّين فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك» ) * «3» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سئل أيّ العمل أفضل؟
فقال: «إيمان بالله ورسوله. قيل ثمّ ماذا؟ قال:
الجهاد في سبيل الله. قيل ثمّ ماذا؟ قال: حجّ مبرور «4» » ) * «5» .
16-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مرّ عليه بجنازة، فقال: «مستريح ومستراح منه» . قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن مستريح من نصب الدّنيا وأذاها إلى رحمة الله- عزّ وجلّ- والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشّجر والدّوابّ» ) * «6» .
17-* (عن الحارث الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ:
أوّلهنّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟. وإنّ الله أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ
__________
(1) الغابر من الأفق: الذي يميل إلى جهة الغرب.
(2) مسلم (2831) .
(3) رواه مسلم (1885) .
(4) الحج المبرور: الذي لا يخالطه شيء من الإثم، وقيل هو المتقبل.
(5) البخاري- الفتح 1 (26) . ومسلم (135) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6512) .(3/723)
ريح الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم.
وآمركم أن تذكروا الله؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهنّ: السّمع والطّاعة والجهاد والهجرة والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر «1» فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة فإنّه من جثا «2» جهنّم» ، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى الله الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد الله» ) * «3» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيّه من أهل الأرض، فصبر واحتسب وقال ما أمر به بثواب دون الجنّة» ) * «4» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يظلم مؤمنا حسنة. يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الاخرة. وأمّا الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدّنيا حتّى إذا أفضى «5» إلى الاخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» ) * «6» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبّة من إيمان إلّا قبضته» ) * «7» .
21-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ ناسا في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس بالظّهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟» قالوا: لا. يا رسول الله، قال: «ما تضارّون في رؤية الله- تبارك وتعالى- يوم القيامة إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما «8» . إذا كان
__________
(1) قيد شبر: أي قدر شبر، ويقال قيد رمح أي قدر رمح.
(2) جثا جهنم: يقال بالحاء المهملة من حثا: إذا عزف وضم، ويقال بالجيم جثا: جمع جثوة وهي الشيء المجموع (انظر النهاية 1/ 239) .
(3) الترمذي (2863) وقال: حديث حسن صحيح. وابن منده في الإيمان (1/ 376، 377) حديث (212) . وابن خزيمة (3/ 195) .
(4) النسائي (4/ 23) وقال محقق جامع الأصول (6/ 434) إسناده حسن.
(5) أفضى إلى الاخرة: أي صار إليها.
(6) مسلم (2808) .
(7) مسلم (117) .
(8) ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما: معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.(3/724)
يوم القيامة أذّن مؤذّن ليتّبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله- سبحانه- من الأصنام والأنصاب، إلّا يتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله من برّ وفاجر. وغبّر أهل الكتاب «1» .
فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنّا نعبد عزير ابن الله. فيقال: كذبتم ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربّنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النّار كأنّها سراب «2» يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النّار. ثمّ يدعى النّصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟
قالوا: كنّا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتّخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟
فيقولون: عطشنا يا ربّنا فاسقنا. قال فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنّم كأنّها سراب يحطم بعضها بعضا «3» فيتساقطون في النّار. حتّى إذا لم يبق إلّا من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر، أتاهم ربّ العالمين- سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من الّتي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كلّ أمّة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربّنا فارقنا النّاس في الدّنيا أفقر ما كنّا إليهم «4» ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون:
نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا (مرّتين أو ثلاثا) حتّى إنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب «5» . فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق «6» . فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلّا أذن الله له بالسّجود. ولا يبقى من كان يسجد اتّقاء ورياء إلّا جعل الله ظهره طبقة واحدة «7» . كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه. ثمّ يرفعون رءوسهم، وقد تحوّل في صورته الّتي رأوه فيها أوّل مرّة. فقال: أنا ربّكم.
فيقولون: أنت ربّنا. ثمّ يضرب الجسر على جهنّم. وتحلّ الشّفاعة «8» . ويقولون: اللهمّ سلّم سلّم. قيل: يا رسول
__________
(1) وغبر أهل الكتاب: معناه بقاياهم. جمع غابر.
(2) كأنها سراب: السراب ما يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لا معا مثل الماء يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
(3) يحطم بعضها بعضا: معناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبا. والحطم الكسر والإهلاك. والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما يلقى فيها.
(4) فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم: معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم.
(5) ليكاد أن ينقلب: هكذا هو في الأصل بإثبات أن: وإثباتها مع كاد لغة. كما أنّ حذفها مع عسى لغة. ومعنى ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.
(6) فيكشف عن ساق: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها. وهما صحيحان.
(7) ظهره طبقة واحدة: قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى.
(8) ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة: الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان: وهو الصراط. ومعنى تحل الشفاعة: بكسر الحاء وقيل بضمها: أي تقع ويؤذن فيها.(3/725)
الله وما الجسر؟ قال: «دحض مزلّة «1» فيه خطاطيف وكلاليب وحسك «2» . تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السّعدان. فيمرّ المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالرّيح وكالطّير وكأجاويد الخيل والرّكاب «3» .
فناج مسلّم. ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنّم «4» . حتّى إذا خلص المؤمنون من النّار، فو الّذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشدّ مناشدة لله، في استقصاء الحقّ «5» من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الّذين في النّار. يقولون: ربّنا كانوا يصومون معنا ويصلّون ويحجّون. فيقال لهم أخرجوا من عرفتم.
فتحرّم صورهم على النّار. فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النّار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه. ثمّ يقولون:
ربّنا ما بقي فيها أحد ممّن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا.
فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير «6» فأخرجوه.
فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها أحدا ممّن أمرتنا. ثمّ يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا.
ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها ممّن أمرتنا أحدا. ثمّ يقول:
ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرّة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثمّ يقولون: ربّنا لم نذر فيها خيرا «7» .
وكان أبو سعيد الخدريّ يقول: إن لم تصدّقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (النساء/ 40) فيقول الله- عزّ وجلّ: (شفعت الملائكة وشفع النّبيّون وشفع المؤمنون. ولم يبق إلّا أرحم الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «8» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد
__________
(1) دحض مزلة: الدحض والمزلة بمعنى واحد. وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر. ومنه: دحضت الشمس أي مالت. وحجة داحضة أي لا ثبات لها.
(2) فيها خطاطيف وكلاليب وحسك: أما الخطاطيف فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد. والكلاليب بمعناه. وأما الحسك فهو شوك صلب من حديد.
(3) وكأجاويد الخيل والركاب: من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال في النهاية: الأجاويد جمع أجواد، وهو جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي. والركاب أي الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها. فهو عطف على الخيل. والخيل جمع الفرس من غير لفظه.
(4) فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم: معناه أنهم ثلاثة أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا. وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص. وقسم يكدس ويلقى فيسقط في جهنم. قال في النهاية: وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط. ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا.
(5) في استقصاء الحق: أي تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.
(6) من خير: قال القاضي عياض. رحمه الله.: قيل: معنى الخير هنا اليقين. قال: والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان. لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق، لا يتجزأ. وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى، ونية صادقة.
(7) لم نذر فيها خيرا: هكذا هو خير بإسكان الياء أي صاحب خير.
(8) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة.(3/726)
عادوا حمما «1» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «2» ، يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «3» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر.
ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظّلّ يكون أبيض «4» ؟ فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «5» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «6» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون:
يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «7» .
22-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه. قال:
انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، يعني عظيم الرّوم، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل: هل ههنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ قالوا: نعم. قال:
فدعيت في نفر من قريش. فدخلنا على هرقل.
فأجلسنا بين يديه. فقال: أيّكم أقرب نسبا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت:
أنا. فأجلسوني بين يديه. وأجلسوا أصحابي خلفي.
ثمّ دعا بترجمانه «8» فقال له: قل لهم: إنّي سائل هذا عن
__________
(1) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير الى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
(2) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزفة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
(3) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فاذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.
(4) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
(5) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ.
(6) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله.
(7) البخاري- الفتح 13 (7439) . ومسلم (182) واللفظ له.
(8) الترجمان: هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى أخرى.(3/727)
الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ. فإن كذبني فكذّبوه «1» .
قال: فقال أبو سفيان: وأيم الله لولا مخافة أن يؤثر عليّ الكذب «2» لكذبت. ثمّ قال لترجمانه: سله. كيف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا ذو حسب. قال:
فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.
قال: ومن يتّبعه؟ أشراف النّاس أم ضعفاؤهم؟ قال:
قلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قال قلت: لا. بل يزيدون. قال: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه، سخطة له؟ قال قلت: لا.
قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: كيف كان قتالكم إيّاه؟ قال قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا «3» . يصيب منّا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو صانع فيها «4» . قال: فو الله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه.
قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قال قلت: لا. قال لترجمانه: قل له. إنّي سألتك عن حسبه فزعمت أنّه فيكم ذو حسب، وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها. وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟
فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه، أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب. وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قد قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرّسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر، وكذلك الرّسل لا تغدر. وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت رجل ائتمّ بقول قيل قبله. قال:
ثمّ قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف «5» . قال: إن يكن ما تقول فيه حقّا، فإنّه نبيّ، وقد كنت أعلم أنّه خارج، ولم أكن أظنّه منكم، ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه، لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغنّ ملكه ما
__________
(1) إن كذبني فكذّبوه: كذب بمعني أخطأ والمعنى إن أخطأ في كلامه فقولوا قد أخطأ.
(2) أن يؤثر علي الكذب: أي ينقل علي الكذب.
(3) تكون الحرب سجالا: والسجل هو الدلو ومعنى الحرب سجالا تشبيها لها بالاستقاء فيستقي هذا دلوا وهذا دلوا، وقد قال أبو سفيان عن يوم أحد (يوم بيوم بدر) والحرب سجال.
(4) المدة: هي صلح الحديبية التي عقدها الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع مشركي قريش في العام الثالث من الهجرة.
(5) العفاف: هو طلب العفاف والتعفف هو الكف عن الحرام وسؤال الناس.(3/728)
تحت قدميّ قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأه.
فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم. من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين «1» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران/ 64) » فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط. وأمر بنا فأخرجنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة «2» إنّه ليخافه ملك بني الأصفر «3» .
قال: فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر، حتّى أدخل الله عليّ الإسلام» ) * «4» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وستّون شعبة والحياء شعبة من الإيمان» ) * «5» .
24-* (عن معاوية بن الحكم السّلميّ- رضي الله عنه- قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم «6» . فقلت: واثكل أمّياه «7» . ما شأنكم؟ تنظرون إليّ. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلمّا رأيتهم يصمّتونني. لكنّي سكتّ. فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه. فو الله ما كهرني «8» ولا ضربني ولا شتمني. قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس. إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» .
أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله، إنّي حديث عهد بجاهليّة. وقد جاء الله بالإسلام. وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» قال: ومنّا رجال يتطيّرون «9» . قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدّنّهم» . قال: قلت: ومنّا
__________
(1) الأريسيين: هو جمع أريس قال ابن سيده: الأريس هو الأكار أي الفلاح عند ثعلب، وعند قراعة هو الأمير، وقال الجوهري لغة شامية، وأنكر ابن فارس أن تكون عربية: والمعنى أنهم المزارعون في المملكة وهم الضعفاء المأمورون والأصاغر أتباع الأكابر، ولذا يكون عليه وزرهم إذا لم يسلموا تقليدا له.
(2) لقد أمر أمر ابن أبي كبشة: أما أمر فبفتح الهمزة وكسر الميم، أي عظم. وأما قوله: ابن أبي كبشة، فقيل: هو رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى، ولم يوافقه أحد من العرب في عبادتها. فشبهوا النبي صلّى الله عليه وسلّم به لمخالفته إياهم في دينهم، كما خالفهم أبو كبشة.
(3) بني الأصفر: بنو الأصفر هم الروم.
(4) البخاري- الفتح 1 (6) . مسلم (1773) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 1 (9) ، مسلم 1 (57) وعند مسلم بلفظ آخر هو: «الايمان بضع وسبعون شعبة» .
(6) رماني القوم بأبصارهم، أي نظرو إليّ حديدا كما يرمي بالسهم، زجرا بالبصر من غير كلام.
(7) واثكل أمياه: بضم الثاء وإسكان الكاف، وبفتحهما جميعا، لغتان كالبخل والبخل، حكاهما الجوهري وغيره. وهو فقدان المرأة ولدها، أي وافقد أمي إياي فإني هلكت.
(8) كهرني: نهرني.
(9) يتطيرون: من التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرها، وكان ذلك بغرض التشاؤم والتفاؤل وقد حرمه الإسلام لأنه يصدّ عن المقاصد ولأنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر (النهاية 3/ 152) .(3/729)
رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ.
فمن وافق خطّه فذاك «1» » قال: وكانت جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانيّة «2» . فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكنّي صككتها «3» صكّة.
فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها قال «ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها «أين الله؟» قالت: في السّماء. قال: «من أنا؟» قالت:
أنت رسول الله. قال: «أعتقها، فإنّها مؤمنة» ) * «4» .
25-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد.
دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد. ثمّ عقله ثمّ قال لهم: أيّكم محمّد؟ والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم متّكى بين ظهرانيهم فقلنا: هذا الرّجل الأبيض المتّكئ. فقال له الرّجل: يا ابن عبد المطّلب، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«قد أجبتك» . فقال الرّجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّي سائلك فمشدّد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك «5» .
فقال: «سل عمّا بدا لك» . فقال: أسألك بربّك وربّ من قبلك، الله أرسلك إلى النّاس كلّهم؟
فقال: «اللهمّ نعم» . قال: أنشدك بالله، الله أمرك أن نصلّي الصّلوات الخمس في اليوم واللّيلة؟ قال:
«اللهمّ نعم» . قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشّهر من السّنة؟ قال: «اللهمّ نعم» . قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصّدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ نعم» فقال الرّجل: آمنت بما جئت به. وأنا رسول من ورائي من قومي. وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر) * «6» .
26-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم. إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب. شديد سواد الشّعر، لا يرى عليه أثر السّفر. ولا يعرفه منّا أحد، حتّى جلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال: يا محمّد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا» . قال: صدقت. قال فعجبنا له يسأله ويصدّقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال:
«أن تؤمن بالله» ، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الاخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» ، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: «أن تعبد الله
__________
(1) ظاهر معناه الخط في الرمل وقال النووي في ذلك: الصحيح أن معناه: من وافق خطه فهو مباح، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها.
(2) الجوانية: مكان شمال المدينة قرب أحد.
(3) صككتها: لطمتها.
(4) مسلم 1 (537) .
(5) فلا تجد علي في نفسك: أي لا تغضب مني أو من سؤالي (النهاية 5/ 155) .
(6) البخاري الفتح 1 (63) . مسلم (868) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- بلفظ مختلف.(3/730)
كأنّك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنّه يراك» . قال:
فأخبرني عن السّاعة. قال «: ما المسئول عنها بأعلم من السّائل» . قال: فأخبرني عن أماراتها «1» . قال: «أن تلد الأمة ربّتها «2» . وأن ترى الحفاة العراة، العالة، رعاء الشّاء «3» ، يتطاولون في البنيان» . قال ثمّ انطلق.
فلبثت مليّا. ثمّ قال لي: «يا عمر أتدري من السّائل» ؟
قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه جبريل، أتاكم يعلّمكم دينكم» ) * «4» .
27-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» ) * «5» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشّمس من مغربها، والدّجّال، ودابّة الأرض» ) * «6» .
29-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النّار» ) * «7» .
30-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، والعبد المملوك إذا أدّى حقّ الله وحقّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدّبها فأحسن تأديبها وعلمّها فأحسن تعليمها ثمّ أعتقها فتزوّجها فله أجران» ) * «8» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «جاء أهل اليمن. وهم أرقّ أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية» ) * «9» .
32-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الاخر» ) * «10» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) أمارتها: الأمارة هي العلامة.
(2) ربتها: أي سيدتها.
(3) العالة، رعاء الشاء: العالة من العول وهو الإنفاق أو القيام بما يلزم من نفقة العيال من قوت وكسوة وغيرها وهي من عال الرجل عياله يعولهم إلا قام بما يحتاجون إليه من نفقة أو كسوة (النهاية ج 3 ص 321) .
(4) مسلم 1 (8) . البخاري- الفتح 1 (40) من حديث أبي هريرة وكذا مسلم (9) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6011) ومسلم (2586) .
(6) مسلم (158) ، البخاري الفتح 8 (4635) نحوه مختصرا.
(7) البخاري- الفتح 1 (21) مسلم (43) .
(8) البخاري- الفتح 1 (97) وهذا لفظه مسلم (154)
(9) البخاري- الفتح 8 (4388) ومن حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- رقم (4390) . مسلم (52) واللفظ له.
(10) الحاكم (1/ 22) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي. وذكره الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 400) وقال: رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس. ورواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (8) وقال الألباني: موقوف على ابن عمر وسنده صحيح، وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (1681) وعزاه للحاكم.(3/731)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة، والبذاء «1» من الجفاء والجفاء في النّار» ) * «2» .
34-* (عن جابر بن سمرة- رضي الله عنهما- قال: خطب عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام في مثل مقامي هذا فقال: «أحسنوا إلى أصحابي، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يفشو الكذب حتّى يحلف الرّجل على اليمين قبل أن يستحلف عليها «3» . ويشهد على الشّهادة قبل أن يستشهد عليها «4» ، فمن أحبّ منكم أن ينال بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة؛ فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. ألا لا يخلونّ رجل بامرأة فإنّ ثالثهما الشّيطان. ألا ومن كان منكم تسوءه سيّئته وتسرّه حسنته فهو مؤمن» ) * «5» .
35-* (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا» ) * «6» .
36-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنازة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس، إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرّق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال: ما تقول في هذا الرّجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فيقول: صدقت ثمّ يفتح له باب إلى النّار فيقول هذا كان منزلك لو كفرت بربّك فإذ آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنّة فيريد أن ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره، وإن كان كافرا أو منافقا يقول له ما تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا.
فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيقول هذا منزلك لو آمنت بربّك، فأمّا إذ كفرت فإنّ الله- عزّ وجلّ- أبدلكم به هذا ويفتح له باب إلى النّار ثمّ يقمعه قمعة بالمطراق يسمعها خلق الله، كلّهم غير الثّقلين» فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلّا هبل «7» عند ذلك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (إبراهيم/ 27) » ) * «8» .
__________
(1) البذاء: الفحش في الكلام.
(2) الترمذي (2009) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 53) وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي. ورواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان وقال الشيخ ناصر الألباني: حسن وصححه. الترمذي (14) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح وعزاه لابن حبان. وقال محقّق «جامع الأصول» (3/ 617) : إسناده حسن.
(3) يستحلف عليها: أي يطلب منه الحلف من قولهم استحلفه أي طلب منه الحلف.
(4) يستشهد (مثل يستحلف) أي تطلب منه الشهادة.
(5) ابن منده في كتاب الإيمان (3/ 983) حديث (1087) . وقال مخرجه: إسناده صحيح، وعزاه للخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (6/ 57) . ورواه ابن حبان في «الإحسان» رقم (5586) .
(6) مسلم (34) .
(7) هبل: فقد عقله.
(8) رواه أحمد (3/ 4) وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 552) : إسناده حسن لا بأس به.(3/732)
37-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت قلت يا رسول الله، إنّي لأعلم أشدّ آية في القرآن.
قال: «أيّة آية يا عائشة؟» قالت: قول الله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (النساء/ 123) قال: «أما علمت يا عائشة أنّ المؤمن تصيبه النّكبة أو الشّوكة فيكافأ بأسوأ عمله ومن حوسب عذّب» قالت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (الانشقاق/ 8) قال: «ذاكم العرض، يا عائشة من نوقش الحساب عذّب» ) * «1» .
38-* (عن سفيان بن عبد الله الثّقفيّ- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: «قل آمنت بالله فاستقم» ) * «2» .
39-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قيل يا رسول الله أيّ النّاس أفضل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» . قال: ثمّ من؟ قال: «مؤمن في شعب «3» من الشّعاب يتّقي الله ويدع النّاس من شرّه» ) * «4» .
40-* (عن صهيب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم.
وكان له ساحر. فلمّا كبر قال للملك، إنّي قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلّمه السّحر. فبعث إليه غلاما يعلّمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى السّاحر مرّ بالرّاهب وقعد إليه. فإذا أتى السّاحر ضربه. فشكا ذلك إلى الرّاهب. فقال: إذا خشيت السّاحر فقل:
حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني السّاحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابّة عظيمة قد حبست النّاس. فقال: اليوم أعلم السّاحر أفضل أم الرّاهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الرّاهب أحبّ إليك من أمر السّاحر فاقتل هذه الدّابّة، حتّى يمضي النّاس. فرماها فقتلها، ومضى النّاس.
فأتى الرّاهب فأخبره، فقال له الرّاهب: أي بنيّ! أنت اليوم أفضل منّي، قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنّك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ. وكان الغلام يبرأ الأكمه والأبرص ويداوي النّاس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني.
فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فامن بالله، فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك:
من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربّي. قال: ولك ربّ غيري؟! قال: ربّي وربّك الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام. فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بنيّ! قد بلغ من سحرك ما تبرأ الأكمه «5» والأبرص وتفعل وتفعل؟. فقال: إنّي لا أشفي
__________
(1) أبو داود (3093) . وروى البخاري بعضه في الفتح 8 (4939) . ومسلم رقم (2876) وانظر «جامع الأصول» (2/ 112) .
(2) مسلم (38) .
(3) الشعب: الوادي بين الجبلين.
(4) البخاري- الفتح 11 (6494) . واللفظ لابن منده في الإيمان (2/ 403) حديث (247) .
(5) الأكمه: الذي خلق أعمى.(3/733)
أحدا. إنّما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار «1» ، فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال:
اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا. فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته «2» فإن رجع عن دينه وإلّا فاطرحوه.
فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهمّ! اكفنيهم بما شئت. فرجف «3» بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال:
كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور «4» فتوسّطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلّا فاقذفوه. فذهبوا به. فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السّفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال:
كفانيهم الله. فقال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع النّاس في صعيد «5» واحد وتصلبني على جذع ثمّ خذ سهما من كنانتي ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «6» ثمّ قل باسم الله ربّ الغلام. ثمّ ارمني فإنّك إذا فعلت ذلك.
قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثمّ أخذ سهما من كنانته «7» ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه.
فوقع السّهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السّهم. فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام.
آمنّا بربّ الغلام. آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك.
قد آمن النّاس. فأمر بالأخدود في أفواه السّكك فخذّت «8» وأضرم النّيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا. حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها. فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري فإنّك على الحقّ» ) * «9» .
41-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
شهدنا خيبر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل ممّن معه يدّعي الإسلام: هذا من أهل النّار، فلمّا حضر القتال قاتل الرّجل أشدّ القتال حتّى كثرت به الجراحة فكاد بعض النّاس يرتاب، فوجد الرّجل ألم الجراحة، فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه، فاشتدّ رجال «10» من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدّق الله حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه. فقال:
__________
(1) بالمئشار: مهمموز في رواية الأكثرين ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياء وروي بالنون وهما لغتان صحيحتان.
(2) ذروته: ذروة الجبل أعلاه.
(3) فرجف بهم الجبل: أي اضطرب وتحرك حركة شديدة.
(4) قرقور: القرقور السفينة الصغيرة.
(5) صعيد: الصعيد هنا الأرض البارزة.
(6) كبد القوس: مقبضها عند الرمي.
(7) الكنانة: مجمع السهام.
(8) أمر بالأخدود فخدّت: أي أمر بشق الأخدود فانشقّت، والأخدود هو الشق في الأرض وجمعها أخاديد (النهاية 2/ 13) .
(9) مسلم (3005) .
(10) اشتد رجال: أسرعوا المشي.(3/734)
«قم يا فلان فأذّن أنّه لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن، إنّ الله يؤيّد الدّين بالرّجل الفاجر» ) * «1» .
42-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية في إثر السّماء «2» كانت من اللّيل. فلما انصرف أقبل على النّاس فقال: هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا «3» فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» ) * «4» .
43-* (عن صهيب الرّوميّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لأمر المؤمن. إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» ) * «5» .
44-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحيّ من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفّار مضر فلا نخلص إليك إلّا في شهر الحرام فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا. قال:
«آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع. الإيمان بالله (ثمّ فسّرها لهم فقال) شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم وأنهاكم عن: الدّبّاء «6» ، والحنتم «7» ، والنّقير «8» ، والمقيّر «9» » ) * «10» .
45-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو من اللّيل «اللهم لك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض، لك الحمد أنت قيّم «11» السّماوات والأرض ومن فيهنّ، لك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، قولك الحقّ ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ والسّاعة حقّ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وأسررت وأعلنت؛ أنت إلهي لا إله لي غيرك» ) * «12» .
46-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص-
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4203) ومسلم (111) .
(2) السماء من الليل: أي المطر من الليل وسمي المطر سماء لأنه ينزل من السماء (النهاية 2/ 406) .
(3) النوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع القمر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشرة يوما، وهكذا كل نجم منها إلى انقضاء السنة وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والبرد والحر إلى الساقط منها (الصحاح 1/ 79) .
(4) البخاري- الفتح 7 (4147) . مسلم (71) واللفظ له.
(5) مسلم (2999) .
(6) الدباء: الوعاء من القرع اليابس.
(7) الحنتم: الجرار الخضر. والجرار جمع جرة نوع من الأوعية.
(8) النقير: جذع ينقر من وسطه حتى يجوف ويصب فيه النبيذ.
(9) المقير: المطلي بالزفت.
(10) البخاري- الفتح 10 (6176) ومسلم (17) واللفظ له.
(11) القيم في أسماء الله بمعنى القيوم والقيام، ومعناه: الذي لا يزول أو مدبر أمر الخلق.
(12) البخاري- الفتح 13 (7385) واللفظ له. ومسلم (769) .(3/735)
رضي الله عنهما- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر.
إذ نادى منادي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الصّلاة جامعة.
فاجتمعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم. وإنّ أمّتكم هذه جعل عافيتها في أوّلها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا «1» ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثمّ تنكشف، وتجىء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت إلى النّاس الّذي يحبّ أن يؤتى إليه «2» ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر» ) * «3» .
47-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: كنت عند منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلّا أن أسقي الحاجّ.
وقال آخر ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلّا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل ممّا قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يوم الجمعة.
ولكن إذا صلّيت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عزّ وجلّ: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة/ 19) » ) * «4» .
48-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد. حتّى مرّوا على رجل فقالوا فلان شهيد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّا إنّي رأيته في النّار في بردة غلّها أو عباءة «5» » ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا ابن الخطّاب: «اذهب فناد في النّاس أنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون» . قال فخرجت فناديت «ألا إنّه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون» ) * «6» .
49-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت هذه الاية: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ... الاية (البقرة/ 284) . قال:
دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من قبل. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قولوا سمعنا وأطعنا وسلّمنا» قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا (قال: قد فعلت) رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً «7» كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا (قال: قد فعلت) وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا (البقرة/ 286) (قال: قد فعلت» ) * «8» .
__________
(1) يرقق بعضها بعضا: أي يشبه بعضها بعضا، أو يدور بعضها في بعض.
(2) يأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، أي يعاملهم بمثل ما يحبّ أن يعامل به.
(3) مسلم (1844) .
(4) مسلم (1879) .
(5) بردة غلّها: أي أخذها غلولا والغلول هو الخيانة في الغنيمة خاصة أو هي الخيانة في كل شيء.
(6) مسلم (114) .
(7) الإصر: الأمر الشديد الثقيل.
(8) مسلم (126) . وروى البخاري نحوه من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- الفتح 8 (5454) .(3/736)
50-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت هذه الاية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الاية. جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النّار. واحتبس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ قال سعد: إنّه لجاري وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ثابت: أنزلت هذه الاية ولقد علمتم أنّي من أرفعكم صوتا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنا من أهل النّار. فذكر ذلك سعد للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بل هو من أهل الجنّة» ) * «1» .
51-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيّهم؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم.
فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه- وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم- فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولّاه منهم جبريل فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتّى أنقى جوفه ثمّ أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب «2» محشوّا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعني عروق حلقه، ثمّ أطبقه ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا ... الحديث» ) * «3» .
52-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطّعّان «4» ولا اللّعان «5» ولا الفحّاش «6» ولا البذيء «7» » ) * «8» .
53-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك «9» مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر» ) * «10» .
54-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإنّ الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء» ) * «11» .
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4846) . مسلم (119) واللفظ له.
(2) تور من ذهب: أي إناء من ذهب.
(3) البخاري- الفتح 13 (7517) . ومسلم (162) .
(4) الطعّان: أي الوقّاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوها.
(5) اللعّان: أي الشتّام وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله.
(6) الفحّاش: أي الذي يتفحش في كلامه والفحش هو التعدي في القول والجواب وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال أو الأفعال، وقد يراد بالفاحشة الزنا.
(7) البذيء: من البذاءة وهي المفاحشة.
(8) الترمذي (19772) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. أحمد (1/ 405، 406) وقال شاكر: إسناده صحيح (5/ 222) . الحاكم في مستدركه (1/ 12) وقال: هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين وسكت عنه الذهبي.
(9) يفرك: يبغض.
(10) مسلم (1469) .
(11) الترمذي (2002) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح أبو داود (4799) . البخاري في الأدب المفرد (1/ 368) . وذكره ابن حجر في جملة أحاديث صحيحة في حسن الخلق الفتح (10/ 473) . وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 6) : إسناده حسن.(3/737)
55-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من شيء يصيب المؤمن حتّى الشّوكة تصيبه إلّا كتب الله له بها حسنة أو حطّت عنه بها خطيئة» ) * «1» .
56-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من نبيّ بعثه الله في أمّة قبلي، إلّا كان له من أمّته حواريّون «2» وأصحاب يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثمّ إنّها «3» تخلف من بعدهم خلوف «4» يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» ) * «5» .
57-* (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما يصيب المؤمن من وصب «6» ولا نصب «7» ولا سقم ولا حزن حتّى الهمّ يهمّه «8» إلّا كفّر به من سيّئاته» ) * «9» .
58-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن كمثل خامة «10» الزّرع يفيء ورقه من حيث أتتها الرّيح تكفؤها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفّأ بالبلاء، ومثل الكافر كمثل الأرزة «11» صمّاء معتدلة حتّى يقصمها الله إذا شاء» ) * «12» .
59-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اتّبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتّى يصلّى عليها ويفرغ من دفنها، فإنّه يرجع من الأجر بقيراطين كلّ قيراط مثل أحد، ومن صلّى عليها ثمّ رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط» ) * «13» .
60-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«دعه فإنّ الحياء من الإيمان» ) * «14» .
61-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من آمن بالله وبرسوله وأقام الصّلاة وصام رمضان، كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه الّتي ولد
__________
(1) مسلم (2572) واللفظ له، البخاري- الفتح 10 (5640) وفيه: المسلم بدلا من المؤمن.
(2) الحواريون: وهم الخلصاء والأنصار وأصله من التحوير أي التبييض.
(3) ثم إنها: الضمير في إنها هو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن.
(4) خلوف: جمع خلف بفتح الخاء وهو القرن من الناس والمعنى تأتي من بعدهم قرون من الناس.
(5) مسلم (49) .
(6) الوصب: الوجع والألم.
(7) النصب: التعب.
(8) هكذا ضبطه القاضي، وغيره ضبطه (يهمّه) بفتح الياء وضم الهاء، أي يغمه، وكلاهما صحيح.
(9) البخاري- الفتح 10 (5641، 5642) . ومسلم (2573) .
(10) الخامة: النبات الصغير الضعيف.
(11) الأرز: شجر معروف قوي يرتفع (من 70- 80 قدما) .
(12) البخاري- الفتح 13 (7466) . مسلم (2809) وروى مسلم مثله من حديث كعب بن مالك (2810) .
(13) البخاري- الفتح 1 (47) واللفظ له. مسلم (945) .
(14) البخاري- الفتح 10 (6118) . مسلم (35) .(3/738)
فيها» . فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشّر النّاس؟ قال:
«إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض.
فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة» . أراه قال: «وفوقه عرش الرّحمن ومنه تفجّر أنهار الجنّة» ) * «1» .
62-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإنّ شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» ) * «2» .
63-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» ) * «3» .
64-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ) * «4» .
65-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه» ) * «5» .
66-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنّي فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» ) * «6» .
67-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه) * «7» .
68-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدّنيا والاخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والاخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه؛ ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة؛ وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (2790) .
(2) البخاري- الفتح 6 (2853) .
(3) أبو داود (4681) . والترمذي (2521) وقال: حسن من حديث معاذ بن أنس. قال الحافظ في الفتح (1/ 62) خرجه أبو داود من حديث أبي أمامة وسكت عنه فهو صحيح أو حسن على شرطه وقال محقق «جامع الأصول» (1/ 239) : وهو حديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 1/ قطعة في (37، 38) . مسلم (760) .
(5) البخاري- الفتح 10 (6146) . ومسلم (47) واللفظ له.
(6) مسلم (2664) .
(7) البخاري- الفتح 5 (2446) . ومسلم (2585) .(3/739)
عنده ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «1» .
69-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا «2» انظر أي ذلك فوق النّاس.
قال فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل. ثمّ يأتينا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟
فيقولون ننظر ربّنا. فيقول: أنا ربّكم، فيقولون:
حتّى ننظر إليك، فيتجلّى لهم يضحك. قال: فينطلق بهم ويتّبعونه ويعطى كلّ إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا، ثمّ يتّبعونه، وعلى جسر جهنّم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثمّ يطفأ نور المنافقين ثمّ ينجو المؤمنون فتنجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون، ثمّ الّذين يلونهم كأضوأ نجم في السّماء، ثمّ تحلّ الشّفاعة ويشفعون حتّى يخرج من النّار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنّة ويجعل أهل الجنّة يرشّون عليهم الماء حتّى ينبتوا نبات الشّيء في السّيل ويذهب حراقه «3» ثمّ يسأل حتّى تجعل له الدّنيا وعشرة أمثالها معها» ) * «4» .
70-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد النّبيّ الأمّيّ صلّى الله عليه وسلّم إليّ «أن لا يحبّني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّا منافق» ) * «5» .
71-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أو لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟. أفشوا السّلام بينكم» ) * «6» .
72-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النّار» ) * «7» .
73-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجتمعان في النّار اجتماعا يضرّ أحدهما الاخر» . قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «مؤمن قتل كافرا ثمّ سدّد «8» » ) * «9» .
74-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين» ) * «10» .
__________
(1) مسلم (2699) .
(2) قوله في أول الحديث: عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس: هذه الجملة فيها تصحيف وصوابها: يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل.
(3) وقوله: فيذهب حراقه: أثر النار.
(4) مسلم (191) .
(5) مسلم (78) .
(6) مسلم (54) .
(7) مسلم (153) .
(8) سدد: أي استقام على الطريقة المثلى ولم يخلط.
(9) مسلم (1891) .
(10) البخاري- الفتح 1 (15) . ومسلم (44) .(3/740)
75-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» ) * «1» .
76-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر ولا يدخل النّار من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان» . قال: فقال رجل:
إنّه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة.
قال: «إنّ الله يحبّ الجمال ولكنّ الكبر من بطر «2» الحقّ وغمص النّاس «3» » ) * «4» .
77-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال النّاس يتساءلون حتّى يقال هذا: خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل:
آمنت بالله» ) * «5» .
78-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة يرفع النّاس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» ) * «6» .
79-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرّتين» ) * «7» .
80-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- أنّه قال لابنه: يا بنيّ إنّك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتّى تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أوّل ما خلق الله القلم. فقال له: اكتب.
قال: ربّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كلّ شيء حتّى تقوم السّاعة» . يا بنيّ، إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من مات على غير هذا فليس منّي» ) * «8» .
81-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يخرج الدّجّال فيتوجّه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح «9» ، مسالح الدّجّال فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الّذي خرج. قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربّنا. فيقول ما بربّنا خفاء. فيقولون: اقتلوه فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربّكم أن تقتلوا أحدا دونه. قال: فينطلقون به إلى الدّجّال فإذا رآه المؤمن
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (13) . ومسلم (45) .
(2) بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعا.
(3) الغمص والغمط: الاحتقار.
(4) مسلم (91) . والترمذي (1199) وقال: هذا حديث حسن صحيح واللفظ له.
(5) مسلم (134) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2475) واللفظ له. مسلم (110) .
(7) البخاري- الفتح 1. (6133) واللفظ له. مسلم (2998) .
(8) أبو داود (4700) . الترمذي (2155) . أحمد (5/ 317) وقال الألباني في شرح العقيدة الطحاوية: صحيح (233) . وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 107) : هو حديث صحيح.
(9) المسالح: ذوي السلاح. والمسلحة- هم القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا كذلك لأنهم يكونون ذوي سلاح.(3/741)
قال: يا أيّها النّاس هذا الدّجّال الّذي ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فيأمر الدّجّال به فيشبّح «1» ، فيقول: خذوه وشجّوه «2» . فيوسع ظهره وبطنه ضربا قال فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذّاب. قال:
فيؤمر به فيؤشر بالمئشار من مفرقه «3» حتّى يفرّق بين رجليه. قال: ثمّ يمشي الدّجّال بين القطعتين. ثمّ يقول له: قم: فيستوي قائما. قال ثمّ يقول له أتؤمن بي؟
فيقول: ما ازددت فيك إلّا بصيرة. قال ثمّ يقول: يا أيّها النّاس إنّه لا يفعل بعدي بأحد من النّاس. قال فيأخذه الدّجّال ليذبحه. فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته «4» نحاسا «5» . فلا يستطيع إليه سبيلا قال فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به. فيحسب النّاس أنّما قذفه إلى النّار. وإنّما ألقي في الجنّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا أعظم النّاس شهادة عند ربّ العالمين» ) * «6» .
82-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخلص المؤمنون من النّار فيحبسون على قنطرة بين الجنّة والنّار فيقصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدّنيا حتّى إذا هذّبوا ونقّوا أذن لهم في دخول الجنّة. فوالّذي نفس محمّد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا» ) * «7» .
83-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يدخل الله أهل الجنّة الجنّة، يدخل من يشاء برحمته ويدخل أهل النّار النّار ثمّ يقول انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون منها حمما «8» قد امتحشوا «9» فيلقون في نهر الحياة أو الحيا «10» فينبتون فيه كما تنبت الحبّة إلى جانب السّيل ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية» ) * «11»
84-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه» ) * «12» .
85-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه- وإنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ - لمحمد صلّى الله عليه وسلّم- فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار،
__________
(1) يشبّح: أي يمدّ على بطنه.
(2) يشجّ: من الشجّ وهو أن يضربه بشيء فيجرحه به ويشقه والشج في الرأس خاصة هو الأصل ثم استعمل لسائر الأعضاء.
(3) مفرقه: مفرق الرأس: وسطه.
(4) الترقوة: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.
(5) هكذا الأصل (نحاسا) واللغة تقتضي أن يكون (نحاس) لأن الفعل يجعل مبني للمجهول. فهو نائب فاعل.
(6) مسلم (2938) .
(7) البخاري- الفتح 11 (6535) .
(8) حمما: فحما.
(9) امتحشوا: احترقوا.
(10) الحيا: المطر.
(11) البخاري- الفتح 11 (656) ومسلم (184) .
(12) مسلم (46) .(3/742)
قد أبدلك الله به مقعدا من الجنّة، فيراهما جميعا» . قال قتادة: وذكر لنا أنّه يفسح له في قبره. ثمّ رجع إلى حديث أنس، قال: «وأمّا المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس. فيقول: لا دريت ولا تليت.
ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثّقلين» ) * «1» .
86-* (عن هانىء مولى عثمان بن عفّان رضي الله عنه- قال: كان عثمان- رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى، حتّى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنّار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «القبر أوّل منزل من منازل الاخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا القبر أفظع «2» منه» ) * «3» .
87-* (عن البراء بن عازب عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ (إبراهيم/ 27) قال: نزلت في عذاب القبر، فيقال له:
من ربّك؟ فيقول: ربّي الله ونبيّي محمّد صلّى الله عليه وسلّم فذلك قوله عزّ وجلّ- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ» ) * «4» .
88-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد بعد، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجلسنا حوله كأنّما على رؤوسنا الطّير، وبيده عود ينكت «5» به في الأرض، فرفع رأسه فقال:
«استعيذوا بالله من عذاب القبر مرّتين، أو ثلاثا» . زاد في رواية: وقال: «إنّ الميّت ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين حين يقال له: يا هذا، من ربّك؟ وما دينك؟
ومن نبيّك؟» .
وفي رواية: «ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، فيقولان له: ما دينك؟
فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له:
وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فامنت به، وصدّقت» .
زاد في رواية: فذاك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) ثمّ اتّفقا: فينادي مناد من السّماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له بابا إلى الجنّة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مدّ بصره، وإنّ الكافر ... فذكر موته، قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (137) واللفظ له، ومسلم (2870) .
(2) أفظع: الفظيع: الشديد الشنيع.
(3) أخرجه الترمذي (2309) قال محقق جامع الأصول (11/ 165) : إسناده حسن. وزاد رزين: قال هانىء: وسمعت عثمان ينشد على قبر:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا
وهذا من قوة إيمانه رضي الله عنه.
(4) مسلم (2871) واللفظ له، والبخاري- الفتح 3 (1369) .
(5) ينكت: نكت في الأرض بيده وبقضيب: إذا أثر فيها بذلك.(3/743)
ربّك؟ فيقول: هاه هاه «1» ، لا أدري، فيقولان: ما دينك؟
فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السّماء: أن كذب، فأفرشوه من النّار، وألبسوه من النّار، وافتحوا له بابا إلى النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيّق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه» .
وزاد في رواية: «ثمّ يقيّض له أعمى أبكم «2» ، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا، فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب، إلّا الثّقلين، فيصير ترابا، ثمّ تعاد فيه الرّوح» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (الإيمان) معنى
89-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت، فإنّه الان يسأل» ) * «4» .
90-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه مرّ بقبرين يعذّبان فقال: «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير. أمّا أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأمّا الاخر فكان يمشي بالنّميمة» . ثمّ أخذ جريدة رطبة فشقّها بنصفين، ثمّ غرز في كلّ قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال:
«لعلّه أن يخفّف عنهما ما لم ييبسا» ) * «5» .
91-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت «6» به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستّة، أو خمسة، أو أربعة. فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» قال رجل: أنا، قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك، فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب القبر» .
قالوا: نعوذ (بالله) من عذاب القبر، قال: «تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» ، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» ، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «7» .
92-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنّة فمن أهل
__________
(1) هاه هاه: من عادة المشدوه الحائر إذا خوطب أن يقول: هاه هاه، كأنه يستفهم عما يسأل عنه.
(2) أبكم: الأبكم: الذي خلق أخرس.
(3) أبو داود برقم (3212) ، (4753) ، (4754) وقال محقق الجامع (11/ 179) : إسناده حسن. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 902) صحيح. وأصله عند البخاري ومسلم.
(4) أبو داود (3221) وقال الألباني (2/ 620) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (11/ 149) : حسن.
(5) البخاري- الفتح 3 (1361) واللفظ له، ومسلم (292) .
(6) حادت: مالت عن الطريق.
(7) مسلم (2867) .(3/744)
الجنّة، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار، فيقال: هذا مقعدك حتّى يبعثك الله يوم القيامة» ) * «1» .
93-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يصعق النّاس حين يصعقون فأكون أوّل من قام، فإذا موسى آخذ بالعرش، فما أدري أكان فيمن صعق؟» ) * «2» .
94-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا «3» » قلت: يا رسول الله، النّساء والرّجال جميعا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عائشة، الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) * «4» .
95-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر النّاس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويحشر بقيّتهم النّار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا» ) * «5» .
96-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلّا هلك» فقلت يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى:
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (الانشقاق/ 7- 8) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلّا عذّب» ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإيمان)
97-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «بينما راع في غنمه عدا عليه الذّئب فأخذ منه شاة، فطلبه الرّاعي فالتفت إليه الذّئب فقال: من لها يوم السّبع «7» ، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلّمته فقالت إنّي لم أخلق لهذا ولكنّي خلقت للحرث، فقال النّاس سبحان الله. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّي أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما» ) * «8» .
98-* (عن أبي بكر الصّدّيق- رضي الله عنه- قال: كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الغار فرأيت المشركين، قلت: يا رسول الله لو أنّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال:
«ما ظنّك باثنين الله ثالثهما» ) * «9» .
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1379) ، ومسلم (2866) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6518) .
(3) غرلا: أي غير مختونين، جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي القلفة التي تقطع في الختان، والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقدون شيئا.
(4) مسلم (2859) واللفظ له، والبخاري- الفتح 11 (6527) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6522) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6537) واللفظ له، ومسلم (2876) ، والترمذي (2426) .
(7) يوم السبع: يوم يطردك عنها السبع وأبقى فيها وحدي لا راعي لها غيري.
(8) البخاري- الفتح 7 (3663) واللفظ له. مسلم (2388) .
(9) البخاري- الفتح 8 (4663) .(3/745)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الإيمان)
1-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: إنّ الإيمان يبدو لمظة «1» بيضاء في القلب فكلّما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيضّ القلب كلّه، والنّفاق يبدو لمظة في القلب، فكلّما ازداد النّفاق عظما ازداد ذلك سوادا، فإذا استكمل النّفاق اسودّ القلب كلّه. وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود. قال واللّمظة هي الذّوقة، وهو أن يلمظ الإنسان بلسانه شيئا يسيرا أي يتذوّقه. ذلك القلب يدخل فيه من الإيمان شيء يسير ثمّ يتّسع فيه فيكثر» ) * «2» .
2-* (قال عمّار بن ياسر- رضي الله عنهما-:
«ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم، والإنفاق من الإقتار» ) * «3» .
3-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «اللهمّ زدنا إيمانا ويقينا وفقها» ) * «4» .
4-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: «اليقين الإيمان كلّه والصّبر نصف الإيمان» ) * «5» .
5-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
«لقد لبثنا برهة من دهر وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن تنزل السّورة على محمّد صلّى الله عليه وسلّم فنتعلّم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلّم أحدكم السّورة. ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه ولا آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدّقل «6» » ) * «7» .
6-* (عن جندب بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: «كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن غلمان حزاورة «8» فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن، ثمّ تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانا» ) * «9» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه
__________
(1) قال ابن الأثير في «النهاية» (4/ 271) : اللّمظة: بالضم مثل النكتة من البياض.
(2) شعب الإيمان للبيهقي (1/ 183) رقم (38) وقال مخرجه د. عبد العلي: رجاله ثقات وخرجه ابن أبي شيبة في كتابه الإيمان (605) ولم يتكلم عليه الشيخ ناصر الدين الألباني. وذكره المتقى النهدي في «كنز العمال» (1/ 406) وعزاه لجمع من الأئمة الحفاظ فليراجع.
(3) الفتح (1/ 82) .
(4) قال الحافظ في الفتح (1/ 48) : رواه أحمد في الإيمان وإسناده صحيح.
(5) قال الحافظ في الفتح (1/ 48) : ذكره الطبراني بسند صحيح، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد مرفوعا ولا يثبت رفعه.
(6) نثر الدقل: هو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثورا.
(7) المستدرك للحاكم (1/ 35) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ابن منده في كتاب الإيمان (1/ 369) واللفظ له.
(8) حزاورة: جمع حزور، وحزور هو الصبي الذي قارب البلوغ.
(9) ابن ماجة (61) . ابن منده في كتاب الإيمان (1/ 370) ، رقم (208) وقال مخرجه علي بن محمد بن ناصر الفقيهي: حسن.(3/746)
قال: إنّ عمرو بن أقيش كان له ربا في الجاهليّة فكره أن يسلم حتّى يأخذه فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمّي؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته «1» وركب فرسه، ثمّ توجّه قبلهم، فلمّا رآه المسلمون قالوا: إليك عنّا يا عمرو، قال: إنّي قد آمنت، فقاتل حتّى جرح فحمل إلى أهله جريحا، فجاءه سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه حميّة لقومك أو غضبا لهم أم غضبا لنا.
فقال: بل غضب لله ورسوله، فمات فدخل الجنّة وما صنع لله صلاة» ) * «2» .
8-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-:
«الإيمان نزه فمن زنا فارقه الإيمان، فمن راجع نفسه راجعه الإيمان» ) * «3» .
9-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّه قال لابن الدّيلميّ لمّا أتاه يسأله أنّه وقع في نفسي شيء من القدر فحدّثني بشيء لعلّ الله أن يذهبه من قلبي فقال: لو أنّ الله عذّب أهل سماواته وأهل أرضه عذّبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم. ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتّى تؤمن بالقدر وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو متّ على غير هذا لدخلت النّار» ) * «4» .
10-* (قال عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: «مثل المؤمن مثل النّحلة تأكل طيّبا وتضع طيّبا» ) * «5» .
11-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-:
«من أقام الصّلاة، وآتى الزّكاة وأطاع محمّدا، فقد توسّط الإيمان، ومن أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» ) * «6» .
12-* (قال عمير بن حبيب بن خماشة:
«الإيمان يزيد وينقص. فقيل: فما زيادته وما نقصانه؟
قال: إذا ذكرنا ربّنا وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيّعنا فذلك نقصانه» ) * «7» .
13-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى-:
«أنّه حلف بالله الّذي لا إله إلّا هو ما مضى مؤمن قطّ ولا بقي إلّا وهو من النّفاق مشفق، ولا مضى منافق قطّ ولا بقي إلّا وهو من النّفاق آمن» ) * «8» .
14-* (قال عمرو بن عبيد بن عمر:
«الإيمان هيوب «9» » ) * «10» .
15-* (قال زيد بن أسلم: «لا بدّ لأهل
__________
(1) لبس لأمته: أي لبس درعه وقيل السلاح ولأمة الحرب أداته. وانظر «النهاية» لابن الأثير (4/ 220) .
(2) أبو داود (2537) . وقال الحافظ في الإصابة: ذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهذا إسناده حسن (2/ 526) . وانظر «جامع الأصول» 4/ 549) .
(3) الإيمان لابن أبي الدنيا (7) .
(4) أبو داود (4699) . ابن ماجة (77) .
(5) الإيمان لابن أبي الدنيا (30) .
(6) المرجع السابق (43) .
(7) الإيمان لابن أبي شيبة (7) .
(8) فتح الباري (1/ 111) . وقال: رواه الفريابي وأحمد في كتاب الإيمان له.
(9) هيوب: أي يهابه الناس، أو يهاب الذنوب.
(10) الإيمان لابن أبي شيبة (6) .(3/747)
هذا الدّين من أربع: دخول في دعوة الإسلام، ولا بدّ من الإيمان وتصديق بالله وبالمرسلين أوّلهم وآخرهم، وبالجنّة والنّار، وبالبعث بعد الموت، ولا بدّ من أن تعمل عملا تصدّق به إيمانك، ولا بدّ من أن تعلم علما تحسن به عملك، ثمّ قرأ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» ) * «1» .
16-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «أصل الإيمان عندنا وفرعه بعد الشّهادة والتّوحيد وبعد الشّهادة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالبلاغ وبعد أداء الفرائض: صدق الحديث، وحفظ الأمانة وترك الخيانة، والوفاء بالعهد، وصلة الرّحم، والنّصيحة لجميع المسلمين والرّحمة للنّاس عامّة» ) * «2» .
17-* (وقال- رحمه الله-: «ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقته الأعمال» ) * «3» .
18-* (عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- قال: «إنّ للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان» ) * «4» .
19-* (قال البخاريّ- رحمه الله تعالى-:
«لقيت أكثر من ألف من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أنّ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص» ) * «5» .
من فوائد (الإيمان)
(1) الرّضا بالقضاء والصّبر على البلاء إذ كلّه من عند الله.
(2) بذل كلّ معروف ومحبوب للرّبّ الخالق، وترك كلّ مكروه له سبحانه.
(3) سلامة النّفس من أمراضها والسّكينة والرّضا في القلب.
(4) الطّاعة الكاملة مع الحبّ الغامر لمن كان سببا لكلّ خير وهو الرّبّ العظيم سبحانه.
(5) ما فات في الدّنيا يعوّض في الاخرة.
(6) حبّ ما يحبّه الله- سبحانه وتعالى- من النّبيّين والصّالحين والأعمال والأخلاق، وبغض ما يبغضه الله سبحانه من الأشرار والمفسدين والأعمال والأخلاق؛ لأنّ من أحبّ أحدا أحبّ ما يحبّه وأبغض ما يبغضه.
(7) التّسليم الكامل لشرعه بل هوى نفس المؤمن وراحة فؤاده في تحكيم شرعه في القليل والكثير
__________
(1) الإيمان لابن أبي شيبة (45) .
(2) السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 376) رقم (817) .
(3) اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي (43) .
(4) البخاري معلقا مجزوما به وقال الحافظ في الفتح (1/ 61) : وصله أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان.
(5) فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/ 61) .(3/748)
والعظيم والحقير.
(8) شرط قبول كلّ الأعمال.
(9) نيل الرّضا والحبّ والإنعام من الله- عزّ وجلّ.
(10) الحياة الطّيّبة في الدّنيا والفوز بالجنّة في الاخرة.
(11) الفطنة والحذر من لوازم الإيمان.
(12) الإيمان ينجّي من دخول النّار ومن البقاء فيها.
(13) الإيمان الكامل يستلزم العمل الصّالح.
(14) الإيمان هو التّطبيق الفعليّ للإسلام فمن أسلم بلسانه لا بدّ أن يصدّق بقلبه ويعمل بجوارحه حتّى يكون مؤمنا «قل آمنت بالله ثمّ استقم» .
(15) يولّد الإيمان الحقيقيّ حلاوة في القلب تجعل صاحبها لا ينفكّ عن تحصيل أسبابها.
(16) يجعل النّفس مطمئنّة راضية قانعة بما يقدّره الله ويقضيه عليها ولها.(3/749)
[حرف الباء]
البر
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 14/ 43/ 5/
البر لغة:
البرّ مصدر برّ يبرّ وهو مأخوذ من مادّة (ب ر ر) الّتي تدلّ على معان عديدة، ومن هذه المعاني الصّدق، يقول ابن فارس: «فأمّا الصّدق فقولهم:
صدق فلان وبرّ، وبرّت يمينه صدقت، وأبرّها أمضاها على الصّدق، وتقول برّ الله حجّك وأبرّه، وحجّة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصّادق، ومن ذلك قولهم: يبرّ ربّه أي يطيعه وهو من الصّدق، قال الشّاعر:
لا همّ لولا أنّ بكرا دونكا ... يبرّك النّاس ويفجرونكا «1» .
ومنه قوله تعالى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (البقرة/ 177) .
وقال القرطبيّ في تفسير هذه الاية: البرّ هنا اسم جامع للخير، وتقدير الاية «ولكنّ البرّ برّ من آمن» حذف المضاف كما حذف في قوله سبحانه وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (يوسف/ 82) أي أهل القرية، وقيل المعنى:
«ولكنّ ذا البرّ» كما في قوله تعالى هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ (آل عمران/ 163) ، وذلك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض، وصرفت القبلة إلى الكعبة، وحدّت الحدود أنزل الله هذه الاية فقال (ما معناه) : ليس البرّ كلّه أن تصلّوا، ولا تعملوا (شيئا) غير ذلك، ولكنّ ذا البرّ من آمن بالله ... إلخ. قال بذلك ابن عبّاس ومجاهد والضّحّاك وغيرهم، ويجوز أن يكون البرّ بمعنى البارّ والبرّ، لأنّ المصدر قد يطلق ويراد به اسم الفاعل، كما يقال: رجل عدل أي عادل، وفي التنزيل العزيز: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً (الملك/ 30) أي غائرا، وهذا اختيار أبي عبيدة «2» .
وأمّا قول النّابغة:
عليهنّ شعث عامدون لبرّهم
فقالوا: أراد الطّاعة وقيل: أراد الحجّ.. وقولهم للسّابق: الجواد المبرّ هو من هذا؛ لأنّه إذا جرى صدق وإذا حمل عليه صدق «3» .
ومن معاني البرّ أيضا حسن الخلق كما جاء في الحديث «البرّ حسن الخلق» والبرّ الخير، والبرّ:
الصّلاح، يقال برّ يبرّ إذا صلح، والبرّ: الصّلة، يقال:
برّ رحمه يبرّه إذا وصله، والبرّ الطّاعة، كما في قولهم: برّ ربّه، يقال: رجل برّ بذي قرابته. وبارّ من قوم بررة
__________
(1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (1/ 176) .
(2) تفسير القرطبي 2/ 238.
(3) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس 1/ 176.(3/750)
وأبرار، والمصدر البرّ. وتبارّوا، تفاعلوا: من البرّ، وفي حديث الاعتكاف: «آلبرّ يردن» ، أي الطّاعة والعبادة، ومنه الحديث: «ليس من البرّ الصّيام في السّفر» . وفي كتاب قريش والأنصار: وإنّ البرّ دون الإثم أي أنّ الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنّكث. وبرّت يمينه: صدقت. وأبرّها: أمضاها على الصّدق. والبرّ:
الصّادق «1» .
البر اصطلاحا:
وقد اختلف العلماء في تفسير البرّ فقال بعضهم: البرّ الصّلاح، وقال بعضهم: البرّ الخير، قال ابن منظور: ولا أعلم تفسيرا أجمع منه؛ لأنّه يحيط بجميع ما قالوا، قال: وجعل لبيد البرّ التّقى حيث يقول:
وما البرّ إلّا مضمرات من التّقى.
قال أبو منصور: البرّ خير الدّنيا والاخرة فخير الدّنيا ما ييسّره الله تعالى للعبد من الهدى والنّعمة والخيرات، وخير الاخرة الفوز بالنّعيم الدّائم في الجنّة، جمع الله لنا بينهما بكرمه ورحمته «2» .
قال ابن الأثير في أسماء الله تعالى (البرّ) وهو العطوف على عباده ببرّه ولطفه «3» .
والأبرار معناها المتّقون «4» .
مسمّى البرّ وعلاقته بالإيمان:
قال الإمام ابن تيميّة: لفظ البرّ إذا أطلق تناول جميع ما أمر الله به كما في قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (الانفطار/ 13) ، وقوله سبحانه: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى (البقرة/ 189) ، وأيضا فإنّ البرّ إذا أطلق كان مسمّاه مسمّى التّقوى، والتّقوى إذا أطلقت كان مسمّاها مسمّى البرّ ثمّ قد يجمع بينهما كما في قوله تعالى:
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى «5» (المائدة/ 2) ، فعطف التّقوى على البرّ، وعطف الشّيء على الشّيء في القرآن الكريم وسائر الكلام يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراكهما في الحكم الّذي ذكر لهما «6» ، وقد يكون مسمّاه إذا أطلق هو مسمّى الإيمان فقد روي أنّهم سألوا عن الإيمان فأنزل الله هذه الاية لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة/ 177) ، وقد فسّر البرّ بالإيمان،
__________
(1) انظر: الصحاح للجوهري (2/ 588) والنهاية لابن الأثير (1/ 116) . ولسان العرب لابن منظور (4/ 51- 54) .
(2) النهاية لابن الأثير (1/ 116)
(3) انظر النهاية لابن الأثير (1/ 116) .
(4) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 171) .
(5) الفتاوى 7/ 165.
(6) الفتاوى 7/ 172 وقد ذكر هنا أنواع المغايرة، وذكر أن أعلاها التباين، وأدناها عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ويقع بينهما عطف الشيء على لازمه وعطف الجزء على الكل.(3/751)
وفسّر بالتّقوى، وفسّر بالعمل الّذي يقرّب إلى الله، والجميع حقّ، فقد روي مرفوعا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه فسّر البرّ بالإيمان وجاء فى الأثر أنّ رجلا جاء إلى أبي ذرّ فسأله عن الإيمان فقرأ الاية السّابقة لَيْسَ الْبِرَّ ...
إلخ الاية فقال الرّجل: ليس عن البرّ سألتك، فقال (أبو ذرّ) : جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن الّذي سألتني عنه، فقرأ الّذي قرأت عليك، فقال له الّذي قلت لي، فلمّا أبى أن يرضى قال له: إنّ المؤمن الّذي إذا عمل الحسنة سرّته، ورجا ثوابها، وإذا عمل السّيّئة ساءته وخاف عقابها «1» . والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يشير في هذا الحديث إلى ما يسبّبه فعل الحسنة أو الخير من إحساس نفسيّ بالسّعادة، وما يعقبه من راحة قلبيّة غامرة، الأمر الّذي يعكس بدوره فاعليّة الإيمان- وكذلك البرّ الّذي بمعناه- في تنمية قوّة الشّعور بالالتزام الخلقيّ تجاه عمل الخير، كما ترى أبعاد هذا الشّعور لدى النّفس المؤمنة، حتّى إذا ما عمل هذا المؤمن عملا خلقيّا فاضلا، ظهرت عليه الاثار النّفسيّة النّاتجة عن إنجاز ذلك العمل من سرور وسكينة، والأمر بالعكس بالنّسبة لفعل السّيّئة أو الشّرّ، لأنّ الأصداء النّفسيّة الّتي يسبّبها تراخي قبضة الإلزام الخلقيّ، والتّهاون فيه، تظهر سماتها في مظاهر الحزن والهمّ والقلق الّتي تبدو لدى المؤمن «2» .
أنواع البرّ:
والبرّ نوعان: صلة، ومعروف.
فأمّا الصّلة: فهي التّبرّع ببذل المال في الجهات المحدودة لغير عوض مطلوب، وهذا يبعث عليه سماحة النّفس وسخاؤها، ويمنع منه شحّها وإباؤها قال الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر/ 9) .
وأمّا النّوع الثّاني من البرّ فهو: المعروف: ويتنوّع أيضا نوعين: قولا وعملا. فأمّا القول: فهو طيب الكلام وحسن البشر، والتّودّد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورقّة الطّبع، ويجب أن يكون محدودا كالسّخاء؛ فإنّه إن أسرف فيه كان ملقا مذموما وإن توسّط واقتصد فيه كان معروفا وبرّا محمودا.
وأمّا العمل: فهو بذل الجاه والمساعدة بالنّفس والمعونة في النّائبة، وهذا يبعث عليه حبّ الخير للنّاس وإيثار الصّلاح لهم، وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حدّ بخلاف النّوع الأوّل؛ لأنّها وإن كثرت فهي أفعال خير تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذّكر، ونفع على المعان بها في التّخفيف عنه والمساعدة له «3» .
وجوه استعمال البر في القرآن الكريم:
ورد البرّ في القرآن الكريم على أوجه منها:
أوّلا: البرّ بالفتح أربعة:
الأوّل: بمعنى الصّادق جلّ اسمه وعلا:
إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (الطور/ 28 مكية) .
__________
(1) الفتاوى 7/ 181.
(2) النظرية الخلقية عند ابن تيمية لمحمد عبد الله عفيفي ص 91- 92.
(3) أدب الدنيا والدين للماوردي (184 و200- 215) .(3/752)
الثّاني: في مدح عيسى عليه السّلام:
وَبَرًّا بِوالِدَتِي (مريم/ 32 مكية) .
الثّالث: في مدح يحيى بن زكريّا:
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ
(مريم/ 14 مكية) .
الرّابع: في ساكني ملكوت السّماء:
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ (عبس/ 15، 16 مكية) .
ثانيا: أمّا البرّ بالكسر فأربعة:
الأوّل: بمعنى البارّ:
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (البقرة/ 177 مدنية) الثّاني: بمعنى الخير:
لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92 مدنية) .
الثّالث: بمعنى الطّاعة والخير:
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ (البقرة/ 44 مدنية) الرّابع: بمعنى تصديق اليمين:
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا (البقرة/ 224 مدنية) .
وقد جاء البرّ في معنى صلة الرّحم:
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ (الممتحنة/ 8 مدنية) . أي تصلوا أرحامكم «1» .
قال الماورديّ- رحمه الله-: إنّ البرّ من أسباب الألفة: لأنّه يوصّل إلى القلوب ألطافا يثنّيها محبّة وانعطافا، ولذلك ندب الله تعالى إلى التّعاون به، وقرنه بالتّقوى له، فقال سبحانه وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة/ 2) لأنّ له في التّقوى رضا الله تعالى، وفي البرّ رضا النّاس، ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا النّاس، فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته.
[للاستزادة: انظر صفات: الإنفاق- بر الوالدين- التقوى- حسن الخلق- حسن المعاملة- حسن العشرة- الصدقة- صلة الرحم- التقوى.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: قطيعة الرحم- عقوق الوالدين- البخل- الشح- سوء الخلق- سوء المعاملة] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (2/ 211)(3/753)
الآيات الواردة في «البر»
البر بمعنى الطاعة وفعل الخيرات:
1- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) «1»
2- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) «2»
3- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) «5»
البر بمعنى صلة الرحم:
6- لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) «6»
البر بمعنى تصديق اليمين:
7- وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) «7»
__________
(1) البقرة: 177 مدنية
(2) البقرة: 189 مدنية
(3) آل عمران: 92 مدنية
(4) المائدة: 2 مدنية
(5) المجادلة: 9 مدنية
(6) الممتحنة: 8- 9 مدنية
(7) البقرة: 242 مدنية(3/754)
البر من صفات المولى- عز وجل-:
8- إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) «1»
البر من صفات الملائكة:
9- وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «2»
ما أعده الله لمن اتصف بالبر:
10- رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193)
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194) «3»
11- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196)
مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197)
لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) «4»
12- إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (5)
عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (6)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) «5»
13- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15)
وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16) «6»
14- كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) «7»
__________
(1) الطور: 28 مكية
(2) عبس: 8- 16 مكية
(3) آل عمران: 193- 194 مدنية
(4) آل عمران: 196- 198 مدنية
(5) الإنسان: 5- 12 مدنية
(6) الانفطار: 13- 16 مكية
(7) المطففين: 18- 28 مكية(3/755)
الأحاديث الواردة في (البر)
1-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع. ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتّباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدّاعي، وإفشاء السّلام، ونهانا عن خواتيم، أو عن تختّم بالذّهب، وعن شرب بالفضّة، وعن المياثر «1» ، وعن القسّيّ «2» وعن لبس الحرير والإستبرق والدّيباج» ) * «3» .
2-* (عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فإذا النّاس يتبايعون، بكرة فناداهم: «يا معشر التّجّار» ، فلمّا رفعوا أبصارهم ومدّوا أعناقهم قال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» ) * «4» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه دفع مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة فسمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وراءه زجرا شديدا وضربا وصوتا للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «أيّها النّاس، عليكم بالسّكينة فإنّ البرّ ليس بالإيضاع «5» » ) * «6» .
4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال أهللنا أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحجّ خالصا ليس معه عمرة، فقدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صبح رابعة مضت من ذي الحجّة. فأمرنا أن نحلّ. قال عطاء: قال «حلّوا وأصيبوا النّساء» . قال عطاء: ولم يعزم عليهم. ولكن أحلّهنّ لهم فقلنا: لمّا لم يكن بيننا وبين عرفة إلّا خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ. قال: فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فينا. فقال: «قد علمتم أنّي أتقاكم لله وأصدقكم وأبرّكم. ولولا هديي لحللت كما تحلّون. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلّوا» فحللنا وسمعنا وأطعنا. قال جابر: فقدم عليّ من سعايته «7» . فقال: «بم أهللت؟» قال: بما أهلّ به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«فأهد وامكث حراما» قال: وأهدى له عليّ هديا.
فقال سراقة بن مالك بن جعشم: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: «لا أبد» «8» ) * «9» .
5-* (عن النّوّاس بن سمعان- رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ والإثم،
__________
(1) المياثر: جمع ميثرة وهي مراكب للعجم تعمل من ديباج أو حرير سواء كانت على رحل أو سرج.
(2) القسّيّ: وهي ثياب من حرير تجلب من مصر، وهي تنسب إلى اسم القرية التي جلبت منها واسمها القس. لسان العرب (4/ 3625) . والقسي: بفتح القاف وكسرها.
(3) البخاري- الفتح 11 (6235) ، مسلم (2066) واللفظ له
(4) ابن ماجة (2146) . وصححه الألباني.
(5) الإيضاع: الإسراع.
(6) البخاري- الفتح 3 (1671) واللفظ له. ومسلم (1282) .
(7) من سعايته: أي من عمله في السعي في الصدقات.
(8) اختلف العلماء في معناه. وأصحها وبه قال الجمهور. أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة. وفيه بيان إبطال ما كانت الجاهليّة تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني معناه جواز القران. وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة.
(9) البخاري- الفتح 13 (7367) . مسلم (1216) واللفظ بعضه للبخاري وبعضه لمسلم.(3/756)
فقال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك «1» في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس» ) * «2» .
6-* (عن جابر- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة» قيل: وما برّه؟ قال: «إطعام الطّعام وطيب الكلام» ) * «3» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت ليلة أسري بي عفريتا من الجنّ يطلبني بشعلة من نار، كلّما التفتّ إليه رأيته» .
فقال جبريل: ألا أعلّمك كلمات تقولهنّ، فتنطفىء شعلته ويخرّ لفيه؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بلى» فقال جبريل: قل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض ومن شرّ ما يخرج منها، ومن فتن اللّيل والنّهار، ومن طوارق اللّيل «4» ، إلّا طارقا يطرق بخير يا رحمن» ) * «5» .
8-* (عن محمّد بن عمرو بن عطاء، قال:
سمّيت ابنتي برّة. فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن هذا الاسم، وسمّيت برّة.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزكّوا أنفسكم. الله أعلم بأهل البرّ منكم» فقالوا: بم نسمّيها؟ قال:
«سمّوها زينب» ) * «6» .
9-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ «7» . وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة. وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند الله صدّيقا. وإيّاكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنّ الفجور يهدي إلى النّار. وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» ) * «8» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما «9» ، والحجّ المبرور «10» ليس له جزاء إلّا الجنّة» ) * «11» .
11-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة
__________
(1) حاك: أي تحوك فيه وتردد، ولم ينشرح له الصدر وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنبا.
(2) مسلم (2553) .
(3) قال الحافظ الدمياطي: رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن. وابن خزيمة والحاكم باختصار، وقال: صحيح الإسناد. انظر المتجر الرابح (ص: 286، 287) .
(4) طوارق الليل: الطوارق جمع طارقة، وهي ما ينوب من النوائب في الليل.
(5) أحمد في المسند (2/ 419) وقال محقق جامع الأصول (4/ 367) : حديث حسن.
(6) مسلم (2142) .
(7) البر: اسم جامع للخير كله. وقيل: البر الجنة.
(8) البخاري- الفتح 10 (6094) . ومسلم (2607) واللفظ له.
(9) كفارة لما بينهما: أي من الذنوب غير الكبائر.
(10) والحج المبرور: الذي لا يخالطه إثم، أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق.
(11) البخاري- الفتح 3 (4372) ، ومسلم (1349) واللفظ له.(3/757)
المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الاية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ 92) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء «1» ، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة:
أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «2» .
12-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر. كبّر ثلاثا ثمّ قال: «سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين «3» * وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون. اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده.
اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل.
اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء «4» السّفر وكابة «5» المنظر، وسوء المنقلب «6» في المال والأهل» . وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهنّ «آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ) * «7» .
13-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها» ) * «8» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استلجّ «9» في أهله بيمين فهو أعظم إثما، ليبرّ» يعني الكفّارة) * «10» .
15-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خرج من الطّاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «11» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «12» ، يغضب لعصبة «13» ، أو يدعو إلى
__________
(1) بيرحاء: موضع بالمدينة.
(2) البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له، ومسلم (998) .
(3) وما كنا له مقرنين: معنى مقرنين: أي ما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
(4) وعثاء: المشقة والشدة.
(5) وكابة: هي تغير النفس من حزن ونحوه.
(6) المنقلب: المرجع.
(7) مسلم (1342) .
(8) الترمذي (2139) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (90) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73) . والحاكم في المستدرك (1/ 493) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصحّح محقق «جامع الأصول» (9/ 512) لفظ الترمذي منه.
(9) استلج في أهله بيمين: استلج بمعنى استفعل من اللجاج، وهو التمادي في الأمر، فمن حلف على شيء ورأى أن غيره خير منه فيقيم على يمينه ولا يحنث فهو آثم، وهو إذا حنث يحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه.
(10) البخاري- الفتح 11 (6626) .
(11) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(12) عمية: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه.
(13) العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره. لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه.(3/758)
عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي، يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاشى «1» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي ولست منه» ) * «2» .
16-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن «3» مع السّفرة الكرام البررة «4» . والّذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه «5» ، وهو عليه شاقّ له أجران» ) * «6» .
17-* (عن نبيشة- رضي الله عنه- نادى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّا كنّا نعتر عتيرة في الجاهليّة «7» في رجب فما تأمرنا؟ قال: «اذبحوا لله في أيّ شهر كان، وبرّوا الله- عزّ وجلّ- وأطعموا» قال: إنّا كنّا نفرّع «8» فرعا في الجاهليّة فما تأمرنا؟
قال: «في كلّ سائمة فرع تغذوه ما شيتك حتّى إذا استحمل» ) * «9» .
18-* (قالت عائشة- رضي الله عنها- سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «هجاهم حسّان فشفى واشتفى» . قال حسّان:
هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمّدا برّا «10» تقيّا ... رسول الله شيمته الوفاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء)
* «11» .
__________
(1) ولا يتحاشى: أي لا يخاف وباله وعقوبته.
(2) مسلم (1848) .
(3) الماهر بالقرآن: هو الحاذق الكامل الحفظ. الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه.
(4) مع السفرة الكرام البررة: السفرة جمع سافر، والسافر الرسول. والسفرة الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله. والبررة: المطيعون. من البر. وهو الطاعة.
(5) ويتتعتع فيه: هو الذي يتردد في قراءته، ويتبلد فيها لسانه.
(6) مسلم (798) .
(7) نعتر عتيرة في الجاهلية: العتيرة ذبيحة كانوا يقدمونها لالهتهم في شهر رجب، وقد نهى عنها الإسلام كما نهى عن الفرعة.
(8) نفرع فرعا: من أفرع، أي: نذبح فرعا. والفرع هو أول ما تلد الناقة، وكانوا يذبحون ذلك لالهتهم في الجاهلية ثم نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك.
(9) النسائي (7/ 169) . وأبو داود (2830) وصححه الألباني صحيح سنن أبي داود (2454) وقال نصرة «استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه» . وقال محقق «جامع الأصول» (7/ 507) : إسناده حسن.
(10) برّا: البر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان، وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر هنا بمعنى المتنزه عن الماثم.
(11) مسلم (2490) .(3/759)
الأحاديث الواردة في (البر) معنى
19-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربعون خصلة، أعلاهنّ منيحة العنز «1» ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله الله بها الجنّة» ) * «2» .
20-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟
قال: «تطعم الطّعام وتقرأ السّلام على من عرفت ومن لم تعرف» ) * «3» .
21-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ عمر بن الخطّاب، أصاب أرضا بخيبر فأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يستأمره فيها «4» ، فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدّقت بها» قال: فتصدّق بها عمر أنّه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدّق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرّقاب وفي سبيل الله وابن السّبيل والضّيف ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متموّل «5» » ) * «6» .
22-* (عن سعد بن الأطول؛ أنّ أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم. وترك عيالا. فأردت أن أنفقها على عياله. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخاك محتبس بدينه فاقض عنه» فقال: يا رسول الله قد أدّيت عنه إلّا دينارين، ادّعتهما امرأة وليس لها بيّنة. قال: «فأعطها فإنّها محقّة» ) * «7» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل، يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطّريق فأخّره. فشكر الله له فغفر له» وقال: «الشّهداء خمسة: المطعون «8» ، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل الله- عزّ وجلّ-» ) * «9» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثّرى من العطش فقال الرّجل:
لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّة ثمّ أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» . قالوا: يا رسول الله، وإنّ لنا
__________
(1) منيحة العنز: بمعنى المنحة، وفي الحديث «أفضل الصدقة المنيحة تغدو بعساء وتروح بعساء» .
(2) البخاري- الفتح 5 (2631) .
(3) البخاري- الفتح 1 (12) . ومسلم (39) .
(4) يستأمره: أي يستشيره طالبا في ذلك أمره.
(5) غير متمول أي غير متأثل مالا.
(6) البخاري- الفتح 5 (2737) واللفظ له. ومسلم (1632) .
(7) ابن ماجة (2433) . وفي الزوائد: إسناده صحيح.
(8) المطعون: الذي يموت في الطاعون.
(9) البخاري- الفتح 5 (2472) . ومسلم (1914) .(3/760)
في البهائم أجرا؟، فقال: «في كلّ ذات كبد رطبة أجر» ) * «1» .
25-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا.
قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين النّاس فامر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوّزوا عن الموسر. قال: قال الله- عزّ وجلّ-: تجوّزوا عنه» ) * «2» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» . وأحسبه. قال: «وكالقائم لا يفتر وكالصّائم لا يفطر» ) * «3» .
27-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي، حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوئ أعمالها النّخامة «4» تكون في المسجد لا تدفن» ) * «5» .
28-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «6» » ) * «7» .
29-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّه قال:
قدم علينا عبد الرّحمن بن عوف وآخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع، وكان كثير المال. فقال سعد: قد علمت الأنصار أنّي من أكثرها مالا، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلّقها حتّى إذا حلّت تزوّجتها. فقال عبد الرّحمن: بارك الله لك في أهلك. فلم يرجع يومئذ حتّى أفضل شيئا من سمن وأقط. فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه وضر من صفرة «8» . فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم «9» » . قال:
تزوّجت امرأة من الأنصار. قال: «ما سقت فيها؟» قال: وزن نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال:
«أولم ولو بشاة» ) * «10» .
30-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي، فقلت: إنّي قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلّا ابنة لي، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: «لا» . فقلت: بالشّطر؟ فقال:
«لا» . ثمّ قال: «الثّلث، والثّلث كبير أو كثير. إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (6009) واللفظ له، ومسلم (2244) .
(2) البخاري- الفتح 4 (7702) . ومسلم (1560) .
(3) البخاري- الفتح 10 (6007) . ومسلم (2982) .
(4) النخامة: هي البزقة تخرج من أصل الفم مما يلي أصل النخاع.
(5) مسلم (553) .
(6) بوجه طلق: أي سهل منبسط.
(7) مسلم (2626) .
(8) وضر من صفرة: أي أثر من زعفران.
(9) مهيم: كلمة يستفهم بها، معناها ما حالك وما شأنك؟
(10) البخاري- الفتح 7 (3781) .(3/761)
يتكفّفون النّاس «1» ، وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى ما تجعل في في امرأتك» .
فقلت: يا رسول الله، أخلّف بعد أصحابي؟ قال: «إنّك لن تخلّف «2» ، فتعمل عملا صالحا إلّا ازددت به درجة ورفعة، ثمّ لعلّك أن تخلّف حتّى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون. اللهمّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم لكن البائس سعد ابن خولة» رثى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة) * «3» .
31-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة. كلّ يوم تطلع فيه الشّمس» قال: «تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرّجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة» قال: «والكلمة الطّيّبة صدقة، وكلّ خطوة تمشيها إلى الصّلاة صدقة، وتميط الأذي عن الطّريق صدقة» ) * «4» .
32-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ معروف صدقة» ) * «5» .
33-* (عن زينب امرأة عبد الله- رضي الله عنهما- قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «تصدّقن ولو من حليّكنّ» وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيجزأ عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصّدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلقت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيجزأ عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا. فدخل فسأله، فقال: «من هما؟» قال: زينب. قال:
«أيّ الزّيانب؟» قال: امرأة عبد الله. قال: «نعم ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصّدقة» ) * «6» .
34-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلّا كان له به صدقة» ) * «7» .
35-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من استعاذ بالله فأعيذوه.
ومن سألكم بالله فأعطوه. ومن استجار بالله فأجيروه. ومن آلى إليكم معروفا «8» فكافئوه. فإن لم تجدوا فادعوا له حتّى تعلموا أن قد كافأتموه» ) * «9» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل
__________
(1) يتكففون الناس: أي يسألون الناس بمد أكفهم إليهم.
(2) إنك لن تخلف: المراد بالتخلف طول العمر والبقاء في الحياة بعد أصحابه.
(3) البخاري- الفتح 5 (2744) . ومسلم (1628) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2707) . ومسلم (1009) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 10 (6021) . ومسلم (1005) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1466) . ومسلم (1000) .
(7) البخاري- الفتح 5 (2320) . ومسلم (1553) .
(8) آلى معروفا إلى فلان: قدمه له.
(9) النسائي (5/ 82) وصححه الألباني صحيح سنن النسائي (2407) وهو في الصحيحة له (254) . وأبو داود (4813) . وصححه محقق «جامع الأصول» (11/ 692) .(3/762)
الله نودي من أبواب الجنّة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة» . فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «1» ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» ) * «2» .
37-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «من منح منيحة غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها «3» وغبوقها «4» » ) * «5» .
38-* (عن أمّ بجيد- رضي الله عنها- أنّها قالت: يا رسول الله- صلّى الله عليك- إنّ المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إيّاه؟ فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لم تجدي شيئا تعطينه إيّاه إلّا ظلفا محرّقا «6» فادفعيه إليه فى يده» ) * «7» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطّاب فاستقرأته آية من كتاب الله، فدخل داره وفتحها عليّ، فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على رأسي، فقال: «يا أبا هريرة» فقلت: لبّيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الّذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعسّ من لبن «8» فشربت منه. ثمّ قال: «عد فاشرب يا أبا هرّ» ، فعدت فشربت، ثمّ قال: «عد» ، فعدت فشربت حتّى استوى بطني فصار كالقدح «9» ، قال: فلقيت عمر وذكرت له الّذي كان من أمري، وقلت له تولّى ذلك «10» من كان أحقّ به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الاية ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل حمر النّعم» ) * «11» .
40-* (عن المقداد- رضي الله عنه- قال:
أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد «12» . فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ
__________
(1) من ضرورة: أي من ضرر.
(2) البخاري- الفتح 4 (1897) واللفظ له، ومسلم (1027) .
(3) الصبوح: ما حلب من اللبن بالغداة.
(4) والغبوق: ما حلب من اللبن بالعشي.
(5) مسلم (1020) .
(6) ظلفا محرقا: الظلف خف الشاة، ومحرقا مبالغة في غاية ما يعطى من القلة.
(7) أبو داود (1667) . والترمذي (665) وقال: حديث حسن صحيح.
(8) العسّ: القدح الكبير.
(9) القدح- بكسر القاف وسكون الدال. هو السهم الذي لا ريش له.
(10) وفي رواية: «تولّى الله ذلك» الفتح (9/ 430) ، وفي أخرى: «فولّى الله ذلك من كان أحقّ منك يا عمر» البخاري (ط. البغا، 5/ 2056) .
(11) البخاري- الفتح 9 (5375) .
(12) الجهد: الجوع والمشقة.(3/763)
صلّى الله عليه وسلّم: «احتلبوا هذا اللّبن بيننا» قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة. وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت «1» في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت.
قال: فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسلّم كما كان يسلّم ثمّ أتى المسجد فصلّى ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم ير فيه شيئا. فرفع رأسه إلى السّماء فقلت: الان يدعو عليّ فأهلك. فقال: «اللهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» . قال فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ وأخذت الشّفرة فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن فأذبحها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هي حافلة «2» وإذا هنّ حفّل كلّهنّ. فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة. فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله اشرب.
فشرب ثمّ ناولني. فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثمّ ناولني. فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك يا مقداد» فقلت:
يا رسول الله، كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله. أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» قال: فقلت:
والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس) * «3» .
41-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ أباه توفّي وعليه دين فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش عليّ الغرماء، فمشى حول بيدر «4» من بيادر التّمر فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه فقال: «انزعوه» فأوفاهم الّذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم) * «5» .
42-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- في خطبة له؛ قال: إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا
__________
(1) وغلت: أي دخلت وتمكنت منه.
(2) حافلة: كثيرة اللبن.
(3) مسلم (2055) .
(4) البيدر: البيدر للتمر كالجرن للحب.
(5) البخاري- الفتح 6 (3580) .(3/764)
ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير» ) * «1» .
43-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال أبو طلحة لأمّ سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير، ثمّ أخرجت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت يدي ولاثتني «2» ببعضه ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ومعه النّاس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آرسلك أبو طلحة؟» فقلت: نعم. قال:
«بطعام؟» قلت: نعم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن معه:
«قوموا» فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّاس، وليس عندنا ما نطعمهم.
فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتّى لقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلمّي يا أمّ سليم ما عندك» فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففتّ، وعصرت أمّ سليم عكّة فأدمته «3» ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» ، فأذن لهم فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» ، فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا، ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا ثمّ خرجوا. ثمّ قال: «ائذن لعشرة» فأكل القوم كلّهم حتى شبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (البر)
1-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: «توشك القرى أن تخرب وهي عامرة. قيل:
وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجّارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها» ) * «5» .
2-* (قال كعب الأحبار: «لولا كلمات أقولهنّ لجعلتني يهود حمارا، فقيل له: وما هنّ؟ قال:
أعوذ بوجه الله العظيم، الّذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ» ) * «6» .
__________
(1) أحمد في المسند (1/ 378) . وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(2) ولا ثتني ببعضه: أي لفتني به، يقال لاث العمامة على رأسه أي عصبها، والمراد أنها لفت بعضه على رأسه وبعضه على إبطه. في الفتح «ولا تثني» والصواب «ولاثتني»
(3) وعصرت أم سليم عكة فأدمته: أي صيرت ما خرج من العكة له إداما، والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل.
(4) البخاري- الفتح 6 (3578) . ومسلم (2040) .
(5) الجواب الكافي (53) .
(6) جامع الأصول (4/ 372) .(3/765)
3-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون/ 60) قال: كانوا يعملون ما عملوا من أنواع البرّ وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله» ) * «1» .
ومن أقوال الشعراء في البر:
4-* (أنشد أبو الحسن الهاشميّ:
النّاس كلّهم عيا ... ل الله تحت ظلاله
فأحبّهم طرّا إلي ... هـ أبرّهم لعياله* «2» .
5-* (قال الشّاعر:
إنّ المكارم أخلاق مطهّرة ... فالعقل أوّلها، والدّين ثانيها
والعلم ثالثها، والحلم رابعها ... والجود خامسها، والعرف ساديها «3»
والصّبر سابعها، والبرّ ثامنها ... والشّكر تاسعها واللّين عاشيها «4»
والنّفس تعلم أنّي لا أصدّقها ... ولست أرشد إلّا حين أعصيها) *
من فوائد (البر)
(1) طريق موصل إلى الجنّة.
(2) زيادة في العمر وبركة في المال والنّسل.
(3) من أسباب سعادة المرء في الدّارين.
(4) دليل على حسن الخاتمة.
(5) نيل محبّة النّاس ومحبّة الله- عزّ وجلّ-.
(6) البرّ يؤدّي إلى الألفة وشيوع روح المحبّة في المجتمع.
(7) التّاجر البارّ يخرج من زمرة الفجّار يوم القيامة.
(8) الأبرار تعمر بهم الأرض وذلك بخلاف الفجّار الّذين يخرّبونها وهي عامرة.
(9) البرّ ينجّي من العذاب يوم القيامة.
(10) البرّ إحدى الصّفات الّتى لا تكتمل مكارم الأخلاق إلّا بها وهو أعلى درجات الصّدق.
(11) بالبرّ تطمئنّ النّفوس الحائرة وتهدأ القلوب الفزعة وتستقرّ الجماعات.
__________
(1) الزهد، للإمام وكيع بن الجراح (1/ 390) .
(2) أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 184) .
(3) ساديها: يعني سادسها.
(4) عاشيها: يعني عاشرها.(3/766)
بر الوالدين
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 8/ 32/ 9/
بر الوالدين لغة:
البرّ مصدر مأخوذ من مادّة «ب ر ر» الّتي يقول عنها ابن فارس: الباء والرّاء في المضاعف أربعة أصول (أي لها أربعة معان أصليّة) هي: الصّدق، وحكاية صوت، وخلاف البحر، ونبت. ويرجع برّ الوالدين إلى المعنى الأوّل وهو الصّدق. يقول صاحب المقاييس: فأمّا الصّدق فقولهم صدق فلان وبرّ، وبرّت يمينه: صدقت، وأبرّها أمضاها على الصّدق، وتقول برّ الله حجّك وأبرّه، وحجّة مبرورة أي قبلت قبول العمل الصّادق، ومن ذلك قولهم: يبرّ ربّه أي يطيعه وهو من الصّدق، ومن هذا الباب قولهم: هو يبرّ (والديه) وذا قرابته، وأصله الصّدق في المحبّة يقال (في الوصف منه) رجل برّ وبارّ «1» وجمع البرّ أبرار وجمع البارّ بررة «2» وجاء في الصّحاح: البرّ خلاف العقوق تقول بررت والدي (بفتح الرّاء الأولى وكسرها) أبرّه برّا فأنا برّ به وبارّ به والمضارع منه على وزن يفعل عند من يكسر الرّاء وعلى وزن يفعل عند من يفتحها تقول: قد برّ والده يبرّه ويبرّه برّا فيبرّ على بررت ويبرّ على بررت «3» ، والبرّ إذا أضيف إلى الوالدين أو ذي القرابة كان معناه ضدّ العقوق يقول ابن منظور: وهو (البرّ) في حقّهما وحقّ الأقربين من الأهل ضدّ العقوق «4» ومن معاني البرّ أيضا: الصّلة، والجنّة، والخير، والطّاعة، والحجّ، والاتّساع في الإحسان، وحسن الخلق «5» ، وفي التّنزيل العزيز: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (الطور/ 28) قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: البرّ وهو العطوف على عباده ببرّه أي بإحسانه ولطفه «6» .
البر بالوالدين اصطلاحا:
الإحسان إلى الوالدين والتّعطّف عليهما والرّفق بهما والرّعاية لأحوالهما وعدم الإساءة إليهما، وإكرام صديقهما من بعدهما «7» .
وقد جاء البرّ في القرآن الكريم بمعنى صلة
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 78) .
(2) الصحاح للجوهري (2/ 588) ، والقاموس المحيط (444) ، ولسان العرب «برر» (253) ط. دار المعارف. وقد اقتصر فى الصحاح على لغة الكسر (بررت) ومن ثم يكون المضارع بالفتح لا غير.
(3) اللسان «برر» (253) .
(4) وقد عرف ابن منظور العقوق هنا بأنه «الإساءة إليهم والتضييع لحقوقهم. انظر اللسان الموضع السابق.
(5) انظر مادة (ب ر ر) فى المعاجم الاتية: الصحاح، المقاييس، اللسان، القاموس (6) ، النهاية (1/ 116) .
(6) النهاية (1/ 116) .
(7) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (2/ 211) .(3/767)
الرّحم- أيضا- قال الله تعالى:
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ (الممتحنة/ 8 مدنية) . أي تصلوا أرحامكم.
من صور بر الوالدين:
أورد القرطبي- رحمه الله- في تفسيره كلاما كثيرا مفاده:
1- أنّ الله أمر بعبادته وتوحيده، وجعل برّ الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ 23) ، وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ 14) .
وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ برّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصّلاة الّتي هي أعظم دعائم الإسلام.
2- من البرّ بهما والإحسان إليهما ألّا يتعرّض لسبّهما ولا يعقّهما.
3- وعقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أنّ برّهما موافقتهما على أغراضهما.
وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المندوب.
4- أنّ برّ الوالدين متساو عند بعض الفقهاء الشّافعيّة، والمالكيّة، وبعض الفقهاء يرجّح الأمّ على الأب، وإلى هذا ذهب اللّيث بن سعد والمحاسبيّ في كتابه (الرّعاية) .
5- لا يختصّ برّ الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرّهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد.
6- من الإحسان إليهما والبرّ بهما إذا لم يتعيّن الجهاد ألّا يجاهد إلّا بإذنهما.
7- ومن تمام البرّ صلة أهل ودّ الوالدين، وكان صلّى الله عليه وسلّم يهدي لصدائق خديجة برّا بها، ووفاء لها وهي زوجته- رضي الله عنها- فما ظنّك بالوالدين؟
8- وخصّ ربّ العزّة حالة الكبر؛ لأنّها الحالة الّتي يحتاجان فيها إلى البرّ لتغيّر الحال عليهما بالضّعف والكبر، فألزم في هذه الحالة مراعاة أحوالهما أكثر ممّا ألزمها من قبل؛ لأنّهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج إليه في صغره أن يليا منه، فلذلك خصّ هذه الحالة بالذّكر.
9- ومن برّهما والإحسان إليهما أن لا يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم، يقول الحقّ- تبارك وتعالى-: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ (الإسراء/ 23) وقوله: أفّ للأبوين أردأ شيء لأنّه رفضهما رفض كفر النّعمة، وجحد التّربية وردّ الوصيّة الإلهيّة.
10- أن يتلطّف معهما بقول ليّن لطيف، كريم، وأن يجعل نفسه مع أبويه في خير ذلّة، في أقواله، وسكناته ونظره، ولا يحدّ إليهما بصره؛ فإنّ تلك نظرة الغاضب. وهذا من برّ الوالدين.
11- ومن برّهما التّرحّم عليهما والدّعاء لهما، وأن ترحمهما كما رحماك، وترفق بهما كما رفقا بك، إذ(3/768)
ولياك صغيرا، جاهلا، محتاجا، فاثراك على أنفسهما وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعرّيا وكسواك، فلا تجزهما إلّا ببرّهما وطاعتهما وحين يبلغان من الكبر الحدّ الّذي كنت فيه من الصّغر، فعليك أن تلي منهما ماوليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التّقدّم «1» .
للاستزادة: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الإحسان- البر- حسن الخلق- الرفق- صلة الرحم- الحنان- الشفقة- الرحمة- العطف- الكلم الطيب- اللين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجحود- عقوق الوالدين- نكران الجميل- الإساءة- سوء المعاملة- سوء الخلق- قطيعة الرحم- القسوة- العنف] .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/ 155- 161)(3/769)
الآيات الواردة في «بر الوالدين»
البر بالوالدين أو أحدهما من صفة الأنبياء:
1- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13)
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «1»
2- فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) «2»
بر الوالدين والإحسان إليهما مما أمر به المولى- عز وجل-:
3- وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) «3»
4- وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) «4»
5- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) «5»
__________
(1) مريم: 12- 15 مكية
(2) مريم: 27- 34 مكية
(3) البقرة: 83 مدنية
(4) النساء: 36 مدنية
(5) الأنعام: 151 مكية(3/770)
6- وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) «1»
7- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) «2»
8- وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) «3»
__________
(1) الإسراء: 23- 24 مكية
(2) لقمان: 14- 15 مكية
(3) الأحقاف: 15- 16 مكية(3/771)
الأحاديث الواردة في (بر الوالدين)
بر الوالدين:
1-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: «الصّلاة على وقتها» . قال: ثمّ أيّ؟
قال: «برّ الوالدين» . قال: ثمّ أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» ) * «1» .
2-* (عن معاوية بن حيدة- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله! من أبرّ؟ قال: «أمّك» . قال:
قلت: ثمّ من؟، قال: «أمّك» . قال: قلت: ثمّ من؟
قال: «أمّك» ، قال: قلت: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أباك ثمّ الأقرب فالأقرب» ) * «2» .
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من اليمن. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هجرت الشّرك ولكنّه الجهاد. هل باليمن أبواك؟» . قال: نعم. قال: «أذنا لك؟» قال: لا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ارجع إلى أبويك فإن فعلا، وإلّا فبرّهما» ) * «3» .
4-* (عن أبي أسيد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: فيما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما، وإكرام صديقهما» ) * «4» .
بر الأم:
5-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه. قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال:
أمّي. قال: «قابل الله في برّها فإذا فعلت ذلك فأنت حاجّ ومعتمر ومجاهد، فإذا رضيت عنك فاتّق وبرّها» ) * «5» .
6-* (عن معاوية بن جاهمة السّلميّ- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله إنّي كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدّار الاخرة. قال: «ويحك أحيّة أمّك؟» قلت: نعم. قال: «ارجع فبرّها» ، ثمّ أتيته من
__________
(1) البخاري- الفتح 10 (5970) . ومسلم (85) واللفظ له.
(2) الترمذي (1897) وقال: حديث حسن. أبو داود (5139) وقال محقق جامع الأصول (1/ 399) : إسناده حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 150) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) أبو داود (2530) . وقال الهيثمي في المجمع (8/ 138) : رواه أحمد وإسناده حسن واللفظ له.
(4) أبو داود (5142) . وابن ماجة (3664) . وأحمد (3/ 498) . والحاكم في المستدرك (4/ 155) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(5) الهيثمي في المجمع (8/ 138) واللفظ له. وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 315) وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط وإسنادهما جيد.(3/772)
الجانب الاخر، فقلت يا رسول الله: إنّي كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدّار الاخرة.
قال: «ويحك، أحيّة أمّك؟ قلت: نعم يا رسول الله.
قال: «فارجع إليها فبرّها» ، ثمّ أتيته من أمامه فقلت:
يا رسول الله: إنّي كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدّار الاخرة. قال: «ويحك، أحيّة أمّك؟» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «ويحك الزم رجلها فثمّ الجنّة» ) * «1» .
7-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس وله والدة، وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم» .
وفي رواية: كان عمر بن الخطّاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن «2» سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟
حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟
قال نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن «3» ؟ قال: نعم.
قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟
قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» ، فاستغفر لي، فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟
قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال:
أكون في غبراء النّاس أحبّ إليّ. قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت، قليل المتاع.
قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن كان به برص فبرأ منه. إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» ، فأتى أويسا فقال: استغفر لي.
قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: استغفر لي «4» ، قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال:
نعم، فاستغفر له ففطن له النّاس، فانطلق على وجهه، قال أسير: وكسوته بردة، فكان كلّما رآه إنسان، قال: من أين لأويس هذه البردة؟) * «5» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ودخلت الجنّة فسمعت فيها
__________
(1) النسائي (6/ 11) . وابن ماجة (2781) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2441) وقال محقق جامع الأصول (1/ 403) : رواه أحمد في المسند (3/ 429) وإسناده حسن. وكذا أخرجه الحاكم (4/ 151) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. واللفظ لابن ماجة.
(2) أمداد أهل اليمن: الأمداد جمع مدد وهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد. النهاية، لابن الأثير (3/ 308) .
(3) مراد وقرن من قبائل اليمن.
(4) استغفر لي الأولى من كلام أويس والثانية من كلام الرجل الذي هو من أشراف اليمن واسمه «أسير» كما جاء في آخر الحديث.
(5) مسلم (2542) .(3/773)
قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النّعمان كذلكم البرّ، كذلكم البرّ» «1» وكان أبرّ النّاس بأمّه) *.
بر الأب:
9-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم، وعفّوا تعفّ نساؤكم» ) * «2» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
إنّ رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكّة فسلّم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه. فقال ابن دينار فقلنا له: أصلحك الله إنّهم الأعراب وإنّهم يرضون باليسير. قال عبد الله: إنّ أبا هذا كان ودّا لعمر بن الخطّاب، وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» ) * «3» .
بر الأقارب (وخاصة الخالة) :
11-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل لي توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال:
لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم.
قال: «فبرّها» ) * «4» .
12-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أوّل ما بعث وهو بمكّة وهو حينئذ مستخف. فقلت: ما أنت؟ قال: «أنا نبيّ» . قلت: وما النّبيّ؟ قال: «رسول الله» قلت: بم أرسلك؟ قال: «بأن يعبد الله وتكسر الأوثان وتوصل الأرحام بالبرّ والصّلة «5» » ) * «6» .
البر يطيل العمر:
13-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزيد في العمر إلّا البرّ، ولا يردّ القضاء إلّا الدّعاء، وإنّ الرّجل ليحرم الرّزق بخطيئة يعملها» ) * «7» .
__________
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (3/ 229) وصححه ووافقه الذهبي. وشرح السنة للبغوي (13/ 7) وقال محققه: إسناده صحيح.
(2) ذكره الهيثمي في المجمع (8/ 138) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب (3/ 317) : رواه الطبراني بإسناد حسن. والحاكم في المستدرك (4/ 154) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) مسلم (2552) .
(4) صحيح سنن الترمذي (1554) . والحاكم في مستدركه (2/ 155) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(5) المراد بالصلة هنا: الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وكذلك إن بعدوا أو أساءوا وقطع الرحم ضد ذلك كله. (لسان العرب ص 4851) .
(6) الحاكم في المستدرك (4/ 149) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(7) أحمد (5/ 277) ، (282) . والترمذي (2139) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (90) وهذا لفظه. الطبراني في المعجم الكبير (2/ 100) . وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (73) . والحاكم في المستدرك (1/ 493) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.(3/774)
الأحاديث الواردة في (بر الوالدين) معنى
14-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «احفظ ودّ أبيك لا تقطعه فيطفأ الله نورك» ) * «1» .
15-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا رسول الله إنّي جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدّار الاخرة ولقد أتيت وإنّ والديّ ليبكيان، قال: «فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما» ) * «2» .
16-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: أقبل رجل إلى نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله.
قال: «فهل من والديك أحد حيّ؟» قال: نعم، بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم.
قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» ) * «3» .
17-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة: إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ) * «4» .
18-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: إنّ رجلا أتاه، فقال: إنّ لي امرأة وإنّ أمّي تأمرني بطلاقها. فقال أبو الدّرداء: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنّة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» ) * «5» .
19-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّ لي مالا وولدا وإنّ أبي يريد أن يحتاج مالي. فقال: «أنت ومالك لأبيك» ) * «6» .
20-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل لترفع درجته في الجنّة فيقول: أنّى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» ) * «7» .
21-* (عن المقدام بن معد يكرب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله يوصيكم بأمّهاتكم (ثلاثا) وإنّ الله يوصيكم بابائكم. إنّ الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب» ) * «8» .
__________
(1) الهيثمي في المجمع (8/ 147) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وحسنه الحافظ العراقي. انظر فيض القدير (1146) .
(2) ابن ماجة (2782) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2243) . والحاكم في مستدركه (4/ 152) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3) البخاري- الفتح 10 (5972) . مسلم (2549) واللفظ له
(4) مسلم (1631) .
(5) الترمذي (1900) وقال: حديث صحيح وهذا لفظه. والحاكم في مستدركه (4/ 152) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6) أبو داود (3530) . وابن ماجة (2291) وهذا لفظه، وصححه الألباني، وقال محقق جامع الأصول (1/ 399) : إسناده حسن.
(7) ابن ماجة (3660) وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (2953) . وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(8) ابن ماجة (3661) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (2954) .(3/775)
22-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أتته امرأة فقالت: إنّي تصدّقت على أمّي بجارية وإنّها ماتت.
قال: فقال: «وجب أجرك وردّها عليك الميراث» قالت: يا رسول الله، إنّه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها» ، قالت: إنّها لم تحجّ قطّ، أفأحجّ عنها؟، قال: «حجّي عنها» ) * «1» .
23-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر. فأووا إلى غار في جبل، فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعلّ الله يفرجها عنكم «2» . فقال أحدهم: اللهمّ إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم «3» حلبت، فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ، وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «4» فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «5» عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم «6» حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الاخر: اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها. فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها، قالت: يا عبد الله، اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم.
وقال الاخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «7» ، فلمّا قضى عمله قال: أعطني حقّي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها، فجاءني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها «8» ، فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزأ بي. فقلت: إنّي لا أستهزأ بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «9» .
__________
(1) مسلم (1149) .
(2) يفرجها عنكم معناه يكشفها بأن يجعل فيها فروجا.
(3) فإذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها. يقال: أرحت الماشية وروحتها، بمعنى.
(4) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد. والنأي البعد.
(5) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع.
(6) فلم يزل ذلك دأبي: أي حالي اللازمة.
(7) بفرق: بفتح الراء وإسكانها، لغتان، الفتح أجود وأشهر. وهو إناء يسع ثلاثة آصع جمع صاع ومقداره خمسة أرطال وثلث على رأى الشافعي، أو ثمانية على رأي أبي حنيفة. ينظر: لسان العرب.
(8) الرّعاء بكسر الراء وضمها: جمع راع وهو من يقوم بمهنة الرعي. (القاموس) .
(9) البخاري- الفتح 6 (3465) . ومسلم (2743) واللفظ له.(3/776)
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من أحقّ النّاس بحسن صحابتي «1» ؟ قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟. قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» . قال: ثمّ من؟. قال: «ثمّ أبوك» ) * «2» .
25-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «رضا الرّبّ في رضا الوالد، وسخط الرّبّ في سخط الوالد» ) * «3» .
26-* (عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- قالت: قلت يا رسول الله، إنّ أمّي قدمت عليّ وهي راغبة أو راهبة أفأصلها؟ قال: «نعم» ) * «4» .
27-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كانت تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أبي أن أطلّقها، فأبيت، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عبد الله بن عمر طلّق امرأتك» ) * «5» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «6» فسمعت أمّي خشف قدميّ «7» ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «8» . قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة.
فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «9» .
29-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجزي ولد والدا إلّا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» ) * «10» .
__________
(1) الصحابة هنا بمعنى: الصحبة.
(2) البخاري- الفتح 10 (5971) ، ومسلم (2548) .
(3) الترمذي (1899) وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1549) . والحاكم في المستدرك (4/ 151) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي.
(4) البخاري- الفتح 10 (5978) . ومسلم (1003) واللفظ له.
(5) الترمذي (1189) وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند (4711، 5011) . والحاكم في المستدرك (4/ 153) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(6) مجاف: مغلق
(7) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض.
(8) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(9) مسلم (2491)
(10) مسلم (1510)(3/777)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (بر الوالدين)
30-* (عن سهل بن معاذ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره» ) * «1» .
31-* (عن أبي الطّفيل- رضي الله عنه- قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسّم لحما بالجعرانة وأنا غلام شابّ فأقبلت امرأة فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسط لها رداءه فقعدت عليه، فقلت: من هذه؟ قالوا: أمّه الّتي أرضعته «2» » ) * «3» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه، فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنّها تذكّر الموت» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (بر الوالدين)
1-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- إنّي لا أعلم عملا أقرب إلى الله- عزّ وجلّ- من برّ الوالدة» ) * «5» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح «6» إليهما محتسبا إلّا فتح الله له بابين (يعني من الجنّة) وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتّى يرضى عنه، قيل: وإن ظلما؟ قال: «وإن ظلما» ) * «7» .
3-* (قال أبو موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- شهد ابن عمر- رضي الله عنهما- رجلا يمانيّا يطوف بالبيت حمل أمّه وراء ظهره يقول:
إنّي لها بعيرها المذلّل ... إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثمّ قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» ) * «8» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ أمّه كانت في بيت وهو في آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السّلام عليك يا أمّاه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بنيّ ورحمة الله وبركاته،
__________
(1) المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 317) ، وقال: رواه أبو يعلى والطبراني. والحاكم في المستدرك (4/ 154) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) أمه التي أرضعته هنا هي حليمة السعدية.
(3) أخرجه أبو داود (5144) . الحاكم في المستدرك (4/ 164) ، وأقره الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر: والحديث أخرجه أبو داود وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه. الإصابة (4/ 274) .
(4) مسلم (976) .
(5) الأدب المفرد للبخاري (3) .
(6) يصبح: يكون في وقت الصباح.
(7) الأدب المفرد للبخاري (4) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/778)
فيقول: رحمك الله كما ربّيتني صغيرا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرا) * «1» .
5-* (قال طاوس- رحمه الله-: «إنّ من السّنّة أن نوقّر أربعة: العالم، وذو الشّيبة، والسّلطان، والوالد» ) * «2» .
6-* (قال وهب بن منبّه- رحمه الله- قال:
«إنّ البرّ بالوالدين يزيد في العمر» ) * «3» .
7-* (سئل الحسن البصريّ ما برّ الوالدين؟
قال: «أن تبذل لهما ما ملكت وأن تطيعهما فيما أمراك به إلّا أن يكون معصية» ) * «4» .
8-* (وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: «برّ الوالدين كفّارة الكبائر» وذكر أبو اللّيث السّمرقنديّ: «أنّ من حقوق الوالد على ولده أن يطعمه إذا احتاج إلى طعمة، ويكسوه إذا قدر» وذكر أنّ في الحديث في تفسير قوله تعالى وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً عنه صلّى الله عليه وسلّم، قال: «المصاحبة بالمعروف أن يطعمهما إذا جاعا، ويكسوهما إذا عريا. ومن حقوقهما خدمتهما إذا احتاجا أو أحدهما إلى خدمة، وإجابة دعوتهما، وامتثال أمرهما ما لم يكن معصية، والتكلّم معهما باللّين، وأن لا يدعوهما باسمهما، وأن يمشي خلفهما، وأن يدعو الله لهما بالمغفرة» ) * «5» .
ومن أقوال الشعراء فى بر الوالدين:
9-* (قال الشّاعر:
عليك ببرّ الوالدين كليهما ... وبرّ ذوي القربى وبرّ الأباعد
ولا تصحبن إلّا تقيّا مهذّبا ... عفيفا ذكيّا منجزا للمواعد) * «6» .
من فوائد (بر الوالدين)
(1) من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) من أفضل العبادات وأجلّ الطّاعات.
(3) طريق موصّل إلى الجنّة.
(4) الزّيادة في الأجل والنّماء في المال والنّسل.
(5) رفع الذّكر في الاخرة وحسن السّيرة في النّاس.
(6) من برّ آباءه برّه أبناؤه والجزاء من جنس العمل.
(7) برّ الوالدين يفرّج الكرب.
(8) من حفظ ودّ أبيه لا يطفأ الله نوره.
__________
(1) المرجع السابق (5) . والدر المنثور للسيوطي (5/ 260) .
(2) الدر المنثور للسيوطي (5/ 267) .
(3) الدر المنثور للسيوطي (5/ 270) .
(4) المرجع السابق (5/ 259) . وقال أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
(5) تنبيه الغافلين (1/ 137) ، وغذاء الألباب، (1/ 389- 390) .
(6) الترغيب والترهيب للمنذري (331) .(3/779)
البشارة
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 54/ 51/ 2/
البشارة لغة:
البشارة بضمّ الباء وكسرها الاسم من قولهم بشره بالأمر يبشره بشرا وبشورا، ويتعدّى بالهمزة فيقال أبشره، وبالتّضعيف فيقال بشّره، ويقال أيضا بشر بالشّيء إذا استبشر به وبابه طرب. وكلّه مأخوذ من مادّة (ب ش ر) الّتي تدلّ على الظّهور والحسن.
يقول ابن فارس: الباء والشّين والرّاء أصل واحد: هو ظهور الشّيء مع حسن وجمال، فالبشرة ظاهر جلد الإنسان. وسمّي البشر بشرا لظهورهم، والبشير الحسن الوجه، والبشارة الجمال، قال:
الأعشى:
ورأت بأنّ الشّيب جا ... نبه البشاشة والبشارة
ويقال: بشّرت فلانا أبشّره تبشيرا، وذلك يكون بالخير وربّما حمل عليه غيره من الشّرّ لضرب من التّبكيت، فأمّا إذا أطلق الكلام إطلاقا فالبشارة بالخير والنّذارة بغيره. ويقول الرّازيّ: والبشارة المطلقة لا تكون إلّا بالخير وإنّما تكون بالشّرّ إذا كانت مقيّدة به كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وتباشر القوم بشّر بعضهم بعضا، والبشر المبشّر، والمبشّرات الرّياح الّتي تبشّر بالغيث، ويقول صاحب اللّسان:
والتّبشير يكون بالخير والشّرّ كقوله تعالى:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (آل عمران/ 21) والاسم البشرى. وقوله تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
(يونس/ 64) . والاسم البشارة بالكسر والضّمّ. وتقول: أبشر بخير، بقطع الألف، وبشرت بكذا، بالكسر، أبشر أي استبشرت به. وتباشر القوم أي بشّر بعضهم بعضا. والبشارة أيضا: ما يعطاه المبشّر بالأمر وفي حديث توبة كعب «فأعطيته ثوبيّ بشارة» ، والبشير: المبشّر الذي يبشّر القوم بأمر خير أو شرّ.
وقال الزّجّاج: معنى يبشرك يسرّك ويفرحك وبشرت الرّجل أبشره إذا أفرحته. قال: وأصل هذا كلّه أنّ بشرة الإنسان تنبسط عند السّرور ومن هذا قولهم فلان يلقاني ببشر أي بوجه منبسط «1» .
واصطلاحا:
كلّ خبر صدق تتغيّر به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشّرّ، وفي الخير أغلب «2» .
ورود البشارة في القرآن الكريم:
وردت البشارة في القرآن على اثني عشر وجها
__________
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (1/ 94) . ولسان العرب لابن منظور (1/ 287) ، ومختار الصحاح للرازى (46) ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 251) .
(2) التعريفات للجرجاني (45) وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/ 171) .(3/780)
لاثني عشر قوما باثنتي عشرة كرامة:
الأوّل: بشارة أرباب الإنابة بالهداية: وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى إلى قوله: هَداهُمُ اللَّهُ (الزمر/ 17- 18) .
الثّاني: بشارة المخبتين والمخلصين بالحفظ والرّعاية: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (الحج/ 34) .
الثّالث: بشارة المستقيمين بثبات الولاية:
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا إلى قوله:
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ (فصلت/ 30) .
الرّابع: بشارة المتّقين بالفوز والحماية الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى (يونس/ 63- 64) .
الخامس: بشارة الخائفين بالمغفرة والوقاية إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (يس/ 11) .
السّادس: بشارة المجاهدين بالرّضا والعناية الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا إلى قوله يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ (التوبة/ 20- 21) .
السّابع: بشارة العاصين بالرّحمة والكفاية نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إلى قوله وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ (الحجر/ 49- 56) .
الثّامن: بشارة المطيعين بالجنّة والسّعادة وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ (البقرة/ 25) .
التّاسع: بشارة المؤمنين بالعطاء والشّفاعة وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس/ 2) .
العاشر: بشارة المنكرين بالعذاب والعقوبة بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (النساء/ 138) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (آل عمران/ 21) . وهذه استعارة ولكن تنبيه أنّ أسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب.
الحادي عشر: بشارة الصّابرين بالصّلوات والرّحمة وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ إلى قوله: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة/ 551- 157) .
الثّاني عشر: بشارة العارفين باللّقاء والرّؤية وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (الأحزاب/ 41) «1» .
ووردت البشارة وما اشتقّ منها في القرآن الكريم في مواضع عديدة وجاءت في بعض الايات صفة للمولى- عزّ وجلّ- وفي بعضها صفة للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم ونسبت للرّياح في بعض الايات.
لقد اقترنت البشارة بالنّذارة خاصّة في صفة الأنبياء والمرسلين وانفردت وحدها في بعض الأحيان، أمّا المبشّرون فقد كانوا أصنافا عديدة منهم المؤمنون والمحسنون والصّابرون ... إلخ. (انظر تصنيف الايات)
[للاستزادة: انظر صفات: البشاشة- السرور طلاقة الوجه- الفرح.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التنفير- التعسير- العبوس- التطير] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز، للفيروز ابادي (2/ 200- 202) .(3/781)
الآيات الواردة في «البشارة»
البشارة من المولى- عز وجل- أو الملائكة:
1- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)
فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36)
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37)
هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) «1» .
2- إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) «2» .
3- أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)
الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)
خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) «3»
4- كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِ
__________
(1) آل عمران: 35- 40 مدنية
(2) آل عمران: 45 مدنية
(3) التوبة: 19- 22 مدنية(3/782)
رَضِيًّا (6) يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) «1»
5- وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106)
وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109)
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) «2»
6- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) «3»
البشارة من صفة النبيين والمرسلين:
7- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) «4»
__________
(1) مريم: 1- 9 مكية
(2) الصافات: 99- 113 مكية
(3) فصّلت: 30- 32 مكية
(4) البقرة: 213 مدنية(3/783)
8- إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163)
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164)
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) «1»
9- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49) «2»
10- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) «3»
11- وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «4»
12- وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ
__________
(1) النساء: 163- 165 مدنية
(2) الأنعام: 48- 49 مكية
(3) يونس: 84- 87 مكية
(4) الكهف: 55- 56 مكية(3/784)
عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) «1»
البشارة من صفة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم:
13- وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) «2»
14- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «3»
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) «4»
16- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) «5»
17- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) «6»
18- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (1)
أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «7»
__________
(1) الصف: 6- 13 مدنية
(2) البقرة: 25 مدنية
(3) البقرة: 118- 119 مدنية
(4) البقرة: 153- 155 مدنية
(5) البقرة: 222- 223 مدنية
(6) المائدة: 19 مدنية
(7) يونس: 1- 2 مكية(3/785)
19- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) «1»
20- وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105)
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) «2»
21- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98) «3»
22- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «4»
23- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (55)
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56)
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) «5»
24- هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)
وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46)
__________
(1) هود: 1- 3 مكية
(2) الإسراء: 105- 106 مكية
(3) مريم: 96- 98 مكية
(4) الحج: 34- 37 مدنية
(5) الفرقان: 54- 58 مكية(3/786)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) «1»
25- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (29)
قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30) «2»
26- إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (24)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (25)
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (26) «3»
27- يس (1)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7)
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9)
وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10)
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) «4»
28- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18) «5»
29- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «6»
البشارة من صفة القرآن الكريم:
30- قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) «7»
31- إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ
__________
(1) الأحزاب: 43- 47 مدنية
(2) سبأ: 28- 30 مكية
(3) فاطر: 24- 26 مكية
(4) يس: 1- 11 مكية
(5) الزمر: 17- 18 مكية
(6) الفتح: 8- 9 مدنية
(7) البقرة: 97 مدنية(3/787)
تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) «1»
32- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70)
وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71)
قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)
قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) «2»
33- نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50)
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)
قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53)
قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55)
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «3»
34- وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (89) «4»
35- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) «5»
__________
(1) آل عمران: 124- 126 مدنية
(2) هود: 69- 75 مكية
(3) الحجر: 49- 56 مكية
(4) النحل: 89 مكية
(5) النحل: 101- 102 مكية(3/788)
36- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) «1»
37- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) «2»
38- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1)
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) «3»
39- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (31)
قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (32) «4»
40- حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) «5»
41- وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) «6»
42- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «7»
البشارة للشهداء والمؤمنين:
43- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
__________
(1) الإسراء: 9- 10 مكية
(2) الكهف: 1- 3 مكية
(3) النمل: 1- 3 مكية
(4) العنكبوت: 31- 32 مكية
(5) فصلت: 1- 4 مكية
(6) الأحقاف: 11- 12 مكية
(7) الذاريات: 24- 28 مكية(3/789)
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) «1»
44- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «2»
45- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (125) «3»
46- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63)
لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) «4»
47- يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) «5»
48- فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
__________
(1) آل عمران: 169- 171 مدنية
(2) التوبة: 111- 112 مدنية
(3) التوبة: 123- 125 مدنية
(4) يونس: 62- 65 مكية
(5) الحديد: 12 مدنية(3/790)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (40)
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (41)
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) «1»
البشارة من صفة الرياح:
49- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) «2»
50- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (47)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49) «3»
51- أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «4»
52- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) «5»
ومن البشارات الأخرى الواردة فى القرآن الكريم:
53- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18)
__________
(1) عبس: 33- 42 مكية
(2) الأعراف: 57- 58 مكية
(3) الفرقان: 47- 49 مكية
(4) النمل: 63 مكية
(5) الروم: 46- 49 مكية(3/791)
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) «1»
54- وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (96) «2»
__________
(1) يوسف: 18- 20 مكية
(2) يوسف: 94- 96 مكية(3/792)
الأحاديث الواردة في (البشارة)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتى جبريل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك «1» معها إناء فيه إدام «2» أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك «3» فاقرأ عليها السّلام من ربّها عزّ وجلّ- ومنّي. وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب «4» لا صخب «5» فيه ولا نصب «6» » ) * «7» .
2-* (عن عمرو بن عوف- رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصّبح مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلمّا انصرف تعرّضوا له، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رآهم وقال:
«أظنّكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنّه جاء بشيء» .
قالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا وأمّلوا ما يسرّكم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدّنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها «8» كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم» ) * «9» .
3-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّه توضّأ في بيته ثمّ خرج، فقال: لألزمنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: خرج ووجّه ههنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتّى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب- وبابها من جريد- حتّى قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجته فتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس «10» وتوسّط قفّها «11» وكشف عن ساقيه ودلّاهما في البئر، فسلّمت عليه ثمّ انصرفت فجلست عند الباب. فقلت: لأكوننّ بوّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟
فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، ثمّ ذهبت فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فقال:
«ائذن له وبشّره بالجنّة» . فأقبلت حتّى قلت لأبي بكر:
ادخل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبشّرك بالجنّة. فدخل أبو بكر
__________
(1) قد أتتك: معناه توجهت إليك.
(2) الإدام: ما يؤتدم به تقول منه أدم الخبز باللحم من باب ضرب.
(3) فإذا هي أتتك: أي وصلتك.
(4) من قصب: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف.
(5) صخب: هو الصوت المختلط المرتفع.
(6) نصب: المشقة والتعب.
(7) البخاري- الفتح 9 (3820) . ومسلم (2432) واللفظ له.
(8) تنافس القوم في الشيء إذا رغبوا فيه، وقد حذفت التاء تخفيفا والأصل فتتنافسوها بمعنى تتنافسوا فيها.
(9) البخاري- الفتح 11 (6425) وهذا لفظه. ومسلم (2961) .
(10) أريس: بستان بالمدينة معروف. وهو بالقرب من قباء. وفي بئرها سقط خاتم النبي صلّى الله عليه وسلّم من أصبع عثمان- رضي الله عنه-.
(11) توسط قفها: بضم القاف وتشديد الفاء هو الدكة التي تجعل حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع، والجمع قفاف.(3/793)
فجلس عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه في القفّ ودلّى رجليه في البئر كما صنع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكشف عن ساقيه. ثمّ رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا (يريد أخاه) يأت به. فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطّاب، فقلت على رسلك، ثمّ جئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطّاب يستأذن. فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة» . فجئت فقلت: ادخل وبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة. فدخل فجلس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القفّ عن يساره ودلّى رجليه في البئر. ثمّ رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، فجاء إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفّان، فقلت: على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه» ، فجئته فقلت له: ادخل وبشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنّة على بلوى تصيبك. فدخل فوجد القفّ قد ملأ، فجلس وجاهه «1» من الشّقّ الاخر) * «2» .
4-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعثه ومعاذا إلى اليمن. فقال:
«يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا. وتطاوعا «3» ولا تختلفا» ) * «4» .
5-* (عن عمرو بن العاص- رضي الله عنه وهو في سياقة الموت- أنّه بكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟
قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي قد كنت على أطباق ثلاث «5» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟
وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له. ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه. ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار. فإذا دفنتموني فشنّوا «6» عليّ
__________
(1) فجلس وجاهه: بضم الواو وبكسرها: أي مقابله.
(2) البخاري- الفتح 7 (3674) واللفظ له. ومسلم (2403) .
(3) تطاوعا: أي ليطع كل منكما الاخر.
(4) البخاري- الفتح 6 (3038) . ومسلم (1733) واللفظ له.
(5) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث.
(6) شنّ التراب على الشيء: فرّقه عليه من كل وجه.(3/794)
التّراب شنّا ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي) * «1» .
6-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أنّ هذه الاية الّتي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً قال: في التّوراة:
«يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا، وحرزا للأمّيّين أنت عبدي ورسولي سمّيتك المتوكّل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب بالأسواق ولا يدفع السّيّئة بالسّيّئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتّي يقيم به الملّة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلّا الله فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا» ) * «2» .
7-* (عن سهل بن الحنظليّة، أنّهم ساروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين فأطنبوا السّير، حتّى كانت عشيّة، فحضرت الصّلاة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله، إنّي انطلقت بين أيديكم حتّى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» ثمّ قال: «من يحرسنا اللّيلة؟» قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ: أنا يا رسول الله، قال: «فاركب» فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال (له) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استقبل هذا الشّعب «3» حتّى تكون في أعلاه، ولا نغرّنّ «4» من قبلك اللّيلة» فلمّا أصبحنا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مصلّاه فركع ركعتين ثمّ قال: «هل أحسستم فارسكم؟» قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوّب بالصّلاة «5» ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وهو يلتفت إلى الشّعب حتّى إذا قضى صلاته وسلّم قال: «أبشروا فقد جاءكم فارسكم» فجعلنا ننظر إلى خلال الشّجر في الشّعب فإذا هو قد جاء حتّى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم فقال: إنّي انطلقت حتّى كنت في أعلى هذا الشّعب حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا أصبحت اطّلعت الشّعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل نزلت اللّيلة؟» قال: لا إلّا مصلّيا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أوجبت «6» فلا عليك أن لا تعمل بعدها» ) * «7» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال: «إذا اقترب الزّمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب؛ وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا؛ ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النّبوّة. والرّؤيا ثلاثة: فرؤيا الصّالحة «8» بشرى من الله، ورؤيا
__________
(1) مسلم (121) .
(2) البخاري- الفتح 8 (4838) .
(3) الشعب: الطريق بالجبل وجمعه شعاب.
(4) لا نغرّن من قبلك الليلة: أي لا نؤخذ على غرة من الناحية التي أنت بها.
(5) ثوّب بالصّلاة: أي أقيمت الصلاة.
(6) أوجبت: أي لنفسك الجنة.
(7) أبو داود (2501) ، وصححه الألباني (2183) .
(8) فرؤيا الصالحة: قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها، ويحتمل أن المراد صحتها وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته.(3/795)
تحزين من الشّيطان، ورؤيا ممّا يحدّث المرء نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصلّ، ولا يحدّث بها النّاس» ) * «1» .
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ الدّين يسر ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه. فسدّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة «2» والرّوحة وشيء من الدّلجة «3» » ) * «4» .
10-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «بشّر المشّائين في الظّلم إلى المساجد بالنّور التّامّ يوم القيامة» ) * «5» .
11-* (عن أبيّ بن كعب- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال: «بشّر هذه الأمّة بالسّناء والرّفعة والنّصر والتّمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدّنيا لم يكن له في الاخرة نصيب» ) * «6» .
12-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بينما جبريل قاعد عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سمع نقيضا من فوقه «7» . فرفع رأسه فقال: «هذا باب من السّماء فتح اليوم، لم يفتح قطّ إلّا اليوم» . فنزل منه ملك، فقال: «هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطّ إلّا اليوم» ، فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلّا أعطيته» ) * «8» .
13-* (عن أبي طلحة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاء ذات يوم والبشرى في وجهه فقلنا: يا رسول الله إنّا لنرى البشرى في وجهك؟
فقال: «إنّه أتاني الملك فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقول أما يرضيك أنّه لا يصلّي عليك أحد إلّا صلّيت عليه عشرا ولا يسلّم عليك أحد إلّا سلّمت عليه عشرا» ) * «9» .
14-* (عن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: جاء نفر من بني تميم إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا بني تميم أبشروا» . فقالوا: بشّرتنا فأعطنا. فتغيّر وجهه. فجاءه أهل اليمن، فقال: «يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم» . قالوا: قبلنا. فأخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحدّث بدء الخلق «10» والعرش، فجاء رجل
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (7017) . ومسلم (2263) واللفظ له.
(2) الغدوة: السير أول النهار.
(3) الدلجة: السير آخر الليل.
(4) البخاري- الفتح 1 (39) .
(5) أبو داود (561) وصححه الألباني (525) . والترمذي (1/ 223) . والبغوي في شرح السنة (2/ 358) وقال محققه: حديث صحيح له شواهد كثيرة بمعناه وصححه الألباني، صحيح الترمذي (185) .
(6) المسند (5/ 134) . والحاكم (4/ 311) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (9/ 203) : حديث صحيح. وشرح السنة (14/ 335) .
(7) النقيض: الصوت، ونقيض المحامل صوتها ونقيض السقف تحريك خشبه.
(8) مسلم (806) .
(9) النسائي (3/ 44) . والحاكم في المستدرك (2/ 420) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (4/ 405) : وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن أو الصحيح.
(10) يحدث بدء الخلق: بمعنى يتحدث عن بدء الخلق: والمعنى هنا من التحدث هو التحدث عن إلهام من الله عز وجل.(3/796)
فقال: يا عمران راحلتك تفلّتت. ليتني لم أقم» ) * «1» .
15-* (عن أبي هريرة وأبي سعيد- رضي الله عنهما- قالا: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، فقال:
«والّذي نفسي بيده (ثلاث مرّات) ثمّ أكبّ، فأكبّ كلّ رجل منّا يبكي لا يدري على ماذا حلف، ثمّ رفع رأسه وفي وجهه البشرى فكانت أحبّ إلينا من حمر النّعم. ثمّ قال: «ما من عبد يصلّي الصّلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزّكاة ويجتنب الكبائر السّبع إلّا فتحت له أبواب الجنّة فقيل له ادخل بسلام» ) * «2» .
16-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
خرجت ليلة من اللّيالي، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي وحده. ليس معه إنسان. قال: فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظلّ القمر.
فالتفت فرآني فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو ذرّ.
جعلني الله فداءك. قال: «يا أبا ذرّ تعال» قال:
فمشيت معه ساعة. فقال: «إنّ المكثرين هم المقلّون يوم القيامة. إلّا من أعطاه الله خيرا. فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيرا» قال: فمشيت معه ساعة. فقال: «اجلس ههنا» قال:
فأجلسني في قاع حوله حجارة. فقال لي: «اجلس ههنا حتّى أرجع إليك» قال: فانطلق في الحرّة حتّى لا أراه. فلبث عنّي. فأطال اللّبث. ثمّ إنّي سمعته وهو مقبل وهو يقول: «وإن سرق وإن زنى» قال: فلمّا جاء لم أصبر فقلت: يا نبيّ الله جعلني الله فداءك.
من تكلّم في جانب الحرّة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا. قال: «ذاك جبريل. عرض لي في جانب الحرّة. فقال: بشّر أمّتك أنّه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة. فقلت: «يا جبريل وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى» ؟ قال: نعم. قال قلت: «وإن سرق وإن زنى؟ قال:
نعم. وإن شرب الخمر» ) * «3» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ أنّها كانت تقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سدّدوا وقاربوا، وأبشروا؛ فإنّه لن يدخل الجنّة أحدا عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:
«ولا أنا. إلّا أن يتغمّدني الله برحمة. واعلموا أنّ أحبّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ» ) * «4» .
18-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير ويحمده النّاس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» ) * «5» .
19-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت:
كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3190) .
(2) النسائي (5/ 8) وقال محقق جامع الأصول (9/ 543) وقال محققه: حديث حسن.
(3) البخاري- الفتح 11 (6443) . ومسلم (94) ص (687) كتاب الزكاة. باب الترغيب في الصدقة.
(4) البخاري- الفتح 11 (6464) . ومسلم (2818) واللفظ له.
(5) مسلم (2642) .(3/797)
الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) «1» اللّيالي أولات العدد. قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ وهو في غار حراء، فجاء الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قال: قلت: «ما أنا بقارى» .
قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارى» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني.
فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ الاية 1- 5) .
فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره حتّى دخل على خديجة فقال «زمّلوني زمّلوني فزمّلوه» حتّى ذهب عنه الرّوع. ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة مالي؟» ، وأخبرها الخبر. قال: «لقد خشيت على نفسي» «2» قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «3» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، ياليتني فيها جذعا «4» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «5» .
20-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. الحديث ... وفيه: قالت، فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان
__________
(1) التحنث: أي التحنف وهو العبادة على دين إبراهيم عليه السلام.
(2) لقد خشيت على نفسي: والخشية هنا حملت على اثني عشر وجها، وقد اختار ابن حجر منها ثلاثة أوجه ورجحها، أولها خشية الموت من شدة الرعب، وثانيها خشية المرض وثالثها خشية استمرار المرض. الفتح- ج 1 ص 33.
(3) هذا الناموس: هو جبريل عليه السلام. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(4) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويّا، حتى أبالغ في نصرك.
(5) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له.(3/798)
أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك ... الحديث) * «1» .
21-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السّتارة والنّاس صفوف خلف أبي بكر فقال: «أيّها النّاس إنّه لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلّا الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم. أو ترى له، ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ- عزّ وجلّ- وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء. فقمن «2» أن يستجاب لكم» ) * «3» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أمّ أبي هريرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ اهد أمّ أبي هريرة» ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف «4» فسمعت أمّي خشف قدميّ «5» ، فقالت مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء «6» . قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال: «خيرا» . قال: قلت يا رسول الله ادع الله أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين ويحبّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين وحبّب إليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلّا أحبّني) * «7» .
23-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال:
كنت أنا وأصحابي، الّذين قدموا معي في السّفينة نزولا في بقيع بطحان «8» ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة. فكان يتناوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند صلاة العشاء كلّ ليلة نفر منهم «9» . قال أبو موسى: فوافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا وأصحابي. وله بعض الشّغل في أمره، حتّى أعتم بالصّلاة. حتّى ابهارّ اللّيل «10» ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى بهم. فلمّا قضى صلاته قال لمن حضره:
«على رسلكم «11» . أعلمكم، وأبشروا أنّ من نعمة الله
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4141) . مسلم (2770) .
(2) فقمن: بفتح الميم وكسرها، ومعناه حقيق وجدير.
(3) البخاري- الفتح 12 (6990) من حديث أبي هريرة، ومسلم (479) واللفظ له.
(4) مجاف: مغلق.
(5) خشف قدمي: أي صوتهما في الأرض.
(6) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.
(7) مسلم (2491) .
(8) بقيع بطحان: البقيع من الأرض: المكان المتسع. وبطحان: موضع بعينه، واد بالمدينة.
(9) يتناوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفر منهم: أي إن جماعة من القوم كانوا يأخذون نوبتهم في الجلوس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في ليلة فإذا كانت الليلة التالية جلست إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة أخرى منهم وهكذا.
(10) ابهار الليل: أي انتصف.
(11) على رسلكم: أمر بالرفق والتأني.(3/799)
عليكم أنّه ليس من النّاس أحد، يصلّي هذه السّاعة غيركم» أو قال: «ما صلّى هذه السّاعة أحد غيركم» .
قال أبو موسى: فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «1» .
24-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: كنت ردف «2» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على حمار يقال له عفير.
فقال: «يا معاذ هل تدري حقّ الله على عباده وما حقّ العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال:
«فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. وحقّ العباد على الله، أن لا يعذّب من لا يشرك به شيئا» . فقلت: يا رسول الله: أفلا أبشّر به النّاس.
قال: «لا تبشّرهم فيتّكلوا» ) * «3» .
25-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: كنت عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو نازل بالجعرانة بين مكّة والمدينة. ومعه بلال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل أعرابيّ. فقال: ألا تنجز لي، يا محمّد ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر» . فقال له الأعرابيّ: أكثرت عليّ من أبشر. فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي موسى وبلال، كهيئة الغضبان. فقال: «إنّ هذا قد ردّ البشرى. فاقبلا أنتما» . فقالا: قبلنا يا رسول الله. ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقدح فيه ماء.
فغسل يديه ووجهه فيه، ومجّ فيه. ثمّ قال: «اشربا منه. وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا» . فأخذا القدح. ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنادتهما أمّ سلمة من وراء السّتر: أفضلا لأمّكما ممّا في إنائكما.
فأفضلا لها منه طائفة) * «4» .
26-* (عن المغيرة- رضي الله عنه- قال:
قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر «5» من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين، ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «6» .
27-* (عن عبد الله الهوزنيّ؛ قال: لقيت بلالا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب «7» ، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين
__________
(1) البخاري- الفتح 2 (567) . مسلم (641) واللفظ له.
(2) كنت ردف: الردف وهو الراكب خلف الراكب.
(3) البخاري- الفتح 6 (2856) واللفظ له. مسلم (30) .
(4) مسلم (2497) .
(5) العذر: والمعنى هنا التوبة والإنابة: وقال ابن عياض، المعنى بعث المرسلين للأعذار والإنذار لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة.
(6) البخاري- الفتح 13 (7416) واللفظ له. ومسلم (1499) .
(7) حلب: مدينة بالشام.(3/800)
فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ؛ قلت:
يالبّاه، فتجهّمني وقال لي قولا غليظا، وقال لي:
أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فاخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة «1» رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق «2» إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبشر فقد جاءك الله بقضائك «3» ، ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع؟» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك «4» ، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه» فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العتمة دعاني فقال: «ما فعل الّذي قبلك» قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وقصّ الحديث، حتّى إذا صلّى العتمة يعني من الغد دعاني قال: «ما فعل الّذي قبلك؟» قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى (إذا) جاء أزواجه فسلّم عليهنّ امرأة امرأة، حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه) * «5» .
28-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك ... الحديث وفيه: فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله- عزّ وجلّ- منّا. قد
__________
(1) العتمة: الظلمة من الليل وتطلق على صلاة العشاء؛ لأنها تكون في وقت العتمة فسميت صلاة العتمة نسبة للوقت.
(2) أبق العبد: أي هرب العبد.
(3) قضاءك: القضاء أصله القطع والفصل، وقضاء الشيء إحكامه وإقصاؤه والفراغ منه،
(4) فدك: قرية بشمال الحجاز قرب خيبر، انتصر فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا قتال إذ أنّه نصر بالرعب.
(5) أبو داود (3055) وصححه الألباني (2628) .(3/801)
ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «1» يقول، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، قال فاذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله علينا، حين صلّى صلاة الفجر فذهب النّاس يبشّروننا. فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم «2» قبلي، وأوفى الجبل، فكان الصّوت أسرع من الفرس فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني. فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ.
واستعرت ثوبين فلبستهما، فانطلقت أتأمّم «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا، يهنّئوني بالتّوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك. حتّى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس في المسجد وحوله النّاس، فقام طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، قال فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال «لا. بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه، كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك) * «4» .
29-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللّيلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبريل فشقّ جبريل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتّى أنقى جوفه ثمّ أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب «5» محشوّا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده يعني عروق حلقه ثمّ أطبقه، ثمّ عرج به إلى السّماء الدّنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السّماء، من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمّد، قال: وقد بعث؟
قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السّماء ... الحديث) * «6» .
30-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن
__________
(1) أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف.
(2) ساع من أسلم: أي من قبيلة أسلم.
(3) أتأمم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أقصد إليه.
(4) البخاري- الفتح 7 (4418) ومسلم (2769) واللفظ له.
(5) تور من ذهب: إناء كبير من ذهب.
(6) البخاري- الفتح 13 (7517) واللفظ له. ومسلم (164) .(3/802)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أهلّ مهلّ قطّ إلّا بشّر» قيل:
يا رسول الله بالجنّة؟ قال: «نعم» ) * «1» .
31-* (عن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنّا لنكره الموت. قال: «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء الله وأحبّ الله لقاءه، وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه ممّا أمامه.
فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» ) * «2» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الميّت تحضره الملائكة. فإذا كان الرّجل صالحا، قالوا: اخرجي أيّتها النّفس الطّيّبة كانت في الجسد الطّيّب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان وربّ غير غضبان فلا يزال يقال لها، حتّى تخرج. ثمّ يعرج بها إلى السّماء. فيفتح لها. فيقال:
من هذا؟ فيقولون فلان. فيقال: مرحبا بالنّفس الطّيّبة، كانت في الجسد الطّيّب. ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان وربّ غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى ينتهى بها إلى السّماء الّتي فيها الله عزّ وجلّ. وإذا كان الرّجل السّوء قال: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسّاق وآخر من شكله أزواج. فلا يزال يقال لها ذلك حتّى تخرج، ثمّ يعرج بها إلى السّماء، فلا يفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: لا مرحبا بالنّفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث. ارجعي ذميمة، فإنّها لا تفتح لك أبواب السّماء، فيرسل بها من السّماء، ثمّ تصير إلى القبر» ) * «3» .
33-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجمع الله النّاس يوم القيامة في صعيد واحد ثمّ يطلع عليهم ربّ العالمين فيقول:
ألا يتبع كلّ إنسان ما كانوا يعبدون، فيمثّل لصاحب الصّليب صليبه، ولصاحب التّصاوير تصاويره، ولصاحب النّار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم ربّ العالمين، فيقول:
ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا وهو يأمرهم ويثبّتهم، ثمّ يتوارى ثمّ يطلع فيقول: ألا تتّبعون النّاس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك الله ربّنا، وهذا مكاننا حتّى نرى ربّنا وهو يأمرهم ويثبّتهم، قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: «وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم لا تضارّون في رؤيته تلك
__________
(1) قال الحافظ الدمياطي: رواه الطبراني بإسناد جيد. انظر المتجر الرابح (ص 298) ، وراجع الصحيحة (1621) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6507) واللفظ له. ومسلم (2683) .
(3) النسائي (4/ 8) . وابن ماجة (4262) واللفظ له. وصححه الألباني. صحيح سنن الترمذي (3437) .(3/803)
السّاعة، ثمّ يتوارى ثمّ يطلع فيعرّفهم نفسه، ثمّ يقول: أنا ربّكم فاتّبعوني فيقوم المسلمون، ويوضع الصّراط، فيمرّون عليه مثل جياد الخيل والرّكاب «1» وقولهم عليه سلّم سلّم، ويبقى أهل النّار فيطرح منهم فيها فوج، ثمّ يقال هل امتلأت؟ فتقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ثمّ يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت، فتقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتّى إذا أوعبوا فيها «2» وضع الرّحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثمّ قال:
قط، قالت: قط قط «3» . فإذا أدخل الله أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، قال: أتي بالموت ملبّيا، فيوقف على السّور الّذي بين أهل الجنّة وأهل النّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة، فيطّلعون خائفين، ثمّ يقال: يا أهل النّار: فيطّلعون مستبشرين يرجون الشّفاعة، فيقال لأهل الجنّة وأهل النّار: هل تعرفون هذا؟
فيقولون (هؤلاء وهؤلاء) : قد عرفناه، هو الموت الّذي وكّل بنا، فيضجع فيذبح ذبحا على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، ثمّ يقال: يا أهل الجنّة خلود لا موت، ويا أهل النّار خلود لا موت» ) * «4» .
34-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله يا آدم، فيقول:
لبّيك وسعديك، والخير في يديك، قال يقول: أخرج بعث النّار، قال: وما بعث النّار؟ قال: من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذاك حين يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حمل حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد. فاشتدّ ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أيّنا ذلك الرّجل؟ قال:
«أبشروا، فإنّ من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنّة. قال: فحمدنا الله وكبّرنا. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، إنّي لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنّة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالرّقمة في ذراع الحمار «5» » ) * «6» .
__________
(1) الركاب: هي الرواحل من الإبل.
(2) حتى إذا أوعبوا فيها: حتى جاءوا جميعا ولم يتخلف منهم أحد. النهاية ج 5 ص 206.
(3) قط: بمعنى حسب أو كفى.
(4) البخاري- الفتح 8 (4730) . ومسلم (2849) . والترمذي (4/ 2557) واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5) الرقمة: الرقمة في الأصل هي النقش على القماش، وهي هنا: الهنة القاتمة في ذراع الدابة من داخل، وهما رقمتان في ذراعيها. النهاية ج 2 ص 254.
(6) البخاري- الفتح 11 (6530) . ومسلم (222) .(3/804)
الأحاديث الواردة في (البشارة) معنى
35-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «1» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة ... الحديث وفيه: ثمّ يقال: يا محمّد ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ أمّتي، أمّتي. فيقال: يا محمّد أدخل الجنّة من أمّتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «2» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «3» لكما بين مكّة وهجر «4» أو كما بين مكّة وبصرى «5» » ) * «6» .
36-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قال الرّجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «7» .
37-* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الرّاية رجلا يفتح الله على يديه. يحبّ الله ورسوله. ويحبّه الله ورسوله قال: فبات النّاس يدوكون «8» ليلتهم أيّهم يعطاها. قال: فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال فأرسلوا إليه. فأتي به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه. ودعا له فبرأ.
حتّى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الرّاية. فقال عليّ:
يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال:
«انفذ على رسلك «9» . حتّى تنزل بساحتهم. ثمّ ادعهم إلى الإسلام. وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه. فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم «10» » ) * «11» .
38-* (عن مالك بن صعصعة- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه عن ليلة أسري به قال:
«بينما أنا في الحطيم وربّما قال في الحجر مضطجعا إذ أتاني آت فقدّ- قال وسمعته يقول: فشقّ- ما بين
__________
(1) فنهس: أي أخذ بأطراف أسنانه.
(2) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب.
(3) إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب.
(4) هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين.
(5) وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل.
(6) البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له.
(7) البخاري- الفتح 8 (4687) . ومسلم (2763) .
(8) يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون في ذلك.
(9) انفذ على رسلك: أي انفصل وامض سالما. النهاية ج 5 ص 94.
(10) حمر النعم: هي الإبل الحمر. وهي أنفس أموال العرب. يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه.
(11) البخاري- الفتح 7 (3701) . ومسلم (2406) .(3/805)
هذه إلى هذه» ... الحديث. وفيه: «ثمّ فرضت عليّ الصّلاة خمسين صلاة كلّ يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يوم، وإنّي والله قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك، فرجعت، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله. فرجعت فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله.
فرجعت فأمرت بعشر صلوات كلّ يوم، فرجعت فقال مثله. فرجعت فأمرت بخمس صلوات كلّ يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كلّ يوم. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإنّي قد جرّبت النّاس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة. فارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف لأمّتك. قال: سألت ربّي حتّى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم» . قال: «فلمّا جاوزت نادى مناد. أمضيت فريضتي، وخفّفت عن عبادي» ) * «1» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإنّي سمعت دفّ «2» نعليك بين يديّ في الجنّة؟» . قال: ما عملت عملا أرجى عندي أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي) * «3» .
40-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «4» . ثمّ يقال له: فيم كنت «5» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا «6» . فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت وعليه متّ.
وعليه تبعث إن شاء الله «7» ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة. فينظر
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (3887) واللفظ له. ومسلم (164) .
(2) الدّفّ: الحركة الخفيفة والسير اللين.
(3) البخاري- الفتح 3 (1149) .
(4) مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(5) فيم كنت: أي في أي دين.
(6) يحطم بعضها بعضا: أي تضطرب وتموج ويكسر بعضها بعضا.
(7) إن شاء الله: للتبرك لا للشك.(3/806)
إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها.
يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك على الشّكّ كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث، إن شاء الله تعالى» ) * «1» .
41-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة. وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة. فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها. فتعرض عليه صغار ذنوبه.
فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم. لا يستطيع أن ينكر.
وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. فيقال له:
فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» فلقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «2» .
42-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسيسة عينا «3» ينظر ما صنعت عير أبي سفيان «4» . فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه) قال: فحدّثه الحديث. قال:
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتكلّم. فقال: «إنّ لنا طلبة «5» فمن كان ظهره «6» حاضرا فليركب معنا» فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم «7» في علو المدينة. فقال: «لا إلّا من كان ظهره حاضرا» فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه «8» » فدنا المشركون. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض» قال:
يقول عمير ابن الحمام الأنصاريّ: يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال: «نعم» . قال: بخ بخ «9» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يحملك على قولك بخ بخ» . قال: لا. والله يا رسول الله إلّا رجاءة «10» أن أكون من أهلها. قال: «فإنّك من أهلها» فأخرج تمرات من قرنه «11» . فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة.
قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى
__________
(1) ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3443) .
(2) مسلم (190) .
(3) عينا: أي متجسسا ورقيبا، وبسيسة اسم رجل من الصحابة.
(4) عير أبي سفيان: هي الدواب التي تحمل الطعام وغيره.
(5) طلبة: أي شيئا نطلبه.
(6) ظهره: الظهر: الدواب التي تركب.
(7) ظهرانهم: أي مركوباتهم.
(8) حتى أكون أنا دونه: أي قدامه متقدما في ذلك الشيء.
(9) بخ بخ: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير، وفيها لغتان: سكون الخاء وكسرها منونا.
(10) إلا رجاءة: أي والله ما فعلته لشيء إلا رجاء أن أكون من أهلها.
(11) قرنه: جعبة النشاب.(3/807)
قتل) * «1» .
43-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: عرضت عليّ الأمم فأخذ النّبيّ يمرّ معه الأمّة، والنّبيّ يمرّ معه النّفر، والنّبيّ يمرّ معه العشرة، والنّبيّ يمرّ معه الخمسة، والنّبيّ يمرّ وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمّتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمّتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال:
كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيّرون «2» ، وعلى ربّهم يتوكّلون. فقام إليه عكّاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «اللهمّ اجعله منهم» . ثمّ قام إليه رجل آخر. فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: «سبقك بها عكّاشة» ) * «3» .
44-* (عن خرشة بن الحرّ. قال: كنت جالسا في حلقة مسجد المدينة. قال وفيها شيخ حسن الهيئة. وهو عبد الله بن سلام. قال فجعل يحدّثهم حديثا حسنا. قال فلمّا قام قال القوم: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. قال فقلت: والله لأتّبعنّه فلأعلمنّ مكان بيته. قال فتبعته.
فانطلق حتّى كاد أن يخرج من المدينة. ثمّ دخل منزله. قال فاستأذنت عليه فأذن لي. فقال: ما حاجتك يا ابن أخي؟ قال فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لمّا قمت: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. فأعجبني أن أكون معك. قال: الله أعلم بأهل الجنّة. وسأحدّثك ممّ قالوا ذاك؟ إنّي بينما أنا نائم، إذ أتاني رجل فقال لي: قم. فأخذ بيدي فانطلقت معه. قال فإذا بجوادّ عن شمالي. قال فأخذت لاخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها فإنّها طرق أصحاب الشّمال. قال فإذا جوادّ منهج «4» على يميني، فقال لي: خذ ههنا، فأتى بي جبلا، فقال لي: اصعد. قال:
فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي. قال:
حتّى فعلت ذلك مرارا. قال: ثمّ انطلق بي حتّى أتى بي عمودا، رأسه في السّماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة فقال لي: اصعد فوق هذا. قال قلت:
كيف أصعد هذا؟ ورأسه في السّماء. قال: فأخذ بيدي فزجل بي «5» . قال: فإذا أنا متعلّق بالحلقة. قال ثمّ ضرب العمود فخرّ. قال: وبقيت متعلّقا بالحلقة حتّى أصبحت. قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقصصتها عليه.
فقال: «أمّا الطّرق الّتي رأيت عن يسارك فهي طرق أصحاب الشّمال. قال وأمّا الطّرق الّتي رأيت عن يمينك فهي طرق أصحاب اليمين؛ وأمّا الجبل فهو منزل الشّهداء، ولن تناله؛ أمّا العمود فهو عمود الإسلام؛ وأمّا العروة فهي عروة الإسلام ولن
__________
(1) مسلم (1901) .
(2) لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون: وصف للسبعين ألفا بأنهم تامّو التوكل على الله فلا يسألون غيرهم أن يكويهم أو يرقيهم ولا يتشاءمون من شيء.
(3) البخاري- الفتح 11 (6541) . ومسلم (216) .
(4) جوادّ منهج: الجوادّ جمع جادّة وهي الطرق المسلوكة، أما المنهج فالمراد به الطريق وكأنه تفسير للجوادّ، وقد جاء لفظ الطريق في رواية النسائي.
(5) فزجل بي: أي رفعني.(3/808)
تزال متمسّكا بها حتّى تموت» ) * «1» .
45-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- قال: لمّا نزلت: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (المائدة/ 93) فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنت منهم» ) * «2» .
46-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرفات وقد كادت الشّمس تغرب فقال: «يا بلال أنصت لي النّاس» فقام بلال، فقال: أنصتوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنصت النّاس.
فقال: «يا معشر النّاس أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام وقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التّبعات «3» » فقام عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصّة؟ قال: «هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة» . فقال عمر ابن الخطّاب: كثر خير الله وطاب) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (البشارة)
47-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا «5» ، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ولا فخر» ) * «6» .
48-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا قعودا حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجّار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والرّبيع الجدول «7» ) . فاحتفزت «8» كما يحتفز الثّعلب فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«أبو هريرة؟» فقلت: نعم يا رسول الله. قال: «ما شأنك. قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أوّل من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثّعلب وهؤلاء النّاس ورائي فقال: «يا أبا هريرة» (وأعطاني نعليه) قال: «اذهب بنعليّ هاتين فمن لقيت
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (7010) . ومسلم (2484) واللفظ له.
(2) الترمذي (3053) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) أي حمل عنهم المظالم التي بينهم.
(4) قال الحافظ الدمياطي: رواه ابن المبارك بإسناد جيد ورواته ثقات أثبات. انظر المتجر الرابح ص 311.
(5) أيس مقلوب يئس من اليأس بمعنى القنوط.
(6) الترمذي (3610) وقال: حديث حسن غريب. وقال محقق جامع الأصول (8/ 528) : تحديث حسن وله شواهد يتقوى بها.
(7) الجدول: النهر الصغير.
(8) احتفزت: تضاممت ليسعني المدخل.(3/809)
من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلّا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنّة» ... الحديث) * «1» .
49-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصّلاة دعي من باب الصّلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصّيام دعي من باب الرّيّان ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة. فقال أبو بكر- رضي الله عنه-:
بأبي أنت وأمّي يا رسول الله. ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة «2» فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلّها؟ قال: «نعم. وأرجو أن تكون منهم» ) * «3» .
50-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكّسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شرّ.
كان يرفع صوته فوق صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقد حبط عمله وهو من أهل النّار، فأتى الرّجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره أنّه قال: كذا وكذا، فرجع إليه المرّة الاخرة ببشارة عظيمة، فقال: اذهب إليه فقل له: إنّك لست من أهل النّار، ولكنّك من أهل الجنّة» ) * «4» .
51-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيّد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» . فقال: عندي يا محمّد خير، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان بعد الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة» قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى كان من الغد فقال: «ماذا عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أطلقوا ثمامة» ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثمّ دخل المسجد فقال:
أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، يا محمّد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلّها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ «فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر» ، فلمّا قدم مكّة قال له قائل: أصبوت «5» ؟ فقال: لا ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «6» .
__________
(1) مسلم (31) وللحديث بقية.
(2) من ضرورة: أي من ضرر.
(3) البخاري- الفتح 4 (1897) . ومسلم (1027) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 8 (4846) واللفظ له. ومسلم (119) .
(5) أي رجعت عن دين آبائك وأجدادك.
(6) مسلم (1764) .(3/810)
1-* (قال عبد الله بن زيد الأنصاريّ: «1»
أحمد الله ذا الجلال وذا الإك ... رام حمدا على الأذان كثيرا
إذ أتاني به البشير من الله ... فأكرم به لديّ بشيرا
في ليال والى بهنّ ثلاث ... كلّما جاء زادني توقيرا) *.
2-* (قال الرّافعيّ: «2»
إذا أمسى فراشي من تراب ... وصرت مجاور الرّب الرّحيم
فهنّوني أحبّائي وقولوا ... لك البشرى قدمت على كريم) .
من فوائد (البشارة)
(1) حصول الفرج بعد الشّدّة.
(2) انشراح الصّدر وسعادة القلب.
(3) دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(4) سبب لاستقرار النّفس وراحة البال.
(5) دليل حسن الخاتمة.
(6) حبّ المبشّر لمن يبشّره واستئناسه به.
(7) البشارة تجلب الطّمأنينة وسكون النّفس وترفع الرّوح المعنويّة.
(8) تعود البشارة بالنّفع العاجل للمبشّر كما في حديث كعب بن مالك.
__________
(1) ابن ماجة (1/ 233) .
(2) دليل الفالحين لابن علان (2/ 361) .(3/811)
البشاشة
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 5/ 23/ 6/
البشاشة لغة:
مصدر بشّ، وهو مأخوذ من مادّة (ب ش ش) الّتي تدلّ بحسب وضع اللّغة على معنى واحد هو اللّقاء الجميل والضّحك إلى الإنسان سرورا به، أنشد ابن دريد:
لا يعدم السّائل منه وفرا ... وقبله بشاشة وبشرا
بشّ يبشّ بشّا وبشاشة والبشاشة: طلاقة الوجه. والبشّ: اللّطف في المسألة، والإقبال على الرّجل، وقيل: هو أن يضحك له، وقيل فرح الصّديق بالصّديق، ولقاؤه لقاء جميلا. ويقال: رجل هشّ بشّ:
أي طلق الوجه طيّب. ويقال للوجه: البشيش، فيقال فلان مضيء البشيش. ويقال: تبشبش به أي آنسه وواصله «1» .
والبشّ: اللّطف في المسألة والإقبال على الرّجل وقيل: هو أن يضحك له ويلقاه لقاء جميلا، والبشاشة طلاقة الوجه، وبشاشة اللّقاء: الفرح بالمرء والانبساط إليه والأنس به، ورجل هشّ بشّ وبشّاشّ: طلق الوجه طيّب، وقد بششت به (بالكسر) أبشّ بشّا وبشاشة «2» .
واصطلاحا:
هي سرور يظهر في الوجه يدلّ به على ما في القلب من حبّ اللّقاء والفرح بالمقابلة.
[للاستزادة: انظر صفات: التودد- حسن السمت- السرور- طلاقة الوجه- الرضا- الفرح] .
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجفاء- الحزن العبوس- القنوط- الوهن- اليأس] .
__________
(1) لسان العرب (288- 289) ، والصحاح (3/ 996) ، وتاج العروس (4/ 283) ، ومقاييس اللغة.
(2) اللسان (مادة بشش وطلق) .(3/812)
الآيات الواردة في «البشاشة» معنى
1- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22)
إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (23) «1»
2- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) «2»
3- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8)
لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) «3»
4- تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) «4»
5- وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) «5»
__________
(1) القيامة: 22- 23 مكية
(2) عبس: 38- 39 مكية
(3) الغاشية: 8- 9 مكية
(4) المطففين: 24 مكية
(5) الانشقاق: 9 مكية(3/813)
الأحاديث الواردة في (البشاشة)
1-* (عن عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- قال: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ بشاشة العرس.
فقلت: تزوّجت امرأة من الأنصار. فقال: «كم أصدقتها؟» فقلت: نواة من ذهب) * «1» .
2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما توطّن «2» رجل مسلم المساجد للصّلاة والذّكر إلّا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم» ) * «3» .
الأحاديث الواردة في (البشاشة) معنى
3-* (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ عبد الله بن عبّاس أخبره أنّ أبا سفيان بن حرب أخبره أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجّارا بالشّام في المدّة الّتي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ فيها «4» أبا سفيان وكفّار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الرّوم، ثمّ دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيّكم أقرب نسبا بهذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا. فقال أدنوه منّي، وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثمّ قال لترجمانه: قل لهم إنّي سائل هذا الرّجل، فإن كذبني فكذّبوه. فو الله لولا الحياء من أن يأثروا علىّ كذبا لكذبت عنه. ثمّ كان أوّل ما سألني عنه أنّه قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قطّ قبله؟ قلت لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا. قال: فأشراف النّاس يتّبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت:
لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدّة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منّا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والصّلة. فقال للتّرجمان:
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5148) . ومسلم (1427) .
(2) توطّن: مطاوع وطن ووطن بالبلد اتخذه محلّا وسكنا يقيم فيه.
(3) ابن ماجة (800) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وأحمد (2/ 307) رقم (8051) وقال شاكر (15/ 204) : إسناده صحيح.
(4) مادّ فيها: أي عقد فيها المدّة وهي الهدنة التي كانت بين المسلمين والمشركين.(3/814)
قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب، فكذلك الرّسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟
فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك؟
لقلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله، وسألتك أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل. وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنّهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرّسل لا تغدر.
وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنّه خارج لم أكن أظنّ أنّه منكم، فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: «بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الرّوم. سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين. فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. قال أبو سفيان:
فلمّا قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصّخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا. فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنّه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنّه سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام) * «1» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (6) .(3/815)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (البشاشة)
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: إنّ رجلا استأذن على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا رآه قال:
بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة. فلمّا جلس تطلّق «1» النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه. فلمّا انطلق الرّجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا. ثمّ تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا عائشة متى عهدتني فاحشا؟ إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه النّاس اتّقاء شرّه» ) * «2» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك» ) * «3» .
6-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق «4» » ) * «5» .
7-* (عن أبي جريّ جابر بن سليم، قال:
رأيت رجلا يصدر «6» النّاس عن رأيه، لا يقول شيئا إلّا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: عليك السّلام يا رسول الله، مرّتين، قال:
لا تقل عليك السّلام؛ فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت، قل: السّلام عليك. قال: قلت: أنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قال: «أنا رسول الله الّذي إذا أصابك «7» ضرّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة «8» فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة «9» فضلّت راحلتك فدعوته ردّها عليك» . قلت: اعهد إليّ، قال:
لا تسبّنّ أحدا. قال: فما سببت بعده حرّا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة، قال: «ولا تحقرنّ شيئا من المعروف، وأن تكلّم أخاك، وأنت منبسط إليه وجهك إنّ ذلك من المعروف. وارفع إزارك إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّها من المخيلة «10» ، وإنّ الله لا يحبّ المخيلة. وإن امرؤ شتمك وعيّرك بما يعلم فيك فلا تعيّره بما تعلم فيه، فإنّما وبال ذلك عليه) * «11» .
8-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة وهو يخطب بالمدينة فقال: قحط المطر، فاستسق ربّك، فنظر إلى السّماء وما نرى من سحاب، فاستسقى، فنشأ السّحاب بعضه
__________
(1) تطلّق: تهلّل واستبشر.
(2) البخاري- الفتح 10 (6032) . ومسلم (2591) .
(3) الترمذي (1970) وقال: حسن. وأصله عند البخاري. الفتح 10 (6021) . ومسلم (1005) .
(4) طلق: سهل منبسط.
(5) مسلم (2626) .
(6) يصدر: يستمدون منه الرأي.
(7) كل هذه الأوصاف عائدة إلى المضاف إليه (الله) في قوله: «أنا رسول الله» .
(8) السنة: الجدب.
(9) فلاة: الصحراء، والأرض الواسعة المقفرة.
(10) المخيلة: الكبر.
(11) أبو داود (4084) وذكره الألباني في صحيح أبي داود (2/ 769) وقال: صحيح.(3/816)
إلى بعض، ثمّ مطروا حتّى سالت مثاعب «1» المدينة، فما زالت إلى الجمعة المقبلة ما تقلع ثمّ قام ذلك الرّجل، أو غيره- والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخطب فقال: غرقنا، فادع ربّك يحبسها عنّا، فضحك ثمّ قال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» - مرّتين أو ثلاثا، فجعل السّحاب يتصدّع عن المدينة يمينا وشمالا يمطر ما حوالينا، ولا يمطر فيها شيء، يريهم الله كرامة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته) * «2» .
9-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها إلّا في غزوة تبوك ... الحديث. وفيه: قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال، وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال فقلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ فقال: «لا، بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه. كأنّ وجهه قطعة قمر. قال وكنّا نعرف ذلك. قال: فلمّا جلست بين يديه قلت ...
الحديث) * «3» .
10-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: لمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطّائف قال: إنّا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا نبرح أو نفتحها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فاغدوا على القتال. قال: فغدوا فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّا قافلون غدا إن شاء الله. قال: فسكتوا فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
11-* (عن بريدة الأسلميّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان لا يتطيّر من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه. فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإذا دخل قرية سأل عن اسمها. فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه) * «5» .
12-* (عن أبي طلحة الأنصاريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوما وهو يرى البشر في وجهه، فقيل: يا رسول الله، إنّا نرى في وجهك بشرا لم نكن نراه؟ قال: «أجل إنّ ملكا أتاني فقال لي: يا محمّد إنّ ربّك يقول لك: أما يرضيك أن لا يصلّي عليك أحد من أمّتك إلّا صلّيت عليه عشرا، ولا يسلّم عليك إلّا سلّمت عليه عشرا.. قال: قلت: بلى» ) * «6» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: أتى رجل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: هلكت، وقعت على أهلي في رمضان. قال: «أعتق رقبة» . قال: ليس لي.
__________
(1) المثاعب: جمع مثعب- بفتح أوله وثالثه- وهو مسيل الماء.
(2) البخاري- الفتح 10 (6093) . ومسلم (897) .
(3) البخاري- الفتح 7 (4418) . ومسلم (2769) واللفظ له.
(4) البخاري- الفتح 10 (6086) .
(5) أبو داود (3920) وقال الألباني (2/ 742) : صحيح وهو في الصحيحة (2/ 401) برقم (762) ، وعزاه لابن حبان وتمام وغيرهما. وأحمد (5/ 347- 348) .
(6) النسائي (3/ 44) . وقال الألباني (1/ 272) : حسن. والدارمي (2/ 408) رقم (2773) واللفظ له. وأحمد (3/ 332) .(3/817)
قال: «فصم شهرين متتابعين» . قال: لا أستطيع.
قال: «فأطعم ستّين مسكينا» . قال: لا أجد. فأتي بعرق «1» فيه تمر. فقال: «أين السّائل؟ تصدّق بها» .
قال: على أفقر منّي؟ والله ما بين لابتيها «2» أهل بيت أفقر منّا. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه، قال: «فأنتم إذا» ) * «3» .
14-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ إليّ ممّا عدل به. أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أشرق وجهه وسرّه (يعني قوله)) * «4» .
15-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: استأذن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ على صوت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال أضحك الله سنّك يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي. فقال: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، لمّا سمعن صوتك تبادرن الحجاب» . فقال: أنت أحقّ أن يهبن يا رسول الله. ثمّ أقبل عليهنّ فقال: يا عدوّات أنفسهنّ، أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلن: إنّك أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إيه يا ابن الخطّاب، والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان سالكا فجّا «5» إلّا سلك فجّا غير فجّك» ) * «6» .
16-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كان أبو بكر يصلّي لهم في وجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي توفّي فيه حتّى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصّلاة كشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ستر الحجرة فنظر إلينا وهو قائم كأنّ وجهه ورقة مصحف ثمّ تبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضاحكا. قال فبهتنا ونحن في الصّلاة من فرح بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصّفّ. وظنّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خارج للصّلاة فأشار إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده أن أتمّوا صلاتكم قال: ثمّ دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرخى السّتر. قال فتوفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يومه ذلك) * «7» .
17-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود البشر فما هو إلّا أن
__________
(1) عرق: هو المكتل ويقال إنه يسع خمسة عشر صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث كما هو رأي الشافعي أو ثمانية كما هو قول أبي حنيفة.
(2) لابتيها: اللابة: الأرض ذات الحجارة السود.
(3) البخاري- الفتح 10 (6087) ، ومسلم (1111) .
(4) البخاري- الفتح 7 (3952) .
(5) فجا: الفجّ الطريق الواسع.
(6) البخاري- الفتح 10 (6085)
(7) البخاري- الفتح 2 (679) . ومسلم (419) واللفظ له.(3/818)
يدخل شهر رمضان فيدارسه «1» جبريل صلّى الله عليه وسلّم فلهو أجود من الرّيح) * «2» .
18-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد أثّرت فيها حاشية الرّداء من شدّة جبذته، ثمّ قال:
يا محمّد، مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثمّ أمر له بعطاء) * «3» .
19-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ رفاعة القرظيّ طلّق امرأته فبتّ طلاقها «4» ، فتزوّجها بعده عبد الرّحمن بن الزّبير، فجاءت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إنّها كانت عند رفاعة فطلّقها ثلاث تطليقات، فتزوّجها بعده عبد الرّحمن بن الزّبير، وإنّه والله ما معه يا رسول الله إلّا مثل هذه الهدبة- لهدبة أخذتها من جلبابها- قال وأبو بكر جالس عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وابن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له، فطفق «5» خالد ينادي أبا بكر، يا أبا بكر ألا تزجر هذه عمّا تجهر به عند رسول الله؟ وما يزيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على التّبسّم، ثمّ قال: «لعلّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» ) * «6» .
20-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: لمّا اعتزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه قال:
دخلت المسجد. فإذا النّاس ينكتون «7» بالحصى ويقولون: طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه ... إلى أن قال:
ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت يا رسول الله! ما يشقّ عليك من شأن النّساء؟ فإن كنت طلّقتهنّ؛ فإنّ الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك.
وقلّما تكلّمت، وأحمد الله بكلام إلّا رجوت أن يكون الله يصدّق قولي الّذي أقول. ونزلت هذه الاية: آية التّخيير: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ (التحريم/ 5) وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (التحريم/ 4) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقلت:
يا رسول الله، أطلّقتهنّ؟ قال «لا» قلت: يا رسول الله، إنّي دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون: طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنّك لم تطلّقهنّ؟ قال: «نعم. إن شئت» فلم أزل أحدّثه حتّى تحسّر «8» الغضب عن وجهه.
__________
(1) يدارسه: يذاكره ويقارئه.
(2) أحمد (1/ 366- 367) رقم (3469) . وقال أحمد شاكر (5/ 157) : إسناده صحيح. وأصل الحديث في الصحيحين.
(3) البخاري- الفتح 10 (6088) . ومسلم (1057) .
(4) فبت طلاقها: طلقها من غير رجعة.
(5) فطفق: فأنشأ.
(6) البخاري- الفتح 10 (6084) .
(7) ينكتون بالحصى: يضربون به الأرض كفعل المهموم المتفكر.
(8) تحسّر: انكشف وزال.(3/819)
وحتّى كشر «1» فضحك، وكان من أحسن النّاس ثغرا، ثمّ نزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت. فنزلت أتشبّث «2» بالجذع ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده. فقلت: يا رسول الله! إنّما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: «إنّ الشّهر يكون تسعا وعشرين» . فقمت على باب المسجد، فناديت بأعلى صوتي: لم يطلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. ونزلت هذه الاية: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (النساء/ 83) . فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وأنزل الله- عزّ وجلّ- آية التّخيير) * «3» .
21-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: ما حجبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم في وجهي ولقد شكوت إليه أنّي لا أثبت على الخيل. فضرب بيده في صدري وقال: اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا) * «4» .
22-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد فقال القوم: هذا عديّ بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب.
فلمّا دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك «إنّي لأرجو أن يجعل الله يده في يدي» قال: فقام فلقيته امرأة وصبيّ معها فقالا: إنّ لنا إليك حاجة. فقام معهما حتّى قضى حاجتهما، ثمّ أخذ بيدي حتّى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه، (فحمد الله وأثنى عليه) ، ثمّ قال: «ما يفرّك «5» أن تقول لا إله إلّا الله. فهل تعلم من إله سوى الله؟» قال:
قلت لا، قال: ثمّ تكلّم ساعة ثمّ قال: «إنّما تفرّ أن تقول الله أكبر، أو تعلم أنّ شيئا أكبر من الله؟» قال:
قلت لا، قال «فإنّ اليهود مغضوب عليهم وإنّ النّصارى ضلّال» . قال: قلت: فإنّي جئت مسلما، قال:
فرأيت وجهه تبسّط فرحا. قال: ثمّ أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النّهار، قال فبينا أنا عنده عشيّة إذ جاءه قوم في ثياب من الصّوف من هذه النّمار «6» قال: فصلّى وقام فحثّ عليهم ثمّ قال:
ولو صاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حرّ جهنّم أو النّار ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة، فإنّ أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول:
ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى. فيقول: أين ما قدّمت لنفسك؟ فينظر قدّامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثمّ لا يجد شيئا يقي به وجهه حرّ جهنّم. ليق أحدكم وجهه النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّي لا أخاف عليكم الفاقة، فإنّ الله ناصركم
__________
(1) كشر: أبدى أسنانه تبسما ويقال أيضا في الغضب.
(2) أتشبث: أستمسك.
(3) البخاري- الفتح 9 (5191) . ومسلم (1479) .
(4) البخاري- الفتح 6 (3035، 3036) . ومسلم (2475) .
(5) ما يفرك: في الأصل: ما يفرّك بضم الياء وفتح الفاء وهو خطأ. والصواب: كسر الفاء. ما يفرّك أي يحملك على الفرار.
(6) النمار: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض.(3/820)
ومعطيكم حتّى تسير الظّعينة «1» فيما بين يثرب والحيرة ... الحديث) * «2» .
23-* (عن جرير- رضي الله عنه- قال:
كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر النّهار. قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار «3» أو العباء متقلّدي السّيوف. عامّتهم من مضر. بل كلّهم من مضر.
فتمعّر «4» وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة «5» .
فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (النساء/ 1) إلى آخر الاية.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. والاية الّتي في الحشر:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ (الحشر/ 18) تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت.
قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة «6» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) * «7» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (البشاشة)
1-* (قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-:
«من الدّهاء حسن اللّقاء» ) * «8» .
2-* (قال ابن وكيع- رحمه الله تعالى-:
«لاق بالبشر من لقيت من النّا ... س وعاشر بأحسن الإنصاف
لا تخالف وإن أتوا بمحال ... تستفد ودّهم بترك الخلاف» ) *
«9» .
3-* (قال ابن مفلح- رحمه الله تعالى-: على المسلم أن ينزّه نفسه عن كلّ وصف مذموم شرعا أو عقلا أو عرفا كغلّ وحقد وحسد ونكد وغضب
__________
(1) الظعينة: المرأة في الهودج.
(2) الترمذي (2953) ، وقال: حسن غريب، وأحمد في المسند (4/ 378) ، وقال محقق «جامع الأصول» (9/ 111) : وفي سنده عباد بن حبيش لم يوثقه غير ابن حبّان وباقي رجاله ثقات. وقد أخرج البخاري ومسلم طرفا منه.
(3) مجتابي النمار: نصب على الحالية أي لابسيها والنمار جمع نمرة وهي ثياب صوف فيها تنمير.
(4) فتمعّر: تغيّر.
(5) الفاقة: الحاجة.
(6) مذهبة: من الشيء المموّه بالذهب، ويروى مدهنة مؤنث مدهن وهي النقرة في رءوس الجبال يستنقع فيها الماء شبه وجهه لإشراق السرور عليه بصفاء الماء المجتمع في الحجر، وقيل: المدهنة ما يجعل فيه الدهن فيكون قد شبهه بصفاء الدهن.
(7) مسلم (1017) .
(8) الآداب الشرعية (3/ 556) .
(9) المرجع السابق (3/ 573) .(3/821)
وعجب وخيلاء ورياء وهوى وغرض سوء وقصد رديء ومكر وخديعة ومجانبة كلّ مكروه لله تعالى، وإذا جلست مجلس علم أو غيره فاجلس بسكينة ووقار وتلقّ النّاس بالبشرى والاستبشار» ) * «1» .
4-* (عن سعيد بن عبد الرّحمن الزّبيديّ، قال: «يعجبني من القرّاء كلّ سهل طلق مضحاك:
فأمّا من تلقاه ببشر ويلقاك بضرس، يمنّ عليك بعمله فلا كثّر الله في النّاس أمثال هؤلاء» ) * «2» .
5-* (قال الشّاعر:
«لا يعدم السّائل منه وفرا ... وقبله بشاشة وبشرا» ) *
«3» .
6-* (قال بعض الشّعراء:
«أزور خليلي ما بدا لي هشّه ... وقابلني منه البشاشة والبشر
فإن لم يكن هشّ وبشّ تركته ... ولو كان في اللّقيا الولاية والبشر
وحقّ الّذي ينتاب داري زائرا ... طعام وبرّ قد تقدّمه بشر» ) *
من فوائد (البشاشة)
انظر فوائد صفة (طلاقة الوجه)
__________
(1) الآداب الشرعية (3/ 556) .
(2) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا، ص 196.
(3) لسان العرب (1/ 289) .(3/822)
البصيرة والفراسة
/الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 7/ 9/ 15/
البصيرة لغة:
البصيرة على وزن فعيلة بمعنى مفعلة مأخوذة من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء، يقال هو بصير به. قال الرّاغب: «البصر يقال للجارحة النّاظرة (أي العين) نحو قوله تعالى:
كَلَمْحِ الْبَصَرِ (النحل/ 77) ، ويقال لقوّة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق/ 22) .. وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر قال تعالى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ (الأحقاف/ 26) ولا يكاد يقال لجارحة بصيرة، ويقال من الأوّل (البصر) أبصرت، ومن الثّاني (البصيرة) أبصرته وبصرت به وقلّما يقال: بصرت في الحاسّة إذا لم تضمّنه رؤية القلب.. وقوله- عزّ وجلّ- أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (يوسف/ 108) أي على معرفة وتحقّق، والضّرير يقال له بصير على سبيل العكس (كذا قالوا) والأولى أنّ ذلك يقال دعاء له من قوّة بصيرة القلب لا لما قالوه، ولهذا لا يقال له مبصر ولا باصر. ويقول صاحب اللّسان: يقال: بصر به بصرا وبصارة وأبصره وتبصّره: نظر إليه هل يبصره.
قال سيبويه: بصر صار مبصرا، وأبصره إذا أخبر بالّذي وقعت عينه عليه، وحكاه اللّحيانيّ: بصر به، بكسر الصّاد: أي أبصره. وأبصرت الشّيء: رأيته، وباصره: نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه.
وبصر بصارة: صار ذا بصيرة، وبصّره الأمر تبصيرا وتبصرة: فهّمه إيّاه. وقال الأخفش في قوله: قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ (96 سورة طه) ، أي علمت ما لم يعلموا به من البصيرة، وقال اللّحيانيّ:
والبصيرة: عقيدة القلب. قال اللّيث: البصيرة اسم لما اعتقد في القلب من الدّين وتحقيق الأمر، وقيل:
البصيرة الفطنة، تقول العرب: أعمى الله بصائره أي فطنه، عن ابن الأعرابيّ، وفعل ذلك على بصيرة: أي على عمد، وعلى غير بصيرة: أي على غير يقين.
التّبصّر. التّامّل والتّعرّف، والتّبصير: التّعريف والإيضاح، ورجل بصير بالعلم: عالم به. ويقال للفراسة الصّادقة: فراسة ذات بصيرة «1» .
ومن أجل أنّ الفراسة بعض إطلاقات البصيرة وهما المقصودتان هنا فقد جئنا بتعريف الفراسة أيضا.
قال الأصمعيّ: يقال فارس بيّن الفروسة والفراسة والفروسيّة، وإذا كان فارسا بعينه ونظره فهو
__________
(1) لسان العرب (4/ 64- 66) ، ومقاييس اللغة (1/ 253) ، ومفردات الراغب (49) .(3/823)
بيّن الفراسة، (بكسر الفاء) ، ويقال: إنّ فلانا لفارس بذلك الأمر إذا كان عالما به. ويقال هو يتفرّس إذا كان يتثبّت وينظر. ويقال: رجل فارس بيّن الفروسة والفراسة في الخيل، وهو الثّبات عليها والحذق بأمرها، ورجل فارس بالأمر أي عالم به بصير.
والفراسة (بكسر الفاء) : في النّظر والتّثبّت والتّأمّل للشّيء والبصر به، يقال: إنّه لفارس بهذا الأمر إذا كان عالما به. والفراسة، (بالكسر) : الاسم من قولك: تفرّست فيه خيرا.
وتفرّس في الشّيء: توسّمه، والاسم الفراسة بالكسر.
واستعمل الزّجّاج منه أفعل فقال: أفرس النّاس أي أجودهم وأصدقهم فراسة ثلاثة: العزيز في يوسف- على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام- وابنة شعيب في موسى- على نبيّنا وعليهم الصّلاة والسّلام- وأبو بكر في تولية عمر بن الخطّاب- رضي الله عنهما- «1» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: البصيرة هي قوّة القلب المنوّر بنور الله يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها. وهي بمثابة البصر للنّفس يرى به صور الأشياء وظواهرها. وقال الكفويّ: البصيرة قوّة في القلب تدرك بها المعقولات «2» .
والبصير: اسم من أسماء الله الحسنى. والبصير هو المبصر لجميع المبصرات، وفي «النّهاية» : أنّ البصير هو الّذي يشاهد الأشياء كلّها، ظاهرها وخفيّها، والبصر في حقّه تعالى عبارة عن الصّفة الّتي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات.
وقيل: البصير المتّصف بالبصر لجميع الموجودات، فيعلم تعالى جميع المبصرات تمام العلم، وتنكشف له تمام الانكشاف والتّجلّي، فهو يبصر خائنة الأعين وما تخفي الصّدور. يشاهد ويرى، ولا يغيب عنه ما في السّموات العلى، وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى، وهو الحاضر الّذي لا يغيب «3» .
منزلة الفراسة:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 4) منزلة الفراسة. قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر/ 75) قال مجاهد- رحمه الله: المتفرّسين.
وقال: ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: للنّاظرين، وقال قتادة: للمعتبرين، وقال مقاتل: للمتفكّرين.
ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنّ النّاظر متى نظر في آثار ديار المكذّبين ومنازلهم، وما آل إليه أمرهم أورثه فراسة وعبرة وفكرة، وقال تعالى في حقّ المنافقين: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ
__________
(1) لسان العرب (6/ 159- 160) ، المصباح المنير (1/ 56- 57) ، محيط المحيط (42، 683) ، نزهة الأعين النواظر (199- 200) .
(2) التعريفات (46) ، والكليات للكفوي (1/ 429) .
(3) موسوعة له الأسماء الحسنى (155) ، وبعضه في المقصد الأسني (91) .(3/824)
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (محمد/ 30) ، فالأوّل:
فراسة النّظر والعين، والثّاني: فراسة الأذن والسّمع.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله- يقول: علّق معرفته إيّاهم على المشيئة، ولم يعلّق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط، بل أخبر به خبرا مؤكّدا بالقسم، فقال: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
(محمد/ 30) وهو تعريض الخطاب، وفحوى الكلام ومغزاه.
والمقصود: أنّه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم، فإنّ معرفة المتكلّم وما في ضميره من كلامه: أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه، فإنّ دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من السّيماء المرئيّة، والفراسة تتعلّق بالنّوعين بالنّظر والسّماع.
والفراسة ثلاثة أنواع:
إيمانيّة. وسببها: نور يقذفه الله في قلب عبده، يفرّق به بين الحقّ والباطل، والحالي «1» والعاطل «2» ، والصّادق والكاذب.
وحقيقتها: أنّها خاطر يرد على القلب ينفي ما يضادّه. وهذه الفراسة على حسب قوّة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحدّ فراسة.
وأصل هذا النّوع من الفراسة: من الحياة والنّور اللّذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ، قال الله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها (الأنعام/ 122) كان ميتا بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم، وجعل له القرآن والإيمان نورا يستضيء به في النّاس على قصد السّبيل، ويمشي به في الظّلم والله أعلم.
الفراسة الثّانية: فراسة الرّياضة والجوع والسّهر والتّخلّي، فإنّ النّفس إذا تجرّدت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجرّدها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدلّ على إيمان ولا على ولاية، وكثير من الجهّال يغترّ بها، وللرّهبان فيها وقائع معلومة، وهي فراسة لا تكشف عن حقّ نافع ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها جزئيّ من جنس فراسة الولاة، وأصحاب عبارة الرّؤيا والأطبّاء ونحوهم.
الفراسة الثّالثة: الفراسة الخلقيّة، وهي الّتي صنّف فيها الأطبّاء وغيرهم واستدلّوا بالخلق على الخلق لما بينهما من الارتباط الّذي اقتضته حكمة الله كالاستدلال بصغر الرّأس الخارج عن العادة على صغر العقل. ومعظم تعلّق الفراسة بالعين، فإنّها مرآة القلب وعنوان ما فيه، ثمّ باللّسان، فإنّه رسوله وترجمانه.
وأصل هذه الفراسة: أنّ اعتدال الخلقة والصّورة: هو اعتدال المزاج والرّوح، وعن اعتدالها يكون اعتدال الأخلاق والأفعال، وبحسب انحراف
__________
(1) الحالي: المملوء بالإيمان.
(2) العاطل: الخالي.(3/825)
الخلقة والصّورة عن الاعتدال يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال. هذا إذا خلّيت النّفس وطبيعتها.
وفراسة المتفرّس تتعلّق بثلاثة أشياء: بعينه، وأذنه، وقلبه، فعينه للسّيماء والعلامات، وأذنه: للكلام وتصريحه وتعريضه، ومنطوقه ومفهومه، وقلبه للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيّه، فيعبر إلى ما وراء ظاهره، وهو في ذلك كالصّير فيّ ينظر للجوهر من ظاهر السّكّة والنّقد فيعرف الصّحيح من الزّائف.
البصيرة تنجم عن الفكرة:
الفكرة هي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد استعدّ له مجملا، ولمّا يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت الفكرة أوجبت البصيرة، إذ هي نور في القلب يبصر به الوعد، والجنّة والنّار، وما أعدّ الله في هذه لأوليائه؛ لأنّ البصيرة نور يقذفه الله في قلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرّسل فيتحقّق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرّسل وتضرّره بمخالفتهم؛ وهذا معنى قول العارفين «البصيرة» تحقّق الانتفاع بالشّيء والتّضرّر به، والبصيرة ما خلّصك من الحيرة إمّا بإيمان أو بعيان «1» .
الفرق بين الفراسة (البصيرة) والظن:
الفرق بين الفراسة والظّنّ أنّ الظّنّ يخطىء ويصيب وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير منه وأخبر أنّ بعضه إثم «2» .
وأمّا الفراسة فقد أثنى الله على أهلها ومدحهم، وهي لا تحدث إلّا لقلب قد تطهّر وتصفّى وتنزّه من الأدناس وقرب من الله تعالى فأصبح صاحبه ينظر بنور الله الّذي جعله في قلبه، ذلك لأنّ القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السّوء المانعة من معرفة الحقّ وإدراكه، وكان تلقّيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه، وأضاء الله له النّور بقدر قربه فرأى في ذلك النّور ما لم يره البعيد والمحجوب وصار قلبه كالمرآة الصّافية تبدو فيها صور الحقائق على ما هي عليه فلا تكاد تخطىء له فراسة.
بين الفراسة والغيب:
ليست الفراسة من علم الغيب بل علّام الغيوب قذف الحقّ في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس الّتي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه، وإذا غلب على القلب النّور فاض على الأركان وبادر من القلب إلى العين فكشف بعين بصره بحسب ذلك النّور «3» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التأمل- التبين (التثبت) - التدبر- حسن الظن- التفكر- التقوى.
اليقين.
وفي ضد ذلك: نظر صفات: البلادة والغباء- سوء الظن- الشك- الطيش- الغفلة- الوسوسة- الوهم] .
__________
(1) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 503- 505) بتصرف.
(2) انظر صفة: الظن، الشك.
(3) الروح لابن القيم ص 215.(3/826)
الآيات الواردة في «البصيرة»
1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «1»
2- يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
كَلَّا لا وَزَرَ (11)
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (15) «2»
الايات الواردة في «البصيرة» معنى
3- قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) «3»
4- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) «4»
5- قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) «5»
6- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) «6»
7- وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) «7»
__________
(1) يوسف: 108 مكية
(2) القيامة: 10- 15 مكية
(3) يوسف: 5- 6 مكية
(4) يوسف: 18 مكية
(5) يوسف: 26 مكية
(6) الحجر: 75 مكية
(7) محمد: 30- 31 مدنية(3/827)
الأحاديث الواردة في (البصيرة والفراسة)
1-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر قوما يكونون في أمّته، يخرجون في فرقة من النّاس، سيماهم التّحالق «1» . قال: «هم شرّ الخلق أو من أشرّ الخلق- يقتلهم أدنى الطّائفتين إلى الحقّ» قال: فضرب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهم مثلا: أو قال قولا: «الرّجل يرمي الرّميّة- أو قال الغرض- فينظر في النّصل «2» فلا يرى بصيرة، وينظر في النّضيّ «3» فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق «4» فلا يرى بصيرة» ) * «5» قال: قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق.
2-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما حديثا طويلا عن الدّجّال، فكان فيما حدّثنا قال: «يأتي وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب «6» المدينة، فينتهي إلى بعض السّباخ «7» الّتي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير النّاس، أو من خير النّاس، فيقول له:
أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثه، فيقول الدّجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمّ أحييته، أتشكّون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال:
فيقتله ثمّ يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة منّي الان، قال: فيريد الدّجّال أن يقتله فلا يسلّط عليه» ) * «8» .
الأحاديث الواردة في (البصيرة والفراسة) معنى
3-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله، ثمّ قرأ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر/ 75) » ) * «9» .
4-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله عبادا يعرفون النّاس بالتّوسّم» ) * «10» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) سيماهم: أي علامتهم والتّحالق: المراد به حلق الرءوس.
(2) النّصل: السهم والرمح ونحوهما.
(3) النضيّ: بزنة الغني السهم بلا نصل ولا ريش.
(4) الفوق: موضع الوتر من السهم، والجمع أفواق وفوق.
(5) مسلم (1065) ونحوه عند البخاري 12 (6933) .
(6) نقاب المدينة: أي طرقها وفجاجها، وهو جمع نقب، وهو الطريق بين جبلين.
(7) السباخ: جمع سبخة. بفتحتين. وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرة.
(8) البخاري- الفتح 13 (7132) ، مسلم (2938) .
(9) الترمذي (3127) وقال: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم. وتفسير هذه الاية: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: للمتفرسين. وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 90 ط. دار الفكر) وزاد نسبته لابن جرير من طريقين ذكرهما ابن كثير في تفسيره وابن أبي حاتم وساقه الهيثمي في المجمع من حديث أبي أمامة (10/ 268) ، وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.
(10) الهيثمي في المجمع (10/ 268) وقال: رواه الطبراني والبزار في الأوسط وإسناده حسن. وذكره ابن كثير في تفسيره من طريقين مج 2، ج 14، (ص 576) .(3/828)
جاء رجل من بني فزارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من إبل؟» قال: نعم قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال:
«هل فيها من أورق؟» قال: إنّ فيها لورقا «1» ، قال:
«فأنّى أتاها ذلك؟» قال: عسى أن يكون نزعه عرق «2» ، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «3» .
6-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال:
جاء عويمر العجلانيّ إلى عاصم بن عديّ فقال:
أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله، أتقتلونه به؟
سل لي يا عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسائل وعابها، فرجع عاصم فأخبره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كره المسائل فقال عويمر: والله لاتينّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: «قد أنزل الله فيكم قرآنا» ، فدعا بهما فتقدّما فتلاعنا، ثمّ قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ففارقها، ولم يأمره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفراقها، فجرت السّنّة في المتلاعنين، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أنظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة «4» فلا أراه إلّا قد كذب، وإن جاءت به أسحم أعين «5» ذا أليتين «6» فلا أحسب إلّا قد صدق عليها، فجاءت به على الأمر المكروه» ) * «7» .
7-* (عن عمرو بن عبسة السّلميّ- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض الخيل وعنده عيينة بن بدر الفزاريّ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أنا أعلم بالخيل منك» فقال عيينة: وأنا أعلم بالرّجال منك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فمن خير الرّجال؟» قال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على مناسج خيولهم من رجال نجد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذبت بل خير الرّجال رجال اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذام، ومأكول حمير خير من أكلها وحضر موت خير من بني الحارث، والله ما أبالي لو هلك الحارثان جميعا لعن الله الملوك الأربعة جمدا ومخوسا وأبضعة وأختهم العمرّدة» ثمّ قال: «أمرني ربّي أن ألعن قريشا مرّتين فلعنتهم، وأمرني أن أصلّي عليهم فصلّيت عليهم مرّتين مرّتين» ثمّ قال: «لعن الله تميم بن مرّة خمسا وبكر بن وائل سبعا ولعن الله قبيلتين من قبائل بني تميم: مقاعس وملادس» ثمّ قال: «عصيّة عصت الله ورسوله. عبد قيس وجعدة وعصمة» ثمّ قال: «أسلم وغفار ومزينة وأحلافهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله يوم القيامة» ثمّ قال: «شرّ قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب وأكثر القبائل في الجنّة مذحج» ) * «8» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) ورق: الورقة السمرة وسواد في غبرة أو سواد وبياض.
(2) نزعه عرق: أشبه أصله. والمعنى: يحتمل أن يكون في أصولها ما هو باللون المذكور فاجتذبه إليه.
(3) البخاري- الفتح 9 (5305) ، ومسلم (1500) .
(4) وحرة: دويبة كالعظاءة تلزق بالأرض.
(5) أسحم أعين: أسحم شديد السواد واسع العينين.
(6) ذا أليتين: عظيم المقعدة.
(7) البخاري- الفتح 13 (7304) ، واللفظ له ومسلم (1492) .
(8) الحاكم في المستدرك (4/ 81) وقال: هذا حديث غريب المتن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (4/ 387) بلفظ: أنا أفرس، والهيثمي في المجمع (10/ 43) وقال: رواه أحمد متصلا ومرسلا والطبراني ورجال الجميع ثقات.(3/829)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون «1» ، فإن يك في أمّتي أحد فإنّه عمر» زاد زكريّاء: وعن سعد عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمّتي منهم أحد فعمر» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- من نبيّ ولا محدّث» ) * «2» .
9-* (عن عبد الله بن سلام قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة انجفل «3» النّاس إليه، وقيل قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجئت في النّاس لأنظر إليه فلمّا استبنت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب وكان أوّل شيء تكلّم به أن قال: «يا أيّها النّاس: أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلّوا والنّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (البصيرة)
1-* (وروي أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- دخل عليه قوم من مذحج فيهم الأشتر، فصعّد فيه النّظر وصوّبه وقال: أيّهم هذا؟ قالوا:
مالك بن الحارث، فقال: ما له قاتله الله، إنّي لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا، فكان منه في الفتنة ما كان) * «5» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: ما سألني أحد عن شيء إلّا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه) * «6» .
3-* (روي عن الشّافعيّ ومحمّد بن الحسن أنّهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما: أراه نجّارا، وقال الاخر: بل حدّادا، فتبادر من حضر إلى الرّجل فسأله فقال: كنت نجّارا وأنا اليوم حدّاد) * «7» .
4-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
أفرس النّاس ثلاثة: العزيز في يوسف، حيث قال لامرأته أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً (يوسف/ 21) وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: اسْتَأْجِرْهُ القصص/ 26) ، وأبو بكر في عمر- رضي الله عنهما- حيث استخلفه، وفي رواية أخرى: وامرأة فرعون حين قالت: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ
__________
(1) محدّثون: ملهمون أو مصيبون وقيل تكلمهم الملائكة بغير نبوة وقال ابن حجر: يجري الصواب على ألسنتهم من غير قصد.
(2) البخاري- الفتح 7 (3689) ، مسلم (2398) . ويشير ابن عباس بقوله: من نبي ولا محدّث إلى قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى.. الاية. كان ابن عباس زاد فيها «ولا محدّث» .
(3) انجفل الناس إليه: أي ذهبوا إليه مسرعين.
(4) الترمذي (2485) وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجة إقامة (174) ، أطعمة 1، الدارمي صلاة (156) .
(5) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 44) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/830)
نَتَّخِذَهُ وَلَداً (القصص/ 9)) * «1» .
5-* (قال عبد الله بن رواحة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
إنّي توسّمت فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أنّي ثابت البصر
وقال آخر:
توسّمته لمّا رأيت مهابة ... عليه وقلت المرء من آل هاشم) *
«2» .
6-* (قال ابن القيّم: كان الصّدّيق- رضي الله عنه- أعظم الأمّة فراسة، وبعده عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ووقائع فراسته مشهورة فإنّه ما قال لشيء أظنّه كذا إلّا كان كما قال، ويكفي في فراسته: موافقته ربّه في المواضع المعروفة.
ومرّ بعمر- رضي الله عنه- سواد بن قارب، ولم يكن يعرفه، فقال: لقد أخطأ ظنّي، وإنّ هذا كاهن، أو كان يعرف الكهانة في الجاهليّة. فلمّا جلس بين يديه قال له ذلك عمر، فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين ما استقبلت أحدا من جلسائك بمثل ما استقبلتني به، فقال له عمر رضي الله عنه: ما كنّا عليه في الجاهليّة أعظم من ذلك، ولكن أخبرني عمّا سألتك عنه، فقال:
صدقت يا أمير المؤمنين كنت كاهنا في الجاهليّة ... وفراسة الصّحابة- رضي الله عنهم- أصدق الفراسة) * «3» .
7-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: كان إياس ابن معاوية من أعظم النّاس فراسة، وله الوقائع المشهورة، وكذلك الشّافعيّ رحمه الله، وقيل: إنّ له فيها تاليف) * «4» .
8-* (وقال أيضا: ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما) * «5» .
9-* (روي عن الحسن البصريّ أنّه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال: هذا سيّد فتيان البصرة إن لم يحدث، فكان من أمره من القدر ما كان، حتّى هجره عامّة إخوانه) * «6» .
10-* (قال ثعلب: الواسم النّاظر إليك من فرقك «7» إلي قدمك، وأصل التّوسّم التّثبّت والتّفكّر، مأخوذ من الوسم وهو التّأثير بحديدة في جلد البعير وغيره، وذلك يكون بجودة القريحة وحدّة الخاطر وصفاء الفكر، زاد غيره: وتفريغ القلب من حشو الدّنيا، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول الدّنيا) * «8» .
11-* (قال عمرو بن نجيد: كان شاه الكرمانيّ حادّ الفراسة لا يخطىء، ويقول: من غضّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشّهوات، وعمّر باطنه بالمراقبة وظاهره باتّباع السّنّة، وتعوّد أكل الحلال لم تخطىء فراسته) * «9» .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 506) .
(2) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 43) .
(3) مدارج السالكين (2/ 506) .
(4) المرجع السابق (2/ 510) .
(5) المرجع السابق (2/ 510) .
(6) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 44) .
(7) فرقك: أي من رأسك إلى قدمك.
(8) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 44) .
(9) مدارج السالكين (2/ 505) .(3/831)
12-* (يقال في بعض الكتب القديمة: إنّ الصّدّيق لا تخطىء فراسته) * «1» .
13-* (قال الشّاعر طريف بن تميم العنبريّ:
أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
14-* (وقال زهير بن أبي سلمى:
وفيهنّ ملهى للصّديق ومنظر ... أنيق لعين النّاظر المتوسّم
15-* (وقيل في قول الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (الحجر/ 75) . قيل: معناه للمتفرّسين أو للنّاظرين أو للمعتبرين، أو للمتبصّرين، قال أبو عبيدة: والمعنى متقارب) * «2» .
من فوائد (البصيرة والفراسة)
(1) الفراسة الإيمانيّة نظر إلى الأشياء بنور الله.
(2) تشعر المؤمن بكرامته على الله.
(3) قوّة الفراسة على حسب قوّة الإيمان.
(4) المتفرّس المؤمن يثق به النّاس ويطمئنّون إليه.
(5) معظم تعلّق الفراسة بالعين والقلب.
(6) بعض الفراسة يحصل بالرّياضة ولا علاقة لها بالإيمان ومعظم أصحابها مشعوذون.
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 506) .
(2) تفسير القرطبي مج 5، ج 10، (ص 43) .(3/832)
البكاء
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 8/ 16/ 18/
البكاء لغة:
مصدر قولهم بكى يبكى بكاء وبكى، فهو باك، والجمع بكاة وبكيّ، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ب ك ي) الّتي تدلّ في أصل اللّغة على معنيين:
الأوّل: بمعنى خروج الدّمع، والاخر: نقصان الشّيء وقلّته «1» . ويرجع البكاء هنا إلى المعنى الأوّل، وهو يقصر ويمدّ فيقال فيه: البكا والبكاء. قال النّحويّون: من قصره أجراه مجرى الأدواء والأمراض، ومن مدّه أجراه مجرى الأصوات كالثّغاء والرّغاء والدّعاء، وأنشد الخليل في قصره ومدّه:
بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
وذكر ابن منظور عن الفرّاء وغيره: أنّ البكاء بالمدّ يكون إذا أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدّموع وخروجها. ويقول الكفويّ: البكاء يمدّ إذا كان الصّوت أغلب، ويقصر إذا كان الحزن أغلب، وقيل: هو بالقصر خروج الدّمع فقط، وبالمدّ خروج الدّمع مع الصّوت، والمرء إن تهيّأ للبكاء قيل: أجهش، فإن امتلأت عينه دموعا قيل: اغرورقت، فإن سالت قيل: دمعت وهمعت.
والفعل منه بكى، يقال: بكيت فلانا وبكّيته إذا بكيت عليه وبكّيته أيضا هيّجته للبكاء، وأبكيته إذا صنعت به ما يبكيه، قال الشّاعر:
الشّمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
ويقال: استبكيته وأبكيته بمعنى واحد والبكيّ الكثير البكاء ووزنه فعيل. ويقال: رجل باك والجمع بكاة وبكيّ، فأمّا «بكاء» بكسر الباء في قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّا معاشر الأنبياء بكاء» فإنّه مأخوذ من بكأ الّتي تدلّ على القلّة، قال أبو عبيد: معناه: قليلة دموعهم «2» .
البكاء اصطلاحا:
هو إراقة الدّموع من أثر الخوف من الله أو للتّعبير عن حزن في الفؤاد.
__________
(1) من هذا المعنى قولهم للناقة القليلة اللبن هي بكيئة، وبكؤت تبكؤ بكاءة (ممدودة) أي قلّ لبنها، وقال زيد الخيل:
وقالوا عامر سارت إليكم ... بألف أو بكا منه قليل.
وقال الأسعر الجعفي:
بل ربّ عرجلة أصابوا خلّة ... دأبوا وحارد ليلهم حتى بكا
قال: حارد قلّ فيه المطر، وبكا: مثله، (وأصله بكأ) .
(2) انظر مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 286) ، الكليات للكفوي (1/ 429) ، ولسان العرب (1/ 82- 83) ط. بيروت، وبصائر ذوي التمييز (2/ 268) .(3/833)
والبكاء أنواع:
(1) بكاء خشية من الله تعالى.
(2) بكاء عند سماع القرآن.
(3) بكاء الاعتبار والتّدبّر والخوف من الوعيد.
(4) بكاء الرّحمة لفقدان عزيز.
(5) بكاء التّصنّع وهو غير مستحبّ.
(6) بكاء الاعتراض وهو المصحوب بحركات وأصوات تدلّ على الاعتراض على قدر الله. وهذا مذموم ومحرّم.
(7) بكاء الخوف من حوادث الدّنيا وتغيّراتها وتقلّباتها. وهو يولّد المرض والاكتئاب.
البكاء بين المدح والذم:
المفروض أن يكون البكاء خشية من الله تعالى، وخوفا منه، وطمعا في رحمته، فهذا هو البكاء المحمود، أو أن يكون البكاء من سماع القرآن وما فيه بعد تدبّره وتأمّله، أو أن يكون لمعنى إنسانيّ نبيل كما فعل سيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم حين مات ابنه إبراهيم، وهذا كلّه من البكاء المحمود المشروع.
أمّا بكاء التّصنّع وما فيه، سواء كان ذلك لإثبات صدق قول أو دعوى أو ما إلى ذلك كما فعل إخوة يوسف، فهذا من البكاء المذموم؛ لأنّه لا يكاد يدلّ على صدق الإنسان في فعله أو فعاله، وقد قيل:
إنّ المصنوع لا يخفى، وقال حكيم:
إذا اشتبكت دموع في خدود ... تبيّن من بكى ممّن تباكى «1»
وقد ذهب العلماء إلى القول بأنّ البكاء إنّما يكون عند تلاوة القرآن، يقول القرطبيّ: «ينبغي لمن قرأ سجدة أن يدعو فيها بما يليق باياتها، فإن قرأ سورة السّجدة الم تَنْزِيلُ ... قال: اللهمّ اجعلني من السّاجدين لوجهك، المسبّحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك، وإن قرأ سجدة سبحان قال: اللهمّ اجعلني من الباكين إليك، الخاشعين لك، وإن قرأ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا قال:
اللهمّ اجعلني من عبادك المنعم عليهم، المهديّين السّاجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك» «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الخشوع- الخشية التذكر- تذكر الموت- التوبة- الرجاء- الخوف- الورع.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: اتباع الهوى- البلادة والغباء- الجفاء- الغفلة- القسوة الإعراض طول الأمل] .
__________
(1) راجع تفسير القرطبي (9/ 96) .
(2) المرجع السابق (11/ 81) .(3/834)
الآيات الواردة في «البكاء»
البكاء دليل الإيمان:
1- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107)
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108)
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) «1»
2- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (58) «2»
البكاء من الله:
3- وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) «3»
البكاء ندما:
4- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «4»
البكاء الكاذب (التباكي) :
5- وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (16) «5»
الآيات الواردة في «البكاء» معنى
6- وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «6»
7- وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92) «7»
8- وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) «8»
__________
(1) الإسراء: 107- 109 مكية
(2) مريم: 58 مكية
(3) النجم: 42- 43 مكية
(4) التوبة: 82 مدنية
(5) يوسف: 16 مكية
(6) المائدة: 83 مدنية
(7) التوبة: 92 مدنية
(8) يوسف: 84 مكية(3/835)
الأحاديث الواردة في (البكاء)
1-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن ملك نفسه ووسعه بيته وبكى على خطيئته» ) * «1» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحابه شيء. فخطب فقال: «عرضت عليّ الجنّة والنّار، فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» ، قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أشدّ منه، قال: غطّوا رءوسهم ولهم خنين «2» ) * «3» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «عينان لا تمسّهما النّار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية الله حتّى يعود اللّبن في الضّرع «5» ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله «6» ودخان جهنّم» ) * «7» .
الأحاديث الواردة في (البكاء) معنى
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه «8» ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» ) * «9» .
__________
(1) المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 232) ، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده.
(2) خنين: صوت البكاء، وهو نوع من البكاء دون الانتحاب. ورواية البخاري «حنين» بالحاء المهملة وهو الصوت الذي يرتفع بالبكاء من الصدر، والخنين- بالخاء المعجمة- من الأنف، وقال الخطابي: الحنين بكاء دون الانتحاب، وقد يجعلون الحنين والخنين واحدا.
(3) البخاري- الفتح 8 (4621) ، مسلم (2359) ، واللفظ له.
(4) الترمذي (1639) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (9/ 487) : حديث صحيح بشواهده.
(5) المعنى أنه من المحال أن يدخل النار من بكى من خشية الله.
(6) المعنى أن من غبّر نفسه في سبيل الله فلن يغبر بدخان جهنم، وكل ذلك مبني على فضل الله.
(7) الترمذي (1633) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 12) ، وابن ماجة (2774) .
(8) المراد المبالغة في كتمان الصدقة.
(9) البخاري- الفتح 3 (1423) ، مسلم (1031) واللفظ له، وقوله: ففاضت عيناه أي: بكت من خشية الله.(3/836)
6-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ليس شيء أحبّ إلى الله من قطرتين وأثرين. قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق «1» في سبيل الله. وأمّا الأثران، فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله» ) * «2» .
7-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذكر الله ففاضت عيناه «3» من خشية الله حتّى يصيب الأرض من دموعه لم يعذّبه الله تعالى يوم القيامة» ) * «4» .
8-* (عن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما بعد صلاة الغداة «5» موعظة بليغة ذرفت «6» منها العيون، ووجلت «7» منها القلوب. فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟. قال:
«أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطّاعة وإن عبد حبشيّ؛ فإنّه من يعش منكم ير اختلافا كثيرا، وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ «8» » ) * «9» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (البكاء)
9-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي وفي صدره أزيز كأزيز «10» الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم) * «11» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ القرآن» قال: فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟.
قال: «إنّي أشتهي أن أسمعه من غيري» ، فقرأت النّساء حتّى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً، رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل) * «12» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو قال:
__________
(1) تهراق: بمعنى تراق.
(2) الترمذي (1669) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال محقق جامع الأصول (9/ 576) : إسناده حسن.
(3) ففاضت عيناه: فبكى.
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 260) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(5) صلاة الغداة: الصبح.
(6) ذرفت: انصب الدمع منها.
(7) وجلت: خافت وفزعت.
(8) النواجذ: آخر الأضراس، والمعنى استمسكوا بها.
(9) الترمذي (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4607) ، وابن ماجة في المقدمة (42) .
(10) أزيز: صوت كصوت الرحى في التحرك والاضطراب.
(11) أبو داود (904) ، والنسائي (3/ 18) كتاب السهو، وقال محقق جامع الأصول (5/ 435) : حديث صحيح.
(12) البخاري- الفتح 8 (4582) . ومسلم (800) ، واللفظ له.(3/837)
انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّلاة، وقام الّذين معه فقام قياما فأطال القيام ثمّ ركع فأطال الرّكوع، ثمّ رفع رأسه، وسجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وجلس فأطال الجلوس، ثمّ سجد فأطال السّجود، ثمّ رفع رأسه وقام، فصنع في الرّكعة الثّانية مثل ما صنع في الرّكعة الأولى من القيام والرّكوع والسّجود والجلوس فجعل ينفخ في آخر سجوده من الرّكعة الثّانية ويبكي ويقول:
«لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا ونحن نستغفرك «1» ثمّ رفع رأسه وانجلت الشّمس» . فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ
الشّمس والقمر آيتان من آيات الله عزّ وجلّ فإذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله- عزّ وجلّ- والّذي نفس محمّد بيده لقد أدنيت الجنّة منّي حتّى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النّار منّي حتّى لقد جعلت أتّقيها خشية أن تغشاكم، حتّى رأيت فيها امرأة من حمير تعذّب في هرّة، ربطتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض «2» فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتّى ماتت فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولّت تنهش أليتها وحتّى رأيت فيها صاحب السّبتيّتين أخا بني الدّعداع يدفع بعصا ذات شعبتين في النّار، وحتّى رأيت فيها صاحب المحجن «3» الّذي كان يسرق الحاجّ بمحجنه متّكئا على محجنه في النّار يقول: أنا سارق المحجن» ) * «4» .
12-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين وكان ظئرا «5» لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» . ثمّ أتبعها بأخرى فقال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «6» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه. فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي.
واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. فزوروا القبور.
فإنّها تذكّر الموت» ) * «7» .
14-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
شهدنا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس
__________
(1) أي في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال/ 33) .
(2) خشاش الأرض: حشراتها وتفسيرها بالنبات غلط (فتح الباري/ المقدمة 117) .
(3) المحجن: خشبة في طرفها اعوجاج، وكل عود معطوف الرأس. والسّبتيّتان: النعلان. انظر «جامع الأصول» (6/ 181) .
(4) النسائي (3/ 137- 139) ، وقال الألباني: صحيح، وصحيح سنن النسائي (1/ 1401) ، وأبو داود (1194) وبعضه في الصحيحين. وانظر «جامع الأصول» (6/ 181) .
(5) الظئر: المرضع غير ولدها والمراد به هنا زوج مرضعة إبراهيم.
(6) البخاري- الفتح 3 (1303) . ومسلم (2315) .
(7) مسلم (976) .(3/838)
على القبر. فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف اللّيلة؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال:
«فانزل في قبرها» . فنزل في قبرها فقبرها. قال ابن مبارك قال فليح: أراه يعني الذّنب. قال أبو عبد الله:
(ليقترفوا) أي ليكتسبوا) * «1» .
15-* (وعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال: «لمّا نزلت أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ. بكى أصحاب الصّفّة حتّى جرت دموعهم على خدودهم فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكى معهم فبكينا ببكائه؛ فقال صلّى الله عليه وسلّم لا يلج النّار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنّة مصرّ على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم» ) * «2» .
16-* (عن هاني مولى عثمان- رضي الله عنه- قال: كان عثمان، إذا وقف على قبر يبكي حتّى يبلّ لحيته. فقيل له: تذكر الجنّة والنّار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ القبر أوّل منزل من منازل الاخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت منظرا قطّ إلّا والقبر أفظع منه» ) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (البكاء)
1-* (عن عرفجة قال: قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه-: من استطاع منكم أن يبكي فليبك ومن لم يستطع فليتباك «4» ) * «5» .
2-* (قرأ ابن عمر- رضي الله عنهما- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فلمّا بلغ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (المطففين/ 1- 6) بكى حتّى خرّ وامتنع من قراءة ما بعده) * «6» .
3-* (خرج عمر يوما إلى السّوق ومعه الجارود «7» ، فإذا امرأة عجوز فسلّم عليها عمر، فردّت عليه، وقالت: هيه يا عمير، عهدتك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ تصارع الصّبيان فلم تذهب الأيام حتّى سمعت عمر، ثمّ قليل سمعت أمير المؤمنين. فاتّق الله في الرّعيّة، واعلم أنّه من خاف الموت خشي الفوت. فبكى عمر، فقال الجارود: لقد
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1342) .
(2) شعب الإيمان- البيهقي (تحقيق أبى هاجر محمد السعيد ابن بسيوني (1/ 489) حديث رقم (798) ، والدر المنثور السيوطي (6/ 5131) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبيي (17/ 80) .
(3) الترمذي (2308) ، ابن ماجة (2/ 4267) ، البغوي في شرح السنة (5/ 418) ، وقال محققه: سنده حسن. وحسّنه أيضا محقق «جامع الأصول» (11/ 165) .
(4) يتباكى: يتكلف البكاء ويتصنعه.
(5) الزهد لابن المبارك (42) .
(6) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 253) .
(7) الجارود: رجل من الصحابة واسمه بشر بن عمرو من عبد القيس وسمي الجارود؛ لأنه فر بإبله إلى أخواله من بني شيبان وبإبله داء ففشا ذلك الداء في إبل أخواله فأهلكها.(3/839)
اجترأت على أمير المؤمنين وأبكيته، فأشار إليه عمر أن دعها، فلمّا فرغ قال: أما تعرف هذه؟ قال: لا، قال:
هذه خولة ابنة حكيم الّتي سمع الله قولها، فعمر أحرى أن يسمع كلامها، أشار إلى قوله تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (المجادلة/ 1) وهي خولة هذه) * «1» .
4-* (بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بعد سفري وقلّة زادي، وإنّي أمسيت في صعود على جنّة أو نار، لا أدري إلى
أيّتهما يؤخذ بي) * «2» .
5-* (عن حفص بن عمر- رضي الله عنهما- قال: بكى الحسن، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدا في النّار ولا يبالي) * «3» .
6-* (عن القاسم بن عبد الرّحمن قال: قال رجل لابن مسعود: يا أبا عبد الرّحمن أوصني قال:
ليسعك بيتك، وابك من ذكر خطيئتك، وكفّ لسانك) * «4» .
7-* (عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك، فقال:
فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر «5» » ) * «6» .
8-* (قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر ابن عبد العزيز للمغيرة بن حكيم: يا مغيرة، إنّه قد يكون في النّاس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر، وما رأيت أحدا قطّ كان أشدّ فرقا «7» من ربّه من عمر، كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثمّ رفع يديه، فلم يزل يبكي حتّى تغلبه عيناه، ثمّ ينتبه فلا يزال يبكي حتّى تغلبه عيناه) * «8» .
9-* (عن الحسن أنّه قرأ هذه الاية أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (النجم/ 59- 60) ، قال: والله إن كان أكيس القوم في هذا الأمر لمن بكى، فأبكوا هذه القلوب، وابكوا هذه الأعمال؛ فإنّ الرّجل لتبكي عيناه وإنّه لقاسي القلب) * «9» .
10-* (قال الحسن البصريّ: «إنّ المؤمنين قوم ذلّت والله منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتّى حسبهم الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر/ 34) ، والله لقد كابدوا في الدّنيا حزنا
__________
(1) الشفاء لابن الجوزي (87) .
(2) شرح السنة للبغوي (14/ 373) .
(3) التخويف من النار لابن رجب (23) .
(4) الزهد لابن المبارك (42) .
(5) ادّكر: تذكّر.
(6) تفسير ابن كثير (1/ 438) .
(7) فرقا: خوفا.
(8) شعب الإيمان للبيهقي (3/ 209) ، ورجاله ثقات.
(9) الزهد لابن المبارك (41) .(3/840)
شديدا، وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم، والله ما أحزنهم ما أحزن النّاس، ولكن أبكاهم وأحزنهم الخوف من النّار» ) * «1» .
11-* (عن ابن أبي مليكة قال: مرّ رجل على عبد الله بن عمرو وهو ساجد في الحجر وهو يبكي، فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله، وهذا القمر يبكي من خشية الله؟! قال: ونظر إلى القمر حين شفّ أن يغيب) * «2» .
12-* (قال مالك: دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة امرأته فطرح عليها خلق ساج «3» عليه، ثمّ ضرب على فخذها، فقال: يا فاطمة لنحن ليالي دابق أنعم منّا اليوم، فذكّرها ما كانت نسيته من عيشها، فضربت يده ضربة فيها عنف، فنحّتها عنها، وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ، فقام وهو يقول بصوت حزين: يا فاطمة، إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم، فبكت فاطمة وقالت:
اللهمّ أعذه من النّار) * «4» .
13-* (قال أبو سليمان: عوّدوا أعينكم البكاء، وقلوبكم التّفكّر.
وقال: «الفكر في الدّنيا حجاب عن الاخرة، والفكر في الاخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب» ) * «5» .
14-* (عن عبد الأعلى التّيميّ قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألّا يكون أوتي علما ينفع، لأنّ الله تعالى نعت العلماء فقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ- إلى قوله- وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ (الإسراء/ 107- 109) » ) * «6» .
15-* (عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال عيسى عليه السلام: طوبى لمن بكى على خطيئته، وخزن لسانه، ووسعه بيته) * «7» .
16-* (قال سريّ السّقطيّ: للخائف مقامات منها الحزن اللّازم، والهمّ الغالب، والخشية المقلقة وكثرة البكاء، والتّضرّع في اللّيل والنّهار، والهرب من مواطن الرّاحة، ووجل القلب) * «8» .
17-* (عن يزيد بن ميسرة قال: «البكاء من سبعة أشياء: البكاء من الفرح، والبكاء من الحزن، والفزع، والرّياء، والوجع والشّكر، وبكاء من خشية الله تعالى، فذلك الّذى تطفأ الدّمعة منها أمثال البحور من النّار» ) * «9» .
من أقوال الشعراء:
18- قال كعب بن مالك:
بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
__________
(1) التخويف من النار لابن رجب (23) .
(2) الزهد للإمام وكيع بن الجراح (1/ 251) .
(3) خلق ساج: ضرب من الملاحف قديم.
(4) سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي (164) .
(5) الإحياء للغزالي (4/ 425) .
(6) الزهد لابن المبارك (41) .
(7) حسن السمت في الصمت (65) .
(8) الزهد، هناد بن السريّ الكوفي (267- 268) .
(9) حلية الأولياء لابن نعيم (10/ 118) .(3/841)
على أسد الإله غداة قالوا: ... أحمزة ذاكم الرّجل القتيل؟
أبا يعلى لك الأركان هدّت ... وأنت الماجد البرّ الوصول
عليك سلام ربّك في جنان ... مخالطها نعيم لا يزول «1»
من فوائد (البكاء)
(1) البكاء دليل على خشية الله ومراقبته.
(2) البكاء دليل على صلاح العبد واستقامته.
(3) البكاء يورث الخوف من الله وهو علامة على صحّة الإيمان.
(4) البكاء طريق موصّل إلى محبّة الله ورضوانه.
(5) البكاء دليل على رقّة القلب واستجابته.
(6) البكاء سمة من سمات الخاشعين.
__________
(1) لسان العرب (1/ 82- 83) .(3/842)
[حرف التاء]
التأمل
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 34/ 3/ 21/
التأمل لغة:
مصدر تأمّل وهو مأخوذ من مادة (أم ل) الّتي تفيد معنيين:
الأوّل: التّثبّت والانتظار، والثّاني: الحبل من الرّمل ومن المعنى الأوّل قول الخليل: الأمل الرّجاء تقول أمّلته أؤمّله تأميلا، وأملته آمله أملا وإملة على بناء جلسة، وهذا لما فيه من الانتظار.
والتّأمّل: التثبّت في النّظر، قال الشّاعر (زهير) :
تأمّل خليلي هل ترى من ظعائن ... تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم
وقال المرار:
تأمّل ما تقول وكنت قدما ... قطاميّا تأمّله قليل
القطاميّ الصّقر وهو يكتفي بنظرة واحدة «1» .
وقال ابن منظور: (يقال) تأمّلت الشّيء أي نظرت إليه متثبّتا له، وتأمّل الرّجل: تثبّت في الأمر والنّظر «2» .
التّأمّل اصطلاحا:
هو تدقيق النّظر في الكائنات بغرض الاتّعاظ والتّذكّر، وقال الكفويّ:
التّأمّل هو استعمال الفكر، ونقل عن بعض الأفاضل: أنّ قولهم: تأمّل بلا فاء إشارة إلى الجواب القويّ، وبالفاء إلى الجواب الضّعيف وبالفاء واللام (فليتأمّل) إلى الجواب الأضعف قال: ومعنى «تأمّل» :
أنّ في هذا المحلّ دقّة، ومعنى «فتأمّل» أنّ في هذا المحلّ أمرا زائدا على الدّقة بتفصيل، ومعنى «فليتأمّل» ، هكذا مع زيادة اللّام والفاء، أي تأمّل ما سبق مع زيادة في الدّقّة، بناء على أنّ كثرة الحروف تدلّ على كثرة في المعنى «3» .
تأمل القرآن:
قال ابن القيّم: أمّا التّأمّل في القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه. وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله. وهو المقصود بإنزاله، لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر، قال الله تعالى كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (ص/ 29) .
فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبّر القرآن، وإطالة التّأمّل فيه وجمع الفكر على معاني آياته. فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّرّ بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومال أهلهما،
__________
(1) ومن المعنى الثاني: الأميل وجمعه أمل ومن ذلك ما أنشده ابن الأعرابيّ: وقد تجشّمت أميل الأمل، أي أعظم الأمل. انظر مقاييس اللغة (1/ 140) .
(2) لسان العرب (11/ 27) .
(3) الكليات (2/ 60) بتصرف يسير.(3/843)
وتتلّ «1» في يده مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة. وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه. وتشيّد بنيانه، وتوطّد أركانه. وتريه صورة الدّنيا والاخرة، والجنّة والنّار في قلبه. وتحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم. وتبصّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله. وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبّه وما يبغضه، وصراطه الموصّل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطّريق وآفاتها. وتعرّفه النّفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السّعادة وأهل الشّقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرّفه الرّبّ المدعوّ إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.
وتعرّفه مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشّيطان، والطّريق الموصّلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه.
فهذه ستّة أمور ضروريّ للعبد معرفتها، ومشاهدتها ومطالعتها. فتشهده الاخرة حتّى كأنّه فيها، وتغيّبه عن الدّنيا حتّى كأنّه ليس فيها، وتميّز له بين الحقّ والباطل في كلّ ما اختلف فيه العالم، فتريه الحقّ حقّا، والباطل باطلا، وتعطيه فرقانا ونورا يفرّق به بين الهدى والضّلال، والغيّ والرّشاد، وتعطيه قوّة في قلبه، وحياة وسعة وانشراحا وبهجة وسرورا. فيصير في شأن والنّاس في شأن آخر.
فإنّ معاني القرآن دائرة على التّوحيد وبراهينه، والعلم بالله وما له من أوصاف الكمال، وما ينزّه عنه من سمات النّقص، وعلى الإيمان بالرّسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلّة صحّة نبوّتهم، والتّعريف بحقوق مرسلهم، وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جعلوا عليه من أمر العالم العلويّ والسّفليّ، وما يختصّ بالنّوع الإنسانيّ منهم، من حين يستقرّ في رحم أمّه إلى يوم يوافي ربّه ويقدم عليه، وعلى الإيمان باليوم الاخر وما أعدّ الله فيه لأوليائه من دار النّعيم المطلق، الّتي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد ولا تنغيص، وما أعدّ لأعدائه من دار العقاب الوبيل الّتي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح؛ وعلى تفصيل ذلك أتمّ تفصيل وأبينه؛ وعلى تفاصيل الأمر والنّهي، والشّرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص والأمثال، والأسباب والحكم، والمبادى والغايات، في خلقه وأمره.
فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربّه بالوعد الجميل، وتحذّره وتخوّفه بوعيده من العذاب الوبيل «2» ، وتحثّه على التّضمّر «3» والتّخفّف للقاء اليوم
__________
(1) تلّ الشيء في يده- بالمثناة الفوقية-: وضعه فيها.
(2) الوبيل: الوخيم وزنا ومعنى.
(3) التّضمّر: الإسراع.(3/844)
الثّقيل، وتهديه في ظلم الاراء والمذاهب إلى سواء السّبيل. وتصدّه عن اقتحام طرق البدع والأضاليل وتبعثه على الازدياد من النّعم بشكر ربّه الجليل، وتبصّره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلّا يتعدّاها فيقع في العناء الطّويل، وتثبّت قلبه عن الزّيغ والميل عن الحقّ والتّحويل. وتسهّل عليه الأمور الصّعاب والعقبات الشّاقّة غاية التّسهيل. وتناديه كلّما فترت «1» عزماته، وونى «2» في سيره: تقدّم الرّكب وفاتك الدّليل. فاللّحاق اللّحاق، والرّحيل الرّحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدّليل وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.
وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد «3» .
الفرق بين التأمل والتفكر والتدبر:
قد يظنّ المرء للوهلة الأولى أنّ هذه الصّفات الثّلاثة مترادفة أي أنّها ذات معنى واحد، ولكن لا يلبث هذا الظنّ أن يتلاشى عند التّحقيق العلمي؛ لأنّ بينها فروقا دقيقة تحتّم أن نجعلها صفات مستقلّة، فالتّأمّل في أصل اللّغة مأخوذ من مادّة (أم ل) الّتي تدلّ على التثبّت. والانتظار، والتّفكّر مأخوذ من مادة (ف ك ر) الّتي تدلّ على تردّد القلب في الشّيء، أمّا التّدبّر فمأخوذ من مادّة (د ب ر) الّتي يقصد بها النّظر في عواقب الأمور.
ومن النّاحية الاصطلاحيّة نجد التّفكّر يشير إلى جولان الفكرة وهي القوّة المطرقة للعلم بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان كما يقول الرّاغب «4» ، ولا يقال هذا إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روي: «تفكّروا في آلاء الله ولا تفكّروا في الله» .
وقد عرّفه الجرجانيّ بأنّه تصرّف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب «5» ، ونقل عن بعضهم: أنّ الفكر مقلوب عن الفرك، لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى الحقيقة، أمّا الفرك فيكون في الأمور الحسّيّة لا المعنويّة، وهذا دليل على ما ذهب إليه فقهاء اللّغة العربيّة من دوران المادّة حول معنى (عامّ) واحد، مع اختلاف في التّفاصيل ولا يشترط في التّفكّر إدامة النّظر ولا أن يتجاوز الحاضر إلى ما يئول إليه الشّيء مستقبلا. أمّا التّأمّل فقد روعي فيه إدامة النّظر والتّثبّت إذ جاء في تعريفه أنّه «تدقيق النّظر في الكائنات بغرض الاتّعاظ والتّذكّر «6» أي إنّه قد روعي إدامة الفكر واستمراريّته ومن ثمّ فلا تكون النّظرة
__________
(1) فترت: ضعفت.
(2) ونى: أبطأ.
(3) مدارج السالكين (1/ 485- 487) .
(4) انظر المفردات للراغب (374) .
(5) التعريفات (66) .
(6) انظر التعريف الاصطلاحي للتأمل، وقد عرفه الكفوي بأنه استعمال الفكر مطلقا، انظر الكليات (2/ 60) .(3/845)
الواحدة تأمّلا وإن كان يمكن أن تكون من قبيل التّفكّر.
وإذا انتقلنا إلى التّدبّر وجدناه يعني (اصطلاحا) النّظر في عواقب الأمور وما تصير إليه الأشياء أي إنّه يتجاوز الحاضر إلى المستقبل لأنّ التّدبّر يعني التّفكير في دبر الأمور ومن ثمّ عرّفه الجرجاني بأنّه عبارة عن النّظر في عواقب الأمور «1» ، وكلّ من التّدبّر والتّفكّر من عمل القلب وحده إلّا أنّ التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّليل والتّدبّر تصرّفه بالنّظر في العواقب، وكلاهما لا يشترط فيه الدّيمومة أو الاستمرار بخلاف التّأمّل، وهناك فرق جوهريّ آخر بين التّأمّل وكلّ من التّفكّر والتّدبّر يتمثّل في أنّ التّأمّل قد يحدث بالبصر وحده أو بالبصر يعقبه التّفكّر، أمّا التّفكّر والتّدبّر فبالبصيرة وحدها إذ هما من أعمال القلب (أو العقل) .
والخلاصة أنّ التّأمّل قد يكون بالبصر مع استمرار وتأنّ يؤدّي إلى استخلاص العبرة، وأنّ التّفكّر جولان الفكر في الأمر الّذي تكون له صورة عقليّة عن طريق الدّليل. أمّا التّدبّر؛ فإنّه يعني النّظر العقليّ إلى عواقب الأمور.
وهكذا رأينا أنّ هذه المعاني الثّلاثة وإن كانت متقاربة إلّا أنّها ليست واحدة وإذا ذكر بعض أهل العلم أنّها مترادفة فإنّما يقصد فقط التّرادف الجزئيّ الّذي قد يوجد في بعض الأحيان دون بعضها الاخر.
التأمل في القرآن الكريم:
لم يرد لفظ التّأمّل في القرآن الكريم صراحة ولكن أشارت إليه عديد من الايات الّتي تأمر بالنّظر في خلق الله والتّثبّت في رؤية عجائب الكون وآثار السّابقين، وقد نعت آيات كثيرة على المشركين عدم تأمّلهم فيما تشاهده أعينهم ويقع تحت أيديهم من عجائب صنع الله، وقد اقترنت آيات كثيرة بالأفعال «يروا، ينظروا» بصيغة المضارع الّتي تدلّ على الاستمرار وإدامة الرّؤية أو النّظر. مثال ذلك قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت/ 19، 20) .
إنّ التّأمّل الّذي دعا إليه القرآن الكريم ونعى على الكفّار والمشركين عدم تنبّههم له وغفلتهم عنه ممّا جعلهم في غيّهم يعمهون، يتعلّق بأشياء كثيرة منها:
التّأمّل في عجائب صنع الله- عزّ وجلّ- ومنها التّأمّل في خلق الإنسان، ومنها التّأمّل في إحياء الله الأرض بعد موتها، ومنها التّأمّل في آثار الأمم السّابقة، وقد كان تأمّل ذلك حريّا بأن يردّهم إلى الصّواب ويحملهم على التّصديق بالوحدانيّة والإيمان بالبعث، ولكن أنّى لهم ذلك، وقد صاروا كالبهائم الّتي لا عقل لها فلا تستنبط شيئا ممّا تراه الأعين، ولو كانوا يعقلون لما فاتهم استخلاص العبر والوصول إلى
__________
(1) التعريفات (56) .(3/846)
النّتائج، قال تعالى:.. أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (يوسف/ 109) . وسوف نذكر فيما يلي الايات الكريمة الّتي تحضّ على التّأمّل وفقا للسّياقات الّتي وردت فيها «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التدبر- التفكر- التذكر- الوعظ- التبين (التثبت) - تذكر الموت- التذكير- النظر والتبصر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- البلادة والغباء- العجلة- الغفلة- طول الأمل- الجهل] .
__________
(1) لم تذكر كتب الوجوه والنظائر وجوها للفظ التأمل لأنه لم يرد بنصه في القرآن الكريم، وقد صنفنا الايات الواردة بالمعنى وفقا للأشياء المتأملة كخلق السماوات والأرض وأحوال السابقين ونحو ذلك مما تراه مفصلا في ص 848 وما بعدها.(3/847)
الآيات الواردة في «التأمل» معنى
التأمل في خلق السماوات والأرض:
1- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) «1»
2- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) «2»
3- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101) «3»
4- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99) «4»
5- أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) «5»
6- أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) «6»
7- خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11) «7»
8- أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) «8»
9- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) «9»
__________
(1) البقرة: 164 مدنية
(2) آل عمران: 190 مدنية
(3) يونس: 101 مكية
(4) الإسراء: 99 مكية
(5) الأنبياء: 30 مكية
(6) النمل: 60 مكية
(7) لقمان: 10- 11 مكية
(8) لقمان: 20 مكية
(9) الأحقاف: 33 مكية(3/848)
التأمل فيما تنبت الأرض:
10- وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) «1»
11- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) «2»
12- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62)
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) «3»
13- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) «4»
التأمل في أحوال الأمم السابقة:
14- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) «5»
15- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) «6»
16- وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) «7»
17- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) «8»
18- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) «9»
__________
(1) البقرة: 164 مدنية
(2) آل عمران: 190 مدنية
(3) يونس: 101 مكية
(4) الإسراء: 99 مكية
(5) الأنبياء: 30 مكية
(6) النمل: 60 مكية
(7) لقمان: 10- 11 مكية
(8) طه: 128 مكية
(9) الروم: 9 مكية(3/849)
19- أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) «1»
20- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) «2»
21- أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (21) «3»
22- أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) «4»
التأمل في خلق الإنسان:
23- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) «5»
24- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) «6»
25- أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) «7»
التأمل في أحوال الطير:
26- أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) «8»
__________
(1) السجدة: 26 مكية
(2) فاطر: 44 مكية
(3) غافر: 21 مكية
(4) غافر: 82 مكية
(5) الحج: 5 مدنية
(6) العنكبوت: 19- 20 مكية
(7) يس: 77 مكية
(8) الملك: 19 مكية(3/850)
التأمل في نعم الله وعجائب مخلوقاته:
27- أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) «1»
28- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) «2»
29- أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) «3»
30- أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) «4»
31- إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)
وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) «5»
32- بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) «6»
33- أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59)
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62)
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63)
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
__________
(1) العنكبوت: 67 مكية
(2) لقمان: 29 مكية
(3) لقمان: 31 مكية
(4) سبأ: 9 مكية
(5) الجاثية: 3- 5 مكية
(6) ق: 5- 11 مكية(3/851)
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) «1»
34- أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)
فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) «2»
__________
(1) الواقعة: 58- 74 مكية
(2) الغاشية: 17- 21 مكية(3/852)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التأمل)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال:
بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الاخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) » ، ثمّ قام فتوضّأ واستنّ «1» فصلّى إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «2» .
2-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى. فقلت: يصلّي بها في ركعة. فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ ... الحديث) * «3» .
3-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت:
كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى فجئه الحقّ «4» وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» .
قال: فأخذني فغطّني «5» حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني «6» . فقال: اقرأ. قال: «قلت ما أنا بقارئ» .
قال: فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني.
فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (العلق/ 1- 5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «7» حتّى دخل على خديجة. فقال: «زمّلوني، زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «8» . ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة مالي؟» ، وأخبرها الخبر. قال: «لقد خشيت على نفسي» . قالت له خديجة: كلّا. أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا. والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة
__________
(1) استن: الاستنان استعمال السواك؛ لأن من استعمله يمرّه على أسنانه. البخاري.
(2) البخاري- الفتح 8 (4569) واللفظ له، ومسلم (763) .
(3) مسلم (772) .
(4) فجئه الحق: أي جاءه الوحي بغتة.
(5) غطّنى: عصرني.
(6) أرسلني: تركني أو أطلقني.
(7) بوادره: أطرافه.
(8) الروع: هو الفزع.(3/853)
أخي أبيها، وكان امرأ تنصرّ في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ، اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «1» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم يا ليتني فيها جذعا «2» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «3» .
من الاثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التأمل)
1-* (كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمرّ به مولاه فيقول: يا لقمان، إنّك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع النّاس كان آنس لك. فيقول لقمان: «إنّ طول الوحدة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنّة» ) * «4» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الاية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) ، قال: بلى يا ربّ، بلى يا ربّ) * «5» .
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة بلا قلب» ) * «6» .
4-* (عن عبد الله بن عتبة قال: سألت أمّ الدّرداء، ما كان أفضل عبادة أبي الدّرداء، قالت:
«التّفكّر والاعتبار» ) * «7» .
5-* (بينا أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنّع «8» بكسائه فجعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟. قال:
«تأمّلت في ذهاب عمري وقلّة عملي واقتراب أجلي» ) * «9» .
6-* (عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقولون: إنّ ضياء الإيمان أو نور الإيمان التّفكّر) * «10» .
7-* (كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز
__________
(1) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. والجاسوس صاحب سر الشر يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(2) جذعا: شابّا قويّا حتى أبالغ في نصرك، ونصب على الحال وخبر ليت قوله «فيها» .
(3) البخاري- الفتح 1 (3) ، ومسلم (160) واللفظ له.
(4) الإحياء للغزالي (4/ 424- 425) .
(5) الدر المنثور للسيوطي (8/ 59) .
(6) الإحياء للغزالي (4/ 425) .
(7) الزهد لوكيع بن الجراح (ص 474) .
(8) تقنّع: غطى رأسه ووجهه أو بعضه.
(9) الإحياء للغزالي (4/ 425) .
(10) الدر المنثور (2/ 409) .(3/854)
- رحمه الله-: اعلم أنّ التّفكّر يدعو إلى الخير والعمل به، والنّدم على الشّرّ، يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى- وإن كان كثيرا- يعدل ما يبقى، وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المئونة المنقطعة الّتي تعقب الرّاحة الطّويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية) * «1» .
8-* (عن الحسن- رحمه الله- قال: تفكّر ساعة خير من قيام ليلة) * «2» .
9-* (قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-:
«التّأمّل في نعم الله- عزّ وجلّ- من أفضل العبادة» ) * «3» .
10-* (قال سفيان بن عيينة- رحمه الله-:
إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كلّ شيء له عبرة) *
«4» .
11-* (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال:
«لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح ب «إذا زلزلت والقارعة» لا أزيد عليهما وأتردّد فيهما وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ «5» ليلتي هذّا- أو قال-: أنثره نثرا) » * «6» .
12-* (قال أبو نواس:
تأمّل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين «7» شاخصات ... بأحداق هي الذّهب السّبيك
على قضب الزّبرجد شاهدات ... بأنّ الله ليس له شريك) *
«8»
13-* (قال الفضيل: «إنّما نزل القرآن ليعمل به فاتّخذ النّاس قراءته عملا. قال: قيل: كيف العمل به؟. قال: أي ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهية، ويقفوا عند عجائبه» ) * «9» .
14-* (قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: «إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة» ) * «10» .
15-* (قال بشر بن الحارث الحافي: «لو تفكّر النّاس في عظمة الله ما عصوا الله عزّ وجلّ» ) * «11» .
16-* (قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تذكّركم الاخرة، وشاهدوا الموقف بقلوبكم. وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو إلى النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار، ومقامعها وأطباقها. وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» ) * «12» .
__________
(1) إحياء علوم الدين (4/ 424) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (4/ 425) .
(4) المرجع السابق (4/ 424) .
(5) أهذّ: أي أقرأه بسرعة.
(6) كتاب الزهد لابن المبارك 97) .
(7) لجين: الفضة الذائبة.
(8) تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات (300) .
(9) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (76) .
(10) تفسير ابن كثير (1/ 438) .
(11) الإحياء للغزالي (4/ 425) .
(12) تفسير ابن كثير (1/ 438) .(3/855)
17-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله، ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره) * «1» .
18-* (وقال رحمه الله: «اعلم أنّ كلّ ما في الوجود ممّا سوى الله تعالى فهو فعل الله وخلقه، وكلّ ذرّة من الذّرّات، فيها عجائب وغرائب تظهر بها حكمة الله وقدرته وجلاله وعظمته، وإحصاء ذلك غير ممكن؛ لأنّه لو كان البحر مدادا لذلك لنفد البحر قبل أن ينفد عشر عشيره، ولكنّا نشير إلى جمل منه ليكون ذلك كالمثال لما عداه.
فنقول: الموجودات المخلوقة منقسمة إلى (ما لا يعرف أصلها) فلا يمكننا التّفكّر فيها وكم من الموجودات الّتي لا نعلمها كما قال الله تعالى:
وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (النحل/ 8) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (يس/ 36) وقال:
وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
(الواقعة/ 61) وإلى ما يعرف أصلها وجملتها، ولا يعرف تفصيلها) فيمكننا أن نتفكّر في تفصيلها، وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحسّ البصر، وإلى ما لا ندركه بالبصر أمّا الّذي لا ندركه بالبصر، فكالملائكة والجنّ والشّياطين والعرش والكرسيّ وغير ذلك، ومجال الفكر في هذه الأشياء ممّا يضيق ويغمض. فلنعدل إلى الأقرب إلى الأفهام وهي المدركات بحسّ البصر: وذلك هو السّماوات السّبع والأرض وما بينهما، فالسّماوات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها وحركتها ودورانها وطلوعها وغروبها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها، وما بين السّماء والأرض وهو الجوّ مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشهبها وعواصف رياحها.
فهذه هي الأجناس المشاهدة من السّماوات والأرض وما بينهما، وكلّ جنس منها ينقسم إلى أنواع، وكلّ نوع ينقسم إلى أقسام، ويتشعّب كلّ قسم إلى أصناف. ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامه في اختلاف صفاته وهياته ومعانيه الظّاهرة والباطنة. وجميع ذلك مجال التّأمّل فلا تتحرّك ذرّة في السّموات والأرض من جماد ولا نبات ولا حيوان ولا فلك ولا كوكب إلّا والله تعالى هو محرّكها وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف حكمة، كلّ ذلك شاهد لله تعالى بالوحدانيّة ودالّ على جلاله وكبريائه، وهي الايات الدّالّة عليه.
وقد ورد في القرآن الحثّ على التّفكّر في هذه الايات كما قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي
__________
(1) الإحياء للغزالي (4/ 423) .(3/856)
الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) ، وكما قال تعالى: في آياته من أوّل القرآن إلى آخره. فلنذكر كيفيّة الفكر في بعض الايات: (وما أكثر الايات وما أعظمها) .
فمن آياته: الإنسان المخلوق من النّطفة- وأقرب شيء إلى نفسك- وفيك من العجائب الدّالّة على عظمة الله تعالى ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشيره وأنت غافل عنه. فيا من هو غافل عن نفسه وجاهل بها، كيف تطمع في معرفة غيرك؟ وقد أمرك الله تعالى بالتّدبّر في نفسك في كتابه العزيز فقال:
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (الذاريات/ 21) وذكر أنّك مخلوق من نطفة قذرة فقال: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (عبس/ 17- 22) وقال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (الروم/ 20) ، وقال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى القيامة/ 37- 38) وقال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ* إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (المرسلات/ 20- 22) وقال: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (يس/ 77) ، وقال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ (الإنسان/ 2) ثمّ ذكر: كيف جعل النّطفة علقة، والعلقة مضغة، والمضغة عظاما، فقال تعالى:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً (المؤمنون/ 12- 14) الاية.
فتكرير ذكر النّطفة في الكتاب العزيز ليس ليسمع لفظه ويترك التّفكّر في معناه، فانظر الان إلى النّطفة وهي قطرة من الماء قذرة لو تركت ساعة ليضربها الهواء فسدت وأنتنت- كيف أخرجها ربّ الأرباب من الصّلب والتّرائب، وكيف جمع بين الذّكر والأنثى وألقى الألفة والمحبّة في قلوبهم، وكيف قادهم بسلسلة المحبّة والشّهوة إلى الاجتماع، وكيف استخرج النّطفة من الرّجل بحركة الوقاع، وكيف استجلب دم الحيض من أعماق العروق وجمعه في الرّحم؟.
ثمّ كيف خلق المولود من النّطفة وسقاه بماء الحيض وغذّاه حتّى نما وربا وكبر، وكيف جعل النّطفة وهي بيضاء مشرقة علقة حمراء، ثمّ كيف جعلها مضغة، ثمّ كيف قسّم أجزاء النّطفة وهي متساوية متشابهة إلى العظام والأعصاب والعروق والأوتار واللّحم؟ ثمّ كيف ركّب من اللّحوم والأعصاب والعروق الأعضاء الظّاهرة، فدوّر الرّأس وشقّ السّمع والبصر والأنف والفم وسائر المنافذ، ثمّ مدّ اليد والرّجل، وقسّم رءوسها بالأصابع وقسّم الأصابع بالأنامل؟ ثمّ كيف ركّب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطّحال والرّئة والرّحم والمثانة والأمعاء كلّ واحد على شكل مخصوص ومقدار مخصوص لعمل مخصوص، ثمّ كيف قسّم كلّ عضو من هذه الأعضاء بأقسام أخر، فركّب العين من سبع طبقات، لكلّ طبقة وصف مخصوص وهيئة(3/857)
مخصوصة لو فقدت طبقة منها أو زالت صفة من صفاتها تعطّلت العين عن الإبصار، فلو ذهبنا إلى نصف ما في آحاد هذه الأعضاء من العجائب والايات لانقضى فيها الأعمار.
فانظر الان إلى العظام، وهي أجسام صلبة قويّة كيف خلقها من نطفة سخيفة رقيقة، ثمّ جعلها قواما للبدن وعمادا له، ثمّ قدّرها بمقادير مختلفة وأشكال مختلفة فمنه صغير وكبير وطويل ومستدير ومجوّف ومصمت وعريض ودقيق. ولمّا كان الإنسان محتاجا إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه، مفتقرا للتّردّد في حاجاته، لم يجعل عظمه عظما واحدا بل عظاما كثيرة بينها مفاصل حتّى تتيسّر بها الحركة، وقدّر شكل كلّ واحدة منها على وفق الحركة المطلوبة منها، ثمّ وصل مفاصلها وربط بعضها ببعض بأوتار أنبتها من أحد طرفي العظم وألصقه بالعظم الاخر كرباط له، ثمّ خلق في أحد طرفي العظم زوائد خارجة منه وفي الاخر حفرا غائصة فيه موافقة لشكل الزّوائد لتدخل فيها وتطبق عليها، فصار العبد إن أراد تحريك جزء من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذّر عليه ذلك.
ثمّ انظر كيف خلق عظام الرّأس وكيف جمعها وركّبها، وقد ركّبها من خمسة وخمسين عظما مختلفة الأشكال والصّور فألّف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرّأس. كما تراه. فمنها ستّة تخصّ القحف، وأربعة عشر للّحي الأعلى، واثنان للّحي الأسفل، والبقيّة هي الأسنان بعضها عريضة تصلح للطّحن وبعضها حادّة تصلح للقطع، وهي الأنياب والأضراس والثّنايا، ثمّ جعل الرّقبة مركبا للرّأس وركّبها من سبع خرزات مجوّفات مستديرات فيها تحريفات وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها على بعض- ويطول ذكر وجه الحكمة فيها.
ثمّ ركّب الرّقبة على الظّهر، وركّب الظّهر من أسفل الرّقبة إلى منتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة، وركّب عظم العجز من ثلاثة أجزاء مختلفة، فيتّصل به من أسفله عظم العصعص وهو أيضا مؤلّف من ثلاثة أجزاء.
ثمّ وصل عظام الظّهر بعظام الصّدر وعظام الكتف وعظام اليدين وعظام العانة وعظام العجز وعظام الفخذين والسّاقين وأصابع الرّجلين، فلا نطوّل بذكر عدد ذلك. ومجموع عدد العظام في بدن الإنسان مئتا عظم وثمانية وأربعون عظما، سوى العظام الصّغيرة الّتي حشا بها خلل المفاصل، فانظر كيف خلق جميع ذلك من نطفة سخيفة رقيقة.
وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها؛ فإنّ هذا علم قريب يعرفه الأطبّاء والمشرّحون، إنّما الغرض أن ينظر منها في مدبّرها وخالقها أنّه كيف قدّرها ودبّرها، وخالف بين أشكالها وأقدارها، وخصّصها بهذا العدد المخصوص لأنّه لو زاد عليها واحدا لكان وبالا على الإنسان يحتاج إلى قلعه، ولو نقص منها واحدا لكان نقصانا يحتاج إلى جبره، فالطّبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج في جبرها وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلّوا بها على جلالة خالقها، ومصوّرها، فشتّان بين النّظرين.(3/858)
ثمّ انظر كيف خلق الله تعالى آلات لتحريك العظام وهي العضلات. فخلق في بدن الإنسان تسعا وعشرين وخمس مائة عضلة- والعضلة مركّبة من لحم وعصب ورباط وأغشية- وهي مختلفة المقادير والأشكال بحسب اختلاف مواضعها وقدر حاجاتها، فأربع وعشرون عضلة منها هي لتحريك حدقة العين وأجفانها، لو نقصت واحدة من جملتها اختلّ أمر العين. وهكذا لكلّ عضو عضلات بعدد مخصوص وقدر مخصوص. وكلّ ذلك صنع الله في قطرة ماء قذرة، فترى من هذا صنعه في قطرة ماء فما صنعه في ملكوت السّماوات وكواكبها. وما حكمته في أوضاعها وأشكالها ومقاديرها وأعدادها واجتماع بعضها وتفرّق بعضها واختلاف صورها وتفاوت مشارقها ومغاربها؟
فلا تظنّنّ أنّ ذرّة من ملكوت السّماوات تنفكّ عن حكمة، وحكم، بل هي أحكم خلقا وأتقن صنعا، وأجمع للعجائب من بدن الإنسان؛ بل لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السّماوات ولذلك قال تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها* وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (النازعات/ 27- 29) .
فارجع الان إلى النّطفة وتأمّل حالها أوّلا وما صارت إليه ثانيا، وتأمّل أن لو اجتمع الجنّ والإنس على أن يخلقوا للنّطفة سمعا أو بصرا أو عقلا أو قدرة أو علما أو روحا أو يخلقوا فيها عظما أو عرقا أو عصبا أو جلدا أو شعرا هل يقدرون على ذلك؟.
أنت ترى النّطفة القذرة كانت معدومة فخلقها خالقها في الأصلاب والتّرائب، ثمّ أخرجها منها وشكّلها فأحسن تشكيلها وقدّرها فأحسن تقديرها وتصويرها. وقسّم أجزاءها المتشابهة إلى أجزاء مختلفة فأحكم العظام في أرجائها، وحسّن أشكال أعضائها وزيّن ظاهرها وباطنها ورتّب عروقها وأعصابها وجعلها مجرى لغذائها ليكون ذلك سبب بقائها، وجعلها سميعة بصيرة عالمة ناطقة. وخلق لها الظّهر أساسا لبدنها والبطن حاويا لآلات غذائها والرّأس جامعا لحواسّها، ففتح العينين ورتّب طبقاتها وأحسن شكلها ولونها وهيئاتها، ثمّ حماها بالأجفان لتسترها وتحفظها وتصقلها وتدفع الأقذاء عنها، ثمّ أظهر في مقدار عدسة منها صورة السّماوات مع اتّساع أكنافها وتباعد أقطارها، فهو ينظر إليها. ثمّ شقّ أذنيه وأودعهما ماء مرّا ليحفظ سمعها ويدفع الهوامّ عنها وحوّطها بصدفة الأذن لتجمع الصّوت فتردّه إلى صماخها ولتحسّ بدبيب الهوامّ إليها، وجعل فيها تحريفات واعوجاجات لتكثر حركة ما يدبّ فيها شكله، وفتح منخريه وأودع فيها حاسّة الشّمّ ليستدلّ باستنشاق الرّوايح على مطاعمه وأغذيته، وليستنشق بمنفذ المنخرين روح الهواء غذاء لقلبه وترويحا لحرارة باطنه، وفتح الفم وأودعه اللّسان ناطقا وترجمانا ومعربا عمّا في القلب وزيّن الفم بالأسنان لتكون آلة الطّحن والكسر والقطع فأحكم أصولها وحدّد رءوسها وبيّض لونها ورتّب صفوفها متساوية الرّءوس متناسقة التّرتيب كأنّها الدّر المنظوم، وخلق الشّفتين وحسّن لونها وشكلها لتنطبق على الفم فتسدّ منفذه(3/859)
وليتمّ بها حروف الكلام، وخلق الحنجرة وهيّأها لخروج الصّوت، وخلق للّسان قدرة للحركات والتّقطيعات لتقطيع الصّوت في مخارج مختلفة تختلف بها الحروف وليتّسع بها طريق النّطق بكثرتها. ثمّ خلق الحناجر مختلفة الأشكال في الضّيق والسّعة والخشونه والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطّول والقصر، حتّى اختلفت بسببها الأصوات، فلا يتشابه صوتان؛ بل يظهر بين كلّ صوتين فرق حتّى يميّز السّامع بعض النّاس عن بعض بمجرّد الصّوت في الظّلمة.
ثمّ زيّن الرّأس بالشّعر والأصداغ، وزيّن الوجه باللّحية والحاجبين، وزيّن الحاجب برقّة الشّعر واستقواس الشّكل، وزيّن العينين بالأهداب.
ثمّ خلق الأعضاء الباطنة وسخّر كلّ واحد لفعل مخصوص.
وإذا عرفت طريق الفكر في نفسك فتفكّر في الأرض الّتي هي مقرّك، ثمّ أنهارها وجبالها، ومعادنها، ثمّ ارتفع منها إلى ملكوت السّماوات، والأرض فمن آياته أن خلق الأرض فراشا ومهادا وسلك فيها سبلا فجاجا وجعلها ذلولا لتمشوا في مناكبها، وجعلها قارّة لا تتحرّك، وأرسى فيها الجبال أوتادا لها تمنعها من أن تميد. ثمّ وسّع أكنافها حتى عجز الادميّون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت أعمارهم وكثر تطوافهم، فقال تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ* وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (الذاريات/ 47- 48) وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها (الملك/ 15) وقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (البقرة/ 22) وقد أكثر في كتابه العزيز من ذكر الأرض ليتفكّر في عجائبها فظهرها مقرّ للأحياء وبطنها مرقد للأموات، قال الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَأَمْواتاً (المرسلات/ 25- 26) .
ومن آياته الجواهر المودعة تحت الجبال، والمعادن الحاصلة من الأرض: ففي الأرض قطع متجاورات مختلفة، فانظر إلى الجبال كيف يخرج منها الجواهر النّفيسة من الذّهب والفضّة والفيروز واللّعل وغيرها.
ومن آياته أصناف الحيوانات وانقسامها إلى ما يطير وإلى ما يمشي، وانقسام ما يمشي إلى ما يمشي على رجلين، وإلى ما يمشي على أربع، وعلى عشر، وعلى مئة، كما يشاهد في بعض الحشرات، ثمّ انقسامها في المنافع والصّور والأشكال والأخلاق والطّباع.
ومن آياته البحار العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، الّتي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، حتّى إنّ جميع المكشوف من البوادي والجبال والأرض بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وبقيّة الأرض مستورة بالماء.
وقد شاهدت عجائب الأرض وما فيها فتأمّل الان عجائب البحر، فإنّ عجائب ما فيه من الحيوان والجواهر أضعاف عجائب ما تشاهده على وجه الأرض.
ومن آياته الهواء اللّطيف المحبوس بين مقعّر(3/860)
السّماء ومحدّب الأرض يدرك بحسّ اللّمس عند هبوب الرّياح جسمه، ولا يرى بالعين شخصه، وجملته مثل البحر الواحد والطّيور محلّقة في جوّ السّماء ومستبقة سبّاحة فيه بأجنحتها كما تسبح حيوانات البحر في الماء، وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هبوب الرّياح كما تضطرب أمواج البحر، فإذا حرّك الله الهواء وجعله ريحا هابّة، فإن شاء جعله نشرا بين يدي رحمته كما قال سبحانه وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ (الحجر/ 22) فيصل بحركته روح الهواء إلى الحيوانات والنّباتات فتستعدّ للنّماء، وإن شاء جعله عذابا على العصاة من خليقته كما قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر/ 19- 20) .
ثمّ انظر إلى عجائب الجوّ وما يظهر فيه من الغيوم والرّعود والبروق والأمطار والثّلوج والشّهب والصّواعق، فهي عجائب ما بين السّماء والأرض، وقد أشار القرآن إلى جملة ذلك في قوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (الدخان/ 38) .
ومن آياته ملكوت السّماوات والأرض، وما فيها من الكواكب، وهو الأمر كلّه، ومن أدرك الكلّ وفاته عجائب السّماوات فقد فاته الكلّ تحقيقا.
فالأرض والبحار والهواء وكلّ جسم سوى السّماوات بالإضافة إلى السّماوات قطرة في بحر وأصغر. ثمّ انظر كيف عظّم الله أمر السّماوات والنّجوم في كتابه، فما من سورة إلّا وتشتمل على تفخيمهما في مواضع، وكم من قسم في القرآن بها كقوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (البروج/ 1) ، وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (الطارق/ 1) ، وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (الذاريات/ 7) ، وَالسَّماءِ وَما بَناها (الشمس/ 5) ، وكقوله:
وَالشَّمْسِ وَضُحاها* وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، (الشمس/ 1- 2) وكقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوارِ الْكُنَّسِ (التكوير/ 15- 16) ، وقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، النجم/ 1) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة/ 75- 76) وقد علمت أنّ عجائب النّطفة القذرة عجز عن معرفتها الأوّلون والاخرون، وما أقسم الله بها- فما ظنّك بما أقسم الله تعالى به وأحال الأرزاق عليه وأضافها إليه فقال تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (الذاريات/ 22) وأثنى على المفكّرين فيه فقال: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (آل عمران/ 191) . وذمّ المعرضين عنها فقال: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (الأنبياء/ 32) فأيّه نسبة لجميع البحار والأرض إلى السّماء وهي متغيّرات على القرب، والسّماوات صلاب شداد محفوظات عن التّغيّر إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولذلك سمّاه الله تعالى محفوظا فقال: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً (الأنبياء/ 32) ، وقال سبحانه:
وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (النبأ/ 12) وقال:
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (النازعات/ 27- 28) ، فانظر إلى(3/861)
الملكوت لترى عجائب العزّ والجبروت.
فتأمّل أيّها العاقل في الملكوت فعسى أن تفتح لك أبواب السّماء فتجول بقلبك في أقطارها إلى أن يقوم قلبك بين يدي عرش الرّحمن، وأدنى شيء إليك نفسك ثمّ الأرض الّتي هي مقرّك، ثمّ الهواء المكتنف لك، ثمّ النّبات والحيوان وما على وجه الأرض، ثمّ عجائب الجوّ وهو ما بين السّماء والأرض، ثمّ السّماوات السّبع بكواكبها، ثمّ الكرسيّ، ثمّ العرش، ثمّ الملائكة الّذين هم حملة العرش وخزّان السّماوات.
فارفع الان رأسك إلى السّماء وانظر فيها: في كواكبها وفي دورانها وطلوعها وغروبها وشمسها وقمرها واختلاف مشارقها ومغاربها ودءوبها في الحركة على الدّوام- من غير فتور في حركتها ومن غير تغّير في سيرها؛ بل تجري جميعا في منازل مرتّبة بحساب مقدّر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها الله تعالى طيّ السّجلّ للكتاب- وتدبّر عدد كواكبها وكثرتها واختلاف ألوانها، فبعضها يميل إلى الحمرة وبعضها إلى البياض وبعضها إلى اللّون الرّصاصيّ. ثمّ انظر كيفيّة أشكالها، فبعضها على صورة العقرب وبعضها على صورة الحمل والثّور والأسد والإنسان، وما من صورة في الأرض إلّا ولها مثال في السّماء. ثمّ انظر إلى مسير الشّمس في فلكها في مدّة سنة، ثمّ هي تطلع في كلّ يوم وتغرب، بسير آخر سخّرها له خالقها، ولولا طلوعها وغروبها لما اختلف اللّيل والنّهار ولم تعرف المواقيت، ولأطبق الظّلام على الدّوام، أو الضّياء على الدّوام، فكان لا يتميّز وقت المعاش عن وقت الاستراحة، فانظر كيف جعل الله تعالى اللّيل لباسا والنّوم سباتا والنّهار معاشا، وانظر إلى إيلاجه اللّيل في النّهار، والنّهار في اللّيل، وإدخاله الزّيادة والنّقصان عليهما على ترتيب مخصوص. وانظر إلى إمالته مسير الشّمس عن وسط السّماء حتّى اختلف بسببه الصّيف والشّتاء والرّبيع والخريف، فإذا انخفضت الشّمس من وسط السّماء في مسيرها برد الهواء وظهر الشّتاء، وإذا استوت في وسط السّماء اشتدّ القيظ «1» ، وإذا كانت فيما بينهما اعتدل الزّمان، وعجائب السّماوات لا مطمع في إحصاء عشر عشير جزء من أجزائها، وإنّما هذا تنبيه على طريق الفكر) * «2» .
19-* (قال ابن القيّم- رحمه الله-: أصل الخير والشّرّ من قبل التّفكّر، فإنّ الفكر مبدأ الإرادة والطّلب في الزّهد والتّرك والحبّ والبغض، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هي أجلّ الأفكار، ويليها أربعة: فكر في مصالح الدّنيا وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدّنيا وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثّمانية دارت أفكار العقلاء. ورأس القسم الأوّل
__________
(1) القيظ: شدة الحر.
(2) إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 434- 446) .(3/862)
الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنّة نبيّه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبّة والمعرفة، فإذا فكّر في الاخرة وشرفها ودوامها، وفي الدّنيا وخسّتها وفنائها أثمر له ذلك الرّغبة في الاخرة والزّهد في الدّنيا.
وكلّما فكّر في قصر الأمل وضيق الوقت أورث ذلك الجدّ والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت. وهذه الأفكار تعلي همّته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والنّاس في واد، وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرّديئة الّتي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق، كالفكر فيما لم يكلّف الفكر فيه، ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الّذي لا ينفع، كالفكر في كيفيّة ذات الرّبّ ممّا لا سبيل للعقول إلى إدراكه) * «1» .
20-* (قال الشّاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النّعم
وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم
وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم) *
«2» .
21-* (قيل لإبراهيم بن أدهم: إنّك تطيل الفكرة، فقال: «الفكرة مخّ العقل» ) * «3» .
من فوائد (التأمل)
(1) التّأمّل نافع للعبد في معاشه ومعاده، حيث يعرف به العبد معالم الخير والشّرّ.
(2) التّأمّل خير معين على التّقوى والموعظة.
(3) التّأمّل قيمة عقليّة كبرى تجعل صاحبها في مأمن من تقلّب الأيّام وصروف الزّمان.
(4) التّأمّل يؤدّي بالمسلم أن يكون إيمانه عن اقتناع ويخرجه من دائرة العامّة إلى الخاصّة.
(5) التّأمّل دليل البصر.
(6) التّأمّل رأس رجاحة العقل.
__________
(1) الفوائد (255) .
(2) الجواب الكافي لابن القيم (ص 86) .
(3) الإحياء للغزالي (4/ 424) .(3/863)
التأني
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 6/ 10/ 9/
التأني لغة:
لفظ التّأنّي مصدر تأنّى ومعناه ترفقّ وانتظر وهو مأخوذ من مادّة (همزة/ نون/ الحرف المعتل) الّتي تدلّ بحسب أصل اللّغة على أربعة معان:
الأوّل: البطء وما أشبهه من الحلم وغيره.
الثّاني: ساعة من الزّمان.
الثّالث: إدراك الشّيء.
الرّابع: ظرف من الظّروف.
والتّأنّي هنا مأخوذ من المعنى الأوّل، يقول الخليل: الأناة: الحلم، والفعل منه أنى وتأنّى واستأنى، وأنشد بيت الكميت:
قف بالدّيار وقوف زائر ... وتأنّ إنّك غير صاغر
ويروى وتأيّ، ويقال للتّمكّث في الأمور التّأنّي ومنه الحديث الشّريف الّذي قيل فيمن يتخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة، رأيتك آذيت وآنيت يعني أخّرت المجيء وأبطأت، ويقال من الأناة: رجل أنيّ ذو أناة قال الشّاعر:
واحلم فذو الرّأي الأنيّ الأحلم
ويقال: تأنّى في الأمر أي ترفّق، واستأنى به أي انتظر به يقال: استؤني به حولا أي انتظر به حولا، ويقال: تأنّيتك حتّى لا أناة بي، والأناة هي الاسم على وزن قناة؛ قال النّابغة:
الرّفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا.
وأصل هذا كلّه وني يني (ونا) ونيا من بابي تعب ووعد. والأناة الحلم أبدلت الواو المفتوحة في الوناة همزة فصارت أناة.
يقول الرّاغب: يقال آنيت الشّيء إيناء أي أخّرته عن أوانه والأناة التّؤدة، وتأنّى فلان تأنّيا وأنى يأني فهو آن أي وقور واستأنيته انتظرت أوانه. والاسم من ذلك الأناء على فعال، قال الحطيئة:
وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشّعرى فطال بي الأناء
ويقال امرأة أناة أي رزينة لا تصخب ولا تفحش، وقال اللّحيانيّ: هي الّتي فيها فتور عن القيام والقعود والمشي، وقال الأزهريّ: هي الّتي فيها فتور لنعمتها، قال الشّاعر:
أناة كأنّ المسك تحت ثيابها ... وريح خزامى الطّلّ في دمث الرّمل
«1»
__________
(1) الصحاح (6/ 2273) ، لسان العرب (161) ، المصباح المنير (673) ، ومفردات الراغب (ص 39) . ومقاييس اللغة، لأحمد بن فارس (1/ 141) . وكتاب العين (8/ 400) .(3/864)
واصطلاحا:
التّأنّي عدم العجلة في طلب شيء من الأشياء والتّمهّل في تحصيله والتّرفّق فيه «1» .
التأني عند نزول القرآن:
وجملة وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (طه/ 114) ناشئة على ما تقدّم من التّنويه بالقرآن وما اشتمل عليه من تصاريف إصلاح النّاس. فلمّا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حريصا على صلاح الأمّة شديد الاهتمام بنجاتها لا جرم أنّه خطر بقلبه الشّريف عقب سماع تلك الايات رغبة أو طلبة في الإكثار من نزول القرآن وفي التّعجيل به إسراعا بعظة النّاس وصلاحهم فعلّمه الله أن يكل الأمر إليه؛ فإنّه أعلم بما يناسب حال الأمّة العامّ.
ومعنى مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي من قبل أن يتمّ وحي ما قضي وحيه إليك، أي ما نفّذ إنزاله فإنّه هو المناسب، فالمنهيّ عنه هو سؤال التّعجيل أو الرّغبة الشّديدة في النّفس الّتي تشبه الاستبطاء لا مطلق مودّة الازدياد، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شأن قصّة موسى مع الخضر- عليهما السّلام- «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ الله علينا من أمرهما أو من خبرهما» .
ويجوز أن يكون معنى العجلة بالقرآن العجلة بقراءته حال إلقاء جبريل آياته. فعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل حرصا على الحفظ وخشية من النّسيان فأنزل الله وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الاية. وهذا كما قال ابن عبّاس في قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(القيامة/ 16) كما في صحيح البخاريّ.
وعلى هذين التّأويلين يكون المراد بقضاء وحيه إتمامه وانتهاءه، أي انتهاء المقدار الّذي هو بصدد النّزول.
وعن مجاهد وقتادة أنّ معناه: لا تعجل بقراءة ما أنزل إليك لأصحابك ولا تمله عليهم حتّى تتبيّن لك معانيه. وعلى هذا التّأويل يكون قضاء الوحي تمام معانيه. وعلى كلا التّفسيرين يجري اعتبار موقع قوله:
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (طه/ 114) «2» .
فإذا ما كان التّأنّي مطلوبا من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين تنزّل القرآن عليه؛ فإنّ التّأنّي يكون مطلوبا من الإنسان في أمور حياته كلّها.
[للاستزادة: انظر صفات: التدبر- التفكر- النظر والتبصر- التأمل- التبين (التثبت) .
وفي ضد ذلك انظر صفات: العجلة- الطيش- التفريط والإفراط] .
__________
(1) لم تذكر كتب المصطلحات لفظ التأني مصطلحا وقد أخذنا هذا من جملة كلام المفسرين وخاصة التحرير والتنوير (16/ 316) .
(2) التحرير والتنوير، (ج 6/ 316- 317) .(3/865)
الآيات الواردة في «التأني» معنى
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «1»
2- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) «2»
3- فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) «3»
4- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) «4»
5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) «5»
6- لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
(16) «6»
__________
(1) النساء: 94 مدنية
(2) الأعراف: 150 مكية
(3) مريم: 84 مكية
(4) طه: 114 مكية
(5) الحجرات: 6 مدنية
(6) القيامة: 16 مكية(3/866)
الأحاديث الواردة في (التأني)
1-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ أناسا من عبد القيس قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا حيّ من ربيعة، وبيننا وبينك كفّار مضر. ولا نقدر عليك إلأ في الأشهر الحرم فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا، وندخل به الجنّة إذا نحن أخذنا به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا الخمس من الغنائم. وأنهاكم عن أربع: عن الدّبّاء، والحنتم، والمزفّت، والنّقير «1» » .
قالوا: يا نبيّ الله، ما علمك بالنّقير؟ قال: «بلى جذع تنقرونه، فتقذفون فيه من القطيعاء «2» ، (قال سعيد:
أو قال من التّمر) ثمّ تصبّون فيه من الماء، حتّى إذا سكن غليانه شربتموه حتّى إنّ أحدكم (أو أحدهم) ليضرب ابن عمّه بالسّيف وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك» . قال: وكنت أخبؤها حياء من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: «في أسقية الأدم الّتي يلاث على أفواهها» قالوا: يا رسول الله، إنّ أرضنا كثيرة الجرذان «3» ولا تبقى بها أسقية الأدم، فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم «وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان» وقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: «إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله ورسوله الحلم والأناة» ) * «4» .
2-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «التّأنّي من الله والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما شيء أحبّ إلى الله من الحمد» ) * «5» .
__________
(1) الدّبّاء: القرع واحدها دبّاءة وكانوا ينتبذون فيها فتسرع الشّدّة في الشراب. النهاية (2/ 96) . والحنتم: هي الجرة أو هي الجرار الخضر، وقيل: إنها جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم. فتح الباري (1/ 163) . أما النقير فقد ورد تفسيره في الحديث. والمزفت ما طلي بالزفت من الانية والزفت نوع من القار. النهاية (2/ 304) . يقول الإمام النووي: ومعنى النهي عن هذه الأربع فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب، وإنما خصت هذه بالنهي لأنه يسرع إليه الإسكار فيها فيصير حراما نجسا. صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 185) .
(2) القطيعاء: نوع من التمر الصغير.
(3) الجرذان جمع جرذ وهو الفأر أو نوع منه.
(4) البخاري- الفتح 1 (87) ، ومسلم (18) .
(5) الترغيب والترهيب، وقال المنذري، رواه أبو يعلى ورواته رواة الصحيح (3/ 418) ، وهو في مجمع الزوائد (8/ 19) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.(3/867)
الأحاديث الواردة في (التأني) معنى
3-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضيا، فقلت يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السّنّ ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: «إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الاخر كما سمعت من الأوّل؛ فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء» قال: فما زلت قاضيا، أو ما شككت في قضاء بعد) * «1» .
4-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل فانحطّت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم. فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعلّه يفرجها. فقال أحدهم: اللهمّ، إنّه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه نأى بي الشّجر يوما فما أتيت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصّبية قبلهما والصّبية يتضاغون عند قدميّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السّماء، ففرج الله لهم فرجة حتّى يرون «2» منها السّماء «3» ...
الحديث) * «4» .
5-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّؤدة «5» في كلّ شيء إلّا في عمل الاخرة» ) * «6» .
6-* (عن فضالة بن عبيد الأوسيّ- رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عجلت أيّها المصلّي» ثمّ علّمهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا يصلّي فمجّد الله وحمده وصلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول
__________
(1) أبو داود (3582) ، ابن ماجة (2310) وقال في الزوائد: هذا إسناد رجاله ثقات، أحمد (1/ 111) وقال أحمد شاكر في المسند: صحيح، رقم (666) ، النسائي في خصائص على (9) ، الحاكم (4/ 88) وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الألباني: صحيح، إرواء الغليل (8/ 226) رقم (2500) .
(2) حتى يرون: كذا هي في البخاري.
(3) انظر الحديث كاملا، مع شرح ما فيه من الغريب في صفة «بر الوالدين» (الصفة رقم 35) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5974) ، مسلم (2743) .
(5) والتؤدة هي التأنّي والتمهل يقال: اتّئد في أمرك (أي تمهل وتأنّ) . مختار الصحاح (ص 318) .
(6) أبو داود (4810) وقال الألباني (3/ 913) : صحيح، وذكره ابن مفلح في الاداب الشرعية (2/ 240) ، وقال: رجاله كلهم ثقات.(3/868)
الله صلّى الله عليه وسلّم: «ادع تجب وسل تعط» ) * «1» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت ربّي فلم يستجب لي» ) * «2» .
8-* (عن عبد الله بن سرجس المزنيّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «السّمت الحسن والتّؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة» ) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التأني)
9-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابيّ (ملويّ) جريء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن الهجرة، إليك أينما كنت، أو لقوم خاصّة أم إلى أرض معلومة أم إذا متّ انقطعت؟. قال: فسكت «4» عنه يسيرا ثمّ قال:
«أين السّائل؟» قال: ها هو ذا يا رسول الله. قال:
«الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصّلاة وتؤتي الزّكاة ثمّ أنت مهاجر وإن متّ بالحضر» ، ثمّ قال: (عبد الله بن عمرو) : جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب أهل الجنّة خلقا تخلق أم نسجا تنسج فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ممّ تضحكون؟ من جاهل يسأل عالما؟» ثمّ أكبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: «أين السّائل؟» قال: هو ذا أنا يا رسول الله، قال: «بل تشقّق عنها ثمار الجنّة ثلاث مرّات» ) * «5» .
10-* (عن مروان والمسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- أنّهما قالا: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «معي من ترون، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطّائفتين:
إمّا السّبيّ وإمّا المال، وقد كنت استأنيت «6» بكم، وكان أنظرهم «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضع عشرة ليلة حين قفل «8» من الطّائف فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين، قالوا: فإنّا نختار سبينا. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسلمين: فأثنى على الله بما هو أهله، ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّ إخوانكم قد جاءونا
__________
(1) النسائي (3/ 44) وذكره الألباني في الصحيحة (1/ 275) حديث (1217) ، الترمذي (6/ 347) ، وقال: حديث حسن.
(2) البخاري- الفتح 11 (6340) ، مسلم (2735) واللفظ له.
(3) الترمذى 4 (2010) وقال: حديث حسن غريب.
(4) فسكت: إنما كان سكوته صلّى الله عليه وسلّم للتأمل قبل الجواب.
(5) أحمد (2/ 224- 225) ، وقال شاكر: إسناده صحيح (12- 45- 46) .
(6) استأنيت: تأخرت.
(7) أنظرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي أمهلهم.
(8) قفل: رجع.(3/869)
تائبين، وإنّي قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم، فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل «1» . ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفأ الله علينا فليفعل. فقال النّاس قد طيّبنا ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممّن لم يأذن» فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم «2» أمركم، فرجع النّاس فكلّمهم عرفاؤهم، ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبروه أنّهم قد طيّبوا وأذنوا) * «3» .
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (التأني)
1-* (بلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس أيّتها الرّعيّة إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه «4» ) * «5» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- لرجل: حدّث النّاس كلّ جمعة مرّة، فإن أبيت فمرّتين، فإن أكثرت فثلاث مرّات ولا تملّ النّاس هذا القرآن، ولا ألفينّك «6» تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقصّ عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدّثهم وهم يشتهونه. فانظر السّجع من الدّعاء فاجتنبه، فإنّي عهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لا يفعلون إلّا ذلك الاجتناب) * «7» .
3-* (قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-: «إنّ العاجل لا يكاد يلحق، كما أنّ الرّافق لا يكاد يسبق، والسّاكت لا يكاد يندم، ومن نطق لا يكاد يسلم، وإنّ العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرّب ... » ) * «8» .
4-* (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-:
«التّأنّي في الحركات واجتناب العبث هو السّكينة المحمودة. أمّا غضّ البصر وخفض الصّوت وعدم الالتفات فهو الوقار» ) * «9» .
__________
(1) يطيّب ذلك أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض (ابن حجر- فتح الباري (7/ 629) .
(2) العرفاء: جمع عريف والعريف هو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتعرف أحوالهم.
(3) البخاري- الفتح 7 (4318) .
(4) الخرق ضدّ الرّفق والوصف منه أخرق.
(5) الإحياء (3/ 186) .
(6) لا ألفينّك معناها لا أجدنّك، وهذا النهي بحسب الظاهر للمتكلم وهو في الحقيقة للمخاطب وهو كقولك لا أرينّك ههنا.
(7) البخاري- الفتح 11 (6337) .
(8) روضة العقلاء (216) .
(9) صفوة الأخبار (92) .(3/870)
5-* (قال الشّاعر:
لا تعجلنّ فربّما ... عجل الفتى فيما يضرّه
ولربّما كره الفتى ... أمرا عواقبه تسرّه) *
«1» .
6-* (وقال آخر:
لا تعجلنّ فليس الرّزق بالعجل ... الرّزق في اللّوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرّزق يطلبنا ... لكنّه خلق الإنسان من عجل) *
«2» .
7-* (وقال آخر:
انطق مصيبا لا تكن هذرا ... عيّابة ناطقا بالفحش والرّيب
وكن رزينا طويل الصّمت ذا فكر ... فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلا من غير تروية ... وبالّذي مثله تسأل فلا تجب) *
«3» .
8-* (الرّفق يمن والأناة سعادة) * «4» .
9-* (وقال أبو العتاهية:
والصّمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه
كلّ امرئ فى نفسه ... أعلى وأشرف من قرينه) *
«5» .
من فوائد (التأني)
(1) أنّ التّأنّي وعدم العجلة يؤدّي إلى إجابة الدّعاء.
(2) الأناة والحلم من الصّفات الّتى يحبّها الله ورسوله.
(3) بالتّأنّي يتبيّن القضاء ويصلح أمر القضاة.
(4) التّأنّي يؤدّي إلى عدم وقوع العالم في كراهية الحديث عند من لا يقبلون عليه كما يؤدّي إلى عدم وقوعه في الخطأ.
(5) التّأنّي نوع من السّكينة المحمودة.
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (4/ 24) .
(2) حسن السمت في الصمت (47) .
(3) المرجع السابق/ 47.
(4) أنشده ابن بري. كما في اللسان (161) ط. دار المعارف.
(5) البيان والتبيين للجاحظ (1/ 197) .(3/871)
التبتل
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 3/ 2/ 6/
التبتل لغة:
التّبتّل مصدر تبتّل بمعنى انقطع للعبادة وأخلص فيها وهو مأخوذ من مادّة (ب ت ل) الّتي تدلّ على إبانة الشّيء من غيره، يقال بتلت الشّيء إذا أبنته، يقول ابن منظور: البتل: القطع. بتله يبتله ويبتله بتلا، وبتّله، فانبتل وتبتّل: أبانه من غيره.
البتول والبتيل والبتيلة من النّخل: الفسيلة المنقطعة عن أمّها المستغنية عنها.
وتبتّل إلى الله تعالى: انقطع وأخلص. وفي التّنزيل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (المزمل/ 8) ، جاء المصدر فيه على غير طريق الفعل، وله نظائر، ومعناه:
أخلص له إخلاصا، والتّبتّل: الانقطاع عن الدّنيا إلى الله تعالى، وكذلك التّبتيل: يقال للعابد إذا ترك كلّ شيء أو أقبل على العبادة، قد تبتّل أي قطع كلّ شيء إلّا أمر الله وطاعته.
والبتول من النّساء: المنقطعة عن الرّجال، لا أرب لها فيهم، وبها سمّيت مريم البتول. وقيل لفاطمة- رضي الله عنها-: البتول، لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمّة عفافا وفضلا ودينا وحسبا. وقيل لانقطاعها عن الدّنيا لله- عزّ وجلّ-.
وامرأة مبتّلة الخلق: أي منقطعة الخلق عن النّساء لها عليهنّ فضل «1» .
قال ابن حجر- رحمه الله-: في باب ما يكره من التبتّل المراد بالتّبتّل هنا الانقطاع عن النّكاح وما يتبعه من الملاذّ إلى العبادة، وأمّا المأمور به في قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا، فقد فسّره مجاهد فقال:
أخلص له إخلاصا، وهو تفسير معنى، وإلّا فأصل التّبتّل الانقطاع، والمعنى: انقطع إليه انقطاعا، لكن لمّا كانت حقيقة الانقطاع إلى الله، إنّما تقع بإخلاص العبادة له فسّرها بذلك، ومنه (صدقة بتلة) أي منقطعة عن الملك.
ومريم البتول لانقطاعها عن التّزويج إلى العبادة.
وقيل لفاطمة البتول إمّا لانقطاعها عن الأزواج غير عليّ أو لانقطاعها عن نظائرها في الحسن والشّرف «2» .
التبتل في الاصطلاح:
يراد بالتّبتّل في الاصطلاح أحد أمرين:
1- التّبتّل: الانقطاع إلى الله في العبادة وإخلاص النّيّة انقطاعا يختصّ به. وإلى هذا المعنى أشار المولى بقوله: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (الأنعام/ 91) .
__________
(1) مقاييس اللغة (1/ 195) ، ولسان العرب (1/ 206) .
(2) فتح الباري (9/ 20) .(3/872)
2- التّبتّل: الانقطاع عن النّكاح.
والأوّل مأمور به شرعا والثّاني منهيّ عنه «1» والبتول صفة للسّيّدة مريم أخذت من هذا المعنى الثّاني لأنّها انقطعت عن الأزواج. يقول التّهانويّ:
البتول: هي العذراء المنقطعة عن الأزواج «2» .
ومن الأوّل أخذ وصف السّيّدة فاطمة- رضي الله عنها- لأنّ المعنى كما يقول التّهانويّ أيضا:
المنقطعة إلى الله عن الدّنيا المتّصلة به في العقبى وهذا نعت فاطمة- رضي الله عنها- «3» .
درجات التبتل:
قال الهرويّ- رحمه الله-: التّبتّل على درجات:
منها: تجريد الانقطاع عن الحظوظ واللّحوظ إلى العالم، خوفا أو رجاء، أو مبالاة بحال.
قال ابن القيّم- رحمه الله-: التّبتّل يجمع أمرين: اتّصالا وانفصالا، لا يصحّ إلّا بهما.
فالانفصال: انقطاع قلبه عن حظوظ النّفس، المزاحمة لمراد الرّبّ منه، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله، خوفا منه، أو رغبة فيه، أو مبالاة به، أو فكرا فيه. بحيث يشغل قلبه عن الله.
والاتّصال: لا يصحّ إلّا بعد هذا الانفصال.
وهو اتّصال القلب بالله، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له، حبّا وخوفا ورجاء، وإنابة وتوكّلا «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- الإنابة- الخوف- التقوى- الرجاء- الطاعة- التوكل- الخشوع- الخشية- الزهد- الورع- الاحتساب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- العصيان- الفجور- القسوة- الإساءة] .
__________
(1) مفردات الراغب (36) .
(2) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 204) .
(3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، بتصرف يسير.
(4) مدارج السالكين (31) .(3/873)
الآيات الواردة في «التبتل»
1- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) «1»
الآيات الواردة في «التبتل» معنى
2- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65) «2»
3- فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) «3»
__________
(1) المزمل: 8 مكية
(2) مريم: 64- 65 مكية
(3) الشرح: 7- 8 مكية(3/874)
الأحاديث الواردة في (التبتل) المنهي عنه
1-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: «ردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عثمان بن مظعون التّبتّل، ولو أذن له لاختصينا) * «1» .
2-* (قال عبد الله- رضي الله عنه-: كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟، فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثّوب، ثمّ قرأ علينا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87)) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التبتل) المأمور به
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال: أخلص له إخلاصا» ) * «3» .
2-* (عن مجاهد- رضي الله عنه- في قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (المزمل/ 8) قال: أخلص إليه المسألة والدّعاء» ) * 4.
3-* (عن قتادة- رضي الله عنه- في قوله تعالى:
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال أخلص له العبادة والدّعوة» ) * 5.
4-* (عن ابن وهب- رضي الله عنه- في قوله تعالى وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال تفرّغ لعبادته.
فحبّذا التبتّل إلى الله وقرأ قول الله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال: إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة الله وإلى ربّك فارغب» ) * 6.
من أقوال المفسرين:
5-* (يقول العلّامة النّيسابوريّ: «فصّل المولى أشرف الأعمال عند قيام اللّيل في شيئين: ذكر اسم الرّبّ، والتّبتّل إليه وهو الانقطاع إلى الله بالكلّيّة، والأوّل مقام السّالك، والثّاني مقام المشاهد فالأوّل كالأثر والثّاني كالعين» ) * «7» .
6-* (ومن أقوال الشّعراء قول ربيعة بن مقروم:
لو أنّها عرضت لأشمط راهب ... عبد الإله صرورة «8» متبتّل) *
«9» .
من فوائد (التبتل)
(1) دليل على إيمان العبد والقرب من الرّبّ.
(2) التّبتّل من مسالك استجابة الدّعاء.
(3) ينقّي القلب وينير الفؤاد.
(4) دليل على قوّة الصّلة وتمام الإخلاص.
(5) يثمر عظيم الثّواب ورضا ربّ الأرباب.
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5073) . ومسلم (1402) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5075) .
3، 4، 5، 6 جامع البيان للطبري (29/ 84) .
(7) غرائب القرآن المطبوع بهامش الطبري (29/ 70) .
(8) الصرورة: الذي لا يأتي النساء.
(9) لسان العرب (207) .(3/875)
التبليغ والتبيين
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 59/ 34/ 16/
التبليغ لغة:
مصدر قولهم: بلّغ يبلّغ تبليغا، وهو مأخوذ من مادّة (ب ل غ) الّتي تدلّ على «الوصول إلى الشّيء» ، ومن ذلك: بلغت المكان إذا وصلت إليه، ومن هذا الباب قولهم: هو أحمق بلغ وبلغ أي أنّه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبلغة ما يتبلّغ به من عيش، كأنّه يراد أنّه يبلغ رتبة المكثر إذا رضي وقنع، وكذلك البلاغة الّتي يمدح بها الفصيح، لأنّه يبلغ بها ما يريده. ولي في هذا بلاغ: أي كفاية «1» .
وقال الرّاغب: البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدّرة، وربّما يعبّر به عن المشارفة على الانتهاء، والبلاغ: التّبليغ في نحو قوله عزّ وجلّ هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ (إبراهيم/ 52) . والبلاغ أيضا: الكفاية في قوله تعالى: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (الأنبياء/ 106) «2» .
وقال الجوهري: الإبلاغ: الإيصال وكذلك التّبليغ، والاسم منه: البلاغ، يقال بلّغت الرّسالة، وبالغ فلان في أمري إذا لم يقصّر فيه. وتبلّغ بكذا، أي اكتفى به، وتبلّغت به العلّة أي اشتدّت، والبلاغة:
الفصاحة وبلغ فلان (بالضّمّ) إذا صار بليغا «3» ، وقال ابن منظور: بلغ الشّيء يبلغ بلوغا وبلاغا: وصل وانتهى، وأبلغه هو إبلاغا وبلّغه تبليغا أوصل الشّيء إليه وتبلّغ بالشّيء: وصل إلى مراده، وبلغ مبلغ فلان ومبلغته، والبلاغ في حديث الاستسقاء «واجعل ما أنزلت لنا قوّة وبلاغا إلى حين» هو ما يتبلّغ به ويتوصّل إلى الشّيء المطلوب.
التبليغ اصطلاحا:
التّبليغ من الصّفات الّتي يجب اعتقادها للرّسل الكرام عليهم الصّلاة والسّلام، وقد عرّفه العلماء فقالوا: التّبليغ: أن يبلّغ الرّسول كلّ ما أمر بتبليغه فلا يخفي منه شيئا، ولا يكتمه بحال من الأحوال وألّا تحمله رهبة على أن يكتم بعضا ممّا أوحي إليه وأمر بإبلاغه للنّاس «4» .
ويوخذ ممّا ذكر القرطبيّ وغيره من المفسّرين:
أنّ التّبليغ منوط أيضا بحملة العلم من هذه الأمّة بحيث يجب عليهم ألّا يكتموا شيئا من أمر هذه الشّريعة وأن يبلّغوها للنّاس ومن ثمّ يكون التّبليغ:
__________
(1) مقاييس اللغة (بتصرف يسير) 1/ 302.
(2) المفردات للراغب (60) .
(3) الصحاح (4/ 1316) .
(4) عقيدة المؤمن، لأبي بكر الجزائري (272) .(3/876)
تبليغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّ ما أمر بتبليغه من الوحي، وتبليغ حملة العلم من أمّته أمور الشّريعة إلى كلّ من لم تبلغه دون خوف أو وجل.
التبليغ وظيفة الرّسل الكرام:
يقول الشيخ عبد الله بن جبرين: مقتضى شهادة أنّ محمّدا رسول الله الاعتقاد الجازم بأنّه صلّى الله عليه وسلّم مرسل من ربّه عزّ وجلّ، وقد حمّله الله هذه الشّريعة كرسالة، وكلّفه بتبليغها إلى الأمّة، وفرض على جميع الأمّة تقبّل رسالته والسّير على نهجه «1» . وأنّه من الأمور الّتي يحصل بها التّأثّر والتّحقّق لأداء هذه الشّهادة والانتفاع بها تبليغه الرّسالة «2» :
لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة/ 67) ، وهذا تكليف من ربّه تعالى، فلا بدّ من حصوله مع أنّ هذا هو وظيفة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم من جملتهم، وقد قال تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ (الشورى/ 48) ، وقال عزّ من قائل: وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (النور/ 54) ، وقد شهد له صحابته- رضي الله عنهم- بهذا البلاغ والبيان، وقد اشتهر أنّه صلّى الله عليه وسلّم بدأ بدعوة أهل بلده وقومه، ثمّ بدعوة العرب في أنحاء الجزيرة، ثمّ بمن وراءهم، فكان يرسل الرّسل إلى القبائل في البوادي والقرى للدّعوة إلى الله وقبول هذه الرّسالة، ثمّ بعث الدّعاة إلى اليمن والبحرين وغيرهما، ثمّ بعث كتبا تتضمّن الدّعوة إلى هذه الشّريعة إلى ملوك الفرس والرّوم وغيرهم، فما توفّي حتّى انتشرت دعوته، واشتهر أمره عند القريب والبعيد، وقد قام صحابته من بعده بالدّعوة إلى دينه وقتال من أبى وامتنع من قبولها حتّى يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية، حتّى بلغت هذه الدّعوة أقطار الأرض في أقصر مدّة ... » «3» .
أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتبليغ ودعاؤه للمبلّغين:
قال الإمام ابن تيمية: أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأمّة أن يبلّغ عنه من شهد لمن غاب، ودعا للمبلّغين بالدّعاء المستجاب، فقال في الحديث الصّحيح: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ، وقال أيضا في خطبته في حجّة الوداع: «ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع» ، وقال أيضا: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فبلّغه إلى من لم يسمعه، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مسلم «4» : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» . وفي هذا دعاء منه لمن بلّغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن
__________
(1) الشهادتان (39) .
(2) من الأمور الأخرى التي يحصل بها ذلك: أهليته لهذه الرسالة وعصمته من الخطايا، وعموم رسالته، وختم النبوة به.. انظر تفصيل ذلك في المرجع السابق (39- 101) .
(3) الشهادتان (49) بتصرف.
(4) المعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر (النهاية لابن الأثير (3/ 381) .(3/877)
بلغه وإن كان المستمع أفقه من المبلّغ لما أعطي المبلّغون من النّضرة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: لا تجد أحدا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نضرة لدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظّمون نقلته حتّى قال الشّافعيّ- رحمه الله- إذا رأيت رجلا من أهل الحديث فكأنّي رأيت رجلا من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما قال الشّافعيّ ذلك لأنّهم في مقام الصّحابة- رضوان الله عليهم- من تبليغ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال الشّافعيّ أيضا: أهل الحديث حفظوا فلهم علينا الفضل لأنّهم حفظوا «1» لنا» «2» .
أنواع التبليغ:
قال ابن حجر: التّبليغ على نوعين، أحدهما وهو الأصل- أن يبلّغه بعينه، وهو خاصّ بما يتعبّد بتلاوته وهو القرآن، وثانيهما: أن يبلّغ ما يستنبط من أصول ما تقدّم إنزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه، إمّا بنصّه وإمّا بما يدلّ على موافقته بطريق الأولى «3» .
وقال القرطبيّ- رحمه الله- في قول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى..
يعمّ المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى للجميع «4» .
حكم تبليغ العلم:
قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- استدلّ العلماء على وجوب تبليغ العلم الحقّ بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة/ 159) ، وتحقيق الاية هو أنّ العالم إذا قصد كتمان العلم عصى، وإذا لم يقصده لم يلزمه التّبليغ إذا عرف أنّه مع غيره، وأمّا من سئل فقد وجب عليه التّبليغ لهذه الاية، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» «5» . أمّا ما يتعلّق ب «غير البيّنات والهدى» فإنّه يجوز كتمه وعدم تبليغه، لا سيّما إن كان مع ذلك خوف، وقد ترك أبو هريرة ذلك حين قال: «حفظت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته، وأمّا الاخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم «6» ، قال البخاريّ:
وهذا الّذي لم يبثّه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنّما هو ممّا يتعلّق بأمر الفتن والنّصّ على أعيان المرتدّين والمنافقين، ونحو هذا ممّا لا يتعلّق بالبيّنات والهدى» «7» .
__________
(1) حفظ الأولى من الحفظ نقيض النسيان، وهو التعاهد وقلة الغفلة والثانية من الحفظ الذي هو نقيض الضّياع.
(2) مجموع الفتاوى (1/ 11) .
(3) الفتح (13/ 516) كتاب التوحيد. كذا نصه، والمراد: أن التبليغ إما أن يكون تبليغ نصّ بعينه كالقرآن. وإما أن يكون استنباطا ثم تنزل من الله آية تدل على موافقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
(4) تفسير القرطبي (1/ 185) .
(5) تفسير القرطبي (1/ 185) ، والحديث في سنن ابن ماجة، المقدمة (98) ، رقم الحديث (266) .
(6) انظر الحديث في الفتح (1/ 261) .
(7) تفسير القرطبي (1/ 186) .(3/878)
التبيين لغة:
التّبيين مصدر قولهم «بيّن» الشّيء أي جعله بيّنا واضحا لا غموض فيه ولا خفاء، يقول ابن منظور: بان الشّيء بيانا: اتّضح فهو بيّن، وأبان الشّيء فهو مبين، والتّبيين: الإيضاح، والمبين: البيّن، ومنه قول الله تعالى:
حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (الزخرف/ 1- 2) أي والكتاب البيّن، وقيل: معنى المبين أنّه بيّن طرق الهدى من طرق الضّلالة، وأبان كلّ ما تحتاج إليه الأمّة، أمّا البيان فيعني إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللّسن وأصله: الكشف والظّهور «1» .
التبيين اصطلاحا:
لم يرد لفظ التّبيين ضمن المصطلحات المذكورة في مؤلّفات هذا الفنّ، بيد أنّ مرادفه وهو لفظ البيان قد عرّفه الجاحظ بقوله: البيان: اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضّمير حتّى يفضي السّامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدّليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية الّتي يجري إليها القائل والسّامع إنّما هو الفهم والإفهام فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع «2» .
بين التبيين والتبليغ:
العلاقة بين التّبيين والتّبليغ واضحة تماما، ذلك أنّ التّبليغ لا بدّ أن يكون واضحا بيّنا لا لبس فيه ولا غموض، ومن أراد أن يبلّغ شيئا فعليه أن يبلّغه بلغة القوم المبلّغين به، مصداق ذلك قول الله تعالى:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ...
(إبراهيم/ 4) وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخاطب أبناء القبائل بلغاتهم، ويترتّب على هذا أن يكون الدّاعية عارفا بلغة القوم الّذين يدعوهم وأن يستخدم هذه اللّغة على نحو لا غموض فيه ولا التباس.
[للاستزادة: انظر صفات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإنذار- الإرشاد- التذكير- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ.
وفي ضد ذلك: الإعراض- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الإهمال- التهاون- الغي والإغواء- الكسل] .
__________
(1) لسان العرب 1/ 406 (ط. دار المعارف) .
(2) البيان والتبين للجاحظ (1/ 76) .(3/879)
الآيات الواردة في «التبليغ»
أولا: أمر الله- عزّ وجلّ- بالتبليغ:
1- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67) «1»
ثانيا: مهمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي التبليغ:
2- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) «2»
3- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) «3»
4- ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) «4»
5- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38)
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39)
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40) «5»
6- وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) «6»
7- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (83) «7»
8- وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) «8»
__________
(1) المائدة: 67 مدنية
(2) آل عمران: 20 مدنية
(3) المائدة: 92 مدنية
(4) المائدة: 99 مدنية
(5) الرعد: 38- 40 مدنية
(6) النحل: 35 مكية
(7) النحل: 82- 83 مكية
(8) النور: 53- 54 مدنية(3/880)
9- وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) «1»
10- اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48) «2»
11- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) «3»
ثالثا: التبليغ وظيفة الرّسل الكرام لا يسألون عليه أجرا:
12- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60)
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (61)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (62) «4»
13- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65)
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (66)
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (67)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (68) «5»
14- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76)
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (78)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ
__________
(1) العنكبوت: 16- 18 مكية
(2) الشورى: 47- 48 مكية
(3) التغابن: 12 مدنية
(4) الأعراف: 59- 62 مكية
(5) الأعراف: 65- 68 مكية(3/881)
رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) «1»
15- الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92)
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93) «2»
16- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) «3»
17- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38)
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) «4»
18- وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) «5»
19- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) «6»
20- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26)
إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)
__________
(1) الأعراف: 76- 79 مكية
(2) الأعراف: 92- 93 مكية
(3) هود: 53- 57 مكية
(4) الأحزاب: 38- 39 مدنية
(5) يس: 13- 17 مكية
(6) الأحقاف: 21- 23 مكية(3/882)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) «1»
رابعا: القرآن الكريم بلاغ للناس:
21- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) «2»
22- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «3»
23- وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106) «4»
24- فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) «5»
خامسا: التبليغ طاعة لله- عزّ وجلّ-:
25- قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20)
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21)
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)
إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (23) «6»
__________
(1) الجن: 26- 28 مكية
(2) الأنعام: 19 مكية
(3) إبراهيم: 52 مكية
(4) الأنبياء: 105- 106 مكية
(5) الأحقاف: 35 مكية
(6) الجن: 20- 23 مكية(3/883)
الايات الواردة في «التبليغ» معنى ودور الرّسل في التبليغ وأجرهم به
26- وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) «1»
27- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «2»
28- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) «3»
29- قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (45) «4»
30- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (51) «5»
31- أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) «6»
32- وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56)
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) «7»
33- وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (109)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) «8»
__________
(1) الأنعام: 48 مكية
(2) الأنعام: 70 مكية
(3) الأنعام: 104 مكية
(4) الأنبياء: 45 مكية
(5) الحج: 49- 51 مدنية
(6) المؤمنون: 72- 73 مكية
(7) الفرقان: 56- 57 مكية
(8) الشعراء: 104- 110 مكية(3/884)
34- كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) «1»
35- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) «2»
36- كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)
إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (164) «3»
37- كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (177)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (180) «4»
38- فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) «5»
39- وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) «6»
40- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46)
قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) «7»
__________
(1) الشعراء: 123- 127 مكية
(2) الشعراء: 141- 145 مكية
(3) الشعراء: 160- 164 مكية
(4) الشعراء: 176- 180 مكية
(5) النمل: 79- 81 مكية
(6) النمل: 90- 92 مكية
(7) سبأ: 46- 47 مكية(3/885)
41- وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) «1»
42- قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (87)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «2»
43- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) «3»
44- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) «4»
45- تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) «5»
46- أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) «6»
47- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «7»
48- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «8»
49- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) «9»
50- أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) «10»
51- سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6)
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7)
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (8)
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «11»
__________
(1) يس: 20- 21 مكية
(2) ص: 86- 88 مكية
(3) غافر: 78 مكية
(4) الشورى: 6- 7 مكية
(5) الشورى: 22- 23 مكية
(6) الزخرف: 40 مكية
(7) ق: 45 مكية
(8) الذاريات: 54- 55 مكية
(9) الطور: 29 مكية
(10) الطور: 40 مكية
(11) الأعلى: 6- 10 مكية(3/886)
52- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) «1»
الايات الواردة في «التبيين» *
53- وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) «2»
54- إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) «3»
55- ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) «4»
56- يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) «5»
57- يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) «6»
58- وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) «7»
59- وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)
بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) «8»
__________
* ورد الحث على التبيين في آيات أخرى عديدة منها: البقرة/ 187، 230، المائدة/ 75، الأنعام/ 105، النحل/ 64، الزخرف/ 63، الحديد/ 17.
(1) الغاشية: 21- 24 مكية
(2) البقرة: 118 مدنية
(3) البقرة: 159- 160 مدنية
(4) آل عمران: 179 مدنية
(5) النساء: 26 مدنية
(6) المائدة: 19 مدنية
(7) إبراهيم: 4 مكية
(8) النحل: 43- 44 مكية(3/887)
الأحاديث الواردة في (التبليغ)
1-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال «الزّمان قد استدار كهيئتة يوم خلق الله السّماوات والأرض: السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات- ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم- ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان. أيّ شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس ذا الحجّة؟» قلنا:
بلى. قال: «أيّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال:
«أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ يوم هذا؟» قلنا:
الله ورسوله أعلم. فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟» قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم- قال محمّد «1» : وأحسبه قال:
وأعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. وستلقون ربّكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشّاهد الغائب، فلعلّ بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» - فكان محمّد إذا ذكره قال: صدق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ قال: «ألا هل بلّغت، ألا هل بلّغت» ) * «2» .
2-* (عن أبي جمرة قال: «كان ابن عبّاس يقعدني على سريرة فقال: إنّ وفد عبد القيس لمّا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من الوفد؟» قالوا: ربيعة. قال:
«مرحبا بالوفد والقوم غير خزايا ولا ندامى» قالوا: يا رسول الله إنّ بيننا وبينك كفّار مضر، فمرنا بأمر ندخل به الجنّة ونخبر به من وراءنا، فسألوا عن الأشربة، فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع: أمرهم بالإيمان بالله، قال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة وأظنّ فيه صيام رمضان، وتؤتوا من المغانم الخمس، ونهاهم عن الدّبّاء والحنتم والنّقير، وربّما قال: المقيّر، قال: «احفظوهنّ وأبلغوهنّ من وراءكم» ) * «3» .
3-* (عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عبّاس رضي الله عنهما- يقول: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحيّ من ربيعة، قد حالت بيننا وبينك كفّار مضر فلسنا نخلص إليك إلّا في كلّ شهر حرام فلو أمرتنا بأمر نأخذه عنك، ونبلّغه من وراءنا. قال صلّى الله عليه وسلّم: «آمركم بأربعة وأنهاكم عن أربعة: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا إلى الله
__________
(1) محمد هو محمّد بن المثنى الذي روى الحديث عن عبد الوهاب عن ... عن أبي بكرة.
(2) الفتح (13/ 7447) ، واللفظ له، مسلم (1679) .
(3) الفتح (13/ 7266) .(3/888)
خمس ما غنمتم. وأنهاكم عن الدّبّاء، والحنتم، والنّقير، والمزفّت» ) * «1» .
4-* (عن عبد الله بن عبيد الله قال: «دخلت على ابن عبّاس في شباب من بني هاشم فقلنا لشابّ منّا: سل ابن عبّاس، أكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الظّهر والعصر؟ فقال: لا، فقيل له: فلعلّه كان يقرأ في نفسه، فقال: خمشا «2» ، هذه شرّ من الأولى، كان عبدا مأمورا بلّغ ما أرسل به، وما اختصّنا دون النّاس بشيء إلّا بثلاث خصال: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وألّا نأكل الصّدقة، وألّا ننزي الحمار على الفرس» ) * «3» .
5-* (عن أبي اليعفور عن أبي الصّلت عن أبي عقرب قال: غدوت إلى ابن مسعود ذات غداة في رمضان، فوجدته فوق بيته جالسا، فسمعنا صوته وهو يقول: صدق الله وبلّغ رسوله، فقلنا: سمعناك تقول:
صدق الله وبلّغ رسوله؟ فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إنّ ليلة القدر في النّصف من السّبع الأواخر من رمضان، تطلع الشّمس غداتئذ صافية ليس لها شعاع، فنظرت إليها فوجدتها كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «4» .
6-* (عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجاء بنوح يوم القيامة، فيقال: هل بلّغت؟
فيقول: نعم يا ربّ. فتسأل أمّته هل بلّغكم؟
فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟
فيقول: محمّد وأمّته، فيجاء بكم فتشهدون. ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً- قال: عدلا- لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» ) * «5» .
7-* (عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه- أو بزمامه- قال: «أيّ يوم هذا؟» فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه سوى اسمه. قال: «أليس يوم النّحر؟» قلنا: بلى. قال: «فأيّ شهر هذا؟» فسكتنا حتّى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه. فقال: «أليس بذي الحجّة؟» قلنا: بلى. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ليبلغ «6» الشّاهد الغائب؟، فإنّ الشّاهد عسى أن يبلّغ من هو أوعى له منه» ) * «7» .
8-* (عن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخيف من منى فقال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مؤمن: إخلاص العمل لله،
__________
(1) الفتح (6/ 624) ، حديث رقم (3510) .
(2) خمشا: دعاء على القائل بأن يخمش وجهه أو جلده، كما يقال: جدعا له، وصلبا وطعنا ونحو ذلك من الدعاء بالسوء.
(3) أبو داود (1/ 214) ، حديث رقم (808) .
(4) أحمد 5/ 785، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(5) البخاري- الفتح (7349) .
(6) هكذا بفتح الغين في الفتح، والقياس الكسر.
(7) البخاري- الفتح (67) .(3/889)
والنّصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» ) * «1» .
9-* (عن شعبة (قال) أخبرني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطّاب قال: سمعت عبد الرّحمن بن أبان بن عثمان يحدّث عن أبيه قال:
خرج زيد بن ثابت من عند مروان نصف النّهار، قلنا:
ما بعث إليه هذه السّاعة إلّا لشيء يسأله عنه، فقمنا فسألناه، فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» ) * «2» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
بينا نحن في المسجد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«انطلقوا إلى يهود» ، فخرجنا معه حتّى جئنا بيت المدارس «3» ، فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فناداهم فقال: «يا معشر يهود أسلموا تسلموا» ، فقالوا: بلّغت يا أبا القاسم، قال: فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك أريد، أسلموا تسلموا» ، فقالوا: قد بلّغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك أريد» ، ثمّ قالها الثّالثة، فقال:
«اعلموا أنّما الأرض لله ورسوله، وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّما الأرض لله ورسوله» ) * «4» .
11-* (عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فارق الدّنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، مات والله عنه راض» قال أنس: وهو دين الله الّذي جاءت به الرّسل وبلّغوه عن ربّهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء) * «5» .
12-* (عن أنس بن مالك قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببراءة مع أبي بكر، ثمّ دعاه فقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلّا رجل من أهلي، فدعا عليّا فأعطاه إيّاها» ) * «6» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمّته لمن شهد لله بالتّوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الاخر عن محمّد وعن آل محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «7» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) ابن ماجه (3056) واللفظ له، قال في الزوائد: هذا إسناد فيه محمد بن إسحاق، وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة. والمتن على حاله صحيح. وسنن الترمذي رقم (2795) .
(2) الترمذي (2794) ، وسنن أبي داود برقم (3660) .
(3) المدارس: المراد به كبير اليهود ونسب البيت إليه لأنه هو الذي كان صاحب دراسة كتبهم أي قراءتها (وتفسيرها) . فتح الباري (12/ 333) .
(4) الفتح 13 (7348) .
(5) ابن ماجه- المقدمة، حديث رقم (70) ، والحاكم في المستدرك (2/ 338) وصححه ووافقه الذهبي.
(6) الترمذي، حديث رقم (5085) ، وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أنس.
(7) ابن ماجه، (2/ 1043) ، حديث رقم (3122) . وله شاهد عند أبي داود (2795) ، والبيهقي (9/ 287) . فهو حسن لغيره.(3/890)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنّة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا أحياء في الجنّة نرزق لئلّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا «1» عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلّغهم عنكم، قال: فأنزل الله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... إلخ الاية (آل عمران/ 169) » ) * «2» .
15-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يبلّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإنّي أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر» ) * «3» .
16-* (عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله في الأرض ملائكة سيّاحين، يبلّغوني من أمّتي السّلام» ) * «4» .
17-* (عن عديّ بن حاتم قال: بينا أنا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: يا عديّ، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلّا الله- قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعّار طيّئ الّذين قد سعّروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى.
قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه. وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولنّ: ألم أبعث إليك رسولا فيبلّغك؟ فيقول: بلى. فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلّا جهنّم، وينظر عن يساره فلا يرى إلّا جهنّم. قال عديّ: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة فبكلمة طيّبة» . قال عديّ:
فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم: يخرج ملء كفّه» ) * «5» .
18-* (عن عبد الله بن عمرو أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعدة من النّار» ) * «6» .
19-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة «7» ثلاثين صباحا، يدعو على رعل وذكوان
__________
(1) نكل عن الشيء ينكل ونكل ينكل أي امتنع (النهاية 5/ 116) .
(2) أبو داود (3/ 15) حديث رقم (2520) .
(3) أبو داود (4/ 265) حديث رقم (4860) . وله شاهد عند أحمد (1/ 396) وسنده حسن، وقد: حسنه الشيخ أحمد شاكر.
(4) أحمد (3666، 4210) ، قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(5) البخاري- الفتح (3595) .
(6) البخاري- الفتح (3461) .
(7) بئر معونة: موضع في أرض بني سليم فيما بين مكة والمدينة.(3/891)
ولحيان وعصيّة (عصت الله ورسوله) . قال أنس: أنزل الله- عزّ وجلّ- في الّذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه حتّى نسخ بعد: أن بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه) * «1» .
20-* (عن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنّه قال: «دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا. فقال: «ألا أدلّكم على ما يجمع ذلك كلّه؟
نقول: اللهمّ إنّا نسألك من خير ما سألك منه نبيّك محمّد، ونعوذ بك من شرّ ما استعاذ منه نبيّك محمّد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ) * «2» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره. ثمّ قال: لا ألفينّ «3» أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء «4» ، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة «5» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء «6» ، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح «7» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته رقاع «8» تخفق «9» ، فيقول: يا رسول الله، أغثني.
فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجأ يوم القيامة على رقبته صامت «10» ، فيقول:
يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك) * «11» .
22-* (عن أبي حميد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من الأسد «12» . يقال له «ابن اللّتبيّة» «13» (على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي، قال: فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال:
«ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي
__________
(1) مسلم (677) .
(2) الترمذي (5/ 538) ، حديث رقم (3521) ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
(3) لا ألفين: أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه: لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة.
(4) رغاء: صوت البعير.
(5) حمحمة: صوت الفرس، دون الصهيل.
(6) ثغاء: صوت الشاة.
(7) صياح: صوت الإنسان.
(8) رقاع: جمع رقعة، والمراد بها هنا: الثياب.
(9) تخفق: تضطرب.
(10) الصامت من المال: الذهب والفضة، والمعنى أن كل شيء يغله الغال يجيء يوم القيامة حاملا له ليفتضح به على رءوس الأشهاد سواء أكان هذا المغلول حيوانا أو انسانا أو ذهبا أو فضة، وهذا تفسير لقوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ.
(11) مسلم (1831) .
(12) وقيل: الأزد، أزد شنوءة.
(13) وقيل: الأتبيّة، وقيل: الأتبيّة أو الأتبيّة.(3/892)
أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر «1» ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه «2» ثمّ قال: «اللهمّ هل بلّغت؟
مرّتين) * «3» .
23-* (عن جابر بن عبد الله قال: لمّا قتل عبد الله بن عمرو بن حرام، يوم أحد، لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا جابر، ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟» وقال يحيى في حديثه: فقال «يا جابر، ما لي أراك منكسرا؟» قال: قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالا «4» ودينا، قال: «أفلا أبشّرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى: يا رسول الله! قال: «ما كلّم الله أحدا قطّ إلّا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا «5» ، فقال:
يا عبدي، تمنّ عليّ أعطك. قال: يا ربّ، تحييني فأقتل فيك ثانية. فقال الرّبّ سبحانه: إنّه سبق منّي أنّهم إليها لا يرجعون. قال: يا ربّ، فأبلغ من ورائي، قال:
فأنزل الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران/ 169) » ) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التبليغ)
24-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أنّ هذه الاية الّتي في القرآن:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. قال وفي التّوراة: يا أيّها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا ... الحديث) *. «7» .
25-* (عن معاوية بن أبي سفيان) - رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما أنا مبلّغ والله يهدي، وقاسم والله يعطي، فمن بلغه منّي شيء بحسن رغبة وحسن هدى، فإنّ ذلك الّذي يبارك له فيه، ومن بلغه عنّي شيء بسوء رغبة وسوء هدى، فذلك الّذي يأكل ولا يشبع» ) * «8» .
26-* (عن سليمان بن عمرو الأحوص، عن أبيه؛ قال: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في حجّة الوداع:
«يا أيّها النّاس! ألا أيّ يوم أحرم «9» ؟» ثلاث مرّات.
قالوا: يوم الحجّ الأكبر. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم
__________
(1) تيعر: تصيح، واليعار: صوت الشاة.
(2) عفرتي ابطيه: بضم العين وفتحها- والأول أشهر: أي بياضهما.
(3) البخاري- الفتح 13/ 7197، مسلم (1832) واللفظ له.
(4) عيالا: عيال الرجل: من يعوله.
(5) كفاحا: أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول.
(6) ابن ماجة- المقدمة (1/ 68) ، حديث رقم (190) ، وعند الترمذي رقم (4097) وقال: حسن غريب من هذا الوجه.
(7) البخاري- الفتح 8 (4838) .
(8) المرجع السابق (4/ 101، 102) ، وجزء منه عند البخاري (6/ 152) ، ومسلم رقم (1037) .
(9) أحرم: أي أشدّ حرمة وأكثر احتراما.(3/893)
وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلّا على نفسه «1» ، ولا يجني والد على ولده، ولا مولود على والده. ألا إنّ الشّيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم، فيرضى بها، ألا وكلّ دم من دماء الجاهليّة موضوع «2» . وأوّل ما أضع منها، دم الحارث بن عبد المطّلب (كان الحارث مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل) ، ألا وإنّ كلّ ربا من ربا الجاهليّة موضوع، لكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، ألا يا أمّتاه! هل بلّغت؟» ثلاث مرّات. قالوا: نعم، قال:
«اللهمّ اشهد» ثلاث مرّات) * «3» .
27-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام أنا وأخي أنيس وأمّنا، فانطلقنا حتّى نزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا ... قال أبو ذرّ- بعد أن حكى ما حدث له في رحلته ومدّة إقامته بمكّة-: ثمّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إنّي قد وجّهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلّا يثرب، فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم» .
فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك «4» ، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فاحتملنا «5» حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم أإيماء «6» بن رحضة الغفاريّ، وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسلمنا، فقدم صلّى الله عليه وسلّم المدينة فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم «7» فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله» ) * «8» .
28-* (عن سمرة بن جندب قال: بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى إذا كانت الشّمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين النّاظر اسودّت حتّى آضت «9» كأنّها تنّومة «10» . قال: فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فو الله ليحدثنّ شأن هذه الشّمس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمّته حديثا، قال: فدفعنا إلى المسجد فإذا هو بارز، قال: ووافقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلى النّاس فاستقدم، فقام بنا كأطول ما قام بنا فى صلاة
__________
(1) لا يجني: أي لا يرجع وبال جنايته من الإثم أو القصاص إلّا إليه.
(2) موضوع: أي باطل.
(3) ابن ماجة (3055) . وله شاهد عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- رقم (1218) .
(4) يقال: رغب عن الشيء: كرهه. ورغب فيه: أحبه. والمعنى: لا أجد كراهية لهذا الدين.
(5) احتملنا: أي حملنا أنفسنا ومتاعنا على الإبل وسرنا.
(6) إيماء: بكسر الهمزة وفتحها.
(7) أسلم: قبيلة من قبائل العرب كانت تجاور غفارا.
(8) مسلم (2473) ، واللفظ له، وأحمد (5/ 175) . وينظر فيهما الحديث بتمامه في هذين الموضعين.
(9) آضت: أي رجعت وصارت. النهاية (1/ 53) .
(10) التّنّومة: نوع من نبات الأرض فيها وفي ثمرها سواد قليل. النهاية (1/ 199) .(3/894)
قطّ، لا نسمع له صوتا، ثمّ ركع كأطول ما ركع بنا في صلاة قطّ، لا نسمع له صوتا، ثمّ فعل في الرّكعة الثّانية مثل ذلك فوافق تجلّي الشّمس جلوسه في الرّكعة الثّانية، قال زهير: حسبته قال: فسلّم، فحمد الله وأثنى عليه وشهد أنّه عبد الله ورسوله، ثمّ قال: أيّها النّاس: أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أنّي قصّرت عن شيء من تبليغ رسالات ربّي- عزّ وجلّ- لمّا أخبرتموني ذاك، فبلّغت رسالات ربّي كما ينبغي لها أن تبلّغ، وإن كنتم تعلمون أنّي بلّغت رسالات ربّي لمّا أخبرتموني ذاك. قال: فقام رجال فقالوا: نشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربّك ونصحت لأمّتك وقضيت الّذي عليك. ثمّ سكتوا، ثمّ قال: أمّا بعد؛ فإنّ رجالا يزعمون أنّ كسوف هذه الشّمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النّجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وأنّهم قد كذبوا، ولكنّها آيات من آيات الله- تبارك وتعالى- يعتبر بها عباده فينظر من يحدث له منهم توبة، وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلّي ما أنتم لاقون في أمر دنياكم وآخرتكم، وإنّه والله لا تقوم السّاعة حتّى يخرج ثلاثون كذّابا آخرهم الأعور الدّجّال ... الحديث» ) * «1» .
29-* (عن ابن عبّاس قال: «لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتين قال الله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما حتّى حجّ عمر وحججت معه فصببت عليه من الإداوة فتوضّأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما؟ فقال لي: وا عجبا لك يا ابن عبّاس.
قال الزّهريّ: وكره والله ما سأله عنه ولم يكتمه. فقال لي: هي عائشة وحفصة ... الحديث ... وكان أقسم ألّا يدخل على نسائه شهرا، فعاتبه الله في ذلك فجعل له كفّارة اليمين. قال الزّهريّ فأخبرني عروة عن عائشة قالت: فلمّا مضت تسع وعشرون دخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدأ بي- قال يا عائشة إنّي ذاكر لك شيئا فلا تعجلي حتّى تستأمري أبويك، قالت: ثمّ قرأ هذه الاية يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... * الاية قالت: علم والله أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: فقلت: أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الاخرة.
قال: معمر: فأخبرني أيّوب أنّ عائشة قالت له:
يا رسول الله؛ لا تخبر أزواجك أنّي اخترتك، فقال:
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّما بعثني الله مبلّغا ولم يبعثني متعنّتا» ) * «2» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود قال: إيّاكم أن تقولوا مات فلان شهيدا، أو قتل فلان شهيدا، فإنّ الرّجل يقاتل ليغنم، ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه، فإن كنتم شاهدين لا محالة فاشهدوا للرّهط الّذين بعثهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سريّة فقتلوا، فقالوا:
__________
(1) أحمد (5/ 16) ط. دار الفكر. وعند مسلم مختصرا (913) .
(2) البخاري- الفتح (8/ 503 و504) في تفسير سورة التحريم، ومسلم رقم (1479) في الطلاق. وهذا لفظه. والترمذي برقم (3374) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب قد روي من غير وجه عن ابن عباس- رضي الله عنهما-.(3/895)
اللهمّ بلّغ نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم عنّا أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا) * «1» .
31-* (عن أنس بن مالك قال: جاء ناس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلّمونا القرآن والسّنّة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء فيهم خالي حرام يقرءون القرآن، ويتدارسون باللّيل يتعلّمون. وكانوا بالنّهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد. ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطّعام لأهل الصّفّة «2» وللفقراء فبعثهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهمّ بلّغ عنّا نبيّنا، أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا. قال: وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتّى أنفذه فقال حرام: فزت وربّ الكعبة! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «إنّ إخوانكم قد قتلوا وإنّهم قالوا: اللهمّ بلّغ عنّا نبيّنا، أنّا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنّا» ) * «3» .
32-* (عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض نفسه على النّاس في الموقف، فقال:
«ألا رجل يحملني إلى قومه، فإنّ قريشا قد منعوني أن أبلّغ كلام ربّي» ) * «4» .
ومن الأحاديث الواردة في (التبيين)
33-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحفوه بالمسألة، فصعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلّا بيّنت لكم، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كلّ رجل رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا نبيّ الله، من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة» . ثمّ أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد رسولا، نعوذ بالله من سوء الفتن، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت في الخير والشّرّ كاليوم قطّ، إنّه صوّرت لي الجنّة والنّار حتّى رأيتهما دون الحائط» . قال قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الاية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (المائدة/ 101) » ) * «5» .
34-* (عن حطّان بن عبد الله الرّقاشيّ، قال:
__________
(1) المسند (6/ 24) الحديث (3952) . والمرفوع منه من قوله «اللهم بلغ نبينا ... » إلخ الحديث. عند مسلم من حديث أنس. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (13/ 47) .
(2) لأهل الصّفّة، أصحاب الصّفّة: هم الفقراء الغرباء الذين كانوا يأوون إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وكانت لهم في آخره صفة وهو مكان منقطع من المسجد مظلّل عليه يبيتون فيه. قال إبراهيم الحربي والقاضي وأصله من صفة البيت وهي شيء كالظلة أمامه.
(3) مسلم (677) .
(4) أبو داود (4/ 234) رقم الحديث (4724) ، واللفظ له، وابن ماجة- المقدمة (حديث 201) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 291) : إسناده صحيح.
(5) البخاري- الفتح (7089) .(3/896)
صلّيت مع أبي موسى الأشعريّ صلاة. فلمّا كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرّت الصّلاة بالبرّ والزّكاة «1» ؟ قال: فلمّا قضى أبو موسى الصّلاة وسلّم انصرف فقال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمّ القوم «2» . ثمّ قال: أيّكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمّ القوم. فقال: لعلّك يا حطّان قلتها؟ قال: ما قلتها.
ولقد رهبت أن تبكعني بها «3» . فقال رجل من القوم: أنا قلتها. ولم أرد بها إلّا الخير. فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطبنا فبيّن لنا سنّتنا وعلّمنا صلاتنا. فقال: «إذا صلّيتم فأقيموا صفوفكم ... الحديث» ) * «4» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التبليغ والتبيين)
1-* (أخرج ابن أبي حاتم عن عنترة، أنّه قال لعليّ: هل عندكم شيء لم يبده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فقال: ألم تعلم أنّ الله قال يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ والله ما ورّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوداء في بيضاء) * «5» .
2-* (عن مسروق عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: من حدّثك أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من الوحي فلا تصدّقه، إنّ الله تعالى يقول يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ* «6» .
3-* (قالت عائشة- رضي الله عنها- من قال إنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم كتم فقد كذب وأعظم الفرية على الله فقد قال سبحانه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ...
الاية) * «7» .
4-* (قال الزّهريّ في قول الله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ قال: من الله عزّ وجلّ الرّسالة، وعلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم البلاغ، وعلينا التّسليم) * «8» .
5-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: ... فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (آل عمران/ 20) «أي: إنّما عليك أن تبلّغ، وقيل: إنّه ممّا نسخ بالجهاد.
وقال ابن عطيّة: وهذا يحتاج إلى معرفة تاريخ نزولها؛
__________
(1) أقرت الصلاة بالبر والزكاة: قالوا: معناه قرنت به، وأقرت معهما، وصار الجميع مأمورا به.
(2) فأرم القوم: أي سكتوا ولم يجيبوا.
(3) ولقد رهبت أن تبكعني بها: أي قد خفت أن تستقبلني بما أكره. قال ابن الأثير: البكع نحو التقريع. وفسره النووي بالتبكيت والتوبيخ، والمعاني متقاربة.
(4) مسلم (حديث رقم 62) .
(5) الدر المنثور (3/ 117) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7531) ، وتفسير القرطبي (6/ 242، 243) .
(7) مجموع فتاوى ابن تيمية (1/ 11) .
(8) الفتح (3/ 512) كتاب التوحيد.(3/897)
وأمّا على ظاهر نزول هذه الآيات في وفد نجران فإنّما المعنى فإنّما عليك أن تبلّغ ما أنزل إليك بما فيه من قتال وغيره» ) * «1» .
6-* (قال ابن حجر: « ... وكلّ ما أنزل على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فله بالنّسبة إليه طرفان: طرف الأخذ من جبريل- عليه السّلام-، وطرف الأداء للأمّة وهو المسمّى بالتّبليغ» ) * «2» .
7-* (قال الحميديّ: حدّثنا سفيان قال: قال رجل للزّهريّ يا أبا بكر، قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ليس منّا من شقّ الجيوب» ما معناه؟. فقال الزّهريّ: من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التّسليم) * «3» .
8-* (قال القرطبيّ في قوله تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... (الأنعام/ 19) أي ومن بلغه القرآن، وقيل: ومن بلغ الحلم. ودلّ بهذا على أنّ من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبّد) * «4» .
9-* (عن ابن عبّاس- في قوله تعالى- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الاية قال: المعنى: بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك، فإن كتمت شيئا منه فما بلّغت رسالته؛ وهذا تأديب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتأديب لحملة العلم من أمّته ألّا يكتموا شيئا من أمر شريعته، وقد علم الله تعالى من أمر نبيّه أنّه لا يكتم شيئا من وحيه) * «5» .
10-* (قال ابن حجر في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ: اختلف في المراد بهذا الأمر، فقيل:
المراد: بلّغ كما أنزل، وهو على ما فهمت عائشة وغيرها، وقيل: المراد: بلّغه ظاهرا ولا تخش من أحد فإنّ الله يعصمك من النّاس، والثّاني أخصّ من الأوّل) * «6» .
11-* (قال ابن بطّال: أشار «البخاريّ» بذكر قول الله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ... إلخ الاية إلى أنّ الله تعالى ذكر نوحا بما بلّغ به من أمره، وذكّر بآيات ربّه، وكذلك فرض على كلّ نبيّ تبليغ كتابه وشريعته «7» .
12- قال الكرمانيّ: المقصود من ذكر هذه الاية: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بالتّلاوة على الأمّة والتّبليغ إليهم أنّ نوحا كان يذكّرهم (أنباء أمّته) بايات الله وأحكامه) * «8» .
13-* (قال القرطبيّ- في قوله تعالى- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قيل:
معناه: أظهر التّبليغ؛ لأنّه كان في أوّل الإسلام يخفيه خوفا من المشركين، ثمّ أمر بإظهاره في هذه الاية،
__________
(1) تفسير القرطبي (4/ 46) .
(2) الفتح (13/ 516) كتاب التوحيد.
(3) التفح (13/ 513) كتاب التوحيد. ورد هذا الأثر شرحا للحديث «ليس منا من شق الجيوب ... » .
(4) تفسير القرطبي (6/ 399) .
(5) المرجع السابق (6/ 242) .
(6) الفتح (13/ 513) كتاب التوحيد.
(7) الفتح (13/ 498) .
(8) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/898)
وأعلمه الله أنّه يعصمه من النّاس. وكان عمر- رضي الله عنه- أوّل من أظهر إسلامه وقال: لا نعبد الله سرّا، وفى ذلك نزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فدلّت الاية على ردّ قول من قال:
إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئا من أمر الدّين تقيّة، وعلى بطلانه، وهم الرّافضة، ودلّت على أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يسرّ إلى أحد شيئا من أمر الدّين؛ لأنّ المعنى: بلّغ جميع ما أنزل إليك ظاهرا، ولولا هذا ما كان من قوله عزّ وجلّ-:
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ فائدة. وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر زينب بنت جحش الأسديّة- رضي الله عنها- وقيل غير هذا، والصّحيح: القول بالعموم) * «1» .
14-* (قال سفيان بن عيينة: «لا تجد أحدا من أهل الحديث إلّا وفي وجهه نضرة لدعوة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
15-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
«لقد تركنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما يحرّك طائر جناحيه في السّماء إلّا أذكرنا منه علما) * «3» .
16-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- قال: ثلاث لأن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيّنهنّ، أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها: الكلالة والرّبا والخلافة» ) * «4» .
من فوائد (التبليغ)
(1) التّبليغ هو أساس نشر الإسلام في شتّى بقاع الأرض.
(2) التّبليغ يكسب المبلّغ نضرة بدعاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم للمبلّغين.
(3) التّبليغ يجعل الغائب بمنزلة الشّاهد فيتساوى بذلك من شهد ومن لم يشهد.
(4) في تبليغ الله عن الشّهداء ما يحفز الهمم على الاستشهاد ويطمئن قلوب أهليهم أنّهم في الجنّة.
(5) التّبليغ يقطع حجّة الكفّار الّذين لم يدخلوا في الإسلام كبرا وعنادا.
(6) التّبليغ وسيلة الملائكة السّيّاحين الّذين ينقلون سلام الأمّة إلى المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
(7) في التّبليغ ما يقطع حجّة المعاندين ويبشّر المتّقين.
(8) في التّبليغ ما ينشر معرفة النّاس بكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) تفسير القرطبي (6/ 243) .
(2) مجموع فتاوي ابن تيمية (1/ 11) .
(3) أحمد (5/ 153، 162) .
(4) ابن ماجة (2727) ، قال في الزوائد: رجال إسناده ثقاة إلّا أنه منقطع.(3/899)
(9) التّبليغ يعود بالنّفع على المبلّغ وبالأجر على المبلّغ.
(10) في تبليغ الله عزّ وجلّ عن الشّهداء ما ثبّت فؤاد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيث أخبره المولى بأنه رضي عنهم ورضوا عنه.
من فوائد (التبيين)
(11) التّبيين يعين المبلّغ على أداء رسالته.
(12) التّبيين يقطع حجّة المعاندين الّذين يحتجّون بغموض ما يدعون إليه.
(13) التّبيين مثل التّبليغ من وظيفة الرّسل الكرام وأتباعهم من الدّعاة والعلماء.
(14) التّبيين من الوسائل النّاجعة لإنجاح الدّعوة والوصول بها إلى تحقيق هدفها المنشود.(3/900)
التبين (التثبت)
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 15/ 11/ 3/
التبين لغة:
مصدر تبيّن إذا تثبّت في الأمر، والتّثبّت في الأمر والتّأنّي فيه، وقرأ قوله- عزّ وجلّ-: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا (النساء/ 94) وقرأ:
فتثبّتوا؟، والمعنيان متقاربان. ويقال: تبيّنت الأمر أي تأمّلته وتوسّمته، واستبنت الشّيء إذا تأمّلته حتّى تبيّن لك. والبيان: ما بيّن به الشّيء من الدّلالة وغيرها.
وبان الشّيء بيانا: اتّضح، فهو بيّن، وكذلك أبان الشّيء فهو مبين. وأبنته أنا أي أوضحته، واستبان الشّيء:
ظهر. واستبنته أنا: عرفته وتبيّن الشّيء: ظهر «1» .
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- عقب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات/ 6) : يأمر تعالى بالتثبّت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلّا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه وقد نهى الله- عزّ وجلّ- عن اتّباع سبيل المفسدين ومن ههنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في الأمر نفسه، وقبلها آخرون لأنّا إنّما أمرنا بالتثبّت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقّق الفسق لأنّه مجهول الحال «2» .
ويقول الجاحظ: البيان اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضّمير حتّى يفضي السّامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدّليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية الّتي يجري إليها القائل والسّامع إنّما هو الفهم والإفهام فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع «3» .
واصطلاحا:
التّبيّن مرتبة من مراتب وصول العلم يراد بها ما يحصل من العلم بعد الالتباس. يقول الكفويّ:
اعلم أنّ مراتب وصول العلم إلى النّفس: الشّعور ثمّ الإدراك ثمّ الحفظ ثمّ التّذكّر ثمّ الذّكر ثمّ الرّأي وهو استحضار المقدّمات وإجالة الخاطر فيها ثمّ التّبيّن وهو علم يحصل بعد الالتباس ثمّ الاستبصار وهو العلم بعد التّأمّل ... إلخ «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: التأني- التدبر- التذكر- التفكر- العلم- النظر والتبصر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجهل- الطيش العجلة- الغفلة- التفريط والإفراط] .
__________
(1) لسان العرب (13/ 67- 68) .
(2) تفسير ابن كثير (4/ 208) ط. دار إحياء الكتب العربية.
(3) البيان والتبيين للجاحظ (1/ 76)) .
(4) الكليات للكفوي (1/ 89) .(3/901)
الآيات الواردة في «التبين»
1- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «1»
2- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «2»
3- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) «3»
4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) «4»
5- وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115) «5»
6- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) «6»
7- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) «7»
8- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113)
__________
(1) البقرة: 109 مدنية
(2) البقرة: 187 مدنية
(3) البقرة: 256 مدنية
(4) النساء: 94 مدنية
(5) النساء: 115 مدنية
(6) الأنفال: 6 مدنية
(7) التوبة: 43 مدنية(3/902)
وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) «1»
9- وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) «2»
10- وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) «3»
11- وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13)
فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) «4»
12- سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) «5»
13- إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) «6»
14- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) «7»
15- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) «8»
__________
(1) التوبة: 113- 114 مدنية
(2) إبراهيم: 44- 45 مكية
(3) العنكبوت: 38 مكية
(4) سبأ: 12- 14 مكية
(5) فصلت: 53 مكية
(6) محمد: 25 مدنية
(7) محمد: 32 مدنية
(8) الحجرات: 6 مدنية(3/903)
الأحاديث الواردة في (التبين)
1-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم فتلقّوه يعظّمون أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: فحدّثه الشّيطان أنّهم يريدون قتله، قالت: فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون، قالت: فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصفّوا له حين صلّى الظّهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصّدّقا «1» فسررنا بذلك وقرّت به أعيننا، ثمّ إنّه رجع من بعض الطّريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله تعالى ومن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزالوا يكلّمونه حتّى جاء بلال فأذّن بصلاة العصر، قالت: ونزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات/ 6) .
وروى ابن جرير أيضا من طريق العوفيّ عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في هذه الاية قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصّدقات وأنّهم لمّا أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقّون رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه لمّا حدّث الوليد أنّهم خرجوا يتلقّونه رجع الوليد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ بني المصطلق قد منعوا الصّدقة، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك غضبا شديدا، فبينا هو يحدّث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله إنّا حدّثنا أنّ رسولك رجع من نصف الطّريق، وإنّا خشينا أنّما ردّه كتاب جاء منك غضب غضبته علينا، وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، وإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم استغشّهم «2» وهمّ بهم فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في الكتاب فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا إلى آخر الاية. وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصّدّقهم فتلقّوه بالصّدقة فرجع فقال: إنّ بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك. زاد قتادة: وأنّهم قد ارتدّوا عن الإسلام.
فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد- رضي الله عنه- وأمره أن يتثبّت ولا يعجل فانطلق حتّى أتاهم ليلا فبعث عيونه فلمّا جاءوا أخبروا خالدا- رضي الله عنه- أنّهم مستمسكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلمّا أصبحوا أتاهم خالد- رضي الله عنه- فرأى الّذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى هذه الاية. قال قتادة فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«التثبّت من الله والعجلة من الشيطان» ) * «3» .
2-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) المصّدّق هنا الذي يأخذ صدقات الغنم، وقد يأتي بمعنى الذي يصدقك في حديثك. الصحاح (4/ 1505) .
(2) استغشّهم من «الغشّ» ضد استنصحهم، والمراد أنه ظن بهم الغشّ، انظر اللسان (غشش) (ص 3260) ط، دار المعارف.
(3) تفسير ابن كثير (4/ 210، 211) ، وقال الحافظ ابن كثير: أن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ(3/904)
قال: مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه غنم فسلّم عليهم، قالوا: ما سلّم عليكم إلّا ليتعوّذّ منكم، فقاموا فقاتلوه، وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ 94)) * «1» .
الأحاديث الواردة في (التبين) معنى
3-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء ...
الحديث؛ وفيه: «فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؟ ... » الحديث) * «2» .
4-* (عن بريدة أنّ ماعز بن مالك الأسلميّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي قد ظلمت نفسي وزنيت وإنّي أريد أن تطهّرني، فردّه. فلمّا كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله، إنّي قد زنيت، فردّه الثانية. فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قومه فقال:
«أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا؟» فقالوا: ما نعلمه إلّا وفيّ العقل، من صالحينا، فيما نرى. فأتاه الثّالثة، فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنّه لا بأس به ولا بعقله، فلمّا كان الرّابعة حفر له حفرة ثمّ أمر به فرجم) * «3» .
5-* (عن عليّ- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، قال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ «4» ... » الحديث؛ وفيه: وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه قد صدقكم» فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال: «إنّه شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله- عزّ وجلّ- اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ) * «5» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل من بني فزارة إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل لك من
__________
فَتَبَيَّنُوا نزلت في الوليد بن عقبة، وقد روى ذلك من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده (المسند 4/ 279) .
(1) البخاري مختصرا. الفتح 8 (4591) ، الترمذي (3030) وقال: هذا حديث حسن، والحاكم في المستدرك (2/ 235) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) البخاري- الفتح 8 (4921) .
(3) البخاري- الفتح 12 (6824) ، ومسلم (1695) .
(4) روضة خاخ: مكان كانت فيه ظعينة (امرأة) تحمل كتابا من حاطب بن أبي بلتعة يخبر فيه قريشا ببعض أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(5) البخاري- الفتح 8 (4890) واللفظ له، ومسلم (2494) .(3/905)
إبل؟» قال: نعم. قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال:
«هل فيها من أورق؟» قال: إنّ فيها لورقا «1» ، قال:
«فأنّى أتاها ذلك؟» قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق» ) * «2» .
7-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: جاء عويمر العجلانيّ إلى عاصم بن عديّ فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله، أتقتلونه به؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسائل وعابها، فرجع عاصم فأخبره أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كره المسائل، فقال عويمر: والله لاتينّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: «قد أنزل الله فيكم قرآنا، فدعا بهما فتقدّما فتلاعنا، ثمّ قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ففارقها، ولم يأمره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفراقها، فجرت السّنّة في المتلاعنين، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة «3» فلا أراه إلّا قد كذب، وإن جاءت به أسحم «4» أعين ذا أليتين فلا أحسب إلّا قد صدق عليها، فجاءت به على الأمر المكروه» ) * «5» .
8-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خرجت جارية عليها أوضاح «6» بالمدينة، قال:
فرماها يهوديّ بحجر، قال: فجيء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبها رمق، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها. فأعاد عليها قال: «فلان قتلك؟» فرفعت رأسها. فقال لها الثّالثة: «فلان قتلك؟» فخفضت رأسها، فدعا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقتله بين الحجرين) * «7» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
دخلت عليّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي:
إنّ أهل القبور يعذّبون في قبورهم، فكذّبتهما، ولم أنعم أن أصدّقهما فخرجتا. ودخل عليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله إنّ عجوزين ... وذكرت له. فقال: «صدقتا إنّهم يعذّبون عذابا تسمعه البهائم كلّها» فما رأيته بعد في صلاة إلّا يتعوّذ من عذاب القبر) * «8» .
10-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمّد أتى رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أنّ الله
__________
(1) الورق: جمع أورق وهو من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد وهو أطيب الإبل لحما. الصحاح (4/ 1565) .
(2) البخاري- الفتح 9 (5305) ، ومسلم (1500) واللفظ له.
(3) الوحرة: دويبة حمراء تلزق بالأرض كالعظاء والجمع وحر. الصحاح (2/ 844) .
(4) الأسحم: الأسود، والأعين واسع العين وجمعه عين ومنه قيل لبقر الوحش عين، وللثور أعين، والبقرة عيناء. الصحاح (6/ 2172) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7304) ، ومسلم (1492) .
(6) أوضاح: حلي لها من قطع فضة ذكر أهل اللغة أن الفضة تسمى وضحا لبياضها، ويجمع على أوضاح.
(7) البخاري- الفتح 12 (6877) ، ومسلم (1672) .
(8) البخاري- الفتح 11 (6366) ، ومسلم (903) .(3/906)
أرسلك؟. قال: «صدق» ، قال: فمن خلق السّماء؟
قال: «الله» ، قال: فمن خلق الأرض؟ قال:
«الله» ، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟. قال: «الله» ، قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال: «نعم» ، قال: وزعم رسولك أنّ
علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: «صدق» ، قال: فبالّذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم» ... الحديث) * «1» .
11-* (كان عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتّى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟. قال: نعم، قال: من مراد ثمّ من قرن؟. قال:
نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلّا موضع درهم؟. قال: نعم، قال: لك والدة؟. قال نعم قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثمّ من قرن، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفرلي. فاستغفر له. فقال عمر: أين تريد؟
قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟. قال:
أكون من غبراء النّاس أحبّ إليّ) * «2» .
من الآثار الواردة في (التبين)
1-* (روي عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ رجلا سعى إليه برجل، فقال له: يا هذا نحن نسأل عمّا قلت، فإن كنت صادقا مقتناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين) * «3» .
2-* (روي عن عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- أنّه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الاية: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (الحجرات/ 6) ، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الاية: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (القلم/ 11) ، وإن شئت عفونا عنك؟. فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا) * «4» .
3-* (عن جابر بن سلمة أنّ أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر في كلّ شيء حتّى قالوا: لا يحسن يصلّي، فقال سعد: أما إنّي لا آلو أن أصلّي بهم صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أطيل الأوليين، وأحذف الأخريين، فقال: الظّنّ بك يا أبا إسحاق، وكان قد بعث من
__________
(1) مسلم (12) .
(2) مسلم (2542) .
(3) الإحياء للغزالي (3/ 157) .
(4) الإحياء للغزالي (3/ 156) .(3/907)
يسأل عنه بمحالّ الكوفة، فجعلوا لا يسألون أهل مسجد إلّا أثنوا خيرا، حتّى مرّوا بمسجد لبني عبس، فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة، فقال:
إنّ سعدا كان لا يسير في السّريّة، ولا يقسم بالسّويّة، ولا يعدل في الرّعيّة القضيّة. فبلغ سعدا فقال: اللهمّ إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره وأدم فقره، وأعم بصره وعرّضه للفتن، قال: فأنا رأيته بعد ذلك شيخا كبيرا قد سقط حاجباه على عينيه، يقف في الطّريق فيغمز الجواري، فيقال له، فيقول:
شيخ مفتون أصابته دعوة سعد) * «1» .
من فوائد (التبين)
(1) حفظ الأرواح وصيانة الدّماء.
(2) دليل رجاحة العقل وسلامة التّفكير.
(3) يقي المجتمع من مخاطر القرارات السّريعة غير المدروسة.
(4) يثمر الثّقة بالنّفس.
(5) البعد عن الشّكّ وهواجس الشّيطان.
(6) التّبيّن يحفظ حقوق الأفراد والجماعات ولا يجعلها عرضة للظّنّ.
__________
(1) البداية والنهاية لابن كثير (8/ 78) .(3/908)
التدبر
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 4/ 5/ 9/
التدبر لغة:
التّدبّر مصدر تدبّر وهو مأخوذ من مادّة (د ب ر) الّتي يقول عنها ابن فارس: أصل هذا الباب أنّ جلّه في قياس واحد وهو آخر الشّيء وخلفه خلاف قبله. فمعظم الباب أنّ الدّبر خلاف القبل، وفي الحديث لا تدابروا، وهو من الباب، وذلك أن يترك كلّ واحد منهما الإقبال على صاحبه بوجهه.. «1»
وقال ابن منظور: دبّر الأمر وتدبّره: نظر في عاقبته، واستدبره: رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، وعرف الأمر تدبّرا أي بأخرة، قال جرير:
ولا تتّقون الشّرّ حتّى يصيبكم ... ولا تعرفون الأمر إلّا تدبّرا
والتّدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تئول إليه عاقبته، والتّدبّر في الأمر: التّفكّر فيه، وفلان ما يدري قبال الأمر من دباره أي أوّله من آخره، ويقال:
إنّ فلانا لو استقبل من أمره ما استدبره لهدي لوجهة أمره أي لو علم في بدء أمره ما علمه في آخره لاسترشد لأمره، وقال أكثم بن صيفيّ لبنيه: يا بنيّ، لا تتدبّروا أعجاز أمور قد ولّت صدورها «2» .
واصطلاحا:
النّظر في عواقب الأمور وهو قريب من التّفكّر، إلّا أنّ التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّليل والتّدبّر تصرّفه بالنّظر في العواقب «3» .
تدبّر القرآن:
أمّا تدبّر القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبّره «4» وتعقّله وهو المقصود بإنزاله لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر.
الناس عند سماع القرآن أنواع:
قال تعالى في آياته المشهودة: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 36- 37) .
قال ابن القيّم- رحمه الله-: النّاس ثلاثة:
رجل قلبه ميّت، فذلك الّذي لا قلب له، فهذا ليست الاية ذكرى في حقّه.
الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعد، لكنّه غير مستمع للايات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الايات المشهودة، إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه وقلبه
__________
(1) مقاييس اللغة (2/ 324) .
(2) لسان العرب (4/ 273) دار صادر.
(3) انظر التعريفات للجرجاني (54) .
(4) مدارج السالكين (1/ 475) وقد استعمل في الأصل «تأم» وهو بمعنى التدبر.(3/909)
مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه.
والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ، تليت عليه الايات، فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السّمع، فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالايات المتلوّة والمشهودة.
فالأوّل: بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر.
والثّاني: بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثّالث: بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسّط من البعد والقرب، فهذا هو الّذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور.
فاعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر، واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار، فإذا سمع الايات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله. وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه، حتّى قيل: إنّ مثل حال الصّدّيق مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كمثل رجلين دخلا دارا، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئيّاته، والاخر وقعت يده على ما في الدّار ولم ير تفاصيله ولا جزئياته، لكن علم أنّ فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها، ثمّ خرجا فسأله عمّا رأى في الدّار فجعل كلّما أخبره بشيء صدّقه، لما عنده من شواهد، وهذه أعلى الدّرجات الصّدّيقيّة، ولا تستبعد أن يمنّ الله المنّان على عبد بمثل هذا الإيمان. فإنّ فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان.
فصاحب هذا القلب إذا سمع الايات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ (البقرة/ 265) والوابل والطّلّ في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها. وأهل الجنّة سابقون مقرّبون وأصحاب يمين وبينهما في درجات التّفضيل ما بينهما «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاعتبار- التأمل التذكر- التفكر- الوعظ- النظر والتبصر- التبين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الطيش- التفريط والإفراط- اتباع الهوى] .
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 475- 477) .(3/910)
الآيات الواردة في «التدبر»
1- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) «1»
2- أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) «2»
3- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) «3»
4- أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24) «4»
__________
(1) النساء: 82 مدنية
(2) المؤمنون: 68 مكية
(3) ص: 29 مكية
(4) محمد: 24 مكية(3/911)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التدبر) *
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: بتّ عند خالتي ميمونة فتحدّث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعة ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الاخر قعد فنظر إلى السّماء فقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ 190) » ، ثمّ قام فتوضّأ واستنّ فصلّى «1» إحدى عشرة ركعة ثمّ أذّن بلال فصلّى ركعتين
ثمّ خرج فصلّى الصّبح) * «2» .
2-* (عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، صلاة، فأطال فيها.
فلمّا انصرف قلنا (أو قالوا) : يا رسول الله أطلت اليوم الصّلاة. قال: «إنّي صلّيت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله عزّ وجلّ لأمّتي ثلاثا، فأعطاني اثنتين، وردّ عليّ واحدة، سألته أن لا يسلّط عليهم عدوّا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقا، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليّ» ) * «3» .
3-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسّلا «4» ، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ) * «5» .
4-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ عليّ» قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النّساء، حتّى بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (النساء/ 41) ، قال: «أمسك» ، فإذا عيناه تذرفان) * «6» .
5-* (عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت:
كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة «7» في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء يتحنّث فيه (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد ... الحديث) * «8» .
__________
* ذكرت هذه الأحاديث في صفة التأمل، نظرا لأن التأمل مقدمة للتفكر ومؤدّ إلى التدبر.
(1) استن فصلّى: بمعنى: أمرّ السواك على أسنانه.
(2) البخاري- الفتح 8 (4569) ، مسلم (763) .
(3) ابن ماجة (3951) ، وفي الزوائد: إسناده صحيح، والترمذي (2175) ، وقال: حديث حسن صحيح.
(4) الترسل في القراءة التّمهل فيها.
(5) مسلم (772) .
(6) البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له، ومسلم (800) .
(7) معنى الصدق في الرؤيا: أن تكون مطابقة في الواقع لما رآه النائم في نومه، وفلق الصبح ضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه. ابن حجر- فتح الباري (1/ 31) .
(8) البخاري- الفتح 8 (4953) ، مسلم (160) واللفظ له.(3/912)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التدبر)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة بلا قلب» ) * «1» .
2-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان إذا تلا هذه الاية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (الحديد/ 16) قال: «بلى يا ربّ، بلى يا ربّ» ) * «2» .
3-* (عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر بن الخطّاب إلى الكوفة وشيّعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قلنا: لحقّ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولحقّ الأنصار، قال: «لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنّكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزير كهزير المرجل «3» ، فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمّد، فأقلّوا الرّواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أنا شريككم» ) * «4» .
4-* (عن طاوس قال: «قال الحواريّون لعيسى ابن مريم: يا روح الله، هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ونظره عبرة فإنّه مثلي» ) * «5» .
5-* (قال عبد الله بن المبارك: «مرّ رجل براهب عند مقبرة ومزبلة، فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر، كنز الرّجال، وكنز الأموال» ) * «6» .
6-* (عن محمّد بن كعب القرظيّ قال:
«لأن أقرأ في ليلتي حتّى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة، لا أزيد عليهما، وأتردّد فيهما، وأتفكّر أحبّ إليّ من أن أهذّ «7» القرآن ليلتي هذّا- أو قال- أنثره نثرا» ) * «8» .
7-* (قال الشّافعيّ- رحمه الله-: «استعينوا على الكلام بالصّمت، وعلى الاستنباط بالفكر» .
وقال أيضا: «صحّة النّظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرّأي سلامة من التّفريط والنّدم، والرّؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النّفس وقوة في البصيرة، ففكّر قبل أن تعزم، وتدبّر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تقدم» ) * «9» .
8-* (قال الفضيل: «إنّما نزل القرآن ليعمل به فاتّخذ النّاس قراءته عملا، قيل: كيف العمل به؟
قال: ليحلّوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه» ) * «10» .
__________
(1) الإحياء للغزالي (4/ 425) .
(2) الدر المنثور للسيوطي (8/ 59) .
(3) الهزير (لعلها الهزيز) والمراد صوت المرجل إذا غلا فيه الماء.
(4) ابن ماجة (28) .
(5) الإحياء للغزالي (4/ 424) .
(6) تفسير ابن كثير (1/ 438) .
(7) أهذّ: أي أن أقرأه بسرعة.
(8) كتاب الزهد لابن المبارك (97) .
(9) الإحياء (4/ 425) .
(10) انظر اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (76) .(3/913)
9-* (قال الغزاليّ- رحمه الله-: «كثر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار والنّظر والافتكار، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله ورتبته لكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره» ) * «1» .
ثمار تدبر القرآن
قال ابن القيّم: أمّا التّأمّل في القرآن: فهو تحديق نظر القلب إلى معانيه. وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله. وهو المقصود بإنزاله، لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر، قال الله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (ص/ 29) ، وقال تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (محمد/ 24) وقال تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون/ 68) ، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الزخرف/ 3) وقال الحسن: «نزل القرآن ليتدبّر ويعمل به. فاتّخذوا تلاوته عملا» .
فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبّر القرآن، وإطالة التّأمّل. وجمع الفكر على معاني آياته. فإنّها تطلع العبد على معالم الخير والشّرّ بحذافيرها، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتتلّ في يده «2» مفاتيح كنوز السّعادة والعلوم النّافعة وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه.
وتشيّد بنيانه، وتوطّد أركانه. وتريه صورة الدّنيا والاخرة، والجنّة والنّار في قلبه. وتحضره بين الأمم وتريه أيّام الله فيهم. وتبصّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله. وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبّه وما يبغضه، وصراطه الموصّل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطّريق وآفاتها. وتعرّفه النّفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصحّحاتها وتعرّفه طريق أهل الجنّة وأهل النّار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السّعادة وأهل الشّقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرّفه الرّبّ المدعوّ إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.
وتعرّفه مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشّيطان، والطّريق الموصّلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه.
فهذه ستّة أمور ضروريّ للعبد معرفتها، ومشاهدتها ومطالعتها. فتشهده الاخرة حتّى كأنّه فيها، وتغيّبه عن الدّنيا حتّى كأنّه ليس فيها، وتميّز له بين الحقّ والباطل في كلّ ما اختلف فيه العالم، فتريه الحقّ حقّا، والباطل باطلا. وتعطيه فرقانا ونورا يفرّق
__________
(1) الإحياء للغزالي (4/ 423) .
(2) تل الشيء في يده: وضعه فيها.(3/914)
به بين الهدى والضّلال، والغيّ والرّشاد، وتعطيه قوّة في قلبه، وحياة واسعة وانشراحا وبهجة وسرورا.
فيصير في شأن والنّاس في شأن آخر.
فإنّ معاني القرآن دائرة على التّوحيد وبراهينه، والعلم بالله وما له من أوصاف الكمال، وما ينزّه عنه من سمات النّقص، وعلى الإيمان بالرّسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلّة صحّة نبوّتهم، والتّعريف بحقوق مرسلهم، وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جعلوا عليه من أمر العالم العلويّ والسّفليّ، وما يختصّ بالنّوع الإنسانيّ منهم، من حين يستقّر في رحم أمّه إلى يوم يوافي ربّه ويقدم عليه، وعلى الإيمان باليوم الاخر وما أعدّ الله فيه لأوليائه من دار النّعيم المطلق، الّتي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد ولا تنغيص. وما أعدّ لأعدائه من دار العقاب الوبيل، الّتي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح. وتفاصيل ذلك أتمّ تفصيل وأبينه. وعلى تفاصيل الأمر والنّهي، والشّرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص، والأمثال، والأسباب، والحكم، والمبادىء، والغايات، في خلقه وأمره.
فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربّه بالوعد الجميل، وتحذّره وتخوّفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتحثّه على التّضمّر والتّخفّف للقاء اليوم الثّقيل، وتهديه في ظلم الاراء والمذاهب إلى سواء السّبيل.
وتصدّه عن اقتحام طرق البدع والأضاليل وتبعثه على الازدياد من النّعم بشكر ربّه الجليل، وتبصّره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلّا يتعدّاها فيقع في العناء الطّويل، وتثبّت قلبه عن الزّيغ والميل عن الحقّ والتّحويل. وتسهّل عليه الأمور الصّعاب والعقبات الشّاقّة غاية التّسهيل. وتناديه كلّما فترت عزماته، وونى في سيره: تقدّم الرّكب وفاتك الدليل. فاللّحاق اللّحاق، والرّحيل الرّحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدّليل. وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.
وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد «1» .
من فوائد (التدبر)
(1) يفضي إلى رسوخ الإيمان في القلب.
(2) يجعل الإنسان راغبا راهبا.
(3) النّجاة من الغرور.
(4) الحزم والفطنة من ثمراته.
(5) دقّة التّمييز بين الطّيّب والخبيث والفاسد والصّحيح.
وانظر أيضا فوائد صفة التفكر
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 485- 487) .(3/915)
التذكر
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 47/ 13/ 9/
التذكر لغة:
مصدر تذكّر على وزن تفعّل وهذا الوزن يفيد التّدرّج والارتقاء شيئا فشيئا، يقول الجوهريّ: وذكرت الشّيء بعد النّسيان وذكرته بلساني وبقلبي، وتذكّرته وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى (واحد) قال الله تعالى وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أي ذكره بعد نسيان وأصله اذتكر فأدغم، والتّذكرة ما تستذكر به الحاجة «1» ... ونقل في اللّسان عن الفرّاء قوله:
يكون الذّكرى بمعنى الذّكر، ويكون بمعنى التّذكّر، في قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) ، والذّكر والذّكرى، بالكسر:
نقيض النّسيان، وكذلك الذّكرة «2» .
واصطلاحا:
قال ابن القيّم- رحمه الله- في منزلة التّذكّر:
والتّذكّر تفعّل من الذّكر، وهو ضدّ النّسيان، وهو حضور صورة المذكور العلميّة في القلب، واختير له بناء التّفعّل لحصوله بعد مهلة وتدرّج، كالتّبصّر والتّفهّم والتّعلّم.
العلاقة بين التذكر والتفكر:
قال ابن القيّم: فمنزلة التّذكّر من التّفكّر منزلة حصول الشّيء المطلوب بعد التّفتيش عليه، ولهذا كانت آيات الله- المتلوّة والمشهودة ذكرى، كما قال في المتلوّة وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ* هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (غافر/ 53- 54) وقال عن القرآن: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (الحاقة/ 48) ، وقال في آياته المشهودة:
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ* وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (ق/ 6- 8) .
فالتّبصرة آلة البصر، والتّذكرة آلة الذّكر، وقرن بينهما وجعلهما لأهل الإنابة؛ لأنّ العبد إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الايات والعبر، فاستدلّ بها على ما هي آيات له. فزال عنه الإعراض بالإنابة، والعمى بالتّبصرة، والغفلة بالتّذكرة؛ لأنّ التّبصرة توجب له حصول صورة المدلول في القلب بعد غفلته عنها.
فترتيب المنازل الثّلاثة أحسن ترتيب، ثمّ إنّ كلّا منها يمدّ صاحبه ويقوّيه ويثمره.
وقال تعالى في آياته المشهودة: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ «3» إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ 36- 37) .
__________
(1) الصحاح (2/ 565) .
(2) لسان العرب (4/ 308- 309) ، المصباح المنير (1/ 223) .
(3) محيص: أي محيد ومهرب. انظر تفسير الطبري (17/ 23) .(3/916)
والنّاس ثلاثة: رجل قلبه ميّت، فذلك الّذي لا قلب له، فهذا ليست الاية ذكرى في حقّه.
الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعدّ، لكنّه غير مستمع للايات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الايات المشهودة، إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكنّ قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه.
والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ، تليت عليه الايات، فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السّمع، فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالايات المتلوّة والمشهودة.
فالأوّل: بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر.
والثّاني: بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثّالث: بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسّط من البعد والقرب، فهذا هو الّذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور.
فاعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر، واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار، فإذا سمع الايات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق الله. وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم.
فصاحب هذا القلب إذا سمع الايات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا «1» .
التذكر في القرآن الكريم:
ورد التّذكّر والذّكرى في القرآن الكريم في مواضع عديدة اقترن بعضها بالاستفهام الإنكاريّ كما في قوله سبحانه: أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (الأنعام/ 80، والسجدة/ 4) واقترن بعضها بلفظ «لعلّ» الّتي تفيد الحثّ على التّذكر ببيان الأسباب الدّاعية إليه، وجاءت آيات أخرى تمدح المتذكّرين وتجعل الذّكرى من صفات أولى الألباب، وقد سجّلت آيات أخرى على الإنسان قلّة تذكّره أو عدم تذكّره مع وجود الدّاعي لذلك من تلاوة آي القرآن أو جعل اللّيل والنّهار خلفة أو إطالة العمر ونحو ذلك. وسنقوم فيما يلي بتصنيف الايات الكريمة الواردة في التّذكّر تبعا لسياقاتها الّتي أشرنا إليها.
[للاستزادة: انظر صفات: الاعتبار- التأمل التفكر- تذكر الموت- التذكير.
وفي ضد ذلك انظر صفات: الإعراض- اتباع الهوى- التفريط والإفراط- الغفلة- طول الأمل] .
__________
(1) مدارج السالكين (1/ 474- 477) باختصار.(3/917)
الآيات الواردة في «التذكر»
التذكر مقترنا بالاستفهام الإنكارى (يراد منه التعجّب) :
1- وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) «1»
2- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3) «2»
3- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) «3»
4- وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) «4»
5- أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) «5»
6- وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (41) «6»
7- قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) «7»
8- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) «8»
9- وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) «9»
__________
(1) الأنعام: 80 مكية
(2) يونس: 3 مكية
(3) هود: 24 مكية
(4) هود: 30 مكية
(5) النحل: 17 مكية
(6) الإسراء: 41 مكية
(7) المؤمنون: 84- 85 مكية
(8) السجدة: 4 مكية
(9) فاطر: 36- 37 مكية(3/918)
10- أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) «1»
11- أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) «2»
القرآن يحثنا على التذكر ويمتدح المتذكرين:
12- وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) «3»
13- يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (269) «4»
14- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (7) «5»
15- وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) «6»
16- وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(152) «7»
17- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) «8»
18- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِ
__________
(1) الصافات: 151- 155 مكية
(2) الجاثية: 23 مكية
(3) البقرة: 221 مدنية
(4) البقرة: 269 مدنية
(5) آل عمران: 7 مدنية
(6) الأنعام: 126 مكية
(7) الأنعام: 152 مكية
(8) الأعراف: 26 مكية(3/919)
الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) «1»
19- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) «2»
20- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24)
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) «3»
21- هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52) «4»
22- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) «5»
23- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43)
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) «6»
24- سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) «7»
25- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) «8»
26- وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (48)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (49)
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (50) «9»
27- وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (62) «10»
28- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) «11»
29- وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) «12»
30- وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) «13»
__________
(1) الأعراف: 57 مكية
(2) الأعراف: 201 مكية
(3) إبراهيم: 24- 25 مكية
(4) إبراهيم: 52 مكية
(5) النحل: 90 مكية
(6) طه: 43- 44 مكية
(7) النور: 1 مدنية
(8) النور: 27 مدنية
(9) الفرقان: 48- 50 مكية
(10) الفرقان: 62 مكية
(11) القصص: 43 مكية
(12) القصص: 46 مكية
(13) القصص: 51 مكية(3/920)
31- كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) «1»
32- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) «2»
33- وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) «3»
34- هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) «4»
35- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «5»
36- أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) «6»
37- فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) «7»
38- وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) «8»
39- وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) «9»
40- عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2)
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) «10»
41- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10)
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) «11»
القرآن يصف الإنسان بقلة التذكر:
42- اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (3) «12»
43- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (62) «13»
__________
(1) ص: 29 مكية
(2) الزمر: 9 مكية
(3) الزمر: 27 مكية
(4) غافر: 13 مكية
(5) غافر: 58 مكية
(6) الدخان: 13 مكية
(7) الدخان: 58 مكية
(8) الذاريات: 47- 49 مكية
(9) الواقعة: 62 مكية
(10) عبس: 1- 4 مكية
(11) الأعلى: 9- 11 مكية
(12) الأعراف: 3 مكية
(13) النمل: 62 مكية(3/921)
44- وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) «1»
45- فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38)
وَما لا تُبْصِرُونَ (39)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41)
وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) «2»
تذكر الإنسان يوم القيامة:
46- فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) «3»
47- كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (23) «4»
__________
(1) غافر: 58 مكية
(2) الحاقة: 38- 42 مكية
(3) النازعات: 34- 35 مكية
(4) الفجر: 21- 23 مكية(3/922)
الأحاديث الواردة في (التذكر)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور؛ فإنّها تذكّر بالموت» ) * «1» .
2-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا مات فدخل الجنّة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ (قال: فإمّا ذكر وإمّا ذكّر) فقال: إنّي كنت أبايع النّاس، فكنت أنظر المعسر وأتجوّز في السّكّة أو في النّقد. فغفر له» فقال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
3-* (عن سعيد بن المسيّب وعطاء بن يزيد اللّيثيّ أنّ أبا هريرة- رضي الله عنه- أخبرهما: أنّ النّاس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟
قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فهل تمارون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» ، قالوا لا، قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يحشر النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبع، فمنهم من يتّبع الشّمس، ومنهم من يتّبع القمر، ومنهم من يتّبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول أنا ربّكم، فيقولون: هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربّنا، فيدعوهم فيضرب الصّراط بين ظهراني جهنّم، فأكون أوّل من يجوز من الرّسل بأمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلّا الرّسل وكلام الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم، وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «3» ، هل رأيتم شوك السّعدان؟» ، قالوا: نعم، قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم، فمنهم من يوبق «4» بعمله، ومنهم من يخردل «5» ثمّ ينجو. حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجوهم، ويعرفونهم باثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود، فيخرجون من النّار، فكلّ ابن آدم تأكله النّار إلّا أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا «6» ، فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبّة «7» في حميل السّيل «8» . ثمّ يفرغ
__________
(1) مسلم (976) .
(2) مسلم (1560) .
(3) السعدان: نبت ذو شوك، من مراعي الإبل الجيدة.
(4) يوبق: أو بقته الذنوب: أي أهلكته.
(5) يخردل: المخردل: المرمي المصروع، وقيل: هو المقطع، والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط، حتى يقع في النار.
(6) امتحشوا: الامتحاش: الاحتراق، وقيل: هو أن تذهب النار الجلد وتبدي العظم.
(7) الحبة: بكسر الحاء: البزورات، وبفتحها: كالحنطة والشعير.
(8) حميل السيل: الزبد وما يلقيه على شاطئه، وهو فعيل بمعنى مفعول.(3/923)
الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنّة والنّار وهو آخر أهل النّار دخولا الجنّة- مقبل بوجهه قبل النّار، فيقول: يا ربّ اصرف وجهي عن النّار، قد قشبني «1» ريحها وأحرقني ذكاؤها «2» . فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول:
لا وعزّتك. فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النّار، فإذا أقبل به على الجنّة رأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ قال:
يا ربّ قدّمني عند باب الجنّة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي كنت سألت؟ فيقول: يا ربّ، لا أكون أشقى خلقك، فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره، فيقول: لا، وعزّتك لا أسأل غير ذلك. فيعطي ربّه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدّمه إلى باب الجنّة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها «3» وما فيها من النّضرة والسّرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا ربّ، أدخلني الجنّة، فيقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي أعطيت؟، فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله- عزّ وجلّ- منه، ثمّ يأذن له في دخول الجنّة، فيقول: تمنّ، فيتمنّى. حتّى إذا انقطع أمنيّته، قال الله- عزّ وجلّ-: من كذا وكذا- أقبل يذكّره ربّه- حتّى إذا انتهت به الأمانيّ قال الله تعالى «لك ذلك ومثله معه» ، قال أبو سعيد الخدريّ لأبي هريرة- رضي الله عنهما-: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله» ، قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّا قوله: «لك ذلك ومثله معه» ، قال أبو سعيد: إنّي سمعته يقول:
«ذلك لك وعشرة أمثاله» ) * «4» .
4-* (عن معاوية بن حيدة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه كان عبد من عباد الله- جلّ وعزّ- أعطاه الله مالا وولدا فكان لا يدين لله تبارك وتعالى دينا فلبث حتّى إذا ذهب منه عمر أو بقي عمر تذكّر فعلم أنّه لن يبتئر «5» عند الله تبارك وتعالى خيرا، دعا بنيه فقال أيّ أب تعلموني؟. قالوا:
خيره «6» يا أبانا، قال: والله لا أدع عند أحد منكم مالا هو منّي إلّا أنا آخذه منه ولتفعلنّ بي ما آمركم، قال:
فأخذ منهم ميثاقا- وربّيّ-. فقال: أمّا لا فإذا أنا متّ فألقوني في النّار حتّى إذا كنت حمما فدقّوني، قال:
فكأنّي أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول بيده على فخذه «ثمّ أذروني في الرّيح لعلّي أضلّ الله- تبارك وتعالى- قال: ففعلوا ذلك به وربّ محمّد حين مات فجيء به في أحسن ما كان قطّ فعرض على ربّه تبارك وتعالى فقال: ما حملك على النّار، قال: خشيتك يا
__________
(1) قشبني ريحها: آذاني، والقشب السم، والقشيب: المسموم، فكأنه قال: قد سمني ريحها.
(2) ذكاؤها: ذكا النار: مفتوح الأول مقصورا: اشتعالها ولهبها.
(3) الزهرة: الحسن والنضارة والبهجة.
(4) البخاري- الفتح 2 (806) واللفظ له، مسلم (182) .
(5) يبتئر: أي يدّخر يقال بأرت الشيء وابتأرته إذا ادخرته. الصحاح (2/ 583) .
(6) خيره: أي خير أب نعلمه.(3/924)
ربّاه، قال: إنّي أسمعك لراهبا فتيب عليه» ) * «1» .
5-* (عن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسّي، استذكروا القرآن، فلهو أشدّ تفصّيا «2» من صدور الرّجال من النّعم بعقلها» ) * «3» .
6-* (عن ربعيّ بن حراش أنّ حذيفة حدّثه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تلقّت الملائكة روح رجل ممّن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ فقال: لا، قالوا: تذكّر، قال: كنت أداين النّاس، فامر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوّزوا عن الموسر، قال: قال الله: تجوزّوا عنه» ) * «4» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا يقرأ في المسجد، فقال:
«رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهنّ من سورة كذا وكذا» ، وزاد عبّاد بن عبد الله عن عائشة «تهجّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فسمع صوت عبّاد يصلّي في المسجد فقال: يا عائشة، أصوت عبّاد هذا؟ قلت:
نعم، قال: اللهمّ ارحم عبّادا» ) * «5» .
8-* (عن علقمة قال: قال عبد الله- رضي الله عنه-: صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلمّا سلّم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصّلاة شيء؟ قال: «وما ذاك؟» قالوا: صلّيت كذا وكذا، فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثمّ سلّم، فلمّا أقبل علينا بوجهه قال: «إنّه لو حدث في الصّلاة شيء لنبّأتكم به، ولكن إنّما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني وإذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب، فليتمّ ما عليه ثمّ ليسلّم، ثمّ يسجد سجدتين» ) * «6» .
9-* (عن حنظلة الأسيّديّ «7» قال: (وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لقيني أبو بكر فقال:
كيف أنت؟ يا حنظلة، قال: قلت: نافق حنظلة. قال:
سبحان الله ما تقول؟، قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين «8» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عافسنا «9» الأزواج والأولاد والضّيعات «10» . فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق
__________
(1) أحمد (5/ 5) وعند البخاري في حديث أبي سعيد (7508) ، مسلم (2757) ، وهذا لفظ أحمد.
(2) تفصّيا: أصل الفصية الشيء تكون فيه ثم تخرج منه، ومنه يقال: ما كدت أتفصّى من فلان أي ما كدت أتخلص منه، وتفصّيت من الديون خرجت منها. الصحاح (6/ 2455) .
(3) البخاري- الفتح 8 (5032) ، مسلم (790) .
(4) البخاري- الفتح 4 (2077) ، مسلم (1560) واللفظ له، والدارمي (2549) وهذا لفظ الدارمي.
(5) البخاري- الفتح 5 (2655) ، مسلم (788) .
(6) البخاري- الفتح 1 (401) ، مسلم (572) .
(7) الأسيدي: ضبطوه بوجهين، أصحهما وأشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة، والثاني كذلك إلا أنه بإسكان الياء، ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني. وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم.
(8) حتى كأنا رأي عين: قال القاضي: ضبطناه رأي العين، بالرفع، أي كأنا بحال من يراها بعينه، قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي العين.
(9) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(10) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو عقار أو حرفة أو صناعة.(3/925)
حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» ، قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرّات) * «1» .
10-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: لمّا كان ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقي إبراهيم، وموسى، وعيسى، فتذاكروا السّاعة متى هي؟ فبدءوا بإبراهيم، فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، فسألوا موسى، فلم يكن عنده منها علم، فردّوا «2» الحديث إلى عيسى، فقال: قد عهد الله إليّ فيما دون وجبتها، فلا يعلمها إلّا الله، فذكر خروج الدّجّال، قال: فأهبط فأقتله، ثمّ يرجع النّاس إلى بلادهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج، وهم من كلّ حدب ينسلون، لا يمرّون بماء إلّا شربوه، ولا بشيء إلّا أفسدوه، فيجأرون إلى الله، فأدعو الله فيميتهم، فتخوى الأرض من ريحهم، فيجأرون إلى الله، فأدعو الله، فيرسل السّماء بالماء فيحملهم فيلقيهم في البحر، ثمّ تنسف الجبال وتمدّ الأرض مدّ الأديم، فعهد الله إليّ أنّه إذا كان ذلك، أنّ السّاعة من النّاس، كالحامل المتمّ لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلا أو نهارا. قال العوّام. فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ثمّ قرأ حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ (الأنبياء/ 96- 97)) * «3» .
11-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولّاه الله من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه» ) * «4» .
12-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة» ) * «5» .
13-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الرّقيم فقال:
«إنّ ثلاثة كانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم. قال قائل منهم: تذاكروا أيّكم عمل حسنة لعلّ الله عزّ وجلّ برحمته يرحمنا،
__________
(1) مسلم (2750) .
(2) ردّ: بمعنى صار.
(3) ابن ماجة (4081) ، وفي الزوائد: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات، ومؤثر بن غفارة، ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 488- 489) واللفظ له،
وقال: هذا صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(4) الهيثمي في المجمع (5/ 210) وقال: رواه أحمد والبزار ورجال البزار رجال الصحيح. والنسائي (7/ 159) .
(5) مسلم (977) ، وأبو داود (3235) واللفظ له، وقال الألباني صحيح- الأحكام (188) .(3/926)
فقال رجل منهم: قد عملت حسنة مرّة كان لي أجراء يعملون فجاءني عمّال لي فاستأجرت كلّ رجل منهم بأجر معلوم فجاءني رجل ذات يوم وسط النّهار فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل في بقيّة نهاره كما عمل كلّ رجل منهم في نهاره كلّه فرأيت عليّ في الذّمام أن لا أنقصه ممّا استأجرت به أصحابه لمّا جهد في عمله، فقال رجل منهم: أتعطي هذا مثل ما أعطيتني ولم يعمل إلّا نصف نهار؟، فقلت: يا عبد الله، لم أبخسك شيئا من شرطك وإنّما هو مالي أحكم فيه ما شئت، قال فغضب وذهب وترك أجره، قال: فوضعت حقّه في جانب البيت ما شاء الله ثمّ مرّت بي بعد ذلك بقر فاشتريت به فصيلة من البقر فبلغت ما شاء الله، فمرّ بي بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه فقال: إنّ لي عندك حقّا فذكّرنيه حتّى عرفته، فقلت: إيّاك أبغي هذا حقّك فعرضتها عليه جميعا، فقال: يا عبد الله، لا تسخر بي إن لم تصدّق عليّ فأعطني حقّي، قال: والله لا أسخر بك إنّها لحقّك ما لي منها شيء فدفعتها إليه جميعا، اللهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا. قال: فانصدع الجبل حتّى رأوا منه وأبصروا. قال الاخر: قد عملت حسنة مرّة، كان لي فضل فأصابت النّاس شدّة فجاءتني امرأة تطلب منّي معروفا، قال: فقلت والله ما هو دون نفسك فأبت عليّ، فذهبت ثمّ رجعت فذكّرتني بالله فأبيت عليها وقلت:
لا والله ما هو دون نفسك فأبت عليّ وذهبت فذكرت لزوجها فقال لها: أعطيه نفسك، وأغني عيالك، فرجعت إليّ فناشدتني بالله فأبيت عليها، وقلت: والله ما هو دون نفسك فلمّا رأت ذلك أسلمت إليّ نفسها فلمّا تكشّفتها وهممت بها ارتعدت من تحتي فقلت لها: ما شأنك، قالت: أخاف الله ربّ العالمين، قلت لها: خفتيه «1» في الشّدّة ولم أخفه في الرّخاء فتركتها وأعطيتها ما يحقّ عليّ بما تكشّفتها، اللهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا، قال: فانصدع حتّى عرفوا وتبيّن لهم. قال الاخر: وعملت حسنة مرّة، كان لي أبوان شيخان كبيران، وكانت لي غنم فكنت أطعم أبويّ وأسقيهما، ثمّ رجعت إلى غنمي قال:
فأصابني يوما غيث حبسني فلم أبرح حتّى أمسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت وغنمي قائمة فمضيت إلى أبويّ فوجدتهما قد ناما، فشقّ عليّ أن أوقظهما، وشقّ عليّ أن أترك غنمي، فما برحت جالسا ومحلبي على يدي حتّى أيقظهما الصّبح فسقيتهما اللهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنّا» ، قال النّعمان: لكأنّي أسمع هذه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الجبل: طاق ففرّج الله عنهم فخرجوا) * «2» .
__________
(1) خفتيه: هكذا رواية أحمد، واللغة ترى أن يكون بغير ياء هكذا (خفته) .
(2) البخاري- الفتح 4 (2215) ، مسلم (2743) ، أحمد (4/ 274) وهذا لفظ أحمد.(3/927)
الأحاديث الواردة في (التذكر) معنى
انظر صفة (التفكر)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التذكر)
1-* (عن شقيق بن سلمة أبي وائل أنّ رجلا من بني تغلب يقال له الصّبيّ بن معبد وكان نصرانيّا فأسلم، فأقبل في أوّل ما حجّ فلبّى بحجّ وعمرة جميعا فهو كذلك يلبّي بهما جميعا فمرّ على سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان، فقال أحدهما:
لأنت أضلّ من جملك هذا، فقال الصّبيّ: فلم يزل في نفسي حتّى لقيت عمر بن الخطّاب، فذكرت ذلك له، فقال: هديت لسنّة نبيّك صلّى الله عليه وسلّم، قال شقيق: وكنت أختلف أنا ومسروق بن الأجدع إلى الصّبيّ بن معبد نستذكره فلقد اختلفنا إليه مرارا أنا ومسروق بن الأجدع) * «1» .
2-* (عن مطرّف بن عبد الله قال: صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنا وعمران ابن حصين، فكان إذا سجد كبّر وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الرّكعتين كبّر، فلمّا قضى الصّلاة أخذ بيدي عمران بن حصين، فقال: قد ذكّرني هذا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم- أو قال- لقد صلّى بنا صلاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم) * «2» .
3-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ أمّ الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (المرسلات/ 1) ، فقالت له:
يا بنيّ لقد ذكّرتني بقراءتك هذه السّورة. إنّها لاخر ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ بها في المغرب» ) * «3» .
4-* (قال عصام بن المصطلق: «دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فأعجبني سمته وحسن روائه، فأثار منّي الحسد ما كان يجنّه صدري لأبيه من البغض، فقلت: أنت ابن أبي طالب، قال: نعم، فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رءوف، ثمّ قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم بسم الله الرّحمن الرّحيم خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف/ 199- 201) فقرأ إلى قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، ثمّ قال لي: خفّض عليك، استغفر الله لي ولك، إنّك لو استعنتنا أعنّاك، ولو استرفدتنا أرفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، فتوسّم فيّ النّدم على ما فرط منّي فقال: قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
__________
(1) النسائي (5/ 147- 148) .
(2) البخاري- الفتح 2 (786) ، مسلم (393) .
(3) تنوير الحوالك (1/ 100) .(3/928)
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف/ 92) أمن أهل الشّام أنت؟ قلت: نعم. فقال:
«شنشنة أعرفها من أخزم» حيّاك الله وبيّاك، وعافاك، وآداك «1» ؛ انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدنا عند أفضل ظنّك، إن شاء الله، قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت أنّها ساخت بي، ثمّ تسلّلت منه لواذا، وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه» ) * «2» .
5-* (قال سعيد بن جبير في قوله تعالى:
تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) هو الرّجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ» ) * «3» .
6-* (وقال مجاهد: الرّجل يهمّ بالذّنب فيذكر الله فيدعه» ) * «4» .
7-* (وقال مقاتل: «إنّ المتّقي إذا أصابه نزغ من الشّيطان تذكّر وعرف أنّه معصيه فأبصر فنزع عن مخالفة الله» ) * «5» .
8-* (قال ابن كثير في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) أي تذكّروا عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب» ) * «6» .
9-* (ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمرو ابن جامع من تاريخه أنّ شابّا كان يتعبّد في المسجد فهويته امرأة فدعته إلى نفسها فما زالت به حتّى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الاية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) فخرّ مغشيّا عليه ثمّ أفاق فأعادها فمات، فجاء عمرو فعزّى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلّى على قبره بمن معه ثمّ ناداه عمرو فقال يا فتى، وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (الرحمن/ 46) فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمرو قد أعطانيها ربّي- عزّ وجلّ- في الجنّة مرّتين» ) * «7» .
__________
(1) آداك بمعنى أعانك وقواك.
(2) تفسير القرطبي مج 2، ج 9، ص (350- 351) .
(3) تفسير البغوي، مج 5، ج 9، ص (225) .
(4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6) تفسير ابن كثير، مج 2، ج 9، ص (290) .
(7) المصدر السابق، مج 2، ج 9، ص (291) .(3/929)
من فوائد (التذكر)
(1) يجعل المسلم على صلة مع ربّه عند ما يتذكّر آلاءه.
(2) يديم النّظر في مخلوقات الله فيزداد إيمانا ويقينا.
(3) تنعكس على صاحبه ملامح النّجابة والفطنة والذّكاء.
(4) يكسب الوجه نضارة واستنارة.
(5) يحبّه الله والملائكة المقرّبون وعباد الله الصّالحون.
(6) التّذكّر يزيل الغفلة ويمدّ صاحبه بزاد من الإيمان لا ينفد.
(7) التّذكّر يبعث على العظة والاعتبار خاصّة ما حدث للأمم السّابقة.
(8) بالتّذكر يتغلّب الإنسان على هوى الشّيطان ويمدّه بالبصيرة النّافذة إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف/ 201) .
(9) التّذكّر يرفع الرّوح المعنويّة لصاحبه ويجعله ضمن أولى الألباب ويدخله في المنيبين.
(10) التّذكّر يبعد الإنسان عن الذّنوب ويحثّه على الإنابة.(3/930)
تذكر الموت (قصر الأمل)
/الآيات/ الأحاديث/ الآثار
/ 56/ 73/ 38/
1- التذكر لغة:
قال ابن منظور: الذّكر: الحفظ للشّيء تذكره، والذّكر جري الشّيء على لسانك.
واستذكره: كاذّكره، وأذكره إيّاه: ذكّره، والاسم الذّكرى.
يكون الذّكرى بمعنى الذّكر ويكون بمعنى التّذكّر، والذّكر والذّكرى بالكسر نقيض النّسيان وكذلك الذّكرة.
والتّذكرة: ما تستذكر به الحاجة.
والتّذكّر: تذكّر ما أنسيته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان وذكرته بلساني وبقلبي وتذكّرته وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى.
قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أي ذكر بعد نسيان وأصله اذتكر فأدغم «1» .
قال ابن القيّم: والتّذكّر: تفعّل من الذّكر وهو ضدّ النّسيان. واختير له بناء التّفعّل لحصوله بعد مهلة وتدرّج. كالتّبصّر والتّفهّم والتّعلّم.
التذكر اصطلاحا:
هو حضور صورة المذكور العلميّة (أي الّتي يعلم بها) في القلب «2» .
أنواع التذكر:
قال الرّاغب: الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة وهو كالحفظ إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا لإحرازه والذّكر يقال اعتبارا لاستحضاره وتارة يقال لحضور الشّيء القلب أو القول ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللّسان وكلّ واحد منهما ضربان، ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ وكلّ قول يقال له ذكر فمن الذّكر باللّسان قوله تعالى:
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ (الأنبياء/ 10) وقوله تعالى: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ (الأنبياء/ 50) ومن الذّكر عن النّسيان قوله تعالى: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (الكهف/ 63) ومن الذّكر بالقلب واللّسان معا قوله تعالى فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة/ 200) «3» .
2- الموت لغة:
قال ابن منظور: الموت والموتان ضدّ الحياة.
__________
(1) لسان العرب: (4/ 308، 309) . وانظر محيط المحيط: (309)
(2) مدارج السالكين (1/ 442) .
(3) مفردات الراغب (179) .(3/931)
والموات، بالضّمّ: الموت. مات يموت موتا والأصل فيه موت. والموت: خلق من خلق الله تعالى. ورجل ميت وميّت، وقيل: الميت الّذي مات، والميّت والمائت: الّذي لم يمت بعد. قيل وهذا خطأ وإنّما ميّت يصلح لما قد مات ولما سيموت. قال الله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر/ 30) .
وجمع بين اللّغتين عديّ بن الرّعلاء فقال:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء
وقوم موتى وأموات وميّتون وميتون.
وفي التّنزيل العزيز: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً (الفرقان/ 49) قال الزّجّاج: الميت هو الميّت بالتّشديد إلّا أنّه يخفّف والمعنى واحد، ويستوي فيه المذكّر والمؤنّث.
وقوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة/ 132) . قال أبو إسحاق: إن قال قائل كيف ينهاهم عن الموت وهم إنّما يماتون؟ قيل: إنّما وقع هذا على سعة الكلام وما تكثر العرب استعماله، والمعنى الزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين.
وحديث دعاء الانتباه: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور» . وسمّي النّوم موتا لزوال العقل والحركة.
والميتة: ضرب من الموت. وجمعها ميت. ومنه ما جاء في حديث الفتن: «فقد مات ميتة جاهليّة» .
أنواع الموت:
الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة:
فمنها ما هو بإزاء القوّة النّامية الموجودة في الحيوان والنّبات كقوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها (الروم/ 50) .
ومنها زوال القوّة الحسّيّة كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا (مريم/ 23) .
ومنها زوال القوّة العاقلة، وهي الجهالة، كقوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (الأنعام/ 122) .
ومنها الحزن والخوف المكدّر للحياة كقوله تعالى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ (إبراهيم/ 17) .
ومنها المنام كقوله تعالى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها (الزمر/ 42) ، وقد قيل: المنام الموت الخفيف، والموت: النّوم الثّقيل.
والمستميت المستقتل الّذي لا يبالي الموت في الحرب وفي حديث بدر «أرى القوم مستميتين» أي مستقتلين، وهم الّذين يقاتلون على الموت «1» .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الموت: صفة وجوديّة خلقت ضدّا للحياة.
وقال ابن الجوزيّ: الموت: حادث تزول معه
__________
(1) لسان العرب (2/ 90- 94) بتصرف. وانظر بصائر ذوي التمييز (4/ 536- 538) ومحيط المحيط (868) .(3/932)
الحياة «1» .
3- وتذكر الموت اصطلاحا:
حضور صورته وأهواله وما بعده في القلب وانعكاسها على الجوارح سلوكا.
قال ابن الجوزيّ: الواجب على العاقل أخذ العدّة لرحيله؛ فإنّه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربّه، ولا يدري متى يستدعى؟ وإنّي رأيت خلقا كثيرا غرّهم الشّباب ونسوا فقدان الأقران، وألهاهم طول الأمل.
وربّما قال العالم المحض لنفسه: أشتغل بالعلم اليوم ثمّ أعمل به غدا، فيتساهل في الزّلل بحجّة الرّاحة، ويؤخّر الأهبة لتحقيق التّوبة ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها، ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع.
وينسى أنّ الموت قد يبغته. فالعاقل من أعطى كلّ لحظة حقّها من الواجب عليه. فإن بغته الموت رئي سعيدا، وإن نال الأمل ازداد خيرا «2» .
وقال أيضا: إذا علم الإنسان بأنّ الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته.
فإن كان له شيء من الدّنيا وقف وقفا وغرس غرسا وأجرى نهرا، ويسعى في تحصيل ذرّيّة تذكر الله بعده فيكون الأجر له، أو أن يصنّف كتابا من العلم؛ فإنّ تصنيف العالم ولده المخلّد. وأن يكون عاملا بالخير عالما فيه فينقل من فعله ما يقتدي الغير به فذلك الّذي لم يمت «3» .
من معاني الموت في القرآن:
قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ الموت في القرآن على أوجه:
أحدها: الموت نفسه، ومنه قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (آل عمران/ 185) .
الثّاني: الضّلال، ومنه قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (الأنعام/ 122) .
الثّالث: الجدب، ومنه قوله تعالى: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ (فاطر/ 9) .
الرّابع: الجماد، ومنه قوله تعالى: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ (النحل/ 21) يعني الأوثان.
الخامس: الكفر، ومنه قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ (آل عمران/ 27) وهو الكافر «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- التذكير- التفكر- التوبة- الذكر- الخوف- الخشية الدعاء- الرجاء- الضراعة والتضرع- الورع- اليقين.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: طول الأمل- الإعراض- الأمن من المكر- التفريط والإفراط- الغفلة- اللهو واللعب- الكبر والعجب] .
__________
(1) التعريفات (235) . ونزهة الأعين النواظر (569) .
(2) صيد الخاطر (6- 7) .
(3) المرجع السابق (12) .
(4) نزهة الأعين النواظر (570) .(3/933)
الآيات الواردة في «تذكر الموت»
1- كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) «1»
2- وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131)
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) «2»
3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) «3»
4- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185) «4»
5- وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18) «5»
6- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78) «6»
7- وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61)
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (62) «7»
__________
(1) البقرة: 28 مدنية
(2) البقرة: 130- 132 مدنية
(3) آل عمران: 102 مدنية
(4) آل عمران: 185 مدنية
(5) النساء: 18 مدنية
(6) النساء: 78 مدنية
(7) الأنعام: 61- 62 مكية(3/934)
8- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) «1»
9- وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34)
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (35) «2»
10- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (16) «3»
11- قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)
أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) «4»
12- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (57)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (58)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) «5»
13- اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
__________
(1) الأنعام: 93 مكية
(2) الأنبياء: 34- 35 مكية
(3) المؤمنون: 12- 16 مكية
(4) الشعراء: 75- 82 مكية
(5) العنكبوت: 56- 59 مكية(3/935)
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) «1»
14- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) «2»
15- وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) «3»
16- إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) «4»
17- إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) «5»
18- اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) «6»
19- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) «7»
20- وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) «8»
__________
(1) الروم: 48- 52 مكية
(2) لقمان: 33- 34 مكية
(3) السجدة: 10- 11 مكية
(4) يس: 12 مكية
(5) الزمر: 30- 31 مكية
(6) الزمر: 42 مكية
(7) ق: 16- 24 مكية
(8) ق: 41- 43 مكية(3/936)
21- أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59)
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) «1»
22- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) «2»
23- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11) «3»
24-بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
(2) «4»
25- قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) «5»
الآيات الوارد فيها لفظ «الموت» في سياق غير التذكير به
26- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94)
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) «6»
27- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
__________
(1) الواقعة: 58- 62 مكية
(2) الجمعة: 6- 8 مكية
(3) المنافقون: 10- 11 مكية
(4) الملك: 1- 2 مكية
(5) عبس: 17- 22 مكية
(6) البقرة: 94- 95 مدنية(3/937)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) «1»
28- وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) «2»
29- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) «3»
30- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25) «4»
31- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) «5»
32- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) «6»
__________
(1) البقرة: 258- 259 مدنية
(2) النساء: 15 مدنية
(3) الأنعام: 161- 163 مكية
(4) الأعراف: 19- 25 مكية
(5) الأعراف: 158 مكية
(6) الأنفال: 5- 6 مدنية(3/938)
33- إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116) «1»
34- أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (55)
هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) «2»
35- وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25) «3»
36- وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)
أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) «4»
37- وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74)
إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) «5»
38- يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (13)
وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (14)
وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) «6»
39- فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) «7»
40- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ
__________
(1) التوبة: 116 مدنية
(2) يونس: 55- 57 مكية
(3) الحجر: 23- 25 مكية
(4) النحل: 20- 21 مكية
(5) الإسراء: 73- 75 مكية
(6) مريم: 12- 15 مكية
(7) مريم: 22- 26 مكية(3/939)
ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) «1»
41- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (66) «2»
42- حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) «3»
43- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) «4»
44- وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ
__________
(1) الحج: 5- 7 مدنية
(2) الحج: 65- 66 مدنية
(3) المؤمنون: 99- 104 مكية
(4) الروم: 40 مكية(3/940)
فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14) «1»
45- فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50)
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (51)
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55)
قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58)
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) «2»
46- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) «3»
47- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) «4»
48- رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) «5»
49- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)
يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53)
كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (56)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) «6»
50- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(21) «7»
__________
(1) سبأ: 10- 14 مكية
(2) الصافات: 50- 59 مكية
(3) غافر: 10- 12 مكية
(4) غافر: 67- 68 مكية
(5) الدخان: 7- 8 مكية
(6) الدخان: 51- 57 مكية
(7) الجاثية: 21 مكية(3/941)
51- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25)
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) «1»
52- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) «2»
53- ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) «3»
54- وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43)
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47) «4»
55- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) «5»
56- أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37)
ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39)
أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40) «6»
__________
(1) الجاثية: 25- 26 مكية
(2) الأحقاف: 31- 34 مكية
(3) ق: 1- 4 مكية
(4) النجم: 42- 47 مدنية
(5) الحديد: 1- 2 مدنية
(6) القيامة: 36- 40 مكية(3/942)
الأحاديث الواردة في (تذكر الموت)
1-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا نبيّ الله، من أكيس «1» النّاس وأحزم النّاس؟
قال: «أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدّنيا وكرامة الاخرة» ) * «2» .
2-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «استحيوا من الله حقّ الحياء» . فقلنا: يا نبيّ الله، إنّا لنستحيي. قال: «ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حقّ الحياء فليحفظ الرّأس وما حوى، والبطن وما وعى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الاخرة ترك زينة الدّنيا، ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقّ الحياء» ) * «3» .
3-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوة وعشيّا: إمّا النّار وإمّا الجنّة، فيقال: هذا مقعدك حتّى تبعث إليه» ) * «4» .
4-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «استكثروا ذكر هاذم اللّذّات فإنّه ما ذكره أحد في ضيق إلّا وسّعة ولا ذكره في سعة إلّا ضيّقها عليه» ) * «5» .
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره «6» ؟» قالوا: بلى. قال: «فذلك حين يتبع بصره نفسه» ) * «7» .
6-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة. حتّى إذا كانوا فحما، أذن بالشّفاعة. فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثّوا «8» على أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة، أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون
__________
(1) أكيس الناس: أظرف وأفطن.
(2) المنذري في الترغيب (4/ 238) وقال: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الصغير بإسناد حسن. ورواه ابن ماجة مختصرا بإسناد جيد، والبيهقي في الزهد، وذكره الهيثمي (10/ 309) .
(3) الترمذي (2458) وقال المباركفوري في التحفة (7/ 155) : أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي. وقال المناوي: قال: الحاكم في المستدرك (4/ 323) : واللفظ له هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال مخرج جامع الأصول (3/ 616) بعد أن ذكر كلام الحاكم: وهو كما قال.
(4) البخاري- الفتح 11 (6515) .
(5) ذكره الهيثمي 10 (309) وقال: رواه الترمذي- ينظر في جامع الأصول- وغيره باختصار رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، وكذلك من حديث ابن عمر وحديث أنس وغيره وعند المنذري
(4/ 236) .
(6) شخص بصره: أي ارتفع ولم يرتد.
(7) مسلم (921) .
(8) ضبائر ضبائر: جماعات جماعات في تفرقة، فبثوا: فرقوا.(3/943)
في حميل السّيل «1» » فقال رجل من القوم: كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كان بالبادية» ) * «2» .
7-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ رجلا كان قبلكم رغسه «3» الله مالا، فقال لبنيه لمّا حضر: أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال فإنّي لم أعمل خيرا قطّ، فإذا متّ فأحرقوني، ثمّ اسحقوني ثمّ ذرّوني في يوم عاصف. ففعلوا.
فجمعه الله عزّ وجلّ فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك.
فتلقّاه برحمته) * «4» .
8-* (عن جابر بن عتيك- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب عليه، فصاح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجبه، فاسترجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: «غلبنا عليك يا أبا الرّبيع» فصاح النّسوة وبكين فجعل جابر يسكّتهنّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعهنّ، فإذا وجب فلا تبكينّ باكية» قالوا: يا رسول الله، وما الوجوب؟ قال: «إذا مات» قالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا؛ فإنّك كنت قد قضيت جهازك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله- عزّ وجلّ- قد أوقع أجره على قدر نيّته، وما تعدّون الشّهادة» ؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الشّهداء سبع سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب «5» شهيد، والمبطون «6» شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والّذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع «7» شهيد» ) * «8» .
9-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أكثروا من ذكر هاذم اللّذّات، الموت «9» » «10» .
10-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه-: أنّ النّساء قلن للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اجعل لنا يوما فوعظهنّ وقال:
__________
(1) حميل السيل: فعيل بمعني مفعول: أي ما يحمله السيل من غثاء.
(2) مسلم (185) .
(3) رغسه: أي أكثر له وبارك له فيه.
(4) البخاري- الفتح 6 (3478) . مسلم (2757) .
(5) صاحب ذات الجنب: هو من أصيب بالتهاب غلاف الرئة فيحدث منه حمى في الجنب تزداد عند التنفس.
(6) المبطون: هو الذي يموت بمرض بطنه.
(7) والمرأة تموت بجمع: إذا ماتت وفي بطنها ولد.
(8) أخرجه مالك في الموطأ (331 و334) . وأبو داود (3111) وقال الألباني (2/ 601) : صحيح. والنسائي (4/ 13- 14) وقال محقق الجامع (11/ 101) : حديث صحيح.
(9) هاذم اللذات: هاذم أي قاطع فمعناه مزيل الشيء من أصله. قال السّهيلى: الرواية بالمعجمة (الموت) أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة فإكثار ذكره سنة مؤكدة، وقال الحفني: هاذم أي مفرق ومشتت اللذات، وبالمهملة مزيل الشيء من أصله كهدم الجدار. يأمر ض أن يتذكر المسلمون الموت دائما، فكل نفس ذائقته ليقل الطمع والشره على جمع الدنيا ولتؤدى الحقوق كاملة تامة، وليكثر الإنسان من الأعمال الصالحة ادخارا لثواب الله، وليقصر الأمل في اتساع الثروة وتشييد القصور، وغيرها من الأشياء التي تجلب الغفلة عن الله تعالى.
(10) رواه الترمذي (2307) وقال: حديث حسن غريب، والنسائي (4/ 4) ، وابن ماجه (4258) . قال محقق «جامع الأصول» (11/ 14) : وهو حديث حسن لشواهده الكثيرة.(3/944)
«أيّما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النّار. قالت امرأة: واثنان؟ قال: «واثنان» ) * «1» .
11-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّه لمّا حضره الموت، دعا بثياب جدد فلبسها، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الميّت يبعث في ثيابه الّتي يموت فيها» ) * «2» .
12-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه مات ابن له بقديد أو بعسفان «3» فقال:
يا كريب! انظر ما اجتمع له من النّاس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له. فأخبرته. فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه. فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» ) * «4» .
13-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أدخل الميّت القبر. وقال أبو خالد: إذا وضع الميّت في لحده قال صلّى الله عليه وسلّم مرّة: «بسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله» ، وقال مرّة: «بسم الله، وبالله، وعلى سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «5» .
14-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ، لك أسلمت، وبك آمنت. وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت. اللهمّ، إنّي أعوذ بعزّتك، لا إله إلّا أنت، أن تضلّني، أنت الحيّ الّذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون» ) * «6» .
15-* (عن عروة؛ قال: ذكر عند عائشة أنّ ابن عمر يرفع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الميّت يعذّب في قبره ببكاء أهله عليه. فقالت: وهل «7» ، إنّما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليعذّب بخطيئته أو بذنبه، وإنّ أهله ليبكون عليه الان» . وذاك مثل قوله: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام على القليب «8» يوم بدر. وفيه قتلى بدر من المشركين. فقال لهم ما قال «9» : «إنّهم ليسمعون ما أقول» وقد وهل.
إنّما قال: «إنّهم ليعلمون أنّ ما كنت أقول لهم حقّ» ثمّ قرأت: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ 80) ، وَما
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1249) . وعند مسلم (2632) من حديث أبي هريرة.
(2) أبو داود (3114) وقال الألباني (2/ 602) : صحيح وذكره في الصحيحة (1671) .
(3) قديد وعسفان: موضعان بين الحرمين.
(4) مسلم (948) .
(5) أخرجه الترمذي (1057) . وعند أبي داود: باسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3213) . وقال الألباني (2/ 619) : صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(6) البخاري- الفتح 13 (7384) . ومسلم (2717) واللفظ له.
(7) وهل: بفتح الواو، وفتح الهاء وكسرها: أي غلط ونسي.
(8) القليب: يعني قليب بدر. وهو حفرة رميت فيها جيف كفار قريش المقتولين ببدر. وفسر بالبئر العادية القديمة، ولفظه مذكر، ليس كلفظ البئر. ولقد قال: وفيه قتلى بدر. والقتلى جمع قتيل.
(9) فقال لهم ما قال: هو قوله: هل وجدتم ما وعدتم.(3/945)
أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (فاطر/ 22) . يقول:
حين تبوّءوا مقاعدهم من النّار «1» » ) * «2» .
16-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النّجّار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت «3» به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستّة، أو خمسة، أو أربعة. فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» قال رجل: أنا، قال: «فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك، فقال: «إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع منه، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوّذوا بالله من عذاب النّار» ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار. فقال:
«تعوّذوا بالله من عذاب القبر» . قالوا: نعوذ (بالله) من عذاب القبر، قال: «تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» ، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قال: «تعوّذوا بالله من فتنة الدّجّال» ، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدّجّال) * «4» .
17-* (عن الحسن البصريّ- رحمه الله- قال: دخل عبيد الله بن زياد على معقل بن يسار وهو وجع. فسأله فقال: إنّي محدّثك حديثا لم أكن حدّثتكه.
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يسترعي الله عبدا رعيّة، يموت حين يموت وهو غاشّ لها، إلّا حرّم الله عليه الجنّة» . قال: ألا كنت حدّثتني هذا قبل اليوم؟ قال:
ما حدّثتك، أو لم أكن لأحدّثك» ) * «5» .
18-* (عن بريدة. رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمّد في زيارة قبر أمّه، فزوروها، فإنّها تذكّر الاخرة» ) * «6» .
وفي رواية مسلم وأبي داود والنّسائيّ: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النّبيذ «7» إلّا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلّها، ولا تشربوا مسكرا» ) * «8» .
19-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التّثبيت، فإنّه الان يسأل» ) * «9» .
20-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان فى بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثمّ خرج يسأل، فأتى راهبا
__________
(1) حين تبوّءوا مقاعدهم من النار: أي اتخذوا منازل منها، ونزلوها.
(2) مسلم (932) .
(3) حادت: مالت عن الطريق.
(4) مسلم (2867) .
(5) البخاري- الفتح 13 (7151) . ومسلم (142) .
(6) هذه رواية الترمذي (1066) .
(7) وكنت نهيتكم عن النبيذ: يعني إلقاء التمر ونحوه في ماء الظروف، إلا في سقاء، أي إلا في قربة، إنما استثناها لأن السقاء يبرد الماء، فلا يشتد ما يقع فيه اشتداد ما في الظروف.
(8) مسلم (977) .
(9) أبو داود (3221) وقال الألباني (2/ 620) : صحيح. وقال محقق جامع الأصول (11/ 149) : حسن.(3/946)
فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله. فجعل يسأل، فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقرّبي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له» ) * «1» .
21-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: كنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أنّ صبيّا لها، أو ابنا لها، في الموت. فقال للرّسول: «ارجع إليها فأخبرها أنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب» . فعاد الرّسول فقال: إنّها قد أقسمت لتأتينّها. قال فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقام معه سعد ابن عبادة ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فرفع إليه الصّبيّ ونفسه تقعقع «2» كأنّها في شنّة. ففاضت عيناه. فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده.
وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء» ) * «3» .
22-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته بثلاث، يقول: «لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو يحسن بالله الظّنّ» ) * «4» .
23-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقّنوا موتاكم «5» : لا إله إلّا الله» ) * «6» .
24-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه- قال: مات رجل من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يثنون عليه، ويذكرون من عبادته ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساكت، فلمّا سكتوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل كان يكثر ذكر الموت؟» قالوا: لا. قال: «فهل كان يدع كثيرا ممّا يشتهي؟» قالوا: لا. قال: «ما بلغ صاحبكم كثيرا ممّا تذهبون إليه» ) * «7» .
25-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من نفس تموت، لها عند الله خير، يسرّها أنّها ترجع إلى الدّنيا، ولا أنّ لها الدّنيا وما فيها، إلّا الشّهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع فيقتل في الدّنيا لما يرى من فضل الشّهادة» ) * «8» .
26-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن
__________
(1) البخاري- الفتح 6 (3470) واللفظ له. ومسلم (2766) .
(2) ونفسه تقعقع: القعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت. والشن القربة البالية. المعنى: روحه تضطرب وتتحرك، لها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا ألقي في القربة البالية.
(3) البخاري- الفتح 3 (1284) . ومسلم (923) واللفظ له.
(4) مسلم (2877) .
(5) المقصود هنا: المحتضر عند الموت.
(6) مسلم (916) .
(7) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 308) . والمنذري (4/ 239) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه البزار من حديث أنس قال: ذكر عند النبي ض رجل بعبادة واجتهاد فقال: كيف ذكر صاحبكم للموت؟ قالوا: ما نسمعه يذكره. قال: ليس صاحبكم هناك.
(8) البخاري- الفتح 6 (2795) . ومسلم (1877) واللفظ له.(3/947)
النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ينتظر أحدكم إلّا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدّجّال، والدّجّال شرّ غائب ينتظر أو السّاعة والسّاعة أدهى وأمرّ» ) * «1» .
27-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: «مرّت جنازة، فقام لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنّها يهوديّة، فقال:
«إنّ الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا» ) * «2» .
28-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يتبع الميّت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله» ) * «3» .
29-* (عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمّى يرفع عقيرته يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر «4» وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
وقال: «اللهمّ، العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأميّة بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ، حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ. اللهمّ، بارك لنا في صاعنا وفي مدّنا، وصحّحها لنا، وانقل حمّاها إلى الجحفة» . قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، فكان بطحان يجري نجلا «5» . تعني ماء آجنا) * «6» .
30-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثمّ أتيته وقد استيقظ، فقال: «ما من عبد قال لا إله إلّا الله ثمّ مات على ذلك إلّا دخل الجنّة» . قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت:
وإن زنى وإن سرق؟. قال: «وإن زنى وإن سرق» .
قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذرّ» . وكان أبو ذرّ إذا حدّث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذرّ. قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم، وقال: لا إله إلّا الله، غفر له) * «7» .
__________
(1) الترمذي (2307) بلفظ «بادروا بالأعمال سبعا» وساقه وقال عنه: حسن غريب. وذكره الحاكم (4/ 321) وقال: إن كان معمر بن راشد سمع من المقبري فالحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وكذا الذهبي. وصححه السيوطي في الجامع الصغير حديث رقم (3021) .
(2) مسلم (960) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6514) . ومسلم (2960) .
(4) الإذخر: حشيش طيب الريح، والجليل الثّمام وهو نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت. وقيل هو الثّمام إذا عظم وجلّ. لسان العرب: مادة (ذخر، جلّ) .
(5) بطحان: موضع بالمدينة، والنّجل: الماء النّزّ وهو الذي يتحلّب من الأرض.
(6) البخاري- الفتح 4 (1889) ، ومسلم (1376) .
(7) البخاري- الفتح 10 (5827) ، ومسلم (94) .(3/948)
31-* (عن الصّنابجيّ، أنّه دخل على عبادة ابن الصّامت؛ وهو في الموت، فبكى الصّنابجيّ فقال:
مهلا لم تبكي؟ فو الله لئن استشهدت لأشهدنّ لك، ولئن شفّعت لأشفعنّ لك، ولئن استطعت لأنفعنّك.
ثمّ قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكم فيه خير إلّا حدّثتكموه إلّا حديثا واحدا. وسوف أحدّثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من شهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، حرّم الله عليه النّار» ) * «1» .
32-* (عن ابن شماسة المهريّ قال: حضرنا عمرو بن العاص- رضي الله عنه- وهو في سياقة الموت «2» . فبكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ أمّا بشّرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكذا؟ قال فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث «3» لقد رأيتني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منّي ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النّار. فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، قال: «مالك يا عمرو؟» قال: قلت أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا «4» ؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله «5» ؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنّي لم أكن أملأ عينيّ منه، ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنّة. ثمّ ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنّوا عليّ التراب شنّا «6» ثمّ أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها. حتّى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربّي» ) * «7» .
__________
(1) مسلم (29) .
(2) في سياقة الموت: أي حال حضور الموت.
(3) كنت على أطباق ثلاث: أي على أحوال ثلاث. قال الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فلهذا أنّث ثلاثا إرادة لمعنى أطباق.
(4) تشترط بماذا: هكذا ضبطناه بما، بإثبات الباء. فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في نظائرها. ويجوز أن تكون دخلت على معنى تشترط وهو: تحتاط. أي تحتاط بماذا.
(5) إن الإسلام يهدم ما قبله: أي يسقطه ويمحو أثره.
(6) فشنوا علي التراب: ضبطناه بالسين المهملة وبالمعجمة. وكذا قال القاضي إنه بالمعجمة والمهملة. قال: وهو الصب. وقيل بالمهملة، الصب في سهولة. وبالمعجمة التفريق.
(7) مسلم (121) .(3/949)
الأحاديث الواردة في (تذكر الموت) معنى
33-* (عن عوف بن مالك- رضي الله عنه- قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبّة من أدم فقال: «اعدد ستّا بين يدي السّاعة: موتي، ثمّ فتح بيت المقدس، ثمّ موتان «1» يأخذ فيكم كعقاص «2» الغنم، ثمّ استفاضة المال حتّى يعطى الرّجل مائة دينار فيظلّ ساخطا، ثمّ فتنة لا يبقى بيت من العرب إلّا دخلته، ثمّ هدنة «3» تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية «4» ، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفا» ) * «5» .
34-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» . وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) * «6» .
35-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد بعد، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجلسنا حوله كأنّما على رءوسنا الطّير، وبيده عود ينكت «7» به في الأرض، فرفع رأسه فقال:
«استعيذوا بالله من عذاب القبر مرّتين، أو ثلاثا» . زاد في رواية: وقال: «إنّ الميّت ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين حين يقال له: يا هذا، من ربّك؟ وما دينك؟
ومن نبيّك؟» .
وفي رواية: «ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فامنت به وصدّقت» .
زاد في رواية: فذاك قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم/ 27) ثمّ اتّفقا: فينادي مناد من السّماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنّة، وألبسوه من الجنّة، وافتحوا له بابا إلى الجنّة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مدّ بصره، وإنّ الكافر ... فذكر موته، قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: هاه هاه «8» ، لا أدري، فيقولان:
__________
(1) الموتان: هو الموت الكثير الوقوع بالضم على لغة تميم. وغيرهم يفتحونها.
(2) عقاص الغنم: داء يأخذ الغنم فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. وهو بضم العين وتخفيف القاف.
(3) في الفتح هدنة بفتح الهاء والدّال والصواب ما ذكره ابن حجر في الشرح 6/ 321 من أنها بضم الهاء وسكون الدال. ومعنى الهدنة الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه.
(4) الغاية: يراد بها الراية وسميت بذلك؛ لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف.
(5) البخاري- الفتح 6 (3176) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6416) .
(7) ينكت: نكت في الأرض بيده وبقضيب: إذا أثر فيها بذلك.
(8) هاه هاه: من عادة المشدوه الحائر إذا خوطب أن يقول: هاه هاه، كأنه يستفهم عما يسأل عنه.(3/950)
ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرّجل الّذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السّماء: أن كذب، فأفرشوه من النّار، وألبسوه من النّار، وافتحوا له بابا إلى النّار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويضيّق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه» .
وزاد في رواية: «ثمّ يقيّض له أعمى أبكم «1» ، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا، فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب، إلّا الثّقلين، فيصير ترابا، ثمّ تعاد فيه الرّوح» ) * «2» .
36-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا قبر الميّت- أو قال: أحدكم- أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، والاخر النّكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟
فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، فيقولان له: إن كنّا لنعلم أنّك لتقول ذلك، ثمّ يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينوّر له فيه، فيقال له: نم، فيقول:
أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الّذي لا يوقظه إلّا أحبّ أهله إليه حتّى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال: سمعت النّاس يقولون شيئا، فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنّا نعلم أنّك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه حتّى تختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذّبا حتّى يبعثه الله من مضجعه» ) * «3» .
37-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرّجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت قدّموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها:
يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كلّ شيء إلّا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق» ) * «4» .
38-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدّمونها إليه، وإن يك سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم» ) * «5» .
39-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ألا أحدّثكم عنّي وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلنا: بلى. قالت: لمّا كانت ليلتي الّتي كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها عندي. انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع. فلم يلبث إلّا ريثما «6» ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا «7» ، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج. ثمّ أجافه «8» رويدا. فجعلت درعي في
__________
(1) أبكم: الأبكم: الذي خلق أخرس.
(2) أبو داود برقم (3212) ، (4753) ، (4754) وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 179) : إسناده حسن. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 902) صحيح. وأصله عند البخاري ومسلم.
(3) الترمذي (1071) وقال: حسن غريب. في موارد الظمان في الزوائد رقم (780) . وشرح السنة (5/ 416) . والمشكاة (103) . وقال محقق جامع الأصول (11/ 176) : حديث حسن.
(4) البخاري- الفتح 3 (1316) .
(5) البخاري- الفتح 3 (1315) . ومسلم (944) .
(6) إلا ريثما: معناه إلا قدر ما.
(7) أخذ رداءه رويدا: أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها.
(8) ثم أجافه: أي أغلقه. وإنما فعل ذلك ض في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها، فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل.(3/951)
رأسي «1» ، واختمرت «2» وتقنّعت إزاري «3» ثمّ انطلقت على إثره. حتّى جاء البقيع فقام، فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرّات، ثمّ انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت «4» ، فسبقته فدخلت. فليس إلّا أن اضطجعت فدخل، فقال «مالك يا عائش؟ حشيا رابية» «5» ، قالت: قلت: لا شيء. قال:
«لتخبريني أو ليخبرنّي اللّطيف الخبير» قالت: قلت:
يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي فأخبرته. قال: «فأنت السّواد «6» الّذي رأيت أمامي؟» قلت: نعم. فلهدني «7» في صدري لهدة أوجعتني. ثمّ قال: «أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟» قالت: مهما يكتم النّاس يعلمه الله، نعم، قال: «فإنّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك. ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: «قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين وإنّا إن شاء الله بكم للاحقون» ) * «8» .
40-* (عن بشر بن جحّاش القرشيّ- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزق في كفّه ثمّ وضع عليها إصبعه ثمّ قال: «يقول الله- تبارك وتعالى-:
يا ابن آدم، تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا حتّى إذا سوّيتك وعدلتك مشيت وجمعت ومنعت حتّى إذا بلغت التّراقي قلت: أتصدّق، وأنّى أوان الصّدقة؟» ) * «9» .
41-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ يهوديّة دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عذاب القبر؟ فقال: «نعم، عذاب القبر حقّ» ، قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد صلّى صلاة إلّا تعوّذ من عذاب القبر) * «10» .
42-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- أنّه انتهى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (التكاثر/ 1) قال: يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يابن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت أو
__________
(1) فجعلت درعي في رأسي: درع المرأة قميصها.
(2) واختمرت: أي ألقيت على رأسي الخمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها.
(3) وتقنعت إزاري: هكذا هو في الأصول: إزاري، بغير باء في أوله. وكأنه بمعنى لبست إزاري، فلهذا عدي بنفسه.
(4) فأحضر فأحضرت: الإحضار العدو، أي فعدا فعدوت، فهو فوق الهرولة.
(5) مالك يا عائش حشيا رابية: يجوز في عائش فتح الشين وضمها. وهما وجهان جاريان في كل المرخمات. وحشيا: معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه، من ارتفاع النفس وتواتره. يقال: امرأة حشيا وحشية. ورجل حشيان وحش. قيل: أصله من أصاب الربو حشاه. رابية أي مرتفعة البطن.
(6) فأنت السواد: أي الشخص.
(7) فلهدني: قال أهل اللغة: لهده ولهده، بتخفيف الهاء، وتشديدها، أي دفعه.
(8) مسلم (974) . وأخفاه منك: أي النداء.
(9) أحمد في المسند (4/ 210) . ذكره الحاكم في المستدرك (4/ 323) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وقال الذهبي: تابعه ثور بن يزيد عن عبد الرحمن ووافق الحاكم في تصحيحه.
(10) البخاري 3 (1372) واللفظ له، ومسلم (584) .(3/952)
لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت» ) * «1» .
43-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «عليك بالإياس ممّا في أيدي النّاس وإيّاك والطّمع؛ فإنّه الفقر الحاضر، وصلّ صلاتك وأنت مودّع، وإيّاك وما تعتذر منه» ) * «2» .
44-* (عن أسماء- رضي الله عنها- قالت:
خسفت الشّمس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فدخلت على عائشة وهي تصلّي. فقلت: ما شأن النّاس يصلّون؟ فأشارت برأسها إلى السّماء. فقلت: آية؟
قالت: نعم. فأطال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام جدّا، حتّى تجلّاني الغشي «3» . فأخذت قربة من ماء إلى جنبى، فجعلت أصبّ على رأسي أو على وجهي من الماء، قالت: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس، فخطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس. فحمد الله وأثنى عليه.
ثمّ قال: «أمّا بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا، حتّى الجنّة والنّار، وإنّه قد أوحي إليّ أنّكم تفتنون في القبور قريبا أو مثل فتنة المسيح الدّجّال (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن أو الموقن (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: هو محمّد، هو رسول الله، جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا وأطعنا- ثلاث مرار- فيقال له: نم قد كنّا نعلم أنّك لتؤمن به. فنم صالحا. وأمّا المنافق أو المرتاب (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء) فيقول: لا أدري، سمعت النّاس يقولون شيئا فقلت) * «4» .
45-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطّا مربّعا، وخطّ خطّا في الوسط خارجا منه، وخطّ خطوطا صغارا إلى هذا الّذي في الوسط، من جانبه الّذي في الوسط فقال: «هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به، وهذا الّذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصّغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا» ) * «5» .
46-* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سلمة وقد شقّ بصره «6» فأغمضه. ثمّ قال: «إنّ الرّوح إذا قبض تبعه البصر «7» فضجّ ناس من أهله. فقال: لا تدعوا على
__________
(1) مسلم (2958) .
(2) المنذري في الترغيب (4/ 247) وقال: رواه الحاكم والبيهقي في الزهد، وقال الحاكم (4/ 326) واللفظ له: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(3) الغشي: بفتح الغين وسكون الشين. وهو الغشاوة أو ما يعرف الان بالإغماء. ولهذا جعلت تصب عليها الماء- وتجلاني الغشي: أصبت به.
(4) مسلم (905) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6417) . والمنذري في الترغيب (4/ 244) وهذا لفظ المنذري.
(6) وقد شق بصره: بفتح الشين، ورفع بصره. هكذا ضبطناه وهو المشهور. وضبطه بعضهم: بصره، بالنصب وهو صحيح أيضا. والشين مفتوحة، بلا خلاف. قال القاضي: قال صاحب الأفعال: يقال: شق بصر الميت، وشق الميت بصره، ومعناه شخص، كما في الرواية الأخرى. وقال ابن السكيت في الأصح، والجوهري، حكاية عن ابن السكيت: يقال: شق بصر الميت، ولا تقل شق الميت بصره، هو الذي حضره الموت وصار ينظر إلى الشيء لا يرتد إليه طرفه.
(7) إن الروح إذا قبض تبعه البصر: معناه: إذا خرج الروح من الجسد، يتبعه البصر ناظرا أين يذهب. وفي الروح لغتان: التذكير والتأنيث. وهذا الحديث دليل للتذكير. وفيه دليل أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن، وتذهب الحياة من الجسد بذهابها.(3/953)
أنفسكم إلّا بخير. فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون» ثمّ قال: «اللهمّ، اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين واخلفه في عقبه في الغابرين «1» واغفر لنا وله يا ربّ العالمين. وافسح له في قبره.
ونوّر له فيه» ) * «2» .
47-* (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- قالت: دخل علينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ونحن نغسل ابنته. فقال:
«اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك، بماء وسدر. واجعلن في الاخرة «3» كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتنّ فآذنّني «4» » فلما فرغنا آذنّاه.
فألقى إلينا حقوه «5» . قال: «أشعرنها إيّاه «6» » ) * «7» .
48-* (عن أنس- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «العبد إذا وضع في قبره وتولّي عنه وذهب أصحابه حتّى إنّه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرّجل محمّد صلّى الله عليه وسلّم؟ فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله.
فيقال: انظر إلى مقعدك من النّار، أبدلك الله به مقعدا من الجنّة. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فيراهما جميعا. وأمّا الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس. فيقال: لا دريت، ولا تليت، ثمّ يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلّا الثّقلين» ) * «8» .
49-* (عن هانىء مولى عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- قال: كان عثمان- رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى، حتّى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنّة والنّار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «القبر أوّل منزل من منازل الاخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه» قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «ما رأيت منظرا قطّ إلّا القبر أفظع «9» منه» ) * «10» .
50-* (عن عبد الله بن جعفر- رضي الله عنهما- قال: لمّا جاء نعي جعفر قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«اصنعوا لآل جعفر طعاما، فإنّه قد أتاهم أمر شغلهم» ) * «11» .
51-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حقّ امرىء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبة عنده» تابعه محمّد بن مسلم عن عمرو عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «12» .
52-* (عن مستورد أخي بني فهر- رضي
__________
(1) واخلفه في عقبه في الغابرين: أي كن خليفة له في ذريته. والعقب مؤخر الرجل: واستعير للولد وولد الولد. وقولهم: لا عقب له، أي لم يبق له ولد ذكر. والغابرين أي الباقين. كقوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (العنكبوت/ 32) .
(2) مسلم (920) .
(3) في الاخرة: أي في الغسلة الأخيرة.
(4) فآذنني: أي أعلمنني.
(5) حقوه: بالفتح والكسر يعني: إزاره.
(6) أشعرنها إياه: أي اجعلنه شعارا لها وهو الثوب الذي يلي الجسد.
(7) البخاري- الفتح 3 (1261) ، ومسلم (939) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 3 (1338) واللفظ له. ومسلم (2870) .
(9) أفظع: الفظيع: الشديد الشنيع.
(10) أخرجه الترمذي (2309) قال محقق جامع الأصول (11/ 165) : إسناده حسن. وزاد رزين: قال هانىء: وسمعت عثمان ينشد على قبر:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا
(11) أخرجه أبو داود (3132) واللفظ له. والترمذي (998) وقال: حسن صحيح. وقال الألباني (2/ 606) : حسن.
(12) البخاري- الفتح 5 (2738) . ومسلم (1637) .(3/954)
الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما الدّنيا في الاخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه- وأشار يحيى بالسّبّابة- في اليمّ فلينظر بم يرجع؟» ) * «1» .
53-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: مرّ بجنازة فأثني عليها خيرا «2» . فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم «وجبت وجبت وجبت» ، ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّا.
فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت وجبت وجبت» . قال عمر:
فدى لك أبي وأمّي، مرّ بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت:
وجبت وجبت وجبت. ومرّ بجنازة فأثني عليها شرّا، فقلت: وجبت وجبت وجبت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنّة. ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النّار. أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض» ) * «3» .
54-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهم- قال: مرّ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نعالج خصّا لنا، فقال: «ما هذا؟» فقلنا: قد وهى فنحن نصلحه، قال: ما أرى الأمر إلّا أعجل من ذلك) * «4» .
55-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ عليه بجنازة، فقال: «مستريح أو مستراح منه» ، فقالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟. فقال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدّنيا، والعبد الفاجر: يستريح منه العباد والبلاد، والشّجر والدّوابّ» ) * «5» .
56-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أيّ الصّدقة أفضل؟
قال: «أن تصدّق وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم» .
قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان) * «6» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تذكر الموت)
57-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: اجتمع نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يغادر منهنّ امرأة.
فجاءت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقال: «مرحبا بابنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ إنّه أسرّ إليها حديثا فبكت فاطمة. ثمّ إنّه سارّها فضحكت أيضا. فقلت لها: ما يبكيك؟
فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن. فقلت لها حين بكت: أخصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحديثه دوننا ثمّ تبكين؟ وسألتها عمّا قال فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حتّى إذا قبض سألتها فقالت: إنّه كان حدّثني: أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ عام
__________
(1) مسلم (2858) .
(2) خيرا: هكذا في بعض الأصول بالنصب وهو منصوب بإسقاط الجار وفي بعضها مرفوع.
(3) البخاري- الفتح 3 (1367) ، ومسلم (949) واللفظ له.
(4) الترمذي (2335) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة وابن حبان في صحيحه.
(5) البخاري- الفتح 11 (6512) . ومسلم (950) .
(6) البخاري- الفتح 5 (2748) . ومسلم (1032) .(3/955)
مرّة. وإنّه عارضه به في العام مرّتين «1» ولا أراني «2» إلّا قد حضر أجلي. وإنّك أوّل أهلي لحوقا بي. ونعم السّلف «3» أنا لك. فبكيت لذلك. ثمّ إنّه سارّني فقال: «ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين. أو سيّدة نساء هذه الأمّة» ؟ فضحكت لذلك) * «4» .
58-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوده مع عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهم- فلمّا دخل عليه فوجده في غاشية «5» أهله فقال: «قد قضى؟» قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا رأى القوم بكاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بكوا. فقال: «ألا تسمعون؟ إنّ الله لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا (وأشار إلى لسانه) أو يرحم. وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه» .
وكان عمر- رضي الله عنه- يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة ويحثي بالتّراب) * «6» .
59-* (عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ، أحيني مسكينا، وتوفّني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين، وإنّ أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدّنيا وعذاب الاخرة» ) * «7» .
60-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو في الصّلاة: «اللهمّ، إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات. اللهمّ، إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم» فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال: «إنّ الرّجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف» ) * «8» .
61-* (عن أنس- رضي الله عنه- أنّ العبّاس مرّ بمجلس فيه قوم من الأنصار يبكون، حين اشتدّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعه، فقال لهم العبّاس: ما يبكيكم؟ فقالوا: ذكرنا مجلسنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل العبّاس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فعصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه بعصابة دسماء «9» أو قال: بحاشية برد وخرج وصعد المنبر، وخطب النّاس وأثنى على الأنصار خيرا، وأوصى بهم، ثمّ قال: «إنّ الله خيّر عبدا بين الدّنيا وبين ما عنده، فاختار العبد ما عنده فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله، فديناك بابائنا وأمّهاتنا، فقلنا: ما لهذا الشّيخ يبكي أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبدا خيّره الله بين الدّنيا وما عنده فاختار العبد ما عنده؟
فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا» ) * «10» .
__________
(1) مرة أو مرتين: هكذا وقع في هذه الرواية. وذكر المرتين شك من بعض الرواة. والصواب حذفها كما في باقي الروايات.
(2) لا أراني: أي لا أظن.
(3) نعم السلف: السلف المتقدم. ومعناه أنا متقدم قدامك فستردين علي.
(4) البخاري- الفتح 7 (3715 و3716) . ومسلم (2450) واللفظ له.
(5) الغاشية: أراد غشية من غشيات الموت.
(6) البخاري- الفتح 3 (1304) واللفظ له. ومسلم (2924) .
(7) الحاكم في المستدرك (4/ 322) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(8) البخاري- الفتح 2 (832) . ومسلم (2706) .
(9) دسماء: الدسمة: لون بين الغبرة والسواد.
(10) أخرجه البخاري إلى قوله: «فصعد المنبر» . انظر الفتح (1/ 665) كتاب الصلاة، باب الخوخة في المسجد رقم (466- 476) من حديث أبي سعيد.(3/956)
ثمّ قال: «ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أوصيكم بالأنصار، فإنّهم كرشي وعيبتي «1» ، وقد قضوا الّذي عليهم، وبقي الّذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» والباقي ذكره رزين) * «2» .
62-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: إنّ من نعم الله عليّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفّى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأنّ الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل عليّ عبد الرّحمن وبيده السّواك، وأنا مسندة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنّه يحبّ السّواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتدّ عليه، وقلت: أليّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فليّنته فأمرّه- وبين يده ركوة أو علبة- يشكّ عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: «لا إله إلّا الله، إنّ للموت سكرات» . ثمّ نصب يده فجعل يقول: «في الرّفيق الأعلى، حتّى قبض ومالت يده» ) * «3» .
63-* (عن عقبة بن عامر- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج يوما فصلّى على أهل أحد صلاته على الميّت، ثمّ انصرف إلى المنبر فقال: «إنّي فرط لكم «4» ، وأنا شهيد عليكم، وإنّي والله لأنظر إلى حوضي الان، وإنّي أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض. وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها» ) * «5» .
64-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أبي سيف القين «6» وكان ظئرا «7» لإبراهيم عليه السّلام فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة» . ثمّ أتبعها بأخرى فقال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلّا ما يرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ) * «8» .
65-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبر أمّه. فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي.
واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. فزوروا القبور.
فإنّها تذكّر الموت» ) * «9» .
66-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
شهدنا بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس
__________
(1) الكرش- بوزن كتف. وبكسر الكاف وسكون الراء: الجماعة من الناس، والعيبة وعاء من أدم يكون فيها المتاع، أو ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده والمعنى: أن الأنصار بطانتي وخاصتي الذين أطلعهم على سري.
(2) البخاري- الفتح 7 (3654 و3799) . وعند مسلم من حديث أبي سعيد مختصرا (2382) .
(3) البخاري- الفتح 7 (4449) . وعند مسلم نحوه (418) .
(4) الفرط: المتقدم إلى الماء يهيىء لوارديه الحبال والدلاء ويستقي لهم والمعنى أنه ض متقدّمنا إلى الحوض.
(5) البخاري- الفتح 3 (1344) . ومسلم (2296) .
(6) القين: بفتح القاف هو الحدّاد، ويطلق على كل صانع.
(7) الظئر: المرضع غير ولدها والمراد به هنا زوج مرضعة إبراهيم.
(8) البخاري- الفتح 3 (1303) . ومسلم (2315) .
(9) مسلم (976) .(3/957)
على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف اللّيلة؟ فقال أبو طلحة: أنا. قال: فانزل في قبرها. فنزل في قبرها فقبرها. قال ابن مبارك قال فليح: أراه يعني الذّنب. قال أبو عبد الله: (ليقترفوا) أي ليكتسبوا) * «1» .
67-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه من اللّيل وضع يده تحت خدّه ثمّ يقول: «اللهمّ، باسمك أموت وأحيا» وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النّشور» ) * «2» .
68-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو صحيح: «لن يقبض نبيّ قطّ حتّى يرى مقعده من الجنّة، ثمّ يخيّر» . فلمّا نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة، ثمّ أفاق، فأشخص بصره إلى السّقف ثمّ قال: «اللهمّ، الرّفيق الأعلى» ، قلت: إذا لا يختارنا، وعلمت أنّه الحديث الّذي كان يحدّثنا وهو صحيح، قالت: فكانت تلك آخر كلمة تكلّم بها: «اللهمّ الرّفيق الأعلى» ) * «3» .
69-* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا حضرت بنت لرسول الله صغيرة، أخذها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضمّها إلى صدره، ثمّ وضع يده عليها، فقبضت وهي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكت أمّ أيمن، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا أمّ أيمن، أتبكين ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندك؟ فقالت: مالي لا أبكي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لست أبكي، ولكنّها رحمة» ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«المؤمن بخير على كلّ حال، تنزع نفسه من بين جنبيه، وهو يحمد الله- عزّ وجلّ-» ) * «4» .
70-* (عن عبيد الله بن عتبة أنّ عائشة وعبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما- قالا: «لمّا نزل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم طفق يطرح خميصة «5» له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه وهو كذلك يقول: «لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذّر ما صنعوا» ) * «6» .
71-* (عن القاسم بن محمّد قال: قالت عائشة- رضي الله عنها-: وا رأساه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك.
فقالت عائشة: واثكلياه، والله إنّي لأظنّك تحبّ موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا «7» ببعض أزواجك. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أنا وا رأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنّى المتمنّون، ثمّ قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبي المؤمنون» ) * «8» .
72-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1342) .
(2) البخاري- الفتح 11 (6314) . ومسلم (2710) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6348) . ومسلم (2444) .
(4) أخرجه النسائي (4/ 12) وقال محقق جامع الأصول (11/ 91) : حديث حسن.
(5) الخميصة ثوب من خزّ أو صوف معلم أي به خطوط وكانت من لباس الناس قديما، ولونها أسود أو أحمر.
(6) البخاري- الفتح 7 (4443 و4444) . ومسلم (531) .
(7) عرّس وأعرس: اتخذ عرسا ودخل بها، والمعرس: الذي يغشى امرأته.
(8) البخاري- الفتح 13 (7217) .(3/958)
عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال: وجّهت وجهي «1» للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا «2» وما أنا من المشركين «3» . إنّ صلاتي ونسكي «4» ومحياي ومماتي «5» لله ربّ العالمين «6» لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق «7» . لا يهدي لأحسنها إلّا أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت. لبّيك «8» وسعديك «9» والخير كلّه في يديك. والشّرّ ليس إليك. أنا بك وإليك «10» .
تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ، لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت.
خشع لك سمعي وبصري. ومخّي وعظمي وعصبي» .
وإذا رفع قال: «اللهمّ، ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال: «اللهمّ، لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم «اللهمّ، اغفر لي ما قدّمت وما أخرّت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» ) * «11» .
73-* (عن عائشة- رضي الله عنها- كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في مرضه الّذي مات فيه: «يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطّعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السّمّ» ) * «12» .
__________
(1) وجهت وجهي: قصدت بعبادتي للذي فطر السماوات والأرض. أي ابتداأ خلقها.
(2) حنيفا: قال الأكثرون: معناه مائلا إلى الدين الحق وهو الإسلام. وأصل الحنف الميل. ويكون في الخير والشر. وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة: وقيل: المراد بالحنيف، هنا المستقيم. قاله الأزهري وآخرون. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم ض: وانتصب حنيفا على الحال. أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي.
(3) وما أنا من المشركين: بيان للحنيف وإيضاح لمعناه: والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم.
(4) إن صلاتي ونسكي: قال أهل اللغة: النسك العبادة. وأصله من النسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط. والنسيكة، أيضا، ما يتقرب به إلى الله تعالى.
(5) ومحياي ومماتي: أي حياتي وموتي. ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما. والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي.
(6) رب العالمين: في معنى رب أربعة أقوال: حكاها الماوردي وغيره: الملك والسيد والمدبر والمربي. فإن وصف الله تعالى برب، لأنه مالك أو سيد، فهو من صفات الذات. وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله. ومتى دخلته الألف واللام، فقيل الرب، اختص بالله تعالى. وإذا حذفتا جاز إطلاقه على غيره، فيقال: رب المال ورب الدار ونحو ذلك. والعالمين: جمع عالم، وليس للعالم واحد من لفظه.
(7) واهدني لأحسن الأخلاق: أي أرشدني لصوابها، ووفقني للتخلق بها.
(8) لبيك: قال العلماء: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة. يقال: لب بالمكان لبا، وألب إلبابا، إذا أقام به. وأصل لبيك لبين لك. فحذفت النون للإضافة.
(9) وسعديك: قال الأزهري وغيره: معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة.
(10) أنا بك وإليك: أي التجائي وانتمائي إليك، وتوفيقى بك.
(11) مسلم (771) .
(12) البخاري- الفتح 8 (4428) .(3/959)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تذكر الموت)
1-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات وأبو بكر بالسّنح «1» قال إسماعيل: يعني بالعالية. فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلّا ذاك، وليبعثنّه الله فليقطّعنّ أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيّا وميّتا والّذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا ثمّ خرج فقال: أيّها الحالف، على رسلك. فلمّا تكلّم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت وقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر/ 30) ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ 144) قال:
فنشج «2» النّاس يبكون. قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلّا أنّي قد هيّأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر.
ثمّ تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ النّاس فقال في كلامه:
نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منّا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر:
لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر:
بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه النّاس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر قتله الله» ) * «3» .
2-* (قال الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير:
كان أبو بكر الصّدّيق يقول في خطبته: «أين الوضأة الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، الّذين كانوا لا يعطون الغلبة في مواطن الحرب. أين الّذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحيطان قد تضعضع بهم، وصاروا في ظلمات القبور الوحا الوحا «4» النّجا النّجا» ) * «5» .
3-* (عن أبي سفيان عن أشياخه قال: دخل سعد على سلمان يعوده، قال فبكى فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنك
__________
(1) السّنح- بضم السين والنون-: موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج- كما في لسان العرب، وقد فسره إسماعيل بالعالية.
(2) النّشج: ترجيع الصوت بالبكاء.
(3) البخاري- الفتح 7 (3667 و3668) .
(4) جاء في لسان العرب: الوحى: العجلة. يقولون: الوحى الوحى، والوحاء كالوحاء: البدار. وفي حديث أبي بكر: الوحا الوحا أي السرعة السرعة.
(5) أهوال القبور (154) .(3/960)
راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك. قال: فقال سلمان: أما إنّي لا أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدّنيا ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلينا عهدا حيّا وميّتا.
قال: لتكن بلغة أحدكم من الدّنيا مثل زاد الرّاكب وحولي هذه الأساودة «1» . قال: فإنّما حوله إجّانة «2» وجفنة «3» ومطهرة فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد إلينا بعهد نأخذ به بعدك. قال: فقال: يا سعد، اذكر الله عند همّك إذا هممت وعند يدك إذا قسمت وعند حكمك إذا حكمت» ) * «4» .
4-* (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير- رحمه الله- قال: «القبر منزل بين الدّنيا والاخرة، فمن نزله بزاد ارتحل به إلى الاخرة، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ» ) * «5» .
5-* (عن أبي معاوية قال: «ما لقيني مالك ابن مغول إلّا قال لي: لا تغرّنّك الحياة واحذر القبر أنّ للقبر شأنا» ) * «6» .
6-* (روى أبو نعيم الحافظ بإسناده؛ أنّ عمر بن عبد العزيز شيّع مرّة جنازة من أهله، ثمّ أقبل على أصحابه ووعظهم، فذكر الدّنيا فذمّها وذكر أهلها، وتنعّمهم فيها، وما صاروا إليه بعدها من القبور، فكان من كلامه أنّه قال: «إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديا، وادعهم إن كنت داعيا، ومرّ بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيّهم: ما بقي من غناه؟ وسل فقيرهم: ما بقي من فقره؟ واسألهم عن الألسن الّتي كانوا بها يتكلّمون، وعن الأعين الّتي كانوا للّذّات بها ينظرون، وسلهم عن الجلود الرّقيقة والوجوه الحسنة والأجساد النّاعمة ما صنع بها
الدّيدان تحت الأكفان، وأكلت اللّحيان «7» وعفرت الوجوه، ومحيت المحاسن وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء، ومزّقت الأشلاء، وأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم (وكأنّهم) ما وطئوا فراشا، ولا وضعوا هنا متّكأ ولا غرسوا شجرا ولا أنزلوهم من اللّحد قرارا، أليسوا في منازل الخلوات؟
أليس اللّيل والنّهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمّة ظلماء، قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبّة، وكم من ناعم وناعمة أضحوا ووجوهم بالية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم ممزّقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه دما وصديدا، ودبّت دوابّ الأرض في أجسادهم، ففرّقت أعضاءهم، ثمّ لم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى عادت العظام رميما، فقد فارقوا الحدائق وصاروا بعد السّعة إلى المضائق، قد تزوّجت نساؤهم، وتردّدت في الطّرق أبناؤهم، وتوّزعت القرابات ديارهم وقراهم فمنهم والله الموسّع له في قبره الغضّ النّاظر فيه المتنعّم بلذّاته، يا ساكن القبر غدا ما
__________
(1) جاء في لسان العرب: الأساودة: جمع قلّة لسواد وهو الشخص. وصرّح أبو عبيد بأنه شخص كلّ شيء من متاع وغيره.
(2) الإجّانة بالتشديد: إناء يغسل فيه الثياب والجمع أجاجين.
(3) الجفنة: قصعة الطعام.
(4) الحاكم في المستدرك (4/ 317) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(5) أهوال القبور (155) .
(6) المرجع السابق (156) .
(7) اللّحيان- بالفتح-: حائطا الفم وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم.(3/961)
الّذي غرّك من الدّنيا أين دارك الفيحاء ونهرك المطّرد؟
وأين ثمارك الينيعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك، وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ أما رأيته قد زلّ به الأمر، فما يدفع عن نفسه دخلا وهو يرشح عرقا، ويتلمّظ عطشا، يتقلّب في سكرات الموت وغمراته، جاء الأمر من السّماء، وجاء غالب القدر والقضاء، هيهات: يا مغمض الوالد والأخ والولد، وغاسله، يا مكفّن الميّت ويا مدخله في القبر، وراجعا عنه، ليت شعري بأيّ خدّيك بدأ البلى، يا مجاور الهلكات صرت في محلّة الموت، ليت شعري ما الّذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدّنيا وما يأتيني به من رسالة ربّي» . ثمّ انصرف فما عاش بعد ذلك إلّا جمعة) * «1» .
7-* (عن أبي سريج الشّاميّ؛ قال: قال عمر ابن عبد العزيز لرجل من جلسائه: «يا فلان، قد أرقت اللّيل متفكّرا» قال: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: «في القبر وساكنه، لو رأيت الميّت بعد ثالثة في القبر لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوامّ، ويجري فيه الصّديد وتخترقه الدّيدان مع تغيّر الرّائحة وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الرّائحة ونقاء الثّوب» قال: ثمّ شهق شهقة خرّ مغشيّا) * «2» .
8-* (وقد روي عن عمر بن عبد العزيز من وجوه متعدّدة أنّه قال في آخر خطبة خطبها- رحمه الله عليه-: «ألا ترون أنّكم في أسلاب الهالكين، ثمّ يرثها بعدكم الباقون كذلك حتّى يردّ إلى خير الوارثين، وفي كلّ يوم تشيّعون غاديا ورائحا قد قضى نحبه فتودّعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير ممهّد ولا موسّد، قد فارق الأحباب وخلع الأسباب وسكن التّراب، وواجه الحساب، غنيّا عمّا خلّف، فقيرا إلى ما قدّم» .
وكان ينشد هذه الأبيات:
من كان حين تصيب الشّمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا
ويألف الظّلّ كي تبقى بشاشته ... فكيف يسكن يوما راغما جدثا؟
في ظلّ مقفرة غبراء مظلمة ... يطيل تحت الثّرى في غمّه اللّبثا
تجهّزي بجهاز تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثا) *
«3» .
9-* (عن سليم بن عامر قال: خرجنا في جنازة على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهليّ فلمّا صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: إنّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تغنمون فيه الحسنات والسّيّئات توشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا- يشير إلى القبر- بيت الوحشة وبيت الظّلمة وبيت الضّيق إلّا ما وسّع الله ثمّ تنتقلون منه إلى يوم القيامة) * «4» .
10-* (روى البراء بإسناده عن الفضيل بن عياض قال: رأيت رجلا يبكي، قلت: وما يبكيك؟
__________
(1) أهوال القبور (151- 152) .
(2) المرجع السابق (150) .
(3) المرجع السابق (152) .
(4) المرجع السابق (127) .(3/962)
قال: أبكاني كلامه. قلت: ما هو؟ قال: كنّا وقوفا في المقابر فأنشدوا:
أتيت القبور فساءلتها ... أين المعظّم والمحتقر؟
وأين المدلّ بسلطانه؟ ... وأين القويّ إذا ما قدر
ففالوا جميعا فما مخبر ... وماتوا جميعا ومات الخبر
فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر؟
تروح وتغدو عليه الثّرى ... فتمحو محاسن تلك الصّور) *
«1» .
11-* (عن خالد بن أحمد بن أسد قال:
«أخذت بيدي عليّ بن جبلة يوما فأتينا أبا العتاهية فوجدناه في الحرم فانتظرناه فلم يلبث أن جاء فدخل عليه إبراهيم بن مقاتل بن سهل وكان جميلا فتأمّله أبو العتاهية وقال متمثّلا:
يا حسان الوجوه سوف تموتو ... ن وتبلى الوجوه تحت التّراب
فأقبل عليّ بن جبلة فقال: اكتب:
يا مربّي شبابه للتّراب ... سوف يمضي البلى بغضّ الشّباب
يا ذوي الوجوه الحسان المصونا ... ت وأجسامها الغضاض الرّطاب
أكثروا من نعيمها أو أقلّوا ... سوف تهدونها لعفر التّراب
قد نعتك الأيّام نعيا صحيحا ... بفراق الإخوان والأصحاب
فقال أبو العتاهية: قل يا حامد، قلت: معك ومع أبي الحسن، قال: نعم، فقلت:
يا مقيمين رحّلوا للذّهاب ... لشفير القبور وحطّوا الركاب
نعّموا الأوجه الحسان فما ... صونكموها إلّا بعفر التّراب
والبسوا ناعم الثّياب ففى ال ... حفرة تعرون من جميع الثّياب
قد ترون الشّباب كيف يمو ... تون إذا استنضروا بماء الشّباب) *
«2» .
12-* (عن الحسن؛ قال: «يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهنّ قطّ: يوم تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة ويوم يأتيك البشير من الله تعالى، إمّا بالجنّة أو النّار، ويوم تعطى كتابك بيمينك وإمّا بشمالك» ) * «3» .
13-* (وقال بشر بن الحارث: «نعم المنزل القبر لمن أطاع الله» ) * «4» .
14-* (قال الأوزاعيّ- رحمه الله-: «ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا كفاه اليسير» ) * «5» .
15-* (قال ابن رجب- رحمه الله-: «والله
__________
(1) أهوال القبور (144) .
(2) المرجع السابق (156) .
(3) المرجع السابق (154) .
(4) المرجع السابق (155) .
(5) عن كتاب الأموال لابن زنجويه (61) .(3/963)
المسئول أن يجعلنا ممّن يبادر الفوت، ويراقب الموت ويتأهّب للرّحلة قبل الممات، وينتفع بما سمع من العظات بمنّه وكرمه» ) * «1» .
16-* (قال عديّ بن الرّعلاء:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء
إنّما الميت من يعيش شقيّا ... كاسفا باله قليل الرّجاء
فأناس يمصّصون ثمادا «2» ... وأناس حلوقهم في الماء) *
«3» .
17-* (لمّا انصرف النّاس من جنازة داود الطّائيّ- رحمه الله-، أنشد ابن السّمّاك- رحمه الله-:
انصرف النّاس إلى دورهم ... وغودر الميّت في رمسه
مرتهن النّفس بأعماله ... لا يرتجي الإطلاق من حبسه
لنفسه صالح أعماله ... وما سواها فعلى نفسه) *
«4»
18-* (قال الشاعر:
قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها ... لله درّك ماذا تستر الحفر؟
ففيهم لك يا مغرور موعظة ... وفيهم لك يا مغترّ معتبر) *
«5» .
19-* (أنشد أبو جعفر القرشيّ:
تناجيك أجداث وهنّ سكوت ... وساكنها تحت التّراب خفوت
أيا جامع الدّنيا لغير بلاغه ... لم تجمع الدّنيا وأنت تموت؟) *
«6» .
20-* (عن الفضل بن مهلهل أخي الفضل وكان من العابدين قال: «كان جليس لنا حسن التّخشّع والعبادة يقال له: مجيب، وكان من أجمل الرّجال فصلّى حتّى انقطع عن القيام، وصام حتّى اسودّ، ثمّ مرض فمات، وكان محمّد بن النّضر الحارثيّ له صديقا ومات محمّد قبله قال: فرأيت محمّدا في منامي بعد موت مجيب فقلت: ما فعل أخوك مجيب قال لحق بعمله قلت: فكيف وجهه ذاك الحسن؟
قال: أبلاه والله التّراب. قال: وقلت: كيف وأنت تقول لحق بعمله؟ قال: يا أخي علمت أنّ الأجساد في القبور تبلى وأنّ الأعمال في الاخرة تحيا. قلت: يبلون حتّى لا يبقى منهم شيء ثمّ يجيئون يوم القيامة، إي والله يا أخي يبلون حتّى يصيروا رفاتا ثمّ يحيون عند الصّيحة، وأنشد بعضهم:
ما حال من سكن الثّرى ما حاله؟ ... أمسى وقد رثّت هناك حباله
أمسى ولا روح الحياة تصيبه ... أبدا ولا لطف الحبيب يناله
__________
(1) مقدمة أهوال القبور (4) .
(2) الثّماد: الماء القليل.
(3) لسان العرب (2/ 91) .
(4) يتبع الميت ثلاث لابن رجب (28) ، وفي أهوال القبور (142) ، والبحور الزاخرة (1/ 343) .
(5) أهوال القبور (157) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.(3/964)
أمسى وقد درست محاسن وجهه ... وتفرّقت في قبره أوصاله
واستبدلت منه المجالس غيره ... وتقسّمت من بعده أمواله
ما زالت الأيّام تلعب بالفتى ... والمال يذهب صفوه وحلاله) *
«1» .
21-* (عن عمر بن ذرّ أنّه كان يقول في مواعظه: «لو علم أهل العافية ما تضمّنته القبور من الأجساد البالية لجدّوا واجتهدوا في أيّامهم الخالية خوفا من يوم تتقلّب فيه القلوب والأبصار» ) * «2» .
22-* (وقال النّضر بن المنذر لإخوانه: «زوروا الاخرة بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهّمكم، وتوسّدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أنّ ذلك كائن لا محالة، فاختار لنفسه (امرؤ) ما أحبّ من المنافع والضّرر» ) * «3» .
23-* (وروى ابن أبي الدّنيا عن الحسن أنّه مرّ به شابّ، وعليه بردة له حسنة فقال: «ابن آدم معجب بشبابه، معجب بجماله كأنّ القبر قد وارى بدنك وكأنّك لاقيت عملك، ويحك داو قلبك، فإنّ مراد الله إلى عباده صلاح قلوبهم» ) * «4» .
24-* (شهد الحسن جنازة فاجتمع عليه النّاس، فقال: «اعملوا لمثل هذا اليوم- رحمكم الله- فإنّما هم إخوانكم يقدمونكم، وأنتم بالأثر، أيّها المخلّف بعد أخيه إنّك الميّت غدا، والباقي بعدك الميّت في أثرك أوّلا بأوّل حتّى توافوا جميعا قد عمّكم الموت واستويتم جميعا في كربه وغصصه، ثمّ تخلّيتم إلى القبور، ثمّ تنشرون جميعا، ثمّ تعرضون على ربّكم عزّ وجلّ» ) * «5» .
25-* (عن الحسن قال: «أوذنوا بالرّحيل، وجلس أوّلهم على آخرهم وهم يلعبون» ) * «6» .
26-* (وقال رجل لبعض السّلف: أوصني قال: عسكر الموتى ينتظرونك» ) * «7» .
27-* (قال أبو العتاهية:
رويدك يا ذا القصر في شرفاته ... فإنّك عنه سوف تسحى «8» وتزعج
ولا بدّ من بيت انقطاع ووحشة ... وإن غرّك البيت الأنيق المبهج) *
«9» .
28-* (قال ابن أبي الدّنيا: أنشدني الحسين بن عبد الرّحمن:
لبيك لأهوال القيامة من بكى ... ولا تنسينّ القبر يوما ولا البلى
كفى حزنا يوما ترى فيه مكرما ... كرامته أن يرقدوا جسمه الثّرى) *
«10» .
29-* (قال أحمد بن أبي الحواريّ: سمعت
__________
(1) أهوال القبور: 144.
(2) المرجع السابق (154) .
(3) المرجع السابق (152) .
(4) المرجع السابق (154) .
(5) المرجع السابق (155) .
(6) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(7) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(8) تسحى: من سحوت الطّين عن وجه الأرض.. إذا جرفته، والفعل الماضي: سحا مضارعه مضموم العين، أو مفتوحها أو مكسورها: يسحو، يسحاه ويسحيه ومعناه: جرفه يجرفه وما في معناه: لسان العرب.
(9) أهوال القبور (157) .
(10) المرجع السابق (153) .(3/965)
مضر بن عبس يقول: «رحم الله قوما زاروا إخوانهم بقلوبهم في قبورهم وهم قيام في ديارهم، يشيرون إلى زيارتهم بالفكر فى أحوالهم» ) * «1» .
30-* (وقال ابن أبي الدّنيا، حدّثنا محمّد السّبغي قال: «انتفض غنّام بن عليّ يوما وهو مع أصحابه فقال له بعضهم: ما الّذي أصابك؟ قال:
ذكرت اللّحد» ) * «2» .
31-* (عن مغيث الأسود الزّاهد؛ قال:
«زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم» ) * «3» .
32-* (حدّث محمّد بن خلف قال: سمعت أبي قال: رجعنا من ميّت مع ابن السّمّاك فأنشأ ابن السّمّاك يقول:
تمرّ أقاربي جنبات قبري ... كأنّ أقاربي لا يعرفوني
ذوو الأموال يقتسمون مالي ... ولا يألون أن جحدوا ديوني
وقد أخذوا سهامهم وعاشوا ... فيا لله ما أسرع ما نسوني) *
«4» .
33-* (عن عقبة البزّار قال: «رأى أعرابي جنازة فأقبل يقول: هنيئا يا صاحبها. فقلت: علام تهنّئه؟ قال: كيف لا أهنّىء من يذهب به إلى حبس جواد كريم، نزله عظيم، عفوه جسيم؟ قال: كأنّي لم أسمع القول إلّا تلك السّاعة» ) * «5» .
34-* (قال بعضهم:
ولقد وقفت كما وقف ... ت وقد نظرت فما اعتبرت
حصّل لنفسك منزلا ... قبل الحصول كما حصلت) *
«6» .
35-* (وأوصى بعض الوزراء أن يكتب (على سبيل الموعظة) :
أيّها المغرور في الدّن ... يا بعزّ تقتنيه
وبأهل وبمال ... وبقصر تبتنيه
كم عليها قد سحبنا ... ذيل سلطان بتيه
تحسب الأقدار تجري ... بخلود ترتجيه
إذ طواك الموت طيّا ... فاعتبر ما نحن فيه» ) *
«7» .
36-* (وأنشدوا:
خليليّ ما أفضي وما أنا قائل ... إذا جئت عن نفسي بنفسي أجادل؟
وقد وضع الرّحمن بالحشر عدله ... وسيق جميع النّاس واليوم باسل
وجيء بحزم النّار خاضعة له ... وثلّث عروش عندها وتجادل
فياليت شعري ذلك اليوم هل أنا ... ل الغفر أم أجزى بما أنا فاعل
فإن أك مجزيّا فعدل وحجّة ... وإن يك غفران ففضل ونائل) *
«8» .
__________
(1) أهوال القبور (153) .
(2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) المرجع السابق (152) .
(4) المرجع السابق (156) .
(5) المرجع السابق (155) .
(6) المرجع السابق (146) .
(7) المرجع السابق (146- 147) .
(8) العاقبة في أحوال الاخرة لعبد الحق الأزدي (582 هـ) مخطوط (124- أ) .(3/966)
37-* (قال بعضهم:
تزوّد قرينا من فعالك إنّما ... قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
وإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن ... بغير الّذي يرضى به الله تشغل
فلن يصحب الإنسان من بعد موته ... إلى قبره إلّا الّذي كان يعمل
ألا إنّما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا عندهم ثمّ يرحل) *
«1» .
38-* (وقال بعضهم:
يا غافل القلب عن ذكر المنيّات ... عمّا قليل ستثوي بين أموات
فاذكر محلّك من قبل الحلول به ... وتب إلى الله من لهو ولذّات
إنّ الحمام له وقف «2» إلى أمد «3» ... فاذكر مصائب أيّام وساعات
لا تطمئنّ إلى الدّنيا وزينتها ... قد حان للموت يا ذا اللّبّ أن يأتي) *
«4» .
من فوائد (تذكر الموت)
(1) إنّ تذكّر الموت بصورة دائمة يجعل المسلم يعطي كلّ لحظة حقّها من الواجب، ويبتعد عن المخالفات الشّرعيّة.
(2) ويجعل المؤمن يعمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته.
(3) بما أنّ الموت حتم على كلّ حيّ وتبدأ بعده مرحلة السّؤال والحساب فلا بدّ من التّذكّر والتّدبّر قبل فوات الأوان.
(4) كثير من النّاس وعلى مرّ التّاريخ يسعفهم الله بالحظّ ويمدّ لهم الأسباب فتتوفّر لهم الحماية الصّحّيّة والسّعادة الدّنيويّة فيستبعدون ذكر الموت من حسابهم فيبطشون ويتجبّرون ثمّ تقع الطّامّة عليهم فلا يجدون عدلا ولا صرفا وهؤلاء لا ينبغي أن يغترّ بما هم فيه.
(5) أحزم النّاس وأملكهم لشأنه أكثرهم ذكرا واستعدادا للموت.
(6) تذكّر الموت يدفع المرء إلى الحياء من الله فلا يقارف المعصية.
(7) إنّ من أشدّ الحياء من الله- عزّ وجلّ- تذكّر الموت والعمل لما بعده.
(8) موت المسلم وغسله وتكفينه والصّلاة عليه وحمله إلى المقابر ودفنه كلّها مظاهر تذكير وإنذار لكلّ أحد بأنّ هذا مصيره ولا يأخذ معه إلّا ما قدّم من خير أو شرّ.
__________
(1) ذكره السفاريني في البحور الزاهرة (1/ 343) .
(2) الوقف: الحبس.
(3) الأمد: الأجل: أى إن الحمام- وهو الموت- محبوس إلى أجل يأتي فيه.
(4) أهوال القبور (145) .(3/967)
التذكير
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 14/ 14/ 10/
التذكير لغة:
مصدر ذكّر وهو مأخوذ من مادّة (ذ ك ر) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على أصلين عنهما يتفّرع كلم الباب: الأوّل الذّكر خلاف الأنثى، ومن ذلك قولهم: المذكر الّتي ولدت ذكرا والمذكار الّتي تلد الذّكران عادة، والأصل الاخر: الذّكر خلاف النّسيان ومن ذلك قولهم ذكرت الشّيء خلاف نسيته ثمّ حمل عليه الذّكر باللّسان، ويقول اجعله منك على ذكر أي لا تنسه.
والذّكر: الحفظ للشّيء تذكره. والذّكر أيضا: الشّيء يجري على اللّسان ذكره يذكره ذكرا وذكرا. وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا ما فِيهِ (البقرة/ 63) أي: ادرسوا ما فيه. وتذكّره واذّكره وادّكره واذدكره، قلبوا تاء افتعل في هذا مع الذّال بغير إدغام، وأذكره إيّاه:
ذكّره، والاسم الذّكرى. قال الفرّاء: يكون الذّكرى بمعنى الذّكر، ويكون بمعنى التّذكّر في قوله تعالى وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) والذّكر والذّكرى، بالكسر: نقيض النّسيان، وكذلك الذّكرة، قال كعب بن زهير:
أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ... ومطافه لك ذكرة وشعوف «1»
وتقول: ذكّرته ذكرى، غير مجراة. ويقال: اجعله منك على ذكر وذكر، وما زال ذلك منّي على ذكر وذكر والضّمّ أعلى. أي تذكّر، وقال الفرّاء: الذّكر ما ذكرته بلسانك، والذّكر: بالقلب.
والتّذكرة ما تستذكر به الحاجة.
وذكّره إيّاه وبه جعله يذكره، والنّاس وعظهم ومنه فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (الغاشية/ 21) «2» .
واستذكر الشّيء: درسه للذّكر، والاستذكار:
الدّراسة للحفظ، والتّذكّر: تذكّر ما أنسيته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان، وذكرته بلساني وبقلبي وتذكّرته وأذكرته غيري، وذكّرته بمعنى قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ 45) أيّ ذكر بعد نسيان وأصله:
اذتكر فأدغم.
وقال الرّاغب: الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ، إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه والذّكر يقال اعتبارا باستحضاره، وتارة يقال
__________
(1) طاف الخيال: يطيف طيفا ومطافا، والشعوف: الولوع بالشيء حتى لا يعدل عنه.
(2) مقاييس اللغة (2/ 358) ، لسان العرب (4/ 308) ، ومفردات الراغب (192) ، كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 318) .(3/968)
(الذّكر) لحضور الشّيء القلب أو القول ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللّسان وكلّ واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ وكلّ قول يقال له ذكر، فمن الذّكر باللّسان، قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ (الأنبياء/ 10) ومن الذّكر عن النّسيان قوله سبحانه: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (الكهف/ 63) ومن الذّكر بالقلب واللّسان معا قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ... (البقرة/ 200) والذّكرى كثرة الذّكر قال تعالى: رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (ص/ 43) وقوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ 55) والتّذكرة ما يتذكّر به الشّيء، وهو أعمّ من الدّلالة والأمارة قال تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ 49) «1» .
التذكير اصطلاحا:
لم يرد التّذكير مصطلحا في الكتب الّتي تهتمّ بإيراد المعاني الاصطلاحيّة بيد أنّه يمكن استنباط تعريف له من خلال تعريفهم للذّكر من ناحية ومن خلال كتب اللّغة والتّفسير من ناحية أخرى فتقول:
التّذكير: أن تجعل غيرك يستحضر ما تذكّره به بغرض الاتّعاظ والخروج من ميدان الغفلة والنّسيان إلى مجال المشاهدة والحضور. أو هو أن تجعل المخاطب على ذكر ممّا تظنّ أنّه غافل عنه إمّا حقيقة وإمّا على سبيل التّغافل فيخرج بذلك من دائرة الغفلة والنّسيان إلى مجال الذّكرى الّتى تنفع المؤمنين.
[للاستزادة: انظر صفات: الإرشاد- التذكر- الدعوة إلى الله- النصيحة- الوعظ.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- الغي والإغواء- الهجر] .
__________
(1) مفردات الراغب (179) .(3/969)
الآيات الواردة في «التذكير»
1- وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (70) «1»
2- وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) «2»
3- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) «3»
4- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) «4»
5- وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (73) «5»
6- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «6»
7- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) «7»
8- قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (18)
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) «8»
__________
(1) الأنعام: 70 مكية
(2) الأعراف: 164- 165 مدنية
(3) إبراهيم: 5 مكية
(4) الكهف: 57 مكية
(5) الفرقان: 73 مكية
(6) السجدة: 15 مكية
(7) السجدة: 22 مكية
(8) يس: 18- 19 مكية(3/970)
9- فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) «1»
10- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) «2»
11- وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «3»
12- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) «4»
13- فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) «5»
14- فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) «6»
__________
(1) الصافات: 11- 13 مكية
(2) ق: 45 مكية
(3) الذاريات: 55 مكية
(4) الطور: 29 مكية
(5) الأعلى: 9- 10 مكية
(6) الغاشية: 21 مكية(3/971)
الأحاديث الواردة في (التذكير)
1-* (عن عكرمة: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال له يعني لابن صوريا: «أذكّركم بالله الّذي نجّاكم من آل فرعون، وأقطعكم البحر، وظلّل عليكم الغمام، وأنزل عليكم المنّ والسّلوى، وأنزل عليكم التّوراة على موسى، أتجدون في كتابكم الرّجم» ؟ قال: ذكّرتني بعظيم، ولا يسعني أن أكذبك- وساق الحديث) * «1» .
2-* (عن ابن أبي مليكة؛ أنّ امرأتين كانتا تخرزان «2» في بيت- أو في الحجرة- فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى «3» في كفّها، فادّعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عبّاس، فقال ابن عبّاس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو يعطى النّاس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم» ، ذكّروها بالله واقرءوا عليها إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ (آل عمران/ 77) فذكّروها، فاعترفت. فقال ابن عبّاس: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على المدّعى عليه» ) * «4» .
3-* (عن يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت، يا زيد، خيرا كثيرا، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت، يا زيد، خيرا كثيرا، حدّثنا، يا زيد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: يا ابن أخي، والله، لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوا، وما لا، فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر. ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي» ، فقال له حصين:
ومن أهل بيته؟ يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال:
نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عبّاس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟ قال: نعم) * «5» .
4-* (حدّثنا أبيّ بن كعب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه بينما موسى عليه السّلام، في قومه يذكّرهم بأيّام الله- وأيّام الله نعماؤه وبلاؤه-
__________
(1) أبو داود 2 (3626) ، وقال الألباني (2/ 691) : صحيح.
(2) الخرز: خياطة الأدم، وقوله: تخرزان: يعني تخيطان أدما أي جلدا.
(3) الإشفى: المثقب وهو ما يستخدم في خياطة القرب ونحوها.
(4) البخاري- الفتح 8 (4552) .
(5) مسلم (2408) .(3/972)
إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم منّي، قال فأوحى الله إليه، إنّي أعلم بالخير منه، أو عند من هو، إنّ في الأرض رجلا هو أعلم منك، قال: يا ربّ! فدلّني عليه، قال: فقيل له: تزوّد حوتا مالحا؛ فإنّه حيث تفقد الحوت. قال: فانطلق هو وفتاه حتّى انتهيا إلى الصّخرة فعمّي عليه، فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوت في الماء، فجعل لا يلتئم عليه، صار مثل الكوّة «1» ، قال: فقال فتاه: ألا ألحق نبيّ الله فأخبره؟
قال: فنسّي، فلمّا تجاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال: ولم يصبهم نصب حتّى تجاوزا، قال: «فتذكّر، قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت، وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. فأراه مكان الحوت، قال: ههنا وصف لي، قال: فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر مسجّى ثوبا، مستلقيا على القفا، أو قال:
على حلاوة القفا «2» ، قال: السّلام عليكم، فكشف الثّوب عن وجهه قال: وعليكم السّلام، من أنت؟
قال: أنا موسى، قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: مجيء ما جاء بك «3» ؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدا، قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، شيء أمرت به أن أفعله إذا رأيته لم تصبر، قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها، قال: انتحى عليها «4» ، قال له موسى عليه السّلام: أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا، قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا، فانطلقا حتّى إذا لقيا غلمانا يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرّأي «5» فقتله، فذعر عندها موسى عليه السّلام، ذعرة منكرة؛ قال:
أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامة «6» ، قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرا، ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه «رحمة الله علينا وعلى أخي كذا، رحمة الله علينا- فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية لئاما فطافا
__________
(1) الكوة: بفتح الكاف، ويقال بضمها، وهي الطاق.
(2) على حلاوة القفا: هي وسط القفا، ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه، وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها، أفصحها الضم.
(3) مجيء ما جاء بك: قال القاضي: ضبطناه مجيء مرفوع غير منون عن بعضهم وعن بعضهم منونا، قال: وهو أظهر، أي أمر عظيم جاء بك.
(4) انتحى عليها: أي اعتمد على السفينة وقصد خرقها.
(5) بادي الرأي: بالهمزة وتركه، فمن همزه معناه: أول الرأي وابتداؤه، أي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر، ومن لم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله، من البداء، وهو ظهور رأي لم يكن، قال القاضي: ويمد البداء ويقصر.
(6) أخذته من صاحبه ذمامة: أي حياء وإشفاق من اللوم والذم.(3/973)
في المجالس فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه قال: لو شئت لاتّخذت عليه أجرا، قال: هذا فراق بيني وبينك وأخذ بثوبه، قال: سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ... إلى آخر الاية، فإذا جاء الّذي يسخّرها وجدها منخرقة فتجاوزها فأصلحوها بخشبة، وأمّا الغلام فطبع يوم طبع كافرا، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنّه أدرك أرهقهما طغيانا وكفرا «1» ، فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما «2» ، وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته ... » إلى آخر الاية) * «3» .
5-* (عن عمرو بن الأحوص أنّه شهد حجّة الوداع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ ثمّ قال: أيّ يوم أحرم؟ أيّ يوم أحرم؟
أيّ يوم أحرم؟ قال: فقال النّاس يوم الحجّ الأكبر يا رسول الله، قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلّا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده، ألا إنّ المسلم أخو المسلم، فليس يحلّ لمسلم من أخيه شيء إلّا ما أحلّ من نفسه، ألا وإنّ كلّ ربا في الجاهليّة موضوع، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العبّاس بن عبد المطّلب فإنّه موضوع كلّه، ألا وإنّ كلّ دم كان في الجاهليّة موضوع، وأوّل دم أضع من دم الجاهليّة دم الحارث بن عبد المطّلب، كان مسترضعا بني ليث فقتلته هذيل، ألا واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّما هنّ عوان عندكم ليس تملكون منهنّ شيئا غير ذلك إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة فإن فعلن فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا، ألا وإنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا، فأمّا حقّكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإنّ حقّهن عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهنّ وطعامهنّ) * «4» .
6-* (عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب «5» ، أيفرّق بينهما؟ قال: فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكّة، فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إنّه قائل «6» ، فسمع صوتي، قال: ابن جبير؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فو الله ما جاء بك هذه السّاعة إلّا حاجة، فدخلت،
__________
(1) أرهقهما طغيانا وكفرا: أي حملهما عليهما وألحقهما بهما، والمراد بالطغيان هنا، الزيادة في الضلال.
(2) خيرا منه زكاة وأقرب رحما: قيل: المراد بالزكاة الإسلام. وقيل الصلاح، وأما الرحم فقيل: معناه الرحمة لوالديه وبرهما، وقيل المراد: يرحمانه.
(3) البخاري- الفتح 1 (122) ، مسلم (2380) واللفظ له.
(4) الترمذي (3087) ، وقال: هذا حديث حسن، وأصله عند مسلم.
(5) إمرة مصعب: أي في عهد إمارته وهو مصعب بن الزبير.
(6) قائل: من القيلولة وهو النوم نصف النهار.(3/974)
فإذا هو مفترش برذعة «1» متوسّد وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرّحمن، المتلاعنان، أيفرّق بينهما؟ قال:
سبحان الله، نعم، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ابن فلان. قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلّم تكلّم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال:
فسكت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يجبه، فلمّا كان بعد ذلك أتاه فقال: إنّ الّذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الايات في سورة النّور وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ (النور/ 6- 9) فتلاهنّ عليه ووعظه وذكّره. وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الاخرة، قال: لا، والّذي بعثك بالحقّ ما كذبت عليها، ثمّ دعاها فوعظها وذكّرها وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الاخرة، قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ! إنّه لكاذب فبدأ بالرّجل فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثمّ ثنّى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين ثمّ فرّق بينهما) * «2» .
7-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال: لقد تركنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وما يحرّك طائر جناحيه في السّماء إلّا أذكرنا منه علما) * «3» .
8-* (عن حنظلة الأسيّديّ «4» - رضي الله عنه- قال:- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟
قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله ما تقول؟، قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين «5» ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا «6» الأزواج والأولاد والضّيعات «7» فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فو الله إنّا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟» ، قلت: يا رسول
__________
(1) البرذعة: الحلس الذي يوضع فوق ظهر الدابة وخص بعضهم به الحمار.
(2) مسلم (1493) ، وعند البخاري نحوه، من حديث سهل ابن سعد، البخاري- الفتح 9 (5308) .
(3) أحمد (5/ 153، 162) ، والهيثمي في المجمع (8/ 263) ، وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما بقي شيء يقرب من الجنة يباعد من النار إلا وقد بين لكم» ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يسم.
(4) الأسيدي: ضبطوه بوجهين، أصحهما وأشهرهما ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة، والثاني كذلك إلا أنه بإسكان الياء، ولم يذكر القاضي إلا هذا الثاني. وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم.
(5) حتى كأنا رأي عين: قال القاضي: ضبطناه رأي العين، بالرفع، أي كأنا بحال من يراها بعينه، قال: ويصح النصب على المصدر، أي نراها رأي عين.
(6) عافسنا: قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به، أي عالجنا معايشنا وحظوظنا.
(7) والضيعات: جمع ضيعة، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة.(3/975)
الله نكون عندك تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرّات) * «1» .
9-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولّاه الله من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق؛ فإن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه» ) * «2» .
الأحاديث الواردة في (التذكير) معنى
انظر: صفات (الإرشاد- الدعوة- النصيحة- الوعظ)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التذكير)
10-* (عن بريدة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فنادى ثلاث مرّات، فقال: «يا أيّها النّاس، أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ مثل قوم خافوا عدوّا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فبينا هو كذلك أبصر العدوّ وأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدوّ قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيّها النّاس أتيتم أيّها النّاس أتيتم ثلاث مرّات) * «3» .
11-* (عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه «4» ، حتّى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم، ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين «5» » ويقرن «6» بين إصبعيه السّبّابة «7» والوسطى، ويقول: «أمّا بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمّد «8» وشرّ الأمور
__________
(1) مسلم (2750) .
(2) رواه أبو داود (3/ 31) / (2932) والنسائي (7/ 159) وصححه الألباني، والهيثمي في المجمع (5/ 210) ، وقال: رواه أحمد والبزار ورجال البزار رجال الصحيح.
(3) الهيثمي في المجمع (2/ 188) ، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ونحوه في الصحيحين.
(4) واشتد غضبه: قال النووي: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما وتحذيره خطبا جسيما.
(5) بعثت أنا والساعة كهاتين: روي بنصبها ورفعها، والمشهور نصبها على المفعول معه، قال القاضي: يحتمل أنه تمثيل لمقاربتها، وأنه ليس بينهما أصبع أخرى، كما أنه لا نبي بينه وبين الساعة.
(6) يقرن: هو بضم الراء على المشهور الفصيح، وحكي كسرها.
(7) السبابة: سميت بذلك لأنهم كان يشيرون بها عند السب.
(8) وخير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم: هو بضم الهاء وفتح الدال فيهما، وبفتح الهاء وإسكان الدال أيضا، ضبطناه بالوجهين، وكذا ذكره جماعة بالوجهين، وقال القاضي عياض: رويناه في مسلم بالضم وفي غيره بالفتح وبالفتح ذكره الهروي، وفسّره الهروي، على رواية الفتح، بالطريق، أي أحسن الطرق طريق محمد،(3/976)
محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة «1» » ، ثمّ يقول: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه «2» ، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ»
) * «4» .
12-* (وعن عليّ أو عن الزّبير- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطبنا فيذكّرنا بأيّام الله حتّى يعرف ذلك في وجهه وكأنّه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يبتسم ضاحكا حتّى يرتفع) * «5» .
13-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قوما فقال: رأيت الجيش بعيني، وإنّي أنا النّذير العريان، فالنّجاء النّجاء، فأطاعته طائفة فأدلجوا على مهلهم فنجوا، وكذّبته طائفة فصبّحهم الجيش فاجتاحهم» ) * «6» .
14-* (عن النّعمان- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب يقول: أنذركم النّار أنذركم النّار حتّى لو أنّ رجلا كان بالسّوق لسمعه من مقامي هذا، قال: «حتّى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه» ، وفي رواية وسمع أهل السّوق صوته وهو على المنبر) * «7» .
__________
يقال: فلان، حسن الهدي، أي الطريقة والمذهب. ومنه: اهتدوا بهدي عمار، وأما على رواية الضم فمعناه الدلالة والإرشاد، قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان: أحدهما بمعنى الدلالة والإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل والقرآن والعباد، وقال الله تعالى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، ومنه قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أي بينا لهم الطريق. ومنه قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ. والثاني بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذي تفرد الله به، ومنه قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ.
(1) وكل بدعة ضلالة: هذا عام مخصوص، والمراد غالب البدع، قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل على غير مثال سابق.
(2) أنا أولى بكل مؤمن من نفسه: هو موافق لقول الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي أحق.
(3) ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ: قال أهل اللغة: الضياع، بفتح الضاد، العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يضيع ضياعا، والمراد ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع. فأوقع المصدر موضع الاسم.
(4) مسلم (867) .
(5) أحمد (1/ 167) ، ومسند أبي يعلى (1/ 324) / (673) ، والهيثمي في المجمع (2/ 188) ، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وأبو يعلى عن الزبير وحده ورجاله رجال الصحيح. وذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (228) . وصححه الشيخ أحمد شاكر في المسند (3/ 22) برقم (1437) .
(6) البخاري- الفتح 11 (6482) .
(7) الهيثمي في المجمع (2/ 187) ، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وهو في المسند (4/ 267) .(3/977)
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التذكير)
1-* (عن أبي سلمة أنّ أبا موسى كان يأتي عمر فيقول له عمر: «ذكّرنا ربّنا، فيقرأ عنده» ) * «1» .
2-* (عن عوف بن مالك بن الطّفيل هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمّها، أنّ عائشة حدّثت أنّ عبد الله بن الزّبير قال بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله عليّ نذر أن لا أكلّم ابن الزّبير أبدا. فاستشفع ابن الزّبير إليها حين طالت الهجرة «2» ، فقالت: لا والله لا أشفّع فيه «3» أبدا ولا أتحنّث إلى نذري، فلمّا طال ذلك على ابن الزّبير كلّم المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث- وهما من بني زهرة- وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة فإنّها لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرّحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة فقالا:
السّلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟، قالت: نعم ادخلوا كلّكم- ولا تعلم أنّ معهما ابن الزّبير- فلمّا دخلوا دخل ابن الزّبير الحجاب فاعتنق عائشة «4» وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرّحمن يناشدانها إلّا ما كلّمته وقبلت منه، ويقولان: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عمّا قد عملت من الهجرة؛ فإنّه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلمّا أكثروا على عائشة، من التّذكرة والتّحريج «5» طفقت تذكّرهما وتبكي وتقول:
إنّي نذرت والنّذر شديد، فلم يزالا بها حتّى كلّمت ابن الزّبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تبلّ دموعها خمارها) * «6» .
3-* (عن أبي وائل قال: كان عبد الله يذكّر النّاس في كلّ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرّحمن، لوددت أنّك ذكّرتنا كلّ يوم. قال: أما إنّه يمنعني من ذلك أنّي أكره أن أملّكم، وإنّي أتخوّلكم بالموعظة، كما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتخوّلنا بها مخافة السّامة علينا) * «7» .
4-* (عن عائشة- رضي الله عنها-: «أنّ ناسا طافوا بالبيت بعد صلاة الصّبح، ثمّ قعدوا إلى المذكّر «8» ، حتّى إذا طلعت الشّمس قاموا يصلّون، فقالت عائشة- رضي الله عنها-: قعدوا، حتّى إذا
__________
(1) الدارمي (3499) .
(2) الهجرة- بكسر الهاء وسكون الجيم- المراد بها هنا ترك الشخص مكالمة الاخر إذا تلاقيا وهي في الأصل: الترك فعلا كان أو قولا.
(3) الشفاعة: طلب التجاوز عن الذنوب والجرائم، والمشفّع: الذي يقبل الشفاعة، والمشّفع: الذي تقبل شفاعته.
(4) وكان ابن الزبير ابن أخت السيدة عائشة وهي التي كانت تتولى تربيته غالبا.
(5) التحريج: أي الوقوع في الحرج وهو الضيق لما ورد في القطيعة من النهي.
(6) البخاري- الفتح 10 (6073) ، (6074) ، (6075) .
(7) البخاري- الفتح 1 (70) ، مسلم (2821) .
(8) ثم قعدوا إلى المذكر: بالمعجمة وتشديد الكاف أي الواعظ، وضبطه ابن الأثير في «النهاية» بالتخفيف بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه قال: وأرادت موضع الذّكر، إما الحجر، وإما الحجر. الفتح (3/ 572) .(3/978)
كانت السّاعة الّتي تكره فيها الصّلاة قاموا يصلّون» ) * «1» .
5-* (قال أبو عمرو بن الصّلاح: والنّصيحة لأئمّة المسلمين: معاونتهم على الحقّ، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم والدّعاء لهم بالتّوفيق، وحثّ الأغيار على ذلك) * «2» .
6-* (قال ابن كثير في قوله تعالى وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ (الأنعام/ 70) : أي ذكّر النّاس بهذا القرآن وحذّرهم نعمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة) * «3» .
7-* (قال ابن كثير في قوله تعالى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (الأعلى/ 9) : ذكّر حيث تنفع التّذكرة ومن هنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله) * «4» .
8-* (وفي قوله تعالى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (الأعلى/ 10) أي سيتّعظ بما تبلّغه يا محمّد من قلبه يخشى الله ويعلم أنّه ملاقيه) * «5» .
9-* (قال البغويّ في تفسير قوله تعالى وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ ... (الأنعام/ 70) : أي وعظ بالقرآن) * «6» .
10-* (قال ابن رجب- رحمه الله-: كان السّلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرّا حتّى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس النّاس فإنّما وبّخه) * «7» .
من فوائد (التذكير)
(1) في التّذكير تنفيذ لأمر الله- عزّ وجلّ-.
(2) يصل المسلم بربّه.
(3) ينبّهه إلى غفلاته ويبعده عن زلّاته.
(4) يدخل تحت باب التّعاون على البرّ والتّقوى.
(5) التّذكير ينتفع به المؤمن، بل هو دليل على كمال هذا الإيمان.
(6) التّذكير حقّ واجب على كلّ مسلم تجاه إخوانه المسلمين بقدر استطاعته ومؤهّلاته.
(7) فيه صلاح المجتمع وسعادة الدّارين.
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1628) .
(2) جامع العلوم والحكم (70) .
(3) تفسير ابن كثير، مج 2، ج 7، ص (149) .
(4) تفسير ابن كثير، مج 4، ج 30، ص (534) .
(5) المصدر السابق.
(6) تفسير البغوي، مج 2، ج 7، ص (106) .
(7) جامع العلوم والحكم (71) .(3/979)
التسبيح
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 78/ 32/ 10/
التسبيح لغة:
مصدر سبّح وهو مأخوذ من مادّة (س ب ح) الّتي تدور حول معنيين: الأوّل: جنس من العبادة والاخر جنس من السّعي «1» ، فالأوّل السّبحة وهي الصّلاة، وتختصّ بذلك ما كان نفلا غير فرض، يقول الفقهاء: يجمع المسافر بين الصّلاتين ولا يسبّح بينهما أي لا يتنفّل بينهما بصلاة، ومن هذا الباب: التّسبيح وهو تنزيه الله- جلّ ثناؤه- من كلّ سوء، والتّنزيه التّبعيد والعرب تقول: سبحان من كذا، أي ما أبعده، قال الأعشى:
أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
وقال قوم: تأويله: عجبا له إذا يفخر وقولهم:
سبحان الله: معناه تنزيها لله من الصّاحبة والولد، وقيل: تنزيه الله تعالى عن كلّ ما لا ينبغي له أن يوصف به، قال: ونصبه أنّه في موضع فعل على معنى تسبيحا له، تقول: سبّحت الله تسبيحا أي نزّهته تنزيها، قال: وكذلك روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال الزّجّاج في قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (الإسراء/ 1) ، قال: منصوب على المصدر، المعنى أسبّح الله تسبيحا.
وسبّح الرّجل: قال سبحان الله، وفي التّنزيل: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ (النور/ 41) ، قال رؤبة:
سبّحن واسترجعن من تألّه.
وسبح: لغة، حكى ثعلب سبّح تسبيحا وسبحانا، وعندي أنّ سبحانا ليس بمصدر سبّح، إنّما هو مصدر سبح. وفي التّهذيب: سبّحت الله تسبيحا وسبحانا بمعنى واحد. فالمصدر تسبيح، والاسم سبحان يقوم مقام المصدر «2» .
واصطلاحا:
قال ابن حجر: التّسبيح يعني قول سبحان الله، ومعناه: تنزيه الله عمّا لا يليق به من كلّ نقص، فيلزم نفي الشّريك والصّاحبة والولد وجميع الرّذائل.
ويطلق التّسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذّكر، وجماع معناه. وقال الجرجانيّ: التّسبيح تنزيه الحقّ عن نقائص الإمكان والحدوث «3» .
تسبيح المخلوقات:
أمّا قوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الإسراء/ 44) ، قال
__________
(1) ومن ذلك السباحة العوم في الماء والسابح من الخيل الحسن مد اليدين في الجري.
(2) مقاييس اللغة (3/ 125) ، واللسان (2/ 472) .
(3) فتح الباري (11/ 210) ، والتعريفات للجرجاني (58) .(3/980)
أبو إسحق: قيل إنّ كلّ ما خلق الله يسبّح بحمده، وإنّ صرير السّقف، وصرير الباب من التّسبيح، فيكون على هذا الخطاب للمشركين وحدهم: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء بما الله به أعلم لا نفقه منه إلّا ما علّمناه، قال: وقال قوم وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: أي ما من دابّة إلّا وفيه دليل أنّ الله- عزّ وجلّ- خالقه وأنّ خالقه حكيم مبرّأ من الأسواء ولكنّكم، أيّها الكفّار، لا تفقهون أثر الصّنعة في هذه المخلوقات، قال أبو إسحاق: وليس هذا بشيء؛ لأنّ الّذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين أنّ الله خالقهم وخالق السّماء والأرض ومن فيهنّ، فكيف يجهلون الخلقة وهم عارفون بها؟. قال الأزهريّ: وممّا يدلّك على أنّ تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبّدت به قول الله- عزّ وجلّ- للجبال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ (سبأ/ 10) ، ومعنى أوّبي سبّحي مع داود النّهار كلّه إلى اللّيل، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله- عزّ وجلّ- للجبال بالتّأويب إلّا تعبّدا لها، وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ (الحج/ 18) فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها، وكذلك قوله: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (البقرة/ 74) وقد علم الله هبوطها من خشيته ولم يعرّفنا ذلك فنحشن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندّعي بما لا نكلّف بأفهامنا من علم فعلها كيفيّة نحدّها.
ومن صفات الله- عزّ وجلّ-: السّبّوح القدّوس، قال أبو إسحاق: السّبّوح الّذي ينزّه عن كلّ سوء، والقدّوس: المبارك، وقيل: الطّاهر، وقال ابن سيده: سبّوح قدّوس من صفة الله- عزّ وجلّ- لأنّه يسبّح ويقدّس، ويقال: سبّوح قدّوس، قال اللّحيانيّ: المجتمع عليه فيها الضّمّ، قال: سيبويه: إنّما قولهم سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، فليس بمنزلة سبحان لأنّ سبّوحا قدّوسا صفة، كأنّك قلت ذكرت سبّوحا قدّوسا فنصبته على إضمار الفعل المتروك إظهاره، كأنّه خطر على باله أنه ذكره ذاكر، فقال:
سبّوحا أي ذكرت سبّوحا، أو ذكره هو نفسه فأضمر مثل ذلك، فأمّا رفعه فعلى إظهار المبتدأ وترك إظهار ما يرفع، كترك إظهار ما ينصب. قال أبو إسحاق:
وليس في كلام العرب بناء على فعّول، بضمّ أوّله، غير هذين الاسمين الجليلين.
وسبحات وجه الله، بضمّ السّين والباء: أنواره وجلاله وعظمته.
قال ابن شميل: سبحات وجهه نور وجهه، وفي حديث آخر: حجابه النّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره. سبحات وجه الله: جلاله وعظمته، وهي في الأصل جمع سبحة، وقيل: أضواء وجهه، قيل: سبحات الوجه محاسنه، لأنّك إذا رأيت الحسن الوجه، قلت: سبحان الله، وقيل: معناه تنزيه له أي سبحان وجهه. قال: وأقرب(3/981)
من هذا كلّه أنّ المعنى: لو انكشف من أنوار الله الّتي تحجب العباد عنه شيء لأهلك كلّ من وقع عليه ذلك النّور، كما خرّ موسى على نبيّنا وعليه السّلام صعقا وتقطّع الجبل دكّا لمّا تجلّى الله- سبحانه وتعالى.
من معاني التسبيح:
قد يكون التّسبيح بمعنى الصّلاة والذّكر، تقول: قضيت سبحتي؛ وروي أنّ عمر- رضي الله عنه- جلد رجلين سبّحا بعد العصر أي صلّيا. وعليه فسّر قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (الروم/ 17) يأمرهم بالصّلاة في هذين الوقتين، وقال الفرّاء: حين تمسون المغرب والعشاء، وحين تصبحون صلاة الفجر، وعشيّا العصر، وحين تظهرون الأولى. وقوله: وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (آل عمران/ 41) أي وصلّ، وقوله- عزّ وجلّ-:
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (الصافات/ 143) أراد من المصلّين قبل ذلك، وقيل: إنّما ذلك لأنّه قال في بطن الحوت: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء/ 87) وقوله: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء/ 20) يقال: إنّ مجرى التّسبيح فيهم كمجرى النّفس منّا لا يشغلنا عن النّفس شيء. وقوله: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (القلم/ 28) أي تستثنون، وفي الاستثناء تعظيم الله والإقرار بأنّه لا يشاء أحد إلّا أن يشاء الله، فوضع تنزيه الله موضع الاستثناء.
والسّبحة: الدّعاء وصلاة التّطوّع، والنّافلة، يقال: فرغ فلان من سبحته أي من صلاة النّافلة، سمّيت الصّلاة تسبيحا لأنّ التّسبيح تعظيم الله وتنزيهه من كلّ سوء، قال ابن الأثير: وإنّما خصّت النّافلة بالسّبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التّسبيح، لأنّ التّسبيحات في الفرائض نوافل، فقيل لصلاة النّافلة سبحة لأنّها نافلة كالتّسبيحات والأذكار في أنّها غير واجبة، وقد تكرّر ذكر السّبحة في الحديث كثيرا، فمنها: «اجعلوا صلاتكم معهم سبحة» أي نافلة، ومنها: «كنّا إذا نزلنا منزلا لا نسبّح حتّى نحلّ الرّحال» ، أراد صلاة الضّحى، بمعنى أنّهم كانوا مع اهتمامهم بالصّلاة لا يباشرونها حتّى يحطّوا الرّحال ويريحوا الجمال رفقا بها وإحسانا. والسّبحة:
التّطوّع من الذّكر والصّلاة، قال ابن الأثير: وقد يطلق التّسبيح على غيره من أنواع الذّكر مجازا كالتّحميد والتّمجيد وغيرهما، وسبحة الله: جلاله.
وقال ابن عرفة الملقّب بنفطويه في قوله تعالى:
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ* (الواقعة/ 74، 96) أي سبّحه بأسمائه ونزّهه عن التّسمية بغير ما سمّى به نفسه. قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها (الأعراف/ 180) وهي صفاته الّتي وصف بها نفسه ... وكلّ من دعا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه ولحقه ثوابه. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش، وليس أحد أحبّ إليه المدح من الله تعالى» «1» .
__________
(1) لسان العرب (2/ 471- 474) .(3/982)
التسبيح في القرآن الكريم:
قال صاحب البصائر: التّسبيح ورد في القرآن على نحو من ثلاثين وجها، منها للملائكة، ومنها لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ومنها لغيره من الأنبياء، ومنها للحيوانات والجمادات، ومنها للمؤمنين خاصّة، ومنها لجميع الموجودات.
أمّا الّتي للملائكة: فدعوى جبريل عليه السّلام في وصف العبادة: وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (الصافات/ 166) .
الثّاني: دعوى الملائكة في حال الخصومة:
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة/ 30) .
الثّالث: تسبيحهم الدّائم من غير سامة:
يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (فصلت/ 38) .
الرّابع: تسبيحهم المعرّى عن الكذب:
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء/ 20) .
الخامس: تسبيحهم المقترن بالسّجدة:
وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (الأعراف/ 206) .
السّادس: تسبيحهم مقترنا بتسبيح الرّعد على سبيل السّياسة والهيبة: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ (الرعد/ 13) .
السّابع: أنّ حملة العرش والكرسيّ في حال الطّواف بالعرش والكرسيّ مستغرقون في التّسبيح والاستغفار: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (غافر/ 7) ، وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ (الزمر/ 75) .
وأمّا الّتي لنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم: فالأوّل: تسبيح مقترن بسجدة اليقين، والعبادة: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر/ 98، 99) .
الثّاني: تسبيح في طرفي النّهار، مقترن بالاستغفار من الزّلّة: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (غافر/ 55) .
الثّالث: تسبيح في بطون الدّياجر والخلوة: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (الإنسان/ 26) .
الرّابع: تسبيح في الابتداء، والانتهاء، حال العبادة: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ* وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (الطور/ 48، 49) .
الخامس: تسبيح مقترن بالطّلوع، والغروب لأجل الشّهادة: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها (طه/ 130) ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (ق/ 40) .
السّادس: تسبيح دائم لأجل الرّضا والكرامة:
فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (طه/ 130) .
السّابع: تسبيح لطلب المغفرة: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ (النصر/ 3) .
وأمّا الّتي للأنبياء فالأوّل لزكريّا علامة على ولادة يحيى: قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً إلى قوله:
وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (آل عمران/ 41) .
الثّاني: في وصيّته لقومه محافظة على وظيفة التّسبيح:
فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (مريم/ 11) .(3/983)
الثّالث: في موافقة الجبال، والظّباء، والحيتان، والطّيور لداود في التّسبيح: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (ص/ 18) .
الرّابع: في نجاة يونس من ظلمات البحر وبطن الحوت ببركة التّسبيح: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (الصافات/ 143) .
وأمّا الّتي لخواصّ المؤمنين، فالأوّل في أمر الله تعالى لهم بالجمع بين الذّكر والتّسبيح دائما: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الأحزاب/ 41، 42) .
الثّاني: في ثناء الحقّ تعالى على قوم إذا ذكر الله تجدهم سجدوا له وسبّحوا: خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ (السجدة/ 15) .
الثّالث: في أناس يتّخذون في المساجد مجالس ويواظبون على التّسبيح والذّكر: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ ... (النور/ 36، 37) .
أمّا الّتي في الحيوانات، والجمادات، فالأوّل:
في أنّ كلّ نوع من الموجودات مشتغل بنوع من التّسبيحات: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (الإسراء/ 44) .
الثّاني: في أنّ الطّيور في الهواء مصطفّة لأداء ورد التّسبيح: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ (النور/ 41) .
وأمّا الّتي للعامّة. فالأوّل: على العموم في تسبيح الحقّ على الإحياء والإماتة: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله يُحْيِي وَيُمِيتُ (الحديد/ 1- 2) .
الثّاني: في أنّ كلّ شيء في تسبيح الحقّ على إخراج أهل الكفر، وإزعاجهم: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إلى قوله: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (الحشر/ 1- 2) .
الثّالث: أنّ الكلّ في التّسبيح، ومن خالف فعله مستحقّ للذّمّ والشّكاية: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ إلى قوله لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (الصف/ 1- 2) .
الرّابع: في أنّ الكلّ في التّسبيح للقدس والطّهارة: يُسَبِّحُ لِلَّهِ إلى قوله الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ (الجمعة/ 1- 3) .
الخامس: في أنّ الكلّ في التّسبيح على تحسين الخلقة والصّورة: يُسَبِّحُ لِلَّهِ إلى قوله وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (التغابن/ 1) .
السّادس: في الملامة والتّعيير من أصحاب ذلك النّسيان بعضهم لبعض من جهة التّقصير في تسبيح الحقّ تعالى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ «1» . (القلم/ 28) .
[للاستزادة: انظر صفات: التكبير- الحمد- الحوقلة- تلاوة القرآن- التهليل- الثناء- الذكر- الكلم الطيب.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر الجحود- الغفلة- اللهو واللعب- التفريط والإفراط- الإعراض] .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (2/ 285- 289) .(3/984)
الآيات الواردة في «التسبيح»
آيات فيها أمر بالتسبيح مطلقا:
1- وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (97)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) «1»
2- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) «2»
3- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58) «3»
4- إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) «4»
5- فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) «5»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) «6»
7- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) «7»
8- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) »
9- وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) «9»
10- فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ* (74) «10»
11- إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) «11»
__________
(1) الحجر: 97- 99 مكية
(2) طه: 130 مكية
(3) الفرقان: 58 مكية
(4) النمل: 7- 8 مكية
(5) الروم: 17- 18 مكية
(6) الأحزاب: 41- 42 مدنية
(7) غافر: 55 مكية
(8) ق: 39- 40 مكية
(9) الطور: 48- 49 مكية
(10) الواقعة: 74 مكية
(11) الواقعة: 95- 96 مكية(3/985)
12- وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) «1»
13- وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) «2»
14- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3)
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) «3»
15- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) «4»
آيات التسبيح من صفات المؤمنين:
16- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) «5»
17- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107)
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (108) «6»
18- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38) «7»
19- إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) «8»
20- إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) «9»
آيات التسبيح من الملائكة فيها من مظاهر العظمة:
21- وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75) «10»
__________
(1) الحاقة: 51- 52 مكية
(2) الإنسان: 25- 26 مدنية
(3) الأعلى: 1- 5 مكية
(4) النصر: 1- 3 مدنية
(5) يوسف: 108 مكية
(6) الإسراء: 107- 108 مكية
(7) النور: 36- 38 مدنية
(8) السجدة: 15 مكية
(9) الفتح: 8- 9 مدنية
(10) الزمر: 75 مكية(3/986)
22- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) «1»
آيات تسبيح الملائكة فيها من علامات العبودية:
23- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) «2»
24- وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «3»
25- وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) «4»
26- فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) «5»
27- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) «6»
آيات التسبيح فيها لتنزيه الله عن الشريك والولد:
28- وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) «7»
29- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) «8»
30- وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) «9»
__________
(1) غافر: 7 مكية
(2) الأعراف: 205- 206 مكية
(3) الرعد: 13 مدنية
(4) الأنبياء: 19- 20 مكية
(5) فصلت: 38 مكية
(6) الشورى: 5 مكية
(7) البقرة: 116 مدنية
(8) النساء: 171 مدنية
(9) الأنعام: 100 مدنية(3/987)
31- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) «1»
32- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) «2»
33- قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (68) «3»
34- أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) «4»
35- وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) «5»
36- قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) «6»
37- ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) «7»
38- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) «8»
39- وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) «9»
40- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) 1»
41- فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) «11»
42- وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) «12»
__________
(1) التوبة: 31 مدنية
(2) يونس: 18 مكية
(3) يونس: 68 مكية
(4) النحل: 1 مكية
(5) النحل: 56- 57 مكية
(6) الإسراء: 42- 44 مكية
(7) مريم: 35 مكية
(8) الأنبياء: 22 مكية
(9) الأنبياء: 26 مكية
(10) المؤمنون: 91 مكية
(11) النمل: 8 مكية
(12) القصص: 68 مكية(3/988)
43- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) «1»
44- وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) «2»
45- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182) «3»
46- لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) «4»
47- وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) «5»
48- قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81)
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) «6»
49- أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) «7»
50- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) «8»
آيات التسبيح فيها تبرؤ من أمر مزعوم:
51- وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) «9»
52- وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «10»
53- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
__________
(1) الروم: 40 مكية
(2) الصافات: 158- 159 مكية
(3) الصافات: 180- 182 مكية
(4) الزمر: 4 مكية
(5) الزمر: 67 مكية
(6) الزخرف: 81- 82 مكية
(7) الطور: 43 مكية
(8) الحشر: 23- 24 مدنية
(9) المائدة: 116 مدنية
(10) النور: 16 مدنية(3/989)
قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18) «1»
54- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40)
قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) «2»
آيات التسبيح فيها علامة تحقيق المطلوب:
55- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38)
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) «3»
آيات التسبيح فيها بعد استشراف:
56- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) «4»
57- وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) «5»
58- إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17)
وَلا يَسْتَثْنُونَ (18)
فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23)
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25)
فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
__________
(1) الفرقان: 17- 18 مكية
(2) سبأ: 40- 41 مكية
(3) آل عمران: 38- 41 مدنية
(4) الأعراف: 143 مكية
(5) الأنبياء: 87 مكية(3/990)
قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28)
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29) «1»
آيات التسبيح فيها سبب الامتنان بالنعمة:
59- وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) «2»
آيات التسبيح فيها من دلائل القدرة والتملك:
60- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191) «3»
61- سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) «4»
62- إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) «5»
آيات التسبيح فيها علامة شكر:
63- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) «6»
64- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24)
قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27)
يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29)
هارُونَ أَخِي (30)
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33)
وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) «7»
__________
(1) القلم: 17- 29 مكية
(2) الصافات: 139- 144 مكية
(3) آل عمران: 190- 191 مدنية
(4) يس: 36 مكية
(5) يس: 82- 83 مكية
(6) يونس: 9- 10 مكية
(7) طه: 24- 34 مكية(3/991)
65- لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) «1»
آيات التسبيح فيها استعظام أمر:
66- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) «2»
67- وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (92)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «3»
68- قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10)
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) «4»
آيات التسبيح فيها من جميع الكائنات:
69- فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) «5»
70- أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) «6»
71- اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) «7»
72- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) »
73- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «9»
74- سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) «10»
__________
(1) الزخرف: 13 مكية
(2) الإسراء: 1 مكية
(3) الإسراء: 90- 93 مكية
(4) مريم: 10- 11 مكية
(5) الأنبياء: 79 مكية
(6) النور: 41 مدنية
(7) ص: 17- 18 مكية
(8) الحديد: 1 مدنية
(9) الحشر: 1 مدنية
(10) الصف: 1 مدنية(3/992)
75- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) «1»
76- يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) «2»
الملائكة دائبون على التسبيح:
77- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31)
قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) «3»
78- وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) «4»
__________
(1) الجمعة: 1 مدنية
(2) التغابن: 1 مدنية
(3) البقرة: 30- 32 مدنية
(4) الصافات: 165- 166 مكية(3/993)
الأحاديث الواردة في (التسبيح)
1-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون «1» ، ولا يتفلون «2» ولا يبولون، ولا يتغوّطون ولا يمتخطون» . قالوا: فما بال الطّعام؟، قال: «جشاء «3» ورشح كرشح المسك، يلهمون التّسبيح والتّحميد، كما يلهمون النّفس» ) * «4» .
2-* (عن سهل بن سعد السّاعديّ؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصّلاة، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر.
فقال: أتصلّي بالنّاس فأقيم؟ قال: نعم، قال: فصلّى أبو بكر، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة، فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصّلاة، فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله- عزّ وجلّ- على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصلّى، ثمّ انصرف فقال: «يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» ، قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما لي رأيتكم أكثرتم التّصفيق؟ من نابه «5» شيء في صلاته فليسبّح، فإنّه إذا سبّح التفت إليه. وإنّما التّصفيح «6» للنّساء» ) * «7» .
3-* (عن عليّ- رضي الله عنه- أنّ فاطمة اشتكت ما تلقى من الرّحى في يدها، وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبي فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة، فأخبرتها، فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها. فجاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على مكانكما» فقعد بيننا حتّى وجدت برد قدمه على
__________
(1) إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون: مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذها وأنواع نعيمها، تنعما دائما لا آخر له ولا انقطاع أبدا، وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدنيا، إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا تشارك نعيم الدنيا إلا في التسمية وأصل الهيئة، وإلا فإنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبصقون، وقد دلت دلائل القرآن والسنة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره أن نعيم الجنة دائم لا انقطاع له أبدا.
(2) ولا يتفلون: بكسر الفاء وضمها، حكاهما الجوهري، وغيره، أي لا يبصقون.
(3) جشاء: هو تنفس المعدة من الامتلاء.
(4) مسلم (2835) .
(5) من نابه: أي أصابه شيء يحتاج فيه إلى إعلام الغير.
(6) التصفيح: في النهاية: التصفيح والتصفيق واحد، وهو ضرب صفحة الكف على صفحة الكف الاخر، وقال النووي: التصفيح أن تضرب المرأة بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها، لمنافاة الصلاة.
(7) مسلم (421) وعند البخاري مختصرا 3 (1203) .(3/994)
صدري، ثمّ قال: «ألا أعلّمكما خيرا ممّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبّرا الله أربعا وثلاثين، وتسبّحاه ثلاثا وثلاثين، وتحمداه ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم» ) * «1» .
4-* (عن أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الكلام أربع:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر» ) * «2»
5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- (وهذا حديث قتيبة) : أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ذهب أهل الدّثور «3» بالّدرجات العلى «4» والنّعيم المقيم «5» ، فقال: «وما ذاك» ، قالوا:
يصلّون كما نصلّي «6» ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدّق ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفلا أعلّمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم؟ ولا يكون أحد أفضل منكم إلّا من صنع مثل ما صنعتم» قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: «تسبّحون وتكبّرون وتحمدون دبر «7» كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين مرّة»
قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» .
وزاد غير قتيبة في هذا الحديث عن اللّيث عن ابن عجلان: قال سميّ: فحدّثت بعض أهلي هذا الحديث، فقال: وهمت، إنّما قال: «تسبّح الله ثلاثا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثا وثلاثين، وتكبّر الله ثلاثا وثلاثين» فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله.
الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتّى تبلغ من جميعهنّ ثلاثة وثلاثين.
قال ابن عجلان: فحدّثت بهذا الحديث رجاء ابن حيوة، فحدّثني بمثله عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «8» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله- تبارك وتعالى- ملائكة
__________
(1) البخاري- الفتح 9 (5361) ، ومسلم (2727) .
(2) النسائي من طريقين، وأخرجه ابن حبان عن سمرة بن جندب (3/ 120، برقم 839) وصححه، انظر الفتح 11 (575) ، وصحيح ابن خزيمة (2/ 180 برقم 1142) .
(3) الدثور: واحدها دثر وهو المال الكثير.
(4) بالدرجات العلى: جمع العليا، تأنيث الأعلى، ككبرى وكبر، قيل: الباء للتعدية أي أذهبوها وأزالوها. وقيل: للمصاحبة، فيكون المعنى استصحبوها معهم ولم يتركوا لنا شيئا.
(5) النعيم المقيم: أي الدائم، وهو نعيم الاخرة وعيش الجنة.
(6) يصلون كما نصلي: ما كافة تصحح دخول الجار على الفعل وتفيد تشبيه الجملة بالجملة. كقولك يكتب زيد كما يكتب عمرو. أو مصدرية كما في قوله تعالى: بِما رَحُبَتْ* أي صلاتهم وصومهم مثل صومنا.
(7) دبر: هو بضم الدال، هذا هو المشهور في اللغة، وقال أبو عمر المطرزي في كتابه اليواقيت: دبر كل شيء بفتح الدال، آخر أوقاته من الصلاة وغيرها، وقال: هذا هو المعروف في اللغة، وأما الجارحة فبالضم.
(8) البخاري- الفتح 2 (843) ، ومسلم (595) واللفظ له.(3/995)
سيّارة «1» . فضلا «2» يتّبعون «3» مجالس الذّكر. فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم. وحفّ «4» بعضهم بعضا بأجنحتهم. حتّى يملأوا ما بينهم وبين السّماء الدّنيا. فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السّماء. قال فيسألهم الله عزّ وجلّ، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟
فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبّحونك ويكبّرونك ويهلّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: وما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنّتك.
قال: وهل رأوا جنّتي؟ قالوا: لا أي ربّ. قال:
فكيف لو رأوا جنّتي؟ قالوا: ويستجيرونك «5» .
قال: وممّ يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا ربّ. قال:
وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟
قالوا: ويستغفرونك. قال: فيقول: قد غفرت لهم.
فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم ممّا استجاروا. قال فيقولون: ربّ، فيهم فلان. عبد خطّاء «6» . إنّما مرّ فجلس معهم. قال فيقول: وله غفرت. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» ) * «7» .
7-* (عن صفيّة بنت حييّ زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوره- وهو معتكف في العشر الغوابر من رمضان- فتحدّثت عنده ساعة من العشاء، ثمّ قامت تنقلب، فقام معها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقلبها حتّى إذا بلغت باب المسجد الّذي عند مسكن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ بهما رجلان من الأنصار فسلّما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ نفذا، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلكما، إنّما هي صفيّة بنت حييّ» .
قالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما ما قال.
قال: «إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما» ) * «8» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوّل زمرة تلج الجنّة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوّطون، آنيتهم فيها الذّهب،
__________
(1) سيارة: معناه: سياحون في الأرض.
(2) فضلا: ضبطوه على أوجه، أرجحها وأشهرها: فضلا. والثانية: فضلا ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب. والثالثة: فضلا. قال القاضي: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم. والرابعة: فضل على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة: فضلاء. قال العلماء: معناه على جميع الروايات، أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر.
(3) يتبعون: أي يتتبعون، من التتبع، وهو البحث عن الشيء والتفتيش، والوجه الثاني: يبتغون من الابتغاء، وهو الطلب، وكلاهما صحيح.
(4) وحف: هكذا هو في كثير من النسخ، حف، وفي بعضها: حض أي حث على الحضور والاستماع. وحكى القاضي عن بعض رواتهم: وحط، واختاره القاضي. قال: ومعناه أشار إلى بعض بالنزول، ويؤيد هذه الرواية قوله بعده، في البخاري: هلموا إلى حاجتكم، ويؤيد الرواية الأولى، وهي حف، قوله في البخاري: يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم.
(5) ويستجيرونك من نارك: أي يطلبون الأمان منها.
(6) خطّاء: أي كثير الخطايا.
(7) البخاري- الفتح 11 (6408) ، ومسلم (2689) واللفظ له.
(8) البخاري- الفتح 10 (6219) .(3/996)
أمشاطهم من الذّهب والفضّة، ومجامرهم الألوّة «1» ، ورشحهم المسك، ولكلّ واحد منهم زوجتان، يرى مخّ سوقهما من وراء اللّحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبّحون الله بكرة وعشيّا» ) * «2» .
9-* (عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص قال: كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال:
«يسبّح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة» ) *» .
10-* (عن معاوية بن الحكم السّلميّ، قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم «4» ، فقلت: واثكل أمّياه «5» ما شأنكم «6» ؟
تنظرون إليّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم «7» يصمتونني «8» لكنّي سكتّ، فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كهرني «9» ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» .
أو كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قلت: يا رسول الله، إنّي حديث عهد بجاهليّة «10» ، وقد جاء الله بالإسلام، وإنّ منّا رجالا يأتون الكهّان. قال: «فلا تأتهم» ، قال: ومنّا رجال يتطيّرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم «11» ، فلا يصدّنّهم» - قال ابن الصّبّاح: فلا يصدّنّكم- قال: قلت: ومنّا رجال يخطّون. قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخطّ «12» فمن وافق خطّه فذاك» .
قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانيّة «13» فاطّلعت ذات يوم فإذا الذّيب قد ذهب
__________
(1) الألوّة: العود الذي يتبخّر به. والجمر: النار، والمجمرة: التى يوضع فيها الجمر مع الدّخنة.
(2) البخاري- الفتح 6 (3245) ، ومسلم (2834) .
(3) مسلم (2698) .
(4) فرماني القوم بأبصارهم: أي نظروا إليّ حديدا كما يرمى بالسهم، زجرا بالبصر من غير كلام.
(5) واثكل أمياه: بضم الثاء وإسكان الكاف، وبفتحهما جميعا، لغتان كالبخل والبخل، حكاهما الجوهري وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها، وامرأة ثكلى وثاكل، وثكلته أمه، وأثكل الله تعالى أمّه، أي فقد أمي إياي فإني هلكت ف (وا) كلمة تختص في النداء بالندبة، وثكل أمياه مندوب. ولكونه مضافا منصوبا، وهو مضاف إلى أم إظهارا لشدة الحزن، والهاء التي بعدها هي هاء السكت ولا تكون إلا في الاخر.
(6) ما شأنكم: أي ما حالكم وأمركم.
(7) رأيتهم: أي علمتهم.
(8) يصمتونني: أي يسكتونني، غضبت وتغيرت.
(9) كهرني قالوا: القهر والكهر والنهر، متقاربة، أي ما قهرني ولا نهرني.
(10) بجاهلية: قال العلماء: الجاهلية ما قبل ورود الشرع، سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم.
(11) ذاك شيء يجدونه في صدورهم: قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عتب عليكم في ذلك، لكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم.
(12) يخط: إشارة إلى الخط في الرمل. وانظر (ص 730) حاشية رقم (1) .
(13) قبل أحد والجوانية: الجوانية بقرب أحد، موضع في شمال المدينة.(3/997)
بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون «1» ، لكنّي صككتها صكّة «2» ، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعظم ذلك عليّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني بها» ، فأتيته بها، فقال لها: «أين الله؟» ، قالت: في السّماء، قال: «من أنا؟» ، قالت:
أنت رسول الله، قال: «أعتقها فإنّها مؤمنة» ) * «3» .
11-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التّسبيح للرّجال والتّصفيق للنّساء» . زاد حرملة في روايته: قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالا من أهل العلم يسبّحون ويشيرون في الصّلاة) * «4» .
12-* (عن سعد بن أبي وقّاص، قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علّمني كلاما أقوله.
قال: «قل: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، سبحان الله ربّ العالمين، لا حول ولا قوّة إلّا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربّي، فما لي؟ قال: «قل: اللهمّ، اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» ) * «5» .
13-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- ونحن معه بالمدينة- الظّهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوى به على البيداء حمد الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهلّ بحجّ وعمرة وأهلّ النّاس بهما، فلمّا قدمنا أمر النّاس فحلّوا، حتّى كان يوم التّروية أهلّوا بالحجّ، قال: ونحر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بدنات بيده قياما، وذبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة كبشين أملحين) * «6» .
14-* (عن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطّهور «7» شطر «8» الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملان (أو تملأ) ما بين السّماوات والأرض، والصّلاة نور «9» ، والصّدقة برهان «10» والصّبر ضياء «11» ، والقرآن حجّة لك أو عليك «12» كلّ النّاس يغدو «13» فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» ) * «14» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-
__________
(1) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون، والأسف الحزن والغضب.
(2) صككتها صكة: أي ضربتها بيدي مبسوطة.
(3) مسلم (537) .
(4) مسلم (422) .
(5) مسلم (2696) .
(6) البخاري- الفتح 3 (1551) .
(7) الطهور: قال جمهور أهل اللغة: يقال: الوضوء، والطهور، بضم أولهما، إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر، ويقال: الوضوء والطهور، بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به.
(8) شطر: أصل الشطر النصف.
(9) الصلاة نور: فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يستضاء به.
(10) والصدقة برهان: قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول: تصدقت به.
(11) والصبر ضياء: فمعناه الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته، والصبر على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد الصبر المحمود، ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب.
(12) والقرآن حجة لك أو عليك: معناه ظاهر، أي تنتفع به إن تلوته وعملت به، وإلا فهو حجة عليك.
(13) كل الناس يغدو ... الخ: فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها، أي يهلكها.
(14) مسلم (223) .(3/998)
عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأمّا تكذيبه إيّاي فزعم أنّي لا أقدر أن أعيده كما كان، وأمّا شتمه إيّاي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتّخذ صاحبة أو ولدا» ) * «1» .
16-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قرصت نملة نبيّا من الأنبياء، فأمر بقرية النّمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمّة من الأمم تسبّح الله» ) * «2» .
17-* (عن أنس، أنّ أخت الرّبيّع أمّ حارثة جرحت إنسانا، فاختصموا إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القصاص، القصاص» ، فقالت أمّ الرّبيّع:
يا رسول الله أيقتصّ من فلانة؟ والله لا يقتصّ منها.
فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله! يا أمّ الرّبيّع القصاص كتاب الله» قالت: لا. والله لا يقتصّ منها أبدا. قال:
فما زالت حتّى قبلوا الدّية. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه» ) * «3» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كلمتان خفيفتان على اللّسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن. سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» ) * «4» .
19-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: كنّا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا) * «5» .
20-* (عن جرير بن عبد الله قال: كنّا جلوسا ليلة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس، وقبل غروبها فافعلوا، ثمّ قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» ) * «6» .
21-* (عن عبد الله. قال: كنّا نعدّ الايات بركة، وأنتم تعدّونها تخويفا، كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فقلّ الماء، فقال: «اطلبوا فضلة من ماء» فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثمّ قال: «حيّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله» ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقد كنّا نسمع تسبيح الطّعام، وهو يؤكل) * «7» .
22-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة، وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: كنت أرتمي»
بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذ كسفت الشّمس،
__________
(1) البخاري- الفتح 8 (4482) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3019) .
(3) البخاري- الفتح 5 (2703) ، ومسلم (1675) ، وهذا لفظ مسلم.
(4) البخاري- الفتح 13 (7563) ، ومسلم (2694) .
(5) البخاري- الفتح 6 (2993) .
(6) البخاري- الفتح 8 (4851) .
(7) البخاري- الفتح 6 (3579) .
(8) ارتمى: أي: أرمى. كما قال في الرواية الأولى: يقال: أرمي وأرتمي وأترمى، كما قاله في الرواية الأخيرة. بمعنى المراماة، والارتماء كالترامي، قال ابن الأثير: يقال رميت بالسهم رميا وارتميت ارتماء وتراميت تراميا وراميت مراماة، إذا رميت بالسهام عن القسي، وقيل: خرجت أرتمي إذا رميت القنص.(3/999)
فنبذتها، فقلت: والله لأنظرنّ إلى ما حدث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كسوف الشّمس، قال: فأتيته وهو قائم في الصّلاة، رافع يديه، فجعل يسبّح ويحمد ويهلّل ويكبّر ويدعو، حتّى حسر «1» عنها. قال: فلمّا حسر عنها، قرأ سورتين وصلّى ركعتين) * «2» .
23-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ) * «3» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرّة، لم يأت أحد يوم القيامة، بأفضل ممّا جاء به إلّا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه» ) * «4» .
25-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يصبح على كلّ سلامى من أحدكم صدقة، فكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزأ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضّحى» ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (التسبيح) معنى
انظر صفة (الذكر)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التسبيح)
26-* (عن هند بنت الحارث؛ أنّ أمّ سلمة رضي الله عنها- قالت: استيقظ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«سبحان الله، ماذا أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجر- يريد به أزواجه- حتّى يصلّين، ربّ كاسية في الدّنيا عارية في الاخرة» .
وقال ابن أبي ثور عن ابن عبّاس عن عمر قال:
قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: طلّقت نساءك؟ قال: «لا» قلت:
الله أكبر) * «6» .
__________
(1) حسر عنها: أي كشف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأولى: جلي عنها.
(2) مسلم (913) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6405) .
(4) مسلم (2692) .
(5) مسلم (720) .
(6) البخاري- الفتح 10 (6218) .(3/1000)
27-* (عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير، أنّ عائشة نبّأته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبّوح قدّوس. ربّ الملائكة والرّوح» ) * «1» .
28-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن جويرية. أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح، وهي في مسجدها «2» ، ثمّ رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة. فقال: «ما زلت على الحال الّتي فارقتك عليها؟» قالت: نعم. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد «3» كلماته» ) * «4» .
29-* (عن حذيفة. قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت «5» : يركع عند المائة، ثمّ مضى فقلت: يصلّي بها في ركعة «6» . فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسّلا، إذا مرّ باية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ، ثمّ ركع فجعل يقول: «سبحان ربّي العظيم» ، فكان ركوعه نحوا من قيامه. ثمّ قال: «سمع الله لمن حمده» ، ثمّ قام طويلا، قريبا ممّا ركع. ثمّ سجد فقال:
«سبحان ربّي الأعلى» فكان سجوده قريبا من قيامه» .
قال: وفي حديث جرير من الزّيادة. فقال: «سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد» ) * «7» .
30-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:
«سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك. اللهمّ اغفر لي» يتأوّل القرآن «8» ) * «9» .
31-* (عن عائشة- رضي الله عنها-
__________
(1) مسلم (487) .
(2) في مسجدها: أي موضع صلاتها.
(3) مداد: بكسر الميم. قيل معناه مثله في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفد. وقيل: في الثواب، والمداد هنا مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء، قال العلماء: واستعماله، هنا مجاز، لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعدد ولا غيره، والمراد المبالغة به في الكثرة.
(4) مسلم (2726) .
(5) فقلت: أي في نفسي، يعني ظننت أنه يركع عند مئة آية.
(6) فقلت يصلي بها في ركعة: معناه ظننت أنه يسلم بها، فيقسمها ركعتين، وأراد بالركعة الصلاة بكاملها، وهي ركعتان، ولا بد من هذا التأويل لينتظم الكلام بعده، وعلى هذا فقوله: ثم مضى، معناه قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أن لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة، فحينئذ قلت: يركع الركعة الأولى بها، فجاوز وافتتح النساء.
(7) مسلم (772) .
(8) يتأول القرآن: أي يفعل ما أمر به فيه. أي في قوله. عز وجل. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً جملة وقعت حالا عن ضمير يقول. أي يقول متأولا القرآن، أي مبينا ما هو المراد من قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ آتيا بمقتضاه. قال النووي: قال أهل اللغة وغيرهم: التسبيح التنزيه، وقولهم: سبحان الله، منصوب على المصدر، يقال: سبحت الله تسبيحا وسبحانا، فسبحان الله معناه براءة وتنزيها له من كل نقص وصفة للمحدث، قالوا: وقوله: وبحمدك أي وبحمدك سبحتك، ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عليّ، سبحتك، لا بحولي وقوتي.
(9) مسلم (484) .(3/1001)
قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» قالت: فقلت:
يا رسول الله، أراك تكثر من قول «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» ؟. فقال: «خبّرني ربّي أنّي سأرى علامة في أمّتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول:
سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (فتح مكّة) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (سورة النصر) * «1» .
32-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التسبيح)
1-* (عن عبدة، أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول:
«سبحانك اللهمّ وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدّك، ولا إله غيرك» ) * «3» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«أمره أن يسبّح في أدبار الصّلوات كلّها» ، يعني قوله وَأَدْبارَ السُّجُودِ) * «4» .
3-* (عن أبي وائل. قال: غدونا على عبد الله ابن مسعود يوما بعد ما صلّينا الغداة، فسلّمنا بالباب، فأذن لنا، قال: فمكثنا بالباب هنيّة. قال:
فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخلون؟ فدخلنا.
فإذا هو جالس يسبّح. فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم؟. فقلنا: لا. إلّا أنّا ظننّا أنّ بعض أهل البيت نائم. قال: ظننتم بآل ابن أمّ عبد «5» غفلة؟ قال: ثمّ أقبل يسبّح حتّى ظنّ أنّ الشّمس قد طلعت. فقال: يا جارية، انظري. هل طلعت؟
قال: فنظرت فإذا هي لم تطلع، فأقبل يسبّح. حتّى إذا ظنّ أنّ الشّمس قد طلعت. قال: يا جارية انظري.
هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت. فقال:
الحمد لله الّذي أقالنا يومنا هذا، (فقال مهديّ وأحسبه قال) ولم يهلكنا بذنوبنا. قال: فقال رجل من القوم: قرأت المفصّل البارحة كلّه قال: فقال عبد الله: هذا كهذّ الشّعر؟ إنّا لقد سمعنا القرائن.
وإنّي لأحفظ القرائن «6» الّتي كان يقرؤهنّ رسول الله
__________
(1) البخاري- الفتح (794) مختصرا، ومسلم (484) .
(2) مسلم (2695) .
(3) مسلم (399) .
(4) البخاري- الفتح 8 (4852) .
(5) ابن أم عبد: يعني نفسه، فإن أم عبد الهذلية أمه، والنبي صلّى الله عليه وسلّم وغيره كانوا يقولون لابن مسعود: ابن أم عبد.
(6) القرائن: ما يقرن بعضه مع بعض في القراءة أي السور التي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرن بينها في قراءته في ركعة واحدة. ينظر صحيح مسلم بشرح النووي ج 6/ ص 108.(3/1002)
صلّى الله عليه وسلّم، ثمانية عشر من المفصّل «1» وسورتين من آل حم) * «2» .
4-* (قال ابن بطّال- رحمه الله-: التّسبيح والتّكبير معناه تعظيم الله وتنزيهه من السّوء، واستعمال ذلك عند التّعجّب واستعظام الأمر حسن، وفيه تمرين اللّسان على ذكر الله تعالى) * «3» .
5-* (قال ابن رجب- رحمه الله-: كان لأبي هريرة خيط فيه ألف عقدة فلا ينام حتّى يسبّح به) * «4» .
6-* (وقال- رحمه الله-: وكان الحسن البصريّ كثيرا ما يقول إذا لم يحدّث ولم يكن له شغل:
سبحان الله العظيم، فذكر ذلك لبعض فقهاء مكّة فقال: إنّ صاحبكم لفقيه) * «5» .
7-* (وقال: وكان خالد بن معدان يسبّح كلّ يوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلمّا مات وضع على سريره ليغسّل فجعل يشير بإصبعه يحرّكها بالتّسبيح) * «6» .
8-* (وقال أيضا: كان عامّة كلام ابن سيرين:
سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده) * 7.
9-* (وقيل لعمير بن هانىء: ما نرى لسانك يفتر فكم تسبّح كلّ يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة إلّا أن تخطأ الأصابع: يعني أنّه يعدّ ذلك بأصابعه) * 8.
10-* (روى الأزهريّ بإسناده أنّ ابن الكوّا سأل عليّا- رضوان الله تعالى عليه- عن سبحان الله.
فقال: كلمة رضيها الله لنفسه فأوصى بها) * 9.
من فوائد (التسبيح)
(1) يصل المؤمن بربّه.
(2) يعمّق الإيمان في القلب بالاستحضار الدّائم لعظمة الله.
(3) وسيلة تعجّب يعلن بها المسلم إعجابه بما يملأ نفسه من استحسان أو ضيقه ممّا هو محطّ الاستنكار.
(4) وسيلة قربى إلى الله واستزادة من فيض عطائه.
(5) يبقي اللّسان رطبا بذكر الله.
(6) شعار بين المسلمين يتعارفون ويتواصلون منه.
(7) تنبيه الإمام حين يسهو في الصّلاة.
(8) من الوسائل العالية في تحصيل الثّواب.
(9) التّحلّي به يؤدّي إلى الجنّة والرّضوان.
(10) وسيلة الفقراء في إدراك درجات ثواب الأغنياء.
(11) فيه كسب لحبّ الله ومرضاته.
(12) يحمي من غائلات الشّياطين.
(13) صدقة على جوارح الإنسان.
__________
(1) ثمانية عشر من المفصل: هكذا هو في الأصول المشهورة ثمانية عشر في نادر منها، ثمان عشرة، والأول صحيح أيضا على تقدير ثمانية عشر نظيرا.
(2) مسلم (822) .
(3) فتح الباري (10/ 614) .
(4) جامع العلوم والحكم (388) .
(5) جامع العلوم والحكم (388) .
6- 9 جامع العلوم والحكم (388) .(3/1003)
التعارف
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 2/ 1/ 9/
التعارف لغة:
مصدر تعارف القوم أي عرف بعضهم بعضا وهو من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على السّكون والطّمأنينة، يقول ابن فارس: العين والرّاء والفاء أصلان صحيحان يدلّ أحدهما على تتابع الشّيء متّصلا بعضه ببعض، والاخر على السّكون والطّمأنينة.. ومن هذا المعرفة والعرفان تقول: عرف فلان فلانا عرفانا ومعرفة وهذا أمر معروف وهذا يدلّ على ما قلناه من سكونه إليه؛ لأنّ من أنكر شيئا توحّش منه ونبا عنه «1» ، والعرفان: العلم، عرفه يعرفه عرفة وعرفانا ومعرفة. وتعارف القوم عرف بعضهم بعضا «2» .
التعارف اصطلاحا:
هو أن يعرف النّاس بعضهم بعضا بحسب انتسابهم جميعا إلى أب واحد وأمّ واحدة ثمّ بحسب الدّين والشّعوب والقبائل، بحيث يكون ذلك مدعاة للشّفقة والألفة والوئام لا إلى التّنافر والعصبيّة «3» .
أهمية التعارف في الإسلام:
قال الشّيخ أبو بكر الجزائريّ في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ... :
هذا نداء هو آخر نداءات الله تعالى عباده في هذه السّورة، وهو أعمّ من النّداء بعنوان الإيمان فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى من آدم وحوّاء باعتبار الأصل، كما أنّ كلّ آدميّ مخلوق من أبوين أحدهما ذكر والاخر أنثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ وبطون وأفخاذ وفصائل، كلّ هذا لحكمة التّعارف فلم يجعلكم كجنس الحيوان لا يعرف الحيوان الاخر، ولكن جعلكم شعوبا وقبائل وعائلات وأسرا لحكمة التّعارف المقتضي للتّعاون، إذ التّعاون بين الأفراد ضروريّ لقيام مجتمع صالح سعيد.
فتعارفوا وتعاونوا ولا تتفرّقوا لأجل التّفاخر بالأنساب. فإنّه لا قيمة للحسب ولا للنّسب إذا كان
__________
(1) مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (4/ 281) .
(2) لسان العرب (9/ 236/ 237) .
(3) أغفلت كتب التعريفات ذكر التعارف مصطلحا فاقتبسنا ذلك من جملة أقوال المفسرين.(3/1004)
المرء هابطا في نفسه وخلقه وفاسدا في سلوكه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.
إنّ الشّرف والكمال فيما عليه الإنسان من زكاة روحه وسلامة خلقه وإصابة رأيه وكثرة معارفه «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاجتماع- الألفة- البر- التناصر- التعاون على البر والتقوى تفريج الكربات- المحبة- المواساة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغي والإغواء- التفرق- التعاون على الإثم والعدوان- الضلال- الهجر- البغض] .
الآيات الواردة في «التعارف»
1- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45) »
2- يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) «3»
__________
(1) أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (4/ 295) .
(2) يونس: 45 مكية
(3) الحجرات: 13 مدنية(3/1005)
الأحاديث الواردة في (التعارف)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- يرفعه.
قال: «النّاس معادن كمعادن الفضّة والذّهب.
خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.
والأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف. وما تناكر منها اختلف» ) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التعارف)
1-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا (الحجرات/ 13) قال: الشّعوب: القبائل العظام.
والقبائل: البطون) * «2» .
2-* (وقال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى: لِتَعارَفُوا كما يقال فلان بن فلان من كذا وكذا أي من قبيلة كذا) * «3» .
3-* (وقال رحمه الله: قوله تعالى:
لِتَعارَفُوا: أي ليعرف بعضكم بعضا بالنّسب يقول فلان ابن فلان وفلان ابن فلان) * «4» .
4-* (وقال سفيان الثّوريّ في قوله عزّ وجلّ لِتَعارَفُوا: كانت حمير ينتسبون إلى مخاليفها وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها) * «5» .
5-* (عن الشّعبيّ في الرّجل يعرف وجه الرّجل ولا يعرف اسمه قال: تلك معرفة النّوكى «6» ) * «7» .
6-* (وقال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى:
لِتَعارَفُوا: يقول ليعرف بعضكم بعضا في النّسب يقول تعالى ذكره: إنّما جعلنا هذه الشّعوب والقبائل لكم أيّها النّاس ليعرف بعضكم بعضا في قرب ذي القرابة منه وبعده لا لفضيلة لكم في ذلك وقربة تقرّبكم إلى الله بل أكرمكم عند الله أتقاكم» ) * «8» .
7-* (وقال الإمام النّيسابوريّ في قوله تعالى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا: أي ليقع التّعارف بينكم بسبب ذلك لا أن تتفاخروا بالأنساب) * «9» .
8-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا: «أي
__________
(1) مسلم (2638) . والقسم الأخير عند البخاري- الفتح 6 (3336) .
(2) البخاري- الفتح 6 (3489) .
(3) تفسير ابن كثير (4/ 232) .
(4) فتح الباري (6/ 609) .
(5) تفسير ابن كثير (4/ 232) .
(6) النوكى: جمع أنوك وهو الأحمق.
(7) المنتقى من مكارم الأخلاق: (171) .
(8) جامع البيان في تفسير القرآن: مج 11 ج 26 ص (89) .
(9) حاشية جامع البيان: مج 11، ج 26، ص (94) .(3/1006)
ليحصل التّعارف بينهم كلّ يرجع إلى قبيلته» ) * «1» .
9-* (روى الحكيم التّرمذيّ بسنده عن الحسن قال: «بني الإسلام على عشرة أركان، الإخلاص لله تعالى وهو الفطرة، والصّلاة وهي الملّة، والزّكاة وهي الطّهرة، والصّيام وهو الجنّة، والحجّ وهو الشّريعة، والجهاد وهو العزّة، والأمر بالمعروف وهو الحجّة، والنّهي عن المنكر وهو الوفيّة، والطّاعة وهي العصمة، والجماعة وهي الألفة» ) * «2» .
من فوائد (التعارف)
(1) يقوّي روابط الأخوّة في الله.
(2) يجد المسلم له أعوانا وأنصارا حيثما كان.
(3) يورث الحبّ في الله وينمّيه.
(4) يقضي على التّناحر والتّخاصم بين أفراد المجتمع المسلم.
(5) يزيل التّمايز الطّبقيّ ويبدله بالألفة والوئام.
(6) وهو سبيل للتّعاون على البرّ والتّقوى.
(7) يورث السّكينة والطّمأنينة في القلب؛ لأنّ من عرف شيئا اطمأنّ إليه.
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/ 232) .
(2) شرح شأن الصلاة: الورقة الأخيرة شرح شأن الصلاة ومعالمها محمد بن علي الحكيم الترمذي، أبو عبد الله مخطوط بمركز إحياء التراث بجامعة أم القرى رقم (516) فقه عام.(3/1007)
التعاون على البر والتقوى
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 1/ 47/ 13/
التعاون لغة:
مصدر تعاون وهو مأخوذ من «العون» الّذي يراد به المظاهرة على الشّيء يقال: فلان عوني أي معيني وقد أعنته، والعون أيضا الظّهير على الأمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنّث فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أعوان، والعرب تقول: إذا جاءت السّنة جاء معها أعوانها يعنون بالسّنة الجدب وبالأعوان الجراد والذّئاب والأمراض. وتقول: أعنته إعانة واستعنته واستعنت به فأعانني وتعاونوا عليّ واعتونوا: أعان بعضهم بعضا، وتعاونّا أعان بعضنا بعضا. والمعونة:
الإعانة، ورجل معوان حسن المعونة، وكثير المعونة للنّاس وكلّ شيء أعانك فهو عون لك، كالصّوم عون على العبادة «1» .
قال الفيرزآباديّ- رحمه الله تعالى-: والعوين:
اسم للجمع، واستعنته وبه فأعانني، قال تعالى فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ (الكهف/ 95) .
وتعاون الأعوان: إعانة بعضهم بعضا. قال تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة/ 2) وعاونه معاونة وعوانا «2» .
أقسام الناس في باب التعاون:
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: «تنقسم أحوال من دخل في عداد الإخوان أربعة أقسام: منهم من يعين ويستعين، ومنهم من لا يعين ولا يستعين، ومنهم من يستعين ولا يعين، ومنهم من يعين ولا يستعين.
فأمّا المعين والمستعين فهو معاوض منصف يؤدّي ما عليه ويستوفي ماله، فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة ويستردّ عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته، ومعذور في استعانته، فهذا أعدل الإخوان.
وأمّا من لا يعين ولا يستعين فهو متروك قد منع خيره وقمع شرّه فهو لا صديق يرجى، ولا عدوّ يخشى، وإذا كان الأمر كذلك فهو كالصّورة الممثّلة، يروقك حسنها، ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شرّه، ولا هو مشكور لمنع خيره، وإن كان باللّوم أجدر.
وأمّا من يستعين ولا يعين فهو لئيم كلّ، ومهين مستذلّ قد قطع عنه الرّغبة وبسط فيه الرّهبة،
__________
(1) لسان العرب لابن منظور (5/ 3179- 3180) . وانظر الصحاح للجوهري (6/ 2168- 2169) .
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 113) .(3/1008)
فلا خيره يرجى ولا شرّه يؤمن، وحسبك مهانة من رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقلّ عند استقلاله فليس لمثله في الإخاء حظّ، ولا في الوداد نصيب.
وأمّا من يعين ولا يستعين فهو كريم الطّبع، مشكور الصّنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلا في نائبة، ولا يقعد عن نهضة في معونة.
فهذا أشرف الإخوان نفسا وأكرمهم طبعا فينبغي لمن أوجد له الزّمان مثله، وقلّ أن يكون له مثل؛ لأنّه البرّ الكريم والدّرّ اليتيم، أن يثني عليه خنصره، ويعضّ عليه بناجذه ويكون به أشدّ ضنّا منه بنفائس أمواله، وسنيّ ذخائره؛ لأنّ نفع الإخوان عامّ، ونفع المال خاصّ، ومن كان أعمّ نفعا فهو بالادّخار أحقّ، ثمّ لا ينبغي أن يزهد فيه لخلق أو خلقين ينكرهما منه إذا رضي سائر أخلاقه، وحمد أكثر شيمه؛ لأنّ اليسير مغفور والكمال معوز «1» .
التعاون واجب ديني وضرورة اجتماعية:
قال ابن خلدون- رحمه الله تعالى-: إنّ الاجتماع الإنسانيّ ضروريّ، ويعبّر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدنيّ بالطّبع أي لا بدّ له من الاجتماع وبيانه أنّ الله سبحانه خلق الإنسان وركّبه على صورة لا يصحّ حياتها وبقاؤها إلّا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركّب فيه من القدرة على تحصيله إلّا أنّ قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفّية له بمادّة حياته منه ولو فرضنا منه أقلّ ما يمكن فرضه وهو قوت يوم واحد من الحنطة مثلا فلا يحصل إلّا بعلاج كثير من الطّحن والعجن والطّبخ وكلّ واحد من هذه الأعمال الثّلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتمّ إلّا بصناعات متعدّدة من حدّاد ونجّار وفاخوريّ وهب أنّه يأكله حبّا من غير علاج فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبّا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه الزّراعة والحصاد والدّراس الّذي يخرج الحبّ من غلاف السّنبل ويحتاج كلّ واحد من هذه إلى آلات متعدّدة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن تفي بذلك كلّه أو ببعضه قدرة الواحد فلا بدّ له من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتّعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف، وكذلك يحتاج كلّ منهم أيضا في الدّفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه؛ لأنّ الله سبحانه لمّا ركّب الطّباع في الحيوانات كلّها وقسّم القدر بينها جعل حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظّ الإنسان، فقدرة الفرس مثلا، أعظم بكثير من قدرة الإنسان، وكذا قدرة الحمار والثّور والأسد والفيل أضعاف من قدرته. ولمّا كان العدوان طبيعيّا في الحيوان جعل لكلّ واحد منها عضوا يختصّ بمدافعة ما يصل إليه من عادية غيره، وجعل للإنسان عوضا عن ذلك كلّه الفكر واليد، فاليد مهيّأة للصّنائع بخدمة الفكر، والصّنائع تحصّل له الالات الّتي تنوب له عن الجوارح
__________
(1) أدب الدنيا والدين للماوردي (211- 213) بتصرف.(3/1009)
المعدّة في سائر الحيوانات للدّفاع. فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سيّما المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة، ولا تفي قدرته أيضا باستعمال الالات المعدّة للمدافعة لكثرتها وكثرة الصّنائع والمواعين المعدّة لها، فلا بدّ في ذلك كلّه من التّعاون عليه بأبناء جنسه، وما لم يكن ذلك التّعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء ولا تتمّ حياته لما ركّبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته، ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السّلاح، فيكون فريسة حيوانات ويعاجله الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر، وإذا كان التّعاون حصل له القوت للغذاء والسّلاح للدّفاع، وتمّت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه، فإذن هذا الاجتماع ضروريّ للنّوع الإنسانيّ، وإلّا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إيّاهم «1» .
البر والتقوى:
انظر في المعنى اللّغوي لهذين اللّفظين في صفتي: «البرّ» و «التّقوى» .
التعاون على البر والتقوى اصطلاحا:
لا يختلف المعنى اللّغويّ للفظ التّعاون عن معناه الّذي تقرّر له في عرف الشّرع، ومن ثمّ يمكن تعريف صفة التّعاون على البرّ والتّقوى بأنّها: أن يظاهر المسلم أخاه ويعينه في فعل الخيرات، وعلى طاعة الله- عزّ وجلّ- وتجنّب معصيته.
[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- الاجتماع الإغاثة- الألفة- التناصر- تفريج الكربات- المحبة- المواساة- البر.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: التعاون على الإثم والعدوان- التخاذل- الأثرة- البخل- الشح التفرق- الأذى- التنازع] .
الآيات الواردة في «التعاون على البر والتقوى»
1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2»
وانظر الايات الكريمة الواردة في صفتي: الاعتصام والاستعانة
__________
(1) المقدمة لابن خلدون (41- 43) بتصرف يسير.
(2) المائدة: 2 مدنية.(3/1010)
الأحاديث الواردة في (التعاون على البر والتقوى)
1-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدّين يسر ولن يشادّ «1» الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة «2» والرّوحة «3» وشيء من الدّلجة «4» » ) * «5» .
2-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها ليلا. قالت: فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع. فقال: «مالك يا عائشة أغرت؟» فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقد جاءك شيطانك؟» قالت:
يا رسول الله أو معي شيطان. قال: «نعم» . قلت:
ومع كلّ إنسان؟. قال: «نعم» قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: «نعم، ولكن ربّي أعانني عليه حتّى أسلم» ) * «6» .
3-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ للمساجد أوتادا «7» هم أوتادها لهم جلساء من الملائكة فإن غابوا سألوا عنهم وإن كانوا مرضى عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم» ) * «8» .
4-* (عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «أوّل ما اتّخذ النّساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتّخذت منطقا «9» لتعفّي أثرها على سارّة، ثمّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتّى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكّة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمّ قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أمّ إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الّذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيّعنا.
ثمّ رجعت. فانطلق إبراهيم حتّى إذا كان عند الثّنيّة «10» ، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثمّ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ
__________
(1) المشادة: أصلها المشاددة، ومعناها المغالبة.
(2) الغداة: السير أول النهار من الغداة إلى طلوع الشمس.
(3) الروحة: السير فيما بعد الزوال.
(4) الدلجة: السير آخر الليل، وقيل سير الليل.
(5) البخاري- الفتح 1 (39) .
(6) مسلم (2815) .
(7) الأوتاد هنا معناها الرجال الملازمون للمساجد. شبههم بالأوتاد لملازمتهم للمساجد وطول مكثهم بها.
(8) أحمد (2/ 418) وقال مخرجه (الحسيني هاشم) : إسناده حسن وعزاه للحاكم. أحمد ط. شاكر (17/ 110) من حديث عبد الله بن سلام. وهو في المستدرك (2/ 398) موقوف على عبد الله بن سلام. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(9) المنطق: كل ما شد الإنسان به وسطه.
(10) الثّنيّة: طريق العقبة، والطريقة في الجبل، وقيل هي الجبل نفسه.(3/1011)
مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ إلى قوله يَشْكُرُونَ (إبراهيم/ 37) وجعلت أمّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتّى إذا نفد ما في السّقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى أو قال: يتلبّط «1» . فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصّفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمّ استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصّفا، حتّى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها، ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود حتّى جاوزت الوادي، ثمّ أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعي النّاس بينهما» . فلمّا أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه «2» - تريد نفسها- ثمّ تسمّعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتّى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. قال ابن عبّاس قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يرحم الله أمّ إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال: «لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» . قال فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضّيعة، فإنّ ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيّع أهله. وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرّابية «3» ، تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتّى مرّت بهم رفقة «4» من جرهم- أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء»
، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طائرا عائفا «6» ، فقالوا: إنّ هذا الطّائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريّا «7» أو جريّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا- قال وأمّ إسماعيل عند الماء- فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عبّاس:
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحبّ الأنس» ، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتّى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلّم العربيّة منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلمّا أدرك زوّجوه امرأة منهم. وماتت أمّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثمّ سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضيق وشدّة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل كأنّه آنس شيئا فقال: هل
__________
(1) يتلبّط: أي يتمرغ.
(2) صه: اسم فعل أمر بمعني اسكت، والمعنى أنها أنصتت لتعرف مصدر الصوت.
(3) الرابية: كل ما ارتفع من الأرض وربا.
(4) الرّفقة: الجماعة المترافقون في السفر.
(5) كداء: جبل بمكة، وهي الثّنيّة العليا مما يلى المقابر.
(6) عائفا: أي يتردد على الماء ويحوم ولا يمضي.
(7) الجريّ: الرسول والوكيل.(3/1012)
جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جهد وشدّة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت:
نعم، أمرني أن أقرأ عليك السّلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك. فطلّقها، وتزوّج منهم أخرى. فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثمّ أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال:
كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت:
نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟
قالت: اللّحم. قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال:
اللهمّ بارك لهم في اللّحم والماء. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه» ، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكّة إلّا لم يوافقاه.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السّلام، ومريه يثبّت عتبة بابه. فلمّا جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة- وأثنت عليه- فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته، أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، هو يقرأ عليك السّلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك.
قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثمّ لبث عنهم ما شاء الله، ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة «1» قريبا من زمزم، فلمّا رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. ثمّ قال: يا إسماعيل، إنّ الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربّك. قال: وتعينني؟ قال: وأعينك. قال: فإنّ الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة «2» مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتّى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان:
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة/ 127) قال فجعلا يبنيان حتّى يدورا حول البيت وهما يقولان: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ) * «3» .
5-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح «4» . ثمّ حبّب إليه الخلاء «5» . فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه. (وهو التّعبّد) اللّيالي أولات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوّد لذلك. ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها.
__________
(1) الدوحة: الشجرة العظيمة.
(2) الأكمة: هو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد.
(3) البخاري- الفتح 6 (3364) .
(4) فلق الصبح: قال أهل اللغة: فلق الصبح وفرق الصبح هو ضياؤه. وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البين.
(5) ثم حبب إليه الخلاء: الخلاء هو الخلوة. قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: حببت العزلة إليه صلّى الله عليه وسلّم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخضع قلبه.(3/1013)
حتّى فجأه الحقّ) وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» قال فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد «1» . ثمّ أرسلني فقال:
اقرأ. قال قلت: «ما أنا بقارىء» . قال فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقرأ.
فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد. ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (96/ العلق: الاية 1- 5) فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره «2» حتّى دخل على خديجة فقال: «زمّلوني «3» زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع «4» . ثمّ قال لخديجة: «أي خديجة مالي» وأخبرها الخبر. قال «لقد خشيت على نفسي» قالت له خديجة: كلّا أبشر. فو الله لا يخزيك الله أبدا.
والله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث. وتحمل الكلّ «5» ، وتكسب المعدوم «6» ، وتقري الضّيف «7» ، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى. وهو ابن عمّ خديجة، أخي أبيها. وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة. وكان يكتب الكتاب العربيّ ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب. وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «8» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم.
يا ليتني فيها جذعا «9» يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي.
وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا» ) * «10» .
6-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّه قال للمعرور بن سويد لمّا لقيه بالرّبذة «11» وعليه حلّة «12» وعلى غلامه حلّة: ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذرّ أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة. إخوانكم خولكم «13» جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل،
__________
(1) فغطني حتى بلغ مني الجهد: غطني معناه عصرني وضمني حتى بلغ مني الجهد مبلغه وغايته.
(2) ترجف بوادره: معنى ترجف ترعد وتضطرب.
(3) زملوني: أي غطوني بالثياب ولفوني.
(4) الروع: هو الفزع.
(5) الكلّ: هو من لا يستقل بنفسه كاليتيم والعيال وغيرهم.
(6) تكسب المعدوم: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك.
(7) تقري الضيف: تحسن إليه.
(8) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. والجاسوس صاحب سر الشر. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(9) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها. وجذعا يعني شابا قويّا. حتى أبالغ في نصرك.
(10) البخاري- الفتح 1 (3) . ومسلم (160) واللفظ له.
(11) الربذة: قرية قرب المدينة.
(12) الحلّة: لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد والجمع حلل.
(13) الخول: الحشم، وقيل الخدم.(3/1014)
وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم» ) * «1» .
7-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها كانت تدّاين «2» فقيل لها مالك وللدّين؟ قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من عبد كانت له نيّة في أداء دينه إلّا كان له من الله عزّ وجلّ عون» فأنا ألتمس ذلك العون) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة حقّ على الله عونهم:
المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الّذي يريد الأداء، والنّاكح الّذي يريد العفاف» ) * «4» .
9-* (عن مخارق- رضي الله عنه- قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: الرّجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: «ذكّره بالله» قال: فإن لم يذكر؟ قال:
«فاستعن عليه من حولك من المسلمين» قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين، قال: «فاستعن عليه بالسّلطان» قال: فإن نأى السّلطان عنّي، قال: «قاتل دون مالك حتّى تكون من شهداء الاخرة، أو تمنع مالك» ) * «5» .
10-* (عن قبيصة بن المخارق الهلاليّ- رضي الله عنه- قال: حمّلت حمالة «6» فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألته فيها فقال: «أقم حتّى تأتينا الصّدقة فإمّا أن نحملها وإمّا أن نعينك فيها» وقال: «إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لثلاثة لرجل تحمّل حمالة قوم فيسأل فيها حتّى يؤدّيها ثمّ يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ما له فيسأل فيها حتّى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثمّ يمسك، ورجل أصابته فاقة فيسأل حتّى يصيب قواما من عيش «7» أو سدادا من عيش ثمّ يمسك. وما سوى ذلك من المسائل، سحتا يا قبيصة يأكل صاحبه سحتا» ) * «8» .
11-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير والنّيل إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها، فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة وقلّدوها ولا تقلّدوها بالأوتار «9» » ) * «10» .
12-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (30) . ومسلم (1661) .
(2) تداين: تأخذ الدين وتقترض.
(3) أحمد (6/ 72، 99، 131) . وقال في مجمع الزوائد: رواه كله أحمد والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن محمد بن علي بن الحسين لم يسمع من عائشة، وإسناد الطبراني متصل، إلا أن فيه سعيد بن الصلت عن هشام بن عروة (4/ 132) . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (563) .
(4) الترمذي (1655) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي (6/ 61) وقال الألباني (2/ 677) : حسن، حديث (3017) . وابن ماجه (2518) .
(5) النسائي، نسخة الألباني (3/ 856) برقم (3803) وقال: حسن صحيح. والنسائي (7/ 113) .
(6) الحمالة: هي ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة.
(7) القوام من العيش: أي ما يقوم بحاجة الإنسان الضرورية.
(8) أحمد (5/ 60) وأصل الحديث في صحيح مسلم (1044) .
(9) لا تقلدوها بالأوتار: الأوتار هي أوتار الأقواس، وهي شديدة على الخيل.
(10) أحمد (3/ 352) وأصله في الصحيحين. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورواته ثقات، وكذا الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن.(3/1015)
قلت يا رسول الله أيّ الأعمال أفضل؟ قال:
«الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» . قال قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا» . قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق «1» » . قال قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» ) *» .
13-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على كلّ مسلم صدقة» فقالوا: يا نبيّ الله، فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة» ) * «3» .
14-* (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: «سل» . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك. قال «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «4» .
15-* (عن سلمان- رضي الله عنه- قال:
كنت رجلا فارسيّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جيّ وكان أبي دهقان «5» قريته وكنت أحبّ خلق الله إليه فلم يزل به حبّه إيّاي حتّى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسيّة حتّى كنت قطن النّار «6» الّذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال فشغل في بنيان له يوما فقال لي يا بنيّ إنّي قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطّلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النّصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلّون وكنت لا أدري ما أمر النّاس لحبس أبي إيّاي في بيته فلمّا مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون قال فلمّا رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الدّين الّذي نحن عليه فو الله ما تركتهم حتّى غربت الشّمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدّين قالوا بالشّام قال ثمّ رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كلّه قال فلمّا جئته قال أي بنيّ أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت قال قلت يا أبت مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فو الله ما زلت عندهم حتّى غربت الشّمس قال: أي بنيّ ليس في ذلك الدّين خير. دينك ودين آبائك خير منه، قال قلت: كلّا والله إنّه خير من ديننا. قال: فخافني فجعل في رجلي قيدا ثمّ حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النّصارى فقلت لهم إذا قدم
__________
(1) الأخرق: الجاهل والأحمق، أي تعليمه صنعة يتكسب منها.
(2) البخاري- الفتح 5 (2518) . ومسلم (84) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 3 (1445) . ومسلم (1008) .
(4) مسلم (489) .
(5) الدهقان: كلمة فارسية ومعناها التاجر.
(6) قطن النار: أي خازنها وخادمها الذي يوقدها.(3/1016)
عليكم ركب من الشّام تجّار من النّصارى فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشّام تجّار من النّصارى، قال: فأخبروني بهم، قال: فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرّجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم، قال: فلمّا أرادوا الرّجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثمّ خرجت معهم حتّى قدمت الشّام، فلمّا قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدّين؟ قالوا الأسقفّ في الكنيسة، قال: فجئته فقلت: إنّي قد رغبت في هذا الدّين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلّم منك وأصلّي معك.
قال: فادخل فدخلت معه. قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتّى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثمّ مات فاجتمعت إليه النّصارى ليدفنوه. فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلّكم على كنزه قالوا فدلّنا عليه قال فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلمّا رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ثمّ رجموه بالحجارة ثمّ جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلّي الخمس أرى أنّه أفضل منه، ولا أزهد في الدّنيا ولا أرغب في الاخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال:
فأحببته حبّا لم أحبّه من قبل وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إنّي كنت معك وأحببتك حبّا لم أحبّه من قبلك وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك النّاس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلّا رجلا بالموصل وهو فلان فهو على ما كنت عليه فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب الموصل.
فقلت له: يا فلان إنّ فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنّك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات، فلمّا حضرته الوفاة قلت له يا فلان إنّ فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللّحوق بك وقد حضرك من الله عزّ وجلّ ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنّا عليه إلّا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال:
فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبه، قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه فأقمت مع خير رجل فو الله ما لبث أن نزل به الموت فلمّا حضر، قلت: له يا فلان إنّ فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثمّ أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلّا رجلا بعمّوريّة فإنّه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته. قال: فإنّه على أمرنا. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب عمّوريّة وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه(3/1017)
وأمرهم. قال: واكتسبت حتّى كان لي بقرات وغنيمة. قال: ثمّ نزل به أمر الله فلمّا حضر، قلت له: يا فلان إنّي كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ والله ما أعلمه أصبح على ما كنّا عليه أحد من النّاس آمرك أن تأتيه ولكنّه قد أظلّك زمان نبيّ هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرّتين «1» بينهما نخل به علامات لا تخفى: يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النّبوّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثمّ مات وغيّب فمكثت بعمّوريّة ما شاء الله أن أمكث، ثمّ مرّ بي نفر من كلب تجّارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا:
نعم فأعطيتهموها وحملوني حتّى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا فكنت عنده، ورأيت النّخل ورجوت أن تكون البلد الّذي وصف لي صاحبي، ولم يحقّ لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عمّ له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلّا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث الله رسوله فأقام بمكّة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرّق، ثمّ هاجر إلى المدينة فو الله إنّي لفي رأس عذق «2» لسيّدي أعمل فيه بعض العمل وسيّدي جالس إذ أقبل ابن عمّ له حتّى وقف عليه فقال فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنّهم الان لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكّة اليوم يزعمون أنّه نبيّ. قال: فلمّا سمعتها أخذتني العرواء «3» حتّى ظننت سأسقط على سيّدي. قال: ونزلت عن النّخلة فجعلت أقول لابن عمّه ذلك: ماذا تقول ماذا تقول؟
قال: فغضب سيّدي فلكمني لكمة شديدة، ثمّ قال: مالك ولهذا أقبل على عملك، قال: قلت: لا شيء إنّما أردت أن أستثبت عمّا قال، وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلمّا أمسيت أخذته ثمّ ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بقباء، فدخلت عليه فقلت له إنّه قد بلغني أنّك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصّدقة، فرأيتكم أحقّ به من غيركم، قال: فقرّبته إليه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «كلوا» وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي هذه واحدة ثمّ انصرفت عنه، فجمعت شيئا وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، ثمّ جئت به فقلت:
إنّي رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذه هديّة أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي هاتان اثنتان، ثمّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ببقيع الغرقد «4» . قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه،
__________
(1) الحرّتان: مثنى حرّة، وهي أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كبيرة.
(2) العذق: كل غصن له شعب، والعذق أيضا: النخلة عند أهل الحجاز.
(3) العرواء: الرّعدة مثل الغلواء.
(4) بقيع الغرقد: مقابر بالمدينة.(3/1018)
فسلّمت عليه، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الّذي وصف لي صاحبي فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استدرته عرف أنّي أستثبت في شيء وصف لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبّله وأبكي. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تحوّل» فتحوّلت فقصصت عليه حديثي كما حدّثتك يا ابن عبّاس. قال: فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يسمع ذلك أصحابه ثمّ شغل سلمان الرّقّ حتّى فاته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدر وأحد. قال: ثمّ قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كاتب سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أجيبها له بالفقير وبأربعين أوقيّة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنّخل الرّجل بثلاثين وديّة «1» ، والرّجل بعشرين، والرّجل بخمس عشرة، والرّجل بعشر. يعني: الرّجل بقدر ما عنده- حتّى اجتمعت لي ثلاثمائة وديّة، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب يا سلمان ففقّر لها فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي» ففقرت لها «2» وأعانني أصحابي حتّى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معي إليها فجعلنا نقرّب له الودى ويضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده فو الّذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها وديّة واحدة، فأدّيت النّخل، وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل بيضة الدّجاجة من ذهب من بعض المغازي. فقال: «ما فعل الفارسيّ المكاتب؟» قال: فدعيت له، فقال: «خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان» فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ قال: «خذها فإنّ الله. عزّ وجلّ.
سيؤدّي بها عنك» . قال: فأخذتها فوزنت لهم منها والّذي نفس سلمان بيده أربعين أوقيّة، فأوفيتهم حقّهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق ثمّ لم يفتني معه مشهد» ) * «3» .
16-* (عن ثوبان- رضي الله عنه- قال: لمّا نزلت وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (التوبة/ 34) قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزل في الذّهب والفضّة ما أنزل: لو علمنا أيّ المال خير فنتّخذه؟ فقال: «أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه» ) * «4» .
17-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابي فقال: يا نبيّ الله، علّمني عملا يدخلني الجنّة، قال: «لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة «5» . أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة» . قال:
أو ليستا واحدا؟ قال: «لا، عتق النّسمة أن تعتق النّسمة،
__________
(1) الوديّة: مفرد وديّ وهي صغار الفسيل.
(2) فقر لها: احفر لها موضعا تغرس فيه.
(3) أحمد (5/ 441- 444) . والبزار (3/ 268) حديث (2726) من حديث بريدة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد كله والطبراني بنحوه في الكبير بأسانيد وإسناد إحداها، رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع والرواية الثانية انفرد بها (9/ 332- 336) .
(4) الترمذي (3094) وقال: هذا حديث حسن. واللفظ له. وابن ماجه (1856) . وأحمد (5/ 278) .
(5) لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: أي لئن أوجزت الكلام فالمعنى كبير.(3/1019)
وفكّ الرّقبة أن تعين على الرّقبة، والمنيحة الرّغوب «1» ، والفيء على ذي الرّحم «2» ، فإن لم تطق ذلك فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير» ) * «3» .
18-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ضحّى منكم فلا يصبحنّ بعد ثالثة وبقي في بيته منه شيء» فلمّا كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: «كلوا وأطعموا وادّخروا فإنّ ذلك العام كان بالنّاس جهد فأردت أن تعينوا فيها» ) * «4» .
19-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر عن معسر، يسّر الله عليه في الدّنيا والاخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدّنيا والاخرة.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه» ) * «5» .
20-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ولّاه الله- عزّ وجلّ- من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه» ) * «6» .
21-* (عن عبد الرّحمن بن سمرة- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الّذي هو خير وكفّر عن يمينك» ) * «7» .
22-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه» ) * «8» .
__________
(1) المنيحة الرغوب: المعارة للبن خاصة.
(2) الفيء على ذي الرحم: العطف عليه، والرجوع إليه بالبر.
(3) الأدب المفرد مع شرحه (1/ 151) . وقال مخرجه العلامة محب الدين الخطيب: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب ورجاله ثقات. وذكره في مجمع الزوائد وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات (4/ 40) .
(4) البخاري- الفتح 10 (5569) . ومسلم (1974) .
(5) مسلم (2699) .
(6) النسائي (7/ 159) وقال الألباني عنه: صحيح (صحيح النسائي (3/ 881) . وأبو داود (2932) بأطول منه. وأحمد (6/ 70) واللفظ له. وقال مخرج جامع الأصول: إسناده صحيح (4/ 73) .
(7) البخاري- الفتح 13 (7147) . ومسلم (1652) .
(8) أبو داود (4918) . وقال الألباني: حسن (3/ 929) . وقال الأرناؤوط في جامع الأصول: حسن (6/ 563) .(3/1020)
الأحاديث الواردة في (التعاون على البر والتقوى) معنى
23-* (عن أنس بن مالك رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» . قال: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟. قال: «تأخذ فوق يديه» ) * «1» .
24-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا «2» في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة. فهم منّي وأنا منهم» ) * «3» .
25-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أيّ النّاس أحبّ إلى الله تعالى؟ وأيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحبّ النّاس إلى الله تعالى أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد» - يعني مسجد المدينة- شهرا، «ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتّى يتهيّأ له أثبت الله قدمه يوم تزول قدمه» ) * «4» .
26-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من النّاس مفاتيح للخير مغاليق للشّرّ، وإنّ من النّاس مفاتيح للشّرّ مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشّرّ على يديه» ) * «5» .
27-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان إذا أتاه السّائل أو صاحب الحاجة، قال: «اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء» ) * «6» .
28-* (عن أبي قتادة- رضي الله عنه- قال:
إنّه طلب غريما له فتوارى عنه ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه» ) * «7» .
29-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله
__________
(1) البخاري- الفتح 5 (2444) كما في التحفة.
(2) أرملوا: أي فني طعامهم.
(3) البخاري- الفتح 5 (2486) . ومسلم (2500) واللفظ له.
(4) الطبراني في الكبير (12/ 453) . وذكره الشيخ ناصر الدّين الألباني في الصحيحة (2/ 608، 609) وعزاه كذلك لابن عساكر في التاريخ وقال: هذا إسناد ضعيف جدا، ثم قال لكن رواه ابن أبي الدنيا
في قضاء الحوائج وأبو إسحاق المزكي في الفوائد المنتخبة وابن عساكر بأسانيد وهذا إسناد حسن، وراجع صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 97) برقم (176) .
(5) ابن ماجه (237) . والسنة لابن أبي عاصم (1/ 128) برقم (299) وقال مخرجه: حسن وعزاه للطيالسي في مسنده (2082) والخرائطي في المكارم ص 59.
(6) البخاري- الفتح 10 (6028) . ومسلم (2627) .
(7) مسلم (1563) .(3/1021)
عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتي الله بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدّنيا؟
قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (النساء/ 42) قال: يا ربّ، آتيتني مالك فكنت أبايع النّاس وكان من خلقي الجواز «1» ، فكنت أتيسّر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحقّ بذا منك، تجاوزوا عن عبدي» ) * «2» .
30-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبع ونهانا عن سبع. فذكر عيادة المريض واتّباع الجنائز وتشميت العاطس وردّ السّلام، ونصر المظلوم وإجابة الدّاعي وإبرار القسم) * «3» .
31-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثا قبل السّاحل وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح وهم ثلاثمائة فخرجنا وكنّا ببعض الطّريق فني الزّاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كلّ يوم قليلا قليلا حتّى فني فلم يكن يصيبنا إلّا تمرة تمرة، فقلت ما تغني عنكم تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. ثمّ انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظّرب»
، فأكل منه القوم ثماني عشرة ليلة. ثمّ أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثمّ أمر براحلة فرحلت ثمّ مرّت تحتهما فلم تصبهما» . وفي رواية مسلم: «فلمّا قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرنا ذلك له فقال: «هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟» فأرسلنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه فأكله) * «5» .
32-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له» فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في فضل) * «6» .
33-* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه- قال: خفّت أزواد القوم وأملقوا «7» ، فأتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل عمر على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ناد في النّاس يأتون بفضل أزوادهم» ، فدعا وبرّك عليه، ثمّ دعاهم بأوعيتهم فاحتثى النّاس حتّى فرغوا، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله» ) * «8» .
__________
(1) الجواز: التسامح والتساهل.
(2) البخاري- الفتح 6 (3451) . مسلم (1560) واللفظ له.
(3) البخاري- الفتح 5 (2445) . ومسلم (2066) .
(4) الظّرب: الجبل الصغير.
(5) البخاري- الفتح 5 (4360) . ومسلم (1935) بلفظ آخر.
(6) مسلم (1728) .
(7) أملقوا: أي افتقروا.
(8) البخاري- الفتح 6 (2982) واللفظ له. ومسلم (27) من حديث أبي هريرة.(3/1022)
34-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: صارت صفيّة لدحية في مقسمه، وجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ويقولون: ما رأينا في السّبى مثلها. قال: فبعث إلى دحية فأعطاه بها ما أراد، ثمّ دفعها إلى أمّي فقال: «أصلحيها» قال: ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خيبر حتّى إذا جعلها في ظهره نزل، ثمّ ضرب عليها القبّة، فلمّا أصبح قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان عنده فضل زاد فليأتنا به» قال فجعل الرّجل يجيء بفضل التّمر وفضل السّويق حتّى جعلوا من ذلك سوادا حيسا «1» ، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض «2» إلى جنبهم من ماء السّماء، قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليها، قال: فانطلقنا حتّى إذا رأينا جدر المدينة هششنا إليها فرفعنا مطيّنا ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطيّته قال: وصفيّة خلفه قد أردفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال فعثرت مطيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصرع وصرعت «3» قال: فليس أحد من النّاس ينظر إليه ولا إليها، حتّى قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسترها، قال: فأتيناه فقال: «لم نضر» قال فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها) * «4» .
35-* (عن أمّ عطيّة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كنّا نداوي الكلمى «5» ، ونقوم على المرضى فسألت أختي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: «تلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخير ودعوة المسلمين» ) * «6» .
36-* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا ثمّ شبّك بين أصابعه» ) * «7» .
37-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى» ) * «8» .
38-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ) * «9» .
39-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أقال مسلما «10» أقال
__________
(1) سوادا حيسا الحيس: الخلط، وقيل الأقط يخلط بالتمر والسمن.
(2) الحياض: الماء السائل.
(3) فصرع وصرعت: أي وقع ووقعت.
(4) مسلم (1365) ص 1047 من مسلم.
(5) الكلمى: الجرحى.
(6) البخاري- الفتح 1 (324) واللفظ له. ومسلم (890) .
(7) البخاري- الفتح 10 (6026) . ومسلم (2585) .
(8) البخاري- الفتح 10 (6011) . ومسلم (2586) .
(9) البخاري- الفتح 5 (2442) . ومسلم (2580) .
(10) أقال مسلما: أي رفعه من عثرته وفرّج كربه.(3/1023)
الله عثرته» ) * «1» .
40-* (عن زيد بن خالد الجهنيّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا» ) * «2» .
41-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النّار ثلاث خنادق كلّ خندق أبعد ممّا بين الخافقين «3» » ) * «4» .
42-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ» ) * «5» .
43-* (عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه» ) * «6» .
44-* (عن أبي أمامة الباهليّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يابن آدم إنّك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شرّ لك، ولا تلام على كفاف «7» ، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السّفلى» ) * «8» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (التعاون على البر والتقوى)
45-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
«كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصّلاة قام إلى الصّلاة» ) * «9» .
46-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: «كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينقل التّراب يوم الخندق حتّى أغمر بطنه أو اغبرّ بطنه يقول:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
__________
(1) أبو داود (3460) . وأحمد (2/ 252) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (13/ 168) حديث (7425) . والحاكم (2/ 45) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(2) البخاري- الفتح 6 (2843) . ومسلم (1895) .
(3) الخافقان: المشرق والمغرب، وقيل: هما طرفا السماء والأرض.
(4) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 391) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(5) البخاري- الفتح 5 (2354) .
(6) الطبراني في الكبير (5/ 118) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (407) برقم 1618 وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد.. وذكره المنذري في الترغيب وقال: رواه الطبراني ورواته ثقات: (3/ 392) برقم (11) وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات (8/ 193) .
(7) الكفاف: هو ما كفّ عن الناس أي أغنى، وقيل هو الذي لا يفضل عن الشيء، ويكون بقدر الحاجة إليه.
(8) مسلم (1036) .
(9) البخاري- الفتح 10 (6039) .(3/1024)
إنّ الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته: أبينا أبينا» ) * «1» .
47-* (عن عثمان بن عفّان- رضي الله عنه- أنّه كان يخطب فقال: «إنّا والله قد صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (التعاون على البر والتقوى)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-:
«عليك بإخوان الصّدق فعش في أكنافهم فإنّهم زين في الرّخاء وعدّة في البلاء» ) * «3» .
2-* (وقال أيضا: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها، ولا تغبط الأحياء إلّا بما تغبط الأموات، وشاور في أمرك الّذين يخشون الله عزّ وجلّ» ) * «4» .
3-* (قال عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه- «آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بيني وبين سعد بن الرّبيع، فقال لي سعد: إنّي أكثر الأنصار مالا، فأقاسمك مالي شطرين، ولي
امرأتان، فانظر أيّتهما شئت حتّى أنزل لك عنها، فإذا حلّت تزوّجتها، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، دلّوني على السّوق، فدلّوني على سوق بني قينقاع، فما رحت حتّى استفضلت أقطا وسمنا» ) * ... الحديث «5» .
4-* (قال المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه-:
«التّارك للإخوان متروك» ) * «6» .
5-* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله عنه- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا فقال: يا بنيّ، بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعباد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه- ولم يدع دينارا
__________
(1) البخاري- الفتح 7 (4104) . ومسلم (1803) .
(2) مسند أحمد، ط. شاكر (1/ 378) وقال: حسن.
(3) الإخوان لابن أبي الدنيا (116) . وإحياء علوم الدين (2/ 171) .
(4) الإخوان لابن أبي الدنيا (126) . والحلية (1/ 55) بعضه.
(5) البخاري- الفتح 4 (2048) . واللفظ من جامع الأصول (6/ 567/ 568) .
(6) أدب الدنيا والدين (211) .(3/1025)
ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر.
قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم- قال عبد الله بن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف قال: فلقي حكيم ابن حزام عبد الله بن الزّبير فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟ فكتمه فقال مائة ألف. فقال حكيم:
والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله:
أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستّمائة ألف «1» .
ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر- وكان له على الزّبير أربعمائة ألف- فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم.
قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال:
فاقطعوا لي قطعة. قال عبد الله: لك من ههنا إلى ههنا.
قال فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية- وعنده عمرو ابن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة- فقال له معاوية:
كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم مائة ألف. قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر ابن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؟ فقال:
سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال:
وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف.
فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه، قال بنو الزّبير:
اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم. فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف) * «2» .
6-* (قال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: «تفقّدوا إخوانكم بعد ثلاث فإن كانوا مرضى فعودوهم أو مشاغيل فأعينوهم أو كانوا نسوا فذكّروهم» ) *» .
7-* (قال أبو جعفر بن صهبان- رحمه الله تعالى-: «كان يقال: أوّل المودّة طلاقة الوجه، والثّانية التّودّد، والثّالثة قضاء حوائج النّاس» ) * «4» .
8-* (قال داود الطّائيّ لرجل طلب منه الوصيّة: «اصحب أهل التّقوى، فإنّهم أيسر أهل
__________
(1) ضبطت مائة فى الأصل بفتح الميم وهو خطأ والصواب الكسر.
(2) البخاري- الفتح 6 (3129) .
(3) إحياء علوم الدين (2/ 176) .
(4) الإخوان لابن أبي الدنيا (194) .(3/1026)
الدّنيا عليك مئونة، وأكثرهم لك معونة» ) * «1» .
9-* (قال أبو حمزة الشّيبانيّ- رحمه الله تعالى- لمن سأله عن الإخوان في الله من هم؟ قال: «هم العاملون بطاعة الله- عزّ وجلّ- المتعاونون على أمر الله- عزّ وجلّ- وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم» ) * «2» .
10-* (قال ابن المعتزّ- رحمه الله تعالى-:
«من اتّخذ إخوانا كانوا له أعوانا» ) * «3» .
11-* (قال بعض الحكماء: «من جاد لك بمودّته، فقد جعلك عديل نفسه، فأوّل حقوقه اعتقاد مودّته، ثمّ إيناسه بالانبساط إليه في غير محرّم، ثمّ نصحه في السّرّ والعلانية، ثمّ تخفيف الأثقال عنه، ثمّ معاونته فيما ينوبه من حادثة، أو يناله من نكبة، فإنّ مراقبته في الظّاهر نفاق، وتركه في الشّدّة لؤم» ) * «4» .
12-* (قال بعض الشّعراء:
هموم رجال في أمور كثيرة ... وهمّي من الدّنيا صديق مساعد
نكون كروح بين جسمين قسّمت ... فجسماهما جسمان والرّوح واحد) *
«5» .
13-* (وقال بعض البلغاء: «صديق مساعد، عضد وساعد» ) * «6» .
من فوائد (التعاون على البر والتقوى)
(1) إمكان إنجاز الأعمال الكبيرة الّتي لا يقدر عليها الأفراد.
(2) شعور الفرد بالقوّة ونزع شعور العجز من نفسه.
(3) دليل حبّ الخير للاخرين.
(4) مواجهة الأخطار المحدقة بالإنسان ممّن حوله من الإنسان والحيوان.
(5) ثمرة من ثمرات الإيمان فضلا عن كونه حاجة ملحّة للإنسان.
(6) أساس التّقدّم والإنتاج والنّجاح والتّفوّق.
(7) من ثمرات الأخوّة الإسلاميّة.
(8) الشّعور بالمساواة في الإنسانيّة يدفع إليه ويحضّ عليه.
(9) ينزع الحقد من القلوب الضّعيفة ويزيل أسباب الحسد.
(10) طريق موصّل إلى محبّة الله ورضاه وجنّته.
(11) سبب من أهمّ أسباب الألفة والمحبّة بين النّاس.
(12) يحقّق سنّة الله في خلقه ويوافق طبيعة الأشياء وفي هذا يقول الشّاعر:
النّاس للنّاس من بدو وحاضرة ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
__________
(1) الإخوان لابن أبي الدنيا (124) . والحلية (7/ 346) .
(2) الإخوان لابن أبي الدنيا (126- 127) .
(3) أدب الدنيا والدين (200) .
(4) أدب الدنيا والدين (216) .
(5) المصدر السابق (200) .
(6) الموضع السابق نفسه.(3/1027)
تعظيم الحرمات
/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/
/ 12/ 41/ 25/
تعظيم الحرمات:
تتكوّن صفة تعظيم الحرمات من لفظين هما:
التّعظيم والحرمات وسنعرض أوّلا للمعنى اللّغويّ لكلّ منهما ثمّ نذكر المعنى الاصطلاحيّ لتعظيم الحرمات.
التعظيم لغة:
التّعظيم في اللّغة مصدر عظّم يقال عظّم فلان الأمر تعظيما بمعنى فخّمه وبجّله، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (ع ظ م) الّتي تدور حول معنى الكبر والقوّة كما يقول ابن فارس «1» ، وأصل ذلك العظم خلاف اللّحم يقول الرّاغب «2» وعظم الشّيء أصله كبر عظمه، ثمّ استعير لكلّ كبير فأجري مجراه محسوسا كان أو معقولا عينا كان أو معنى. «والعظيم» إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتّصلة و «الكثير» يقال في الأجزاء المنفصلة، ثمّ قد يستعمل العظيم أيضا في الأشياء المنفصلة الأجزاء نحو: جيش عظيم ومال عظيم، وذلك في معنى الكثير، ويقول الجوهريّ: عظم الشّيء عظما كبر فهو عظيم، وعظم الشّيء أكثره ومعظمه ويقال: أعظم الأمر وعظّمه أي فخّمه والتّعظيم: التّبجيل، واستعظمه عدّه عظيما واستعظم وتعظّم، تكبّر، والاسم العظم، وتقول أصابنا مطر لا يتعاظمه شيء أي لا يعظم عنده شيء، والعظيمة والمعظّمة: النّازلة الشّديدة، والإعظامة والعظامة (شيء) كالوسادة تعظّم به المرأة عجيزتها. والعظمة الكبرياء، وعظمة الذّراع أيضا لمستغلظها، والعظم واحد العظام، وعظم الرّحل خشبة بلا أنساع ولا أداة «3» ، والعظم خلاف الصّغر يقال منه عظم الشّيء يعظم عظما وعظامة: كبر، وعظّم الشّيء كبّره. والعظيم من صفات المولى- عزّ وجلّ- ويسبّح العبد ربّه فيقول سبحان ربّي العظيم، العظيم هنا الّذي جاوز قدره وجلّ عن حدود العقول حتّى لا تتصوّر الإحاطة بكنهه وحقيقته. والعظم في صفات الأجسام كبر الطّول والعرض والعمق، والله تعالى جلّ عن ذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ، أي اجعلوه في أنفسكم ذا عظمة. وعظمة الله سبحانه. لا تكيّف ولا تحدّ ولا تمثّل بشيء، ويجب على العباد أن يعلموا أنّه عظيم كما وصف نفسه وفوق ذلك بلا كيفيّة ولا تحديد «4» وعظمات القوم: سادتهم وذوو شرفهم، وعظم الشّيء ومعظمه جلّه وأكثره، وعظم
__________
(1) المقاييس (4/ 355) .
(2) المفردات (339) بتصرف يسير.
(3) الصحاح (5/ 1987) وما بعدها.
(4) اللسان (3004) وما بعدها. ط. دار المعارف.(3/1028)
الصّلاة الفريضة كما جاء في حديث (لا يقوم فيها إلّا إلى عظم صلاة) قال ابن منظور: كأنّه أراد لا يقوم إلّا إلى الفريضة «1» .
الحرمات لغة:
الحرمات في اللّغة جمع حرمة «2» وهي ما لا يحلّ انتهاكه وهي مأخوذة من مادّة (ح ر م) الّتي تدور حول معنى «المنع والتّشديد» ، يقال: الحرام:
ضدّ الحلال، والحريم: حريم البئر وهو ما حولها، يحرّم على غير صاحبها أن يحفر فيه، والحرمان مكّة والمدينة، سمّيا بذلك لحرمتهما وأنّه حرّم أن يحدث فيهما أو يؤوى محدث، ويقال: أحرم الرّجل بالحجّ؛ لأنّه يحرّم عليه ما كان حلالا له من الصّيد والنّساء وغير ذلك، وأحرم الرّجل دخل في الشّهر الحرام قال الشّاعر:
قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما ... فمضى ولم أر مثله مقتولا
ويقال أيضا المحرم الّذي له ذمّة، والحريم:
الّذي حرّم مسّه فلا يدنى منه، ويقال بين القوم حرمة ومحرمة (بفتح الراء وضمها) وذلك مشتقّ من أنّه حرام إضاعته وترك حفظه «3» .
وقال الرّاغب: الحرام: الممنوع منه إمّا بتسخير إلهيّ كما في قوله تعالى: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ (القصص/ 12) ، وإمّا بمنع قهريّ كما في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ (المائدة/ 72) وإمّا بمنع من الشّرع كما في قوله سبحانه: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ (الأنعام/ 145) «4» .
وقال في الصّحاح: الحرم بالضّمّ الإحرام، قالت عائشة- رضي الله عنها-: «كنت أطيّبه صلّى الله عليه وسلّم لحلّه وحرمه» ، أى عند إحرامه، وحرمة الرّجل: حرمه وأهله، ورجل حرام أي محرم ومن الشّهور أربعة حرم وهي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب، والحرمة بالكسر: الغلمة، والحرمة أيضا الحرمان، والحرمي المنسوب إلى الحرم، وعن الأصمعيّ يقال: إنّ لي محرمات (بضم الراء وفتحها) فلا تهتكها، والمحرّم أوّل الشّهور (الهجرية) وأحرم الرّجل إذا دخل في حرمة لا تهتك قال زهير:
وكم بالقنان من محلّ ومحرم وقوله تعالى: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- هو المحارف «5» (أي الّذي لم
__________
(1) اللسان (ط. دار المعارف) (ص 3006) .
(2) جاء في تفسير التحرير والتنوير (17/ 252) أن الحرمات جمع حرمة بضمتين، وذكر أن معناها (ما يجب احترامه) وأن الاحترام هو: اعتبار الشيء ذا حرم وذلك كناية عن عدم الدخول فيه أي عدم انتهاكه بمخالفة أمر الله في شأنه.
(3) انظر في ذلك مقاييس اللغة (2/ 45) .
(4) مفردات الراغب (ص 114) وقد ذكر الراغب نوعين آخرين ولم يمثل لهما هما: الممنوع منه بحكم العقل أو الممنوع منه من جهة من ترتسم أمره.
(5) الصحاح (5/ 1898) .(3/1029)
يوسّع له في رزقه) ، ويقال: أحرمت عن الشّيء، إذا أمسكت عنه، وذكر الزّجّاجيّ عن اليزيديّ أنّه قال:
سألت عمّي عن قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (كلّ مسلم عن مسلم محرم) قال المحرم: الممسك، ومعناه أنّ المسلم ممسك عن مال المسلم وعرضه «1» .
وعليه؛ فالحرمات جمع حرمة، وهي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص، والأزمنة والأماكن، وتعظيمها: توفيتها حقّها وحفظها عن الإضاعة «2» .
الحرمات اصطلاحا:
يراد بالحرمة اصطلاحا: الحكم بطلب ترك فعل ينتهض فعله سببا للعقاب، وهي بذلك ترادف التّحريم أمّا الفعل الّذي وقع عليه في ذلك فيسمّى حراما ومحظورا «3» .
أمّا حرمات الله ففيها أقوال منها:
1- المراد بها في قول مجاهد: مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلّها.
2- وعن زيد بن أسلم أنّ الحرمات المرادة هنا خمس هي: الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام (مكّة المكرمة) ، والشّهر الحرام، والمحرم حتّى يحلّ.
3- وقال ابن عاشور: حرمات الله تشمل كلّ ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحجّ كلّها.
تعظيم الحرمات اصطلاحا:
ورد في تعظيم الحرمات أقوال عديدة أهمّها:
1- قال الطّبريّ ما خلاصته: تعظيم الحرمات يعني اجتناب المرء ما أمر الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحرمه أن يستحلّها.
2- وقال النّيسابوريّ: تعظيم الحرمات: العلم بوجوبها والقيام بحقوقها.
3- وقال الزّمخشريّ: تعظيم الحرمات: العلم بأنّها واجبة المراعاة والحفظ، والقيام بمراعاتها.
4- وقال القرطبيّ: الحرمات المقصودة هنا (في الاية الكريمة) هي أفعال الحجّ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع «4» .
درجات تعظيم الحرمات:
ويأتي تعظيم الحرمات على درجات ثلاث:
الدّرجة الأولى: تعظيم الأمر والنّهي، بحيث لا يعارضا بترخّص جاف، ولا يعارضا بتشدّد غال، ولا يحمل الأمر والنّهي على علّة توهن الانقياد لهما. وهناك
__________
(1) لسان العرب (ص 847) ، ط. دار المعارف.
(2) مدارج السالكين (2/ 77) .
(3) انظر في هذا التعريف وشرحه، كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (2/ 129 وما بعدها) .
(4) انظر في هذه الأقوال المراجع الاتية: تفسير ابن كثير (3/ 19) 2، وتفسير الطبري (جامع البيان) ج 17 ص 111، 112، تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 17/ 252، وغريب القرآن للنيسابوري (بهامش الطبري) 17/ 75، والكشاف للزمخشري (3/ 11، 12) ، وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ج 12/ 54.(3/1030)
أمور تنافي تعظيم الأمر والنّهي:
أحدها: التّرخّص الّذي يمنع صاحبه عن كمال الامتثال.
الثّاني: الغلوّ الّذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنّهي. الأوّل: تفريط، والثّاني: إفراط.
ومن الأمور الّتي تؤدّي إلى عدم تعظيم الأمر والنّهي: تأويل الأمر والنّهي بعلّة تعود عليهما بالإبطال، كما تأوّل بعضهم تحريم الخمر بأنّه معلّل بإيقاع العداوة والبغضاء، والتّعرّض للفساد، فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه.
الدّرجة الثّانية: «تعظيم الحكم أن يبغى له عوج، أو يدافع بعلم، أو يرضى بعوض» .
ومعنى هذا تعظيم الحكم الكونيّ القدريّ بألّا يطلب له عوجا أو يرى فيه عوجا؛ بل يراه كلّه مستقيما، لأنّه صادر عن عين الحكمة، فلا عوج فيه.
ومن كمال التّعظيم أن لا يرضى العبد بعوض يطلبه بعمله وإن طلب ثواب الله وجزاء عمله.
الدّرجة الثّالثة: «تعظيم الحقّ سبحانه، وهو أن لا يجعل دونه سببا، ولا يرى عليه حقّا، أو ينازع له اختيارا» .
وهذه الدّرجة تتضمّن تعظيم الحاكم سبحانه، صاحب الخلق والأمر والّتي قبلها تتضمّن تعظيم قضائه لا مقضيّه، والأولى تتضمّن تعظيم أمره.
وفي هذه الدّرجة يتيقّن المسلم من أنّ الّذي يوصّله إلى الله هو الله، ولا يتوصّل إلى رضاه إلّا به، ما دلّ على الله إلّا الله، ولا هدى إليه سواه. ولا يرى لأحد من الخلق حقّا على الله، بل الحقّ لله على خلقه.
فالحقّ في الحقيقة لله على عبده، وحقّ العبد هو ما اقتضاه جوده وبرّه وإحسانه إليه بمحض جوده وكرمه.
ويعني هذا أن لّا ينازع المسلم اختيار الله بل يرضى بما اختاره له؛ فإنّ ذلك من تعظيم الله ومن تعظيم حرمات الله «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التقوى الصلاة- الطاعة- الزكاة- الصوم- الحج والعمرة- العبادة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات ترك الصلاة- العصيان- التفريط والإفراط- الفسوق- الفجور- الفساد] .
__________
(1) مدارج السالكين (2/ 516- 523) بتصرف.(3/1031)
الآيات الواردة في «تعظيم الحرمات»
1- وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) «1»
الآيات الواردة في «تعظيم الحرمات» معنى
2- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) «2»
3- وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) «3»
4- الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) «4»
__________
(1) الحج: 26- 33 مدنية
(2) البقرة: 187 مدنية
(3) البقرة: 191 مدنية
(4) البقرة: 229 مدنية(3/1032)
5- وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (14) «1»
6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2) «2»
7- جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) «3»
8- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) «4»
9- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) «5»
10- التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) «6»
11- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) »
12- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (1) «8»
__________
(1) النساء: 14 مدنية
(2) المائدة: 1- 2 مدنية
(3) المائدة: 97 مدنية
(4) التوبة: 5 مدنية
(5) التوبة: 36 مدنية
(6) التوبة: 112 مدنية
(7) الحج: 34- 36 مدنية
(8) الطلاق: 1 مدنية(3/1033)
الأحاديث الواردة في (تعظيم الحرمات)
1-* (عن أبي شريح العدويّ- رضي الله عنه- أنّه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكّة: ائذن لي أيّها الأمير أحدّثك قولا قام به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للغد من يوم الفتح فسمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلّم به أنّه حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: «إنّ مكّة حرّمها الله ولم يحرّمها النّاس فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد «1» بها شجرة. فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولوا له: إنّ الله أذن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يأذن لكم، وإنّما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلّغ الشّاهد الغائب» ) * «2» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّعمان بن قوقل فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صلّيت المكتوبة. وحرّمت الحرام وأحللت الحلال أأدخل الجنّة؟ فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» ) * «3» .
3-* (عن عبد الله بن قرط- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أعظم الأيّام عند الله تبارك وتعالى يوم النّحر، ثمّ يوم القرّ «4» » وقرّب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدنات خمس أو ستّ، فطفقن يزدلفن إليه بأيّتهنّ يبدأ، فلمّا وجبت جنوبها قال: «من شاء اقتطع» ) * «5» .
4-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع: «ألا أيّ شهر تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا ألا شهرنا هذا. قال: ألا أيّ بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: ألا أيّ يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا. قال:
فإنّ الله- تبارك وتعالى- قد حرّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلّا بحقّها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ألا هل بلّغت (ثلاثا؟ كلّ ذلك يجيبونه:
ألا نعم) قال: «ويحكم أو ويلكم لا ترجعنّ بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ) * «6» .
5-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يحرّم حرمة إلّا وقد علم أنّه سيطّلعها منكم مطّلع «7» ألا وإنّي آخذ بحجزكم «8» أن تهافتوا في النّار كتهافت الفراش أو الذّباب» ) * «9» .
6-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حرّم ما بين لابتي المدينة «10» على لساني» . قال: وأتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بني حارثة فقال:
__________
(1) يعضد: يقطع.
(2) البخاري- الفتح 4 (1832) واللفظ له. ومسلم (1354) .
(3) مسلم (15) .
(4) يوم القر: هو أول أيام التشريق (وهو الحادي عشر من ذي الحجة) .
(5) أبو داود (1765) وقال الألباني: صحيح (1/ 331) . وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 355) : إسناده قوي.
(6) البخاري- الفتح 12 (6785) واللفظ له. ومسلم (65) مختصر.
(7) سيطّلعها منكم مطّلع: أي سيرتكبها بعضكم.
(8) بحجزكم: أصل الحجزة موضع شد الإزار ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة، واستعير للتمسك بالشيء والتعلق به.
(9) أحمد (1/ 390) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 63) رقم (3704) .
(10) لابتي المدينة: مثنّى لابة وهي الحرة السوداء الحجارة.(3/1034)
«أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم. ثمّ التفت فقال: بل أنتم فيه» ) * «1» .
7-* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس. فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ألا وإنّ حمى الله في أرضه محارمه ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب» ) * «2» .
8-* (عن أبي مالك عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قال لا إله إلّا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» ) * «3» .
9-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدّنيا» ) * «4» .
10-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث. من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين» ) * «5» .
11-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟ فو الله لأنا أغير منه والله أغير منّي من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا شخص أغير من الله. ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشّرين ومنذرين ولا شخص أحبّ إليه المدحة من الله. من أجل ذلك وعد الله الجنّة» ) * «6» .
12-* (عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- أنّها قالت: لمّا توفّي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (إبراهيم) بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له المعزّي (إمّا أبو بكر وإمّا عمر) أنت أحقّ من عظّم الله حقّه؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرّبّ. لولا أنّه وعد صادق وموعود جامع، وأنّ الاخر تابع للأوّل لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ممّا وجدنا. وإنّا بك لمحزونون» ) * «7» .
13-* (عن عروة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: لمّا سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح، فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________
(1) البخاري- الفتح 4 (1869) واللفظ له. ومسلم (1372) .
(2) البخاري- الفتح 1 (52) . مسلم (1599) واللفظ له.
(3) مسلم (23) .
(4) النسائي (7/ 83) عن عبد الله بن عمرو. وقال مخرج جامع الأصول: هو حديث حسن (10/ 208) .
(5) البخاري- الفتح 4 (1867) واللفظ له. ومسلم (1367) .
(6) البخاري- الفتح 13 (7416) . ومسلم (1499) واللفظ له.
(7) ابن ماجة (1589) وقال في الزوائد: إسناده حسن.(3/1035)
فأقبلوا يسيرون حتّى أتوا مرّ الظّهران «1» فإذا هم بنيران كأنّها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنّها نيران عرفة. فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو فقال أبو سفيان: عمرو أقلّ من ذلك. فرآهم ناس من حرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم أبو سفيان، فلمّا سار قال للعبّاس: «احبس أبا سفيان عند خطم الجبل «2» حتّى ينظر إلى المسلمين» فحبسه العبّاس، فجعلت القبائل تمرّ مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرّت كتيبة فقال: يا عبّاس من هذه؟ فقال: هذه غفار. قال: مالي ولغفار. ثمّ مرّت جهينة، قال: مثل ذلك، ثمّ مرّت سعد بن هذيم.
فقال: مثل ذلك، ومرّت سليم، فقال: مثل ذلك.
حتّى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟، قال:
هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الرّاية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحلّ الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عبّاس حبّذا يوم الذّمار «3» ثمّ جاءت كتيبة وهي أقلّ الكتائب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وراية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع الزّبير بن العوّام، فلمّا مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأبي سفيان. قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: «ما قال؟» قال:
كذا وكذا، فقال: «كذب سعد «4» ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة» ) * «5» .
14-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ؟» فقال أبو هريرة: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» ) * «6» .
15-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيّام أعظم عند الله ولا أحبّ إلى الله العمل فيهنّ من أيّام العشر فأكثروا فيهنّ التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير» ) * «7» .
16-* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال المؤمن معنقا «8» صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح «9» » ) * «10» .
__________
(1) مر الظهران: موضع من منازل مكة، وقيل هو واد بين مكة وعسفان.
(2) خطم الجبل: أي رعن الجبل وهو الأنف العظيم منه تراه متقدما عليه.
(3) يوم الذمار: أي يوم الحرب.
(4) وقوله كذب سعد: يعني أخطأ فيما قال.
(5) البخاري- الفتح 7 (4280) .
(6) الترمذي (2305) . وابن ماجة (4217) . وقال في الزوائد: هذا إسناد حسن. وأحمد (2/ 310) . وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 687) : وأخرجه البيهقي في الشعب وهو حديث حسن.
(7) ذكره الدمياطي في المتجر الرابح وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد، والبيهقي بإسناد لا بأس به نحوه (306) . السنن الكبرى (4/ 471) . ونحوه عند البخاري- الفتح (2/ 457) / (969) .
(8) معنقا: أي مسرعا إلى الخير.
(9) بلّح: يعني انقطع.
(10) أبو داود (4270) وقال الألباني: صحيح (3/ 805) . والحاكم (4/ 351) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة (2/ 24) / 511 وعزاه لابن حبان وابن عساكر. ومعنى الحديث: أن المؤمن لا يزال مسرعا في طاعته منبسطا في عمله، وقيل المراد يوم القيامة (النهاية: 3/ 310) .(3/1036)
الأحاديث الواردة في (تعظيم الحرمات) معنى
17-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. ويقيموا الصّلاة. ويؤتوا الزّكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» ) * «1» .
18-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلّا المسجد الحرام» ) * «2» .
19-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عرضت عليّ أعمال أمّتي، حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق. ووجدت في مساوي أعمالها النّخاعة «3» تكون في المسجد لا تدفن» ) *» .
20-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدّجّال، إلّا مكّة والمدينة، ليس له من نقابها «5» نقب إلّا عليه الملائكة صافّين يحرسونها. ثمّ ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات. فيخرج الله كلّ كافر ومنافق» ) * «6» .
21-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على النّاس فقال: «ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربّه فيتنخّع أمامه؟ أيحبّ أحدكم أن يستقبل فيتنخّع في وجهه؟ فإذا تنخّع أحدكم فليتنخّع عن يساره تحت قدمه. فإن لم يجد فليقل هكذا» يعني تفل في ثوبه ثمّ مسح بعضه على بعض) * «7» .
22-* (عن عبد الله بن زيد المازنيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة» ) * «8» .
23-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النّار من يوم عرفة. وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» ) * «9» .
24-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمّه» ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 1 (25) . ومسلم (22) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 3 (1190) . مسلم (1394) واللفظ له.
(3) النخاعة ما يخرجه الإنسان من حلقه، وقيل هي النخامة وهي ما يخرج من الخيشوم.
(4) مسلم (553) .
(5) نقابها: أي طرقاتها ومداخلها.
(6) البخاري- الفتح 4 (1881) . ولمسلم نحوه من حديث أبي هريرة (1380) .
(7) البخاري- الفتح 1 (408) . ومسلم (550) واللفظ له من حديث ابن عمر وأبي سعيد وأنس وعائشة رضي الله عنهم.
(8) البخاري- الفتح 3 (1195) . ومسلم (1390) .
(9) مسلم (1348) .
(10) البخاري- الفتح 4 (1819) . ومسلم (1350) واللفظ له.(3/1037)
25-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن أكل البصل والكرّاث. فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها. فقال: «من أكل من هذه الشّجرة المنتنة فلا يقربنّ مسجدنا. فإنّ الملائكة تأذّى ممّا يتأذّى منه الإنس» ) * «1» .
26-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من حمل علينا السّلاح فليس منّا» ) * «2» .
27-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك؛ فإنّ المساجد لم تبن لهذا» ) * «3» .
28-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى» ) * «4» .
29-* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار. فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها. ثمّ لاذ منّي بشجرة، فقال:
أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله» . قال: فقلت: يا رسول الله إنّه قد قطع يدي. ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقتله، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «5» .
30-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلاث: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني والمفارق لدينه التّارك للجماعة» ) * «6» .
31-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكّة السّلاح» ) * «7» .
32-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: خرجنا مع رسول الله يعني في غزوة ذات الرّقاع «8» فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتّى أهريق دما في أصحاب محمّد، فخرج يتبع أثر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فنزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم منزلا، فقال: «من رجل يكلؤنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: «كونا بفم الشّعب «9» » قال: فلمّا خرج الرّجلان إلى فم الشّعب، اضطجع المهاجريّ، وقام الأنصاريّ يصلّي، وأتى الرّجل فلما رأى شخصه عرف أنّه
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7359) . ومسلم (564) واللفظ له.
(2) البخاري- الفتح 12 (6874) . ومسلم (98)
(3) مسلم (568) .
(4) البخاري- الفتح 3 (1189) . ومسلم (1397) واللفظ له.
(5) البخاري- الفتح 12 (6865) . ومسلم (95) واللفظ له.
(6) البخاري- الفتح 12 (6878) واللفظ له. ومسلم (1676) .
(7) مسلم (1356) .
(8) ذات الرقاع: سميت غزوة ذات الرقاع؛ لأنهم لفوا على أرجلهم الخرق لمّا نقبت أرجلهم.
(9) فم الشعب: أي ما انفرج بين جبلين.(3/1038)
ربيئة «1» للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتّى رماه بثلاثة أسهم، ثمّ ركع وسجد ثمّ انتبه صاحبه، فلمّا عرف أنّهم قد نذروا به «2» هرب، ولمّا رأى المهاجريّ ما بالأنصاريّ من الدّم قال: سبحان الله ألا أنبهتني أوّل ما رمى. قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحبّ أن أقطعها) * «3» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (تعظيم الحرمات)
33-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة الّتي سرقت في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة الفتح. فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
فقالوا ومن يجترأ عليه إلّا أسامة بن زيد، حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتي بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فكلمّه فيها أسامة بن زيد فتلوّن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أتشفع في حدّ من حدود الله؟ فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلمّا كان العشيّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله. ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّما أهلك الّذين من قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ، وإنّي والّذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» ، ثمّ أمر بتلك المرأة فقطعت يدها) * «4» .
34-* (عن البراء- رضي الله عنه- قال:
لقيت خالي ومعه راية، فقلت له: أين تريد؟ قال:
بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله) * «5» .
35-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا فيصلّي فيه ركعتين» ) * «6» .
36-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: «لم أر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح من البيت إلّا الرّكنين اليمانيّين» ) * «7» .
37-* (عن عبد الله بن عديّ بن الحمراء- رضي الله عنه- أنّه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو على ناقته واقف بالحزورة «8» يقول: «والله إنّك لخير أرض الله، وأحبّ أرض الله إليّ، والله لولا أنّي أخرجت منك ما خرجت» ) * «9» .
38-* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي
__________
(1) الربيئة: الطليعة الذي يرقب الخصم من فوق مكان مرتفع.
(2) نذروا به: عرفوا مكانه وعرفوه.
(3) أبو داود (198) .
(4) البخاري- الفتح 7 (3733) . ومسلم (1688) واللفظ له.
(5) أبو داود (4457) . وابن ماجة (2607) . والنسائي (6/ 109) وقال الألباني: صحيح (2/ 701) رقم (3123) . والترمذي (1362) وقال: حسن غريب. والدارمي (2/ 205) رقم (2239) .
(6) مسلم (1399) .
(7) البخاري- الفتح 3 (1609) . ومسلم (1267) واللفظ له.
(8) الحزورة: هي التل الصغير.
(9) الترمذي (3925) واللفظ له وقال: حسن غريب صحيح. وابن ماجة (3108) وقال الألباني في صحيح ابن ماجة: صحيح برقم (2533) . وأحمد (4/ 305) وقال مخرجا زاد المعاد (1/ 49) : إسناده صحيح.(3/1039)
الله عنهما- قالا: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ خالد ابن الوليد بالغميم «1» في خيل لقريش طليعة «2» ، فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش «3» ، فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة «4» الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «5» . فألحّت «6» . فقالوا خلأت «7» القصواء. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق.
ولكن حبسها حابس الفيل. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة»
يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قد سهل لكم من أمركم. فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بسم الله الرّحمن الرّحيم فقال سهيل: أمّا الرّحمن فو الله ما أدري ما هي، ولكن اكتب باسمك اللهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا «بسم الله الرّحمن الرّحيم» . فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمّد بن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني» ، اكتب «محمّد بن عبد الله» وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» ... الحديث) * «9» .
39-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يأثم «10» ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه. والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قطّ حتّى تنتهك حرمات الله فينتقم لله» ) * «11» .
40-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: لمّا قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليوم الّذي أظفر الله فيه موسى وبني اسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن أولى بموسى منكم. فأمر بصومه» ) * «12» .
41-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحرقة «13» من جهينة.
فصبّحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم. فلمّا غشيناه. قال: لا إله إلّا الله.
فكفّ عنه الأنصاريّ. فطعنته برمحي حتّى قتلته. قال:
__________
(1) الغميم: موضع بالحجاز.
(2) طليعة: القوم الذين يبعثون لمطالعة خبر العدو.
(3) قترة الجيش: أي غبرته.
(4) الثنّيّة: هي الطريقة في الجبل، قيل: هي الجبل نفسه.
(5) حل حل: زجر للناقة إذا حثثتها على السير.
(6) فألحّت: أي لزمت مكانها ولم تتحرك.
(7) خلأت القصواء: أي بركت أو حرنت من غير علّة.
(8) لا يسألونني خطّة: أي أمرا واضحا في الهدى والاستقامة.
(9) البخاري- الفتح 5 (2731، 2732) .
(10) ما لم يأثم: أي ما لم يكن إثما.
(11) البخاري- الفتح 12 (6786) . ومسلم (2327) .
(12) البخاري- الفتح 7 (3943) . ومسلم (1134) .
(13) الحرقة: حيّ من العرب.(3/1040)
فلمّا قدمنا. بلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: «يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» قال: فقلت يا رسول الله، إنّما كان متعوّذا. قال: قال: «قتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله؟» فمازال يكرّرها حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) * «1» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (تعظيم الحرمات)
1-* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- لمّا طعنه أبو لؤلؤة المجوسيّ: الحمد لله الّذي لم يجعل موتي برجل يدّعي الإسلام. ثمّ سكت كالمطرق فقالوا: ألا ننبّهه للصّلاة فقيل الصّلاة يا أمير المؤمنين فقال: نعم. ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، ثمّ صلّى وجرحه يثغب «2» دما) * «3» .
2-* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-:
«يا صاحب الذّنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذّنب أعظم من الذّنب، إذا عملته: قلّة حيائك ممّن على اليمين وعلى الشّمال، وأنت على الذّنب أعظم من الذّنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذّنب، وفرحك بالذّنب إذا ظفرت به أعظم من الذّنب، وحزنك على الذّنب إذا فاتك أعظم من الذّنب، وخوفك من الرّيح إذا حرّكت ستر بابك وأنت على الذّنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذّنب إذا عملته» ) * «4» .
3-* (قال ابن مسعود- رضي الله عنه-:
«إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه» فقال به (وأشار بيده) هكذا) * «5» .
4-* (وقال- رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (الحج/ 25) : «لو أنّ رجلا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه الله من العذاب الأليم» ) * «6» .
5-* (قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- يوما بعد ما نظر إلى الكعبة: «ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمنون عند الله أعظم حرمة منك» ) * «7» .
6-* (وقال: «من ورطات الأمور الّتي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدّم الحرام بغير حلّه» ) * «8» .
7-* (قال أبو هريرة- رضي الله عنه-: «لو رأيت الظّباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها «9» » ) * «10» .
__________
(1) البخاري- الفتح 12 (6872) واللفظ له. ومسلم (96) .
(2) يثغب: أي يسيل.
(3) الثقات لابن حبان (2/ 238) .
(4) الحلية (1/ 324) وذكره ابن القيم في الداء والدواء (57) .
(5) البخاري- الفتح 11 (6308) .
(6) أضواء البيان (5/ 59) وعدن أبين مكان سحيق في جنوب الجزيرة العربية.
(7) الداء والدواء وعزاه للترمذي وحسنه (176) .
(8) الداء والدواء وعزاه للبخاري (176) وهو فيه (12/ 194) .
(9) ما ذعرتها: أي ما أفزعتها.
(10) مسلم (1372) .(3/1041)
8-* (عن السّائب بن يزيد رضي الله عنه- قال: كنت قائما في المسجد فحصبني «1» رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطّاب فقال: «اذهب فأتني بهذين» فجئته بهما. قال: «من أنتما أو من أين أنتما؟» قالا: من أهل الطّائف. قال: «لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما. ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «2» .
9-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«إنّكم لتعملون أعمالا هي أدقّ في أعينكم من الشّعر، إن كنّا لنعدّها على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الموبقات» ) * «3» .
10-* (قال عروة بن مسعود الثّقفيّ وهو يرمق أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينيه. قال: «فو الله ما تنخّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له» ) * «4» .
11-* (وفد هلال بن سراج بن مجّاعة إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، بعد ما ولي الخلافة بكتاب كتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى مجّاعة فأخذه عمر ووضعه على عينيه ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «5» .
إنّما قصد- رحمه الله تعالى- التّبرّك بالآثار الحسّيّة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يجوز فعل ذلك مع غيره عليه الصّلاة والسّلام.
12-* (قال بلال بن سعد- رحمه الله تعالى-:
«لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت» ) * «6» .
13-* (قال الإمام أحمد- رحمه الله تعالى-:
«لا يكتب القرآن على شيء منصوب ولا ستر ولا غيره، ويكره توسّد المصحف «7» » ) * «8» .
14-* (وقال القاضي (أبو يعلى) : إنّما كره ذلك لأنّ فيه ابتذالا له ونقصانا من حرمته فإنّه يفعل به كما يفعل بالمتاع. واختار ابن حمدان التّحريم وقطع به. وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن وإلّا كره فقط. ويقرب من ذلك مدّ الرّجلين إلى شيء من ذلك وقال الحنفيّة يكره لما فيه من أسماء الله تعالى وإساءة الأدب» ) * «9» .
15-* (قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-:
«أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته» ) * «10» .
16-* (وقال القاضي عياض- رحمه الله تعالى-: من استخفّ بالقرآن أو بالمصحف أو بشيء منه فهو كافر بإجماع المسلمين) * «11» .
__________
(1) فحصبني: أي رماني بالحصباء وهي الحصى.
(2) البخاري- الفتح 1 (470) .
(3) البخاري- الفتح 11 (6492) .
(4) البخاري- الفتح 5 (2731- 2732) .
(5) لسان العرب (4/ 2307) .
(6) سير أعلام النبلاء (5/ 91) .
(7) توسد المصحف: أن يضع المصحف تحت رأسه فينام عليه.
(8) الاداب الشرعية (2/ 285) .
(9) المرجع السابق نفسه.
(10) الاداب الشرعية (2/ 285- 286) بتصرف.
(11) المرجع السابق نفسه.(3/1042)
17-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-:
«كان الإمام مالك- رحمه الله تعالى-: إذا أراد أن يحدّث تنظّف وتطيّب وسرّح لحيته ولبس أحسن ثيابه» ) * «1» .
18-* (قال الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-: «بقدر ما يصغر الذّنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله» ) * «2» .
19-* (قال أبو بكر بن منير- رحمه الله تعالى:
«كان محمّد بن إسماعيل البخاريّ- رحمه الله تعالى- ذات يوم يصلّي فلسعه الزّنبور سبع عشرة مرّة فلمّا قضى صلاته قال: انظروا أيّ شيء هذا الّذي آذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزّنبور قد ورّمه في سبعة عشر موضعا ولم يقطع صلاته. وقال مرّة: كنت في آية فأحببت أن أتمّها» ) * «3» .
20-* (قال محمّد بن منصور- رحمه الله تعالى-: «كنّا في مجلس أبي عبد الله البخاريّ فرفع إنسان من لحيته قذاة وطرحها إلى الأرض. فرأيت محمّد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى النّاس فلمّا غفل النّاس رأيته مدّ يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمّه فلمّا خرج من المسجد رأيته أخرجها وطرحها على الأرض فكأنّه صان المسجد عمّا تصان عنه لحيته» ) * «4» .
21-* (قال زيد بن أسلم: الحرمات:
المشعر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات. قال النّيسابوريّ:
وتعظيمها العلم بوجوبها (أى بوجوب حرمتها) والقيام بحقوقها) * «5» .
22-* (أورد أبو جعفر النّحّاس في معانيه:
قال مجاهد: الحرمات: الحجّ والعمرة وقال عطاء:
المعاصي. قال أبو جعفر: والقولان يرجعان إلى شيء واحد؛ لأنّ حرمات الله- عزّ وجلّ- (تشمل) ما فرضه وأمر به و (تشمل) ما نهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنّه الّذي يحرم تركه (أي ترك أمر الله فيه) *» .
23-* (قال الزّمخشريّ: الحرمة ما لا يحلّ هتكه وجميع ما كلّفه الله تعالى بهذه الصّفة من مناسك الحجّ وغيرها) * «7» .
24-* (قال ابن عاشور: الحرمات تشمل كلّ ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحجّ كلّها وغيرها أيضا) * «8» .
25-* (قال ابن كثير: تعظيم الحرمات اجتناب المعاصي والمحارم، بحيث يكون ارتكابها عظيما في نفسه) * «9» .
__________
(1) البداية والنهاية (10/ 180) .
(2) الداء والدواء (58)
(3) مقدمة فتح الباري (505)
(4) مقدمة الفتح (505) .
(5) غرائب القرآن للنيسابوري (17/ 85) ، والكشاف للزمخشري (3/ 12) .
(6) معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (4) .
(7) الكشاف (3/ 12) .
(8) تفسير التحرير والتنوير (17/ 252) .
(9) تفسير ابن كثير (3/ 219) .(3/1043)